تُحَفُ العُقُول
عَن آل الرسُول(صلی الله علیه وآله وسلم)
ألّفه
الشَّیخ لثِّقَۀ الجّليل الأقْدَم
أبوُ محمّد الحسن بن عَلَى الحُسَین شعبة الحَراني(رحمۀ الله علیه)
خر اجلاة القرن التانج
مِن اعلامِ القّرنِ الرَّابِع
قدم له وعلّق علیه
الشيخ حسين الأعليمي
منشورات
مؤسسة الأعلمى للمطبوعات
بيروت - لبنان
سرشناسه : ابن شعبه الحراني، حسن بن علي، قرن 4ق.
عنوان و نام پديدآور : تحف العقول/ ابن شعبه الحراني / قدم له وعلقّ علیه الشیخ حسین الاعلمي
مشخصات نشر : بیروت: موسسة الاعلمي للمطبوعات، 1423.2002 م
مشخصات ظاهری : 450ص.
یادداشت : نمایه.
موضوع : احادیث اخلاقی
موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق
موضوع : اخلاق اسلامی
رده بندی کنگره : BP248/الف25ت304217 1383
رده بندی دیویی : 297/61
محرر الرقمي: محسن حقاني فر
ص: 1
ص: 2
الطبعة السابعة
جميع الحقوق محفوظة ومسجلة للناشر
1423ه- - 2002م
Published by Alaalami Library
Beirut- Lebanon po. Box 7120
Tel - Fax: 450427 Email: alaalami@yahoo.com.
1957
مؤسسة الأعلمى للمطبوعات
بيروت - شارع المطار - قرب كلية الهندسة
مفرق سنتر -زعرور ص ب : 11/7120
هاتف : 450426 - فاكس : 01/450427
ص: 3
ص: 4
بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المؤلف :
هو الشيخ المحدث الجليل أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني(1)أو الحلبي من أعلام القرن الرابع الهجري، والمعاصر للشيخ الصدوق ابن بابويه المتوفى سنة 381ه-
كان من أعاظم علماء الإمامية ، وفذاً من أفذاذها ، وعبقرياً من عباقرتها ، وفقيهاً من فقهائها ، فاضل جليل ، ومحدث قدير، ومتبحر نبيه ، رفيع المنزلة، واسع الفضل والإطلاع ، روى عن أبي علي محمد بن همام المتوفى سنة 336ه- ، وأخذ عنه شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري المولود سنة 336ه- ، والمتوفى سنة 413ه-
لم نعثر على تاريخ ولادة المؤلف ولا تاريخ وفاته ، رغم أنه كان من العلماء البارزين ، بل كل من ترجم له في جميع كتب التراجم اقتصر على قوله : كان معاصراً للشيخ الصدوق ، وروى عن أبي همام ، وعنه الشيخ المفيد ، ومن ذلك يظهر أنه كان من أعلام القرن الرابع الهجري.
ص: 5
أقوال العلماء فيه :
قال الشيخ الحر العاملي في كتابه «أمل الآمل» : أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة ، فاضل محدث جلیل.
وقال العلامة المجلسي(رحمۀ الله علیه)في الفصل الثالث من مقدمة البحار بعد ذكره لكتاب تحف العقول ؛ عثرنا على كتاب عتيق ، ونظمه دل على رفعة شأن مؤلفه وأكثره في المواعظ والأصول المعلومة التي لا تحتاج فيها إلى سند .
وذكره المولى عبد الله أفندي(رحمۀ الله علیه)في كتابه رياض العلماء ، فقال : الفاضل العالم الفقيه المحدث المعروف صاحب كتاب تحف العقول .
وذكره الشيخ الجليل العارف الرباني الشيخ علي بن الحسين بن صادق البحراني(رحمۀ الله علیه)في رسالته : (الأخلاق والسلوك إلى الله على طريقة أهل البيت(عليهم السلام)) فقال : ويعجبني أن أنقل في هذا الباب حديثاً عجيباً وافياً شافياً عثرت عليه في كتاب (تحف العقول) للفاضل النبيل الحسن بن شعبة من قدماء أصحابنا حتى أن شيخنا المفيد رحمه الله ينقل عن هذا الكتاب ، وهو كتاب لم يسمح الدهر بمثله ، ويفهم من ذلك تقدم عصره على عصر الشيخ المفيد .
وقال العلامة المحدث الخونساري في كتابه (روضات الجنات ص 177) من طبع إيران القديم : الشيخ المحدث الجليل الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني أو الحلبي فاضل فقيه ومتبحر نبيه ومرتفع وجيه ، له كتاب : تحف العقول عن آل الرسول ، مبسوط كثير الفوائد ، معتمد عليه عند الأصحاب ، أورد فيه جملة وافية ، من النبويات ، وأخبار الأئمة (عليهم السلام)، ومواعظهم الشافية ، على الترتيب ، وفي آخره أيضاً القدسيان المبسوطان المعروفان الموحى بهما إلى موسى وعيسى بن مریم (عليها السلام) ، في الحكم والنصائح البالغة الإلهية ، وباب في بعض مواعظ المسيح الواقعة في الإنجيل ، وآخر في وصية المفضل بن عمر للشيعة ، كما قال في خطبة الموصوف ، [وأتيت على ترتيب مقامات الحجج(عليهم السلام)، وأتبعتها بأربع وصايا شاكلت الكتاب ووافقت معناه وأسقطت الأسانيد تخفيفاً وإيجازاً ، وإن كان أكثره لي سماعاً ، ولأن أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها ، ولم أجمع ذلك للمنكر المخالف بل ألّفته للمسلم للأئمة العارف بحقهم الراضي بقولهم ، الراد إليهم ، وهذه المعاني أكثر من
ص: 6
أن يحيط بها حصر وأوسع من أن يقع عليها حظر ، وفيما ذكرناه مقنع لمن كان له قلب ، وكافٍ لمن كان له لب]. وفي هذه الجملة أيضاً من الدلالة على غاية اعتبار الكتاب ما لا يخفى ، مضافاً إلى أن غالب مرسلاته بطريق إسناد السند ، والإسناد إلى قول الحجة(عليه السلام)والتف دون إبهام الراوي ، وهو ظاهر في أخبار الجازم ، ويجعل الخبر مظنون الصدق فيلحقه بأقسام الصحيح ، وله أيضاً كتاب التمحيص ، مختصر في ذكر أخبار ابتلاء المؤمن كما نسبه إليه الشيخ إبراهيم القطيفي في كتاب (الفرقة الناجية )مكرراً من بعد ما وصفه فيها بالفضل والعلم والعمل ، والفقه والنباهة وتبعه في هذه النسبة أيضاً صاحب المجالس ، والرياض ، وشرح الزيارة الجامعة .
قال السيد حسن الصدر في كتابه «تأسيس الشيعة» ص 413 ما نصّه : الشيخ أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني رضي الله عنه ، شيخنا الأقدم ،وإمامنا الأعظم له كتاب تحف العقول فيما جاء في الحكم والمواعظ عن آل الرسول (عليهم السلام)كتاب جليل لم يصنف مثله ، وختم بما وعظ الله به موسى وعيسى(عليهم السلام)، وباب في مواعظ المسيح(عليه السلام)وكان هذا الشيخ جليل القدر عظيم المنزلة ، وله كتاب التمحيص نسبه إلى الشيخ القطيفي في كتابه ، والحر العاملي في أمل الآمل ، والمولى عبد الله في رياض العلماء.
قال شيخنا الحجة آغا بزرك المنزوي الطهراني في موسوعته : الذريعة إلى تصانيف الشيعة في حرف التاء ج 3 ص 400 ، تحف العقول فيما جاء من الحكم والمواعظ عن آل الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)للشيخ أبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني الحلبي المعاصر للشيخ الصدوق الذي توفي سنة 381ه- ، ومن مشايخ الشيخ المفيد ، كما ذكره الشيخ علي بن الحسين بن صادق البحراني في رسالته في الأخلاق قال : (إنه من قدماء أصحابنا حتى أن شيخنا المفيد(رحمۀ الله علیه) ينقل عنه وكتابه مما لم يسمح الدهر بمثله) وهو يروي عن الشيخ أبي علي محمد بن همام الذي توفي سنة 336 ه- ، كما في أول كتابه (التمحيص) حتى أن روايته عن أبي همام في أول التمحيص صارت منشأ تخيل بعض في نسبة التمحيص إلى أبي همام مع أنه لصاحب (تحف العقول).
الكتاب مخطوطاته ومطبوعاته
توجد نسخ من هذا الكتاب المخطوطة في بعض مكتبات إيران ، والعراق والهند
ص: 7
منها نسخة ثمينة مخطوطة في مكتبة والدي : الشيخ محمد الحسين الأعلمي صاحب (دائرة المعارف) الخاصة بكربلاء ، ومنها : نسخة مخطوطة في مكتبة العلامة السيد جلال الدين الأرموي المعروف بالمحدث بإيران، ومنها نسخة مخطوطة في المكتبة العامة في عاصمة إيران - طهران المشهورة ب- «کتابخانه ملی».
وأما مطبوعات الكتاب فقد طبع لأول مرة في إيران طبعة حجرية سنة 1303ه- ، واُلحق به كتاب روضة الكافي للكليني ، وكتاب منهاج النجاة للفيض الكاشاني ، وكتاب كشف المحجة لابن طاووس عليه الرحمة ، ومجموع صفحات هذه الكتب الأربعة 321ص .
وطبع للمرة الثانية بطهران أيضاً سنة 1371ه- طبعة جديدة أنيقة في 528 صفحة ، صححها وعلق عليها : الفاضل علي أكبر الغفاري حفظه الله ثم طبع بالمطبعة الحيدرية في النجف الأشرف - العراق سنة 1382ه- في 399 صفحة خاليا من الشروح والتعاليق .
ثم طبع للمرة الرابعة بالمطبعة الإسلامية بطهران سنة 1384ه- في 556 صفحة بتصحيح الأستاذ القدير علي أكبر الغفاري ، مذيلة بترجمة للكتاب باللغة الفارسية .
وأخيراً تصدت هذه المؤسسة الثقافية لطبع الكتاب ونشره بحلة قشيبة مع الحفاظ على جميع المحسنات الموجودة في الطبعات السابقة نسأل الله التوفيق إنه سميع مجیب.
بيروت في 1969/6/15
محمد الحسين الأعلمي
ص: 8
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي جعل الحمد له من غير حاجة منه إلى حمد حامديه طريقاً من طرق الاعتراف بلاهوتيته وصمدانيّته وربانيته وسبباً إلى المزيد من رحمته ومحجة(1)للطالب من فضله ومكن في إبطال اللفظ حقيقة الاعتراف لبر إنعامه فكان من إنعامه الحمد له على إنعامه ، فناب الاعتراف له بأنه المنعم عن كل حمد باللفظ وإن عظم .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة بزغت عن إخلاص الطوي(2)ونطق اللسان بها عبارة عن صدق خفي، إنه الخالق الباريء المصور له الأسماء الحسنى ليس كمثله شيء ، إذ كان الشيء من مشيئته وكان لا يشبهه مكونه.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، استخلصه في القِدَم على سائر الأمم ، على علم منه بانفراده عن التشاكل والتماثل من أبناء الجنس ، وانتجبه آمراً وناهياً عنه ،أقامه في سائر عالمه في الأداء مقامه ، إذ لا تدركه الأبصار ولا تحويه خواطر الأفكار ،ولا تمثله غوامض الظنن في الأسرار ، لا إله إلا هو الملك الجبار ، وقرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته واختصه من تكرمته(3)بما لم يلحقه فيه أحد من بريته وهو أهل ذلك بخاصته وخلّته إذ لا يختص من يشوبه التغيير ولا من يلحقه التنظير ، وأمر
ص: 9
بالصلاة عليه مزيداً في تكرمته وتطريقاً لعترته ، فصلى الله عليه وعلى آله وكرَّم وشرَّف وعظم مزيداً لا يلحقه التنفيد ولا ينقطع على التأبيد ، وإن الله تبارك وتعالى اختص لنفسه بعد نبيّه خاصة علاهم بتعليته وسماهم إلى رتبته وجعلهم إليه والأدلاء(1)بالإرشاد عليه ، أئمة معصومين فاضلين كاملين وجعلهم الحجج على الورى ودعاة إليه ، شفعاء بإذنه ، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، يحكمون بأحكامه ويسنون سنته ويقيمون حدوده ويؤدون فروضه ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينّة ، صلوات الله والملائكة الأبرار على محمد وآله الأخيار .
وبعد فإني لما تأملت ما وصل إليَّ من علوم نبينا ووصيّه والأئمة من ولدهما صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته وأدمت النظر فيه والتدبر له علمت أنه قليل مما خرج عنهم يسير في جنب ما لم يخرج ، فوجدته مشتملا على أمر الدين والدنيا وجامعاً لصلاح العاجل والآجل ، لا يوجد الحقُّ إلا معهم ولا يؤخذ الصواب إلا عنهم ولا يلتمس الصدق إلا منهم . ورأيت من تقدم من علماء الشيعة قد ألفوا عنهم في الحلال والحرام والفرائض والسنن ما قد كتب الله لهم ثوابه وأغنوا من بعدهم عن مؤونة التأليف وحملوا عنه ثقل التصنيف ووقفت مما انتهى إليَّ من علوم السادة(عليهم السلام)على حِكم بالغة ومواعظ شافية وترغيب فيما يبقى وتزهيد فيما يفنى ووعد ووعيد وحض على مكارم الأخلاق والأفعال ونهْي عن مساويهما وندب إلى الورع وحث على الزهد .
ووجدت بعضهم(عليهم السلام)قد ذكروا جملاً من ذلك فيما طال من وصاياهم وخطبهم ورسائلهم وعهودهم ؛ وروي عنهم في مثل هذه المعاني ألفاظ قصرت وانفردت معانيها وكثرت فائدتها ولم ينته إليّ لبعض علماء الشيعة في هذه المعاني تأليف أقف عنده ولا كتاب أعتمد عليه وأستغني به يأتي على ما في نفسي منه فجمعت ما كانت هذه سبيله وأضفت إليه ما جانسه وضاهاه وشاكله وساواه من خبر غريب أو معنى حسن متوخياً بذلك وجه الله - جل ثناؤه - وطالباً ثوابه وحاملاً لنفسي عليه ومؤدباً لها به(2)وحملها منه على ما فيه نجاتها شوق الثواب وخوف العقاب ، ومنبهاً لي وقت الغفلة ومذكراً حين النسيان ولعله أن ينظر فيه مؤمن مخلص فما علمه منه كان له درساً وما لم يعلمه استفاده فيشركني في ثواب من علمه وعمل به ، لما فيه من أصول الدين وفروعه
ص: 10
وجوامع الحق وفصوله وجملة السنة وآدابها وتوقيف الأئمة وحكمها والفوائد البارعة والأخبار الرائقة(1)وأتيت على ترتيب مقامات الحجج (عليهم السلام)وأتبعتها بأربع وصايا شاكلت الكتاب ووافقت معناه وأسقطت الأسانيد تخفيفاً وإيجازاً وإن كان أكثره لي سماعاً ولأنَّ أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها ولم أجمع ذلك للمنكر المخالف بل ألفته للمسلم للأئمة ، العارف بحقهم ، الراضي بقولهم ، الراد إليهم وهذه المعاني أكثر من أن يحيط بها حصر وأوسع من أن يقع عليها حظر وفيما ذكرناه مقنع لمن كان له قلب ، وكاف لمن كان له لب .
فتأملوا معاشر شيعة المؤمنين ما قالته أئمتكم (عليهم السلام)وندبوا إليه وحضوا عليه وانظروا إليه بعيون قلوبكم واسمعوه بآذانها ، وعوه بما وهبه الله لكم واحتج به عليكم من العقول السليمة والأفهام الصحيحة ولا تكونوا كأندادكم(2)الذين يسمعون الحجج اللازمة والحكم البالغة صفحاً وينظرون فيها تصفحاً ويستجيدونها قولاً ويعجبون بها لفظاً ، فهم بالموعظة لا ينتفعون ولا فيما رُغبوا يرغبون ولا عما حذروا ينزجرون ، فالحجة لهم لازمة والحسرة عليهم دائمة . بل خذوا ما ورد إليكم عمن فرض الله طاعته عليكم وتلقوا ما نقله الثقات عن السادات بالسمع والطاعة والانتهاء إليه والعمل به ، وكونوا من التقصير مشفقين وبالعجز مقرين .
واجتهدوا في طلب ما لم تعلموا واعملوا بما تعلمون ليوافق قولكم فعلكم، فبعلومهم النجاة وبها الحياة ، فقد أقام الله بهم الحجة وأقام بمكانهم المحجة وقطع بموضعهم العذر ، فلم يدعوا الله طريقاً إلى طاعته ولا سبباً إلى مرضاته ولا سبيلاً إلى جنته إلا وقد أمروا به وندبوا إليه ودلُّوا عليه وذكَّروه وعرَّفوه ظاهراً وباطناً وتعريضاً وتصريحاً ولا تركوا ما يقود إلى معصية الله ويُدني من سخطه ويقرِّب من عذابه إلا وقد حذَّروا منه ونهوا عنه وأشاروا إليه وخوّفوا منه لئلا يكون للناس على الله حجة ،فالسعيد من وفّقه الله لاتباعهم والأخذ عنهم والقبول منهم والشقيُّ من خالفهم واتخذ من دونهم وليجة(3)وترك أمرهم رغبة عنه إذ كانوا العروة الوثقى وحبل الله الذي أمرنا
ص: 11
رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بالاعتصام والتمسك به وسفينة النجاة وولاة الأمر ، الذين فرض الله طاعتهم فقال :﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾(1)والصادقين الذين أمرنا بالكون معهم ، فقال : ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾.
واجتهدوا في العمل بما أمروا به صغيراً كان أو كبيراً واحذروا ما حذَّروا قليلاً كان أو كثيراً ، فإنه من عمل بصغار الطاعات ارتقى إلى كبارها ومن لم يجتنب قليل الذنوب ارتكب كثيرها .
وقد روي : «اتقوا المحقَّرات من الذنوب وهي قول العبد : ليت لا يكون لي غير هذا الذنب» . وروي : «لا تنظر إلى الذنب وصغره ولكن انظر من تعصي به ، فإنه الله العلي العظيم» . فإن الله إذا علم من عبده صحة نيته وخلوص طويته في طاعته ومحبته لمرضاته وكراهته لسخطه وفّقه وأعانه وفتح له مسامع قلبه وكان كل يوم في مزيد فإن الأعمال بالنيات .
وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال وسددنا في المقال ، وأعاننا على أمر الدنيا والدين وجعلنا الله وإياكم من الذين إذا أُعطوا شكروا وإذا ابتلوا صبروا وإذا أساؤوا استغفروا ، وجعل ما وهبه لنا من الإيمان والتوحيد له والائتمام بالأئمة مستقراً غير مستودع إنه جواد كريم .
ص: 12
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يا علي : إن من اليقين أن لا تُرضي أحداً بسخط الله ولا تحمد أحداً بما آتاك الله ولا تذمّ أحداً على ما لم يؤتك الله ، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا تصرفه كراهة كاره ، إن الله بحكمه وفضله جعل الرَّوح والفرح في اليقين والرّضا ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
يا علي : إنه لا فقر أشد من الجهل ولا مال أعود من العقل(1)ولا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أحسن من المشاورة ، ولا عقل كالتدبير ، ولا حسب كحسن الخلق ، ولا عبادة كالتفكّر .
يا علي : آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان وآفة العبادة الفترة(2)وآفة السماحة المن وآفة الشجاعة البغي وآفة الجمال الخيلاء وآفة الحسب الفخر. يا علي : عليك بالصدق ولا تُخرج من فيك كذبة أبداً ولا تجترئن على خيانة أبداً ، والخوف من الله كأنك تراه، وابذل مالك ونفسك دون دينك وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها وعليك بمساوىء الأخلاق فاجتنبها.
يا علي : أحب العمل إلى الله ثلاث خصال: من أتى الله بما افترض عليه فهو من
ص: 13
أعبد الناس ، ومن ورع من محارم الله فهو من أورع الناس ، ومن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس.
يا علي : ثلاث من مكارم الأخلاق : تَصل من قطعك . وتعطي من حرمك .وتعفو عمن ظلمك .
يا علي : ثلاث منجيات : تكُفّ لسانك . وتبكي على خطيئتك . ويسعك بیتك .
يا علي : سيد الأعمال ثلاث خصال : إنصافك الناس من نفسك . ومساواة الأخ في الله وذكر الله على كل حال.
يا علي : ثلاثة من حُلل الله(1): رجل زار أخاه المؤمن في الله فهو زور الله وحقٌّ على الله أن يكرم زوره ويعطيه ما سأل ، ورجل صلى ثم عقَّب إلى الصلاة الأُخرى فهو ضيف الله وحق على الله أن يكرم ضيفه ، والحاج والمعتمر فهما وفدا الله وحق على الله أن يكرم وفده .
يا علي : ثلاث ثوابهن في الدنيا والآخرة : الحج ينفي الفقر . والصدقة تدفع البلية . وصلة الرحم تزيد في العمر .
يا علي : ثلاث من لم يكن فيه لم يقم له عمل : ورع يحجزه عن معاصي الله عز وجل . وعلم يرد به جهل السفيه . وعقل يداري به الناس .
يا علي : ثلاثة تحت ظل العرش يوم القيامة : رجل أحبّ لأخيه ما أحب لنفسه . ورجل بلغه أمر فلم يقدم فيه ولم يتأخر حتى يعلم أن ذلك الأمر لله رضى أو سخط . ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يصلح ذلك العيب من نفسه ، فإنه كلما أصلح من نفسه عيباً نفسه عيباً بدا له منها آخر ، وكفى بالمرء في نفسه شغلاً.
يا علي : ثلاث من أبواب البر : سخاء النفس . وطيب الكلام . والصبر على الأذى.
يا علي : في التوراة أربع إلى جنبهن أربع : من أصبح على الدنيا حريصاً
ص: 14
أصبح وهو على الله ساخط . ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت فيه فإنما يشكو ربه . ومن أتى غنياً فتضعضع له ذهب ثلثا دينه . ومن دخل النار من ومن دخل النار من هذه الأمة فهو من اتخذ آيات الله هزواً ولعباً .
أربع إلى جنبهن أربع : من ملك استأثر(1). ومن لم يستشر يندم . كما تدين تدان . والفقر الموت الأكبر ، فقيل له : الفقر من الدينار والدرهم ؟ فقال : الفقر من الدين .
يا علي : كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين : عين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله . وعين فاضت من خشية الله.
يا علي : طوبى لصورة نظر الله إليها تبكي على ذنب لم يطلع على ذلك الذنب أحد غير الله.
يا علي : ثلاث موبقات ، وثلاث منجيات ، فأما الموبقات : فهوىِّ متبع. وشح مطاع . وإعجاب المرء بنفسه . وأما المنجيات فالعدل والرضا والغضب .والقصد في الغنى والفقر . وخوف الله في السر والعلانية كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
يا علي : ثلاث يحسن فيهن الكذب : المكيدة في الحرب . وعدتك زوجتك .والإصلاح بين الناس .
يا علي : ثلاث يقبح فيهن الصدق : النميمة . وإخبارك الرجل عن أهله بما يكره . وتكذيبك الرجل عن الخير .
يا علي : أربع يذهبن ضلالاً : الأكل بعد الشبع . والسراج في القمر . والزرع في الأرض السبخة . والصنيعة عند غير أهلها.
يا علي : أربع أسرع شيء عقوبة : رجل أحسنت إليه فكافأك بالإحسان إساءة. ورجل لا تبغي عليه وهو يبغي عليك . ورجل عاقدته على أمر فمن أمرك الوفاء له ومن أمره الغدر بك . ورجل تصل رحمه ويقطعها .
ص: 15
يا علي : أربع من يكنّ فيه كمل إسلامه : الصدق . والشكر . والحياء وحسن الخلق .
