عنوان واسم المخترع: مختصر تفسير القمّي/ التحقيق والتخريج محمّد حسين الدرايتي.
تفاصيل النشر: قم : موسسة دارالحديث العلمية و الثقافية، مركز للطباعه والنشر، 1434 ق.= 1392.
خصائص المظهر: 613 ص.
فروست : معهد أبحاث تفسير أهل البيت عليهم السلام؛ 1.
حالة الإدراج: فيپا
لسان : العربية.
ملحوظة: ببليوغرافيا مع ترجمة.
موضوع : تفاسير شيعه -- نقد و تفسير
موضوع : احاديث -- مأخذ
معرف المضافة: موسسه علمي - فرهنگي دارالحديث. سازمان چاپ و نشر
تصنيف الكونجرس: BP93/ز9ت7 1392
تصنيف ديوي: 297/1726
ص: 1
ابن عتاثقي، عبد الرحمن بن محمّد، كان حيّاً سنة 786 ق.
[تفسیر القمی . برگزیده]
مختصر تفسير القمّي/ عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم المعروف بابن العتائقي؛ تحقيق: مُحَمَّد - واد الحسيني الجلالي.
-قم: دار الحديث، 1432 ق=1390 ش.
610 ص . - ( مركز بحوث دار الحديث ؛ 231).
فهرست نویسی پیش از انتشار بر اساس اطلاعات فیپا . کتابنامه : ص 594 - 602 ؛ همچنین به صورت زیر نویس
؟؟؟؟ ریال دوره ...-...-...- ISBN: 964
فهرست نویسی پیش از انتشار بر اساس اطلاعات فیپا.
کتاب نامه: ص594-602، همچنین به صورت زیر نویس.
1. تفاسیر شیعه - قرن 3 ق. الف. قمّي، علي بن ابراهيم قرن 3 ق. ب. عنوان. ج. عنوان : تفسير القمّي.
1390 7015 ت ق / BP 297/1726
فهرست نویسی پیش از انتشار، توسّط کتاب خانه تخصّصي حديث/ قم.
ص: 2
مُخْتَصَرُ
تَفْسِيرِ الْقُمِّيِّ
لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْعَتَائِقِيِّ
(كَانَ حَيّاً سَنَة 786 ق)
تَحْقِيقُ
مُحَمَّد جَوَادِ الْحُسَيْنِيِّ الْجَلَالِيِّ
ص: 3
مختصر تفسير القمي
عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم المعروف بابن العتاثقي
تحقيق: مُحمّد جواد الحسيني الجلالي
مساعد: قسم إحياء التراث في مركز بحوث دار الحديث
الفهارس الفنيّة: محمّد كريم صالحي
الإخراج الفني: محمّد كريم صالحي
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
الطبعة : الأولى، 1432 ق / 1390 ش
المطبعة : دار الحديث
الكمية: ؟؟؟؟
الثمن: ؟؟؟؟
دار الحديث للطباعة والنشر
مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافيّة
دار الحديث للطباعة والنشر: قم ، شارع معلّم ، قرب ساحة الشهداء ، الرقم 125
الهاتف: 0217740571 - 02517740523 ص . ب : 4468 / 37185
hadith@hadith.net
http://www.hadith.net
ص: 4
إنَّ القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى، والمصدر التشريعي الأوّل، و نور و برهان و موعظة من عند الله؛ وقد أجمعت العلماء على أنّ فيه ناسخاً و منسوخاً، و محكماً و متشابهاً، و مطلقاً ومقيّداً، فلابدّ لهذا الكتاب من المفسّرين المتبحّرين المتفنّنين في العلوم المحتاجة إليها في التفسير؛ ولا يخفى أن المفسرين أيضاً قد يعجز عن فهم بعض الآيات لاسيّما موارد الناسخ والمنسوخ أو المحكم والمتشابه و نحوها من الموارد التي لا يمكن معرفتها إلّا بالرجوع إلى أولي الأمر والراسخين في العلم وهم أهل بيت العصمة والطهارة علیهم السّلام؛ فعلى هذا قالوا علیهم السّلام: «نحن خزّان علم الله ، وتراجمة وحي الله» [الكافي 1: 192 ح 3].
ولقد تصدّى بعض المحدّثين والعلماء منذ حياة الأئمّة المعصومين علیهم السّلام إلى زماننا الحاضر لتدوين الروايات التفسيريّة عنهم، بعضها فى حدّ رسالة شاملة لأحاديث معدودة أو ناظرة لآية معيّنة من القرآن الكريم، وبعضها ضخم صنّف مستقلّاً في المراد على ترتيب السور والآيات في المصحف الشريف، و من أظهر كواكب هذا السماء: التفسير المنسوب للإمام العسكري علیه السّلام، و تفسير أبي حمزة الثمالي، و تفسير فرات الكوفي، و تفسير العيّاشي، و تفسير القمّي.
و لا يخفى على أهل التحقيق أهمّيّة كتاب تفسير القمّى و اعتباره، و فضيلة مؤلّفه عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، و هو من أعلام القرن الثّالث والرابع وأجلّ رواة الأصحاب فى عصر الإمام العسكري علیه السّلام، و قد أكثر الكليني رحمه الله عنه الرواية في الكافي و أيضاً عن أبيه إبراهيم بن هاشم الثقة. وطُبع هذا التفسير مراراً، و مكانته عند الأصحاب كالشمس في رابعة النهار.
ص: 5
وما بين يدي القارئ هو مختصر تفسير القمّي صناعة أحد أعلام القرن الثامن من الهجرة، المتفنّن في العلوم والفنون المختلفة، صاحب الرأي في الحكمة والكلام والفقه والتفسير والطبّ والرياضي وغيرها، ويعدّ من تلامذة العلّامة الحلّي رحمه الله والخواجة نصير الدين الطوسي رحمه الله، قد بلغت مصنّفاته إلى أكثر من 35 مورداً، و هو كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد يوسف ابن العتائقيّ الحلّي (كان حيّاً في سنة 786ه).
و ما اكتفى المصنّف رحمه الله فيه على التلخيص فقط ، بل أمعن النظر فيه و جاء بإفادات ثمينة مفيدة تجد فيها دقّة و تأمّلاً جيّداً و نقداً مثمراً على نحو «أقول ...».
وفي الختام نشكر جزيلاً سماحة الأخ المحّقق الفاضل الشيخ محمّد جواد الحسينيّ الجلالي الذي تصدّى لتحقيق هذا الأثر الفخيم بمنهجه القويم، كما نشكر أيضاً إخواننا المحقّقين الذين ساعدونا في إخراج هذا الأثر القيّم، ملتمسين لهم جميعاً من الله تعالى مزيد التوفيق لما يحبّ ويرضى.
معاون شؤون البحوث
في مركز بحوث دار الحديث
محمّد حسين الدرايتي
ص: 6
من العلماء الشيعة المتفنّنين فى العلوم : كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد يوسف ابن العتائقي الحلّي، فقد برع في العلوم، و امتاز من أقرانه بزيادة الفضل و النباهة و التبحّر في الفنون. وممّا يؤسف له أنّه لم تورّخ جزئيّات حياته العلميّّة ونشأته الفكريّة، و الذي تكلّم عن أحواله إنّما ذكر مطالب استُخرجت من آثاره الباقية حتّى الآن؛ وهى آثار كثيرة بمكننا أن نطّلع من خلالها على بعض أفكاره وأحواله.
و الذي يظهر من هذه الآثار أنّه اشتغل طوال حياته بالعلم؛ إمّا تحصيلاً، وإمّا تدريساً، و إمّا تأليفاً. ويظهر منها أنّه كان متبحّراً في التفسير و الحديث و الفقه و الحكمة والكلام و المنطق والأدب والنجوم و الطبّ، وله في كلّ من هذه العلوم آثار قيّمة، إلّا أنَّ آثاره في الأدب و الطبّ و النجوم كانت أكبر.
لم نعثر على تأريخ ولادته إلّا ما قاله كحّالة في معجم المؤلّفين بأنّه ولد في عام (699ه)(1)في مدينة الحلّة في «العتائق» من قراها، على ما قاله صاحب الأعلام،(2) وفي القاموس المحيط: «العتائق: قرية بنهر عيسى، وقرية بشرقي الحلّة المزيدية»(3).
قلنا تمهيداً بأنه لم يؤرّخ جزئيات حياته العلميّة أحد من المؤرّخين أو كتاب السير، إلّا أنّا نعلم أنّه قد أدرك العلّامة الحلّي رحمه الله (726ه) الذي تلمّذ عند الخواجه نصير
ص: 7
الطوسي رحمه الله، وأنّه كان يقفو أثر الخواجة في نشاطاته العلميّة، وقد اضطلع مثله في شتّى العلوم والفنون، وسنشير إلى تعدّد آثاره وتنوّعها فيما يأتي لاحقاً تحت عنوان «مكانته في العلوم».
كان ابن العتائقي معاصراً للشهيد الأوّل رحمه الله، وقد يعدّه بعض المحقّقين(1) من تلامذته وأنّه تلقّى عن الشهيد كثيراً من العلوم.
وذكر السّيد محسن الأمين رحمه الله في أعيان الشيعة(2) أنّه يروي عن الزهدري، ويروي عنه السيّد بهاء الدين عبد الحميد النجفي أستاذ أحمد بن فهد الحلّي. وأمّا مشايخه فقد ذكر المحقّق الطهراني رحمه الله في الطبقات(3) أنَّ من مشايخه نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي ( ت 755ه) و العلّامة الحلّي ( ت 726ه)، وسيأتي نصّ كلام الطهراني قريباً عند ذكرنا لكلام العلماء حوله.
وقد وصفه كثير من المترجمين والمفهرسين والمحقّقين بالعلم والحكمة والجلالة والفضل والكمال، حيث لفتَ أنظارهم بعضُ آرائه؛ لا سيّما في التفسير والعلوم القرآنيّة وشرح الأحاديث، وذلك من خلال آثاره التي سنتعرّض لذكرها قريباً.
وعن الزركلي: «ساح في فارس و غيرها سنة (746ه)، فغاب نحو عشرين سنة، أقام أكثرها في إصفهان، وعاد، ثمّ رحل إلى النجف»(4).
ذكرنا أنَّ آثار ابن العتائقى وما حوته من آراء في شتّى العلوم لفتت أنظار عدّة من العلماء، فاستنداو إلى أقواله وآرائه وأثنَوا عليه، وسنُلقى هنا نظرة على بعض العبائر التي قيلت في حقّه:
1. أوّل من تكلّم عن ابن العتائقي صاحب كتاب السلطان المفرّج عن أهل الإيمان، فإنّ مؤلّفه وصف ابن العتائقي في سنة ( 759ه) في هذا الكتاب بما لفظه:
المولى الأجلّ الأمجد. العالم الفاضل، القدوة الكامل. المحقّق المدقق، مجمع الفضائل،
ص: 8
ومرجع الأفاضل، افتخار العلماء العاملين، كمال الملّة والدين، عبد الرحمن بن العتائقي.(1)
2. و في القرن التاسع توجّه إلى آثار ابن العتائقي العالم الناسك و المحقّق الخبير الشيخ إبراهيم الكفعمي رحمه الله، فقد نقل في موارد متعدّدة من مؤلفاته حكايات و كرامات عن ابن العتائقي، منها في هامش البلد الأمين و جنّة الأمان الواقية و جنّة الإيمان الباقية المعروفة بمصباح الكفعمي.
3. نقل العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار حكاية عن ابن العتائقي، ولكن لم يذكر الكتاب الذي نقل عنه، فقال ما نصّه:
يقول عبد الرحمن بن محمّد بن العتائقي عفا الله عنه: وأنا كنت جالساً في حسن الأدب مقابل باب الحضرة المقدّسة، فجاء رجلان يريد أحدهما يحلّف الآخر باب الحضرة الشريفة، فقال له: والساعة لا بدّ لك أن تحلّفني، وأنت تعلم أنّي مظلوم، وأنّك ليس لك قبلي شيء، وأنّك تفعل ذلك بي عناداً! قال له: لا بدّ من ذلك. فقال: اللّهمّ بحقّ صاحب هذا الضريح، من كان المعتدي على الآخر منا يغمى ويموت في الحال، وحلّفه، فلمّا فرغ من اليمين غشي على الذي حلّفه، فحُمل إلى بيته، فمات في الحال.(2)
4. وقال المحقّق الفيض الكاشاني في الوافي ما نصّه:
نقل العتائقي في شرحه لنهج البلاغة عن المدائني أنّه قال في كتاب الأحداث: أنّ معاوية كتب إلى عمّاله أن ادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد في أبي تراب إلّا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فرُويت أخبارٌ كثيرة مفتعلة لا حقيقة لها حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر. و روى ابن أبي الحديد أنّ معاوية أعطى صحابيّاً مالاً كثيراً ليضع حديثاً في ذمّ عليّ علیه السّلام ويحدّث به، ففعل، ويروى عن ابن عرفة المعروف بنفطويه: أنّ أكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعلت في أيّام بني أميّة تقرّباً إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون بها أنف بني هاشم.(3)
5. وقد اعتنى المحقّق الخبير الميرزا عبد الله الأفندي بأحوال ابن العتائقي وأورد
ص: 9
شطراً من أحواله، وسرد أسماء بعض آثاره في رياض العلماء، حيث رأى بعض آثاره، وقام بمطالعتها و نقلها، و كان عنده بعض النسخ من مؤلّفات ابن العتائقي. وإليك ملخّص ما قاله الأفندي في أحواله:
الشيخ العالم العلّامة كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن العتاثقي الحلّي، الفاضل العالم الفقيه المعروف بابن العتاثقي شارح نهج البلاغة وغيره من المؤلّفات، وله ميل إلى الحكمة والتصوّف، لكن قد أخذ أصله من شرح ابن ميثم كما يظهر من شرحيهما نهج البلاغة وتبعه في ذلك ... وما أوردناه في نسبه رأيناه بخطّه الشريف على آخر المجلّد الثالث من شرح نهج البلاغة قدس سره. وسيجيء في باب الميم ترجمة للعتاثقي الآخر وهو الشيخ محمّد بن عليّ بن أحمد بن أبي الحسن العتاثقي، والظاهر أنّه من أقرباء هذا العتاثقي... وكان من مشايخ السيّد بهاء الدين عبد الحميد النجفي، ويروي عن جماعة منهم الزهدري أو ابن الزهدري ... ثمّ إنّه قد وصفه الكفعمي في المصباح(1) بأنّه العالم العامل الفاضل الكامل...(2).
6. بحث الشيخ العلّامة الآقا بزرگ الطهراني رحمه الله أيضاً في كتابيه: طبقات أعلام الشيعه، والذريعة عن أحوال ابن العتائقي وآثاره أكثر من سائر المترجمين، حيث ذكر فيهما جلّ مؤلّفاته - والتي سنقف عليها في عنوان «آثاره العلمية» - وأورد نبذة من أحواله وأحوال بعض مشايخه وتلاميذه، وإليك ملخّص ما قاله في الطبقات:
المهندس الأديب الطبيب الصوفي كمال الدين المعروف بابن العتاثقي الحلّي ... وبالجملة يظهر من تصانيفه الموجودة أنّه كان جامعاً للفنون، ماهراً في الحكمة والكلام والرياضي والطبّ وغيرها من أنواع العلوم... وقد أظهر تقواه في ماكتبه في آخر (شرح حكمة الإشراق) في اعتكافه في رمضان (756ه) بمسجد الكوفة وكتب في حال الاعتكاف شرح الشمسية للقطب و شرح الكافية لمؤلّف حكمة الإشراق وتسليك النفس للحلّي، ومع ذلك قضى صلوات سنة كاملة كلّ ذلك معتكفاً، وكأنّه أراد إفهام القشريّين بإمكان الجمع بين الدين والفلسفة قولاً وعملاً... ومن مشايخه نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي (ت 755ه) كما يظهر من الشهدة فعبّر عنه ب: شيخنا نصيرا الملّة
ص: 10
والحقّ والدين، بل يظهر من تعبيره عن العلّامة الحلّي (ت 726ه) في الإيضاح ب: شيخنا المصنّف، أنّه تلمّذ عليه أيضاً . (1)
7.قال المحدّث الخبير الحاج الشيخ عبّاس القمّي في كتابه الكنى والألقاب:
ابن العتاثقي: كمال الدين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن العتاثقي الحلّي الإمامي، الشيخ العالم الفاضل، المحقّق الفقيه المتبحّر، كان من علماء المائة الثامنة، معاصراً للشيخ الشهيد وبعض تلامذة العلّامة رحمهم الله تعالى. له مصنّفات كثيرة في العلوم، رأيت جملة منها في الخزانة المباركة الغرويّة، ولعلّ بعضها كانت بخطّه، وله شرح على نهج البلاغة. قال في الرياض: وله ميل إلى الحكمة والتصوّف، لكن قد أخذ أصل شرحه من شرح ابن ميثم، وكان تأريخ فراغه من تصنيف المجلّد الثالث من شرحه على النهج في شعبان سنة ( 780ه)(2). انتهى. والعتائق - كما في القاموس(3) -: «قرية بنهر عيسى، وقرية بشرقي الحلّة المزيديّة». (4)
8. قال فارس الحسّون في هامش كتاب محاسبة النفس للكفعمي:
قلت: في قولهم: «فلان لا يعرف هرّاً من برّ» ثلاثة أقوال:
الأوّل: أنّه لا يعرف من يكرهه ممّن يبّره. قال الشيخ عبد الرحمن العتائقي في كتابه الملقّب بالغرر والدرر: وهذا القول أجود الأقوال.
الثاني: لا يعرف شيئاً من شيء.
الثالث: لا يعرف السنور من الفأرة.(5)
9. وقال إسماعيل باشا البغدادي في هديّة العارفين:
ابن العتاثقي: كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الحلّي المعروف بابن العتائقي الشيعي. له اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل، شرح نهج البلاغة في مجلّدات، كتاب الأضداد في اللغة. كتاب الأعمار. فرغ من شرح نهج البلاغة سنة
(876 ه- )(6).
ص: 11
10. وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة:
عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد بن إبراهيم بن يوسف المعروف بابن العتاثقي، هو معاصر للشهيد، فاضل عالم محقّق مدقّق فقيه متبحّر، في طبقة الشهيد الأوّل و.....(1).
11. وفي الأعلام للزركلي:
عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم العتاثقي كمال الدين، من علماء الحلّة (بالعراق)، ولد وتعلّم فيها، ومال إلى الفلسفة والتأريخ، وساح في فارس وغيرها سنة (746ه)، فغاب نحو عشرين سنة أقام أكثرها في إصفهان، وعاد، ثمّ رحل إلى النجف. نسبته إلى العتائق؛ من قرى الحلّة. له مصنّفات أكثرها مختصرات من كتب غيره أو شروح، بقي منها في خزائن النجف: كتاب الأعمار. (2)
تحصّل أنّ ابن العتائقي قد برع في العلوم وصنّف في علوم شتّى، ويظهر من آثاره أنّ له تبحّر في أنواع من العلوم؛ كالطبّ، والهيئة، والمنطق، والحكمة، والفقه، والتفسير، والعلوم الحديثيّة والقرآنيّة.
فقد صنّف في علوم القرآن: الوجيز في تفسير كتاب العزيز، الناسخ والمنسوخ، و مختصر تفسير علىّ القمّي.
وفي العلوم الحديثيّة : شرح نهج البلاغة ( في أربعة مجلّدات).
وفي الصنعة: اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل.
وفي النجوم و الهيئة: الإرشاد في معرفة مقادير الأبعاد، الرسالة المفيدة لكل طالب في معرفة مقدار أبعاد الأفلاك، شرح الچغمينى (أو شرح الملخّص في الهيئة)، الشهدة في شرح تعريب الزبدة، وصفوة الصفوة للعارف.
وفي الأدب: الأضداد في اللغة، الحدود النحويّة، الدرّ المنتخب في لباب الأدب، شرح ديوان المتنبّي، شرح منتخب القصائد العشر، شرح قصيدة أبي دلف، مختصر غرر الفرائد و درر الفرائد؛ للسيّد المرتضى، المآخذ على الحاجبيّة، ومختصر الأوائل.
ص: 12
وفي الطبّ: الإيماقي في شرح الإيلاقي، التشريح، التصريح في شرح التلويح إلى أسرار التنقيح، والرسالة المفردة في الأدوية المفردة.
وفي العقيدة: الإيضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين؛ للعلّامة الحلّي.
وفي المنطق: البسط والبيان في شرح تجريد الميزان، شرح رسالة في الدلالة، القسطاس المستقيم، والمعيار.
وفي الفقه: تجريد النيّة من الرسالة الفخريّة، ودرر النقاد في شرح الإرشاد؛ للعّلامة الحلّي.
وفي الملل و النحل: الرسالة الفارقة و الملحة الفائقة.
وفي الحكمة : زبدة رسالة العلم، ومختصر شرح حكمة الإشراق.
وفي التفسير: اختصار تفسير القمّي.
كان ابن العتائقي محبّاً للعلم، وقد ألّف رسائل متعددّةَ في شتّى العلوم، وسوف يأتي تفصيلها، و هو مع ذلك استنسخ نسخاً كثيرة من الكتب التي يهواها، و قد وقف على مجموعة منها شيخنا العلّامة الطهراني و الأستاذ السيّد أحمد الحسيني الإشكوري في خزانة مكتبة النجف الأشرف، و ذُكرا في الذريعة و فهرس مخطوطات الخزانة الحيدريّة بما نصّه:
1. الرسالة الغرّاء في الفرق بين نوعي العلم الإلهي والكلام؛ لسراج الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر بن أحمد الأرموي ( ت 682ه). استنسخها ابن العتائقي في الغري سنة ( 778ه). (1)
2.مصباح الأرواح؛ للبيضاوي. استنسخه في سنة ( 732ه)، و هي موجودة في مكتبة الخزانة الحيدريّة، وكتب في آخرها صورة إجازة شيخه نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي للشيخ شمس الدين محمّد بن صدقة في سنة ( 725ه). (2)
3.مجموعة تشتمل على عدّة رسائل. و نسختها موجودة في الخزانة الحيدريّة في
ص: 13
النجف الأشرف، كتبها في النجف الأشرف سنة ( 778ه)، و هي تحتوي على رسائل:
أ. أسئلة السيّد ركن الدين الإسترابادي (المتوفّى حدود سنة 717ه)، وهي عشرون مسألة حكميّة ومنطقية سألها من أستاذه خواجه نصير الدين الطوسي ( ت 672ه).
ب. رسالة في العشق؛ للشيخ الرئيس أبي عليّ الحسين بن عبد الله بن سينا.
ج . فوائد في الحكمة و الكلام؛ للخواجه نصير الدين الطوسي. و هي خمسة فوائد بهذه العناوين: فائدة في بقاء النفس الإنسانيّة بعد خراب البدن، فائدة في الخير والشرّ، فائدة في صدور الكثرة عن الواحد، فائدة في ضرورة الموت، فائدة في عدم انفكاك العلّة التامّة عن معلولها.(1)
4. نظم رسالة حيّ بن يقظان و رسالة الطير. كلاهما بخطّ ابن العتائقي.
5. رسالة في أحوال النفس الإنسانيّة؛ لابن سينا. (2)
6. رسالة في الدلالة؛ لفخر الدين أبي الحسن عليّ بن محمّد البندهي المعروف بابن البديع.(3)
7. شرح العمدة؛ لابن مالك النحوي. كتبها في سنة ( 734ه) في المدرسة المستنصريّة ببغداد.(4)
8. تحرير إقليدس (أو تحرير أصول الهندسة)؛ للطاووسي. نسخة منه بخطّ ابن العتائقي موجودة في الخزانة الرضويّة، رآها السيّد الأمين.(5)
9. منهاج اليقين في أصول الدين؛ للعلّامة الحلّي. مخطوطة منه في مكتبة البرلمان الإيراني السابق رقم 6290 وعليها خطّ ابن العتائقي.(6)
1. اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل. ذكره الأفندي في رياض العلماء و قال: «... و قد ذكره الكفعمي في كتاب مجموعة الغرائب، ثمّ نسب إليه كتاب اختيار حقائق الخلل
ص: 14
في دقائق الحيل، و كان أصل هذا الكتاب من غير هذا الشيخ و هو قد اختاره».(1)
2. الإرشاد في معرفة مقادير الأبعاد ( في الهيئة)، شرح على الباب الرابع من كتاب التذكرة في الهيئة؛ تأليف خواجه نصير الدين الطوسي ( ت 672ه). أتمّه في يوم الأربعاء 20 محرّم (سنة 788ه) في النجف الأشرف. أورد متن الكتاب تحت عنوان «قال» و الشرح تحت عنوان «أقول». توجد نسخة أصل هذا الشرح في خزانة المكتبة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 702كما ذُكر في فهرسها. (2)
3. الأضداد في اللغة. قال الأفندي في الرياض: «ومن مؤلّفاته إيضاح كتاب الأعمار، نسبه الكفعمي في حواشي البلد الأمين و ينقل عنه. و له أيضاً الأضداد في اللّغة، و الظاهر أنّه عين سابقه».(3)
4. الأعمار. ذكره الأفندي في الرياض- كما نقلنا عنه في النقطة السابقة - ثمّ احتمل اتّحاده مع كتاب الأضداد في اللغة الذي مرّ ذكره.(4)
5. الإيماقي في شرح الإيلاقي (في الطبّ). قال الطهراني في الذريعة:
الإيماقي في شرح الإيلاقي. أوّله: الحمد لله حمداً يليق بنعمه. وعناوينه (ص) للأصل، (ش) للشرح. رأيت النسخة بخطّ تلميذ الشارح في الخزانة الغرويّة، مكتوب في آخرها: «إنّ المولى العالم الفاضل الكامل مفخر الفضلاء في الزمان، مسيح الدوران، ظهير الملّة والدين عبد الرحمن بن العتائقي، قد شرع في الشرح في حادي عشر ذي الحجّة سنة 754، وفرغ منه في الثامن عشر من المحرّم سنة 755، كتبه العبد محبه ومعتقده حسين بن محمّد»، وعليه تقريظ أطرى فيه الشرح ومؤلّفه، وفي آخر التقريظ:
«كتبه عبده الأصغر ومحبّه الأكبر محمّد بن جعفر النباطي».(5)
و قال في بيان كتاب الإيلاقي:
الإيلاقي في الطبّ، ويقال له: الفصول الإيلاقيّة، أو مختصر القانون، للسيّد شرف الدين
ص: 15
أبي عبد الله محمّد بن يوسف الإيلاقي، اختصر الكتاب الأوّل الذي في كلّيّات الطبّ من كتاب القانون الذي ألّفه الشيخ الرئيس أبو عليّ بن سينا، أوّله: الحمد لله الغنيّ الحميد، والصلاة على خير خلقه محمّد وآله. إعلم أنّ الطبّ.(1)
توجد نسخه من كتاب شرح الإيماقي بخطّ الشارح في خزانة مكتبة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 632، (2) كما توجد نسخة نفيسة منه بخطّ أبو المعالي بن أبي الكرم بن أبي السهل النصراني في مكتبة مدرسة خان في مدينة يزد برقم 58، كتبت في سنة ( 688ه) وقوبلت بالأصل.(3)
الأوليّات = مختصر كتاب الأوائل.
6. الإيضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين أو مناهج اليقين. الأصل تصنيف أستاذه العلّامة الحلّي في الاعتقادات أوّله: «الحمد لله المتعالي بجلال أحديّته عن وصمة الكثرة والتقدير». شرع فيه في الثاني والعشرين من شهر رمضان، و فرغ منه بعد خمسين يوماً في الثاني عشر من ذي القعدة سنة (787ه)، وألحق بآخره زبدة رسالة العلم التي سألها كمال الدين ميثم عن المحقق خواجه نصير الدين الطوسي، وقال في آخره: إنّه يكتب هذه الرسالة بعد قول شيخنا المصنّف «مسألة العلم على ضربين»، ثمّ كتب على ظهر الرسالة هكذا: «الرسالة المكملة لشرح المناهج».(4)
ثمّ اعلم أنّه قد ذكرت نسخة من كتاب مناهج اليقين في كتاب فهرست كتب خطّى کتابخانه های اصفهان(5)كتبه ابن العتائقي بخطّه، وكتب على هامشه توضیحات، و الظاهر أنّه كتب تلك الحواشي قبل هذا الشرح، فراجع. (6)
وتوجد نسخة من كتاب الإيضاح والتبيين في مكتبة خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 630 و تأريخ كتابته سنة ( 879ه).(7)
ص: 16
7. البسط والبيان في شرح تجريد الميزان ( في المنطق). شرح مزجيّ على كتاب تجريد الميزان، أتمه في سنة ( 788ه). توجد نسخة خطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 712. (1)
8. تجريد النيّة من الرسالة الفخريّة ( في الفقه). اختصار لِقسم نيّة العبادات من الرسالة الفخريّة لأستاذه العلّامه الحلّي، أتمّها في سنة (753ه). توجد نسخة خطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم710. (2)
9. التشريح في الطبّ. وقد رأى الطهراني نسخة من هذا الأثر في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف و ذكرها في الذريعة. لكنه لم يُذكر في فهرس تلك المكتبة التي ألّفها الأستاذ السيّد الأحمد الإشكوري بعد مشاهدة الطهراني.(3)
10. التصريح في شرح التلويح إلى أسرار التنقيح. الذي هو تأليف فخر الدين الخجندي في الطبّ أيضاً، ألّفه في سنة (744ه) في النجف الأشرف، و هو في أربعة مجلّدات، توجد أربع نسخ منه في الخزانة الحيدريّة:
أ. رقم 663 المجلّد الأوّل من الكتاب، بخطّ المؤلّف، أتمّها في أوّل شعبان سنة (774ھ).
ب. رقم 637 المجلّد الثاني من الكتاب، أتمّها في سنة ( 744ه) في النجف الأشرف.
ج . رقم 662 بخطّ المؤلّف أيضاً، و من المؤسّف أنّه قد ضاع من أوّلها و آخرها أوراق.
د . رقم 667 بخطّ المؤلّّف أيضاً، ويشتمل على قسم من الكتاب.(4)
واعلم أنّه قد ذكر في الكشف الظنون شرحاً آخر لكتاب التلويح بعنوان «التصريح في شرح التلويح» و شارحه لطف الله المصري، فهو غير شرح ابن العتائقي.(5)
تفسير ابن العتائقي = الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
ص: 17
11. الحدود النحويّة ( في الأدب العربي). ألفه في سنة (787ه). توجد نسخة بخطّ
المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة برقم 708. (1)
12. الدرّ المنتخب في لباب الأدب. قال شيخنا الطهراني: «رأيت النسخة بخطّه في الخزانة الغرويّة مع بعض تصانيفه الأخر، ذكر فيه أنّه ألّفه في اثني عشر يوماً من رمضان سنة ( 776ه)». (2)
13. درر النقاد في شرح إرشاد الأذهان؛ لأستاذه العلّامة الحلّي (ت 726ه) في الفقه. شرحه بعناوين «قال - أقول»، و أكثر فيه النقل عن الشيخ الطوسي و غيره. توجد منه نسختان:
الأولى: نسخة في المكتبة المرعشيّة برقم 8609 تشتمل على المجلّد الأوّل و الثاني من الكتاب، و انتهى إلى أحكام النكاح، و قد ضاع من أوائل النسخة و أواخرها أوراق.(3)
والثانية: نسخة في مكتبة جامعة طهران برقم 1280. (4)
14. الرسالة الفارقة و الملحة الفائقة في الفرق والملل. قال الطهراني في الذريعة: «.... في مجموعة كلّها بخطّه في سنة (778ه) في الخزانة الغرويّة. أوّلها: "الحمد لله المنقذ من الضلالات المخلص من الجهالات..." إلى قوله : "فهذه رسالة تتضمن أن مخالف الحقِّ من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ وتعداد فرق المسلمين". وفي آخرها نقص، والظاهر أنّه لم يخرج من قلمه إلّا الموجود».(5)
طبعت هذه الرسالة بتحقيق الدكتور جواد مشكور في مجلة «معارف اسلامي» العدد الأوّل، السنة الأولى في (1345ه- ش).
15. الرسالة المفردة في الأدوية المفردة (في الطبّ). ذكر فيه أسامي النباتات الطبيّة على ترتيب حروف المعجم وذكر خواصّها. توجد نسخة خطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 743. (6)
ص: 18
16. الرسالة المفيدة لكلّ طالب في معرفة مقدار أبعاد الأفلاك و الكواكب ( في الهئية).
فرغ منها في منتصف ذي الحجة سنة (787ه)، مرتّباً على فصول. أوّلها في أبعاد كلّ جرم من الأجرام السماويّة. وهو شرح لمبحث مقادير الأبعاد والأجرام الذي أورده الخواجة نصير الدين الطوسي في كتابه التذكرة.
جعل ابن العتائقي هذا الشرح تكملة لشرحه على الچغميني الذي ألّفه في 12 ذي الحجّة سنة (787ه). ثمّ كتب في آخر الشهدة في معرب الزبدة - الّذي فرغ منه في 14 محرّم سنة ( 788ه) - أنّه كتب الرسالة هنا أيضاً. (1)
17. زبدة رسالة العلم (أو الرسالة المكملة لشرح المنهاج) في الحكمة، لخصّ ابن العتائقي في رسالته هذه الرسالة المسمّاة برسالة العلم؛ وهي الرسالة التي تشتمل على أسئلة سألها كمال الدين ابن ميثم البحراني عن الخواجة نصير الدين الطوسي وأجاب الطوسي عنها. وقد جعل ابن العتائقي هذه الرسالة تكملةَ لكتابه الإيضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين في أصول الدين الّذي مرّ ذكره. وذكر شيخنا الطهراني في الذريعة: أنّه رأى النسخة بخطّ المؤلّف في الخزانة الغرويّة، كتب على ظهرها ( الرسالة المكملّة لشرح المنهاج)، وأنّه قال في آخره: إنّه يكتب هذه الرسالة بعد قول شيخنا المصنّف: مسألة العلم على ضربين. (2)
شرح إرشاد الأذهان = درر النقاد في شرح الإرشاد
شرح أسئلة ابن ميثم من نصير الدين طوسي = زبدة رسالة العلم
شرح تجريد الميزان = البسط و البيان في شرح تجريد الميزان
18. شرح الچغميني (شرح الملخّص في الهيئة). شرح على كتاب الملخّص في الهيئة تأليف محمود بن محمّد الچغميني، فرغ منها في 12 ذي الحجّة (787ه)، ثمّ ألّف في تكميلها «الرسالة المفيدة لكلّ طالب» التي سيأتي ذكرها. (3)
ص: 19
19. شرح ديوان المتنبّي، شرح على ديوان أبي الطيّب أحمد بن حسين الكوفي المشتهر بالمتنّبي ( ت 354ه). شرحها في سنة ( 781ه). توجد نسخة من المجلّد الثاني منها بخطّ الشارح في الخزانة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 681. (1)
20.شرح رسالة في الدلالة ( في المنطق). شرح على رسالة الدلالة على اصطلاح أهل المنطق التي ألّفها أبو الحسن عليّ بن محمّد البندهي المعروف بابن البديع.(2)
21. شرح منتخب القصائد العشر. انتخب ابن العتائقي من القصائد العشر المعروفة أبياتاً، ثمّ شرحها، أوّلها: «الحمد لله الذي جعلنا من أهل...».
توجد نسخة منها في مكتبة برلين في ألمانيا ضمن مجموعة برقم 9144، ورقة 13-16. (3)
شرح فصول الإيلاقيّه = الإيماقي في شرح الإيلاقي
22. شرح قصيدة أبي دلف. شرح على قصيدة مسعر بن مهلهل الخزرجي الينبوعي المعروف بأبي دلف، الّتي مطلعها:
جُفونٌ دَمعُها يجري***لِطولِ الصَّدِّ والهَجرِ
شرَحَ ابن العتائقي بعض المفردات الغريبة في القصيدة و ما أشكل منها، و ذلك في سنة (763ه). توجد نسخة منها بخطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة ضمن مجموعة برقم 710. (4)
23. شرح نهج البلاغة. وهذا الشرح هو من أشهر آثار ابن العتائقي. ألّفه في أربعة مجلّدات، و من المؤسّف أنّ المجلّدين الثاني والرابع منها مفقودان، و الذي وصل إلينا منها لم يطبع بعد. وتوجد منها عدّة نسخ:
الأولى: نسخة المدرسة النمازيّة بمدينة خوي برقم 381،(5) و هي نسخة نفيسة عتيقة
ص: 20
جدّاً، قد قرئت عند المصنّف ، وكتب المصنف على آخرها إجازة لتلميذه بهذه العبارة: بلغ قراءة و أنهاه... وفّقه الله لمراضيه، و ذلك في مجالس متعدّدة آخرها يوم عشرين رمضان المبارك لسنة ستّ و ثمانين وسبعمائة، وكتب جامع الكتاب الفقير إلى الله تعالى عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم العتائقي حامداً لله ومعظماً و على رسوله و آله مسلماً. و كتب في ظهر الورقة الأولى منها بعد وفاة المصنّف هكذا:
الجزء الثالث من شرح نهج البلاغة، مختار من شروح أربعة: شرح ميثم الكبير، و شرح ابن أبي الحديد، و شرح قطب الدين كيدري، وشرح القاضي عبد الجبّار، تصنيف العالم العلّامة عبدالرحمن بن محمّد العتائقي رحمة الله عليه و على كافّة المؤمنين و المؤمنات.
وقد رأى الأفندي هذه النسخة و ذكرها في رياض العلماء. و البحث في هذه النسخة و شرح نهج البلاغة لابن العتائقي طويل الذيل، وأوردته في مقالتين: الأولى منهما تحت عنوان: «ابن العتائقى و شرح نهج البلاغة»، وقد نُشرت هذه المقالة في مجلة (آینه پژوهش)(1)، و الثانية تحت عنوان «نوبافته هایی دربارۀ نهج البلاغه» التي نشرت في مجلّة ( وقف ميراث جاویدان)(2) فراجع.
تشتمل هذه النسخة على المجلّد الثالث من الشرح، وتبدأ من شرح الخطبة 134 «ومن كلام له وعلیه السّلام قد شاوره عمر فى الخروج إلى غزوة الروم» وانتهاءَ بالكتاب 27 «و من وصيّته إلى محمّد بن أبي بكر حين قلّده مصر». كتبها عليّ بن محمّد بن محمّد بن عليّ في جمادى الأولى سنة (786ه)، و قابلها و صحّحها عند المصنّف، تقع في 182 ورقة، و توجد تصاوير متعدّدة منها في مكتبات قمّ: ثلاثة منها في مكتبة المحقّق الطباطبائي برقم 169 و 199 و 130، (3) و واحدة في مكتبة المرعشي برقم 475، (4) وأخرى في مكتبة مركز إحياء الميراث الإسلامي برقم 640 (5)
ص: 21
الثانية: نسخة مكتبة البارلمان الإسلامي في طهران، برقم 9431. وقد ضاع من آخرها أوراق، وهي تشتمل على المجلد الأوّل من الشرح، أوّلها :«بسملة، قال السيّد رضی الله عنه: خطبة الكتاب؛ أمّا بعد حمداً لله الذي جعل الحمد ثمناً لنعمائه، ومعاذاً من بلائه، و وسيلةً إلى جنانه»، و تُختم بهذه الجملة : مع تمكّنهم ذلك. و قوله : و آيم الله لأفرطنّ»، و لم يذكر في النسخة تأريخ، إلّا أنّ المفهرس احتمل أنّها كتبت في القرن الثامن أو التاسع. وتقع هذه النسخة في 89 ورقة. (1)
الثالثة: نسخة مكتبة المرعشي بقم، برقم 11721. وقد ضاع من أوّلها أوراق. أوّلها: «و الأشرار و الجهّال لعدم معرفتهم بوضع الأشياء في مواضعها التي هي مقتضى العقل». كُتبت بخطّ عبدالله بن عبد الغفّار، في القرن 11ه. ق. عليها تصحیحات و حواشِ، وتقع في 123 ورقة. وكانت هذه النسخة سابقاً في ملك ابن يوسف الشيرازي مفهرس مكتبة السپهسالار. (2)
تنبيه: بسبب وهم نسّاخ شرح ابن العتائقي، فقد نشأ للنهج شرحان آخران لم يكن لهما أصلٌ في الواقع:
أمّا الشرح الأوّل: فهو «شرح النهج للقاضي عبد الجبّار»، وسبب الوهم هو أنّ الورقة الأولى من نسخةِ من المجلّد الثالث من شرح ابن العتائقي -كما مر آنفاً -كُتب فيها هذه العبارة:
الجزء الثالث من شرح نهج البلاغه، مختار من شروح أربعة: شرح ميثم الكبير، و شرح ابن أبي الحديد، و شرح قطب الدين الكيدري، و شرح القاضي عبد الجبّار، تصنيف العالم العلّامة عبد الرحمن بن محمّد العتائقي، رحمة الله عليه و على كافّة المؤمنين و المؤمنات. والحال أنّه ليس في هذا المجلّد من شرح ابن العتائقي اسم ولا أثر لعبد الجبار أو لشرحه، بل لا يوجد في كتب التراجم أيضاً ذكر لشرح القاضي عبد الجبّار، وإنّما يرجع سبب اشتهاره إلى هذه العبارة التي في ظهر تلك النسخة فقط، وجدير بالذكر أنّ هذه النسخة كتبت في حياة ابن العتائقي و عليها علامة بلاغه مقابلة، إلّا أنّ هذه
ص: 22
العبارة كتبت بعد ابن العتائقي، ويدلّ عليه الدعاء له بالرحمة الدالّ على وفاته حين الكتابة.
وقد أورد شيخنا الطهراني مدخلاً في الذريعة(1) تحت عنوان «شرح النهج للقاضي عبد الجبّار»، والظاهر أنّه اعتمد على هذا المكتوب فقط، فراجع.
وأمّا الشرح الثاني: فهو «شرح النهج لا بن العنقا»، و هذا الاسم نشأ أيضاً من وهم النسّاخ، و لا يوجد شرح بهذا العنوان. قال شيخنا الطهراني:
شرح النهج لا بن العنقا، ذكره المولى عليّ الواعظ الخياباني التبريزي في مجلّد الصيام من كتابه وقائع الأيّام ( في ص 357) وقال: إنّه رأى في باب الكاف من كتاب رياض العلماء ما نقله مؤلّف الرياض عن فهرس كتاب تحفة الأبرار تأليف السيّد حسين بن مساعد بن الحسن الحسيني الذي ذكرناه في ( ج 3، ص 405) وقلنا: إنّه كان في تأليفه سنة 893 إلى سنة 917، وأورد في آخره فهرس الكتب التي هي من مآخذ كتابه التحفة، وكلّها من مؤلّفات علماء السنة والجماعة المعتمد عليهم، وعدّ من تلك الكتب شرح النهج لا بن العنقا، وقال: إنّه جمعه من أربعة شروح أقول: ومن قوله: إنه جمعه من أربعة شروح، احتمل أنّه وقع تصحيف من النسّاخ، وأنّه ابن العتائقي المذكور آنفا بعنوان عبد الرحمن بن محمّد بن العتائقي الحلّي الذي فرغ من بعض مجلّدات شرحه سنة (780ه)، وشرح ابن العتائقي مشهور ومأخوذ من عدّة شروح، ولم يذكر ابن العنقا فيما بأيدينا من الكتب. (2)
فهذان الشرحان من النهج لا يوجد لهما أثر في الواقع، و هما سهو من النسّاخ فقط.
24. الشهدة في شرح تعريب الزبدة ( فى الهيئة). وأصل كتاب الزبدة هو من تأليف الخواجة نصير الدين الطوسي وسمّاه: زبدة الإدراك في علم الأفلاك بالفارسية، ثمّ عرّبه نصير الدين عليّ بن محمّد الكاشي ( ت 755ه) و سمّاه: تعريب الزبدة، ثمّ جاء ابن العتائقي فشرح تعريب الزبدة وسمّاه بالشهدة في شرح تعريب الزبدة. وقد شرع في شرحه في 22 ذي الحجّة سنة ( 787ه) و أتمّه بعد سنة في يوم الخميس 14 محرّم سنة
ص: 23
24
(788ه)، كما في الذريعة. و أمّا في فهرس الخزانة الحيدريّة فقد ذكر تأريخ إتمامه منتصف ذي الحجة من تلك السنة.(1)
25. صفوة الصفوة للعارف في شرح صفوة المعارف. وصفوة المعارف منظومة في الهئية نظمها سعد بن عليّ الحضرمي، و شرحها ابن العتائقي في سنة ( 787ه).
توجد نسخة خطّ المؤلّف في خزانة الروضة الحيدريّة في النجف الأشرف برقم 708. (2)
26. غرر الغرر و درر الدرر ( أو مختصر غرر الفوائد). مختصر من أمالي السيّد المرتضى علم الهدى التي تسمّى بغرر الفوائد و درر القلائد. أوّلها: «الحمد لله الذي أكرمنا بكتابه الكريم، وشرّفنا بالسبع المثاني و القرآن الحكيم».
جعل ابن العتائقي هذا المختصر على قسمين قسم في تأويل الآيات، وقسم في شرح الأخبار، و أضاف في موارد توضيحات من نفسه. توجد منها نسختان:
الأولى: نسخة في المكتبة المرعشية بقم، ضمن مجموعة برقم 282 بخطّ المصنّف، تقع في الورقة 111 إلى 168 من النسخة.(3)
الثانية: نسخة مكتبة البارلمان بطهران برقم 292، تقع في 34 ورقة.(4)
27. القسطاس المستقيم و النهج القويم ( في المنطق). قال الطهراني في الذريعة:
القسطاس في المنطق لابن العتائقي، توجد في الخزانة الغرويّة، ناقص قليلاً من وسطه. وعدّه الشيخ محمّد بن يونس الشويهي في براهين العقول المؤلّف في 1229ه- من الكتب المنطقيّة الموجودة عنده، وعدّ أيضاً شرح القسطاس هذا، وقال: إنّه لبعض الفضلاء. أوّله: الحمد لله ربّ العالمين - إلى قوله - فهذا مختار مختصر في علم الميزان. [ثمّ] بدء فيه بذكر الرؤس الثمانية، وهو في ثلاثة أبواب: الأوّل في المعارف والتعريف. والثاني في الحجج ومباديها. والثالث في كيفيّة حل المغالطات. (5)
ص: 24
28. المآخذ على الحاجبيّة؛ نقد على كتاب الكافية في النحو لابن الحاجب. ألّفه في سنة ( 787ه)، و توجد نسخة الأصل بخطّ المؤلّف برقم 116 في الخزانة الحيدريّة.(1)
29. مختصر الأوائل (أو الأوّليّات)، هو مختصر الجزء الثاني من كتاب الأوائل تصنيف أبي هلال العسكري، في ذكر أوّل وقوع أكثر الأمور ومبدئها. فرغ ابن العتائقي من اختصاره سنة (753ه). قال في الرياض أنّ عندنا منه نسخة. وتوجد نسخة خطّ المؤلّف في الخزانة الغروية كما ذكره شيخنا الطهراني في الذريعة.(2)
30.مختصر تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ( هذا الكتاب الذي بين يديك)، ملخّص من كتاب تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي، أتمّه في غرّة ذي الحجّة من شهور سنة (768ه).
قال في أوّله:
فإنّي وقفت على كتاب الاُستاد الفاضل عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي - رضي الله تعالى عنه وأرضاهفوجدته كتاباً ضخماً قابلاً للاختصار، فأحببت أن أختصره بإسقاط الأسانيد والمكرّرات، وحذف بعض لفظ القرآن الكريم لشهرته إلّا ما لابدّ منه، وبحذف ما فائدته قليلة، وربّما اُضيف إلى الكتاب ما يليق به.
و قال في آخره:
هذا آخر ما احتويناه ونقحنا من سبعة أجزاء من كتاب عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، وأضفنا إليه ما خطر بالبال ممّا يناسبه، ورددنا ما جاء ظاهره في عدم العصمة بالأنبياء والأولياء؛ فإنّ مذهب أهل البيت علیهم السّلام ليس ما يقوله هذا الرجل، فليتأمّل، فإنّ مذهبهم تنزيه الأنبياء والأئمّة عن جميع القبائح، واعلم أنّ لنا في كثير من هذا الكتاب نظراً؛ فإنّه لا يوافق مذهب الذي هو الآن مجمع عليه. وكتب عبد الرحمان بن محمّد بن إبراهيم بن العتائقي منقّح الكتاب ومختصره. وذلك في غرّة ذى الحجة 767ه، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
توجد منها أربع نسخ:
الأولى: نسخة مكتبة آية الله المرعشي ضمن مجموعة برقم 282، بخطّ المصنّف،
ص: 25
في111 ورقة.(1)
الثانية: نسخة مكتبة آية الله الروضاتي في إصفهان، بخطّ حسام بن ناصر الدين بن محمّد العلوي الذعفلي، أتمّها في يوم الثلاثاء 2 صفر سنة ( 984ه)، تقع في 146 ورقة. (2) ونُقلت هذه النسخة إلى مكتبة البارلمان بطهران، و توجد فيها حاليّاً برقم 12216. (3)
الثالثة: نسخة مكتبة سپهسالاربطهران، برقم 5390، كتبت في القرن 11ه- ، وتقع في 100 ورقة.(4)
الرابعة: نسخة مكتبة البارلمان بطهران برقم 12641، ولا يوجد فيها تأريخ تحرير و لا اسم الناسخ، وتقع في 79 ورقة.(5)
والجدير بالذكر هو أنّه توجد في المكتبة المرعشية نسخة من مختصر تفسير عليّ بن إبراهيم، برقم 9400 مجهولة المؤلّف، وأغلب الظنّ أنّها نسخة أخرى من مختصر ابن العتائقي.(6)
31. مختصر شرح حكمة الإشراق ( في الحكمة) الذي هو تصنيف القطب الشيرازي محمّد بن مسعود الشيرازي (ت710ه). قال شيخنا الطهراني في الذريعة: «رأيت النسخة بخطّه في الخزانة الغرويّة، فرغ منه في سادس جمادى الثانية 756ه».(7)
إلّا أنّه لا يوجد لهذا الكتاب أثر في فهرس المكتبة الذي اُلّف بعد ملاحظة شيخنا الطهراني.
32. المعيار في المنطق. قال شيخنا الطهراني في الذريعة: «عدّه الشيخ محمّد بن يونس الشويهي في براهين العقول - المؤلّف 1229 ه- - من الكتب المنطقيّة الموجودة عنده وقت تأليف البراهين».(8)
ص: 26
33. المنتخب في تعداد فرق المسلمين. ذكره السيّد الأمين في أعيان الشيعة للمصنّف رحمه الله. (1)
34. المنتخب في المعاني والبيان والبديع. ذكره السيّد الأمين أيضاً في أعيان الشيعة للمصنّف رحمه الله. (2)
35. الناسخ والمنسوخ. أوّله : «الحمد لله مكافاتاً لإفضاله، وصلواته على محمّد وآله. وبعد، فهذه رسالة على علم الناسخ والمنسوخ؛ فإنّ ذلك أوّل ما يجب أن يبدء به من علوم القرآن. فقد روي عن أمير المؤمنين علبه السّلام أنّه دخل مسجد الكوفة ... واعلم أنّ الناسخ الذي يرفع حكم المنسوخ، والمنسوخ على ثلاثة أضرب: منه ما نسخ خطّه وحكمه، ومنه ما نسخ خطّه وبقي حكمه، ومنه ما نسخ حكمه وبقي خطّه».
و آخره: «وفرغ من تسویده جامعه عبد الرحمان بن محمّد العتائقي، وذلك سنة ستّين وسبعمائة».
طبع هذا الكتاب بتصحيح عبد الهادي الفضلي في سنة ( 1390ه) في النجف الأشرف في 85 صفحة، و طبع أيضاً في بيروت . توجد منه ثلاث نسخ:
الأولى والثانية فى المكتبة المرعشيّة؛ إحداهما برقم ش 2255 كتبت في يوم الجمعة 24 شوّال (980ه- )، والأخرى برقم 9400، كتبت بخطّ محمود بن صدر الدين محمّد السمناني و أتمّها في شهر صفر 980ه- في شيراز.(3)
الثالثة: نسخة في مكتبة جامعة طهران، كتبت بخطّ عماد الدين بن عبد المسيح في سنة ( 917ه). (4)
36. الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. وقد أحال إليه المؤلّف في شرحه لنهج البلاغة في آخر شرح الخطبة 201، وإليك نصّه: «و قد ذكرنا قصّة ثمود في الكتاب المسمّى بالوجيز في تفسير الكتاب العزيز».
و أحال أيضاً إلى هذا الكتاب في كتابه مختصر تفسير عليّ بن إبراهيم القميّ وقال : «و
ص: 27
قد ذكرت في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ما ينبغي أن يطالع».(1)
و على هذا لا وجه لكلام المرحوم ابن يوسف الشيرازي في فهرس سپهسالار من القول باتّحاد كتاب التفسير و كتاب مختصر تفسير علىّ بن إبراهيم القمّي، وكلام شيخنا الطهراني في المجلّد الرابع من الذريعة أيضاً، كما نبّه نفسه على عدم اتّحادهما في المجلّد الخامس و العشرين منها بعد حكمه باتّحاده في المجلّد الرابع.(2)
تنبيه: ذكر المحقّق الخوانساري فى كتابه روضات الجنّات، لابن العتائقي: «مجموع الغرائب في الدعاء»،(3) والظاهر أنّه استند في هذا على قول صاحب الرياض حيث قال: «ويروي (ابن العتائقي) عن جماعة؛ منهم: الزهدري أو ابن الزهدري، وقد ذكره الكفعمي في كتاب مجموعة الغرائب، ثمّ نسب إليه كتاب اختيار حقائق الحال في دقائق الحيل».(4) فاستبان أنّ مستنده غير صحيح، وأنّه ليس للمصنّف أثر بهذا العنوان، بل هو من تأليف الكفعمي رحمه الله.
اعتنى ابن العتائقي بالحديث، وصنّف في هذا المجال شرحاً للنهج، و أخذ إجازة رواية الحديث من أسانيده، وأصدر إجازةَ نقل الرواية لتلاميذه أيضاً. والذي وقفنا من إجازاته إجازة واحدة و هي إجازته التي كتبها لتلميذه عليّ بن محمّد بن محمّد عليّ بن رشيد الدين بعدما أتمّ قراءة المجلّد الثالث من شرحه للنهج عنده في جمادى الأولى من سنة (786ه)، و هي موجودة بخطّه ضمن نسخة من المجلّد الثالث من الشرح، وقد مرّ الكلام حوله فى النقطة رقم 23 من آثاره العلميّة.
لم يؤرّخ وفاة ابن العتائقي في المصادر التي بأيدينا. والذي يظهر من آثاره أنّه كان حيّاً في سنة (786ه)، لأنّه كتب لتلميذه إجازة في هذه السنة(5) كما مرّ تفصيله في ذيل
ص: 28
كتابه شرح نهج البلاغة.
أمّا ما ذكر في معجم المؤلّفين من أنّه توفّي في سنة ( 781ه)(1) فليس بصحيح، وكذلك ما ذكر في هديّة العارفين من أنّه فرغ من شرح نهج البلاغة سنة (876ه)(2) فهو تصحيف، والصحيح سنة (786ه) كما مرّ، وأمّا ما ذكر في الأعلام(3) من أنه توفّي نحو سنة (790ه) فهو استنباط من مؤلّفه، ولا يوجد في المصادر القديمة له أثر، ولعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمراً. (4)
اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب على ثلاث نسخ:
1. مخطوطة مكتبة السيّد آية الله المرعشي رحمه الله بقم، المرقّمة 282.
وهي بخط المؤلّف رحمه الله، وعلى هوامشها علامات التصحيح، وتشاهد علامة تملّك عليّ بن الشيخ خليل في الصفحة ( 100) ، وقامت بطبعة هذه النسخة المدرسة المفتوحة في شيكاغو بتقديم السيّد محمّد حسين الجلالي في سنة 1423 ه- ، في ( 264) صفحات، وفي كلّ صفحة (21) سطراً.(5)
و رمزنا لهذه النسخة ب- «أ».
2.مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران ، المرقّمة 12216.
نسخها حسام بن ناصر الدین بن محمّد العلوي، و فرغ منها يوم الثلاثاء، الثاني من شهر الصفر من شهور سنة 984ه.
تقع في (146) أوراق، وفي كلّ ورقة (20) سطراً. (6)
و رمزنا لها ب- «ب».
3.مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران أيضاً، المرقّمة 12641.
كاتبها مجهول، وهكذا تأريخ الفراغ من الكتابة ، لكن تشاهد علامة تملّك محمّد
ص: 29
شفيع بن محمّد عليّ الإسترآبادي مع خاتمه البيضوي بسجع «يا شفيع المذنبين» في انتهاء النسخة بتأريخ 1068ه.
تقع في ( 79) أوراق، وفي كل ورقة (26) سطراً.(1)
و رمزنا لها ب- «ج».
هذا، وقد نعبّر عند تطابق النسخ الثلاث عنها بكلمة «المختصر»، وعن مؤلّف هذا الكتاب - و هو عبد الرحمن بن العتائقي - ب- «المؤلّف».
وقد راجعنا أيضاً عند الضرورة في خصوص بعض الكلمات والعبارات إلى الأصل، وهو تفسير علي بن إبراهيم القمّي رحمه الله، واعتمدنا في ذلك على عدّة نسخ، أهمّها هي:
1. مخطوطة من مكتبة مؤسّسة إحياء التراث الإسلامي بقم، بالرمز «ص».
2. نسخة مصوّرة من مكتبة الروضة الرضويّة بمشهد، الموجود في مؤسّسة إحياء التراث الإسلامي بقم، بالرمز «ق».
3. النسخة المطبوع في النجف الأشرف، سنة 1386 ه- بتحقيق السيّد طيّب الجزائري، في مجلّدين، بالرمز «ط».
4. نسخة من مكتبة كاشف الغطاء في النجف الأشرف، بالرمز «ك».
5. نسخة مصورة من مكتبة آية الله الحكيم، في النجف الأشرف ، بالرمز «ح».
وعند تطابق النسخ نعبّر عنها بكلمة «الأصل».
ونعبر عن مؤلّف تفسير علي بن إبراهيم القمي ب- «المصنّف».
هذا، والجدير بالذكر: أنّا قد لاحظنا من خلال العمل أنّ المعتمد عند المعلّق كانت نسخة تفسير علىّ بن إبراهيم الأصليّة، التي لم يضف إليها زيادات أبي الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم - راوي التفسير - وقد يكون قد اعتمد على النسخة المزيدة لكنّه أهمل الزيادات، حيث أنّا لم نقف على تعليق له يرتبط بزيادات أبي الفضل العبّاس بن محمّد، والله العالم.
ويمكن أن يستظهر ذلك من تفسير الآية (54) من سورة يونس (10) قوله تعالى:
ص: 30
(وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ)، فقد روى عن أبي عبد الله علیه االسّلام، قال: سئل عن قول الله تبارك وتعالى: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) قال: «قيل لرسول الله: ما ينفعهم إسرار الندامة وهم فى العذاب؟ قال كرهوا شماتة الأعداء».(1)
وهذا هو الصحيح المنقول عن القمي في تفسيره، على ما نقله العلّامة المجلسي في البحار(2) والشيخ الطوسي في التبيان،(3) حيث قال: «وروي أنّه قبل الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما يغنيهم إسرار الندامة وهم في النار؟ قال: يكرهون شماتة الأعداء». ثمّ قال: وروي مثله عن أبي عبد الله علیه السّلام. انتهى.
وهذا يدلّ على أن المثبت في نسخة الأصل كانت الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد نقلوا قوله: «كرهوا شماتة الأعداء » عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الموجود في المطبوعة والنسخ المخطوطة المتوفّرة من الأصل، ورواه البحراني في البرهان،(4) عن تفسير القمّي، هو النصّ التالي: «حدّثني أبي، عن محمّد بن جعفر، قال: حدّثني محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسين، عن صالح بن أبي عمّار، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن رجل، عن حمّاد بن عيسى، عمّن رواه عن أبي عبدالله علیه السّلام، قال: سل عن قول الله تبارك وتعالى: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ) قال: قيل له: ما ينفعهم إسرار الندامة وهم في العذاب؟ قال: «كرهوا شماتة الأعداء». وهذا يؤيّد أنّ المؤلّف قد اعتمد على نسخة الأصل في التلخيص.
هذا، والظاهر أنّ عبارات التعليق كانت قد كتبت على هامش التلخيص، ولذا حاول کلّ ناسخ أن يكتبها في الموضع الذي رآه أنسب بنظره، ومن هنا اختلفت النسخ في إيراد التعليقات بين السطور، وقد صرح ناسخ «ج» بهذا الأمر في هامش الصفحة 66، فقال: «الأسطر الثلاثة كانت على الحاشية».
والنسخة التي كاتب هو يعدّه مختلف عمّا في أيدينا من جهات أخرى، مثل ما ثبت فيها من أنّ وصيّ موسى هو شمعون، كما علّق عليه ابن العتائقي بقوله: «إنّما وصيّه
ص: 31
يوشع لا شمعون؛ فإنّه وصيّ عسبى علیه السّلام». راجع تفسير التعليق على تفسير الآية ( 60) من سورة الكهف (18).
وأمّا نحن فقد انتخبنا موضعها على أساس أفضل اختيار من بين النسخ، فلاحظ.
إنّ أساس عملنا في هذا الكتاب يدور حول المحاور التالية:
1.تحقيق الكتاب على أساس التلفيق بين النسخ، وذلك لعدم الحصول على نسخة الأصل، وأن جميع النسخ لم تخل من نقص أو تصحيف أو سقط، وإن كانت النسخة «أ» أقلّها خطأً، والظاهر ان النسخة الثانية «ب» مستنسخة من الأولى «أ»؛ لتشابه موارد النقص في النسختين، ووجود عبارات في النسخة «أ» سقطت من «ب». كما أنَّ النسخة الثالثة «ج» مستنسخة من الثانية، لتشابه موارد النقص فيهما أيضاً، ووجود عبارات في النسخة «ب» سقطت من النسخة «ج».
2. مقارنة النصّ مع النسخة التي قمنا بتحقيقها من تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي.
3.جعلنا آيات القرآن الكريم بين قوسين = ()، وذكرنا اسم السورة، ثمّ رقم الآية في الهامش.
4. جعلنا الأحاديث الشريفة بين قوسين = « ».
ه. جعلنا الزيادات على الأصل المخطوط بين المعقوفتين = [].
6. شرحنا الغريب من الكلمات الواردة في الأحاديث والنصوص.
7. لم نخرّج الأشعار تخريجاً كاملاً، وإنّما نشير إلى الدواوين إن كان للشاعر ديوان، ولم نذكر اختلاف الروايات في الشعر.
8.ونأمل أن نوفّق إلى إعداد فهارس عامّة.
والله من وراء القصد.
محمّد جواد الحسينى الجلالي
ص: 32
صورة الصفحة الأُولى من النسخة «الف»
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة «الف»
صورة الصفحة الأولى من النسخة «ب»
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة «ب»
صورة الصفحة الأولى من النسخة «ج»
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة «ج»
ص: 33
ص: 34
ص: 35
ص: 36
ص: 37
ص: 38
مختصر تفسير القمّي
ص: 39
ص: 40
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ربّ بسّر
الحمدلله ربّ العالمين، وصلواته على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين.
وبعد، فإنّي وقفت على كتاب الأستاد الفاضل عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - فوجدته كتاباً ضخماً قابلاً للاختصار، فأحببتُ أن أختصره بإسقاط الأسانيد والمكرّرات، وحذف بعض لفظ القرآن الكريم لشهرته، إلّا ما لا بدّ منه، وبحذف ما فائدته قليلة، وربما أضيف إلى الكتاب ما يليق به.
وكلّ إسناد عن إمام من الأئمّة علیهم السّلام قد أرمزه لأوّل لقبه، فالباقر علیه السّلام(ب)، والصادق علیه السّلام(ص)، وهكذا باقي الأئمة علیهم السّلام.(1)
ونسأل الله الهداية والتوفيق والعصمة والتحقيق. (2)
ص: 41
[مدنيّة(1)، وهي سبع آیات]
[1] تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم).
[عن أبي بصير، عن أبي عبدالله علیه السّلام قال: سألته عن تفسير (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فقال:](2) «الباء: بهاء الله، والسين: سناء الله، والميم: ملك الله، والله: إله كلّ شيء ومآله إليه، والرحمن: بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين خاصّة»(3).
وقال: «معنی الألف [من](4) الله: الآلاء على خلقه، وهي النعم بولايتنا؛ والهاء: هوان لمن خالف محمّداً وآله».
وقال: «البسملة أوّل آية من فاتحة الكتاب».
أقول: وبه قال الشافعي، وقال باقي الفقهاء: أنّها ليست بآية.(5)
وقال ابن عبّاس: «من تركها فقد ترك مئة وأربع وعشرين(6) آية من كتاب الله(7)، وهي أحقّ ما جهر بها في الصلاة(8)، وهي الآية التي قال الله: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً)(9)، وذلك أن قريشاً كانت تستمع لقراءة النبي صلّی الله علیه وآله وسلم، فإذا قرأها نفروا (10)
ص: 42
وقالوا: يدعونا محمد إلى رجل باليمامة».(1)
[2] قوله: (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ) قال: «الشكر لله». (2)
(رَبِّ الْعَالَمِينَ): ربّ المخلوقين.(3)
[4] (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ): يوم الحساب، لقوله تعالى: (هَذَا يَوْمُ الدِّينِ)(4). (5)
وقرأ الصادق علیه السّلام: «(صِرَاطَ من(6) أَنْعَمْتَ عَلَيْهِِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)».(7)
[6] قال: «و (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ): هو أمير المؤمنين علیه السّلام ومعرفته. ودليله قوله تعالى يعنيه: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(8)».(9)
[7] و (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ): اليهود والنصارى. (والضَّالِّينَ): الشاكيّن الذين لا يعرفون الإمام.(10)
ووصف (الصِّرَاطَ) فقال: «ألف سنة صعود، وألف سنة هبوط، [وألف سنة حدال](11).
ص: 43
فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق، ومنهم من يمرّ عليه مثل الطير، و [منهم من يمرّ مثل الفرس]، و منهم من يمشي مشياً، و [منهم من يمرّ عليه حبواً (1)] (2)، فتأخذه النار». (3)
ص: 44
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
[1] قوله: (الم)، عن الباقر علیه السّلام: وكلّ أحرف في القرآن متقطّعة من حروف اسم الله الأعظم، الذي يؤلّفه(1) الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام، فإنّه يدعُو به فيجاب».(2)
[2] قوله: «(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ)، فقال: «أمير المؤمنين». (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) قال: «بيان لشيعتنا».
[3] (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وهو البعث والنشور وقيام القائم والرجعة.(3)
(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)، قال: «ممّا علّمناهم(4) من القرآن يتلون»(5).
ورواية أخرى: «(ذلِكَ الْكِتَابُ) يعني: القرآن، والريب: الشكّ، والهدى: البيان، ويؤمنون: يصدقون».
[6] قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)، عن الصادق علیه السّلام قال: «الكفر في كتاب الله على خمسة
ص: 45
وجوه: كفر الجحود(1)، وهو على وجهين جحود [بعلم، وجحود](2) بغير علم.
فالأوّل، فهم الذين حكى(3) الله عنهم [في قوله:](4) وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُ وا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فلعنة الله على الكافرين)(5) وهم اليهود والنصارى؛ لأنّه تعالى أنزل عليهم خبر الرسول ومولده ومخرجه ومهاجرته وصفته وصفة أصحابه بقوله: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً)(6) فكانوا يقولون للعرب: هذا أوان(7) نبىّ يخرج، يكون مخرج بمكّة، ومهاجرته بيثرب(8)، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوّة، وهو الضحوك القتّال، يلبس الشملة، ويجتزي بالكسرة والتمرات، وبركب الحمار العريّ(9)، ويخصف نعله، ويضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقي، يبلغ(10) سلطانه منقطع الخفّ والحافر، وليقتلنّكم - يا مشعر العرب - قتل عاد [فلمّا بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به، كما قال الله عزّ وجلّ: ﴿ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُ وا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا به)] 12.(11)12. ما بين المعقوفتين من الأصل. (12)
والثاني: هم الذين جحدوا بغير علم، فهم الذين حكى(13) الله عنهم: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا) إلى قوله: (وَمَا لَهُم بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ)(14).
والوجه الثالث من الكفر: كفر البراءة، وهو قوله: «ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ) (15) يعني: يبرأ بعضكم من بعض.
ص: 46
والوجه الرابع: كفر الترك(1) لأمر الله، وهو قوله: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ)(2) أي من ترك الحجّ فقد كفر، إذا كان مستطيعاً، والاستطاعة: قوّة في البدن والزاد والراحلة.
والخامس: كفر النعم، وهو قوله: (لِيَبْلُوَنِي أَشْكُرُ أَم أَكْفُرُ)(3)الآية».(4)
[8] قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا) ... الآية، فإنّها نزلت في قوم منافقين.
[15] وقوله: (يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(5). والاستهزاء من الله هو العذاب. (وَيَمُدُّهُمْ) أي بذرهم. و(يَعْمَهُونَ): يتحيّرون(6).
[18] قوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيَّ)، قال: «الصمّ: الذي لا يسمع، والبكم: الذي يولد من أمّه أعمى، والعمي: الذي يكون بصيراً ثمّ يعمى».(7)
أقول: البُكم هم الخُرس، والبَكَم الخَرَس.
[19 - 20] قوله: (أَوْ كَصَيِّبٍ) يعني كمطر، و (يَخْطَفُ): یعمی(8).
[22] قوله: (أَنْدَاداً) أي: شركاء.
أقول: النِّدّ - لغة - : هو المِثل.
[24] قوله: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ) يعني حطبها.
[25] و (وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا) أَي: صدّقوا.
قوله: (أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ): اللاتي لا يحضن ولا يحدثن. (9)
[26] قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي) الآية، عن الصادق علیه السّلام: إن هذا مثل ضربه الله
ص: 47
لأمير المؤمنين علیه السّلام، فالبعوضة: أمير المؤمنين علیه السّلام، يعني ولاية أمير المؤمنين (فَمَا فَوْقَهَا): رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم(1)، والدليل على ذلك قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا)... الآية، أي أنكروا سنّته وولايته».
[27] وقوله: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من ولايه أمير المؤمنين والأئمّة(2).
[28] وقوله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) أي نطفة ميتة (فَأَحْيَاكُمْ) أي أجرى فيكم الروح، (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) فى القيامة(3).
والحياة في كتاب الله عزّوجلّ على وجوه؛ فمنه الحياة، وهي ابتداء خلق الإنسان (4) في قوله: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) (5)».(6).
وباب آخر من الحياة، وهو دخول الجنّة، وهو قوله تعالى: (إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)(7) يعني الجنّة، دليله قوله: (وَإِنَّ الدَّارَ الْأَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)(8) يعني: الجنّة.
[34] قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ أَسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أبي)، عن الصادق علیه السّلام: «إنّ إبليس كان مع(9) الملائكة في السماء يعبد الله، وكانت الملائكة تظنّ أنّه منهم، فلمّا خلق الله آدم وأمر الله الملائكة أن يسجدوا له، وقع الأمر على إبليس أيضاً من قبل الولاء، وكلّ من والى قوماً وإن لم يكن من جنسهم فهو منسوب إليهم، دليله قوله: (يَا مَعْشَرَ الْجِنّ)(10)..... الآية. والإنس بخلاف الجنّ، ولكنّهم والوهم، فكانوا منهم. وإنّما
ص: 48
أبى أن يسجد له حسداً؛ لأنّه قد ركّب فيه الحرص والحسد والغضب والشهوة، وليست خلقة الملائكة على هذا.
وأصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد. أمّا الحرص، فآدم حين نهي عن الشجرة حمله الحرص(1) على الأكل منها؛ وأما الاستكبار، فإبليس حين أمر بالسجود فأبى؛(2) وأمّا الحسد، فابنا آدم حين قتل أحدهما صاحبه».(3)
وعن الصادق علیه السّلام: «إنَّ إبليس لمّا أمره الله بالسجود لآدم قال: يا ربّ اعفني من السجود لآدم، وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. فقال الله تبارك وتعالى: لا حاجة لي إلى عبادتك، وإنّما أريد أن أعبد من حيث أريد، لا من حيث تُريد».(4)
فأبى أن يسجد، فقال له(5) الله تبارك وتعالى: (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإنَّكَ رَحِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتَى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)(6).
قال(7) إبليس: فكيف - ياربّ - وأنت العدل الذي لا تجور ولا تظلم(8)؟ فثواب عملى بطل؟
قال: لا، سلني من الدنيا(9) ما شئت، أعطك ثواباً لعملك.(10)
فأوّل ما سأل: البقاء إلى يوم الدين، فقال: (أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ).(11)
ص: 49
قال: أنظرتك.(1)
أقول: فيه نظر؛ لأنّ ثوابه بارتداده بطل، وما حكمه(2) حكم الأمر الأصلي.
قال: سلّطنى على ولد آدم، قال: قد(3) سلّطتك.
قال: اجرني فيهم(4) مجرى(5) الدم في العروق، قال: قد أجريتك.
قال: ولا يولد لهم ولد واحد(6) إلّا يولد لي ولدان(7).
قال(8): وأراهم ولا يرونى، وأتصوّر لهم في أيّ صورة شئت.
قال له: قد أعطيتك ذلك(9) كلّه.
قال: یا ربّ زدنی.
قال: قد جعلت لك ولولدك (10) في صدورهم (11) أوطاناً.
قال: ربّ حسبي.
أقول: يجب التأمّل هنا حقّ التأمل.
ثمّ قال (12): (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)](13).
وإنّما استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه، لركعتين ركعهما في السماء أربعة ألف سنة.
ص: 50
قال: «ولمّا(1) أعطى الله إبليس ما أعطاه من القوّة، قال آدم: يا ربّ سلّطت عليّ إبليس وعلى ذريّتي يجري فيهم مجرى الدم في العروق، وأعطيته ما أعطيته، فمالي وولدي؟ فقال: لك ولولدك السيّئة بواحدة، والحسنة بعشرة أمثالها(2).
قال: يا ربّ(3) زدني.
قال: التوبة مبسوطة إلى أن تبلغ(4) النفس الحلقوم.
فقال: ربّ زدني، قال: أغفر ولا أبالي.
قال: حسبي».(5)
[30] قال(6): ولمّا قال الله للملائكة: (إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)(7) غضبت الملائكة، وقالت: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا) كما أفسدت(8) بنو الجانّ، ويسفكون الدماء كما سفكت(9) بنو الجانّ، ويتحاسدون ويتباغضون، كما فعلت بنو الجانّ؟ إجعل ذلك منّا؛ فإنّا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء، و (نُسَبِّحْ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
أقول: إنّ الملائكة معصومون، وقوله: (أَتَجْعَلُ فِيهَا) هذا استفهام، وليس بإنكار، فليتأمّل ذلك، والملائكة ليس فيهم قوّة الغضب والشهوة؛ لأنّهم مجبولون على الخير فقط.
فقَالَ: (إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام، فبكوا وتضرّعوا وأشاروا بالأصابع، ولاذوا بالعرش، فنظر الله إليهم ورحمهم، ووضع لهم البيت المعمور(10) الذي يسمّى: «الضراح»، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، ولا
ص: 51
يعودون إليه إلى يوم القيامة، فقال الله تعالى لهم: طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش؛ فإنّه لي رضاً، فطافوا به، فوضع الله البيت المعمور في السماء الرابعة توبة لأهل السماء [وهو بحذاء الكعبة، ووضع الكعبة](1) توبة لأهل الأرض.
وسئل الصادق علیه السّلام: هل الملائكة أكثر، أم بنو آدم؟ فقال: «والذي نفسي بيده، لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض، وما في السماء موضع قدم إلّا وفيه ملك يسبّحه وبقدّسه، ولا في الأرض شجرة ولا عودة إلّا وفيها ملك موكّل بها، يأتي الله كلّ يوم بعملها، والله أعلم بها، وما منهم واحد إلّا ويتقرب إلى الله كلّ يوم بولايتنا أهل البيت، ويستغفر لمحبّينا، ويلعن أعداءَنا، ويسألون الله أن يرسل عليهم العذاب إرسالاً».
ثمّ نظر إلى المقابر، فقال: «يا حمّاد، هذه كفات الأموات ، ونظر إلى البيوت فقال: «وهذه كفات الأحياء»، ثمّ تلا: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً ، أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً)(2)».(3)
قال: فلمّا(4) أسكن الله آدم الجنّة فجاءه إبليس، فقال لهما: ما نها كما الله عن هذه الشجرة إلّا أن لا تكونا ملكين ولا تكونا من الخالدين، فإنّكما إن أكلتما من هذه الشجرة لم تخرجا من الجنّة أبداً، وحلف لهما أنّه لهما ناصح [كما قال الله تعالى حكاية عنه: (وَقَالَ مَانَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(5) فقبل آدم علیه السّلام قوله، فأكلا من الشجرة](6).
وروي أنّه قال لهما: من سبق منكما إلى أكل الشجرة فُضّل على صاحبه. فسبقت حوّاء، فأخذت ثماني عشرة حبّة، فناولت آدم اثنى عشرة حبّة، وأكلت هي ستّ حبّات، فجرى ذلك في ولدهما في الميراث، وتأوّهت حوّاء حين سقط عنها ثيابها، فجرى
ص: 52
ذلك فى النساء(1) [وكان(2) كما حكى الله: (بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)(3) وسقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنّة، وأقبلا يستتران بورق الجنّة](4) (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ)(5) فقالا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا). ... الآية.(6)
[36] قوله: (إلى حين) أي: إلى يوم القيامة.(7)
قال(8) العالم: «فهبط آدم على الصفا، وحوّاء على المروة. فبقي آدم أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة، وخروجه من جوار ربه.(9)
ثمّ نزل عليه جبرئيل علیه السّلام وقال: يا آدم، ألم يخلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته؟
قال: بلى.
قال : [وأمرك أن لا تأكل من الشجرة](10) فلم عصيته؟
قال: إنّ إبليس حلف لي بالله أنّه لي ناصح، وما ظننت أنّ خلقاً يحلف بالله كاذباً». (11)
قال العالم: «إنّ موسى بن عمران علیه السّلام سأل الله أن يجمع بينه وبين آدم علیه السّلام فجمع، فقال: یا آدم، ألم يخلقك الله بيده؟
قال: بلى.
قال: فأمرك أن لا تقرب الشجرة، فلم عصيته؟
فقال: یا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة؟
قال: بثلاثين [ألف] (12) سنة.(13)
ص: 53
قال: فهو ذاك(1)».
قال الصادق علیه السّلام: فحّج(2) آدم موسى علیهما السّلام».(3)
أقول: في هذا الكلام نظر؛ لأنّ الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر، عمداً وسهواً، قبل النبوّة وبعدها، وإنّ لظواهر ما يأتي بخلاف ذلك تأويلا قد ذكره العلماء، وللسيّد المرتضى كتاب سمّاه «تنزيه الأنبياء» في هذا المعنى(4)، والعلم لا يؤثّر في المعلوم، ولا يحسن من موسى مواقفة آدم علیهما السّلام؛ فتأمّل ذلك.
[37] قوله: (فَتَلَقَّى آدَمُ) ... الآية، قال العالم: «لمّا بقي آدم علیه السّلام أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة، وخروجه من جوار ربّه(5)، ونزل جبرئيل علیه السّلام، وقال: مالك تبكي؟ تب إليه.
فقال: أنّى لي بالتوبة؟
فأنزل الله عليه قبة من نور في(6) موضع البيت، فسطع نورها في جبال مكّة، فهو(7) الحرم، وأمر الله جبرئيل علیه السّلام أن يضع عليه الأعلام، وقال لآدم: قم يا آدم واخرج، فخرج به يوم التروية، وأمره بأن يغتسل ويحرم.
ويقال: إنّه أخرج من الجنّة أوّل يوم من ذي القعدة، فلما كان يوم الثامن من ذي الحجّة أخرجه جبرئيل علیه السّلام إلی مني، فبات بها، فلمّا أصبح أخرجه إلى عرفات [وقد كان علّمه - حين أخرجه من مكّة - الإحرام ، وأمره بالتلبية](8)، فلمّا زالت الشمس يوم عرفة، قطع التلبية، وأمره أن يغتسل، فلمّا صلّى العصر وقّفه(9) بعرفات، وعلّمه الكلمات التي تلقّاها (10). من ربّه(11) وهي: «سبحانك اللهمّ وبحمدك، لا إله إلّا أنت خير الغافرين، لا إله إلّا
ص: 54
أنت، سبحانك وبحمدك عملت سوءاً [وظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي إنّك أنت الغفور الرحيم، سبحانك اللهمّ وبحمدك، لا إله إلّا أنت، عملت سوءاً، وظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي إنّك خير الغافرين، سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إله إلّا أنت عملت سوءاً](1) وظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي إنّك أنت التوّاب الرحيم».
فبقي آدم(2) إلى أن غابت الشمس رافعاً يديه إلى السماء، يتضرّع ويبكي إلى الله(3)،فلمّا غربت الشمس ردّه إلى المشعر، فبات به(4)، فلمّا أصبح قام على المشعر فدعا الله وتاب إليه بالكلمات(5)، ثمّ أفاض إلى(6) منى، وأمره جبرئيل أن يحلق الشعر الذي عليه، فحلقه(7).
ثمّ ردّه إلى مكّة، فطاف بالبيت أسبوعاً، ابتدأ من الركن الذي فيه الحجر، وكلّما صار في المستجار أمره جبريل أن يعيد الكلمات ويلصق بطنه بالبيت.
فلمّا طاف سبعة أشواط، وصلّى في المقام ركعتين، أخرجه إلى الصفا، وأمره أن يقف عليها ويحمد الله ويتوب إليه، فلمّا نزل من الصفا عرض له إبليس تعمّداً في طلبه إلى موضع السعي، فغاب عنه، فأمره جبريل أن يقف على المروة، فيحمد الله ويسبحه ويهلّله ويتوب إليه، ففعل ذلك سبع مرات يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. فلمّا فرغ قال له جبريل: قد تاب الله عليك يا آدم، وبقي عليك طواف آخر لتحلّ لك زوجتك، فطاف سبعة أشواط وصلّى عند باب الكعبة ركعتين في أوّل الطواف، وفي الطواف الثاني، ثمّ قال له: قد حلّت لك زوجتك».(8)
ص: 55
وعن مقاتل بن سليمان، قال: سألت ابا عبدالله علیه السّلام: كم كان طول آدم وحوّاء حين أهبطا إلى الأرض؟
قال: «وجدنا في كتاب عليّ: أنّ آدم حين أهبطه الله إلى الأرض كانت رجلاه على ثنية الصفا، ورأسه دون أفق السماء، وأنّه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس(1) [فأوحى الله إلى جبريل: إنّ آدم شكاني حرّ الشمس](2) فأنه فأغمزة غمزة، فأتاه فغمزه غمزة، فصيّر طوله سبعين ذراعاً بذراعه، وغمز حوّاء، فصيّر طولها خمس وثلاثين ذراعاً بذراعها».(3)
[40] وقوله: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) ... الآية، سأل(4) رجل الصادق علیه السّلام: إنّ الله يقول: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(5) وَإِنَّا ندعو فلا نجاب(6)؟ قال: «لأنّكم لا توفون بعهد الله، إنَّ الله يقول: «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» والله لو وفيتم الله لوفي لكم».(7)
[44] وقوله: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ)، قال: «هم الخطباء والقصّاص(8)».
ص: 56
[45] وقوله: (وَأَسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِِ) يعني: الصوم(1) (وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا) يعني: الصلاة.(2)
[46] وقوله: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ)، قال: الظنّ على وجهين، فمنه ظنّ يقين(3)، مثل هذا الموضع، ومنه شكّ لقوله تعالى: (إنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنّاً)(4)؛ وقوله: (وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ)»(5).
[47] قوله: (فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) أي: عالمي زمانهم بأشياء، مثل: العصا، وفلق البحر، والحجر الذي انفجر منه الماء، وما أنزل عليهم من المنّ والسلوى، وما أظلّ عليهم من الغمام.
[48] قوله: (وَاتَّقُوا يَوْماً) أي: يوم القيامة.
قوله: (عدل) يعني: فداء.
[49] قوله: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ)... الآية، فإنّ فرعون بلغه عن بني إسرائيل إنّهم يقولون: إنّ الله يبعث منّا رسولاً يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده، فقال: لأقتلنّ أبناءهم حتّى لا يكون ذلك الذي يقولون، فكان يقتل الذكور ويدع الإناث.
[51] قوله: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)، هي ذو القعدة وأوّل عشر من ذي الحجّة، فقال موسى علیه السّلام لأصحابه: إنّ الله قد وعدني أن ينزل عليّ التوراة والألواح إلى ثلاثين يوماً، وأمره الله أن لا يقول لهم: أربعين، فتضيق صدورهم.
[54] وقوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم) ... الآية، فإنّه لمّا رجع من الميقات، وقد عبدوا العجل، قال لهم ذلك، فقالوا: وكيف نقتل أنفسنا ؟ فقال موسى علیه السّلام: اغدوا(6)- وكلّ واحد منكم معه سكّين أو سيف - إلى بيت المقدس، فإذا صعدت أنا المنبر، فكونوا متنكّرين(7)، لا يعرف واحد منكم صاحبه، ويقتل بعضكم بعضاً.
ص: 57
فاجتمع ثلاثون ألفاً ممّن عبدوا العجل - وروي سبعون ألفاً - إلى بيت المقدس، فلمّا صلّى بهم صعد المنبر أقبل بعضهم يقتل بعضاً، حتّى نزل جبرئیل علیه السّلام، فقال یا موسی: قل لهم: يرفعوا(1) القتل، فقد تاب الله عليكم».(2)
[55] وقوله: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً)، هم السبعون رجلاً الذين اختارهم موسى للميقات، فأخذتهم الصاعقة وماتوا، ثمّ أحياهم الله.
أقول: واذا كان موسى(3)- مع عصمته و نبوّته - اختار من ستّمائة ألف، سبعين رجلاً، فلم يقوموا إلى ما اختاره لهم، فالاختيار باطل وخلافة من تقدّم عليّاً حصلت باختيار رجلين، وخلافة عمر بنصّ الأوّل، وخلافة عثمان حصلت باختيار عبدالرحمن، فلا تصحّ خلافتهم من وجوه، هذا بعضها.
[57] قوله: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ)... الآية [فإنّ بني إسرائيل](4) لمّا عبر بهم موسى البحر، نزلوا في مفازة، فقالوا لموسى أهلكتنا وأخرجتنا من عمران إلى خراب، فكانت تجيء بالنهار غمامة تظلّهم، وتنزل عليهم بالليل المنّ والسلوى فيأكلونه، وبالعشيّ طائر مشويّ يقع على موائدهم، فإذا أكلوا وشبعوا طارت ومرّت، وكان مع موسى حجر كلّما وضعه في وسط العسكر، ثمّ ضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة(5)عيناً، فتذهب كلّ عين إلى سبط .(6)
[61] فلمّا طال عليهم الأمر(7)، قالوا: يا موسى (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ) ... الآية، فقال:
ص: 58
(أهْبِطُوا مِصْراً) قالوا: (إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ)(1)... الآية.
[58] قوله: (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي: حطّ عنّا ذنوبنا فقالوا: «حنطة»، فقال الله: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُّوا)... الآية.(2)
[62] قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ)(3). الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى، يعبدون الكواكب. (4)
[63] قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) لمّا رجع موسى علیه السّلام إلى بني إسرائيل ومعه التوراة، لم يقبلوها، فرفع الله جبل طور(5) سيناء فوقهم، وقال لهم موسى: لئن لم تقبلوها ليسقطن عليكم، فنكسوا رؤوسهم وقالوا: نقبلها.
أقول: فإيمانهم كان عن قسر، ينافي التكليف، فلا إيمان لهم، وهم كفرة على هذا القول.
[67] قوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً)، فإنّ رجلاً من خيار بني إسرائيل خطب امرأة منهم، فأنعمت(6)، وخطبها ابن عمّ ذلك الرجل وكان فاسقاً، فلم تنعم، فحسده، فقتله غيلة، ثمّ حمله إلى موسى علیه السّلام وقال: هذا ابن عمّى قد قتل، قال(7): من قتله؟ قال: لا أدري، وكان فيهم رجل له ،بقرة، وكان له ابن بارّبه، وكان عند ابنه سلعة، فجاؤوا يطلبون سلعته، وكان مفتاح حانوته تحت رأس أبيه، وكان أبوه نائماً [ وكره ابنه أن ينبّهه وينغّض عليه نومه](8) ، فذهب القوم ولم يشتروا السلعة، فانتبه أبوه وعرف القصّة وشكره، وقال: خذ هذه البقرة لك عوضاً عمّا فاتك . من ربح
ص: 59
سلعتك، وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه، وأمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها.
[68] قوله: (لاَ فَارِضٌ وَلا بِكْرُ عوان)(1). الفارض: التي قد ضربها الفحل ولم(2) تحمل. والبكر: التي لم يضربها الفحل.
[69] قوله: (فَاقِعُ لَوْنُهَا): شديدة الصفرة.
[71] قوله (لاَ شِيَةَ فِيهَا) أي: لا نقطة(3) فيها غير الصفرة.
فقالوا: هذه بقرة فلان، فذهبوا ليشتروها، فقال: لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهباً، فقبلوا، وذبحوها، فقال موسى: اضربوا الميّت ببعضها، فأخذوا ذَنبَها فضربوه به، فعاش، فقالوا من قتلك؟ قال: فلان بن فلان(4)، ابن عمّي، فقتل.
[75 - 76] قوله: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ)... الآية، نزلت في اليهود، وقد كانوا أظهروا الإسلام نفاقاً، وكانوا يخبرون المسلمين بما في التوراة من صفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه، فقال لهم(5)علماؤهم: لا تحدَثوا أصحاب محمّد بما في التوراة والإنجيل، فيحتجّوا عليكم عند الله به، وذلك قوله: (قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ)... الآية.
[79] وكانوا يحرّفون التوراة وأحكامها، ثمّ يدّعون أنّه من عند الله [فأنزل الله فيهم: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)](6)
[80] قوله: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً)، قالوا: لن نعذَب إلّا الأيّام [المعدودات](7) التي غاب فيها موسى وعبدنا العجل، فقال الله لنبيه: قل لهم: ﴿أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ الله عَهْدَا)... الآية.
[83] قوله: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) نزلت في اليهود، ثم نسخت بآية السيف(8).
ص: 60
[ أقول]: وفيه نظر(1).
[84 - 85] قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لأَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ) إلى قوله: ﴿وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، قال العالم علیه السّلام: نزلت في أبي ذرّ و عثمان(2)، قال: فلمّا نفى عثمان أبا ذرّ إلى الربذة(3). دخل إلى عثمان أبو ذرّ، وبين يديه مائة ألف درهم، وحوله أصحابه وهم يطمعون أن يقسّمها فيهم قال أبو ذرّ: يا عثمان، ما هذا المال؟ فقال عثمان: مائة ألف، حملت إلىّ من بعض النواحي، أريد أن أجمع(4) إليها مائة ألف، ثمّ أرى فيها رأيي(5).
فقال أبو ذر: يا عثمان، مائة ألف أكثر، أم أربعة دنانير؟
فقال عثمان: بل مائة ألف.
قال: أما تذكر أنّي وأنت دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عشاءَ، فسلّمنا عليه فرأيناه كئيباً حزيناً، فلمّا أصبحنا رأيناه ضاحكاً مستبشراً، فقلنا له: إنّا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كثيباً حزيناً [ثمّ عدنا إليك اليوم فرأيناك فرحاً مستبشراً؟](6)
قال: «نعم، كان بقي عندي من فيّ المسلمين أربعة دنانير، لم أكن قسّمتها(7) [وخفت أن يدركني الموت وهي عندي](8) وقد قسّمتها اليوم واسترحت».
فقال عثمان لكعب الأحبار: يا أبا إسحاق، ما تقول في رجل إذا أخرج زكاة ماله المفروضة، فيها بعد إخراج الزكاة شيء؟
فقال: لا، ولو اتّخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ما وجب عليه فيها بعد إخراج الزكاة شيء.
فرفع أبوذرّ عصاه(9) فضرب بها رأسه، وقال: يابن اليهوديّة الكافرة، ما أنت والنظر في
ص: 61
أحكام المسلمين؟ قول الله أصدق من قولك، حيث يقول: ﴿الَّذِينَ يَكْذِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى) ... الآية.(1)
فقال عثمان: يا أبا ذرّ، إنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، فلولا صحبتك لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم لقتلتك.
فقال: كذبت يا عثمان، أخبرني رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فقال: يا أبا ذرّ، لن(2) يفتنوك ولن يقتلوك، وأمّا عقلي فقد بقي منه ما أحفظ به (3) حديثاً سمعته من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فيك وفي قومك.
فقال: وما سمعته يقول؟
قال: سمعته يقول: «إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثون رجلاً، صيّروا مال الله دولاً، وكتاب الله دغلاً(4) [وعباد الله(5) خولاً](6)، والفاسقين حزباً، والصالحين حرباً».
فقال عثمان: معشر المهاجرين والأنصار، هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله؟ فقالوا: لا.
فقال عثمان: ادعوا(7) عليّاً، فجاء على علیه السّلام فقال: يا أبا الحسن اسمع ما يقول هذا الشيخ الكذّاب.
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: لا تقل: كذّاب؛ فإنّي سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم يقول: «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ».
فقال كلّ من حضر: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.
فبكى أبوذرّ، وقال: ويحكم كلّكم قد مدّ عنقه(8) إلى هذا المال، أظننتم أنّي أكذب على رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم؟ [ثمّ نظر إليهم، فقال: من خيركم؟ فقالوا من خيرنا؟ فقال: أنا. فقالوا: أنت تقول : إنّك خيرنا؟ قال: نعم. خلّفت حبيبي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم في هذه الجبّة، وهو عنّي راض، وأنتم قد أحدثتم أحداثاً كثيرة ، والله سائلكم عن ذلك، ولا يسألني](9).
ص: 62
فقال عثمان: يا أباذرّ أسألك بحقّ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم إلّا ما أخبرتني عن شيء أسألك عنه؟
فقال: لو لم تسألني بحقّ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم [أيضاً](1) لأخبرتك.
فقال: أخبرني، أيّ البلاد أحبّ إليك أن تكون فيها؟
فقال: مكّة حرم الله وحرم رسول الله(2)، أعبدالله فيه حتّى يأتيني الموت.
فقال: لا، ولا كرامة لك.
قال: فالمدينة، حرم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.
قال: لا، ولا كرامة لك.
[فسكت أبوذرّ](3) فقال عثمان: أيّ البلاد أبغض إليك؟
قال: الربذة(4)، التي كنت فيها على غير دين الإسلام.
قال عثمان: سر إليها.
فقال أبوذرّ: سألتني فصدقتك، وأنا أسألك فأصدقني.
قال: نعم.
قال(5): أخبرني لو بعثتني في بعث(6) إلى المشركين، فأسروني، فقالوا: لا نفديه إلّا بثلث ما تملك؟
قال: كنت أفديك.
قال: فإن قالوا: لا نفديه إلّا بنصف ما تملك؟
قال: كنت أفديك.
قال: فإن قالوا: لا نفديه إلا بكل ما تملك؟
قال: كنت أفديك.
قال أبوذرّ: الله أكبر، صدق رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، أخبرني حبيبي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، قال: «كيف أنت إذا قيل لك: أيّ البلاد أحبّ إليك... تمام الخبر.
ص: 63
64
فقلت: يا رسول الله، وإنَّ هذا الكائن(1)؟
فقال: «إي، والذي نفسي بيده، إنّه كائن».
فقلت: يا رسول الله، أفلا أضع سيفي على عاتقي وأضرب به قدماً؟
فقال: «لا، اسمع واسكت ولو لعبدِ حبشيٍّ. وقد أنزل الله فيك وفي(2) عثمان آية».
فقلت: ما هی یا رسول الله ؟
فقال: «قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ) ... الآية).
فقوله: ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ) يعني أَبا ذرّ.
قال: فنفاه إلى الربذة، فشيّعه أمير المؤمنين والحسن والحسين».(3)
قال عديّ بن حاتم الطائي: حججنا أيّام عثمان، وقد كان نفى أبا ذرّ إلى الربذة، فقلنا: نجعل طريقنا على أبي ذرّ ونسلّم عليه فأتينا الربذة فنظرنا إلى خباء رثًّ، فقصدناه فإذا إمرأة فيه وصبيّة، فقلنا: أين أبا ذر؟
فقالت لنا: هو في غنيمات له يرعاها. فقصدناه، فإذا رجل لا يرفع قدماً من الأرض ولا يضعها إلّا ذكر الله خشوعاً. فسلّمنا عليه. فردّ علينا السلام، ثمّ قال: من أنتم؟
فقلنا: قوم من إخوانك أردنا الحجّ، فأحببنا أن نسلّم عليك.
فقال: قبل الله ذلك منكم، أمّا إنّي سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من نوى الحجّ احتساباً الله، لا لغيره، لم ترفع ناقته خفّاً إلا كتب الله له به حسنة، ومحا عنه سّيئة، ورفع له درجة، فإذا دخل الحرم تحات عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر. فإذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة غفر الله له ذنوبه. فإذا وقف بالموقف بعث الله ملكاً فضرب بين كتفيه وقال له: استأنف العمل، فأمّا ما تقدّم من ذنبك فقد غفر لك، فهلا(4) تدعوا لإخوانك بظهر الغيب؟ فإنَّ من دعا لإخوانه بظهر الغيب استجاب الله منه في نفسه سبعين ضعفاً».
ص: 64
قال: فودّعناه وخرجنا، فلمّا حججنا لم يكن لنا همّة إلا الرجوع إليه، فوافينا الربذة، فإذا الخباء معدوم، وإذا بنت أبي ذرّ جالسة وحدها. فقلنا: أين أبو ذرّ؟
قالت: مات.
قلنا: وكيف كان؟
قالت: لمّا فارقتمونا ماتت غنيماتنا في داءِ يقال له: النقّاز، ثمّ ماتت أُمّي، فبقيت أنا وأبي، فأصابنا الجوع، فقال ليِ أبي: يا بنيّة، قومي بنا إلى الرمل نطلب القتّ - وهو نبت له حبّ - فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئاً، فجمع أبي رملاً ووضع رأسه عليه، ورأيت عينيه قد انقلبتا، فبكيت وصحت وقلت: يا أبه، كيف أصنع بك إن متّ وأنا وحيدة؟
فقال: يا بنيّة لا تحزني، فإذا متّ فمدّي الكساء على وجهي، ثمّ اقعدي على طريق العراق، فإذا أقبل ركب من العراق، فقولي لهم: هذا أبوذرّ قد توفّي، فإنّهم يكفونك أمري، فإنّه أخبرني حبيبي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم في غزوة تبوك، فقال: «يا أباذرّ، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، وتدخل الجنّة وحدك، يسعد(1) بك قوم من أهل العراق، يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك».
قالت: فلمّا مات مددت الكساء على وجهه، ثمّ قعدت على طريق العراق، وإذا ركب أقبلوا، فقمت إليهم، فقلت لهم: هذا أبوذرّ صاحب رسول الله قد توفّى، فنزلوا ومشوا إليه يبكون، فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه، وكان فيهم الأشتر، فقال: كفنته بحلّة كانت معي، قيمتها أربعة ألف درهم.
فقالت ابنته(2): فكنت أصلّي بصلاته، وأصوم بصيامه، فبينا أنا ذات ليلة نائمة إذ سمعته يتهجّد بالقرآن كما كان يتهجّد(3) في حياته، فقلت له: يا أبه، ماذا فعل بك ربّك؟
قال: يا بنيّة، قدمت على ربّ كريم، رضي عنّي ورضيت عنه، وأكرمني وحباني(4)، فاعملوا ولا تغترّوا(5)».(6)
ص: 65
[94] قوله: (فَتَمَنَّوا الْمَوْتَ)... الآية؛ لأنَّ في التوراة: إنَّ أولياء الله يتمنّون الموت، ولا يرهبونه.(1)
[97] قوله : (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) ... الآية نزلت في اليهود، قالوا الرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم](2): إن لنا من(3) الملائكة أصدقاء وأعداء [فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «من صديقكم ومن عدوّكم؟» فقالوا:](4) فجبريل عدوّنا؛ لأنّه يأتي بالعذاب، وميكائيل صديقنا، لأنّه يأتي بالرحمة، فلو كان ميكائيل ينزل عليك لآمنّا بك.
[102] قوله: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ)... الآية، سئل الباقرعلیه السّلام عن هاروت وماروت، فقال: «إنّ الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كلّ يوم وليلة، يحفظون أعمال(5) أهل الأرض من ولد آدم والجنّ ، فيكتبون(6) أعمالهم ويعرجون بها إلى السماء [قال:](7) فضجّ أهل السماء من معاصي أهل الأرض، فتوامروا(8) فيما بينهم، ممّا يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله، وجرأتهم عليه(9)، ونزّهوا الله مما يقول فيه خلقه. فقالت طائفة من الملائكة: يا ربّنا، أمّا (10) تغضب ممّا يعمل خلقك في أرضك، وما يصفون فيك من الكذب والزور، ويركبون من المعاصي، وهم في قبضتك وقدرتك؟
[قال أبو جعفر علیه السّلام:](11) فأحبّ الله أن يُري الملائكة قدرته ونافذ(12) أمره في جميع خلقه، ويعرّف الملائكة ما منّ به عليهم ممّا عدله عنهم من صنيع(13) خلقه، وما طبعهم عليه من الطاعة، وعصمهم من الذنوب - قال : - فأوحى الله إلى الملائكة: أن اندبوا(14)
«ط»: «في».
ص: 66
منكم ملكين حتّى أهبطهما إلى الأرض، وأجعل فيهما من طبائع بني آدم: المطعم والمشرب والحرص والشهوة والأمل مثلما جعلته في ولد آدم، ثمّ أختبر هما في الطاعة لي.
قال: فندبوا لذلك هاروت وماروت، وكانا(1) من أشدّ الملائكة معابة لبني آدم، فأوحى الله إليهما: أن اهبطا إلى الأرض، فقد جعلت فيكما ما جعلته في ولد آدم، ثمّ حى الله إليهما: أنظرا ألاَّ تشركا بي شيئاً، ولا تقتلا النفس التي حرّمت، ولا تزنيا، ولا تشربا الخمر.
قال: ثمّ كشف عن السماوات السبع ليريهما قدرته، ثمّ أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم، فهبطا ناحية، بابل، فرفع(2) لهما بناء قصر(3)، فأقبلا نحوه، فإذا بحضرته إمرأة جميلة حسناء مزيّنة عطرة مسفرة مقبلة نحوهما، قال: فلمّا نظرا إليها وناطقاها وتأمّلاها، وقعت في قلوبهما موقعاً شديداً(4)، فراوداها عن نفسها، فقالت لهما: إنَّ لي ديناً أدين به، ولست أقدر - في ديني - على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلّا أن تدخلا في ديني.
فقالا لها وما دينك؟
قالت: [لي](5) إلهّ، من عبده وسجد له كان السبيل إلى أن أجيبه إلى كلّ ما سألني.
فقالا لها: وما إلهك؟
قالت: إلهي هذا الصنم
قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال: هاتان خصلتان ممّا نهانا عنهما: الشرك والزنا(6)، فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما، فقالا لها: فإنَّا نجيبك ما سألت.
ص: 67
فقالت: فدونكما فاشربا هذا الخمر؛ فإنّه قربان لكما عنده، وتصلان إلى ما تريدان.(1)
قال: فشربا الخمر وعبدا الصنم، ثمّ راوداها على نفسها، فلمّا تهيّأت لهما وتهيّئا لها، دخل عليهما سائل يسأل، فلمّا رأياه فزعا منه، فقال لهما : إنّكما مريبان ذعران(2)، قد خلوتما بهذه المرأة، إنّكما لرجلاسوء(3)، وخرج عنهما.
فقالت لهما: لا وإلهي، ما أصل إلى أن تقرباني وقد اطّلع هذا الرجل على حالكما وعرف مكانكما، [ويخرج الآن](4) فيخبر بكما، ولكن اقتلاه قبل أن يمضي ويفضحني، ثمّ دونكما فاقضيا حاجتكما وأنتما مطمئنّان آمنان.
فقاما إلى الرجل فأدركاه وقتلاه، ثمّ رجعا إليها فلم برباها، وبدت لهما سوء آنهما ونُزع عنهما رياشهما(5)، وأسقطا في أيديهما.
قال: فأوحى الله إليهما: إنّما أهبطتكما إلى أرضي وصبّرتكما مع خلقي ساعة من النهار، فعصيتماني بأربع معاصى، كلّها قد نهيتكما عنها وتقدّمت بها إليكما(6)، فلم تراقباني ولم تستحيا منّي، فاختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة.
فاختارا عذاب الدنيا، وكانا يعلّمان الناس السحر بأرض بابل، فلمّا علما الناس السحر رُفعا من الأرض في الهواء، فهما منكّسان معلّقان في الهواء إلى يوم القيامة(7)، ونزل فيهما: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ).... الآية.
أقول: في هذا كلّه نظر؛ فإنّ الملائكة معصومون، مطبوعون على الطاعة، يسبّحون
ص: 68
الليل والنهار لا يفترون، وأنّ الحقائق لا تنقلب ، فلا يصير الملك آدمياً، وبالعكس.
وبالجملة: فليتأمّل ذلك؛ فإنّ نقله غير صحيح، وهو من قول الحشوية.
[104] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا) أي: لا تقولوا تخليطاً(1) وقولوا: أفهمنا. (2)
[106] قوله: (مَا نَنَسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُفْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) معنى: (نُنْسِهَا) أَي: نتركها. (3)
[108] قوله: (أم تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِنْ قَبْلُ)، يعني: لمّا قالوا: (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)(4).
[114] قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ)... الآية نزلت في قريش حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أن يكون بمكّة (5).(6).
[115] قوله: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ الله قال العالم علیه السّلام(7): «أُنزلت في النافلة، تصلّيها حيث ما توجّهت، وأمّا الفرائض فهو قوله: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ)(8) ... الآية».(9)
قوله: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ )(10)... الآية»، قال: «هو من المتشابه».(11)
ص: 69
[124] :قوله: ﴿وَإِذِ أَبْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ) .... الآية، قال العالم: «الذي ابتلاه الله به: ما أراه في نومه أنه يذبح ابنه، فأتمّها إبراهيم علیه السّلام وعزم عليها، فلمّا عزم عليها، قال [الله تعالى ثواباً لمّا صدّق وعمل بما أمره الله(1)](2): (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)».
أقول: هذه الآية تدلّ على أن الإمام يجب أن يكون معصوماً من الكبائر والصغائر، من أوّل العمر إلى آخره، ولم يكن كذلك إلّا علي بن أبي طالب وأولاده الأحد عشر.
ثمّ أنزل عليه الحنيفيّة، وهي الطهارة، وهي عشرة أشياء: خمسة منها في الرأس: قصّ الشارب(3)، واعفاء اللّحى، وطمّ الشعر، والسواك، والخلال.
وخمسة منها في البدن: حلق الشعر، والختان، وقلم(4) الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء.
فهي الحنيفيّة(5) التي جاء بها إبراهيم علیه السّلام، فلم(6) تنسخ إلى يوم القيامة، وهو قوله لرسوله: ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)(7).
[125] قوله: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً)... الآية، المثابة: هو العود إليه. (8)
وقوله: (وَعَهِِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل)... الآية، قال العالم علیه السّلام: «لمّا بني إبراهيم علیه السّلام البيت وحجّ الناس، شكت الكعبة [إلى الله تبارك وتعالى](9) ما تلقاها من أنفاس المشركين، فأوحى الله إليها: قرّي يا كعبة(10)، فإنّي أبعث في آخر الزمان قوماً يتنظّفون بقضبان الشجر ويتخلّلون».(11)
ص: 70
[126] قوله: ﴿ وَأَرْزُقُ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم) [فإنّه دعا إبراهيم ربّه أن يرزق من آمن به منهم(1)](2)، فقال الله: (وَمَن كَفَرَ) أيضا أرزقه، و (أُمَتِّعُهُ قليلاً)... الآية.(3)
[127] وأمّا قوله: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ)... الآية، قال الصادق علیه السّلام: «إنّ إبراهيم علیه السّلام كان نازلاً في بادية الشام، فلمّا ولد من هاجر إسماعيل علیه السّلام اغتمّت سارة بذلك، فكانت(4) تؤذي إبراهيم علیه السّلام في هاجر وتغمّه، فشكا إبراهيم علیه السّلام ذلك إلى الله، فأوحى الله إليه: إنّما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء(5)، إن تركته استمتعت به، وإن أقمته(6) كسرته، ثمّ أمره أن يخرج إسماعيل علیه السّلام وأمّه عنها(7). قال: يا ربّ، إلى أيّ مكان؟ قال: إلى حرمي وأمني، وأوّل بقعة خلقتها من الأرض، وهي مكّة.
فأنزل عليه جبرئيل بالبراق، فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم علیهما السّلام إلى موضع البيت(8)، وقد كان إبراهيم علیه السّلام عاهد سارة أن لا ينزل حتّى يرجع إليها.
فلمّا نزلوا في ذلك المكان كان ثمّة شجر يؤذيهم(9)، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساءً كان معها، فاستظلّوا تحته، فلمّا وضعهم وسرحهم(10) وأراد الانصراف عنهم إلى سارة(11)، قالت له هاجر: با إبراهيم، أتدعنا(12) في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟
قال إبراهيم: إنّي أُمرت أن أضعكم في هذا المكان(13)، ثمّ انصرف عنهم. فلمّا بلغ
ص: 71
كداء - وهو جبل بذي طوى - إلتفت إليهم ، وقال: يارب (إنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زرع)(1).... الآية، ثمّ مضى.
فلمّا ارتفع النهار عطش إسماعيل وقام يطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي، ونزلت في الوادي في موضع السعي(2)، فنادت: هل في الوادي من أنيس؟ فغاب عنها إسماعيل علیه السّلام فصعدت على الصفاء، ثمّ لمع لها السراب في ناحية الوادي، فظنّته ماء، فنزلت في بطن الوادي وسعت، فلمّا بلغت السعي غاب عنها إسماعيل علیه السّلام، ثمّ لمع لها السراب في ناحية الصفا، فهبطت إلى الوادي تطلب الماء، فلمّا غاب عنها إسماعيل علیه السّلام عادت حتّى بلغت الصفا، فنظرت إلى إسماعيل، حتّى فعلت ذلك سبع مرّات، فلمّا كانت في الشوط السابع وهي على المروة، نظرت إلى إسماعيل علیه السّلام وقد ظهر الماء من تحت رجليه، فعدت(3) حتّى جمعت حوله رملاً، لأنه كان سائلاً، فزمّته(4) بما جمعت حوله من الرمل، فلذلك سميت: زمزم.
وكانت جرهم نازلة بذي المجاز(5) وعرفات، فلمّا ظهر الماء بمكّة عكفت الطير والوحش على الماء [فنظرت جرهم إلى تعكّف الطير والوحش](6) في ذلك المكان، فتبعوها(7) حتّى نظروا إلى إمرأة وصبّى نازلين فى موضع البيت، قد استظلوا بشجرة، وقد ظهر لهم الماء، فقالوا لهاجر: من أنت؟ وما شأنك وشأن الصبي؟
قالت: أنا أمّ ولد إبراهيم خليل الرحمن، وهذا ابنه، أمره الله أن ينزلنا هاهنا.
قالوا لها: فتأذني(8) أن نكون بالقرب منكما، فنشرب من هذا الماء؟
فقالت: لا أدري، حتّى يرجع إبراهيم.
فلمّا زارهما إبراهيم علیه السّلام يوم الثالث، قالت له: إنّ هاهنا قوما يسألونك أن تأذن لهم حتّى يكونوا بالقرب من الماء، أفتأذن لهم؟
ص: 72
فقال: نعم، [فأذنت هاجر لجرهم](1) فنزلوا بالقرب منها، فأنست هاجر، وأنس إسماعيل بهم.
فلمّا زارهم إبراهيم في المرّة الثانية(2) نظر إلى كثرة الناس حولهم، فسرّ بذلك. وكانت جرهم قد وهبت لإسماعيل كلّ واحد منهم شاة و شاتين، فكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها.
فلمّا بلغ إسماعيل علیه السّلام مبلغ الرجال، أمر الله إبراهيم علیه السّلام أن يبنى البيت، فقال: يا ربّ، في أيّ بقعة؟
قال: في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم. ولم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم علیه السّلام قائمة حتّى كان أيّام الطوفان، فلمّا غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا إلّا موضع البيت، فسمي البيت العتيق لذلك، لأنّه أعتق من الغرق.
فلمّا أمر الله إبراهيم علیه السّلام أن يبني البيت [لم يدر في أي مكان يبنيه، فبعث الله عزّ وجلّ جبرئيل علیه السّلام فخطّ له موضع البيت](3) وأنزل عليه القواعد من الجنّة، وكان الحجر الذي أنزله على آدم علیه السّلام أشدّ بياضاً من الثلج، فلمّا مسّته أيدي الكفار إسودّ.
فبنى إبراهيم علیه السّلام البيت، ونقل إسماعيل علیه السّلام الحجر من ذي طوى، فرفعه في السماء(4) تسع أذرع، ثمّ دلّه على موضع الحجر، فاستخرجه إبراهيم علیه السّلام ووضعه في موضعه الذي هو فيه.(5)
فلمّا بناه أمر الله إبراهيم أن يؤذن بالحجّ، فقال: ولم(6) يبلغ صوتي، وكيف يسمع من بالمشرق والمغرب؟
قال: عليك الأذان وعليّ البلاغ.
ص: 73
فصعد إبراهيم على أبي قبيس فنادى: أيها الناس، حجّوا إلى بيت ربّكم يغفر لكم ذنوبكم».
قال العالم: «فأجابه من في أرحام النساء وأصلاب الرجال: لبّيك اللهمّ لبيّك. فمن أجابه يومئذ بالتلبية بحجّ، ومن لم يجب لم يحجّ.
ونزل عليهما جبرئيل علیه السّلام يوم التروية(1)، فقال:(2) قم وارتوي من الماء؛ لأنَّه لم يكن بمنى وعرفات ماء، فسمّيت التروبة؛ لذلك، وأخرجه إلى مُنى فبات بها، وفعل به ما فعل بآدم علیه االسّلام».
وروي في قوله: ﴿ وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ(3))، قال: «من ثمرات القلوب، وحبّبهم إلى الناس ليشتاقوا إليهم(4)، ويعودوا إليهم».(5)
[129] قوله: ﴿رَبَّنَا وَأَبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ)... الآية، يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ولذلك قال: «أنا دعوة أبي إبراهيم علیه السّلام».(6)
[137] قوله: ﴿فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) أَي: في كفر(7)، وهي من المحكم.
[138] قوله: (صِبْغَةَ اللَّهِ) يعني: الإسلام.(8)
[142] قوله: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ).... الآية، هذه الآية متقدّمة على قوله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهك)(9)... الآية، فقدّمت هذه على هذه في التأليف [لأنّه نزل أوّلاً: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ
ص: 74
وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ)، ثمّ نزل: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا)](1) وذلك أنّ رسول الله صلّى بمكّة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس، وبعد الهجرة بالمدينة سبعة أشهر، ثمّ إنَّ اليهود عيّروه بذلك، وقالوا: أنت تابع لنا، تصلّي إلى قبلتنا. فاغتمّ لذلك، وأحبّ أن يحوّل الله قبلته إلى الكعبة، فخرج في جوف الليل(2) ينظر في آفاق السماء، ينتظر أمر الله، فلمّا أصبح و حضرت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم، فصلّى بهم الظهر ركعتين، ثمّ نزل عليه جبرئيل علیه السّلام فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة، وأنزل الله عليه: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ) ... الآية».
[146] قوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) يعني: اليهود (يَعْرِفُونَهُ) يعني: يعرفون رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.
[147] قوله: ( الْمُمْتَرِينَ): الشاكّين.
[150] قوله: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةً) يعني: اليهود، فيما كانوا قالوا لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: أنت تابع لنا.
قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) يعني ولا الذين ظلموا منهم، و «إلّا» في موضع «ولا»، وليست هي إستثناءاً.(3)
[143] قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) إنّما نزل: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أَئِمَّةً وَسَطاً)(4)، ومعنى (وَسَطاً) أي: واسطة بين الرسول والناس، والدليل على ذلك قوله: (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) يعني: على الأئمَة ﴿وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِِ)(5).
[166 - 167] قوله: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ)... الآية، يتبرّأ كلّ إمام من شيعته، فيقولون - يعني شيعتهم -: (لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً)...الآية».
ص: 75
[171] قوله: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُ وا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ)... الآية، مثل ضربه الله للكفّار، وأنّهم كمثل البهائم، لأنّها إذا زُجرت فإنّما تسمع الصوت ولا تدري ما يراد .(1).(2)
[173] وقوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) أي: ما ذبح لغير الله، ثمّ رخّص للمضطّر، فقال: (فَمَنِ أَضْطُرَّ غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ)، [فالباغي: من يخرج في غير طاعة الله، والعادي: الذي يعتدي على الناس و](3) هو الذي يقطع الطريق.(4)
[175] قوله: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّار)ِ يعني: ما أجرأهم؟.(5)
[177] قوله: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا) هذه شروط(6) الإيمان [الذي هو التصديق بالملائكة والكتاب والنبييّن](7).(8) نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علیه السّلام.
قوله: ﴿وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ)؛ فالبأساء: الجوع والعطش والخوف والمرض(9) (وحين البأس) يعني: عند القتال.(10)
[178] وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) هي ناسخة لقوله: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(11) ... الآية. (12)
[179] وقوله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً) يعني: لولاه لقتل بعضكم بعضاً. (13)
ص: 76
[180] وقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)... الآية، منسوخة بآية الميراث .(1). (2)
[182] وقوله: ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُوصٍ جَنَفَاً)... الآية، قال العالم علیه السّلام: «إذا أوصى الرجل إلى رجل بوصيّة، فلا يحلّ للوصي أن يغيّر وصيّته(3) إلّا أن يوصي بغير ما أمر الله(4)، فيجوز حينئذ للموصى إليه أن يردّه إلى الحقّ، مثل أن يكون له ورثة، فيجعل المال كلّه لبعضهم ويحرم الباقين، فيجوز أن يردّه الوصي إلى الحقّ، و (الجَنَف): الميل إلى بعض وترك بعض، و (الإثم) : أن يوصي بعمارة بيوت النيران واتّخاذ المسكر»(5).
[183] وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)... الآية، روي أنّه أوّل ما فرض الله الصوم، لم يفرضه إلا في شهر رمضان، [قال العالم علیه السّلام: فرض الله شهر رمضان على الأنبياء، ولم يفرضه على الأمم، فلمّا بعث محمّداً صلّی الله علیه وآله وسلّم خصّه بفرض شهر رمضان [هو وأمّته، وكان الصوم قبل أن ينزل شهر رمضان يصوم الناس أيّاماً(6)، ثمّ نزل: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ).
قال:](7) وسئل العالم علیه السّلام عن قوله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، كيف كان؟ وإنّما نزل في طول عشرين سنة؟
قال: «نزل جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل من البيت المعمور إلى النبي صَلّی الله علیه وآله وسلّم له في طول عشرين سنة». (8)
ص: 77
قال: «ونزلت صحف إبراهيم علیه السّلام في أوّل ليلة من شهر رمضان، والتوراة لستّ خلت(1) منه، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، ونزل القرآن لأربع عشرة ليلة خلت منه».(2)
[184] قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)... الآية، قال: «من مرض في شهر رمضان ثمّ صحّ، فعليه أن يقضي ما فاته في مرضه، فإنَّ لم يقض وصحّ حتى جاء رمضان آخر، فعليه أن يقضي ويتصدق عن كل يوم مداً من طعام، وهو قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ، أَي: يطيقون الصوم ولم يصوموا فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ».(3)
[187] قوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ)... الآية، كان النكاح محرّماً في شهر رمضان بالليل أيضاً، وكان قوم بنكحون بالليل سرّاً، فأنزل الله هذه الآية. وكان(4) الأكل بعد النوم محرّماً، فكان من صلّى العشاء ولم يفطر ونام حرم عليه الأكل إلى الليلة المستقبلة، وكان خوّات بن جبير شيخاً كبيراً، أبطأت عليه زوجته بالطعام، فنام، فلمّا انتبه قال لها: قد حرم (5) عليّ الأكل، فلمّا أصبح حضر حفر الخندق، فأغمي عليه، فرقّ له رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فأنزل الله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمْ)... الآية.(6)
[188] قوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ) قال العالم علیه السّلام: [قد علم الله أنه يكون حكاماً](7)وأنّهم يحكمون بغير ما أنزل الله، فنهى أن يتحاكم إليهم».(8)
[189] وقوله: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ): المواقيت المعروفة. الأشهر(9) الحرم - وهي:
ص: 78
ذو القعدة و ذو الحجّة والمحرّم ورجبحرّم الله فيها القتال، ويضاعف فيها الذنوب والحسنات.
وأشهر السياحة: وهي عشرون ذي الحجّة، والمحرم، وصفر، وربيع الأوّل، وعشرون من ربيع الآخر، وهي قوله: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)ٍ(1).
وأشهر الحجّ: وهي شوّال، وذو القعدة وذو الحجّة، وإنّما صارت هذه(2) أشهر الحجّ لأنّه من اعتمر في هذه الأشهر في شوّال أو في ذي القعدة(3)، ونوى أن يقيم بمكّة حتّى يحجّ وأضاف إلى أفعال الحجّ ما يتبع بها من الذبح وغيره، فقد تمتّع بالعمرة إلى الحجّ؛ لأنّه دخل مكّة(4) في أشهر الحجّ، فسمّيت هذه(5): أشهر الحجّ. وشهر رمضان معروف.
وأمّا المواقيت المبهمة: فعدّة النساء في الطلاق، وعدّة المتوفّى عنها زوجها، وعدّة الإيلاء(6)6. الإيلاء: الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة المدخول بها أبدا أو مطلقا. مجمع البحرين، ج 1، ص 463 (ولا). (7) أربعة أشهر.
وأجل الدين، وشهران متتابعان في كفّارة الظهار(8) وكفّارة قتل الخطأ.(9)
وقوله: ﴿لَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرِّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أَبْوَابِهَا)، فإنَّ من قدم من حجّاج العرب كانوا في أيّام الحجّ لا يدخلون من باب البيت، لكن يدخلون من ظهر الدار، يتسلّقون الحائط. وعن الصادق علیه السّلام: «إنّها نزلت في الإمامة؛ لقوله علیه السّلام: «أنا مدينة العلم وعلىُّ بابها، ولا تؤتى المدينة إلا من بابها».(10)
[191] قوله: (والفتنة) يعنى الكفر.(11)
ص: 79
[197]: قوله: (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجِّ)... الآية، الرفث الجماع، والفسوق: الكذب، والجدال الخصومة، وهي قول: لا والله، وبلى والله؛ نهى الله عن ذلك ما دام محرماً.(1)
[198 - 199] قوله: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ)... الآية، هذه الآية مقدّمة ومؤخّرة؛ لأنّ قريشاً كانت لا تقف بعرفات، وإنّما تقف بالمشعر في الحرم داخلاً، وعرفات خارجاً من الحرم، فأمر النبي قريشاً أن يخرجوا إلى عرفات فيقفوا بها، فقال لهم: (أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)، والناس هنا: ربيعة وكنانة وسائر العرب.
وها هنا تقديم وتأخير؛ لأنّه نزل: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدِ المَشْعَرِ الْحَرَامِ)... الآية، فقدّموا وأخروا في التأليف.
[200]:قوله (كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ)، قال: «كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم، فيقولون: لا وأبيك، لا وأبي، فأمر الله أن يقولوا: لا والله، وبلى والله». (2)
قوله: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا)... الآية، عن الصادق علیه السّلام قال: «سأل رجل أبي علیه السّلام عند منصرفه من الموقف، فقال: أترى يجيب الله هذا الخلق؟
فقال أبي علیه السّلام: ما وقف هذا الموقف أحد من الناس، مؤمن ولا كافر، إلّا غفر الله له، إلاّ أنَّهم في مغفرتهم على ثلاث منازل:
مؤمنّ غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وأعتقه من النار.
ومؤمن غفر الله له ما تقدّم من ذنبه(3)، وقيل له: أحسن العمل فيما بقي.
وكافرَّ(4)وقف هذا الموقف يريد زينة الحياة الدنيا، غفر الله له من ذنبه ما تقدّم إن تاب من الشرك، فإن لم يتب وفّاه الله أجره في الدنيا، ولم يحرمه أجر هذا الموقف».(5)
[203] قوله: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) يعني: أيّام التشريق الثلاثة. والأيّام
ص: 80
المعلومات(1): العشر من ذي الحّجة. (2)
[207] قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ)، نزلت في أمير المؤمنين علیه السّلام.(3)
[208] قوله: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، نزلت في الولاية.(4)
[213] قوله: (كانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)، كانوا قبل نوح على مذهب واحد.(5)
[217] قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالِ فِيهِ) فإنّ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بعث عبد الله بن جحش(6) [في نفر من أصحابه](7)، وعقد له اللواء وبعثه إلى نخلة - وهي بستان بني عامر - ليأخذوا عير قريش، وقد أقبلت من الطائف عليها الطعام والأدم، فوافق قدوم العير، وفيهم ابن الحضرمي(8)، حليف العتبة بن ربيعة. فلمّا نظر ابن الحضرمي وأصحابه ابن جحش وأصحابه، تهيّئوا للحرب، فأمر عبد الله أصحابه أن ينزلوا ويحلقوا رؤوسهم، ففعلوا.
فقال ابن الحضرمي: هؤلاء قوم عمّار(9) ليس علينا منهم بأس، فاطمأنّوا ووضعوا السلاح، فشدّوا عليهم فقتلوا ابن الحضرمي، وأخذوا العير بما فيها، وساقوها إلى المدينة، وكان ذلك في أوّل يوم من رجب، فكتبت قريش إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: إنّك
ص: 81
استحللت الشهر الحرام، وسفكت فيه الدم، وأخذت المال، فنزلت الآية تقول: القتال في الشهر الحرام كبير، ولكن الذي فعلت قريش من الصدّ عن سبيل الله (وكُفْرُ بِهِ والْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ). والفتنة: الكفر.
ثمّ نزل: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَام)(1)».(2)
[219] وقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ) أي: ماذا يتصدّقون به؟ (قُلِ الْعَفْوَ) أي: الزائد على ما يحتاج إليه ولعياله.
(قُلِ الْعَفْوَ)، قال: «لا إقتار ولا إسراف».(3)
[220] وقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى)... الآية، قال: «لما نزل: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتامي)... الآية(4)، أخرج كلّ من كان عنده يتيم، وسألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في إخراجهم، فنزلت».
وروى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال: «لمّا أسري بي إلى السماء، انتهيت إلى قوم تقذف في أجوافهم النار، فتخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً)».(5)
قال العالم علیه السّلام: «لا بأس أن تخلط طعامك بطعام اليتيم، فإنّ الصغير يوشك أن يأكل كما يأكل الكبير(6)».(7)
ص: 82
[221] قوله: (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)... الآية، هذه منسوخة بقوله في المائدة: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)(1).... الآية».
قوله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) متروك على حاله لم ينسخ، فلا يحلّ للمسلم أن يزوّج اليهودي والنصراني، ويحلّ للمسلم أن يتزوّج منهم.(2)
أقول: هذه المسألة فيها أقوال: فبعضهم قالوا: يحلّ مطلقاً، وبعضهم قال: يحلّ بالعقد المنقطع، وقال قوم: يحلّ في ملك اليمين فقط، وقال قوم: يحلّ بأهل الكتاب(3)، لا بالمجوسيّة.
وبالجملة؛ فالمسألة خلافيّة(4)، فهذه الآية نصفها منسوخة، ونصفها متروكة على حالها.(5)
[222] وقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ)... الآية، لا يجوز للرجل أن يجامع أهله في المحيض فى الفرج، فإن فعل في أوّل أيّامها فعليه أن يتصدّق بدينار، وفي وسطها فعليه أن يتصدّق بنصف دينار، وفي آخر أيّامها فعليه أن يتصدّق بربع دينار».(6)
أقول: وهل هذه الكفّارة واجبة أو مندوبة؟ خلافٌ، والحقّ الاستحباب؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب.
[223] وقوله: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)... الآية، قال قوم: هو القبل والدبر، وغلطوا؛ لأنّ (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) يعني: الزرع، والزرع لا يكون إلّا في الفرج، وهو الولد. و (أنَّى)
ص: 83
بمعنى متى.(1)
أقول: «في وطء المرأة في الدبر خلاف، والحق الجواز، وبه قال مالك».(2)
[226] قوله : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَائِهِمْ)... الآية، قال: «الإيلاء هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها، فإن صبرت عليه فلها أن تصبر، وإن استعدت عليه(3) أنظره الإمام أربعة أشهر، ثمّ يقول له بعد ذلك: إما أن ترجع، وإمّا أن تطلّق، فإنّ أبى حبسه أبداً».(4)
وروي: أنّ أميرالمؤمنين علیه السّلام بنى حظيرة من قصب، وجعل فيها رجلاً والى من امرأته بعد الأربعة أشهر، وقال له: «إمّا أن ترجع إلى المناكحة وإمّا(5) أن تطلّق، وإلّا أحرقت عليك الحظيرة».(6)
أقول: في إحراقه نظر؛ فإنّه لا يجوز حتماً،(7) وإذا رجع بعد الأربعة أشهر فلابدّ من الكفّارة.(8)
[228] وقوله: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ)، قال: «لا يحلّ لها أن تكتم حبلها ولا حيضها».(9)
ص: 84
قوله: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةً) يعني على النساء؛ لأنّ حقّ الرجل على المرأة أفضل من حقّها عليه.(1)
[229] وقوله: (اَلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيعُ بِإِحْسَانٍ في الثالثة، [وهو طلاق السنة](2). قال العالم: «أنّ تطلّق المرأة على طهر من غير جماع بشهود، ثمّ يراجعها ثمّ يطلّقها،(3) ثمّ قال: (فَإِمْسَاكَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ) في الثالثة، ثمّ قال: (وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) إذا طلّقها (إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) فَهذا نزل في الخلع(4)».
والخلع: أن تقول المرأة لزوجها: لا أبرّلك قسماً(5)، ولاُّ أطيع لك أمراً، ولأدخلنّ بيتك بغير إذنك، ولأّوطّئنّ فراشك بغير إذنك، [أو](6) تطلقّني. وتدع له ما عليه، فهذا يحلّ له أن يأخذ جميع ما أعطاها، وأفضل(7)».(8)
[231] وقوله: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا) قال: «وإذا لم يردها لم(9) يضرّ بها(10)،فيقول لها كلّما انقضت عدّتها راجعتك».(11)
ص: 85
[232] وقوله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) أي: لا تحبسوهنّ عن النكاح.(1)
233] وقوله: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) فإنّه لا ينبغي للرجل أن يمتنع من جماع أهله ويضارّها(2)، إذا كان لها ولد يرضع، فيقول لها: لا أقربك، إنّي أخاف عليك الحبل فتقتلي ولدي(3) [وكذلك المرأة لا يحلّ لها أن تمتنع على الرجل، فتقول: إنّي أخاف أن أحبل فأقتل ولدي](4)، فهذه المضارّة في الجماع.(5)
وقوله: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ)، قال : « لا تضارّ المرأة التي لها ولد وقد توفّي زوجها، فلا يحل للوارث أن يضارّ أمّ الولد في النفقة، فيضيق عليها».(6)
وقوله: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ)... الآية، أي: إذا اصطلحت الأمّ والوارث، فتقول: خذ الولد واذهب حيث شئت(7).(8).
[234] وقوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) فهو ناسخ لقوله: (مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)(9) وقد قدّمت الناسخة على
ص: 86
أقول: هذا دليل على أنّ القرآن ما هو مرتب كما أنزل بعد موت الرسول على ما هو الآن.
[235] وقوله: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)... الآية، هو أن يقول الرجل للمرأة [في العدة(3)](4) إذا توفّي عنها زوجها: لا تحدثي حدثاً، ولا يصرّح لها التزويج.
[237] قوله: (إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِِ) [وهو الأب أو الوليّ(5)، ولا يعفوان إلا بأمرها.(6)
أقول: (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِِ)](7) هو الزّوج، وعفوه: أن يسوق المهركملاً، روي ذلك عن علي علیه السّلام.(8)
وقوله: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) أي: لا تتركوا.
[238] قوله: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى). عن الصادق علیه السّلام: نزل: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صلاة العصر وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)(9)، قال: «يعني في المغرب.
ص: 87
قال: وقوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، قال: «إقبال الرجل على صلاته حتّى لا يشغله عنها شیء».1
أقول: (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) قيل: «المغرب»؛ لأنّه أوسط في العدد والوقت. وقيل: «العشاء الآخرة». وقيل: «الصبح». وقيل: «الظهر». وقيل: «العصر». والأشبه أنّها إمّا المغرب، وإمّا الظهر، وإنّما لم يعيّنها حتّى لا تهمل باقي الصلوات، بل يحافظ على الكلّ عنايةً [من] الله تعالى بخلقه».(1)
[243] قوله: (َلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ)... الآية، عن الصادق علیه السّلام، قال: «وقع الطاعون بالشام في بعض الكور(2)، فخرج منهم خلق كثير هرباً من الطاعون، فصاروا إلى مفازة، فماتوا كلّهم في ليلة واحدة، فبقوا حتّى كان عظامهم يمرّ بها المارّ فينحّيها برجله(3) عن الطريق، ثمّ أحياهم الله وردّهم إلى منازلهم، فبقوا دهراً طويلاً، ثمّ ما توا وتدافنوا».(4)
[246] وقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَاءِ مِن بَنَي إِسْرَائِيلَ)، عن الباقر علیه السّلام:(5) «أنَّ بني إسرائيل عملوا بالمعاصي بعد موسى علیه السّلام، وغيّروا دين الله، وعتوا عن أمره، وكان فيهم نبّي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه [وروي(6) أنّه إرميا النبي علیه السّلام](7) فسلّط الله عليهم جالوت القبطيّ، فأذلّهم، وقتلهم، وأخرجهم من ديارهم وأموالهم، واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيّهم، وقالوا: سل الله أن يبعث لنا ملكاً، نقاتل في سبيل الله.
وكانت النبوّة فيهم في بيت، والملك في بيت، فجمعهما الله في بيت واحد، ثمّ قالوا ما حكاه الله عنهم، وكانت النبوّة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت
ص: 88
من ولد بنيامين(1) أخي يوسف لأمّه، لم يكن من بيت النبوّة، ولا من بيت المملكة.
[248] قوله: (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ) كان التابوت الذي أنزله الله على موسى، فوضعته أمّه فيه وألقته في اليم. وكانوا يتبركون به، فلمّا حضرت موسى الوفاة وضع فيه الألواح، ودرعه، وما كان عنده من آثار النبوّة، وأودعه يوشع - وصيّه - فلم يزل التابوت بينهم حتّى استخفّوا به، فرفعه الله عنهم».
والبَقيِّة: ذريّة الأنبياء، والسَكِينةَ: ان التابوت كان يوضع بين يدي العدوّ وبين المسلمين، فتخرج منه ريح طيبة، لها وجه كوجه الإنسان(2)، فكان إذا وضع التابوت، فمن تقدّم عليه لا يرجع حتّى يقتل أو يغلب، ومن رجع عنه كفر، وقتله الإمام.
وأوحى الله إلى نبيّهم: أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى، وهو رجل من ولد لاوي، اسمه داود بن آسي(3)، وكان لآسي عشرة بنين، أصغرهم داود».(4)
[ 249 - 250] قوله: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)، قال العالم علیه السّلام: «كان [غير](5) الذين شربوا واغترفوا: ستّين ألفاً، والذين لم يشربوا ولم يغترفوا: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. ولمّا برزوا لجالوت وجنوده [قال الذين شربوا منه: (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بجَالُوتَ وَجُنُودِه) و](6) قال الذين لم يشربوا: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً)... الآية.
وجاء داود حتّى وقف بحذاء جالوت [وكان جالوت](7) على الفيل، قد وضع التاج(8) على رأسه، وفى جبهته(9) ياقوتة يلمع نورها، وجنوده بين يديه. وكان مع داود مقلاع وثلاثة أحجار، فأخذ حجراً منها، فرمى به في ميمنة جالوت، فمرّ في الهواء ووقع عليهم فانهزموا، وأخذ حجراً آخر، فرمى به في ميسرتهم، فوقع عليهم فانهزموا،
ص: 89
ورمى جالوت بحجر ثالث وصل إلى الياقوتة فى جبهته، ووصل إلى دماغه، ووقع إلى الأرض ميّتاً».(1)
[251] قوله: (وَلَوْلاً دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)... الآية، قال الصادق علیه السّلام: «حدّثني أبي، قال: إنّ الله يدفع(2) بمن يصلّي من شيعتنا عمّن لا يصلّي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا. وإنّ الله يدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا. وإنّ الله ليدفع بمن يحجّ من شيعتنا عمّن لا يحجّ(3)، ولو أجمعوا على ترك الحجّ لهلكوا»(4).
[255 - 257] وقرأ أبو الحسن الرضا علیه السّلام آية الكرسي هكذا: ( ألم O لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ اَلْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الشَّرَى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ... إِلَى قوله: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )».(5)
[258] قوله: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أي: انقطع، وذلك أنه علم أنّ الشمس أقدم منه.(6)
وعن الصادقعلیه السّلام: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة سبعة نفر؛ أوّلهم: ابن آدم الذي
ص: 90
قتل أخاه، ونمرود بن كنعان، واثنان من بني إسرائيل هوّدا قومهما ونصّراهما، وفرعون الذي قال: أنا ربّكم الأعلى، واثنان من هذه الأمّة في توابيت من قوارير، تحت الفلق في بحر من نار».(1)
[259] قوله: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ)... الآية، عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «لمّا عمل بنو إسرائيل بالمعاصي، أراد الله أن يسلّط عليهم من بذلّهم وبقتلهم، فأوحى إلى إرميا: يا إرميا، ما بلاد انتخبتها(2) من بين البلدان، فغرزت فيها من كرائم الشجر، فأخلفت ما أنبتت وأنبتت خرنوباً(3)؟
فأخبر إرميا أحبار(4) بني إسرائيل، فقالوا : راجع ربّك(5) ليخبرنا ما معنى هذا المثل.
فصام إرميا سبعاً، فأوحى الله إليه: يا إرميا، أمّا البلد فبيت المقدس، وأمّا ما أنبت فيه فبنو إسرائيل(6) الذين أسكنتهم فيها، فعملوا بالمعاصي، وغيّروا ديني، وبدلوا نعمتي كفراً. فبي حلفت لأتيحتّهم فتنة(7)يظلّ الحليم فيها حيراناً، ولأَسَلِّطَنَّ عليهم شرّ عبادي ولادة، وشرّهم طعاماً، فيتسلّطنّ عليهم بالجبرية، فيقتل مقاتلتهم، ويسبي حريمهم، ويخرب بيتهم الذي يغترون به وبلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة.
فأخبر إرميا أحبار بني إسرائيل، فقالوا: راجع ربّك، فقل له: ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء من الناس؟
فراجعه، فأوحى الله إليه: لتكفنّ عن هذا، أو لأردنّ وجهك إلى8 قفاك.
[قال: ثمّ أوحى الله تعالى إليه: قل لهم لأنّكم رأيتم المنكر فلم تنكروه](8).
ص: 91
[أقول:](1) قوله هذا موضع نظر؛(2) فإنّ الجوابلو صحّ النقل -: إنّي أعرض عمّن لا يستحق ذلك، وانتقم ممّن يستحق ذلك وأعذّبه بالنار.
فقال أرميا: ربّ، فأعلمني من هو حتّى آتيه، فآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أماناً؟
قال: إنت موضع كذا، فانظر إلى غلام أشدّهم زمانة(3)، وأخبثهم ولادة، وأضعفهم [جسماً](4)، وأشرّهم غذاء، فهو ذاك.
فأتى إرميا ذلك البلد، فإذا هو بغلام في خان، زِمنِ(5)، ملقى على مزبلة وسط الخان، وإذا له أمّ تزني بالكسر، وتفتّ الكسر في القصعة، وتحلب عليه(6) خنزيرة لها، [ثمّ تدنيه من ذلك الغلام](7) فيأ كله.
فقال إرميا: هذا ذاك، فدنا منه، فقال: ما اسمك؟
قال: بخت نصر. فعرفه أنّه هو فعالجه حتّى برئ. فقال له: تعرفني؟
قال: لا، أنت رجل صالح.
قال: أنا إرميا نبيّ بني إسرائيل، أخبرني ربّي(8) أنّك تسلّط على بني إسرائيل، فتقتل رجالهم، وتفعل بهم ما تفعل.
قال: فتاه(9) الغلام في نفسه، ثمّ قال له إرميا: اكتب لي كتابا أماناً منك.
فكتب له كتاباً.
وكان يخرج إلى الجبل ويحتطب، ويدخل المدينة ويبيعه، فدعا الحطّابين إلى [حرب بني إسرائيل، فأجابوه](10)، ورجع إرميا إلى بني إسرائيل، فبلغ أنّ حطّاباً قد خرج يدعوا إلى حرب بني إسرائيل، وكان مسكنهم في بيت المقدس، وأقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس. فلما بلغه إقباله نحو بيت المقدس، استقبله على
ص: 92
حمار ومعه الأمان(1).
فقال: أمّا أنت فقد أمنتك، وأمّا أهل بيتك فإنّي أرمي من هاهنا إلى بيت المقدس، فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي، و إن لم تصل فهم آمنون. وانتزع قوسه و رمى نحو بیت المقدس، فحملت الريح النشابة حتّى علقتها في بيت المقدس، فقال: لا أمان لهم عندي.
فلمّا وافي نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة، وإذا دم يغلي وسطه، وكلّما ألقي عليه التراب خرج وفار وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا [دم](2) نبيّ من أنبياء الله، قتله ملك بني إسرائيل ودمه يغلي، وكلّما ألقينا عليه التراب خرج يغلي.
فقال بخت نصر: لأقتلنّ بني إسرائيل حتّى يسكن هذا الدم. وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا علیه السّلام، وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر مائة سنة.
فلم يزل يقتلهم، وكان يدخل قرية قرية، فيقتل الرجال والنساء والصبيان، والدواب وكلّ حيوان(3).
فخرج إرميا على حمار ومعه تين قد تزوّده وعصير، فنظر إلى سباع البرّ وسباع البحر وسباع الجوّ تأكل الجيف، ففكّر في نفسه، وقال: كيف يحيى الله هذه؟ فأماته الله مكانه. وهو قوله: (اَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ)».
قوله: (ثمَّ بَعَثَهُ)، أي: أحياه.
فلمّا رحم الله بني إسرائيل [وأهلك بخت نصر، ردّ بني إسرائيل](4) إلى الدنيا، وكان عزیر - لمّا سلّط الله بخت نصر على بني إسرائيل - هرب منه ودخل في عين، وغاب فيها(5).
ص: 93
أقول: المشهور أنّه كان عزير، هو المشار إليه.
[ 260] قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)... الآية، قال: «إنّ إبراهيم علیه السّلام مرّ على جيفة على ساحل البحر، تأكل سباع البر وسباع البحر منها، ثمّ وثبت السباع بعضها على بعض، فأكل بعضها بعضاً، فتعجب، وقال: (رَبَّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)... الآية.
أقول: قد أنكر السيّد المرتضى في تنزيه الأنبياء هذه الرواية أشدّ إنكار، وهو الحقّ.(1)
فأخذ إبراهيم علیه السّلام الطاووس والديك والحمام والغراب، فقطّعهنّ وخلط لحمهنّ وفرّقهنّ على عشرة جبال، ودعاهنّ فقال: احتبي بإذن الله، فأنكفاً لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه، وطارت إلى إبراهيم.(2)
[261] قوله: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثلِ حَبَّة)... الآية، أخبر الله أنّ للمتصدّق بكلّ درهم سبع مائة درهم، قال: ﴿وَاللَّهُ يُضَعِفُ لِمَن يَشَآءُ)».(3)
[267] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)... الآية، قال: «كان قوم إذا صرموا صر موا نخلهم يعمدون إلى أرداً تمورهم، فيتصدّقون به فنهاهم الله عن ذلك، فقوله: (وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُعْمِضُوا فيهِ) يعني: لو دفع إليكم ذلك، لمّا أخذتموه إلا بالكُره».(4)
ص: 94
[271] قوله: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) قال الصادق علیه السّلام: هي الزكاة المفروضة، تخرج علانية(1)، وإن دفعت سرّاً فهو أفضل».(2)
[276] وسئل العالم عن قوله: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)،(3) قد نرى الرجل يربي فيزيد ماله ويكثر(4)؟ فقال: «يمحق الله دينه وإن كثر ماله».(5)
وقال الصادق علیه السّلام: درهم من ربا أعظم. عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام»(6).
[282] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ)... الآية، روي أنّ في البقرة خمس مائة حكم(7)، وفى هذه الآية أربعة عشر حكماً،(8) فقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنِ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)، فهذا حكم (وَلْيَكْتُب بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) حكمان ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ) ثلاثة أحكام(9) (وَلْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ) أربعة أحكام(10) ﴿فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيها أَوْ ضَعِيفاً أَو لا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ) أي لا يحسن أن يملى (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) يعني وليّ المال، ستة أحكام(11)(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ) سبعة أحكام (فَإِنْ
ص: 95
لَمْ يَكُونَا رَجْلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرضُون مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى). تضلّ، أي تنسى ثمانية أحكام(1) ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوْا) أَي: للشهادة. تسعة أحكام(2) (وَلا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ) عشرة أحكامٍ ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا) أي: لا تشكّوا (إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُ ونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ إِلَّا تَكْتُبُوهَا) أحد عشر حكماً(3) (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) ثلاثة عشر حكماً وَإِنْ تَفْعَلُوْا فَإِنَّهُ فُسُوقُ بِكُم أربعة عشر حكماً.(4)
[285] قوله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ)... الآية، قال الصادق علیه السّلام: «هذه الآية شافه الله بها رسوله صلّی الله علیه وآله وسلّم. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لمّا أسري بي إلى السماء وانتهيت إلى محلّ سدرة المنتهى، فإذا الورقة منها تظلّ أُمّة من الأمم، فناداني ربّي تعالى وتقدّس: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ).
فقلت أنا مجيباً: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ)... الآية.
[286] فقال الله: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ).
فقلت أنا: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا).... الآية.
فقال: قد أعطيتك ذلك كله لك ولأمتّك».(5)
ص: 96
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[6] قوله: (يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) يعني: ذكراً أو أنثى، وأسود وأبيض وأحمر، وصحيحاً وسقيماً 2.(1). (2)
[أقول:] وهذا يدلّ على أنّه تعالى هو المصوّر، لا القوّة المصوّرة، كما هو الظاهر؛
فإنّها ليس لها نقيصة(3).
[7] قوله: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرَ مُتَشَابهات)، فالمحكم: ما تأويله في تنزيله(4)، مثل قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُم أُمهاتكُمْ)(5).. الآية، ومثل: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا)(6)... الآية.(7)
والمتشابه ما لفظه واحد ومعناه مختلف(8)، مثل ما ذكرنا من الكفر الذي هو على خمسة أوجه(9)، والإيمان الذي هو على أربعة أوجه(10)، والفتنة والخلق والقضاء
ص: 97
والضلال، وأشياء كثيرة(1)ممّا لفظها واحد ومعناها مختلف.
قوله: (زَيغ) أي: شك.
قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم) أي: الداخلون فيه، يعني الأئمّة علیهم السّلام.
وعن أبي جعفر علیه االسّلام: «أفضل الراسخين في العلم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، وأوصياؤه بعده».(2)
[12] وقوله : (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ)... الآية، نزلت لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من بدر، فأتي بني قينقاع وهم بناديهم(3)، وكان بها سوق يسمّى: سوق النبط(4)، فناداهم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «يا معشر اليهود، قد علمتم ما نزل بقريش وهم أكثر عدداً وسلاحاً منكم، فادخلوا في الإسلام».
فقالوا: إنّك تحسب حربنا مثل حرب قومك، إنّك لو لقيتنا للقيت الرجال. فأنزل الله: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) .... الآية.(5)
[14] وقوله: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) يعنى: جلود الثيران مملوءة (مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)(6) يعني: الراعية (وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)، وهو الزرع.(7)
[15] قوله: (أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةً)، قال: «هنّ اللاتي لا يحضن ولا يحدثن».(8)
[18] قوله: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ) قال: «هو مقدّم
ص: 98
ومؤخّر، إنّما هو: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَائِماً بِالْقِسْطِ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ)».(1)
[20] قوله: (والأُمِّيِّينَ)، أي الذين ليس معهم كتاب من العرب وغيرهم.
[24] قوله: (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) يعنى: الأيّام التي عبدوا فيها العجل.
[27] وقوله: (تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَىِّ) قال: «تولد المؤمن من الكافر، و تولد الكافر من المؤمن» (وَتَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ) قال: «بلاكدّ ولا عناء ولا تقتير».
[28] وقوله: (لا يَتَّخِدِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) حرّم الله على المؤمن أن يتّخذ الكافر وليّاً من دون المؤمنين إلّا أن يتّقوا منهم انقاة، فإنّ هذه الآية رخصة عند التقيّة للمؤمن؛ أن يدين بدين الكافر، فيصلّي](2) بصلاته ويصوم بصومه إذا اتّقاه في الظاهر. وفي الباطن يدين الله بخلاف ذلك.(3)
[31] قوله: (قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ). حبّ الله للعباد: رحمة منه لهم، وحبّ العباد الله: طاعتهم له.(4)
[33] قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ أَصْطَفَى آدَمَ)... الآية روي: «[نزل:](5) و آل عمران و آل محمّد على العالمين».(6)
ص: 99
[أقول:](1) هذه الآية تدلّ على أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة.
[35 - 37] قوله: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ)... الآية، قال: «إنّ الله تعالى أوحى إلى عمران: إنِّي واهب لك ذكراً يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، فبشَر عمران زوجته حين حملت فقالت: (رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا).... الآيات، فوهب الله لمريم عيسى علیه السّلام».(2)
فلمّا بلغت مريم، ثمّ صارت فى المحراب أرخت الستر على نفسها، وكان لا يراها أحد، وكان يدخل إليها زكريّا المحراب، فيجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس، فيقول لها: (أنَّى لَك هذا) فتقول: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).(3)
[39] قوله: (وَحَصوراً). الحصور: الذي لا يأتي النساء.
[41] وقوله: (رَبِّ اجْعَلْ لى آيَةً) وذلك أنّ زكريّا ظنّ أنّ الذين بشّروه بالوليّ(4)، هم الشياطين، وإنّما كان المبشّر جبرئيل، فخرس ثلاثة أيّام.(5)
[42] قوله: ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَأَصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ). فأمّا اصطفاؤها فهو على عالم زمانها، ومنه قول الشاعر:
في وجهه شافع يمحو إساءته***من القلوب وجيهاً حيث ما سفرا(6)
ص: 100
أمّا الأوّل: فاختيارها، وأمّا الثاني فما رزقها من الولد من غير ذكر.(1)
[43] قوله: (يَا مَرْيَمُ أَقْنُتِي لِرَبِّكِ وَأَسْجُدِى وَأَرْكَعِى مَعَ الرَّاكِعِينَ) وهذا مقدّم ومؤخّر، وإنّما هو: (اقنتي لربّك واركعي واسجدي).(2)
أقول: فيه نظر؛ لأنّه قرأه سبعة متواترة، ولا يلزم من أنّ الركوع عنده مقدّم على السجود، أن يكون في ملّة أخرى كذلك، وأيضاً: (الواو) لا يدلّ على الترتيب، بل هي للجمع بين الشيئين من غير ترتيب.
[45] قوله: (وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) يعني: ذا جاه فيهما.(3)
[49] قوله: (أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [أي أقدّر، و](4) هذا خلق تقدير.(5)
[59] قوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ)... الآية، قال العالم: «إنّ نصارى نجران وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وكان سيّدهم: الأهتم والعاقب والسيّد، وكانوا من علمائهم، فقدموا في نحو من ثلاثين قسيساً، فلمّا دخلوا مسجد النبي حضرت صلاتهم، فتنخّوا ناحية وجعلوا(6) يضربون بالناقوس، وصلّوا.
أقول: إنّ هذه القصّة كانت قبل نزول الوحي من منع الكافر من الدخول في المسجد، بقوله: (إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)(7).
فقال أصحاب رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم: يا رسول الله، هذا في مسجدك؟!
فقال: دعوهم.
فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم فقالوا: إلى ما تدعونا يا محمّد؟
ص: 101
فقال: إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، وأن عيسى عبد مخلوق، يأكل ويشرب ويحدث.
قالوا: ومن أبوه؟
فنزل الوحي على رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم، أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فقالوا: نعم.
فقال: فمن أبوه؟ فبهتوا ولم يكن عندهم جواب.
أقول: [الأمر](1) في آدم أغرب وأعجب؛ لأنّه ليس له أمُّ ولا أب، بخلاف عيسى ؛ فإنّ الأنثى قد تلد عند الأطبّاء من غير إتيان رجل.
فقال الله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)... الآية».(2)
[61] وأمّا قوله: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا)... الآية. رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم:[فباهلوني](3)، إن كنت صادقاً نزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذباً فقال نزلت عليّ.
فقالوا: أنصفت فتواعد واللمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس بنبيّ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة، فلا نباهله؛ فإنّه لا يقدم على أهل بيته إلا وهو صادق.
فلمّا أصبحوا جاء رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فقالت النصارى: من هؤلاء؟
فقيل لهم: ابن عمّه ووصيه وختنه(4) وأبو ولده علي بن أبي طالب، وهذه بنته، وهذان ابناه: الحسن والحسين.
ففزعوا، فقالوا الرسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم: نعطيك الرضا، فاعفنا من المباهلة. فصالحهم على الجزية، وانصرفوا.(5)
ص: 102
أقول: في هذه الآية أقوى دليل على اختصاص المذكورين بالشرف والفضل والمنزلة القريبة من الله ورسوله، بالتقديم لهم على كلّ الصحابة والقرابة، وأنّهم من تمام الرسالة والمعجزة لرسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم.
وعن قوله: (وَأَنْفُسَنَا) لا يريد أن نفس عليّ نفسه علیه السّلام وإلّا لزم الاتحاد الباطل، بل هو يريد أنّه مثله و شبيه له إلّا النبوّة، فإنّها مستثناة، فلابدّ من إخراجه.
فإنّ قلت: قوله: (وَأَبْنَاءَنَا) هذا، ينافي قوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ)(1).
قلنا: لا منافاة؛ لأنّ الله تعالى قال: (مِن رِّجَالِكُمْ) أي من رجال المخاطبين، وهذه بيّنة، فلا منافاة.(2)
[75] قوله: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنُهُ)... الآية، نزلت في اليهود؛ لأنّهم قالوا: يجوز لنا أن نأخذ مال الأُميِّين [والأُميّيون الذين ليس معهم كتاب، فردّ الله عليهم فقال: (وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). ](3)
[81] وأما قوله: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ) ... الآية.
قال العالم: «لمّا خلق الله آدم وأخرج ذرّيته من ظهره أخذ الميثاق لنفسه بالربوبية، ثمّ أخذ الميثاق لمحمّد صَلّی الله علیه وآله وسلّم على الأنبياء [أن يؤمنوا به وينصروه ويخبروا أممهم بخبره».](4)
قوله: (إصرى) أي: عهدي (قَالُوا أَقْرَرْنَا) فقال الله للملائكة: (فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِنَ اَلشَّاهِدِينَ) تفضيلاً لرسوله على الأنبياء.(5)
ص: 103
[93] وأمّا قوله: (كُلُّ الطَّعامِ كَانَ حِلا)... الآية، زعم اليهود أنّ لحم الجمل محرّم في التوراة، فقال الله: (فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [إنّما حرّم هذا إسرائيل على نفسه، ولم يحرمّه على الناس وهذا حكاية عن اليهود ولفظه لفظ الخبر».](1)
[96] قوله: (بِبَكَّةِ). معنى بكة اي يبكّ الناس بعضهم بعضاً [في الزحام»]. (2)
[102] قوله: (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) منسوخ بقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(3).
[أقول:] قال العالم: «قوله: (مَا اسْتَطَعْتُمْ تكذيب لقول الأشاعرة بأن الانسان غير مستطيع ولا قادر وهو نصّ صريح عاضده العقل.
[103] قوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً)، يعني: التوحيد والإيمان والولاية.(4)
قوله: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)... الآية.
[أقول:] هذه الآية نزلت في العرب خاصّة، وقيل: إنّما نزلت في الأنصار فقط، الأوس والخزرج؛ وكانت بينهما عداوة وحروب وقتال ونفار، وذلك أنّهم بقوا في الحرب مائة سنة، حتّى ولد لهم عليه الأولاد، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، فلمّا بعث الله نبيّه ألّف بين قلوبهم، وهو أنسب بسياق الكلام وبالصيغة الواقعة، لا نهي المسلمون أوّلاً.
[104] قوله: (وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمَّةً) ... الآية، قال العالم: «إِنَّما نزل : ( وَلِتَكُن مِنكُمْ أَتَمَّةٌ)».(5)
ص: 104
[106] قوله: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهُ ... الآية، عن أبي ذر ، قال : لما نزلت هذه الآية، قال
رسول الله : ترد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات: فراية مع عجل هذه الأمة، فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه
وظلمناه .
فأقول: ردّوا إلى النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم ترد على راية مع فرعون هذه الأمة، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فحرّفناه ومزقناه وخالفناه، وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه. فأقول: ردّوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم ترد علي راية مع سامري هذه الأمة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فعصيناه وتركناه، وأما الأصغر فخذلناه وضيعناه [ وصنعنا به
كل قبيح "
فأقول: ردّوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم. ثم ترد عليّ راية ذي الثدية مع أوّل الخوارج وآخرها، فأسألهم: ما فعلتم بالثقلين
من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فمزقناه، وبرئنا منه، وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه".
فأقول: ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.
ثم ترد علي رابة مع إمام المتقين، وسيد الوصيين ، وقائد الغر المحجلين، ووصيّ
رسول ربّ العالمين، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فاتبعناه وأطعناه، وأما الأصغر فأحببناه وواليناه و وازرناه
1. في «ب» و «ج»: «فخرقناه». ما بين المعقوفتين من البرهان.
2. في «ب» و «ج»: «وق- »: «وقتلناه»
4. ذكر الفيروزابادي في القاموس: إنّ ذو الثدية هو لقب حرقوص بن زهير، كبير الخوارج، ولقب عمرو بن عبد ود الذي قاتل علي بن أبي طالب ولكن المراد هنا - بقرينة اقترانه بأوّل الخوارج وآخرها، وكونه رابع أربعة، وأن لقب ذو الثدية لا يستعمل عند العرب إلا للكلب، وأن الكلب من صفته العواء، وإن اسم معاوية، مشتق منه - هو: معاوية بن أبي سفيان.
ه. في «ط»: «ففرقناه».
7. في «ط»: «المسلمين».
6. في «ج»: «فبرئنا منه وحاربناه». في «ب» و «ج»: «فأسألهم».
1.7
ص: 105
ونصرناه حتّى أهريقت(1) فيهم دماؤنا.
فأقول: ردّوا الجنّة رواء مرويين، مبيضّة وجوهكم. ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم هذه الآية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)....».(2)
[110] قوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [قرئت عند أبي عبد الله علیه السّلام (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)](3) فقال أبو عبد الله علیه السلام للقارئ هذه الآية: (خَيْرَ أُمَّةٍ يقتلون أمير المؤمنين والحسن و ](4)الحسين بن علي ؟ فقال [القاريّ](5): جعلت فداك، كيف نزلت؟ قال: «إنّما نزلت: (كُنتُمْ خَيْرَ أئمَّةِ)».(6)
[112] قوله: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)... الآية، قال: «نزلت في الذين غصبوا حقوق آل محمّد».
قوله: (بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ)يعنى: بعهد من الله وعقد من رسوله.(7)
[115] قوله: (فَلَن يُكْفَرُوهُ) أي: لن يجحدوه. (8)
[117] قوله: (فِيهَا صِرَّ). الصرّ: البرد و الصرّ- أيضا -: الحرّ، وهو من أسماء الأضداد.(9)
[118] قوله: (لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُمْ) نزلت في اليهود، أي: لا تفضوا إليهم أسراركم.(10)
ص: 106
[21] وقوله: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِك).... الآية نزلت لمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أن يتوجّه إلى حرب أحد، وذلك أنّ قريشاً لمّا رجعت من بدر، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، أجمعوا ألا يبكون على قتلاهم حتّى يطلبوا بثأرهم، وقال أبو سفيان: لا تدعوا نساءكم ببكين على قتلاهنّ، فإنّ البكاء والدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداء(1) لمحمّد، فلمّا أرادوا غزو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يوم أحد، خرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل، وخرجوا ومعهم النساء: زوجة عكرمة بن أبي جهل وعمرة بنت علقمة الحارثية وهند بنت عتبة وأمّ حكيم [يذكّرنهم وبحثّنهم على حرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم](2).
فلمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك جمع أصحابه وأخبرهم أنّ الله قد أخبره أن قريشاً قد تجمّعت تريد المدينة، وحثّ أصحابه على الجهاد والخروج، فقام عبد الله بن أبي وقال: يا رسول الله، أقم بالمدينة حتّى نقاتل في أزقتّها، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد على أفواه السكك والسطوح، فما أرادنا قوم قط، فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا، وما خرجنا إلى أعدائنا قط إلّا كان له [الظفر علينا](3).
فقام سعد بن معاذ رحمه الله وغيره من الأوس، فقالوا: يا رسول الله، والله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام، فكيف يطمع فينا وأنت فينا؟! لا والله، بل نخرج إليهم فنقاتلهم، فمن قتل منّا كان شهيداً، ومن نجا منّا كان مجاهداً. فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله، وخرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضع القتال، وهو قوله: (وإذْ غَدَوْتَ)... الآية.
والطائفتان(4): عبد الله بن أبى وأصحابه، وقعد عنه عبدالله وجماعة من الخزرج وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قد هيّأ أصحابه، وكانوا سبعمائة، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب(5)، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: « إن رأيتمونا قد هزمناهم
ص: 107
حتّى أدخلناهم مكّة فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتّى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا».
و جعل أبو سفيان خالد بن الوليد كميناً(1) في مائتي فارس، وقال لهم: إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشَّعب. فلمّا أقبلت الخيل دفع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم رايته إلى أمير المؤمنين علیه السّلام، فحملت الأنصار على قريش فانهزموا، ووقع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في سوادهم، وحمل خالد بن الوليد وأصحابه على ابن جبير، فاستقبلهم بالسهام فرجع، ونظر أصحاب ابن جبير المسلمين ينهبون سواد القوم، فأقبل ينسّل(2) رجل فرجل حتّى أخلوا مراكزهم، وبقي ابن جبير في اثني عشر رجلاً.
وكانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار، فبرز إليه أمير المؤمنين علیه السّلام فضربه على فخذه فقطعها، وأراد أن يجهز عليه فحلّفه بالرحم فانصرف عنه، وقال: إنّه ميّت.
ثمّ أخذ الراية سعد بن أبي طلحة، فقتله عليّ علیه السّلام، فأخذ الراية عثمان بن أبي طلحة، فقتله عليّ علیه السّلام، فأخذ الراية عبد الله بن جميل، فقتله عليّ علیه السّلام، وأخذ الراية كلاب بن طلحة، فقتله عليّ علیه السّلام، فأخذ الراية أبو عزيز(3) ، فقتله عليّ علیه السّلام، فأخذ الراية مسافع بن طلحة، فقتله عليّ علیه السّلام. فقتل أمير المؤمنين علیه السّلام سبعة(4) من بني عبد الدار مبارزة، فأخذ الراية مولى لهم يقال له صمؤاب، فضربه أمير المؤمنين علیه السّلام على يمينه فقطعها، وسقطت الرابة إلى الأرض، فأخذها بشماله فضربه فقطعها، وسقطت الراية إلى الأرض، فاحتضنها، ثمّ قال: [يا بني عبد الدار، هل](5) أعذرت [فيما بيني وبينكم؟](6) فضربه على علیه السّلام على رأسه، فسقطت الرابة إلى الأرض، فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية [فنصبتها](7).
ص: 108
وحمل خالد بن الوليد على ابن جبير وأصحابه، فقتلوهم، ووضعوا في المسلمين السيف، فانهزم أصحاب رسول الله، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، وقال: «إليّ، إليّ، أنا رسول الله ، فلم يرجع إليه أحد، ولم يبق مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلّا علىّ علیه السّلام وأبو دجانة وهو سماك بن خرشة، فكلّما حملت طائفة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم استقبلهم أمير المؤمنين علیه السّلام ودفعهم عنه، ولم يزل يذبّ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويقتلهم حتّى انقطع(1) سيفه، فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سيفه ذا الفقار. وبقيت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نسيبة بنت كعب المازنية، وكانت تخرج مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الغزوات تداوي الجرحى، وكان إبنها معها، فقتله ،رجل، فقتلت هي ذلك الرجل [فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «بارك الله عليك يا نسيبة» وكانت تقي رسول الله بصدرها ويديها(2) حتّى أصابتها جراحات كثيرة](3).
وأبلى وهب بن قابوس ذلك اليوم بلاء حسناً وقتل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اللهم ارحمه».
[فلم يزل أمير المؤمنين عليّ علیه السّلام يقاتلهم حتّى أصابته في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة](4) وسمع دويّ في السماء:
لا سيف إلا ذو الفقار***ولا فتى إلا عليّ
ونزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا محمّد هذه - والله - المواساة.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «(5)لأنَّه منّي وأنا منه».
فقال جبرئيل: وأنا منكما.
و حمل ابن قميئة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فضربه على حبل العائق، ونادي: قتلت محمّداً واللات والعزّى.
وكانت هند بنت عتبة في العسكر، فكلّما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلاً ومكحلة، وقالت له: إنّما أنت إمرأة فاكتحل بهذا.
ص: 109
وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فيهزمهم، ولا يثبت له أحد، فجعلت هند لوحشي - عبد جبير بن مطعم - جعلاً أن يقتل محمّداً أو علیّاً أو حمزة:
قال: فكمنت لحمزة، فعثر فسقط، فرميته(1) بحربتي، فوقعت في خاصرته فمات، فأتيته وشققت بطنه وأخذت كبده وجئت به إلى هند، فقلت: هذه كبد حمزة. فأخذتها في فيها فلاكتها، فجعلها الله في فيها مثل الداغصة(2)، فلفظتها ورمت بها، فبعث الله ملكاً فحملها وردّها إلى مكانها - فقال الصادق علیه السّلام: «أبى الله أن يدخل شيئاً من بدن حمزة في معدةِ تحرق فى النار»- ثمّ جاءت إليه هند فقطعت مذاكيره، وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين(3) وشدّتهما في عنقها، وقطعت يديه ورجليه.
و تراجع الناس، فصارت قريش على الجبل(4) وأمير المؤمنين بين يديه قد أصابته سبعون جراحة.(5)
وروي: أنّهم لمّا دخلوا المدينة، نادى إبليس في المدينة: قتل محمّد، فلم تبق واحدة من نساء المهاجرين والأنصار إلّا خرجت، وخرجت فاطمة بنت محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تعدو على قدميها [حتى وافت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقعدت بين يديه، فكان إذا بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بكت لبكائه(6)، وإذا انتحب انتحبت](7)
وتراجع المنهزمون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ووقفوا حوله يعتذرون إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من له علم بعمّي حمزة؟ فقال الحرث بن سميّة(8): أنا أعرف موضعه يا رسول الله، فجاء حتّى وقف على حمزة، فكره أن يرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بخبره، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا عليّ أطلب عمّي حمزة(9)، فجاء عليّ علیه السّلام فوقف على حمزة، فوجده وقد قتل و مثّل به، بكى وجداً على عمّه، فكره أن يرجع إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بخبره. فقام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وجاء
ص: 110
حتّى وقف عليه، فلمّا رآه وقد فعل به ما فعل استعبر وقال: والله ما وقفت موقفاً قطّ أغيظ عليّ من هذا الموقف، لئن أمكنني الله من قريش لأمثلنّ بسبعين(1) رجلاً منهم، فنزل جبرئيل علیه السّلام الا فقال: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)(2)، فقال رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم: «بل أصبر».
وألقى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم على حمزة بردة كانت عليه، إذا مدّها على رأسه بدت رجلاه، وإذا مدّها على رجليه بدا رأسه، فمدّها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش(3)، ثمّ قال: لولا أنّي أحزن(4) نساء بني عبد المطلب لتركته للسباع والعافية(5) حتّى يحشر يوم القيامة من بطون السباع والطير.
ثمّ قال رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم: من له علم بسعد بن الربيع؟
فقال رجل: أنا أطلبه، فجاء إليه وهو صريع بين القتلى، فقال: يا سعد، فلم يجبه، فقال: يا سعد إنّ رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم قد سأل عنك.
فرفع رأسه وقال: وإنّ رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم لحيّ؟
قلت: نعم.
قال: أبلغ قومي الأنصار السلام، وقل لهم: ما للمرء عند الله عذر وتشوك رسول الله شوكة وفيكم عين تطرف، ثمّ تنفّس فخرج منه مثل دم الجزور، وقضى رحمه الله. فجئت إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبرته فقال رحم الله سعداً، نصرنا حياً وأوصى بنا ميّتاً.
ونادى أبو سفيان: موعدنا وموعدكم في عام قابل نجتمع فيه ببدر، فنقتتل، فقال رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم لعلىّ علیه السّلام: «قل: نعم».
وتراجع أصحاب رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم وأقبلوا يعتذرون إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم، فأحبّ الله أن يعرّف رسوله مَن الصادق منهم ومن الكاذب ، فأنزل الله عليهم النعاس على الصادقين مع ما بهم من الألم والجراح حتّى كانوا يسقطون إلى الأرض، بخلاف المنافقين(6) وهو
ص: 111
قوله: (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةٌ نُعَاسَاً).... الآية،
وتشاورت قريش فيما بينهم أن يرجعوا ويغيروا(1) على المدينة، فقال أبو سفيان وصفوان بن أميّة وغيرهما: الرأي أن نمضي على هذا الظفر إلى مكّة، فلا نأمن أن تعصّب اليهود لمن قتل منهم، وقد قعد عنه عبد الله بن أبي وأصحابه، فنخاف أن يغضبوا لمن قتل، فيكون الظفر لهم.
وأمر رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم بدفن القتلى وجاءوا بحمزة رضي الله عنه وأرضاه، فصلّى عليه رسول الله، وكبّر عليه سبعين تكبيرة، ودفن القتلى.
ودخل رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم المدينة، فاستقبلته(2) النساء يولولن ويبكين، فاستقبلته حمنة(3) بنت جحش، فقال لها رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم: يا حمنة احتسبي(4).
قالت من يا رسول الله؟
قال: أخاك عبد الله بن جحش.
قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هنيئا لك الشهادة يا عبد الله.
ثمّ قال: احتسبي.
قالت: من يا رسول الله؟
قال: حمزة بن عبد المطلب قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هنيئا لك الشهادة يا خال.
ثمّ قال: احتسبي.
قالت: من يا رسول الله؟
قال: زوجك مصعب بن عمیر.
فقالت: واحزناه.
فقال رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ للزوج عند المرأة لحبّاً ما لأحد مثله.
فقيل لها: لم قلت ذلك في زوجك؟
قالت: ذكرت يتم ولده.
ص: 112
[140 - 144] فلماّ دخل رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم المدينة، نزل عليه جبرئيل علیه السّلام، فقال: يا محمّد، إنّ الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلّا من به جراحة. فأمر رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم منادياً ينادي يا معشر المهاجرين والأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم، فجزعوا من ذلك فأقبلوا يكمدون(1) جراحاتهم وبداو ونها، فأنزل(2) الله على نبيّه صَلّى الله عليه وآله وسلّم : (ولا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ)(3)... الآية، ونزل عليه أيضاً: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الايام ندا وِلهَا بَيْنَ النَّاسِ) إِلى قوله: (وَمَا مُحمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(4)، يعني: عليّ بن أبي طالب؛ لأنَّه حمد الله ؛ حيث لم يفرّ كما فرّ غيره.
[151 - 152] قوله: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) يعني: قريشاً حين انهزموا وخافوا، إلى قوله: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحْسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْر وَعَصَيْتُم مِن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَا تُحِبُّونَ) يعني: قصّة عبدالله بن جبير - وكان المفسّرون يقولون: مصعب بن عمير - الذي وكله رسول الله بفم الشعب في خمسين من الرماة، ففارقه أصحابه، وكان أمرهم أن لا يفارقوه، فعصوه وفارقوه ومرو اللغنيمة، فقتل عبدالله ومن بقي من أصحابه على باب الشعب فقال الله: (مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ
الآخِرَةَ).
[153] ثمّ وصف المنهزمين، فقال: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ)... الآية.
[156] ثمّ وصف عبد الله بن أبي ومن قعد عن الحرب، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا)... الآية.(5)
[173] [فلما بلغ رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم حمراء الأسد(6)، وقريش قد نزلت](7) الروحاء، وأقاموا
ص: 113
بها وتشاوروا على أن يغيروا على المدينة، وأقبل عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد يقولون: لابدّ أن نرجع ونغير(1) على المدينة [فقد قتلنا سراتهم(2) وكبشهم(3)- يعنون حمزة -].(4) ويأبى ذلك أبو سفيان وصفوان بن أميّة، فبينما هم على ذلك إذ لحق بهم رجل خرج من المدينة، فسألوه عن الخبر، فقال: تركت محمّداً وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم أشدّ الطلب(5)، وخرج معه من كان تخلّف عنه، ولا أظن إلّا أوائل خيله تطلع عليكم الساعة.
فدخلهم من الرعب ما لم يملكوا معه أنفسهم، فقال صفوان بن أميّة: هذا الشؤم، قد ظفرنا بالقوم ونلنا منهم ما أحببنا، فبغينا، والله ما أفلح قطّ قوم بغوا.
ومرّوا مسرعين، لا يلوي أحد منهم على أحد، فاستقبلهم نعيم بن مسعود الأشجعي بريد المدينة، فقال أبو سفيان: يا نعيم، أين تريد؟
قال: المدينة، لأشتري لأهلى طعاماً.
قال: هل لك أن أضمن لك عشر قلائص(6) على أن تمرّ بحمراء الأسد، وتلقى محمّداً وأصحابه وتخبرهم أنَّ حلفاءنا من الأحابيش(7) وكنانة قد وافونا، وترهبهم بذلك حتّى يرجعوا عنّا؟. فعاهده على ذلك.
ووافي نعيم غد ذلك اليوم حمراء الأسد، فرأى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه وبهم ألم الجراح(8) والألم، وهم مجدّون يشتهون طلب القوم، فقال نعيم: أين تريدون وأنتم بهذه الحال؟
قالوا: نريد قريشاً.
ص: 114
قال: إرجعوا، فإنَّ قريشاً قد وافى حلفاؤهم من الأحابيش وكنانة، وقد اجتمعوا لكم، وما أحسبكم تمشون حتّى يطلعوا عليكم.
فقال الصحابة: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).(1)
فلما أصبحوا نزل جبرئيل وقال: يا محمّد، انصرف، فإنَّ الله قد أرعب قريشاً ومرّوا. فرجع إلى المدينة.
فسمع البكاء في دور الأنصار، فقال: «لكنّ حمزة لا بواكي له»(2)، فرجع الأنصار إلى أهاليهم، فأمروهم أن يبدأوا بحمزة قبل قتلاهم، فهم إلى الساعة على هذا، لا يموت أحد منهم فيندبونه حتّى يندبوا حمزة رضی الله عنه.
[165] ولمّا رجع رسول صَلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة، قال أصحابه: ما هذا الذي أصابنا، ولقد كنت(3) تعدنا ب نا بالنصر؟
فأنزل الله: (أَو لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها).... الآية، وذلك أنّه لما كان يوم بدر وقتل رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم من قريش سبعين [وأسر منهم سبعين، و](4) كان الحكم في الأسارى: القتل، فقتل النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط، فخافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلّهم، فقاموا إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالوا: يا رسول الله، قد قتلنا منهم وأسرنا سبعين، فلا تقتل الأسرى، هبهم لنا حتّى نفاديهم. فنزل عليه جبرئيل، وقال: اشترط عليهم إن فادوهم أن يقتل منهم في عام قابل بعدد من(5) يأخذون منهم الفداء. فاشترط عليهم رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك، فقالوا: رضينا، فأباح الله ذلك لهم.
فلمّا كان في يوم أحُد، قتل من أصحاب رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم سبعون بشرطهم على أنفسهم، فلمّا رجعوا من أحد قال أصحابه: يا رسول الله، ما هذا الذي أصابنا، وقد كنت تعدنا النصر؟ ونسوا ما اشترطوه، فنزلت الآية.(6)
ص: 115
[168] ولمّا رجع رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة قال عبد الله بن أبيّ: قد نهيتكم أن تخرجوا، ولو أطعتموني ما قتلوا، فحكى الله قوله، فقال: (الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُّ وا)... الآية».
[161] قوله: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٌّ أَن يَغُلَّ)... الآية، نزلت في حرب بدر، وكان سبب نزولها: أنّه كان يوم بدر وغنم الرسول ما غنم كان فيما غنمه قطيفة حمراء، ففقدت، فقال بعض أصحاب النبي صَلّى الله عليه وآله وسلّم: ما لنا لا نرى القطيفة، ما نرى إلّا أن رسول الله أخذها، فنزلت.(1)
قوله: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) إلى قوله: (وَهم لا يظلمونَ). فجاء رجل إلى رسول الله فقال: إن فلاناً قد غلّ قطيفة، فاخبأها هنالك(2)، فأمر رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة.
[173] قوله :(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ) يعني بالناس هنا: نعيم بن مسعود (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) يعني: أهل مكّة».
وروي في الخبر: أن المغيرة بن العاص كان رجلاً أعسر(3)، فحمل في طريقه إلى أحّد ثلاثة أحجار، وقال بهذه أقتل محمّداً. [فلمّا حضر القتال](4) فنظر إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم وبيده السيف، فرماه بحجر فأصاب بده صَلّى الله عليه وآله وسلّم،(5) فسقط السيف من يده، فقال: قتلت محمّداً واللات والعزىّ. فقال الصحابة(6): كذبت(7)، فرماه بحجر آخر فأصاب جبهته، فقال النبيّ صَلّى الله عليه وآله وسلّم: «اللّهم حيّره» فلمّا انكشف الناس تحيّر، فلحقه عمار بن ياسر رض الله عنه فقتله.
[181] قوله: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرُ) أي: أولياء الله(8) فقراء، فقالوا: لو كان الله غنيّاً لأغنى أولياء.(9)
ص: 116
[185] قوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)... الآية، قال الصادق علیه السّلام: «أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: ساعة يعاين فيها ملك الموت، وساعة يقوم من قبره، وساعة يقوم فيها بين يدي ربّ العالمين، فإمّا إلى جنّة وإمّا إلى نار».(1)
[187] قوله: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)... الآية، أخذ الله الميثاق على الأنبياء أن يخبروا أممهم بخبر رسول الله ومخرجه ومهاجرته وصفة أصحابه، وأخذ الأنبياء الميثاق على أممهم أن يخبروا الناس ويبيّنوالهم ما في كتبهم من صفة رسول
الله، وأن لا يكتموا الناس شيئاً من أمره (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَأَشْتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً).(2)
[191] قوله: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) قال: «الصحيح يصلّي قائماً، والمريض يصلّي قاعداً، فمن لم يقدر يصلّي مضطجعاً يؤمي إيماءاً».(3)
[193] قوله: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً): هو رسول الله.(4)
[200] قوله: (اَصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا) قال: «اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا مع الأئمّة علیهم السّلام».(5)
ص: 117
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[1] قوله: (مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) يعني : آدم علیه السّلام وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا يعني: حوّاء، يعني: إِنَّ حوّاء خلقت من جنس ،آدم بل من نوعه، بل من ضلعه، خلقها الله من أسفل أضلاعه(1).
[2] قوله: (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ). الخبيث: الحرام.(2)
قوله: (إِنَّهُ كَانَ حُوباً) أي: إثماً.(3)
[3] قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ). روي أنّ هذه الآية [نزلت](4) مع قوله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ)(5) (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)(6)، فهذه الآيتان آية واحدة، فبعضها في أوّل السورة، وبعضها على رأس مائة [وعشرين](7) آية منها. وهذا دليل على أنّ التأليف على خلاف ما أنزل الله، وكان سبب نزول هذه الآية: أنَّ العرب كانوا لا يستحلّون أن يتزوّجوا يتيمة قد ربّوها، فسألوا رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم عن ذلك، فنزلت: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَاب فِي يَتَامَىٰ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا
ص: 118
تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ) (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، هكذا نزلت. (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا) بينهن فى النفقة (فَوَاحِدَةً) (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا).(1)
[4] قوله: (نحْلَةً) أي: هبّة.(2)
[5] قوله: (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمْ). قال الصادق علیه السّلام: قال رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلم: شارب الخمر لا تصدّقوه إذا حدّث، ولا تزوّجوه إذا خطب، ولا تعودوه إذا مرض، ولا تحضروا جنازته إذا مات، ولا تأتمنوه على أمّانة، فمن ائتمنه على أمانة فأهلكها فليس له على الله أن يخلف عليه، ولا أن يأجره عليها؛ فإنّ الله يقول: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ)، وأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟».(3)
[6] قوله: (وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً). قال: «من كان في بده مال ليتيم وهو غنيّ، لا يحلّ له أن يأكل منه، ومن كان فقيراً قد حبس نفسه على حفظ مال اليتيم، فله أن يأكل بالمعروف بلا إسراف،(4) وقيل: له بقدر عمله من الذي(5) في يده».6
[8] قوله: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)، منسوخة بقوله: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن).
[9] وأمّا قوله: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا).... الآية، أي: لا تظلموا اليتامي فيصيب أولادكم مثل ذلك.(6)
ص: 119
[11] وقوله: (فَإِن لَمْ يَكُن لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثْ) يعني: إذا مات الرجل وترك أبوين، فللاُمّ الثلث، وللأب الثلثان.
قوله: (فَإِن كَانَ لَهُ إخوة) يعني للأمّ (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)(1)، يحجبون الأمّ عن الثلث ولا يورثون شيئاً.(2)
[15] قوله: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ)... الآية، فإنّه كان في الجاهلية: إذا زنت المرأة تحبس في بيت حتّى تموت، فلمّا بعث الله رسوله تركهم على ذلك، وكان الرجل إذا زنى يؤذوه(3)، فلمّا قوي الإسلام أنزل الله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا
[19] قوله: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)، قال: «منه: السلاطة، ومنه: الزنا، ومنه التبرّج، ومنه السحق والبلايا».
[22] قوله: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ)، فإنّ العرب كانوا ينكحون نساء آبائهم، فكان إذا كان للرجل أولاد كثيرة، وكان له إمرأة، فكان كلّ واحد من ولده يدّعيها إذا مات أبوهم، فحرّم الله مناكحتهم، ثمّ نزلت آية التحريم: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)(6). (7)
ص: 120
[23] قوله: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِن نِسَائِكُمْ) فالخوارج زعمت أنّ الرجل إذا كانت لأهله بنت ولم يربّها ولم تكن فى حجره حلّت له القول الله: (اللَّاتِي في حجوركُم)](1). قال الصادق علیه السّلام: لا يحلّ ذلك(2) وهذا مقدّم ومؤخّر، إنّما هو: (وربائبكم من نسائكم اللاتي في حجوركم) فقدّموا حرفاً على حرف، فذهب المعنى».(3)
[24] قوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) يعني أمة الرجل إذا زوّجها من عبده، ثمّ أراد أن ينكحها، فرّق بينهما، واستبرأها بحيضة أو حيضتين، فإذا استبرأ رحمها حلّ له أن ينكحها](4). (5)
قوله: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) یعنی به المتعة، قال الصادق علیه السّلام: «إنّما نزل: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)(6)».(7)
أقول: وهي قراءة ابن مسعود وأبي.(8)
وكانت المناكحة في عصر آدم أنّه كان يلد في كلّ بطن ابناً وبنتاً، وكان الذي يولد مع هذا الابن من بنت، يزوّجها من الابن الذي يولد في البطن الثاني مع البنت الأخرى، فلمّا كثر وا حرّم الله الأخوات.
وكانوا يتزوّجون بالعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، فلمّا بعث الله إبراهيم حرم العمّات والخالات وبنات الأخ والأخت، وهو من الحنيفيّة التي جاء بها
ص: 121
إبراهيم، فلمّا بعث الله النبي صَلّى الله عليه وآله وسلّم(1) أنزل عليه آية التحريم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)... الآية.(2)
[25] قوله: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ)... الآية، قال: «العبد والأمة إذا زنيا يضربان نصف الحدّ، فإنّ عادا يضربان الحدّ(3)، حتّى يزنيا ثمان مرات، ففي الثامنة يقتلان».(4)
[29] قوله: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) قال: القمار.(5)
[31] قوله: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ).... الآية، قال الصادق علیه السّلام: «الكبائر سبع: ترك الصلاة، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف [و التعرّب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وما وعد الله في القرآن عليه النار من الزنا وشرب الخمر](6) وقتل النفس».(7)
ص: 122
[32] قوله: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)(1).. قال: «لا يحلّ للرجل أن يتمنّى امرأة أخيه أو ماله (2)».(3)
[33] قوله: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِي) ... الآية، كانت العرب تورث [الحليف والموالي الذين أعتقوا، وكانت المواريث على الأخوّة لا على الرحم، فكان إذا مات](4) الرجل يجيء أخوه في الدين يأخذ ماله، ثمّ نسخ الله ذلك بقوله: (وأُولُوا الأرْحَام)(5)... الآية(6).
[35] قوله: (فَابْعَثُوا حَكَماً)... الآية، قال: «الحَكَمان لا يحكمان إلّا برضى الفريقين».(7)
[36] قوله: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) يعني: الأقرب. (وَالْجَارِ الْجُنَّبِ) يعني: جار الجنب.
أقول: الحقّ أنّه الجار البعيد.
(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) يعني: صاحبك في السفر.
أقول: وقيل: الزوجة، وهو الحقّ.(8)
(وَأَبْنِ السَّبِيلِ) يعني: أبناء الطريق الذين يستعينون بك في الطريق.
(وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) يعنى: الأهل والخادم.(9)
[37] قوله: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ).... الآية، هى محكمة .(10)
[43] قوله: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى)... الآية، قال: «السكر من النوم».(11)
ص: 123
قوله: (وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا). قال: «الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين [فإنَّ الله تعالى يقول: (وَلاَ جُنُباً إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا)](1) ويضعان(2) فيه الشيء، ولا يأخذان شيئاً منه [فقلت: ما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟ فقال:](3) لأنّهما يقدران على وضع الشيء فيه من غير دخول، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتّى يدخلاه». (4)
قوله: (وَإِن كُنتُم مَرْضَى)... الآية، سئل الصادق علیه السّلام عن [من يريد](5) التيمم وهو جنب، كيف يصنع ؟ فوضع يديه على الأرض، ثمّ نفضهما، ومسح وجهه ويديه فوق الكف.(6)
[47] قوله: (كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبتِ)، وهم اللذين اعتدوا في السبت، فمسخوا قردة وخنازير.
[44] قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ)... الآية نزلت في اليهود، حين سألهم مشركوا العرب، فقالوا: ديننا أفضل أم دين محمّد؟ فقالوا دينكم.(7)
وروي أنها نزلت في الذين ظلموا آل محمّد حقّهم، والدليل على ذلك قوله: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) يعني: أمير المؤمنين والأئمة علیهم السّلام، و الملك العظيم: هو الخلافة.(8)
[55] ثمّ قال: (فَمِنْهُم مَنْ آمَنَ بِهِ) [يعني: أمير المؤمنين علیه السّلام، وهم: سلمان وأبوذرّ
ص: 124
والمقداد و عمار رضي الله عنهم (وَمِنْهُم مَن صَدَّ عَنْهُ) وهم غاصبوا آل محمّد صَلّى الله عليه وآله وسلّم حقّهم، ومن تبعهم قال فيهم نزلت:](1) (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً).(2)
[56] ثمّ ذكر أعداءهم، فقال: إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا)... الآية.(3)
[57] ثمّ ذكر أولياءهم، فقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ)... الآية.(4)
[58] ثمّ خاطب الله الأئمّة علیهم السّلام، فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا)، قَالَ: «هی الإمامة، أمر الله الإمام أن يؤدّي الأمانة إلى من أمره الله(5)».(6)
ثمّ قال فيهم: (وَإِذَا حَكَمْتُم)... الآية.
[59] ثمّ خاطب الناس، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) يعني الأئمة علیهم السّلام.(7)
[ 60] ثمّ قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا)... الآية، [فإنّها نزلت في الزبير بن العوام، فإنّه نازع رجلاً من اليهود في حديقة، فقال الزبير: ترضى بابن شيبة اليهودي؟ فقال اليهودي ترضى بمحمّد ؟ فأنزل الله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا)... إلى آخر الآية ](8).(9)
ص: 125
[62] قوله: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةً)... الآية، نزلت في أمير المؤمنين وأعدائه. (1)
[64] ثمّ قال له: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِن ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ) يا عليّ؛ كذا نزلت. (2)
[65] قوله: (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) أي: من ولاية عليّ (وَيُسَلِّمُوا تَسليماً) لعليّ علیه السّلام.(3)
[69] قوله: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) قال: (النَّبِيِّينَ) رسول الله صَلی الله علیه وآله وسلّم، (وَالصِّدِّيقِينَ) عليّ علیه السّلام وَالشُّهَدَاءِ الحسن والحسين علیهما السّلام، (والصَّالِحِينَ) الأئمة علیهم السّلام، (وَحَسُنَ أُولَئِكَ رفيقاً)، يعني: الإمام القائم علیه السّلام».(4)
[78] قوله: (وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)، قال: «البروج المشيّدة هي [الظلمات](5) الثلاث التي ذكرها الله في القرآن، وهي: المشيمة والرحم والبطن(6)، فقال الله: إنّ الموت يدرككم في مثل هذه الظلمات».
أقول: وقيل: هي الصورة لجملة البناء بالشّيد(7)، وهي الحصون العالية.
قوله: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِندِ اللهِ أي الحسنة والسيئة، ثمّ قال: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةِ فَمِن نَفْسِكَ). فهذا خلاف قوله: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِندِ اللهِ) وهو من المتشابه
ص: 126
الصعب، فمعنى ذلك أنَّ الحسنات والسّيئات في كتاب الله على وجهين:
فوجه من الحسنات هي الصحّة والسلامة والأمن والسعة والرزق، وسمّاها الله حسنات في قوله: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةً)، فالسيئة - هاهنا : المرض والخوف والشدّة [(يطيروا بموسى ومن معه)، أي: يتشاء موا به](1)».
والوجه الثاني من الحسنات والسيئات: يعني به أفعال العباد،(2) وهو قوله: (مَن جَاءَ بالْحَسَنَةِ)(3)... الآية.
[79] فقوله: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) لم يعن به أعمال العباد، وإنّما هذه الحسنة يعني بها الصحّة والسلامة والأمن والسعة.
قوله: (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِك) يعني ما عوقب عليه من الذنوب في الدنيا والآخرة فمن نفسك بأعمالك؛ لأنّ السارق يقطع والقاتل يقتل، فسمّى الله هذه العقوبات سيّئات. والحسنات هي الصّحة والأمن والسعة من عند الله، والسيّئات التي هي عقوبات الذنوب من عند الله.(4)
[81] قوله: (بَيَّتت)(5)، أي: بدّلت.
قوله: (ما يُبَيِّتُونَ) ، أي: يبدّلون.(6)
[85] قوله: (كِفْل): أي: نصيب(7).
قوله: (مُقيتاً)، أي: مقتدراً.(8)
ص: 127
[86] قوله: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) قال: «هو السلام والبرّ وغيره».(1)
[89] وقوله: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا).... الآية، نزلت في بني أشجع وبني ضمرة، وكان من خبرهم، أنّه لمّا خرج النبيّ صَلّی الله علیه وآله وسلّم إلى غزاة الحديبية مر قريباً منها، وكان [رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم](2) قد هادن بني ضمرة ووادعهم، فقال الصحابة هذه بنو ضمرة قريباً منا، ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة و يعينوا علينا قريشاً، فلو بدأنا بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلا إنهم أبر العرب بالوالدين، وأوصلهم للرحم، وأوفاهم بالعهد».
وكانت بنو أشجع بالدهم قريبة من بلاد بني ضمرة، وهي بطن من كنانة، وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف في المراعاة والأمان، فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بلاد بني ضمرة، فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة، فلمّا بلغ رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم مسيرهم [إلى بني ضمرة]3 تهيّأ للمسير إلى أشجع؛ ليغزوهم، للموادعة التي كانت بينه وبين بني ضمرة، فأنزل الله: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا)... الآية.(3)
[ 90] ثمّ استثنى أشجع، بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُّونَ)... الآية، وكانت أشجع محالّها: البيضاء [والجبل والمستباح](4)، وقد قربوا من رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم فهابوه - لقربهم من رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم- أن يبعث إليهم من يغزوهم، وكان [رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم](5) قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئاً، فهمّ بالمسير إليهم ، فبينما هو على ذلك إذ جاءته أشجع ورئيسها مسعود بن رجيلة، فنزلوا شعب سلع(6)، وذلك [في شهر ربيع الأوّل](7) سنة ستّ، وكانوا سبعمائة، فدعا رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم أسيد بن حصين، فقال: إذهب فانظر ما أقدم أشجع؟
ص: 128
فخرج فوقف عليهم، فقام إليه مسعود، فسلّم عليه، فقال أسيد: ما أقدمكم؟
قالوا: جئنا لنوادع محمّداً، فرجع أسيد إلى النبي صَلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبره.
فقال رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم: خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح، ثمّ بعث إليهم بعشرة أحمال تمراً، ثمّ أتاهم، فقال: ما أقدمكم؟
قالوا: قربت دارنا منك وليس في قومنا أقل عدداً منّا، فضقنا بحربك لقرب دارنا منك، وضقنا بحرب قومك لقلّتنا، فجئنا لنوادعك.
فقبل النبي صَلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك منهم ووادعهم، فأقاموا يومهم ذلك ورجعوا إلى بلادهم، وفيهم نزلت هذه الآية: (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُّونَ إِلَى قَوْمِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) ... الآية.(1)
[91] قوله: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ)... الآية نزلت فيمن لم يعتزل رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم وأراد حربه.(2)
[92] قوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأَ)، فإنّه عنى: لا عمداً ولا خطاً، فقوله: (إلَّا خَطَأَ) في موضع (ولا خطأً)، وليس هو إستثناء.(3)
قوله: (إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا) يعني: يعفوا.
ثمّ قال: (فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٌّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) وليست له دية، يعني: إن قتل رجل من المؤمنين رجلاً من المؤمنين وهو نازل في دار الحرب، فلادية للمقتول، وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة؛ لقوله صَلّى الله عليه وآله وسلّم: «من نزل دار الحرب فقد برئت منه الذمّة.(4)
ثمّ قال: (وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقُ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)
ص: 129
يعني: إن كان المؤمن نازلاً في دار الشرك، وبينهم وبين الرسول أو الإمام عهد وميثاق إلى مدّة(1)، ثمّ قتل [ذلك المؤمن وهو](2) بينهم، فعلى القاتل دية مسلمة [إلى أهله](3) وتحرير رقبة مؤمنة (فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن).(4)
[93] قوله: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً)... الآية، قال العالم: «هذا من قتل مؤمناً على دينه لم تقبل منه توبته ومن قتل نبيّاً أو وصيّ نبيّ لم تقبل توبته».
[94] وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).... الآية نزلت لمّا رجع رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم من غزاة خيبر، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك؛ ليدعوهم إلى الإسلام، وكان رجل من اليهود يقال له: مرداس بن نهيك، في بعض القرى، فلمّا أحسّ بخيل رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل، وأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فمّر به أسامة بن زيد فطعنه فقتله، فلمّا رجع إلى رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم قال: قتلت رجلاً شهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله. فأنكر الرسول ذلك، فقال: يارسول الله، إنّما قالها تعوّذّاً من القتل، وقد قال المسلمون كلّهم ذلك.
فقال رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم: أفلا شققت عن قلبه؟ لا ما قال بلسانه قبلت، ولا ما كان في قلبه علمت؟».
فحلف أسامة أنّه لا يقاتل أحداً شهد أن لا إله إلا الله وأن محمّداً رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فبهذا السبب تخلّف عن أمير المؤمنين علیه السّلام في حرب الجمل وصفين.(5)
أقول: [...](6) فإنّ محارب عليّ كافر [...] أو ما كان يعرف أسامة هذا [...](7) وقد سمع
ص: 130
النبي يقول: «حربك يا عليّ حربي»،(1) وحرب النبيّ [...](2).
[102] قوله: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ)... الآية نزلت في سنة ستّ من الهجرة في غزاة الحديبيّة؛ وذلك أنّ الله تعالى أرى رسوله فى النوم أنّه يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق، فأمر أصحابه بالخروج فخرجوا، فلمّا نزلوا [ذي] الحليفة أحرموا للمتعة وساقوا البدن، وساق رسول الله ستّاً وستّين بدنة وأشعرها عند إحرامه، وراحوا يلبّون بالعمرة، فلمّا بلغ قريشاً ذلك بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس ليستقبل رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم فكان يعارضه على الجبال، فلمّا كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر، صلّى رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم بالناس، فقال خالد: لو حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم، فإنّهم لا يقطعون صلاتهم، ولكن تجيء لهم الآن صلاة أخرى هي أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم، فنزل جبرئيل علیه السّلام بصلاة الخوف بهذه الآية: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ).... الآية.(3)
[104] قوله: (وَلَا تَهِدُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ)... الآية، نزلت في غزاة أحُد حين أمر الرسول أصحابه أن يخرجوا في طلب قريش، فجزعوا منهم، وهذه الآية مع قوله: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مس القوم)(4)... الآية، كان يجب أن تكتب هاتين الآيتين في سورة آل عمران، فإن اختار(5) أحد فيها، فهذا دليل على أنّ القرآن على خلاف ما أنزل الله تعالى.(6)
[105] وقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ)... الآية، نزلت في بني أبيرق، وكانوا ثلاثة إخوة منافقين: بشير وبشر، ومبشر، وكان بشير يكنّى أبا طعمة، فنقبوا على عمّ قتادة بن
ص: 131
النعمان(1)، وأخرجوا طعاماً وسيفاً ودرعاً، فشكا ذلك إلى ابن أخيه قتادة، فجاء إلى رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فقال: يا رسول الله، إنَّ قوماً منا نقبوا على عمّى، وأخذوا طعاماً وسيفاً ودرعاً، وهم أهل بيت سوء ، وكان معهم في الرأي(2)رجل يقال له: لبيد بن سهل(3)، وكان مؤمناً، فقال بنو أبيرق لقتادة: هذا عمل لبيد. فبلغ لبيداً ذلك، فأخذ سيفه وخرج عليهم، فقال: هلمّوا يا بني أبيرق، أترمونني بالسرقة، وأنتم أولى بها منّي، وأنتم المنافقون تهجون رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم؟! لأضعنّ سيفي فيكم. فداروه وقالوا له: إرجع رحمك الله، فانت بريء من ذلك.
ثمّ مشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم يقال له: أسيد بن عروة، وكان منطبقاً لسناً، فأخبروه، فمشى إلى رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم فقال: إنّ قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منّا، من أهل - حسب ونسب، فرماهم بالسرقة [فاغتمّ رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم لذلك](4) وجاء قتادة إلى النبي [فأقبل عليه رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم](5) فقال: «یا قتادة عمدت إلى أهل بيت حسب(6) ونسب فرميتهم بالسرقة؟ وعاتبه عتاباً شديداً.
فاغتمّ قتادة، ورجع إلى عمّه، وقال له لبتني متّ ولم أكن كلّمت رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فقد قال لي ما كرهته.
فقال عمّه: الله المستعان
فنزل جبرئيل بهذه الآيات، فبلغ بنى أبيرق ذلك، فخرجوا من المدينة ولحقوا بمكّة وارتدّوا كفّاراً، فلم يزالوا بمكّة مع قريش، فلمّا فتح الله مكّة هربوا إلى الشام.(7)
ص: 132
أقول: قيل: إنّ [...](1) فوقع عليه الحائط فقتله.
[124] قوله: (نَقِيراً) النقير: النقطة(2) في ظهر النوى.(3)
[128] قوله: (وَإِن أَمْرَأَةً خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوراً).... الآية، قال العالم: «إن خافت امرأةّ مِن بَعْلِها أن يطلّقها أو يعرض عنها فقالت: قد تركت لك ما عليك ولا أسألك نفقة، فلا تطلّقني ولا تعرض عنّي، فإنّي أكره شماتة الأعداء، فلا جناح عليه أن يقبل ذلك، ولا
يُجري عليها شيء».(4)
[129] قوله: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أن تَعْدِلُوا)... الآية، روي: أنّ رجلاً سأل أبا جعفر الأحول، فقال: أخبرني عن قوله: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُّوا فَوَاحِدَةً)، وقال في آخر السورة: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)، فكيف معنى هذين القولين؟ فلم يكن عنده جواباً، فقدم المدينة، ودخل على أبي عبد الله علیه السّلام فسأله عن الآيتين، فقال: «قوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) يعني في النفقة، وقوله: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا)... الآية، عنى به في المودّة».
فأخبر الأحول الرجل ، فقال : هذا حملته [الإبل](5) من الحجاز.(6)
[157] قوله: (وقولهمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ الله) وإنّما قتلوا الرجل
ص: 133
الذي ألقي عليه شبه عيسى علیه السّلام فقال الله رداً عليهم: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ).
[159] وقوله: (وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) روي عن شهر بن حوشب، قال: قال لي الحجّاج يوماً: يا شهر، آية من كتاب الله قد أعيتني.
فقلت: فأيّة آية؟
فقال: قوله: (وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، والله إني لأمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه، ثمّ أرمقه بعيني، فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد!
قال: قلت: أصلح الله الأمير، ليس هذا على ما تأوّلت(1)، إنّ عيسى ينزل إلى الدنيا قبل يوم القيامة، فلا يبقى أهل ملة [يهوديّ ولا غيره](2) إلّا آمن به قبل موت عيسى، ويصلّي عيسى خلف المهدي.
قال: ويحك، أنّى لك هذا؟
قلت: حدّثني به محمّد بن علي بن الحسين بن علي علیهم السّلام.
فقال: جئت بها والله من عين صافية ضلّ والله من سلك غير سبيلهم.(3)
[162] قوله: (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ)... الآية، [فإنّه محكم](4)».(5)
[166] قوله: (لَكِن اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ)... الآية، قال العالم: «إنّما نزل: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ) فى على (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ)](6) (وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ)».(7)
ص: 134
[168] [قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا)](1) قال الصادق علیه السّلام: إِنَّما نزل: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) آل محمّد حقّهم (لَمْ يَكُن اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)... الآية».(2)
[176] قوله: (قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إن امرؤٌ هَلَكَ).... الآية، يعني: ما لم يكن ولد.
قوله: (ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَك)، إذا ترك رجل أخته، فالنصف لها بالآية، والنصف الآخر يردّ عليها بالرحم، فإن كانتا أختين أخذتا الثلثين بالآية، والثلث الآخر بالردّ.(3)
ص: 135
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[1] قوله: (أوفُوا بِالْعُقُودِ) يعني: بالعهود.(1)
قوله: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ)؛ عن الباقر علیه السّلام قال: «يعني: الجنين في بطن أمّه إذا أشعر أو أوبر، فذكاته(2) ذكاة أمّه ».(3)
[ أقول:] فيه نظر؛ فإنّ ذكاة الجنين ذكاة أُمّه.
وقوله: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) دليل على أنَّ غير الأنعام محرّم.(4)
[2] قوله: (لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله)... الآية. الشعائر مناسك الحجّ كلّها، ومن الشعائر: إذا ساق الرجل بدنة في الحجّ ثمّ أشعرها، أي قطع سنامها أو جلدها، أو(5) قلّدها؛ ليعلم الناس أنها هدي فلا يتعرّض لها أحد. وإنّما سميّت الشعائر ليشعر الناس بها،
ص: 136
فيعرفونها(1). و(اَلشَّهْرَ الْحَرَامَ): ذو الحجّة (2).
(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) يعني: حاجّين البيت.(3)
قوله: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّ وكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُّوا) أي: «لا يحملتّكم عداوة قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام فى غزاة الحديبيّة أن تعتدوا وتظلموهم، ثمّ نسخت بقوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)... الآية(4)».(5)
[3] قوله: (وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ)؛ يعني به ما ذبح للأصنام.
قوله: (وَالْمُنْخَنِقَةُ)؛ فإنّ المجوس كانوا لا يأكلون الذبائح، ويأكلون الميتة، وكانوا يخنقون البقر والنعم، فإذا ماتت أكلوها.
(وَالْمَوْقُوذَةُ)؛ كانوا يشدّون رجليها ويضربونها حتّى تموت، فإذا ماتت أكلوها.
(وَالْمُتَرَدِّيَةُ)؛ كانوا يشدّون عينيها ويلقونها من السطح، فإذا ماتت أكلوها.
(وَالنَّطِيحَةُ)؛ كانوا يناطحون بالكباش، فإذا مات أحدهما أكلوه(6).
(وَمَا أَكَلَ السَّبْعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ)، فإنّهم كانوا يأكلون ما قتلته السباع، فحرّمه الله.
قوله: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصْبِ) [كانوا يذبحون لبيوت النيران، وقريش كانوا يعبدون الشجر والصخر فيذبحون لها](7) (وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالازْلاَم)ِ، كانوا يعمدون إلى الجزور، فيجّزوه عشرة أجزاء، ثمّ يجتمعون عليه فيمزجون السهام ويدفعونها إلى رجل، والسهام عشرة؛ سبعة لها أنصباء، وثلاثة لا أنصباء لها، فالتي لها أنصباء: الفذ، والتوأم، والمسبل ،والنافس، والحلس، والرقيب، والمعلى.
فالفذ له سهم، والتوأم له سهمان، والمسبل له ثلاثة، والنافس له أربعة، والحلس له
ص: 137
خمسة، والرقيب له ستّة، والمعلّى له سبعة.
والتي لا أنصباء لها: السفح، والمنيح، والوغد، وبلزم ثمن البعير من لم يخرج له سهم، وهذا هو القمار، فحرمه الله.(1)
قوله: (فَمَن أَضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ).... الآية، هذا معطوف على قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ).(2)
[4] وقوله: (وَمَا عَلَّمْتُم مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ)، فهذا صيد الكلاب المعلّمة خاصّة إذا قتلته(3).
قال الصادق علیه السّلام: «كلّ شيء من السباع يمسك الصيد على نفسه، إلّا الكلاب المعلّمة، فإنّها تمسك على صاحبها». وقال: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه، فإنّه ذكاته». (4)
[أقول] وهذا بخلاف ما تقوله العامّة: كلّ جوارح الطير والسباع إذا قتلته سواء.
[5] وقوله: (اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)، قال الصادق علیه السّلام «الطعام: الحبوب والفواكه غير الذبائح؛ فإنّهم لا يذكرون اسم الله عليها خالصاً».(5)
أقول: الدليل على أنّ الآية خاصّة أنّ من جملة طعامهم: الخنزير والخمر، وهو محرّم إجماعاً، والآية مخصوصة بما ذكره علیه السّلام.
قوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ)، يعنى أهل الكتاب يحلّ مناكحتهم، وهو ناسخ لقوله: (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)(6)، وإِنَّما أحل الله نكاح
ص: 138
أهل الكتاب الذين هم فى دار الإسلام ويعطون الجزية.(1)
أقول: إجماعاً - الآن أنّه لا يجوز نكاح الكافرة، سواءّ كانت من أهل الكتاب أو لا، اللّهم إلّا أن يكون قد أسلم زوجها وبقيت هي على الكفر، فإنّه يبقى على نكاحه ويحلّ له وطؤها، وكأنّها المعنيّة هنا.(2)
[6] قوله: (إِلَى الْمَرَافِقِ) يعني من المرافق.(3)
أقول: الصحيح أنّ (من) بمعنى (مع)، أي مع المرافق.(4)
[20] قوله: (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُلُوكاً)، فإنّ النبوّة كانت في بني إسرائيل في بيت، والملك في بيت آخر الم يجمع الله لهم النبوّة والملك في بيت واحد](5) ثمّ جمع الله ذلك لنبيّه، وهو قوله: (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) وهو الخلافة بعد النبوّة.(6)
[26] وقوله: (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى الأَرْضِ)، بقوا أربعين سنة يقومون من أوّل الليل فيسيرون، فإذا أصبحوا دارت بهم الأرض، فردّتهم إلى مكانهم، فبقوا كذلك أربعين سنة، حتّى دخلها أبناؤهم وأبناء أبنائهم.(7)
[27] قوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأُ ابْنَيْ آدَمَ)، هما قابيل وهابيل.(8)
[32] قوله: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)، قال العالم: «من أنقذها من غرق أو حرق أو هدم أو سبع أو تكلفة حتّى يستغني، أو أخرجها من ضلال إلى هدى».
ص: 139
وقوله: (فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، فيكون مكان من قتل بغير نفس في النار كمن(1) قتل الناس جميعاً، ومن أحياها يكون مكانه في الجنّة كمن أحيا الناس جميعاً.(2)
[33] وأما قوله: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ). عن أبي جعفر علیه السّلام (3)قال: «من حارب وأخذ المال وقتل، قُتل وصُلب، ومن حارب وقتل ولم يأخذ المال، كان عليه أن يُقتل ولا يُصلب، ومن حارب ولم يقتل وأخذ المال، كان عليه أن تقطع يده ورجله من خلاف، ومن حارب ولم يأخذ المال ولم يقتل كان عليه أن يُنفى من بلد إلى بلد».(4)
أقول: المشهور أنّ الإمام مخيّر في ذلك كلّه.
[38] وقوله: (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَ) ... الآية، قال العالم: «السارق يقطع في ربع دينار أو قیمته».(5)
أقول: وهو مذهب الشافعي ومالك، وقال أبو حنيفة: يقطع في عشرة دراهم، وهو باطل.(6)
[ 41 - 50] قوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ)... الآية، سبب نزول هذه الآيات: أنّه كان بالمدينة بطنان من اليهود من بنى هارون وهم: بنو النضير وقريظة، وكانت قريظة سبع مائة، والنضير ألفاً، وكانت النضير حلفاء لعبد الله بن أبي، وكان إذا
ص: 140
قتل واحداً من بني النضير أحد من بني قريظة، قالوا لبني قريظة: لا نرضى أن نقتل واحداً منكم بواحد منّا، بل ندفع نصف الدية، وأيما رجل من بني قريظة: قتل، قتل به ويدفع إليه الدية كاملة.
فلما هاجر رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة، ضعف أمر اليهود، فقتل رجل من بني قريظة رجلاً من بني النضير، فبعث إليه بنو النضير: ابعثوا إلينا بالقاتل لنقتله والدية. فقالت قريظة: ليس هذا حكم التوراة، فإمّا الدية وإمّا القتل، وإلّا فهذا محمّد بيننا وبينكم فمشت بنو النضير إلى عبد الله بن أبي وقالوا: تسأل محمّداً أن لا ينقض شرطنا. فقال عبد الله بن أبي: ابعثوا معي رجلاً يسمع كلامي وكلامه، فإن حكم لكم بما تريدونه، وإلّا فلا ترضوا به. فبعثوا معه رجلاً، فجاء إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال: يا رسول الله، إنَّ قريظة والنضير قد كتبوا بينهم كتاباً وعهداً، والآن يريدون نقضه، وقد رضوا بحكمك، فلا تنقض كتابهم وشرطهم، فإنّ بني النضير لهم القوّة والسلاح والكراع(1)، ونحن نخاف الدائرة(2).