يا علي : قلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر وكثرة الحوائج إلى الناس مذلة وهو الفقر الحاضر .
يا علي : إن للمؤمن ثلاث علامات : الصيام . والصلاة . والزكاة. وإن للمتكلف(1)من الرجال ثلاث علامات : يتملق إذا شهد . ويغتاب إذا غاب .ويشمت بالمصيبة . وللظالم ثلاث علامات : يقهر من دونه بالغلبة . ومن فوقه بالمعصية . ويظاهر الظلمة . وللمرائي ثلاث علامات : ينشط إذا كان عند الناس . ويكسل إذا كان وحده . ويحب أن يحمد في جميع الأُمور . وللمنافق ثلاث علامات : إن حدّث كذب . وإن ائتمن خان . وإن وعد أخلف . وللكسلان ثلاث علامات : يتوانى حتى يفرِّط . ويفرط حتى يضيع . ويضيع حتى يأثم . وليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصاً(2)إلا في ثلاث : مرمة لمعاش . أو خطوة لمعاد . أو لذة في غير محرّم .
يا علي : إنه لا فقر أشد من الجهل . ولا مال أعود من العقل . ولا وحدة أوحش من العُجب . ولا عمل كالتدبير . ولا ورع كالكف . ولا حسب كحُسن الخلق ، إن الكذب آفة الحديث وآفة العلم النسيان . وآفة السماحة المن.
يا علي : إذا رأيت الهلال فكبّر ثلاثاً وقل : الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدَّرك منازل وجعلك آية للعالمين .
يا علي : إذا نظرت في مرآة فكبر ثلاثاً وقل : اللهم كما حسَّنت خَلْقي فحسِّن خُلُقي.
يا علي : إِذا هالك أمر فقل : اللهم بحق محمد وآل محمد إلا فرجت عني .
ص: 16
قال علي(عليه السلام): قلت يا رسول الله «فتلقى آدم من ربه کلمات» ما هذه الكلمات ؟ قال : يا علي إن الله أهبط آدم بالهند وأهبط حواء بجدة والحية بإصبهان وإبليس بميسان(1)ولم يكن في الجنة شيء أحسن من الحية والطاووس وكان للحية قوائم كقوائم البعير ، فدخل إبليس جوفها فغرَّ آدم وخدعه فغضب الله على الحية وألقى عنا قوائمها ، وقال : جعلت رزقك التراب وجعلتك تمشين على بطنك لا رحم الله من رحمك ، وغضب على الطاووس ، لأنه كان دل إبليس على الشجرة ، فمسخ منه صوته ورجليه ، فمكث آدم بالهند مائة سنة ، لا يرفع رأسه إلى السماء واضعاً يده على رأسه يبكي على خطيئته فبعث الله إليه جبرائيل فقال : يا آدم الرب عز وجل يقرئك السلام ويقول : يا آدم ألم أخلقك بيدي ؟ ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أزوجك حواء أمتي ؟ ألم أسكنك جنتي؟ فما هذا البكاء يا آدم ؟ تكلم بهذه الكلمات ، فإن الله قابل توبتك ، قل : سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي ، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم .
يا علي : إذا رأيت حية في رحلك فلا تقتلها حتى تخرج عليك ثلاثاً، فإن رأيتها الرابعة فاقتلها فإنها كافرة .
يا علي : إذا رأيت حية في طريق فاقتلها ، فاني قد اشترطت على الجن أن لا يظهروا في صورة الحيات .
يا علي : أربع خصال من الشقاء : جمود العين . وقساوة القلب . وبعد الأمل . وحب الدنيا من الشقاء .
يا علي : إذا أثني عليك في وجهك فقل : اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون
يا علي : إذا جامعت فقل : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني فإن قضى أن يكون بينكما ولد لم يضره الشيطان أبداً .
يا علي : ابدأ بالملح واختم ، فإن الملح شفاء من سبعين داء ، أذلها الجنون والجذام والبرص .
ص: 17
يا علي : أدهن بالزيت ، فإن من أدهن بالزيت لم يقربه الشيطان أربعين ليلة.
يا علي : لا تجامع أهلك ليلة النصف ولا ليلة الهلال ، أما رأيت المجنون يصرع في ليلة الهلال وليلة النصف كثيراً !
يا علي : إذا ولد لك غلام أو جارية فأذن في أُذنه اليمنى ، وأقم في اليسرى فإنه لا يضره الشيطان أبداً .
يا علي : ألا أُنبئك بشر الناس؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : من لا يغفر الذنب ولا يقيل العثرة ، ألا أُنبئك بشر من ذلك ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : من لا يؤمن شره ، ولا يرجى خيره .
يا علي : إياك ودخول الحمام بغير مئزر فإنّ من دخل الحمام بغير مئزر ملعون الناظر والمنظور إليه .
يا علي : لا تتختم بالسبابة والوسطى ، فإنه كان يتختم قوم لوط فيهما ولا تعر الخنصر .
يا علي : إن الله يعجب من عبده إذا قال : رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يقول : يا ملائكتي عبدي هذا قد علم أنه لا يغفر الذنوب غيري ، اشهدوا أني قد غفرت له .
يا علي : إياك والكذب فإن الكذب يسود الوجه ، ثم يُكتب عند الله كذاباً وإن الصدق يبيض الوجه ويكتب عند الله صادقاً . واعلم أن الصدق مبارك والكذب مشؤوم .
يا علي : احذر الغيبة والنميمة ، فإن الغيبة تفطر والنميمة توجب عذاب القبر .
يا علي : لا تحلف بالله كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة ولا تجعل الله عرضة ليمينك ، فإن الله لا يرحم ولا يرعى من حلف باسمه كاذباً .
يا علي : لا تهتم لرزق غد ، فإن كل غد يأتي رزقه .
ص: 18
يا علي : إياك واللجاجة ، فإن أولها جهل وآخرها ندامة .
يا علي : عليك بالسواك ، فإن السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب ومجلاة للعين ، والخلال يحببك إلى الملائكة ، فإن الملائكة تتأذى بريح فم من لا يتخلل بعد الطعام .
يا علي : لا تغضب ، فإذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحلمه عنهم وإذا قيل لك : اتق الله فانبذ غضبك وراجع حلمك .
يا علي : احتسب بما تنفق على نفسك تجده عند الله مذخوراً.
يا علي : أحسن خلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحب من الناس تكتب عند الله في الدرجات العلى .
يا علي : ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك وما أحببته لنفسك فأحببه لأخيك ، تكن عادلاً في حكمك ، مقسطاً في عدلك محبباً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل الأرض إحفظ وصيتي إن شاء الله تعالى .
في جملة خبر طويل ومسائل كثيرة سأله عنها راهبٌ يُعرف بشمعون بن لاوي بن يهودا من حواريّي عيسى(عليه السلام)فأجابه عن جميع ما سأل عنه على كثرته فآمن به وصدقه وكتبنا منه موضع الحاجة إليه.
ومنه قال : أخبرني عن العقل ما هو وكيف هو وما يتشعب منه وما لا يتشعب وصف لي طوائفه كلها ؟ فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إن العقل عقال من الجهل والنفس مثل أخبث الدواب فإن لم تُعقل حارت ، فالعقل عقال من الجهل ، وإن الله خلق العقل فقال له : أقبل ، فأقبل وقال له : أدبر فأدبر ، فقال الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعظم منك ولا أطوع منك ، بك أبدأ وبك أُعيد ، لك الثواب وعليك العقاب ، فتشعب من العقل الحلم ومن الحلم العلم ومن العلم الرشد ومن الرشد العفاف ومن العفاف الصيانة ومن الصيانة الحياء ومن الحياء الرزانة ومن الرزانة المداومة على الخير ومن المداومة على الخير كراهية الشر ومن كراهية الشر طاعة
ص: 19
الناصح ، فهذه عشرة أصناف من أنواع الخير ولكل واحد من هذه العشرة الأصناف عشرة أنواع .
فأما الحلم : فمنه ركوب الجميل وصُحبة الأبرار ورفع من الضعة ورفع من الخساسة وتشهِّي الخير ويقرّب صاحبه من معالي الدرجات والعفو والمهل والمعروف والصمت ، فهذا ما يتشعب للعاقل بحلمه .
وأما العلم ، فيتشعب منه الغنى وإن كان فقيراً ، والجود وإن كان بخيلاً ،والمهابة وإن كان هيناً والسلامة وإن كان سقيماً والقرب وإن كان قصياً والحياء وإن كان صلِفاً والرفعة وإن كان وضيعاً والشرف وإن كان رَذِلاً والحكمة والحظوة ، فهذا ما يتشعب للعاقل بعلمه ، فطوبى لمن عقل وعلم.
وأما الرشد : فيتشعب منه السداد والهدى والبر والتقوى والمنالة(1)والقصد والاقتصاد والثواب والكرم والمعرفة بدين الله ، فهذا ما أصاب العاقل بالرشد فطوبى لمن أقام به على منهاج الطريق.
وأما العفاف : فيتشعب منه الرضا والاستكانة(2)والحظ والراحة والتفقد والخشوع والتذكر والتفكر والجود والسخاء ، فهذا ما يتشعب للعاقل بعفافه رضى بالله وبقسمه .
وأما الصيانة : فيتشعب منها الصلاح والتواضع والورع والإنابة والفهم والأدب والإحسان والتحبب والخير واجتناء البِشر ، فهذا ما أصاب العاقل بالصيانة ، فطوبى لمن أكرمه مولاه بالصيانة.
وأما الحياء : فيتشعب منه اللين والرأفة والمراقبة الله في السر والعلانية والسلامة واجتناب الشر والبشاشة والسماحة والظفر وحسن الثناء على المرء في الناس ، فهذا ما أصاب العاقل بالحياء ، فطوبى لمن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته.
وأما الرزانة : فيتشعب منها اللطف والحزم وأداء الأمانة وترك الخيانة وصدق اللسان وتحصين الفرج واستصلاح المال والاستعداد للعدو والنهي عن المنكر وترك السفه ، فهذا ما أصاب العاقل بالرزانة ، فطوبى لمن توقر ولمن لم تكن له خفة ولا جاهلية وعفا وصفح .
ص: 20
وأما المداومة على الخير ، فيتشعب منه ترك الفواحش والبعد من الطيش والتحرج واليقين وحب النجاة وطاعة الرحمن وتعظيم البرهان واجتناب الشيطان والإجابة للعدل وقول الحق ، فهذا ما أصاب العاقل بمداومة الخير ، فطوبى لمن ذكر إمامه وذكر قيامه واعتبر بالفناء.
وأما كراهية الشر ، فيتشعب منه الوقار والصبر والنصر والاستقامة على المنهاج والمداومة على الرشاد والإيمان بالله والتوفر والإخلاص وترك ما لا يعنيه والمحافظة على ما ينفعه ، فهذا ما أصاب العاقل بالكراهية للشر ، فطوبى لمن أقام بحق الله وتمسك بعرى سبيل الله .
وأما طاعة الناصح ، فيتشعب منها الزيادة في العقل وكمال اللب ومحمدة العواقب والنجاة من اللؤم والقبول والمودة والانشراح والإنصاف والتقدم في الأمور والقوة على طاعة الله ، فطوبى لمن سلم من مصارع(1)الهوى ، فهذه الخصال كلها تتشعب من العقل .
قال شمعون : فأخبرني عن أعلام الجاهل ، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إن عنَّاك(2)وإن اعتزلته شتمك وإن أعطاك منَّ عليك وإن أعطيته كفرك وإن صحبته أسررت إليه خانك وإن أسرّ إليك اتهمك وإن استغنى بطر وكان فظا غليظاً وإن افتقر جحد نعمة الله ولم يتحرج وإن فرح أسرف وطغى وإن حزن آيس وإن ضحك فهق وإن بكى خار(3)، يقع في الأبرار ولا يحب الله ولا يراقبه ولا يستحيي من الله ولا يذكره إن أرضيته مدحك وقال فيك من الحسنة ما ليس فيك وإن سخط عليك ذهبت مدحته ووقع فيك من السوء ما ليس فيك ، فهذا مجرى الجاهل .
قال : فأخبرني عن علامة الإسلام ؟ فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): الإيمان والعلم والعمل . قال : فما علامة الإيمان وما علامة العلم وما علامة العمل ؟
فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): أما علامة الإيمان فأربعة ، الإقرار بتوحيد الله والإيمان
ص: 21
به والإيمان بكتبه ، والإيمان برسله.
وأما علامة العلم فأربعة : العلم بالله والعلم بمحبيه والعلم بفرائضه والحفظ لها حتى تؤدى .
وأما علامة العمل : فالصلاة والصوم والزكاة والإخلاص.
قال : فأخبرني عن علامة الصادق وعلامة المؤمن وعلامة الصابر وعلامة التائه وعلامة الشاكر وعلامة الصادق ، وعلامة الخاشع ، وعلامة الصالح ، وعلامة الناصح وعلامة الموقن وعلامة المخلص وعلامة الزاهد وعلامة البار وعلامة التقي وعلامة المتكلف وعلامة الظالم وعلامة المرائي وعلامة المنافق وعلامة الحاسد وعلامة المسرف وعلامة الغافل وعلامة الخائن وعلامة الكسلان وعلامة الكذاب وعلامة الفاسق ؟
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): أما علامة الصادق فأربعة : يصدق في قوله ويُصدق وعد الله ووعيده ويوفي بالعهد ويجتنب الغدر.
وأما علامة المؤمن فإنه يرؤف ويفهم ويستحيي.
وأما علامة الصابر فأربعة : الصبر على المكاره والعزم في أعمال البر والتواضع والحلم .
وأما علامة التائب فأربعة : النصيحة لله في عمله وترك الباطل ولزوم الحق والحرص على الخير .
وأما علامة الشاكر فأربعة : الشكر في النعماء والصبر في البلاء والقنوع بقسم الله ولا يحمد ولا يعظم إلا الله .
وأما علامة الخاشع فأربعة : مراقبة الله في السر والعلانية وركوب الجميل والتفكر ليوم القيامة والمناجاة لله.
وأما علامة الصالح فأربعة : يصفي قلبه ويُصلح عمله ويُصلح كسبه ويصلح أموره كلها .
وأما علامة الناصح فأربعة : يقضي بالحق ويعطي الحق من نفسه ويرضى للناس ما يرضاه لنفسه ولا يعتدي على أحد .
ص: 22
وأما علامة الموقن فستة : أيقن بالله حقاً فآمن به ، وأيقن بأن الموت حق فحذره وأيقن بأن البعث حق فخاف الفضيحة ، وأيقن بأن الجنة حق فاشتاق إليها ، وأيقن بأن النار حق فظهر سعيه للنجاة منها ، وأيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه .
وأما علامة المخلص فأربعة : يسلم قلبه وتسلم جوارحه وبذل خيره وكف شره .
وأما علامة الزاهد فعشرة : يزهد في المحارم ويكف نفسه ويقيم فرائض ربه فإن كان مملوكاً أحسن الطاعة وإن كان مالكاً أحسن المملكة وليس له حمية ولا حقد ، يحسن إلى من أساء إليه وينفع مَن ضرَّه ويعفو عمن ظلمه ويتواضع لحق الله .
وأما علامة البار فعشرة : يحب في الله ويبغض في الله . ويصاحب في الله ويفارق في الله ويغضب في الله ويرضى في الله ويعمل الله ، ويطلب إليه ويخشع خائفاً مخوفاً طاهراً مخلصاً مستحيياً مراقباً ويحسن في الله .
وأما علامة التقي فستة : يخاف الله ويحذر بطشه ويمسي ويصبح كأنه يراه ، لا تهمه الدنيا ولا يعظم عليه منها شيء لحسن خُلقه.
وأما علامة المتكلف فأربعة : الجدال فيما لا يعنيه وينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويجعل همه لما لا ينجيه .
وأما علامة الظالم فأربعة : يظلم من فوقه بالمعصية ويملك من دونه بالغلبة ويبغض الحق ويظهر الظلم.
وأما علامة المرائي فأربعة : يحرص في العمل الله إذا كان عنده أحد، ويكسل إذا كان وحده ، ويحرص في كل أمره على المحمدة ، ويحسن سمته بجهده.
وأما علامة المنافق فأربعة : فاجر دخله(1)يخالف لسانه قلبه ، وقوله فعله ، وسريرته علانيته ، فويل للمنافق من النار .
وأما علامة الحاسد فأربعة : الغيبة والتملق والشماتة بالمصيبة(2).
ص: 23
وأما علامة المسرف فأربعة : الفخر بالباطل ، ويأكل ما ليس عنده ويزهد في اصطناع المعروف ، وينكر من لا ينتفع بشيء منه.
وأما علامة الغافل فأربعة : العمى والسهو واللهو والنسيان.
وأما علامة الكسلان فأربعة : يتوانى حتى يفرط ، ويفرط حتى يضيع ، ويضيع حتى يأثم ، ويضجر .
وأما علامة الكذاب فأربعة : إن قال لم يصدَّق ، وإن قيل له لم يصدِّق ،والنميمة والبهت .
وأما علامة الفاسق فأربعة : اللهو واللغو والعدوان والبهتان.
وأما علامة الخائن فأربعة : عصيان الرحمن ، وأذى الجيران ، وبغض الأقران والقرب إلى الطغيان .
فقال شمعون : لقد شفيتني وبصّرتني من عماي، فعلمني طرائق أهتدي بها .
فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : يا شمعون إن لك أعداء يطلبونك ويقاتلونك ليسلبوا دينك من الجن والإنس ، فأما الذين من الإنس فقوم لا خلاق لهم في الآخرة ولا رغبة لهم فيما عند الله ، إنما همهم تعيير الناس بأعمالهم ، لا يعيّرون أنفسهم ولا يحاذرون أعمالهم ، إن رأوك صالحاً حسدوك وقالوا : مراءٍ ، وإن رأوك فاسداً قالوا : لا خير فيه .
وأما أعداؤك من الجن فإبليس وجنوده ، فإذا أتاك فقال : مات ابنك ، فقل إنما خلق الأحياء ليموتوا وتدخل بضعة مني الجنة ، إنه ليسرني ، فإذا أتاك وقال : قد ذهب مالك ، فقل : الحمد لله الذي أعطى وأخذ وأذهب عني الزكاة ، فلا زكاة علي ، وإذا أتاك وقال لك : الناس يظلمونك وأنت لا تظلم ، فقل : إنما السبيل يوم القيامة على الذين يظلمون الناس (وما على المحسنين من سبيل) ، وإذا أتاك وقال لك : ما أكثر إحسانك ، يريد أن يدخلك العجب ، فقل إساءتي أكثر من إحساني . وإذا أتاك وقال لك : ما أكثر صلاتك ، فقل غفلتي أكثر من صلاتي ، وإذا قال لك : كم تعطي الناس ، فقل : ما أخذ أكثر مما أعطي . وإذا قال لك : ما أكثر من يظلمك فقل : من ظلمته أكثر ، وإذا أتاك وقال لك كم تعمل ، فقل : طال ما عصيت ، وإذا
ص: 24
أتاك وقال لك : اشرب الشراب ، فقل : لا أرتكب المعصية ، وإذا أتاك وقال لك : ألا تحب الدنيا ؟ فقل : ما أحبها وقد اغتر بها غيري.
يا شمعون خالط الأبرار واتبع النبيين : يعقوب ويوسف وداود ، إن الله تبارك وتعالى لما خلق السفلى فخرت وذخرت وقالت : أي شيء يغلبني ؟ فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت ، ثم إن الأرض فخرت وقالت : أي شيء يغلبني ؟ فخلق الله الجبال ، فأثبتها على ظهرها أوتاداً من أن تميد بما عليها ، فذلت الأرض واستقرت ثم إن الجبال فخرت على الأرض ، فشمخت واستطالت وقالت : أي شيء يغلبني ؟ فخلق الحديد ، فقطعها ، فذلت ، ثم إن الحديد فخر على الجبال وقال : أي شيء يغلبني ؟ فخلق النار ، فأذابت الحديد، فذل الحديد ، ثم إن النار زفرت وشهقت وفخرت وقالت أي شيء يغلبني ؟ فخلق الماء ، فأطفأها فذلت ، ثم إن الماء فخر وذخر ، وقال أي شيء يغلبني ؟ فخلق الريح ، فحركت أمواجه وأثارت ما في قعره وحبسته عن مجاريه ، فذل الماء ، ثم إنّ الريح ، فخرت وعصفت وقالت : أي شيء يغلبني ؟ فخلق الإنسان ، فبنى واحتال ما يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح ، ثم إن الإنسان طغى وقال : من أشد مني قوة ، فخلق الموت فقهره فذل الإنسان ، ثم إن الموت فخر في نفسه ، فقال الله عزّ وجل : لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين : أهل الجنة وأهل النار ، ثم لا أُحييك أبداً فخاف . ثم قال : والحلم يغلب الغضب والرحمة تغلب السخط ، والصدقة تغلب الخطيئة.
يا معاذ علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة وأنزل الناس منازلهم - خيرهم وشرهم - وأنفذ فيهم أمر الله ، ولا تحاش في أمره(1)، ولا ماله أحداً فإنها ليست بولايتك ولا مالك وأد إليهم الأمانة في كل قليل وكثير ، وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحق ، يقول الجاهل قد تركت من حق الله ، واعتذر إلى أهل عملك من كل أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتى يعذروك وأمت أمر الجاهلية إلّا ما سنه الإسلام .
ص: 25
وأظهر أمر الإسلام كله، صغيره وكبيره، وليكن أكثر همك الصَّلاة ، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين وذكّر الناس بالله واليوم الآخر ، واتبع الموعظة ، فإنه أقوى لهم على العمل بما يحب الله ، ثم بُثَّ فيهم المعلمين ، واعبد الله الذي إليه ترجع ولا تخف في الله لومة لائم .
وأوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة ، ولين الكلام وبذل السلام ، وحفظ الجار ورحمة اليتيم وحسن العمل وقصر الأمل وحب الآخرة والجزع من الحساب ولزوم الإيمان والفقه في القرآن ، وكظم الغيظ وخفض الجناح .
وإياك أن تشتم مسلماً ، أو تطيع آثماً ، أو تعصي إماماً عادلاً ، أو تكذب صادقاً ، أو تصدق كاذباً ، واذكر ربك عند كل شجر وحجر ، وأحدث لكل ذنب توبة : السر بالسر والعلانية بالعلانية .
يا معاذ لولا أنني أرى ألا نلتقي إلى يوم القيامة ، لقصرت في الوصيّة ولكنني أرى أن لا نلتقي أبداً(1)، ثم اعلم يا معاذ أن أحبكم إلي مَن يلقاني على مثل الحال التي فارقني عليها .
إن لكل شيء شرفاً ، وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة ، من أحب أن يكون أعز الناس فليتق الله ومن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده .
ثم قال : ألا أُنبئكم بشرار الناس ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من نزل وحده ومنع رفده ، وجلد عبده ، ألا أُنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : من لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ، ثم قال : ألا أُنبئكم بشر من ذلك ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره ، ثم قال ألا أُنبئكم بشر من
ص: 26
ذلك؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من يبغض الناس ويبغضونه .
إن عيسى (عليه السلام)قام خطيباً في بني إسرائيل ، فقال : يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ولا تكافئو ظالماً فيبطل فضلكم ، يا بني إسرائيل الأُمور ثلاثة : أمر بيّن رشده، فاتبعوه ، وأمر بيِّن غيّه ، فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه ، فردوه إلى الله .
أيُّها النّاس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتبهوا إلى نهايتكم ، إن المؤمن بين مخافتين : أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه ، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه ومن دنیاه لآخرته ومن الشيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الموت ، والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب(1)وما بعد الدنيا دار إلَّا الجنّة والنّار .