فاغتم لذلك رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم، ولم يجبه بشيء، فنزل جبرئيل بهذه الآيات، إلى قوله: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) يعني: اليهود.(3)
[52] قوله: (في قُلُوبِهِم مَرَضٌ) يعني: عبد الله بن أبي... إلى قوله: (نَادِمِينَ).(4)
[54] قوله: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) ... الآية نزلت في قائم آل محمّد علیه السّلام.(5)
[55] قوله: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله)... الآية، عن أبي جعفر علیه السّلام، قال: «بينما رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم جالس، إذ نزلت عليه هذه الآية، فخرج رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المسجد فاستقبله سائل، فقال:
ص: 141
هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم، ذلك المصلّي. فجاء رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم فإذا هو أمير المؤمنين علیه السّلام(1)».(2)
أقول: في هذه الآية أقوى دليل على خلافة أمير المؤمنين علیه السّلام بلا فصل، وعلى شرفه وفضله وكماله الذي ليس لأحد مثله.(3)
[62] قوله: (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ). السحت: هو بين الحلال والحرام، وهو أن يؤجر الرجل نفسه ليحمل المسكر ولحم الخنزير مثلاً. ومن السحت: ثمن الميتة، وثمن الكلب، ومهر البغيّ، والرشا في الحكم، وأجر الكاهن.(4)
[64] قوله: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةً)... الآية، قال: «قالوا: قد فرغ الله من الأمر، لا يحدث الله غير ما قد قدّره في التقدير الأوّل فردّ الله عليهم فقال: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ)، أي: يقدّم ويؤخّر ويزيد وينقص ، وله البداء والمشيئة».(5)
ص: 142
و قوله: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً)... الآية، قال: «كلّما أراد جبّار من الجبابرة هلاك آل محمّد قصمه الله».(1)
[66] قوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِم مِن رَبِّهِمْ)، يعني: اليهود والنصارى (لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) قال: « (مِن فَوْقِهِمْ): المطر (وَمِن تَحْتِ أرجُلِهِم): النبات».(2)
وقوله: (مِنْهُمْ أُمَّةً مُقْتَصِدَةٌ)، قال: «قوم من اليهود دخلوا في الإسلام [فسمّاهم الله: مقتصدة](3)».
[67] وقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ)... الآية. عن الصادق علیه السّلام: «إِنَّما نزلت: (مِنْ رَبِّكَ في عليّ علیه السّلام)، نزلت في منصرف الرسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم من حجّة الوداع، فلمّا كان آخر يوم من أيّام التشريق نزلت سورة الفتح، فقال: «نعيت إلىّ نفسى»، فنادى بالصلاة جامعة في مسجد الخيف، فاجتمع الناس، فقال: نضّر الله عبداً(4) سمع مقالتي فوعاها، وبلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غیر فقیه و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم.
أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم الثقلين، فقالوا: يا رسول الله، وما الثقلان؟ فقال: أمّا الثقل الأكبر: فكتاب الله، طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به لن تضلّوا ولن تزلّوا. وأمّا الثقل الأصغر: فعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا(5)
ص: 143
حتّى يردا عليّ الحوض كإصبعيّ هاتين - وجمع بين سبّابتيه - .(1)
فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا: يريد محمّد أن يصيّر الإمامة في أهل بيته، فخرج منهم أربعة أقول: قيل: هم الأوّل والثاني والثالث [أبي] و عبيدة بن الجرّاح - وجاؤوا إلى مكّة ودخلوا الكعبة، وكتبوا بينهم كتاباً: إن مات محمّد(2) أو قتل، أن لا يردّوا الأمر في أهل بيته أبداً، فأنزل الله على رسوله: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً)(3)... الآية، ثمّ خرج رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم من مكّة يريد المدينة حتّى نزل غدير خمّ، فنزلت الآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فأمر مناديه بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فخطب بهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، هل تعلمون من وليّكم؟
فقالوا: نعم، الله ورسوله.
فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلى.
قال: اللهُمّ أشهد فأعاد ذلك ثلاثاً، كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل، وتقول الناس كذلك، ويقول: اللهُمّ أشهد، ثمّ أخذ بعضد أمير المؤمنين علیه السّلام فرفعها حتّى بدا للناس بياض إبطيهما، وقال - وهو رافع يده: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأنصر من نصره، وآخذل من خذله، وأحبّ من أحبّه، وأدر الحقّ مع على كيفما دار».
ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: «اللّهم أشهد، وأنا من الشاهدين».
فقال قوم من أصحابه: أيطمع محمّد أن يكون هذا الأمر في أهل بيته؟ والله لئن مات لا نردّ هذا الأمر في بني هاشم، ثمّ قالوا: لئن رجع إلى المدينة ليأخذنا بالبيعة له لنقتلتّه.
ص: 144
فاجتمعوا وتوامروا على قتله، وقعدواله في العق 22بة - وهي عقبة هرشي(1)، بين الجحفة والأبواء - فأطلع الله رسوله على ما قالوا، وهم أربعة عشر نفساً، فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها، لينفروا ناقة رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فلمّا أقبل ودنا منهم نادى جبرائيل: يا محمّد، إن فلاناً وفلاناً [وفلاناً](2) قد قعدوالك، وقد كان رسول الله تقدّم أصحابه وحده [فنظر رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم](3) فقال: من هذا خلفي؟ فقال حذيفة: أنا حذيفة.
قال: سمعت ما سمعت؟
قال: بلى.
قال: فاكتم. فدنا رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم، منهم، فناداهم بأسمائهم، فلمّا سمعوا نداءه دخلوا في غمار الناس، وتركوا رواحلهم، ولحق الناس برسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم وطلبوهم، و عرفوا رواحلهم(4) [فلمّا نزل](5) قال: ما بال أقوام تحالفوا: إن مات محمّد أو قتل ألا يردّوا الأمر في أهل بيته ابداً؟، فجاؤوا [إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم](6) وحلفوا أنّهم لم يقولوا ذلك، فأنزل الله: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) وهو أن لا يردّوا هذا الأمر في آل محمّد صَلّى الله عليه وآله وسلّم
(وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا) من قتل رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم... . الآية .(7)
[71] قوله: (فَعَمُوا وَصَمُّوا) أي: حيث كان رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم بين أظهرهم (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) حيث قبض رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم وأقام أمير المؤمنين عليه السّلام، فعموا وصمّوا حتّى الساعة».(8)
ص: 145
[75] قوله: (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ) أي: «كانا يحدثان، فكنّي عن الحدث بالأكل.(1)
[78] قوله: (عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى)؛ الخنازير على لسان ،داود، والقردة على لسان عیسی علیه السّلام.(2)
[82] قوله: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ).... الآية، سبب نزولها: أنّه لمّا اشتدّت قريش في أذى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم وأذى أصحابه، أمرهم رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم أن يخرجوا إلى الحبشة، وأمر جعفر [بن أبي طالب](3) أن يخرج معهم، فخرج ومعه سبعون رجلاً حتى ركبوا البحر.
فلمّا بلغ قريشاً خروجهم، بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى النجاشي وسألوه أن يردّهم(4) إليهم، وكانوا قد حملوا إليه هدايا، فقبلها منهم، فقال عمرو بن العاص: أيّها الملك، إنّ قوماً منّا خالفونا في ديننا، وصاروا إليك، فردّهم إلينا.
فقال النجاشي: أجمع بينكم وبينهم، وأحضرهم، فدعى جعفر، فقال: يا جعفر ما يقول هؤلاء؟
فقال: أيّها الملك، وما يقولون؟
قال: يسألون أن أردّكم إليهم.
قال: سلهم: أعبيد نحن لهم؟
فقال عمرو: لا، بل أحرار كرام.
قال: سلهم: ألهم علينا ديون؟
قال عمرو: ما لنا عليهم ديون.
ص: 146
قال: فلكم في أعناقنا دماء؟
قال: لا.
قال: فما تريدون منا؟
قال: خالفتمونا في ديننا، وأفسدتم شبابنا، وفرّقتم جماعتنا.
فقال جعفر: أيها الملك، بعث الله فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد. وأمرنا بالصلاة والزكاة. وحرّم الجور والظلم، وسفك الدماء، والزنا، والربا، والميتة، والدم. وأمرنا بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى ونهانا عن الفحشاء، والمنكر، والبغي.
فقال النجاشي بهذا بعث عيسى.
ثمّ قال النجاشي: تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئاً؟
قال: نعم. وقرأ سورة مريم، فلمّا بلغ: (وهُزِّى إِلَيْك)(1) ... الآية، بكى النجاشي، ثمّ قال: هذا والله هو الحق.
[فقال عمرو بن العاص: أيها الملك، إنّه مخالف لنا، فردّه إلينا](2) فرفع النجاشي بده، فضرب بها وجه عمرو، فقام عمرو والدماء تسيل على وجهه، [وهو يقول: إن كان هذا كما تقول أيّها الملك، فإنّا لا نتعرّض له.
وكانت على رأس النجاشي وصيفة له تذبّ عنه، فنظرت إلى عمارة بن الوليد، وكان فتى جميلاً، فأحبّته، فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله قال لعمارة: لو راسلت جارية الملك. فراسلها، فأجابته، فقال له عمرو : قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئاً. فقال لها، فبعثت إليه، فأخذ عمرو من ذلك الطيب - وكان الذي فعل به عمارة في قلبه، حين ألقاه في البحر(3)- فأدخل الطيب على النجاشي، فقال: أيّها الملك، إنّ حرمة الملك عندنا، وطاعته علينا عظيمة، ويلزمنا إذا دخلنا بلاده، ونأمن فيها أن لا نغشّه ولا نريبه،
وإنّ صاحبي - هذا الذي معي - قد راسل(4) إلى حرمتك وخدعها، وبعثت إليه من طيبك. ثمّ وضع الطيب بين يديه، فغضب النجاشي، وهمّ بقتل عمارة، ثمّ قال: لا يجوز قتله
ص: 147
فإنّهم دخلوا بلادي بأماني (1)](2).
فدعا النجاشي السحرة، فقال لهم: إعملوا لعمارة شيئاً يكون أشدّ عليه من القتل. فأخذوه ونفخوا في إحليله الزئبق، فصار مع الوحش يغدو ويروح، ولا يأنس بالناس، فبعثت قريش بعد ذلك إليه، فكمنواله في موضع حتّى ورد الماء مع الوحش، فأخذوه، فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتّى مات.
ورجع عمرو إلى قريش، وأخبرهم الخبر.
ولم يزل جعفر في أرض الحبشة مكرّماً حتّى بلغه أنّ رسول الله قد هادن قريشاً، وقد وقع بينهم الصلح، فقدم بجميع من معه، فوافى رسول الله وقد فتح خيبر.
أقول: فقال رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم: ما أدري بأيّهما أفرح؛ بفتح خيبر أو بقدوم جعفر.
وبعث النجاشي إلى رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم بمارية القبطية أمّ إبراهيم.
أقول: وقيل: الباعث إليه إنّما كان المقوقس، ملك البلاد المصريّة.
وبعث إليه بثياب وطيب ،وفرس وبعث ثلاثين رجلاً من القسّيسين، فقال لهم: انظروا إلى كلامه وطعامه، وإلى مقعده ومشربه ومصلّاه، فلمّا وافوا المدينة، دعاهم رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم إلى الإسلام، وقرأ عليهم: (إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ) إِلى قوله: (فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)(3) وقرأ عليهم: (إِنَّ اللَّهَ أَصْطَفَى آدَم)(4) .... الآية، فلمّا سمعوا ذلك من رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم بكوا و آمنوا ورجعوا إلى النجاشي [فأخبروه خبر رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم](5) وقرء واعليه ما قرأ عليهم، فبكى النجاشي، وبكى القسّيسون، وأسلم النجاشي، و لم يظهر النجاشي للحبشة إسلامه، وخافهم على نفسه، ثمّ خرج مع القسّيسين من بلاد الحبشة يريد رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، فلمّا عبر البحر توفّي النجاشي، فنزلت: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً)...الآية.(6)
ص: 148
أقول: القول المشهور: إنّ الذي بعث مارية أم إبراهيم كان الموقس ملك الإسكندرية.(1)
[87] قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ). عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علیه السّلام، وبلال، وعثمان بن مظعون. أمّا أمير المؤمنين علیه السّلام، فحلف أن لا ينام بالليل أبداً،(2) وأمّا بلال، فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً، وأمّا عثمان بن مظعون، فإنّه حلف أن لا ينكح أبداً [فدخلت إمرأة عثمان على عائشة - وكانت امرأة جميلة - فقالت عائشة: مالي أراك متعطلة(3)؟ فقالت: ولمن أتزيّن؟ فو الله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا، فإنّه قد ترهّب ولبس المسوح، وزهد في الدنيا.
فلمّا دخل رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم أخبرته عائشة بذلك، فخرج، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه](4) فقال: ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيبات؟ ألا، إنّي أنام بالليل، وأنكح وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. [فقام هؤلاء](5) فقالوا: يا رسول الله، فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله: (لا يُؤْاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ)(6)... الآية ».(7)
أقول فيه نظر؛ فإنّ أمير المؤمنين علیه السّلام معصوم، لا يصدر عنه ما يخالف الشرع، ولعلّ الحالف غيره. وأيضاً: إذا لم ينم الليل إلّا مغلوباً، فأين حق الزوجة؟ إلّا أن يكون ذلك قبل الزوجية.(8)
[90] قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ).... الآية، قال: «لمّا نزلت هذه الآية، قيل: يا
ص: 149
رسول الله، ما الخمر؟ قال: ما أسكرك من شيء. قيل: فما الميسر؟ قال: ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز. قيل: فما الأنصاب؟ فالأوثان التي يعبدونها. [قيل: فما الميسر؟ قال:](1) فالنرد والشطرنج. [قيل: وما أهل لغير الله به؟](2) قال: ما ذبحوا عليه لآلهتهم.(3) قيل فما الأزلام؟ قال: قداحهم التي يستقسمون بها ».(4)
[94] قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ)... الآية، قال: «نزلت في عام الحديبية، جمع الله عليهم الصيد، فدخلت(5) بين رحالهم ليختبرهم».(6)
[95] وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمُ)... الآية.(7)
وأمّا قوله: (أَوْ كَفَّارَةً طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِك صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ)](8)، قال الزهرى: دخلت على علي بن الحسين علیهما السّلام، فقال: يا زهري من أين جئت؟
قلت: من المسجد.
قال: فيم كنتم؟
قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فأجمع رأبي ورأي أصحابي أنّه ليس من الصوم شيء واجب إلّا صوم رمضان.
فقال: يا زهري، ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجهاً، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربعة عشر منها صاحبها فيها بالخيار، وصوم الإذن(9) على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الإباحة(10)، وصوم المرض، وصوم السفر.
ص: 150
فقلت: فسّرهنّ لي، جعلت فداك.
قال: أمّا الواجب فصوم شهر رمضان، و صیام شهرين متتابعين فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً، وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، و صيام شهرين متتابعين فى كفّارة الظهار [لمن لم يجد العتق](1) واجب، وصيام ثلاثة أيّام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الإطعام، وصيام أذى حلق الرأس واجب، قال الله تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أَوْ بِهِ أذى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)(2) فصاحبها فيها بالخيار، فإنَّ صام صام ثلاثة أيّام.
وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي، لقوله: (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)(3).
وصوم جزاء الصيد واجب؛ لقوله: (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً).
أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياماً يا زهري؟
قلت: لا.
قال: يقوم الصيد قيمة(4)، ثمّ يفضّ(5) تلك القيمة على البرّ، ثم يكال ذلك البر أصواعاً، فيصوم لكلّ نصف صاع يوماً.
وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف(6) واجب.
فأما الصوم(7) الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الأضحى، وثلاثة أيام التشريق(8)، وصوم يوم الشكّ، وصوم الوصال حرام(9)، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام(10).
وأمّا الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين،
ص: 151
وصوم أيّام البيض، وصوم ستّة أيّام من شوّال بعد رمضان(1)، وصوم يوم عرفة(2)، وصوم يوم عاشوراء،(3) كلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر.
وأمّا صوم الإذن، فإنّ المرأة لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذن زوجها، والعبد لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن سيّده، والضيف لا يصوم تطوعاً إلّا بإذن صاحبه.
وأمّا صوم التأديب، فأن يؤمر الصبي إذا راهق بالصوم تأديباً، وكذلك من أفطر لعلّة أوّل النهار، ثمّ عوفي(4) بقيّة يومه، أمر بالإمساك تأديباً، وكذلك المسافر إذا أكل من أوّل النهار ثمّ دخل مصره(5)، أمر بالإمساك بقيّة يومه تأديباً، وليس بفرض.
وأمّا صوم الإباحة، فمن أكل أو شرب ناسياً أو قاء من غير تعمّد، فقد أباح الله ذلك له، وأجزأ عنه صومه.
وأمّا صوم المرض والسفر، فإنّ العامة اختلفت فيه، فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم، وقال قوم: هو مخيّر، وأمّا نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعاً، فإن صام [في السفر أو في حال المرض، فهو عاص](6) فعليه القضاء».(7)
[101] قوله: (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ)... الآية، عن أبي جعفر علیه السّلام: «أن صفيّة بنت عبد المطلب مات لها ابن، فأقبلت، فقال لها عمر بن الخطاب: غطّي قرطك، فإنّ قرابتك من رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم لا تنفعك شيئاً.
فقالت له: وهل رأيت لي قرطاً، يابن اللخناء(8)؟! ثمّ دخلت على رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم وبكت وأخبرته بذلك(9)، فخرج رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم فنادى بالصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال: ما
ص: 152
بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ؟! لو قد قمت المقام المحمود لشفّعت في أحوجكم(1)، لا يسألني اليوم أحد من أبوه إلّا أخبرته فقام رجل، فقال: من أبي يا رسول الله؟
فقال: أبوك غير الذي تدعى له، أبوك فلان بن فلان».
فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟
فقال : أبوك الذي تدعى له.
ثمّ قال رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم: ما بال الذي يزعم أنّ قرابتي لا تنفع لا يسأل [عن أبيه؟!].(2)
فقام إليه عمر فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عنّي يا رسول الله(3) عفا الله عنك، فنزلت الآية»(4).
أقول: إنّ الابن من الزنا لا يسمّى ابناً شرعيّاً، ولا من يولد من نطفته: أباً ولا أمّاً.(5)
[105] قوله: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)... الآية، معناه: أصلحوا أنفسكم ولا تتّبعوا عشرات(6) الناس، ولا تذكروهم؛ فإنّه لا يضرّكم ضلالتهم إذا كنتم صالحين.(7)
[106) قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ)... الآية نزلت في ابن بندي وابن أبي مارية النصرانييّن، وكان رجل يقال له: تميم الداري مسلماً [خرج معهما في
ص: 153
سفر](1) وكان معه خُرج ومتاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب ليبيعها، فلمّا خرجوا من المدينة اعتلّ تميم، فلمّا حضرته الوفاة دفع ما كان معه إلى ابن بندي وابن أبي مارية، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته، فقدما المدينة وأوصلاما كان دفعه إليهما تميم، وحبسا الآنية المنقوشة والقلادة، فقال ورثة تميم: [هل مرض صاحبنا مرضاً طويلاً أنفق فيه نفقة كثيرة؟ فقالا: ما مرض إلّا أيّاماً قليلة، قالوا: فهل سرق منه شيء في سفره؟ قالا: لا، قالوا: فهل اتّجر تجارة خسر فيها؟ فقالا: لا، قالوا: فقد افتقدنا أنبل شيء كان معه آنية منقوشة بالذهب، مكلّلة، وقلادة](2). فقالا: ما دفعه إلينا قد أدّيناه إليكم، فقدّموهما إلى رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم فأوجب عليهما اليمين، فحلفا، فخلّى عنهما، ثمّ ظهرت القلادة والآنية عليهما، فأخبروا رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك [فانتظر الحكم من الله](3) فنزلت الآية.
وقوله: (بَعْدِ الصَّلاةِ) يعني: صلاة العصر.(4)
[107 - 108] قوله: (فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقًّا إِثْماً) أي: أنّهما حلفا على كذب (فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا) يعني: من أولياء المدّعي (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) إلى قوله: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ) فأمر رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم أولياء تميم أن يحلفوا بالله على ما أمرهما به، فأخذ الآنية والقلادة من ابن بندي وابن أبي مارية، وردّهما على أولياء تميم.(5)
ص: 154
[109] قوله: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)؛ عن الصادق علیه السّلام قال: «ماذا أجبتم في أوصيائكم؟ فيقولون: لا علم لنا بما فعلوا بعدنا بهم».(1)
[112] قوله: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) أي: يقدر. فكانت المائدة تنزل عليهم، فيجتمعون عليها ويأكلون حتّى يشبعون، ثمّ ترفع، فقال كبراؤهم ومترفوهم: لا ندع(2) سفلتنا(3) يأكلون منها، فلمّا قالوا ذلك رفع الله المائدة عنهم، ومسخوا قردة وخنازير.(4)
أقول: وقال بعض المفسّرين، ومنهم الحسن(5): إنّها لم تنزل، وقرأ: (هل تستطيع رَبَّكَ)(6)، وهو قراءة حسنة توافق العقول.
[116] قوله: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخذُونِي)... الآية، هذا لم يقله، وسيقوله يوم القيامة.(7)
أقول: بل يقوله في الدنيا؛ لأنَّ قوله: (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) تقديره مع التوبة، ولا توبة نافعة بعد الموت.
قوله: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك) يعني: تعلم غيبي ولا أعلم غيبك؛ لأنّك (أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
وروي: «أنّ كلّ شيء يُعبد من دون الله في النار ما خلاعيسى».(8)
أقول: والملائكة وعزير وعليّ بن أبي طالب أيضاً.
وعن ابن أبي عمير رفعه، قال: سأل أصحاب عيسى علیه السّلام: أن يحيي لهم ميّتاً، فأتى بهم
ص: 155
إلى قبر سام بن نوح، فقال: قم بإذن الله با سام. فانشقّ القبر، ثمّ أعاد الكلام، فتحرّك، ثمّ أعاد الكلام، فخرج سام بن نوح. فقال له عيسى علیه السّلام: أيّما أحبّ إليك تبقي أو تعود؟ فقال: يا روح الله بل أعود إنّي لأجد حرقة الموت في جوفي إلى يومي هذا».(1)
وعنه، عن عليّ بن حديد يرفعه قال: «قام عيسى بن مريم علیه السّلام خطيباً في بنى إسرائيل، فقال: لا تأكلوا حتّى تجوعوا، فإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا، فإنّكم إذا شبعتم غلظت رقابكم، وسمنت جنوبكم، ونسيتم ربِّكم،(2) إنّي أصبحت فيكم أدّمي الجوع، وطعامي ممّا تنبت الأرض للوحش والأنعام، وضلالي في الشتاء الشمس، مشارقها ومغاربها، وسراجي القمر، وفراشي التراب، ووسادتي الحجر،(3) وليس لي بيت يخرب، ولا مال يسرق، ولا ولد يموت، ولا امرأة تحزن ، أصبح وليس لي شيء، وأمسي وليس لي شيء، وأنا أغنى ولد آدم».(4)
وعنه قال: «خرج عیسی بن مريم في بعض سياحته ومعه رجل من أصحابه يقال له: قصير(5)، حتّى أتيا البحر ، فقال عيسى: بسم الله، بصحّة يقين من نفسه ومشى على الماء. فقال قصير حين نظر إلى عيسى علیه السّلام: بسم الله، بصحّة يقين منه ومشى على الماء. فدخله العجب، فغرق، فصاح بعيسى، فأدركه وأخرجه، و رجع عمّا كان حدّث به نفسه».(6)
وعنه، عن الصادق، عن أبيه علیهما السّلام قال: «قرأت في كتاب علىّ علیه السّلام أنّ الدنيا تمثّلت للمسيح في صورة إمرأة زرقاء، فقال لها المسيح: هل تزوجت زوجاً قطّ؟
قالت: نعم، أزواجاً كثيرة.
فقال: فكلّهم طلّقك؟
قالت: بل كلّهم قتلت.
ص: 156
قال عيسى علیه السّلام: وبح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين».(1)
وقال: «مر عيسى علیه السّلام بقرية، قد مات أهلها وطيرها ودوابّها، فقال عيسى: أمّا إنّهم لم يموتوا إلّا سخطة، ولو ماتوا متفرّقين لتدافنوا، فقالوا: يا روح الله، ادع الله أن يحييهم فيخبرونا ماذا كانت أعمالهم، فنجتنبها؟ فدعا ربّه، فنودي من الجوّ: أن نادهم. فقام عيسى على شرف الأرض، وقال: يا أهل القرية.
فأجابه منهم مجيب: لبيك يا روح الله وكلمته.
قال: ما كانت أعمالكم؟
فقال: عبادة الطاغوت وحبّ الدنيا مع خوف قليل(2)، وغبطة في لهو ولعب(3).
قال: كيف كان حبّكم للدنيا؟
قال: كحبّ الصبيّ لأمّه، إذا أقبلت علينا فرحنا، وإذا أدبرت حزنًا.
قال: فكيف كانت عبادتكم للطاغوت؟
فقال: الطاعة لأهل المعاصي.
قال: فكيف كان عاقبة أمركم؟
قال: بتنا في عافية، وأصبحنا في الهاوية.
قال: وما الهاوية؟
قال: سجّيل.
قال: وما سجّيل؟
قال: جبال من جمر، يوقد عليها إلى يوم القيامة.
قال: ما قلتم، وما قيل لكم؟
قال: قلنا: ردّنا إلى الدنيا نزهد فيها، فقيل لنا: كذبتم.
قال: ويحك، كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم؟
ص: 157
قال: لأنّي كنت فيهم ولم أكن منهم، فلمّا نزل بهم العذاب عمّني معهم، فأنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم، لا أدرى أكبكب فيها أم أنجو منها؟
فالتفت عيسى علیه السّلام إلى أصحابه، فقال: يا أولياء الله، أكل الخبز اليابس بالملح الجريش والنوم على المزابل مع عافية الدنيا والآخرة خيرٌ كثير».(1)
وعنه يرفعه، قال: «بينا عيسى علیه السّلام في أصحابه، إذ مرّ به رجل، فقال عيسى: هذا ميّت أو يموت. فلم يلبثوا أن رجع عليهم وعلى رأسه حزمة حطب ، فقالوا: يا روح الله، أخبرتنا إنّه ميّت وهو ذا نراه حيّاً؟
فقال عيسى علیه السّلام: ضع حزمتك، فوضعها، ففتحها وإذا فيها أسود قد ألقم حجراً، فقال عيسى علیه السّلام: أيّ شيء عملت اليوم؟
قال: كان معي قرصان، فمرّ بي سائل فأعطيته إحداهما».(2)
وعن الرضا علیه السّلام، قال: «كان عیسی يضحك ويبكي، وكان يحيى يبكي ولا يضحك، وكان الذي يصنع عيسى علیه السّلام الأفضل».(3)
ص: 158
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
[1] قوله: (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أَي يشركون.
[2] قوله: (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وأَجَلَّ مُسَمّى عِندَهُ)؛ عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «الأجل(1) المقضيّ هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه؛ والمسمّى هو الذي فيه البداء،(2) يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء».(3)
قوله: (ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ) أَي: تشركون.(4)
[20] قوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)... الآية، أي: يعرفون رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، لأنّ صفته مكتوبة فى التوراة والإنجيل.(5)
[24] قوله: (وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أَي: بطل.(6)
ص: 159
[26] وقوله: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أَي: عن شهرة(1) الكفر وهم لا ينتهون.(2)
[33] قوله: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ). قال الصادق علیه السّلام: «والله لقد كذّبوه أشد التكذيب، وإنّما نزل: (لا يَكْذِبُونَكَ)(3)، أي لا يأتون بحقّ يبطلون به حقّك».(4)
[65] قوله: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ). قال: «يبعث الله (عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِن فَوْقِكُمْ): السلطان الجائر (أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ): السفلة، ومن لا خير فيه». (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) قال: «العصبية». (وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ) قال: «سوء الجوار».(5)
أقول: ويحتمل أن يريد الحروب التي وقعت بين المسلمين.
[45] قوله: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) عن فضيل بن عياض، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «من رأى المنكر ولم ينكره وهو يقدر عليه، فقد أحبّ أن یُعصى الله [اختياراً، ومن أحبّ أن يُعصى الله](6) فقد بارز الله بالعداوة، ومن أحبّ بقاء الظالمين [فقد أحبّ أن يُعصى الله، إنَّ الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين](7) فقال: (فَقُطِعَ دَابِرُ)... الآية».(8)
أقول: ويؤيّده ما روي عن النبي صَلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «من دعا لظالم بطول البقاء، فقد أحبّ أن يُعصى الله في أرضه».(9)
ص: 160
[59] وقوله: ﴿وَما تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلّا يَعلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الأَرضِ وَلا رَطبٍ وَلا يابِسٍ إِلّا في كِتابٍ مُبينٍ﴾، قال: «الورقة: السقط، والحبة: الولد، وظلمات الأرض: الأرحام، والرطب: ما يبقى ويحيى، واليابس: ما تغيض [الأرحام](1)، وكلّ ذلك في كتاب مبين».(2)
[93] قوله: ﴿اليَومَ تُجزَونَ عَذابَ الهونِ﴾، قال: «العطش».(3)
[71] قوله: ﴿كَالَّذي اسْتَهْوَتهُ الشَّياطينُ في الأَرضِ﴾، أي خدعته في الأرض، فهو «حَيْران».(4) (5)
[75] قوله: ﴿وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالأَرضِ﴾، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كشط له عن الأرض حتى رآها ومن عليها، وعن السماء حتى رآها ومن فيها، والملك الذي يحملها، والعرش ومن عليه».(6)
[76 - 78] قوله: ﴿فَلَمّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَأى كَوكَباً﴾ إلى قوله: ﴿وَما أَنا مِنَ المُشرِكينَ﴾، قال: «هذا لمّا خرج من الغار، وكان من خبره: أنّ أباه آزر كان منجّماً لنمرود بن كنعان(7)، فقال له: إني أرى في حساب النجوم أنّه يجيء في هذا الزمان رجلٌ(8) ينسخ هذا الدين».
ص: 161
ويدعو إلى دينٍ آخر، فقال نمرود: في أيّ بلادٍ يكون؟ قال آزر: في هذه البلاد، فقال نمرود: ويُلد؟ قال آزر: لا. قال: ينبغي أن نُفرِّق بين الرجال والنساء. ففرّق بينهم.
وحملت أمّ إبراهيم بإبراهيم عليه السلام ولم يُبيَّن(1) حملها، فلمّا حانت ولادتها قالت لآزر: إنّي عليلة، وأُريد أن أعتزل عنك. وكانت المرأة إذا اعتلّت اعتزلت عن زوجها، فخرجت واعتزلت في غار، ووضعت إبراهيم عليه السّلام فقمّطته، ورجعت إلى منزلها، وسدّت باب الغار بالحجارة، فأجرى الله لإبراهيم عليه السلام لبنًا من إبهامه، وكان نمرود يَقتلُ كلَّ ولدٍ ذَكر. فما زال إبراهيم عليه السّلام في الغار، وكان يشِبُّ كلَّ يومٍ كما يَشِبُّ غيره في الشَّهر، حتّى أتى له ثلاثَ عشرةَ سنة.
فلمّا أتى له ثلاثَ عشرةَ سنة زارته أمُّه، فلمّا أرادت أن تُفارقه تشبَّث بها، فقال: [يا أمّي، أَخرجيني](2) فقالت: يا بني، إنّ الملك إن علم أنّك وُلِدتَ [في هذا الزمان](3) قتلك. فلمّا خرجت أمّه [خرج](4) من الغار، وقد غابت الشمس، نظر إلى الزُّهرة(5) في السماء، فقال: هذا ربّي. فلمّا غابت، قال: لو كان هذا ربّي ما تحرّك وما برح. ثمّ قال: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾، والآفل: الذي يغيب. فلمّا كاف⁶ بعد ذلك طلع القمر، فقال: هذا ربّي، هذا أحسن. فلمّا تحرّك وزال قال: ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾. فلمّا أصبح وطلعت الشمس، وملأت الدنيا ضوءها، قال: هذا ربّي، هذا أكبر. فلمّا تحرّكت وزالت قال: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾(6)... الآية.(7)
أقول: فيه نظر؛ لأنّ هذا يَلزِم منه أن يكون إبراهيم مشركًا، ولو قال واحدًا ممّا كان كافية.(8) ولكن هذا قاله لقومه على سبيل الفرض والتقدير، حتّى يتبيّن لهم ضلاله.(9) وهذه طريقة أصحاب النظر معروفة، وهي من أشرَف طرائق علم الجَدَل، مانعًا.
ص: 162
وَهَمَّهُم أنَّهُ مِنهُم حتّى لا(1) يَتَّهِموهُ ولا يُكذِّبوا كلامه.
وأيضًا؛ فآزَر لم يَكن أبا إبراهيم؛ للعلم بأنّ أباه كان اسمه «تارخ»؛ بإجماع أهل البيت، ولكن هذا قيل: أنّه عَمُّه، وقيل: خالُه، وقيل: مُربّيه.(2)
وكشط له عن السماوات حتّى رأى العَرش وما فوقه، ونظر إلى مَلَكوت السماوات والأرض، قال العالِم: «لمّا رأى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض، الْتَفَتَ فرأى رجلًا يَزني فدعا عليه فمات، ثمّ رأى آخر فدعا عليه فمات، حتّى دعا على ثلاثة فماتوا، فأوحى الله عزّ ذكره إليه: يا إبراهيم! دَعوتُكَ مُجابَة، فلا تَدعُ على عبادي؛ فإنّي لو شِئتُ لم أخلُقهم».(3)
[82] قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾، أي صَدَقوا ولم يَنقُضوا.(4)
[93] قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سَرح، وكان أخا عثمان من الرَّضاعة، فأسلم وقدم المدينة، وكان له خطٌّ حَسَن، فكان رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم إذا نزل الوحي عليه يدعوه ليَكتبَ ما أُنزِل عليه، فكان إذا قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ يَكتب: بما تَعملون بصير. وإذا قال: سَميع عَلِيمٌ يَكتب: سَميع بصير. وكان رسول الله صَلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: هو واحد. فارتدّ كافرًا ورجع إلى مكّة، فقال [لقريش](5): والله ما يَدرِي محمّد ما يقول، أنا أقول مثل ما يقول فلا يُنكِر عليّ ذلك، [فأنا أَنزِل مثل ما أنزل الله].(6) فنزلت الآية فيه.
أقول:...(7) إنّه قال: ما ذكر الله: أحسن الخالقين، قال: اكتُبها، فإنّها من القرآن، وقال الذي قال.
[95] قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾، يعني بفَلْقِه، فيخرج منه الغَرس والزَّرع.
ص: 163
﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾: المؤمن من الكافر، ﴿وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾: الكافر من المؤمن.(1)
[98] قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾، قال: من آدم ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾، قال: «المستقر: الإيمان الذي يَثْبُت في القلب إلى الموت، والمستودع: هو المسلوب منه الإيمان».(2)
[97] قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا﴾، قال: «[النجوم](3): آل محمّد عليهم السّلام».(4)
[100] قوله: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾، قال: «عبدوا الجنّ، (وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ)، أي موَّهوا وتخرّفوا(5)، [فقال الله عزّ وجلّ ردًّا عليهم](6): ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، يعني: مُخترعها.(7)
[103] قوله: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾، أي: لا تُحيط به.(8)
[136] قوله: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ﴾... الآية، فإنّ العرب كانوا إذا زرعوا زرعًا قالوا: هذا لله، وهذا لآلهتنا. وكانوا إذا سَقَوه فخرق(1) الماء من الذي لله إلى الذي للأصنام لم يسدّوه، وقالوا: الله أغنى، وإذا خرق شيء من الذي للأصنام إلى الذي لله سدّوه».(2)
[138] قوله: ﴿حِجْرٌ﴾، قال: «الحجر: المُحرَّم، كانوا يُحرّمونها على قوم».(3)
[139] وقوله: ﴿وقالوا ما في بطون هذه الأنعام﴾... الآية، كانوا يُحرِّمون الجنين الذي يخرجونه من بطون الأنعام على النساء، وإذا سقط ميتًا تأكله الرجال والنساء.(4)
[141] قوله: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، قال: «الضِّغث من السُّنبل والكَفُّ من التمر إذا خُرِص». قال: وسألته: هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله بيته؟ قال: «لا، هو أسخى لنفسه قبل أن يُدخِله بيته».
وعنه، عن أحمد البرقي، عن سعد بن سعد، عن الرضا عليه السلام قال: قلت: فإن لم يحضر المساكين وهو يحصد، كيف يصنع؟ قال: «ليس عليه شيء».(5)
وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ﴾، قال: «البساتين».(6)
وقوله: ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾.
وقوله: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾، قال: «يوم حصاده، وكذا نزلت».(7) قال: «فَرَضَ الله يوم الحصاد من كلّ قطعة أرض قَبضة للمساكين، وكذا في جِذاذ النخل، وفي التمر،(8)
ص: 165
وكذا عند البذر».(1)
أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن شعيب العقرقوفي، قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن قوله: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه) قال: «[الضغث من السنبل و ](2) الكف من التمر إذا خرص](3) ».(4)
[142] قوله: ﴿وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً)، قال: «الحمولة: الإبل، والفرش وبرها». (5)
[143 - 144] قوله: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ... الآية، قال العالم: «البهائم ضربان؛ أنعام وغير أنعام، فالأنعام في هذه الثمانية المذكورة بقوله: ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ)، عنى الأهلي والجبلي ﴿وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ)، عنى الأهلي والوحشي ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ أَثْنَيْنِ): الأهلي والوحشي (وَمِنَ الإِبِلِ أَثْنَيْنِ): البخاتي والعراب».(6)
[145] وقد احتج قوم بهذه الآية: ﴿قُل لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزير)... الآية، فقالوا: ليس شيء محرماً غير هذه، وأحلوا القردة والكلاب والذئاب والأسد والبغال والحمير وكل دابة، وغلطوا؛ فإنّما هذه الآية ردّ على ما أحلّت العرب وحرّمت ».(7)
أقول: قوله : والبغال والحمير فيه نظر؛ لأنّ الحمير والبغال يجوز أكل لحمها.
[146] قوله: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا)... الآية، يعني: اليهود، حرم الله عليهم لحوم الطير، وحرّم عليهم الشحوم إلا ما كان على ظهور الغنم أو فى جنبه خارجاً من البطن.(8)
ص: 166
[151] قوله: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِنْ إِمْلاقٍ﴾... الآية، قال: «كانوا يَقتُلونهم من الجوع».
وقوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْساناً﴾(1)، قال: «الوالدان رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السّلام».
[153] قوله: ﴿وَأَنَّ هذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾، قال الباقر عليه السلام: «[الصراط المستقيم:](2) طريق الإمام».(3)
[157] قوله: ﴿يَصْدِفُونَ﴾، أي: يَكذبون.(4)
[161] قوله: ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾، «الحَنيفيّة [هي العشرة](5) التي جاء بها إبراهيم عليه السّلام التي لم تُنسَخ إلى يوم القيامة».(6)
[165] قوله: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾، يعني: في القَدَرِ والمال.(7)
ص: 167
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[1] قوله: ﴿المص﴾، وهو مقطّع، وهو من اسم الله الأعظم.(1)
\[11] وقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ يعني: في أصلاب الرجال ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ يعني: في الأرحام، وخلق ابن مريم وصوّره في الرحم دون الصلب [وإن كان مخلوقاً في أصلاب الأنبياء]،(2) ورفع وعليه مدرعة من صوف.(3)
\[20] قوله: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا﴾... الآية، يعني: تبقيا في الجنّة أبداً، إن أكلتما من الشجرة. ﴿وَقَاسَمَهُمَا﴾، أي: حَلَفَ لهما.(4)
\[24] قوله: ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾، أي: إلى يوم القيامة.(5)
\[26] وقوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾، قال: «اللّباس: هو الثياب، والرياش: ما يُراش منه».⁷(6)
أقول: وقيل: الرياش: المال؛ وقيل: ما ظهر من اللّباس والثّراء؛ وقيل: هو الخصب والمعاش؛ وقيل: الرياش: الأكل والشرب؛ وقيل: الرياش: المال المستفاد. ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ يعني: ثِيابُ البَيَاض.
ص: 168
[29] وقوله: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾، قال: «في العيدين».(1)
وفي حديث آخر: «المشط عند كلّ صلاة».(2)
\[33] قوله: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ﴾، قال: «فما بطن: أئمّة الجَور، و﴿الإِثْمَ﴾: الخمر».(3)
\[37] قوله: ﴿أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ﴾... الآية، قال: «من العذاب الذي في الكتاب».(4)
\[40] قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾... الآية، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «نزلت في طلحة والزّبير، والجمل: جَملُهم».(5)
\[43] قوله: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾، قال: «العداوة [يُنزَع منهم، أي من المؤمنين في الجنّة](6)».(7)
\[44] قوله: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾، قال: «المؤذّن أمير المؤمنين صلوات الله عليه».(8)
\[46 – 48] قوله: ﴿وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾، عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: «الأعراف: كِثبان بين الجنّة والنّار، والرجال: الأئمّة صلوات الله عليهم، يقفون على الأعراف مع شيعتهم، وقد سبق المؤمنون إلى الجنّة بلا حساب، فيقول الأئمّة لشيعتهم من أصحاب الذنوب: انظروا إلى إخوانكم في الجنّة قد سِيقوا إليها بغير حساب» [وهو قولُه تبارك وتعالى]
ص: 169
﴿وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾](1) ثمّ يقولون لهم: انظروا إلى أعدائكم في النار، وهو قوله: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾].(2) ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ﴾ يعني الأئمّة ﴿رِجَالًا﴾ في النار ﴿يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ﴾، ﴿قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾.(3)
[49] ثم يقولون لمن في النار من أعدائهم: ﴿أَهَٰؤُلَاءِ﴾ شيعتي وإخواني الذين كنتم أنتم تحلفون في الدنيا ﴿لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾(4). ثمّ](5) ﴿يقول الإمام لشيعته: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾.(6)
[50] قوله: ﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾، يعني الطعام.(7)
[51] قوله: ﴿فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا﴾، أي: نتركهم، وهذا النسيان - هنا -: الترك.(8)
[112] قوله: ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِر(9)10. أورد القمّي في تفسير الآيات (10–63) من سورة الشعراء، رقم (26) ما نصّه: «عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: ... وكان فرعون وهامان قد تعلّما السحر، وإنّما غلبا الناس بالسحر، وادّعى فرعون الربوبية بالسحر، فلمّا أصبح بعث في المدائن حاشرين، مدائن مصر كلّها».
الرصاص، ثمّ طلع رأسها، وفتحت فاها، ووضعت شدقها الأسفل على الأرض، وشدقها الأعلى على رأس قبة فرعون، وكان طولها في السماء ثمانين ذراعًا، ثمّ دارت، وابتلعت عصي السحرة وحبالها وابتلعته كلّه، وانهزم الناس، فُروي أنه قُتل في الهزيمة من وطء الناس بعضهم بعضًا عشرةَ ألف إنسان، ودارت الحيّة على قبة فرعون، وفزع منها موسى، ومرّ مع الناس في الهزيمة، فنودي: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ﴾(1)، فرجع، ولفّ على يده عباءة كانت عليه، ثمّ أدخل يده في فيها، فإذا هي عصاً كما كانت.
وروي: أنّ فرعون فزع فزعًا شديدًا حتى أحدث في ثيابه، وكذلك هامان، وشاب رأسهما من الفزع في الحال.
أقول: فيه نظر؛ فإنّ هذه القصّة لما رجع من عند شعيب في أوّل النبوّة.(2)
[131] قوله: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾، قال: «الحسنة - هاهنا -: الصحّة والسلامة، والأمن والسعة». ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾، يعني: بالسيئة - هاهنا -: المرض والخوف والغلاء. ﴿يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ﴾، أي: يتشاءموا به».(3)
[133 – 134] قوله: ﴿وَالْقُمَّلَ﴾، قال: «إنّه أوّل ما خلق الله القمل في ذلك الزمان، فذهبت زروعهم وأصابهم المجاعة».
قوله: ﴿وَالدَّمَ﴾، «حوّل الله تعالى ماء النيل دمًا، فكان القبطي يراه دمًا، والإسرائيلي يراه ماءَ.
ثمّ أرسل الله عليهم ﴿الرِّجْزَ﴾، وهو الثّلج، ولم يروه قبل ذلك، فخلّى حينئذٍ فرعون عن بني إسرائيل.
فلمّا خلّى عنهم اجتمعوا إلى موسى عليه السّلام، وخرج موسى من مصر، واجتمع إليه من كان هرب من فرعون، وخرج إليهم فرعون، وقدّم مقدّمة في ستمائة ألف، وخرج هو في ألف ألف.(4)
ص: 171
[143] قوله: ﴿وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾... الآية، رُوي: أنّه رفع الله الحجاب، ونظر إلى الجبل، ونزلت الملائكة، فأوحى الله إلى الملائكة: «احفظوا موسى لا يهرب»، فأحاطوا به وقالوا: اثبت(1) يا بن عمران، فقد سألت الله عظيمًا، وفتحت أبواب السماء، ونظر موسى إلى الجبل، قد ساخ، فوقع على وجهه، ومات من خشية الله وهول ما رأى،(2) ثم ردّ الله إليه روحه، فساخ الجبل في البحر، فهو يَهوى فيه حتى الساعة.(3)
أقول: «ساخ»، على قراءة من قرأه ﴿دكًّا﴾، وأما من قرأه: ﴿دكّاء﴾، أي قبل الذلّة، أي الخسّة.(4)
[155] وقوله: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾... الآية، كان موسى علیه السّلام، أخبر بني إسرائيل أنّ الله قد كلّمه، فلم يصدقوه، فقال لهم: فاختاروا منكم من يجيء معي حتى يسمع كلامه.فاختاروا سبعين رجلاً من خيارهم، فذهبوا مع موسى إلى الميقات، فدنا موسى علیه السّلام فناجى ربه، فكلّمه الله، فقال موسى علیه السّلام لأصحابه: اسمعوا واشهدوا.
فقالوا: لا نفعل، سله أن يُظهر لنا.
فبعث الله عليهم صاعقة، فاحترقوا، وهو قوله: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾(5)... الآية. (6)
أقول: «الصاعقة»: الصوت الشديد، يعني غُشي عليهم، وبقوا مثل الموتى.(7)
[157] قوله: ﴿الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾، يعني: محمّدًا صلى الله عليه وآله.
ص: 172
أقول: إنما سُمّي محمّد أُمّيّاً؛ لأنّه كان لا يكتب، ولا يقرأ. وقيل: الأميّ، منسوب إلى «أُمّه» في عدم العلم....(1)
قوله: ﴿اصْرِفْهُمْ﴾، أي: «تَحَمَّلْهُم».(2)
قوله: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ﴾... الآية، يعني: أمير المؤمنين عليه السلام.(3)
قوله: ﴿النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾، يعني: من أُمّ القُرى مكّة.
[160] قوله: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾، أي: ميّزناهم.(4)
[163] ﴿وَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾... الآية، كانت قرية بني إسرائيل قريبة من البحر، وكان الماء يخرج من المدّ والجزر، فيدخل أنهارهم وزروعهم، ويخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زرعهم،(5) وكان قد حرّم الله عليهم الصيد يوم السبت، فوضعوا الشباك في الأنهار ليلة الأحد يصيدون بها(6) السمك،(7) فمسخوا قردة وخنازير».(8)
[172] قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ﴾... الآية، قال الصادق عليه السّلام: إنّ الله...
ص: 173
أخذ الميثاق على الناسِ اللهُ بالربوبيّة، ولرسولهِ بالنبوّة، ولأمير المؤمنينَ بالولاية، وللأئمّةِ بالإمامة، فقال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾، ومحمّد نبيّكم، وعليٌّ إمامكم، والأئمّةُ الهادون أولياؤكم؟ فقالوا: (بلى)، منهم من أقرّ باللسان، ومنهم من صدّق بالقلب، فأصابهم في الذّرّ من الحسدِ ما أصابهم في الدنيا، ومن أقرّ بلسانه فقط لم يؤمن في الدنيا».(1)
أقول: هذا الكلام مجاز؛ وهو عبارة...(2) أنَّ من كان مستعملاً في علم الله أن يكون مؤمناً، كان مؤمناً... كان منافقاً... كان من العلم لا يؤثّر في المعلوم.
[175] وأمّا قوله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا﴾... الآية، نزلت في بَلْعَم بن ناعُور(3) الإِسرائيليّ، وكان الله آتاه الاسم الأعظم الذي إذا دُعيَ به أُجيب، فمال إلى فرعون. [فلمّا مرّ فرعون](4) في طلب موسى عليه السّلام وأصحابه، قال فرعون لبَلعَم: ادعُ الله أن يُحبس علينا موسى وأصحابه، فركب أتاناً له، فامتنعت عليه ولم تَمشِ، فضربها، فقالت: ويلك، على ما تضربني؟ [أَتريد](5) أن أجيءَ معك لتدعو على نبيّ الله وقوم مؤمنين؟! فضربها حتى ماتت، فلا يدخل الجنّة غيرها من البهائم، وانسلخ الاسم منه وغرق مع فرعون.(6)
أقول: فيه نظر؛ فإنّ البهائم لا تَكليف لها حتى تدخل الجنة أو النار...(7) الخلودُ لدار الدنيا وشهواتها بعد ما رفع الله القلم...(8)
[182] وقوله: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾، قال: «تجديد النّعم عند المعاصي».(9)
ص: 174
[189] قوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾... الآية، رُوي أنّه «لمّا حملت حوّاء، تحرّك وَلَدُها في بطنها، ففزعت من ذلك، فجاء إبليس، فقال: إنّ الذي في بطنك كلب أو خنزير أو ذئب، فإن أنتِ أطعتِني صار بشراً سوياً مثلكم، فقالت: ما الذي تأمر في هذا؟ فقال: إن وَلَدَتْ بشراً سوياً فسمّيه: عبد الحارث،(1) فقالت: نعم، وسمّته عبد الحارث».(2)
[199] قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ منسوخةٌ بقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾.(3).».(4)
أقول: المنسوخ: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾.(5)
ص: 175
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
[1] قوله: ﴿الْأَنْفَالُ﴾، قال الصادق عليه السلام: «القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول»، وقال: «ما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من أرض(1) خربة لم يُوجَف(2) عليها بخيلٍ ولا رِكابٍ،(3) وكلّ أرضٍ لا ربّ لها والمعادن فيها».
وعن محمد الحلبي، قال: سألته عن قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾، فقال: «من مات وليس له مولى، فماله من الأنفال».
ورُوي: «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في غزاة بدر عبّأ أصحابه، وكان في عسكره صلّى الله عليه وآله وسلّم فرسان: فرس للزبير، وفرس للمقداد، وكان في عسكره سبعون جملاً يتعاقبون عليها، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين علیه السّلام ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون على جمل لمرثد، وكان في عسكر قريش أربع مائة فرس، وقيل: مائتان، فجاء المقداد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، خذ فرسي على أنّي فارس، وفارس خيرٌ من عشرة رجال، ولا أقدر أن أُقاتل راجلاً، فقال: «اركب فرسك وقاتل».
وقال لأصحابه: «غُضّوا أبصاركم، ولا تبدأوهم بالقتال، ولا يتكلّمن أحد».
فلمّا نظرت قريش إلى قلّة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال أبو جهل: ما هم عندنا إلّا أكَلةُ رأس، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد.
ص: 176
فقال عتبة بن ربيعة: أترى لهم كميناً ومَدَداً؟ فبعثوا عُمير بن وَهب الجمحي، وكان فارساً شجاعاً، فجال بفرسه حتّى طاف على عسكر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ صعد الوادي وصوّت، ثمّ رجع إلى قريش، فقال: ما لهم كمينٌ ولا مَدد، ولكن نَواضِح(1) يثرب قد حملت الموت الناقع، أما ترَونَهم خُرْساً لا يتكلمون، يَتَلمظون تلمظ الأفاعي، ما لهم ملجأ إلاّ سُيوفُهم، وما أراهم يولّون حتى يُقتَلوا، ولا يُقتَلون حتى يَقتُلوا بعددهم، فارتأوا رأيكم. فقال أبو جهل: كذبتَ وجبنتَ وانتفخَ سِحرك(2) حين نظرتَ إلى سيوف يثرب.
وفزع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين نظروا إلى كثرة قريش وقوّتهم، فأنزل الله على رسوله: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾(3)، وقد علم الله أنّهم لا يَجنَحون ولا يُجيبون إلى السلم، وإنّما أراد سبحانه بذلك تَطييبَ قلوب أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى قريش، فقال: «يا معشر قريش، ما أحد من العرب أبغض إليّ من أن أبدأكم،(4) فَخَلُّوني والعرب، فإن أكنْ صادقاً فأنتم على عيني، وإن أكنْ كاذباً كَفَتْكم ذُؤبان العرب أمري، فارجعوا».
فقال عتبة: والله، ما رَدَّ هذا قَطُّ قومٌ فأفلحوا، ارجعوا إلى مكّة، فإن محمّداً له إلَّ(5) وذِمّة، وهو ابن عمّكم، فارجعوا ولا تردّوا رأيي، وإنّما تطالبون محمّداً بالعِير التي أخذوها بِنَخْلة، ودم ابن الحضرمي(6)، وهو حليفي وعَليَّ عَقلُه.
فلمّا سمع أبو جهل ذلك غاضَه، وقال: يا عتبة، نظرتَ إلى سيوف بني عبد المطلب، فَجَبُنْتَ وانتفخ سِحرك.
فقال عتبة: يا مُصَفِّرَ أُسْتِه، أَ مِثْلي يَجبُن؟ ستَعلم قريش اليوم أَيُّنا أَلْأَمُ وأَجْبَنُ، وأيُّنا المُفْسِدُ لقومِه. فنظر عتبة إلى أخيه شيبة، فقال: قُم يا شيبة، ونظر إلى ابنه الوليد، فقال:
ص: 177
قم ياوليد [فقام، ثمّ لبس درعه، وطلبواله بيضة تسع رأسه، فلم يجدوها لعظم هامته، فاعتجر(1) بعمامتين، ثمّ أخذ سيفه وتقدّم هو وأخوه وابنه، ونادى: يا محمّد، أخرج إلينا أَكفّاءنا من قريش.](2) فبرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار: عوذ(3) ومعوذ وعوف بنو عفراء، فقال عتبة: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو عفراء [أنصار الله وأنصار رسوله. فقال: ارجعوا، فإنّا لسنا إياكم نريد، إنما نريد الأكفاء من قريش].(4) وقالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، فبعث إليهم رسول الله: أن ارجعوا، فرجعوا، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان له سبعون سنة، فقال له: «قم يا عبيدة». فقام بين يديه بالسيف، ثمّ نظر إلى حمزة بن عبد المطلب، فقال: «قم يا عمّ»، ثمّ نظر إلى عليّ علیه السّلام، فقال: «قم يا علي»، وكان أصغر القوم [فقاموا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بسيوفهم](5) وقال: «فاطلبوا بحقّكم الذي جعله الله لكم»، ثمّ قال العبيدة: «عليك بعتبة»، وقال لحمزة: «عليك بشيبة»، وقال لعليّ علیه السّلام: «عليك بالوليد». فحمل عبيدة على عتبة، فضربه على رأسه ضربة فلق بها رأسه، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنّها(6) وسقطا جميعاً. فحمل حمزة على شيبة [فتضاربا بالسيفين حتى انثلمًا (7)، وكل واحد يتقي بدرقته](8) وحمل أمير المؤمنين علیه السّلام على الوليد بن عتبة، فضربه على جَبل عاتقه، فأخرج السيف من إبطه. قال علی علیه السّلام: فأخذ يمينه المقطوعة بيساره فضرب بها هامتي، فظننت أنَّ السماء وقعت عليّ على الأرض.
ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا عليّ، أما ترى الكلب قد أَبْهَرَ(9) عمك؟ فحمل عليه عليّ علیه السّلام، [ثمّ قال: «يا عمّ طأطئ رأسك»، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدره] (10)فضربه أمير المؤمنين عليه السّلام على رأسه، فأطنّ نصفه، ثمّ جاء إلى
ص: 178
عتبة وبه رمق فأجهز عليه. وحمل عبيدة بين حمزة وعلي حتى أتيا به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنظر إليه، فاستعبر، فقال: يا رسول الله، ألستُ شهيداً؟ قال: «أنت أوّل شهيد من أهل بيتي».
فقال: أمَا لو كان عمّك حيّاً لعلم أنّي أولى بما قال منه،[قال: «وأيّ أعمامي تريد؟»](1) قال: أبا طالب](2) حيث يقول:
كذبتم وبيتِ الله يُبزى(3) محمّد***ولمّا نُطاعن دونه ونُناضل
ونسلمه حتى نُصرّع حوله***ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أمَا ترى ابنه كاللَّيث العادي بين يدي الله ورسوله، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة».
فقال: يا رسول الله، أتسخط عليّ في هذه الحالة.
فقال: «ما سَخِطتُ عليك، ولكن ذكرتُ عمّي فانقبضتُ لذلك».
وجاءهم إبليس لعنه الله في صورة سراقة، فقال لهم: أنا جارٌ لكم، ادفعوا إليّ رايتكم. فدفعوها إليه، وجاء بشياطينه يُهَوِّلُ بهم على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويخيّل إليهم ويُفزعهم.(4)
ورفع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يده إلى السماء، فقال: «يا ربّ، إن تُهلِك هذه العصابة لم تُعبد، وإن شئتَ أن لا تُعبد لا تُعبد». ثم أصابه الغشي، فسرى عنه وهو يَسلِت(5) العرق عن وجهه، ويقول: «هذا جبرئيل قد أتاكم في ألفٍ من الملائكة مُردفين».
ونظر إبليس إلى جبرئيل علیه السّلام، فتراجع ورمى باللواء، فأخذ منبه بن الحجاج بمجامع ثوبه، وقال: ويلك، يا سراقة، تَفُتُّ في أعضاد الناس؟ فركله، وقال: إنّي أرى ما لا ترون، إنّي أخاف الله، وهو قوله تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.(6)
ص: 179
وكان فتيةٌ من قريشٍ قد أسلموا بمكّة، فاحتبسهم آباؤهم، فخرجوا معهم إلى بدرٍ وهم على الشكِّ والارتيابِ والنفاقِ، منهم: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه، والحارث بن ربيعة، وعلي بن أُميّة بن خلف، والعاص بن المُنَبِّه بن الحجّاج. فلمّا نظروا إلى قِلّة أصحابِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قالوا: مساكينُ هؤلاءِ، غَرَّهم دينُهم، يُقتَلون الساعةَ. فأنزلَ اللهُ فيهم: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ﴾(1) … الآيات.
وحملَ جبرئيلُ على إبليس، فطلبه حتى غاصَ في البحر، وقال: ربِّ، أنجزْ لي ما وَعدتَني من البقاء إلى يوم الدين.
ثمّ أخذَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كفّاً من حَصى، ورمى به في وجوه قريش، وقال: «شاهَتِ الوجوه»، فبعثَ اللهُ رِياحاً، فضربتْ وجوههم، فكانتِ الهزيمة.
فَقُتِلَ منهم سبعون، وأُسِرَ منهم سبعون.
والتقى عمرو بن الجموح(2) مع أبي جهل، فضربَ عمرو أبا جهلَ على فَخِذه،(3) وضرب أبو جهلٍ عمراً على يده، فأبانَها من العضد.
قال عبدُ الله بن مسعود: انتهيتُ إلى أبي جهلٍ وهو يَتَشَحَّطُ في دمِه، فاقتَلعتُ بيضةً كانت على رأسه فقتلته، وأخذتُ رأسه، وجئتُ به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فسجدَ اللهَ شُكراً.
وأُسِرَ العبّاس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب، وقيل: أسرهما أبو بَشَر الأنصاري، فلمّا أُتيَ بهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال له: «هل أعانَك عليهما أحد؟» قال: نعم، رجلٌ عليه ثيابٌ بيضٌ. فقالَ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ذلك من الملائكة».
قال العبّاس: جعلتُ أنظر إليه وهو يقودنا، وأنظر إلى عقيل، فأضحك وأعجب منه، فيلتفت إلينا فيقول: ما تقولان؟ فتمتلئُ قلوبنا منه رُعباً. فنقول: لا شيء.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للعبّاس: «أَفْدِ نَفْسَكَ وابنَ أخيك».
فقال: يا رسولَ الله، قد كنتُ مُسلماً، ولكنّ القومَ استكرهوني.
ص: 180
فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «الله أعلمُ بإسلامِك، إنْ يَكُنْ ما ذكرتَ حقّاً فإنَّ اللهَ يجزيكَ بإسلامِك خيراً، وأمّا ظاهرُ أمرِكَ فقد كنتَ علينا».
وكان العبّاسُ معهُ عشرون أوقيّةً ذهباً، فأخذها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فقال: يا رسولَ الله، احسِبْها من فدائي.
فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا، ذاكَ شيءٌ أعطانَا اللهُ مِنك، فافْدِ نفسَك وابنَ أخيك».
فقال العبّاس: فليس لي مالٌ غيرُ الذي ذهبَ مِنّي.
فقال: «بلى، المالُ الذي خَلَّفْتَهُ عند أمِّ الفضلِ بمكّة، فقلتَ لها: إنْ حدَثَ عليَّ حادِثٌ فاقسِمُوه بينكم».
فقال العبّاس: تتركني(1) وأنا أسألُ الناسَ بِكَفِّي؟
فأنزلَ اللهُ في العبّاسِ وعقيلٍ ونوفلِ بنِ الحارث: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى﴾(2) … الآية، ثمّ قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للعبّاس: «إنكم خاصمتمُ اللهَ، فخصَمَكم».
ثمّ قال لعقيل: يا أبا يَزيد، قد قتلَ اللهُ أبا جهلِ بن هشام، وعتبةَ بن ربيعة، وشيبةَ بن ربيعة، ومُنبِّهَ ونُبيْهَ ابني الحَجّاج، ونوفلَ بن خُوَيْلد، وأسرَ سُهَيْلَ بن عمرو، والنَّضرَ بن الحارث بن كَلَدة، وعُقبةَ بن أبي مُعَيْط، وفلان وفلان».
فقال عقيل: إذن لا تُنازِعونَ(3) في تهامة، فإن كنتَ قد أثخنتَ القومَ وإلّا فاركَبْ أكتافَهم. فتبسَّم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من قولِه.
وأمرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالقتلى، فأُلقُوا في قليبٍ، ثمّ وقفَ عليهم، وقال: «يا مَعشرَ قريش، إنّا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً؟».
فقال أصحابُه: أَتُكَلِّمُ الموتى؟
قال: «لو أُذِنَ لهم في الكلامِ لقالوا: بلى، قد وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقّاً».
وكانت حربُ بدرٍ يومَ الجمعة، لسبع عشرة مضين من رمضان، والمشهورُ أنّها كانت لسبعَ عشرةَ بَقِينَ من رمضان.
ص: 181
وجمعوا الأَسارى، وقرَّنوهم في الحبال، وسيقوا على أقدامهم مكتّفين مُقَرَّنين في الحبال(1)، وجمعوا الغنائم...،(2) وجمعوا ما في عسكر قريش من السلاح والكُراع، ودفن من قُتل من أصحاب رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهم تسعةُ رجال.
أقول: وقيل: هم أربعةَ عشرَ رجلاً، ستّةٌ من الأنصار، والباقون من المهاجرين، منهم: سعدُ بنُ خيثمةَ الأوسي، وهو من النقباء الاثني عشر.
وكانت القتلى ببدرٍ سبعينَ قتيلاً، قَتَلَ أميرُ المؤمنين عليه السّلام منهم سبعةً وعشرين قتيل، وقيل: النصف، وهو المشهور.
وحملَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عُبيدةَ بن الحارث وبه رَمَقٌ إلى الصفراء.
ونظرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى عُقبةَ بن أبي مُعَيْطٍ، والنضرِ بن الحارثِ بن كَلَدة، وهما في قَرَنٍ واحدٍ، فقال النضرُ لعُقبة: إنّا مقتولان. قال عقبة: من بين قريش؟! قال: نعم، لأنّ محمّداً قد نظر إلينا نظرةً رأيتُ فيها القتل. فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا عليّ، على بالنّضر وعقبه».وكان النّضرُ رجلاً جميلاً، عليه شعرٌ، فجاء عليّ علیه السّلام، فأخذ بشعره، فجرّه إلى رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال النضر: يا محمّد، أسألك بالرحمِ الذي بيني وبينك، ألا تُجِيرني كرجلٍ من قريش؟! إن قتلتَهم قتلتَني، وإن فاديتَهم فاديتَني، وإن أطلقتَهم أطلقتَني.فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا رحمَ بيني وبينك، قطعَ اللهُ الرَّحِمَ بالإسلام، قدِّمه يا عليّ، فاضرب عنقه». فقدّمه، فضرب عنقه.
فقال: «قدِّم عُقبة». فقال عُقبة: يا محمّد، أَلَمْ تَقُلْ: لا تُصْبَرُ قريش! أي: لا يُقتلون صبراً. قال: «أ فأنت من قريش؟! [إنما أنت عَلَجٌ من أهل صَفُورِيَّة(3)، لأنّك في الميلادِ أكبرُ من أبيك الذي تُدعى(4) إليه](5)،قال: من للصبيّة؟ قال: «النار».(6)
ص: 182
ثمّ قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «حنَّ قدحٌ ليس منها»(1)، وهذا مثل كانت العربُ إذا شكّوا في نسبِ رجلٍ ضربوا القداح؛ فإنَّ خرجَ منهم أثبتوه، وإن لم يخرجْ منهم قالوا: حنّ قدحٌ ليس منها.
فلمّا فتحَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم مكةَ كان يطوفُ بالبيت، فجاءت أختُ النضر(2)، فأخذت بثوبِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنشأت تقول:
يا راكباً إنّ الأثيلَ مَظِنّةٌ***من صبحِ خامسةٍ وأنتَ موفَّقُ
أبلغْ بها ميتاً بأنَّ(3) تحیّة***ما إن تزالُ(4) بها الركائبُ تخفُقُ
مني إليه وعَبرةٌ مَسفُوحةٌ(5)***جادتْ بواكفِها(6) وأخرى تخنُقُ
هل يسمعنَّ(7) النضرُ إن ناديتُه***أم كيف يسمعُ ميتٌ أو ينطُقُ
ظلَّتْ سيوفُ بني أبيه تنوشُه***لله أرحامٌ هناك تمزّقُ
قسراً يُقادُ إلى المنيّةِ متعباً***رسفَ(8) المُقيَّدُ وهو عانٍ موثَقُ
أ محمّدٌ، وأنتَ نَجْلٌ نُجَّبُ***في قومِها والفحلُ فحلٌ مُعْرِقٌ
ما كان ضرَّك لو مننتَ وربّما***مِنَ الفتى، وهو المغيطُ المُحنقُ
فالنضرُ أقربُ مَن أسرتَ(9) قرابةً***وأحقُّهم إن كان عتقٌ يُعتقُ(10)
لو كنتَ قابلَ فديةٍ لفديتُه***بأعزِّ ما يُفدى به من يُعتَقُ
فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ما قتلتُه حتى أمرني ربّي(11) بقتله».
فلمّا قتلَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم النضرَ وعُقبة، خافَ الأنصارُ أن يقتلَ الأسارى كلّهم، فقاموا...
ص: 183
إليه، فقالوا: يا رسولَ الله، قتلْنا سبعين، وأسرْنا سبعين، وهم قومُكَ وأسرَتُكَ،(1) هَبْهم لنا يا رسولَ الله، وخُذْ منهم الفِداء. فنزل عليه: ﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ...﴾(2) الآية.(3)
أقول: وأهل السُّنَّة يقولون: إنَّ أبا بكرٍ هو الذي أشارَ بالفِداء، وعمر هو الذي أشار بالقتل(4)، وسياقُ الكلامِ يدلُّ على صِحَّةِ ما في الكتاب.
فأطلقَ لهم ذلك، وشرطَ عليهم أن يأخذَ منهم الفِداء، ويُطلقَهم على أن يُستشهَدَ منهم في القابل بعدد مَن أخذوا منهم الفِداء، فرضوا بذلك، فلمّا كان يومُ أُحدٍ قُتِلَ منهم سبعون، فجزعوا وقالوا: ما هذا الذي أصابَنا؟ فأنزل الله: ﴿أَوَلَمَّا أَصابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِثْلَيها﴾(5)... الآية، وكان أكبرُ الفداء أربعةَ آلاف درهم، وأقلُّه ألفُ درهم».(6)
وبعثت زينبُ بنتُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في فداءِ زوجها أبي العاص بن الربيع قلادةً لها، كانت خديجةُ رضي الله عنها جهّزَتْها بها حين أدخلتْها عليه بمكّة. فلمّا رآها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله و سلّم قال: «رحمَ اللهُ خديجة، هذه قلادتُها هي جهّزَتْها بها»، ثمّ قال: «يا معشرَ المهاجرين والأنصار، هَبوا لزينب زوجها، ورُدُّوا إليها قلادتَها». فقالوا: قد فعلْنا يا رسولَ الله، وأنت أولى بذلك، فأطلقه، وقال: «إطلاقُك بشرط أن تبعثَ إلىّ زينب، ولا تمنعَها اللحاقَ بي، فعاهَدَه على ذلك(7) [وقد كان قيل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : كيف تَثِقُ بضمان كافر؟ فقال رسول الله: إنّه ليفي](8) لقد صاهرَنا أبو العاص، وحمدْنا مصاهرتَه، ولقد كان يَجيئُنا بالبعيرِ(9) في جَوف الليل ونحن محاصَرون في الشِّعب، فيهتف بها حتى تَدخلَ الشِّعب، ثمّ يتركه ويَنصرف، [فكنّا نأخذُ ذلك الحملَ الذي على البعير فنفرِّقه على جماعة من بني هاشم](10) ورَدَّ عليه ما بعثتْ به زينب، ورجع على دينه إلى قريش.
ص: 184
أقول: وقال ابنُ أبي الحديد: إنَّه أسلمَ بعد ستّ سنينَ من أسرهِ(1)، وقال أيضاً: قرأتُ على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي رحمه الله هذا الخبر، فقال: أترى أبا بكرٍ وعمرَ لم يشهدا هذا المشهدَ(2) لمّا جاءت فاطمةُ الزهراءُ تدّعي أنَّ أباها وهبَ لها فدك،(3) وأقامت بيّنةً بذلك، فحَجَبَها ورَدَّها وكَرَّبَها؟ أمّا كان يَقتضي التكريمَ والإحسانَ أن يُطيّبَ قلبَ فاطمةَ بفدك، ويَستَوهِبَ لها من المسلمين؟ أتَقْصُرُ منزلتُها عندَ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن منزلةِ زينبَ أختِها، وهي سيّدةُ نساءِ العالمين؟(4)
والتحقيق: أنَّ هذا الرَّدَّ كانَ على الله، حيثُ يقول: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ ...﴾(5) الآية، وتكذيبٌ له.
ورُوي أنَّ قريشاً بعثتْه في عيرِها بعد بدرٍ، فأرسل رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قوماً أَخَذوا العيرَ وأسروا أبا العاص، وأدخلوه المدينة، فبعث إلى زينب، فاستغاث بها، فلمّا صلّى رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلاةَ الفجر(6) أخرجت زينبُ رأسَها من حُجرتها، وقالت: يا معاشرَ المسلمين، إنّي قد أجرتُ أبا العاص بن الربيع، فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «قد سمعتم ما سمعنا؟» قالوا: نعم. قال رسولُ الله: «ما علمتُ ولا أمرتُ به، وقد أَجَرْنا من أَجَارَتْ، ولا تُجِيروا بعده امرأة».فلمّا قدم أبو العاص على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، خلّى سبيله ولم يَعرضْ لما كانَ معه من عير قريش، ثمّ قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ما تستحي؟! قد أُسرتَ مرتين، وأنت مُقيمٌ على الكُفر؟»، فقال أبو العاص: يا رسولَ الله، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسولُ الله، ثم قال: إنّ...
ص: 185
معي بضائع لقريش، فاستأذن لي أن أردّها، فأذن له، فردّها.(1)
وجاء وَهْب بن عمير(2)- وكان مشركاً(3)- إلى المدينة ليَقتل رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فعرّفه الله خبر عمير،(4) فأخذه، وقال له: جِئتنا لكذا وكذا، فأقرّ،(5) ثمّ قال: ادعُ الله أن يُحوِّل ما كنتُ فيه من عداوتك حبّاً. فقال: «اللَّهُمّ حوِّل ما فيه من عداوته حبّاً، اللَّهُمّ ثبّته، اللَّهُمّ ثبّته».(6)
[63] قوله: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ يعني: بين الأوس والخزرج، وما كان بينهم من العداوة والحروب.(7)
[27] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾، نزلت في أبي لُبابة بن عبد المنذر،(8) حين وجّهه رسولُ الله إلى بني قريظة، فقالوا: يا أبا لُبابة، ما ترى، ننزل على حكم محمد؟ فقال لهم: انزلوا، واعلموا أنه الذبح. وأشار بيده إلى حلقه. ثم ندم وقال: خُنتُ اللهَ ورسولَه، ونزل من عندهم، وجاء إلى رسول الله، وشدّ في عنقه حبلاً، وشدّه إلى الأسطوانة التي تُسمّى «أسطوانة التوبة»، حتى تاب الله عليه. وإنما كان هذا لما رجع النبي من غزاة الخندق، وغزا بني قريظة في سنة خمس من الهجرة. وكُتبت هذه الآية في خبر غزاة بدر، وغزاة بدر كانت على رأس سنة عشر شهراً من الهجرة، وتمام خبر أبي لُبابة كُتبت في سورة التوبة، في قوله: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾(9)... الآية. حيث نزلت في أبي لُبابة. وسورة التوبة نزلت في آخر النبوة، في سنة تسع. فخبره...
ص: 186
أبي لبابة كان في حرب الخندق والأحزاب، وكان يجب أن يُكتب خبره في سورة الأحزاب، فقد كُتب نصفه في سورة الأنفال في أخبار بدر، ونصفه في سورة براءة مع ما أُنزل الله في آخر النبوّة، فهذا دليل(1) على أن التأليف على خلاف ما أُنزل الله.(2)
[30] قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾، كان سبب نزولها: أنه لما كان الأوس والخزرج بمكّة، جاءهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال لهم: «تمنعون لي جانبيّ حتّى أتلوا عليكم كتاب الله، وثوابكم على الله الجنّة؟»
فقالوا: نعم.
فقال لهم: «موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق».
فحجّوا ورجعوا إلى منى(3)، فلمّا اجتمعوا، قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما قال أوّلاً، فقال سعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن حرام: نعم، يا رسول الله، اشترط لربّك ولنفسك ما شئت.
فقال: «أمّا ما اشترط لربّي فأن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وما أشترط لنفسي أن تمنعوني ما(4) تمنعون أنفسكم، وتمنعوا أهلي ممّا تمنعون أهليكم وأولادكم».
فقالوا: فما لنا على ذلك؟
قال: «الجنّة، وتملكون بها العرب، وتدين لكم العجم في الدنيا، وتكونون ملوكاً في الجنّة».
فقالوا: رضينا.
فقال: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً، يشهدون عليكم بذلك، كما أخذ موسى [من بني إسرائيل](5) اثني عشر نقيباً]».
فقالوا: اختر من شئت. فأشار جبرئيل إليهم، فقال: هذا نقيب، وهذا نقيب، حتFى عدّ تسعة من الخزرج، وهم: سعد بن زرارة، والبراء بن معرور، وعبد الله بن حرام - أبو...
ص: 187
جابر، ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة، [والمنذر بن عمرو، وعبد الله بن رواحة](1) وسعد بن الربيع، وعبادة بن الصامت. ومن الأوس ثلاثة، وهم: أبو الهيثم بن التيهان، وأسيد بن حضير(2)، وسعد بن خيثمة.
فلمّا اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، صاح إبليس: يا معشر قريش والعرب، هذا محمّد والصبأة من الأوس والخزرج على جمرة العقبة، يبايعونه على حربكم. فأسمع أهل منى، فهاجت(3) قريش، فأقبلوا بالسلاح، وسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم النداء، فقال للأنصار: «تفرّقوا».
فقالوا: يا رسول الله، إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لم أُؤمر بذلك».
فقالوا: أَتخرج معنا؟
قال: «أنتظر أمر ربّي».
فجاءت قريش وقد أخذوا السلاح، فخرج حمزة وعليّ عليهما السّلام ومعهما السلاح، فلمّا نظرت قريش إليهما، قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم عليه؟
فقال حمزة: ما اجتمعنا، وما هاهنا أحد، والله لا يجوز هذه العقبة أحدٌ إلا ضربته بسيفي.
فرجعوا، واجتمعوا في دار الندوة، وكان لا يدخل في دار الندوة إلّا من قد أتى عليه أربعون سنة فصاعداً، فدخل أربعون رجلاً من أشراف قريش، فجاءهم إبليس في صورة شيخ كبير،(4) فقال له البّواب: من أنت؟
فقال: شيخ من نجد، لا تعدمون مني رأياً صائباً،(5) فأدخل.
ص: 188
[فلمّا أخذوا مجلسهم](1) قال أبو جهل: إنّ محمّدًا شتّت جمعنا(2)، وسفّه أحلامنا، وأفسد شباننا، وفرّق جماعتنا، وزعم أنّ من مضى من أسلافنا في النار، وقد رأيت أن ندسّ إليه رجلاً ليقتله، فإن طلبت بنو هاشم بدمه(3) أعطيناهم عشر ديات.
قال إبليس: هذا رأيٌ خبيث، لأنّ قاتل محمد مقتول لا محالة.(4)
قال آخر: نحيسه في بيت، ونلقي إليه فَتوة، وتنتظر به ربّ المَنون.
فقال إبليس: هذا أضعف من الأوّل، لأنّ بني هاشم لا ترضى بذلك.
قال آخر: لا، ولكن نخرجه من بلادنا.
قال إبليس: هذا أخبث [من الرأيين المتقدّمين](5)؛ جئت تعملون إلى أن يصبح النّاس وجهًا، وأن تُفصحوا لسانًا، وأفصحهم لهجة [فاحملوه إلى بوادي العرب](6) فيخدعهم بسحره ولسانه، فلا یفجأكم(7) إلّا وقد ملأها عليكم خيلًا ورجالًا.
فبقوا حیاری، فقال إبلیس: الرأي أن يُنتخب من كلّ بطن من بطون قريش رجل، ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذ كلّ واحد سكّينًا أو سيفًا، فيدخلون عليه فيضربونه كلّهم ضربة واحدة، حتّى يتفرّق دمه في قريش كلّها، فلا تستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه، وقد شاركوا فيه.
فقالوا: الرأي رأي الشيخ النجدي.
ونزل جبرئيل عليه السّلام على رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فأخبره بذلك،(8) وكان معهم من بني هاشم أبو طالب، والعبّاس، وحمزة، وجعفر.
ص: 189
لهب، فقال أبو لهب: لا أَدَعَكُم أن تدخلوا عليه ليلاً، فإنَّ في الدار نساءً وأطفالاً، ولا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة في ظلمة الليل، ولكن نحرُسه [اللَّيلة](1)، فإذا أصبحْنا دخلْنا عليه. فناموا حول حجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً أن ينام على فراشه، فنام على فراشه والتحف ببُردته.
وجاء جبرئيل علیه السّلام فأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخرجه [على قريش وهم نيام](2)، وهو يقرأ عليهم: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾(3)...الآية، ومضى. وقال له جبرئيل: خذ ناحية ثور – وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور. فمرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتلقّاه(4) أبو بكر في الطريق، فأخذ بيده ومَرَّ به، فلمّا انتهى إلى ثور ودخل الغار.
فلمّا أصبحت قريش وأضاء الصبح وثبوا في الحُجرة، وقصدوا الفراش، فوثب عليّ في وجوههم، وقال: ما شأنكم؟
فقالوا: أين محمّد؟
قال: خرج عنكم، ألستم قلتم: أخرج عنا؟
فأقبلوا عليه(5) يضربونه، وقالوا: أنت كنت تُخادعنا منذ الليلة.
أقول: في ضربه نظر؛ فإنّهم هابوه وخرجوا، ولم يقل أحد من المفسّرين الشيعة والسنّة: إنّهم ضربوه، بل قال بعضهم: إنّه حمل عليهم حتّى أخرجهم. والله أعلم.(6)
وتفرّقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خُزاعة يُقال له: أباكرز، يَقْفُو الآثار، فقالوا: يا أبا كرز، اليوم اليوم! فوقف بهم على باب الحُجرة، وقال: هذه قدم محمّد، فما زال يمرّبهم على طريق ثور حتّى أوقفهم على(7)موضع، فقال: هذه قدم ابن أبي قحافة، فما زال يمر حتّى وضعهم(8) على باب الغار، وقال: ما جاز أحد هذا.
ص: 190
المكان(1) وبعث الله العنكبوت، فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس، فوقف على باب الغار، فجعل يقول: ليس هنا أحد، أطلبوه في هذه الشعاب.(2)
فبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الغار ذلك اليوم ومن الغد، فلمّا كان اليوم الثالث بالعشيّ، أذن الله له صلّى الله عليه وآله وسلّم في الهجرة، فهاجر إلى المدينة.(3)
[65 - 66] قوله: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ...﴾ الآية، منسوخٌ بقوله: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ ...﴾ الآية(4).،(5) .(6)
[72] [قوله:](7) ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ...﴾ الآية، نزلت في الأعراب، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا إلى المدينة، على أنّه إن احتاج إليهم في الحرب دعاهم، وليس لهم في الغنيمة نصيب.(8)
أقول: في هذا الحكم نظر، وكذلك أنكره ابن إدريس رحمه الله (9) :فإنّ الغنيمة تُقسم في المقاتلة إجماعاً.
ص: 191
[75] ثمّ قال: ﴿وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾،(1) ناسخة لقوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾(2)»(3)
ص: 192
[1] ﴿بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ ...﴾ الآية، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: نزلت من حين رجوع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من [غزوة تبوك في سنة تسعٍ(1) من الهجرة. قال: - وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا](2) فتح مكّة لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السنة، وكان يحجّ المسلمون والمشركون، وكان من سنّة العرب في الحجّ أنّه من طاف بالبيت في ثيابه لم يحلّ له إمساكها، ووجبت عليه الصدقة بها. فكانوا إذا قدموا مكة استعاروا ثياباً من الحُمس،(3) فطافوا، فإذا فرغوا أعادوها إلى أصحابها، ومن لم يكن له إلا ثوبٌ واحد ولم يجد من يعيره طافَ عُرْياناً.
فجاءت امرأة من العرب وسيمةٌ جميلة، فطلبت ثوباً عاريةً أو كِراءً فلم تجده، [فقالوا لها: إن طفتِ في ثيابكِ احتجتِ أن تتصدّقي بها.
فقالت: وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها؟!](4) فطافت عُريانةً، وأشرف عليها الناس ينظرون إليها، فوضعت إحدى يديها على قُبُلِها والأخرى على دُبُرِها، وقالت شعراً(5):
اليوم يبدو بعضه أو كلّه***فما بدا منه فلا أُحِلّهُ
[فلمّا فرغت من الطواف خطبها جماعة، فقالت: إنّ لي زوجاً](6)
وكانت سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل نزول سورة براءة أن لا يُحارب إلا من حاربه أو أعان
ص: 193
عليه عدوّه، لقوله: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ﴾(1) ... الآية، حتى نزلت عليه براءة، فأمره الله بقتال المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله، إلّا من كان قد عاهدهم إلى مدّة، أو قوماً كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أَجَلَهم في الإسلام يوم فتح مكّة، منهم: صفوان بن أميّة، وسهيل بن عمرو، وأجّل الله المشركين الذين حضروا الموسم في تلك السنة أربعة أشهر من يوم النحر، حتى يرجعوا إلى منازلهم ومحالّهم. فلمّا نزلت ﴿بَراءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ ... الآيات من أوّل براءة، دفعها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أبي بكر، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على الناس بمنى في يوم النحر، فلمّا خرج نزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا محمّد، لا يُؤدّي عنك إلّا رجل منك. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمير المؤمنين عليه السّلام، فلحق أبا بكر بالروحاء(2)، فأخذ منه الآيات، فرجع أبو بكر، وقال: أنزل الله فيّ شيء؟ قال: إنّ الله أمرني أن لا يُؤدّي عني إلا رجلٌ منّي(3).
فوافى بها أمير المؤمنين عليه السّلام، وقام في الناس في منى(4)، وقال: يا أيّها الناس، إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمرني عن الله تعالى: أن لا يطوف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشركٌ بعد هذا العام، وقرأ (5)عليهم صدر براءة».(6)
[3] وقوله: ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾، قال الصادق عليه السّلام: «هو يوم النحر». فقيل له: إنّ ابن عبّاس يقول: إنّه يوم عرفة، فقال: «لو كان يوم عرفة، لكان يكون أربعة أشهر إلا يوماً».(7)
[1] قوله: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، قال زين العابدين عليه السّلام: «الأذان: أمير المؤمنين علیه السّلام».(8)
ص: 194
وقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «كنت أنا الأذان في الناس».(1)
وسُئل عن ﴿الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾، فقال: «إنّما سُمّي الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السنة».(2)
[4 - 6] قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ ... الآية، يعني: صفوان بن أميّة وسهيل بن عمرو، وكان بين بكر وخزاعة دماء في الجاهليّة، وكانت بكر تطلب خزاعة، وخزاعة تطلب بكرًا. فلمّا كانت غزوة الحديبية وقع الصلح بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين قريش، فصارت خزاعة في عقد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وصارت بنو بكر في عقد قريش وعهدها، فيما بغوا من سفك الدماء.
ثمّ إنّ الأسود بن زنيم الهُذلي هجا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فسمعه غلام من خزاعة فشجّه، فرجع الأسود إلى بني دئل، فدخلوا مكّة، واستنفروا قريشًا، وحدثوهم الخبر، فخرجوا معهم بالسلاح حتى وافَوا خزاعة على ماء يُقال له: الوتير، وخزاعة غارّون،(3) فوضعوا فيهم السيف، فانهزمت خزاعة، وقد كانوا دخلوا في الإسلام، فما زالوا يُقاتلوهم حتّى أدخلوهم الحرم. فدخلت خزاعة دار زيد بن ورقاء الخزاعي، كان مسكنه بمكّة، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد رأى في منامه: أنّ أحدًا قد انقطع فرقتين، فوقع أحد فرقتيه على شَحِيمَة - وشَحيمة جبل بالمدينة - وكانّ كلباً منزوع الأنياب دخل المدينة يعوم في سككها، ثمّ خرج، وكانّ جرادة خرجت من المدينة، وكانّ جرابٌ فيه دمًا.
فقالوا: يا رسول الله، وما تأويل ذلك؟
قال: «أمّا انقطاع أحُد، فهي الهُدنة التي بيننا وبين قريش، يُحدثون حدثًا يقطع الهُدنة التي بيننا وبينهم.
وأمّا وقوع أحد فرقتيه على شحيمة، فيُسمح الله إليّ أمري فيهم.
وأمّا الكلب المنزوع الأنياب، فهو أبو سفيان؛ يريد أن يُخادعنا، ويُخرجَه الله من
ص: 195
المدينة، وكان أبو سفيان بعد وقوع ما وقع بين خُزاعة وبين بنو بكر وقريش، جاء إلى المدينة ليُجدِّد عهدًا عند رسول الله، فلم يقبل منه.
وأمّا الجراد، فكيدُه ضعيف.
وأمّا الدماء، فيكون بيننا وبين قريش دماء قليلة».
فلمّا كان في ذلك اليوم، بعد أن صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العصر، وافى عمرو بن سالم الخزاعي، وقد عدا على قدميه في خمسة أيّام، فدخل المسجد، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد صلّى بالناس العصر، فوقف على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال:
ياربّ إنّي ناشدت محمدًا***حلف أبينا وأبيه الأتلدا
إنّا ولدناك فكنت ولدًا***ثمّت أسلمنا ولم ننزع يدا
إنّ قريشًا أخلفوك الموعدا***ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
وزعموا أن لست تدعو أحدًا***وهم أذلّ وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هُجّدا***وقتلونا ركعاً وسُجّدا
فانصر هداك الله نصراً أيدًا***وادع عباد الله يأتوا(1) مددا
فيهم رسول الله قد تجرّدًا***أبيض كالبدر يُسمّى صَعدا
في فيلقٍ كالصبح يجري مزبدًا***إن سيم خسفًا وجهه تریّدا(2)
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «هذا عِيانٌ(3) من السماء يَحثّني على نَصري، لا نصرني الله إن لم أنصركم»، ثمّ رفع يديه وقال: «اللّهم أخفِ الأخبار والعيون عن قريش، حتّى نُبيّتهم في دارها». وذهبت قريش إلى عيال حاطب أن تكتب إلينا بخبر محمّد: هل يريدنا؟ فكتبوا الكتاب، ودفعوه إلى امرأة يُقال لها: سارة، فدخلت المدينة، وكتب إليهم حاطب: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد عزم على أن يَغزوكم، وجعله في قُرونها(4) وخرجت، فنزل جبرئيل علیه السّلام
ص: 196
على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأخبره، فبعث أمير المؤمنين علیه السّلام والزبير في طلبها، فلحقاها،(1) فأخذا الكتاب منها، وردّاها إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «يا حاطب، ما هذا؟»
قال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، والله ما غيّرت ولا بدّلت ولا نافقت، ولكن أهلي وعيالي كتبوا إليّ [بحسن صُنع قريش إليهم](2) فأحببت أن أُداري قريشاً لحسن جِوارهم لهم. فقال عمر: يا رسول الله، مُرني أضرب عنقه فقد نافق. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «وما علمك؟» فنزل جبرئيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بسورة الممتحنة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾(3)... السورة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا حاطب، استغفر الله»، ولم يَغمز عليه في نِفاق.
ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رسله إلى قبائل العرب، ومن كان قد دخل في الإسلام من مُزينة وجهينة وأسلم وسُليم وغِفّار، ومن كان حول المدينة من قبائل العرب، واستنفرهم، وأظهر أنّه يريد هَوازِن؛ وذلك أنّ مالك بن عوف النضري قد كان جمع الجُموع وأراد أن يغزو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأظهر أنّه يريد هوازن، فخرج من المدينة، وعقد اللواء الأكبر، ودفع لواء المهاجرين إلى عليّ عليه السّلام.
ودفع لواء الخزرج إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء الأوس إلى أبي الهيثم بن التيهان، وضرب عسكره بذي الحُليفة، وأقبلت الأمداد تَأتيه من العرب، فدفع إلى كلّ رئيس قوم رايته.
وسار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجعل على المقدّمة بني سليم، وعلى الميمنة سعد بن عبادة، وعلى الميسرة أبا الهيثم، وضمّ إلى كلّ رئيس قوماً من قبائل العرب، وجعل على السّاقة: أبا ذر الغفاري رضی الله عنه، وكان هو على القلب، مع سَراة المهاجرين والأنصار، وعليّ عليه السّلام بين يديه، ومعه الراية العظمى.
ص: 197
وسار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلمّا بلغ الروحاء استقبله العبّاس بن عبد المطلب، فقال:يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أين تُريد؟ قال: «إلى حيث يشاء الله». قال: لعلّك تريد مكّة ويقضي الله لك أن تفتحها، فلا يكون لي هجرة؛ فإنّك قلتَ: لا هجرة بعد الفتح؟
قال: «أنت خاتمة الهجرة، فابعث ثِقلك إلى المدينة وارجع»، فرجع معه.
وكانت أُمّ سلمة زوج النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم معه، فوافاها أخوها عبد الله(1)، فلمّا رآه رسول الله أعرض عنه. فقال: يا رسول الله، قد آمنتُ بك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله. فلم يُجبه بشيء، وأقبل عليه المسلمون يسبّونه. فقالت أُمّ سلمة: يا رسول الله، قبلتَ إسلام الناس ورددتَ إسلام أخي؟ فقال: «إنّ أخاك كذبني تكذيباً لم يُكذّبني أحد من الناس»، فقال: ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا﴾ ... الآيات(2)».
فقالت أم سلمة: بأبي أنت وأُمّي، يا رسول الله، ألم تقل: إنّ الإسلام يجبّ ما قبله؟
قال: «بلى». فقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إسلامه.(3)
فلمّا كان في المنزل الثاني، وافاه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ومعه أبناء جعفر وعليّ،(4) وكان أبو سفيان شديد العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والهجاء له وكان يقول: لو أسلمت قريش كلّها، ما أسلمتُ. فلمّا رآه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أعرض عنه، فقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنا أبو سفيان بن الحارث ابن أبيك وأُمّك، فلا تردّ إسلامي، فإنّك إن رددتَ إسلامي أخذتُ ابنيّ هذين، وألقيتُ نفسي معهما في البحر. فلم يُجبه، فشكی ذلک للعبّاس، وقال: كلّمه في أمري، وسله أن يقبلني. فقال العبّاس: ليس لأحد أن يیردّ رأی رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فجاء أبو سفيان إلى أمير المؤمنين، وقال كما قال للعبّاس، فقال أمير المؤمنين: «أُعلّمك كلاماً تقوله له، لا يرضى لك إلا بجواب ذلك الكلام؟».
قال: وما هو؟ قال: «إذا ركب، فتعرّض له، ثمّ أشر إليه بيدك وقل: ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾5، فإنّه لا يرضى لك إلا بجواب هذا».
ص: 198
فقال أبو سفيان ذلك، فوقف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقفة، وقال الكلام واستعبر، ثمّ قال: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾(1)، فأقبل الناس يهنّئونه بالمغفرة. فسار أبو سفيان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فلمّا كان يوم حنين لم يثبت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحد غيره، هو والعبّاس، هذا عن يمينه، وهذا عن يساره.
أقول: في هذا الإطلاق تَسامُح؛ فإنّ الذين ثبتوا معه كانوا تسعة أنفس، ثمانية من بني هاشم؛ منهم: أمير المؤمنين، مُقدام الكل، يذبّ عن الكل، وأيمن بن أُمّ أيمن، وقُتل في ذلك اليوم.
وكان العبّاس إذا نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلداً، ركب بغلة رسول الله [فلمّا نزل رسول الله مرّ الظهران(2)، وقد غُمّت الأخبار(3) عن قريش، فلا يأتيهم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خبر، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتجسّسون الأخبار. وقد قال العبّاس للبيد: يا سوء صباح قريش! والله لئن بَغَتها(4) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بلادها، فدخل مكّة عُنوة، إنّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.
فخرج العبّاس، وقد ركب بغلة رسول الله وأقبل يُلقي إلى قريش خبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فقال: لعلّي ألقى خطيباً أو حشاشاً، فألقي إليه خبره، ثمّ سمع كلام أبي سفيان، فقال: يا سوء صباح قريش.
قال أبو سفيان: من هذا؟
قال: أنا العبّاس.
قال: يا أبا الفضل، ما الخبر؟
قال: هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أتاكم في «الدُهْم»، ومن لا قِبَلَ لكم به. ففزعوا، ودخلهم الرعب.وقال أبو سفيان: فما الحيلة؟(5)
ص: 199
قال: أما لك، فلا أجد لك حيلة إلا أن تردف خلفي، فآتي بك رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فآخذ لك أماناً. فارتدف خلفه، فأدخله العسكر، فكان يمرّ بنيران أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإذا نظروا إلى البغلة، قالوا: هذه بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهذا عمّه، حتّى مرّ بنار عمر بن الخطاب، فوثب إليه، فقال: كهف النفاق ورأس الأحزاب، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهدٍ ولا عقد، ثمّ عدا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وركض العباس، فوافقوا جميعاً باب قبّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال عمر: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، هذا أبو سفيان، رأس الأحزاب، قد أمكن الله منه بلا عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه.
فقال العبّاس: يا رسول الله، إنّي أتيتُ به بأمان، ثمّ قال لعمر: كفّ عنه، فإنّه رجل من بني عبد مناف، ولو كان من عُديّ ما قلتَ هذا.
وأدخل العباس أبا سفيان على رسول الله، وفرائصه ترعد، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا أبا سفيان، أسلم تسلم.
قال: يا محمّد، ما أحلمك، وما أكرمك، وما أجودك وأرقّك؟
قال: فأعادها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فقال: يا أبا سفيان، أسلم تسلم، فأعاد عليه أبو سفيان الكلام، فقال العبّاس: ويلك، إن قالها ثلاثاً فلم تسلم، ليضربنّ عنقك.
قال: إذن، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً رسول الله.
فقال رسول الله للعبّاس: خذه إليك، وليكن معك، وكانت قبّة العباس خلف قبّة رسول الله، فأقعده العبّاس في قبّته. فندم أبو سفيان على مجيئه، وقال في نفسه: ألا كنتُ جمعتُ جَمعاً من الأحابيش وكنانة، فألقاه بهم، فلعلي كنتُ ظفرتُ بهم.
فنزل جبرئيل علیه السّلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأخبره، فناداه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال: «إذًا كان الله يُخزيك يا أبا سفيان».
فقال أبو سفيان: قلتُ للعبّاس: أدخلني على ابن أخيك، فجاء العبّاس إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال: يا رسول الله، أتأذن لأبي سفيان أن يأتيك؟
قال: «نعم». فدخل عليه وقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد كان في النفس شيء، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّك رسول الله حقّاً.
ص: 200
فقال العبّاس: يا رسول الله، إنّ أبا سفيان رجلٌ شريف، فشرّفه.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
فقال أبو سفيان: وكم تسع داري؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن كفَّ يده فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن».
فقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فآتِ قومي فأعلِمْهم بذلك؟ قال: «نعم».
وأذّن بلال بالغداة، فسمع أبو سفيان الأذان(1) في العسكر، فزع، وقال: بداله فيما أعطى قومه؟ قال: لا، ولكنّهم يتهيّأون للصلاة.
فلمّا أقام بلال، أقبلوا يَبتدرون من كلّ ناحية، وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلمّا كَبّر ورفع يديه، كَبّر الناس ورفعوا أيديهم، فلمّا ركع ركعوا، ولمّا سجد سجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيتُ ملكاً أعظم من ملك ابن أخيك، ما فعل شيئاً إلا فعلوا مثله.
قال العبّاس: ويلك، ليس هذا ملكاً، إنّما هي النبوّة.
فلمّا انفتل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الصلاة، أراد أبو سفيان أن يمضي إلى مكّة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للعبّاس: «يا أبا الفضل، كُنْ معه، وأقعده على الثنيّة البيضاء حتى تمرّ به جنود الله». وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أصحابه بالركوب، وعبّأهم على ما كان عبّأهم. فلمّا مرّ عليه بنو سليم، قال للعبّاس: من هؤلاء؟
قال: بنو سليم.
فقال: ما لي ولبني سليم.
ثمّ مرّت به الكراديس، حتّى أقبلت الأنصار، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟
قال: هؤلاء الأنصار.
قال: ما أجد بهؤلاء طاقة، فمرّ به سعد بن عبادة، ومعه راية الخزرج، فقال: يا أبا سفيان،
اليوم يوم الملحمة***اليوم تُستحلّ الحُرمة.
فقال أبو سفيان: إنا لله وإنا إليه راجعون، أترى رسول الله بدا له؟
ص: 201
قال: لا أدري، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبين يديه أمير المؤمنين ومعه الراية العظمى، وأصحابه المهاجرون والأنصار حوله، فجاؤوا بهول عظيم. فلمّا دنا قال رسول الله قال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنّ سعد بن عبادة قال:
اليوم يوم الملحمة***اليوم تُستحلّ الحُرمة.
فقال: «ومن سمع هذا معك؟».
قال: عمّك العبّاس. و قال العبّاس: قد قالها يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى قيس، وقال: «الحقْ أباك وخذ الراية، واحبس الناس بذي طُوى» فلحق أباه وأخذ منه الراية، وقال: تكلّمتَ بكلامٍ قد سَخِطَه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.(1)
وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فعَبّى أصحابه، وأمر خالد بن الوليد – وكان على بعض خيل كنانة وخُزاعة – وقال: «ادخل أنت من المسفلة»، وقال لقيس: «اُدخل أنت من ذي طُوى» ودخل رسول الله من أذاخر، وهي عقبة المدنيّين، فوافى أبو سفيان مكّة، فنادى في شعابها: يا معشر قريش، هذا محمّدٌ، أبرّ الناس وأوصل الناس، مَن دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.
فقالت هند بنت أبي عُتبة لما سمعته: لعنك الله من قائد قوم! اقتلوا هذا الشيخ الضالّ.
وكان عكرمة، وصفوان، وسهيل، وحُويطب، ومكرز بن حفص بالخندمة، يحلفون: لا يدعون محمّداً یدخل ومنهم أحد باق، فأقبلوا يلعنون أبا سفيان، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعليّ بين يديه ومعه الراية العظمى، والزبير في المقدّمة، وكان أمير المؤمنين قد أَعْلَم(2) بعصابة بيضاء شدّها على رأسه، وألقى طرفيها على صدره، والزبير قد أعلَم بعصابة حمراء.
[أقول:](3)وكان الذين يُعلِمون في حروب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أربعة: عليّ، وحمزة، والزبير، وأبو دجانة سماك بن خُرَشة، وكان أبو دجانة يُعلِم بريش نعامة يشدّه برأسه، وحمزة بعصابة سوداء.
فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالأبطح، ومرّ عليّ عليه السلام إلى الخندمة، فلمّا رأوه دخلهم الرعب.
ص: 202
وهربوا، ونزلوا عن خيولهم، ورموا السلاح، وصعدوا الجبال، وقُتل جماعة منهم في الخندمة، وهرب عبد الله بن أبي ربيعة والحرث بن هشام، فدخلا على أمّ هانئ بنت أبي طالب، وكانت تحت هُبَيْرة بن وهب المخزومي، وكان الحارث وعبد الله ابني عمّ هبيرة، فاستجارا بها، فلمّا رجع عليّ من الخندمة، دخل على أخته أمّ هانئ مُتَقَنّعاً بالحديد، فلمّا رأته لم تعرفه، فقالت: أيّها الرجل، أنا بنت عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فكشف عليٌّ عن وجهه، فلمّا رأته عانقته وسرّت به، فنظر عليّ إلى عبد الله والحرث في بيتها، فسلّ سيفه عليهما، فحالت أمّ هانئ بينه وبينهما، وقالت: يا أخي، تُخفر جواري؟ إنّي قد أجرتهما، وألقت ثوبها عليهما، فخرج.(1)
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد نادى بمكّة: «من أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن، إلّا أصحاب الخندمة» وقال: «لا تقتلوا أحداً لا يريدكم، إلا عِكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، والحويرث بن قُرّة، ومُقَيِّض بن ضَبَابة، وعبد الرحمن بن خَطَل». وقال: «من وجد هؤلاء، ولو تحت أستار الكعبة، فليقتلهم». واستثنى من النساء سه ثلاثة: سارة و قينتين لعبد الله بن خطل، كانتا تُغَنّيان بهجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان حِزام أخو مُقَيِّض قد أسلم(2) هو وأخوه، فخرج أخوه في سريّة، فقتله رجلٌ خطأً لم يعرفه، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله مُقَيِّضاً الدية ثمّ اغتال مُقَيِّض قاتل أخيه، فقتله وارتدّ كافراً.
وأمّا ابن خَطَل، فأسلم، وبعثه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في سريّة، فقال لغلام له من الأنصار: اذبح هذا الكبش، واصنع لي طعاماً، فإذا انتبهت، تكون قد فرغت منه، ففعل الغلام، فضربه حتّى مات، وهرب وارتدّ.
وكان الحويرث بن قُرّة شديد الأذى لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والتكذيب له.وذنب ابن أبي سرح قد تقدّم.(3)
وأمّا عِكرمة، فهرب وركب البحر.
وأمّا مُقَيِّض بن ضَبَابة، فإنّه أقبل، وقد تحنّط ولبس أكفانه، فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم،فقال لعليّ: «اضرب عنقه».
ص: 203
وأمّا ابن خَطَل، فدخل تحت أستار الكعبة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أخرجوه، واضربوا عنقه»، فضُربت عنقه.
وقُتلت القَينَتان، وهربت سارة.
ودخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على راحلته المسجد، ونزل الصحابة، فمشوا بين يديه، وقد أحاط عامّةُ الخيل بالمسجد من النواحي كلّها، فلمّا دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على راحلته، وقف عند الحجر الأسود وكبّر، وكبّر أصحابه تكبيرةً عظيمة، ثمّ احتضن الحجر فقبّله، وطاف على راحلته سبعة أشواط وأصحابه يمشون معه، ثمّ نزل عند المقام، وصلّى ركعتين، ودعا عثمان بن طلحة، فقال: «هات المفتاح». فأتاه به فعثر وسقط المفتاح من يده، فستره بثوبه، وأخذ المفتاح وفتح الباب، ودخل، فرأى في البيت صُوَراً قد صُوِّرت في جدران الكعبة، فمحاها، ثمّ صلّى عند كلّ زاویه رکعتین، ثمّ خرج ووقف على باب الكعبة، وقریش کلّهم في المسجد، فأخذ بعضادتي الباب، فقال: «لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله العلي العظيم،
لا إله إلّا الله الرحمن الرحیم، لا إله إلّا الله العزیز الحکیم، لا إله إلّا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فله الملك، وله الحمد، ربّ العالمين».
ثمّ قال: «ألا یا معشر قریش! بئس جیران لی کنتم، خذلتموني، وکذّبتموني، وأخرجتموني من مکّة، وقاتلتموني، فماذا تقولون؟ وماذا تظنّون؟»، فقالوا: نقول خیراً، ونظنّ خیراً، أخ کریم وابن أخ کریم، وذو شرف قديم، وقد رأست، فَاصنع ما یشبِهُک.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «فإنّي أقول لکم كما قال أخي يوسف: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾(1) إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض، لم تحلّ لأحد قبلي، ولا تحلّ لأحد بعدي، ولم تحلّ لي إلّا ساعتي هذه». ثمّ قال: «ألا إنّ كلّ دم كان في الجاهلية، فإنّه موضوعٌ تحت قدميّ، وأوّل دم أضع: دمُ ربیعة بن الحرث بن عبد المطلب وكان قتلته هُذَیل، وكلّ مأثرةٍ كانت في الجاهلیة، فهي مردودة، إلّا سقایة الحاجّ وسدانة الكعبة، فإنّهما مردودتان إلى أهلیهما، والمؤمنون إخوة، تتكافأ دماؤهم، یسعى
ص: 204
بذمّتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم، ولا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ»، ثم نزل.(1)
أقول: اليوم المعمول عند الإماميّة: أنّهُما يُنكحان بإذن العمة والخالة.