قال : تعلَّموا العلم ، فإن تعلمه حسنة ومدارسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، لأنه معالم الحلال والحرام وسالك بطالبه سبل الجنة ومؤنس في الوحدة وصاحب في الغربة ودليل على السراء وسلاح على الأعداء وزين الأخلاء ، يرفع الله به أقواماً يجعلهم في الخير أئمّة يقتدى بهم ، ترمق أعمالهم(2)وتقتبس آثارهم وترغب الملائكة في خلتهم ، لأن العلم حياة القلوب ونور الأبصار من العمى وقوة الأبدان من الضعف وينزل الله حامله منازل الأحبّاء ويمنحه مجالسة الأبرار في الدنيا والآخرة .
بالعلم يُطاع الله ويُعبد وبالعلم يُعرف الله ويوحد وبه توصل الأرحام ويعرف الحلال والحرام ، والعلم أمام العقل .
والعقل يلهمه الله السعداء ويحرمه الأشقياء ، وصفة العاقل أن يحلم عمن جهل عليه ويتجاوز عمن ظلمه ويتواضع لمن هو دونه ويسابق من فوقه في طلب البر ، وإذا أراد أن يتكلم تدبر ، فإن كان خيراً تكلم فغنم وإن كان شراً سكت فسلم ، وإذا
ص: 27
عرضت له فتنة استعصم بالله وأمسك يده ولسانه وإذا رأى فضيلة انتهز بها، لا يفارقه الحياء ولا يبدو منه الحرص ، فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل.
وصفة الجاهل : أن يظلم من خالطه ويتعدى على من هو دونه ويتطاول على من هو فوقه ، كلامه بغير تدبر ، إن تكلم أثم وإن سكت سها وإن عُرضت له فتنة سارع إليها فأردته وإن رأى فضيلة أعرض وأبطأ عنها ، لا يخاف ذنوبه القديمة ولا يرتدع فيما بقي من عمره من الذنوب ، يتوانى عن البر ويبطىء عنه ، غير مكترث لما فاته من ذلك أو ضيعه ، فتلك عشر خصال من صفة الجاهل الذي حرم العقل .
ما لي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس ، حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب وكأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب وحتى كأن ما يسمعون من خبر الأموات قبلهم عندهم كسبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون تبوّئونهم أجداثهم وتأكلون تراثهم وأنتم مخلدون ،بعدهم هيهات هيهات أما يتعظ آخرهم بأولهم ، لقد جهلوا ونسوا كل موعظة في كتاب الله وأمنوا شرّ كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة ولا بوائق كل حادثة .
طوبى لمن شغله خوف الله عن خوف الناس .
طوبى لمن طاب كسبه وصلحت سريرته وحسنت علانيته واستقامت خليقته .
طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله .
طوبى لمن تواضع الله عز ذكره وزهد فيما أحل له من غير رغبة عن سنتي ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي واتبع الأخيار من عترتي من بعدي وخالط أهل الفقه والحكمة ورحم أهل المسكنة .
طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالاً من غير معصية وأنفقه في غير معصية وعاد به على أهل المسكنة وجانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا المبتدعين خلاف سنتي العاملين بغير سيرتي .
طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره .
ص: 28
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على العمل بطاعته ، وأستفتح الله بالذي هو خير أما بعد : أيُّها النّاس ! اسمعوا مني ما أُبين لكم ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيُّها النّاس إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا - في بلدكم هذا - . ألا هل بلغت ؟ اللَّهُمَّ اشهد.
فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، وإن ربا الجاهلية موضوع وإن أول رباً أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب ، وإن دماء الجاهلية موضوعةٌ وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة(1)بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قودٌ(2)وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير ، فمن ازداد فهو من الجاهلية.
أيُّها النّاس ! إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه قد رضي بأن يُطاع فيما سوى ذلك فيما تحتقرون من أعمالكم .
أيُّها النّاس !﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ(3) زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ﴾ وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض «و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم» ثلاثة متوالية ، وواحد فرد - ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ورجب بين جمادي وشعبان ، ألا هل بلغت ؟ اللَّهُمَّ اشهد .
ص: 29
أيُّها النّاس ، إن لنسائكم عليكم حقاً ، ولكم عليهن حقاً ، حقكم عليهن أن لا يوطئن أحداً فرشكم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلّا بإذنكم وألا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح(1)، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكتاب الله ، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهنَّ خيراً.
أيُّها النّاس ، ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلَّا عن طيب نفس منه . ألا هل بلّغت ؟ اللَّهُمَّ اشهد ؟ فلا ترجعن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . ألا هل بلغت ؟ اللَّهُمَّ اشهد
أيُّها النّاس ، إن ربكم واحدٌ وإن أباكم واحدٌ كلكم لأدم وآدم من تراب ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾وليس لعربيّ على عجميّ فضل إلَّا بالتقوى . ألا هل بلّغت ؟ قالوا : نعم ، قال : فليبلّغ الشاهد الغائب.
أيُّها النّاس ، إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصيّة في أكثر من الثلث . والولد للفراش وللعاهر الحجر ، من ادّعى إلى غير أبيه ، ومن تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً والسلام عليكم ورحمة الله .
قال(صلی الله علیه وآله وسلم): كفى بالموت واعظاً وكفى بالتقى غنىَّ وكفى بالعبادة شغلاً وكفى بالقيامة موئلاً وبالله مجازياً(2).
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) الخصلتان ليس فوقهما من البر شيء : الإيمان بالله والنفع لعباد الله ، وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء : الشرك بالله والضر لعباد الله .
وقال له رجل : أوصني بشيء ينفعني الله به ، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أكثر ذكر الموت
ص: 30
يسلك عن الدنيا وعليك بالشُّكر فإنه يزيد في النعمة ، وأكثر من الدعاء فإنك لا تدري متى يستجاب لك ، وإيّاك والبغي فإن الله قضى أنه من بغي عليه لينصرنه الله ، وقال : ﴿أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم﴾(1)، وإيّاك والمكر ، فإن الله قضى أن ﴿لا يحيق المكر السيء إلّا بأهله﴾ (2)
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ستحرصون على الإمارة ، ثم تكون عليكم حسرة وندامة ، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة(3).
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة .
وقيل(صلی الله علیه وآله وسلم)أي الأصحاب أفضل ؟ قال : من إذا ذكرت أعانك وإذا نسيت ذكرك . وقيل : أي الناس شرُ ، قال : العلماء إذا فسدوا .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أوصاني ربي بتسع ، أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب والقصد في الفقر والغنى وأن أعفو عمن ظلمني وأُعطي من حرمني وأصل من قطعني وأن يكون صمتي فكراً ومنطقي ذكراً ونظري عبراً(4).
وقال مالك : قيدوا العلم بالكتاب.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إذا ساد القوم فاسقهم وكان زعيم القوم أذلهم وأُكرم الرجل الفاسق فلينتظر البلاء .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): سرعة المشي يذهب ببهاء المؤمن .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): لا يزال المسروق منه في تهمة من هو بريء ، حتى يكون أعظم جرماً من السارق.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله يحب الجواد في حقه .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : إذا كان أُمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى
ص: 31
بينكم ، فظهر الأرض خير لكم من بطنها . وإذا كان أ٫مراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأُموركم إلى نسائكم ، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من أمسى وأصبح عنده ثلاث فقد تمّت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافىَّ في بدنه، آمناً في سربه(1)، عنده قوت يومه ، فإن كانت عنده الرابعة ، فقد تمّت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الإيمان.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ارحموا عزيزاً ذل وغنياً افتقر وعالماً ضاع في زمن جهال.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): خلتان كثير من الناس فيها مفتون ، الصحة والفراغ .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها .
وقال لك : إنّا معشر الأنبياء أُمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): ملعون من ألقى كله على الناس(2).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): العبادة سبعة أجزاء ، أفضلها طلب الحلال.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله لا يُطاع جبراً ولا يعصى مغلوباً ولم يهمل العباد من المملكة ولكنه القادر على ما أقدرهم عليه والمالك لما ملَّكهم إياه ، فإن العباد إن استمروا بطاعة الله لم يكن منها مانع ولا عنها صاد وإن عملوا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبينها فعل ، وليس مَن [إن] شاء أن يحول بينك وبين شيء [فعل] ولم يفعله فأتاه الذي فعله كان هو الذي أدخله فيه .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم)لابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه : لولا أن الماضي فرط الباقي(3)وأن الآخر لاحق بالأول لحزنّا عليك يا إبراهيم ، ثم دمعت عينه وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الجمال في اللسان .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): لا يقبض العلم انتزاعاً من الناس ولكنه يقبض العلماء حتى إذا
ص: 32
لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً ، إستفتوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أفضل جهاد أُمتي إنتظار الفرج.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): مروءتنا أهل البيت العفو عمن ظلمنا وإعطاء من حرمنا.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أغبط أوليائي عندي من أُمتي ، رجلٌ خفيف الحال ذو حظ من صلاة، أحسن عبادة ربه في الغيب وكان غامضاً في الناس وكان رزقه كفافاً فصبر عليه ومات ، قلّ تراثه وقلً بواكيه(1).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ما أصاب المؤمن من نَصب ولا وَصَب(2)ولا حُزن حتى الهمّ يهمّه إلَّا كفر الله به سيئاته.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من أكل ما يشتهي ولبس ما يشتهي وركب ما يشتهي ، لم ينظر الله إليه حتى ينزع أو يترك .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): مثل المؤمن كمثل السنبلة ، تخر مرة ، وتستقيم مرة ، ومثل الكافر مثل الأرزة ، لا يزال مستقيماً لا يشعر.
وسئل(صلی الله علیه وآله وسلم) : من أشد الناس بلاءاً في الدنيا ، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): النبيون ثم الأماثل فالأماثل ويبتلى المؤمن على قدر إيمانه وحسن عمله ، فمن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): لو كانت الدنيا تعدل عند الله مثل جناح بعوضة ما أعطى كافراً ولا منافقاً منها شيئاً.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الدنيا دُولٌ(3)فما كان لك ، أتاك على ضعفك وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك ، ومن انقطع رجاؤه مما فات استراح بدنه ، ومن رضي بما
ص: 33
قسمه الله قرَّت عينه.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إنه والله ما من عمل يقربكم من النار إلا وقد نبأتكم به ونهيتكم عنه وما من عمل يقربكم من الجنة إلّا وقد نبأتكم به وأمرتكم به ، فإن الروح الأمين نفث في روعي(1): أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوا ما عند الله بمعاصيه، فإنه لا ينال ما عند الله إلَّا بطاعته .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): صوتان يبغضهما الله: أعوال عند مصيبة ، ومزمار عند نعمة(2).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم):علامة رضى الله عن خلقه رخص أسعارهم وعدل سلطانهم وعلامة غضب الله على خلقه جور سلطانهم وغلاء أسعارهم.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم ، من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ومن إذا أصاب خيراً قال : الحمد الله ومن إذا أصاب خطيئة قال : أستغفر الله وأتوب إليه .
وقال : من أعطي أربعاً لم يحرم أربعاً : من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): العلم خزائن ومفاتيحه السؤال ، فاسألوا رحمكم الله ، فإنه تؤجر أربعة : السائل والمتكلم والمستمع والمحب لهم.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): سائلوا العلماء وخاطبوا الحكماء وجالسوا الفقراء .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة وأفضل دينكم الورع .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض
ص: 34
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن عظيم البلاء يكافىء به عظيم الجزاء ، فإذا أحب الله عبداً ابتلاه فمن رضي قلبه فله عند الله الرضى ومن سخط فله السخط.
وأتاه رجل فقال : يا رسول الله أوصني ، فقال : لا تشرك بالله شيئاً وإن حرِّقت بالنار وإن عذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان ، ووالديك فأطعهما وبرهما حيَّين أو ميتين فإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإن ذلك من الإيمان والصلاة المفروضة فلا تدعها متعمداً ، فإنه من ترك صلاة فريضة متعمداً فإن ذمة الله منه بريئة ، وإياك وشرب الخمر وكلِّ مسكر فإنهما مفتاحا كل شر.
وأتاه رجل من بني تميم يقال له : أبو أميّة ، فقال : إلى ما تدعو الناس يا محمد ؟ فقال له رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):﴿ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾(1)وأدعو علي صلى إلى من إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك وإن استعنت به وأنت مكروب أعانك وإن سألته وأنت مقل أغناك ، فقال : أوصني يا محمد ، فقال : لا تغضب ، قال : زدني ، قال : إرض من الناس بما ترضى لهم به من نفسكَ ، فقال : زدني ، فقال : لا تسب الناس فتكتسب العداوة منهم ، قال زدني ، قال : لا تزهد في المعروف عند أهله ، قال : زدني ، قال : تحب الناس يحبوك والق أخاك بوجه منبسط ولا تضجر فيمنعك الضجر من الآخرة والدنيا وأتزر إلى نصف الساق وإياك وإسبال الإزار والقميص ، فإنَّ ذلك من المخيلة والله لا يحب المخيلة(2).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله يبغض الشيخ الزَّان والغني الظلوم والفقير المختال والسائل الملحف ويحبط أجر المعطي المنان ويمقت البذخ الجري الكذاب(3).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من تفاقر افتقر.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك حق ومن سعادة المرء خفة لحيته .
ص: 35
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ما نهيت عن شيء بعد عبادة الأوثان ما نهيت عن ملاحاة الرجال(1)
وقام (صلی الله علیه وآله وسلم)في مسجد الخيف فقال : نصر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها ، فربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه إلى غير فقيه . ثلاث لا يغل عليهن قلب امرء مسلم إخلاص العمل الله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم . المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم.
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إذا بايع المسلم الذمي فليقل ، اللهمّ خر لي عليه ، وإذا بايع المسلم فليقل : اللهمّ خر لي وله.
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) رحم الله عبداً قال خيراً فغنم ، أو سكت عن سوء فسلم.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ثلاثٌ من كن فيه استكمل خصال الإيمان : الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل ، وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من بلغ حداً في غير حق فهو من المعتدين .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): قراءة القرآن في صلاة أفضل من قراءة القرآن في غير صلاة وذكر الله أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم والصوم حسنة ، ثم قال : لا قول إلّا بعمل ، ولا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الأناة من الله والعجلة من الشيطان(2).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو يصرف وجوه الناس إليه ليعظموه فليتبوء مقعده من النار ، فإن الرئاسة لا تصلح إلا الله ولأهلها ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه مقته الله ومن دعا إلى
ص: 36
نفسه ، فقال : أنا رئيسكم وليس هو كذلك لم ينظر الله إليه حتى يرجع عمّا قال ويتوب إلى الله مما ادّعى
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): قال عيسى بن مريم للحواريين : تحببوا إلى الله وتقربوا إليه . قالوا : يا روح الله بماذا نتحبب إلى الله ونتقرب ؟ قال : بغض أهل المعاصي والتمسوا رضی الله بسخطهم ، قالوا : يا روح الله فمن نجالس إذاً ؟ قال : من يذكركم الله رؤيته ويزيد في عملكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أبعدكم بي شبهاً البخيل البذي الفاحش.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): سوء الخلق شؤم .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إذا رأيتم الرَّجل لا يبالي ما قال وما قيل فيه فإنه لبغي أو شيطانٌ .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال وما قيل فيه ، أما إنه إن تنسبه لم تجده إلا لبغي أو شرك شيطان.
قیل: یا رسول الله وفي الناس شياطين ؟ قال : نعم أو ما تقرأ قول الله وشاركهم في الأموال والأولاد )(1)
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من تنفعه ينفعك ، ومن لا يُعدّ الصبر لنوائب الدّهر يعجز ، ومن قرَّض الناس قرّضوه ومن تركهم لم يتركوه(2)قيل : فأصنع ماذا يا رسول الله ؟ قال : أقرضهم من عرضك ليوم فقرك(3).
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة ؟ تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك .
وخرج (صلی الله علیه وآله وسلم) يوماً وقوم يدحون حجراً ، فقال : أشدكم من ملك نفسه عند الغضب وأحملكم من عفا بعد المقدرة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): قال الله : هذا دين أرتضيه لنفسي ولن يصلحه إلا السخاء وحسن
ص: 37
الخلق ، فأكرموه بهما ما صحبتموه .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أفضلكم إيماناً أحسنكم أخلاقاً .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم ، فقيل له : ما أفضل ما أُعطي العبد ، قال حسن الخلق.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : حسن الخلق يثبت المودّة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): حسن البِشر يُذهب بالسخيمة(1).
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): خياركم أحسنكم أخلاقاً الذين يألفون ويؤلفون .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الأيدي ثلاثة : سائلة ومنفقة وممسكة وخير الأيدي المنفقة.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الحياء حياءان : حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل العلم وحياء الحمق الجهل.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من ألقى جلباب الحياء لا غيبة له .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): الأمانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): نظر الولد إلى والديه حباً لهما عبادة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): جهد البلاء أن يقدم الرجل فتضرب رقبته صبراً والأسير ما دام في وثاق العدو والرجل يجد على بطن امرأته رجلاً .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): العلم خدين المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والصبر أمير جنوده ، والرّفق والده ، والبرُ أخوه ، والنسب آدم ، والحسب التقوى ، والمروءة إصلاح المال .
وجاءه رجل بلبن وعسل ليشربه ، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه لا أشربه ولا أحرمه ولكني أتواضع لله ، فإنه من تواضع لله رفعه الله ومن ذكر الله آجره الله .
ص: 38
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أقربكم مني غداً في الموقف أصدقكم للحديث وآداكم للأمانة وأوفاكم بالعهد وأحسنكم خلقاً وأقربكم من الناس .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إذا مدح الفاجر اهتزّ العرش وغضب الرَّب .
وقال له رجل : ما الحزم ؟ قال(صلی الله علیه وآله وسلم): تُشاور امرء ذا رأي ثم تطيعه.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم)يوماً : أيها الناس ما الرقوب فيكم ؟ قالوا : الرجل يموت ولم يترك ولداً ، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم)بل الرقوب حق الرقوب رجل مات ولم يقدم من ولده أحداً يحتسبه عند الله وإن كانوا كثيراً بعده ، ثم قال(صلی الله علیه وآله وسلم): ما الصعلوك فيكم ؟ قالوا : الرجل الذي لا مال له ، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): بل الصعلوك حق الصعلوك من لم يقدم من ماله شيئاً يحتسبه عند الله وإن كان كثيراً من بعده ، ثم قال(صلی الله علیه وآله وسلم): ما الصرعة فيكم ؟ قالوا : الشديد القوي الذي لا يوضع جنبه ، فقال : بل الصرعة حق الصرعة رجل وكز الشيطان في قلبه فاشتد غضبه وظهر دمه ثم ذكر الله فصرع بحلمه غضبه .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من عمل على غير علم كان ما يُفسد أكثر مما يصلح .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الجلوس في المسجد في انتظار الصَّلاة عبادة ما لم يحدث ، قيل : يا رسول الله : وما يحدث ؟ قال(صلی الله علیه وآله وسلم) : الإغتياب .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الصائم في عبادة وإن كان نائماً على فراشه ما لم يغتب مسلماً .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من أذاع فاحشة كان كمبديها ومن عير مؤمناً بشيء لم يمت حتى يركبه .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ثلاثة وإن لم تظلمهم ظلموك : السفلة وزوجتك وخادمك(1).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أربع من علامات الشقاء جمود العين ، وقسوة القلب ، وشدة الحرص في طلب الدنيا ، والإصرار على الذَّنب .
وقال رجل أوصني ، فقال (صلی الله علیه وآله وسلم): لا تغضب ، ثم أعاد عليه ، فقال : لا تغضب ثم قال : ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً .
ص: 39
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : ما كان الرّفق في شيء إلّا زانه ولا كان الخرق في شيء إلا شانه(1).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الكسوة تظهر الغنى والإحسان إلى الخادم يكبت العدوّ .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): أُمرت بمداراة الناس كما أُمرت بتبليغ الرسالة.
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): استعينوا على أُموركم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الإيمان نصفان : نصف في الصبر ونصف في الشكر .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): حسن العهد من الإيمان .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الأكل في السوق دناءة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : الحوائج إلى الله (و) أسبابها فاطلبوها إلى الله بهم فمن أعطاكموها فخذوها عن الله بصبر .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): عجباً للمؤمن لا يقضي الله عليه قضاءاً إلا كان خيراً له ، سره أو ساءه إن ابتلاه كان كفارة لذنبه وإن أعطاه وأكرمه كان قد حباه .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): من أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه جعل الله الغنى في قلبه وجمع له أمره ولم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه ومن أصبح وأمسى والدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه أمره ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) لرجل سأله عن جماعة أمته ، فقال : جماعة أمتي أهل الحق وإن قلوا .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) : من وعد الله على عمل ثواباً فهو منجز له ، ومن أوعده على عمل عقاباً فهو بالخيار .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): ألا أخبرکم بأشبهکم بی أخلاقاً؟ قالوا بلی یا رسول الله ، فقال : أحسنكم أخلاقاً وأعظمكم حلماً وأبركم بقرابته وأشدكم إنصافاً من نفسه في الغضب والرضا .
ص: 40
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الطاعم الشاكر أفضل من الصائم الصامت.
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) : ود المؤمن المؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان ، من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من الأصفياء .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): أحب عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده وأقومهم بحقه الذين يحبب إليهم المعروف وفعاله .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من أتى إليكم معروفاً فكافوه ، فإن لم تجدوا فأثنوه فإن الثناء جزاء .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): من حرم الرفق فقد حرم الخير كله .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : لا تمار أخاك وتمازحه ولا تعده فتُخلفه.
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) : الحرمات التي تلزم كل مؤمن رعايتها والوفاء بها : حرمة الدين وحرمة الأدب ، وحرمة الطعام .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): المؤمن دعب لعب ، والمنافق قطب غضب(1).
وقال : نعم العون على تقوى الله الغنى.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أعجل الشر عقوبة البغي .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : الهدية على ثلاثة وجوه : هدية مكافأة ، وهدية مصانعة وهدية الله.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): كيف بكم إذا فسد نساؤكم وفسق شبانكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ ! قيل له : ويكون ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم وشر من ذلك ، وكيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟! قيل : يا رسول الله
ص: 41
ويكون ذلك ؟ قال : نعم وشرّ من ذلك ، وكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : إذا تطيرت فامض ، وإذا ظننت فلا تقض ، وإذا حسدت فلا تبغ.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): رفع عن أُمتي [تسع ] : الخطأ ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ،وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة ولا لسان(1).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): لا يحزن أحدكم أن ترفع عنه الرؤيا فإنه إذا رسخ في العلم رفعت عنه الرؤيا .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): صنفان من أُمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أُمتي ، قيل : يا رسول الله ومن هم ؟ قال الفقهاء والأمراء .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): أكمل الناس عقلاً أخوفهم لله وأطوعهم له، وأنقص الناس عقلاً أخوفهم للسلطان وأطوعهم له .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): ثلاثة مجالستهم تميت القلب : الجلوس مع الأنذال، والحديث مع النساء ، والجلوس مع الأغنياء(2).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إذا غضب الله على أمة ، لم ينزل العذاب عليهم ، غلت أسعارها وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجارها ، ولم تزك ثمارها ، ولم تغزر أنهارها، وحبس عنها أمطارها وسلط عليها [أ] شرارها .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إذا كثر الزنا بعدي كثر موت الفجأة وإذا طفف المكيال أخذهم الله بالسنين والنقص وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن وإذا جاروا في الحكم تعاونوا على الظلم والعدوان ، وإذا نقضوا العهود سلط الله عليهم عدوهم ، وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار ، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله عليهم
ص: 42
أشرارهم فيدعوا عند ذلك خيارهم فلا يستجاب لهم .