وقعد للبيعة، فأقبل الرجال يبايعونه حتّى زالت الشمس، فصعد بلال الكعبة وأذّن، فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، لم يبق صنم في مكة إلا سقط لوجهه، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا طاف بالبيت، كان حول الكعبة ثلاث مئة وستون صنماً، بعضها مرصوصة بالرصاص، فلمّا طاف بالبيت، كان يُشير إلى صنمٍ صنمٍ فيقع لوجهه، وكان هُبل على الكعبة، وكان أعظم أصنامهم، فقال لعليّ عليه السّلام: «اصعد الكعبة وأرمِ به»، فصعد ورمى به إلى الأرض.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ».
فلمّا صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الظهر والعصر، قعد لبيعة النساء، فجاءت أُمّ حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت امرأةً عاقلة، فقالت: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، زوجي عكرمة آمنٌ؟ قال: «قد أمنتُه».
ودعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقدح من ماء، فأدخل يده فيه ثمّ قال للنساء: «أدخلن أيديكنّ في الماء، فإنّي لا أُصافح النساء»، فنزلت عليه هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾... الآية(2)، فقالت أُمّ حكيم: يا رسول الله، ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟
فقال: «لا تخمشنَ وجهاً، ولا تلطمْنَ خدّاً، ولا تنْتفْنَ شعراً، ولا تَخرقْنَ جيباً، ولا تسوِّدن ثوباً، ولا تدعون بويل، ولا تقُمْنَ عند قبر».
وكانت هند بنت عتبة حضرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أمر بقتلها، فلمّا سمعت قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ﴿وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾، قالت: أمّا الأولاد فقد رَبّيناهم صغاراً، وقتلناهم كباراً.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أأنتِ هند؟».
ص: 205
قالت: نعم، جئتُ عائذةً بك، فاعفُ عنّي.
قال: «عفوتُ عنكِ».
فقالت: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنّ أبا سفيان رجلٌ ضيّق، فربما أخذتُ من ماله شيئاً بغير إذنه، فأصلحتُ به أمر ولده؟
فقال: «لا حرج عليكِ».
وكان أبو ذرٍّ صديقاً لسهيل بن عمرو في الجاهلية، فأتى منزله، فكتم نفسه عنه، ثمّ دخل عليه وقال: ما يمنعك أن تدخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قال: أخافه. فأتى أبو ذرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله، سهيل بن عمرو؟
قال: «قد آمَنّاه، وأجّلناه في إسلامه».
فرجع وأخبره، فاستقرّ(1) سهيل. فلمّا نزلت سورة براءة وأُمر بقتل المشركين حيث وُجدوا، استُثني هؤلاء الذين أَجَّلهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
وقام(2) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالأبطح، فقيل له: يا رسول الله، ألا تنزل منزلك بشِعب عبد المطلب؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل منزلاً؟»، وكان عقيل لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهاجر، باع منازل رسول الله و أمير المؤمنين عليهما السّلام.
وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عتاب بن أسيد أن يُصلّي بالناس في المسجد الظهرين والعشاء الآخرة، وكان هو يصلّي بالناس المغرب والغداة.
فأقام بالأبطح خمسة عشر يوماً، فلمّا بلغه خبر هوازن واجتماعهم بذي المجاز، تهيّأ وأمر بالرحيل نحوهم.
[12] قوله: ﴿وَإِن نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾... الآیة، قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «ما قاتلتُ الفئة الناكثة إلّا بهذه الآية: ﴿وَإِن نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾...».(3)
ص: 206
قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته الزهراء: «والله لقد عَهِدَ إليَّ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غيرَ مرة، ولا اثنتين(1) ولا ثلاث، ولا أربع، فقال: «يا علي! إنّك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين»، فقاتلتهم، ولا يسعني إلّا قتالهم؛ لأنّهم كفروا بما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أفأُضَيِّع ما أمرني به رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأكفر(2) بعد إسلامي؟.
وعن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «سأل رجلٌ أبي عن حروب أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال: بعث الله محمّداً بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة لا تُغمَد إلى أن تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيومئذٍ ﴿لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾(3)، وسيفٌ منها ملفوف، وسيفٌ منها مغمود؛ سَلُّه إلى غيرنا وحكمُه إلينا.
فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة: فسيفٌ على مشركي العرب، قال الله تعالى: ﴿اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا﴾(4)، یعني: آمنوا ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾(5)، فهؤلاء لا يُقبَل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام، وأموالهم وذراريهم سَبْيٌ على ما سَبى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فإنّه سَبى وعفا وقَبِل الفداء صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والسيف الثاني: على أهل الذمّة، قال الله جلّ ثناؤه: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾(6) نزلت في أهل الذمّة، فنسخها قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾(7)، فمن كان منهم في دار الإسلام، فلن يُقبَل منهم إلّا الجزية أو القتل، وما لهم وذراريهم سَبْي؛ فإذا قبلوا الجزية حُرِّم علينا سَبْيُهم وأموالُهم، وحلّت مناكحتُهم، ولا يُقبَل منها إلّا الجزية أو القتل.
والسيف الثالث: على مشركي العجم، يعني: الترك والديلم والخَزَر، قال الله جلّ
ص: 207
ثناؤه في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا، فقصّ قصّتهم، فقال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ﴾(1)، يعني: بعد السبي منهم (وَ إِمّا فِداءَ)، یعنی: المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام، فهؤلاء لا يُقبل منهم إلّا القتل أو الدخول في الإسلام، ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب.
وأما السيف الملفوف(2): فسيفٌ على أهل البغي والتأويل، قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾، فلمّا نزلت هذه الآية، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ منكم من يُقاتل بعدي على التأويل كما قاتلتُ على التّنزيل، فسُئل صلّى الله عليه وآله وسلّم من هو؟ قال: هو خاصف النعل، يعني: أمير المؤمنين عليه السّلام.
وقال عمار بن ياسر: «قاتلتُ بهذه الراية مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثاً، وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هَجَر لعلمنا أنّا على الحقّ، وأنهم على الباطل فكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السّلام على ما كان من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في أهل مكّة يوم فتح مكّة، فإنّه لم يسب لهم ذريّة، فقال: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن». وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السّلام فيهم: «لا تسبّوا لهم ذريّة، ولا تُجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبراً، ومن أغلق بابه فهو آمن.
وأمّا السيف المغمود: فالسيف الذي يُقام به القصاص، قال الله تعالى: ﴿وَالنَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾(3)، فيسلّمه إلى أولياء المقتول(4) وحُكمه إلينا.
فهذه السيوف بعث الله بها نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فمن جَحَدَها أو جحد واحداً منها أو شيئاً من سيرتها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم».(5)
[19] قوله: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾... الآية، عن الباقر عليه السّلام: «إنّها نزلت في عليّ عليه السلام
ص: 208
وحمزة والعبّاس وشيبة، فإنّهم فخروا بالسقاية والحجابة [و عمارة المسجد الحرام]، فأنزل الله الآية».(1)
وذلك أنّهم اختصموا، فقال شيبة لعليّ: «أنا أفضل، لأنّ حجابة البیت بیدی وعمارتُه، وقال العبّاس: أنا أفضل، لأنَّ سقاية الحاجّ بيدي، فقال عليّ عليه السّلام: «أنا أفضل، لأني آمنتُ بالله قبلكما وهاجرتُ وجاهدتُ. فقالوا: نرضى برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم [حَكَماً]، فصاروا إليه، وأخبروه بذلک [فنزلت] الآية».
[20] ثمّ وصفه، فقال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا﴾...الآية، نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام، ولفظها عامّ ومعناها خاصّ.
كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾(2)نزلت في حاطب بن أبي بلتعة.
ومثله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ﴾...الآیة(3).
ومثله في قصّة أبي لُبابة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾...الآیة(4).
[30] قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾...الآية، روي عن رسول الله، قال: «اشتدّ غضب الله على اليهود حيث قالوا: عزير ابن الله، واشتدّ غضب الله على النصارى حيث قالوا: المسيح ابن الله، واشتدّ غضب الله على من أراق دمي وآذاني في عترتي».(5)
[31] قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، قال الصادق عليه السّلام(6): «والله ما صاموا(7) ولا صلّوا، ولكن حلّّوالهم حلالاً وحرّموا حراماً فدانوهم به، وعبدوهم(8) من
ص: 209
حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ».(1)
أقول: فكلّ من كان يُضلّهم من المذاهب الزائغة، فهو مثلهم.
[34] وقوله: ﴿الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾... الآية، عني بذلك ما جاوز ألفي درهم.(2)
[36–37] قوله: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾... الآية، حرّم الله فيها القتال، فكان الناس يُحرّمونها ولا يقتلون فيها أحداً إلاّ قوماً من طيّ وخثعم، فإنّهم كانوا يُحلّونها ويُغيرون فيها، وكان المُلتمس(3) الكناني، واسمه: أميّة بن عوف(4)، يقف في الموسم، فيقول: قد أحللتُ دماء المُحلّين(5) من طيّ وخثعم في شهر(6) الله الحرام، ونسأته، وحرّمتُ بدله صفرًا. فإذا كان العام المقبل يقول: قد أحللتُ صفرًا ونسأته، وحرّمتُ شهر المُحرّم(7) بدله. فأنزل الله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾... الآية.(8)
[40] قوله: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾... الآية، رُوي: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا كان في الغار، قال لأبي بكر: كأنّي أنظر إلى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر، وأنظر إلى الأنصار مجتمعين(9) في أفنیتهم.
فقال أبو بكر:[ وتراهم يا رسول الله؟
قال: نعم.
قال:] فأرِنيهم. فمسح بيده على عينيه، فنظر إليهم (10)، فقال [في نفسه](11): الآن صدّقتُ أنّك تراهم(12) [فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أنت الصدّيق»](13)، و هو قوله: (وَ جَعَلَ
ص: 210
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾(1) [: قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(2): «واللهِ عزيزٌ حكيمٌ».](3)
[41] قوله: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾، قال: «شباباً وشيوخاً».(4)
[42] قوله: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا﴾ نزلت في غزوة تبوك، وكان سبب ذلك أنّ الصيّافة(5) كانوا يقدِمون المدينة من الشام ومعهم الدُّرْنُوك(6) والطعام، وهم الأنباط(7)، فأشاعوا بالمدينة: أنّ الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عسكر عظيم، وأنّ هرقل قد سار في جنوده، وجلب معه غسان وجذام وبهراء وعاملة، وقد قَدِمَ عساكره البلقاء(8)، ونزل هو حِمص.
فلمّا سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك، أمر أصحابه بالتهيّؤ إلى تبوك، وهي من بلاد البلقاء، وكان في وقت شديد الحرّ، وبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى القبائل حوله، وإلى مكّة، فحثّهم على الجهاد، وأمر بعسكره فضرب(9) في ثنيّة الوداع(10)، وأمر أهل الجِدَة أن يُعينوا من لا قوّة به، وخرج عبد الله بن أُبيّ بمن كان معه من المنافقين، فضرب بخيمته بحذاء رسول الله.
ولقي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الجَدّ بن قيس، فقال له: «يا أبا وهب، ألا تنفِر معنا في هذه الغزاة،
ص: 211
لعلّك أن تستحفد(1) من بنات الأصفر(2)؟».
فقال: يا رسول الله، والله إنّ قومي ليعلمون أن ليس فيهم أحد أشدّ عجباً بالنساء منّي، وأخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر، فلا تفتنّي، وائذن لي أن أقيم.
و قال لقومه: ويلكم لا تخرجوا(3) في الحرّ. فَعَنَّفَه ابنه: [تردّ على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتقول له ما تقول، ثم تقول لقومك: لا تنفروا في الحرّ، والله لينزّلن الله في هذا قرآناً يُقروه الناس إلى يوم القيامة. فأخذ نعله وضرب به وجه ابنه، فأنزل الله: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي﴾.(4)
ثمّ قال: أترى أنّ محمّداً يرى أنّ حرب الروم مثل حرب غيرهم، لا يرجع من هؤلاءأحدّ أبداً، فأنزل الله: ﴿إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾... الآية.(5)
فلمّا اجتمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الخيول ارتحل من ثنية الوداع، وخلّف أميرالمؤمنين علیه السّلام على المدينة، فأرجف المنافقون بعليّ علیه االسّلام، فقالوا: ما خلّفه إلّا تشاؤماً به وكرهاً له. فبلغ ذلك عليّاً، فأخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالجرف، فقال له رسول الله: «يا عليّ، ألم أُخلّفك على المدينة؟».
قال: «نعم، ولكنّ المنافقين زعموا أنّك خلّفتني تشاؤماً بي».
فقال: «كذب المنافقونيا عليّ، أما ترضى أن تكون أخي، وأنا أخاك بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي(6)، وأنت خليفتي في أمّتي، وأنت وزيري، وأنت وصيّي وأخي في الدنيا والآخرة».
فرجع عليّ عليه السّلام إلى المدينة.(7)
فلمّا ارتحل من ثنية الوداع رجع عبد الله بن أبي بمن كان معه من المنافقين
ص: 212
المدينة، وأقبلوا يرجفون برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وجاء البكّاؤون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو بثنية الوداع، وهم سبعة من بني عمرو بن عوف، منهم: سالم بن عمير، قد شهد بدراً، لا اختلاف فيه، ومن بني واقف: هرمي بن عمير(1)، ومن بني حارثة: علية بن زيد(2)، وهو الذي تصدّق بعرضه(3) [وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر بصدقة، فجعل الناس يأتون بها، فجاء عليّة](4) فقال: يا رسول الله، والله ما عندي ما أتصدّق به، وقد جعلت عرضي حلّاً. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «قد قبل الله صدقتك».
ومن بني مازن بن النجار: أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، ومن بني سلمة: عمرو بن غنمة، ومن بني زريق: سلمة بن صخر(5)، ومن بني سليم [ابن منصور](6): العرباض بن سارية السلمي.
فجاؤوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يبكون [فقالوا: يا رسول الله، ليس بنا قوّة أن نخرج معك].(7) فأنزل الله فيهم: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى﴾.... الآية، والمستأذنون ثمانون رجلاً، قال: [وإنّما سألوا هؤلاء البكّاؤون نعلاً يلبسونها]».(8)
وتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قوم من أهل الثبات والبصائر، لم يكن تخلّفهم شكّاً ولا ارتياباً، ولكنّهم قالوا نلحق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومنهم: أبو خيثمة(9)3. الغَضاضة: الذلّة والمنقصة. القاموس المحيط، ج 2، ص 351 (غاض).(10)، فركب راحلته، فلمّا كان
ص: 213
في بعض الطريق لحق بعمرو بن وهب، فاصطحبا، فلما كان قريباً من تبوك قال: يا عمرو، إنّ لي ذنباً فتأخر عنّي حتى ألحق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فتأخّر عنه، فنظر الناس إلى راكب على الطريق، فأخبروا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «كن أبا خيثمة»، فأقبل أبو خيثمة فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بما كان منه، فجزاه خيراً ودعا له.
وكان أبو ذرّ رحمه الله تخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثَةَ أيام، وذلك أن جمله كان أعجفاً(1)، فتخلّف ليعلفه، ثمّ خرج فلحق برسول الله بعد ثلاثة أيّام، وكان جمله قد وقف عليه في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره، فلمّا ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «كن أبا ذرّ»، فلمّا ظهر، قالوا: هو أبو ذرّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أدركوه بالماء فإنّه عطشان»، فأدركوه بالماء، ووافى أبو ذرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه إداوة(2) فيها ماء، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا أبا ذرّ، معك ماء وعطشت؟!»، قال: نعم، يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، انتهيت إلى صخرة عليها ماء السماء فذقته، فإذا هو عذب بارد، فقلت: لا أشربه حتى يشرب حبيبي رسول الله.
فقال رسول الله: «يا أبا ذرّ، رحمك الله، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتُبعث وحدك، وتدخل الجنّة وحدك، يُسعد بك قوم من أهل العراق، يتولّون غُسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك».
ص: 214
الاغتمام لك، ولولا هول المطّلع لأحببت أن أكون مكانك، فليت شعري ما قالوا لك، وما قلت لهم؟](1) ثمّ رفع يده فقال: اللّهم إنّك فرضت لك عليه حقوقاً، وفرضت لي عليه حقوقاً، فإنّي قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي، فهب له ما فرضت عليه من حقوقك، فإنّك أولى بالحق وأكرم منّي(2). وقد ذكرنا خبره.(3)
وكان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بتبوك رجل يقال له: المضرّب،(4) فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «عدّ لي أهل العسكر» فعدّهم، فقال: إنّهم خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد والتبّاع. فقال: «عدّ المؤمنين». فعدّهم فقال: هم خمسة وعشرون رجلاً. يعني من كلّ ألف رجل: واحد.
وعن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بعض أسفاره، إذ لقيه ركب، فقالوا: السلام عليك، فقال: من أنتم؟ قالوا: قوم مؤمنون، قال: وما علامة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء الله، والتفويض والتسليم لأمر الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علماء، حكماء، كادوا من العلم(5) أن يكونوا أنبياء؛ فإنّ كنتم كما تقولون، فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتّقوا الله الذي إليه ترجعون».
ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم السرايا وهو مقيم بتبوك، فلمّا بلغهم خبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تنحّوا وتفرّقوا، وكان هرقل قد بعث مقدّمته إلى البلقاء في خيل كثير، فلمّا بلغهم نزول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بتبوك هالهم ودخلهم الرعب ورجعوا إلى حمص. وبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى هرقل وكتب إليه: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، من محمّد رسول الله إلى هِرقل عظيم الروم. أمّا بعد، فأسلم تسلم، وإن لم تفعل كان عليك جرم أهل مملكتك، وسيحكم الله عليك، فاستعد للمحاربة(6)».(7)
ص: 215
فلمّا ورد عليه الكتاب، أشفق من محاربته، وكتب إليه كتاباً لطيفاً، وسأله الانصراف سنته حتّى بداري أهل دينه ويكتب إلى قيصر، وبعث إليه بهدايا.
فأقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أيّاماً يبعث بالسرايا، فربما جاءوا بالإبل والغنم، وبعث خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارساً(1) إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل، وكان له حصن حصين، فقال خالد: يا رسول الله، كيف لي بأكيدر في حصنه؟
فقال له: إنّك تجده يصيد البقر.
فخرج خالد حتّى إذا أتى دومة الجندل، فكمن له، فخرج أكيدر وأخوه حسّان ليصيدوا البقر، فخرج إليهم خالد بن الوليد فأسر أكيدر وقتّل حسّان وهرب الباقون، وأقبل خالد إلى باب الحصن، فلم يفتحوا له الباب، فقال خالد: سلهم أن يفتحوا الباب.
قال: لا يفتحونه ولو قتلتني، لكن أصالحك على ألفي ألف بعير، وثمانمائة رأس من الغنم، وأربعمائة درع، وأربعمائة سيف، وألفي حلّة. فقبل خالد، فدفعها إليه، فلمّا أعطاه ما شرط له حمله خالد إلى رسول الله، فلمّا وافاه دعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الإسلام فأسلم، وكتب له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كتاباً.(2)
وبقي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بتبوك وأصاب الناس جهد شديد وأرملوا، وذهبت أزوادهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بنطع فبسط، وقال: «من كان عنده شيء فليأتِ به» فكان الرجل يأتي بنصف صاع من تمر أو شيء من دقيق أو سويق، حتّى كان الرجل يأتي بكفّ ممّا عنده، فكان يجعل كلّ صنف منها على حدة، ثمّ وضع يده على شيء شيء، ثمّ ألقى عليه ملاءة، ثمّ نادى: «من أراد الزاد فليحضر» فأقبل الناس يأخذون ما يحتاجون إليه من الدقيق والسويق والتمر، حتى أخذ جميع أهل العسكر.
فلمّا نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الحجر، استسقى الناس من ماء بئرها، وعجنوا منه، وطبخوا وتوضّأوا، فنادى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا تتهيّؤوا بهذا الماء للصلاة، ولا تشربوا منه، ولا تسقوا ركابكم، ولا تعجنوا منه، ولا تطبخوا به، ومن عجن فليعلفه راحلته، وليصبّ الطبيخ»، فأكفأ الناس قدورهم، وصبّوا ما كان في أوعيتهم، وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى بئر
ص: 216
أخرى، فاستقوا وشربوا وقال: «هذه بلاد ملعونة، مخسوف بها»، وهو قوله: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ﴾... الآية(1)، وهي هذه البلاد».
[117] وقد كان تخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قوم من المنافقين، وقوم من المؤمنين مستبصرين، منهم: كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أُميّة الواقفي(2)، فلمّا وافى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أقبلوا يهنّئونه بالسلامة، وسلّموا عليه، فلم يردّ عليهم السلام، وأعرض عنهم، قال مالك: سلّمنا على إخواننا فلم يردّوا علينا السلام، فجاء نساؤهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا، أ فنعتزلهم؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا، ولكن لا يقربوكنّ».
فخرجوا إلى الجبل، فقالوا: لا نزال فيه حتّى يتوب الله علينا أو نموت. فخرجوا إلى ذناب(3) جبل بالمدينة، فكانوا يصومون، وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام، فيضعونه ناحية، ثمّ يولّون عنهم فلا يكلمونهم، فبقوا على هذا أيّاماً كثيرة، يبكون بالليل والنهار، ويدعون الله أن يغفر لهم. فلمّا طال عليهم الأمر، قال لهم كعب: يا قوم، قد سخط الله علينا ورسوله، وقد سخط علينا أهلونا وإخواننا، فلا يكلّمنا أحد، فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟
فتفرّقوا في الجبل(4)، وحلفوا أن لا يكلّم أحد منهم صاحبه حتّى يموت أو يتوب الله عليه، فبقوا على ذلك ثلاثة أيّام، وكلّ واحد منهم في ناحية من الجبل، لا يرى أحد منهم صاحبه، ولا يكلّمه، فلمّا كان في الليلة الثالثة، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في بيت أمّ سلمة، نزلت توبتهم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وهي قوله: ﴿لَقَد تَابَ اللهُ﴾... الآية. وإنّما هي: ﴿لَقَد تَابَ اللهُ) بالنَّبِيِّ عَلَی (الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾، أي: لمّا تابوا، وهم: أبوذرّ وأبو خثيمة وعمر
ص: 217
بن وهب، الذين لحقوا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.(1)
[118] ونزل في هؤلاء الثلاثة: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ يعني: المدينة، حيث لم يكلمهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وإخوانهم وأهاليهم، ﴿وضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهم﴾ حيث حلفوا أن لا يكلم بعضهم بعضاً، فتفرّقوا، وتاب الله عليهم لما عرف من صدق نيّاتهم.
وعن الصادق عليه السّلام: إنما نزلت: ﴿وعلى الثلاثة الذين خالفوا﴾، ولو خلّفوا ما كان عليهم عتب».(2)
[64] وكان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثون ألفاً، والخيل عشرة آلاف فرس، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دفع راية بني النجار إلى عمارة بن حزم، ثمّ أخذها منه، فدفعها إلى زيد بن ثابت، فقال عمارة: يا رسول الله، لعلّك وجدت عليّ؟
قال: «لا، ولكن قدّموا بالقرآن، وزيد أكثر أخذاً للقرآن منك، والقرآن يُقدَّم وإن كان عبداً أسود مجدّعاً».
وكان رهط من المنافقين يسيرون مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، منهم: وديعة بن ثابت، والجلاس بن سويد بن الصامت، وابن حمير، وثعلبة بن حاطب. فقال ثعلبة بن حاطب: يحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم، لكأنّي بهم غداً مقرنين في الحبال. وقال وديعة: هم أرغبُنا بطوناً، وأكذبُنا ألسنة، وأجبَنُنا عند اللقاء. وقال الجلاس بن عمرو: والله لئن كان محمّد صادقاً لنحن شرّ من الحمير. وقال مخشّن بن حمير: والله لوددت أن أُقاضِي
ص: 218
على أن يضرب كلّ رجل منّا مائة جلدة، وأننا ننفلت أن ينزل فينا قرآناً!! على حدّ الاستهزاء.
فنزل جبرئيل وأخبره بذلك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعمار بن ياسر: «أدرك القوم وسلمهم عمّا قالوا، فإن أنكروا فأخبرهم بما قالوا». فذهب وأعلمهم، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت: يا رسول الله، إنّما كنّا نخوض ونلعب. فلم يلتفت إليه، وأنزل الله فيما قال مخشيّ وأصحابه: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ ... الآية».(1)
[90] وجاء قوم من الأعراب يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وآله في المقام، وقعد عنده قوم بلا إذن، فنزل: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾... الآية.
[102 - 103] قوله: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، نزلت في أبي لبابة كما تقدّم(2)، فنصف الآية في سورة الأنفال ونصفها في التوبة. وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا أبا لبابة، قد تاب الله عليك توبة لو ولدت من أمك يومك هذا لكفاك».
فقال: يا رسول الله، أفتصدّق بمالي كلّه؟ قال: «لا».
قال: فبثلثيه؟ قال: «لا».
قال: فبنصفه؟ قال: «لا».
قال: فبثلثه؟ قال: «نعم». فأنزل الله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾... الآية».(3)
[58] قوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾... الآية، فإنّها نزلت لما جاءت الصدقات وجاء الأغنياء، وظنوا أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقسّمها بينهم،
فلمّا قسّمها على الثمانية تغامزوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولمزوه.(4)
ص: 219
[60] قوله: ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾... الآية، قالَ العالِمُ عليه السلام: ﴿ٱلْفُقَرَاءِ﴾ الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ وعليهم مؤنةُ عِيالِهِم، والدَّليلُ على ذلك قولُهُ في سُورةِ البَقَرَةِ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ إلى قولِه: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾(1).
﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾: هم أَهْلُ الزَّماناتِ(2) من العُميانِ والعُرْجانِ والمُجَذَّمينَ.
﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾: هم السُّعاةُ.
﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾، قالَ الباقِرُ عليه السلام: «هم قَوْمٌ وَحَّدُوا اللهَ، ولم تَدخُلِ المعرِفَةُ في قلوبِهِم مِن أنَّ محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رسولُ الله، فكانَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يَتَألَّفُهُم ويُعَلِّمُهم كيما يَعرِفُوا، وجَعَلَ اللهُ لَهُم نَصِيبًا في الصَّدَقاتِ لِكَي(3) يَرغَبُوا».(4)
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾: قَوْمٌ قَد لَزِمَتْهُم كَفَّارَاتٌ في قَتْلِ الخَطَإِ، وفي الظِّهَارِ، وفي الأَيْمَانِ، وفي قَتْلِ الصَّيْدِ في الحَرَم، ولَيسَ عِندَهُم مَا يُكَفِّرُون، وهُم مُؤمِنُون، فَجَعَلَ اللهُ لَهُم سَهْمًا في الصَّدَقاتِ لِيُكَفِّرَ عَنهُم.(5)
أقول: والمَشْهُورُ أنَّ قولَهُ: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ أنَّهُم العَبِيدُ الَّذِينَ تَحْتَ الشِّدَّةِ؛ فإنَّهُم يُشْتَرَونَ مِن مَالِ الزَّكَاةِ ويُعْتَقُونَ.
﴿وَالْغَارِمِينَ﴾: قَوْمٌ وَقَعَتْ عَليهِم دُيُونٌ أَنفَقُوهَا في طَاعَةِ اللهِ مِن غَيْرِ إِسْرَافٍ، فيَجِبُ على الإِمَامِ أَن يَقْضِيَ [ذلك] عَنهُم وَيَكْفِيَهُم مِن مَالِ الصَّدَقَاتِ.(6)
﴿وَفِي سَبِيلِ اللهِ﴾: قَوْمٌ يَخْرُجُونَ إلى الجِهَادِ، وَلَيسَ عِندَهُم مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ، أو قَوْمٌ مِنَ المُؤمِنِينَ لَيسَ عِندَهُم مَا يَحُجُّونَ بِهِ، أو في جَمِيعِ سُبُلِ الخَيْرِ، فَعَلى الإِمَامِ أَن يُعْطِيَهُم مِن مَالِ الصَّدَقَاتِ.
وَ﴿ابْنِ السَّبِيلِ﴾: أَبْنَاءُ الطَّرِيقِ الَّذِينَ يَكُونُونَ في الأَسْفَارِ في طَاعَةِ اللهِ، فَيُقْطَعُ عَلَيْهِم
ص: 220
وَيَذْهَبُ مالُهُمْ، فَعَلَى الإِمامِ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِلىٰ أَوْطانِهِمْ مِن مالِ الصَّدَقات.
وَنَزَلَتْ هٰذِهِ الآيَةُ قَبْلَ هٰذَا الوَقْتِ.
[61] قَوْلُهُ: ﴿وَمِنْهُمْ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾... الآيَةُ، نَزَلَتْ في عَبْدِ اللهِ بْنِ نُفَيْل، كانَ يَنْقُلُ حَديثَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم إِلىٰ المُنافِقِينَ، وَيَنِمُّ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ جِبْرَئِيل، فَدَعاهُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقالَ: «قَدْ قَبِلْتُ عُذْرَكَ، فَلا تَعُدْ»، فَرَجَعَ إِلىٰ أَصْحابِهِ فَقالَ: إِنَّ مُحَمَّداً أُذُنٌ، ما سَمِعَهُ قَبِلَهُ.(1)
[74] وَقَوْلُهُ: ﴿يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَٰمِهِمْ﴾، نَزَلَتْ بَعْدَ ما رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم مِن حَجَّةِ الوَداعِ في أَصْحابِ العَقَبَةِ الَّذِينَ تَحالَفُوا في الكَعْبَةِ أَلّا يُرِدُّوا الخِلافَةَ في أَهْلِ بَيْتِهِ(2)، ثُمَّ قَعَدُوا الرَّسُولَ صلّى الله عليه وآله وسلّم في العَقَبَةِ لِيَقْتُلُوهُ، فَعَرَّفَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم ذٰلِكَ، فَجاؤُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِن ذٰلِكَ شَيْئاً وَلَمْ يُرِيدُوا قَتْلَهُ.(3)
[107] قَوْلُهُ: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾... الآيَة، جاءَ قَوْمٌ مِنَ المُنافِقِينَ إِلىٰ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، أَتَأْذَنُ لَنا أَنْ نَبْنِيَ مَسْجِداً في بَنِي سالِم، وَكانَ سَبَبُهُمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ(4) بِأَبِي عامِرٍ الرّاهِب، وَكانَ كافِراً، وَكانَ ابْنُهُ حَنْظَلَةُ بْنُ عامِرٍ قَدْ أَسْلَمَ، وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُد، وَكانَ يُدْعىٰ غَسِيلَ المَلائِكَةِ.(5)
قَوْلُهُ: ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾... الآيَة، يَعْنِي: أَبا عامِرٍ الرّاهِب، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم مالِك بْنَ الدُّخْشُمِ(6) الخَزاعِيَّ وَعامِرَ بْنَ عَدِيٍّ أَخا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف، عَلىٰ أَنْ
ص: 221
يهدموه ويحرقوه، ففعلوا ذلك. (1)
[80] [قوله: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ). قَالَ علي بن إبراهيم: إنّها نزلت](2) لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة، ومرض عبد الله بن أبي، وكان ابنه عبد الله مؤمناً، فجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: يا رسول الله إن لم تأت أبي كان ذلك عاراً علينا، فدخل إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والمنافقون حوله، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله : يا رسول الله استغفر له. فاستغفر له، فقال له عمر: ألم ينهك الله - يا رسول الله - أن تصلي عليهم أو تستغفر لهم؟ فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأعاد عليه، فقال له: «ويلك إنِّي خُيّرت، فاخترت، إن الله يقول: ﴿أَسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ). فلمّا مات عبد الله جاء ابنه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إن رأيت أن تحضر جنازته، فحضره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقام على قبره، فقال له الثاني: يا رسول الله، ألم ينهك الله أن تصلي على أحد منهم مات أبداً وأن تقوم على قبره؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ويلك، وهل تدري ما قلت؟ إنمّا قلت: اللّهم أحش قبره ناراً، وجوفه ناراً، وأصله النار، فبدا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما لم يكن يحبّ.(3)
[111 و 112] [قوله: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ).... الآية](4) عن الصادق علیه السّلام قال: «لقى الزهري(5) عليّ بن الحسين علیه السّلام في طريق الحجّ، فقال له: يا عليّ بن الحسين، تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحجّ ولينته، إن الله يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ أَشْتَرَىٰ مِنَ
ص: 222
الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ﴾ إلى آخر الآية، فقال علي بن الحسين عليه السلام: إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم، فالجهاد معهم أفضل من الحجّ».(1)
قوله: ﴿السَّائِحُونَ﴾، هم الصائمون.(2)
[114] قوله: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ﴾... الآية، سُئل العالم عنها، فقال: «ما يقول الناس فيها، والموعدة ممّن؟» قال: يقولون: إنّ الموعدة كانت من إبراهيم أن يستغفر لأبيه، فقال: «لا، بل كانت من أبي إبراهيم ألا يعبد الأصنام، فقال إبراهيم: إن لم تَعْبُدِ الأصنام استغفرتُ لك، فلمّا علم أنّه لا يدع الأصنام تبرّأ منه».
أقول: إنّ كثيراً من القرّاء قرأوا: (وَعَدَها أَباهُ)(3)، وهذا لا يتوجّه على ما ذُكر.(4)
قوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾، أي: دعّاء.(5)
[126] وقوله: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾، أي: يُمرضون.
أقول: هذا الكلام ليس على عمومه، فإنّ من الناس من قال: بلاء إبراهيم لا لمرضٍ في بدنه، أو قريب،(6) بل فيهم من لم يُمرض إلّا مرض الموت، وفيهم من يُمرض بالسنة مراراً شتّى، وهو المِمْراض.(7)
[128] قوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾، يعني: محمّداً.(8)
ص: 223
أقول: وقرئ: ﴿مِن أَنفَسِكُم﴾ بفتح الفاء، وهي قراءة فاطمة عليها السلام(1)، وهي أعمّ وأفصحوأبلغ.
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾، أي: أَنكرتم.(2)
ص: 224
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
[11] قوله: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾(1). (2)
أقول: معناه: إنّ الإنسان قد يدعو على نفسه وأعزّته حال حرجه(3)، فلو أجاب الله دعاءه هلك وأهلك وَلَدَه، أو من دعا عليه من أعزّته.(4)
[15] قوله: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾، فإنّ قريشاً قالت لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ائتنا بقرآن غير هذا، فإنّ هذا شيءً تعلّمته من اليهود والنصارى، فقال تعالى: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ...﴾ الآية.(5)
[18] قوله: ﴿أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ﴾... الآية، أي: لا يعلم أنّ معه شريك كما تَزْعُمُون.(6)
[58] وعن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [قال: «الفضل: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ورحمته: أمير المؤمنين عليه السلام ﴿فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾](7)». قال:
ص: 225
«فليفرح شيعتُنا (هُوَ خَيْرٌ مِمّا) أُعطوا أعداؤُنا من الذهبِ والفِضّةِ».(1)
[22] قوله: ﴿الْفُلْكِ﴾ يعني السفن.
قوله: ﴿ريحٌ عاصِفٌ﴾ وهي التي تَجيء من كلّ جانب.(2)
[26] قوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ﴾، قال: «النظر إلى وجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ».(3)
أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّه تعالى لا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة إجماعاً من الشيعة والمعتزلة والحكماء، وقد قامت الدلائل والبراهين القاطعة على ذلك، فإن كان ما رُوي من إسنادٍ صحيحٍ كان له تأويل، وإلّا فالرواية به غير صحيحة.
[23] قوله: ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ﴾. رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنّه قال لمّا(4) «بُويع له: «أيّها الناس، إنّ أوّل من بغى على وجه الأرض: عَناق بنت آدم، خَلَقَ اللهُ لها عشرون إصبعاً، في كلّ إصبعٍ ظُفران طويلان مثل المنجلين،(5) وكان موضعها(6) في الأرض جَريباً في جريب، فلمّا بغت خلق الله عزّ وجلّ لها أسداً كالفيل، وذئباً كالبعير ونَسْرًا كالحمار، وكان ذلك في الخلق الأوّل، فسلّطهم عليها فقتلوها. ألا وقد أهلك الله فرعون وهامان وخسف بقارون، وكان لي حقٌّ حازه دُوني من لم يكن مثلي، ولم أكن أُشركه، ولا توبة إلّا بنبيّ،(7) ولا نبيّ بعد محمّد، وأنّى يتوب؟ وهو في بَرزخ القيامة، غرّته الأماني وغرّه بالله الغَرور؟ قد أشفا على جُرفٍ فانهارَ به في نار جهنّم، والله لا يهدي القوم
ص: 226
الظّالمين. ألا وإنَّ بَلِيّتَكُم(1) قَد عادَت كَهَيئَتِها يَومَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم. أما واللهِ لَتَبلبَلُنَّ بَلبَلَةً(2)، ولَتُغرْبَلُنَّ(3) غَربَلَةً، حَتّى يَعودَ أَسْفَلُكُم أَعلاكم، وأعلاكم أسفلَكم. أما واللهِ لَيَسْبِقَنَّ قومٌ كانوا قَصَّروا، ولَيُقَصِّرَنَّ قومٌ كانوا سَبَقوا. أما واللهِ، ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ مُذْ عَقَلتُ، ولَقَد نُبِّئتُ بهذا الأمرِ وهذا المقام. ألا وإنَّ الخَطايا مَطايا شَمْسٍ(4) حُمِلَ عليها أهلُها، فَتَقَحَّمَتْ بِهِم في نارِ جَهَنَّم، فَهُم فيها كالحون. ألا وإنَّ التَّقوى مَطايا ذُلُلٍ حُمِلَ عليها أهلُها، فَسارَت بِهِم تَأَوُّداً حتّى أَتَوا ظِلًّا ظَليلاً، جَنّاتٍ مُفَتَّحَةً لَهُم أَبوابُها، فَوَجَدوا ريحَها وطِيبَها، وقيلَ لهم: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ)، وهنيئاً لأهلِ الرَّحمةِ جنّتهم، وتَعْساً لأهلِ النارِ مَثواهم في نارِ جَهَنَّم.
أيّها النّاسُ، حَقٌّ وباطِل، ولكلٍّ أهلٌ، فَلَئن أُديلَ الباطلُ لقديماً ما فَعَل، وَلَئِن قَلَّ الحقُّ فَلَرُبَّما، ولَعَلَّما، ولَقَلَّما أَدْبَرَ شَيءٌ فَأَقْبَل، وَلَئِن رُدَّ عَلَيْكُم أَمْرُكُم أَنكم سُعَداء(5)، وما عَلَيَّ إلّا الجُهْدُ، وإنّي لأَخْشى أَن تَكونوا على فَترةٍ(6) مَلْتُم عنّي مَيلَةً كُنْتُم فيها عندي(7) غَيرَ مَحمودي الرّأي. أما لو أشاءُ لَقُلتُ: عَفا اللهُ عَمّا سَلَف، سَبَق الرَّجُلانِ، وقامَ الثّالِثُ كالغُرابِ هَمُّهُ بَطْنُه، ويلُهُ(8) لو قُصَّ جَناحاهُ وقُطِعَ رأسُهُ كان خَيراً له، ثلاثةٌ واثنانِ، خَمْسَةٌ ليس لهم سادِسٌ: مَلَكٌ يَطيرُ بِجَناحَيه، ونَبِيٌّ أَخَذَ اللهُ بِضَبْعَيْهِ(9)، وساعٍ مُجْتَهِد، وطالِبٌ يَرجو، ومُقَصِّرٌ(10) في النّار(11)، اليمينُ والشّمالُ مُضِلَّة، والطّريقُ المُنهَجُ الواضِح.
ص: 227
عليه ما بين الكتاب(1) وآثار النُّبُوَّةِ، هلكَ مَنِ ادَّعى، وخابَ مَنِ افترى، إنَّ اللهَ أدَّبَ هذه الأُمَّةَ بالسيفِ والسَّوْطِ، وليس لأحدٍ عند إمامِ الهدى هوادة، فاستتروا في بُيُوتِكم وأصلِحوا ذاتَ بينكم والتوبةُ من ورائكم، مَن أبدى صفحتَهُ للحقِّ هلك».(2)
[53] قوله: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ يعني: أميرَ المؤمنين، إمامٌ هو؟ ﴿قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾، أي: إمام.(3)
[54] قوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾، عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: سُئل عن قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾، قال:](4) «قِيلَ لرسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما يَنفَعُهم إِسْرَارُ النَّدامَةِ وهم في العذاب؟ قال: كَرِهُوا شَماتَةَ الأعْداء».(5)
ص: 228
[64] قوله: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال: «البُشرى في الحياةِ الدنيا: الرُّؤيا الحسنةُ يراها العبدُ المؤمنُ المُقرُّ بالولاية». وَ (فِي الْآخِرَةِ)، قال: «عندَ الموت».(1)
[92] وقوله: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾، [فإنّ موسى عليه السلام أخبرَ بني إسرائيل أنَّ اللهَ قد أغرقَ فرعون، فلم يُصدِّقوه، ف](2)أَمَرَ اللهُ البحرَ فقذفَ فرعونَ؛ لأنَّ بني إسرائيل قالوا: لم يغرق فرعون، فقذفَ به البحرُ إلى الساحلِ حتى رأوه ميِّتاً.
وقيل: القائل كانوا القِبط، أصحاب فرعون؛ لأنّهم كانوا يعتقدون فيه الربوبيّة، وكان يدَّعيها هو، قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾(3). (4)
[93] وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾، قال: «خبّرَنا».(5)
[94 و 95] وقوله: ﴿فَإِن كُنْتَ فِي شَكٍّ﴾... الآية، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لمّا أُسري برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى السماء، فأوحى اللهُ إليه في عليٍّصلوات الله علیهما أوحى(6) من شرفه وعِظَمِه عند الله، ورُدَّ إلى البيتِ المعمور، جمع له النبيين، فصلّوا خلفه، عَرَض في قلبِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من عِظَمِ ما أُوحيَ إليه في عليٍّ علیه السّلام، فأنزل اللهُ عليه: ﴿فَإِن كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) فی علیّ (فَسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ﴾ يعني: الأنبياء الذين صلّى بهم، أي في كتب الأنبياء قبلك مثل ما أَنزلنا في كتابك من فضله».(7)
ص: 229
أقول: في هذا نظر؛ فإن النبي لا يشك في فضل عليّ.(1)
وقوله: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ﴾... الآية، قال العالِمُ علیه السّلام: «إنَّهُ لم يَرُدَّ اللهُ العذابَ إلّا عن قومِ يُونُس، وكان يُونسُ يدعوهم إلى الإيمان(2) فلا يُؤمنون، فهَمَّ أن يَدعوَ عليهم، وكان فيهم رجلٌ عابد، ورجلٌ عالم [كان اسمُ أحدِهما تَنُوخَا(3)، والآخَرُ اسمُهُ](4) روبيل، فكان العابدُ يأمره بالدعاء عليهم، وكان العالمُ يَنْهَاه، ويقول: لا تَدْعُ عليهم، فإنّ اللهَ يَستجيبُ لك، فإنّ العابدَ يريدُ هلاكَ عباده. فَقَبِلَ قولَ العابد، فدعا اللهَ عليهم، فأوحى اللهُ عزَّ وجلَّ إليه: يأتيهِمُ العذابُ سنةَ كذا [وكذا، في شهرِ كذا وكذا، في يومِ كذا وكذا.
فلمّا قَرُبَ الوقت](5) خرج يُونُسُ من بينهم مع العابد، وبقي العالِمُ فيهم، فلمّا كان في ذلك اليوم، وأظلَّهُمُ العذابُ، قال العالمُ لهم: يا قومِ، افزَعوا إلى الله، فلعَلَّهُ يَرحمكم ويَرُدَّ العذابَ عنكم. فقالوا: كيف نصنع؟ قال: «أخرجوا إلى المفازة، وفَرِّقوا بين النساءِ وأولادِها، [وبين الإبلِ وأولادِها، وبين البقرِ وأولادِها، وبين الغنمِ وأولادِها، ثمّ ابكُوا وادعُوا.
فذهبوا وفعلوا ذلك، وضجُّوا وبَكوا](6) فرحمهم اللهُ، وصرفَ عنهم العذابَ، وفَرَّق العذابَ على الجبال، وقد كان نزل وقَرُبَ منهم.
فأقبل يُونُسُ لِيَنظُرَ كيف أهلكَهم الله، فرأى الزَّارِعين(7) يَزرَعونَ في أرضهم، قال لهم: «ما فعل قومُ يُونُس؟ فقالوا له — ولم يعرفوه —: إنّ يُونُسَ دعا عليهم، فاستجابَ اللهُ له(8)، ونزلَ العذابُ عليهم، فاجتمعوا وبَكوا ودَعَوا(9) فرحمهم اللهُ، وصرفَ ذلك عنهم،
ص: 230
وفرَّق العذابَ على الجبال، فهم ذَا يطلبونَ يُونُسَ لِيُؤْمِنُوا به.
فغضبَ يُونُسُ، ومَرَّ على وجهه مُغاضبًا، كما حَكى اللهُ تعالى(1)، حتّى انتهى إلى ساحلِ البحر، فإذا(2) سفينةٌ قد شُحِنت، وأرادوا أن يَدفَعوها، فسألهُم يُونُسُ أن يَحملُوه، فحملُوه، فلما توسَّطُوا(3) البحرَ بعثَ اللهُ حوتًا عظيمًا، فحبس عليهم السفينةَ من قُدّامها، فنظر إليه يُونُسُ ففزع منه، وصار إلى مؤخّرِ السفينة، فدار إليه الحوتُ وفتح فاه.فخرجَ أهلُ السفينة، فقالوا: فينا عاصٍ، فَتَساهموا(4)، فخرج سهم يُونُس، وهو قولُ الله عزّ وجلّ: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾(5) فأخرجوه، فألقَوهُ في البحرِ، ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ﴾(6)ومرَّ به في الماء.
فَرُويَ في الخبرِ أنّه مرّ به تحت الأرض حتى لحقَ بقارون [وكان قارونُ هلك في أيامِ موسى عليه السلام، ووكل الله به مَلَكًا يُدخلهُ في الأرضِ كلَّ يومٍ قامةَ رجلٍ](7) وكان يُونُسُ في بطنِ الحوتِ يُسبِّح اللهَ ويَستغفِرُه(8)، فسمعَ قارونُ صوتَه، فقال للمَلَكِ المُوكَّلِ به: «أنظرني، فإنّي أسمعُ كلامَ آدمي. فأوحى اللهُ إلى المَلَكِ المُوكَّلِ به: أنظره، فأنظره، ثمّ قال قارون: مَن أنت؟ قال يُونُس: «أنا المُذنِبُ الخاطئُ يُونُسُ بنُ متَّى.
أقول: الأنبياء لا يُذنبون؛ لأنّهم معصومون من أوّل العُمرِ إلى آخره، وقد قامت الدلائلُ على ذلك والبراهين، فالكلام يُؤوَّل، وفي جميع هذه القصة أَنظارٌ على ما لا يَخفى.
قال: فما فعلَ الشديد الغضب، اللهُ موسى بنُ عمران؟
ص: 231
قال: هيهات! هلك.
قال: فما فعل الرؤوف الرحيم على قومه؛ هارون بن عمران؟
قال: هلك.
قال: فما فعلت كَلْثَم بنت عمران، التي كانت سُمّيت لي؟
قال: هلكت، وما بقيَ من آل عمران أحد.
فقال قارون: وا أسفاهُ على آلِ عمران!
قال: فشكر الله له ذلك، فأمر اللهُ الملكَ المُوكّلَ به أن يرفع عنه العذابَ أيامَ الدنيا، فَرَفَعَ عنه.(1)
فلما رأى يُونُسُ ذلك نادى في الظلمات: أن لا إلهَ إلا أنتَ، سُبحانَكَ إنّي كنتُ من الظالمين. فاستجاب اللهُ له، وأمر الحوت أن يَلفِظَه، فلفظهُ على ساحل البحر، وقد ذهب جلدُه ولحمُه. فأنبتَ اللهُ عليه شجرةً من يقطينٍ – وهي الدُّبّاء(2)– فأظلّته عن الشمس، فَشَكَر(3)، ثمّ أمرَ اللهُ الشجرةَ فتنحّت عنه، ووقعتِ الشمسُ عليه، فجزِع، فأوحى اللهُ إليه: يا يُونُس، لِمَ لَمْ ترحم مائةَ ألفٍ أو يزيدون، وأنتَ تجزعُ من ألمِ ساعة(4)؟ فقال: يا ربِّ، عفوكَ عفوكَ. فردَّ اللهُ عليه بدنه، ورجع إلى قومه، فآمنوا به.(5)
ص: 232
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم
[3] قوله: ﴿وَإِن تَوَلَّوْا﴾، إنّما هو: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ).(1)
[8] قوله: ﴿إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾، يعني: إلى أَجَلٍ معدود.
والأُمّةُ في كتاب الله على وجوهٍ كثيرة:
فمنه: المذهب، وهو قوله: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾(2) أي: على مذهبٍ واحد.
ومنه: الجماعة [من الناس، وهو قوله: ﴿وَوَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾(3) أي: جماعة](4).
ومنه: الواحد، كقوله: ﴿أُمَّةً قَانِتًا﴾.(5)
ومنه: جميع أجناس الحيوان، لقوله: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾.(6)
ومنه: أُمّةُ محمّدٍ صلّی الله علیه وآله وسلّم الخاصّة.(7)
ص: 233
ومنه: الخلق كله، وهو قوله: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ(1)) ومنه: الوقت؛ لقوله: ﴿ وَأَذَكَرَ بَعْدَ أمّةٍ)(2)».(3)
أقول: ذكر القاضي ابن العربي للأمة أربعين معنى.(4)
[9] قوله: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ أي: صحّة وسلامة وسَعَة.(5)
[12] قوله: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ﴾...الآیة، عن أبي عبدِ الله عليه السّلام أنّه قال: «سبب نزول هذه الآية: أنّ رسولَ الله صلّی الله علیه وآله وسلّم خرج ذاتَ يوم فقال لعليٍّ: یاعلیّ، إنّي سألتُ اللهَ اللّيلةَ أن يجعلَك وزيري، ففعل، وسألتُه أن يجعلَك وصيّي ففعل، وسألتُه أن يجعلَك خليفتي في أمّتي، ففعل.
فقال رجلٌ من أصحابِه - المنافقين(6): واللهِ لَصاعٌ من تمرٍ في شنٍُّ بالِ أحبُّ إليّ ممّا سأل محمّدٌ ربَّه، أفلا سأله ملكًا يعضده، أو مالًا يستغني به؟».(7)
[17] قوله: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ يعني: رسولَ الله صلّی الله علیه وآله وسلّم. ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ يعني: أميرَ المؤمنين عليه السّلام، وإنّما نزل: (ويتلوه شاهدٌ منه إمامًا ورحمةً ومن قبله كتابُ موسىٰ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) فقد قَدَّموا وأخَّروا في التأليف هنا.(8)
ص: 234
[18] قوله:﴿وَيَقُولُ ٱلْأَشْهَادُ هَٰؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُوا۟ عَلَىٰ رَبِّهِمْ﴾،يعني(1): الأَئِمَّةُ علیهم السّلام.(2). (3)
[25] وقوله:﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ﴾، عن أبي عبدِ اللهِ عليه السَّلام قال: «بَقِيَ نُوحٌ في قَوْمِه ثلاثَمِائةِ سَنَةٍ يَدْعُوهُم إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَهَمَّ أنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِم، فَوَافَاهُ عِندَ طُلُوعِ الشَّمْسِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَبِيلٍ مِن قَبَائِلِ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَهُمُ العُظَمَاءُ مِنَ المَلَائِكَةِ.
فقالَ لهُم نُوحٌ عليه السَّلام: مَن أنتُم(4)؟
قالوا: نحنُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَبِيلٍ مِن قَبَائِلِ مَلَائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِنَّ مَسِيرَةَ غِلَظِ سَمَاءِ الدُّنْيَا خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، وَمِن سَمَاءِ الدُّنْيَا إلى الدُّنْيَا(5) مَسِيرَةُ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، وَخَرَجْنَا عِندَ طُلُوعِ(6) الشَّمْسِ، وَوَافَيْنَاكَ في هَذَا الوَقْتِ، فَنَسْأَلُكَ أنْ لَا تَدْعُوَ عَلَى قَوْمِكَ.
فقالَ نُوحٌ: قَدْ أَجَّلْتُهُمْ(7) ثلاثَمِائَةِ سَنَةٍ.
فلمّا أَتَى عَلَيْهِم سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا، هَمَّ أنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِم، فَوَافَاهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَبِيلٍ مِن قَبَائِلِ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ. فقالَ نُوحٌ: مَن أنتُم؟
قالوا: نحنُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَبِيلٍ مِن قَبَائِلِ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، وَغِلَظُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ مَسِيرَةُ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، وَمِنَ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا مَسِيرَةُ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ، وَمِن سَمَاءِ الدُّنْيَا إلى الدُّنْيَا مَسِيرَةُ خَمْسَمِائَةِ عَامٍ. خَرَجْنَا عِندَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَوَافَيْنَاكَ ضُحًى، نَسْأَلُكَ أنْ لَا تَدْعُوَ عَلَى قَوْمِكَ.
فقالَ نُوحٌ: قَدْ أَجَّلْتُهُمْ(8)ثلاثَمِائَةِ سَنَةٍ.
فلمّا أتى عَلَيْهِم تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا، هَمَّ أنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِم، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
ص: 235
عليه: ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾، فقال نوحٌ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾(1)... الآيات.
فأمره اللهُ أنْ يَغْرِسَ النَّخْلَ، فأقبلَ يَغْرِسُ، فكانَ قومُهُ يمرّونَ بهِ فيسخرونَ منهُ ويستهزئونَ به، ويقولون: شيخٌ قد أتى له تسعمائة سنةٍ يَغْرِسُ النخل! وكانوا يَرمُونَهُ بالحجارة، فلمّا أتى لذلك(2) خمسونَ سنةً وبلغ النخلُ واستحكم أُمر بقطعِهِ، فسَخِرُوا منه، وقالوا: بلغ النخلُ مبلغهُ، وهو قوله تعالى: ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا۟ مِنْهُ﴾ وقال: ﴿إِن تَسْخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ* فَسوفَ تَعلَمُونَ).(3)
فأمرهُ اللهُ أنْ يَنْحَتَ(4) السفينةَ، وأمرَ جبرئيلَ أن ينزلَ عليه ويُعَلِّمَهُ كيف يَتَّخِذُها(5)، فقدَّر طولها في الأرضِ ألفَ ومائتا ذراعٍ، وعَرضَها ثمانمائةَ ذراعٍ، وطولَها في السماء ثمانينَ ذراعًا. فقال: يا ربّ، من يُعينني على اتّخاذها؟
فأوحى اللهُ إليه: نادِ في قومِكَ: من أعانني عليها ونَجَرَ منها شيئًا صار ما ينجُرُهُ ذهبًا وفضّةً، فنادَى نوحٌ فيهم بذلك، فأعانوهُ عليها، وكانوا يسخرون منه ويقولون: "يتّخِذُ(6) سفينةً في البرّ!(7)
ولمّا أرادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هلاكَ قومِ نوح، عَقَمَ(8) أرحامَ النساءِ أربعينَ سنةً، فلم يُولَدْ فيهم مولودٌ.(9)
فلمّا فرغَ نوحٌ من اتخاذِ السفينة، أمرهُ اللهُ أن يُنادي بالسُّريانية: لا يَبقَى بهيمةٌ ولا حيوانٌ إلّا حضر، فأدخل من كلِّ جنسٍ من أجناسِ الحيوانِ زوجينِ في السفينة، وكان الذين آمنوا به من جميعِ الدنيا ثمانينَ رجلًا.
فقال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَحْمِلْ فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ﴾.
ص: 236
وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ وكان نَجْرُ السفينةِ في مسجدِ الكوفة(1)، فلما كان في اليومِ الذي أرادَ اللهُ هلاكَهم، كانت امرأةُ نوحٍ تخبِزُ في الموضعِ الذي يُعرف ب- «فَارَ التَّنُّور» في مسجد الكوفة.(2)
وقد كان نوحٌ اتخذَ لكلِّ ضَرْبٍ من أجناسِ الحيوانِ موضعًا في السفينة، وجمعَ لهم فيها ما يحتاجون من الغذاءِ، فصاحت امرأتُه لما فار التنوّر.فجاء نوحٌ إلى التنوّر، فوضع عليه طينًا(3) وخَتَمَه(4)، حتّى أدخلَ جميعَ الحيوانِ السفينة. ثمّ جاء إلى التنورِ، ففضّ الخاتم ورفع الطين(5)، وانكسفتِ الشمسُ، وجاء من السماءِ ماءٌ منهمرٌ، صبّ بلا قَطْرٍ، وتفجّرت الأرضُ عيونًا، وهو قوله عزّ وجلّ: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قُدِرَ *وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾(6)، فقال الله عزّ وجلّ: ﴿ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ يقول: «مَجْرَاهَا»، أي: مَسِيرُها، و(مُرْسَاهَا)، أي: مَوقِفُها.
فدارتِ السفينةُ، ونظر نوحٌ إلى ابنِهِ يقعُ ويقوم،فقال له: ﴿يَا بُنَيَّ](7) ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾. فقال ابنه كما حكى الله عزّ وجلّ: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾، قال نوح: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ﴾الله.
فلمّا رأى أنَّ الماءَ قد غلبَه، همّ أن يرجعَ ويركبَ السفينةَ، فحالَ الموجُ بينهُ وبين السفينةِ، وغرق.
فسارتِ السفينةُ حتى وافتْ مكة، فطاف نوحٌ بالبيت، وغرقَ جميعُ الناسِ إلّا موضعَ البيت، ولذا سُمِّيَ عتيقًا. فبقي الصَّبُّ من السماءِ، وخروجُ الماءِ من الأرضِ أربعينَ يومًا.
[45 – 46] قوله: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي﴾ ... الآية، عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال:
ص: 237
خرج زيد بن موسى - أخو الرضا عليه السلام - وكان يُسمّى: زيد النار، لأنّه أحرق دور بني العبّاس بالبصرة، فبعث إليه المأمون بخيل، فأُسر، وحُمِل إليه إلى خراسان. فقال المأمون: اذهبوا به إلى أبي الحسن. فلمّا أُدخل على الرضا عليه السّلام قال له:
«يا زيد، أَغَرّك قول سَفَلَة أهل الكوفة: إنّ فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم الله ذرّيتها على النار؟ ذلك للحسن والحسين خاصّة. فإن كنت ترى أنّك تعصي الله - عزّ وجلّ - وتدخل الجنّة، فأنت أكرم على الله من رسوله، إنّه لا يُنال ما عند الله إلّا بطاعته، وأنت زعمت أنّك تناله بمعصيته، فبِئسَ ما ترى!»
فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: «أنت أخي ما أطعت الله عزّ وجلّ. إنّ نوحاً قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾، فقال الله عزّ وجلّ: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَلِحٍ﴾، فأخرجه الله - عزّ وجلّ - من أن يكون من نسبه بمعصيته».(1)
ثمّ أمر الله الأرض أن تبلع ماءها فبلعته، واستوت السفينة على جبل الجودي، وهو جبل بالموصل(2)، فنزل نوح - بالموصل - من السفينة مع الثمانين الذين ركبوا معه، وهي تُسمّى: «مدينة الثمانين»، وبنَوا مدينة الثمانين.
أقول: إنّ الموصل وسط الإقليم الرابع، وهو أعدل الأقاليم، فلذلك أنزله الله هناك.
وكان لنوح بنت له، ركبت معه في السفينة، فتناسل الناس منها، وذلك قول النبيّ صلّى الله عليه وآله سلّم: «نوحّ أحد الأبوين».(3)
أقول: المشهور أنّ الناس من أولاد نوح الثلاثة: حام، وسام، ويافث، وإلّا كيف يكون الناس كلّهم من امرأةٍ واحدة، وكلّ الثمانين تزوّج بها، والناس ليسوا ينتسبون إلى الثمانين، وهم ليسوا أولاد نوح، بل أولاد الثمانين، وهذا شيءٌ لم يقل به أحد.
والحقّ أنّ الناس من أولاد نوح الثلاثة الذين كانوا معه.(4)
ص: 238
[50 - 51] قوله: ﴿وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً﴾، قال: «إنّ عاداً كانت بلادهم في البادية، من المشرق(1) إلى الأَجْفَر،(2) أربعة منازل، وكان لهم زرع ونخيل كثير، ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة.
ورُوي: أنّ رسول الله سأل ربّه أن يُحيي له رجلاً من عاد الأُولى، فأحياه، فكان رأسه من المدينة إلى ذي الحُليفة، وهو ستة أميال، ويداه مسيرة ثلاثة أميال، فقال رسول الله: «في كم كان يحتلم المحتلم منكم؟»
قال: في ثمانين سنة. وإنّما الرجل منّا يعيش سبعمائة سنة، فيُقال له: ألا تبني داراً؟ ألا تحفر نهراً؟ ألا تغرس شجراً؟ فيقول: وما أصنع بالدار والزّرع وأنا أموت؟ وكان الرجل منّا يخوض في البحر إلى ركبتيه.
أقول: فيه نظر، فليُتأمّل.
فكانت بلاد عاد كثيرة الشجر والزّرع، وهم كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم هوداً يدعوهم إلى الإسلام، فأَبَوا، فکفّت عنهم السماء سبع سنين حتّى قَحَطوا، وكان هود زَرّاعاً(3).(4)
ص: 239
فبقي هودٌ في قومه يدعوهم إلى الله، وينهاهم عن عبادة الأصنام، حتى خَصُبت بلادُهم، وأنزل الله عليهم المطر، وهو قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ فقالوا - كما حكى الله -: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ إلى آخر الآية، فلمّا لم يؤمنوا أرسل الله عليهم الريحَ الصرصر، يعني: الباردة، وهو قوله في سورة اقتربت(1): ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ*إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾(2).
وحكى في سورة الحاقة، فقال: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾(3)، وكانت الأحقاف بلادهم.
وقوله: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾(4)، قال: «كان القمرُ منحوساً بزُحل سبع ليالٍ وثمانية أيّام»، وقيل: «هو آخر أربعاءٍ في الشهر».(5)
وقوله: «كان القمرُ منحوساً بزُحل» صريحٌ في أنّ الكواكب لها تأثيرٌ في العالم، لكن بتقدير العزيز العليم.
[61 - 67] وأما قوله: ﴿وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾... الآية، عن الصادق عليه السلام: «إنّ الله - تبارك وتعالى - بعث صالحاً إلى ثمود، وهو ابن ست عشرة سنة».
أقول: قوله: ابن ست عشرة سنة هذا يُكذّب مَن ادّعى أن الأنبياء ما نُبّئ الواحد منهم إلا بعد الأربعين؛ فإنّ عيسى نُبّئ في المهد، وموسى بعد الثمانين.
فلَبثَ فيهم حتى بلغ مائةً وعشرين سنة، لا يُجيبوه إلى خير، وكان لهم سبعون صنماً يعبدونها من دون الله(6)، فبعث الله عليهم صيحةً وزلزلةً فهلكوا، وهو قوله: فَأَخَذَتْهُمُ
ص: 240
الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(1)، فما تخلّصَ منهم غيرُ صالحٍ وقَومٍ مستضعفينَ مؤمنين».(2)
[69] قوله: ﴿فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾، أي: مشويٌّ نضيج.(3)
[82] قوله: ﴿سِجِّيلٍ﴾، السِّجّيل: الشديد من الصخر.
ص: 241
[83] قوله: ﴿مُسَوَّمَةً﴾: أي منقَّطة(1).(2)
[71] قوله: ﴿فَضَحِكَتْ﴾: أي حاضت.
[84] قوله: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾؛ مدين، وهي قرية على طريق الشام، وإنما أهلكهم الله بنقصهم المكيال والميزان.
[94 - 87] قوله: ﴿إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾، فإنّه رُوي: أنّهم قالوا: إنّك لأنت السفيه الجاهل. فكنّى الله عزّ وجلّ قولهم، فقال: ﴿إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾، فبعث الله عليهم صيحةً فماتوا، وهو قوله: ﴿وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾»(3).
أقول: ﴿جَاثِمِينَ﴾: أي بعضهم على بعض. وقيل: نازلين على الرُّكَب. وقيل: منكَبّين هامدين لا يتحرّكون. ويقال: الناسُ جُثُم، أي: قُعود لا يتحرّكون.
[101] قوله: ﴿غَيْرَ تَثْرِيبٍ﴾: أي غير تخسير.(4)
[105] قوله: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾، قال: «يومُ الموت».
[106 - 107] قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾، قال: «في القبور، يُعذَّبون إلى يوم القيامة». والدليل عليه قوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾».
أقول: المشهور أنّه يوم القيامة، وسياق الكلام يدلّ عليه، والدليل الذي استُدِلَّ به يدلّ على ما قلناه، لا ما قال؛ لأنّ عذاب القبر ليس بدائم أبداً، وإنّما الدائم أبداً عذابُ نار يوم القيامة.
[108] قوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾، يُفتح لهم من الجنّة إلى القبور.
ص: 242
قوله: ﴿غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾، يعني: غير مقطوع.(1)
[114] قوله: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، قال: «صلاةُ المؤمنِ في اللّيلِ تذهبُ بما كان عملَ من ذنبٍ بالنّهارِ».(2)
أقول: الصلواتُ اليوميّةُ تذهبُ كلَّ ذنبٍ يقعُ من الصلاةِ إلى الصلاةِ.(3)
ص: 243
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
[4] قوله: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾؛أسماؤها: الطّارِق، وحُوبان(1) والذِّيَال(2) وذو الكَتِفَيْنِ(3) ووَثَّاب، وقابِس، وعمودان، وفَيْلَق(4) ومُصْبِح والصُّرُح والفُرُوع(5) والضِّيَاء، والنُّور. يعني: الشَّمس والقمر.(6)
وكان ليوسف أحدَ عشرَ أخاً من أبيه، وواحد من أُمِّه وأبيه يسمّى بنيامين(7)، ومعنى إسرائيل: اللهُ خالصُ الله -بالعبرانيّة. فرأى يوسفُ هذه الرُّؤيا وله سبعُ سنين.
[5] قوله: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً﴾، الكَيْد: الحيلة، ومنه: ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ﴾(8) أي: حِيلَتَكُم. وقوله: ﴿كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ (9) أي: احْتَلْنَا. وقيل: ﴿كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾؛ أي: كِدْنَا له إخوتُه، يعني: ضَمَّمْنَا أخاهُ إليه. وقيل: معناه: عَلَّمْنَاه الكَيْدَ على إخوته، ومنه: ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ (10)؛ أي: حيلتَه.﴿لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم﴾ (11)؛ أي: لأحتالنَّ لها. والكَيْد: القَيْء. والكَيْد أيضاً: الحَيْض.والكَيْد: الحَرْب.
ص: 244
[12-8] وكان يُوسُفُ من أحسَنِ النّاسِ وَجْهاً(1)، وكان أبوهُ يُحبُّهُ حُبّاً شَديداً ويُؤثِرُهُ على أولادِه، فحَسَدُوهُ على ذلك، وقالوا فيما بينهم ما حكاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي: جماعة، ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾، فعمدوا على قتلِ يوسف، فقالوا: نقتلهُ حتى يَخْلُوَ لنا وجهُ أبينا. فقال لاوي: لا يجوزُ قتله، ولكن نُغَيِّبُهُ عن أبينا، ونخلُوَ نحنُ به(2)، فقالوا - كما حكى اللهُ عزَّ وجلَّ -: ﴿يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾... الآيات.
رُوي: «أنّهُ لمّا أَدْنَوْهُ من رأسِ الجُبِّ، فقالوا له: انْزِعْ قَميصَكَ، بَكَى، وقال: يا إخوتي، لا تَجَرِّدوني. فَسَلَّ واحدٌ منهم عليه سِكِّيناً، وقال: لئن لم تَنزِعْهُ لأقتلنّك. فنزَعَه، فدلّوه في البِئْر وتَنَحَّوا عنه، فقال يُوسُفُ في الجُبِّ: يا إلهَ إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، ارحم ضَعفي وقلّة حيلتي وصِغَري».
[19] قوله: ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً﴾(3)، فقالوا: نُخْرِجُه ونبيعه ونجعلْه بضاعةً لنا فبَلَغ إخوتَه، فجاؤوا وقالوا: هذا عبدٌ لنا. فقالت السَّيارة: فتبيعونه منّا؟ قالوا: نعم. فباعوهُ منهم على أن يَحملوهُ إلى مِصر.
[20] قوله: ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾، قال: «الثّمنُ الذي بيعَ به يُوسُفُ ثمانيةَ عشرَ دِرْهَماً، وقيل: عشرون درهماً عدّاً».(4)
[18] قوله: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾، قال يعقوب: «ما كان أشْفَقَ الذئبِ على القَميصِ وأشَدَّهُ على يُوسُف؟! حيث أكل يوسف ولم يَمْزِقْ قَميصَهُ!».
[21 - 27] فحَملوهُ يوسف إلى مِصر، وباعوه من عزيز مِصر، فقال العزيزُ (لامرأتِهِ
ص: 245
أَكْرِمِي مَثْوَاهُ): أَي مكانه، (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِدَهُ وَلَداً)، ولم يكن له ولد، فأكرموه وربّوه، فلمّا بلغ أشده هوته امرأة العزيز، وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلّا هوته، ولا رجل إلا أحبّه، وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر. فراودته امرأة العزيز، وهو قوله: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ﴾ فما زالت تخدعه حتّى همّ أن يجيبها، وهو قوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾، فقامت امرأة العزيز وغلقت الأبواب، فلمّا همّا رأى(1) يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت، عاضاً على إصبعيه، يقول: يا يوسف! أنت في السماء مكتوب في(2) النبيين، وتريد أن تكتب في الأرض من الزناة؟" فعلم أنه قد أخطأ وتعدّى».(3)
وروي: «أن الشهوة خرجت من إبهامه الأيسر».
وروي في حديث آخر: «أنّه لما همّت به، وهمّ بها، قامت إلى صنم معها في بيتها، فألقت عليه ملاءة(4)لها، فقال لها يوسف: ما تعملين؟(5) قالت: ألقي على هذا الصنم ثوباً لا يرانا، فإنّي أستحيي منه. فقال يوسف: فأنتِ تستحيين من صنم لا يسمع ولا يبصر، ولا أستحيي أنا من ربّي؟ فوثب وعدا، وعدت من خلفه(6) فلحقته عند الباب، ووافاها العزيز.
ص: 246
على تلك الحال، وهو قول الله تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ﴾... الآية».
أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّه ليس مذهب أصحابنا، وإنما هو مذهب الحشويّة؛ فإنّ الأنبياء معصومون من أوّل العمر إلى آخره مطلقاً. وفي الكلام تقديم وتأخير يأتي(1) بيانه، وأيضاً: قد ذكر في الآية عدّة وجوه تدلّ على خلاف ما ذكره المصنّف.
[فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾،فقال يوسف للعزيز: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾](2) فألهم الله يوسف أن قال للملك: سل هذا الصبي في المهد؛ فإنّه يشهد أنّها راودتني عن نفسي، فقال العزيز للصبي، فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال: ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ﴾... الآية.
[23] قوله: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ أي: دعته، ﴿فَاسْتَعْصَمَ﴾ أي: امتنع.
أقول: هذا دليل على ما قلناه من أنّه لم يقع منه ما ذكره المصنّف، ويكون تقدير الكلام: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾، ولولا أن رأى برهان ربّه لَهَمَّ بها، ولكنّه رأى برهان ربّه فلم يهمّ بها أصلاً. ويمكن أن يكون الهمّ في طِباع البشر من الميل إلى النساء، لكن لم يقع منه عزم على الزنا بها.
وفي الخبر: أنّه ما أمسى يوسف في ذلك اليوم(3) الذي رأته النساء فيه، حتى بعثت إليه كلّ امرأة رأته تدعوه إلى نفسها، فضجر يوسف، فقال: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾.
أقول: «أَحبّ» ليس من أفعال التفضيل.(4)
[36] قوله: ﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، قال: كان يقوم على المريض، ويلتمس
ص: 247
للمحتاج، ويوسّع على المحبوس(1)».(2)
[33] وقال يوسف لمّا طال حبسه: بماذا استحققت الحبس ياربّ؟ فنزل جبرئيل وقال: «لِمَ(3) قلتَ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ﴾؟ فاستجاب الله دعاءك فيما سألته».(4)
[49] قوله: ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾، أي: يُمطرون.
وقرأ رجل على أمير المؤمنين علیه السّلام: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾(5) فقال: «ويحك! أيّ شيء يعصرون؟ أَيَعصرونَ الخمر؟!» قال الرجل: يا أمير المؤمنين، كيف أقرؤها؟ قال: «إنما نزلت: (عام فيه يُغاث الناس وفيه يُعصَرُون)، أي: يُمطَرون بعد سني المجاعة».(6)
فوضعها في الكناديج، وفعل ذلك سبعَ سنينَ.
فلمّا ذهبت سنونُ الخصبِ وجاءتْ سِنُوْ الجَدْبِ، كان يُخرجُ السُّنبلَ، فيبيعُ بما شاء، وكان بينه وبين أبيه ثمانيةَ عشرَ يوماً، وكانوا في باديَة، وكان الناسُ من الآفاقِ يخرجون إلى مصرَ ليمتاروا طعاماً، وكان يعقوبُ وولدُه نزولاً في باديةٍ فيها مِقْل(1)، فأخذ إخوةُ يوسفَ من ذلك المِقْل، وحملوه إلى مصرَ ليمتاروا طعاماً، وكان يوسفُ يتولّى البيعَ بنفسِه. فلمّا دخل إخوتُه عليه عرَفهم ولم يعرفوه، كما حكى اللهُ عزّ وجلّ: ﴿وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ*ولمّا جهّزهم بجهازِهم) فأعطاهم، وأحسن إليهم في الكيل، قال لهم:[«مَن أنتم؟» قالوا: نحن بنو يعقوبَ بنِ إبراهيم، خليلِ الله الذي ألقاه نمرودُ في النار فلم يحترق، وجعلها الله عليه بَرْداً وسلاماً.
قال: «فما فعل أبوكم؟» قالوا: شيخٌ ضعيف.
قال: «فلكم أخٌ غيرُكم؟» قالوا: لنا أخٌ من أبينا، لا من أُمِّنا.
قال:](2) ﴿فَإِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيَّ فَأْتُونِي بِأَخِيكُم مِّنْ أَبِيكُمْ﴾. قالوا: نعم.
قال: ﴿فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي﴾».(3)
[67] قوله: ﴿لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ﴾... الآية، وذلك أنّهم كانوا قد أُعطوا الحُسنَ والجمالَ الرائع، فخاف عليهم العين إذا دخلوا مجتمعين، وهم بهذه الصفة.
[72] قوله: ﴿وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾، أي: كفيل.(4)
[76] قوله: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾، أي: احتلْنا له في أن حبس أخاه عنده.
[70 - 77] وسُئل الصادق عليه السّلام عن قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾، قال: «ما سرقوا
ص: 249
وما كذبَ يوسفُ، فإنّما عُنِيَ: سرقتم(1) يوسفَ من أبيه».(2)
[أقول:] وفي هذا النقلِ نظرٌ؛ لأنّ إخوةَ يوسفَ ما سرقوا يوسفَ من أبيه، وإنما احتالوا وأخرجوه معهم، ولا يُسمّى هذا سرقة. والمنادي لم يكن يوسف، وإنّما كان بعضُ أصحابه، قال: يا أهلَ العير.
فلمّا أخرجَ يوسفُ الصُّواعَ من رَحْلِ أخيه، قال إخوةُ يوسف: ﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾، يعنون يوسف، فتغافل يوسف عنهم، ولم يُبدِها لهم، وهو قولُه: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾.(3)
يعنون أنّ عمّةَ يوسفَ كانت تُحبّه، وهو عندها، فطلبه أبوهُ منها، فحزنت من ذلك، [وقالت له: دَعْه، حتى أُرسله إليك. فأرسلته، وأخذت منطقةً كانت لإسحاق، فشدّتها في وسطه](4) وألبسته تحت ثيابه. فلمّا أتى يوسفُ أباه، جاءت فقالت: سرقتَ المنطقة. ففتّشته، فوجدتها في وسطه [فلذلك قال إخوة يوسف: ﴿إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ﴾، ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾](5).(6)
[أقول:] أرى في هذه الحكاية أيضاً نظر، وقرئ: (فإن سُرِقَ فقد سُرِّقَ أخٌ له) (7) شكٌّ ما لم يمرّ عليه -، وذلك خبر (إن).
[79 - 80] قوله: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ﴾ ولم يقل: إلّا من سرق متاعنا. قال: فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم، وتخلّف يهوذا، ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ﴾ وأرادوا
ص: 250
الانصراف إلى أبيهم، قال لهم لاوي: يا بني يعقوب ﴿أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ﴾... الآية.(1)
[84] قوله: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾، أي: عَمِيَتْ من البكاء. ﴿فَهُوَ كَظِيمٌ﴾، أي: محزون مغموم، والأسَف: أشدّ الحزن.
سُئل أبو عبد الله عليه السلام: ما بلغَ من حزنِ يعقوب على يوسف؟ قال: «حزنُ سبعين ثكلى بأولادها». وقال: «إنّ يعقوبَ لم يَعرف الاسترجاع، ومن هنا قال: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾».
[85 - 93] قوله: ﴿تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾، أي: لا تفتُرُ عن ذِكر يوسف. ﴿حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾، أي: ميتًا.(2)
فَرُوِيَ: أنّ يعقوب سألَ الله أن يُنزِلَ عليه مَلَك الموت، فنزل عليه مَلَك الموت في أحسن صورة، وأطيب رائحة.فقال له: من أنت؟
قال: أنا مَلَكُ الموت، أليس سألتَ الله أن يُنزِلني عليك؟
قال: نعم.
قال: ما حاجتُك يا يعقوب؟
قال له: أخبِرني عن الأرواح(3) أتقبِضُها أنت بنفسك؟
قال: بل يَقبِضُها أعواني من الملائكة متفرّقة، ثمّ تُعرضها عليّ مجتمعة.
قال يعقوب: فأسألُك بآلِ إبراهيم، هل عُرِضَ عليك في الأرواح روحُ ابني يوسف؟
فقال: لا.فطَمِع يعقوبُ في حياةِ يوسف، فحينئذ قال: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.ثمّ قال لولده: ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾... الآية.(4)
وكتب إلى يوسف، ولم يعلم أنه يوسف، ولكنّه طَمِعَ أن يكون حيًّا، وقد كان مَلِكُ مصر مات، وصار الملك ليوسف، فكتب إليه:
ص: 251
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ: من يعقوب إسرائيلَ الله، ابنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ خليلِ الله. أمّا بعد، فإنّ البلاءَ موكّلٌ بني آدمَ، إنّ جدّي إبراهيمَ ألقاه نمرودُ ملكُ الدنيا في النار، فلم يحترق، وجعلها اللهُ عليه بردًا وسلامًا، وإنّ أبي إسحاقَ(1) أمر اللهُ تعالى جدّي أن يَذبحه بيده، فلمّا أراد أن يَذبحه، فداه اللهُ بكبشٍ(2) عظيم، وإنّه كان لي ولدٌ لم يكن في الدنيا أحدٌ أحبَّ إليَّ منه، وكان قرّةَ عيني، وثمرةَ فؤادي، فأخرجَه إخوته ثم رجعوا إليّ، وزعموا أنّ الذئبَ أكله، فحَدَبَ لذلك ظهري، وذهبَ من كثرة البكاء عليه بصري، وكان له أخٌ من أمّه، كنتُ آنسُ به وأتسلّى، فخرج مع إخوته إلى ما قِبَلكَ(3) ليمتاروا لنا طعامًا، فرجعوا إليّ وذكروا أنّه سرقَ صُواعَ الملك، وأنّك حبسته، وإنّا أهلُ بيتٍ لا يليق بنا السرقُ ولا الفاحشة، وأنا أسألُك بآلِ إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلّا ما مَنَنْتَ عليّ به، وتقرّبتَ إلى الله، ورددتَه إليّ.
فلمّا وردَ الكتابُ على يوسف، أخذَه، ووضعه على وجهِه، وقبَّله، وبكى بكاءً شديدًا، ثم نظرَ إلى إخوته، فقال لهم(4): ﴿هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾... الآية.(5)
فقالوا كما حكى الله عزّ وجلّ: ﴿لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ* قال لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي: لا تَعيير(6) (يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).(7)
ثمّ قال: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي﴾... الآية، فيُقال: إنّ ذلك القميصَ، قميصُ إبراهيمَ الذي كان عليه حين ألقاه نمرودُ في النار، فلم يحترق، وكان مخيطًا في تميمةٍ مُعلّقًا في عُنقِ يوسف.
ص: 252
[94] قوله: ﴿تُفَنِّدُونِ﴾، أي: تَكْذِبُونَ.(1)
[98] قوله: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ قال العالِم: انتظرْ إلى السَّحر كي لا يُرَدّ؛ لقوله: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾.(2)»(3).
[100] فرحل يعقوبُ وأهله إلى مصر، وقعد يوسفُ على سريره، ووضع تاج الملك على رأسه، فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة، فلمّا دخل أبوه وأمُّه، قال يوسف:﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ﴾... الآية».(4)
ورُوي عن العالِم، أنه قال: «لمّا دخل يعقوبُ على يوسفَ، لم يقمْ له، فنزل جبرئيل، فقال له: يا يوسف، أخرج يدَك. فأخرجها(5)، فخرج من بين أصابعِه نور، فقال: ما هذا؟ فقال: هذه النُّبوّة، أخرجها الله من صُلبك، لأنّك لم تَقُمْ لأبيك(6)،فلا يكون من صُلبك نبيٌّ، كما لم تَقُمْ لأبيك.فمحا النبوّةَ من صُلبك، وجعلها في وَلَدِ(7) لاوي؛ لأنّه لمّا حَبَس يوسفُ أخاه قال: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي﴾(8) فشكر الله له ذلك، فجعل الله النبوّةَ في صُلبه، فكان أنبياءُ بني إسرائيل من وَلَدِه، وكان موسى من وَلَدِه، وهو: موسى بن عمران بن يَصْهَر بن وَاهِب بن أَفْرَاثِيم(9) بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».
ورُوي في الخبر: «أنّ يعقوبَ ليلةَ صار إلى يوسف، قال: يا بنيّ، أخبرني ما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي؟
قال: يا أبتِ، اعْفُني من ذلك».
ص: 253
قال: فأخبِرني ببعضِه؟
فقال: يا أبتِ، إنّهم لمّا أدنَوني من الجُبِّ، قالوا: انزِعْ قميصَك، فقلت لهم: يا إخوتي، اتَّقوا اللهَ، ولا تُجرِّدوني، فسلُّوا عليَّ السكِّين، وقالوا: لَئِن لم تنزع لنذبحنَّك، فنزعتُ القميص، فألقَوني في الجُبِّ عُريانًا.
قال: فشهق يعقوبُ شهقةً، وأُغميَ عليه، فلمّا أفاق، قال: يا بُنيّ، حدِّثني.
فقال: يا أبتِ، أسألُك بإلهِ إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ، إلّا ما أعفيتني.فأعفاه.
قال: ولمّا مات العزيز — وذلك في السِّنين المجدِبة — افتقرت امرأةُ العزيز، واحتاجت، حتى سألتِ الناس، فقالوا لها: ما يضرُّكِ لو قعدتِ للعزيز — وكان يوسف يُسمّى: العزيز —؟ فقالت: أستحيي منه لما فعلتُ به. فلم يزالوا بها، حتى قعدتْ له على الطريق، فأقبل يوسفُ في موكبه، فقامت إليه، وقالت:سبحان من جعلَ الملوكَ بالمعصية عبيدًا، وجعلَ العبيدَ بالطاعةِ ملوكًا.
فوقف لها يوسف، وقال: أنتِ هاتيكِ؟
فقالت: نعم — وكان اسمُها زُليخا —
فقال لها: هل لكِ فيَّ؟
قالت: أَنَّى؟!(1)بعد ما كَبِرتُ؟ أَتَهزَأُ بي؟
قال: لا(2).
قالت: نعم، فأمرَ بها، فحُوِّلت إلى منزلِه، وكانت هرِمَة.
فقال لها يوسف: ألستِ فعلتِ بي كذا وكذا؟
فقالت: يا نبيّ الله، لا تَلُمْني، فإنّي بُليتُ ببليّةٍ(3) لم يُبْلَ بها أحدٌ.
قال: وما هي؟
قالت: بُليتُ بحُبِّك، ولم يخلُقِ الله لكَ في الدنيا نظيرًا، وبُليتُ بحُسْني(4)، بأنّه لم تكن في مصرَ امرأةٌ أجملَ منّي، ولا أكثرَ مالًا منّي، نُزِع عنّي مالي، وذهب عنّي جمالي، وبُليتُ بزوجٍ عَنِّين.
ص: 254
فقال لها يوسف: وما حاجتُكِ؟
قالت: تسألُ الله أن يَرُدَّ عليّ شبابي.
فسألَ اللهَ، فرَدَّ عليها شبابَها، فتزوّجَها وهي بِكْرٌ».(1)
[106] قوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُشْرِكُونَ﴾.الشِّرْكُ على وجوهٍ: شِرْكُ عبادةٍ، وشِرْكُ طاعةٍ، وشِرْكُ رياءٍ:
فالأول: كقوله عيسى عليه السلام: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾.²(2)
الثاني: كقوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُشْرِكُونَ﴾، معناه: أنّهم يُؤمنون بالله ويُطيعون أعداءه.
والثالث: كقوله: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.(3) أي: لا يعبدُ الله رياءً، فيُشرِك بعبادة ربِّه.(4)
ص: 255
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[4] قوله: ﴿صِنْوَانٌ﴾، والصنوان: التَّالَةُ(1) التي تنبت من(2) أصلِ الشجرة، والصنوان: القرابة.
[6] قوله: ﴿وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ﴾،يعني: العذاب.(3)
[7] قوله: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «المنذر: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والهادي: أميرُ المؤمنين عليه السلام، وبعده الأئمة عليهم السلام، والهّاد: المبيِّن، في كل زمان إمامٌ هادٍ من وُلده».(4)
والهُدى في كتاب الله عزّ وجلّ على وُجوه:
منه: البيان، كقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، أي مبيِّن؛ وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾(5)، أي: يُبيِّن لهم؛ وقوله: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾(6) أي: بيان؛ وقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾(7) أي: بيَّنّا لهم.
ص: 256
ومنه: الثواب، وهو قوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾(1)أي: لَنُثيبهم.
ومنه: النجاة، وهو قوله: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾(2)، أي: سينجِّيني.
ومنه: الدلالة، وهو قوله: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾(3)، أي: أَدُلُّك.(4)
قوله: ﴿وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾، أي: ما تسقُط من قبل التمام.﴿وَمَا تَزْدَادُ﴾، يعني: تزداد على تسعة أشهر.(5)
[11] وقوله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾. رُوي أنّها قُرئت عند أبي عبد الله صلوات الله علیه(6)، فقال للقارئ:«ألستم عَرَباً؟ فكيف تكون المعقِّبات من بين يديه؟ وإنّما المعقِّب من خلفه.» فقال الرجل: جعلتُ فِداك، كيف هذا؟ فقال: «إنما نزلت: «له معقِّباتٌ من خلفه، ورقيبٌ من بين يديه، يحفظونه بأمر الله(7))».(8)
قوله: ﴿وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾، أي: دافع.(9)
[13] قوله: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ﴾،ملكٌ يسوقُ السحاب.(10)
[14] قوله: ﴿إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ﴾، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «جاء رجلٌ إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: يا رسول الله، رأيتُ أمراً عظيماً.
فقال: وما رأيت؟
قال: كان لي مريض، وبُعِثَ له ماءٌ من بئرٍ بالأحقاف(11) يستشفى به في برهوت(12)-
ص: 257
قال: - فانتهيتُ(1) ومعي قِرْبة وقدَحٌ لأخذ من مائها، فإنّي لأغرفُ بقدَحي من الماء، وأصبُّ في القِربة، وإذا بشيءٍ قد هبط من جوّ السماء كهيئة السلسلة، وهو يقول: العَطش العَطش، يا هذا، اسقِني، الساعةَ أموتُ، فرفعتُ رأسي، ورفعتُ إليه القدَحَ لأسقيَه، فإذا رجلٌ في عنقه سلسلة، فلمّا ذهبتُ أناوِلُه القَدَح، اجتُذِبَ منّي حتى عَلِق بالشمس.
ثمّ أقبلتُ على الماء أَغترفُ، إذ أقبل الثاني، وهو يقول: العَطش، العَطش، يا هذا، اسقِني، الساعةَ أموتُ، فرفعتُ القَدَح لأسقيَه، فاجتُذِبَ منّي حتى عُلِّق بالشمس، حتّى فعل ذلك الثالثة، فقمتُ، وشدَدتُ قربتي، ولم أَسقِه.
فقال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ذاك قابيلُ بنُ آدمَ الذي قتل أخاه، وهو قولُه عزّ وجلّ: ﴿إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ﴾...الآیة»(2)
قوله: ﴿إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾، أي: في بُطْلان.
[13] قوله: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾،المِحال: العذاب.
أقول: المِحال: العقوبة، والنكال، والكيد، والمَكْر، ويُقال: المِحال من قولهم: محَلَ فلانٌ بفلان إلى السلطان، أي: سعى به وعرَّضه للهلاك.(3)
[17] وأما قوله: ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا﴾،أي: مرتفعًا.(4)
[21 – 25] قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾. عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «إنّ رَحِمَ آلِ محمدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم مُعَلَّقةٌ بالعرش، تقول: «اللهمَّ صِلْ مَن وصلني، واقطعْ مَن قطعني،وهي تَجري في كلِّ رحم.
ونزلت هذه الآية في آلِ محمد، وما عاهدَهم عليه، وما أخذ عليهم من الميثاق في الذُّرِّ من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، والأئمة عليهم السلام بعده، وهو قولُه: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن
ص: 258
بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾: يعني عهدَ أمير المؤمنين عليه السلام،وهو الذي أَخَذَهُ عليهم في الذّر، وأخذ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم له يوم غدير خُمّ.(1)»(2).
قوله: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾،يعني: صِلَةَ آلِ محمّدٍ.
[29] قوله: ﴿طُوبَى لَهُمْ﴾، رُوي: «أنها شجرةٌ في الجنة، في دار أمير المؤمنين عليه السلام، وليس أحدٌ من شيعته إلّا وفي داره غُصنٌ من أغصانها».(3)
﴿وَحُسْنُ مَآبٍ﴾: والمآب: المرجع.(4)
[31] قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ﴾،أي: لَمّا كان إلّا هذا.(5)
وقوله: ﴿قَارِعَةٌ﴾، أي: عذاب.(6)
[33] قوله: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾،أي: مُبَيِّن، وقيل: مُرْشِد.
[35] قوله: ﴿تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، أي: ثواب.
[39] قوله: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، قال أبو عبد الله عليه السلام: «اقرأ هذه الآية: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، فقال: ما أنتم عَرَب؟ وهل يَمحو اللهُ إلّا ما أثبَت؟».
وسأله حُمران عن هذه الآية، فقال: «يا حُمران، إذا كانت ليلة القدر، نزلت الملائكة والرُّوح والكَتَبَة إلى سماء الدنيا، فيَكتبون ما يكون من قضاء الله تبارك وتعالى في تلك السنة. فإذا أراد الله أن يُقدِّم أو يُؤخِّر، أو يُنقِص شيئاً أو يَزيدَه، أمر الملك أن يَمحو ما يشاء، ثم يُثبِت الذي أراد».
قلت: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾، أمُثبَتٌ في كتابه؟
قال: «نعم».
ص: 259
قلت: فَيَكونُ الذي أراد كذا وكذا، ثمّ كذا وكذا، حتّى يَنتَهي إلى آخره؟
قال: «نعم».
قلت: فَأَيُّ شيء يكون بعدُ؟
قال: «سبحان الله، ثم يُحدِثُ اللهُ أيضاً ما يشاء، تبارك الله وتعالى».(1)
[35] قوله: ﴿وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾،يعني: يكون ثواب الكافرين النار.(2)
[41] قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾، قال: «موتُ علمائها».
[43] وقوله: ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾، قال الباقر عليه السلام: «إيّانا عنى، وعليٌّ أوّلُنا وآخِرُنا، وأفضلُنا، وخيرُنا بعدَ النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم».(3)
و قال الصادق عليه السلام: «﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾: أميرُ المؤمنين عليه السلام، عنده علمُ القرآن».(4)
ص: 260
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
[5] قوله: ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾، رُوي في الحديث: قال: «أيّامُ الله ثلاثة: يومُ القائم عليه السلام، ويومُ الموت، ويومُ القيامة».(1)
[7] قوله: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾، أي: أَعْلَمَ.
قوله: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، قال الصادق عليه السلام:«يقول الله: أيُّما عبدٍ أنعم اللهُ عليه بنعمة، فَعَرَفها بقلبه، وحمدَ الله عليها بلسانه،لم يُنفذ كلامُه حتّى يأمرَ الله له بالزيادة».(2)
[15] قوله: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾، أي: خَسِر.(3)
[16–17] قوله: ﴿وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ﴾: الذي يخرج من فروج الزواني. ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾،قال: «يُقرّب إليه فيَتكرهه(4)، فإذا أُدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه،فإذا شَرِبَهُ تقطّعت أمعاؤه، ومُزِّقَت إلى تحت قدميه(5)».(6)
ص: 261
[18] قوله: ﴿الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾،وهي التي تجيء من كلّ جانب(1)](2).
[21] ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً﴾،لفظه ماضٍ، ومعناه مستقبل.(3)
قوله: ﴿لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ﴾،فالهداية - ها هنا -: الثواب.(4)
[22] ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾: أي بمعينكم،﴿وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ﴾: أي بمعيني.
﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾،الكفر - ها هنا -: البراءة.(5)
[24–26] قوله: ﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ...﴾ الآية،عن الباقر عليه السلام قال: «الشجرة: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، و(أصلها): نسبه ثابتٌ في بني هاشم، وفرع الشجرة: علي بن أبي طالب عليه السلام، وغُصن الشجرة: فاطمة عليها السلام،
وثمرتها: الحسنان عليهما السلام، والأئمّة عليهم السلام،وشيعتهم: ورقها، وإنّ المؤمن من شيعتنا ليموت، فتسقط من الشجرة ورقة، وإنّ المولود المؤمن ليولد للمؤمن، فتورق الشجرة ورقة(6)».
قلت: أرأيت قوله: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾؟
قال: «يعني بذلك: ما يُفتي به الأئمّة شيعتَهم؛ فهذا مثل آل محمّد(7)،ومثل أعدائه: قوله: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ...﴾ الآية».(8)
[27] ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال: «عند الموت»، و ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾، قال: في القبر، وهو ما يُسأل عنه ربه ونبيه وإمامه».(9)
ص: 262
[28] قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا﴾، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:«نزلت في الأفجرين من قريش: بني أميّة، وبني المغيرة».(1)
[31] قوله: ﴿لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾،يعني: الصدِّيقين.(2)
[35 – 36] وقوله يحكي قول إبراهيم:﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾،يعني: مكّة،﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ*رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾،فإنّ الأصنام لم تُضلّ، وإنما ضَلّ(3)3. في «ص» و «ق»: «ضَلّوا».(4) الناس بها. (5)
[41] قوله: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾،قال الصادق عليه السلام:«هو آدم وحوّاء»، أي: أنّهما كانا سببًا لذلك».
أقول: وقد قُرِئ: ﴿وَلِوَلَدَيَّ﴾(6)،يعني: إسحاق وإسماعيل، وهي قراءة صحيحة المعنى، وإنّ الذي يُريد أن أباه كان غير آزر الكافر، لأنّ النبي لا يدعو للكافر بذلك.
[43] قوله: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾، أي: لا يقدرون أن يطرفوا أعينهم، فتبقى أعينهم مفتوحة.(7)
وقوله: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾:قلوبهم تتصدّع من الخفقان.(8)
أقول: وقيل: جوْف لا عقول لها،وقيل: مُخرّمة لا تَعي شيئًا، وقيل: صُفْرٌ فارغة، أي: ليس لهم عقول.
[45] قوله: ﴿وَسَكَنتُم فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ﴾،قال: «هم الدَّهريَّة».(9)
ص: 263
[ أقول:] بفتح الدال: منسوبون إلى الدهر، وهم الذين يقولون ببقاء الدهر(1)، وأمّا الدهر، فإنّ أهل الكلام يقرؤونه بضمّ الدال؛ لأنّه ما ليس يغيّره الشمس.
[48] قوله: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ﴾، قال: «تُبدّل الأرض خُبْزَةً بيضاء، يأكل منها المؤمنون حتى يفرغ الله من حساب الخلق».(2)
وعن الباقر عليه السلام: «تُبدّل بأرض بيضاء نقيّة كالدُّرَّة المُصَفَّاة،لم يُرَقّ عليها دمٌ حرام، ولم يُشْرَك عليها بالله، ولم يُعْمَل عليها بالمعاصي».وهو أنسب.(3)
ص: 264
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
[2] قوله: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من عند الله: لا يدخل الجنة إلا مسلم، فَيَومَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ».(1)
وعن الباقر عليه السلام، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا تزول قدم يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن أربع خصال: عُمره فيما أفناه، وجسده فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيما وضعه(2)، وعن حبّنا أهل البيت».(3)
[8] قوله: ﴿وَمَا كَانُوا إِذًا مُنظَرِينَ﴾، يقول: «لو أنزلنا الملائكة لَما أُنظروا، وهلكوا».(4)
[14] قوله: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ...﴾ الآية، هذه الآية معطوفة على قوله: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنظَرِينَ﴾، وقد كُتِبَت بينها آيات، وهو دليلٌ على أنّ القرآن منقطعٌ معطوف.
ص: 265
[16] قوله: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾... الآية. روي: أن الشياطين قبل مولد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كانوا يعرجون إلى السماء، فلما ولد9 حُجبوا عن السماوات ورُموا بالشهب».(1)
وولد عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، يوم الاثنين.
أقول: فيه نظر؛ لأنه وُلد ليلة سبع عشر من ربيع الأول، وقد وُضع لذلك زيارة أمير المؤمنين، وأن ما قاله، إن كان قاله على سبيل التقيّة؛ لأنه عندهم أنه وُلد ليلة اثنا عشر من ربيع الأول. والأوضح الأصح الأول. وخرج من أمه نور أضاء ما بين السماء والأرض.(2)
[27] قوله: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ قال: هو إبليس.
[42] قوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ قال الباقر عليه السلام: «لا يملك أن يُدخلهم جنة ولا نار».
[53] قوله: ﴿إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ قال: بإسحاق.(3)
[54] قوله: ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ﴾ قال: فأنكر إبراهيم، وقال: «كيف يُولد لي وأنا شيخ كبير؟».
[55] قوله: ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ﴾ أي: الآيسين.
[75–76] قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ*وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ﴾ قال الصادق عليه السلام: «نحن المتوسمون، والسبيل فينا مقيم، والسبيل: طريق الجنة».(4)
ص: 266
[78] قوله: ﴿وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ﴾يعني: أصحاب الغيضة(1)، وهم قوم شعيب.(لَظالِمینَ).(2)
[80] قوله: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾ يعني: قوم صالح.
[87] قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي﴾ يعني: سورة الحمد.(3)
[91] قوله: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ أي: فرقاً، وهم قريش.(4)
[94–95] قوله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ *إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾؛ نزلت بمكة، بعد أن نبّئ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(5) بثلاث سنين. وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نبّئ يوم الاثنين، ثم أسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
أقول: المشهور أن خديجة علیهما السّلام أول من أسلمت من النساء، وعليّ عليه السلام أول من أسلم من الرجال، هذا المُجمَع عليه بين المسلمين.
ثمّ جعفر وزيد، فكان یُصلّی رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعليّ علیه السّلام وجعفر وزيد، وخديجة خلفهم، فلما أتى لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاث سنين نزل: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ...﴾ (6)الآية، وكان المستهزئون برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خمسة:الوليد بن المغيرة، العاص بن وائل، الأسود بن المطلب، الأسود بن عبد يغوث، الحارث بن الطلاطلة الخزاعي. وكل واحد من هؤلاء أشار إليه جبرئيل علیه االسلام فهلكوا.(7)
ص: 267
[1] قوله: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾قال: «نزلت بعد ما (1)سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن ينزل عليهم العذاب».(2)
[5] قوله: ﴿دفء﴾ يعني: ما يدفئ.
[6] قوله: ﴿حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾، قال: «حين ترجع من المرعى ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾: حين تذهب إلى المرعى».(3)
[7] ثمّ قال: ﴿إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ﴾ قال: «إلى مكة والمدينة وجميع البلدان».(4)
[10] قوله: ﴿تُسِيمُونَ﴾ أي: تزرعون.
أقول: الصحيح ترعون.(5)
[16] وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
ص: 268
«العلامات: الأئمة علیهم السّلام ، و النجم: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين صلّی الله علیهم».(1)
[25] قوله: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ممّن يقتدي بهم ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾.
وقد قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبة خطبها بالمدينة، بعد ما بويع له بخمسة أيام، رواها علي بن إبراهيم، وأنّه قال فيها: «وأعلموا أنّ لكلّ حقّ طالباً، ولكلّ دمٍ ثائراً، والطالب لحقّنا كقيام الثائر بدمائنا، والحاكم في حقّ نفسه هو العادل الذي لا يَحيف، والحاكم الذي لا يجور(2)، وهو الله الواحد القهّار.
واعلموا أنّ على كلّ شارعٍ بدعة، وزرها، ووزر كلّ مُقتدٍ(3) به من بعده على البدعة، من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيئاً، وسينتقم الله من الظلمة مأكلاً بمأكل، ومشرباً بمشرب، من لُقم العلقم، ومشارب الصبر الأدهم(4)، فليشربوا بالصُبّ(5) من الراح(6) السُمّ المداف، وليلبسوا دثار(7) الخوف دهراً طويلاً، ولهم بكل ما أتوا وعملوا من أفاويق(8) الصبر الأدهم فوق ما أتوا وعملوا، أمّا إنّه لم يبقَ إلا الزمهرير من شتائهم، وما لهم من الصيف إلا رقدة، ويحهم ما تزودوا، وجمعوا على ظهورهم من الآثام والخطايا.
فيا مطايا الخطايا، ويا زور الزور، وأوزار الآثام مع الذين ظلموا، اسمعوا واعقلوا وتوبوا، وابكوا على أنفسكم، فسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
فأقسم ثم أقسم، ليتحملنّها بنو أميّة من بعدي، وليعرفنّها في دارٍ غيرهم عمّا قليل،
ص: 269
270
فلا يُبعِد الله إلّا من ظلم، وعلى البادي – يعني به: الأوّل – ما سهّل لهم من سبيل الخطايا مثل أوزارهم، وأوزار كلّ من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة، والله على ما أقول شهيد كفيلّ».(1)
أقول: يؤيّد ذلك ما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر العامل بها إلى يوم القيامة».(2)
[38] قوله: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ﴾؛قال: «نزلت في الرجعة».(3)
[47] قوله: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ قال: «على تَنَقُّص».(4)
[48] قوله: ﴿يَتَفَيَّؤُا ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ﴾ قال: «تحريك الظلّ وتحويله يمنةً ويسرةً، كلّه سجود وتسبيح».(5)
[52] قوله: ﴿وَاصِباً﴾ قال: «واجباً».(6)
[56–57] قوله: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ قال: «يجعلون للأصنام في زرعهم وأنعامهم نصيباً». وقد شُرح نظيرها في قوله: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيباً﴾(7)... الآية.
ص: 270
قوله: (ولهُم مّا یَشتَهون) یعنی: البنین.(1)
[66] و قوله: ﴿مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ﴾، قال: «الفرث: الذي يكون في الكرش».(2)
[72] قوله: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً﴾ يعني: الرجال خُلق منهم النساء.
أقول: أي من جنسكم، أو خُلق أزواجاً مثلكم وشبهكم إلّا في الذكورة والأنوثة.
و هذا ردّ علی قول من قال: إنّ حوّاء خلقت من ضلع من آدم.(3)
وقوله: ﴿وَحَفَدَةً﴾ قال: «الأختان».(4)
[75] قوله: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ قال: «لا يتزوّج ولا يُطلّق».(5)
أقول: هذه الآیة تدلّ عی أنّ العبد لا یملک شیئاً مطلقاً.(6)
[81] قوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ يعني: القمص ﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ يعني: الدروع(7).
[89] قوله: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً﴾، قال: «لكلّ زمان إماماً».(8)
[84] قوله: ﴿وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَٰؤُلَاءِ﴾ يعني: على الأئمة؛ أي: يكون رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم
ص: 271
شهيداً على الأئمة، والأئمّة شهداء على الناس .(1)
[90] قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ﴾ یعنی: الأئمّة.
وقوله: ﴿وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ یعنی: الثلاثة الذين تقدموا(2).
[91] قوله: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ﴾ یعنی: عهد أمير المؤمنين الذي أخذه رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم عليهم.(3)
[92] ثمّ ضرب الله لهم مثلاً، فقال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) أي: إن نقضتم عهدكم كنتم مثل الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثَاً.
أقول: هي إمرأة من قريش كانت تغزل مع جوارها، فإذا فرغت نقضت ما غزلته، أي: لا تنقضوا عهده بعد أن أخذه الرسول عليكم.(4)
قوله : أَن تَكُونَ أُمَّةً هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ، فإنّه روي عن أبي عبد الله : أنه قال لقارئ هذه الآية: «ويحك، ما أربي؟ إنّما نزلت: ( أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم)».(5)
[97] قوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، قال: «القنوع بما رزقه الله ».(6)
[98] قوله: الشَّيْطَانِ الرَّجِيم». قال الصادق : الرجيم : أخبث الشياطين، وسمّي
ص: 272
رجيماً لأنه يُرجم».(1)1. رواه البحراني في البرهان، ج 3، ص 453، عن تفسير القمّي.وراجع أيضاً تفسيره في ج 2، ص 270، ح 67 و 68.(2)
[99] قوله:﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾قال: «ليس له أن يزيلهم عن الولاية، فأما الذنوب فإنّهم ينالون منه كغيرهم».(3)
[106] قوله: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ نزلت في عمّار بن ياسر. وذلك أن قريشاً أخذته بعد ما هاجر رسول الله صلّی الله عیه وآله وسلّم إلى المدينة، فقالوا: لا نخلي عنك حتى تتبرأ من محمد وتكفر به، فبرئ وكفر، ثم هرب منهم وجاء إلى النبي صلّی الله عیه وآله وسلّم فقال رسول الله صلّی الله عیه وآله وسلّم حين نظر إلیه: «أفلح وجهك يا عمّار» فقال عمّار: وكيف أفلح وجهي وقد برئت منك؟ قال رسول الله صلّی الله عیه وآله وسلّم: «كيف قلبك؟» قال: مطمئن. قال صلّی الله عیه وآله وسلّم: «فلا عليك، فنزلت» (4).