ولما نزلت عليه ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ﴾- إلى آخر الآية - قال(صلی الله علیه وآله وسلم): من لم يتعزّ بعزاء الله انقطعت نفسه حسرات على الدنيا ومن مد عينه إلى ما في أيدي الناس من دنياهم طال حزنه وسخط ما قسم الله له من رزقه وتنغص عليه عيشه ولم ير أن الله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب فقد جهل وكفر نعم الله وصل سعيه ودنا منه عذابه .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): لا يدخل الجنة إلا من كان مسلماً ، فقال أبو ذر : يا رسول الله وما الإسلام ؟ فقال : الإسلام عريان ولباسه التقوى وشعاره الهدى ودثاره الحياء(1)وملاكه الورع وكماله الدين وثمرته العمل الصالح ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من طلب رضى مخلوق بسخط الخالق سلط الله عزّ وجلّ عليه ذلك المخلوق .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله خلق عبيداً من خلقه لحوائج الناس يرغبون في المعروف ويعدون الجود مجدا والله يحب مكارم الأخلاق.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله عباداً يفزع إليهم الناس في حوائجهم أولئك هم الآمنون من عذاب الله يوم القيامة .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إن المؤمن يأخذ بأدب الله ، إذا أوسع الله عليه اتسع وإذا أمسك عنه أمسك .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): يأتي على الناس زمانٌ لا يبالي الرجل ما تلف من دينه إذا سلمت له دنياه .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله جعل قلوب عباده على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إذا فعلت أُمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء ، قيل : يا
ص: 43
رسول الله ما هن ؟ قال إذا أخذوا المغنم دولاً(1)والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً وأطاع الرجل زوجته وعق أُمه وبر صديقه وجفا أُباه وارتفعت الأصوات في المساجد وأُكرم الرجل مخافة شره ، وكان زعيم القوم أرذلهم وإذا لبس الحرير وشربت الخمر واتخذ القيان والمعازف(2)ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليترقبوا بعد ذلك ثلاث خصال : ريحاً حمراء ومسخاً وفسخاً .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): يأتي على الناس زمان يكون الناس فيه ذئاباً، فمن لم يكن ذئباً أكلته الذئاب .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أقل ما يكون في آخر الزمان أخ يوثق به أو درهم من حلال .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إحترسوا من الناس بسوء الظن .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إنما يدرك الخير كله بالعقل ولا دين لمن لا عقل له .
وأثنى قوم بحضرته على رجل حتى ذكروا جميع خصال الخير ، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): كيف عقل الرجل ؟ فقالوا : يا رسول الله نخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله ، فقال : إنّ الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر ؛ وإنما يرتفع العباد غداً في الدرجات وينالون الزُلفى من ربهم على قدر عقولهم.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): قسم الله العقل ثلاثة أجزاء فمن كن فيه كمل عقله ومن لم يكن فيه فلا عقل له : حسن المعرفة الله وحسن الطاعة الله وحسن الصبر على أمر الله.
وقدم المدينة رجل نصراني من أهل نجران وكان فيه بيان وله وقار وهيبة، فقيل يا رسول الله ما أعقل هذا النصراني ؟! فزجر القائل وقال : مه(3)إن العاقل من وحد الله وعمل بطاعته .
ص: 44
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والعمل قيِّمه ، والصبر أمير جنوده ، والرفق والده ، والبرُّ أخوه ، والنسب آدم ، والحسب التقوى ، والمروَّة إصلاح المال .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من تقدمت إليه يد ، كان عليه من الحق أن يكافيء . فإن لم يفعل فالثناء ، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): يطبع المؤمن على كل خصلة ولا يطبع على الكذب ولا على الخيانة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن من الشعر حكماً - وروي حكمة - وإن من البيان سحراً .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم)لأبي ذر : أي عرى الإيمان أوثق ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، فقال : الموالاة في الله والمعاداة في الله والبغض في الله .
وآله وسلم
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله وسخطه بما قضى الله .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الندم توبة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ما آمن بالقرآن من استحل حرامه .
وقال له رجل : أوصني ؟ فقال(صلی الله علیه وآله وسلم): احفظ لسانك ، ثم قال له : يا رسول الله أوصني ؟ قال(صلی الله علیه وآله وسلم): احفظ لسانك ، ثم قال : يا رسول الله أوصني ؟ فقال : ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم(1)؟
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة الخفية تطفىء غضب الله وصلة الرحم زيادة في العمر وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنة أهل المعروف.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن الله يحب إذا أنعم على عبد أن يرى أثر نعمته عليه ويبغض البؤس والتبؤس .
ص: 45
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): حسن المسألة نصف العلم والرفق نصف العيش .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ويهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان : الحرص والأمل .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الحياء من الإيمان .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة لم تزل قدما عبد حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعما اكتسبه من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن حبنا أهل البيت .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من عامل الناس فلم يظلمهم وحدَّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته وظهرت عدالته مروته وظهرت عدالته ووجب أجره وحرمت غيبته .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): المؤمن حرام كله : عرضه وماله ودمه .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): صلوا أرحامكم ولو بالسلام .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الإيمان عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان.
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): ليس الغنى عن كثرة العرض(1)ولكن الغنى غنى النفس .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : ترك الشر صدقة .
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): أربعة تلزم كل ذي حجى وعقل من أُمتي(2)، قيل : يا رسول الله ما هن ؟ قال : إستماع العلم ، وحفظه ، ونشره ، والعمل به .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إن من البيان سحراً ومن العلم جهلاً ومن القول عيا(3)
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): السنة سنتان ، سنة في فريضة الأخذ بعدي بها هدى وتركها ضلالة وسنة في غير فريضة الأخذ بها فضيلة وتركها غير خطيئة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من أرضى سلطاناً بما يسخط الله خرج من دين الله .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : خير من الخير معطيه وشر من الشر فاعله .
ص: 46
وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): من نقله الله ذل المعاصي إلى عز الطاعة أغناه بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس ومن خاف الله أخاف منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل ومن لم يستحي من طلب الحلال من المعيشة خفت مؤنته ورخى باله ونعم عياله. ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار القرار .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أقيلوا ذوي الهناة عثراتهم(1).
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): الزهد في الدنيا قصر الأمل ، وشكر كل نعمة ، والورع عن كل ما حرم الله .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): لا تعمل شيئاً من الخير رئاءاً ولا تدعه حياءاً .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إنما أخاف على أُمتي ثلاثاً : شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإماماً ضلالاً .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من كثر همه سقم بدنه ، ومن ساء خلقه عذب نفسه ، ومن لاحى الرجال ذهبت مروته وكرامته .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): ألا إن شر أُمتي الذين يكرمون مخافة شرهم ، ألا ومن أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من أصبح من أُمتي وهمته غير الله فليس من الله ومن لم يهتم بأُمور المؤمنين فليس منهم ومن أقر بالذل طائعاً فليس منا أهل البيت .
وكتب(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى معاذ يعزيه بابنه : «من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل : سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو - أما بعد - فقد بلغني جزعك على ولدك الذي قضى الله عليه وإنما كان ابنك من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة عندك فمتعك الله به إلى أجل وقبضه لوقت معلوم فإنا لله وإنا إليه راجعون لا يحبطن
ص: 47
جزعك أجرك ولو قدمت على ثواب مصيبتك لعلمت أن المصيبة قد قصرت لعظيم ما أعد الله عليها من الثواب لأهل التسليم والصبر ، واعلم أن الجزع لا يرد ميتاً ولا يدفع قدراً فأحسن العزاء وتنجز الموعود فلا يذهبن أسفك على ما لازم لك ولجميع الخلق نازل بقدره والسلام عليك ورحمة الله وبركاته»
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من أشراط الساعة كثرة القُراء وقلة الفقهاء وكثرة الأُمراء وقلّة الأُمناء وكثرة المطر وقلّة النبات .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته ، فإنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه على الصراط یوم القيامة .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : غريبتان : كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها وكلمة سيئة من حكيم فاغفروها .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) :للكسلان ثلاث علامات : يتوانى حتى يفرِّط ، ويفرِّطُ . حتى يضيِّع ، ويضيِّع حتى يأثم.
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): من لم يستحي من الحلال نفع نفسه وخفت مؤنته ونفى عنه الكبر ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل ومن [ي] رغب في الدنيا فطال فيها أمله أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها ومن زهد فيها فقصر فيها أمله أعطاه الله علماً بغير تعلم وهدى بغير هداية فأذهب عنه العماء وجعله بصيراً ، إلَّا أنه سيكون بعدي أقوام لا يستقيم لهم الملك إلّا بالقتل والتجبر ولا يستقيم لهم الغنى إلَّا بالبخل ولا يستقيم لهم المحبة في الناس إلَّا باتباع الهوى والتيسير في الدين ألَّا فمن أدرك ذلك فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى وصبر على الذل يقدر على العز وصبر على البغضاء في الناس وهو يقدر على المحبة لا يريد بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة أعطاه الله ثواب خمسين صِدّيقاً .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إياكم وتخشع النفاق وهو أن يرى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع .
علي وآله وسلم
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): المحسن المذموم مرحوم .
وآله وسلم
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): اقبلوا الكرامة وأفضل الكرامة الطيب ، أخفه محملاً وأطيبه ريحاً .
ص: 48
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): إنما تكون الصنيعة إلى ذي دين أو ذي حسب(1). وجهاد الضعفاء الحج وجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها . والتودد نصف الدين . [و] ما عال امرء قط على اقتصاد ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، أبى الله أن يجعل رزق عباده المؤمنين من حيث يحتسبون .
وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): لا يبلغ عبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به البأس.
وروي عن أمير المؤمنين الوصي المرتضى ، علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في طوال هذه المعاني ، على أننا لو استغرقنا جميع ما وصل إلينا من خطبه وكلامه في التوحيد خاصّة دون ما سواه من المعاني لكان مثل جميع هذا الكتاب ولكننا ابتدأنا الرواية عنه بخطبة واحدة في التوحيد وقع الاقتصار عليها ، ثم ذكرنا بعدها ما اقتضاه الكتاب مقتصرين مما ورد عنه في هذه المعاني على ما غرب منها وأجمع على تفضيله الخاص والعام وفيه مقنع إن شاء الله تعالى.
إن أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفته توحيده ، ونظام توحيده نفي الصفات عنه لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق ، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف وشهادة كل صفة وموصوف بالإقتران ، وشهادة الإقتران بالحدث وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من حدثه ، فليس الله عرف من عرف ذاته ، ولا له وحّد من نهّاه(3)ولا به صدق مثّله ولا حقيقته أصاب من شبّهه، ولا إياه أراد من توهمه ، ولا له وحد من اكتنهه(4)ولا به آمن من جعل له نهاية ولا
ص: 49
صمده من أشار إليه(1)ولا إياه عنى من حده ولا له تذلل من بعّضه(2)، كل قائم بنفسه مصنوع وكل موجود في سواه معلول.
بصنع الله يستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفكرة تثبت حجته ، وبآياته احتج على خلقه ، خلق الله الخلق فعلق حجاباً بينه وبينهم فيما ينته إياهم مفارقته إليهم وإبداؤه إياهم ، شاهد على ألا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين وابتداؤه إياهم دليل على ألا ابتداء له لعجز كل مبتدء عن إبداء غيره.
أسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم ، وذاته حقيقة ، وكنهه تفرقة بينه وبين خلقه ، قد جهل من استوصفه وتعداه من مثله وأخطأه من اكتنهه ، فمن قال : أين فقد بوّاه ومن قال : فيم فقد ضمنه ، ومن قال إلى مَ فقد نهّاه ومن قال : لمَ فقد علله ومن قال : كيف ، فقد شبهه ومن قال : إذ ، فقد وقته ، ومن قال : حتى فقد غيّاه ومن غياه فقد جزاه ومن جزاه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ومن بعّضه فقد عدل عنه.
لا يتغير الله بتغيير المخلوق كما لا يتحدد بتحديد المحدود ، أحد لا بتأويل عدد ، صمد لا بتبعيض بدد ، باطن لا بمداخلة ، ظاهر لا بمزايلة متجل لا باشتمال رؤية ، لطيف لا بتجسم ، فاعل لا باضطراب حركة ، مقدر لا بجول فكر [ۀ] مدبر لا بحركة ،سميع لا بآلة، بصير لا بأداة ، قريب لا بمداناة، بعيد لا بمسافة ، موجود لا بعد عدم ، لا تصحبه الأوقات ولا تتضمنه الأماكن ولا تأخذه السناة(3)ولا تحده الصفات ولا تقيده الأدوات سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده والإبتداء أزله .
بتشعيره المشاعر عُلم أن لا مشعر له وبتجهيره الجواهر علم أن لا جوهر له، وبإنشائه البرايا عُلم أن لا منشىء له ، وبمضادته بين الاُمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء علم أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة والصرد بالحرور ، مؤلفاً بين متعادياتها مقارباً بين متبايناتها ، دالة بتفريقها على مفرِّقها وبتأليفها على مؤلفها . جعلها سبحانه دلائل على ربوبيته وشواهد على غيبته ونواطق عن حكمته إذ ينطق
ص: 50
تكونهن عن حدثهن ويخبرن بوجودهن عن عدمهن ، وينبئن بتنقيلهن عن زوالهن ويعلن بأفولهن أن لا أقول لخالقهن ، وذلك قوله جل ثناؤه : ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(1)ففرق بين هاتين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لاغريزة المغرِّزها (2)دالة بتفاوتها أن لا تفاوت في مفاوتها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها ، ثبت له معنى الربوبية إذ لا مربوب وحقيقة الإلهية ولا مألوه وتأويل السمع ولا مسموع ، ومعنى العلم ولا معلوم ، ووجوب القدرة ولا مقدور عليه ، ليس مذ خلق الخلق استحق اسم الخالق ولا بإحداثه البرايا استحق اسم البارىء فرقها لا من شيء وألفها لا بشيء وقدرها لا باهتمام ، لا تقع الأوهام على كنهه ولا تحيط الأفهام بذاته لا تفوته متى ولا تدنيه قد ولا تحجبه لعل ولا تقارنه مع ولا تشتمله هو ، إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلة إلى نظائرها وفي الأشياء توجد أفعالها وعن الفاقة تخبر الأداة وعن الضد يخبر التضاد وإلى شبهه يؤول الشبيه ومع الأحداث أوقاتها وبالأسماء تفترق صفاتها ومنها فصلت قراينها وإليها آلت أحداثها(3)، منعتها مذ القدمة وحمتها قد الأزلية ونفت عنها لولا الجبرية ، افترقت فدلت على مفرقها وتباينت فأعربت عن مباينها بها تجلى صانعها للعقول وبها احتجب عن الرؤية وإليها تحاكم الأوهام ، وفيها أثبتت العبرة ومنها أنيط الدليل بالعقول ، يعتقد التصديق بالله وبالإقرار يكون الإيمان(4).
لا دين إلَّا بمعرفة ولا معرفة إلَّا بتصديق ولا تصديق إلَّا بتجريد التوحيد ولا توحيد إلَّا بالإخلاص ولا إخلاص مع التشبيه ولا نفي مع إثبات الصفات ولا تجريد إلَّا باستقصاء النفي كله ، إثبات بعض التشبيه يوجب الكل ولا يستوجب كل التوحيد
ص: 51
ببعض النفي دون الكل والإقرار نفي الإنكار ولا ينال الإخلاص بشيء من الإنكار ، كل موجود في الخلق لا يوجد في خالقه وكلما يمكن فيه يمتنع في صانعه ، لا تجري عليه الحركة ولا يمكن فيه التجزية ولا الإتصال وكيف يجري عليه ما هو أجراه ويعود عليه ما هو ابتدأه ويحدث فيه ما هو أحدثه إذاً لتفاوتت ذاته ولتجزء كنهه ولامتنع من الأزل معناه ، ولما كان للأزل معنی إلَّا معنى الحدث ، ولا للبارىء إلَّا معنى المبروء ، لو كان له وراء لكان له أمام ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان ، وكيف يستحق اسم الأزل من لا يمتنع من الحدث وكيف يستأهل الدوام من تنقله الأحوال والأعوام وكيف ينشىء الأشياء من لا يمتنع من الأشياء إذاً لقامت فيه آلة المصنوع ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً عليه ولاقترنت صفاته بصفات ما دونه ليس في محال القول حجة ولا في المسألة عنها جواب - هذا مختصر منها(1).
من الوالد الفان المقرّ للزمان ، المدير العمر ، المستسلم للدهر ، الذام للدنيا ،الساكن مساكن الموتى ، الطاعن عنها إليهم غداً إلى المولود المؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من [قد] هلك غرض الأسقام ورهينة الأيام ورمية المصائب وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا وأسير الموت وحليف الهموم وقرين الأحزان ونصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الأموات - أما بعد - فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي وإقبال الآخرة إلى ما يزعني عن ذكر من سواي والاهتمام بما ورائي غير أنه حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدقني رأيي وصرفني هواي وصرح لي محض أمري فأفضى بي إلى ، جد لا يكون فيه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب [و] وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً [لو] أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك كتابي هذا مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت .
فإني أُوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والإعتصام بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن [أنت] أخذت
به.
ص: 52
أحي قلبك بالموعظة وموّته بالزهد وقوّه باليقين وذلله بالموت وقرّره بالفناء وبصِّره فجائع الدنيا وحذّره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والأيام(1) واعرض عليه أخبار الماضين وذكّره بما أصاب من كان قبله وسر كان قبله وسر في بلادهم وآثارهم وانظر ما فعلوا وأين حلوا وعمن انتقلوا فإنك تجدهم انتقلوا عن الأحبة وحلوا دار الغربة ، وناد في ديارهم : أيتها الديار الخالية أين أهلك، ثم قف على قبورهم فقل : أيتها الأجساد البالية والأعضاء المتفرقة كيف وجدتم الديار التي أنتم بها ، أي بنيّ وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلاله فإن الكف عن حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال ، وأئمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر المنكر بلسانك ويدك ، وباين من فعله بجهدك وجاهد في الله حقَّ جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم ، وخُض الغمرات إلى الحقّ حيث كان وتفقَّه في الدين وعوِّد نفسك التصبّر وألجيء نفسك في الأُمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز (2)ومانع عزيز وأخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان وأكثر الإستخارة وتفهَّم وصيتي ولا تذهبنَّ [عنها] صفحاً ، فإن خير القول ما نفع واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم حتى لا يُقال به .
أي بنيَّ إني لمّا رأيتك قد بلغت سناً ورأيتني أزداد وهنا ، بادرت بوصيّتي إياك خصالاً منهنَّ أن يعجل بي أجلي دون أن أُفضي إليك بما في نفسي أو أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصَّعب النفور وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته فتكون قد كُفيت مؤونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك منه ما ربما أظلم علينا فيه.
أي بنيَّ : وإني وإن لم أكن عمّرت عُمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم وفكّرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إليَّ من أمورهم قد عمّرت مع أوَّلهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من
ص: 53
ضرَّه ، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله(1)وصرفت عنك مجهوله ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل بين ذي النقيّة والنية ، وأن أبدأك بتعليم كتاب الله وتأويله وشرائع الإسلام وأحكامه وجلاله وحرامه ، لا أُجاوز ذلك بك إلى غيره ، ثم أشفقت أن يلبسك ما اختلف الناس فيه أهواءهم مثل الذي لبسهم وكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحبَّ إليَّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك فعهدت إليك وصيتي هذه واحكم مع ذلك .
أي بنىَّ إنَّ أحبَّ ما أنت آخذُ به إليَّ من وصيتي تقوى الله والإقتصار على ما افترض عليك والأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك والصالحون من أهل ملّتك فإنهم لم يدعوا أن [ي] -نظروا لأنفسهم كما أنت ناظرٌ وفكّروا كما أنت مفكر ، ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والإمساك عمّا لم يكلّفوا ، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما كانوا علموا فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم لا بتورُّط الشبهات وعلوّ الخصومات وابدأ قبل نظرك في ذلك بالإستعانة بإلهك عليه والرغبة إليه في توفيقك وترك كل شائبة أدخلت عليك شبهة وأسلمتك إلى ضلالة وإذا أنت أيقنت أن قد صفا [لك] قلبك فخشع وتمّ رأيك فاجتمع وكان همّك في ذلك هماً واحداً فانظر فيما فسرت لك وإن أنت لم يجتمع لك ما تحبُّ من نفسك من فراق فكرك ونظرك فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء (2)وليس طالب الدِّين مَن خبط ولا خلط والإمساك عند ذلك أمثل.
وإنَّ أول ما أبدأ به من ذلك وآخره أني أحمد إليك إلهي وإلهك وإله آبائك الأولين والآخرين وربِّ من في السماوات والأرضين بما هو أهله [و] كما هو أهله وكما يحبُّ وينبغي ونسأله أن يصلّي عنا على نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم)و على أهل بيته وعلى أنبياء الله ورسله بصلاة جميع من صلّى عليه من خلقه وأن يتم نعمه علينا فيما وفقنا له من مسألته بالإجابة لنا فإن بنعمته تتمّ الصالحات.
ص: 54
فتفهّم أي بنيَّ وصيتي واعلم أنَّ مالك الموت هو مالك الحياة وأن الخالق هو المميت وأن المفني هو المعيد وأن المبتلي هو المعافي وأن الدنيا لم تكن لتستقيم إلَّا على ما خلقها الله تبارك وتعالى عليه من النعماء والإبتلاء والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم ، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك به وأنك أول ما خُلقت [خُلقت] جاهلاً ثم علمت وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحيّر فيه رأيك ويضلُّ فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك ، فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسوَّاك فليكن له تعمدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك ، واعلم [يا بنيَّ] أن أحداً لم ينبيء عن الله تبارك وتعالى كما أنبأ عنه نبينا(صلی الله علیه وآله وسلم) فارض به رائداً [وإلى النجاة قائداً] فإني لم آلك نصيحة(1)وإنك لم تبلغ في النظر لنفسك [وإن اجتهدت مبلغ ] نظري لك ، واعلم : [ يا بنيَّ] أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت صفته وفعاله ولكنه إلهٌ واحدٌ كما وصف نفسه ، لا يضاده في ذلك أحدٌ ولا يحاجه ، وأنه خالق كل شيء وأنه أجلَّ من أن يثبت لربوبيته بالإحاطة قلب أو بصر وإذا أنت عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك في صغر خطرك وقلة مقدرتك وعظم حاجتك إليه أن يفعل مثله في طلب طاعته والرَّهبة له والشفقة من سخطه ، فإنه لم يأمرك إلَّا بحُسن ولم ينهك إلا عن قبيح .
أي بنيَّ : إني قد أنبأتك عن الدُّنيا وحالها وزوالها وانتقالها بأهلها وأنبأتك عن الآخرة وما أُعدَّ لأهلها فيها وضربت لك فيها الأمثال ، إنما مثل من أبصر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جدبٌ فأمّوا منزلاً خصيباً [ وجناباً مريعاً] فاحتملوا وعثاء الطريق(2)وفراق الصّديق وخشونة السفر في الطّعام والمنام ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم ، فليس يجدون لشيء من ذلك ألماً ولا يرون نفقة مغرماً ولا شيئاً أحبُّ إليهم مما قرَّبهم من منزلهم ، ومثل من اغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصب فنبا بهم إلى منزل جدب فليس شيء أكره إليهم ولا أهول لديهم من مفارقة ما هم فيه إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه ، وقرعتك بأنواع الجهالات لئلا تعدّ نفسك عالماً فإن ورد عليك شيء تعرفه أكبرت ذلك فإن العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل فعدّ نفسه بذلك جاهلاً فازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهاداً ، فما يزال للعلم طالباً وفيه
ص: 55
راغباً وله مستفيداً ولأهله خاشعاً مهتماً وللصمت لازماً وللخطأ حاذراً ومنه مستحيياً وإن ورد عليه ما لا يعرف لم ينكر ذلك لما قرَّر به نفسه من الجهالة وإن الجاهل من عدَّ نفسه بما جهل من معرفة العلم عالماً وبرأيه مكتفياً فما يزال للعلماء مباعداً وعليهم زارياً ولمن خالفه مخطئاً ولما لم يعرف من الأمور مضللاً فإذا ورد عليه من الأُمور ما لم يعرفه أنكره وكذَّب به وقال بجهالته : ما أعرف هذا وما أراه كان وما أظن أن يكون وأنى كان ، وذلك لثقته برأيه وقلّة معرفته بجهالته ، فما ينفك بما يرى مما يلتبس عليه رأيه مما لا يعرف للجهل مستفيداً وللحق منكراً وفي الجهالة متحيراً وعن طلب العلم مستكبراً .
أي بنيَّ تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تُحب لنفسك ، وأكره له ما تكره لنفسك ، ولا تظلم كما لا تحبُّ أن تظلم وأحسن كما تحبُّ أن يحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك وارضَ من الناس لك ما ترضى به لهم منك ، ولا تقل بما لا تعلم بل لا تقل كلما تعلم ، ولا تقل ما لا تُحب أن يُقال لك.
واعلم أنَّ الإعجاب ضدُّ الصواب وآفة الألباب(1)فإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك واعلم أن أمامك طريقاً ذا مشقة بعيدة وأهوال شديدة وأنه لا غنى بك فيه عن حسن الإرتياد وقدِّر بلاغك من الزاد(2)وخفة الظهر ، فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك ، فيكون ثقلاً ووبالاً عليك ، وإذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه فاغتنمه ، واغتنم من استقرضك في حال غناك واجعل وقت قضائك في يوم عسرتك.
واعلم أن أمامك عقبة كؤوداً لا محالة مهبطاً بك على جنة أو على نار ، المخفُّ فيها أحسن حالاً من المثقل(3)فارتد لنفسك قبل نزولك واعلم أن الذي بيده ملكوت
ص: 56
خزائن الدنيا والآخرة قد أذن بدعائك وتكفل بإجابتك وأمرك أن تسأله ليعطيك وهو رحيم ، لم يجعل بينك وبينه ترجماناً ولم يحجبك عنه ولم يلجئك إلى من يشفع إليه لك ولم يمنعك إن أسأت التوبة ولم يعيرك بالإنابة ولم يعاجلك بالنقمة ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة ولم يناقشك بالجريمة ولم يؤيسك من الرحمة ولم يشدّد عليك في التوبة فجعل النزوع عن الذنب حسنة(1)وحسب سيئتك واحدة وحسب حسنتك عشراً وفتح لك باب المتاب والاستيناف(2)فمتى شئت سمع نداءك ونجواك فأفضيت إليه بحاجتك وأنبأته عن ذات نفسك وشكوت إليه همومك واستعنته على أُمورك وناجيته بما تستخفي به من الخلق من سرّك ثم جعل بيدك مفاتيح خزائنه فألحح في المسألة يفتح لك باب الرحمة بما أذن لك فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه ، فألحح ولا يقنطك إن أبطأت عنك الإجابة فإن العطية على قدر المسألة وربما أُخّرت عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة وأجزل للعطية ، وربما سألت الشيء فلم تؤته وأُوتيت خيراً منه عاجلاً وآجلاً ، أو صرف عنك لما هو خير لك فلربَّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله [أ] وينفي عنك وباله ، والمال لا يبقى لك ولا تبقى له ، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسناً أو سيئاً أو يعفو العفوُّ الكريم .
واعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا وللفناء لا للبقاء وللموت لا للحياة وأنك في منزل قلعة ودار بلغة(3)وطريق إلى الآخرة ، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو [منه ] هاربه ولا بد أنه يدرك يوماً ، فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيِّئة قد كنت تُحدِّث نفسك فيها بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك .
أي بنيّ أكثر ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتفضي بعد الموت إليه واجعله أمامك حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك(4)ولا يأخذك على غرّتك وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغّرها عندك وقد نبأك
ص: 57
الله عنها ونعتت لك نفسها وكشفت عن مساويها ، فإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها وتكالبهم عليها(1)وإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية ، يهرُّ بعضها على بعض ، يأكل عزيزها ذليلها وكبيرها صغيرها قد أضلّت أهلها عن قصد السبيل وسلكت بهم طريق العمى وأخذت بأبصارهم عن منهج الصواب فتاهوا في حيرتها وغرقوا في فتنتها واتخذوها ربَّاً فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها .
فإياك يا بنيّ أن تكون قد شانته كثرة عيوبها ؛ نعمٌ معقّلة وأُخرى مهملة قد أضلّت عقولها وركبت مجهولها سروح عاهة بواد وعث(2)ليس لها راع يقيمها ، رويداً حتى يسفر الظلام كأن قد وردت الظعينة(3)يوشك مَن أسرع أن يؤوب .
واعلم أن من كانت مطيّته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان لايسير ، أبى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة .
أي بنيّ : فإن تزهد فيما زهدّك الله فيه من الدنيا وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقيناً أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك وأنك في سبيل من كان قبلك ، فاخفض في الطلب وأجمل في المكتسب فإنه ربَّ طلب قد جر إلى حرب(4)وليس كلُّ طالب بناج وكل مجمل بمحتاج ، وأكرم نفسك عن كل دنيّة(5)وإن ساقتك إلى رغبة فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً ، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً وما خيرُ خيرٍ لا ينال إلا بشرّ ويسر لا ينال إلا بعسر.
وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل ، فإنك مدركٌ قسمك وآخذٌ سهمك ، وإن اليسير من الله تبارك وتعالى أكثر وأعظم من الكثير من خلقه وإن كان كلُّ منه ولو نظرت - ولله
ص: 58
المثل الأعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخاراً وأن عليك في كثير ما تصيب من الدُّناة عاراً ، فاقتصد في أمرك تحمد مغبّة علمك أنك لست بائعاً شيئاً من دينك وعرضك بثمن والمغبون من غبن نصيبه من الله ،فخذ من الدنيا ما أتاك ، واترك ما تولّى فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب .
وإياك ومقارنة من رهبته على دينك وباعد السلطان ولا تأمن خدع الشيطان وتقول : متى أرى ما أُنكر نزعتُ، فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة وقد أيقنوا بالمعاد ، فلو سُمت(1)بعضهم بيع آخرته بالدنيا لم يطب بذلك نفساً ، ثم قد يتخيله الشيطان بخدعه ومكره حتى يورّطه في هلكته بعرض من الدنيا حقير وينقله من شر إلى شر حتى يؤيسه من رحمة الله ويدخله في القنوط فيجد الوجه إلى ما خالف الإسلام وأحكامه ، فإن أبت نفسك إلا حب الدنيا وقرب السلطان فخالفت ما نهيتك عنه بما فيه رشدك ؛ فأملك عليك لسانك فإنه لا بقية للملوك عند الغضب ولا تسأل عن أخبارهم ولا تنطق عن أسرارهم ولا تدخل فيما بينك وبينهم.
وفي الصمت السلامة من الندامة وتلافيك ما فرط(2)من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك ، وحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء وحفظ ما في يديك أحبُّ إليَّ من طلب ما في يد غيرك ، ولا تحدّث إلا عن ثقة فتكون كاذباً والكذب ذلّ .
وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الإسراف وحسن اليأس خير من الطلب إلى الناس . والعفة مع الحرفة خير من سرور مع فجور والمرء أحفظ لسره .
وربّ ساع فيما يضره . من أكثر [أ] هجر(3)ومن تفكّر أبصر . ومن خير حظ امرىء قرينٌ صالح ، فقارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشرِّ تبن عنهم(4)ولا يغلبنّ سوء الظن ، فإنه لا يدع بينك وبين خليل صلحاً ، وقد يقال : من الحزم عليك سوء الظن . بئس الطعام الحرام . وظلم الضعيف أفحش الظلم والفاحشة كاسمها ، التصبر على المكروه نقص للقلب . وإن كان الرفق خرقاً كان الخرق رفقاً(5)وربما كان الدواء
ص: 59
داءاً والداء دواءاً . وربما نصح غير الناصح وغشّ المستنصح . وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى(1)وتثبّط عن خير الآخرة والدنيا ، ذكِّ قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب . ولا تكن كحاطب الليل في وعثاء السبيل وكفر النعمة لؤم وصحبة الجاهل شؤم . والعقل حفظ التجارب . وخير ما جربت ما وعظك ومن الكرم لين الشيم(2)بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة . من الحزم العزم . من سبب الحرمان التواني . ليس كل طالب يصيب . ولا كل راكب يؤوب . ومن الفساد إضاعة الزاد ولكل أمر عاقبةٌ . ربّ يسير أنمى من كثير . سوف يأتيك ما قدّر لك . التاجر مخاطر ولا خير في معين مهين . لا تبيتنّ من أمر على غرر من حكم ساد . ومن تفهّم ازداد. ولقاء أهل الخير عمارة القلوب . ساهل الدهر ما ذلّ لك قعوده . وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج وإن قارفت سيّئة فعجّل محوها بالتوبة . ولا تخن من ائتمنك وإن خانك ولا تذع سره وإن أذاعه . ولا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه . واطلب فإنه يأتيك ما قسِّم لك ، خذ بالفضل وأحسن البذل . وقل للناس حسناً .
وأيُّ كلمة حكم جامعة أن تُحبَّ للناس ما تحبُّ لنفسك وتكره لهم ما تكره لها .إنك قلّ ما تسلم ممن تسرعت إليه أن تندم أو تتفضل عليه.
واعلم أن من الكرم الوفاء بالدمم والدفع عن الحرم(3)والصدود آية المقت وكثرة العلل آية البخل . ولبعض إمساكك عن أخيك مع لطف خيرٌ من بذل مع جنف(4).
ومن التكرم صلة الرحم ومن يرجوك أو يثق بصلتك إذا قطعت قرابتك ؟ والتحريم القطيعة . احمل نفسك مع أخيك عند صرمه على الصلة وعند صدوده على اللطف والمسألة وعند جموده على البذل وعند تباعده على الدُّنوِّ وعند شدته على اللين وعند
ص: 60
جرمه على الاعتذار حتى كأنك له عبدٌ وكأنه ذو نعمة عليك . وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه وأن تفعله بغير أهله . لا تتخذنَّ عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك ولا تعمل بالخديعة فإنها خُلق اللئيم . وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة .
وساعده على كل حال وزل معه حيث زال ولا تطلبن مجازاة أخيك ، ولو حثا التراب بفيك(1)وخذ على عدوك بالفضل فإنه أحرى للظفر وتسلم من الناس بحسن الخلق. وتجرَّع الغيظ فإني لم أرَ جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذّ مغَّبة(2)ولا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب(3). ولِنْ لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك . ما أقبح القطيعة بعد الصلة والجفاء بعد الإخاء والعداوة بعد المودَّة والخيانة لمن ائتمنك وخلف الظن لمن ارتجاك والغدر بمن استأمن إليك . فإن أنت غلبتك قطيعة أخيك فاستبق لها من نفسك بقيّة ترجع إليها إن بدا ذلك له يوماً . ومن ظن بك خيراً فصدِّق ظنه . ولا تُضيِّعن حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه ، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه . ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك . ولا ترغبن فيمن زهد فيك . ولا تزهدن فيمن رغب إليك إذا كان للخلطة موضعاً ، ولا يكوننَّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته ولا يكوننَّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان . ولا على البخل أقوى منك على البذل . ولا على التقصير أقوى منك على الفضل . ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه إنما يسعى في مضرّته ونفعِك . وليس جزاء من سرّك أن تسوءه ، والرزق رزقان : رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك.
واعلم أي بنيَّ : أن الدهر ذو صروف فلا تكونن ممن تشتد لائمته ويقلّ عند الناس عذره . ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى ! إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك ، فأنفق في حق ولا تكن خازَناً لغيرك. وإن كنت جازعاً على ما تَفَلّت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك (4). واستدلل على ما لم يكن بما كان ، فإنما الأُمور أشباه ، ولا تكفرن ذا نعمة ، فإن كفر النعمة من ألأم الكفر . واقبل العذر . ولا تكونن ممن لا ينتفع من العظة إلا بما لزمه فإن العاقل ينتفع بالأدب
ص: 61
والبهايم لا تتعظ إلا بالضرب . اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعاً كان أو وضيعاً واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين(1). من ترك القصد جار(2)ونعم حظ المرء القناعة . ومن شر ما صحب المرء الحسد وفي القنوط التفريط . والشحُّ يجلب الملامة . والصاحب مناسب . والصديق من صدق غيبه(3). والهوى شريك العمى(4)ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة . ونعم طارد الهمِّ اليقين . وعاقبة الكذب الذم . وفي الصدق السلامة . وعاقبة الكذب شر عاقبة . ربِّ بعيد أقرب من قریب وقريب أبعد من بعيد والغريب من لم يكن له حبيب. لا يعدمك من حبيب سوء ظن . ومَن حمى طنى . ومن تعدى الحق ضاق مذهبه . ومن اقتصر على قدره كان أبقى له . نعم الخُلق التكرم(5). وألأم اللؤم البغي عند القدرة . والحياء سبب إلى كل جميل . وأوثق العرى التقوى . وأوثق أخذت به سببٌ بينك وبين الله . ومنّك من أعتبك(6). والإفراط في الملامة تشب نيران اللجاج. وكم من دنف قد نجا (7)وصحيح قد هوى . فقد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً . وليس كل عورة [تظهر ولا كل فريضة] تصاب . وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده ليس كل من طلب وجد ولا كل من توقى نجا . أخّر الشرَّ فإنك إذا شئت تعجّلته.
وأحسن إن أحببت أن يُحسن إليك . واحتمل أخاك على ما فيه . ولا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة . ويجرُّ إلى البغضة . واستعتب من رجوت إعتابه . وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل ومن الكرم منع الحزم. من كابر الزمان عطب ومن ينقم عليه غضب . ما أقرب النقمة من أهل البغي . وأخلق بمن غدر ألا يوفى له(8).
زلّة المتوقى أشد زلّةً . وعلّة الكذب أقبح علّة . والفساد يبير الكثير . والاقتصاد
ص: 62
يثمر اليسير . والقلّة ذلّة . وبرُّ الوالدين من كرم الطبيعة . والزلل مع العجل . ولا خير في لذة تعقب ندماً . والعاقل من وعظته التجارب . والهدى يجلو العمى ولسانك ترجمان عقلك ليس مع الاختلاف ائتلاف. من حسن الجوار تفقّد الجار . لن يهلك من اقتصد ولن يفتقر من زهد. بيّن عن امرىء دخيله ، ربَّ باحث عن حتفه(1). لا تشترين بثقة رجاء . ما كل ما يخشى يَضُرّ . ربَّ هزل عاد جدّاً ، مَن أمن الزمان خانه ، ومَن تعظم عليه أهانه ، ومَن تزعّم عليه أرغمه ، ومن لجأ إليه أسلمه . وليس كل من رمى أصاب . إذا تغير السلطان تغير الزمان . وخير أهلك من كفاك . والمزاح يورث الضغائن . وربما أكدى الحريص(2). رأس الدين صحة اليقين . وتمام الإخلاص تجنّبك المعاصي . وخير المقال ما صدَّقه الفعال . والسلامة مع الاستقامة . والدعاء مفتاح الرحمة . سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار . وكن من الدنيا على قلعة . احمل لمن أدلَّ عليك . واقبل عذر من اعتذر إليك . وخذ العفو من الناس . ولا تبلغ إلى أحد مكروهه . أطع أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك. وعوّد نفسك السماح وتخيّر لها من كل خلق أحسنه، فإن الخير عادة . وإياك أن تذكر من الكلام قَذراً أو يكون مضحكاً وإن حكيت ذلك عن غيرك . وأنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك(3)وإياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفَن ، وعزمهن إلى وهن(4)واكفف عليهنَّ من أبصارهنّ بحجبك إياهن فإن الحجاب خير لك ولهن وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل ولا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها ، فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها ، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها(5)ولا تطمعها أن تشفع لغيرها فتميل مغضبةً عليك معها . ولا تطل الخلوة مع النساء فيملكنك أو تملّهن واستبق من نفسك بقيةً من إمساكك عنهن وهن يرين أنك ذو اقتدار خيرٌ من أن يظهرن منك على انتشار ، وإياك والتغاير في غير موضع غيرة فإن ذلك
ص: 63
يدعو الصحيحة منهن إلى السقم ولكن أحكم أمرهنَّ ؛ فإن رأيت ذنباً فعاجل النكير على الكبير والصغير ، وإياك أن تعاقِبَ فتعظم الذنب وتهون العتب وأحسن للمماليك الأدب . وأقلل الغضب ولا تكثر العتب في غير ذنب ، فإذا صدر أحد منهم ذنباً فأحسن العدل فإن العدل مع العفو أشد من الضرب لمن كان له عقل والتمسك بمن لا عقل له أوجب القصاص . واجعل لكل امرىء منهم عملاً تأخذه به ، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا وأكرم عشيرتك ، فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير وبهم العدّة عند الشدّة فأكرم كريمهم وعد سقيمهم وأشركهم في أمورهم
تصول(1)وهم وتيسر عند معسور [ل] هم . واستعن بالله على أمورك ، فإنه أكفى معين.
أستودع الله دينك ودنياك وأسأله خير القضاء لك في الدنيا والآخرة ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
يا بنيَّ : أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر وكلمة الحق في الرضى والغضب والقصد في الغنى والفقر وبالعدل على الصديق والعدو وبالعمل في النشاط والكسل والرضى عن الله في الشدة والرخاء.
أي بني ما شر بعده الجنة بشر ولا خير بعده النار بخير وكل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية .
واعلم أي بنيَّ : أنه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره ، ومن تعرى من لباس التقوى لم يستتر بشيء من اللباس . ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته . ومن سلَّ سيف البغي قتل به ومن حفر بئراً لأخيه وقع فيها . ومن هتك حجاب غیره انكشفت عورات بيته ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره . ومن كابد الأمور عطب(2). ومن اقتحم الغمرات غرق . ومن أعجب برأيه ضلَّ . ومن استغنى بعقله زلَّ .ومن تكبَّر على الناس ذلَّ. ومن خالط العلماء وقّر . ومن خالط الأنذال حقِّر .ومن سفه على الناس شُتم . ومن دخل مداخل السّوء اتُّهِم . ومن مزح استخفّ به .ومن أكثر من شيء عرف به. ومن كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قل حياؤه .
ص: 64
ومن قلَّ حياؤه قلّ ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النَّار .
أي بُنيّ : من نظر في عيوب النَّاس ورضي لنفسه بها فذاك الأحمق بعينه . ومن تفكّر اعتبر ، ومن اعتبر اعتزل ، ومن اعتزل سلم . ومن ترك الشّهوات كان حُرّاً . ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس .
أي بُنّي : عزُّ المؤمن غناه عن الناس. والقناعة مالٌ لا ينفد . ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ومن علم أن كلامه من عمله ، قلّ كلامه إلا فيما ينفعه .
أي بُنيّ : العجب ممن يخاف العقاب فلم يكفّ ؛ ورجا الثواب فلم يتُب ويعمل .
أي بُنيّ : الفكرة تورث نوراً والغفلة ظلمة والجدال- [ة] ضلالة . والسعيد من وعظ بغيره . والأدب خير ميراث . وحُسن الخلق خير قرين . ليس مع قطيعة الرحم نماء ، ولا مع الفجور غنى .
أي بُنيّ : العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله وواحد في ترك مجالسة السفهاء.
أي بُنيّ : من تزيَّا بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلاً ؛ ومن طلب العلم عَلم .
أي بنيّ : رأس العلم الرفق وافته الخُرق(1). ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب . والعفاف زينة الفقر . والشكر زينة الغنى . كثرة الزيارة تورث الملالة والطمأنينة قبل الخبرة ضدُّ الحزم . وإعجاب المرء بنفسه يدلُّ على ضعف عقله .
أي بُنيّ : كم نظرة جلبت حسرة . وكم من كلمة سلبت نعمة .
أي بُنيّ : لا شرف أعلى من الاسلام . ولا كرم أعزُّ من التقوى . ولا مَعقِل أحرز من الورع(2). ولا شفيع أنجح من التوبة . ولا لباس أجمل من العافية . ولا مال
ص: 65
أذهب بالفاقة من الرضى بالقوت . ومن اقتصر على بُلغة(1)الكفاف تعجّل الراحة وتبوَّأ خفض الدّعة .
أي بُنيَّ : الحرص مفتاح التعب ومطية النصب(2)وداع إلى التقحم في الذنوب والشرة جامع لمساوي العيوب(3)وكفاك تأديباً لنفسك ما كرهته من غيرك . لأخيك عليك مثل الذي لك عليه . ومن تورَّط في الأمور بغير نظر في العواقب فقد تعرَّض للنوائب . التدبير قبل العمل يؤمنك الندم . من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ . الصبر جُنةٌ من الفاقة . البخل جلباب المسكنة . الحرص علامة الفقر وصولٌ مُعدِمٌ(4)خيرٌ من جاف مُكثر . لكلّ شيء قوتٌ وابن آدم قوت الموت .
أي بُنيَّ : لا تؤيس مذنباً ، فكم من عاكف على ذنبه خُتم له بخير ، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره ، صائر إلى النار ، نعوذ بالله منها .
أي بُنيَّ : كم من عاص نجا ، وكم من عامل هوى . من تحرّى الصدق خفَّت عليه المؤن(5). في خلاف النفس رشدها . الساعات تنتقص الأعمار . ويلٌ للباغين من أحكم الحاكمين وعالم ضمير المضمرين .
أي بُنيَّ : بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد . في كل جُرعة شرقٌ وفي كل أكلة غصص(6). لن تنال نعمة إلا بفراق أُخرى . ما أقرب الراحة من النصب ، والبؤس من النعيم ، والموت من الحياة ، والسقم من الصحة . فطوبى لمن أخلص الله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله . وبخّ بخّ العالم عمل فجدَّ وخاف البيات فأعدّ واستعدَّ ، إن سئل نصح وإن ترك صمت ، كلامه صوابٌ وسكوته من غير عيّ جواب(7). والويل لمن بُلي بحرمان وخذلان وعصيان
ص: 66
فاستحسن لنفسه ما يكرهه من غيره وأزرى على الناس بمثل ما يأتي .
واعلم أي بُنيّ : أنه من لانت كلمته وجبت محبته . وفقك الله لرشده وجعلك من أهل طاعته بقدرته إنه جوادٌ كريم .
الحمد لله الذي أعدم الأوهام أن تنال إلى وجوده وحَجَب العقول أن تختال ذاته لامتناعها من الشّبه والتشاكل بل هو الذي لا تتفاوت ذاته ولاتتبعّض بتجزية العدد في كماله . فارق الأشياء لا باختلاف الأماكن ويكون فيها لا على الممازجة . وعلمها لا بأداة . لا يكون العلم إلَّا بها . وليس بينه وبين معلومه علم غيره كان عالماً لمعلومه .
إن قيل : كان فعلى تأويل أزليّة الوجود ، وإن قيل : لم يزل فعلى تأويل نفي العدم .فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه فاتخذ إلهاً غيره علواً كبيراً ، نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . شهادتان ترفعان القول وتضعان العمل خَفَّ میزان ترفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط . وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصَّلاة تنالون الرحمة . فأكثروا من الصَّلاة على نبيكم ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾(1).
أيُّها النّاس : إنه لا شرف أعلى من الإسلام. ولا كرم أعزُّ من التقوى . ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجع من التوبة ، ولا لباس أجلُّ من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى والقنوع . ومن اقتصر على بُلغة الكفاف فقد انتظم الراحة . والرغبة مفتاح التعب والإحتكار مطية النصب(2)والحسد آفة الدين . والحرص داع إلى التقحم في الذُّنوب وهو داع إلى الحرمان. والبغي سائق إلى الحين(3). والشرة جامع لمساوي العيوب . ربَّ طمع خائب . وأمل
ص: 67
كاذب . ورجاء يؤدّي إلى الحرمان ، وتجارة تؤول إلى الخسران ، ألا ومن تورّط في الأُمور غير ناظر في العواقب فقد تعرّض لمفضحات النوائب . وبئست القلادة الدين للمؤمن.