وَرُوِيَ: «أنّ عمّاراً وأبوه ياسر وأمه سُمَيّة أُسروا من قبل قريش(5)، فقالوا لأمه: تبرئي من محمّد، فلم تتبرّأ، فشدوها في رجليها بحبلين وربطوهما إلى جملين مخالفين، ففضحاها. وأما أبوه فشکوه بالسيف(6)، وكان أوّل من قُتل في الإسلام اُمة سمیّة و أبوه یاسر.
وأمّا عمّار، لما تبرأ(7) من رسول الله صلّی الله عیه وآله وسلّم، خلّوا عنه، فقيل لرسول الله: إنّ عماراً ارتد كافراً ، فقال النبي صلّی الله عیه وآله وسلّم: كلا، إنّ عمّار ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه بقبيله». القبيل: الجماعة.(8)
[112] قوله (وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً).... الآية نزلت في قوم كان لهم نهر، يقال له: الثرثار(9)، وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير، فكانوا يستنجون بالعجين، ويقولون: هو ألين لنا فكفروا بأنعم الله واستخفّوا(10) بنعمة الله، فحبس الله عنهم الثرثار،
ص: 273
فأجدبوا(1) حتّى أحوجهم الله إلى أكل ما كانوا يستنجون به.(2)
[126] قوله: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا ...﴾ الآية، نزلت في غزاة أُحد لما وقف رسول الله صلّی الله عیه وآله وسلّم على حمزة، وقد مُثِّل به، وقد تقدَّم ذلك.(3) (4)
ص: 274
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
[3] قوله: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان نوح إذا أمسى وأصبح يقول: أمسيت أشهد أنّه ما أمسى بي(1) من نعمة في دين أو دنيا فإنّها من الله وحده لا شريك له، له الحمد عليّ بها كثيراً، والشكر كثيراً، فأنزل الله: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾».(2)
[4] قوله: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: أعلمنا.
القضاء على وجوه؛ منه: الإعلام.
ومنه: الأمر، وهو كقوله: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾(3) أي: أمر.
والفراغ، وهو قوله: ﴿فَلَمَّا قُضِيَ﴾(4) أي: فَرَغَ.
قوله: ﴿وَلِيُبَتِّرُوا مَا عَلَوْا تَبْتِيرًا﴾ أي: يُدَمِّروا تَدمِيراً.(5)
[8] قوله: ﴿حَصِيرًا﴾ أي: حَبْساً \[يُحصَرون فيه].(6) (7)
ص: 275
[11] وقوله: ﴿ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ، قال : « يدعو على نفسه بالشركما يدعوا لنفسه بالخير، ويستعجل الله العذاب»1. وقيل : يدعوا على نفسه بالشر إذا كان حرجاً (1) مثل ما يدعوا بالخير.(2)
[12] قوله: ﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ)، قال: «المحو في القمر ». (3)
[13] وقوله: ﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال: «قدره الذي قدره(4) عليه ». (5)
أقول: وقيل: عمله.(6)
[20] قوله : كُلاً نُّمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ المطبع والمذنب ﴿ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَمَحْظُوراً) أي: ممنوعاً . (7)
[29] قوله: (محسوراً)، المحسور المبهوت المنقطع.(8)
[14] قوله: ﴿ أَقْرَأْ كِتَابَكَ)... الآية، قال: «يذكر جميع ما عمل وما كتب عليه حتّى كأنّه فعله تلك الساعة ». (9)
[23] وقوله: ﴿فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ)، قال: «هو أدنى الأذى».(10)
[26] قوله: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ).
ص: 276
قال: «أتت فاطمة علیهما السّلام أبابكر تريد فدك، قال لها: هاتي أسود وأحمر يشهد لكِ. قال: فأتت بأمّ أيمن، فقال لها: بم تشهدين؟ قالت: أشهد أن جبرئيل علیه السّلام أتى محمّداً ، قال: إن الله يقول لك: آتِ ذا القربى حقه. فلم بدر محمد من هم، فقال: يا جبرئیل سل ربك من هم؟ فقال: فاطمة ذي القربي فأعطاها(1) أبو بكر فدك».
قال: «فجاء. اء عمر فمحا الصحيفة، وقد كان كتبها أبو بكر».(2)
أقول: المشهور والمذكور في كتب التواريخ أنّ فاطمة علیهما السّلام أتت بعلي والحسنين وأم أيمن - وكان رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم قد شهد لها بالجنّة - فلم يسمع قولهم بفرية في ذلك،(3) فكتب لها كتاباً بفدك، فخرقه عمر، فدعت عليه بشق بطنه، فكان من أبي لؤلؤ ماكان.
[29] قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَك مَغْلُولَةً).... الآية، قال: بعثت امرأة ابنها إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يسأله، فقال له رسول الله : يكون إن شاء الله، فعاد إليه اليوم الثاني ففعل كاليوم الأوّل، فقالت المرأة لابنها في اليوم الثالث: اذهب إليه وقل له: أعطني قميصك، وكان رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم لا يردّ أحداً عمّا عنده، فعاد إليه في اليوم الثالث وقال: أعطني قميصك، فخلع قميصه، فنزل: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِك).... الآية، فنهاه أن يبخل أو يسرف(4) ويقعد محسوراً من الثياب».
[33] قوله: ﴿وَمَن قُتِلَ مُظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً)، قال: «نزلت فى قاتل الحسين علیه السّلام».(5)
[36] وقوله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ أي): لاتقل ما لم تعلم.(6)
ص: 277
[37] قوله: ﴿ مَرَحاً) أي: بطراً وفرحاً .(1)
[51] قوله: ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ). النغض: تحريك الرأس.(2)
[60] قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا ألَّتِي أَرَيْنَاكَ)... الآية، قال: «كان النبيّ رأى في نومه كأنّ قروداً تصعد منبره واحداً يصعد وواحداً بنزل، فساءه ذلك وغمّه، فأنزل الله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا)... الآية».
(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) يعني: بني أمية. قال: «نزل: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) في بني أُمية».(3)
[62] قوله: لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلا قليلاً)، قال: «لأفسدنَّ»(4)
[64] قوله: ﴿وَأَسْتَفْزِزْ) أي: أخدع.
قوله: ﴿ وَشَاركُهُمْ فِى الأموال والأولاد)، قال: ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان، وقد يكون مع الرجل إذا جامع ، فيكون الولد من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراماً »(5)
[67] قوله: ﴿ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ أَي بطل.(6)
[71] قوله: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسِ بِإمَامِهِمْ)، قال: «اذا كان يوم القيامة بنادي(7) منادِ: أليس عدل من ربّكم أن يؤتى كلّ قوم هاهنا من كانوا يتولونه في الدنيا؟ فيقولون: بلى، فيقال
ص: 278
لهم: فليلحق كل أناس بإمامهم، ثمّ يدعى بإمام إمام: ليقم أبو بكر وشيعته، وليقم عمر وشيعته، وليقم عثمان وشيعته، وليقم عليّ وشيعته ».(1)
[72] قوله: ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى)... الآية، روي عن على بن الحسين علیه السّلام، أنّه قال: «نزلت هذه الآية في العبّاس بن عبد المطلب، وعبد الله بن العبّاس».
أقول: في السند ضعف ؛ فإنّ عبد الله وأباه كانا مستبصرين مواليين لعليّ.
وقال أبو عبدالله علیه السّلام أيضا: «إنّها نزلت فيمن سوّف الحجّ حتّى مات ولم يحجّ، فهو أعمى، فعمي عن فريضة من فرائض الله».(2)
أقول: الآية أعم من ذلك؛ فإن كلّ من كان في الدنيا ضالاً جاهلاً، ففيه رذيلة، كان في الآخرة كذلك، ومن كان معتقداً للحقّ متّصفاً بالفضائل، كان في الآخرة كذلك.
[44] قوله: ﴿وَإِن مِن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)، قال: كلّ شيء يسبح بحمده، قال: وإنّا نرى أنَّ نقض(3) الجدر من تسبيحها».(4)
[74] قوله: ﴿ وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً)، قال: «لمّا كان يوم الفتح أخرج رسول الله أصنام المسجد، وكان منها صنم على المروة، فطلبت قريش من رسول الله أن يتركه، فكاد يستحيى ويتركه، ثم أمر بكسره».(5)
أقول: كسّر الأصنام كما فعله إبراهيم علیه السّلام.(6)
[77] قوله: ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنا)... الآية، قال: «هي سنّة محمّد والأنبياء قبله، وهي الإسلام».
[78] قوله: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)... الآية، قال الباقر علیه السّلام: «دلوك الشمس: زوالها،
ص: 279
وَ﴿غَسَقِ اللَّيْلِ﴾: انتصافه. وَ﴿قُرْآنَ الْفَجْرِ﴾: صلاة الغداة. ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾، قال:«تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار».(1)
[79] قوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾، قال: «صلاةُ الليل».(2)
فأمّا قوله: ﴿عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾، عن أبي عبد الله عليه السّلام، قال: «يلجم الناس يوم القيامة العرق، فيقولون: انطلقوا بنا إلى أبينا آدم ليشفع لنا عند ربّنا، فيأتون آدم، فيقولون: يا آدم، اشفع لنا عند ربّك، فيقول: إنّ لي ذنبًا وخطيئةً، فعليكم بنوح.
أقول: الأنبياء يجب أن يكونوا معصومين من الكبائر والصغائر، من أوّل العمر إلى آخره، عمدًا وسهوًا، وقد قامت الدلائل على ذلك، وللسيّد المرتضى كتاب تنزيه الأنبياء(3)، وكذا لغيره من أصحابنا. فلا يجوز أن نقول: إنّ آدم أذنب أو أخطأ، وإنّما يُقال: عصى، والعصيان مخالفة الأمر، والأمر قد يكون ندبًا، فيُقال: أمرتُك فعصيتني.
فيأتون نوحًا علیه السّلام، فيردّهم إلى من يليه، ويردّهم كلّ نبيٍّ إلى من يليه، حتى ينتهوا إلى عيسى، فيقول: عليكم بمحمدٍ رسولِ الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.
فيعرضون أنفسَهم عليه، ويسألونه الشفاعة، فيقول: انطلقوا. فينطلق بهم إلى بابٍ من أبواب الجنّة، فيأخذ بحلقة باب الجنّة ويستقبل وجهه الرحمنَ(4) ويَخِرّ ساجدًا، فيمكث ما شاءالله، فيقول الله: ارفع رأسك، واشفع تُشفَّع، واسأل تُعطَ، وهو المقام المحمود [ قوله:﴿عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾](5)».(6)
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: لو قد قمتُ المقامَ المحمودَ لشفّعتُ في أبي وأمّي وعمّي وأخٍ كان لي موافقًا في الجاهلية».(7)
ص: 280
[80–81] ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾... الآية، نزلت يوم فتح مكة، أمره الله أن يقول إذا دخل مكة: ﴿رَبِّ أَدْخِلْنِي﴾ إلى قوله: ﴿زَهُوقًا﴾، فلمّا دخل، قال(1): ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾، وكان أصحابُه يقولون ذلك حتّى ارتجّت مكّةُ بالصياح».(2)
[84] قوله: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾، أي: على طبيعته وخليقته(3)، من الشَّكل، فيُقال: ليست على شَكْلي وشاكلتي، وقيل: على طريقته.
[85] قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ ... الآية، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «هو ملكٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، وهو مع الأئمة علیهم السّلام».(4)
أقول: الروح هنا: النفس الناطقة التي للإنسان. وأمّا قوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا﴾(5) هذا هو الملك العظيم. وقوله: ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾، أي: من خلق ربّي. وفي حديثٍ آخر: «هو من الملكوت».(6)
قولٌ: إنّ من العالم: عالمَ الغيبِ والشهادة؛ فعالم الشهادة هو المحسوسات، وعالم الغيب هو عالم المجرّدات، وهو قوله: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾،(7) أي: عالم الأجسام، وعالم العقول والنفوس والروح، وهي النفس الناطقة.(8)
[97] قوله: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾، عن علي بن الحسين عليه السّلام، قال: «إنّ في جهنّم واديًا يُقال له: سعير، إذا خَبَت جهنم، فُتح سعيرُها»، وهو قوله: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾، أي: كلما انطفأت](9)».(10)
ص: 281
[88] قوله: ﴿ظَهِيرًا﴾: أي: مُعينًا.(1)
[97] قوله: ﴿وَعَلَىٰ وُجُوهِهِمْ غُشَوَةً﴾، أي: على جباهِهِم.
[95] وقوله: ﴿مَلَكًا رَسُولًا﴾، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «بينا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم جالس، وعنده جبرئيل عليه السلام، إذ حانت من جبرئيل علیه السّلام نظرةٌ قِبَلَ السماء، فامتقع لونُه(2)، حتّى صار كأنّه(3) الكركمة، ثمّ لاذَ برسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فنظر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم إلى حيثُ نظر جبرئيل، فإذا شيءٌ قد ملأ ما بين الخافقين، مُقبِلًا، حتى كان كقابٍ(4) من الأرض، ثمّ قال: يا محمّد، إنّي رسول الله إليك، أُخيّرك أن تكون مَلَكًا رسولًا أحبُّ إليك، أو تكون عبدًا رسولًا؟»
فالتفت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم إلى جبرئيل علیه السّلام- وقد رجع إليه لونه -فقال جبرئيل(5): بل كُن عبدًا رسولًا. فقال: بل أكون عبدًا رسولًا.
فرفع(6) المَلَكُ رجلَهُ اليمنى، فوضعها في كبد السماء الدنيا، ثمّ رفع الأخرى فوضعها في الثانية، ثمّ رفع اليمنى فوضعها في الثالثة، ثمّ هو هكذا حتّى انتهى إلى السماء السابعة، كلّ سماءٍ خُطوة. وكلّما ارتفع صغُر، حتّى صار آخر ذلك مثل الصِّر(7)، فالتفت رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم إلى جبرئيل علیه السّلام فقال: لقد رأيتُك ذُعرًا، وما رأيتُ شيئًا كان أذعرَ لي من تغيُّر لونك؟
فقال: يا نبيّ الله، لا تَلُمني، أتدري مَن هذا؟قال: لا.
قال: هذا إسرافيل، وهو حاجبُ الربِّ، ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السماوات والأرض، فلمّا رأيتُه منحطًّا ظننت أنّه جاء بقيام الساعة، فكان الذي رأيتَ من تغيّر لوني لذلك. فلمّا رأيتُ ما اصطفاك اللهُ به رجع إلىَّ لوني ونفسي. أمّا رأيتَه كلّما ارتفع صغُر، إنّه ليس شيءٌ يَدنو من الربِّ إلّا يصغُر لعظمته. إنَّ هذا حاجبُ الربّ، وأقربُ
ص: 282
خَلَقَ الله منه، واللّوحُ بين عينيه من ياقوتةٍ حمراء، فإذا تكلَّم الربُّ تبارك وتعالى بالوحي، ضربَ اللوحُ جبينه، فينظر فيه، ثم يُلقيه(1) إلينا، فنَسعى به في السماواتِ والأرض، إنّه لأدنى خلقِ الرحمن منه، وبينَهُ وبينَهُ سبعون(2)حجاباً من نورٍ، تُقطَع من دونها الأبصار، ما لا يُعدّ ولا يُوصَف(3)، وإنّي لأقربُ الخلق منه، وبينِي وبينَهُ مسيرةُ ألفِ عام».(4)
[101] قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «هي: الطوفان، والجراد، والقُمّل، والضفادع، والدم، والحجر، والعصا، ويده، والبحر».(5)
[104] قوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾، أي: من كلّ ناحية.(6)
[107] قوله: ﴿يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾، قال: «الوجوه».(7)
[106] قوله: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ﴾، أي: بَيَّنَّاه.
[110] قوله: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾، عن الصادق عليه السلام، قال: «الجَهْرُ بها: رفعُ الصوت، والتخافت: ما لم تَسمع بأُذُنِكَ، واقرأ ما بين ذلك».(8)
أقول: من الصلاة جهريّة، وهي الصبح والعشاءان، ومنها إخفاتيّة، وهي صلاة الظهرين. والجهرية إنّما يُجهر فيها بالرّكعتين الأُوليَيْن فقط.(9)
ص: 283
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
[1–2] قوله: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا*قَيِّمًا﴾، قال: «هذا مُقَدَّم ومُؤَخَّر، إنّما هو: (الحمدُ للهِ الذي أنزلَ على عبدِه الكتابَ قَيِّمًا، ولم يجعلْ له عِوَجًا)».(1)
[6] قوله: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ﴾، أي: جازِع.(2)
[8] قوله: ﴿صَعِيدًا جُرُزًا﴾، أي: خَرابًا.(3)
[9] قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ﴾ ... الآيات، كان سبب نزولها: أنّ قريشًا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران: النَّضْر بن الحارث بن كَلَدَة، وعُقْبَة بن أبي مُعَيْط، والعاص بن وائل السَّهْمي، ليتعلّموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها(4) رسولَ الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود، فسألوهم، فقالوا لهم: سَلُوه عن ثلاث مسائل، فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق، ثم سَلُوه عن مسألةٍ واحدة، فإنِ ادّعى علمها، فهو كاذب.
قالوا: وما هذه المسائل؟
قالوا: سَلُوه عن فِتْيَةٍ كانوا في الزمن الأول، فخرجوا وغابوا وناموا، وكم(5)بقوا في نومهم حتّى انتبهوا؟ وكم كان عددُهم؟ وأيُّ شيءٍ كان معهم من غيرهم، وما كان قصّتهم؟
ص: 284
واسألوه(1) عن موسى حين أمره الله أن يتبع العالِم ويتعلّم منه، من هو؟ وكيف تبعه؟ وما كان قصّته معه؟
واسألوه(2) عن طائفٍ طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتّى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج، من هو؟ وكيف كان قصّته؟
ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل، وقالوا لهم: إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تُصدّقوه.
قالوا: فما المسألة الرابعة؟
قالوا: سَلوه عن وقت قيام الساعة؟ فإن ادّعى علمَها فهو كاذب، فإنّ قيام الساعة لا يعلمها إلّا الله تبارك وتعالى.
فرجعوا إلى مكّة، واجتمعوا إلى أبي طالب علیه السّلام، فقالوا: يا أبا طالب، إنّ ابنَ أخيك يزعم أنّه خبيرٌ بالسماء يأتيه، ونحن نسأله عن مسائل، فإنْ أجابنا علِمْنا أنّه صادق، وإنْ لم يُجبْنا علِمنا أنّه كاذب.
فقال أبو طالب: سَلوه عمّا بدا لكم، فسألوه عن الثلاث مسائل.
فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «أُخبِرُكم غدًا». ولم يَسْتَثْنِ.
فاحتبس الوحي عليه أربعين يومًا حتى اغتمّ النبيّ صلّی الله علیه وآله وسلّم، وشكّ أصحابه الذين كانوا آمنوا به، وأظهروا فرحًا وسُرورًا وأذًى شديدًا، فحزن رسول الله وأبو طالب.
ثمّ نزلت سورة الكهف، فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «يا جبرئيل، لقد أبطأت عنّي حتى ظننت أنّك قد كذّبتني؟»
فقال: إنّا لا ننزل إلّا بإذن الله.
قال أبو عبد الله عليه السلام: «إنّ أصحاب الكهف كانوا في زمن مَلِكٍ جبّارٍ عاتٍ، وكان يدعو أهلَ مملكته إلى عبادة الأصنام، فمَن لم يُجِبْه قتله، وكان هؤلاء قومًا مؤمنين يعبدون الله عزّوجلّ، ووكَّل المَلِكُ بباب المدينة وُكلاء، لم يدعوا أحدًا يخرج حتّى يسجدَ للأصنام.
فخرج هؤلاء بحیلة(3)الصيّدة، ثم مرّوا براعٍ في طريقهم، فدعَوه إلى أمرِهم، فلم
ص: 285
بجُهدِهِم، وكان مع الراعي كلب، فاجتمعوا فخرج الكلب وخرج معهم».
ورُوي: «أنّه لا يدخل الجنّةَ من البهائم إلّا ثلاثة: حِمار بلعم، وكَلبُ أصحابِ الكهف، وذئب».
وقد تقدّم خبر الأتان(1). وأمّا الكلب فاسمه قطمير،أجاب الفتيان، وأمّا الذئب؛ فإنّ بعض الملوك بعث شرطياً ليُجيءَهُ قوماً من المؤمنين، ومع الشرطي ابنٌ له يُحِبّه، فجاء الذئب، فأكل ابنَه، فحزن الشرطيُّ عليه، فأدخل الله الذئبَ الجنّةَ لمّا أحزن الشرطي.
ولا يدخل الجنّة أسودٌ إلّا رجلٌ بعثه المسيحُ إلى البِرِّيَّة، فأخذوهُ وغلوهُ وبالغوا في ضربه، فصبر، فلمّا أُسْوِدَ دخلوا ذلك الكهفَ والكلب معهم، فألقى اللهُ عليهم النُّعاس، فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته، وذهب ذلك الزمان، وجاء زمانٌ آخر وقومٌ آخرون، ثم انتبهوا، فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ها هُنا؟ فقالوا: إلى الشمس قد ارتفعت، فقالوا: نمنا يوماً أو بعضَ يوم. ثمّ قالوا الواحد منهم: خذ هذا الورقَ وادخُل المدينة مُتَنكِّراً لا(2) يُعرَفک، فاشترِ لنا طعاماً، فإنّهم إنّ علموا بنا وعرفونا یقتلونا أو ردونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف الذي عهدها، ورأى قوماً بخلاف أولئك، لم يعرفهم، ولم يعرفو الغته ولم يعرف لغتهم، فقالواله: من أنت، ومن أين جئت؟
فأخبرهم، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه، والرجل معهم حتّى وقفوا على باب الكهف، فدخل الرجل الكهف، وأصابه النعاس حتّى سقط ونام، ولم يجسر أحد أن يدخل منهم الكهف، وأقبلوا يَطَّلعون فيه ويُفَرِّعون، فقال بعضُهم: هؤلاء ثلاثةٌ ورابعُهم كلبُهم، وقال بعضُهم: خمسةٌ وسادسُهم كلبُهم، وقال بعضُهم: هم سبعةٌ وثامنُهم كلبُهم، وحَجَبَهُمُ اللهُ عزّ وجلَّ بحِجابٍ من الرعب، فلم يكن أحدٌ يُقدِم بالدخول عليهم غير صاحبهم، فإنّه لمّا دخل إليهم وجَدَهُم خائفين أن يكون أصحاب
ص: 286
دقیانوس شعروا بهم، فأخبرهم صاحبهم أنّهم كانوا نائمين هذا الزمان الطويل، وأعلمهم آيةً للناس، فبكوا وسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين، كما كانوا.
ثمّ قال الملك: ينبغي أن نبني هاهُنا مسجداً ونزوره، فإنّ هؤلاء قومٌ مؤمنون.
ورُوي أنّ لهم(1) في كلّ سنةٍ نقلتان(2)، ينامون ستّة أشهر على جنوبهم الأيمن، وستّة أشهر على جنوبهم الأیاسر، والكلبُ معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف، وذلك قوله: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْك نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ)...الآية، أي: خبرهم (إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدى ورَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ لَنْ نَدْعُوا مِنْ دُونِهِ إِلَهَا لَقَدْ قُلْنَا إِذَا شَطَطًا هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَان بَيِّنِ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً) إلى قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)، أي: بالفناء (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً ولَمُلِثْتَ مِنْهُمْ رُعْباً*وكَذَلِك بَعَثْنَاهُمْ) أي: أنبهناهم (لِيَتَسَائَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) إِلى قوله: ﴿ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذا أَبَداً ، وكَذَلِك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ) وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) إلى قوله: ﴿سَبْعَةً وثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)، فقال الله لنبيّه: (قل) لهم (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ).
ثمّ انقطع خبرهم بما قالوا، فقال: (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِزاءً ظاهراً) أي: لا تخاصم، (ولا تستفت فيهم منهم أحداً)، أي: لا تسأل، (ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) فأخبره أنّه إنّما احتبس الوحي عنه أربعين صباحاً؛ لأنه قال لقريش: غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن.
ثمّ عطف على الخبر الأوّل الذي حكى عنهم أنّهم (سَيَقُولُونَ ثَلَثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ)، فقال: (ولَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) وهو حكاية عنهم، وتقديره: يقولون: لبثوا في كهفهم (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) والدليل على أنّه حكاية عنهم ولفظه لفظ الخبر، قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بما لبثوا).(3)
ص: 287
[29] قوله: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً). قال أبو عبد الله علیه السّلام: «نزلت هذه الآية هكذا: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ) يعني : ولاية عليّ (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾ آل محمّد حقّهم (نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ) الذي يبقى في أصل الزيت المغليّ، يكون أشدّ حرارة».(1)
[46] قوله: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)... الآية، قال بكر بن محمد الأزدي سمعت أبا عبد الله علیه السّلام، قال: «أيها الناس، مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقرّبا أجلاً، ولن يباعدا رزقاً، فإنّ الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر فى كلّ يوم، إلى كلّ نفس ما قدر الله لها من زيادة أو نقصان، في أهل أو مال أو نفس، وإذا أصاب أحدكم مصيبة في مال أو نفس، ورأى عند أخيه عفوة، فلا يكونن له فتنة؛ فإنّ المرء المسلم ما لم يغش دناءة تظهر، ويخشع لها إذا ذكرت، ويغرى بها لئام الناس، كالياسر الفالج (2)، الذي ينتظر أوّل فوزه من قداحه، يوجب له بها المغنم، وبدفع عنه المغرم، كذلك المرء المسلم البرئ من الخيانة والكذب، ينتظر إحدى الحسنيين: إمّا داعياً من الله، فما عند الله خير له. وإمّا رزقاً من الله، فهو ذو أهل ومال، ومعه دينه وحسبه، والمال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام ».(3)
أقول: هذا الكلام منقول عن أمير المؤمنين، وقد ذكره في نهج البلاغة.(4)
[47] قوله: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرُ مِنْهُمْ أَحَداً)؛ فَإِنَّه سئل عن قوله(5): ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً)(6) فقال(7): «ما يقول الناس فيها؟ قلت: يقولون: إنّها في القيامة.
ص: 288
فقال أبو عبد الله علیه السّلام: «ويحك، يحشر الله في يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويذر الباقين؟ إنمّا ذلك في الرجعة، فأمّا آية القيامة فهذه: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرُ مِنْهُمْ أَحَداً)».(1)
[51] قوله : عَضُداً أي: ناصراً . (2).
[ 60] فلما أخبر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم قريشاً خبر أصحاب الكهف، قالوا: أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى علیه السّلام أن يتبعه، من هو؟ وما قصّته؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحْ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقْباً).(3)
قال الصادق علیه السّلام: «وكان سبب ذلك أنّه لمّا كلّم الله موسى تكليماً، وأنزل عليه الألواح، وفيهاكما قال الله تعالى: (وكَتَبْنَا لَهُ فِى الألواح مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ).(4)
رجع موسى علیه السّلام إلى بني إسرائيل، فصعد المنبر، فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة وكلّمه، قال في نفسه: ما خلق الله خلقاً أعلم منّي، فأوحى الله عزّ و جلّ إلى جبرئيل علیه السّلام أن أدرك موسى فقد هلك، وأعلمه أن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلاً أعلم منك، فصر إليه(5) وتعلّم من علمه. فنزل جبرئيل علیه السّلام على موسى علیه السّلام وأخبره ، فذلّ موسى علیه السّلام في نفسه(6)، وعلم أنه قد أخطأ ودخله الرعب.
أقول: قوله: «أنّه قد أخطأ»، فيه نظر؛ فإنّ الأنبياء معصومون مطلقاً، وقوله: «شمعون وصيّه»(7) إنّما وصيّه يوشع، لا شمعون؛ فانّه وصي عيسى علیه السّلام.
ص: 289
وقال لشمعون وصيّه(1): إن الله قد أمرني أن أتبع رجلاً عند ملتقى البحرين وأتعلّم منه. فتزوّد شمعون (2) حوتاً مملوحاً وخرجاً، فلمّا خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلاً مستلقياً على قفاه، فلم يعرفاه، فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة، ومضيا ونسيا الحوت، وكان ذلك الماء ماء الحيوان، فحيي الحوت ودخل الماء، فمضى موسى علیه االسّلام و شمعون (3) معه حتّى عيبا(4)، فقال لوصيّه: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً﴾ أَي: عناءَ،(5) فذكر شمعون(6) السمكة، فقال لموسى علیه السّلام: إنّي نسيت الحوت على الصخرة. فقال موسی: ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده، فرجعا على آثارهما قصصاً إلى الرجل وهو الخضر علیه السّلام، وهو في الصلاة، فقعد موسى علیه السّلام حتّى فرغ(7) من صلاته فسلّم عليهما. قال موسى: السلام عليك يا عالم بني إسرائيل، فقال الخضر: السلام عليك يا نبيّ بني إسرائيل.
أقول: انه لم يكن من بني إسرائيل، ولا كان من أمة موسى، وإلّا فيكون المأموم أفضل من الإمام، وتقديمه قبيح، وأيضاً: يكون في أمته أفضل منه، وهو قبيح أيضاً.
فقال له :موسى: (هَلْ أَتَّبِعْكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَن مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً)، فقال الخضر: (إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً*وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(8) فقال موسى: ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) قال الخضر: (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) يقول: لا تسألني عن شيء أفعله، ولا تنكره عليّ حتّى أنا أخبرك بخبره، قال: نعم، فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر وقد شحنت سفينة، وهي تريد أن تعبر، فقال لأرباب السفينة: تحملوا هؤلاء الثلاثة نفر؛ فإنّهم قوم صالحون، فحملوهم، فلمّا لجّت السفينة فى البحر قام الخضر إلى جانب السفينة، فكسّرها وحشّاها بالخرق والطين، فغضب موسی غضباً شديداً وقال للخضر: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً)، فقال
ص: 290
له الخضر عليه السلام: ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾، قال موسى: ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾، فخرجوا من السفينة، فمرّوا، فنظر الخضر إلى غلامٍ يلعب بين الصِّبيان(1) حسن الوجه كأنّه قطعة قمرٍ، في أُذنيه درّتان، فأتاه الخضر، ثمّ أخذه فلوى عنقه فقتله، فوثب موسى على الخضر، وجلدَهُ به الأرض، فقال: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا﴾ فقال الخضر: ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾(2) قال موسى: ﴿إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا*فانطلقا حتى إذا أتَيا أهلَ قريةٍ) تسمّى الناصرة (3)، وإليها ينتسب النصارى - ولم يضيّفوا أحداً قط ولم يطعموا غريباً، فاستطعموهم، فلم يطعموهم ولم يضيفوهم، فنظر الخضر علیه السّلام إلى حائط قد زال لينهدم، فوضع الخضر يده عليه وقال: قم بإذن الله، فقام، فقال موسى: لن ينبغ لك أن تقيم الجدار حتى يطعمونا ويؤونا، وهو قوله: (لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (4) فقال له الخضر: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعِ عَلَيْهِ صَبْراً*أَمَّا السَّفِينَةُ)(5) التي فعلت بها ما فعلت فإنّها كانت لقوم (مَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم) أَي: وراء السفينة(6) (و مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) صالحة (غضباً). هكذا نزلت، وإذا كانت السفينة مكسورة أو معيوبة لم يأخذ منها شيئاً.
وأمّا الغلام فقتلتُه، فكان على جبهته مكتوبٌ: كافر(7) (فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْن )... والآية قال العالم: «فأبدل الله والديه بنتاً(8) ولدت سبعين نبياً(9)»، وقال: «نزلت الآية هكذا: ﴿وَأَمَّا
ص: 291
الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ) فطبع كافراً».
وَأَمَّا الْجِدَارُ الذي أقمته (فَكَانَ لِغُلامَيْنِ)... الآية، عن أبي عبدالله علیه السّلام أنه قا: «كان ذلك الكنز لوحاً من ذهب مكتوب فيه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لَا إِله إِلَّا الله، محمّد رسول الله، والأئمّة حجج الله، عجبت لمن يعلّم أن الموت حق كيف يفرح.
أقول: أولياء الله يفرحون بالموت: لأنّه به يلقى العبد ربّه، وبه يدخل الجنّة، وبه يخلص من التكاليف، وقد ضحكت الزهراء سلام الله علیهماالسّلام لمّا أخبرها أبوها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به، وأمير المؤمنين علیه السّلام كان يتمنّى الموت، ويقول: متى يبعث أشقاها؟.
وعجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يفرق، وعجبت لمن يذكر النار كيف يضحك، وعجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالاً بعد حال كيف يطمئن إليها».(1)
ص: 292
[83 - 85] فلما أخبرهم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّمم بخبر موسى وفتاه والخضر، قالوا: فأخبرنا عن طائف طاف الشرق والغرب من هو؟ وما قصته؟ فأنزل الله: ﴿ وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً *إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أي: دليلاً (فاتبع سَبَباً).(1)
وسئل أمير المؤمنين علیه السّلام عن ذي القرنين، نبياً كان أم ملكاً ؟(2) فقال: «لا نبيّ ولا ملك، بل إنّما هو عبد أحبّ الله فأحبّه، ونصح الله فنصح له، فبعثه الله إلى قومه، فضربوه على قرنه الأيمن، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثمّ بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثمّ بعثه ثالثة فمكّن الله له فى الأرض. وفيكم مثله» يعني نفسه علیه السّلام.(3)
ص: 293
أقول: لأنّه ضَربهُ عمرو بن عبدِوُدٍّ على رأسه، وضَربه ابنُ مُلجَمٍ في مكانِ ضربةِعمرو بنِهِما.
[86] قوله: ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ...﴾، الآية،فدخل في الظلمات، وأمر أن يتبع عَمودًا من نورٍ، وهو قوله: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾، أي: دَليلًا، ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾...، الآية، عن الباقر علیه السّلام: ﴿لَمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا﴾، لهم لا يعلموا صنعةَ الشِّباب.(1)
[95–96] قوله: ﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا*آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾، أمَرَهُم أن يأتوا بالحديد، فأتَوا، فوضعوه ما بين الصدفَين – يعني: بين الجبلَين – حتّى سوى بينهما، ثم أمرهم أن يأتوا بالنّار، فنفخوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثلَ النار، ثم صَبّ عليه القطر، وهو الصفر – حتّى سَدّه».
أقول: وقيل: الرصاص، وهذا أشبه.
[98] وهو قوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾، قال: «إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان أَمرَ الله ذلك السدَّ، فخرج يأجوجُ ومأجوجُ، إلى الدنيا وأكلوا الناس، وهو قوله: ﴿حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾.(2)
ص: 294
ورُوي: أنّ الخضر كان على مقدّمة ذي القرنين،[فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب، فكان إذا أتى قريةً زار فيها كما يُزار الأسد المغضَب، ففزعَتْ في القرية ظُلُماتٌ ورعدٌ وبرقٌ وصواعق، فهلك من ناره وخلفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتّى دان له أهلُ المشرق والمغرب](1) حتّى دخل بلاد الظلمات، وانتهى إلى ماء الحيوان، فاغتسل وشرب منه».(2)
أقول: ما في الدنيا بلاد لا تطلع عليها الشمس أبدًا، بل مواضع تتمّ الشمس ستّة أشهر طالعة، ومقابلها غاربة، وهناك لا نبات ولا حيوان ولا ماء إلّا بقدر.
قال: فلمّا أخبر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم قريشًا بخبر أصحاب الكهف وخبر الخضر وموسى،
ص: 295
وخبرُ ذي القرنين، قالوا: قد ثَبَتَت مسألةٌ واحدة، فقال: رسولُ الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «ما هي؟» قالوا: متى تقومُ الساعة؟ فأنزل الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي﴾ ... إلى آخر الآية(1)، فلم يُردهم ذلك إلّا عتواً».(2)
[103] قوله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم(3) بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾... الآية، قال: «نزلت في اليهود».
أقول: بل نزلت في كلِّ أهل الملل الباطلة(4) والمذاهب الباطلة(5).
وقيل: «نزلت في الرهبان، وحرورية، وخرج في الخوارج».(6)
أقول: بل في كلِّ مَن خالف للحقّ، فإنّ عمله ضائع. وقيل: «نزلت في الرهبان وزهّاد المخالفين».(7)
ص: 296
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
[4] قوله: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾، أي: ابيضَّ.
[5] قوله: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ﴾، يعني: «بني العمّ».
[7] قوله: ﴿لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾، قال الصادق عليه السلام: «يحيى بن زكريا لم يكن له من قبل سميّ، والحسين عليه السلام لم يكن له من قبل سميّ، ولم يُبكِ نبيٌّ في السما ء إلّا عليهما أربعين صباحًا». قلتُ:(1) فما كان بكاؤها؟ قال: «كانت تطلع الشمس حمراء وتغيب حمراء، وكان قاتل الحسين عليه السّلام ولد زنا، وقالوا ليحيى بن زكريّا ولد زنا».(2)
[11] قوله: ﴿فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ﴾، أي: وحي إشارة.
[13] قوله: ﴿وَحَنَانًا﴾، أي: خالصًا. وقيل: رحمة. وروي أنّ يحيى كان يُصلّي ويبكي حتى ذَهَبَ لَحمُ خَدِّيه، حتّی جعل لبدًا والحقه يخدیه، حتّی یجری الدمع عليه، وكان لا ينام باللّيل، فقال له زکریّا في ذلك؟ فقال: «إنّ إسرائيل أخبروني أنّ إمام النار مفازة لا يُجاوزها إلّا الباكون». فقال زكريا: «فَحَقٌّ لَكَ(3) أَنْ تَبْكِيَ».
[16] قوله: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا﴾، أي: خرجت.
[22] قوله: ﴿فَهَبْنَا لَهُ غُلَامًا زَكِيًّا﴾، أي: بعيدًا.(4)
ص: 297
[76] قوله: ﴿وَإِلَىٰ ذِكْرِهِمْ صُمًّا﴾، أي: صمتًا.(1)
[79] قوله: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾، يوم الموت.
أقول: وروي أنّه يوم يُفرَج فيه عن الموت، ثم يُقال: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت أبدًا، ويا أهل النار خلودٌ فلا موت أبدًا، أي: قُضِيَ على أهل الجنة بالخلود فيها، وعلى أهل النار بالخلود فيها.(2)
[31] قوله: ﴿و أوصَانِی بِالصَّلاَةِ واَلزَّکاةِ مَا دُمتُ حَیّاً﴾، قال: «زكاة الرؤوس الفطرة، لأنّ جُلَّ الناس ليس لهم أموال، وأنّ الفطرة على الغني والفقير، والصغير والكبير».
أقول: ليس على الفقير ولا على الصغير واجبة فطرة، وكأنه يريد أن الفقير والغني إذا علما، وجب عليهما فقط فطرتهما، وكذا إذا علِم الصغير وجب عليه فطرته.
[50] قوله: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾، قال: «هو أمير المؤمنين عليه السلام».(3)
[54] قوله: ﴿صَادِقَ الْوَعْدِ﴾(4)، قال: «وعد وعدًا، فانتظر صاحبه سنين، وهو إسماعيل بن حزقيل علیه السّلام».(5)
قوله: بن حزقيل، أقول: المشهور أنّه إسماعيل بن إبراهيم، وهو الأجود.
[57] قوله: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إنّ الله تبارك وتعالى
ص: 298
غضبَ على ملكٍ من الملائكة، فقطعَ جناحه، وألقاه في جزيرةٍ من جَزائرِ البحر، فبقي ما شاءَ الله في ذلك المكان.
أقول: إنّ الملائكة معصومون، والبارئ لا يفعل قبيحاً؛ فكيفَ غضبَ عليهِ وكسَر جناحه، وهو معصوم؟
فبُعث الله إلى إدريس عليه السلام، فجاءَ ذلك الملك إليه، فقال: يا نبيّ الله، ادعُ الله لي أن يرضى عنّي ويَردّ عليَّ جناحي. فقال: نعم، ففعل، فردّ الله إليه جناحه، ورضيَ عنه.
فقال الملك لإدريس: هل لكَ إليَّ حاجةٌ؟ قال: نعم، أحبّ أن تَرفَعَني إلى السماء حتّى أنظُرَ إلى مَلَكِ الموت، فرفعهُ إلى السماء، فلمّا أخذ ملك الموت يَحرُك رأسه تعجّباً، فسأله إدريس على مَلك الموت، فقال له: مَلَكُ الموت يُحرّكُ رأسَه، قال: إنّ ربّ العِزّةِ أمرَني أن أقبضَ روحكَ بين السماءِ الرابعةِ والخامسة، فقلتُ: يا ربّ، وكيفَ هَذا، وغِلَظُ السماءِ الرابعةِ مسيرةُ خمسمائةِ عام، والسماءُ الرابعة إلى السماءِ الثالثة مسيرةُ خمسمائةِ عام، وغِلَظُ السماءِ الثالثةِ خمسمائةِ عام، والسماءُ الثالثة إلى السماءِ الثانية خمسمائةِ عام، وغِلَظُ السماءِ الثانية خمسمائةِ عام، والسماءُ الثانية إلى السماءِ الأولى خمسمائةِ عام، وغِلَظُ السماءِ الأولى خمسمائةِ عام، وكلُّ سماءٍ وما بينها كذلك، فكيفَ يكون ذلك؟! ثمّ قبضَ روحَه بين السماءِ الرابعة والخامسة، وهو قوله: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾.(1)
أقول: السماوات ليست متفاوتات(2) في السُّمك والعِظَم، بل كلٌّ منها أعظمُ ممّا قَبْلَها إلى الفَلك الأعلى، وهو الأطلس.
[59] قوله: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾، والخلفُ: الرديءُ، والخَلَفُ: الصالح».(3)
[72] قوله: ﴿وَجِثِيًّا﴾، أي: على رُكَبِهِم.(4)
[71] قوله: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾، منسوخٌ(5)، بقوله: ﴿إنَّ الَّذینَّ
ص: 299
سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى...﴾ الآية(1). (2)
أقول: كيف يُمسخ الخير؟ ولكنّ كل إنسان لابدّ أن يَميل عن الوسط، ولو بمقدار الشعرة، وهذا هو ورود النار.
وسأل الحسين بن أبي العلاء، أبي عبدالله عليه السّلام عنها، فقال: «أما إنّه ليس الدخول، ولكنّه مثل قول الإنسان: وردت ماء بني فلان، ولم يدخل فيه».(3)
أقول: الدخول هنا: الإشراف على الشيء، لا الدخول فيه.
[75] قوله: ﴿حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعة﴾، قال: «العذاب: القتل، والساعة: الموت».
[76] قال: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾، ردٌّ على من زَعم أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص»].ر(4).
قوله: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾، قال: «الباقيات الصالحات، هو قول المؤمن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».(5)
عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لمّا أُسري بي إلى السماء، دخلت الجنة، فرأيت فيها قصوراً، ورأيت فيها ملائكةً يبنون لبنةً من ذهب ولبنةً من فضة، وربّما أمسكوا، فقلت لهم: لِمَ تمسكون؟ فقالوا: ننتظر نفقة المؤمن. فقلت: أليس قد تُمهلكم النفقة؟ قالت: بلى، حتى يُؤتى بثمنه، قلت: فما ثمنه؟ فقالوا: قول المؤمن في الدنيا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإذا قالها بنينا، وإذا أمسك أمسكنا».(6)
[وعن علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن حمّاد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لمّا أُسري بي إلى السماء، دخلت الجنة، فرأيت فيها قِبابًا یققاً(7)، ورأيت فيها
ص: 300
ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضّة»، وساق الحديث.](1)
[83] قوله تعالى: (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَوَزُّهُمْ أَزًّا)، قال: «مانعي الزكاة والمعروف، فيبعث الله عليهم شيطاناً أو سلطاناً، فينفق ما يجب عله من الزكاة في غير طاعة الله، فيعذب على ذلك، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسلّم: لمّا أسري بي إلى السماء دخلت الجنّة، فرأيت قصراً من ياقوتة حمراء، يرى داخلها من خارجها، وخارجها من داخلها من ضيائها، وفيها بنيان من درّ و زبرجد فقلت يا جبرئيل لمن هذا القصر؟ فقال: هذا لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجد بالليل والناس نيام.
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: يا رسول الله، وفي أمّتك من يطيق هذا؟ فقال: ادن مني يا عليّ، فدنا منه، فقال: أتدري ما إطابة الكلام؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: من قال: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر. ثم قال: أتدري ما إدامة الصيام؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: من صام شهر رمضان، ولم يفطر منه يوماً. أو تدري ما إطعام الطعام؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس. أو تدري ما التهجد بالليل والناس نيام؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: من لم ينم حتى يصلي العشاء الآخرة، ويعنى بالناس نيام اليهود والنصارى، فإنّهم ينامون فيما بينهما».
[84] وقوله: (انَّمَا نَعْدُّ لَهُمْ عَدّاً)، قال [لي: «ما هو عندك؟». قلت: عدّ الأيام، قال: «لا، إنّ الآباء والأمهات ليحصون ذلك، ولكن](2) عدد الأنفاس».(3)
[85 - 86] قوله: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدأ) قال الصادق علیه السّلام: «قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم لعلي علیه السّلام: يا علىّ إنّ الوفد لا يكون إلّا ركباناً، أولئك رجال اتّقوا الله فأحبّهم
ص: 301
واختصّهم ورضي أعمالهم، فسماهم الله المتقين، ثمّ قال: يا عليّ، أمّا الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، إنّهم ليخرجون من قبورهم وبياض وجوههم كبياض الثلج، عليهم ثياب بياض، بياضها كبياض اللبن، عليهم نعال الذهب، شراكها من لؤلؤ يتلألأ فيبرقون حتى ينتهوا إلى الرحمن، والناس في الحساب يهتمون ويغمّون، وهؤلاء يأكلون ويشربون فرحين».(1)
فقال علي عليه السلام: «من هؤلاء يا رسول الله؟»
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «هم شيعتك(2) وأنت إمامهم»، وهو قول الله عز وجل: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ على الرواحل و﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾، أعدائك يساقون إلى النار بغير حساب».(3)
[87] قوله: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾، قال الصادق عليه السّلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من لم يُحسن وصيته عند الموت كان نقصًا في مروءته وعقله.
قلت: يا رسول الله، وكيف يوصي الميّت عند الموت؟»
ص: 302
قال: إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه، قال: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن البعث حق، والحساب حق، والقدر والميزان حقّ(1)، وأنَّ الدين كما وصفت، وأن الإسلام كما شرعت، وأن القول كما حدثت، وأن القرآن كما أنزلت، وأنك أنت الله الحق المبين، جزى الله محمداً خير الجزاء، وحيّا الله محمداً وآله بالسلام.
اللّهمّ يا عدّتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدّتي، ويا وليّي في نعمتي، إلهي وإله آبائي، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، فإنّك إن تكلني إلى نفسي كنتُ أقرب من الشرّ، وأبعد من الخير، فآنس في القبر وحدتي، واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً(2)، ثمّ يوصي بحاجته. وتصديق هذه الوصية في سورة مريم في قوله: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾، فهذا هو عهد الميّت، والوصيّة حقّ على كلّ مسلم أن يحفظ هذه الوصية، ويتعلّمها. قال علي عليه السلام: علّمنيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علّمنيها جبرئيل عليه السلام».(3)
[96] وأما قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾، فإنه روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه كان جالساً بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال له: «قل يا علّي: اللّهم اجعل لي في قلوب المؤمنين ودّاً، فأنزل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾. فقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي: أمير المؤمنين، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: بعد المعرفة».
[89] قوله: ﴿إِدًّا﴾ أي: ظلمًا.
[97] قوله: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ﴾ قال: «أصحاب الكلام والخصومة».
[98] قوله: ﴿وِرْدًا﴾ أي: حَسّنًا.(4)
ص: 303
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[1 – 2] ﴿طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾. عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام قالا: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا صلّى قام(1) على أصابع رجليه حتى تَدْمى(2) حتّى انتفخت قدماه، فأمره بالجلوس».
أقول: القيام وإن طال، لا يوجب أن تدمي الرجل، بل هو بورمها، لما ينزل إليها من الدم(3).
فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمّد ﴿طه﴾ بمعنى: يا رجل. قوله: ﴿لِتَشْقَى﴾ أي: لتتعب. (4)
أقول: طه في بعض اللغات معناه: يا أيّها الرجل.
[7] قوله: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ قال: (السِّرُّ): ما أخفيته في نفسك، (وَأَخْفَى)(5): ما خطر ببالك ثمّ نسيته».(6)
[12] قوله: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ قال: «كانتا من جلد حمار ميّت».(7)
ص: 304
[15] قوله: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾، قال الصادق عليه السلام: «أكاد أخفيها في(1) نفسي».(2)
أقول: قيل: إذا أظهرها.
[18] قوله: ﴿مَآرِبُ أُخْرَى﴾ أي: حوائج، وكان يضرب بالعصا على الشجر حتى يسقط الورق، وهو الهشّ.(3)
[31] قوله: ﴿أَشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ أي: ظهري.
[40] وقوله: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ أي: اختبرناك اختباراً.(4)
[42] ﴿وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ أي: لا تضعفا.(5)
[43 – 44] قوله: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾، ذهب بعض المعتزلة في هذا: إلى أن الله لم يعلم أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى ولولا ذلك لم يقل: «لعلّه»، وهذا فاسد.
أقول: لأنّ الله يعلم بالحال والاستقبال، والمعنى: لعلّه عالم بكل معلوم؟ لأنّ نسبة المعلومات إليه بالسّواء (6)؛ يعلمها كلها كليّة وجزئيّة، ومن قال بغير ذلك كفر.
وإنّما قال ذلك لأنّ موسى عليه السلام لما قال له الله: ﴿اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ﴾، قال: ﴿إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾، فلمّا خاف أن يذهب أطمعه الله بقوله: [ائتیاه: وقولا له ﴿فَقَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ](7) يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾، فقطع موسى وارتاب نفسه بقول الله سبحانه: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾، [وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى] (8)، ولكن لهذه العلّة.(9)
ص: 305
[54] قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾، قال العالم: «نحن - والله - أولو النُّهى، أخبر الله به رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم مما يكون من بعده، من ادعاء القوم الخلافة، فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمير المؤمنين عليه السلام فنحن «أولو النهى» الذي انتهى إلينا علم ذلك كلّه(1)». (2)
أقول: النُّهى: العقل، وليس من الانتهاء.
[52] قوله: ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ أي: لا يغفل ولا ينسى.
[59] قوله: ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾: يوم عيدهم.
[50] قوله: ﴿ثُمَّ اهْتَدَىٰ﴾، قال أبو جعفر عليه السلام: «اهتدى إلينا».(3)
[85 – 86] قوله: ﴿وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾، قال: «بالعجل الذي عبده»، وكان سبب ذلك أن موسى لما وعده الله أن ينزل عليه التوراة والألواح إلى ثلاثين يوماً، أخبر بني إسرائيل بذلك، وذهب إلى الميقات، وخلّف أخاه هارون في قومه، فلمّا جاءت الثلاثون يوماً ولم يرجع موسى علیه السّلام إليهم غضبوا وأرادوا أن يقتلوا هارون، وقالوا: إنّ موسى كذبنا وهرب منّا. فجاءهم إبليس في صورة رجل، فقال لهم: إنّ موسى قد هرب منكم ولا يرجع إليكم أبداً، فاجمعوا لي حليّكم حتى أتخذ لكم إلهاً تعبدونه.
وكان السامري لمّا نجا الله بني إسرائيل وموسى من البحر رأى جبرئيل على البُراق في صورة رمكّة، فكانت كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض يتحرّك ذلك
ص: 306
المكان، فنظر إليه السامري وأبصره. وكان من خيار أصحاب موسى عليه السلام، فأخذ من تحت حافر فرس جبرئيل التراب الذي كان يتحرك، فصرّه في شيء كان معه، فيتبختر به على بني إسرائيل، فلما جاءهم إبليس واتّخذوا العجل، قال للسّامري: هات الذي معك من التراب، فجا به، فالقاه إبليس في جوف العجل، وكان مجوّفاً، فلمّا وقع التراب في جوفه تحرّك، فخار، ونبت عليه الوبر والشعر، فَسَجَدَ له بنو إسرائيل».(1)
[86] وروي أنَّ عدد الذين سجدوا سبعين ألفاً، ويُقال: إنّهم أقاموا في ذلك عشرة أيّام حتّى تمّ ميقات موسى(2)، فلمّا كان يوم عشرة من ذي الحجّة، أنزل الله على موسى الألواح فيها التوراة، وفيها ما يحتاجون إليه من الأحكام والسير والقصص، فأخبر الله موسى بقومه، ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾... الآية.(3)
[97] فأوحى الله إلى موسى: لا تقتل السامري، فإنّه سخخي. فقال له موسى: ﴿فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ﴾(4)، فأخرج موسى العجل، وأحرقه بالنار، وألقاه في البحر.(5)
قال الصّادق عليه السّلام: «ما بعث الله رسولاً إلا وفي وقته شيطانان يؤذيانه، ويضادّانه، ويضلان الناس بعده. فأما الخمسة [أولو العزم من الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأمّا](6) صاحبا(7) نوح: فطحططينوس وخرمام، وأمّا
ص: 307
صاحبا إبراهيم: فمكّيل ورزام، وأما صاحبا موسى: فالسامري ومروَعقيب، وأما صاحبا عيسى: فيلَس ومرسيون، وأما صاحبا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم: فبحتر وزريق(1)».(2)
[102] قوله: ﴿رُزْقًا﴾، قال: «تبقى أعينهم مرزوقة مفتوحة، لا يقدرون أن يطرفوها».(3)
[108] وقوله: ﴿وَ خَشَعَتِ الأَصْوَاتُ أي سكنت، وعن أبي جعفر علیه السّلام، قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد وهم حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتى بعرقوا عرقاً شديداً وتشتد أنفاسهم، فيمكثون في ذلك خمسين عاماً، وهو قول الله: ﴿وَ خَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْساً)، قال: ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش: أين النبيّ الأمّي؟
فيقول الناس: قد سمعنا فسمّ باسمه.
فينادي: أين نبيّ الرحمة، أين محمد بن عبدالله الأمّي؟
فیقدّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمام الناس كلّهم حتى ينتهي إلى حوضٍ طوله ما بين أيلة(4) إلى صنعاء، فَيَقف عليه، فينادي بصاحبكم، فيقدّم أمام الناس فَيَفِقّه معه، ثم يُؤذن للناس فيمرّون عليه، فيرد الحوض يومئذٍ بين مصروفٍ عنه. فإذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله من يُصرف عنه من محبّينا بكى، ويقول: يا رب شيعتي، عليّ.
قال: فيبعث الله إليه ملكاً، فيقول له: ما يُبكيك يا محمّد؟
فيقول: أبكي لأناسٍ من شيعة عليّ، أرَاهُم قد صُرفوا لتلقاء أصحاب النار، ومُنعوا ورود حوضي.
فيقول الملك: إنّ الله يقول: قد وهبناهم لك يا محمد، وصفحنا لهم عن ذنوبهم بحرمتك، ولحرمتك، وألحقناهم بك، ومن كانوا يتولّون به، وجعلناهم في زمرتك
ص: 308
[114] قوله: ﴿وَ لا تَعْجَلْ بالْقُرْآن﴾... الآية، قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل نزول تمام الآية والمعنى، لقوله: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾، وقوله: ﴿بِقُضِي إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾، أي: يفرغ من قراءته، والقضاء هنا الفراغ، لقوله: ﴿ففَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُنذِرِينَ﴾(3)».(4)
[115] قوله: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ﴾، يعني: ما نهاه عنه من أكل الشجرة، فَنسي وأكل.(5)
أقول: إنّ النسيان هاهنا: الترك، فإن الأنبياء لا ينسون الأمور الدينيّة.
[124] قوله: ﴿مَعِيشَةً ضَنكاً﴾، أي: ضیّقة. (6)
[131] وقوله: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾... الآية، قال الباقر عليه السّلام: «لمّا نزلت هذه الآية، استوى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالساً، ثمّ قال: من لم يَعتبر بعزاء الله تَقَطَّعَت نفسه على الدنيا حسرات، ومن اتّبع بصره(7) ما في أيدي الناس طال همّه، ولم يُشف غيظه، ومن لم يعرف أن الله عليه نعمة في مطعم أو مشرب أو ملبس، فَقَصَّر أجله ودنا عذابه».(8)
[135] قوله: ﴿وَمَن يَهْدِ اللَّهُ﴾، قال: «إلى ولايتنا».(9)
ص: 309
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
[5] قوله: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ﴾، أي: هذا الذي يُخبرنا به محمد هو رؤيا يراها أضغاث أحلام.(1)
[7] قوله: ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾، قال: آل محمّد عليهم السلام».(2)
[15] قوله: ﴿فَصْلًا حامِدِينَ﴾، أي: ميّتين.
[12] قوله: ﴿َفَلَمَّا أَحَدُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ﴾، يعني: أحسّوا بالقائم من آل محمد صلّی الله علیه وآله وسلّم.(3)
[29] قوله: ﴿وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلهُ مِنْ دُونِه﴾، أي: صاغرون. قال: «من زعم أنّه إمام وليس هو بإمام».(4)
[30] قوله: ﴿أَ ولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾. عن أبی عبدالله علیه السّلام قال، خرج هشام بن عبد الملك حاجًّا ومعه الأبرش الكلبي، فلقيا أبی علیه السّلام في
ص: 310
المسجد الحرام، فقال هشام للأبرشين: تعرف هذا؟ قال: لا.
قال: هذا هو الذي تزعم الشيعة أنه نبي من كثرة علمه.
فقال الأبرش: لأسألنّه عن مسائل لا يُجيبني فيها(1) إلا نبي أو وصي نبيّ.
فقال هشام: رُدّ أنت إن فعلت ذلك.
فقال الأبرش لأبي عبد الله عليه السلام: يا أبا عبدالله، أخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾، فما كان رتقهما؟ وبما كان فتقهما؟
فقال أبو عبد الله لا يا أبرش، هو كما وصف نفسه، وكان عرشه على الماء، والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ، ولم يكن يومئذ خلق غيرهما، والماء يومئذ عذب فرات، فلما أراد الله أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجاً، ثمّ أزبد فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلاً من زبد، ثم دحا الأرض من تحته فقال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً) ثمّ مكث الربّ تبارك وتعالى ما شاء، فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور، حتى أزبدتها، فخرج من ذلك الموج و الزبد من وسطه - دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السماء، وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك، وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب، وكانتا مرتقتين ليس لهما أبواب، ولم يكن للأرض أبواب، وهي النبت، ولم تمطر السماء عليها فتنبت، ففتق السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالنبات، وذلك قوله تعالى: (أ ولَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ والأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)(2).
فقال الأبرش: والله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط، أعد علىَّ. فأعاد عليه، وكان الأبرش ملحداً، فقال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك نبيّ.(3) قالها ثلاث مرّات».(4)
ص: 311
أقول: هذا كفر من الأبرش(1)، ولابد من أن يكون الإمام أنكر ذلك وحكم بارتداده، ومع هذا ففي هذا التفسير نظر ظاهر، فليتأمل؛ فإن كان هذا قد قاله الإمام فهو مؤوّل لا يوافق العقول، فلا بدّ من التأويل.(2)
[34] قوله: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَ فَهُمُ الْخَالِدُونَ، فإنّه روي: «أن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم رأى في نومه أنّ قروداً تصعد منبره وتنزل، فأخبره الله بما يصيب أهل بيته من بعده، وأن الخلافة تكون فى غيرهم، فاتم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غماً شديداً، فنزلت».(3)
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «كأنّ الموت فيها على غيرنا كُتِب، وكأن الحق فيها على غيرنا وَجَب، وكأنّ الذين نشيّع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون. ننزلهم أجدائهم، ونأكل ،تراثهم كأنّا مخلّدون بعدهم، قد نسينا كلّ واعظة، ورمينا بكلّ جائحة. أيها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتواضع من غير منقصة، وجالس أهل الفقه والرحمة، وخالط أهل الذل والمسكنة، وأنفق مالاً جمعه في غير
جائحة.
أيها الناس، طوبى لمن ذلّت نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت خليقته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه، عدل عن الناس شرژه، ووسعته السنّة، ولم يتعدّ إلى البدعة.
أيها الناس، طوبى لمن لزم بيته، وأكل كسرته، وبكى على خطيئته، وكان من نفسه في تعب، والناس منه في راحة
من عرف الله خاف الله، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا ».(4)
ص: 312
[70–51] قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ﴾، إلى قوله تعالى: ﴿بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مدبرين﴾، كان إبراهيم ينهى أباه، وقومه عن عبادة الأصنام.
أقول: إنّ أبا إبراهيم لم يكن كافراً، وكان اسمه «تارخ»، بإجماع أهل الملل، وأمّا «آزر»، فكان إمّا جدّه، وإمّا مربّيه، وقيل غير ذلك.
ويقول: أتعبدون خشبة تنحتونها بأيديكم، لا تنفع ولا تضر، ولا تسمع ولا تبصر؟
فكانوا يقولون: ﴿وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ) فيقول: (لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُم وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، ثمّ حضر عيد لهم، فخرج ،نمرود، وجميع أهل مملكته إلى عبدهم، وكره أن يخرج معه إبراهيم، فوكله ببيت الأصنام، فلمّا ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت الأصنام، فكان يدنو من صنم صنم، ويقول له كل وتكلّم، فإذا لم يجبه أخذ القدّوم(1) فكسر يده ورجله، حتّى فعل ذلك بجميع الأصنام، ثمّ علق القدّوم في عنق الكبير منهم، الذي كان في الصدر.
فلمّا رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسّرة، فقالوا: ﴿مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ*قَالُوا سَمِعْنَا فَتى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)، وهو ابن آزر، فجاءوا به إلى نمرود، فقال نمرود لآزر: خنتني، وكتمت هذا الولد عني؟
فقال: أيها الملك، هذا عمل أمه، وذكرت أنها تقوم بحجّتها.
فدعا نمرود أُمّ إبراهيم، فقال لها: ما حملك على أن كتمتني أمر هذا الغلام حتّى فعل بالهتنا ما فعل؟
فقالت: أيها الملك، نظراً منى لرعيّتك.
قال: وكيف ذلك؟
قالت: رأيتك تقتل أولاد ،رعيّتك، فكان يذهب النسل، فقلت: إن كان هذا الذي يطلبه دفعته إليه ليقتله، ويكف عن قتل أولاد الناس، وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا، وقد ظفرت به فشأنك، وكفّ عن أولاد الناس، فصوّب رأيها، ثم قال لإبراهيم : (مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا يا إبراهيم) ؟ قال علیه السّلام: (فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ).
ص: 313
قال العالم علیه السّلام: و الله ما فعله كبيرهم، وما كذب إبراهيم علیه السّلام.
فقيل له: كيف ذلك؟
فقال: «إنما قال: فعله كبيرهم هذا إن نطق، وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئاً».
فاستشار نمرود قومه في إبراهيم ، فقالواله: «حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعلين) فجمع له الحطب، وشجروا فيه النار، حتّى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم علیه السّلام في النار، برز نمرود و جنوده - وقد كان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم علیه السّلام كيف تأخذه النار - فجاء إبليس واتّخذ لهم المنجنيق، لأنّه لم يقدر أحد أن يقرب من تلك النار، وكان الطائر إذا مر في الهواء يحترق، فوضع إبراهيم علیه السّلام في المنجنيق، وجاء أبوه فلطمه لطمة، وقال له: إرجع عما أنت عليه.
وأنزل الربّ ملائكة إلى السماء الدنيا، ولم يبق شيء إلّا طلب إلى ربّه، وقالت الأرض يا ربّ ليس على ظهري أحد يعبدك غيره، فيحرق؟
وقالت الملائكة يا ربّ خليلك إبراهيم يحرق؟
فقال الله عزّ وجل: أما إنَّه إن دعاني كفيته.
وقال جبرئيل علیه السّلام: يا ربّ، خليلك إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره فسلّطت عليه عدوّه يحرقه بالنار؟
فقال: اسكت إنّما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت، وهو عبدي آخذه إن شئت، فإذا دعاني أجبته.(1)
فدعا إبراهيم علیه السّلام ربّه بسورة الإخلاص «یا الله یا ،واحد يا أحد يا صمد يا من لم یلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، نجني من النار برحمتك».
قال: فالتقى جبرئيل معه في الهواء وقد وضع في المنجنيق، فقال: يا إبراهيم، هل لك إلى من حاجة؟
فقال إبراهيم علیه السّلام أمّا إليك فلا، وأمّا إلى ربّ العالمين فنعم. فدفع إليه خاتماً مكتوباً عليه: «لا إله إلا الله محمّد رسول الله، ألجأت ظهري إلى الله، وأسندت أمري إلى الله،
ص: 314
وفوضت أمري إلى الله».(1)
فأوحى الله إلى النار: كُونِي بَرْداً، فاضطربت أسنان إبراهيم علیه السّلام من البرد حتّى قال: وسلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ).
وانحط جبرئيل، وجلس معه يحدّثه في النار، فنظر إليه نمرود، فقال: من اتّخذ إلها فليتّخذ مثل إله إبراهيم.
فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود: إنّي عزمت على النار أن لا تحرقه. فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه.
فآمن له لوط وخرج معه مهاجراً إلى الشام، ونظر نمرود إلى إبراهيم علیه السّلام في روضة خضراء في النار، ومعه شيخ يحدّثه، فقال لآزر ما أكرم ابنك على ربّه!.(2)
ثمّ دعاه وقال له: اذهب، ولا تساكنّي في بلدي.
قال العالم: «كان الطير يمرّ بنار إبراهيم فيسقط فيها، وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم، وكان الضفادع تذهب فتأتي بالماء لتطفئ به النار».
قال: «ولمّا قال الله للنار: (كُونِي بَرْداً وسلاماً) لم تعمل النار في الدنيا ثلاثة أيّام، وهو قوله: ﴿وأرادوا بهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الاخْسَرِينَ)(3)».(4)
[72] قوله: نافلة، قال: «ولد الولد(5)» .(6)
[78 - 79] قوله: ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ)... الآية، قال: «كان في بني إسرائيل رجل له كُرم، ونفشت فيه غنم لرجل آخر باللّيل، وقضمته وأفسدته، فجاء صاحب الكرم إلى داود علیه السّلام فاستعدى على صاحب الغنم ، فقال داود علیه السّلام: إذهبا إلى
ص: 315
سليمان ليحكم بينكما. فذهبا إليه، فقال سليمان علیه السّلام: إن كانت الغنم أكلت الأصل والفرع، فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها، وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل، فإنّه يدفع ولدها إلى صاحب الكرُم.
وقد كان هذا حكم داود علیه السّلام، وإنّما أراد أن يعرف بني إسرائيل أن سليمان علیه السّلام وصيّه بعده، ولم يختلفا في الحكم، وهو قوله: (ففهمناها سليمان وكلاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً)، وأنّ داود حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم، وحكم سليمان الرسل - وهو اللبن(1)- والثلة (2). »(3)
أقول: الحكم في هذه القصّة: أنّ صاحب الزرع إن كان قويّاً في حفظه، لا شيء له. وإلّا كان على صاحب الغنم قيمة الزرع، إن استؤصل الزرع، وان لم يستأصل وذهب بعضها أو عيب، كان عليه الأرش.
[80] قوله: (وعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسِ لَكُمْ)، قال: : «هي الدروع ».(4)
[82] قوله: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِين مَن يَغُوصُونَ لَهُ)، قال: «يُخرجون من البحر اللؤلؤ والجواهر».
[84] قوله: (وآتَيْنَاهُ أهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ)، قال أبو بصير: سألته: هم أهله؟(5) فقال: «أهله قد ماتوا قبل أن يبتلي بالشيطان على عدّة الذين سلّط عليهم الشيطان، فبّعثواله معهم». قلت: عاشوا في الدنيا؟ قال: «نعم».(6)
ص: 316
[87] وعن زيد الشحّام قال: سألت أبا عبدالله علیه السّلام عن قوله تعالى: ﴿وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)، قال: «أنزله على أشدّ الأمرين، وظنّ به أشدّ الظن، و (النُّون): هو اسم الحوت».(1)
أقول: قوله: ﴿لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي: لن نضيّق عليه ؛ لقوله: ﴿فَقْدرَ عَلَيْهِ رزقه)(2) أي: ضيّق عليه. ولو كان من القدرة التي ضدّ العجز كان كفراً.(3)
[95] وقوله: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)، قال: «لا يرجع في الرجعة أهل قرية أهلكها الله بالعذاب» .(4)
[ 101 - 102] وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ*لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسها) أي صوتها، وهي ناسخة لقوله: (وإنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُها)(5)... الآية . (6)
أقول: الحقّ أن الورود: الإشراف، فليست بمنسوخة.
قوله: (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) أي صوتها.(7)
[104] قوله: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَى السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)؛ قال: «السجلّ: اسم الملك الذي يطوي(8) الكتب، ومعنى (نَطْوِي السَّمَاءَ) أي: يفنيها، فتتحوّل السماوات دخاناً(9) والأرض نيراناً.(10)
ص: 317
318
أقول: هذا الكلام يوهم أنّ الجنّة والنار لم تخلقا الآن، وإنمّا تخلقان، وهو رأي بعض، وليس كذلك، فأمّا أنّهما مخلوقتان؛ فلقوله: (أُعِدَّت للمُتَّقِينَ)(1) وقوله: (يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا).2(2)
[105] قوله: ﴿وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور)... الآية، أي يرثها القائم علیه السّلام وأصحابه.(3) ﴿ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ)، قال: «الكتب كلّها ذكر](4)»(5).
[112] قوله: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) أي: لا تدع(6) للكفّار، وادع عليهم وقل: ربّ انتقم منهم وعذّبهم، ومعنى (أَحْكُم بِالْحَقِّ) أي: انتقم من الظالمين وعذّبهم، وهو مثل قوله في سورة آل عمران: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)(7)7.آل عمران (3): 128. (8) أَي لا تدع لهم؛ فإنّي لا أتوب عليهم حتّى أعذّبهم فانهم ظالمون. فحرّفوا ذلك.(9)
ص: 318
سورة الحج (22) [مدنيّة، وآياتها ثمان وسبعون](1)
بسم الله الرحمة الرحيم
[2] قوله: ﴿وتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) كل حاملة تموت، والكلام خرج مخرج التهويل، أي تضع حملها يوم القيامة.(2)
[5] ثمّ خاطب الله عزّ وجلّ الدهرية، واحتج عليهم، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ)، أَي: فِي شَكَ.
قوله: ﴿ وتَرَى الارْضَ هَامِدَةً) ... الآية، أي: جامدة يابسة. والآية ردّ على من أنكر البعث والنشور.(3)
[20] وقوله: (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ)، قال: «تشوبه النار، حتّى تسترخي شفته السفلى حتّى تبلغ سرّته، وتتقلّص شفته [العليا حتّى تبلغ](4) وسط رأسه».(5)
ثمّ قال: «كلّ نار وقدها بنو آدم فهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنّم»(6).
[24] وقوله : (وهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ)، أي: التوحيد.(7)
ص: 319
[25] سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) يعني: أهل مكّة ومن جاء إليهم من البلدان سواء، لا يمنع النزول ودخول الحرم منه.(1)
أقول: هل تباع دور مكّة؟ قيل: لا لهذه الآية، وقيل: تباع ويصحّ بيعها. والمسألة مسألة خلاف بين المسلمين.(2)
[26] وقوله: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) أَي: عرّفناه.
[27] وقوله: ﴿وَ أَذَّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)؛ تقدّم تفسيرها.(3)
[30] وقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ)، قال: «منه الشطرنج والنرد» (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزور)، قال: «الغناء». (4)
[31] وقوله: ﴿حُنَفَاءَ لِلَّه)ِ أي: طاهرين.(5)
[33] وقوله: (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى)، وهي البدن يركبها المحرم غير مضرّبها، ولا معنّف عليها، وإن كان لها لبن شرب منه إلى يوم النحر، وهو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ).(6)
[34] وقوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)، قال: «العابدين».(7)
[36] وقوله: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوَافَّ)، قال: «تنحر قائمة».
قال: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها) أَي سقطت إلى الأرض (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، قال: (القَانِعَ): الذي يسأل فيقنع بما تعطيه، (والمُعْتَر): هو الذي يعتريك ولا يسأل».(8)
ص: 320
[39] قوله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)، العامة تقول: هو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين أخرج من مكّة، والخاصة رووا أنّه القائم علیه السّلام إذا خرج وطلب بدم الحسين علیه السّلام، حين ظُلموا و (أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ).(1)
أقول: لم يبق ممّن ظلم الحسين علیه السّلام وقتله حيّاً، وإن كان فهو ميّت، ونسله لا يؤاخد بما فعل أبوه.(2)
[40] قوله: ﴿لَّهُدِمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَتْ)، قال: «القصور».(3)
أقول: الصلوات هي كنائس اليهود، وكأنها هي المعنية بالقصور هنا. (4)
[41] قوله: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الارْضِ)... الآية، معطوف على قوله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بأَنَّهُمْ ظُلِمُوا).... الآية.(5)
[44] قوله: ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلكَافِرِين)َ أى صبرت عليهم (ثم أخَذْتُهُمْ).
[45] قوله: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاها وهِيَ ظَالِمَةً فَهى خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)، [العروش سقف البيت وحولها وجوانبها].(6)
وأما قوله: ﴿وبِئْرٍ مَّعَطَّلَةٍ وقَصْرٍ مَشِيدٍ)، قال : «هو مثل جرى لآل محمد». قوله : (وبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ): هي التي لا يستقى منها، وهو الإمام الذي قد غاب، فلا يقتبس منه العلم إلى وقت ظهوره ، والقصر المشيد هو المرتفع، وهو مثل الأمير المؤمنين والأئمة علیهم السّلام(7)وفضائلهم المنتشرة في العالمين المشرفة على الدنيا وتستطار ثمّ تشرق
ص: 321
على الدنيا، وهو قوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)،(1) وقال محمد بن الحسن شنبولة(2):
بثرِ معطّلة وقصر مشرف***مثل لآل محمّد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى***والبئر علمهم الذي لا ينزف(3)
[52 - 55] وقوله تعالى: (وَ ما أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ) إلى قوله: ﴿عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ)، فإنّ العامة روت أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في الصلاة، فقرأ سورة النجم(4) في المسجد الحرام، و قريش يستمعون لقراءته، فلمّا انتهى إلى هذه الآية: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرى) أجرى إبليس على لسانه فإنّها للغرانيق الأولى، وإنّ شفاعتّهن(5) لترجي. ففرحت قريش وسجدوا، وكان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي، وهو شيخ كبير، فأخذ كفّاً من الحصى، فسجد عليه وهو قاعد، وقالت قريش: قد أقرّ محمّد بشفاعة اللات والعزّى(6). قال: فنزل عليه جبرئيل علیه السّلام، فقال له: قد قرأت ما لم أنزل به(7) عليك، وأنزل عليه: (ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ).
أقول: إنّ هذا لا يجوز على أحد من الأنبياء؛ لأنّهم معصومون صلوات الله عليهم.(8)
وروي عن الخاصّ(9)، عن أبي عبد الله علیه السّلام: «أن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أصابته خصاصة، فجاء
ص: 322
إلى رجل من الأنصار، فقال له: هل عندك من طعام؟
فقال: نعم، يا رسول الله وذبح له عناقاً وشواه، فلما أدناه(1) منه تمنّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يكون معه علیّ وفاطمة والحسن والحسين علیهم السّلام، فجاء أبو بكر وعمر(2)، ثمّ جاء عليّ علیه السّلام بعدهما(3)، فأنزل الله في ذلك: ﴿وما أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ) ولا محدَّث(4) (إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أَمْنِيَّتِهِ) يعنى: فلاناً وفلاناً (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطَانُ) بعليّ علیه السّلام لمّا جاء بعدهما (وَثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)».(5)
أقول: إمّا أن يريد بالتمنّي التلاوة، أو تمنّي القلب. فإن أراد التلاوة، كان المعنى: أنّ من أرسل قبلك كان إذا تلا ما يؤديّه إلى قوم حرّفوه، كما فعلت اليهود. وأضاف ذلك إلى الشيطان: لأنّه بوسوسته وغروره.
وإن أراد(6) تمنّي القلب، كان متى تمنّى بقلبه بعض ما تمنّاه، يوسوس إليه بالباطل ويحدّثه بالمعاصي، فإنّه تعالى ينسخ ذلك ويبطله. والأحاديث المروية في هذا الباب كثيرة(7)، فلا يلتفت إليها في الباب؛ لأنها مخالفة للعقل والنقل.(8)
[73] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) إلى قوله: ﴿وَنِعْمَ النَّصِيرُ)؛ فإنَّها نزلت في محمّد والأئمّة خاصّة.
[75] قوله: (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ)، فمن الملائكة: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت(9)، (ومِنَ النَّاسِ): ألوا العزم، وأفضلهم:
ص: 323
رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.(1)
[77] ثمّ خاطب الله الأئمة علیهم السّلام، فقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا)... الآية، إلى قوله: (وَفِي هَذَا) يعنى: القرآن.
ص: 324
بسم الله الرحمن الرحيم
[1 -11] قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إلى قوله: (أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ). قال الصادق علیه السّلام: «ما خلق الله خلقا إلّا جعل له في الجنّة منزلاً، وفي النار منزلاً، فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النار النار، نادى مناد يا أهل الجنّة، أشرفوا ، فيشرفون على أهل النار، وترفع لهم منازلهم فيها، ثمّ يقال لهم: هذه، منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموهايعني: النار، قال - فلو أنّ أحداً مات فرحاً، لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحاً، لما صرف عنهم من العذاب.
ثمّ ينادي منادِ: يا أهل النار ارفعوا رؤوسكم، فيرفعون رؤوسهم، فينظرون إلى منازلهم في الجنّة، وما فيها من النعيم، فيقال لهم: هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم لدخلتموها - قال: فلو أنّ أحداً مات حزناً، لمات أهل النار حزناً، فيورث هؤلاء منازل هؤلاء، فيورث هؤلاء منازل هؤلاء، وذلك قول الله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ*الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).».(1)
وقال: قال رسول الله لعليّ: «يا عليّ إذا كان يوم القيامة قعدت أنا وأنت على الصراط، فينادي مناد من العرش: أيّها الناس، نسبت أنا(2) نسباً ونسبتم أنتم نسباً، فقلت:
ص: 325
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(1)، وقلتم فلان وفلان، فوعزّتي وجلالي، لأرفعنّ نسبي ولأضعنّ نسبكم، لا يجوز بي اليوم إلا بجوازي، وجوازي حبّ محمّد و آل محمد».(2)
[12] قوله: (وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ)... الآية، قال: «هذا خلق استحالة من أمر إلى أمر».(3)
[14] وقوله: ﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) أي المقدّرين، لا أنّهم يخلقون كما يخلق الله، كما ذهبت إليه المعتزلة.
أقول: قالت المعتزلة: إنّ الانسان يخلق فعله أيضاً، وهو حقّ بالنصّ والعقل. أمّا النصّ: فقوله: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(4) ﴿وما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ)(5).
وأمّا العقل: فإنّ أفعال الإنسان تصدر عنه بالداعى والإرادة، وتصدر عقيب ذلك، وهو ظاهر. وقد استدلّ أكثر أصحابنا والمعتزلة: أنّ الإنسان فاعل بالضرورة، الذين قالوا: نحن نخلق أفعالنا، قال: وهو مثل قوله لعيسى علیه السلام: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين)(6)، أي: تقدّر.
وقوله: ﴿وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)، قال: «فدية النطفة عشرون ديناراً، والعلقة أربعون ديناراً، و المضغة [ستون ديناراً، وفي العظم](7) ثمانون ديناراً، وإذا كُسي لحماً(8) فمائة دينار حتّى يستهلّ، فإذا استهلّ فالدية كاملة ».(9)
[عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: قلت: يا ابن رسول الله](10) فإن خرج في النطفة قطرة دم؟ قال: «في القطرة عشر دية النطفة، ففيها اثنان وعشرون ديناراً».
ص: 326
سورة المؤمنون (23)
فقلت: قطرتان؟ قال: «أربعة وعشرون ديناراً».
قلت: فثلاث؟ قال: «ستّة وعشرون ديناراً»
قلت: فأربع؟ قال: «ثمانية وعشرون ديناراً».
قلت: فخمس؟ قال: «ثلاثون ديناراً، وما زاد على النصف فهو على هذا الحساب(1)، حتّى تصير علقة، فيكون فيها أربعون ديناراً».
قلت: فإن خرجت النطفة مخضخضة بالدم؟ فقال: «قد علقت، إن كان دماً صافياً ففيها أربعون ديناراً، وإن كان دما أسود فذلك من الجوف، ولا شيء عليه إلا التعزير، لأنه ما كان من دم صاف فذلك الولد، وما كان من دم أسود فهو من الجوف».
قال: فقال أبو شبل: فإنّ العلقة صار فيها شبيه العروق واللحم؟(2). قال: «اثنان وأربعون ديناراً، العُشر».
قال: قلت: فإنّ عشر الأربعين ديناراً ، أربعة دنانير؟ قال: «لا، إنّما هو عشر المضغة، لأنّه إنّما ذهب عشرها، فكلّما ازدادت زيد حتّى تبلغ الستين».
قلت: فإن رأت في المضغة مثل عقدة عظم يابس؟ قال: «إنّ ذلك عظم، أوّل ما يبدو ففيه أربعة دنانير فإن زاد فزد أربعة دنانير، حتّى تبلغ الثمانين».
قلت: فإن كسى العظم لحما؟ قال: «كذلك، إلى مائة».
قلت: «فإن وكزها فسقط الصبيّ، لا يُدرى حيّاً كان أو ميتاً؟ قال: «هيهات يا أبا شبل، إذا بلغ أربعة أشهر فقد صارت فيه الحياة، وقد استوجب الدية».(3)
[17] قوله: (ولَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ) أى سماوات.(4)
[20] قوله: ( وصِبغٍ لِلأكِلِين) يعني: الانغماس فيه.(5)
ص: 327
[63] قوله: (في غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا) أي شكّ.(1)
[66] قوله: (تَنكُصُونَ): ترجعون .
[70] قوله: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةً) يعني: رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.(2)
[91] قوله: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ)... الآية، هذا ردّ على النصارى وعلى الثنوية الذين قالوا بالهين.
وسأل بعض الثنوية هشام بن الحكم، فقال: ما الدليل على أن الصانع واحد؟ فقال: اتّصال التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض، يدلّ على أنّ الصانع واحد والتدبير لواحد، ولو كان لاثنين لاختلفا في التدبير، ولم يقم العالم. وهو ما احتج به تعالی فقال: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةً إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَنَا)(3).
أقول: الدليل على أنّ الصانع واحد - وهو دليل التوحيد - : أنّه لو كان في الوجود واجبا وجود، لكانا اشتركا في وجوب الوجود، ولابد من مائز، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فيكون كلّ واحد منهما مركّباً ممّا به الاشتراك وممّا به الإمتياز، وهو
يدلّ على التركيب، وكلّ مركب حادث. هذا خلف.
[99] قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ).... الآية، روي أنّها نزلت في مانع الزكاة .(4)
قال حريز السجستاني: سمعت أبا عبدالله علیه السّلام، يقول: «ما ذو مال - ذهب ولا فضّة - يمنع زكاة ماله، أو خمسه، إلّا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر(5)، وسلّط عليه سبُعاً يريده ويحيد(6) عنه، فإذا علم أنّه لا محيص له، مكنه من يده، فقضمها كما يُقضَم الفجل، وما
ص: 328
329
من ذي مال، إبل أو بقر أو غنم، يمنع زكاة ماله، إلّا حبسه الله يوم القيامة بقاع قفر(1)، تنطحه كلّ ذات قرن بقرنها، وتطأه كلّ ذات ظلف بظلفها(2). وما من ذي مال، كرم أو نخل أو زرع، يمنع زكاة ماله، إلّا طوّقه الله يوم القيامة بهوام أرضه، ورقعة أرضه إلى سبع أرضين، يقلّدها إيّاه».(3)
ثمّ قال علیه السلام: «من منع قيراطاً من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم ولا كرامة له».(4)
[100] قوله: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَدُّونَ) يعني: عذاب القبر، وكلّ أمر بين أمرين يسمّى برزخاً، والبرزخ: ما بين الدنيا والآخرة(5).
[101] قوله: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ) أي لا يتقدّمون يوم القيامة بالأنساب والأحساب.
[قال الصادق علیه السلام: «لا يتقدّم أحد يوم القيامة](6) إلّا بالأعمال».(7)
أقول: يحتمل قطع النسب بينهم؛ لقوله: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)(8). ويحتمل أنّ الأنساب لا تنفع مع العمل السيئ الذي يوجب لصاحبه النار.
ص: 329
بسم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم
[2] قوله: )الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما)... الآية، وهي ناسخة لقوله: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ)(1)... إلى آخر الآية.(2)
[3] قوله: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكَ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وهو ردّ على من استحل التزويج بزانية والتمتّع بها.
أقول: والمجمع عليه اليوم - وهو سنة سبع وثلاثين(3) وسبعمائة أنّه يجوز الزواج بالزانية والتمتع بها، لكنّه مكروه؛ لأنّ الزوجة إذا زنت لم تحرم على زوجها، فكذلك الزانية قبل التزويج، والمعنى: أنّ الزانية لا ينكحها بلا عقد إلّا زان إن كان مسلماً أو مشركاً إن كان كافراً. وهو حق، وكذلك الزاني.
ونزلت هذه الآية في نساء كن بمكّة(4) سارة وحنتمة والرباب، كنّ يغنين(5) بهجاء رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فحرّم الله نكاحهنّ، وجرت بعدهنّ في النساء من أمثالهن(6) .(7)
[4] قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء)... الآية عن أبي عبد
ص: 330
الله علیه السّلام، قال: «القاذف یجلد(1) ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة أبدا إلا بعد التوبة، أو يكذب نفسه، فإن شهد له ثلاثة وأبى واحد، يجلد الثلاثة، ولا تقبل شهادتهم، حتّى يقول أربعة: رأينا مثل الميل فى المكحلة، أو رأيناه جلس منها مجلس الرجال من النساء، وإن قالوا غيرها لم تقبل شهادتهم وجلدوا. ومن شهد على نفسه أنّه زنى، لم تقبل شهادته حتّى يعيدها(2) أربع مرات».(3)
أقول: في الأخير نظر؛ فإنّ نفس جلوسه كذلك لا تكون شهادة بالزنا، بل لابدّ من أن يراه كالميل في المكحلة.
وروي في الخبر؛ «أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين علیه السّلام، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّي زنیت، فطهّرنی.
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: أ بك جنّة؟ قال: لا.
قال: فتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم.
فقال له: ممّن أنت؟ فقال: أنا من مزينة - أو جهينة - (4).
قال: اذهب حتّى أسأل عنك. فسأل عنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا(5) رجل صحيح العقل، مسلم
ثمّ رجع إليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت، فطهّرني.
فقال: ويحك، ألك زوجة؟ قال: نعم.
قال: فكنت(6) حاضرها، أو غائبا عنها؟ قال: بل(7) كنت حاضرها.
فقال: اذهب حتّى ننظر(8) في أمرك.
فجاء إليه الثالثة، وذكر له ذلك، فأعاد عليه أمير المؤمنين علیه السّلام الكلام الأوّل، ثمّ قال: إذهب، فذهب، فجاء في الرابعة(9) فقال: إنّي زنيت فطهرني.
ص: 331
فأمر أمير المؤمنين علیه السلام بحبسه(1)، ثمّ نادى أميرالمؤمنين علیه السّلام: أيها الناس، إنّ هذا الرجل يحتاج أن يقام(2) عليه حدّ الله فاخرجوا متنكرين، لا يعرف بعضكم بعضاً، ومعكم أحجاركم.(3)
فلمّا كان من الغد، أخرجه أمير المؤمنين علیه السّلام بالغلس(4)، وصلّى ركعتين، ثمّ حفر حفيرة، ووضعه فيها، ثمّ نادى أيها الناس، إنّ هذه حقوق ،الله، لا يطلبها(5)من كان عنده الله حقّ مثله، فمن كان الله عليه حقّ مثله فلينصرف، فإنّه لا يقيم الحدّ الله من كان الله عليه الحدّ. فانصرف الناس إلّا أمير المؤمنين والحسن والحسين، فأخذ أمير المؤمنين علیه السّلام الا حجراً، فكبّر أربع تكبيرات، فرماه، ثمّ أخذ(6) الحسن علیه السّلام مثله، ثمّ فعل الحسين علیه السّلام مثله. فلمّا مات أخرجه أمير المؤمنين علیه السّلام، وصلّى عليه ودفنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ألا تغسله؟ قال : قد اغتسل بما هو منها طاهر(7) إلى يوم القيامة.
ثمّ قال أمير المؤمنين علیه السّلام: أيّها الناس من أتى هذه القاذورة(8)، فليتب إلى الله تعالى فيما بينه وبين الله، فوالله لتوبة(9) إلى الله في السر أفضل من أن يفضح نفسه، ويهتك ستره».(10)
أقول: إذا انصرف الناس كلّهم، فإن كلّهم الله عليه حدّ؛ فالحكم فيه إشكال، كما لا یخفی(11).
[6] قوله: ﴿وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلا أَنْفُسُهُمْ)... الآية، هذا هو اللعان، وكان سبب ذلك أنّه(12) لمّا رجع رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من غزوة تبوك جاء إليه عويمر بن ساعدة
ص: 332
العجلاني الأنصاري(1)، فقال: يا رسول الله، إنّ امرأتي زنى بها شريك(2) بن سمحاء، وهي منه حامل، فأعرض عنه رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فأعاد عليه القول، فأعرض عنه، حتّى فعل ذلك أربع مرات، فدخل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم منزله، وكره ما جاء به، فنزلت عليه آية اللعان، فخرج رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وصلّى بالناس العصر، وقال لعويمر: «ائتني(3) بأهلك، فقد أنزل الله فيكما قرآنا».
فجاء إليها، فقال لها: رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم يدعوك، فخرجت، وكانت في شرفِ من قومها، فجاء معها جماعة، فلما دخلت المسجد، قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم لعويمر: «تقدّما إلى المنبر، والتعنا».
قال: فكيف أصنع؟
فقال: «تقدّم وقل: أشهد بالله إنّني لمن الصادقين فيما رميتها به».
قال: فتقدّم وقالها.
فقال له رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: « أعدها» فأعادها، ثمّ قال: «أعدها» حتّى فعل ذلك أربع مرّات، فقال له في الخامسة: «عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به».
فقال: والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به.(4) ثمّ قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «إنّ اللعنة لموجبة إن كنت كاذباً(5)». ثمّ قال له: «تنح» فتنحى عنه.
ثمّ قال لزوجته(6): «تشهدين كما شهد أنّه من الكاذبين فيما رماك به، وإلّا أقمت عليك حدالله». فنظرت في وجوه قومها، فقالت: لا أسوّد هذه الوجوه في هذه العشية، فتقدّمت إلى المنبر، فقالت : أشهد بالله أن عويمر بن ساعدة لمن الكاذبين فيما رماني به.
فقال لها رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: « أعيديها» فأعادتها، حتّى أعادتها أربع مرّات، فقال لها رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: « اإلعني نفسك في الخامسة، إنّ كان من الصادقين فيما رماك به».
فقالت في الخامسة: إنّ غضب الله عليها(7) إن كان من الصادقين فيما رماني به.
ص: 333
فقال لها رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «ويلك ، إنّها لموجبة لك إن كنت كاذبة».
ثمّ قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم لزوجها: «اذهب(1)، فلا تحل لك أبداً».
فتشبث بها وقال: يا رسول الله، فمالي الذي أعطيتها ؟(2)
قال: «إن كنت كاذباً فهو أبعد لك منه، وإن كنت صادقاً فهو لها بما استحللت من فرجها».
ثمّ قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: إن جاءت بالولد (3) أحمش الساقين(4)، أخفش(5) العينين، جعداً(6)، قططاً(7)، فهو الأمر السيئ، وإن جاءت به أشهب(8) أصهب(9)، فهو لأبيه».
فيقال: إنّها جاءت به على الأمر السيئ(10)».(11)
[11] قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُ بالافك عُصْبَةٌ مِنْكُمْ).... الآية، فإنّه روي أنّه لمّا الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من غزاة المريسع، كانت معه عائشة، فلمّا كان في بعض الطريق(12) هاجت عليهم ريح شديدة وظلمة وصواعق، فأمر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أن يعرسوا(13) فعرسوا، وكانت عائشة في هودجها، فنزلت منه لتقضي حاجة، فتنّحت من العسكر، وكانت معها قلادة،
ص: 334
فوضعتها في الموضع الذي جلست فيه لقضاء الحاجة، ثمّ رجعت إلى الهودج وقد نسبت القلادة، فذهبت تطلبها فأبطأت، وسكنت الريح، فأمر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بالرحيل، فرجعت إلى الرحل وقد ارتحل الناس، فقعدت على الطريق، وكان رسول الله جعل على الساقة(1) صفوان بن المعطل، فأقبل صفوان، فرأى سواداً على الطريق(2)، فقال: من هذا؟
قالت: أنا عائشة. فاسترجع، ثمّ قال: ما شأنك؟
قالت نزلت لحاجة فرحل العسكر.
فنزل عن راحلته، وعصب عينيه بعمامته فقال اركبي فركبت، فنزل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم المنزل، وفقدت3(3) عائشة، فاضطرب العسكر، فنظروا إلى صفوان قد أقبل وعائشة على راحلته، فقال لها رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: ما شأنك؟
فقالت: يارسول الله كيت وكيت. فصدّقها ولم يتّهمها، وكان عبد الله بن أبيّ في العسكر، وكان يألفه أهل الحاجة(4) والمنافقون، وكان رجلاً سخيا بالطعام، فدخل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم المدينة، وأقبل الناس يتحدّثون بخبر عائشة وتخلّفها عن العسكر، وبلغ رسول الله ذلك فغمّه، فدعا أمير المؤمنين علیه السّلام فقال له: ما تقول فيما يقول الناس في عائشة؟
فقال: يا رسول الله، أعيذك بالله ما كان الله ليبلي(5) رسوله بمثل هذا.
فسأل أمّ سلمة فقالت مثل ذلك، فنزلت هذه الآية، ونزل فيما قال أمير المؤمنين وأمّ سلمة:(لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)(6).
وروت الخاصّة: أنَّ هذه الآيات نزلت فى مارية القبطية، أمّ إبراهيم [وما رمتها به
ص: 335
336
بعض النساء المنافقات(1)](2)»(3).
أقول: لأنّ ابن عمّ لها كان يدخل عليها ويتحدّث معها، فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «يا عليّ إن وجدته معها فاقتله، فقال علىّ: أكون مثل السكّة المحماة، أو أنّ الحاضر يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال بل الحاضر يرى ما لا يرى الغائب، فوجده عندها، فسلّ السيف وقصده، فصعد نخلة وكشف عن فرجه، فإذا هو أمسح(4)، فرجع وأخبر رسول الله صلى صلّی الله علیه وآله وسلّم بذلك، فشكره وشكر سعيه.(5)
[27 - 29] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً)... الآية، فإنّ العرب كانوا يدخل بعضهم على بعض من غير إذن حتّى نزلت هذه الآية فوقع الحجاب بين الرجال والنساء، ثمّ أطلق لبعض فقال: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ)،
ص: 336
قال الصادق علیه السّلام: هي الحمّامات، والخانات والأرحية، تدخلها بغير إذن، وأمّا(1) غير هذه فلا يجوز إلّا باذن».(2)
[30] قوله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)... الآية عن العالم علیه اسّلام قال: «كلّ آية في القرآن في ذكر الفرج فهي من الزنى، إلّا هذه الآية؛ فإنّها من النظر، فلا يحلّ للرجل المؤمن أن ينظر إلى فرج أخيه، ولا يحلّ للمرأة أن تنظر إلى فرج أختها(3)» .(4) ولا ينظر بعضهم إلى بعض فقد حرمّ الله ذلك.
أقول: يجوز للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته، وكذلك يجوز للزوجة أن تنظر إلى فرج زوجها، ويجوز للرجل أن ينظر إلى فرج جاريته، ويجوز للجارية أن تنظر إلى فرج مولاها، وللطبيب أن ينظر إلى فرج من يعالجه؛ وذلك لمكان الضرورة،
ولا يجوز لغيرها.
[31] قوله: ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، قال العالم: «الكفين والأصابع، ثمّ أطلق النظر لقوم معروفين لا يحلّ لغيرهم، فقال: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ)».(5)
أقول: قيل: هي العبيد، وقيل: هو الخادم المجبوب، وقيل: من الجوار(6). والأخير ليس لتخصيصه معنىّ.
(أوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِى الإرْبَةِ، الإربة: الحاجة(7) مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)؛ وكان النساء يحضرن مسجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيصلّين معه وراء الرجال، وربما
ص: 337
كان على المرأة الخلخال المصوت(1) فإذا مشت سمع صوته، فنهى الله عن ذلك وحظره عليهنّ فقال: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ)».(2)
[32] قوله: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى)، الأيامى جمع الأيمّ: التي لا زوج لها .
أقول: أو الذي لا زوجة له أيضاً؛ فإنّ الأيم يطلق على الذكر والأنثى.
[33] قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ)... الآية، فإنّ العبيد والإماء كانوا يقولون لأصحابهم: كاتبونا، ومعنى ذلك: أنّهم يشترون أنفسهم من أصحابهم على أنهم يؤدوّن ثمنهم في نجمين أو ثلاث أنجم. فيمتنعون عليهم، فقال الله: ﴿كَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًاً وَآتُوهُم مِّن مَّالَ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ )(3)»(4).
أقول والمكاتبة: أن يقول العبد أو الأمة لمولاه: كاتبني على أن أشتري نفسي بكذا وكذا، أودّه إليك في بخمين(5) أو ثلاثة أو ما يتفق بينهما فيكاتبه. فإذا شارطه لا (6) يجوز له أن يجعل من ذلك شيئاً ؛ لقوله تعالى: ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالَ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ)».
قوله: (ولا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)، فإنّ العرب كانوا يشترون الإماء، فيضعون عليهم الضريبة الثقيلة ويقولون ازنوا وأكسبوا(7)، فحرّم الله عليهم ذلك(8).
أقول: هو إلى الآن وهو سنة سبع وثمانين وسبعمائة - جائز عندهم، يشترون الأمة ويأمروها بالزنا ويضربون عليها الضرائب، رأيت ذلك في بني خفاحة وغيرهم من العرب، لا ينكر بعضهم على بعض. والبغاء: الزنا.
ثمّ قال: ﴿وَمَن يُكْرِهَهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أَي: لا يؤاخذهنّ الله بذلك إذا أكرهن عليه ، وإنّما يؤاخذ المُكره لهنّ أشدّ المؤاخذة(9).
ص: 338
[35] قوله: (لله نُورُ السَّماواتِ والارْضِ)... الآية نزلت في آل محمد، فقد روى(1) عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن جندب، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا علیه السّلام أسأله عن هذه الآية، فأجابني: «نزلت فينا والله، ضُرب بنا المثل، وعندنا علم المنايا والبلايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام، وما من فئة تضلّ مائة، وتهدي مائة إلّا ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها(2)، (3) إلى يوم القيامة».
قوله (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) يعني: الكوّة التي فيها السراج، تضيئ له البيت، فكذلك مثل آل محمّد في الناس يهتدى بهم دليل ذلك قوله: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ)... الآية.(4)
[39] ثمّ ضرب الله مثلا لأعمال من نازعهم(5)- يعني: عليّاً وولده والأئمة علیهم السّلام - وعاداهم، فقال: (والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ)... الآية. الظمآن: العطشان، والسراب: هو الآل.(6). (7)
أقول: الفرق بين السراب والآل: أنّ السراب ما رأيته إلى نصف النهار كالماء، والإلّ إلى آخر النهار(8). والقيعة: المفازة المستوية.
[36] وقال العالم: قوله: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زيتونة لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) أي علمها (ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلى نُّورٍ) من رسول الله إلى عليّ (يَهْدِى اللَّهُ
ص: 339
340
لِنُّورِهِ مَنْ يَشَاءُ(1) » .(2)
[ 40] ثمّ ضرب لهم مثلاً آخر فقال: (أَوْ كَظُّلُمَاتِ) (3)»(4).
[41] قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ والارْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلُّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ)، فإنّه روى مشايخنا عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين علیه السّلام: «إن الله ملكاً في صورة الديك الأملح الأشهب(5)، براثنه في الأرض السابعة، وعُرفه تحت العرش، له جناحان جناح بالمشرق، و جناح بالمغرب، فأما الجناح الذي بالمشرق فمن ثلج، وأمّا الجناح الذي بالمغرب فمن نار، فكلّما حضر وقت الصلاة قام على براثنه، ورفع عرفه من تحت العرش، ثمّ أمال أحد جناحيه على الآخر، يصفّق بهما كما تصفّق الديكة في منازلكم. فلا الذي من الثلج يطفئ النار، و لا الذي من النار يذيب الثلج، ثمّ ينادي بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيين، وأنّ وصيّه خير الوصيّين، سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة والروح. فلا يبقى في الأرض ديك إلّا أجابه، وذلك قوله : (والطَّيْرُ صَافات) يعني: صافّات في الأرض».(6)
أقول: المفهوم: صافات فى الهواء، لا تسقط إلى الأرض إلا بإرادتهن، ويدلّ على ذلك قوله: ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الله)(7)... الآية، وهو يدلّ على القدرة الباهرة والحكمة الظاهرة، وقوله: (وتَسْبِيحَهُ) الضمير يعود إلى الطير (كُلُّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ
ص: 340
وتَسْبِيحَة) يعني صلاة ذلك الملك و تسبيحه.(1)
[43] قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً)، أي: يثيره(2) من الأرض.
قوله: (الْوَدْقَ) أي: المطر.(3)
[48] وقوله: ﴿وإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) الآيات، نزلت في عليّ وعثمان، وذلك أنّه كان بينهما منازعة في حديقة، فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: «ترضی برسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم؟» فقال عبد الرحمن بن عوف له(4): لا تحاكمه إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فإنّه يحكم له عليك، و لكن حاكمه إلى ابن شيبة اليهودي- وكان قاضى اليهود - فقال عثمان: لا أرضى بابن شيبة(5) فأنزل الله على رسوله: ﴿وإذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) إلى قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(6).
أقول: وكذلك ذكر الواحدي وغيره من المفسّرين في أسباب النزول، وفيها اعتبار.(7)
[50] قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)... الآية نزلت في القائم من آل محمّد علیهم السّلام.(8)
[58] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)... الآية، قال: «نزلت مع
ص: 341
قوله تعالى: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) إِنَّ الله تبارك وتعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد، لا أب ولا أخت ولا أمّ ولا خادم إلا بإذن. هذه، والأوقات: بعد طلوع الفجر، ونصف النهار، وبعد العشاء الآخرة، ثمّ أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات، فقال: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ) يعني : بعد هذه الثلاثة الأوقات(1)».
[ 60] قوله: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً)، نزلت في العجائز اللاتي قد يئسن من التزويج، أن يضعن من ثيابها:(2) النقاب وما تستتر به، وإنمّا نزلت: ﴿مِنْ ثِيابِهِنَّ)، ولو قال: ثيابهن، لتعرّين.
ثمّ قال: ( وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) أَي لا يُظهرن زينتهن للرجال.(3)
[61] قوله: (لَيْسَ عَلَى الاعْمَى حَرَجٌ ولا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)(4). (5)
قوله: (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ) إلى قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأكُلُوا جَمِيعاً أو أشتاتاً)، فإنّها نزلت لمّا هاجر(6) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة، وآخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، وآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين طلحة والزبير، وبين سلمان وأبي ذر، وبين المقداد وعمار، و ترك أمير المؤمنين علیه السّلام، فاغتمّ من ذلك غمّاً شديداً، فقال: «يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، لم لا تؤاخي بيني وبين أحد؟».
ص: 342
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «و الله يا علي، ما حبستك إلا لنفسي، أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ و أنت وصيّي ووزيري وخليفتي في أُمتي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتتولّى غسلي، ولا يليه غيرك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».
فاستبشر أمير المؤمنين بذلك، فكان بعد ذلك إذا بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحداً من أصحابه في غزاة أو سرية، يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين، ويقول له: خُذْ ما شئت، وكُل ما شئت(1)، فكانوا يمتنعون من ذلك، حتّى ربما فسد الطعام في البيت، فأنزل الله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أشتاتاً)، يعني: إن حضر صاحبه أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه.(2)
أقول: اختلف في المراد من قوله: ﴿مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ)، فقيل: بيت عبده، وقيل: بيت وكيله، وقيل غير ذلك، فالأكل مباح لكم، فكانوا لا يمتنعون بعد ذلك من الّأكل، قال الصادق علیه السّلام: «باذنٍ أو بغير إذن».(3)
قوله: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ)، قال : «هو سلامك على أهل البيت، ثمّ يردّون عليك سلامك، فهو سلامك على نفسك، أي: سلّموا على أمثالكم في الدين».(4)
أقول: هذا مثل قوله: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(5) أي مثلكم في الدين، أي: سلّموا على أمثالكم.
[63] قوله: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)، قال الباقر علیه السّلام: «لا ينبغي أن تدعوا رسول الله باسمه كدعاء بعضكم بعضاً، ولا دعاؤه لهم كدعاء بعضهم لبعض».(6)
وفي حديث آخر، قال: «لا تجعلوا دعاءكم له بالخير كدعاء غيره».
ص: 343
بسم الله الرحمن الرحيم
[4] قوله: ﴿وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكَ افْتَرَاهُ وأَغانَهُ عَلَيْهِ قَوْمُ آخَرُونَ)، فَإِنَّ قريشاً قالت الرسول الله: إنَّ هذا الذي تخبرنا به، إنّما هو شيء تتعلّمه من اليهود، وتكتبه من رجل من أهل الكتاب يقال له: ابن قبيصة(1).(2)
[12] قوله: ﴿إِذَا رَأَتْهُم مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ)، قال الصادق ععلیه السّلام: «من مسيرة سنة».(3)
[8][قوله: ﴿وقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتبعون إلا رجلاً مشحوراً).(4) وعن أبي جعفر علیه السّلام: «نزلت هذه الآية هكذا: (وقَالَ الظَّالِمونَ﴾ آل محمّد حقّهم: (إن تتبعون إلا رجلاً مشحوراً)».(5)
[9] قوله: ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبيلاً) [أي] إلى ولاية علي علیه السّلام، وعلي علیه السلام هو السبيل.
[13] قوله: ﴿وإذا أُلْقُوا مِنْهَا مَكاناً ضَيّقاً مُقَرَّنِينَ). معنى (مِنْها) أَي: فيها. (مُقَرَّنِينَ)، قال(6): «مقيّدين، بعضهم إلى بعض (دَعَوْا هُنَالِك ثُبُوراً) والثبور: الويل».(7)
ص: 344
[17 - 18] قوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ)... الآية، قال: «إذا كان يوم القيامة، حشر الله الخلق والحيوان (فَيَقُولُ) الله للشمس والقمر وَمَا كانوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ: (أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) فيقولُونَ: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِن مَّتَعْتَهُمْ وَءَابَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ). ومعنى (نسوا) : تركوا (وَكَانُوا قَوْمَاً بُوراً)، أي قوم سوء، أي أهلكناهم(1)».(2)
[20] قوله: ﴿وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)، أي: اختباراً.(3)
[22] قوله: ﴿ويَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) أي قدراً مقدوراً.(4)
أقول: وقيل: حراماً محرّماً.(5)
[23] قوله: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا)... الآية، عن أبي جعفر علیه السّلام، قال: «يبعث الله يوم القيامة قوماً بين أيديهم نور كالقباطيّ(6)، فيقول الله: كوني هباء منثوراً».
ثمّ قال: «أما والله - يا أبا حمزة - إنّهم كانوا يصومون ويصلّون، ولكن كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، وإذا ذكر لهم شيء من فضل أمير المؤمنين علیه السّلام أنكروه - قال:- والهباء المنثور: هو الذي تراه في ضوء الشمس، اذا طلع من الكوّة شبه الغبار».(7)
[24] قوله: ﴿وَ أحسن مقيلاً)، المقيل: النوم.
[28] قوله: (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً)، قال أبو جعفر علیه السّلام: «يقوله الأول للثاني».(8)
ص: 345
[30] قوله: ﴿إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) أي: متروكاً.
[32] قوله: ﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) أي: بيْناه بياناً(1).
[39] قوله: ﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَثْبِيراً)، أي: دمرنا تدميراً.(2)
[40] قوله: ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوء)(3)، فهي سدّوم(4)، قرية قوم لوط.(5)
[45] قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظَّلَّ)... الآية، قال: «الظل: ما بين طلوع(6) الفجر إلى طلوع الشمس».(7)
أقول: وروى أنّه عني به الليل كلّه، إذا ذهبت الشمس مدّ الظل على الدنيا كلّها، ثمّ قال: ﴿وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنَّا) أَي: دائماً.(8)
[53] قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أي: أجرى وأرسل (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاج)، فالأجاج: المرّ ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخا)، البرزخ: ما بين الأمرين المختلفين ﴿وَحِجْراً مَّحْجُوراً)، يقول(9): «قدراً مقدوراً ».(10)
[54] قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً)، قال أبو جعفر: «إنَّ الله
ص: 346
خلق آدم من الماء العذب، وخلق زوجته من سنخه (1)، (2) فجرى بذلك الضلع سبب نسب بينهما، ثمّ زوّجها إيّاه، فجرى بسبب ذلك بينهما صهراً، فالنسب ما كان من الرجال، والصهر ما كان من سبب نسب النساء».(3)
[62] قوله: ﴿وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً).... الآية، سأل رجل أبا عبد الله علیه السّلام، قال: جعلت فداك - يا ابن رسول الله - ربما فاتتني صلاة الليل(4) الشهر والشهرين والثلاثة، فأقضيها بالنهار، أيجوز ذلك؟
قال: «قرة عين لك والله - قالها ثلاثا - إنّ الله يقول: (وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ خِلْفَةً)... الآية، يعني من فاته صلاة اللّيل يقضيها بالنهار ، ومن فاته صلاة النهار يقضيها باللّيل(5)»(6).
[63] قوله: ﴿وَ عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الارْضِ هَوْناً)، قال: «هم الأئمبة(7)».(8)
[18] قوله: ﴿يَلْقَ أَثَاماً)، قال: «أثام: واد من أودية جهنم(9)، (10)».(11)
ص: 347
348
[ 70] قوله: ﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ).(1)
عن أبي جعفر علیه السّلام(2)، قال : «إذا كان يوم القيامة، أوقف الله المؤمن بين يديه، وعرض عليه عمله، فينظر في صحيفته، فأوّل ما يرى سيّئاته، فيتغيّر لذلك لونه، وترتعد فرائصه، ثمّ تعرض عليه حسناته، فتفرح لذلك نفسه، فيقول الله عزّ وجلّ: بدّلوا سيئاتهم حسنات(3)، وأظهروها للناس. فيبدّل الله لهم، فيقول الناس:(4) أمّا كان لهؤلاء سيئة واحدة! [وهو قوله: ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)](5)».(6)
[72] قوله: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)، قال: «هو الغناء».
[74] قوله: ﴿ وَأَجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)، روي عن أبي عبد الله ععلیه السّلام أنّه قال لقارئ هذه الآية: «لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتّقين أئمة!(7)».
فقيل له: وكيف هذا، يا بن رسول الله ؟
قال: «إنّما أنزل الله: (الذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماماً)».(8)
[75] قوله: ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ)، يعني: غرفات الجنان(9).
ص: 348
قوله: ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً)، قال: «التحيّة من الله تعالى، والسلام من الملائكة».
[7] قوله: (قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعَاؤُكُمْ)، قال الصادق علیه السّلام: «إدفعوا البلايا بالدعاء وداووا مرضاكم بالصدقة، وحصّنوا أموالكم بالزكاة».(1)
ص: 349
بسم الله الرحمن الرحيم
[3] قوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَك)، أي: جازع(1) نفسك.(2)
أقول: وقال ابن عبّاس: قاتل نفسك، وقال أبو زيد: تخرج نفسك.(3)
[4] قوله: ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «تخضع لها رقاب بني أمية(4)». (5)
أقول: وقيل: الأعناق الرؤساء والسادات، وقيل: الجماعات.
23 - 25] وقوله: (وما رَبُّ الْعَالَمِينَ)؟ إنّما سأله عن كيفيّة الله، فقال موسى: ﴿رَبُّ السَّماواتِ والارْضِ)... الآية، فقال فرعون - متعجّباً - لأصحابه: (أَلا تَسْتَمِعُونَ)، أسأله عن الكيفية، فيجيبني عن الخلق(6)؟!.
أقول: سأل فرعون عن ماهيّة الله، وموسى أجابه بصفته.
[32] وقوله: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تُعْبَانٌ مُبِينٌ)، ففزع فرعون ومن حوله، وناشده أن يأخذها، فكفّها، ثمّ نزع يده، فأضاءت البيت.
ص: 350
[ 60 - 63] وقوله: (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ)، فجمع فرعون أصحابه، وبعث في المدائن حاشرين، وحشر الناس، وقدّم مقدّمته في ستّ مائة ألف، وركب هو في ألف ألف(1)، وخرج كما حكى الله عزّ وجلّ: (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَكُنُّورٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ*كَذَلِك وأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ*فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ)، فلمّا قرب موسى من البحر، وقرب فرعون من موسى، قال أصحاب موسى: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، قال موسى: ﴿كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ أي: سينجيني، فدنا موسی علیه االسّلام من البحر، فقال له انفلق، فقال البحر له: استكبرت - يا موسى - أن تقول لي: انفلق، أنفلق(2) لك، ولم أعص الله طرفة عين، وقد كان فيكم المعاصي؟
فقال له موسى: فأحذر أن تعصي الله وقد علمت أن آدم اخرج من الجنّة بمعصیه، وإنّما إبليس لعن بمعصيته.
فقال البحر: ربّي عظيم، مطاع أمره، و لا ينبغي لشيء أن يعصيه.
فقام يوشع بن نون فقال لموسى يا رسول الله ما أمرك ربّك؟
قال: بعبور البحر. فاقتحم يوشع فرسه في الماء، فأوحى الله إلى موسى: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ)، فضربه ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) أي: كالجبل العظيم، فضرب له في البحر اثني عشر طريقاً، فأخذ كلّ سبط منهم في طريق، فكان الماء قد ارتفع، وبقيت الأرض يابسة طلعت فيها الشمس فيبست، كما حكى الله: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبْساً لا تَخَافُ دَرَكاً ولا تَخْشى)(3).
و دخل موسى وأصحابه البحر، وكان أصحابه اثني عشر سبطاً، فضرب الله لهم في البحر اثنى عشر طريقاً، فأخذ كل سبط في طريق، و كان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال، فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى علیه السّلام في طريقه، فقالوا: يا موسى أين إخواننا؟ فقال لهم: معكم فى البحر، فلم يصدّقوه، فأمر الله البحر، فصارت طاقات، حتّى كان ينظر بعضهم إلى بعض، ويتحدّثون.
ص: 351
وأقبل فرعون وجنوده، فلمّا انتهى إلى البحر، قال لأصحابه: ألا تعلمون أني ربّكم الأعلى؟ قد فرج لي البحر. فلم يجسر أحد أن يدخل البحر، وامتنعت الخيل منه لهول الماء، فتقدّم فرعون، حتّى جاء إلى ساحل البحر ، فقال له منجّمه: لا تدخل البحر. وعارضه فلم يقبل منه، وأقبل على فرس حصان، فامتنع الحصان أن يدخل الماء، فعطف عليه جبرئيل، وهو على ماديانة، فتقدّمه ودخل، فنظر الفرس إلى الرمكّة فطلبها، ودخل البحر، واقتحم أصحابه خلفه. فلمّا دخلوا كلّهم، حتّى كان آخر من دخل من أصحابه، وآخر من خرج من أصحاب موسى، أمر الله الرياح، فضربت البحر بعضه ببعض، فرأى فرعون الماء ينهدم عليه، فرفع يده وقال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(1) فأخذ جبرئيل حمأة، فدسّها في فيه،(2) ثمّ قال: (آلأنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).(3)
[84] قوله: (واجْعَلْ لِى لِسَانَ صِدْقِ فِى الأُخِرِينَ) قال: يعنى محمّداً صلّی الله علیه وآله وسلّم»(4)
أقول: يعني النبأ الطيّب؛ فإنّ جميع المذاهب تنبّئ(5).
[90] قوله : ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ): قرّبت.(6)
أقول: ومنه المزدلفة؛ (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الأَخَرِينَ)(7) أي: قربّنا إلى البحر.
[94] قوله تعالى: ﴿فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ والغَاوُونَ)، عن أبي جعفر علیه السلام قال: «هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم، ثمّ خالفوه إلى غيره».(8)
ص: 352
[89] قوله: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، قال: «القلب السليم: الذي يلقي الله وليس فيه أحد سواه».(1)
[100 - 102] قوله: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ*وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)، عن أبي جعفر وأبي عبالله علیهماالسّلام قال: سمعتهما يقولان: «لنشفعنّ - والله - للمؤمنين من شيعتنا، حتّى يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ*وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ*فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)».(2)
وقرأ الصادق علیه السّلام: (فلو أنّ لنا كرّة فنكون من المهتدين)، قال: «لأن الإيمان لزمهم بالإقرار».(3)
[111] قوله: (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَك يا نوح واتَّبَعَك الارْذَلُّونَ)، قال: «الفقراء».(4)
[128] قوله: (أتبنون بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً)، أي: بكلّ طريق.(5)
[129] قوله: ﴿ وتتخذون مصانع) يعني : جواسق(6) ومنازل (لَعَلَّكُم تَخلُدُونَ) أي: كأنّكم.
[130] قوله: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)، قال: «تقتلون بالغضب، من غير استحقاق».
ص: 353
[148] وقوله: ﴿ونَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ أي ممتلئ.(1)
أقول: وقيل: لطيف في حسنه هضيم، ومنه هضيم الحساء قد بلغ وأينع، وعلى هذا يقرأ بعض في بعض، قال: هو الزجاج وأبو عبيدة(2).
[149] قوله: ﴿فَارِهِينَ) أي: حاذقين، ويُقرأ: (فَرِهِين)(3) أي: بطرين .(4)
[168] قوله : ( الْقَالِينَ): المبغضين.(5)
[176] قوله : أَصْحَابُ الائِكَةِ قال: «الأيكة: الغيضة(6) والشجر، وهي مدين».(7)
[189] قوله: ﴿عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) أي يوم حرّ وسمائم [في بيوتهم](8) حتّى خرجوا من بيوتهم وضربوا الظلال في المفاوز(9) ثمّ أخذتهم الصيحة في جوف الليل (10) فهلكوا، وهم قوم شعيب، وهم اللذين أهلكهم الله بنقص المكيال والميزان.(11)
[193 - 194] قوله: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامينُ*عَلى قَلْبِك)، قال: «هي الولاية لأمير المؤمنين علیه السّلام(12)».(13)
ص: 354
[198 - 199] قوله: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الاعْجَمِينَ*فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ)، قال العالم علیه السلام: «لو أنزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم، فهي فضيلة للعجم».(1)
[214] قوله: ﴿وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَك الاقْرَبِينَ): بني هاشم خاصة، ولمّا نزلت جمع رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بني هاشم، وهم حينئذ أربعون رجلاً، كلّ واحد منهم يأكل الجذع ويشرب القرية، فاتّخذ لهم طعاماً يسيراً، فأكلوا حتّى شبعوا، فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «من يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون وصيّي ووزيري وخليفتي من بعدي؟» فلم يجبه أحد منهم، فقام أمير المؤمنين، وقال: «أنا يا رسول الله». فقال: «أنت وصيّى وخليفتي».(2)
أقول: نقل هذا أكثر الجمهور(3)، وهو نص جليّ بالخلافة.
[219] قوله: ﴿وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)، قال: «في أصلاب النبيّين، من صلب نبيّ إلى صلب نبيّ».(4)
[224 - 226] قوله: ﴿وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)، قال الصادق علیه السّلام: نزلت في الذين غيّروا دين الله بآرائهم وخالفوا أمر الله هل رأيتم شاعراً قط تبعه أحد؟ إنّما عنى بذلك الذين وضعوا ديناً بآرائهم، فتبعهم الناس على ذلك، ويؤكّد ذلك قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ)، يعني: يناظرون بالأباطيل ويجادلون بالحجج المضلة وفي كل مذهب يذهبون (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ) بأفواههم (مَا لَا يَفْعَلُونَ)، قال: «يعظون الناس ولا يتّعظون، وينهون عن المنكر ولا ينتهون، ويأمرون بالمعروف ولا يعملون، وهم الذين غصبوا
ص: 355
356
آل محمّد حقّهم».(1)
[227] ثمّ ذكر الذين ظلموا وهم آل محمّد علیهم السّلام وشبعتهم المهتدين، فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا)، ثمّ ذكر أعداءهم ومن ظلمهم، فقال: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) آل محمّد حقّهم (أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ هكذا - والله - نزلت.(2)
أقول: وهذا دليل على أنّ الآية الأولى، وهي قوله: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) نزلت في اللذين غيّروا دين الله، وبدلوا حكمه، وعطّلوا حدوده، وظلموا آل محمد
حقهم.
ص: 356
بسم الله الرحمن الرحيم
[10 - 11] قوله: ﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّى لايَخَافُ لَدَى الْمُرْسَلُونَ*إِلَّا مَن ظَلَمَ) ف- (إلّا) فى موضع (ولا)، وليست هي إستثناء، وإنّما قال: (إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ولا من ظَلَمَ) (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ) معناه: لا يخاف اللذين ظلموا ثمّ تابوا وندموا وجاءوا بالحسنة بعد السيّئة.(1)
[15] قوله: ﴿فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)، فإنّ الله أعطى داود وسليمان ما لم يعط أحداً من أنبيائه من الآيات، علّمهما منطق الطير، وألان لهما الحديد والصفر من غير نار، وجعلت الجبال تسبح مع داود، وأنزل الله عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء وأخبار ما كان بعده من أخبار رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وأمير المؤمنين علیه السّلام والأئمة علیهم السّلام من ذريّتهما، وأخبار الرجعة والقائم علیه السّلام؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)».(2)
[17 - 22] قوله: ﴿وَ حُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والانس والطَيرِ)، فلما اجتمعت له قعد على كرسيّه، وحملته الريح فمرّت به على وادي النمل، وهو وادٍ يُنبت الذهب والفضّة، وقد وكل الله به النمل، وهو قول الصادق علیه السّلام: إنّ الله وادياً يُنبت الذهب والفضّة، قد حماه بأضعف خلقه، وهو النمل، لو رامته البخاتي من الإبل ما قدرت عليه».
ص: 357
فلمّا مرّ على وادي النمل، قالت نملة: (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).
أقول: قال بلسان حالها، فإنّ النمل ما لا يصوّت، وهذا سرّ، ففهمها سليمان.
(فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي: قوّني.(1)
[وكان سليمان إذا قعد على كرسيّه، جاءت جميع الطير التي سخرها الله لسليمان، فتظلّ الكرسي والبساط - بجميع من عليه - من الشمس](2)، فغاب عنه الهدهد من بين الطير، فوقعت الشمس من موضعه في حجر سليمان علیه السّلام، فرفع رأسه، وقال، كما حكى الله: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ) إِلى قوله تعالى: (بِسُلْطَانٍ مُّبِين)(3)، أي: بحجّة قويّة، فلم يمكث قليلاً، إذ جاء الهدهد، فقال له سليمان: أين كنت؟ قال: (أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين) ، أي: بخبر صحيح.
[23] قوله: ﴿وَلَهَا عَرْشُ عَظِيمٌ)، العرش السرير.(4)
[25] قوله: (الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ). أمّا (فِي السَّمَاوَاتِ) : فالمطر، وأمّا (في الارْضِِ)، فالنبات الذي قد اختبأ في الأرض.
[29] قوله: ﴿كِتَابٌ كَرِيمٌ) أي: مختوم.
[34] قوله: (إنَّ الْمُلُوك)... الآية، حكاية قولها وقوله: (وكذلِك يَفْعَلُونَ) قول الله لنبيّه.
ثمّ قالت لهم: إن كان هذا نبيّاً من عند الله - كما يدّعي - فلاطاقة لنا به، فإنّ الله لا يغلب، ولكن(5) سأبعث إليه بهدية، فإن كان ملكاً يميل إلى الدنيا قبلها، وعلمت(6) أنّه لا يقدر علينا. فبعثت إليه بهدية(7)، وروي: أنّها وجّهت إليه بحقّة(8)فيها جوهرة عظيمة،
ص: 358
وقالت للرسول: قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار، فأتاه الرسول بذلك، فأمر سلیمان بعض جنوده من الديدان، فأخذ خيطاً فى فيه، ثمّ ثقبها، وأخرج الخيط من الجانب الآخر، وقال سليمان لرسولها: «أَتُمِدُّونَن بمَال فَمَا آتَانِيَ الله خَيْرٌ)... الآية.
[40] قوله: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ)، هو آصف بن برخيا، وهو وصي سليمان، فدعا الله باسمه الأعظم، فخرج السرير من تحت كرسي سليمان.(1)
قال الباقر علیه السّلام: «ما زاد العالم أن نظر خلفه وأشار بيده فمدّه، فإذا الكرسي بين يدي سلیمان».(2)
قوله: ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)، هذا كفر التُّرك.(3)
[44] وأمر سليمان الشياطين أن يتّخذوا لها بيتاً من قوارير، ووضعه على الماء، ثمّ قيل لها: (ادْخُلِي الصَّرْحَ) فظنّت أنّه ماء، فرفعت ثوبها، وأبدت ساقيها، فإذا عليها شعر كثير، فروي: أنّ سليمان تزوّجها، وكان له منها ابن وقال سليمان للشياطين: اتّخذو الها شيئاً يذهب الشعر عنها. فعملوا الحمامات، وطبخوا النورة والزرنيخ .(4)
[47] قوله: (اطَّيَّرْنَا بِك) أي نشاءَ منا.
قوله: ﴿تُفْتَنُونَ أي: تعذّبون.(5)
[48] قوله: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ)؛ كانوا منافقين من قوم صالح، كان بعد عقر الناقة اجتمعوا وتحالفوا على أن يبيّتوا صالحاً فيقتلوه، وهو قوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً)(6)، فالمكر من الله العذاب، وكلّ ذنب يذنبه العبد في السرّ ويعزم عليه فهو مكر. فجاءهم العذاب تلك الليلة.(7)
ص: 359
[59] قوله: ﴿وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى)، قال: «فهم آل محمّد علیهم السلام».(1)
[62] قوله: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الارْضِ)، عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «نزلت في القائم من آل محمد علیهم السلام».(2)
[82] قوله: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةَ مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ)، فإنّها(3) نزلت أمير المؤمنين علیه السّلام، وروى(4) أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم انتهى إلى أمير المؤمنين علیه السّلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحركه برجله، ثمّ قال له: «قم يا دابة الله».(5)
فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمّى بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟
فقال: «لا، والله ما هو إلا له خاصّة، وهو الدابّة التي ذكر الله في كتابه: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةَ مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ).
ثمّ قال: «يا عليّ إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعداءك(6)».(7)
ص: 360
[83] قوله: ﴿يُوزَعُونَ) أي: يحثون.
[87] قوله: (ذاخِرينَ) أى خاضعين(1).(2)
[89] قوله: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُم مِن فَزَعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)، قال الصادق علیه السّلام: «نزلت هذه الآية خاصة لقوم بأعيانهم، وهم أهل الولاية لآل محمّد». وقال: «الحسنة في هذا الموضع الولاية، والسيّئة العداوة».(3)
ص: 361
بسم الله الرحمن الرحيم
[1 - 4] (طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين)، ثمّ خاطب الله نبيّه صلّی الله علیه وآله وسلّم، فقال: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ) يا محمّد ﴿مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ*إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)، فأخبر الله نبيّه صلّی الله علیه وآله وسلّم بما لقي موسى وأصحابه من فرعون من القتل والظلم، تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته من أمّته، ثمّ بشّره بعد تعزيته أنّه يتفضّل عليهم بعد ذلك، ويجعلهم خلفاء في الأرض، وأئمّة على أمته، ويردّهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتى ينتصفوا منهم.(1)
قوله: ﴿وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) يعني: فرعون.
[5 - 6] ثمّ انقطع خبر موسى وعطف على أهل بيت محمّد، فقال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ*ونُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وهامَانَ وجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)، وإنّما عنى بقوله: (مِنْهُمْ) أي: من آل محمّد ولو كان عنى فرعون، لقال: ونري فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون - أي: من موسى - فلمّا قال: ﴿مِنْهُمْ)، علمنا أنّه عنى آل محمّد.(2)
أقول: (مِنْهُمْ) أي: من قوم موسى، وسياق الآية يدلّ على أنّها في موسى وقومه، لكن يقاس عليهم آل محمّد حذو النعل بالنعل؛ إذا مكّن الله لهم في الأرض.
ص: 362
وأَمّا قوله: ﴿ونُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وجُنُودَهُما)... الآية، يعني الذين غصبوا آل محمّد حقوقهم، وهو مثل قول أمير المؤمنين علیه السّلام في خطبته يوم بوبع له: «ألا، وقد أهلك الله فرعون وهامان وخسف بقارون...»، وإنّما هذا مثل لأعدائه الذين غصبوا حقّه، فأهلكهم الله.
ثمّ رجع إلى قصّة موسى ؛ لأنَّ القرآن منقطع معطوف، وإنّما أخبر الله رسوله أنَّ ذرّبتك يصيبهم من الفتن في آخر الزمان والشدائد كما أصاب موسى وبني إسرائيل من فرعون، ثمّ يظهر الله أمرهم على يد رجل من أهل بيتك يكون قصّته كقصّة موسى، ويكون بين الناس لا يُعرف حتّى بأذن الله له، وهو قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)(1)... الآية، وقد ضرب الله بالحسين بن علي علیهما السّلام مثلاً في بني إسرائيل بذلتهم من أعدائهم.(2)
وعن أبي الصباح، قال: نظر أبو جعفر إلى أبي عبد الله علیهما السّلام، فقال: «هذا والله من الذين قال الله فيهم: ﴿ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ)... الآية.
[7 - 32] قوله: ﴿وَ أَوْ حَيْنَا إِلى أُمِّ مُوسى)... الآية، قال: «اُلهِِمَت».
قوله: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمَ)، وذلك(3) أنّ أمّ موسى لما حملت به أُمّه،(4) لم يظهر حملها إلّا عند وضعه، وكان فرعون قد وكّل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط يحفظونهنَّ، وذلك أنّه كان لما بلغه عن بني إسرائيل أنّهم يقولون: إنّه يولد فينا رجل يقال له: موسى بن عمران يكون هلاك فرعون وأصحابه على يده. فقال فرعون عند ذلك: لأقتلنّ ذكور أولادهم، حتّى لا يكون ما يريدون. وفرّق بين الرجال والنساء، وحبس الرجال في المحابس.
فلمّا وضعت أم موسى موسى علیه السّلام، نظرت إليه، وحزنت عليه، واغتمّت وبكت، وقالت: يذبح الساعة. فعطف الله بقلب الموكّلة بها عليها، فقالت لأمّ موسى: ما لك قد
ص: 363
اصفرّ لونك؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي. فقالت: لا تخافي.
وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبّه، وهو قول الله: (وألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)، فأحبته القبطّية الموكّلة به.
وأنزل الله على أمّ موسى التابوت، ونوديت أمّه، وقال: ألقيه في اليمّ، وهو البحر (وَلا تَخافِى ولا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)، فوضعته في التابوت، وألقته في النيل(1). وكان لفرعون قصور على شط النيل متنزّهات، فنزل من قصره ومعه آسية امرأته، فنظر إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج، والرياح تضربه، حتّى جاءت به إلى باب قصر فرعون، فأمر فرعون بأخذه، فأخذ التابوت، ورفع إليه، فلمّا فتحه وجد فيه صبيّاً، فقال: هذا إسرائيليّ. وألقى الله في قلب فرعون لموسى محبّة شديدة، وكذلك في قلب آسية، وأراد فرعون أن يقتله، فقالت آسية: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنّه موسى علیه السّلام، ولم يكن لفرعون ولد، فقال: ائتواله بظئر تربّيه. فجاءوا بعدّة نساء قد قتل أولادهنّ، فلم يشرب لبن أحدٍ من النساء، وهو قول الله: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ).
وبلغ أمّه أن فرعون قد أخذه، فحزنت وبكت، كما قال: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسى فارغاً)... الآية(2)، ثمّ قالت لأخت موسى (قُصيه) أي: اتبعيه، فانظري ماذا صنعوا به، وهو قوله: (فَبَصَّرَتْ بِهِ عَنْ جُنْبِ) أَي: عن قرب.
أقول: (عَنْ جُنُب)، أي: عن بُعد، ومنه قوله: ﴿وَالجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنْبِ)،(3) أي: البعيد وسمّيت الجنابة جنابة؛ لأنّها تُبعد عن الصلاة ودخول المساجد ونحو ذلك.
فقالت أخت أمّ موسى:
أقول: المشهور أنّها كانت أخت موسى والآية دليل على ذلك ؛ فإنّه قال: ﴿وَقَالَتْ
ص: 364
لأُخْتِهِ قُصيه)، وقوله: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)، فَقَالَ فرعون: نعم، فجاءت بأمّه، فشرب منها، ففرح فرعون وأهله، وأكرموها.
وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كعادته كلّما يلدون، وبربّي موسى ويكرمه، ولا يعلم أنّ هلاكه على بده، فلمّا درج(1)موسى، كان يوماً عند فرعون، فعطس موسى، فقال: الحمدلله ربّ العالمين. فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه، وقال: ما هذا الذي تقول؟ فوثب موسى على لحيته - وكان طويل اللحية - فهلبها - أي: قلعها - فآلمه ألمّاً شديداً، فهمّ فرعون بقتله، فقالت امرأته هذا غلام حدث، لا يدري ما يقول(2)، وقد آلمته بلطمتك إيّاه. فقال فرعون: بل يدري.
فقالت له: ضع بين يديه تمراً وجمراً، فإن ميّز بينهما فهو الذي تقول. فوضع بين يديه تمراً وجمراً، وقال: كل فمدّ يده إلى التمر، فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر، فأخذ(3) الجمر في فيه، فاحترق لسانه، وصاح و بکی(4)، فقالت آسية لفرعون: ألم أقل لك إنّه لا يعقل؟ فعفا عنه.(5)
فلم يزل موسى علیه السّلام عند فرعون في أكرم كرامة حتّى بلغ مبلغ الرجال، وكان ينكر عليه ما يتكلّم به موسى من التوحيد، حتّى همّ به فخرج موسى من عنده، ودخل
ص: 365
المدينة، فإذا رجلان يقتتلان، أحدهما يقول بقول موسى، والآخر يقول بقول فرعون، فاستغاثه الذي من شيعته فجاء موسى، فوکز صاحب فرعون، فقضى عليه، وتوارى في المدينة، فلمّا كان من الغد جاء آخر، فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى، فاستغاث بموسى، فلمّا نظر صاحبه إلى موسى، قال له: (أتُريدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسَاً بالأمس)؟! فخلّى عن صاحبه، وهرب.(1)
وكان خازن فرعون مؤمناً بموسى، قد كتم إيمانه ستّمائة سنة، وهو الذي قال الله: (وقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله)(2)، وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل، فطلبه ليقتله، فبعث المؤمن إلى موسى علیه السّلام: (إِنَّ الْمَلَأُ يَأْتَمِرُونَ بِك لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّى لَك مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها) كما حكى الله (خَائِفاً يَتَرَقَّبُ)، قال: «يلتفت يمنة ويسرة، ويقول: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)»
ومرّ نحو مدين، وكان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة أيّام، فما زال يمرّ حتّى أتى مدین، فلمّا بلغ باب مدین، رأى بئراً يستقى الناس منها لأغنامهم ودوابّهم، فقعد ناحية، وقد بقى ثلاثة أيّام لم يكن أكل شيئاً، فنظر إلى جاريتين فى ناحية، ومعهما غنيمات، لا تدنوان من البئر، فقال لهما : ما لكما لا تستقيان؟ قالتا - كما حكى الله - (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)، فرحمهما موسى، ودنا من البئر، فقال لمن على البئر: أستقي لي دلواً، ولكم دلواً وكان الدلو يمده (3) عشرة رجال، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلواً لبنتي شعيب، وسقى أغنامهما (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظَّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(4) وكان جائعاً شديد الجوع.(5)
قال أمير المؤمنين علیه السّلام: «إنّ موسى كليم الله حيث سقى لهما، ثمّ تولّى إلى الظلّ، فقال:
ص: 366
(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، والله ما سأل الله إلّا خبزاً يأكل، لأنَّه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه، من هزاله».(1)
فلمّا رجعت بنتا شعيب إلى شعيب، قال لهما أسرعتما الرجوع! فأخبرتاه بقصة موسى علیه السّلام، ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهما: إذهبي إليه، فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا. فجاءت إليه، كما حكى الله تعالى: ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءِ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)(2)، فقام موسى معها، ومشت أمامه، فصفقتها(3) الريح، فبان عجزها، فقال موسى: تأخّري، ودلّيني على الطريق بحصاة تلقينها أمامي أتبعها، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء.
فلمّا دخل على شعيب، قص عليه قصّته، فقال له شعيب: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
قالت إحدى بنات شعیب: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ). فقال لها شعيب: أمّا قوّته، فقد عرفته بسقي الدلو وحده، فبم عرفت أمانته؟ فقالت له: إنّه لمّا قال لي: تأخّري عنّي ودلّيني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء، عرفت أنّه من القوم الذين لا ينظرون أعجاز النساء، فهذه أمانته.
فقال له شعيب: (إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجْرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِك وما أُريدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
فقال له موسى: ﴿ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَيَّمَا الاجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ) أي: لا سبيل علىَّ إن عملت عشر سنين، أو ثمان سنين.
فقال: موسى: (واللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ).
قال: قلت لأبي عبد الله علیه السّلام، أيّ: الأجلين قضى؟ قال: «أتمّها عشر سنين».
قلت له: فدخل بها قبل أن يقضي الأجل، أو بعده؟ قال: «قبل».
قلت: فالرجل يتزوَّج المرأة، ويشترط لأبيها إجارة شهرين مثلاً، أيجوز ذلك؟
ص: 367
قال: «إنّ موسى علم أنه يتم له شرطه، فكيف لهذا أن يعلم أنه يبقى حتى يفي؟(1)
قلت له جعلت فداك، أيهما زوجه شعيب من بناته؟
قال: «التي ذهبت إليه فدعته، وقالت لأبيها: (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ إِسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ. فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الأَجَلَ)(2)، قال لشعيب: لا بدّ لي أن أرجع إلى وطني وأميّ وأهل بيتي، فمالي عندك؟
فقال شعيب : ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم بُلْقِ(3) فهو لك؟
فعمد موسى - عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم - إلى عصا، فشّق(4)منها بعضاً وترك بعضاً، وغرزها في وسط مربض الغنم، وألقى عليها كساء أبلق، ثمّ أرسل الفحل على الغنم، فلم تضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقاً.
فلمّا حال عليه الحول حمل موسى إمرأته، وزوّده شعيب من عنده، وساق غنمه، فلمّا أراد الخروج قال لشعيب: أبغي(5) عصا تكون معي، وكانت عصيّ الأنبياء عنده، قد ورثها مجموعة في بيت.
فقال له شعيب: أدخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصىّ.
فدخل، فوثبت إليه عصا نوح وإبراهيم علیهم السّلام، وصارت فى كفّه، فأخرجها ونظر إليها شعیب، فقال: ردّها، وخذ غيرها.
فردّها ليأخذ غيرها، فوثبت إليه تلك بعينها، فردّها حتّى فعل ذلك ثلاث مرات. فلمّا رأى شعيب ذلك، قال له اذهب، فقد خصّك الله بها.
فساق غنمه، فخرج يريد مصر، فلما صار في مفازة ومعه أهله، أصابهم برد شديد وريح وظلمة، وجنّهم الليل، فنظر موسى إلى نار قد ظهرت كما قال الله: ﴿فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وِسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأهْلِهِ امْكُدُّوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلّى آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)، فأقبل نحو النار يقتبس، فإذا شجرةُ ونار تلتهب
ص: 368
عليها، فلمّا ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه، ففزع منها وعدا، ورجعت النار إلى الشجرة، فالتفت إليها وقد رجعت إلى مكانها فرجع الثانية ليقتبس، فأهوت إليه، فعدا وتركها، ثمّ التفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة، فرجع إليها ثالثة، فأهوت إليه، فعدا
(ولَمْ يُعَقِّبْ) أي: لم يرجع، فناداه الله: (أنْ يا مُوسَى إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
قال موسى: فما الدليل على ذلك؟ قال الله: ما في يمينك يا موسى؟ قال: هي عصاي.
قال: (أَلْقِها يا موسى) فألقاها، فصارت حيّة تسعى، ففزع منها موسى علیه السّلام، وعدا، فناداه اللَّهِ: (أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ*أَسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)(1) أَي: من غير علّة، وذلك أنَّ موسى علیه السّلام كان شديد السمرة، فأخرج يده من جيبه، فأضاءت له الدنيا [فقال الله عزّ وجلّ: (فَذَانِك بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فاسقين)... الآيات]».(2) (3)
[38] قوله: (فَأَ وقِدْ لِي يَا هَامَانُ) ... الآية، فإنّ هامان بنى له في الهواء صرحاً، حتّى بلغ مكاناً في الهواء لا يتمكن الإنسان أن يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء، فقال لفرعون: لا نقدر أن نزيد على هذا. فبعث الله ریاحاً، فرمت به، فاتّخذ فرعون وهامان عند ذلك التابوت، وعمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وربياها، حتّى إذا بلغت القوّة وكبرت، عمدا إلى جوانب التابوت الأربعة، فغرسا في كلّ جانب منه خشبة، وجعلا على رأس كلّ خشبة لحماً، وجوّعا الأنسر، وشدّا أرجلها بأصل الخشبة، فنظرت الأنسر إلى اللحم، فأهوت إليه، وصفقت بأجنحتها، وارتفعت بهما في الهواء، وأقبلت تطير يومها، فقال فرعون لهامان: أنظر إلى السماء، هل بلغناها؟
فنظر هامان، فقال: أرى السماء كما كنت أراها من الأرض في البعد.
فقال: انظر إلى الأرض. فقال: لا أرى الأرض، ولكني أرى البحار والماء.
قال: فلم تزل الأنسر ترتفع حتّى غابت الشمس، وغابت عنهم البحار والماء، فقال
ص: 369
فرعون: يا هامان، انظر إلى السماء. فنظر، فقال: أراها كما كنت أراها من الأرض، فلمّا جنّهم الليل، نظر هامان إلى السماء، فقال فرعون: هل بلغناها؟
قال: أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض، ولست أرى من الأرض إلّا الظلمة.
قال: ثمّ حالت الرباح القائمة في الهواء بينهما، فانقلب التابوت بهما، فلم يزل يهوي بهما حتّى وقع على الأرض، وكان فرعون أشدّ ما كان عتوّاً في ذلك الوقت.(1)
أقول: هذا لا يفعله عاقل ولا مجنون، وكأنّ الأمر فيه محال، ويقال: أنّ الصرح قائم بناحية مصر الآن، قد رمت الرياح بثلثيه، ويرى من مسيرة ثلاثة أيّام، فينظر من رأه أنّه بالقرب منه لارتفاعه. وفي جميع ذلك نظر جليّ، لا يخفى.(2)
[50] قوله: ﴿وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ)، قال الصادق علیه السّلام: «هو من يتّخذ دینه برأيه، بغير إمام من الله من أئمة الهدى صلوات الله عليهم».(3)
[51] قوله: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أَي كي يتذكروا، قال الصادق علیه السّلام: «إمام بعد إمام ».(4)
[56] قوله: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، قال الصادق علیه السّلام: «نزلت في أبي طالب علیه السّلام، فإنّ رسول الله صلّی الله عله وآله وسلّم كان يقول(5): «يا عمّ، قل: لا إله إلّا الله، أنفعك بها يوم القيامة». فيقول: يا ابن أخي، أنا أعلم بنفسي. فلمّا مات، شهد العبّاس بن عبد المطلب عند رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أنّه تكلّم بها عند الموت، فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، «أمّا أنا فلم أسمعها منه، وأرجو أن تنفعه يوم القيامة».
أقول: الإجماع من الامامية منعقد على أنّ أبا طالب أسلم، وكان من أولياء الله،
ص: 370
وروي ذلك عن أهل البيت علیهم السّلام، وما ذهب إليه المصنّف شاذَّ لا يعمل به(1)؛ فإنّ المشهور خلافه، ومن تتبّع سيرة أبي طالب وأقاويله وذوده عن النبي، وأشعاره فيه التي تدلّ على إيمانه(2)
فمن ذلك قوله:
أوصي بنصر الأمين الخير مشهده***بعدي عليّاً وعليّ الخير عباسا
وحمزة الأسد المخشيّ صولته***وجعفراً أن يذوقوا قبله الباسا
وهاشماً كلّها أوصي بنصرته***أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا
كونوا فدئّ لكم أمّي وما ولدت***من دون أحمد عند الروع أتراسا
بكلّ أبيض مصقول عوارضه***تخاله في سواد الليل مقباسا(3)
وقوله:
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً***نبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتب
وأنّ عليه في العباد محبّة***ولا حيف فيمن خصّه الله بالحبّ
وأنّ الذي لفقتم في كتابكم***يكون لكم يوماً كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبي***ويصبح من لم يجن ذنباً كذي الذنب
ولا تتبّعوا أمر الغواة وتقطعوا***أواصرنا بعد المودّة والقرب
و تستجلبوا حرباً عواناً وربّما***أمرّ على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا وبيت الله نسلم أحمداً***لعزاء من عضّ الزمان ولا حرب
ولمّا تبن منّا ومنكم سوالف***وأيد أبيدت بالمهنّدة الشهب
بمعترك ضنك ترى كسر القنا***به والضباع العرج تعكف كالسرب
كأنّ مجال الخيل في حجراته***وغمغمة الأبطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شدّ أزره***وأوصى بنيه بالطّعان وبالضرب(4)
ص: 371
وقوله:
وأبيض يُستسقَى الغمام بوجهه***شمال اليتامى عصمة للأرامل(1)
لعمري لقد كلفت وجداً بأحمد***وأحببته حبّ الحبيب المواصل
وجُدت بنفسي دونه وحميته***ودارأت عنه بالذرى والكلاكل(2)
فما زال في الدنيا جمالاً لأهلها***وشين على الأعدا وزين المحافل
حليماً رشيداً حازماً غير طائش***يوالي إله الخلق ليس بماحل
وأيّده ربّ العباد بنصره***وأظهر ديناً حقّه غير باطل
ألم تعلموا أنّ ابننا غير مكذب***لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
وأبيض يستستقى الغمام بوجهه***شمال اليتامى عصمة للأرامل(3)
تلوذ به الهلاك من آل هاشم***فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله يُُبزى محمّدا***ولمّا نقاتل دونه ونناضل(4)
ونسلمه حتى نصرّع حوله***ونذهل عن أبنائنا والحلائل(5)
و من تتبّع كلام أمير المؤمنين والأئمة علیهم السّلام علم أنّه كان من المؤمنين، وأكبر الأولياء، وكيف لا؟ ولولاه ما تهيّاً لمحمّد ظهور الدعوة.
ويكفي أبا طالب أنّ النبي والوصي خرجا من بيته وتربته(6)، وقد جاء المصنّف بشيء لم يقل به أحد من الإماميّة، ولا من أهل البيت علیهم السّلام.(7)
ص: 372
[44] قوله: ﴿إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ) أَي: أعلمنا.(1)
[65 - 66] قوله: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ)، فإنَّ العامة يزعمون أنَّ ذلك في القيامة. وأمّا الخاصة، فإنّهم رووا أنّه إذا وضع الإنسان في القبر دخل عليه منكر ونكير ليسألانه عن الله وعن النبى الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وعن الإمام؟ فإن كان مؤمناً أجاب(2)، وهو قوله: (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ).(3)
[1] قوله: ﴿ سَرمَدَاً) أي: دائماً.(4)
[76] قوله: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْم مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُّوا بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) كان يحمل مفاتح خزائنه العصبة(5)، والعصبة: ما بين العشرة إلى خمسة عشر(6). والنفر: الواحد إلى الثلاثة(7). والثلّة: من الثلاثة إلى العشرة.(8)
[79] قوله: ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)، قال: «خرج في الثياب المصبغات يجرها في الأرض».
وقيل: خرج فى أولاده؛ لقوله: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(9).
ص: 373
[80] قوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العلم) يعنى: الخلّص من أصحاب موسى: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ولا يُلقاها) يعني: هذا القول (إلّا الصَّابِرُونَ)».
[81] قوله: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وبِدَارِهِ الارْضَ)، كان سبب هلاك قارون: أنّه لمّا أخرج موسى بني إسرائيل من مصر، وأنزلهم البادية، قالوا: أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى الخراب، فكان تجيء بالنهار غمامة تظلّهم من الشمس، ويسقط على ثيابهم بالليل العسل، فيأكلونه بالغداة وبالعشي يصفّون الموائد فيجيء طائر مشوي فيقع على موائدهم فيأكلونه، فإذا شبعوا طار الطائر، وكان يضع حجراً وسط العسكر فيضربه بعصاه، فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً، فقال لهم موسى: كلوا واشربوا واعبدوا الله هاهنا، فقد كفاكم ما تحتاجون إليه، وكان قارون منهم، وكان يقرأ التوراة، ولم يكن فيهم أحسن صوتاً منه(1)، وكان يسمى «المنوَّر»؛ لحسن قراءته.
وكان موسى قد وعده أن يزوّجه كلثوم(2)بنت عمران، فبنى هناك قارون قصراً، واتّخذ فيه مصانع، وجعل يعمل الكيمياء، وجمع من الأموال ما حكاه الله عنه. فطغى وبغي.
فلمّا طال الأمر على بني إسرائيل في ذلك المكان اجتمعوا إلى موسى وقالوا: ﴿لنَّ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الارْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَ بَصلِها)(3)، قال لهم موسى: (أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ)(4)، فقالوا كما حكى الله: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا)(5). ثمّ قالوا لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(6).
فغضب موسی وأخذ بيد هارون وخرج من بينهم، وقال: ﴿رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)(7)، فلمّا علموا بخروج موسى عنهم صرخوا وبكوا وقالوا: اسأل الله أن يتوب علينا، فقال الله: قد تبت عليهم، وجعلت توبتهم أن يدخلوا
ص: 374
مصر، وحرّمها عليهم أربعين سنة، وكان بينهم وبين مصر أربع فراسخ، فكانوا يركبون من أوّل الليل، فلا يزالون يأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء، فإذا أصبحوا دارت بهم الأرض إلى مكانهم الذي خرجوا منه، وإنّما دخلها أبناءهم.
وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم(1) في التوبة، وكان موسى يحبّه، فدخل عليه موسى، فقال له: يا قارون، قومك في التوبة وأنت قاعد عنها؟! ادخل معهم، وإلّا أنزل الله بك العذاب. فاستهان به، واستهزأ بقوله، فخرج موسى من عنده مغتمّاً، فجلس في فناء قصره، وعليه جبّة من شعر ونعلان من جلد حمار، شراكهما من خيوط شعر، بيده العصا، فأمر قارون أن يصبّ عليه رماداً قد خلط بالماء، فصُبّ عليه، فغضب موسى غضباً شديداً. وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى يا ربّ، إن لم تغضب لي فلست لك بنبيّ.
أقول: هذا لا يقوله الأنبياء؛ لأنّهم معصومون، وهذا يدلّ على ما لا يخفى على عاقل، وكثيراً ما يقول في هذا الكتاب مثل هذا الكلام المحال وينسبها إلى أهل البيت الأئمّة المعصومين علیهم السّلام، وهو باطل.
فأوحى الله إليه: قد أمرت الأرض(2) أن تطيعك، فمرها بما شئت.
وقد كان قارون قد أمر أن تغلق أبواب القصر، فأقبل موسى، فأومأ إلى الأبواب فانفتحت، فدخل عليه، فلمّا نظر إليه قارون علم أنّه قد أوتي بالعذاب، فقال: يا موسى، أسألك بالرحم الذي بيني وبينك. فقال له موسى: يا ابن لاوي، لا تزدني من كلامك، يا أرض خذيه. فدخل القصر بما فيه في الأرض، ودخل قارون في الأرض إلى ركبتيه. فبكى وحلفه بالرحم، فقال موسى: يا أرض خذيه.
فدخل في الأرض، ووكّل الله به ملكاً يدخله في الأرض كلّ يوم قامة، وهو قوله: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ).
روى عن العالم: أنّه لمّا قضى أوحى الله إلى موسى: ياموسى إعهد عهدك فقد انقضى أجلك.
ص: 375
فقال موسى: يا ربّ لو أبقيتني في بني إسرائيل كنت آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأقيم حدودك.
فقال الله يا ابن لاوي، لا تزدنى من كلامك. وهذا ما قال موسى لقارون حين أمر الأرض أن يأخذه، فعيّره الله بما قال لقارون، فعلم موسى أنّ الله قد عيّره بذلك، فقال: يا ربّ، إنّ قارون قد دعاني بغيرك، ولو دعاني بك لأجبته(1).
فقال الله: يا موسى، وعزتي وجلالي، وجودي ومجدي، وعلوّ مكاني لو أنّ قارون كما دعاك دعانى لأجبته، ولكنّه لمّا دعاك وكلته إليك يا بن عمران، لا تجزع من الموت، فإنّي كتبت الموت على كلّ نفس، وقد مهّدت لك مهاداً لو قد وردت عليه لقرّت عيناك.
فخرج موسى إلى(2) جبل طور سيناء(3) مع وصيه، وصعد موسى علیه السّلام الجبل، فنظر إلى رجل قد أقبل ومعه مكتل(4) ومسحاة، فقال له موسى ما تريد؟.
قال: إن رجلاً من أولياء الله قد توفّى، فأنا أحفر له قبراً.
فقال له موسى: ألا أعينك عليه؟
فقال: بلى.
قال: فحفر القبر، فلمّا فرغا أراد الرجل أن ينزل إلى القبر، فقال له موسى: ما تريد؟ قال: أدخل القبر، فأنظر كيف مضجعه؟
فقال له موسى: أنا أكفيك. فدخل موسى علیه السّلام، فاضطجع فيه، ففتح الله له باباً إلى الجنان، فقبض ملك الموت روحه، وانضم عليه القبر.(5)
[83] قوله: ﴿تِلْك الدَّارُ الْآخِرَةُ)... الآية، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبدالله علیه السّلام: «يا حفص، ما منزلة الدنيا(6) من نفسي إلّا بمنزلة الميتة، إذا اضطررت إليها أكلت منها. يا حفص،
ص: 376
إنّ الله تبارك تعالى علم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، فحلم عنهم عند أعمالهم السيّئة لعلمه السابق فيهم، فلا يغرنّك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت» ثمّ تلا قوله: ﴿ تِلْك الدار الآخِرَةُ).... الآية، وجعل يبكي ويقول: «ذهبت - والله - الأماني عند هذه الآية».
ثمّ قال: «فاز والله الأبرار، أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذرّ(1)، كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار جهلاً. يا حفص، إنّه يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، من تعلّم وعلم، وعمل بما علم، دُعي في ملكوت السماوات عظيماً، فقيل: تعلّم الله، وعمل الله، وعلم الله».
قلت: جعلت فداك، ما حدّ الزهد في الدنيا؟ قال: «قد حدّ الله في كتابه، فقال عزّوجلّ: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)(2)، إنّ أعلم الناس بالله أخو فهم الله، وأخوفهم له أعلمهم به، وأعلمهم به أزهدهم فيها».
فقال له رجل: يا ابن رسول الله، أوصني. فقال: «اتّق الله حيث كنت، فإنّك لا تستوحش».(3)
وقال أبو عبدالله علیه السّلام أيضا، في قوله: (عُلُوًّا فِي الارْضِ ولا فَساداً)، قال: «العلو: الشرف، والفساد: البناء(4)».(5)
[84] قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) منسوخة بقوله: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا).(6)
[85] قوله: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّك إِلى مَعَادٍ)، فإنّ العامّة رووا أنه يوم القيامة، وأمّا الخاصة، فرووا عن أبي جعفر علیه السّلام، أنه في الرجعة.(7)
ص: 377
وروي عن عليّ بن الحسين علیهما السّلام، قال : «يرجع إليكم نبيّكم صلّی الله علیه وآله وسلّم، وأمير المؤمنين، والأئمة علیهم السّلام».(1)
أقول: إنّ ذلك وعد من الله أن يردّه إلى مكّة، وأنّه يملكها، فإنّه لما هاجر كان يلتفت إليها ويقول: «إنّها أحبّ البقاع إليّ»(2) فنزلت الآية؛ هكذا ذكر في سبب نزولها.(3)
[88] قوله: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِك إِلّا وَجْهَهُ) قال: يهلك كلّ شيء ويبقى الوجه؟! الله أعظم من أن يوصف. لا، ولكن معناها: كلّ شيء هالك إلا دينه، ونحن الوجه الذي يؤتى الله منه، لم نزل في عباده ما دام الله له فيهم روية(4)، فإذا لم يكن له فيهم روبة، رفعنا إليه، ففعل بنا ما أحبّ».
قلت: جعلت فداك، وما الروية؟ قال: «الحاجة».(5)
أقول: الوجه رجه هو الذات، ولا يريد الوجه الذي هو المشهور؛ لاستحالة ذلك عليه؛ لأنّه ليس بجسم، أي: كلّ شيء من الذوات الممكنة تعدم إلّا ذات الله سبحانه.
ص: 378
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 2] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمَ*أَحَسِبَ النَّاسُ)... الآية، أي: لا يختبرون.(1)
عن محمّد بن الفضل قال: سألت أبا جعفر علیه السّلام(2) عن هذه الآية فقال: «صار العبّاس إلى أمير المؤمنين، فقال: انطلق بنا يبايع لك الناس فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام: أتراهم فاعلين؟ قال: نعم. قال: فأين قوله :(ألم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)؟».(3)
[16 - 24] قوله: ﴿وَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) إلى قوله: ﴿تُرْجَعُونَ)، ثمّ انقطع خبر إبراهيم وقصّته، وخاطب الله أمّة محمّد صلّی الله علیه وآله وسلّم، فقال: (وإِنْ تُكَذِّبُوا) يعني: رسول الله، إلى قوله: (وأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ثمّ عطف على خبر إبراهيم، فقال: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أو حرقوه)... الآية، فهذا دليل على أنّ القرآن منقطع معطوف.(4)
[25] قوله: ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ)، أي: يبرأ بعضكم من بعض، وهذا كفر البراءة.(5)
[40] قوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً)، وهم قوم لوط ( وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ)،
ص: 379
وهم قوم شعيب وصالح (ومِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ)، وهم قارون وأصحابه(1)، (ومِنْهُمْ مَنْ أغْرَقْنَا)، وهم فرعون وأصحابه.
[43] قوله: (وتتِلك الامْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ومَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) يعني: آل محمّد علهم السّلام.(2)
[الجزء الحادي والعشرون]
[4] قوله: ﴿وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ)... الآية، لأنَّ قريشاً قالت لرسول الله: إنَّ هذا الذي تخبرنا به، إنّما هو شيء تتعلّمه وتكتبه من اليهود والنصارى، وكان رسول الله يقرأ ولا يكتب(3) فنزلت . (4)
[ 49] :قوله (أوتُوا الْعِلْمَ) :يعني : الأئمّة.
[53] قوله: (ويَسْتَعْجِلُونَك) يا محمّد (بِالعَذاب)... الآية، يعني: قريشاً.(5)
ص: 380
بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم
[ 1 - 5] قوله : (ألم*غُلِبَتِ الرُّوم)... الآية، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر علیه السّلام، قال: سألته عن قول الله: (ألم غُلِبَتِ الرُّومُ فِى أدْنَى الارْضِ)، فقال : يا أبا عبيدة، إنّ لهذا تأويلاً لا يعلمه إلّا الله والراسخون في العلم من آل محمّد صَلّی الله علیه وآله وسلّم، إن رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة وأظهر الإسلام، كتب إلى ملك الروم كتابا، وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام، وكتب إلى ملك فارس كتاباً يدعوه إلى الإسلام، وبعثه إليه مع رسوله(1)، فأمّا ملك الروم فعظّم كتاب رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم وأكرم رسوله، وأمّا ملك فارس فإنّه استخفّ بكتاب رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم ومزقه، واستخفّ برسوله.
وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم، وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس، وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس، فلمّا غلب ملك فارس ملك الروم كره ذلك المسلمون واغتموا به فنزلت الآية. قوله: (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ)، وهى الشامات وما حولها. ثمّ قال: ﴿وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ) الروم (سَيَغْلِبُونَ﴾ أي: يغلبهم المسلمون.
أقول: وقيل: يغلبهم الروم، وإن سياق الكلام يدلّ على ذلك.
(في بضع سنين)، فلمّا غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عزّ وجلّ».
ص: 381
قال: قلت: أليس الله عزّ وجلّ يقول: (فِي بِضْعِ سِنِينَ)، وقد مضى سنون كثيرة مع رسول الله صَلّی الله علیه وآله وسلّم، وفي إمارة أبي بكر، وإنّما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر؟
فقال: «ألم أقل لكم أن لهذا تأويلاً وتفسيراً، والقرآن - يا أبا عبيدة - ناسخ ومنسوخ،(1) أمّا تسمع لقول الله عزّ وجلّ: (اللَّهِ الامْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)؟، يعني: إليه المشيئة في القول أن يؤخّر ما قدّم، ويقدّم ما أخّر في القول إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين،(2) فذلك قوله عزّ وجلّ: (ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللهِ)، يوم يحتم القضاء ينزل النصر فيه.»(3). (4)
وقوله: (لِلَّهِ الامْرُ مِنْ قَبْلُ) أن يأمر (ومِنْ بَعْدُ) أن يقضى بما يشاء.(5)
[12] قوله: (يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) أي: بيئس.(6)
[15] قوله: (يُخْبَرُونَ) أي: يكرمون.(7)
[28] قوله: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ)... الآية، كانت قريش والعرب يلبّون في الحج، فيقولون: لبيك اللّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلّا شريك هو لك تملكه وما يملك(8).
ص: 382
فلمّا بعث الله رسوله أنكر ذلك عليهم، وقال: «هذا هو الشرك»، فأنزل الله: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ) أَي: ترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك؟ فإذالم ترضوا أنتم أن يكون لكم فيما تملكون شريك، فكيف ترضون أن تجعلوا لي شريكاً فيما أملك؟ (تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ) أَن تجعلوا له من الأمر ما تجعلون لأنفسكم.(1)
[30] قوله: (فِطْرَتَ اللهِ) يعني: التوحيد.(2)
[38] قوله: (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)، نزلت فى فاطمة سلام الله علیها وولدها خاصّة، فجعل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم لها فدكاً. (3)
[39] قوله: ﴿وما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوا فِى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ). قال الصادق علیه السّلام: الربا رباء ان أحدهما حلال، والآخر حرام، فأما الحلال فهو أن يقرض الرجل أخاه قرضاً طمعاً [في] أن يزيده ويعوّضه بأكثر ممّا يأخذه بلا شرط بينهما، فإن أعطاه أكثر مما أخذه على غير شرط بينهما فهو مباح له، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه، وهو قوله: ﴿فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ)، وأمّا الربا الحرام، فالرجل يقرض قرضاً ويشترط أن يردّ أكثر ممّا أخذه، فهذا هو الحرام(4)»(5).
قال صلّی الله علیه وآله وسلّم:«درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنيّة في بيت الله الحرام».(6)
ص: 383
[41] قوله: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ َوالْبَحْرِ)، قال: «إذا عمل الناس بالمعاصي ثمّ تركوا ما أمرهم الله كفت السماء، فلم تمطر ولم تنبت الأرض، فظهر الفساد في البرّ بهلاك الدوابّ والحيوان إذا لم تمطر، وكذلك هلاك دوابّ البحر بذلك أيضاً، فقد روي عن العالم علیه السّلام أنّه قال: «حياة دوابّ البحر بالمطر، فإذا كفّ المطر ظهر الفساد في البرّ والبحر، وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي».(1)
[44] قوله: (فلأنفسهم يمهدون) أي يكسبون الراحة لأنفسهم بدخولهم الجنّة.
[48] قوله: (كسفاً) أي قطعاً بعضه على بعض.
[56] قوله: (وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ والايمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ)، فَإِنَّه من المقدم والمؤخّر، وإنّما هي: ( وقال الذين أوتوا العلم والإيمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث) فقدّموا حرفاً على حرف.(2)
ص: 384
بسم الله الرحمن الرحيم
[7] قوله: (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرا) أي صمماً.(1)
[11] وقوله: (هَذَا خَلْقُ اللهِ) أي مخلوق الله؛ لأنّ الخلق هو الفعل، والفعل لا يُرى، وإنّما أشار إلى المخلوق، وإلى السماء والأرض والجبال وجميع الحيوان(2)، فأقيم الفعل مقام المفعول ، ومثله (فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) (3) أي مرضيّة. (4)
[13] قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ لَقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكَ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وانقطعت وصيّة لقمان لابنه، وقال: ﴿وَ وَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ)... الآية، ثمّ عطف على خبر لقمان ووصيّته فقال: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)... الآيات.
[18] قوله: ﴿ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) أي : لا تذلّل(5) للناس طمعاً فيما عندهم .
[14] قوله: ﴿وَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ)، فإنّه روي: «أنّ رسول الله وأمير المؤمنين أحد الوالدين».(6)
ص: 385
أقول: سياق الكلام وما في الآية لا يدلّ على ذلك.(1)
[20] قوله: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)، عن جابر، قال: قرأ رجل عند أبي جعفر علیه السّلام: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وباطِنَةَ)،فأمّا النعمة الظاهرة: فالنبيّ صلّی الله علیه وآله وسلّم و ما جاء به من معرفة الله عزّ وجلّ وتوحيده، وأمّا النعمة الباطنة: فولايتنا أهل البيت وعقد مودّتنا».(2)
وقد خطب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فنعس نعسة، فرأى على منبره رجالاً من بني أُميّة كالقرود، فساءه ذلك، فأنزل الله: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)(3) تملكها بني أمية ليس فيها ليلة القدر، فعلم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أنّ بني أميّة ستملك هذه الأمّة، وأن ذريّته لن يؤتوا إلّا من قبلهم(4).
واعتقدت بنو أميّة بغضنا وترك ولايتنا، فأطلع الله ورسوله صلّی الله علیه وآله وسلّم على اعتقادهم، فساءه ذلك، فأنزل الله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً)(5) يعني: بدّلوا بالمحبّة والولاية بغضاً، فحكم الله عليهم بذلك البغض كفراً (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) (6) فقل لهم يا محمّد (تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار)(7).
وقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «إنّ حبّنا إيمان، وبغضنا نفاق».
ثمّ أمر نبيّه أن يخبر بذلك قومه، ويدعوهم إلى الولاية والنعمة الباطنة علانية، كما دعاهم إلى النعمة الظاهرة، فأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ)... الآية، فدعا أميرالمؤمنين وجمع له الناس فقال: «أيّها الناس، من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهم وال
ص: 386
من والاه، وعاد من عاداه، وأنصر من نصره، واخذل من خذله».
وقال في مقام آخر: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، و عليّ أولى بهم من بعدي. فأنتم - والله - أهل النعمة الظاهرة والباطنة. إنّ مودّتنا وولايتنا مفترضة»(1).
ثمّ أكرم الله نبيّه بذلك فقال: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) يعني: أجر النبوّة (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبِي) ، وهو قوله: «من منع أجيراً أجره فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، يعني أجر النبوّة، فإنّ الله أخبر عن سائر الأنبياء أنه قال لهم: قولو اللامم: (فَمَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِى إِلَّا عَلَى اللهِ)(2)، وجعل أجر نبيّنا على الله ثمّ على أمته فرضاً، وهي المودّة، فاعتقد قوم - والله - هذه النعمة ظاهرة وباطنة، واعتقدها قوم ظاهرة ولم يعتقدوها ،باطنة فأنزل الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنُكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)، ففرح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند نزولها، إذ لم يتقبّل الله تعالى إيمانهم إلّا بعقد ولايتنا ومحبتنا».(3)
ثمّ أمره الله بالهجرة، وكان رضاه فيما أمره به الآية، إلّا أنّه كان يعظم عليه ترك قريش على حالهم وكفرهم من غير أن ينتقم منهم، فأنزل الله عليه: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِِكَ)(4) يا محمّد من مكّة إلى المدينة فإنّا رادّوك إليها، ومنتقمون لك بعلي بن أبي طالب وصاحبيه: جيرئيل وميكائيل.
ثمّ نزل: ﴿وَيَسْتَنبِئُونَك) يا محمّد، أهل مكةّ في عليّ (أحَقُّ هُوَ) أَي: إمام؟ (قُلْ إِى وَرَبِّيَ إِنَّهُ لَحَقُّ ويستفتونك)».(5)
ثمّ قال: «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلّف عنها غرق وهلك».(6)
ص: 387
ثمّ نزل(1) عليه: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)(2)... السورة، وهو بمنى، فعلم أنّه قد نُعي إليه نفسه، فدعا المسلمين فقال: «أيها الناس، إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما به لن تضلّوا ولن تزلّوا: كتاب الله الثقل الأكبر، والثقل الأصغر: عترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض».(3)
فقال له رجل فقوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(4)؟ فقال: «هذه فضيلة لعليّ نزلت بعد فرض الولاية».
[34] قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)... الآية، قال الصادق علیه السّلام: «هذه الخمسة أشياء لم يطّلع عليها ملك مقرب ولا نبيّ مرسل وهي من صفات الله عزّ وجلّ، وهي غيب الله الذي لم يطلع عليه أحد ».(5)
ص: 388
بسم الله الرحمن الرحيم
[11-7] قوله: ﴿وبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)، قال : «هو آدم علیه السّلام» (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) أَي: ولده (مِنْ سُلالَةٍ) وهي الصفوة من الطعام والشراب (مِنْ مَاءٍ مَهين)، قال: «النطفة: المنىّ» «ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ) إِلى قوله: ﴿إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).(1)
عن أبي جعفر علیه السّلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضی الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: «إنَّ ابن آدم لفي غفلة عمّا خلق له إنّ الله إذا أراد خلقه قال للملك: أكتب رزقه، أكتب أثره، أكتب أجله، شقيّاً أم سعيداً، ثمّ يرتفع ذلك الملك، ويبعث الله ملكاً فيحفظه حتّى يدرك، ثمّ يرتفع ذلك الملك، ثمّ يوكّل الله به ملكين يكتبان حسناته وسيّئاته، فإذا حضره الموت ارتفع ذلك الملكان، وجاء ملك الموت ليقبض روحه. فإذا أدخل قبره رُدّ الروح في جسده وجاءه ملكاً القبر فامتحناه(2) فيسألانه عن ربّه وعن نبيّه وعن إمامه ثمّ يرتفعان. فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيّئات، فبسطا كتاباً معقوداً في عنقه(3)، ثمّ حضرا معه، واحد سائقّ وآخر شهيدٌ، وهو قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا(4))...الآية، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وهو قول الله: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَق)(5) أي: حالاً عن حال ثمّ قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: إنّ قدّامكم لأمراً عظيماً لا تقدرونه(6)،
ص: 389
فاستعینوا بالله العظیم!».(1)
[16- 17] قوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِع)... الآية نزلت في صلاة الليل، وروي عن الصادق علیه السّلام أنّه قال: «ما من حسنة إلّا لها ثواب في القرآن إلا صلاة الليل؛ فإنّ الله لم يبيّن ثوابها لعظم خطرها عنده، فقال: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُم مِن قُرَّةٍ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(2)، فلم يبينّه لعظم خطره».
وروى الزهري(3)، قال: سئل علي بن الحسين علیهما السّلام، أيّ الأعمال أفضل عند الله عزّ وجل؟ فقال: «ما من عمل بعد معرفة الله عزّ وجلّ ومعرفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضل من بغض الدنيا. وإنّ لذلك شعباً كثيرة، وللمعاصي شعباً كثيرة: فأوّل ما عصي الله به الكبر، وهو معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين؛ ثمّ الحرص، وهو معصية آدم وحواء علیهما السّلام حين قال الله عزّ وجلّ لهما: (فَكُلاً مِنْ حَيْثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)(4) فأخذا ما كان لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذرّيتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه؛ ثمّ الحسد، وهي معصية ابن آدم، حيث حسد أخاه فقتله، فتشعّب من ذلك: حبّ النساء، وحبّ الدنيا، وحبّ الرئاسة، وحبّ الراحة، وحبّ الكلام، وحبّ العلوّ والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهنّ في حبّ الدنيا. فقالت الأنبياء والعلماء - بعد معرفة ذلك -: حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة، والدنيا دنياء ان: دنيا ،بلاغ، ودنيا ملعونة»(5).
أقول : معصية آدم كانت ترك الأولى، لا ما يوجب الذمّ والعقاب، بخلاف معصية إبليس.
والفقر فقران: فقر مذموم وفقر محمود، فالفقر المحمود: قلّة المال والرضى عن الله، والفقر المذموم: الطمع ؛ قالت العلماء: إيّاكم والطمع؛ فإنّه فقر حاضر.
وقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «ليس الغني بكثرة العرض، إنّما الغنى غنى النفس»، ومنه أخذ
ص: 390
أبو فراس بن حمدان شعراً:
غنى النفس لمن يعقل***خیر من غنى المال
وفضل الناس في الأنفس*** ليس الفضل في الحال(1)
ثمّ رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس، ومن لم يرج الناس في شيء وردّ أمره كله إلى الله تعالى، استجاب الله له في كلّ شيء.
والناس في الدنيا على طبقات شتّى، وهم عمّال والعمّال ثلاثة: فعامل الله، والله لا يخيّب عامله، وعامل لنفسه، وعامل للناس. ولا يعمل ابن آدم عملاً إلّا ولذلك العمل نازع من نفسه، فإنَّ كان النازع لأمر هدى، فهو من الملك، وإن كان لأمر ردىّ فهو من الشيطان؛ وذلك أنّ الهوى والعقل يعتلجان في القلب، فأيّهما غلب قاد صاحبه، فالملك يوحي إلى الروح والروح توحي إلى العقل، والعقل يستعبد الجوارح. والشيطان يوحي إلى الهوى، والهوى يوحي إلى الشهوة والشهوة تستعبد الجوارح.
[21] قوله: ﴿وَ لَنْذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَاب الأدنى)، قال: «عذاب القبر».(2)
[27] قوله: (الجُرُز) يعني: الخراب.
أقول: الجرز: التي لا تنبت شيئاً.
ص: 391
بسم الله الرحمن الرحيم
[4] قوله: ﴿وَ مَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ). عن أبي عبدالله علیه السّلام، قال: «كان سبب نزول ذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا تزوّج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها، فاشترى زيد بن حارثة، وكان غلاماً حصيفاً(1) كبّساً، فلما نبّئ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الاثنين وأسلم علىّ يوم الثلاثاء، فنظر إلى رسول الله وأمير المؤمنين علیهم السّلام يصلّيان، فقال: يا أبا القاسم ما هذه الصلاة؟
قال: «هذه الصلاة التي أمرني الله بها».
فدعاه إلى الإسلام، فأسلم وصلّى معه، وأسلمت خديجة، وخديجة أسلمت يوم نبّئ النبي قبل كلّ النساء، وكان أبو طالب دخل على رسول الله ومعه جعفر، فنظر إلى رسول الله و عليّ علیهم السّلام بجنبه يصلّيان، فقال لجعفر: يا جعفر صلّ جناح ابن عمّك. فوقف جعفر عن يساره، فبدر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من بينهما وتقدّم(2)، فلمّا أسلم زيد وخديجة كان رسول الله يصلّي بعلي وجعفر وزيد وخديجة خلفهم، فسأل رسول الله خديجة أن تهب له زيداً، فقالت: هو لك على أن يكون ولاءه لي.
ص: 392
فلمّا بلغ أباه حارثة بن شراحيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكّة، وكان رجلاً جليلاً، فأتى أبا طالب.
أقول: وقيل: بل أتى العبّاس بن عبد المطلب، وهو المشهور بين الشيعة والسنّة.
فقال: يا أباطالب، إنّ ابني وقع عليه السبي، وبلغني أنّه صار إلى ابن أخيك، فاسأله إمّا أن يبيعه، وإمّا أن يفاديه، وإما أن يعتقه، فكلّم أبو طالب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «هو حرّ، فليذهب حيث شاء».
فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له: يا بنيّ، إلحق بشرفك وحسبك.
فقال زيد: لست أفارق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبداً.
فقال له أبوه: فتدع حسبك ونسبك، وتكون عبدالقريش؟
فقال زيد: لست أفارق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما دمت حيّاً. فغضب أبوه، فقال: يا معشر قريش، اشهدوا أنّي قد برئت من زيد، وليس هو ابني(1).
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا معشر قريش، اشهدوا أنّ زيداً ابني، أرثه ويرثني». وكان زيد يدعى زيد بن محمّد.
فلمّا هاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة زوّجه زينب بنت جحش، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّمشديد الحبّ له، وكان إذا أبطأ عليه يأتي منزله، فأبطأ عنه يوماً، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى منزله يسأل عنه، فإذا زينب بنت جحش - بنت عمته - جالسة وسط حجرتها تسحق طيباً بفهرِ(2) لها، فدفع الباب ونظر إليها، وكانت جميلة حسنة، فقال: سبحان الله خالق النور، وتبارك الله أحسن الخالقين!
ثم رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى منزله، ووقعت زينب في قلبه موقعاً عجيباً، وجاء زيد إلى منزله، فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال لها زيد: هل لك أن أطلقك حتّى يتزوّجك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فلعلّك قد وقعت في قلبه .
ص: 393
فقالت: أخشى أن تطلقني ولا يتزوّجني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فجاء زيد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: بأبي أنت وأمّي - يا رسول الله - أخبرتني زينب بكذا وكذا، فهل لك أن أطلّقها حتّى تتزوّجها؟ فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ﴿أَمْسِكَ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتَّقِ الله) وفي قلب رسول الله ما فيه، فأنزل الله في هذا: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكَ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)(1) (2).
أقول: كيف يقول ذلك وفي قلبه ما فيه؟! والكذب قبيح على الأنبياء؛ لأنّهم معصومون. والحق أنّه جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّ زينب تستطيل عليّ لشرف نسبها، وإني أريد أن أطلقها، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)... الآية، وقد كان زيد قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا يجمع الله رأسي ورأسها أبداً، وطلّقها، فلمّا انقضت عدّتها انتظر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر الله فيها، فنزل عليه: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) أى شهوة (زَوَّجْنَاكَها)(3).... الآية، فزوّجه الله بها من فوق عرشه، فقال المنافقون: يحرّم علينا نساء أبنائنا ويتزوّج امرأة ابنه زيد!، فأنزل الله فى هذا: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ)(4)... الآية».
أقول: فإن قيل: هذا دليل على أن الحسن والحسين ليسا ولدي النبي، قلنا: بل ولداه؛ لأنّه قال: (مِن رِّجَالِكُمْ)، لا (من رجاله) نصّ على أنّهما ولداه...(5) وأيضاً: كان يسمّيهما ولديه.
ونزل عليه: (وما جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)(6)... الآية.
ص: 394
ثمّ أنزل الله عليه في هذه القصّة: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِنْ بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ)(1)... الآية، أي: لا يحلّ لك إمرأة رجل أن تتعرّض لها حتّى يطلّقها زوجها وتتزوّجها أنت، فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا.(2)
أقول: في هذا الذي ذكره نظر؛ فإنّه ليس مذهب أصحابنا، خصوصاً السيّد علم الهدى المرتضى؛(3)، فليتأمّل، فإنّه روي أنّه طلّقها ولم يكن...(4) رغبة النبي في طلاقها... فأخبر الله ليكون ظاهرهم وباطنهم سواء.
وقصة عبد الله ... عثمان...(5) أنكر المرتضى ما وردت به الرواية الخبيثة من ... .(6)
[6] قوله: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)، قال الصادق علیه السّلام: ونزلت بعده ( وهو أب لهم)(7) ومعنى: (وأَزْواجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) أي: لا تحلّ زوجته لأحد، وهي بمنزلة أمهم».(8)
[7] قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى)... الآية، روى أنّ «الواو» زائدة في قوله: (ومِنْك) (9). (10)
فروي عن العالم، أنّه قال: «لما قال الله في الذرّ لبني آدم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(11) أَوّل من
ص: 395
أجاب وسبق إلى (بَلَى) رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم(1). فقدّمه كما سبق بالإقرار، ثمّ قدّم في سبق بعده، فقدّم النبيّ لأنّه أفضل هؤلاء الخمسة أولي العزم؛ لأنّه ذكر الأنبياء كلّهم أنّه أخذ عليهم الميثاق، سمّ أبرز أفضلهم بالأسامي فقال: (وَ مِنكَ وَمِن نُوحِ)(2)... الآية، ومثله قوله: (وجبْرِيلَ وَمِيكَال)(3) ... الآية، ومثله: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)(4) ثمّ قال: (وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ)(5)... الآية، فهذه الأمور من الفواحش أيضاً، ولكنّها أعظم الفواحش».
[9 - 19] وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِنْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ريحاً وجُنُوداً لَمْ تَرَوْها)... الآية، فإنّها نزلت في قصّة الأحزاب من قريش والعرب، الذين تحرّبوا على رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم. قال: وذلك أنَّ قريشاً تجمعت في سنة خمس من الهجرة، وساروا في العرب وجلبوا(6)، واستنفروهم(7) الحرب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فوافوا في عشرة آلاف، ومعهم كنانة وسليم وفزارة.
وكان رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم حين أجلى بني النضير - وهم بطن من اليهود - من المدينة، وكان رئيسهم حُيي بن أخطب، وهم يهود من بني هارون علیه السّلام، فلمّا أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر، وخرج حيي بن أخطب إلى قريش بمكّة، وقال لهم(8): إنّ محمّداً قد وتركم ووترنا، وأجلانا من المدينة من ديارنا وأموالنا وأجلى بني عمّنا بني قينقاع،
ص: 396
فسيروا في الأرض، وأجمعوا حلفاءكم وغيرهم، حتّى نسير إليهم، فإنّه قد بقى من قومي معه بيثرب سبع مائة مقاتل، وهم بنو قريظة، وبينهم وبين محمّد عهد وميثاق، وأنا أحملهم على نقض العهد بينهم وبين محمّد، ويكونون معنا عليهم، فتأتونه أنتم من فوق، وهم من أسفل.
وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين، وهو الموضع الذي يسمّى: بئر المطلب(1)، فلم يزل يسير معهم حُيي بن أخطب في قبائل العرب حتّى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة، والأقرع بن حابس في قومه، والعبّاس بن مرداس في بني سليم.
فبلغ ذلك رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فاستشار أصحابه، وكانوا تسع مائة رجل(2)، فقال سلمان الفارسي: يا رسول الله، إنّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة(3)، فاجعل بينك وبينهم حجاباً يمكنك منعهم في المطاولة.
قال: «فما أصنع ؟»
قال: نحفر خندقاً يكون بيننا وبينهم حجاباً فيمكنك منعهم في المطاولة، ولا يمكنهم أن يأتونا من كلّ وجه، فإنّا كنّا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم(4)من عدوّنا نحفر الخنادق، فتكون الحرب من مواضع معروفة.
فنزل جبرئيل علیه السّلام على رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فقال: «أشار سلمان بصواب».
فأمر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بحفره(5) من ناحية أحُد إلى راتج(6)، وجعل على كلّ عشرين خطوة، وثلاثين خطوة قوماً من المهاجرين والأنصار يحفرونه، فأمر فحملت المساحي والمعاول، وبدأ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فأخذ معولاً، فحفر في موضع المهاجرين
ص: 397
بنفسه، وأمير المؤمنين علیه السّلام ينقل التراب عن الحفرة، حتّى عرق رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وأعيا، وقال: «لا عيش إلّا عيش الآخرة، اللهم إغفر للمهاجرين والأنصار».
فلمّا نظر الناس إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم يحفر، اجتهدوا في الحفر، ونقلوا التراب.
فلمّا كان في اليوم الثانى بكروا إلى الحفر، وقعد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون، إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه، فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصاري إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم يُعلمه بذلك.
قال جابر: فجئت إلى المسجد، ورسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم مستلقِ على قفاه ورداؤه تحت رأسه، وقد شدّ على بطنه حِجْراً، فقلت: يا رسول الله، إنّه قد عرض لنا جبل لم تعمل المعاول فيه. فقام مسرعاً حتى جاءه، ثمّ دعا بماء في إناء، فغسل وجهه وذراعيه، ومسح على رأسه ورجليه، ثمّ شرب ومجّ من ذلك الماء فى فيه ثمّ صبّه على ذلك الحجر، ثمّ أخذ معولاً فضرب ضربة، فبرقت ،برقة، فنظرنا فيها إلى قصور الشام، ثمّ ضرب أخرى، فبرقت أخرى، فنظرنا فيها إلى قصور المدائن. ثمّ ضرب أخرى فبرقت برقة أخرى، فنظرنا فيها إلى قصور اليمن. فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «إنّ الله سيفتح عليكم هذه المواطن التي برق فيها البرق». ثمّ انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل.
فقال جابر: فعلمت أن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم مقوِ - أي: جائع - لمّا رأيت على بطنه الحِجر، فقلت: يا رسول الله، هل لك في الغذاء؟
قال: «ما عندك، يا جابر؟»
فقلت: عناق(1)، وصاع من شعير.
فقال: «تقدّم، وأصلح ما عندك».
قال جابر: فجئت إلى أهلي، فأمرتها، فطحنت الشعير، وذبحت العنز وسلختها، وأمرتها أن تخبز وتطبخ وتشوي، فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فقلت: بأبي أنت وأمّي - يا رسول الله - قد فرغنا، فاحضر مع من أحببت، فقام صلّی الله علیه وآله وسلّم على شفير الخندق، ثمّ قال: «يا معاشر المهاجرين والأنصار، أجيبوا جابراً».
ص: 398
قال: فجمع جميع المسلمين، فقلت في نفسي: من يقوى على إطعامهم؟(1) فتقدّمت، وقلت لأهلي: قد - والله - أتاك محمّد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بما لا قِبَلَ لَكِ بِهِ.
فقالت: أعلمته أنت بما عندنا؟ قلت نعم قالت: فهو أعلم بما أتى.
قال جابر: فدخل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فنظر في القدر، ثمّ قال: «إغرفي، وأبقي». ثمّ نظر في التنور، ثمّ قال: «أخرجي، وأبقي»، ثمّ دعا بصحفة(2) فئرد فيها وغرف، فقال: «يا جابر، أدخل على عشرة».
فأدخلت عشرة، فأكلوا حتى تملُمؤوا(3)، وما يرى في القصعة إلّا آثار أصابعهم.
ثمّ قال: «يا جابر، عليّ بالذراع». فأتيته بذراع، فأكلوه.
ثمّ قال: «أدخل علي عشرة. فأدخلتهم، فأكلوا حتى تملّمؤوا(4)، ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثمّ قال: «علىَّ بذراع» فأكلوا وخرجوا.
ثمّ قال: «أدخل على عشرة»، فأدخلتهم، فأكلوا حتّى تملّمؤوا، ولم ير في القصعة إلّا آثار أصابعهم، ثمّ قال: «يا جابر عليّ بالذراع» فأتيته، فقلت: يا رسول الله، كم للشاة من ذراع؟ قال: «ذراعان».
فقلت: والذي بعثك بالحقّ نبياً، لقد أتيتك بثلاثة فقال: «أمّا لو سكتّ - با جابر - لأكل الناس كلهم من الذراع».
قال: «يا جابر، أدخل عشرة». فأقبلت أدخل عشرة عشرة، فيأكلون حتّى أكلواكلّهم، وبقي لنا - والله - من ذلك الطعام ما عشنا به أيّاماً كثيرة.
قال: وحفر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم الخندق، وجعل له ثمانية أبواب، وجعل على كلّ باب رجلاً من المهاجرين ورجلاً من الأنصار مع جماعة يحفظونه، وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال، فنزلوا الزغابة(5)، ففرغ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام.
ص: 399
وأقبلت قريش، ومعهم حُيي بن أخطب، فلمّا نزلوا العقيق جاء حُبى بن أ أخطب إلى بني قريظة(1)، فقال لهم: أخرجوا الكتاب الذي بينكم وبين محمّد. فأخرجوه، فأخذه حيي بن أخطب ومزّقه، وقال: قد وقع الأمر، فتجهزوا وتهيأو اللقتال.(2)
ص: 400
فلمّا كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، وقد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيّام، فقال يا رسول الله، قد آمنت بالله وصدّقتك، وكتمت إيماني عن الكفرة، فإن أمرتني أن آتيك بنفسي فأنصرك فعلت، وإن أمرتني أن أخذل بين اليهود وقريش فعلت حتى لا يخرجوا من حصنهم. فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «خذّل بين اليهود وقريش، فإنّه أوقع عندي».
قال: أفتأذن لي أن أقول فيك ما أريد؟
قال: «قل ما بدالك» ففعل وقصته مشهورة.(1)
وخاف أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من اليهود خوفاً شديداً أن يخرجوا ويخالفوهم إلى ذراريهم ودورهم فجعل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم النساء والذراري في الآطام(2)، فجاء يهودي إلى باب الأطام، فأقبل بشتم رسول الله، وكان حسّان بن ثابت في الآطام - وكان جباناً، قال لرسول الله : لا أطيق النظر إلى الحرب، فصيّره مع النساء - فقالت صفيّة: إنزل إلى هذا اليهودي فاقتله. فقال: لو علم رسول الله فيّ خيراً لأخرجني معه، قالت: فأعطني سلاحك، فأعطاها، فلبست سلاحه و تعمّمت بعمامته و خرجت إليه فقتلته، وردّت إلى الأطم وقالت لحسان انزل إليه فاسلبه، فقال: لاحاجة لي في سلبه.
وأقبلت قريش، فلما نظروا إلى الخندق، قالوا هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك. فقال رجل منهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه. فقبل شوره (3) فصاحوا بخيلهم حتّى طفروا الخندق إلى جانب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم و وصار أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم
ص: 401
كلّهم خلف رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، وقدموا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بين أيديهم، وقال رجل من المهاجرين - وهو فلان - لرجل بجنبه من إخوانه أما ترى هذا الشيطان - عمرو - لا والله، ما يفلت من بين يديه أحد، فهلمّوا ندفع إليه محمّداً ليقتله، ونلحق نحن بقومنا. فأنزل الله على رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم في ذلك الوقت قوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) إِلَى قوله: (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا).(1)
فركز عمرو بن عبدودّ رمحه في الأرض، وأقبل يجول حوله، ويرتجز، ويقول:
ولقد بححت من الندا***ء بجمعكم هل من مبارز؟
ووقفت إذ جبن الشجا***ع مواقف القرن المناجز
إنّي كذلك لم أزل***متسرّعا نحو الهزاهز
إنّ الشجاعة في الفتي***والجود من خير الغرائز
فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «من لهذا الكلب؟». فلم يجبه أحد، فقام إليه أمير المؤمنين علیه السّلام، فقال: «أنا له، يا رسول الله».
فقال: «يا عليّ، هذا عمرو بن عبدودّ، فارس يليل».(2)
فقال: «وأنا عليّ بن أبي طالب».
فقال له رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «ادن منّي» فدنا منه، فعمّمه بيده، ودفع إليه سيفه ذا الفقار، وقال له: «اذهب، وقاتل بهذا»، وقال: «اللّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته».
فمشى أمير المؤمنين علیه السّلام وهو يهرول في مشيه، وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتا***ك مجيب صوتك غير عاجز
ص: 402
ذو نيّة وبصيرة***والصدق منجي كلّ فائز
لأرجو أن أقيم***عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى***صوتها بعد الهزاهز
فقال له عمرو: من أنت؟
قال: «أنا عليّ بن أبي طالب، أخو رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، وابن عمّه وختنه(1)».
فقال: والله إن أباك كان لي صديقاً ونديماً، وإني أكره أن أقتلك، ما أمن ابن عمّك حين بعثك إلىّ أن أختطفك هذا، فأتركك شائلاً بين السماء والأرض، لا حيّ ولا ميّت!
فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام: «قد علم ابن عمّي أنك إن قتلتني دخلت الجنّة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنّة».
فقال عمرو: كلتاهمالك - يا على - تلك إذن قسمة ضيزى(2).
قال عليّ علیه السّلام: «دع هذا - يا عمرو - إنّي سمعت منك وأنت متعلّق بأستار الكعبة تقول: لا يعرضنّ عليّ أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها. وأنا أعرض عليك ثلاث خصال، فأجبني إلى واحدة».
قال: هات، يا عليّ.
قال: «إحداها: أن تشهد أن لا إله إلّا الله، وأن محمّدا رسول الله».
قال: نحّ عنّي هذا، هات الثانية.
فقال: «أن ترجع وتردّ هذا الجيش عن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فإن يك صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذوبان العرب أمره».
فقال: إذن لا تتحدّث نساء قريش بذلك، ولا تنشد الشعراء في أشعارها أنّي جبنت و رجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأسوني عليهم؟
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: «فالثالثة: أن تنزل إليّ، فإنّك راكب وأنا راجل حتى أنابذك».
ص: 403
فوثب عن فرسه وعرقبه، وقال: هذه خصلة ما ظننت أنّ أحداً من العرب يسومني عليها، ثمّ قال:
إنّا إذا ما فئة نلقاها***نرد أولاها على أخراها
حتى تصير هزما دعواها***قد أنصف الغارة من راماها
ثمّ بدأ، فضرب أمير المؤمنين علیه السّلام بالسيف على رأسه، فاتقاه أمير المؤمنين علیه السّلام بالدرقة، فقطعها وثبت السيف على رأسه، فقال له عليّ علیه السّلام: «يا عمرو، أما كفاك أنّي بارزتك وأنت فارس العرب حتّى استعنت عليّ بظهير؟!».
فالتفت عمرو إلى خلفه، فضربه أمير المؤمنين علیه السّلام مسرعاً على ساقيه، فقطعهما جميعاً، وارتفعت بينهما عجاجة، فقال المنافقون: قتل عليّ بن أبي طالب. ثمّ انكشفت العجاجة، فنظروا، فإذا أمير المؤمنين علیه السّلام على صدره، قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه، فذبحه ثمّ أخذ رأسه، وأقبل إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، والدماء تسيل على وجهه من ضربة عمرو، وسيفه يقطر من الدم، وهو يقول، والرأس بيده:
أنا علي وابن عبد المطّلب***الموت خير للفتى من الهرب
فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «با على ما كرته؟
قال: «نعم يا رسول الله، الحرب خديعة».
وبعث رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم الزبير إلى هبيرة بن وهب، فضربه على رأسه ضربة فلق هامته، وأمر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم عمر بن الخطاب أن يبارز ضرار بن الخطاب، فلمّا برز إليه ضرار انتزع له عمر سهماً، فقال له ضرار ويحك يا بن صهّاك، أ ترمي في مبارزة اللات والعزّى؟ والله لئن رميتني لا تركت عدوياً بمكّة إلّا قتلته. ثمّ حمل عليه ضرار، فانهزم عند ذلك عمر، ومرّ نحوه ضرار، وأشار على رأسه بالقناة، ثمّ قال: إحفظها يا عمر، فإنّي آليت ألّا أقتل قرشيّاً ما قدرت عليه. فكان عمر يولّيه بعد ما تولّى، ويقول: له عليّ يد.
فبقي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بحاربهم في الخندق خمسة عشر يوماً. فلمّا طال على أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم الأمر ، اشتد عليهم الحصار، وكانوا فى وقت برد شديد، وأصابتهم مجاعة، وخافوا من اليهود خوفاً شديداً، وتكلّم المنافقون بما حكى الله عنهم(1)، ولم يبق أحد
ص: 404
من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم إلا نافق، إلّا القليل. وقد كان رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم أخبر أصحابه أنّ العرب تتحزّب ويجيئونا من فوق وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل، و أنّه ليصيبهم جهدّ شديدّ، ولكن تكون العاقبة لي عليهم. وهرب قوم من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّمورأى منهم الضعف والفشل.
وبعث عيينة بن حصن إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: أعطنا نصف تمر يثرب سنة حتّى أرجع أنا وقومي وأفتّ في أعضاد النّاس، فإنّي في أربعة ألف، فبعث إليه: «احضر، حتى أشاور ذلك الأنصار»، فحضر في جوف الليل، فأحضر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم رؤساء الأنصار، ونظر سعد بن معاذ إلى عيينة بن حصن وقد مدّ رجليه بين يدي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فقال له: يا عين الهجرس(1)، اقبض رجليك. أتمدّ رجليك بين يدي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم؟ والله لولا مكان رسول الله لمّا رجعت إليك! ثمّ رفع سيفه فقبض عيينة رجليه.
فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «يا معشر الأوس والخزرج، إنّي رأيتكم وقد رمتكم العرب عن قوس واحدة، وقد جزعتم وفشلتم، وهذا قد طلب أن تجعلواله نصف تمر يثرب ويُرجع قومه ويخذّل بين الناس، فما ترون؟».
فقال سعد بن معاذ وأسيد بن حصين وسعد بن عبادة يا رسول الله صلى الله عليك، إن كان هذا أمر من الله ورسوله، فأمض له، وإن كان يريد بهذا اصلاح أمورنا والدفع عنّا، فلاتمرة واحدة، يا رسول الله، والله إن كانوا ليأكلون العلهز(2) في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا منّا قطّ: أن يأخذوا تمرة إلّا بشراء أو قرى! فحين أتانا الله بك وأكرمنا بك وهدانا بك، نعطي الدنيّة! لا نعطيهم أبدا إلّا السيف. ثمّ قال لعيينة: قم يا أحمق، فوالله لولا مكان رسول الله لما رجعت إلى قومك، فقام عيينة ورجع إلى قومه.(3)
وصعد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم إلى مسجد الفتح، وهو على الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم، فدعا الله وناجاه فيما وعده، وكان ممّا دعاه أن قال: «يا صريخ المكروبين، ويا
ص: 405
مجيب دعوة المضطرين، ويا كاشف الكرب العظيم أنت مولاي وولیّي ووليّ آبائي الأوّلين، اكشف عنّا غمّنا وهمنا وكربنا، واكشف عنّا شرّ هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك».
فنزل عليه جبرئیل علیه السّلام، فقال: «يا محمّد، إنّ الله قد سمع مقالتك، وأجاب دعوتك، وأمر الدبور - وهي الريح - مع الملائكة أن تهزم قريشاً والأحزاب».
وبعث الله على قريش الدبور، فانهزموا وقلعت أخبيتهم، فنزل جبرئيل علیه السّلام، فأخبره بذلك، فنادى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حذيفة بن اليمان، وكان قريباً منه، فلم يجبه، ثمّ ناداه ثانياً فلم يجبه، ثمّ ناداه الثالثة، فقال: لبيك يا رسول الله . قال: «أدعوك فلا تجيبني؟».
قال: لا تلمني يا رسول الله - بأبي أنت وأمّي - من الخوف والبرد والجوع.
فقال: «إنّ الله بعث على قريش الريح فهزمهم، فادخل في القوم، وائتني بأخبارهم، ولا تحدثنّ حدثاً حتى ترجع إليّ».
قال حذيفة: فمضيت وأنا انتفض من البرد، فو الله ما كان إلّا بقدر ما جزت الخندق حتّى كأني في حمام، فقصدت خباءً عظيماً، فإذا نار تخبوا وتوقد، وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلّى خصيتيه على النار وهو ينتفض من شدّة البرد، ويقول: يا معشر قريش، إن كنّا نقاتل أهل السماء بزعم محمّد فلا طاقة لنا بأهل السماء، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم، ثمّ قال: لينظر كلّ رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمّد عين فيما بيننا.
فقال حذيفة: فبادرت أنا، فقلت للذي عن يميني: من أنت؟ فقال: أنا عمرو بن العاص. ثم قلت للذي عن يساري من أنت؟ قال: أنا معاوية، وإنّما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد منهم: من أنت؟
ثمّ ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة، ولولا أنّ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم قال: «لا تحدثنَّ حدثاً حتّى ترجع إليّ» لقدرت أن أقتله، ثمّ قال أبو سفيان لخالد بن الوليد: يا أبا سليمان، لا بدّ من أن أقيم أنا أو أنت على ضعفاء الناس. فقال خالد: أنا أقيم. ثمّ قال لأصحابه: ارتحلوا، إنّا مرتحلون، فنفروا(1) منهزمين، فلمّا أصبح رسول
ص: 406
الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، قال لأصحابه: «لا تبرحوا». فلمّا طلعت الشمس دخلوا المدينة، وبقي رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم في نفر يسير.(1)
[26 - 27] [قوله: ﴿وأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقاً*وأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ودِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَوُّهَا وَكَانَ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)](2) فلمّا دخل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم المدينة واللواء معقود، أراد أن يخلع ثيابه ويغتسل من الغبار، فناداه جبرئيل: «عذيرك من محارب والله ما وضعت الملائكة لأمتها، فكيف تضع لأمتك؟ إنَّ الله يأمرك أن لا تصلّي العصر إلّا ببني قريظة، فإنّي متقدمك، ومزلزل بهم حصنهم، إنّا كنا في آثار القوم نزجرهم زجراً حتّى بلغوا حمراء الأسد».(3)
فخرج رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فاستقبله حارثة بن النعمان، فقال له: «ما الخبر، يا حارثة؟».
قال: بأبي أنت وأمّي - يا رسول الله - هذا دحية الكلبي ينادي في الناس: ألا لا يصلينّ العصر أحد إلا في بني قريظة.
فقال: «ذلك جبرئيل، أدعوا لي عليّاً».
فجاء عليّ علیه السّلام، فقال له: «ناد في الناس: لا يصلينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة».
فجاء أمير المؤمنين علیه السّلام، فنادى فيهم، فخرج الناس، فبادروا إلى بني قريظة.
و خرج رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، وأمير المؤمنين علیه السّلام بين يديه مع الراية العظمى، وكان حُيي بن أخطب لمّا انهزمت قريش جاء ودخل حصن بني قريظة، وقد كان قال لكعب بن أسد: إن لم نظفر بمحمّد، رجعت فكنت معك يصيبني ما يصيبك، فرجع ودخل حصنه، فجاء أمير المؤمنين علیه السّلام وأحاط بحصنهم، فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فأقبل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم على حمار، فاستقبله أمير المؤمنين علیه السّلام، فقال: «بأبي أنت وأمّي - يا رسول الله - لا تدن من الحصن».
فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: (يا عليّ، لعلّهم شتموني؟ إنّهم لو قد رأوني لأذلّهم الله».
ص: 407
وأقبل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم على حمار، عليه قطيفة، وكان حول الحصن نخل كثير، فأشار إليه رسول الله يمنة ويسرة، فتباعد عن الحصن وتفرّق في المفازة، ثمّ دنا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من حصنهم، فقال: يا إخوة القردة والخنازير، وعبدة الطاغوت، أتشتموني؟! إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم».
فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن، فقال: والله - يا أبا القاسم - ما كنت جهولاً. فاستحيا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم حتّى سقط الرداء عن ظهره حياء مما قال، وأنزل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم العسكر حول حصنهم، فحاصرهم فبقوا ثلاثة أيّام».
أقول: المشهور أنّهم بقوا اثنين وعشرين يوماً.
فلم يطلع منهم أحد رأسه، فلما كان بعد ثلاثة أيّام نزل إليه غزال بن شمول، فقال: يا محمّد، تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النضير؟ إحقن دماءنا، ونخلي لك البلاد وما فيها، ولا نكتمك شيئاً.
فقال: «لا، أو تنزلون على حكمي».
فرجع، وبقوا أياماً، فبكت النساء والصبيان إليهم، وجزعوا جزعاً شديداً، ونادوا يا محمّد، إبعث إلينا أبا لبابة(1) لنستشيره في أمرنا.
فقال: «سر إليهم»، فدخل الحصن فلمّا نظر إلى حُيي بن أخطب قال: أمّا ما دام هذا بينكم فلا تفلحون
قالوا له: يا أبا لبابة! ما ترى؟ قد أبي محمد أن يزول عنا حتّى ننزل على حكمه؟
قال: إنزلوا على حكمه واعلموا أنّه الذبح وأشار بيده إلى حلقه، ثمّ ندم وقال: خنت الله ورسوله، وجاء كما هو إلى المدينة، فعقد في عنقه حبلاً وشدّه إلى الإسطوانة التي تسمّى: اسطوانة التوبة، وقال: لا أفتحه حتّى أموت أو يرضى الله عنّي، فبلغ رسول
الله صلّی الله علیه وآله وسلّم فقال: لو أتانا لاستغفرنا له، فأما إذ قصد إلى ربّه فالله أولى به.
فلمّا اشتدّ عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فأمر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بالرجال فكتّفوا، وكانوا سبع مائة، وأمر بالنساء والصبيان فعزلن.
ص: 408
وقامت الأوس إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فقالوا: يا رسول الله حلفاؤنا وموالينا من دون الناس نصرونا على الخزرج في المواطن كلّها، وقد وهبت لعبد الله بن أبي سبع مائة دارع، وسبع مائة حاسر في صبيحة واحدة، ولسنا نحن بأقلّ من عبدالله بن أبي. فلمّا أكثروا على رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، قال لهم: «أمّا ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟». فقالوا: بلى، فمن هو؟ قال: «سعد بن معاذ». قالوا: قد رضينا بحكمه، فأتوا به في محفّة(1) على حمار، وكان مجروحاً، واجتمعت الأوس حوله يقولون له: يا أبا عمرو، اتّق الله، وأحسن فى حلفائك ومواليك، فقد نصرونا ببعاث والحدائق(2) والمواطن كلّها فأكثروا عليه وهو ساكت لا يجيبهم.
فلمّا أكثروا عليه، قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم.
فقالت الأوس: وا قوماه، ذهبت والله بنو قريظة آخر الدهر. وبكت النساء والصبيان إلى سعد، ووضعت محفّته بين رسول الله وبين اليهود، فلمّا سكتوا قال لهم سعد: يا معشر اليهود، أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا: بلى، قد رضينا بحكمك، وقد رجونا نصفك، ومعروفك، وحسن نظرك. فأعاد عليهم القول ثلاثاً، فقالوا: بلى، يا أبا عمرو.
فالتفت إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم إجلالاً له، فقال: ما ترى، بأبي أنت وأمّي، يا رسول الله؟ قال: «أحكم فيهم - يا سعد - فقد رضيت بحكمك فيهم».
فقال : قد حکمت - یا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّمأن تقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، وتقسم غنائمهم بين المهاجرين والأنصار.
أقول: «الأنصار» لم يقل به أحد من المفّسرين.
فقام رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فقال: «قد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة».
ثمّ انفجر جرح سعد بن معاذ، فما زال ينزف الدم حتّى قضى.
وحمل الأسارى إلى المدينة، و وكّل رسول الله بحصنهم، وسبوا النساء، وأنزلوا
ص: 409
الرجال دار زينب بنت الحارث، وأمر رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بأخدود في البقيع فخدّ، فلمّا أمسى أمر بإخراج رجل رجل، فكان يضرب عنقه، فقال حيي بن أخطب لكعب بن أسد: ما ترى يصنع بهم؟
فقال له: ما يسوؤك، أما ترى الداعي لا يقلع، والذي يذهب لا يرجع؟ فعليكم بالصبر والثبات على دينكم.
فاخرج كعب بن أسد مجموعةَ يديه إلى عنقه، وكان جميلاً وسيماً، فلمّا نظر إليه رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، قال له: «با كعب، أمّا نفعتك وصيّة ابن الحواس، الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام؟ فقال: تركت الخمر والخنزير(1)، وجئت إلى البمؤس والتمور، لنبيّ يبعث، مخرجه بمكّة، ومهاجرته في هذه البحيرة، يجتزئ بالكسيرات والتميرات ويركب الحمار العريّ، في عينيه حمرة بين كتفيه خاتم النبوّة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى منكم يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر؟».
فقال: قد كان ذلك يا محمّد، ولولا أنّ اليهود يعيّروني أنّي جزعت عند القتل لأمنت بك وصدّقتك، ولكنّي على دين اليهودية، عليه أحيا وعليه أموت.
فقال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «قدّموه فاضربوا عنقه» فضربت عنقه.
ثمّ قدم حُيي بن أخطب، فقال له رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: «یا فاسق، كيف رأيت صنع الله بك؟»
فقال: والله - يا محمّد - ما ألوم نفسي في عداوتك، ولقد قلقلت(2) كلّ مقلقل، وجهدت كلّ الجهد، ولكن من يخذل الله يخذل، ثمّ قال حين قدم للقتل:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه*** ولكنّه من يخذل الله يخذل
فقدّم، وضرب عنقه، فقتلهم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم في البردين بالغداة، والعشي، في ثلاثة أيّام، وكان يقول: «أسقوهم العذب، وأطعموهم الطيّب، وأحسنوا إسارهم» حتّى قتلهم كلّهم، وأنزل الله على رسوله فيهم: ﴿وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُ وهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ)
ص: 410
أي: من حصونهم (وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) إلى قوله: (وكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً). ونزل في بني قريظة.(1)
وقام ثابت بن قيس بن الشماس، وقال: يا رسول الله، إنّ الزبير ابن أبا طالب(2)مرّ عليّ يوم بعاث فأطلقني، فهبه لي قال: قد وهبته لك، فجاء إليه وقال له: [هل تعرفني؟ قال: نعم أنت ثابت](3) قال: قد وهبك رسول الله لي [إنّي أمُنٌ عليك كما مننت عليّ يوم بعاث. قال:](4) شيخ كبير ضعيف، ما يصنع بيثرب بلا أهل ولا مال؟
فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هب لي ماله وأهله. قال: «قد وهبتهم لك».
فرجع إليه فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد وهبك أهلك ومالك [وقد أراد الله تعالى بك خيراً](5).
فقال: أمّا أنت فقد كافيت، أحسن الله جزاءك، فما فعل الذي وجهه كأنّه مرآة مضيئة يترا أى أنّه من عذارى الحيّ كعب بن أسد؟ قال: قد قتل.
قال: فما فعل سيّد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قال: قد قتل.
قال: فما فعل القلّب الحوّل نباش بن قيس؟ قال: قد قتل.
قال: فما فعل أوّل عادية اليهود إذا حملوا وآخرهم اذا رجعوا غزال بن شمؤل؟ قال: قد قتل.
قال: فما فعل أبو الأرامل والأيتام رفاعة بن زيد؟ قال: قد قتل.
قال: فما فعل العمران الملقبان بدراسة التوراة؟ قال: قتلا.
قال: فما خير في الحياة بعد هؤلاء، لا أرجع إلى دار كانوا فيها جلوساً فأخلد بعدهم، أسألك باليد التي لي عندك إلّا ما قدّمتني إلى القتل، فقدّم فقتل؛ فأنزل الله على رسوله هذه السورة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً
ص: 411
وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً*إِذْ جَاءً وكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) قريش والأحزاب ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ) اليهود (وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ)(1)... الآيات. (2)
[13] قوله: ﴿إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةً) أي: في أطراف المدينة.
[22 - 25] قوله: (قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) ... الآية، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لأصحابه: «إنّ العرب تتحزّب عليّ وتجتمع، ويصيبنا منهم جهد، وكذا اليهود، وتكون العاقبة لي عليهم»، فصدّق قوم بما قال، وقال قوم: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً).