أيُّها النَّاس : إنه لا كنز أنفع من العلم . ولا عزّ أنفع من الحلم . ولا أبلغ من الأدب. ولا نصب أوجع من الغضب . ولا جمال أحسن من العقل . ولا قرين شرٌ من الجهل . ولا سوأة أسوءُ من الكذب(1). ولا حافظ أحفظ من الصمت . ولا غائب أقرب من الموت .
أيُّها النّاس : إنه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره . ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره . ومن سلّ سيف البغي قتل به . ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها . ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته . ومن نسي زلّته(2)استعظم زلل غيره . ومن أعجب برأيه ضلَّ . ومن استغنى بعقله زلَّ . ومَن تكبَّر على الناس ذلَّ . ومن سفه على الناس شتم . ومن خالط العلماء وقِّر.ومن خالط الأنذال حقِّر .ومن حمل ما لا يطيق عجز .
أيُّها النّاس : إنه لا مال [هو] أعود من العقل . ولا فقر هو أشدُّ من الجهل . ولا واعظ هو أبلغ من النصح . ولا عقل كالتدبير . ولا عبادة كالتفكر . ولا مظاهرة أوثق من المشاورة. ولا وحدة أوحش من العجب. ولا ورع كالكف . ولا حلم كالصبر والصمت .
أيُّها النّاس : إِنَّ في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه ، شاهدٌ يخبر عن الضمير ، وحاكمٌ يفصل بين الخطاب ، وناطقٌ يردُّ به الجواب ، وشافعٌ تدرك به الحاجة ، وواصفٌ تعرف به الأشياء ، وأمير يأمر بالحسن ، وواعظٌ ينهى عن القبيح ومعزِّ تسكن به الأحزان ، وحامد تجلى به الضغائن ، ومونقٌ يلهي الأسماع
أيُّها الناس : [ إنه] لا خير في الصمت عن الحكم ، كما أنه لا خير في القول بالجهل.
ص: 68
اعلموا أيُّها النّاس : أنه من لم يملك لسانه يندم ، ومن لا يتعلم يجهل ، ومن لا يتحلم لا يحلم ، ومن لا يرتدع لا يعقل ، ومن لا يعقل يهن ، ومن يهن لا يوقر ومن يتقِ ينج ، ومن يكسب مالاً من غير حقه يصرفه في غير أجره ، ومن لا يدع وهو محمودٌ يدع وهو مذمومٌ ، ومن لم يعط قاعداً مُنع قائماً ، ومن يطلب العزَّ بغير حق يذلُّ ، ومن عاند الحق لزمه الوهن ، ومن تفقه وقّر ، ومن تكبَّر حُقِّر ، ومن لا يحسن لا يُحمد .
أيُّها النّاس : إن المنيَّة قبل الدنية ، والتجلد قبل التبلد ، والحساب قبل العقاب ،والقبر خيرٌ من الفقر ، وعمى البصر خيرٌ من كثير من النظر ، والدهر يوم لك ويوم عليك ، فاصبر فبكليهما تمتحن.
أيُّها النّاس : أعجب ما في الإنسان قلبه ، وله موادٌ من الحكمة وأضداد من خلافها . فإن سنح له الرجاء أذله الطمع(1)، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عُرض له الغضب اشتدَّ به الغيظ ، وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ(2)وإن ناله الخوف شغله الحزن ، وإن اتسع بالأمن استلبته الغرَّة(3)وإن جدّدت له نعمة أخذته العزة ، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى ، وإن عضته فاقة شغله البلاء ، وإن أصابته مصيبةٌ فضحه الجزع ، وإن أجهده الجزع قعد به الضعف ، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة(4)، فكلُّ فكل تقصیر به مضرٌّ ، وكل إفراط له مفسدٌ.
أيُّها النّاس : من قلَّ ذلَّ ، ، ومن جاد ساد ، ومن كثر ماله رأس(5)، ومن كثر حلمه نبل ، ومن فكر في ذات الله تزندق ، ومن أكثر من شيء عُرف به ، ومن كثر مزاحه استخف به ، ومن كثر ضحكه ذهبت هیبته ، فسد حسب [من] ليس له أدب. إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ، ليس من جالس الجاهل بذي معقول ، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال ، لن ينجو من الموت غني بماله ، ولا فقير لإقلاله .
ص: 69
أيُّها الناس : إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط(1)فطنة الفهم للمواعظ مما يدعو النفس إلى الحذر من الخطأ ، وللنفوس خواطر للهوى ، والعقول تزجر وتنهى ، وفي التجارب علم مستأنف ، والاعتبار يقود إلى الرشاد ،وكفاك أدباً لنفسك ما تكرهه من غيرك ، عليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه ، لقد خاطر من استغنى برأيه .
[و] التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم ، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقف الخطأ ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول ، ومن حصر شهوته فقد صان قدره ، ومن أمسك نسانه أمنه قومه ونال حاجته ، وفي تقلب الأحوال عُلم جواهر الرجال ، والأيام توضح لك السرائر الكامنة ، وليس في البرق الخاطف مستمتعٌ لمن يخوض في الظلمة(2)، ومن عُرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة ، وأشرف الغنى ترك المنى ، والصبر جنة من الفاقة ، والحرص علامة الفقر ، والبخل جلباب المسكنة ، والمودّة قرابةٌ مستفادة ٌ، ووصولٌ معدمٌ خيرٌ من جاف مكثر(3)، والموعظة كهف لمن وعاها ، ومن أطلق طرفه كثر أسفه(4)، ومن ضاق خلقه مله أهله، ومن نال استطال(5)، قلَّ ما تصدقك الأمنية ، التواضع يكسوك المهابة ، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق ، من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه ، تحرَّ القصد من القول فإنه من تحرّى القصد خفت عليه المؤن ، في خلاف النفس رشدها ، من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد، ألا وإن مع كل جرعة شرقاً وفي كل أكلة غصصاً ، لا تنال نعمة إلَّا بزوال أُخرى ، لكل ذي رمق قوتٌ ، ولكل حبة أكلٌ ، وأنت قوت الموت .
اعلموا أيُّها النّاس : أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها والليل والنهار يتسارعان في هدم الأعمار.
أيُّها النّاس : كفر النعمة لؤم ، وصحبة الجاهل شؤم ، من الكرم لين الكلام ،
ص: 70
إياك والخديعة فإنها من خلق اللئام ، ليس كل طالب يُصيب ، ولا كل غائب يؤوب ، لا ترغب فيمن زهد فيك ، ربَّ بعيد هو أقرب من قريب ، سل عن الرفيق قبل الطريق ، وعن الجار قبل الدار ، استر عورة أخيك لما تعلمه فيك ، اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوُّك ، من غضب على من لا يقدر أن يضره طال حزنه وعذَّب نفسه ، من خاف ربه كفّ ظلمه ، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة ، إن من الفساد إضاعة الزاد ، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غداً ، وما تناكرتم إلَّا لما فيكم من المعاصي والذنوب ، ما أقرب الراحة من التعب ، والبؤس من التغيير، ما شرُّ بشرّ بعده الجنة ، وما خير بخير بعده النار . وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار عافية ، عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدُّ من العمل ، تخليص النية عن الفساد أشدُّ على العاملين من طول الجهاد ، هيهات لولا التقى كنت أدهى العرب(1)عليكم بتقوى الله في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على العدو والصديق ، وبالعمل في النشاط والكسل ، والرضى عن الله في الشدّة والرخاء ، ومن كثر كلامه كثر خطاؤه ، ومن كثر خطاؤه قلَّ حياؤه ، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه ، ومن قلَّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار ، ومن تفكر اعتبر ، ومن اعتبر اعتزل ، ومن اعتزل سلم ، ومن ترك الشهوات كان حرّاً ، ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس ، عزُّ المؤمن غناه عن الناس ، القناعة مال لا ينفد ، ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ، ومن علم أن كلامه من عمله قلَّ كلامه إلَّا فيما ينفعه ، العجب ممن يخاف العقاب فلا يكفُّ ، ويرجو الثواب ولا يتوب ، وعمل الفكر يورث نوراً ، والغفلة ظلمة ، والجهالة ضلالة ، [و] السعيد من وعظ بغيره ، والأدب خير ميراث ، حسن الخُلق خير قرين ، ليس مع قطيعة الرحم نماء ، ولا مع الفجور غنى ، العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلَّا بذكر الله وواحد في ترك مجالسة السفهاء ، رأس العلم الرفق وآفته الخرق ، ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب ، والعفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، كثرة الزيارة تورث الملالة ، والطمأنينة قبل الخبرة ضدُّ الحزم ، إعجاب المرء بنفسه يدلُّ على ضعف عقله ، لا تؤيس مذنباً ، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير ، وكم من مقبل على عمله مفسدٌ في آخر عمره ،صائر
ص: 71
إلى النار ، بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد ، طوبى لمن أخلص الله عمله وعلمه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله ، لا يكون المسلم مسلماً حتى يكون ورعاً ، ولن يكون ورعاً حتى يكون زاهداً ، ولن يكون زاهداً حتى يكون حازماً ، ولن يكون حازماً حتى يكون عاقلاً ، وما العاقل إلا من عقل عن الله وعمل للدار الآخرة ، وصلّى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته الطاهرين
الحجامة تصحُ البدن وتشد العقل ، أخذ الشارب من النظافة وهو من السنة ، الطيب في الشارب كرامة للكاتبين وهو من السنة ، الدُّهن يلين البَشرة ويزيد في الدماغ والعقل ، ويسهل موضع الطهور ويذهب بالشعث ويصفي اللون . السواك مرضاة للرَّب ومطيبة للفم وهو من السنة ، غسل الرأس بالخطمي يذهب بالدرن وينقي الأقذار(1).
المضمضة والاستنشاق بالماء عند الطهور طهور للفم والأنف ، السعوط مصحة للرأس(2)وشفاء للبدن وسائر أوجاع الرأس ، النورة مشدَّة للبدن وطهورٌ للجسد ، وتقليم الأظفار يمنع الداء الأعظم ويجلب الرزق ويدرُّه ، نتف الإبط ينفي الرائحة المنكرة وهو طهور وسنّة ، غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في الرزق ، غسل الأعياد طهور لمن أراد طلب الحوائج بين يدي الله عزّ وجلّ واتباع السنة ، قيام الليل مصحة للبدن ورضى للرب وتعرُّض للرحمة وتمسك بأخلاق النبيين، أكل التفاح نضوح للمعدة ، مضغ اللبان يشدُّ الأضراس وينفي البلغم ويقطع ريح الفم ، الجلوس في المسجد بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس أسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض . أكل السفرجل قوة للقلب الضعيف وهو يُطيّب المعدة ويذكّي الفؤاد ويشجع الجبان ويحسن الولد . أكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء على الريق(3)في كل يوم تدفع الأمراض إلَّا مرض الموت ، يستحبّ للمسلم أن يأتي أهله في أول ليلة من شهر رمضان لقول الله : ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾(4)، لا تختّموا
ص: 72
بغیر الفضّة فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : ما طهَّر الله يداً فيها خاتم حديد ، من نقش على خاتمه إسماً من أسماء الله فليحوّله عن اليد التي يستنجي بها ، إذا نظر أحدكم إلى المرآة فليقل : «الحمد لله الذي خلقني فأحسن خلقي وصوَّرني فأحسن صورتي وزان مني ما شان من غيري وأكرمني بالإسلام» ، ليتزيَّن أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما تزيّن للغريب الذي يحبُّ أن يراه في أحسن هيئة ، صوم ثلاثة أيام في كل شهر وصوم شعبان يذهب بوسواس الصدر وبلابل القلب ، الإستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير ، غسل الثياب يذهب بالهمِّ وطهور للصِّلاة، لا تنتفوا الشيب فإنه نورٌ ومن شاب شيبته في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة ، لا ينام المسلم وهو جنب، ولا ينام إلَّا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد ، فإن روح المؤمن ترتفع إلى الله عزَّ وجلّ فيقبلها ويبارك عليها ، فإن كان أجلها قد حضر جعلها في صورة حسنة وإن لم يحضر أجلها بعث بها مع أُمنائه امنائه من الملائكة فردَّها في جسده . لا يتفل المسلم في القبلة(1)، فإن فعل ناسياً فليستغفر الله . لا ينفخ المرء موضع سجوده ولا في طعامه ولا في شرابه ولا في تعويذه . لا يتغوَّطنَّ أحدكم على المحجَّة ، ولا يبل على سطح في الهواء ولا في ماء جار ، فمن فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومَنَّ إلَّا نفسه، فإنَّ للماء أهلاً وللهواء أهلاً . وإذا بال أحدكم فلا يطمحن بوله(2)، ولا يستقبل به الريح ، لا ينامنَّ مستلقياً على ظهره. لا يقومنَّ الرجل في الصَّلاة متكاسلاً ولا متقاعساً(3). ليقلَّ العبد الفكر إذا قام بين يدي الله ، فإنما له من صلاته ما أقبل عليه . لا تدعوا ذكر الله في كل مكان ولا على كل حال . لا يلتفتنَّ أحدكم في صلاته ، فإن العبد إذا التفت فيها قال الله له : إليَّ عبدي خير لك ممَّن تلتفت إليه كلوا ما يسقط من الخوان(4)فإنه شفاء من كل داء بإذن الله لمن أراد أن يستشفي به .
البسوا ثياب القطن فإنه لباس رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولم يكن يلبس الصّوف ولا الشعر إلَّا من علّة ، إذا أكل أحدكم الطعام فمصَّ أصابعه التي أكل بها ، قال الله عزَّ وجلَّ ذكره : بارك الله فيك ، إن الله ليحبُّ الجمال وأن يرى أثر نعمته على عبده . صلوا
ص: 73
أرحامكم ولو بالسلام لقول الله : ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾(1). ولا تقطعوا نهاركم بكيت وكيت ، وفعلنا كذا وكذا ، فإنَّ معكم حفظة يحفظون عليكم . واذكروا الله عزّ وجلَّ بكل مكان . صلوا على النبي وآله صلّى الله عليه وعليهم ، فإن الله يتقبَّل دعاءكم عند ذكره ورعايتكم له. أقرُّوا الحارّ حتى يبرد ويمكن ، فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال - وقد قرب إليه طعام حارّ - أقرُّوه حتى يبرد ويمكن وما كان الله ليطعمنا الحارّ والبركة في البارد والحارُّ غير ذي بركة . علّموا صبيانكم ما ينفعهم لله به ، لا تغلب عليه المرجئة .
أيُّها النَّاس : كفّوا ألسنتكم وسلِّموا تسليماً ، أدّوا الأمانات ولو إلى قتلة الأنبياء أكثروا ذكر الله إذا دخلتم الأسواق وعند اشتغال الناس بالتجارات ، فإنه كفَّارة للذنوب وزيادة في الحسنات ولا تكونوا من الغافلين . ليس للعبد أن يسافر إذا حضر شهر رمضان لقول الله : ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ (2) . ليس في شرب المسكر والمسح على الخفّين تقية . إياكم والغلوّ فينا ، قولوا : إنَّا عباد مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم . من أحبَّنا فليعمل بعملنا ويستعن بالورع ، فإنه أفضل ما يستعان به في الدنيا والآخرة . لا تجالسوا لنا عائباً ولا تمدحونا معلنين عند عدونا فتظهروا حبّنا وتذلُّوا أنفسكم عند سلطانكم . الزموا الصِّدق فإنه منجاة ، ارغبوا فيما عند الله واطلبوا مرضاته وطاعته ، واصبروا عليهما . فما أقبح بالمؤمن أن يدخل الجنَّة وهو مهتوك الستر لا تعيون(3)في طلب الشفاعة لكم يوم القيامة بسبب ما قدّمتم ولا تفضحوا أنفسكم عند عدوّكم يوم القيامة. ولا تكذبوا أنفسكم في منزلتكم عند الله بالحقير من الدنيا . تمسكوا بما أمركم الله به فما بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى ما يحبُّ إلَّا أن يحضره رسول الله ، وما عند الله خيرٌ وأبقى وتأتيه البشارة والله فتقرُّ عينه ويحبُّ لقاء الله . لا تحقّروا ضعفاء إخوانكم ، فإنه من احتقَّر مؤمناً حقره الله ولم يجمع بينهما يوم القيامة إلَّا أن يتوب . ولا يكلف المرء أخاه الطَّلب إليه إذا عرف حاجته. تزاوروا وتعاطفوا وتباذلوا ولا تكونوا بمنزلة المنافق الذي يصف ما لا يفعل . تزوجوا فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : من كان يحب أن يستنّ بسنتي فليتزوّج، فإن من سنتي التزويج.
ص: 74
اطلبوا الولد فإني مكاثر بكم الأُمم ، توقّوا على أولادكم من لبن البغيّ من النساء والمجنونة (1)، فإن اللبن يُعدي . تنزّهوا عن أكل الطير الذي ليس له قانصة ولا صيصية ولا حوصلة ولا كابرة(2). اتقوا أكل كلّ ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير . ولا تأكلوا الطّحال ، فإنه ينبت من الدم الفاسد . ولا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون . اتقوا الغُدد من اللحم ، فإنها تحرِّك عِرق الجذام . لا تقيسوا الدين فإنه لا يُقاس ، وسيأتي قوم يقيسون الدين هم أعداؤه وأوّل من قاس إبليس ، لا تتخذوا الملسن فإنه حذاء فرعون وهو أول من حذا الملسن(3). خالفوا أصحاب المسكر . وكلوا التَّمر فإنه فيه شفاء من الأدواء . اتبعوا قول رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فإنه قال : من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر . أكثروا الإستغفار فإنه يجلب الرزق . قدِّموا ما استطعتم من عمل الخير تجدوه غداً . إياكم والجدال فإنه يورث الشك . من كانت له إلى الله حاجة فليطلبها في ثلاث ساعات من يوم الجمعة : ساعة الزَّوال حين تهب الريح وتفتح أبواب السماء وتنزل الرحمة وتصوّت الطير ، وساعة في آخر الليل عند طلوع الفجر ، فإن ملكين يناديان : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فيعطى ؟ هل من مستغفر فيغفر له ؟ هل من طالب حاجة؟ فأجيبوا داعي الله ، واطلبوا الرزق فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإنه أسرع لطلب الرزق من الضرب في الأرض وهي الساعة التي يقسِّم الله جلَّ وعزّ فيها الأرزاق بين عباده . انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأُمور إلى الله انتظار الفرج وما داوم عليه المؤمن . توكلوا على الله عند ركعتي الفجر بعد فراغكم منها ، ففيها تعطى الرغائب . لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم ولا يصلّ أحدكم وبين يديه سيف ، فإن القبلة أمنُ . ألمّوا برسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) إذا حججتم ، فإن تركه جفاءٌ ، وبذلك أُمرتم ألمّوا بالقبور التي يلزمكم حق سكانها وزوروها واطلبوا الرّزق عندها ،
ص: 75
فإنهم يفرحون بزيارتكم ، ليطلب الرّجل الحاجة عند قبر أبيه وأُمّه بعدما يدعو لهما .لا تستصغروا قليل الإثم لمَّا لم تقدروا على الكبير ، فإن الصغير يحصى ويرجع إلى الكبير . أطيلوا السجود فمن أطاله أطاع ونجا . أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور ويوم قيامكم بين يدي الله تهن عليكم المصائب . إذا اشتكى أحدكم عينه فليقرأ آية الكرسيّ وليضمر في نفسه أنها تبرء فإنه يعافي إن شاء الله . توقّوا الذنوب فما من بليَّة ولا نقص رزق إلَّا بذنب حتى الخدش والنكبة والمصيبة ، فإن الله جل ذكره يقول :﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (1). أكثروا ذكر الله جلَّ وعزَّ على الطعام ولا تلفظوا فيه فإنه نعمةٌ من نعم الله ورزقٌ من رزقه يجب عليكم شكره وحمده. أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها . من رضي من الله باليسير من الرّزق رضي الله منه باليسير من العمل . إيّاكم والتفريط ، فإنه يورث الحسرة حين لا تنفع الحسرة . إذا لقيتم عدوّكم في الحرب فأقلّوا الكلام ، أكثروا ذكر الله جلَّ وعزَّ ، ولا تولّوا الأدبار فتسخطوا الله وتستوجبوا غضبه . إذا رأيتم من إخوانكم المجروح في الحرب أو من قد نُكل أو طمع عدوّكم فيه فقوُّوه بأنفسكم . اصطنعوا المعروف بما قدرتم عليه ، فإنه يقي مصارع السوء . مَن أراد منكم أن يعلم كيف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله منه عند الذُّنوب . أفضل ما يتخذ الرجل في منزله الشَّاة ، فمن كانت في منزله شاة قدّست عليه الملائكة كلَّ يوم مرّة ، ، ومن كان عنده شاتان قدّست عليه الملائكة كل يوم مرتين ، وكذلك في الثلاث ، ويقول الله : بورك فيكم. إذا ضعف المسلم فليأكل اللحم باللبن ، فإن الله جعل القوّة فيهما . إذا أردتم الحج فتقدموا في شراء بعض حوائجكم بأنفسكم فإن الله تبارك وتعالى قال : ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾(2). إذا جلس أحدكم في الشمس فليستدبرها لظهره فإنها تظهر الداء الدفين.
إذا حججتم فأكثروا النظر إلى بيت الله ، فإن الله مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام ، منها ستون للطائفين وأربعون للمصلّين وعشرون للناظرين . أقروا بيت الله الحرام بما حفظتموه من ذنوبكم وما لم تحفظوه فقولوا : ما حفظته يا ربّ علينا ونسيناه فاغفر لنا فإنه من أقرَّ بذنوبه في ذلك الموضع وعدَّدها وذكرها واستغفر الله جلَّ وعزَّ منها كان حقاً
ص: 76
على الله أن يغفرها له . تقدموا في الدعاء قبل نزول البلاء فإنه تفتح أبواب السماء في ستة مواقف : عند نزول الغيث وعند الزحف(1)وعند الأذان وعند قراءة القرآن ومع زوال الشمس وعند طلوع الفجر . من مسَّ جسد ميت بعدما يبرد لزمه الغسل . من غسَّل مؤمناً فليغتسل بعدما يلبسه أكفانه ولا يمسه بعد ذلك فيجب عليه الغسل ولا تجمِّروا الأكفان ، ولا تمسوا موتاكم الطيب إلَّا الكافور ، فإن الميت بمنزلة المحرم مروا أهاليكم بالقول الحسن عند الميت ، فإن فاطمة بنت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لمَّا قبض أبوها(عليهم السلام)أشعرها بنات هاشم فقالت : اتركوا الحداد. وعليكم بالدعاء . المسلم مرآة أخيه فإذا رأيتم من أخيكم هفوة فلا تكونوا عليه إلباً(2) وأرشدوه وانصحوا له وترفقوا به . وإياكم والخلاف فإنه مروقٌ وعليكم بالقصد . تراءفوا وتراحموا ، من سافر بدابته بدأ بعلفها وسقيها . لا تضربوا الدواب على حرّ وجوهها فإنها تسبح ربها . من ضلَّ منكم في سفر أو خاف على نفسه فليناد : «يا صالح أغثني» فإن في إخوانكم الجن من إذا
سمع الصوت أجاب وأرشد الضالّ منكم وحبس عليه دابته . ومن خاف منكم الأسد على نفسه ودابته وغنمه فليخط عليها خطة وليقل : «اللَّهُمَّ ربّ دانيال والجبِّ(3)وكل أسد مستأسد ، احفظني وغنمي». ومن خاف منكم الغرق فليقل :«بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ، وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون» ومن خاف العقرب فليقرأ :﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (4)عقّوا عن أولادكم في اليوم السابع وتصدقوا إذا حلقتم رؤوسهم بوزن شعورهم فضَّة ، فإنه واجب على كل مسلم ، وكذلك فعل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالحسن والحسين . إذا ناولتم سائلاً شيئاً فاسألوه أن يدعو لكم فإنه يستجاب فيكم ولا يجاب في نفسه لأنهم يكذبون ، ويردّ الذي يناوله يده إلى فيه فليقبّلها فإن الله يأخذها قبل أن تقع في يد السائل . قال الله تبارك وتعالى : ﴿ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ﴾ . تصدّقوا بالليل فإن صدقة الليل تطفىء غضب الرب . احسبوا كلامكم
ص: 77
من أعمالكم يقلّ كلامكم إلَّا في الخير . أنفقوا مما رزقكم الله ، فإن المنفق فيّ بمنزلة المجاهد في سبيل الله . فمن أيقن بالخلف أنفق وسخت نفسه بذلك .من كان على يقين فأصابه ما يشكُّ فليمض على يقينه ، فإن الشك لا يدفع اليقين ولا ينقضه .ولا تشهدوا قول الزور. ولا تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر ، فإن العبد لا يدري متى يؤخذ ، وإذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ويأكل على الأرض ، ولا يضع إحدى رجليه على الأخرى ولا يتربع ، فإنها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها . عشاء الأنبياء بعد العتمة(1)فلا تدعوا العشاء ، فإن تركه يُخرِّب البدن . الحمّى رائد الموت(2)وسجن الله في الأرض. يحبس بها من يشاء من عباده وهي تحتّ الذنوب، كما يحاتُّ الوبر عن سنام البعير ، ليس من داء إلَّا وهو داخل الجوف إلَّا الجراحة والحمى ، فإنهما يردان على الجسد وروداً ، أكسروا حرّ الحمى بالبنفسج والماء البارد ، فإن حرّها من فيح جهنم (3)لا يتداوى المسلم حتى يغلب مرضه صحته . الدعاء يردُّ القضاء المبرم فأعدوه واستعملوه . الوضوء بعد الطهر عشر حسنات فتطهروا . إياكم والكسل فإنه من كسل لم يؤدِّ حق الله ، تنظفوا بالماء من الريح المنتنة وتعهدوا أنفسكم فإن الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفف به من جلس إليه(4). لا يعبث أحدكم بلحيته في الصَّلاة ، ولا بما يشغله عنها . بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه بغيره .