قوله: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ) ذلك البلاء والجهد والخوف (إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) إلى قوله: (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ) بعليّ، فمحوا إسمه.
[26] قوله: ﴿وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُ وهُم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ) يعني: بني قريظة الذين حاصرهم رسول الله وأنزلهم على حكمه.
أقول: الصواب: على حكم سعد بن معاذ رَضی اللهُ عَنه.
[28] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لازْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)... الآية، روي عن العالم: «أنّه لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من غزاة خيبر، وأصاب كنز آل أبي الحقيق، قلن أزواجه: أعطنا ما أصبت».
فقال لهن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «قسمته بين المسلمين على ما أمر الله».
فغضبن من ذلك، وقلن: لعلّك ترى أنك إن طلقتنا أنّا لا نجد الأكفّاء من قومنا يتزوّجونا؟!
فأنف الله لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأمره أن يعتزلهنّ، فاعتزلهنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في مشربة أمّ إبراهيم تسعة وعشرين يوماً، حتى حضن وطهرن.
أقول: فيه نظر؛ فإنّ المرأة لا تطهر بحيضة واحدة وظهر واحد.
ثمّ أنزل الله هذه الآية، وهي آية التخيير، فقال: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لازْوَاجِك)... الآية،
ص: 412
فقامت أُمّ سلمة - وهي أوّل من قامت - وعانقته، وقالت قد اخترت الله ورسوله، فقمن كلّهنّ فعانقنه، وقلن مثل ذلك، فأنزل الله: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ)(1)، قال العالم علیه السّلام: من أرجى فقد طلق، ومن آوى فقد نكح».(2)
[32 - 33] قوله: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) إلى قوله: ﴿وَأطعن الله ورسولهُ) ثمّ انقطعت مخاطبتهنّ، فعطف على أهل بيت النبيٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)».
أقول: في هذه الآية مبالغة وتوكيدات عظيمة، فأتى بلفظة: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ) و تلّفظه بما تتلفّظه (الإرادة) والكلام الذي يعين وإزالة الرجس هو النجاسة والقذارات، وما في قوله: ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ) من الإختصاص، وهي بمعنى التعيين، وبلفظ التطهير ثمّ بالمصدر، وهو (تَطهيراً)، وهي تدلّ على العصمة بالإجماع، والإجماع حجّة.(3)
[34] ثمّ عطف على نساء النبىِ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: ﴿واذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ والْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطيفاً خَبِيراً).(4)
[35] ثمّ عطف على أهل بيت النبي علیهم السّلام أيضاً من مخاطبة نسائه، فقال: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ)... الآية، وهي جارية في جميع الناس.(5)
ص: 413
وهذا دليل على أنّ القرآن منقطع معطوف.
[36] قوله: ﴿وما كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ).... الآية نزلت في ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب(1)، خطبها رجل من بني قريظة ممّن كان قد أسلم، فبعث إليها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمير المؤمنين يشاورها، فقال لها أمير المؤمنين: إن لم تجيبي إلى ذاك لم يكرهك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قالت: فإنّي لا أجيب، فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبره، فعلم أنّ الفساد من قِبّله، قال: يا عليّ ارجع فأصلح ما أفسدت، فنزلت.(2)
أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّ عليّاً لم يقع منه فساد قطّ، لعصمته، وهذا يخالف إجماع الاماميّة، فلا يسمع، بل يُرَدّ، ويستغفر قائله الله. وقد روي أنّ هذه القصّة كانت مع زينب بنت جحش وزيد بن حارثة وأخوها عبد الله، لمّا أمرها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن تتزوّج بزيد، وأبي أخوها عبد الله، وقد أجمع المفسّرون على ذلك(3)، فالنقل مردود، والراوي متوهّم.
[43] قوله: (لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) قال: «إنّما نزلت: (ليخرج بكم من الظلمات إلى النور)».(4)
[45] قوله: ﴿يَتأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً).... الآية نزلت بمكّة قبل مهاجرة رسول الله إلى المدينة بخمس سنين، وقد كتبت في خبر الأحزاب، وحرب الأحزاب كانت في سنة خمس للهجرة، فهذا دليل على انّ القرآن مؤلّف على خلاف ما
ص: 414
أنزل الله تعالى، مؤخّراً مقدّماً.(1)
أقول: وهذه الآية منسوخة بآية السيف(2)، وذكر بعض العامة أنّ هذه الآية نزلت بالمدينة، لا بمكّة؛ لأنّه قال: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَفِرِينَ وَالْمُنَفِقِينَ وَدَعْ أَذَنهُمْ)(3) والمنافقون إنّما كانوا بالمدينة لا بمكة. وغلطوا فى ذلك غلطاً بيّناً؛ لأنّ الله تعالى يقول في سورة الأنفال: (إِنْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ)(4)، نزلت في حرب بدر، في خمسة نفر من قريش، جاؤوا من مكّة إلى الحرب وقد كانوا أظهروا الإسلام، منهم: قيس بن الفاكهة وأبوه(5)، والحرث بن زمعة(6)، وعليّ بن أميّة بن خلف، والعاص بن منبه(7)، وقد كانوا أظهروا الإسلام لرسول بمكّة، وكانوا منافقين، فجاؤوا مع قريش لحرب بدر، فلمّا نظروا إلى قلة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قالوا: مساكين هؤلاء غرّ هؤلاء محمّد، فحكى الله ذلك فقال: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ) ... الآيات.
[50] قوله: (وإمْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ)... الآية، فإنّه كان سبب نزولها: أنَّ امرأة من الأنصار أتت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد تهيأت وتزينت وتطيبت وجاءت إلى رسول الله، فقالت: يا رسول الله، هل لك في حاجة، فقد وهبت نفسي لك؟
فقالت لها عائشة: قبّحك الله، ما أنهمك للرجال؟!
فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «مه با عائشة، فإنّها رغبت فى رسول الله إذ زهدتنّ فيه».
ثمّ قال: «رحمك الله ورحمكم يا معاشر الأنصار، تنصرني رجالكم، وترغب فيّ نساؤكم، إرجعي - رحمك الله - فإنّي أنتظر أمر الله». فأنزل الله: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ)... الآية، فلا تحلّ الهبة إلّا الرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.(8)
ص: 415
قوله: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ) أي : لا يحلّ لامرأة أن تهب نفسها لأحد من غير مهر إلّا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
[53] قوله: (ولا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِي إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ)، فَإِنَّ الرجال كانوا يدخلون بيوت النبيّ وغير بيوت النبيّ بلا إذن، فلما هاجر رسول الله ضرب الحجاب على النساء، فلم يأذن لأحد أن يدخل بيت أحد إلا بإذن، وضرب الحجاب على النساء من الرجال في سورة النور، في قوله: (ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)... الآية(1). (2)
[55] قوله: ﴿لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ ولا أَبْنَائِهِنَّ)... الآية، هي معطوفة على قوله: ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ).... الآية، فرخّص لهؤلاء أن يدخلوا بغير إذن.(3)
[56] قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَتيكتَهُ يُصَلُّونَ)... الآية، روي: أنّ صلاة الله عليه تزكية له وثناء عليه، وصلاة الملائكة مدحهم له، ودعاء الملائكة والناس له الصلاة عليه(4).(5)
أقول: الصلاة من الله سبحانه الرحمة والمدح، ومن الملائكة: الاستغفار للأمّة، و من الناس: ذات الركوع والسجود والتشهّد والتسليم، وفي أصل لغة العرب: هي الدعاء، ومنه: ﴿وصلّ عليهم)(6)، وهي أيضاً: كنائس اليهود؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)... الآية(7)، ومنه قول الشاعر:
إتّق الله والصلاة فذرها***إنّ في الصوم والصلاة فساداً(8)
والصوم - هنا - ذرق البغلة، وعند الشافعي وأبو حنيفة: أنّ الأرواث نجسة من
ص: 416
مأكول اللحم وغيره.(1)
[59] قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ)... الآية، كانت النساء يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإذا كان بالليل خرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة، يقعد الشبّان لهنّ في طريقهنّ، فيؤذونهنّ ويتعرّضون لهنّ، فنزلت(2).
[ 60] قوله: (لَئِن لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ)... الآية نزلت في قوم منافقين كانوا في المدينة يرجفون برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا خرج في بعض غزواته، يقولون: قُتل وأسر، فيغتمّ المسلمون لذلك، ويشكون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنزلت؛ أي: نخبرك بأسمائهم، ثمّ نأمرك أن تطردهم من المدينة.(3)
[69] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا). عن أَبي عبدالله علیه السّلام: «إنّ بني إسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال، وكان موسى إذا أراد الاغتسال يذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد من الناس، وكان يوماً يغتسل على شطّ نهرِ وقد وضع ثيابه على صخرة، فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه، حتّى نظر بنو إسرائيل إليه، فعلموا أنّه ليس كما قالوا ».(4)
أقول: حاشا لله أن يُطلعهم على عورة رسوله موسى، أو ينظروا إلى فرجه، وهذا وإن كان تنزيه من وجه، وتنزيهه من عاهة، إلّا أنّه عدم تنزيه من وجه آخر. وقيل: إنّ بني إسرائيل رموه بأنه آدر، أو أنّه أبرص. وما روي في هذا المعنى ليس بصحيح. والحقّ أن سبب ذلك: أنّ قارون كان قد جعل لبغي من بني إسرائيل جعلاً: على أن تقول: إنّ موسى دعاني ليفجر بي، فلما حضرت قالت: يابني إسرائيل، إنّ
ص: 417
قارون جعل لي جعلاً أن أقول: إنّ موسى دعاني ليفجر بي ويزني. وكان هذا سبباً في هلاك قارون.(1)
وقد روي أيضاً أنّهم قالوا: قتل أخاه هارون، فأحياه الله وقال: لم يقتلني موسى.
وهذا مروي عن أمير المؤمنين علیه السّلام،(2) هذا معنى قوله: ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا).(3)
[72] قوله: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ)... الآية، قال: «الأمانة هي الإمامة، والأمر والنهي والثواب والعقاب».(4)
أقول: في الأمانة اثنا عشر قولاً، ذكره المفسّرون.(5)
ص: 418
بسم الله الرحمن الرحيم
[2] قوله: ﴿وما يَعْرُجُ فِيها)، قال: «من أعمال العباد».(1)
[10] قوله: (أوبى مَعَهُ) أي: سبّحي، قال: «وكان داود علیه السّلام إذا مرّ في البراري فقراً الزبور تسبّح الجبال والطير والوحوش معه، وألان الله له الحديد مثل الشمع، حتّى كان يتّخذ منه ما يريد».(2)
[11] وقوله: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)، قال: «الدروع» (وقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)، قال: «المسامير التي في الحلقة».(3)
[12] وقوله: (ولِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوهَا شَهْرٌ ورَوَاحُها شَهْرٌ)، قال: «كانت الريح تحمل كرسيّ سليمان وجميع جنوده، فتسير به في الغداة مسيرة شهر، وبالعشي مسيرة شهر.
وقوله: ﴿ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي الصفر، ومثله الرصاص (ومَنْ يَزِغْ) أي: يدع ويزول.(4)
[13] قوله وجفانِ كَالْجَوابِ ، الجوابي: الحياض (وقدورِ راسِياتٍ) أي: ثابتات.(5)
ص: 419
[14] قوله: (مِنْسَأَتَهُ) يعني: عصاه(1) فأكلت عصاه فسقط على وجهه، فنظر إليه
الجنّ، ففزعوا وتفرّقوا.
قوله: ﴿ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا)(2)، قال الصادق: ليس هكذا نزلت هذه الآية، لكن (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الانس أنّ الجنّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهين)، و هذا من المحرّف).(3).(4)
[15] قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَا ، قال: «فإنّ سبأ كان من اليمن ، وكان سليمان أمر جنوده أن يجروالهم خليجاً من البحر العذب إلى بلادهم، ففعلوا ذلك، وعقدواله عقدة عظيمة
من الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم، وجعلوا للخليج مجاري، فكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه.
أقول: المجمع عليه بين مفسّري الشيعة والسنة: أنّ هذا كان من مياه السيول ؛ فإنّ
هناك ليس من بحر عذب.
وكانت لهم جنّتان عن يمين وشمال على مسيرة عشرة أيام فيها يمر المار لا يقع عليه الشمس من التفافها وحسنها، فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ - وهي الفارة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقلها الرجل وترمى بها، فلما رأى ذلك قوماً
ص: 420
منهم، هربوا وتركوا البلاد، فما زال الجرذ يقلع الحجر حتّى خربوا ذلك السد، فلم يشعروا حتّى غشيهم السيل وخرب بلادهم، وقلع أشجارهم(1). (2)
[16] قوله: (خَمْطِ)، الخمط: أمّ الغيلان (وَأَثْلِِ) هو نوع من الطرفاء.
أقول: الأثل نوع من النبات، لا من الطرفاء، وليس له ثمر، وهو يعظم حتّى تصير الشجرة منه ثمانية أذرع وأكثر وأقلّ، وهو في مشهد الشمس(3)- بالحلّة كثير.
[18] قوله: ﴿وجعلنا بينهم وبين القُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) يعني: مكّة.
[20] قوله: (ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). قال زيد الشحام دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر علیه السّلام، وسأله عن قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلَّا فَريقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، قال: «لمّا أمر الله نبيّه أن ينصب أمير المؤمنين علیه السّلام للناس، وهو قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فِي عَلَيَّ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رسالته)(4) أخذ رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بيد علىّ علیه السّلام يوم غدير خمّ، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، حَنت الأبالسة التراب على رؤوسها، فقال لهم إبليس الأكبر: ما لكم؟ قالوا: قد عقد هذا الرجل اليوم عقدة لا تنحلّ إلى يوم القيامة، فقال لهم إبليس : كلّا، إنّ الذين حوله قد وعدونى فيه عدّة، ولن يخلفونى فيها. فأنزل الله سبحانه هذه الآية: ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)... الآية».(5)
ص: 421
[23] قوله: ﴿ولا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أذِنَ لَه).... الآية، قال الصادق علیه السّلام: « لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن الله له، إلا رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فإنّ الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة والشفاعة له وللأئمّة من ولده، ثمّ من بعد ذلك للأنبياء علیهم السّلام».(1)
ثمّ قال: «ما من أحد من الأوّلين والآخرين إلّا وهو محتاج إلى شفاعة محمد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّميوم القيامة».(2)
وقال أبو جعفر علیه السّلام: «إن لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم الشفاعة في أمته، ولنا الشفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم». ثمّ قال: «و إنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه، يقول: يا ربّ، حقّ خدمتي كان يقيني الحر والبرد».(3)
وقال أبو جعفر علیه السّلام: «إنّ المؤمن ليشفع في نفسه وفي أهله وفي أهل الدويرات التي حوله».(4)
[33] وقوله تعالى: ﴿وأسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ)، قال:(5) «يكرهون شماتة الأعداء».(6)
أقول: قوله: (وأَسَرُّوا النَّدَامَةَ): أي: أظهروها، فإنّها من أسماء الأضداد.(7)
[39] وقوله: ﴿ومَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ). عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «إنّ الرّب تبارك
ص: 422
وتعالى ينزل أمره(1) كل ليلة جمعة(2).(3) فيقول: هل من تائب يتاب عليه؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ اللّهم أعط كل منفق خلفاً، وكلّ ممسك تلفاً حتّى يطلع الفجر(4).(5)
[44] قوله: ﴿وما آتيْنَاهم من كتب يدرسونها)... الآية، يعني: قريشاً.
[46] قوله: (إنّما أعظكم بواحدة)، يعني: بالله الواحد القهّار.
[51] قوله: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ)، روي: «أنّ هذا إذا قام القائم».(6)
[52] قوله: (وقالوا آمنا به وأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)، روي: «أنه إذا رجع عيسى بن مريم إلى الدنيا، فكلّ من جحده آمن به يومئذ، فلا يقبل منهم».
أقول: إنّما جحده اليهود وأمثالهم، وأيضاً: إنّ النصارى لم يؤمنوا به إيماناً حقّاً: لأنّهم فرق، منهم من قال: هو الله، ومنهم من قال: هو ابن الله، ومنهم من قال: إنّ الله حلّ فيه. ومنهم من قال بالأقانيم الثلاثة؛ والكلّ كفرة، وأمّا من كان في زمانه فآمن به إيماناً صحيحاً.
ص: 423
بسم الله الرحمن الرحيم
[10] قوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)... الآية، هو قول لا إله إلّا الله، والإقرار بما جاء به محمّد من عند الله، والتكبير والتهليل والتسبيح والصلاة والزكاة والصوم والحجّ، ترفع هذه الكلمات إلى الله، وهو قوله : (والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).(1)
أقول: ذهبت الحكماء والمتصوّفة إلى أنّ الكَلِم هي النفوس الناطقة. والكمال من الفضائل والتخلّي عن الرذائل، ترفع النفس إلى الملأ الأعلى.
قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ)، قال الصادق علیه السّلام: «یسترون الذنوب. و (يَبُور) يبطل».(2)
[13] قوله: (قِطميرِ)، القطمير: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النوى.(3)
[21] قوله: ( ولا الْحَرُورُ) أي: السمائم.(4)
ص: 424
[32] قوله: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا)... الآية، قال: «هذه الآية لآل محمّد خاصّة (فَمِنْهُمْ ظَالِمُ لِنَفْسِهِ) وهو الجاحد للإمام من آل محمّد، (ومِنْهُمْ مُقْتَصِدَّ) وهو المقرّ بالإمام (ومِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) هو الإمام».(1)
[33 - 35] ثمّ قال الله فيهم: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها)... الآيات والنصب: الإعياء واللغوب: الضجر.
أقول: النصب: التعب، واللغوب: الإعياء والكسل.
و دار المقامة: دار البقاء.(2)
[36] ثمّ ذكر ما أعدّ الله لأعدائهم(3) - يعني أعداء آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم - ومن خالفهم وظلمهم، فقال: ﴿والَّذِينَ كَفَرُ وا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ).... الآيات.(4)
ص: 425
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 4] ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ َيس*والقُرآن الحكيم، قال: قال الصادق علیه السّلام: «(يس) اسم رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، بدليل قوله: (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم)، قال: على الطريق الواضح ».(1)
[8] وقوله: ﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ، قال: «قد رفعوا رؤوسهم».(2)
[12] وقوله: ﴿وكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ أي في كتاب مبين. و أَحْصَيْنَاهُ﴾ أي: أثبتناه.(3)
أقول: وقيل: الإمام المبين هنا هو أمير المؤمنين علیه السّلام.(4)
[13 - 30] قوله: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) إلى قوله: ﴿يَستَهزِئُونَ)، قال أبو جعفر علیهم السّلام «بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية، فجاء اهم بما لا يعرفون، فغلظوا عليهما، فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام، فبعث الله الثالث، فدخل المدينة، فقال: أرشدوني إلى باب الملك. قال: فلمّا وقف على الباب، قال: أنا رجل كنت أتعبّد
ص: 426
في فلاة من الأرض، وقد أحببت أن أعبد إله الملك، فأبلغوا كلامه الملك، فقال: أدخلوه إلى بيت الآلهة فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه، فقال لهما بهذا ينتقل قوم من دين إلى دين، بالخرق؟(1) ألا رفقتما بهم؟! ثمّ قال لهما: لا تقران بمعرفتي ما دمت أدخل على الملك.
ثمّ أدخل على الملك، فقال له الملك: بلغني أنك كنت تعبد إلهي، ولم أرك، وأنت أخي، فسلني حاجتك.
قال مالي من حاجة - أيها الملك - ولكنّي رأيت رجلين في بيت الآلهة، فما بالهما؟
قال الملك: هذان رجلان أتياني يضلاني عن ديني(2)، ويدعواني إلى إله السماوات.
فقال: أيها الملك مناظرة جميلة، فإن يكن الحق لهما اتبعناهما، وإن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا، فكان لهما مالنا، وعليهما ما علينا».
قال: «فبعث الملك إليهما، فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما: ما هذا الذي جئتما به؟ قالا: جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والأرض، ويخلق في الأرحام ما يشاء، ويصوّر كيف يشاء، وأنبت الأشجار والثمار، وأنزل القطر من السماء - قال : - فقال لهما : إلهكما - هذا الذي تدعوان إليه وإلى عبادته - إن جئنا بأعمى، يقدر أن يردّه صحيحا(3)؟
قالا: إن سألناه أن يفعل فعل إن شاء.
قال: أيّها الملك، عليّ بأعمى لم يبصر شيئاً قط. فأتي به، فقال: ادعوا إلهكما أن يردّ بصره هذا.
فقاما، وصلّيا ركعتين، فإذا عيناه مفتوحتان، وهو ينظر إلى السماء.
فقال: أيها الملك، عليّ بأعمى آخر، فأتي به، فسجد سجدة، ثم رفع رأسه فإذا الأعمى الآخر بصير.
فقال: أيها الملك، حجّة بحجّة عليّ بمقعد، فأتي به، فقال لهما مثل ذلك.
ص: 427
فصليا، ودعوا الله، فإذا المقعد قد أطلقت رجلاه، وقام يمشي.
فقال: أيّها الملك عليّ بمقعد آخر، فأتي به، فصنع به كما صنع أول مرّة، فانطلق المقعد. فقال: أيها الملك قد أتيا بحجّتين وأتينا بمثله، ولكن بقي شيء واحد، فإن هما فعلاه دخلت معهما في دينهما، ثمّ قال: أيّها الملك، بلغني أنه كان للملك ابن واحد ومات، فإن أحياه إلههما دخلت معهما في دينهما، فقال له الملك: وأنا أيضا معك.
ثمّ قال لهما قد بقيت هذه الخصلة الواحدة قد مات ابن الملك، فادعوا إلهكما ليحييه.
فوقعا إلى الأرض ساجدين لله، وأطالا السجود، ثمّ رفعا رأسيهما، وقالا للملك: إبعث إلى قبر إبنك تجده قد قام من قبره، إن شاء الله.
قال: فخرج الناس ينظرون، فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب.
قال: فأتي به إلى الملك، فعرف أنّه ابنه، فقال له: ما حالك، يا بنيّ؟
قال: كنت ميّتاً فرأيت رجلين بين يدي ربي الساعة ساجدين يسألانه أن يحييني، فأحياني.
قال: يا بني، أفتعرفهما إذا رأيتهما؟ قال: نعم.
قال: فأخرج الناس جملة إلى الصحراء، فكان يمرّ عليه رجل رجل، فيقول له أبوه: أنظر، فيقول: لا، لا. ثمّ مروا عليه بأحدهما بعد جمع كثير، فقال: هذا أحدهما، وأشار بيده إليه.
ثمّ مروا أيضا بقوم كثير ، حتّى رأى صاحبه الآخر، فقال: وهذا الآخر.
فقال النبي - صاحب الرجلين - : أمّا أنا فقد آمنت بإلهكما، وعلمت أن ما جئتما به هو الحقّ.
قال: فقال الملك و أنا أيضا آمنت بإلهكما وآمن أهل مملكته كلّهم».(1)
ص: 428
[36] وقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الازْوَاجَ)، عن أبي عبدالله علیه السّلام قال: «إنّ النطفة تنزل من السماء إلى الأرض على النبات والثمر والشجر، فتأكل الناس منه والبهائم،
فتجري فيهم».(1)
أقول: فيه نظر؛ فإنّ النطفة إنّما تكون في البدن من الأخلاط أو من الدم - على اختلاف المذهبين - ، اللّهم إلّا أن يكون المراد أنّ النطفة تتكوّن من الغذاء، والغذاء إنّما يكون من النبات والحيوان، فيصح بهذا التأويل.
[29] قوله: (خَامِدُونَ) أي: ميّتون.
[39] قوله: ﴿كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)، العرجون طلع النخل(2)، وهو أول ما يطلع يكون دقيقاً مثل الهلال إذا أهلّ.(3)
وقال: «العرجون طلع النخل، ويعود كلّ ستّة أشهر».
أقول: إنّ تشبيه الهلال بالعرجون إنّما يكون وقت يركس وينحني لا قبل ذلك؛ فإنّه يكون مقوماً، لا مقوساً، والتشبيه إنّما وقع بالعرجون لا بالطلع؛ فإنّه ليس فيه تشبيه.
وروي: «أنّ رجلاً أوصى عند موته: كلّ عبد لي قديم فهو حر، فاشتبه على العلماء واختلفوا، فقال أبو الحسن علیه السّلام: «ما كان له ستّة أشهر فهو قديم، وهو حرّ؛ لأنّ الله يقول: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) فمّا كان لستّة أشهر فهو قديم حرّ».(4)
[49 - 50] قوله: ﴿ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةَ(5) وَاحِدَةً تَأْخُذْهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ). قال: «ذلك في
ص: 429
آخر الزمان، يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون، فيموتون كلّهم في مكانهم، لا يرجع أحد منهم إلى منزله، ولا يوصى بوصيّة، وذلك قوله: ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ)».(1)
[51] قوله: (الأجداث) أي القبور.(2)
[50] وقوله: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِى شُغْلِ فَاكِهُونَ)، قال: «يعني: مفاكهة النساء وملاعبتهنّ (3)».(4)
[56] قوله: (في ظِلالِ عَلَى الازائِكَ مُتَّكِؤُنَ)، قال: «الأرائك: السرر، عليها الحجال(5)»(6).
[59] قوله : (وامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)، قال: «إذا جمع الله الخلق يوم القيامة بقوا قياماً على أقدامهم حتّى يلجمهم العرق، فينادون يا ربّنا حاسبنا ولو إلى النار. قال:](7) فيبعث الله رياحاً، فتضرب الناس بعضهم ببعض ويميّز المسلمين من المجرمين، وينادي مناد: ﴿وَ امْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)، فيميز بينهم، فصار المجرمون إلى النار، ومن كان في قلبه إيمان صار إلى الجنة](8)».(9)
[62] قوله: (جبلاً كَثِيراً) يعني خلقاً كثيراً.(10)
[65] قوله: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْوَاهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ َوتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، قَالَ: «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة يدفع إلى كلّ إنسان كتابه، فينظرون فيه، فينكرون أنّهم
ص: 430
عملوا من ذلك شيئاً، فتشهد عليهم الملائكة، فينكرون(1) فتنطق جوارحهم بما عملوا، وتنطق الجلود - وهي الفروج - بما اكتسبت من الفجور، ثمّ يطلق الله ألسنتهم، فيقولون الجوارحهم: (لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)(2)».(3)
[68] قوله: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ)، فإنّه ردّ على الزنادقة(4) لو كان هذا كما يقولون، لكان ينبغي أن يزيد الإنسان أبداً ما دامت الأشكال قائمة والليل والنهار قائمين والفلك يدور، فكيف صار يرجع إلى النقصان كلّما ازداد في الكبر إلى حدّ الطفولية، ونقصان السمع والبصر والقوّة والعلم والمنطق حتّى ينقص وينكس في الخلق؟ ولكن ذلك من خلق العزيز العليم وتقديره(5).(6)
ص: 431
[69] وقوله: (وما عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ومَا يَنْبَغِى لَهُ)، هو ما قالته قريش لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ هذا الذي يقول محمّد شعرّ(1)». (2)
[71] قوله: (أنغاماً) عنى به هنا: الإبل خاصّة.(3)
[7] وقوله: ﴿وضَرَبَ لَنَا مَثَلا)... الآية، هى ردّ على أهل الدهر، الذين قالوا: (ومَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)(4).(5)
[80] قوله: ﴿ مِنَ الشَّجَرِ الاخْضَرِ ناراً)، قال: «المرخ والعفار(6)».(7)
ص: 432
أقول: هذا خبر ...؛(1) فإنّ النار تنقدح من الشجر ومن الحديد وغير ذلك، والمرخ والعفار تخرج النار منها أسرع، ولهذا قالت العرب في المثل:
في كلّ شجر نار*** واستمجد المرخ والعفار(2)
واعلم أن النار ليست كامنة في الشجر وتخرج بالقدح، وإلّا كانت تحرق النعم، بل الهواء ينقلب ناراً بالحركة والانتقال.(3)
ص: 433
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 4] ﴿والصَّافَّاتِ صَفًّا)، قال : «الملائكة والأنبياء ومن صفّ الله وعبده ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً): الذين يزجرون الناس عن القبائح (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً): الذين يقرءون القرآن من الناس. وهذا كلّه قسم، وجوابه: (إِنَّ إِلهَكُمْ لَوَاحِدٌ)».(1)
[9-7] قوله: (شَيْطانِ ماري)) قال: «المارد : الخبيث (لا يَسْمَعُونَ إِلَى الْمَلَأُ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُل جانب*دَّ خوراً) يعني: الكواكب التي يرمون بها (ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) أَي: واجب».(2)
[11] قوله: (من طين لازب)، أي حرّ، يعنى يلصق باليد.(3)
[20] قوله: ﴿يَوْمُ الدِّينِ)، قال : «يوم الحساب والمجازاة ».(4)
[22] قوله: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا)، قال: «الذين ظلموا آل محمّد» (وأَزْوَاجَهُمْ)، قال العالم: «أشباههم، فإنّ الإنسان المؤمن قد تكون زوجته كافرة أو فاسقة، فلا تحشر معه، وكذا قد تكون الزوجة مؤمنة والزوج كافراً، كآسية وفرعون.(5)
ص: 434
[24] قوله: ﴿وقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)، قال: «أي: عن ولاية أمير المؤمنين عليّ علیه السّلام».(1)
[47] وقوله: ﴿لا فِيها غَوْلُ) أَي: فساد (ولا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ) أي: لا يطردون منها.(2)
أقول : الغَوّل: ذِهاب العقل. وينزفون تزول عقولهم، يقال: نزف الرجل: إذا ذهب عقله، ويقال للسكران نزيف ومنزوف، وأنزف الرجل إذا ذهب شرابه ونفذ، وإذا ذهب عقله، قال الشاعر:
لعمري لئن انزفتموا أو ضحوتموا***لبئس التداني كنتم آل أبحرا(3)
[7] وقوله: (يُهْرَعُون) أي: يتبعون.
[89] وقوله: ﴿إِنِّى سَقِيمٌ)، قال الصادق علیه السّلام: «والله ما كان سقيماً ولا كذب، إنّما عنى سقيماً في دينكم مرتاباً».(4)
أقول: المعنى: إنّي سقيم؛ لأنّ الإنسان لابدّ أن يسقم، وأقلّه سقم الموت.(5) (6)
[102] وقول الله: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّى أرى فى المنام أنِّى أَذْبَحْكَ فَانْظُرْ مَا ذَا تَرى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، روي: أنّ الذبيح هو إسحاق. وروي: أنّه إسماعيل، وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «أنا ابن الذبيحين». يعني: إسماعيل وعبد الله(7)، وأنّ الله أمر إبراهيم علیه السّلام بمنى أن يذبح ولده ، فكان كما حكاه الله عنهما.(8)
[125] :قوله (أَتَدْعُونَ بَعْلاً)، قال: «كان لهم صنم يسمونه بعلاً(9)»، ومنه: أنّ بعض العرب سأل أعرابياً عن ناقة واقفة فقال: لمن هذه الناقة؟ فقال الأعرابي: أنا بعلها، أي:
ص: 435
ربّها وصاحبها .(1)
أقول: البعل في اللغة - يطلق على أشياء، منها: الذي ذُكِر، ومنها: الزوج، والفرق بين البعل والزوج: أنّ البعل لا يسمّى بذلك إلّا إذا بنى بإمرأته، والزوج أعمّ من ذلك، والبعل الشجر الذي يشرب بعروقه من غير أن تسقيه، وكذا الزرع، والبعل السيّد، والبعل: النوى، والبعل: النسيب(2).
[130] قوله: (سَلامٌ عَلى إلْ يَاسِينَ)، قال آل محمّد: الأئمّة علیهم السّلام».(3)
[149] ثمّ خاطب الله نبيّه، فقال: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ ولَهُمُ الْبَنُونَ)، فإِنّ قريشاً كانت تقول: الملائكة هم بنات الله(4).(5)
[177] قوله: (بِسَاحَتِهِمْ) أي: بمكانهم.
ص: 436
بسم الله الرحمن الرحيم
[4] قوله: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرُ مِنْهُمْ)... الآيات، سبب نزولها: أن قريشاً إجتمعت إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب، إنّ ابن أخيك قد سفه أحلامنا، وسبّ الهتنا، وأفسد شباننا، وفرّق جماعتنا، فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم حملنا له مالاً حتّى يكون أغنى رجل(1) في قريش، ونملّكه علينا.
فأخبر أبو طالب رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم بذلك، فقال: «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي ما أردته، ولكن يعطونني كلمة يملكون بها العرب، ويدين لهم بها العجم، ويكونون ملوكاً في الآخرة».
فقال لهم أبو طالب ذلك، فقالوا: نعم، وعشر كلمات(2).
فقال لهم رسول الله : تشهدون أن لا إله إلا الله، وأنّى رسول الله». فقالوا: ندع ثلاث مائة وستين إلهاً ونعبد إلهاً واحداً ؟ فأنزل الله تعالى: ﴿وَ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ)... الآية .(3)
[15] قوله: ﴿ما لَها مِنْ فَواقِ) أي: لا يفيقون من العذاب.(4)
[16] قوله: (عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا أي نصيبنا، وصكنا قبل يوم القيامة من العذاب .(5)
[ 17 - 25] قوله: ( واذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الايْدِ إِنَّهُ أَوَابٌ) إلى قوله: ﴿لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَتَابٍ، عن
ص: 437
الصادق علیه السّلام قال: إنّ داود علیه السّلام لمّا جعله الله عزّ وجلّ خليفة في الأرض وأنزل عليه الزبور، أوحى الله عزّ وجلّ إلى الجبال والطير أن يسبّحن معه، وكان سببه أنه إذا صلّى ببني إسرائيل قام وزيره بعد ما يفرغ من الصلاة، فيحمد الله ويسبّحه ويكبره ويهلّله، ثمّ يمدح الأنبياء علیهم السّلام نبياً نبياً، ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم الله سبحانه وتعالى والصبر على بلائه، ولا يذكر داود علیه السّلام.
فناجی داود ربّه، فقال: يا ربّ، قد أثنيت على الأنبياء بما أثنيت عليهم، ولم تثن عليّ.
فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا وأنا أثني عليهم بذلك.
فقال: يا ربّ، فابتلني حتّى أصبر.
فقال: با داود، تختار البلاء على العافية؟ إنّي ابتليت هؤلاء ولم أعلمهم، وأنا أبليك وأعلمك أنّ بلائي في سنة كذا، وفي شهر كذا، ويوم كذا.
وكان داود علیه السّلام يفرغ نفسه لعبادته يوماً ويقعد في محرابه، ويوماً يقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم، فلمّا كان في اليوم الذي وعده الله عزّوجلّ اشتدّت عبادته، وخلافي محرابه، وحجب الناس عن نفسه، وهو في محرابه يصلّي، فإذا هو بطائر قد وقع بين يديه، جناحاه من زبرجد أخضر، ورجلاه من ياقوت أحمر ، ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد، فأعجبه جداً، ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه ، فطار الطائر فوقع على حائط بین دار داود ودار أوربا بن حنّان، وكان داود قد بعث أوريا في بعث، فصعد داود علیه السّلام الحائط ليأخذ الطائر وإذا إمرأة أوريا جالسة تغتسل، فلما رأت ظلّ داود نشرت شعرها، وغطت به بدنها، فنظر إليها داود فافتتن بها، ورجع إلى محرابه، ونسى ما كان فيه، وكتب إلى صاحبه فى ذلك البعث: لمّا أن تصير إلى موضع كيت وكيت، يوضع التابوت بينهم وبين عدوّهم(1).
وكان التابوت في بني إسرائيل، كما قال الله عزّ وجلّ: ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آل موسى وآل هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ)(2)، قد كان رفع بعد موسى علیه السّلام إلى السماء لمّا عملت بنو إسرائيل المعاصي، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكا يقاتل في
ص: 438
سبيل الله بعث إليهم طالوت، وأنزل عليهم التابوت، وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر و قتل، ولا يرجع أحد عنه ويقتل.
فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه : أن ضع التابوت بينك وبين عدوّك، وقدّم أوريا بن حنان بين يدي التابوت، فقدّمه، فقُتل أوريا، فلما قتل أوربا دخل عليه الملكان، ولم يكن تزوّج بامرأة أوربا، وكانت في عدّتها، وداود قائم يصلّي في محرابه في يوم عبادته، فدخل عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه، ففزع داود منهما، فقالا: لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط، واهدنا إلى سواء الصراط. ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية.
فقال أحدهما لداود: (إنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعُ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةً وَحِدَةً فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب). أي ظلمنى وقهرني.
فقال داود - كما حكى الله عزّ و جلّ -: (لَقَدْ ظَلَمَك بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) إلى قوله: (وخَرَّ رَاكِعاً وأَنَابَ).
قال : فضحك المستعدى عليه من الملائكة، وقال قد حكم الرجل على نفسه. فقال داود أتضحك وقد عصيت القد هممت أن أهشم فاك.
قال: فعرجا، وقال الملك المستعدى عليه لو علم داود لكان أحقّ بهشم فيه منّي.
ففهم داود الأمر، وذكر الخطيئة، فبقي أربعين يوماً ساجداً، يبكي ليله ونهاره، ولا يقوم إلّا وقت الصلاة، حتّى انخرق جبينه، وسال الدم من عينيه(1).
فلمّا كان بعد الأربعين يوماً، نودي: يا داود، مالك؟ أجائع أنت فنشبعك، أو ظمآن فنرويك، أو عربان فنكسوك، أم خائف فنؤمّنك؟
فقال: أي ربّ وكيف لا أخاف وقد عملت ما عملت، وأنت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم؟
ص: 439
فأوحى الله إليه: تب، يا داود.
فقال : أي: ربّ، و أنّى لي بالتوبة؟
قال: صر إلى قبر أوريا حتّى أبعثه لك، وأسأله أن يغفر لك، فإن غفر لك غفرت لك.
قال: يا ربّ، فإن لم يفعل؟ قال: أشتريك منه.
قال: فخرج داود علیه السّلام يمشى على قدميه ويقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلّا يجاوبه، حتّى انتهى إلى جبل، فإذا عليه نبيّ عابد، يقال له حزقيل، فلمّا سمع دويّ الجبال، وأصوات السباع علم أنّه داود ، فقال: هذا النبىّ الخاطئ.
فقال له داود: يا حزقيل، أتأذن لي أن أصعد إليك؟ قال: لا، فإنّك مذنب.
فبكى داود علیه السّلام، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى حزقيل: يا حزقيل، لا تعيّر داود بخطيئته، وسلني العافية.
فنزل حزقيل، وأخذ بيد داود فأصعده إليه.
فقال له داود: یا حزقیل هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا.
قال: فهل دخلك العجب ممّا أنت فيه من عبادة الله عزّ وجلّ؟ قال: لا.
قال: فهل ركنت إلى الدنيا، فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذاتها؟ قال: بلى، ربما عرض ذلك بقلبي.
قال: فما تصنع؟ قال: أدخل هذا الشعب، فأعتبر بما فيه.
قال: فدخل داود علیه السّلام الشعب، فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية، وعظام نخرة، وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب، فقرأه داود علیهم السّلام، فإذا فيه: أنا أروى بن أشكم، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، وكان آخر أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادي، والحيات والديدان جيراني، فمن رآني فلا يغترّ بالدنيا.
ومضى داود حتّى أتى قبر أوريا، فناداه فلم يجبه، ثمّ ناداه ثانية فلم يجبه، ثمّ ناداه ثالثة، فقال أوريا مالك - يا نبيّ الله - قد شغلتني عن سروري وقرّة عيني؟
فقال داود: يا أوربا، إغفر لي، وهب لي خطيئتي. قال: فقال: قد غفرت لك.
ص: 440
فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا داود، بين له ما كان منك.
فناداه داود علیه السّلام، فأجابه في الثالثة، فقال: يا أوربا، فعلت كذا وكذا، وكيت وكيت.
فقال أوريا: أ يفعل الأنبياء مثل هذا؟
فقال: لا، ثمّ ناداه(1) فلم يجبه، فوقع داود على الأرض باكياً، فأوحى الله إلى صاحب الفردوس أن يريه الفردوس ليكشف عنه(2)، فكشف عنه، فقال أو ريا لمن هذا؟
فقال : لمن غفر لداود خطيئته.
فقال: يا ربّ، قد وهبت له خطيئته.
فرجع داود علیه السّلام إلى بني إسرائيل، وكان إذا صلّى يقوم وزيره بحمد الله ويثني على الأنبياء علیهم السّلام، ثمّ يقول: كان من فضل نبيّ الله داود قبل الخطيئة كيت وكيت. فاغتمّ داود علیه السّلام، فأوحى الله عزّوجلّ إليه: يا داود، إنّي قد غفرت لك ووهبت لك خطيئتك، وألزمت عار ذنبك بني إسرائيل.
فقال: وكيف، وأنت الحكم العدل الذي لا يجور؟
قال: لأنّه لم يعاجلوك بالنكير».(3)
أقول: هذا الذي ذكره ليس رأي الإماميّة. وفي ذلك سؤال آخر، وهو أنّ الملائكة لا تكذب، فكيف قالوا: (خصمان) إلى آخر الآية؟ والجواب عما ذكر، وعن هذا السؤال أيضاً، نقول: إنّ الآية لا دلالة فيها على شيء من وقوع الخطأ من داود، فأمّا
ما يذكره المفسّرون وذكره عليّ بن أبراهيم فباطل؛ لتضمنّه خلاف ما يقتضيه العقل في الأنبياء علیهم السّلام.(4)
ص: 441
وأمّا قوله: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ)... الآية، فالخصم لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث، ثمّ قال: (إن تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ)، أخرج الكلام على المعنى دون اللفظ؛ لأنّ الخصمين كانا كالقسمين والجنسين، وقيل: بل جمع؛ لأنّ الاثنين أوّل الجمع وأقلّه. وقيل: بل كان مع الخصمين
غيرهما ممّن يعينهما.
وأمّا خوفه منهما؛ فلانّه كان خالياً للعبادة، وفى وقت لا يدخل عليه أحد، أو لأنّهما دخلا من غير الباب.
وأمّا قوله: (بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ)، جرى على التقدير والتمثيل، وكذا قوله: (إنَّ هذا أخِي) إلى آخره.
وقوله: (لَقَدْ ظَلَمَك)... الآية، إنّما أراد: ظلمك إن كان الأمر كما ذكرت. والفتنة: الاختبار والامتحان، والاستغفار والسجود لم يكن له سبب، بل كان على سبيل الانقطاع والتوبة إلى الله والخضوع.
وقوله: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) معناه: فقبلناه منه وكتبنا له الثواب عليه، وقال: ﴿ فَغَفَرْنَا) مكان «فقبلنا».
وقال أبو مسلم(1): الخصمان كانا رجلين لا ملكين، ولم يكنّ عن المرأة بالنعاج، بل هي النعاج(2)، ومن عرف هذا لا يحتاج إلى تأويل.
[31] قوله: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيادُ)... الآية، فإنّ داود كان يحبّ الخيل ويستعرضها، فاستعرضها يوماً إلى أن غابت الشمس وفاتته صلاة العصر، فاغتمّ من ذلك غمّاً شديداً، فدعا الله عزّ وجلّ أن يردّ عليه الشمس حتى يصلّي العصر، فردّ الله سبحانه عليه الشمس إلى وقت العصر حتّى صلّاها، ثم دعا بالخيل، فأقبل يضرب
ص: 442
أعناقها وسوقها بالسيف حتى قتلها كلّها(1).(2)
أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّ الأنبياء معصومون من أول العمر إلى آخره عن الكبائر والصغائر، وقد قام البرهان على ذلك.(3)
وقوله: إنّ داود كان يحبّ الخيل. أقول: القضية كانت لسليمان ابنه، لا لداود، فليتأمّل.
[34] قوله: ﴿ولقد فتنا سليمان وأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ)، فَإِنَّ سليمان لمّا تزوّج باليمانية(4) ولد منها ابن، وكان يحبّه، فنزل ملك الموت على سليمان، وكان كثيراً ما ينزل عليه، فنظر إلى ابنه نظراً حديداً، ففزع سليمان من ذلك، فقال لأمّه: «إنّ ملك الموت قد نظر إلى ابنك نظرة، وما أظنّه إلا وقد أمر بقبض روحه».
فقال للجنّ والشياطين: «هل لكم حيلة فى ابنى أن تفرون به من ملك الموت؟».
فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق.
فقال سليمان: «إن ملك الموت ليخرق ما بين المشرق والمغرب».
فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت الأرضين السابعة.
فقال: «إن ملك الموت يبلغ ذلك».
فقال آخر: أنا أضعه في السحاب في الهواء.
فرفعه، ووضعه في السحاب، فجاء ملك الموت، فقبض روحه في السحاب، فوقع جسده میّتاً علی کرسیّ سلیمان، فعلم أنّه قد أخطأ. فحكى الله ذلك في قوله: ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى
ص: 443
كُرْسِيِّهِ جَسَداً).... الآية.(1)
أقول: كلّ هذا سوء أدب وسرد للروايات الفاسدة في حقّ الأنبياء المعصومين، وكلّ ما ذكره لم يكن وقع منه شيء، ولا في لفظ الآية ما يدلّ على شيء منه ، فليتأمّل: فإنّه ما يقول هذا الكلام إلّا الحشوية والمغفّلة الذين لا يعرفون حقّ الأنبياء، والذين يقدّرون عليهم الخطأ والقبائح. وأمّا الإماميّة فإنّهم أقاموا الدلائل على أنهم معصومون من الكبائر والصغائر، عمداً وسهواً، قبل النبوة وبعدها؛ لأنّ ذلك ينكر عليهم، وما يقول هذه الكفريات والمحرّمات إلّا من لا يعرف حقّ الأنبياء، فكيف وهم خلاصة الله من خلقه، وأنّهم أشرف من الملائكة، ومن أراد تحقيق مثل هذه الآيات ونحوها، فعليه بكتابنا المسمّى بالوجيز في تفسير الكتاب العزيز، فإنّه غاية في ذلك.
[36] قوله (رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ) أي ليّنة، و (أصَابَ): أراد.(2)
[38] قوله: ﴿مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ) أي: مقيّدين في الأغلال، وهم الذين عصوا سليمان حين سلبه الله ملکه .
وروي عن أبي عبد الله الصادق علیه السّلام، أنّه قال: «جعل الله عزّ وجلّ ملك سليمان في خاتمه، فكان إذا لبسه حضرته الجن والإنس والشياطين [وجميع الطير والوحوش](3) وأطاعوه، وكذلك جميع الحيوانات(4)، فلمّا مسح أعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه الله ملكه. وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من كان على خدمته، فجاء شيطان فخدع الخادم، وأخذ منه الخاتم ولبسه فحشرت عليه الشياطين و الإنس والجنّ
ص: 444
والطيور والوحوش، وخرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده، فهرب ومرّ على ساحل البحر، وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصوّر في صورة سليمان، وصاروا إلى أمّه، فقالوا لها، أ تنكرين من سليمان شيئا؟
فقالت: كان أبرّ الناس بي، وهو اليوم يبغضني!
وصاروا إلى جواريه ونسائه فقالوا: أ تنكرن من سليمان شيئاً؟
قلن: كان لم يكن يأتينا في الحيض، وهو الآن يأتينا في الحيض!
فلمّا خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر، فبعث الله سمكة فالتقمته، وهرب الشيطان، فبقي بنو إسرائيل يطلبون سليمان أربعين يوماً، وكان سليمان يمرّ على ساحل البحر، يبكي ويستغفر الله، تائباً إلى الله مما كان منه، فلما كان بعد أربعين يوماً مر بصيّاد يصيد السمك، فقال له: أعينك على أن تعطيني من السمك شيئاً؟
قال: نعم. فأعانه سليمان، فلما اصطاد دفع إلى سليمان سمكة، فأخذها، فشقّ بطنها، وذهب يغسلها، فوجد الخاتم في بطنها، فلبسه فخرت عليه الشياطين والجنّ والإنس والطير والوحش، ورجع إلى ما كان وطلب ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه، فقيدهم، وحبس بعضهم في جوف الماء، وبعضهم في جوف الصخر بأسماء الله، فهم محبوسون معذّبون إلى يوم القيامة.
قال: ولمّا رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا - وكان آصف كاتب سليمان، وهو الذي كان عنده علم من الكتاب : قد عذرت الناس بجهالتهم، فكيف أعذرك؟
فقال: آصف: قد والله عرفت اليوم الذي يذهب فيه ملكك، واليوم الذي يردّ إليك فيه، وعرفت السمكة وعمتها وخالتها(1)».(2)
ص: 445
أقول: في هذا الكلام أنظار؛ فإنّ النبوّة لا تكون في خاتم وغيره، ووصيّ نبيّ لا يكون أعلم منه، فليتأمّل؛ فإنّ هذا الكلام لا يقوله من عرف الأنبياء وقدرهم عند الله، وإنّما يقوله المجسمّة من أهل الظاهر والحشوية، وإنّ الإمامية تنزّه الله ورسوله وأئمّته من جميع القبائح مثلهم، فلا تنسب إليهم هذه الهذيانات؛ فإنّ هذه الأقوال الباطلة من أقوال الحشويّة.
[41] قوله: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ)... الآية، فإنّه روي أنّه لم يكن أحد من أنبياء الله أحد أكثر شكراً وحمدا لله من أيوب، وكان الله قد رزقه مالاً وأهلاً وولداً وزرعاً وغنماً ودواباً ونعمةً واسعةً، فأغاظ إبليس أيّوب وكثرة حمده وشكره الله، فقال: يا ربّ إنّما يشكرك أيّوب بما وسّعت عليه، فلو ابتليته بنقص ماله لقل شکره، فقال: كذبت یا ملعون.(1) فقال: يا ربّ، سلّطني على غنمه. فسلطه على غنمه، فأهلكها، فازداد أيوب الله شكرا و حمدا فقال: يا ربّ سلّطني على بدنه فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه، فنفخ فيه إبليس، فصار قرحة واحدة، من قرنه إلى قدمه فبقي على ذلك عمراً طويلاً بحمد الله ويشكره، حتى وقع في بدنه الدود، وكانت تخرج من بدنه فيردها، ويقول لها: إرجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه، ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية، وألقوه في المزبلة خارج القرية. وكانت إمرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (صلوات الله عليهم وعليها) تتصدّق من الناس وتأتيه بما تجده.
قال: فلمّا طال عليه البلاء، ورأى إبليس صبره أتى أصحاباً له كانوا رهباناً في الجبال، فقال: مروّا بنا إلى هذا العبد المبتلى، نسأله عن بليّته. فركبوا بغالاً شهباً وجاء وا، فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه، فقرّبوا بعضاً إلى بعض، ثمّ مشوا إليه، وكان فيهم شابّ حدث السنّ، فقعدوا إليه، فقالوا يا أيوب، لو أخبرتنا بذنبك لعلّ الله يجيبنا إذا
ص: 446
سألناه، وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره.
فقال أيّوب: وعزّة ربي إنّه ليعلم أنّي ما أكلت طعاماً إلّا ويتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة الله إلّا أخذت بأشدّهما على بدني.
فقال الشابّ: شوهِ لكم، عمدتم إلى نبي الله فعيّر نموه، حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسترها.
فقال: أيّوب: يا ربّ لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجّتي.
أقول: لا يقول ذلك إلّا من لا يعرف منزلة الأنبياء، ويقول بجواز الخطأ والقبائح عليهم، فإنّ الإمامية لم يقل أحد من المسلمين وغيرهم بمثل مقالتهم في تنزيه الأنبياء والأئمّة وتنزيه الباري سبحانه، ولهم الكتب المجيدة في التنزيه، وقد ذكرت في كتابي المسمّى بالوجيز في تفسير الكتاب العزيز، الدلائل القاطعة على ذلك، فمن أراد ذلك فعليه بذلك الكتاب؛ فإنّه غاية فيما يراد من ذلك وغيره من جميع ما قيل.
فبعث الله إليه غمامة، فقال: يا أيّوب، أدل بحجّتك، فقد أقعدتك مقعد الحكم، وها أنا ذا قريب، ولم أزل.
فقال : يا ربّ، إنّك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قطّ كلاهما لك طاعة إلّا أخذت بأشدّهما على نفسي ألم أحمدك، ألم أشكرك؟، ألم أسبحك ؟ ألم أمجّدك؟.
قال: فنودي من الغمامة بعشرة ألف لسان: يا أيّوب لا تقل ذلك، ولا يقول ذلك إلّا من لا يعرف. من صيّرك تعبد الله والناس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبّحه وتكبّره والناس عنه غافلون ؟ أتمنّ على الله بما لله فيه المنّة عليك؟
قال: فأخذ أيّوب التراب، فوضعه فى فيه، ثمّ قال: لك العتبى يا ربّ، لك العتبى، أنت فعلت ذلك بي، أنت فعلت ذلك بي، أنت فعلت. فأنزل الله عليه ملكاً، فركض موضعه برجله، فخرج الماء، فغسله بذلك الماء، فعاد أحسن ما كان، وأطرأ، وأنبت الله عليه روضة خضراء، وردّ عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدّثه ويؤنسه.
فأقبلت إمرأته ومعها الكسر، فلمّا انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغيّر الحال، وإذا رجلان جالسان، فبكت وصاحت، وقالت: يا أيّوب، ما دهاك؟
ص: 447
فناداها أيّوب، فأقبلت، فلمّا رأته وقد ردّ الله عليه بدنه ونعمه، سجدت الله شكراً، فرأى ذوائبها مقطوعة، وذلك أنها سألت قوماً أن يعطوها ما تحمله إلى أيّوب من الطعام، وكانت حسنة الذوائب، فقالوا لها تبيعينا ذوائبك حتّى نعطيك؟ فقطعتها ودفعتها إليهم، فأخذت منهم طعاماً لأيّوب، فلمّا رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مائة، فأخبرته بالسبب، فاغتمّ أيّوب من ذلك، فأوحى الله عزّوجلّ إليه: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْتَاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَتْ)، فأخذ مائة شمراخ، فضربها ضربة واحدة، فخرج من يمينه.(1)
أقول: ظاهر القرآن ليس فيه شيء مما يدلّ على أن أيّوب عوقب بما نزل به من المضارّ، وليس في ظاهر الآية شيء ممّا ذكره عليّ بن إبراهيم، بل ذكره المفسّرون، لأنّه قال تعالى: (أَنِّى مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) والنصب فيه لغتان، فتح النون والصاد وضم النون و تسكين الصاد، وهو المضرّة التي لا تختصّ بالعذاب، وقد يكون ذلك على سبيل الاختبار،(2) والعذاب يجري مجرى المضرّة، فأما إضافة ذلك إلى الشيطان؛ فلأنّه كان بوسوسته، ولم يضف المرض والسقم إلى الشيطان، وإنّما كان بوسوسته أيضا إلى قومه أنّ يستقذروه وأنّ مرضه معد لهم.
وكذا قوله في سورة الأنبياء: (أنِّى مَسَّنِيَ الضَرّ)(3)... الآية، فلا ظاهر لها تقتضي ما ذكره، لأنّ الضرّ قد يكون محنة كما يكون عقوبة، فما روي عن المفسرين في هذا الباب لا ينبغي أن يلتفت إليه؛ لأنّه يخالف الأصول؛ لأنّ الأنبياء لا يجوز عليهم مثل ذلك.
ص: 448
[44] قوله: (أوَابْ) أي عاد و رجع إلى أفضل ما كان عليه(1).(2)
وروي: «أنّه كان يقع في داره فراش الذهب، وكان يجمعه، فإذا ذهب الريح منه بشيء عدا خلفه فردّه، فقال له جبرئيل: أما تشبع، يا أيّوب؟ قال: ومن يشبع من رزق ربّه؟».(3)
[55] قوله: (هذا وإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ)، روي:(4) «أنّ الطاغين هم الأولون، وبنو أمية».(5)
[58 - 61] قوله: ﴿ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ).... الآيات، وهم بنو فلان(6)، إذا أحلهم الله النار فألحقوا بالأوّلين قبلهم، فيقول المتقدّمون(7): (لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ)، فيقول الآخرون(8): (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا)، أي أنتم بدأتم بظلم آل محمّد ونحن تبعناكم (فَبِئْسَ الْقَزارُ)، ثمّ يقول بنو فلان وبنو أُميّة: ﴿رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ)، يعنون فلاناً وفلاناً(9)».(10)
أقول: يريد ببنو فلان بنو العباس، وقوله: فلاناً وفلاناً: الأوّل والثاني.
[62] قال: ثمّ يقولون في النار: (ما لَنَا لا نَرى رِجالا كُنَّا نَعْدُّهُمْ مِنَ الاشْرَارِ) في الدنيا، وهم شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السّلام، والدليل على ذلك: قول الصادق علیه السّلام:
ص: 449
«والله إنّكم في النار تُطلبون، وفي الجنّة تحبرون».(1)
[67 - 68] ثمّ قال عزّوجلّ لنبيّه: يا محمّد: (قُلْ هُوَ نَبَأَ عَظِيمٌ*أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) يعني: أمير المؤمنين علیه السّلام، فهذا دليل على أنّ الآيات المتقدمات في أعدائه نزلت.
[69] قوله: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ)... الآية، روي في الخبر أنّّه لمّا أسري برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى السماء، أو حى الله إليه: يا محمّد،(2) فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت يا ربّ لا علم لي بذلك، فأوحى الله إليه: في الدرجات، والكفارات والحسنات(3)»(4).
[76] قوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ َوخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، قال:(5)«خلق الله إبليس من النار، والنار من تلك الشجرة، والشجرة أصلها من الطين».(6)
ص: 450
بسم الله الرحمن الرحيم
[3] قوله: (لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلفى)، حكاية عن قريش، فإنّهم قالوا: إنّما نعبد الأصنام ليقرّبونا إلى الله زلفى، فإنّا لا نقدر أن نعبد الله(1).(2)
[6] قوله: (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاث)، قال: «الظلمات الثلاث البطن والرحم والمشيمة».(3)
[7] قوله: (إن تَكْفُرُوا)، فهذا كفر النعم بدليل قوله : (وإن تَشْكُرُوا)، فمن لم يشكر نعم الله فقد كفر.(4)
[22] وقوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَةً لِلاسْلامِ)، قال: «انزلت في أمير المؤمنين ععلیه السّلام».(5)
[29] وقوله: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُون)، فإنّه مثل ضربه الله
ص: 451
لأمير المؤمنين علیه السّلام وشركائه الذين ظلموه وغصبوه حقه».[وقوله: ﴿مُتَشَاكِشونَ)، أي: متباغضون](1) وقوله: ﴿ورَجُلا سَلَماً لِرَجُلٍ) أمير المؤمنين علیه السّلام سلم لرسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم(2). (3)
[33] قوله: ﴿والَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ)، يعني: رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم (وصَدَّق بِهِ)، يعني: أمير المؤمنين علیه السّلام (أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).(4)
[54 - 56] قوله: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتي عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)... الآية، قال: «في الإمام، لقول الصادق علیه السّلام: نحن جنب الله».(5)
[60] قوله: ﴿وَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مَّسْوَدَّةٌ)، عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «من قال: إنّه إمام، وليس بإمام،(6) وإن كان علويّاً فاطمياً».(7)
أقول: وقيل هم المجبرة(8) الذين نسبوا إلى الله - الخير المحض - جميع(9) القبائح التي
ص: 452
تقع في الدنيا، وهو أنسب بسياق الكلام.
[63] وقوله: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّماواتِ والارْضِ)، يعني: مفاتيح السماوات والأرض.(1)
[67] وقوله: ﴿وَالسَّماوات مطويات بيميمنه) أي: بقدرته.
[6] قوله: (وَ نُفِخَ فِى الصُّورِ)... الآية، سئل علىّ بن الحسين علیهم السّلام، عن النفختين، كم بينهما؟ قال: «ما شاء الله». فقيل له: فأخبرنا يا ابن رسول الله عن الصور، كيف ينفخ فيه؟ فقال: «أمّا النفخة الأولى، فإنّ الله يأمر إسرافيل فيهبط إلى الأرض ومعه الصور، وللصور رأس واحد وطرفإنّ، وبين طرف كل رأس منهما ما بين السماء والأرض، فإذا رأت الملائكة إسرافيل قد هبط إلى الدنيا ومعه الصّور، قالوا: قد أذن الله بموت أهل الأرض والسماوات قال: فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة، فإذا رأوه أهل الأرض، قالوا: قد أذن الله في موت أهل الأرض، قال: فينفخ فيه نفخة، فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض، فلا يبقى في الأرض ذو روح إلا صعق ومات، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء، فلا يبقى ذو روح في السماوات إلّا صعق ومات إسرافيل».
قال: «فيقول الله لإسرافيل: يا إسرافيل مت، فيموت إسرافيل، فيمكثون في ذلك ما شاء الله، ثمّ يأمر الله السماوات فتمور، ويأمر الجبال فتسير(2) وبعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرة، مستقلاً بعظمته وقدرته».
أقول: كون عرشه على الماء مؤوّل، والّا فما كان الماء؟ فإنّ جميع الأرض والماء - عالم الكون والفساد كلّه لا نسبة له إلى عالم السماوات.
قال: «فعند ذلك ينادي الجبار جلّ جلاله بصوت من قبله جهوري يسمع أقطار السماوات والأرضين لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه مجيب، فعند ذلك يجيب الجبّار
ص: 453
عزّ وجلّ مجيبا لنفسه: لله الواحد القهّار، وأنا قهرت الخلائق كلّهم وأمتهم، إني أنا الله لا إله إلّا أنا وحدي، لا شريك لي ولا وزير، وأنا خلقت خلقي بيدي، وأنا أمتهم بمشيّتي، وأنا أحيبهم بقدرتي».
قال: «فينفخ الجبّار نفخة في الصور، فيخرج الصوت من أحد الطرفين الذي بلي السماوات، فلا يبقى أحد في السماوات إلّا حيي وقام كما كان، و يعود حملة العرش، وتعرض الجنّة والنار، وتحشر الخلائق للحساب»(1). (2)
وعن أبي عبد الله علیه السّلام،(3) قال: «إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحاً، فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم(4)».(5)
[73] قوله: ﴿وسِيقَ الَّذِينَ) معناه: ويساق، كقوله: ﴿وَ نُفِخَ فِي الصُّور)ِ أَي: ينفخ.
قوله: «طبْتُمْ أي طابت مواليدكم في الدنيا، لأنّه لا يدخل الجنة من في ولادته فساد.
قال أمير المؤمنين علیه االسّلام: إن فلاناً وفلاناً وفلاناً غصبونا حقنا، واشتروا به الإماء وتزّوجوا به النساء، ألا وإنّا قد جعلنا شبعتنا من ذلك في حل لتطيب مواليدهم».(6) 6. رواه البحراني في البرهان، ج 4، ص 735 ، عن تفسير القمّي. هذا، ولم يذكر المؤلف تفسير الآية 74 إلى آخر السورة، فراجع الأصل. (7)
وعن الصادق، عن أبيه علیهما االسّلام، قال: لمّا خلق الله الجنّة، قال: أتدرين لمن خلقتك؟
ص: 454
قالت: لا. قال: خلقتك ليسكنك من آمن بي وصدّق رسلي.
قالت: ياربّ فهل أعلمتهم ما فىّ من النعيم واللذة وخلود الأبد؟ قال: نعم. قالت: فلا يبقى أحد إلا دخلني. قال: كلا، إنّي قد حففتك بالمكاره.
ثمّ خلق النار، وقال لها: أتدرين لمن خلقتك؟ قالت: لا. قال: خلقتك ليسكنك من جحد ربوبيّتي وكذب رسلي.
قالت: ياربّ هل أعلمتهم ما في من الشقاء وخلود الأبد؟ قال: نعم، قالت: فلا يدخلني أحد.
قال: كلا، إنّي قد حففتك بالشهوات».(1)
ص: 455
بسم الله الرحمن الرحيم
[7 - 9] وقوله: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْماً) إلى قوله تعالى: ﴿وذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
قال عمّار الدهني: سمعت عليّ بن الحسين علیهما السّلام يقول: «إنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين ویحبّ كلّ عبد شكور. يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلانا ؟ فيقول : بل شكرتك يا ربّ. فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكره».
ثمّ قال: «أشكركم الله أشكركم للناس» ثمّ تلا: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(1)، ثمّ قال: «والله ما شكرتم نعمتنا ولا عرفتم حقّنا، وإنّ الملائكة لتستغفر لمن عرف حقّنا وشكر نعمتنا، فإذا مات الرجل من أهل ولايتنا، قال ملكاه ياربّ، جعلتنا حافظين وجليسين لوليّك، وقد مات، أفنصعد إلى السماء ونعبدك مع الملائكة؟ فيقول: لا تصعدا، فيسألاه عبادته مع سكان الأرض؟ فيقول: لا، ولكن تأتيان قبره فتعبداني وتعملان لي مثل عمله، فيكون ذلك له ولكما فيعبدانه عنده كما أمرهما. واذا مات المخالف لنا الكافر لنعمتنا، قال ملكاه: مثل ذلك؟ فيقول: لا، بل تأتيان قبره فتلعنانه وتشدّدان عليه حتّى يقوم من قبره».(2)
ص: 456
[11] قوله: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) قال الصادق علیه السّلام: «ذلك في الرجعة قبل يوم القيامة».(1)
[15] وقوله: (لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ)(2)، قال: «يوم يلتقي أهل السماوات والأرض.
[32] و (يَوْمُ التَّنَادِ)(3): يوم ينادي أهل النار أهل الجنّة (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ)، و (يَوْمُ التَّغَابُنِ)(4): يوم يعبّر أهل الجنّة أهل النار، و (يَوْم الْحَسْرَةِ)(5): يوم يؤتى بالموت فيذبح».(6)
أقول: الموت عَرَض، فلا يذبح ذبحاً حقيقياً، بل معناه: أنّه ينقطع أسبابهم من دخولهم الجنّة، وبالعكس.(7)
[18] قوله: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْأَرْفَةِ) يعني: يوم تدنوا القيامة.
قوله: (كاظِمِينَ)، قال: «مغمومين مكروبين».(8)
[21] قوله: (مِنْ واقٍ) أي من دافع.(9)
[25] قوله: (في ضلالٍ) أي في بطلان.(10)
[45] قوله: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا): یعنی مؤمن آل فرعون، فقال أبو عبد الله علیه السّلام:
ص: 457
«والله لقد قطّعوه إربا إرباً، ولكن وقاه الله أن يفتنوه في دينه».(1)
[46] قوله: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)، قال : «هذا في القبر في الدنيا».(2)»(3).
[51] قوله: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الاشهادُ)، يعني: الأئمة علیهم السّلام.(4)
[ 60] قوله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، فإنّ الله تعالى يستجيب للمؤمنين الذين يوفون بعهده، وروي عن أبي عبد الله علیه السّلام، قال: «إنّ الله تبارك وتعالى ليمنُّ على عبده المؤمن يوم القيامة، فيدنيه منه، حتّى يضع كفّه عليه».(5)
أقول: يريد به القرب، وأمّا الكفّ، فليس له كفّ، فإنّه ليس بجسم، تعالى عن ذلك، فقوله: حتّى يضع كفّه عليه، مؤوّل، وإلّا يلزم التجسيم.
ثمّ يعرفه ما أنعم به عليه، يقول: ألم تكن تدعونى يوم كذا وكذا، فأجبت دعوتك؟ ألم تسألني يوم كذا وكذا، وأعطيتك مسألتك؟ ألم تستغث بي يوم كذا وكذا، فأغثتك؟ ألم تسألني كشف ضرّ كذا وكذا، فكشفت عنك ضرّك و رحمت صوتك؟ ألم تسألني مالاً، فملّكتك؟ ألم تستخدمني، فأخدمتك؟ ألم تسألني أن أزّوجك فلانة وهي منيعة عند أهلها، فزوّجتكها؟
قال: فيقول العبد: بلى يا ربّ، أعطيتني كلّ ما سألتك، وقد كنت يا ربّ أسألك الجنّة.
فيقول الله له: فإنّى منعم لك بما سألتنيه الجنّة لك مباحاً، أرضيت؟
ص: 458
فيقول المؤمن: نعم يا ربّ أرضيتني، وقد رضيت.(1)».(2)
[65] وقوله: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)... الآية، قال: دخل رجل على علىّ بن الحسين علیهما السّلام فسأله عن مسائل، ثمّ عاد ليسأل عن مثلها، فقال عليّ بن الحسين علیهما السّلام: «مكتوب في الإنجيل: لا تطلبوا علم ما لا تعملون، ولمّا عملتم بما علمتم ، فإنَّ العلم إذا لم يعمل به، لم يزدد صاحبه إلا كبراً، ولم يزدد من الله إلّا بعداً».
ثمّ قال: «عليك بالقرآن، فإنّ الله خلق الجنّة بيده، لبنة من ذهب، ولبنة من فضّة، وجعل ملاطها المسك، وترابها الزعفران وحصاها: اللؤلؤ، وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن، فمن قرأ القرآن قال له: إقرأ وارق. ومن دخل منهم الجنّة لم يكن أحد في الجنّة أعلى درجة منه، ما خلا النبيين والصدّيقين».
وقال له الرجل: فما الزهد؟ قال: «الزهد عشرة أجزاء؛ فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الرضا، ألا وإنّ الزهد في آية من كتاب الله: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ».
فقال الرجل: لا إله إلّا الله.
وقال علي بن الحسين علیهما السّلام: «و أنا أقول لا إله إلّا الله، فإذا قال: أحدكم لا إله إلّا الله، فليقل: الحمد الله ربّ العالمين. فإن الله يقول: (هُوَ الْحَى لا إله إلّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِين)».(3)
[74] قوله: (ضَلُّوا عَنَّا) أي: يضلّوا.(4)
[80] قوله: (لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) قال: «اذا قام القائم في الرجعة».
ص: 459
بِسم اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ
[29] قوله: (أَرنَا الَّذِيْنِ أَضَلانا)... الآية، قال الصادق علیه السّلام: «هو فلان وفلان، كانا أنكر من شيطانين(1)».(2)
[49] وقوله: ﴿لا يَسْأَمُ الانْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ(، قال العالم: «عليكم بالدعاء، فإنَّ الله يقول: (لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ)، يعني: لا يفتر ولا يملّ».
أقول: الخير - هنا هو المال و متاع الدنيا، بدليل قوله تعالى: (إنَّ ترك خيراً الوصيَّة)(3)، أي: ترك مالاً.
[30 - 31] قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، قال: «والله هو ما أنتم عليه (تَتَنَزَّلُ) عَلَيْكُمُ (الْمَلائِكَةُ) عند الموت، يقولون للمؤمنين: (لَا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ*نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) عند الموت، ﴿ وَفِي الْأُخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ)، قال: «في الحياة الدنيا: عند الموت».(4)
ص: 460
[34] قوله: (ولا تَسْتَوى الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ)، فقال: «الحسنة: التقيّة، والسيئة الإذاعة).
[17] قوله: (فَهديناهم فاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدى)، قال: «بيّنا لهم فأحبّوا أن يضلّوا».
[42] قوله: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ)، قال: «مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» مِمَّا أَخبرنا عن الأمم ممّن مضى من نوح وإبراهيم وهود وسائر الأنبياء، إلّا حقّاً (وَ لا مِنْ خَلْفِهِ) فيما أخبرنا فيما يستقبل إلّا حقّ أنّه كائن».
[6-7] قوله: ﴿وَويل للمشركين*الَّذِينَ لايؤتونَ الزَّكَاةَ)... الآية، قال: «يا أبان، أترى طلب الله من المشركين زكاة أموالهم؟ قلت: فما هو؟ قال: «وَيْل للمُشركين الَّذِينَ أشركوا بالإمام الأوّل، ولم يؤدّوا إلى الآخر ما قال في الأوّل (وهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)».(1)
[39] قوله (خَاشِعَةً) أي «ميتة».(2)
ص: 461
سورة حم عسق (الشورى) (42) [مكيّة، وآياتها ثلاث وخمسون]
الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 2] (حم*عسق)، أحرف إسم الله الأعظم(1). (2)
[23] قوله: ﴿ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبِي)».
قال الصادق علیه السّلام: «جاءت الأنصار إلى رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فقالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا ضلالاً فهدانا الله بك، وكنّا فقراء فأغنانا الله بك وكنا ضعفاء فقوّانا الله بك، فهذه أموالنا، خذ منها ما أحببت (3)، وما أخذت أحبّ إلينا ممّا تركت. فسكت رسول الله فنزل جبرئيل بقوله: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) يعنى: على النبوّة (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي) أي: في أهل بيته».(4)
وقال في قوله: ﴿وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً)، قال: «التسليم لأمر الله والصدق علينا وأن لا يكذب علينا».(5)
[30] وقوله: ﴿وما أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرِ)، قال: «لیس من عرق يضرب، ولا وجع ولا صداع إلّا بذنب».(6)
فإن قيل: إنّ الإمام عندكم، وكذا الأنبياء معصومون، وهم يمرضون كما يمرض
ص: 462
اناس، فما وجه ذلک؟
قلنا: إنّ ترك الأولى للأنبياء والأئمّة مثل الذنب فيهم، فيدخلون في العموم بهذا التأويل، ويكون الكلام لغيرهما.
[52 - 53] قوله: ﴿وَ كَذلِك أَوْ حَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ): روح القدس، هي التي قال الصادق علیه االسّلام في قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)(1)، قال: «هو خلق ممّن خلق الله، أعظم من جبرئيل وميكائيل(2)، وكان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بسدّده ويخبره، وهو مع الأئمّة من بعده».(3)
[7] قوله: (أمّ القرى): مكّة.
ص: 463
بسم الله الرحمن الرحيم
[12] قوله: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ)، يعني: السفن.
[15] قوله: (وجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً)، قال الصادق علیه السّلام: «قالوا: إنّ الملائكة هم بنات الله».(1)
[22] قوله: (عَلَى أُمّة) أي: على مذهب ودين.
[33] قوله: (ولَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)... الآية، ذكر لنبيّه صلّی الله علیه وآله وسلّم هو ان الدنيا وما فيها علیه.(2)
[44] قوله: ﴿ وإِنَّهُ لَذِكْرُ لَكَ وَلِقَوْمِك وسَوْفَ تُسْئَلُونَ)؟ فقال: «إيّانا عنى، و نحن أهل الذكر، ونحن المسؤولون».(3)
[79] قوله: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ قال: «نزلت فى الذين خالفوا أمر رسول الله صلِّ الله علیه وآله وسلّم، و او تحالفوا على أن لا يردّوا الأمر في أهل بيته أبداً».(4)
[ 41] قوله: ﴿فإما نذهبنّ بك فإنا منهم مُنْتَقِمُونَ).... الآية، إنّ الله انتقم بعليّ يوم البصرة وصفين.(5)
ص: 464
بسم الله الرحمن الرحيم
[1- 4) (حم*والكِتابِ الْمُبِينِ*إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)، هي: ليلة القدر(1) (فيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيمٍ)، قال: يكتب فيها ما يكون في تلك السنة، من الآجال والأرزاق والموت والحياة ووفد الحجّاج إلى بيت الله الحرام(2)».
قال أبو عبد الله علیه السّلام: «يقدر في ليلة القدر كلّ شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من خير أو أو شرّ، والله فيها(3) المشيئة ».(4)
[14] قوله: (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمَ مَجْنُونٌ)، يعنون: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
[29] قوله: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء والارْضُ)، قال: «ما بكت السماء والأرض إلّا على يحيى بن زكريّا و الحسين بن عليّ علیهم السّلام».(5)
أقول فيه نظر؛ لانّ ذلك يدخل الأنبياء في العموم، ويكونون مساوين للعوام
ص: 465
والفسّاق والكفرة. وفيه ما فيه.
[32] قوله: ﴿وَلَقَدْ اخْترناهُم عَلَى علم عَلَى الْعَالَمِينَ)، قال: «[إنما اختارهم وفضّلهم](1) على عالمي زمانهم».(2)
[42] قوله: ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)، قال: «نحن والأنبياء».(3)
[ 50] قوله: ﴿تَمْتَرُونُ)، أي: تشكّون.
[56] قوله: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى)، قال: «اذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار الناريؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنّة والنّار، ثمّ ينادي منادٍ: يا أهل الجنّة ويا أهل النار، أشرفوا ، فيشرفون فيقال لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: لا . فيقال: هذا الموت، ثمّ يذبح فينادي منادٍ: يا أهل الجنّة خلود فلا موت أبداً، ويا أهل النار خلود فلاموت أبداً(4)»(5).
أقول: هذا مختص بالكفّار، وأمّا الموحّدون فإنّهم يخرجون منها - لابدّ منه - بتوحيدهم(6) وإيمانهم.
ص: 466
بسم الله الرحمن الرحيم
[7] قوله: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكَ أَثِيمٍ) أَي: كذَّاب.(1)
[9] قوله: ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً أَتَّخَذَهَا هُزُواً) يعني: إذا رأى فوضع العلم مكان (2) الرؤية .(3)
[14] قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ)، قال: «قل لأئمة الحقّ(4) : لا يدعون على أئمّة الجور حتى يكون الله هو الذي ينتقم منهم».(5)
ص: 467
بسم الله الرحمة الرحيم
[12] قوله: (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابٌ مُوسَى)، ذكرناها في سورة هود».(1)
[13] قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، قال: «استقاموا على ولاية علي أمير المؤمنين علیه السّلام».(2)
[15] وقوله: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً)، قال الصادق علیه السّلام: «نزلت في فاطمة حين حملت بالحسين علیه السّلام، لم تحمل حملاً أشدّ عليها من الحسين، وكان حملها ستّة أشهر، وفصاله سنتين، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا أحد الوالدين، فقيل: ومن الآخر؟ قال: عليّ».(3)
[17] وقوله: ﴿والَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُنّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) إِلَى قوله: ﴿مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأولين)... الآية، قال: «انزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر».(4)
[20] قوله: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُ وا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا)، قَالَ: «كان دعاؤهم كلّه في أمر الدنيا».
ص: 468
قوله: ﴿عَذَابَ الْهُونِ)، قال: «عذاب العطش».(1)
[25] قوله: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها)، لفظها عام ومعناها خاصّ(2).(3)
[29] قوله: ﴿فَلَمَّا قُضِيَ) أي: فرغ من القراءة (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)، فجاءوا إلى رسول الله صلِّ الله علیه وآله وسلّم، وأسلموا وآمنوا، وحسن إيمانهم، وعلمهم القرآن وشرائع الإسلام(4). (5)
ص: 469
بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[9] قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ) عن محمّد بن الفضيل، قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن قوله تعالى: (ذلك بأنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ الله).... الآية، قال: «إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أخذ الميثاق لأمير المؤمنين علیه السّلام فقال: هل تدرون من وليكم بعدي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنّ الله يقول: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)(1)، فهذا هو صالح المؤمنين، يعني عليّاً، وهو وليّكم بعدي».(2)
والمرّة الثانية: أشهدهم على أنفسهم يوم غدير خم، وقد كانوا يقولون: لئن قبض الله محمّداً لا يرجع هذا الأمر في آل محمّد،(3) ولا نعطيهم الخمس، فأطلع الله نبيّه على ذلك، وأنزل عليه: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم)(4)، وقال فيهم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ)... الآية ».(5)
ص: 470
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مبيناً)... الآية، عن أبي عبدالله علیه السّلام، قال: «نزلت في غزاة الحديبيّة لمّا وقع الصلح بين رسول الله وقريش».(1)
[4] قوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) يعني: الإيمان.
[26] قوله: ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى)، هو : الإيمان.
[9] قوله: (وتوقروه) أي: تصدّقوه.
[26] وقال رجل لأبي جعفر علیه السّلام: إنّهم يحتجّون علينا بقوله: ﴿وَإِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيه)(2)؟، فقال: «ألا ترى (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ)؟».(3)
أقول: ليس فيها فضيلة لأبي بكر؛ لأنّ الصاحب قد يكون حماراً، قال الشاعر:
إن الحمار مع الحمار مطيّة*** فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وقوله: (لا تَحْزَنْ)(4)، نهى، والنهي لا يكون إلّا عن معصية(5)، وقوله: ﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ
ص: 471
سَكِينَتَهُ عَلَيه) يعني: على النبي فقط. وفي مكان آخر: (أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(1)، وهذه رذيلة أخرى، لا فضيلة. وسياق الكلام يدل على ذلك، فهذه أكبر فضائله عندهم، وليست هي فضيلة في التحقيق، بلى هي رذيلة على ما لا يخفى على منصف غير معاند.
ثمّ قال أبو جعفر علیه السّلام: «قال رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: لمّا عرج بي إلى السماء(2) عهد إليّ ربيّ في عليّ كلمات ثلاث، فقال: اسمع يا محمّد، إن عليّاً إمام المتّقين، وقائد الغر المحجّلين، ويعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، وكانوا أحق بها وأهلها، فبشّره بذلك».
قال: «فبشره رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك، فألقى علىّ علیه السّلام ساجداً شكراً لله تعالى، ثمّ قال: يا رسول الله، وإنّي لأذكر هناك؟
فقال: نعم، إنّ الله ليعرفك هناك، وإنّك لتذكر في الرفيق الأعلى».(3)
ص: 472
بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[6] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَةٍ فَتَبَيَّنُوا)... الآية، قال: «إنّ عائشة قالت الرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ مارية يأتيها ابن عمّ لها، ولطختها بالفاحشة. فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال: إن كنت صادقة فأعلميني إذا دخل، فرصدتها، فلمّا دخل عليها ابن عمّها أخبرت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالت: هو الآن عندها، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً علیه السّلام، فقال: خذ هذا السيف، فإنّ وجدته عندها فاضرب عنقه.
فأخذ عليّاً علیه السّلام السيف فقال: «يا رسول الله، إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالسّفود المحميّ - وفي رواية أخرى: أكون كالحديدة المحماة - في الوبر، أم أتثبت؟ قال: بل تثبّت.
أقول: وفي رواية مشهورة: أم الحاضر يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: بل الحاضر يرى ما لا يرى الغائب.
فانطلق عليّ علیه السّلام فانتهى إلى الباب وهو مغلق، فألزم عينه ثقب الباب، فلمّا رأى القبطي عين علي في الباب فزع، فخرج من الباب الآخر، فصعد نخلة، وتسوّر عليّ علیه السّلام الحائط، فلمّا رأى القبطي عليّاً ومعه السيف حسر عن عورته، فإذا هو مجبوب، فصدّ أمير المؤمنين علیه السّلام بوجهه عنه، ثمّ رجع فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بما رأى، فتهلّل وجهه وقال: «الحمد لله الذي يعافينا أهل البيت من سوء ما يلطّخونا به،
ص: 473
فقال زرارة: إنّ العامّة تقول: إنّها نزلت في الوليد بن عقبة، حين جاء فأخبر عن بني جذيمة أنّهم كفروا بعد اسلامهم؟
فقال أبو جعفر: «يا زرارة، أو ما علمت أنّه ليس في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن؟ فهذا الذي في أيدي الناس ظهرها، والذي حدّثتك بطنها».(3)
[14] قوله: (قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا)... الآية، قال: «الإيمان غير الإسلام».(4)
وقال: «لاينبغي لأحد أن يلقّب أحداً؛ لأنّه نهى عنه بقوله: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ)(5)».
ص: 474
بسم لله الرحمن الرحيم
[1] (ق والْقُرْآنِ الْمَجِيد)، عن أبي جعفر علیه السّلام، قال: (ق) جبل محيط بالدنيا».(1)
[17] قوله: ﴿عَن الْيَمِين وَعَن الشِّمَالِ قَعِيدٌ)، قال: «هما الملكان ».(2)
[23] وقال في قوله: ﴿هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)، قال : «هو الملك الذي يحفظ عليه عمله».(3)
[24] قوله: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارِ عَنِيدٍ)، قال: تخاطب محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليّاً علیه السّلام».(4)
[23] قوله: ﴿قَالَ قَرِينُهُ)، قال: «هو الشيطان(5)» . (6)
[31] قوله: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)، قال: «زُيِّنَت وقربت».(7)
[35] قوله: (ولَدَيْنَا مَزيدٌ)، قال: «النظر إلى وجه الله [يعنى إلى نعمة الله، وهو ردّ على
ص: 475
أقول: قامت الدلائل على أنّه تعالى غير مرئي في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأنّه مجرّد، ولأنّ رؤيّته ملازم لتجسّمه و تشكّله به في مكان أو جهة، والكلّ باطل.
[19] قوله: ﴿وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ)، قال: «انزلت (وجاءت سكرة الحقّ بالموت )(3). (4)
[21] قوله: ﴿وجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سَائِقٌ)، قال: سائق يسوقها (وشهيد) يشهد عليها».(5)
ص: 476
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 7] قوله: ﴿والذارياتِ ذَرُواً)، قال: «هى الرياح» و (الحاملاتِ وقرأ)، فقال: «هي السحاب»، و «فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً» فقال: «هي السفن»، و (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً)، فقال: «الملائكة». و (السَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُك)، قال: «محبوكة إلى الأرض(1)».(2)
[13] قوله: (يُفْتَنُونَ) أي: يعذبون .(3)
الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 2 ] (والطُّور*وكِتابِ مَسْطُورٍ)، الطور: جبل(1)».
[4] (والْبَيْتِ الْمَعْمُورِ)، قال: «هو في السماء الرابعة، وهو الضّراح(2)، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك، ثمّ لا يعودون إليه أبداً».(3)
أقول: وقيل: يدخله كلّ يوم سبعون وحيّاً، مع كلّ وحيّ سبعون ألفاً(4)، ثمّ لا يعودون إليه أبداً.
[21] قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)، عن أبي عبد الله علیه السّلام قال: «هو الرجل تصيبه السعادة والشهادة، يكون له ولد على منهاجه لم يبلغ ما بلغ من شرف الأعمال، فيلحقهم الله به اکراماً له».(5)
أقول: في هذه الآية دلالة واضحة على أنّ ذرّيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يُلحقهم الله سبحانه بالنبيّ صلِّ الله علیه وآله وسلّم، وهذه فضيلة للذرّيّة لم ينلها أحد غيرهم، وكفى بها فضيلة منصوصة، ولهم مثلها، فارقبه.
[49] قوله: (وإدْبارَ النُّجُومِ)(6)، قال: «الركعتان قبل الفجر».(7)
ص: 478
بسم الله الرحمن الرحيم
[2] قوله (صَاحِبُكُمْ) يعني: رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
[3] قوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)، أي: لا يتكلّم بهواه.
[6] قوله: ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى)، عن أبي الحسن علیه السّلام قال: «ما بعث الله نبيّاً إلا صاحب مرّة سوداء، صافية». (1)
أقول: المراد: القوة، لا ما ذكره؛ فإنّه انحراف عن الاعتدال، وأيضاً: كلّ بدن فيه مرّة سوداء صافية، والفضيلة للدم، لا لها.
[8 - 9] قوله: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) من الله(2). معناه: «بلا دنيّ».
[11] ثمّ قال: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤاد مَا رَأى) من عظمة الله.
[13] قوله: (نَزْلَةً أُخْرى) أي : مرّة أخرى.
[18] قوله: ﴿لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبرى) قال: رأى جبرئيل على ساقه الدرّ مثل القطر على البقل له ستّمائة جناح، قد ملأ ما بين السماء والأرض».(3)
ص: 479
[22] قوله: (قِسْمَةً ضيزى) أي ناقصّة.
[42] قوله: ﴿وَ أَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنْتَهى)، عن أبي عبدالله علیه السّلام، قال: «إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا(1)»(2).
أقول: المعنى إلى ربّك المعاد. يوم القيامة.
[57] قوله: أَرْفَتِ الأرْفَةُ، قال: «قربت القيامة».(3)
ص: 480
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله : وانْشَقَّ الْقَمَرُ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(1)»(2).
أقول: وقال جماعة: لم ينشق، وسوف ينشق، وهو قريب من الساعة ، منهم: الحسن البصري.(3)
[7] قوله: (الأَجْدَاثِ) ، قال: «القبور».
[11] قوله: ﴿بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ)، قال: «صبّا، بلا قطرِ(4)».
[19] قوله: (ريحاً صر صراً)، أي: باردة.(5)
وقوله: (فِي يَوْمٍ نَحْسٍ مُسْتَمِرُ)، قال: كان القمر منحوساً بزحل، وقيل: يوم الأربعاء، آخر أربعاء في الشهر».(6)
[49] قوله: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، قال: «هو ردّ على القدريّة».
ص: 481
بسم الله الرحمن الرحيم
[22] سئل عن (الْمَرْجَانُ)، قال: «هو غير اللؤلؤ».
[31] قوله: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ)، قال: «نحن وكتاب الله(1)» .(2)
[62] قوله : (ومِنْ دُونِهِما جَنَّتَانِ) قلت: إذ هم يقولون ألا تعجبون إلى قوم يقولون: أنّه يخرج ناساً من النار، فيجعلهم مع أوليائه في الجنّة، قال: «أما ترون قول الله جلّ ثناؤه: ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتَانِ)، فهي جنّة دون جنّة، ونار دون نار(3)، إنّهم لا يساكنون أولياء الله، أمّا بلغهم أنّ أبا طالب في ضحضاح من النار».(4)
أقول: إنّ أبا طالب من أكبر الأولياء، وهو مجمع عليه عند أهل البيت، وهذه الرواية مخالفة للحق؛ فإنّ سيرته وأشعاره تدلّ على ايمانه، وإن كان في كتاب هذا الرجل مثل هذه الرواية الفاسدة فكتابه فاسد ويكفي أبا طالب رضی الله عنه أنّه ذبّ عن النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم
ص: 482
بما لم يذبّ أحد مثله عن النبوّة، ولولاه لم يستقم للنبي أمر، وأن من بيته ومخرجه خرج النبي والوصي، وقد صرّح أمير المؤمنين علیه السّلام بأنّ أباطالب مؤمن، بل وليّ من أكبر الأولياء، وكذلك ورد عن الأئمة من ولده(1)، وما بينهما - والله - منزلة، ولكنّي لا أستطيع أنّ أتكلّم، والله إن أمرهم أضيق من خلقه؛ لأنّ القائم لو قد قام لبدأ بهم.(2)
[22] قوله: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ والْمَرْجَانُ)، قال: «من ماء البحر وماء السماء، اذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها في البحر، فيقع فيها المطر، فيخلق الله اللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة، واللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة».(3)
[17] قوله: (رَبِّ الْمَشرِقين وَرَبِّ الْمَغَربين)، قال: «مشارق الشتاء ومغارب الصيف، ومغارب الشتاء ومشارق الصيف».(4)
[13 و....] وقوله: ﴿فَبِأَيِّ الَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان)، قال: «نزلت كلّها فيهما»(5)، وقال: «نزلت هذه الآية هكذا: (هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان إصلياها اليوم لا تموتان فيها ولا تحييان)(6)».
ص: 483
سورة الواقعة (56)(1) [مكيّة، وآياتها ستة وتسعون]
بسم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم
[75] قوله: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(، قال: «كان أهل الجاهلية يقسمون بها، وما أعظم إثم من يقسم بها».(2)
[76] قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)(3)، قال : «العظم إثم من حلف بها(4)». وقال: «لمّا أنزلت ولاية عليّ، قال رجلان: والله ما هذا من تلقاء الله، ولكنّه أراد أنّ يشرف ابن عمّه، فأنزل الله: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقْاوِيلِ)... الآيات».
[83] قوله: ﴿فَلَوْ لا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)... الآية، قال: «إذا بلغت الحلقوم أري منزله من الجنّة، فقال: ردّوني إلى الدنيا حتّى أخبر أهلي بما أرى فيقال: ليس إلى ذلك سبيل».
[82] عن أبي عبد الله علیه السّلام في قوله: ﴿وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، قال: «و قرأ الصادق علیه السّلام(5): (وتجعلون شكركم أنكم تكذّبون)».(6)
ص: 484
[29] قوله: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ)، قال: «شجر لا يكون له ورق ولا شوك فيه(1)، والمنضود: الذي لا خلل فيه(2)».(3)
[00] قوله: ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ)، قال: «شرب الإبل العطاش التي لا تكاد تروى». (4)
[ملاحظة: ورد تفسير الكلمات التالية من هذه السورة في هامش النسخة «ج» فقط نوردها هنا تباعاً:]
[15] قوله: ﴿عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي: منصوبة(5). وقيل: منضودة بالدر والياقوت.(6)
[16] وقوله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتقابلين)، قال: «منّعمين».
[17] وقوله (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلدان)، جمع ولد، أي خدم لم يكن لهم حسنات ولا سيئات.
وقوله (مُخَلَّدُونَ) أي: مفرطون، والخلادة: الفرط، وقيل: لا يشيبون ولا يهرمون.(7)
[19] وقوله (لا يصدّعون)، أي: لا يفرقون ولا يصرفون.
وقوله: ﴿ولا يُنْزِفُونَ)، أي: لا ينفذ شرابهم(8).
[21] وقوله: ﴿ولَحْمِ طَيْرِ)، قيل : سمك؛ لأنّ لكلّ سمكة جناحان - عند الحكماء - يطير بهما في الماء.
ص: 485
[22] وقوله: ﴿وحُوُر) أي: بيض.
وقوله: (عين) أي وسيعات الأعين.
[23] وقوله : (المَكْنُون): الحصون في صدفه.
[25] قوله تعالى: (لا يَسْمَعُونَ فيها لغواً ولا تَأْثِيماً)، قال: «لغواً: باطلاً، تأثيماً: قولاً يوجب الإثم».(1)
[26] قوله تعالى: (سلاما سلاماً)، قال: «سلامة».
[34] قوله تعالى: (وفرش مرفوعة)، قال: «عالية، وقبل السراري والجواري في المقاصير».
[35] وقوله: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاء)، قال: «ابتداءاً».
[36] وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكارا)، قال: «لم يمسسهنّ أحد». وقيل: إذا افتضضن عادت بكارتهنّ إليهنّ».
[37] وقوله: غرباً، قال: «محببات إلى أزواجهنّ بنظارتهن وأخلاقهنّ وملاعبتهنّ»
وقوله: (أثرَاباً)، أي: على سن واحدة.(2)
[ 39 - 40] قوله تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ* وثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ)، قال ابن عبّاس: «أهل الجنّة مائة وعشرون صفّاً، ثمانون صفّاً من أمة محمّد، وأربعون صفّاً من سائر الأمم.
[42] قوله: ﴿فِي سَمُومٍ وحَمِيمٍ)، قال: «السموم: هي أنواع الحجارة تلهب ناراً، وما يهبّ منها ليلاً يسمّى غرورا، والحميم: ماء حارّ».
[43] قوله: ﴿ وَظِلٌ مِنْ يَحْمُومٍ ، قال: «دخان أسود متكاثف. و البحموم: الأسود من كلّ شيء».
ص: 486
[44] قوله: (لا بارد ولا كَرِيمٍ)، قال: «حارّ كريه، يقطع الأمعاء، يكرهون على شدّته».
[45] قوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) أي منّعمين في غير طاعة الله.
[46] قوله: ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ) أي: يقولون.
قوله: ﴿ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) :أي: الذنب. وقيل: يصرّون على الكفر والشرك.
[52] قوله: (لَاكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِن زَقُومٍ). الزقوم طعام أهل النار، لا يسمن ولا يغني من جوع، كلّما أكلوا منه ازدادوا جوعاً.
[65] قوله: ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) أي تتعجبون من ظلّت تفعل كذا: اذا فعلتها مراراً.
قوله: ﴿تَفَكَّهُونَ) أي: تعجبون وتندمون.
[66] قوله: (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ)، أي: معذّبون.
[69] قوله المُزْن أى السحاب الأبيض، دون ماء.
[7] قوله: (أُجَاجاً) أي: ملحاً مرّاً.(1)
[64] قوله (الزارعون) أي: المنبتون.
[65] قوله: ﴿حُطاماً) أي: يابساً.
[70] قوله: (فَلَوْلا تشكرون) أي تقولون: الحمد لله ربّ العالمين.
[71] قوله: (تُورُونَ) أي تقتدحون وتستخرجون النار من الزناد والحجارة والحديد.
[72] قوله: (أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا) أي: خلقتم.
[73] قوله: ﴿ وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ) أي: المسافرين الذين لا زاد لهم، وقيل: الذين نزلوا القوى - مدّاً وقصراً - وهي المفازة. والقوي: الفقير.(2)
ص: 487
[79] قوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ أي: الملائكة.
[81] قوله: ﴿أَنتُم مُّدْهِنُونَ) أي: منافقون.
[6] قوله: ﴿فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) أي: محابين ولا مجرمين.
[87] قوله (تَرْجِعُونَهَا) أي: الروح.(1)
[89] قوله: ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانُ) أي راحة وربحان رزق.(2)
[96] قوله: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم) أي: صلّ وسبحه ونزّهه. (3)
ص: 488
بسم الله الرحمن الرحيم
[12] عن أبي عبدالله علیه السّلام في قوله: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمَانِهِمْ)، قال: «إنّ الناس يقسّم النور بينهم يوم القيامة على قدر منازلهم وإيمانهم».(1)
[13 - 14] قوله: ﴿ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً)، قال: «حيث قسّم النور(2)، قال: فيرجعون، فيضرب بينهم بسور له باب(3)، فينادون من وراء السور: يا مؤمنين (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ)... الآيات. ثمّ قال: «والله ما قال ذلك اليهود ولا النصارى، وإنّما عنى بذلك أهل القبلة(4)».(5)
[17] قوله: ﴿اَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، قال: «العدل بعد الجور».
[28] قوله: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ)(6)، قال :
ص: 489
«الكفلين: الحسن والحسين علیهما السّلام، والنور الأئمة».(1)
وفي حديث آخر: «النور: عليّ بن أبي طالب علیه السّلام».(2)
أقول: الكفل النصيب ، وقيل : الكفل الأجر، عن ابن عبّاس.(3)
ص: 490
بسم الله الرحمن الرحيم
[12] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ)... الآية، قال: «قدم علي ديناراً، فناجی عشر مرّات» .(1)
[22] قوله : (وأَيَّدَهُمْ بِرُوحِ مِنْهُ)، قال: «الإيمان ».(2)
[4] قوله: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ).... الآية، قال: «إذا لم يكن ذا فداءِ».
[3] قوله: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا)، قال: «هو الجماع».
أقول: وقيل العزم على الجماع، وقيل: يعيدون القول الذي قالوه أولاً، وغير ذلك.
[2] قوله: ﴿وإنّهم يقولون مُنكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً)، وهو قوله: أنت عليَّ كظهر أمّي.
ص: 491
بسم الله الرحمن الرحيم
[5] قوله: ﴿مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ)، قال: «كل شيء إلا العجوة».(1)
[أقول:] اللينة هي النخلة الدقلة نصّ عليه أهل اللّغة، وذكره ابن الجزري في المقامات.(2)
[2] قوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)، نزلت في بني النضير حين أجلاهم النبيّ صلِّی الله علیه وآله وسلّم.(3)
[11] قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا) يعني: عبدالله بن أبيّ، (يَقُولُونَ لِإِخْوَنِهِمْ) يعني: بني النظير.
[24] وسئل عن الأسْمَاءِ الْحُسْنى فقال: «نحن الأسماء الحسنى، لا يقبل من العباد عبادة إلا بمعرفتنا».(4)
ص: 492
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوّى وعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ).... الآيات، نزلت فی حاطب بن أبي بلتعة، وقد تقدّم خبره.(1)
[10] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِذُوهُنَّ)، قال: «نزلت في كلثم بنت عقبة بن أبي معيط، هاجرت من مكّة إلى المدينة وأسلمت، فأمر الله رسوله أنّ يمتحنها. والامتحان: أنّ يقول لها: ما جئت إلّا رغبة فى الإسلام، وما جئت بغضاً لزوجك الكافر، ولا رغبةً في رجل منّا» .(2)
[12] قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)... الآية، فإنّها نزلت يوم فتح مكّة، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قعد في المسجد لبيعة النساء(3)، (4)، وقد تقدّم ذلك.(5)
ص: 493
بسم الله الرحمن الرحيم
[9] قوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)... الآية، قال: «يكون بحيث لا يبقى أحد من أهل الأرض إلا أقر بمحمّد، حتّى لا تبقى قرية إلا وينادى فيها بالشهادتين بكرة وعشيّاً»(1).
[14] قوله: (فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)، قال: «أصبحوا مقبولين».(2)
ص: 494
بسم الله الرحمن الرحيم
[11] قوله: ﴿وإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً)... الآية، قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على المنبر، فأقبلت تجارة من الشّام(1) ووافق عيداً لليهود، قال فضربوا بِكُبَرِهِم(2)، فانصرف قوم قِبَلَ اليهود وقوم قِبَلَ التجارة يبارونها من أجل الرخّص، فنزلت».(3)
[8] ثمّ قال: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ)... الآية، قال: «بعدّ السنين، ثمّ بعد الشهور، ثمّ بعد الأيّام، ثمّ بعدّ الساعات، ثمّ بعدّ النفس (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ)(4)»(5).
ص: 495
الله الرحمن الرحي
[1] ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)، قال: «نزلت في عبد الله بن أبّي(1)».
ص: 496
ص: 497
بسم الله الرحمن الرحيم
[6] قوله: ﴿ذَلِك بِأَنَّهُ(1) كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)، قال: «البيِّنات: هم الأئمّة الأوصياء التي جاءت بها الرسل».(2)
[8] قوله: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا)، قال: «النور - والله - الأئمّة من الأوصياء وهم - والله - نور السماوات والأرض، والله لنور الإمام في قلب المؤمن أنور من الشمس المضيئة فى النهار، ونحجب نوره عمّن نشاء، فتظلم قلوب المجرمين».(3)
أقول: النور هنا هو القرآن، ويؤيّده قوله: ﴿والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا)(4).
[16] قوله: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)، قال: «من أدّى الزكاة فقد وقاه الله شحّ نفسه».(5)
ص: 498
بسم الله الرحمن الرحيم
[7] قوله: (ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله)، قال: «أنفَقَ عليها ما يقيم ظهرها من الطعام والكسوة، وإلا فرّق بينهما».(1)
[2 - 3] قوله: (وَ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً).... الآية، قال: (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) فی دینه (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) في دنياه. أبى الله إلّا أنّ يجعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون».
[ 10 - 11] قوله: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً*رَسُولاً)، قال: «الذكر، من أسماء رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم.(2)
ص: 499
سورة التحريم(1) (66) [مدنيّة، وآياتها اثنتا عشرة ]
بسم الله الرحمن الرحيم
[4] قوله: ﴿ إِنْ تَدُّوبَا إِلَى اللَّهِ) ... الآية.
إشارة إلى عائشة وحفصة بإجماع المفسّرين(2)، وهذا يسبطل قول النواصب: أنّ عائشة أفضل من فاطمة أو مساوية لها.
قوله: ﴿وصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، قال: «علي علیه السّلام».(3)
[6] قوله: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَاراً)، قالوا: كيف نقى أنفسنا وأهلينا يا رسول الله؟ قال: «اعملوا الخير وذكّروا أهليكم، وأدبوهم على طاعة الله».(4)
قوله: (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)، قال: «هو أنّ يتوب العبد ثمّ لا يرجع فيه، وإن أحبّ عباد الله المفتّن التوّاب(5)».(6)
ص: 500
بسم الله الرحمن الرحيم
[27] قوله: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيْئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، قال: «لمّا رأى فلان وفلان منزلة علّي يوم القيامة إذ دفع إليه لواء الحمد لآل محمّد، يحفّه(1) كلّ ملك مقرّب ونبيّ مرسل، فيدفعه إلى عليّ (سِيْئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقيل هذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَدْعُونَ) يعني: أمير المؤمنين بإسمه كنتم تسمّون، أي: تدّعون باسمه ما ليس يصلح لكم»(2).
ص: 501
بسمِ اللَّهِ الرَّحمن الرّحيم
[ 1 - 2 ] قوله: (نَ*والقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ*مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)، عن حسّان الجمّال(1)، قال: قال لي الصادق علیه السّلام ونحن بغدير خمّ: «هاهنا أخذ رسول الله بيد عليّ وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وأشار بيده إلى موضع وقال: «وكان هناك خمسة نفر، لمّا قال رسول الله ذلك، مدّوا أعناقهم نحوه وقالوا إنّه لمجنون». قال:(2) ومن الخمسة؟ قال: «فلان وفلان وفلان وسالم وأبو عبيدة». فقلت: الحمد لله الذي أسمعني هذا منك.(3)
[43] قوله: ﴿ويُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ)، قال: «إذا كان يوم القيامة جعل الله في ظهورهم سفافيد من نار(4) فلا يستطيعون السجود».(5)
[4] قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، قال: «الإسلام».
[1 - 2] وسئل عن قوله: ﴿نّ*والقَلَم وما يَسْطُرُونَ)، قال : «أمان» فإنّه نهر في الجنّة، فقال له: كن مداداً، فجمد النهر، وكان أشدّ بياضاً من الثلج وأحلى من الشهد».
ص: 502
أقول: وقيل: (ن) الدواة(1)، وسياق الكلام يدلّ عليه(2).
وأمّا (القَلَمِ) فإنّه شجرة في الجنّة، يقال لها: الخلد، فقال الله للقلم: أكتب، فقال: يا ربّ وما أكتب؟ قال: أكتب ماكان وما هو كائن، فكتب القلم في رق أشدّ بياضاً من الفضّة، وأصفى من الياقوت، ثمّ طواه فجعله(3) في ركن العرش.(4)
[13] قوله: (عُتُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ)، قال: «العتلّ: عظيم الكفر، والزنيم: المشتهر بكفره (5)» . (6)
أقول: الزنيم: ولد الزنا، الملصق بغير أبيه(7).
[44] قوله: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)، قال: «اذا أذنب العبد ذنباً جدّد الله له مع ذنبه نعمة ليدع الاستغفار»(8).
ص: 503
بسم الله الرحمن الرحيم
[32] قوله : «ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ»، قال الصادق علیه السّلام: «معاوية صاحب السلسلة، وكان فرعون هذه الأمّة » . (1)
قوله: (سَبْعُونَ ذِراعاً)؛ لا يريد هذا العدد فقط ، بل يريد عدداً عظيماً كثيراً جداً.
[4] وكذا قوله: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)، مراراً كثيرة، لا يريد التثنية فقط، وهذا لغة العرب العرباء.
قوله: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ)(2)، قال: رجومها للشياطين».(3)
[33] قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ العَظِيمِ)، قال: «معاوية».