المؤمن نفسه منه في تعب والناس منه في راحة . ليكن جلُّ كلامكم ذكر الله .احذروا الذنوب ، فإن العبد يذنب فيحبس عنه الرِّزق . داووا مرضاكم بالصدقة وحصّنوا أموالكم بالزكاة . الصلاة قربان كل تقي . والحج جهاد كل ضعيف . حسن التبعّل جهاد المرأة . الفقر الموت الأكبر . قلّة العيال أحد اليسارين . التقدير نصف المعيشة . الهمّ نصف الهرم . ما عال امرؤٌ اقتصد . ما عطب امرؤٌ استشار . لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب ودين. لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف تعجيل السّراح . من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة . من ضرب على فخذيه عند المصيبة فقد حبط أجره .
ص: 78
أفضل عمل المؤمن انتظار الفرج . من أحزن والديه فقد عقّهما . استنزلوا الرزق بالصدقة . ادفعوا أنواع البلاء بالدُّعاء ، عليكم به قبل نزول البلاء ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة(1)للبلاء أسرع إلى المؤمن من السيل من أعلى التّلعة إلى أسفلها أو من ركض البراذين . سلوا العافية من جُهد البلاء ، فإن جُهد البلاء ذهاب الدِّين . السعيد من وعظ بغيره واتعظ . روّضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة فإن العبد المؤمن يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم . من شرب الخمر وهو يعلم أنها خمر سقاه الله من طينة الخبال وإن كان مغفوراً له . لا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة . الدَّاعي بلا عمل كالرامي بلا وتر . لتطيّب المرأة لزوجها . المقتول دون ماله شهيدٌ . المغبون لا محمود ولا محاور. لا يمين للولد مع والده ولا للمرأة مع زوجها . لا صمت إلى الليل إلَّا في ذكر الله . لا تعرُّب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح . تعرَّضوا لما عند الله عزَّ وجلَّ فإن فيه غنىَّ عما في أيدي الناس . الله يحبُّ المحترف الأمين(2). ليس من عمل أحبُّ إلى الله من الصلاة ، لا تشغلنّكم عن أوقاتها أمور الدنيا ، فإن الله ذمَّ أقواماً استهانوا بأوقاتها فقال : ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ (3)يعني غافلين . : اعلموا أن صالحي عدوكم يرائي بعضهم من بعض وذلك أن الله عزَّ وجلَّ لا يوفّقهم ولا يقبل إلا ما كان له . البرُّ لا يبلى والذنب لا ينسى .﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾(4). المؤمن لا يعيّر أخاه ولا يخونه ولا يتهمه ولا يخذله ولا يتبرّء منه . إقبل عذر أخيك فإن لم يكن له عذرٌ فالتمس له عذراً . مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة مُلك مؤجَّل ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾(5). لا تعجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا . ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم . ارحموا ضعفاءكم واطلبوا الرحمة من الله عزَّ وجلَّ . إياكم تخلف
ص: 79
والغيبة فإن المسلم لا يغتاب أخاه وقد نهى الله عن ذلك فقال :﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾(1) لا يجمع المؤمن يديه في الصلاة وهو قائم يتشبَّه بأهل الكفر . لا يشرب أحدكم الماء قائماً ، فإنه يورث الدّاء الذي لا دواء له إلا أن يعافي الله . إذا أصاب أحدكم في الصلاة الدَّابة فليدفنها [أ] ويتفل عليها أو يضمَّها في ثوبه حتى ينصرف . والالتفات الفاحش يقطع الصلاة ومن فعل فعليه الابتداء بالأذان والإقامة والتكبير . من قرأ قل هو الله أحد إلى أن تطلع الشمس عشر مرات ومثلها إنا أنزلناه في ليلة القدر ومثلها آية الكرسيّ منع ما له مما يخاف عليه . ومن قرأ قل هو الله أحد وإنا أنزلناه في ليلة القدر قبل طلوع الشمس لم يصب ذنباً وإن اجتهد فيه إبليس. استعيذوا بالله عزَّ وجلَّ من غلبة الدَّين . مثل أهل البيت سفينة نوح من تخلَّف عنها هلك . تشمير الثياب طهور للصلاة ، قال الله تعالى :﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ (2). أي فشمِّر . لعق العسل شفاءٌ ، قال الله : ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ (3). ابدؤوا بالملح في أوّل طعامكم واختموا به فلو يعلم الناس ما في الملح لاختاروه على الدّرياق(4)، من ابتدأ طعامه به أذهب الله عنه سبعين داءاً لا يعلمه إلا الله . صوموا ثلاثة أيام كل شهر فهي تعدل صوم الدهر ونحن نصوم خميسين وأربعاء بينهما لأن الله خلق جهنّم يوم الأربعاء فتعوّذوا بالله جلَّ وعزَّ منها . إذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر فيها يوم الخميس ، فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قال : «اللهمّ بارك لأمتي في بكرتها يوم الخميس». وليقرأ إذا خرج من بيته﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ - إلى قوله - : ﴿إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ (5)وآية الكرسيّ وإنا أنزلناه في ليلة القدر وأمَّ الكتاب فإن فيها قضاء حوائج الدُّنيا والآخرة . عليكم بالصّفيق من الثياب ، فإنه من رقَّ ثوبه رقَّ دينه . لا يقومنَّ أحدكم بين يدي رّبه جلَّ وعزّ وعليه ثوب يصفه . توبوا إلى الله وادخلوا في محبّته فإن الله يحبّ التوابين ويحبّ المتطهرين والمؤمن منيب وتوابٌ . إذا قال المؤمن لأخيه : أفّ انقطع ما بينهما
ص: 80
وإذا قال له : أنت كافرٌ كفر أحدهما ولا ينبغي له أن يتهمه فإن اتهمه انماث الإيمان بينهما كما ينماث الملح في الماء. باب التوبة مفتوحة لمن أرادها فتوبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكّفر عنكم سيِّئاتكم . أوفوا بالعهود إذا عاهدتم فما زالت نعمةٌ عن قوم ولا عيش إلا بذنوب اجترحوها ، إن الله ليس بظلّام للعبيد ، ولو استقبلوا ذلك بالدعاء لم تزل ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم أو زالت عنهم النعم فزعوا إلى الله عزَّ وجلَّ بصدق من نياتهم ولم يهنوا ولم يُسرفوا الأصلح لهم كل فاسد وردَّ عليهم كل ضائع ، إذا ضاق المسلم فلا يشكونَّ ربّه ولكن يشكو إليه ، فإن بيده مقاليد الأمور وتدبيرها في السماوات والأرضين وما فيهن وهو ربُّ العرش العظيم والحمد لله ربّ العالمين . وإذا جلس العبد من نومه فليقل قبل أن يقوم : «حسبي الربُّ من العباد ، حسبي هو حسبي ونعم الوكيل»(1)وإذا قام أحدكم من الليل فلينظر إلى أكناف السماء وليقرأ ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ - إلى قوله - : لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ . الإطلاع في بئر زمزم يذهب بالداء فاشربوا من مائها مما يلي الرُّكن الذي فيه حجر الأسود. أربعة أنهار من الجنَّة : الفرات ، والنيل ، وسيحان ، وجيحان وهما نهران(2). لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ولا ينفذ في الفئة أمر الله جلَّ وعزَّ وإن مات في ذلك كان معيناً لعدوِّنا في حبس حقنا والإشاطة(3)بدمائنا وميتته ميتة جاهلية . ذكرنا - أهل البيت - شفاء من الوغل(4)والأسقام ووسواس الذنب وحبنا رضى الربّ . والأخذ بأمرنا وطريقتنا ومذهبنا معنا غداً في حظيرة الفردوس والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله . من شهدنا في حربنا وسمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبّه الله على منخريه في النار . نحن باب الجنة إذا بعثوا وضاقت المذاهب ونحن باب حطّة وهو السِّلم ، من دخل نجا ومن تخلّف عنه هوى . بنا فتح الله جلَّ وعزّ وبنا يختم الله وبنا يمحو الله ما يشاء وبنا يدفع الله الزمان الكلب ، وبنا ينزل الغيث(5)ولا يغرَّنكم بالله الغرور . لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت
ص: 81
الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على نبات وعلى رأسها زنبيلها ، لا يهيجها سبع ولا تخافه . لو تعلمون ما في مقامكم بين عدوِّكم وصبركم على ما تسمعون من الأذى لقرَّت أعينكم . لو قد فقدتموني لرأيتم بعدي أشياء يتمنى أحدكم الموت مما يرى من الجور والعدوان والأثرة والاستخفاف بحق الله والخوف على نفسه ، فإذا كان ذلك فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا وعليكم بالصبر والصلاة والتقية ، واعلموا أن الله عز وجل يبغض من عباده التلوُّن لا تزولوا عن الحق وأهله فإن من استبدل بنا هلك وفاتته الدنيا وخرج منها آثماً . . إذا دخل أحدكم منزله فليسُلّم على أهله ، فإن لم يكن له أهلٌ فليقل : «السلام علينا من ربنا ويقرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله ، فإنه ينفي الفقر . علّموا صبيانكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا ثماني سنين . تنزَّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصابه كلبٌ جافٌ فلينضح ثوبه بالماء وإن كان الكلب رطباً فليغسله . إذا سمعتم من حديثنا ما لا تعرفونه فردُّوه إلينا وقفوا عنده وسلّموا إذا تبين لكم الحق ولا تكونوا مذاييع عجلى(1). فإلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصّر. من تمسك بنا لحق ومن تخلّف عنا محق ، من اتّبع أمرنا لحق ، من سلك غير طريقتنا سحق . لمحبينا أفواج من رحمة الله ولمبغضينا أفواج من سخط الله . طريقنا القصد وأمرنا الرُّشد ، لا يجوز السهو في خمس : الوتر والركعتين الأوليين من كل صلاة مفروضة التي تكون فيهما القراءة والصبح والمغرب وكل ثنائية مفروضة وإن كانت سفراً . ولا يقرأ العاقل القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر له . أعطوا كل سورة حقها من الركوع والسجود إذا كنتم في الصلاة . لا يصلّي الرجل في قميص متوشحاً به ، فإنه من فعال أهل لوط. تجزي للرجل الصلاة في ثوب واحد ، يعقد طرفيه على عنقه وفي القميص الصّفيق يزرُّه عليه(2)؛ لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط فيه . ويجوز أن يكون الصورة تحت قدميه أو يطرح عليها ما يواريها . ولا يعقد الرجل الدِّرهم الذي هي فيه الصورة في ثوبه وهو يصلّي ، ويجوز أن يكون الدِّرهم في هميان أو في ثوب إن كان ظاهراً . لا يسجد الرجل على كدس حنطة(3)ولا على شعير
ص: 82
ولا على شيء مما يؤكل ولا على الخبز. إذا أراد أحدكم الخلاء فليقل :«بسم الله اللهمّ أمط عني الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم» ، وليقل إذا جلس : «اللهمّ كما أطعمتنيه طيّباً وسوّغتنيه فاكفنيه» . فإذا نظر إلى حدثه بعد فراغه فليقل : «اللهمّ ارزقني الحلال وجنبني الحرام» ، فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : ما من عبد إلا وقد وكّل الله به ملكاً يلوي عنقه إذا أحدث حتى ينظر إليه فعند ذلك ينبغي له أن يسأل الله الحلال ، فإن الملك يقول : يا ابن آدم هذا ما حرصت عليه ، انظر من أين أخذته وإلى ماذا صار . لا يتوضأ الرجل حتى يسمّي قبل أن يمس الماء ، يقول : «بسم الله ، اللهمَّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين». فإذا فرغ من طهوره قال : «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)». فعندها يستحقّ المغفرة ، من أتى الصلاة عارفاً بحقها غفر الله له . ولا يصلِّ الرجل نافلة في وقت فريضة ولا يتركها إلا من عذر وليقض بعد ذلك إذا أمكنه القضاء ، فإن الله عز وجل يقول : ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾(1)، هم الذين يقضون ما فاتهم من الليل : بالنهار ومن النهار بالليل . لا تقضوا النافلة في وقت الفريضة ولكن ابدؤوا بالفريضة ثم صلوا ما بدا لكم. الصلاة في الحرمين تعدل ألف صلاة . درهم ينفقه الرجل في الحج يعدل ألف درهم. ليخشع الرجل في صلاته فإنه من خشع الله في الركعة فلا يعبث بشيء في صلاة . القنوت في كل صلاة ثنائية قبل الركوع في الركعة الثانية إلا الجمعة فإن فيها قنوتان أحدهما قبل الركوع في الركعة الأولى والآخر بعده في الركعة الثانية . والقراءة في الجمعة في الركعة الأولى بسورة الجمعة بعد فاتحة الكتاب وإذا جاءك المنافقون(2). اجلسوا بعد السجدتين حتى تسكن جوارحكم ، ثم قوموا فإن ذلك من فعلنا . إذا افتتح أحدكم الصلاة فليرفع يديه بحذاء صدره . إذا قام أحدكم بين يدي الله فليتجوز وليقم صلبه ولا ينحني . إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء في الدعاء ولينتضب ، فقال ابن سبا(3): يا أمير المؤمنين أليس الله بكل مكان ؟ قال : بلى ، قال : فلِمَ نرفع أيدينا إلى السماء ؟ فقال : ويحك أما تقرأ:
ص: 83
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾(1)فمن أين نطلب الرزق إلا من موضعه وهو ما وعد الله في السماء . لا تقبل من عبد صلاة حتى يسأل الله الجنة ويستجير به من النار ويسأله أن يزوجه من الحور العين ، إذا قام أحدكم إلى الصَّلاة فليصل صلاة مودع ، لا يقطع الصَّلاة التبسم وتقطعها القهقهة ، إذا خالط النوم القلب فقد وجب الوضوء إذا غلبتك عينك وأنت في الصلاة فاقطعها ونم ، فإنك لا تدري لعلك أن تدعو على نفسك ، من أحبّنا بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل معنا بيده فهو معنا في الجنة في درجتنا ،ومن أحبّنا بقلبه ولم يعنّا بلسانه ولم يقاتل معنا فهو أسفل من ذلك بدرجة ومن أحبّنا بقلبه ولم يعنّا بلسانه ولا بيده فهو معنا في الجنة . ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو في أسفل درك من النار . ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ولم يعن علينا بيده فهو فوق ذلك بدرجة . ومن أبغضنا بقلبه ولم يعن علينا بلسانه ولا يده فهو في النار . إن أهل الجنة لينظرون إلى منازل شيعتنا كما ينظر الإنسان إلى الكواكب التي في السماء . إذا قرأتم من المسبّحات شيئاً فقولوا : سبحان ربّي الأعلى . [وإذا قرأتم]﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾فصلّوا عليه في الصلاة كثيراً وفي غيرها . ليس في البدن أقل شكراً من العين فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله جلَّ وعزَّ . إذا قرأتم والتين فقولوا [في آخرها]: ﴿ونَحنُ عَلَی ذلکَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ . إذا قرأتم ﴿قُولُوا آمَنَّا بِالله﴾ فقولوا ﴿آمَنَّا بِالله - حتى تبلغوا إلى قوله - : ونَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ﴾(2). إذا قال العبد في التشهّد الأخير من الصلاة المكتوبة : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ثم أحدث حدثاً فقد تمت صلاته . ما عبد الله جلَّ وعزَّ بشيء هو أشدّ من المشي إلى الصلاة . اطلبوا الخير في أعناق الإبل وأخفافها صادرة وواردة . إنما سمّي نبيذ السِّقاية لأن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أُتي بزبيب من الطائف فأمر أن ينبذ ويطرح في ماء زمزم لأنه مرُّ فأراد أن تسكن مرارته ، فلا تشربوا إذا أُعتق . إذا تعرَّى الرجل نظر إليه الشيطان فطمع فيه ، فاستتروا . ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين يدي قوم . من أكل شيئاً من المؤذيات(3)فلا يقربنَّ المسجد.
ص: 84
ليرفع الساجد مؤخّره في الصلاة . إذا أراد أحدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلهما . إذا صليت وحدك فأسمع نفسك القراءة والتكبير والتسبيح . إذا انفتلت من صلاتك(1)فعن يمينك . تزوّدوا من الدنيا التقوى فإنها خير ما تزودتموه منها . مَن كتم وجعاً أصابه ثلاثة أيام من الناس وشكا إلى الله كان حقاً على الله أن يعافيه منه . أبعد ما يكون العبد من الله إذا كانت همَّته بَطنه وفَرجه . لا يخرج الرجل في سفر يخاف على دينه منه . أعط السّمع أربعة في الدعاء : الصلاة على النبيّ وآله واطلب من ربّك الجنة والتعوّذ من النار وسؤالك إياه الحور العين . إذا فرغ الرجل من صلاته فليصلِّ على النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)وليسأل الله الجنة ويستجير به من النار ويسأله أن يزوجه الحور العين ،فإنه من لم يصلِّ على النبيّ رجعت دعوته ومن سأل الله الجنة سمعت الجنة فقالت : يا ربِّ أعط عبدك ما سأل ومن استجار به من النار قالت النار : يا ربّ أَجر عبدك مما استجار منه ومن سأل الحور العين سمعت الحور العين فقالت : أعط عبدك ما سأل . الغناء نوح إبليس على الجنة إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خده الأيمن وليقل : «بسم الله وضعت جنبي الله على ملّة إبراهيم ودين محمد وولاية من افترض الله طاعته ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» من قال ذلك عند منامه حفظ من اللّص المُغير والهدم واستغفرت له الملائكة حتى ينتبه . ومن قرأ قل هو الله أحد حين يأخذ مضجعه وكّل الله به خمسين ألف ملك يحرسونه ليلته . إذا نام أحدكم فلا يضعنَّ جنبه حتى يقول : «أُعيذ نفسي وأهلي وديني ومالي وولدي وخواتيم عملي وما خوّلني ربّي ورزقني بعزّة الله وعظمة الله وجبروت الله وسلطان الله ورحمة الله ورأفة الله وغفران الله وقوّة الله وقدرة الله ولا إله إلا الله وأركان الله وصنع الله وجمع الله وبرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وبقدرته على ما يشاء من شرِّ السَّامة والهامة(2)ومن شَرِّ الجنّ والإنس ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كان يعوذ الحسن والحسين بها وبذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليهم أجمعين . نحن الخزان لدين الله
ص: 85
ونحن مصابيح العلم . إذا مضى منّا عَلمٌ بَدا عَلَمٌ ، لا يضلُّ من اتبعنا ولا يهتدي من أنكرنا ولا ينجو من أعان علينا عدوَّنا ؛ ولا يعان من أسلمنا ؛ ولا يخلو عنا بطمع في حطام الدنيا الزائلة عنه ، فإنه من آثر الدنيا علينا عظمت حسرته غداً وذلك قول الله : ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾(1). اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشم الغمر(2)فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به الكاتبان . لكم من النساء أوّل نظرة فلا تتبعوها واحذروا الفتنة . مدمن الخمر يلقى الله عزَّ جلّ حين يلقاه كعابد وثَن فقال له حجر بن عدي(3): يا أمير المؤمنين من المدمن الخمر ؟ قال : الذي إذا وجدها شربها . من شرب مسكر لم تقبل صلاته أربعين ليلة . من قال لمسلم قولاً يريد به انتقاص مروته حبسه الله في طينة خبال حتى يأتي مما قال يأتي مما قال بمخرج . لا ينم الرجل مع الرجل في ثوب واحد، ولا
ص: 86
المرأة مع المرأة في ثوب واحد ، ومن فعل ذلك وجب عليه الأدب وهو التعزير . كلوا الدّباء فإنه يزيد في الدماغ وكان يعجب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم). كلوا الأُترج قبل الطعام وبعده فإن آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)يأكلونه . الكمثرى يجلو القلب ويسكِّن أوجاعه بإذن الله . إذا قام الرجل في الصلاة أقبل إبليس ينظر إليه حسداً لما يِرى من رحمة الله التي تغشاه . شرُّ الأمور محدثاتها . خير الأمور ما كان الله جلَّ وعزّ رضىً . من عبد الدنيا وآثرها على الآخرة استوخم العاقبة . لو يعلم المصلّي ما يغشاه من رحمة الله ما انفتل ولا سرَّه أن يرفع رأسه من السجدة . إياكم والتسويف في العمل ، بادروا به إذا أمكنكم. ما كان لكم من رزق فسيأتيكم على ضعفكم ، وما كان عليكم فلن تقدروا على دفعه بحيلة . مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر . إذا وضع الرِّجل في الرِّكاب يقال :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴾(1). وإذا خرج أحدكم في سفر فليقل :« اللهم أنت الصاحب في السّفر والحامل على الظهر والخليفة في الأهل والمال والولد» . وإذا نزلتم فقولوا : «اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين» . إذا دخلتم الأسواق لحاجة فقولوا :«أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)، اللهمّ إني أعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين فاجرة وأعوذ بك من بواء الإثم. المنتظر وقت الصلاة بعد العصر زائرٌ لله وحق على الله جلَّ وعزَّ أن يكرم زائره ويعطيه ما سأل . الحاجُّ والمعتمر وفد الله وحق على الله أن يكرم وفده ويحبوه بالمغفرة . من سقى صبياً مسكراً وهو لا يعقل حبسه الله في طينة خبال حتى يأتي مما فعل بمخرج . الصدقة جُنة عظيمة وحجاب للمؤمن من النار ووقاية للكافر من تلف المال ويعجّل له الخلف ويدفع السقم عن بدنه وما له في الآخرة من نصيب . باللسان يكب أهل النار في النار وباللسان يستوجب أهل القبور النور ، فاحفظوا ألسنتكم واشغلوها بذكر الله . من عمل الصور سئل عنها يوم القيامة . إذا أخذت من أحدكم قذاه(2)فليقل : أماط الله عنك ما تكره . إذا خرج أحدكم من الحمام فقال له أخوه : طاب حميمك ، فليقل : أنعم الله بالك . وإذا قال له : حياك الله بالسلام فليقل : وأنت فحيَّاك الله بالسلام وأحلك دار المقام . السؤال بعد المدح فامدحوا الله ثم سلوه الحوائج وأثنوا عليه قبل طلبها . يا صاحب الدعاء لا تسأل ما لا
ص: 87
يكون ولا يحلّ . إذا هنأتم الرجل من مولود ذكر فقولوا : بارك الله لك في هبته وبلغ أشدَّه ورزقت برَّه. إذا قدم أحدكم من مكة فقبِّل عينيه وفمه الذي قبّل الحجر الأسود الذي قبّله رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)و قبِّل موضع سجوده وجبهته ، وإذا هنأتموه فقولوا : قبِّل الله نُسكك وشكر سعيك وأخلف عليك نفقتك ولا جعله آخر عهدك ببيته الحرام . احذروا السفلة فإن السفلة لا يخاف الله جلَّ وعزَّ . إن الله اطلع فاختارنا واختار لنا شيعتنا ، ينصروننا ويفرحون بفرحنا ويحزنون بحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منّا وإلينا. ما من شيعتنا أحدٌ يقارف أمراً نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه ، إما في مال أو ولد ، وإما في نفسه حتى يلقى الله محبنا وما له ذنب وإنه ليبقى عليه شيء من ذنوبه فيشدّد عليه عند الموت فيمحّص ذنوبه . الميت من شيعتنا صدّيق شهيد ، صدَّق بأمرنا وأحبّ فينا وأبغض فينا ، يريد بذلك وجه الله ، مؤمناً بالله ورسوله . من أذاع سرنا أذاقه الله بأس الحديد . اختنوا أولادكم يوم السابع ولا يمنعكم حرّ ولا بَردٌ ، فإنه طهرٌ للجسد وإن الأرض لتضجُّ إلى الله من بول الأقلف(1). أصناف السكر أربعة : سكر الشباب ، وسكر المال ، وسكر النوم ، وسكر الملك . أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوماً مرّة بالنورة . أقلوا أكل الحيتان فإنها تذيب البدن وتكثر البلغم وتغلظ النفس . الحسو باللبن(2)شفاء من كل داء إلا الموت . كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ للمعدة وحياة للقلب ويذهب بوسواس الشيطان . كلوا الهندباء فإنه ما من صباح إلا وعليه قطرة من قطر الجنة . اشربوا ماء السماء فإنه طهور للبدن ويدفع الأسقام ، قال الله جل وعز : ﴿ّ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾(3). الحبة السوداء ما من داء إلا وفيها منه شفاء إلا السَّام . لحوم البقر داء وألبانها شفاء وكذلك أسمانها . ما تأكل الحامل شيئاً ولا تبدأ به أفضل من الرطب ، قال الله :﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾(4). حنِّكوا أولادكم بالتمر . فهكذا فعل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالحسن والحسين ، إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعاجلنها وليمكث يكن منها مثل الذي يكون منه. إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليلقٍ أهله فإن عندها مثل الذي رأى ولا
ص: 88
يجعل للشيطان على قلبه سبيلاً وليصرف بصره عنها ، فإن لم تكن له زوجة فليصلّ ركعتين ويحمد الله كثيراً. إذا أراد أجدكم غشيان زوجته فليُقلّ الكلام فإن الكلام عند ذلك يورث الخرس(1). لا ينظرن أحدكم إلى باطن فرج المرأة ، فإنه يورث البرص وإذا أتى أحدكم زوجته فليقل :« اللهم إني استحللت فرجها بأمرك وقبلتها بأمانك فإن قضيت منها ولداً فاجعله ذكراً سويّاً ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ونصيباً» . الحقنة من الأربعة التي قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فيها ما قال وأفضل ما تداويتم به الحقنة وهي تعظّم البطن وتنقي داء الجوف وتقوي الجسد . استعطوا بالبنفسج ، فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : «لو يعلم الناس ما في البنفسج لحسوه حسواً» . إذا أراد أحدكم إتيان أهله فليتوقّ الأهلة وأنصاف الشهور فإن الشيطان يطلب الولد في هذين الوقتين . توقّوا الحجامة يوم الأربعاء ويوم الجمعة ، فإن الأربعاء نحس مستمرّ وفيه خلقت جهنم ، وفي يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيه أحد إلا مات .