[19] قوله: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينه)... الآية، قال: «هو أمير المؤمنين» (وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمَالِه) قال: «هو معاوية».
[48] قوله: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةً لِلْمُتَّقِينَ) يعني: عليّا علیه السّلام.
[49] قوله: ﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُكَذِّبِينَ)، قال: «يعني الثلاثة».
[ 50] قوله: ( وَإِنَّهُ لَحَسْرَةً عَلَى الْكَافِرِينَ) يعني: عليا علیه السّلام.(4)
[12] قوله: ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنْ وَاعِيَةٌ)، قال: «هو علىّ علیه السّلام».
ص: 504
سورة سأل سائل (المعارج: 70) [مكيّة، وآياتها أربع وأربعون]
بسم الله الرحمن الرحيم
[25] قوله: ﴿حق معلوم*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: «هو سوى الزكاة(1)، والمحروم: المحارف(2) الذي قد حرم كدّ يده ».(3)
[1] قوله: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ واقع) قال: «نار تسيل سبل الماء».
أقول: هو مشتق من سأل سائل، وله قصة مذكورة في أسباب النزول ».(4)
[23] قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ)، قال: «الذي يقضي ما فاته في النهار بالليل وما فاته في الليل بالنهار».(5)
ص: 505
ص: 506
بسم الله الرحمن الرحيم
[28] قوله: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ولِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً)، قال: «يعني الولاية، من دخل فيها دخل في بيوت الأنبياء علیهم السّلام».(1)
وقيل: قوله: (بَيْتِي)، أي: ديني.
[23] قوله: ( ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً)، قال: «كان قوم مؤمنون قبل نوح علیه السّلام(2) فماتوا، فشقّ على قومهم، فجاء إبليس :فقال: أتّخذ لكم أصناماً على صورهم، فتنظروا إليهم وتأنسوا بهم وتعبدون الله، فاتّخذ لهم أصناماً على مثالهم، فكانوا يعبدون الله وينظرون إلى تلك الأصنام [فلمّا جاءهم الشتاء أدخلوها البيوت](3)، فلمّا هلك ذلك القرن ونشأ أولادهم(4) عبدوها من دون الله» .
[28] قوله: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ)، قال: «آدم وحواء، وهو في قراءة أهل البيت: (رَبِّ اغْفِرْ لِي ولولدَيَّ)».(5)
ص: 507
بسم الله الرحمن الرحيم
[3] قوله: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا)، قال: «هو شيء قالته الجن بجهالة، فقصه الله كما قالت».(1)
[18] قوله: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ)، قال: «هم الأوصياء علیهم السّلام».(2)
[6] قوله: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الانْسِ يَعُوذُونَ)... الآية، قال: «كان الرجل يأتي الكاهن الذي يوحي إليه الشيطان، فيقول: قل لشيطانك: إن فلاناً قد عاذ بك ».(3)
[15] قوله: (القَاسِطُونَ)، قال: «الظالمون».
ص: 508
بسم الله الرحمن الرحيم
[8] قوله: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا)، قال: «رفعك يدك إلى الله وتضرعك إليه» .(1)
وقيل: إنقطع إليه وحده لا شريك له.
[20] قوله: (وأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً)، قال: «هو من غير الزكاة».(2)
أقول: القول عامّ في الزكاة وغيرها من الصدقات، وقد ذكرت في الوجيز تفسير الكتاب العزيز، ما ينبغي أن يطالع.
[4] قوله: ﴿وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا)، قال: «التمكث فيه، وتحسن به صوتك(3)».(4)
[20] قوله: (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)، قال: ﴿فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ ولم بوقّته.(5)
ص: 509
بسم الله الرحمن الرحيم
[4] قوله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرُ)، قال «وثيابك فقصّر».(1)
[6] قوله: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)، يقول: «لا تعطي شيئاً تبتغي ثوابه من الناس، ولا تعمل عملاً تبتغي به إلا وجه الله» .(2)
[11] وسأله رجل عن ال- (وحيد)، قال: «ولد الزنا(3)».(4)
[ 30 - 31] قوله: ﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)، قال: «قال أبو جهل: فوالله لنأتيّنه لكلّ واحد بعشرة، فأنزل الله: (وما جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا)».5(5)
أقول: قال المتصوّفة: هي الحواس الظاهرة العشرة، والباطنة والقوة العادية الستّ(6)، والعقل العلمي والعملي.(7)
[56] قوله: ﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وأهْلُ الْمَغْفِرَةِ)، قال: «هو أهل أن يتقى، وأهل أن يغفر».(8)
ص: 510
بسم الله الرحمن الرحيم
[18] قوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)، قال: «اذا بيناه فاتبع بيانه». (1)
[13] قوله: ﴿يُنَبَّوا الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وأَخَّرَ)، قال: «ما قدّم من عمل، وما أخر: ما تحمّل من وزر»(2).
أقول: قيل: ما أخّر من مثل وقف على الفقراء، ومثل صدقة يفرّق عليهم، وشبه ذلك.
[26 - 27] قوله: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ)، قال: [النفس إذا بلغت](3) الترقوة» (وَقِيلَ مَنْ زاقِ)، قال: «الطبيب [يقال له: من يرقيك؟].
[29] قوله: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاق)، قال:«[التفت] الدنيا بالآخرة ».(4)
[5] قوله: (بَلْ يُرِيدُ الانْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ)، قال: يقدّم الذنب، ويؤخر التوبة، ويقول: سوف أتوب ».(5)
ص: 511
بسم الله الرحمن الرحيم
[3] قوله: (إمّا شاكراً وإِمَّا كَفُوراً)، قال: «إمّا أخذاً فهو شاكر، وإما تاركاً فهو كافر».(1)
[8] قوله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً ويَتِيماً وأَسِيراً)، قال: «هو الحر والعبد يكون عند قوم يضربونه(2)، والحرّ يكون في أيدي قوم أو يكون محبوساً».(3)
أقول: هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين، والقصّة مشهورة».(4)
[26] قوله: (و سَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا)، قال: »صلاة الليل».(5)
ص: 512
سورة المرسلات (77)(1) [مكيّة، وآياتها خمسون]
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 5] (والمُرْسَلاتِ عُرْفاً).... الآية، قال الصادق علیه السّلام: (الْمُرْسَلات): الفتن التي تكون (فَالْعَاصِفاتِ): الآيات يتبع بعضها بعضاً. (والنَّاشِرَاتِ نَشْراً)، قال: «هو نشر الأموات». (فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً)، قال: «هو الدابّة تفرق بين الحق والباطل». (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً) قال: «الملائكة التي تلقي الذّكر إلى الرسول والإمام».
[6 -7] قوله: (عُذْراً أو نُذراً) أي: أعذر إليكم وأنذركم بما أقول، وهو قسم وجوابه: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعُ). أقول: بمّا تقدّم خبره.(2)
[8] قوله: ﴿فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ)، قال: «يذهب» نورها وتنتشر».(3)
[9] قوله: ﴿وإذَا السَّمَاء فُرجَتْ)، قال: «تنشقّ».
[10] قوله: (وإذا الْجِبَالُ نُسِفَتْ)، قال: «تقلع».
[11] قوله: ﴿وإِذَا الرُّسُلُ أُقْتَتْ)، قال: «بعثت في أوقات مختلفة».(4)
[18] قوله: ﴿كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)، قال: «بنو أمية وبنو فلان».
ص: 513
أقول: يعني بني العبّاس.
[15 و 19 و.... ] قوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)، قال: «بأمير المؤمنين والأئمّة».
[20] قوله: ﴿أَلَمْ نَخْلُقُكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) أي: منتن، أي من حقيرِ رِذلِ.(1)
[25 - 26] قوله: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ كِفاتاً*أحياءً وأَمْوَاتاً)، قال: «أي مساكن الأحياء والأموات(2)»(3).
[27] قوله: (رَوَاسِيَ شامِخات)، قال: «جبال مرتفعة».
قوله: (وأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فَراتاً)، قال: «عذباً».
[30] قوله: (انْطَلِقُوا إِلى ظِلّ)، أي: ظلمة.
[34 و 37 و... ] قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)، قال: «فيهم نزلت».
أقول: يعني في الثلاثة.
[41] قوله: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وعُيُونٍ)، قال: «في ظلال من النور(4)».(5)
[48] قوله: (وإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)، قال: «إذا قيل لهم: والوا الإمام لم يتولوّه».(6)
ص: 514
[الجزء الثلاثون ] سورة النبأ (78)(1) [مكيّة، وآياتها إحدى وأربعون]
بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[ 1 - 2] (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال: «النبأ: أمير المؤمنين علیه السّلام».(2)
[23] قوله: (أخقاباً)، قال: «الأحقاب: ثمانية وألف سنين(3)، والحقب: ثمانون سنة(4)، والسنة: ثلاث مائة وستّون يوماً، واليوم كألف سنة مما تعدّون يلبثون في النار».(5)
[3] قوله: (و قالَ صواباً)، قال: «نحن». قلت: ما تقولون إذا تكلمتم؟ قال: «نحمد ربّنا، ونصلّي على نبيّنا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردّنا ربّنا».(6)
[ 40] قوله: ﴿كُنتُ تُرَاباً)، قال: «ترابياً، أي: علوياً»(7). (8)
ص: 515
بسم الِلهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم
[1] قوله: ﴿وَ النَّازِعَاتِ غَرْقاً)، قال: «نزع الروح من البدن، فإذا نزعت منه عرق البدن».(1)
[2] قوله: (والناشطات نَشْطاً)، قال: «الكفّار ينشطون فى طلب الدنيا وبكسلون عن طلب الآخرة».
[3] قوله: (والسَّايخاتِ سَبْحاً»، قال: «المؤمنون الذين يسبّحون الله».(2)
[5] قوله: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرا)، قال: «الفلك الذي يقع فيه الفيض والأمر والتدبير، فيجري به في الدنيا ».
[6 - 7] قوله: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ)، قال: «تنشق الأرض بأهلها. والرجفة: الصيحة، و (الرَّادِفَةُ): النفخة الثانية».(3)
[8-14] قوله: ﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةً) أي خائفة والزجرة النفخة الثانية في الصور. (والساهِرَة): موضع بالشام عند بيت المقدس.(4)
ص: 516
أقول: الساهرة: هي أرض القيامة.
[20] قوله: ﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى) قال: «فيرون جبرئيل في صورته على ساقه الدرّ مثل القطر على البقل، له ستمائة جناح، قد ملأ مابين السماء والأرض».(1)
[25] قوله: ﴿فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ والأولى)؛ «النكال: العقوبة في الآخرة، و (الأُخِرَة) هو قوله: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى)،(2) و (الأولى) قوله: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهِ غَيْرِي)،(3) فأهلكه الله بهذين القولين.(4)
[29] قوله تعالى: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَها)، قال: «أظلم».
قوله: (وأَخْرَجَ ضُحاها)، قال: «الشمس».
[30] قوله: (والارْضُ بَعْدَ ذلِك دحاها)، قال: «بسطها».(5)
[32] (والجِبَالَ أَرْساها) أي أثبتها، أى رفعها.(6)
أقول: بل رمسها في الأرض، وأدخل بعضها فيها.
[34] قوله: ﴿الطَّامَّةُ الْكُبْرَى)، قال: «الوقوف في القيامة».
[42] قوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا)، قال: «متى تقوم؟(7)».
[43 - 44] قوله: (فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا)، قال: «فيما ذكرت لك أن يكون، فقال الله: (إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا)، قال: منتهى علمها إلى الله».(8)
[46] قوله: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةَ أَوْ ضُحَاهَا) قال: «يوماً أو بعض يوم».(9)
ص: 517
سورة عبس (80)(1) [مكيّة، وآياتها تسع وعشرون]
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 2 ] قوله: (عَبَسَ وتَوَلَّى)، قال: «نزلت في عثمان (أَنْ جَاءَةُ الاعْمى): ابن أمّ مكتوم وكان مؤذن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم».(2)
[13 - 16] قوله: (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ*مَرْفُوعَةٍ»، قال: «عند الله» (مُطَهَّرَةٍ*بِأَيْدِي سَفَرَةٍ)، قال: «بأيدي الأئمة» (كِرَامِ بَرَرَةٍ)، قال: «نزلت في الأئمّة».(3)
[17] قوله: (قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)، قال: «الإنسان هو أمير المؤمنين علیه السّلام، فقال: (ما أكْفَرَهُ) أي: ماذا فعل وأذنب حتّى قتلوه؟». (4)
أقول: قوله: (الإنسان) يراد به الجنس، وهي قضيّة مهملة، تصدق كلّية وجزئية، والجزئية لا بدّ منها، فقال: (ما أَكْفَرَهُ) حتّى قتل؟.
ص: 518
بسم الله الرحمن الرحيم
[8 - 9] قوله: ﴿وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، قال: «هي مودّتنا، وفينا نزلت».(1)
[24] قوله: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِطَنِينٍ(2)﴾ قَالَ: «أَي بِمُتَّهَمِ».
أقول: وقرئت: (بضنين) بالضاد، أي ببخيل.(3)
[19] قوله: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم) یعنی: «رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».(4)
أقول: بل المراد جبرئيل، فإنّ القرآن ليس قول محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ص: 519
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ)، هي كلّها أشراط القيامة.
[5] قوله: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وأَخْرَتْ)، قال: «إنّها نزلت في الثاني [یعنی: ما قدمّه](1) من ولاية أبي فلان (2)».
[9] قوله: (كلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ)، أي: بالولاية(3).
ص: 520
سورة المطففين (83)(1) [مكيّة، وآياتها ست وثلاثون]
بسم الله الرحمن الرحيم
[29 و 34] سئل الصادق علیه السّلام عن قوله: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا)... الآيات، قال: (نزلت فی أمير المؤمنين علیه السّلام والذين استهزأوا به، وذلك أن عليّاً مرّ ببني كعب وغيرهم من المنافقين، فقال الله: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) يعني عليّاً».(2)
ص: 521
سورة اذا السماء انشقت (الانشقاق: 84)(1) [مكيّة، وآياتها خمس وعشرون]
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 7 - 9] قوله: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) إلى قوله: ﴿مَسْرُورًا)، قال الصادق علیه السّلام: «أى: إلى أهله في الجنة».
[14] قوله: (يَحُورَ) أي: يرجع إلى ربِّه.
[19] قوله: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق)، قال صلّی الله علیه وآله وسلّم: التركينّ سنّة من كان قبلكم، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة». وقال: «هي السنن والأمثال تجري عليكم كما جرت على من كان قبلكم من التدمير وغيره».
[أقول:] وقال أكثر المفسّرين: الطبق الشدة، أى شدّة بعد شدّة، وقيل: حالاً بعد حال، وقيل: منزلة وطبقة عن طبقة، أي من كان على صلاح دعى إلى صلاح قومه، وبالعكس. وقيل: خبراً عن عمل، وقيل: لتصيرن إلى الآخرة من الدنيا».
ص: 522
سورة الطارق (86)(1) [مكيّة، وآياتها سبع عشرة]
بسم الله الرحمن الرحيم
[7] قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ)، قال: « الصُّلب للرجل، (والتَّرَائِب) للمرأة(2)»(3).
[أقول:] عن ابن عبّاس: أصل الترائب أعلى الصدر(4)، وقيل: بين الثديين(5).
[9] قوله: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)، قال: «يظهرها الله».(6)
[11 - 12] ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) قال: ذات المطر (والارْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) أي: ذات النبات(7)»(8).
ص: 524
سورة الأعلى (87)(1) [مكيّة، وآياتها تسع عشرة]
بسم الله الرحمن الرحيم
[4] قوله: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى)، قال: «أي النبات».
[5] قوله: (فَجَعَلَهُ) بعد إخراجه (غثاء أخوى)، قال: «يفسد».
[6] قوله: ﴿سَنُقْرتُك فَلا تَنْسى) أى سنعلمك وننزل عليك.(2)
[14] قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)، قال: «[زكاة الفطرة، إذا أخرجها قبل صلاة العيد](3)تطهّر من(4) الذنوب».(5)
ص: 525
سورة الغاشية (88)(1) [مكيّة، وآياتها ست وعشرون]
بسم الله الرحمن الرحيم
[5 - 6] قوله: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ)، قال: «عين في جهنّم، لها أنين من شدّة حرّها». قوله: ﴿وَلَيْسَ لَهُمْ طَعَامُ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)، قال: «ما يخرج من فروج الزواني».
[أقول:] وقال المفسّرون: هو نبت بالحجاز، يقال له: الشبرق.(2)
[22] قوله: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)، قال: «الست بمأخوذ بهم».(3)
ص: 526
الله الرحمن الرحيم
[25 - 26] قوله: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ*وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ)، قال أبو جعفر علیه السّلام: «هو الثاني(1)».(2)
[27] قوله: ﴿يا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ)... الآية، قال: نزلت في علیّ علیه السّلام».(3)
[23] قوله: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَىٰ)، قال أبو جعفر علیه السّلام: «لمّا نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم(4)، فقال: أخبرني الروح الأمين، إنّ الله لا إله غيره إذا أوقف الخلائق وجمع الأوّلين والآخرين، أتّى بجهنّم وهي تُقاد بألف زمام، مع كلّ زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد(5)، لها هدّة(6) وغضب وزفير وشهيق، وإنّها لتزفر الزفرة، فلولا أنّ الله أخّرهم للحساب لأهلكت الجمع، ثمّ يخرج منها عنق يحيط بالخلائق؛ البرّ منهم والفاجر، فما خلق الله عبداً من عباد الله ملكاً ولا نبّياً، إلّا وهو بنادي نفسي نفسي، وأنت يا نبي الله تنادي أمتي أمتي، ثم يوضع عليها الصراط، أدق حد السيف، عليها ثلاث قناطر، فأما واحدة فعليها الأمانة والرحم، والثانية فعليها الصلاة، وأمّا الثالثة فعليها عدل ربّ العالمين، لا إله غيره فيكلفّون بالممرّ عليها،
ص: 527
فتحبسهم الرحم والأمانة، فإن نجوا منهما حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين، وهو قوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).
والناس على الصراط؛ فمتعلّق بيد وتزلّ قدم، ومستمسك بقدم، والملائكة حولها ينادون: يا حليم أعف واصفح، وعد بفضلك، وسلّم سلّم، والناس يتهافتون في النار كالفراش، فإذا نجا ناج برحمة الله نظر إليها وقال: الحمد لله الذي نجّانا منك بعد يأس، بفضله ومنّه. اللهمّ يا دائم با ديموم، يا حيّ ياقيوم ياذا الجلال والإكرام يا قديم الإحسان، يا أرحم الراحمين، نجّنا منها سالمين ياربّ العالمين بمحمد وآله الطاهرين».(1)
ص: 528
بسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[ 1 - 2 ] قوله: ﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ)، قال الصادق علیه السّلام: كان أهل الجاهلية يعظّمون الحرم، ويقسمون به، ولا يتعرّضون لمن كان فيه، ولا يخرج منه دابّة ولا غيرها، فقال الله: (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ*وَأَنْتَ حِلُّ بِهَذَا الْبَلَدِ) قال: يعظّمون البلد، ويقسمون به، ويستحلّون فيه
حرمة النبي صلّی الله علیه وآله وسلّم».(1)
[11 - 13] قوله: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)، قال: «نحن العقبة، لا يصعد إلينا إلا من كان منّا». ثمّ قال: «ألا أزيدك فيها حرفاً هو خير لك من الدنيا وما فيها؟».
قلت: بلى، جعلت فداك.
قال: (فَلُ رَقَبَةِ)، الناس مماليك النار كلّهم، غيرك وأصحابك، فكِكْتُم منها».
قلت: جعلت فداك، بماذا فُكِكْنَا منها؟
قال: «بولايتكم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السّلام».(2)
أقول: بولايته وولاية الأحد عشر من ولده أئمّة المؤمنين، وإلّا دخل فيه الزيدية والإسماعيلية والغلاة وغيرهم ممن يُنسب إلى الولاية والشيعة، مع أنّ كلّهم على ضلالة بالبراهين القاطعة والدلائل القاهرة.
[4] قوله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)، قال: «منتصبا، وخلق كل شيء منكبّاً».(3)
ص: 529
أقول: هذا ليس تفسيراً لهذه الآية؛ فإنّ قوله: ﴿في كَبَد) أي: في شدّة و مكابدة لأمور الدنيا، وهذا المعنى ربما ينطبق على قوله: ﴿فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾(1) أي: أحسن خلقة؛ لأنّه يجمع جميع الموجودات كلّها، فكيف يكون هذا التفسير منطبقا عليه؟.
ص: 530
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)، قال: «أقبل بظلامه».
[2] قوله: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)، قال: «أضاءَ وبانّ».
[3] قوله: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى)، قال: «ومن خلق»، وقيل: ما يصدر منه.
[4] قوله: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) قال: «عملكم ،مختلف، فمصدّق ومكذّب».
سئل عن قوله: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى)، قال: «إنّما هو (والله خلق الذكر والأنثى)».
[5 - 6] قوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى*وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنَى)(1). قيل: علىّ علیه السّلام.
و (الْحُسْنى) حديقة نخل بالمدينة وكان بها رجل غنى له نخلة في دار مؤمن فقير ذي أطفال، وكان صاحبها إذا خرصها ووقع من تمرها شيء و التقطه الأطفال، فيدخل يده فى فم الطفل وبأخذ التمرة منه، فشقّ ذلك على الفقير، فشكا ذلك إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأحضر الغني بعد أن ذهب الفقير ، واستامها منه بنخلة في الجنّة، فأبى، فلم يزل يزده نخلة بغد أخرى إلى عشر، فلم يجبه. قال: لا أبيعها إلا بشيء لا أظنه أعطاه في الدنيا، وهي الحسنى التي لعليّ علیه السّلام، فعلم بذلك عليّ، فجاء إلى الغني واشترى منه تلك النخلة بالحسنى، وجاء إلى النبي وقال: إنّي جعلتها للفقير، فأرسل النبي إلى الفقير، وقال له: أرى أنّ النخلة قد صارت لك. فنزل جبرائيل علیه السّلام بالآيات، فقرأها النبي على عليّ وبشّره بالجنّة، ومن أسماء الجنّة الْحُسْنى.
ص: 532
(وأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) يعني: صاحب النخلة (وما يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدُّى) فِي النار، يعني ذلك المنافق.(1)
[8] قوله: ﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى)... الآية نزلت في الآخر.
[14] قوله: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلظى)... الآية، قال: «نار في جهنّم لا يصلاها إلّا أولئك».(2)
ص: 533
بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[7] قوله: ﴿ووَجَدَك ضَالا فهدى)، قال: «ناسياً فأذكرك». وفي حديث آخر: «ضالاً في قوم لا يعرفون فضل نبوّتك، فهداهم الله بك».(1)
أقول: الوجه الثاني خير من الأوّل. ويحتمل وجه ثالث، وهو: أن يكون المعنى: ووجدك ضالاً عن النبوّة فهداك إليها، أي: عن شريعة الإسلام، والكلام في الآية خارج مخرج الإمتنان والتذكير بالنعم، ومن ذهب إلى أنّه يريد الذهاب عن الدين، فهو كفر.
ويحتمل وجه رابع، وهو أن يكون المراد الضلال عن المعيشة وضيق المكسب، يقال لمن لا يهتدي إلى وجه كسبه وطريق معاشه ضالّ.
ويحتمل وجه خامس، وهو أن يكون الضلال، المراد به: ووجدك ضالاً في مكّة والمدينة عند الهجرة فهداك وسلّمك، وهو جيّد، لولا أنّ الآية مكيّة، إلّا أن تحمل «وجدك» على «سيجدك».
ويحتمل وجه سادس، وهو أن يكون المعنى....،(2) وقد ذكر قريباً.
وروي في هذه الآية الرفع فقرئ: (يتيمّ فآوي) إليك، و (ضالٌ فهدى) على أنّ
ص: 534
اليتيم والضال وجدا(1). وهو ضعيف. (2)
[8] قوله: ﴿وَوَجَدَك عَائِلا فَأَغْنى)، قال: «بخديجة».(3)
[11] قوله: ﴿فحدّث)، قال: «أمره بأن يحدّث بما أنعم الله عليه في دينه».
ص: 535
بسم الله الرحمن الرحيم
[2] قوله: (ووَضَعْنَا عَنك وزُرَك)، قال: «وزر الحرب».
[4] قوله: ﴿ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك)، قال: «تذكر معي في الأذان».(1)
[8] قوله: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)، قال: «الدعاء في الصلاة بعد التسليم». وقال أيضاً: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أي: إرجع، ونزلت عليه في غزاة تبوك».
أقول: وقرئ: «فانصب عليّاً علیه السّلام للإمامة» .(2)
ص: 536
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 2 ] قوله: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)، قال الصادق علیه السّلام: «الحسن والحسين علیهم السّلام». (وَطُورِ سينين) قال: «أمير المؤمنين علیه السّلام».
[7] قوله: ﴿ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ)، قال: «ذلك أمير المؤمنين» .(1)
[6] قوله: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُّون)، قال: «إنّ الرجل اذا كبر وضعف عن العمل الذي كان يعمله، كتب الله له ما كان يعمل».
ص: 537
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 9 - 10] قوله: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى*عَبْداً إِذَا صَلَّى)، قال: «هو أبو جهل وصاحب الناصية الكاذبة الخاطئة».
ص: 538
بسم الله الرحمن الرحيم
[3 - 4] عن حمران قال سألت أبا جعفر علیه السّلام عن قوله: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أَيِّ شيء عنى بهذا؟ قال: «العمل الصالح فيها من الصلاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر»(1). قلت: فما معنى (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذِنِ رَبِّهِم)
قال: «تنزّل من لدن العرش ما يقضى في تلك السنة من شيء إلى الكتاب في السماء الدنيا».
ص: 539
بسم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم
[7] قوله: (أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «عليّ وشيعته يقدمون علىّ غرّاً محجلين».(1)
ص: 540
بسم الله الرحمن الرحيم
[3 - 4] قوله: ﴿وَقَالَ الانسان ما لها)... الآيات، قال أمير المؤمنين علیه السّلام: ﴿يَوْمَيذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)(1): تحدّثه الأرض بما عمل عليها من خير أو شرّ».
ص: 541
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله ( والْعَادِياتِ صَبْحاً)... الآيات، قال: «هذه السورة نزلت في أمير المؤمنين لمّا بُعث في غزاة إلى قوم، فظفر بهم، فردّهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في السلاسل».(1)
[6] قوله: ﴿إِنَّ الانْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَذُودٌ) أَي: لكفور.(2)
ص: 542
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله: (الْقَارعَةُ)، قال: «أمرّ عظيم يفزعهم(1)»
أقول: (الْقَارعَةُ) اسم من أسماء يوم القيامة.
[0] قوله: (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)، قال: «العهن: الصوف».
أقول: قوله: (العهن): الصوف فيه نظر، الصوف المصبوغ المنفوش.
[9] قوله: (فَأُمُّه هَاوِيَةٌ)، قال: «أم رأسه تهوي في النار».(2)
ص: 543
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 2] قوله: (والْعَصْرِ*إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرِ)، قال: قرأ أبو عبدالله علیه السّلام: (والعصر، إنّ الإنسان لفي خسر، وإنّه فيه إلى آخر الدهر، إلّا الذين آمنوا وائتمروا بالتقوى وائتمروا بالصبر)» قال: «هكذا نزلت».(1)
ص: 545
سورة الهمزة (104) [مكيّة، وآياتها تسع]
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ)، قال: «نزلت في الأغنياء الذين يهمزون(1) على الفقراء إذا ذهبوا إليهم».(2)
[4] قوله: ﴿كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ)، قال: «يلقى».
والحطمة: النار التي تحطم كلّ شيء.
[7] قوله: (تَطَّلِعُ عَلَى الافْئِدَةِ)، قال: «تلتهب على الفؤاد».
أقول: هذا يدل على العذاب الروحاني ؛ لأنّه أشدّ من الجسماني.(3)
ص: 546
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 1 - 5] قوله: (أَلَمْ تَرَ).. الآية نزلت في الحبشة حين أرادوا هدم الكعبة(1)(وأرسل) الله (عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ)(2) قال : كانت تجيء ومعها ثلاثة أحجار، فترميهم(3) فتنقض أبدانهم، فكانوا كما قال الله: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) قال: «العصف التبن، والمأكول: هو الذي يبقى من فضله». قال الصادق علیه السّلام: «وأهل الجدري من ذلك أصابهم الذي أصابهم في زمانهم جدري».(4)
ص: 547
بسم الله الرحمن الرحيم
[5] قوله: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)، قال الصادق علیه السّلام: «عنى به تركها والتواني عنها(1)».(2)
[7] وسئل عن (الْمَاعُونَ) قال: «ما يتعاطى الناس بينهم من المتاع والمرافق التي يستعيرها بعضهم من بعض».
وعنه في قوله: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) قال: «الزكاة المفروضة وما ينتفع به من القدر والدلو والفأس وأشباه ذلك».(3)
ص: 549
بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم
[2] قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ)، قال: «هو رفع يديك حيال(1) وجهك».(2)
أقول: بل معناه : (وانْحَرُ) الأضحية يوم النحر، وهذا يدلّ على وجوب صلاة العيد.
والكوثر: كثرة أولاد رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم من فاطمة سلام الله علیها: فإنّه لم يعقب من غيرها، فأورثه خلفاً عظيماً يزيدون عن مائة ألف.(3)
وقال: «الكوثر: نهر في الجنّة». وقال: «إنّ عمرو بن العاص والعاص بن وائل(4) كانا قاعدين، فمرّ بهما رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فقال أحدهما للآخر: إنّى لأشنأ محمّداً، أي أبغضه. فقال الآخر: دعه فقد أصبح مبتوراً، قد دفن ابنه البارحة، يعني: القاسم ابن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، فنزلت السورة».(5)
قال: «والكوثر: نهر في الجنّة أعطاه الله الجنّة أعطاه الله رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم عوضاً عن ابنه إبراهيم(6)».(7)
أقول: وسياق الآية يدلّ على كثرة الأولاد(8)، فردّ على من أنكره، ويؤيّد ذلك حكاية العاص، وهذا معجز لنبيّنا، ولأنّه أشار إلى ذلك، وكان النبي يحفظ هذا المعنى؛ لقوله: «وأعظم آيات...(9) من آية».
ص: 550
بسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[ 1 - 6] قوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) قرأ أبو جعفر علیه السّلام: ( يا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ*لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) أعبدالله (ولا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُه ولا أنا عابِدُ ما عَبَدْتُّمْ*وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ*لَكُمْ دِينَكُمْ وليَ دين) قال: «هكذا نزلت».(1)
ص: 551
سورة النصر (110) [مكيّة(1)، وآياتها ثلاث]
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُّ اللَّهِ والفَتْحُ)(2) قال: نزلت بمنى في حجة الوداع، ونزلت: (إذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، فلمّا نزلت قال(3) رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم: نعيت إلى نفسى»(4) (5)
ص: 552
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] قوله: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وتَبَّ)(1)، قال الصادق علیه السّلام: «سفل، ثمّ سفل، ثمّ سفل حتّى انتفى من بني هاشم وانتمى إلى بني أميّة، وقال: لا أكون مع قوم فيهم كذّاب».(2)
[4] قوله: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)، قال: «كانت امرأته تسمع حديث رسول الله صلِّ الله علیه وآله وسلّم، ثمّ تسعى به إلى عدوّه، فهو حملها للحطب».
أقول: أي تمشي بين الناس بالنمائم، وقيل: كانت تحمل العوسج والشوك وتلقيه في طريق النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه.
[5] قوله: (حَبْلُ مِنْ مَسَدٍ)، قال: حبل من نار، إنّه في جيدها، دالع من فيها، مسلوك في جوفها، خارج من فيها».
ص: 553
بسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[2] قوله: (اللهُ الصَّمَدُ)، قال أبو عبدالله علیه السّلام: ﴿الصَّمَدُ): الذي لا مدخل فيه»(1). وعن أبي الحسن علیه السّلام: (الصَّمَدُ): الذي لا جوف له» .(2)
أقول: هو(3)واجب الوجود الذي يعمد إليه في جميع الأمور، أي يقصد. و (الصَّمَدُ) لغة: القصد، أي يقصد في جميع الأمور. وقوله: «لا جوف له» يتدبّر؛ فإنّ هذا من صفات الأجسام، وهو الجسم المجوّف.(4)
ص: 554
سورة الفلق (113) [مكيّة، وآياتها خمس]
بسم الله الرحمنِ الرَّحيم
[1] قوله: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، قال: «الفلق: جبّ في جهنّم(1)».
[3] قوله: ﴿ ومِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)، قال: «الذي يلقى في الجبّ يقب(2) فيه(3)».(4)
قوله: (الفلق): الصبح. والغاسق الليل. وقيل: القمر إذا وقع في الكسوف.(5)
ص: 555
سورة الناس (114)(1) [مكّيّة(2)، وآياتها ستّ]
بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[4] قال: سألته عن (الْخَنَّاسِ)، قال: «إنّ إبليس يلتقم القلب، فإذا ذكر الله خنس».(3)
وقال أبو جعفر علیه السّلام: «أتدري ما الجِنّة؟
قلت: لا. قال: «إلباسك(4) نفسك » .(5)
هذا، وقد ورد في هامش «ب» و «ج» تفسير سورة الناس كما يلي:
[1] (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ): امتنع بالله والتجئ إليه. والربّ: المالك والمدبّر والسيّد والمصلح.
[2] (مَلِكِ النَّاسِ): مالك تدبيرهم. والفرق بين «ملك» و «مالك»، أن صفة «ملك» تدلّ على تدبير من يشتهر بالتدبير، وهو العاقل، وليس كذلك «مالك» لأنه يقال: مالك الثوب، ولا يقال: ملكه، ويقال: ملك العراق، ولا يقال: مالكهم.
[3] (إِلَهِ النَّاسِ): معبودهم المستحقّ للعبادة، دون الأصنام والأوثان والآلهة؛ لأنّها لا تستحق إلا بأصول النعم.
ص: 556
سور
اس (114)
[4] (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ): الشيطان. وقيل: الشيطان في صورة خنزير، وقيل: له خرطوم كخرطوم الكلاب(1).
[5] ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)، فإذا ذكر الله خنس. وفي بعض الأخبار عن الأئمّة الأطهار علیهم السّلام إنّ شيطاناً يقال له الولهان؛ يقعد بين اليتي المصلّي، فينفخ بينهما، فيظنّ المصلّي أنّه قد خرجت منه ربح، ويشكّكه ويثبطه. فورد عنهم علیهم االسّلام أنّه لا يلتفت المصلّي إلى ذلك إلا أن يشمّ ربحاً أو يسمع صوتاً.
[6] (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) قيل: إنّه يوسوس في صدور الجنّ والإنس.
***
وهذا آخر ما احتويناه(2) ونقّحناه من السبع(3) أجزاء من كتاب علي بن إبراهيم بن هاشم، رواه عن الأئمة الطاهربن، وحذفنا أسانيده واكتفينا بأول آياته عن باقيها، وحذفنا المكرّر وما فائدته قليلة، بل لا فائدة فيها، ونقّحناه وأضفنا إليه ما خطر بالبال ممّا يناسبه، ورددنا كلّ ما جاء ظاهره من عدم العصمة بالأنبياء والأولياء، فإنّ مذهب أهل البيت الأئمّة الطاهرين ليس مثل ما يقول(4) هذا الرجل، فليتأمّل؛ فإنّ مذهبهم يزيد تنزيه الأولياء عن القبائح وتنزيه الأنبياء والأئمة عن جميع القبائح.
واعلم أنّ لنا في كثير من هذا الكتاب نظر؛ فإنّه لا يوافق مذهبنا الذي هو الآن مجمع عليه.
وكتب عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن العتائقي منقّح الكتاب ومختصره، والحمد الله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين، وذلك في غرّة ذي الحجّة، سنة سبع وستّين وسبعمائة هجريّة، والحمدالله وحده، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم
***
وورد في هامش «ج» ما نصه:
ص: 557
قال جامع العلوم النحويّة:(1) «ليس قوله: (النَّاسِ) تكراراً، لأنّ المراد بالأوّل: الأجنّة ولهذا قال: ﴿برَبِّ النَّاسِ).
وبالثاني: الأطفال؛ ولذلك قال: (مَلِكِ النَّاسِ)؛ وبالثالث: البالغون والمكلّفون؛ ولذلك قال: (إلهِ النَّاسِ)؛ لأنّهم يعبدونه؛ وبالرابع: الكفّار؛ لأنّ الشيطان يوسوس إليهم، ولا يوسوس إلّا إلى الجهّال؛ وإلّا فلا تقع الوسوسة في قلب العالم، كما قال: ﴿يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ).
***
كما ورد في ورقة مستقلّة في «ج» أيضاً تفسير بعض الآيات والكلمات من سورِ متفرّقة، نذكرها تباعاً:
[18] قوله تعالى: ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِن مَعِينٍ): أباريق بلاعرى من فضّة.
[30] قوله تعالى: ﴿أنطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبِ): شعبة: ضريع، وشعبة: زقّوم، وشعبة حميم. وضلّ هو دخان جهنّم؛ نعوذ بالله منها.
[31] قوله تعالى: ﴿اللَّهَب): لسان النار.
[32] قوله تعالى: ﴿إِنَّهَا تَرْمِي) يعني: جهنّم ترمي أهلها (بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ﴾ من القصور، ويقرأ بفتح الصاد، أي: كالقلس العظيم من فلوس السفن، وقبل الغلاظ من أصول النخل.
[33] قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَتُ(2) صُفْرٌ)، هى السود من الابل، قال الشاعر: هنّ صفر ألوانها كالزبيب(3)
ص: 558
[32] قوله تعالى: ﴿وَكَوَاعِبَ) نبأ كعب ثديهنّ، أي ارتفع. (أَتْرَاباً) على سنّ واحدة.
[34] قوله تعالى: ﴿وَكَأْساً) من الخمر (دِهاقاً): مملوءة.
[35] قوله تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً): باطلاً (وَلا كِذَّاباً): كذباً.
(36) قوله تعالى: ﴿جَزَاءً مِن رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً): كافياً.
[17] قوله تعالى: (قُتِلَ الإنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) أي: أي شيء حمله على الكفر، مع ما يرى من الآيات الدالّة على التوحيد. نزلت في عتبة بن أبي لهب، وثب على النبي فمزّق قميصه، وكان قد زوّجه من ابنته ففرق بينهما لكفره، ودعا عليه وقال: أكلك كلب من كلاب الله فسافر مع جماعة، فافترسه أسد من بينهم، فأكله بعد أن تحفظ منه واحترس بأصحابه.
[18] قوله تعالى: (لَفِي عِلِّيِّينَ): السماء السابعة، وقيل: أعلى الأمكنة.
[23] قوله تعالى: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ): الأسرة، جمع أريكة.
[25] قوله تعالى: ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ مَخْتُومٍ): خمر صافية.
[26] قوله تعالى: ﴿خِتَامُهُ مِسْكَ)، قيل: ويختم بمسك (وفي الهامش يختم بكافور).
[7] قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينه)، نزلت في عمار بن ياسر.
ص: 559
[9] قوله تعالى: ﴿وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ): إلى أهل الجنّة.
[10] قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ): الوليد بن المغيرة.
[11] قوله تعالى: (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً): هلاكاً.
[13] قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ) يعني: الوليد بن المغيرة.
[14] قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَن يَحُورَ): يرجع.
[17] قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ): وما جمع.
[18] قوله تعالى: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ): اجتمع واحتكم.
[19] قوله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ): حالاً بعد حال؛ نطفة ثمّ علقة، ثمّ مضغة، ثمّ عظاماً، ثمّ جنيناً، ثمّ طفلاً، ثمّ شاباً، ثمّ شيخاً، ثمّ حيّاً بعد الموت. وقيل: سنة بعد سنة.
[23] قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ): «يضمرون».
[25] قوله تعالى: ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ): «غير مقطوع ولا ممنوع».
[3] قوله تعالى: (النَّجْمُ)، قيل : الثريّا، وقيل: زحل (الثَّاقِبُ): المتوقّد المضىءوقيل: يثقب الشياطين، وعلى أنّه زحل ثقب نوره سبع سماوات.
[6] قوله تعالى: ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ): مدفوق في الرحم.
[7] قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)، قيل: من صلب الرجل وترائب المرأة، وهي عظام الصدر، جمع تريبة: موضع القلادة منه.
[8] قوله تعالى: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ): إحيائه بعد الموت (لَقَادِرُ).
[17] قوله تعالى: (فَمَهْلِ الْكَافِرِينَ أَمْهلهُمْ): أجلهم إلى وقت قريب، وفيه تهديد لهم ووعيد ﴿ رُوَيْداً أي): مهلاً.
ص: 560
(الاعلی: 87)
[3] قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ): خلق (فَهَدَى) الذكر إلى الأنثى، وقيل: الطفل إلى الثدي.
[4] قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى): الحشيش الرطب.
[5] قوله تعالى: ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءَه) أي يابساً بعد الخضرة والرطوبة. والغثاء: ما يقذفه السيل إلى جانب الوادي (أخوى): شديد الخضرة، وقيل: شديد السواد.
[14] قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ): فاز وظفر (مَن تَزَكَّى) أي تطهر وصلّى. وقيل: عمل بعد الإسلام عملاً زاكياً من الخير. وقيل: من أدّى زكاة ماله. وقيل: زكاة الفطرة وصلّى صلاة العيد. وقيل: الجمعة مع الإمام.
وقبل: (تَزَكَّى)، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول الله، وصلّى الخمس، وسبّح الله وعظمه ومجده.
[18] قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى): ذكر محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم، والقرآن. و (اَلصُّحْفِ الأُولَى): كتب الأنبياء المتقدّمين.
[19] قوله تعالى: ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) التي أنزلها عليه، وهي عشر. (وَمُوسَى) أي: وصحف موسى، قيل: صحف صغار نزلت عليه من السماء. وقيل: هي الألواح التي نزلت عليه من زبرجدة خضراء، طولها اثنى عشر ذراعاً، وقيل: بل كانت من سدر
الجنّة.
(الغاشية: 88)
[6] قوله تعالى (ضریع) نبت ذو شوك يقال له: الرطبة.
[7] قوله تعالى: ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِى مِن جُوعِ)، بل كلّما أكلوا منه ازدادوا جوعاً وعطشاً.
[15] قوله تعالى: ﴿وَنَمَارِقُ): وسائد من الديباج والحرير، جمع نمرقة.
ص: 561
[16] قوله تعالى: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ): طنافس الابريسم.
***
وورد في آخر الورقة في «ج» حديثين نصهما:
روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «یلتقي الخضر والياس علیهم السّلام في كل عام بالموسم بمنى، فيحلق كلّ واحد منهما رأس صاحبه ويقرأ هذه الكلمات: «بسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلّا الله. ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا الله. قال: من قالهنّ حين يصبح ويمسي ثلاث مرّات، آمنه الله من الغرق والحرق والشرق، ومن الشيطان والسلطان والحيّة والعقرب إن شاء الله».
روي عن أمير المؤمنين علیه السّلام أنّه قال: «أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى، وطول الأمل؛ فإنّ اتّباع الهوى يصدّ عن الحقّ، وطول الأمل بنسي الآخرة».
ص: 562
1. فهرس الآيات ...565
2 . فهرس الأعلام ...578
. فهرس الفرق والمذاهب ....588
4. فهرس القبائل...589
5 . فهرس الأماكن...591
6. فهرس الحوادث والغزوات والوقائع والأيام ...593
7. فهرس الأشعار...594
فهرس مصادر التحقيق...596
9 - فهرس المطالب...605
ص: 563
ص: 564
متن الآية...رقم الآية...الصفحة
(هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)...3...256
(فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)...54...343
(وَلَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّك...)...61...374
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا)...83...207
(وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا...)...89...46
(وَجِبْرِيلَ وَمِيكَال)...98...396
(وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ)...144...69
(قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ)...144...74
(إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ)...180...460
(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ)...194...52
(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ...)...196...156
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)...213...233
(مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)...240...86
(فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَك ....)...248...438
(لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ...)...273...220
ص: 565
(وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)...17...253
(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ...)...97...47
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) أُعدت لِلْمُتَّقِينَ)...110...106
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمِ)...140...131
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا)...165...184
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ)...173...209
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ)...10...82
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ)...15...330
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)...23...97و120
(وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ...)...33...192
(وَالجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ)...36...364
(فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ)...90...194
(ولَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ)...104...113
(وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)...125...70
(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ...)...127...118
(أَرنَا اللَّهَ جَهْرَةً)...153...69
(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)...5...83
(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا)...6...97
ص: 566
(إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ)...22...59
(فَاذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا...)...24...374
(رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ...)...25...374
(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ النَّفْسِ...)...45...76و208
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا...)...55...388
(وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ...)...67...421
(إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ...)...72...255
(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ باللغو فِي أَيْمَانِكُمْ)...89...149
(وَإِذْ تَخْلُقُ ..)...110...326
(مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ...)...160...127و377
(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ)...128...48
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَام...)...136...270
(لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ...)...158...207
(أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)...14...49
(فَكُلاً مِنْ حَيْثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ...)...19...390
(وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ...)...20...52
(وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)...21...52
(وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ...)...22...53
(بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)...23...53
(إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ....)...33...396
ص: 567
(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ...)...34...495
(أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)...54...286
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ....)...78...241
(وكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ...)...145...289
(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)...172...395
(إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)...24...48
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ)...27...209
(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ...)...48...179
(إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ...)...49...180و415
(وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)...61...177
(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرِيْ)...67...184
(الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ)...68...196
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرِى)...70...181
(وأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ...)...75...133و192
(فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)...2...79
(اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ...)...5...137و207
(فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّين)ِ...11...207
(أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ...)...26...472
(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ...)...29...207
(الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا...)...34...62
(يَوْمَ يُحْمَى)...35...62
(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ)...37...210
ص: 568
(إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ...)...40...471
(وَمِنْهُم مَن يَقُولُ أَثْذَن لِى وَلا تَفْتِنِّي)...49...212
(وَآخَرُونَ أَعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ)...102...186
(وصَلِّ عَلَيْهِمْ)...104...416
(فَمَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ)...72...387
(آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ...)...90...352
(إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)...49...329
(وَادَّ كَرَ...)...45...234
(كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ)...76...244
(فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي)...80...253
(تَاللَّهِ لَقَدْ وَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ)...91...198
(لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ)...92...199و204
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً)...28...386
(تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار)...30...386ِ
(إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)...37...72
﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ)...29...48
ص: 569
(فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَحِيمٌ)...34...49
(كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ)...80...217
(مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ)...79...340
(أُمَّةً قَانتا)...120...233
(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُو قِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ...)....126...111
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ...)...17...50
(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)...23...275
(وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآن وَحْدَهُ...)...46...42
(لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ...)...90...198
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)...45...373
(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ...)...110...255
(وهُزِّى إِلَيْكَ)...25...147
(يَوْمِ الْحَسْرَةِ)...39...457
(وإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا)...71...317
(وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَيْ)...79...257
(خُذْهَا وَلا تَخَفْ)...21...171
(فَجَمَعَ كَيْدَهُ)...60...244
ص: 570
(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ)...64...244
(فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ...)...77...351
(بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)...121...53
(وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ ...)...22...328
(لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم)...57...244
(أَنِّي مَسَّنِيَ الضَرَ)...83...448
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)...39...363
(وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)...78...75
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)...2...120
(ولَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)...31...416
(كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ...62...257
(وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْأَخَرِينَ)...64...352
(لِيَبْلُوَنِي أَشْكُرُ أَم أَكْفُرُ)...40...47
(وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْراً)...50...359
﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجَا)...83...288
ص: 571
(مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ)...89...127
القصص (28)
(وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ)...23...233
(ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظَّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ....)...24...366
(تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوك ....)...25...367
(مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)...38...517
(مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ)...84...127
العنكبوت (29)
(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ)...25...46
(وَإِنَّ الدَّارَ الْأَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)...64...48
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)...69...257
السجدة (32)
(جَزَاءً بِمَا كَانُوا)...17...326
﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم ...)...17...390
(أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ)...26...256
الأحزاب (33)
(وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ)...7...396
﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ)...9...412
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ)...33...185
(زَوَّجْنَاكَهَا)...37...394
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ)...40...394
ص: 572
(وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَ دَعْ أَذَاهُمْ)...48...415
(تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِى إِلَيْكَ ...)...51...413
﴿وَإِن مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)...24...232
يس (36)
(وجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) ...9...190
(هَذَا يَوْمُ الدِّينِ)...20...43
(فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ)...141...231
(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ)...142...231
(فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَحِيمٌ)...77...49
(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)...78...49
(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)...82...50
(إلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)....83...50
(وقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ...)...28...366
(أَدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)...60...56
(فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ)...16...240
ص: 573
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ)...17...256
(لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ....)...21...431
(وما أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا...)...30...326
(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)...4...43
﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ)...41...387
(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً)...79...144
(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ...)...80...470
الجاثية (45)
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا....)...24...46
(وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ)...28...234
(إنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنّا)...32...57
(فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُنذِرِينَ)...29...275و309
(فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ...)...4...208
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ)...22...470
الفتح (48)
(وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ)...12...57
ص: 574
(مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار....) ...29...46
(وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) ...11...474
(إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)...13...326
(لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ ...)...22...389
القمر (54)
(فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِر)ٍ ...11...237
(وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى..)...12...237
(وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر)...13...237
(كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)...18...240
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمٍ نَحْسٍ...)...19...240
(فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ)...75...504
(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا...)...23...377
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء...)...1...197و209
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ....)...12...205
ص: 575
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)...16...104
(وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ...)...4...470
(وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ)...6...240
(وَسَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوما)...7...240
(فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ)...21...385
(رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارا)...26...236
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً)...25...52
(أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً)...26...52
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا)...38...281
(أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)...24...229و517
ص: 576
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً...)...19...389
(فَقْدِرَ عَلَيْهِ رِزْقه)...16...317
(فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)...4...530
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر)...1...386
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ)...2...386
(خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر)...3...286
(ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)...8..456
(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)...1...388
ص: 577
رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم، 45 48، 61 ، 62، 63، 64، 66، 69، 74، 75، 78، 81، 82، 96، 98، 101، 102، 105، 106، 107، 108، 109، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 126، 128، 129، 130، 131، 132، 141، 142، 145، 146، 148، 149، 152، 153، 154، 159، 163، 167، 176، 177، 178، 179، 180، 181، 182، 183، 184، 185، 186، 187، 188، 189، 190، 191، 193، 194، 195، 196، 197، 198، 199، 200، 201، 202، 203، 204، 205، 206، 207، 208، 211، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 225، 229، 234، 256، 258، 259، 262، 265، 267، 268، 269، 271، 272، 273، 274، 277، 279، 280، 281، 282، 284، 285، 289، 293، 295، 296، 300، 301، 303، 304، 306، 308، 309، 312، 321، 322، 323، 328، 330، 332، 333، 334،335، 336، 341، 342، 343، 347، 355، 357، 360، 370، 381، 382، 383، 385، 386، 387، 389، 390، 392، 393، 394، 396، 397، 398، 399، 401، 402، 403، 404، 405، 406، 407، 408، 409، 410، 411، 412، 414، 415، 416، 417، 421، 422، 426، 432، 435، 437، 450، 452، 453، 462، 463، 464، 465، 468، 469، 470، 471، 472، 473، 479، 481، 493، 495، 499، 502، 518، 519، 527، 540، 542، 550، 552، 553.
النبيّ صلّی الله علیه وآله وسلّم،42، 77، 88، 102، 110، 116، 122، 128، 129، 160، 177، 198، 238، 257، 260، 266، 267، 270، 273، 285، 300، 373، 386، 396، 413، 428، 478، 482، 492، 529، 532، 559، 562.
محمّدصلّی الله علیه وآله وسلّم،172 ، ،208، 277 ، 307، 308، 352، 379، 381، 475، 519.
محمّد بن عبد الله، 308
عليّ علیه السّلام، 10987، 111، 126، 143، 178، 179، 182، 188، 197، 198، 202، 208، 209، 212،
ص: 578
229، 26667، 302، 303، 323، 344، 392، 403، 404، 407، 421، 435، 472، 473، 500، 502، 504، 527، 532، 540.
علیّ بن أبی طالب علیه السّلام، 102، 113، 262، 402، 403، 404، 490.
أمير المؤمنين علیه السّلام، 43، 45، 48، 62، 64، 76، 81، 84، 102، 106، 108، 109، 110، 124، 126، 130، 143، 144، 145، 149، 167، 173، 178، 182، 194، 195، 197، 198، 202، 206، 207، 208، 209، 212، 225، 226، 228، 234، 248، 256، 258، 259، 260، 266، 269، 272، 292، 293، 301، 303، 306، 331، 332، 340، 341، 342، 343، 345، 354، 355، 357، 360، 363، 366، 379، 385، 386، 392، 398، 402، 403، 404، 407، 414، 418، 421، 426، 449، 450، 451، 452، 454، 468، 470، 473، 483، 512، 514، 515، 518، 521، 529، 537، 541، 542، 562،.
فاطمة سلام الله علیها، 102، 224 ، 238 ، 262، 277، 323، 383، 468، 512، 550.
فاطمة بنت محمّد رسول الله 110.
فاطمة الزهراء سلام الله علیها، 185.
الزهراءسلام الله علیها، 292.
الحسن علیه السّلام، 64، 102، 106، 126، 238، 323، 332، 490، 512، 537.
الحسین علیه السّلام، 64، 102، 126، 238، 277، 297، 231، 323، 332، 468، 490، 512، 537.
الحسين بن علي علیه السّلام، 106، 363، 465.
الباقر علیه السّلام، 45 ، 66 ، 88، 136، 167، 208، 220، 260، 262، 264، 265، 266، 279، 294، 309، 343، 359،.
زين العابدين علیه السّلام، 194
علي بن الحسين علیه السّلام، 150 ، 222، 223، 279، 281، 378، 390، 453، 456، 459.
أبو جعفر علیه السّلام، 66، 98، 140، 141، 152، 169، 215، 257، 275، 282، 283، 283، 304، 306، 308، 344، 345، 346، 348، 352، 353، 363، 377، 379، 381، 386، 389، 421، 422، 426، 471، 472، 474، 475، 527، 539، 551، 556.
الصادق علیه السّلام، 43، 45، 47، 48، 49، 52، 54، 56، 71، 78، 79، 80، 87، 88، 90، 95، 96، 110، 117، 119، 121، 122، 124، 125، 129، 135، 138، 140، 142، 143، 155، 160، 161، 173، 176، 194، 209، 218، 222، 240، 246، 249، 257، 260، 261، 263، 266، 272، 283، 288، 289، 297، 301، 305، 307، 325، 329، 337، 343، 344، 349، 353، 355، 357، 361، 370، 383، 388، 390، 395، 422، 424، 426، 435، 438، 444، 449، 452، 457، 460، 462، 463، 464، 468، 484، 502، 504، 505، 513، 521، 522، 529، 537، 545، 547، 549، 553.
أبو عبد الله علیه السّلام، 42 56، 91 ، 133، 149، 159، 160، 161، 166، 169، 193، 228، 229، 234، 235، 251، 256، 257، 263، 265، 268، 272، 279، 280، 281، 285، 288، 289، 292، 298، 300، 304، 310، 311، 317، 322، 326، 328، 331،
ص: 579
347، 348، 350، 353، 360، 363، 367، 376، 377، 392، 417، 422، 429، 452، 454، 457، 458، 465، 470، 471، 478، 480، 484، 489، 523، 545، 554.
الرضاعلیه السّلام، 158، 165، 237، 238، 339.
أبو الحسن علیه السّلام، 258، 429، 479، 554
أبو الحسن الرضا علیه السّلام، 90
القائم علیه السّلام، 126، 321، 341، 357
قائم آل محمّد علیه السّلام، 141، 310
آدم علیه السّلام، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 66، 67، 73، 118، 263، 280، 347، 351، 390، 389، 507.
إبراهيم علیه السّلام، 70، 71، 72، 73، 74، 78، 94، 122، 162، 163، 167، 223، 245، 252، 254، 263، 266، 279، 307، 308، 313، 314، 315، 368، 435، 461، 550.
إدريس علیه السّلام، 299
إسحاق، ،245 ، 252، 254، 263، 266، 435
إسماعيل علیه السّلام، 71، 2، 73، 263، 435
أيّوب، 447، 448، 449
الخضر علیه السّلام، 290، 291، 295، 562
داود علیه السّلام، 357 ، 419 ، 438، 439، 440، 441
زکریّا، 100، 297
سليمان علیه السّلام، 316، 357، 358 359، 419، 420،
عزیر، 93، 209
عیسی علیه السّلام، 100، 102، 134، 146، 147، 155، 156، 157، 158، 255، 289، 307، 308.
عیسی بن مریم، 423
المسيح، 209
موسی علیه السّلام، 54، 57، 58، 59، 60، 88، 89، 171، 172، 174، 212، 229، 231، 234، 285، 289، 290، 291، 295، 305، 306، 307، 308، 343، 351، 362، 364، 365، 366، 367، 368، 369، 374، 375، 376، 438، 561.
موسى بن عمران 53، 231، 253، 363.
نوح، 235، 236، 237 ، 275، 280، 307، 368، 461، 507.
هارون بن عمران، 232، 306، 343، 374، 396، 418.
هود، 239، 240، 461.
الياس، 562.
يحيى بن زكريا علیه السّلام، 93، 297، 465.
يعقوب، 245، 246، 251، 252، 253، 254.
يعقوب بن إبراهيم، 249.
یوسف، 24488 ، 245، 246، 247، 248، 249، 250، 251، 252، 253، 254.
يوشع بن نون، 89، 289، 351.
يونس بن متی، 231، 232.
جبرئيل علیه السّلام،53، 54، 58 ، 73، 74، 75، 111، 113، 131، 179، 189، 190، 196، 200، 267، 277، 282، 389، 303، 314، 322، 397، 406، 71، 82، 100، 109، 115، 132، 141، 180، 187، 194، 219، 221، 236، 248، 281، 282، 285، 301، 306، 307، 315، 352، 365، 407، 449،463، 479، 517، 519، 387، 532.
ص: 580
إسرافيل، 282، 453.
ميكائيل، 66، 281، 387، 463.
ملك الموت، 376، 389.
آزر، 161، 163، 162، 313.
آسية، 364، 365.
آصف بن برخيا، 359، 445.
أبان بن عثمان، 166.
الأبرش الكلبي، 310، 311.
ابن ادریس، 191.
ابن أبي الحديد، 185.
ابن أبي سرح، 203.
ابن أبي عمير، 155.
ابن أبي قحافة، 190.
ابن أبي مارية، 153، 154.
ابن إسحاق بن إبراهيم خليل، 252.
ابن أمّ مكتوم، 518.
ابن جبیر، 108، 109.
ابن جحش، 81.
ابن الجزري، 492.
ابن الحضرمي، 81 ، 177.
ابن حمیر، 218.
ابن شيبة، 341.
ابن شيبة اليهودي، 125.
ابن عبّاس، 42، 194 ، 350، 486، 490، 524.
ابن قميئة، 109.
ابن مریم، 168.
ابن ملجم، 294.
ابن منصور، 213.
ابني الحجاج، 181.
أبو بشر الأنصاري، 180.
أبو بصير، 42، 316.
أبو بكر، 185، 190، 194، 210، 279، 323، 342، 382.
أبو جعفر الأحول، 133.
أبو جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي، 185.
أبو جهل، 176، 177، 180، 189، 510، 538.
أبو جهل بن هشام، 181.
أبو حمزة، 345.
أبو حنيفة، 416.
أبو خثيمة، 213، 214، 217.
أبو دجانة سماك ب بن خرشة، 109، 202.
أبو ذر الغفاري، 61، 62 ، 63، 64، 65، 105، 124، 197، 206، 214، 217، 342.
أبو زيد، 350.
أبو سفیان، 108 ، 111، 112، 114، 195، 196، 199، 200، 201، 202، 208، 406.
أبو سفيان الحارث بن عبد المطلب، 198.
أبو سفيان بن حرب، 199.
أبو شبل، 327.
أبو الصباح، 363.
أبو طالب، 285، 370، 393، 482.
أبو العاص بن الربيع، 184، 185.
أبو عامر الراهب، 221.
أبو عبيدة، 354، 381، 382، 502.
أبو عتبة، 202.
ص: 581
أبو عزيز، 108.
أبو فراس بن حمدان، 391.
أبو قيس بن الفاكه، 180.
أبو لبابة، 209، 219، 408.
أبو لهب، 190.
أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، 213.
أبو مسلم، 442.
أبو الهيثم بن التيهان، 188، 197.
أبو يزيد، 181.
أحمد البرقي، 165.
أحمد بن إدريس، 166.
أحمد بن محمّد، 166.
إرميا، 88 91، 92 ، 93.
أسامة بن زيد، 130.
الأسود بن زنيم الهذلي، 195.
الأسود بن عبد يغوث، 267.
الأسود بن المطلب، 267.
أسيد بن حصين، 405.
أسيد بن حضير، 188.
أسيد بن عروة، 132.
الأشتر، 65.
الأصبغ بن نباتة، 225، 340.
الأقرع بن حابس، 397.
أكيدر بن عبد الملك، 216.
أمّ إبراهيم، 162، 412.
أمّ حكيم، 107.
أمّ سلمة، 198، 217، 335، 413.
أمّ لحكيم بنت الحرث بن هشام، 205.
أمّ موسى، 363، 364.
أمّ هاني بنت أبو طالب، 203.
أمية بن عوف، 210.
أوريا بن حنّان، 438، 439، 440، 441.
بخت نصر، 92، 93.
بدیل بن ورقاء، 199.
البراء بن معرور، 187.
بكر بن محمد الأزدي، 288.
بلال، 149.
بلعم، 286.
بلعم بن ناعور، 174.
بنو أبيرق، 132.
بنيامين، 89 244.
تارخ، 163، 313.
ثابت بن قيس بن الشماس، 411.
ثعلبة بن حاطب، 218.
جابر بن عبد الله الأنصاري، 386، 389، 398، 399.
جالوت، 89.
جبير بن مطعم، 110.
الجد بن قيس، 211.
جعفر بن أبو طالب، 146، 148، 198، 267، 392.
الجلاس بن سويد بن ا الصامت، 218.
جميلة، 149.
الحارث بن الطلاطلة الخزاعي، 267.
الحارث بن ربيعة 180.
الحارث بن هشام، 114.
حارثة بن شراحيل الكلبي، 393.
حارثة بن النعمان، 407.
ص: 582
حاطب بن أبي بلتعة، 209، 493
حام، 238
الحجاج، 134، 179
حذيفة بن اليمان 145، 406
الحرث بن زمعة، 415
الحرث بن سميّة، 110
الحرث بن هشام، 203
حريز السجستاني، 28
حزام، 203
حزقيل، 440
حسّان بن ثابت، 401
حسان الجمّال، 502
الحسن البصري، 481
الحسين بن أبو العلاء، 300
حفص بن غياث، 376
حفصة، 500
حکیم بن حزام، 199
حمّاد، 52، 300
حمران، 259، 539
حمزة، 110، 111، 114، 115، 179، 188، 202، 209، 274.
حمزة بن عبد المطلب، 110، 112، 178.
حمنة بنت جحش 112.
حوّاء، 52، 53، 56، 118، 175، 263، 390، 507
الحويرث بن قرة، 203
حويطب، 202
حيي بن أخطب، 396، 397، 400، 407، 410، 411
خالد بن الوليد، 108 ، 109 ، 114، 131، 202، 216، 406
خديجة بنت خويلد، 184، 267، 392، 535
داود بن آسي، 89
دحية الكلبي،407
رافع بن مالك، 188
ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب، 204
رحمة بنت يوسف بن يعقوب، 446
رفاعة بن زيد، 411
الزبير، 169، 176، 197، 202، 342، 404
الزبير ابن أبا طالب، 411
الزبير بن العوام، 125
زرارة، 474
الزهري، 150، 151، 222، 390
زید، 238، 267، 392، 393، 394
زيد الشحام، 317، 421
زید بن ثابت، 218
زید بن حارثة، 392، 414
زید بن محمد، 393
زید بن موسی، 238
زید بن ورقاء الخزاعي، 195
زینب بنت الحارث، 410
زینب بنت جحش، 393، 414
زینب بنت رسول الله، 184، 185
سارة، 71
سالم، 502
سام بن نوح، 156، 238
سعد بن أبي طلحة، 108
سعد بن خيثمة الاوسي، 182، 188
ص: 583
سعد بن الربيع، 111، 188
سعد بن زرارة، 187
سعد بن سعد، 165
سعد بن عبادة، 188 ، 197 ، 201، 202، 405
سعد بن معاذ، 107، 405، 412
سلمان الفارسي، 124، 342، 397
سلمة بن صخر، 213
سلیمان بن خالد، 326
سماك بن خرشة، 109
سهيل بن عمرو ،181، 194، 195، 202، 206
السيّد المرتضى، 54، 94
الشافعي، 416
شريك بن سمحاء، 333
شعيب العقرقوفي، 166
شهر بن حوشب، 134
شيبة، 177، 178، 209
شيبة بن ربيعة، 181
صفوان، 202
صفوان بن أمية، 112، 114، 194، 195
صفوان بن المعطل 335
صفية، 152
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، 414
ضرار بن الخطاب، 404
طالوت، 88
طلحة، 169، 342
طلحة بن أبي طلحة، 108
عائشة، 149، 334 ، 335، 415 ، 473، 500
العاص بن منبه، 415
العاص بن المنبه بن الحجّاج، 180
العاص بن وائل السهمي، 267، 284، 550
عامر بن عدي، 221
عبادة بن الصامت، 188
العباس بن عبد المطلب، 180، 181، 198، 199،
العباس بن مرداس، 397
عبد الرحمن بن أبي بكر، 468
عبد الرحمن بن خطل، 203
عبد الرحمن بن عوف، 341، 342
عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن العتائقي،507
عبد الله بن أبي، 107، 112، 113، 116، 140، 141، 211، 212، 222، 409، 492، 496
عبد الله بن أبي أمية، 198
عبد الله بن أبي ربيعة، 203
عبد الله بن العباس، 279
عبد الله بن جبير107، 113
عبد الله بن جحش، 81، 112
عبد الله بن جمیل، 108
عبد الله بن جندب، 339
عبد الله بن حرام، 187
عبد الله بن رواحة، 188
عبد الله بن سعد بن أبي سرح، 163، 203
عبد الله بن عبد الله، 222
عبد الله بن مسعود، 180
عبد الله بن نفیل، 221
عبد المطلب، 152
ص: 584
عبد الحارث، 175
عبيدة، 179
عبيدة بن الجراح، 144
عبيدة بن الحارث، 182
عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، 178
عتاب بن أسيد، 206
عتبة، 107، 177، 178
عتبة بن أبي لهب، 559
عتبة بن ربيعة، 81 177، 181
عثمان، 61 ، 62 ، 63، 64 ، 163، 214، 279، 341، 342، 518
عثمان بن أبي طلحة، 108
عثمان بن طلحة، 204
عثمان بن مظعون 149
عدي بن حاتم الطائي، 64
العرباض بن سارية السلمي، 3
عزیز مصر، 245
عقبة بن أبي معيط، 115، 181، 182، 284
عقيل بن أبي طالب، 180، 181
عكرمة، 202، 203، 205
عكرمة بن أبي جهل، 107، 114، 203
علي بن إبراهيم، 222، 269، 300، 339، 441
علي بن إبراهيم بن هاشم، 557
علي بن أمية بن خلف، 180، 415
علي بن حديد، 156
علي بن الحكم، 166
عليّة بن زيد، 213
عمّار بن ياسر ،116 ، 125 ، 208، 219، 273، 342،
559
عمار الدهني، 456
عمّارة بن الوليد، 146، 147
عمّارة بن حزم، 218
عمران. 100
عمر بن الخطاب، 152 ، 185، 200، 279، 323، 342، 404
عمر بن وهب، 218
عمرو، 148، 180، 402 ، 403، 409
عمرو بن الجموح، 180
عمرو بن العاص، 114، 146، 147، 406، 550
عمرو بن سالم الخزاعي، 196
عمرو بن عبدودّ، 294، 402
عمرو بن عوف، 221
غنمة، 213 عمرو بن
عمرو بن وهب، 214
عمرة بنت علقمة الحارثية، 107 ، 108
عمير بن وهب الجمحي، 177
عناق بنت آدم، 226
عويمر بن ساعدة العجلاني الأنصاري، 333
عيينة بن حصن، 405
غزال بن شمول 408، 411
فرعون، 171، 174، 226، 351، 352، 362، 363، 364، 365، 366، 370، 380، 504
فضيل بن عياض، 160
قابیل بن آدم، 139، 258
قارون، 226، 231 ، 232 ، 363، 374، 375، 376، 380، 418
ص: 585
القاضي ابن العربي، 234
قتادة بن دعامة، 421
قتادة بن النعمان، 132
قوم شعیب، 380
قوم صالح، 380
قيس بن الفاكهة، 415
قيس بن الوليد بن المغيرة، 180
كعب الأحبار، 61
كعب بن أسد، 407، 408، 410، 411
كعب بن مالك الشاعر 217
کلاب بن طلحة، 108
كلثم بنت عقبة بن أبي معيط، 493
كلثم بنت عمران، 232، 374
لاوي، 88 89 251، 375، 376
لبابة بن عبد المنذر، 186
لبيد بن سهل، 132
لقمان، 385
ماروت، 66
مارية القبطية أم إبراهيم، 148، 335، 473
مالك بن الدخشم الخزاعي، 221
مالك بن عوف النضري، 197
مأجوج، 285، 294
محمّد بن الحسن شنبولة، 322
محمّد بن علي بن الحسين بن علي، 134
محمّد بن الفضل، 379
محمد الحلبي، 176
مخشن بن حمیر، 218
مرارة بن الربيع، 217
مرثد بن أبي مرثد الغنوي، 176
مرداس بن نهيك، 130
مریم، 100
مسافع بن طلحة، 108
مسعود، 129
مسعود بن رجيلة، 128
مصعب بن عمیر، 113
معاوية، 406، 504
المغيرة بن العاص، 116
مقاتل بن سليمان، 56
مقبض أسلم، 203
مقبض بن ضبابة، 203
المقداد، 125، 176، 342
المقوقس، 148، 149
مکرز بن حفص، 202
منبه، 181
المنذر بن عمرو، 188
نباش بن قيس، 411
النجاشي، 146، 147، 148
نسيبة بنت كعب المازنية، 109
تفسير القمي
النضر بن الحارث بن كلدة، 115، 181، 182، 284
نعيم بن مسعود الأشجعي، 114، 116، 114، 401
نمرود بن کنعان 91 161، 162، 249، 252، 313، 315،314
نوفل بن الحارث، 181
نوفل بن خویلد، 181
وحشي، 110
وديعة بن ثابت، 218
ص: 586
هبيرة بن وهب المخزومي، 203، 404
هرقل، 211، 215
هرمي بن عمير، 213
هشام بن الحكم، 311، 328
هلال بن أُميّة الواقفي، 317
هند 107، 110، 202
هند بنت عتبة، 109، 205
ياسر الخادم، 237
یافث، 238
يأجوج، 285، 294
الوليد، 177
الوليد بن عتبة، 178
الوليد بن عقبة، 474
الوليد بن المغيرة، 267، 322، 560
وهب بن عمیر، 186
وهب بن قابوس، 109
هابیل، 139
هاجر، 71، 72، 73
هاروت، 66
هامان، 226، 362، 363، 369، 370
ص: 587
النصارى، 43 ، 59 ، 102، 143 ، 209، 225 ، 284، 380، 423، 489
اليهود، 43، 59 ، 60، 66 ، 75، 98، 103، 104، 106، 112، 124، 125، 130، 140، 141، 143، 209، 225، 284، 296، 341، 344، 380، 401، 404، 405، 409، 410، 411، 412، 423، 489، 495
الإسلام، 60 63 ، 98 ، 143 ، 148، 194، 197، 207، 208، 216، 381، 392، 415، 469، 474، 502، 534، 551، 561
الشیعة، 393
الصابئون، 59
القدرية، 481
المعتزلة، 305
ص: 588
الأوس، 107، 186، 187، 188، 197، 405، 409
أسلم، 197
بكر، 195
بنو إسرائيل، ،57 58 59، 88، 91، 92، 93، 139، 156، 171، 172، 173، 187، 229، 253، 289، 290، 306، 307، 315، 363، 365، 374، 417، 438، 441
بنو أمية، 263 ، 278، 350، 386، 513، 553
بنو أبيرق، 131
بنو أشجع، 128
بنو بكر، 196
بنو جذيمة، 474
بنو حارثة، 213
بنو حظيرة، 84
بنو زريق، 213
بنو سالم، 221
بنو سلمة، 213
بنو سلیم، 201، 213، 397
بنو ضمرة، 128
بنو العباس، 514
بنو عبد الدار، 108
بنو عبد المطلب، 177
بنو عمرو بن عوف، 213
بنو قريظة، 140 ، 141، 186، 397، 400، 407، 409، 411، 412، 414
بنو قینقاع، 8
بنو مازن بن النجار، 213
بنو المغيرة، 263
بنو النجّار، 218
بنو النضير 140 ، 141، 396، 408، 492
بنو النظير، 492
بنو واقف، 213
بنو هارون، 140
بنو هاشم، 144، 189، 262، 355، 553
ثمود، 240
جهينة، 197
خزاعة، 195، 196، 202
ص: 589
415، 432، 437، 471، 548
قوم شعیب، 267
قوم صالح، 267
قوم لوط، 379
كنانة، 202
مزينة، 197
نجران، 284
نصاری نجران، 101
هوازن، 197
الخزرج، 107، 186، 187، 188، 197، 405، 409
الخوارج، 296
سلیم، 197
غفار، 197
قریش، 69، 108، 111، 112، 113، 115، 132، 146، 148، 163، 176، 177، 178، 180، 181، 182، 184، 185، 188، 189، 190، 195، 196، 199، 204، 263، 267، 272، 279، 322، 382، 387، 393، 396، 400، 401، 403، 406، 407،
ص: 590
الأبواء، 145
أحُد، 116
الإسكندرية، 149
أبو قبيس، 74
أشجع، 128
بابل، 68
بستان بنو عامر، 81
البصرة، 238
البلقاء، 211، 215
بیت المقدس، 57، 58، 75، 91، 93، 516
تبوك، 211، 214، 215
ثور، 190
جبال مكّة، 54
الجحفة، 145
الجدة، 211
الحبشة، 146، 148
الحجاز، 133
خراسان، 238
خیبر، 396
دار أبي سفيان، 201
ذناب 217
ذي طوی، 72، 73
الربذة، 61، 63، 64، 65، 214
الروم، 381
زمزم، 72
سدرة المنتهى، 96
السعي، 2
الشام ،71، 88، 132 ، 211 ، 242، 315، 410، 495، 516، 548
شحيمة، 195
شعب عبد المطلب، 206
طور سيناء، 376
العراق، 65، 214
عرفات، 54، 74
عقبة هرشي، 145
عکاظ، 392
غدير خمّ، 259، 502
فدك، 130
ص: 591
مسجد الخيف، 143
مسجد الفتح، 398، 405
مسجد الكوفة، 237
مسجد النبيّ، 101، 337
المشعر، 55
مصر، 171، 245، 253، 374
مكّة، 54، 55، 63 ، 69، 75، 79، 107، 108، 112، 116، 132، 144، 163، 173، 177، 180، 183، 184، 187، 193، 194، 195، 198، 202، 203، 204، 205، 208، 211، 237، 263، 267، 268، 285، 320، 321، 330، 387، 393، 396، 404، 410، 414، 415، 421، 463، 493، 534
منی، 74
ناحية الجبل، 130
يثرب، 405
الكعبة، 70 75، 204، 221، 403
كنانة، 128
الكوفة، 238
المدائن، 351
مدین، 242، 354، 366
المدينة، 63، 75، 93، 107 ، 108 ، 110، 112، 113، 114، 115، 116، 128، 132، 133، 140، 141، 144، 148، 154، 163، 185، 186، 191، 195، 196، 197، 198، 211، 212، 213، 217، 218، 222، 239، 268، 269، 273، 285، 286، 342، 366، 381، 387، 393، 396، 397، 407، 408، 409، 412، 414، 415، 417، 426، 440، 493، 534
المسجد الحرام، 131 ، 194 ، 202، 209، 311، 322
مسجد بنو سالم، 75
ص: 592
ليلة القدر، 465
يوم البصرة، 464
يوم بويع، 363
يوم التروية، 74
اليوم حمراء الأسد، 114
يوم حنين، 199
يوم عاشوراء، 152
يوم عرفة، 152، 523
يوم غدير خمّ، 421، 470
يوم فتح مكّة، 194، 208، 281، 493
يوم القيامة، 523
الأحزاب، 187
بدر، 115، 116، 181، 185، 186، 187، 415
غزاة بدر، 186
حرب الجمل، 130، 169
حرب صفّين، 130، 464
الخندق، 186، 187
عام الفيل، 266
غزا بنو قريظة، 186
غزاة أحُد، 107، 131، 274
غزاة الحديبيّة، 128 ، 131 ، 137، 150، 195، 471
غزاة خيبر، 130، 536
غزوة تبوك، 193، 332
ص: 593
ياربّ إنّي ناشد محمّداً***حلف أبينا وأبيه الأتلدا 196
إتّق الله والصلاة فذرها***إنّ في الصوم والصلاة فساداً 416
لعمري لئن انزفتموا أو ضحوتموا***لبئس التداني كنتم آل أبحرا 435
في وجهه شافع يمحو إساءته***من القلوب وجيهاً حيث ما سفرا 100
أوصي بنصر الأمين الخير مشهده***بعدي عليّاً وعلي الخير عباسا 371
إنا إذا ما فئة نلقاها***نردّ أولاها على أخراها 404
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً***نبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتب 371
إنّ الحمار مع الحمار مطيّة*** فإذا خلوت به فبئس الصاحب 471
أنا عليّ وابن عبد المطلّب***الموت خير للفتى من الهرب 404
في کلّ شجر نار*** واستمجد المرخ والعفار 433
ص: 594
ولقد بححت من النداء***بجمعكم: هل من مبارز؟ 402
لا تعجلن فقد أتا***ك مجیب صوتك غير عاجز 402
بئرِ معطلّة وقصر مشرف*** مثل لآل محمّد مستطرف 322
یا راكباً إن الأثيل مظنة*** من صبح خامسة وأنت موفّق 183
غنى النفس لمن يعقل***خیر من غنى المال 391
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه*** ولكنّه من يخذل الله يخذل 410
كذبتم وبيت الله يبزى محمد*** ولمّا نطاعن دونه ونناضل 179
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه*** شمال اليتامى عصمة للأرامل 372
اليوم يبدو بعضه أو كلّه*** فما بدا منه فلا أحلّه 193
الیوم یوم الملحمة*** اليوم تستحلّ الحرمة 201و202
لا سيف إلا ذو الفقار*** و لافتى إلّا علىّ 109
ص: 595
1. القرآن الكريم.
2. الاحتجاج؛ أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (ت 548 ه). تحقيق و نشر: دار النعمان - النجف الأشرف 1386 ه- .
3.أحكام القرآن؛ ابن العربي ( ت 543 ه). تحقيق: محمّد عبد القادر عطا، دار الفكر - بيروت.
4. أحكام القرآن ؛ محمد بن إدريس الشافعي ( ت 204ه). تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلميّة - بيروت 1400 ه.
5. الاختصاص؛ أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد رحمه الله (ت 413 ه) . تحقيق : عليّ أكبر الغفاري، دار المفيد - بيروت، الطبعة الثانيّة 1414ه.
6. الاستغاثة؛ أبو القاسم عليّ بن أحمد بن موسى الكوفي ( ت 352ه). الطبعة الأولى - العراق.
7. الاستيعاب؛ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (ت 463 ه). تحقيق : عليّ محمّد البجاوي، دار الجيل - بيروت، الطبعة الأولى 1412ه.
8. أسد الغابة في معرفة الصحابة؛ أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630 ه).
تحقیق و نشر : دار الكتاب العربي - بيروت .
9. الإصابة في تمييز الصحابة ؛ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852ه). تحقيق و نشر : دار الكتب العلميّة - بيروت، الطبعة الأولى 1415ه.
10. إعانة الطالبين؛ أبو بكر بن السيّد محمد شطا الدمياطي ( ت 1310ه). دار الفكر - بيروت، الطبعة الأولى 1418ه.
11. أقرب الموارد؛ سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، طبعة مكتبة آية الله المرعشي رحمه الله بقم، 1403ه.
12. الأمالي؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381 ه). تحقيق و نشر: مؤسسة البعثة - قم، الطبعة الأولى 1417ه.
ص: 596
13. الأمالي؛ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله (ت 460 ه). تحقيق و نشر: مؤسّسة البعثة، الطبعة الأولى 1414ه.
14. الأمالي؛ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد (ت 413ه). تحقيق: الحسين أستاد ولي - عليّ أكبر الغفاري، دار المفيد - بيروت، 1414ه.
15. إمتاع الأسماع؛ أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي ( ت 845ه) . تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، منشورات محمد علي بيضون - بيروت، الطبعة الأولى 1420ه.
16. الأنساب؛ أبو سعد عبد الكريم السمعاني ( ت 562 ه) . تحقيق: عبد الله عمر البارودي، دار الجنان - بيروت، الطبعة الأولى 1408ه.
17. بحار الأنوار؛ العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي رحمه الله (ت 1111 ه). تحقيق و نشر: مؤسّسة الوفاء - بيروت، الطبعة الثانية 1403ه.
18. البداية والنهاية ؛ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ( ت 774ه) . تحقيق : علي شيري، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1408ه.
19. البرهان في تفسير القرآن؛ سيد هاشم البحراني ( قرن 11) تحقيق: مؤسّسة البعثة - تهران، 1416ه.
20. بصائر الدرجات؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار ت (290 ه) . تصحيح: الحاج میرزا حسن کوچه باغي، منشورات الأعلمي - طهران 1404 ه.
21. تاج العروس من جواهر القاموس؛ أبو فيض محمد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي (ت 1205ه) . تحقيق: عليّ شيري، دار الفكر - بيروت، 1414ه.
22. تاريخ الطبري؛ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310ه). تحقيق و نشر: مؤسّسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الرابعة، 1403ه.
23. تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة؛ السيد شرف الدين علي الحسين النجفي (ت 965 ه). تحقیق و نشر: مدرسة الإمام المهدي، الطبعة الأولى 1407ه.
24. التحصين؛ أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي ( ت 841ه)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي - قم، الطبعة الثانية، 1406ه.
25. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي؛ أبو العلاء محمد عبدالرحمن المباركفوري (ت 1282 ه). تحقيق و نشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، الطبعة الأولى 1410ه.
26. التفسير الأصفى؛ المولى محمّد محسن الفيض الكاشاني (ت 1091ه)، تحقيق: مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة، الطبعة الأولى، 1418ه.
27. التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السّلام؛ تحقيق و نشر مدرسة الإمام المهدي علیه السّلام- قم ، الطبعة الأولى 1409ه.
ص: 597
28. تفسير البغوي ؛ البغوي ( ت 510ه) . تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، دار المعرفة - بيروت.
29. تفسير الثعلبي؛ الثعلبي ( ت 427 ه). تحقيق: أبو محمّد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1422ه.
30. تفسير الرازي؛ الفخر الرازي ( ت 606 ه) . الطبعة الثالثة.
31. تفسير السمعاني؛ أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني ( ت 489ه- ). تحقيق : ياسر بن إبراهيم ، دار الوطن - الرياض ، الطبعة الأولى 418 ه.
32. التفسير الصافي؛ المولى محسن الفيض الكاشاني (ت 1091ه) مؤسسة الإمام الهادي علیه السّلام - قم، الطبعة الثانية، 1416ه.
33. تفسير العيّاشي؛ محمّد بن مسعود السمرقندي المعروف بالعيّاشي (ت 320ه). تحقيق: الحاج سیّد هاشم الرسولي المحلاتي ، المكتبة العلمّية الإسلاميّة - طهران .
34. تفسير غريب القرآن؛ الشيخ فخر الدين الطريحي ( ت 1085ه- ). تحقيق: محمّد كاظم الطريحي، انتشارات الزاهدي - قم.
35. تفسير القرطبي؛ أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( ت 671 ه) . تحقيق : أحمد عبد العليم البردوني، دار إحياء التراث العربي - بيروت .
36. تفسير القمّي؛ أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي ( ت 329ه) . تصحيح؛ السيّد طيب الموسوي الجزائري، مؤسسة دار الكتاب - قم ، الطبعة الثالثة 1404 ه.
37. تنزيه الأنبياء؛ أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف الرضي (ت 436ه)، دار الأضواء - بيروت، الطبعة الثانية، 1409ه.
38. التوحيد؛ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ت 381ه). تحقيق: السيّد هاشم الحسيني، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم.
39. تهذيب الأحكام؛ أبو جعفر محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (ت 460 ه). تحقيق : السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية - طهران ، الطبعة الثالثة 1364 ش . 4
40. تهذيب الكمال؛ أبو الحجّاج يوسف المزي (ت 742ه- ). تحقيق: بشّار عواد معروف، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الرابعة 1406ه.
41. التيسير في القراءات السبع؛ أبو عمرو الداني (ت 444ه)، تحقيق: أوتو برتسل، طبقة إستانبول، 1920م.
42. الثاقب في المناقب؛ أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزه (القرن السادس). تحقيق: نبيل رضا علوان، مؤسسة أنصاريان - قم، الطبعة الثانية، 1412ه.
43. الجرح والتعديل؛ أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327ه) . تحقيق و نشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1371 ه.
ص: 598
44. جمهرة أنساب العرب؛ ابن حزم الأندلسي (ت 456ه). دار الكتب العلميّة - بيروت، 1403ه.
45. جوامع الجامع؛ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه). تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الأوّلى، 1418ه.
46. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء؛ الحافظ أبو نعيم الأصبهاني ( ت 403ه)، تحقيق: دار الكتاب العربي - بيروت، 1407ه.
47. الخرائج والجرائح؛ قطب الدين الراوندي ( ت 537 ه). تحقيق و نشر مؤسسة الإمام المهدي - قم ، الطبعة الأولى 1409ه.
48 . خصائص الأئمّة؛ أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي المعروف بالشريف الرضي (ت 406 ه) . تحقيق: محمد هادي الأميني، مجمع البحوث الإسلامية – مشهد 1406ه.
49. الخصال؛ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381ه). تحقيق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1403 ه.
50. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلامة الحلي (ت 726ه) . تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، مؤسسة النشر الإسلامي – قم ، الطبعة الأولى 1417ه.
51. الخلاف؛ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ( ت 460 ه). تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي - قم 1407 ه- .
52 . الدر المنثور؛ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت 911 ه). تحقیق و نشر: دار المعرفة - بيروت.
53 . دلائل الإمامة؛ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (القرن الرابع). تحقيق و نشر: مؤسّسة البعثة - قم، الطبعة الأولى، 1413ه.
54 . روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن؛ أبو الفتوح حسين بن علي الرازي ( قرن 6). بنیاد پژوهشهای آستان قدس رضوی - مشهد، 1408ه.
55. الروض المعطار في أخبار الأقطار؛ محمد بن محمد بن عبد المنعم الحميري (ت 900ه). طبعة القاهرة، 1937م.
56 . رياض المسائل؛ السيّد علي الطباطبائي (ت 1231ه). تحقيق و نشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم، الطبعة الأولى 1412ه.
57. سعد السعود؛ السيد علي بن موسى بن طاووس الحلّي (ت 664ه). تحقيق و نشر: منشورات الشريف الرضي - قم 1363 ه.
58 . سنن ابن ماجة؛ أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزويني ابن ماجه (ت 275ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر - بيروت.
59 . سنن الترمذي (الجامع الصحيح)؛ أبو عيد عيسى محمّد بن عيسى الترمذي (ت 279ه). تحقيق: عبد الرحمن محمّد عثمان، دار الفكر - بيروت، الطبعة الثانية 1403ه.
ص: 599
60. سنن الدارقطني؛ علي بن عمر الدار قطني (ت 385ه). تحقيق: مجدي بن منصور سيد الشورى، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1417ه.
61. سنن الدارمي؛ أبو محمد عبد الله بن الرحمن الدارمي (ت 255ه). مطبعة الاعتدال – دمشق 1449ه.
62. السنن الكبرى؛ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458ه). تحقيق و نشر: دار الفکر – بيروت.
63.سير أعلام النبلاء؛ محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748ه) . تحقيق: حسين الأسد، مؤسّسة الرسالة - بيروت، الطبعة التاسعة 1413ه.
64. السيرة النبوية؛ ابن هشام الحميدي ( ت 218 ه). تحقيق: محمد محيی الدين عبد الحميد؛ مكتبة محمّد عليّ صبيح - مصر - 1383ه- .
65. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام؛ أبو القاسم جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلّي (ت 676 ه) . تحقيق: السيّد صادق الشيرازي، منشورات استقلال - طهران، الطبعة الثانية 1409ه- .
66. شرح إحقاق الحقّ؛ السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري الشهيد (ت 1091ه). تصحيح: السيّد إبراهيم الميانجي، منشورات مكتبة آية الله المرعشي - قم.
67.شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار؛ أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي (ت 363ه). مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الثانية، 1414ه.
68 . شرح الأسماء الحسنى؛ الملاهادي السبزواري ت (1300ه). منشورات مكتبة البصيرتي - قم.
69. شرح أصول الكافي؛ المولى محمّد صالح المازندراني (ت 1081 ه). تحقيق و نشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة الأولى 1421ه.
70. شرح نهج البلاغة؛ ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه). تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مؤسسة إسماعيليان .
71. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل؛ عبيد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني (القرن الخامس). تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الإرشاد الإسلامي، الطبعة الأولى 1411ه- .
72. الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية)؛ إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393ه). تحقيق: أحمد عبد الغفور العطّار، مؤسّسة دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة الرابعة 1407ه.
73. صحيح مسلم (الجامع الصحيح) ؛ أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه). تحقيق و نشر : دار الكفر - بيروت .
74. الطبقات الكبرى؛ محمد بن سعد (ت 230 ه) . تحقیق و نشر: دار صادر - بیروت .
75. طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال؛ السيّد علي أصغر البروجردي (ت 1313ه). تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مكتبة آية الله المرعشي - قم، الطبعة الأولى، 1410ه.
ص: 600
76. عبقات الأنوار؛ المير حامد حسين الموسوي الهندي (ت 1306ه). طبعة مهر - قم، 1398ه- .
77. عدّة الداعي و نجاح الساعي؛ أحمد بن فهد الحلي (ت 841ه). تحقيق: أحمد الموحّدي القمي، مكتبة الوجداني - قم .
78. علل الشرائع؛ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381ه). منشورات المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف 1385 ه- .
79. عيون أخبار الرضا علیه السّلام، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق (ت 481 ه) . تصحيح: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت 1404 ه.
80. غاية المرام و حجّة الخصام في تعيين الإمام؛ السيّد هاشم البحراني الموسوي ( ت 1107 ه) . تحقيق: السيّد عليّ عاشور.
81. الغدير في الكتاب والسنّة والأدب؛ الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي (ت 1392ه). دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الرابعة، 1397ه.
82. الغيبة؛ أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني (ت 360ه)، تحقيق: فارس حسون کریم، نشر أنوار الهدى - قم، الطبعة الأولى، 1422ه.
83. فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه). تحقيق و نشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة الثانية .
84. فتح القدير؛ محمد بن علي الشوكاني (ت 1250ه). تحقيق و نشر: عالم الكتب.
85. الفروق اللغوية؛ أبو هلال العسكري (ت 395ه). تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الأولى 1412ه.
86. الفصول المختارة؛ أبو عبدالله محمّد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه). دار المفيد - بيروت، الطبعة الثانية 1414ه.
87. الفصول المهمة في أصول الأئمّة؛ الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه). تحقيق: محمّد بن محمّد الحسين القائيني، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا علیه السّلام، الطبعة الأولى 1418ه.
88. فضائل الشيعة؛ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن مو بن بابويه الصدوق (ت 381ه). کانون انتشارات عابدي - تهران.
89. فقه الرضا علیه السّلام؛ المنسوب للإمام الرضا علیه السّلام. تحقيق : مؤسّسة آل البيت علیهم السّلام - قم ، الطبعة الأولى 1406 ه.
90. القاموس المحيط ؛ الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817 ه). طبعة دار العلم – بيروت.
91. قرب الإسناد؛ أبو العبّاس عبدالله بن جعفر الحميري ( ت 300ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السّلام - قم الطبعة الأولى 1413ه.
ص: 601
92. الكافي؛ أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (ت 429 ه). تحقيق: علي أكبر الغفاري ، دار الكتب الإسلامية - طهران ، الطبعة الخامسة 1363ه.
93. الكامل في التاريخ ؛ أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير (ت 630 ه). تحقيق و نشر: دار صادر - بيروت 1386.
94. كتاب الزهد؛ الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي (القرن الثالث). تحقيق: میرزا غلام رضا عرفانیان، المطبعة العلمية - قم، 1399ه.
95. كتاب من لا يحضره الفقيه ؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق (ت 481 ه). تحقيق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي - قم، الطبعة الثانية.
96. كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر؛ أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزار القمّي (القرن الرابع). تحقيق: السيّد عبد اللطيف الحسيني، نشر بیدار 1401 ه.
97. كمال الدين و تمام النعمة؛ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق رحمه الله (ط 381ه). تحقيق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي - قم 1405 .
98. كنز العرفان في فقه القرآن؛ المقداد بن عبد الله السيوري الحلّي (ت 826ه). تحقيق: محمّد باقر البهبودي، مكتبة المرتضويّة - تهران، الطبعة الأولى 1384ه.
99. كنز العمال ؛ علي بن حسام الدين الهندي (ت 975ه). تحقيق: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة - بيروت 1409 ه.
100. لسان العرب؛ أبو الفضل محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي (ت 711ه). مؤسسة نشر أدب الحوزة - قم 1405ه- .
101. مبادىء الوصول إلى علم الأصول؛ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي المعروف بالعلّامة الحلّي ( ت 726ه). تحقيق: عبد الحسين محمّد عليّ البقّال، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1404ه.
102 . مجاز القرآن؛ أبو عبيدة معمر بن المثنى البصيري (ت 213ه). تحقيق: محمّد فؤاد سزگین، مؤسسة الرسالة 1401ه.
103. مجمع الزوائد و منبع الفوائد؛ علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807ه). تحقيق و نشر: دار الكتب العلمية - بيروت 1408 ه.
104. المحاسن؛ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت 1370 ه). تصحيح : السيد جلال الدين الحسيني ؛ دار الكتب الإسلامية - طهران 1370 ه- .
105 . المحبّر؛ محمد بن حبيب البغدادي ( ت 245ه). مطبعة الدائرة، 1361ه.
106 . معجم البلدان؛ ياقوت بن عبد الله الحموي ( ت 626ه) دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1399ه.
ص: 602
107. مجمع البحرين؛ الشيخ فخر الدين الطريحي ( ت 1085 ه)، تحقيق : السيد أحمد الحسيني، مكتب النشر الثقافة الإسلامية، الطبعة الثانية، 1408ه.
108. مجمع البيان في تفسير القرآن؛ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه). تحقيق و نشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الأولى 1415ه.
109. معجم رجال الحديث؛ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1411ه). الطبعة الخامسة 1413ه.
110. المعجم الكبير؛ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ( ت 360 ه). تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي - بيرو.
111. مختصر بصائر الدرجات؛ الشيخ حسين بن سليمان الحلّي القرن التاسع منشورات المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، الطبعة الأولى، 1370 ه.
112. المدوّنة الكبرى؛ أبو عبدالله مالك بن أنس ( ت 179ه). دار إحياء التراث العربي - بيروت.
113. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول؛ العلامّة محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه) . تصحيح : السيد هاشم الرسولي ، مكتبة ولي العصر ، الطبعة الثانية 1394 ه.
114. مروج الذهب و معادن الجوهر؛ علي بن الحسين المسعودي (ت 346ه). نشر دار الأندلس - بيروت.
115 . مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل الحاج میرزا حسين النوري الطبرسي (ت 1320 ه)، تحقیق و نشر: مؤسسة آل البيت - قم، الطبعة الأولى، 1408 ه.
116 . مسند أحمد أحمد بن حنبل (ت 241ه) . تحقیق و نشر: دار صادر - بیروت.
117. مسند الرضا ؛ داود بن سليمان المغازي (ت 203 ه). تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1418ه.
118. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ؛ أبو الفضل علي الطبرسي (القرن السابع). تحقيق: مهدي هوشمند، دار الحديث - قم ، الطبعة الأولى 1418ه.
119. معاني الأخبار؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق (ت 481ه). تحقيق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي 1379ه.
120. معجم القراءات القرآنية؛ الدكتور أحمد مختار عمر و عبد العال سالم مكرم.
121. المعجم الوسيط (معجم اللغة العربية)؛ إعداد إبراهيم أسن و مجموعة من المحققين بمصر ، دارا بيروت، 1418ه.
122. المغازي؛ محمد بن عمران الواقدي (ت 207 ه). افست دار المعرفة الإسلاميّة - ايران.
123. المقنع؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت 381ه)، تحقيق: مؤسسة الإمام الهادي علیه السّلام - قم، 1415ه.
124. مكاتيب الرسول؛ الشيخ علي الأحمدي الميانجي. طبعة دار الحديث - قم.
ص: 603
125. المناقب؛ أبو عبدالله محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (ت 588 ه). تحقيق و نشر: المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف 1376ه.
126. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل؛ أبو عبدالله محمد بن محمد المغربي الرعيني (ت 954ه). تحقيق: الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلميّة - بيرو - بيروت، الطبعة الأولى، 1416ه.
127. ميزان الحكمة؛ محمد محمدي الري شهري. طبعة مؤسسة دار الحديث - قم، الطبعة الأولى، 1416ه.
128 . النشر في القراءات العشر؛ أحمد بن محمّد بن الجزري الدمشقي (ت 859ه). تحقيق: الشيخ عليّ محمّد صباع، مطبعة المصطفى البابي - القاهرة.
129. نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ؛ السيد حامد النقوي (ت 1306ه). مؤسسة البعثة - طهران، 1405ه- .
130. نقد الرجال ؛ السيد مصطفى بن الحسين التفرشي ( القرن الحادي عشر ) . تحقيق و نشر: مؤسسة آل البيت - قم ، الطبعة الأولى 1418ه.
131. نور الثقلين؛ عبد علي بن جمعة الحويزي. تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، طبعة انتشارات إسماعيليان -قم 1415ه.
132. النهاية في غريب الحديث؛ المبارك بن محمّد الشيباني الجزري المعروف بابن الأثير (ت 606ه). تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، مؤسسة إسماعيليان - قم ، الطبعة الرابعة 1364 ش.
133. النهاية في مجرد الفقه والفتاوى؛ أبو جعفر محمّد بن حسن الطوسي ( ت 460ه). طبعة انتشارات القدس - قم.
134 . نهج البلاغة؛ تدوين: الشريف الرضي، تحقيق: الشيخ محمد عبده، دار الذخائر - قم ، الطبعة الأولى 1412ه.
135. نهج البيان عن كشف معاني القرآن؛ محمد بن الحسن الشيباني (القرن السابع). تحقيق: حسين الدرگاهي، مؤسسة دائرة المعارف الإسلامية - تهران، 1413ه.
136. الوافية في أصول الفقه؛ المولى عبد الله بن محمد البشروي. تحقيق: السيّد محمّد حسين الرضوي، مجمع الفكر الإسلامي، 1412ه.
137. وسائل الشيعة ؛ الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104ه). تحقیق و نشر: مؤسسة آل البيت علیهم السّلام - قم ، الطبعة الثانيّة 1414ه.
138. الهداية؛ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (ت 381ه). تحقيق و نشر: مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام - قم، 1418ه.
139 . الهداية الكبرى؛ أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي ( ت 334ه). تحقيق و نشر: مؤسسة البلاغ - بيروت، 1411ه.
ص: 604
تصدیر...5
التمهيد...7
ولادته...7
حياته العلميّة...7
ابن العتائقي في كلام العلماء وكتب التراجم...7
مكانته في العلوم...12
مستنسخات ابن العتائقي...13
آثاره العلميّة...14
إجازاته...28
وفاته...28
في طريق التحقيق...29
مقدّمّة المؤلف...41
الجزء الأوّل...42
فاتحة الكتاب ...42
سورة البقرة (2) ...45
الجزء الثاني ...74
الجزء الثالث...90
سورة آل عمران (3) ...97
ص: 605
الجزء الرابع...104
سورة النساء (4)...118
الجزء الخامس...121
تم تفسير السبع الأوّل...126
السبع الثاني...126
الجزء السادس...133
سورة المائدة (5) ...136
الجزء السابع ...146
سورة الأنعام (6)...159
الجزء الثامن...164
سورة الأعراف (7) ...168
الجزء التاسع ...170
سورة الأنفال (8)...176
الجزء العاشر ...191
سورة براءة (9) ...193
الجزء الحادي عشر...222
سورة يونس (10) ...225
سورة هود (11)...233
الجزء الثاني عشر...233
سورة يوسف (12)...244
الجزء الثالث عشر...248
سورة الرعد (13) ...256
سورة إبراهيم (14)...261
الجزء الرابع عشر ...265
سورة الحجر (15) ...265
سورة النحل (16)...268
ص: 606
607
الجزء الخامس عشر...275
سورة بني إسرائيل (17)...275
سورة الكهف (18)...284
الجزء السادس عشر...293
سورة مريم (19) ...297
سورة طّه (20) ...304
الجزء السابع عشر...310
سورة الأنبياء (21)...310
سورة الحجّ(22)...319
الجزء الثامن عشر ...325
سورة قد أفلح المؤمنون (23) ...325
سورة النور (24) ...330
سورة الفرقان (25)...344
الجزء التاسع عشر...345
سورة الشعراء (26) ...350
سورة النمل (27)...357
الجزء العشرون...360
سورة القصص (28)...362
سورة العنكبوت (29)...379
الجزء الحادي والعشرون...380
سورة الروم (30)...381
سورة لقمان (31) ...385
سورة السجدة (32) ...389
سورة الأحزاب (33)...392
الجزء الثاني والعشرون ...413
سورة سبأ ( 34) ...419
ص: 607
سورة فاطر (35) ...424
سورة يس (36)...426
الجزء الثالث والعشرون...429
سورة الصافات (37)...434
سورة ص (38)...437
سورة الزمر (39) ...451
الجزء الرابع والعشرون...452
سورة المؤمن (40)...456
سورة حم السجدة (فصّلت) (41)...460
الجزء الخامس والعشرون...460
سورة حَمَ عَسَقَ (الشورى ) (42) ...462
سورة الزخرف (43)...464
سورة الدخان (44)...465
سورة الجاثية ( 45 ) ...467
الجزء السادس والعشرون ...468
سورة الأحقاف (46)...468
سورة محمّد صلّى الله عليه و آله (47) ...470
سورة الفتح (48) ...471
سورة الحجرات (49) ...473
سورة ق (50) ...475
سورة الذاريات (51)...477
الجزء السابع والعشرون...477
سورة الطور (52) ...478
سورة النجم (53) ...479
سورة اقتربت الساعة ( القمر ) ( 54) ...481
سورة الرحمن (55)...482
ص: 608
سورة الواقعة (56)...484
سورة الحديد (57) ...489
الجزء الثامن والعشرون...491
سورة المجادلة (58) ...491
سورة الحشر (59) ...492
سورة الممتحنة (60) ...493
سورة الصف (61) ...494
سورة الجمعة (62)...495
سورة المنافقون (63)...496
سورة التغابن (64) ...498
سورة الطلاق (65) ...499
سورة التحريم (66) ...500
الجزء التاسع والعشرون...501
سورة تبارك (الملك: 67)...501
سورة القلم (68) ...502
سورة الحاقة (69) ...504
سورة سأل سائل المعارج: 70) ...505
سورة نوح (71)...507
سورة الجن (72)...508
سورة المزمل (73)...509
سورة المدثر ( 74) ...510
سورة القيامة ( 75)...511
سورة هل أتى (الدهر: 76)...512
سورة المرسلات (77)...513
الجزء الثلاثون ...515
سورة النبأ (78)...515
ص: 609
سورة النازعات (79)...516
سورة عبس (80) ...518
سورة اذا الشمس كوّرت (التكوير: 81)...519
سورة إذا السماء انفطرت (الانفطار: 82 ) ...520
سورة المطففين (83) ...521
سورة اذا السماء انشقت (الانشقاق: 84)...522
سورة البروج ( 85)...523
سورة الطارق (86) ...524
سورة الأعلى (87)... 525
سورة الغاشية (88) ...526
سورة الفجر (89) ...527
سورة البلد (90) ...529
سورة والشمس (91) ...531
سورة الليل (92) ...532
سورة الضحى (93)...534
سورة الانشراح (94)...536
سورة التين (95)...537
سورة إقرأ باسم ربّك (العلق: 96)...538
سورة إنّا أنزلناه (القدر: 97)...539
سورة لم يكن (البيّنة: 98)...540
سورة الزلزلة (99) ...541
سورة العاديات (100)...542
سورة القارعة (101) ...543
سورة ألهاكم التكاثر ( 102)...544
سورة والعصر (103)...545
سورة الهمزة (104) ...546
ص: 610
سورة ألم ترّ (الفيل: 105)...547
سورة لإيلاف (قريش: 106)...548
سورة أرأيت (الماعون)(107)...549
سورة الكوثر (108)...550
سورة الكافرون (109)...551
سورة النصر (110)...552
سورة تبّت (اللهب: 111)...553
سورة التوحيد (الإخلاص: 112)...554
سورة الفلق (113)...555
سورة الناس ( 114) ...556
(سورة النَّاسِ)...556
(الواقعة: 56)...558
(المرسلات: 77)...558
( النبأ: 78)...559
(عبس: 80)...559
(المطفّفين: 83)...559
(الانشقاق: 84)...559
( الطارق: 86)...560
(الاعلى: 87)...561
( الغاشية: 88)...561
الفهارس العامة...563
فهرس الآيات...565
فهرس الأعلام...578
فهرس الفرق والمذاهب...588
فهرس القبائل...589
فهرس الأماكن...591
ص: 611
فهرس الحوادث والغزوات والوقائع والأيام...593
فهرس الأشعار ...594
فهرس مصادر التحقيق...596
ص: 612