ص: 89
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هذا ما أمر به عبد الله عليُّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولّاه مصر : جباية خراجها ومجاهدة عدوِّها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها .
أمره بتقوى الله وإيثار طاعته ، واتباع ما أمر الله به في كتابه : من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحدٌ إلا باتباعها ، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها ، وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه ، فإنه قد تكفل بنصر من نصره إنه قوي عزيز ، وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات فإن النفس أمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفورٌ رحيم . وأن يعتمد كتاب الله عند الشبهات ، فإن فيه تبيان كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون وأن يتحرَّى رضى الله ولا يتعرض لسخطه ، ولا يصرُّ على معصيته ، فإنه لا ملجأ من الله إلّا إليه .
ثم اعلم يا مالك أني وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دُولٌ قبلك من عدل وجور ، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك .ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم . وإنما يستدلُّ على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده . فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح بالقصد فيما تجمع وما ترعى به رعيتك . فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك ، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحببت وكرهت . وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بالإحسان إليهم . ولا تكوننَّ عليهم سبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين ، وإما نظير لك في الخلق ، تفرط منهم الزلل ، وتعرض لهم العلل،
ص: 90
ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفو [ه] فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من والاك بما عرّفك من كتابه وبصرك من سنن نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم). عليك بما كتبنا لك في عهدنا هذا عليك لا تنصين نفسك لحرب الله ، فإنه لا يدي لك بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ، فلا تندمنَّ على عفو ولا تبجحن بعقوبة ، ولا تسرعنَّ إلى بادرة وجدت عنها مندوحة ولا تقولنَّ إني مؤمر آمر فأُطاع(1)فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الفتن ، فتعوذ بالله من درك الشقاء ، وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به أبهة ، أو مخيلة ، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطامن إليك من طماحك(2)ويكف عنك من غربك ويفيء إليك ما عزُب من عقلك . وإياك ومساماته في عظمته أو التشبه به في جبروته ، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال فخور .
أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصتك ومن أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك ، فإنك إن لا تفعل تظلم ، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته ، وكان الله حرباً حتى ينزع ويتوب . وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة من إقامة على ظلم ، فإن الله يسمع دعوة المظلومين ، وهو للظالمين بمرصاد ومن يكن كذلك فهو رهين هلاك في الدنيا والآخرة.
وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها للرعية فإن سخط العامة يُجحف برضى الخاصة ، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة . وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقلَّ له معونة في البلاء وأكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف(3)وأقل شكراً عند الإعطاء وأبطأ عذراً عند المنع وأضعف صبراً عند ملمّات الأُمور من الخاصَّة ، وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعُدَّة للأعداء أهل العامة من الأُمة فليكن لهم صغوك(4)واعمد لأعم
ص: 91
الأُمور منفعة وخيرها عاقبة ولا قوة إلا بالله .
وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لعيوب الناس ، فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها فلا تكشفن ما غاب عنك واستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك ، وأطلق عن الناس عُقد كل حقد ، واقطع عنك سبب كل وتر ، واقبل العذر وادرأ الحدود بالشبهات . وتغاب عن كل ما لا يضح لك ولا تعجلنَّ إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبَّه بالناصحين(1).
لا تدخِلن في مشورتك بخيلاً يخذلك عن الفضل ويعدك الفقر . ولا جباناً يضعف عليك الأُمور ، ولا حريصاً يزيِّن لك الشره بالجور ، فإن البخل والجور والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله كمونها في الأشرار . أيقن أن شر وزرائك من كان للأشرار وزيراً ومن شركهم في الآثام وقام بأُمورهم في عباد الله . فلا يكوننَّ لك بطانة تُشركهم في أمانتك ، كما شركوا في سلطان غيرهم فأردوهم وأوردوهم مصارع السوء ولا يعجبنك شاهد ما يحضرونك به ، فإنهم أعوان الأئمة وإخوان الظلمة وعباب كل طمح ودغل، وأنت واجد منهم خير الخَلف ممن له مثل أدبهم ونفاذهم ممن قد تصفح الأمور فعرف مساويها بما جرى عليه منها ، فأولئك أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة وأحنى عليك عطفاً وأقل لغيرك إلفاً . لم يعاون ظالماً على ظلمه ولا آثماً على إثمه . ولم يكن مع غيرك له سيرة أجحفت(2)بالمسلمين والمعاهدين فاتخذ أولئك خاصة لخلوتك وملائك ، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق وأحوطهم على الضعفاء بالإنصاف وأقلهم لك مناظرة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعاً ذلك من هواك حيث وقع ، فإنهم يقفونك على الحق ويبصّرونك ما يعود عليك نفعه والصق بأهل الورع ، والصدق وذوي العقول والأحساب ، ثم رضهم على أن لا يُطروك ، ولا يبجحوك بباطل لم تفعله فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من الغرة والإقرار بذلك يوجب المقت من الله.
لا يكوننَّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواءٍ ، فإن ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان وتدريبٌ لأهل الإساءة على الإساءة فالزم كلاً منهم ما ألزم نفسه
ص: 92
أدباً منك ينفعك الله به وتنفع به أعوانك .
ثم اعلم أنه ليس شيء بأدعى لحسن ظن والٍ برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤونات عليهم وقلّة استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن في ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنك برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده وأحق من سماء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده. فاعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزد بصيرة في حُسن الصنع واستكثار حُسن البلاء عند العامة مع ما يوجب الله بها لك في المعاد .
ولا تنقض سنَّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية . ولا تُحدثن سنّة تضر بشيء مما مضى من تلك السنن ، فيكون الأجر لمن سنَّها والوزر عليك بما نقضت منها.
وأكثر مدارسة العلماء ومثافنة الحكماء(1)في تثبيت ما صلح عليه أهل بلادك وإقامة ما استقام به الناس من قبلك ، فإن ذلك يحق الحق ويدفع الباطل ويكتفى به دليلاً ومثالاً لأن السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة الله .
ثم اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ، ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله . ومنها كُتاب العامة والخاصة . ومنها قضاة العدل. ومنها عمال الإنصاف والرفق . ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس . ومنها التجار وأهل الصناعات . ومنها طبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكلاً قد سمى الله سهمه ووضع على حد فريضته في كتابه أو سنَّة نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)وعهد عندنا محفوظ.
فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبيل الأمن والخفض ، وليس تقوم الرعية إلا بهم ، ثم لا قوام للجنود إلا بما يُخرج الله لهم من الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوِّهم ويعتمدون عليه ويكون من وراء حاجاتهم ثم لا بقاء لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكَّتاب لمن يحكمون من الأُمور ويظهرون من الإنصاف ويجمعون من المنافع ويؤتمنون عليه من خواص الأُمور وعوامها ، ولا قوام لهم جميعاً إلَّا بالتجار ذوي الصناعات فيما يجمعون من مرافقهم ،
ص: 93
ويقيمون من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم . ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم(1)وفي في الله لكل سعة ولكلٍ على الوالي حق بقدر يصلحه ، وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلَّا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر فيما خف عليه وثقل . فولِّ من جنودك أنصحهم في نفسك الله ولرسوله ولإمامك وأتقاهم جيباً(2)وأفضلهم حلماً وأجمعهم علماً وسياسة ممن يبطيء عن الغضب ويسرع إلى العذر ، ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء(3)ممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم الصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة . ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة ، فإنهم جماع من الكرم وشعب من العُرف ، يهدون إلى حسن الظن بالله والإيمان بقدره . ثم تفقد أمورهم بما يتفقد الوالد من ولده ولا يتفاقمنَّ في نفسك شيء قوّيتهم به. ولا تحقرنَّ لطفاً تعاهدتهم به وإن قلَّ ، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة وحسن الظن بك ، فلا تدع تفقّد لطيف أمورهم اتكالاً على جسيمها ، فإن لليسير من لطفك موضعاً ينتفعون به ، وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه .
وليكن آثر رؤوس جنودك من واساهم في معونته ، وأفضل عليهم في بذله ممن يسعهم ويسع من ورائهم من الخلوف من أهلهم حتى يكون همهم هماً واحداً في جهاد العدو . ثم واتر إعلامهم(4)ذات نفسك في إيثارهم والتكرمة لهم والإرصاد بالتوسعة . وحقق ذلك بحسن الفعال والأثر والعطف ، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك . وإن أفضل قرَّة العيون للولاة استفاضة العدل في البلاد ، وظهور مودة الرعية لأنه لا يظهر مودتهم إلا سلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم إلا بحوطتهم على ولاة أُمورهم، وقلة استثقال دولتهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم . ثم لا تكلنَّ جنودك إلى مغنم وزَّعته بينهم بل أحدث لهم مع كل مغنم بدلاً مما سواه مما أفاء الله عليهم ، تستنصر بهم به ويكون داعية لهم إلى العودة لنصر الله ولدينه . واخصص أهل
ص: 94
النجدة(1)في أملهم إلى منتهى غاية آمالك من النصيحة بالبذل وحسن الثناء عليهم ولطيف التعهد لهم رجلاً رجلاً وما أبلى في كل مشهد ، فإن كثرة الذكر منك لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله . ثم لا تدع أن يكون لك عليهم عيونٌ(2)من أهل الأمانة والقول بالحق عند الناس فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلائهم . ثم اعرف لكل امرىء منهم ما أبلى ولا تضمّن بلاء امرىء إلى غيره ولا تقصرنّ به دون غاية بلائه ، وكاف كلاً منهم بما كان منه واخصصه منك بهزه . ولا يدعونك شرف امرىء إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً ولا ضعة امرىء على أن تصغر من بلائه ما كان عظيماً ، ولا يفسدنَّ امرءاً عندك علة إن عرضت له ، ولا نبوة حديث له، قد كان له فيها حسن بلاء، فإن العزة الله يؤتيه من يشاء ، والعاقبة للمتقين .
وإن استشهد أحدٌ من جنودك وأهل النكاية في عدوّك فاخلفه في عياله بما يخلف به الوصي الشفيق الموثّق به حتى لا يرى عليهم أثر فقده ، فإن ذلك يعطف عليك قلوب شيعتك ويستشعرون به طاعتك، ويسلسون لركوب معاريض التلف الشديد في ولايتك.
وقد كانت من رسول الله علل سنن في المشركين ومنا بعده سنن ، قد جرت بها سننٌ وأمثال في الظالمين ومن توجَّه قبلتنا وتسمّى بديننا . وقد قال الله لقوم أحب إرشادهم :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾(3). وقال :﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾(4). فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنَّته الجامعة غير المتفرقة ، ونحن أهل رسول الله الذين نستنبط المحكم من كتابه ونميّز المتشابه منه ونعرف الناسخ مما نسخ الله ووضع إصره(5).
ص: 95
فسر في عدوك بمثل ما شاهدت منا في مثلهم من الأعداء وواتر إلينا الكتب بالأخبار بكل حدث يأتك منا أمر عام والله المستعان .
ثم انظر في أمر الأحكام بين الناس بنية صالحة فإن الحكم في إنصاف المظلوم من الظالم والأخذ للضعيف من القوي وإقامة حدود الله على سنتها ومنهاجها مما يصلح عباد الله وبلاده. فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك وأنفسهم للعلم والحلم والورع والسخاء ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم(1)ولا يتمادى في إثبات الزلة ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلّهم تبرُّماً بمراجعة الخصوم(2)وأصبرهم على تكشّف الأمور وأصر مهم(3)عند اتضاح الحكم . ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء ولا يصغي للتبليغ . فولِّ قضاءك من كان كذلك وهم قليل . ثم أكثر تعهّد قضائه(4)وافتح له في البذل ما يزيح علّته(5)ويستعين به وتقل معه حاجته إلى الناس ، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ، ليأمن بذلك اغتيال الرِّجال إياه عندك . وأحسن توقيره في صحبتك وقرِّبه مجلسك وأمض قضاءه وأنفذ حكمه واشدد عضده واجعل أعوانه خيار من ترضى من نظرائه من الفقهاء وأهل الورع والنصيحة لله ولعباد الله ، ليناظرهم فيما شبّه عليه ويلطف عليهم لعلم ما غاب عنه ويكونون شهداء على قضائه بين الناس إن شاء الله .
ثم حملة الأخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه ، لا يختلفون ولا يتدابرون في حكم الله وسنة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فإن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل وغرَّة في الدِّين وسبب من الفرقة . وقد بيّن الله ما يأتون وما ينفقون وأمر بردِّ ما لا يعلمون إلى من استودعه الله علم كتابه واستحفظه الحكم فيه ، فإنما اختلاف القضاة في دخول البغي بينهم واكتفاء كل امرىء منهم برأيه دون من فرض الله ولايته ، ليس يصلح الدين ولا أهل الدين على ذلك . ولكن على الحاكم أن يحكم بما عنده من الأثر
ص: 96
والسنّة ، فإذا أعياه ذلك ردَّ الحكم إلى أهله ، فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له ترك ذلك إلى غيره . وليس لقاضيين من أهل الملّة أن يقيما على اختلاف في [ال] -حكم دون ما رفع ذلك إلى وليّ الأمر فيكم فيكون هو الحاكم بما علّمه الله ، ثم يجتمعان على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما فانظر في ذلك نظراً بليغاً فإن هذا الدين قد كان أسيراً بأيدي الأشرار يُعمل فيه بالهوى وتطلب به الدُّنيا . واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل حكم اختلفوا فيه على حقوقه . ثم تصفّح تلك الأحكام فما وافق كتاب الله وسنّة نبيّه والأثر من إمامك فأمضه واحملهم عليه . وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء بحضرتك فناظرهم فيه ثمَّ أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين ، فإِنَّ كل أمر اختلف فيه الرَّعيَّة مردود إلى حكم الإمام وعلى الإمام الاستعانة بالله والاجتهاد في إقامة الحدود وجبر الرَّعيَّة على أمره ، ولا قوَّة إلا بالله.
ثم انظر إلى أُمور عمالك واستعملهم اختباراً ولا تُولّهم أُمورك محاباة(1)وأثرَة . فإنّ المحاباة والأثرة جماع الجور والخيانة وإدخال الضرورة على الناس وليست تصلح الأُمور بالإدغال(2)فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة ؛ وتوخّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقَدَم في الإسلام. فإنّهم أكرم أخلاقاً وأصحُّ أعراضاً وأقلُّ في المطامع إشرافاً وأبلغ في عواقب الأُمور نظراً من غيرهم فليكونوا أعوانك على ما تقلّدت . ثمّ أسبغ عليهم في العمالات ووسّع عليهم في الأرزاق فإن في ذلك قوَّة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى عن تناول ما تحت أيديهم وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك . ثمَّ تفقَّد أعمالهم وابعث العيون عليهم من أهل الصدق والوفاء ، فإنَّ تعهّدك في السرّ أمورهم حدوةٌ لهم على استعمال الأمانة والرِّفق بالرعيَّة . وتحفَّظ من الأعوان ، فإن أحدٌ منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً ، فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ، ثم نصبته بمقام المذلة فوسمته بالخيانة وقلّدته عار التهمة .
ص: 97
وتفقد ما يصلح أهل الخراج فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله ، فليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج فإن الجلب لا يدرك إلا بالعمارة . ومَن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم له أمره إلا قليلاً ، فاجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك ومرهم فليعلموك حال بلادهم وما فيه صلاحهم ورخاء جبايتهم ، ثم سل عما يرفع إليك أهل العلم به من غيرهم ، فإن كانوا شكوا ثقلاً أو علة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بهم العطش أو آفةٌ خفِّف عنهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم . وإن سألوا معونة على إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهم مؤونته ، فإِنَّ في عاقبة كفايتك إيَّاهم صلاحاً . فلا يثقلنّ عليك شيءٌ خفّفت به عنهم المؤونات ، فإنه ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك وتزيين ولايتك مع اقتنائك مودّتهم وحسن نيّاتهم واستفاضة الخير وما يسهِّل الله به من جلبهم ، فإن الخراج لا يستخرج بالكدِّ والإتعاب مع أنها عقد تعتمد عليها إن حدث حدثٌ كنت عليهم معتمداً لفضل قوّتهم بما ذخرت عنهم من الحمام والثقة منهم بما عودتهم من عدلك ورفقك ومعرفتهم بعذرك فيما حدث من الأمر الذي اتكلت به عليهم فاحتملوه بطيب أنفسهم . فإن العمران محتمل ما حمّلته وإنما يؤتى خراب الأرض لإعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإسراف الولاة وسوء ظنهم بالبقاء وقلّة انتفاعهم بالعبر . فاعمل فيما ولِّيت عمل من يحب أن يدّخر حسن الثناء من الرعيّة والمثوبة من الله والرضا من الإمام . ولا قوة إلا بالله .
ثم انظر في حال كتّابك فاعرف حال كلِّ امرىء منهم فيما يحتاج إليه منهم ، فاجعل لهم منازل ورتباً ، فولِّ على أُمورك خيرهم ، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكيدتك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأدب ممن يصلح للمناظرة في جلائل الأمور من ذوي الرأي والنصيحة والذهن، أطواهم عنك لمكنون الأسرار كشحاً ممن لا تبطره الكرامة ولا تمحق به الدالة فيجترى بها عليك في خلاء أو يلتمس إظهارها في بلاء ، ولا تقصِّر به الغفلة عن إيراد كتب الأطراف عليك وإصدار جواباتك على الصواب عنك وفيما يأخذ لك ويعطي منك ولا يضعف عقداً اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأُمور ، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل . وولّ ما دون ذلك من رسائلك وجماعات كتُب خرجك ودواوين جنودك قوماً تجتهد نفسك في اختيارهم، فإنها رؤوس أمرك أجمعها لنفعك
ص: 98
وأعمّها لنفع رعيتك . ثم لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك واستنامتك(1)وحسن الظن بهم ، فإن الرجال يعرفون فراساة الولاة بتضرُّعهم وخدمتهم ، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة ، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثراً وأعرفهم فيها بالنّبل والأمانة(2)، فإن ذلك دليلٌ على نصيحتك الله ولمن وليت أمره . ثم مرهم بحسن الولاية ولين الكلمة واجعل لرأس كلِّ أمر من أمورك رأساً منهم ، لا يقهره كبيرها ، ولا يتشتت عليه كثيرها . ثم تفقّد ما غاب عنك من حالاتهم وأمور من يرد عليك رسله وذوي الحاجة وكيف ولايتهم وقبولهم وليّهم وحجّتهم فإن التبرُّم والعزّ والنّخوة من كثير من الكُتّاب إلا من عصم الكتاب إلا من عصم الله وليس للناس بُدّ من طلب حاجاتهم ومهما كان في كُتابك من عيب فتغابيت عنه أُلزمته أو فضل نسب إليك مع ما لك عند الله في ذلك من حسن الثواب .
ثم التجار وذوي الصناعات فاستوص وأوص بهم خيراً : المقيم منهم والمضطرب بماله(3)والمترفق بيده فإنهم موادّ للمنافع وجلابها في البلاد في برّك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها(4)ولا يجترئون عليها من بلاد أعدائك من أهل الصناعات التي أجرى الله الرفق منها على أيديهم فاحفظ حرمتهم وآمن سبلهم وخذ لهم بحقوقهم فإنهم سلم لا يُخاف بائقته(5)وصُلح لا تُحذر عائلته، أحبُّ الأمور إليهم أجمعها للأمن وأجمعها للسلطان، فتفقد أُمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك . واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكّماً في البياعات وذلك باب مضرّة للعامّة وعيب على الولاية ، فامنع الإحتكار فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) نهى عنه وليكن البيع والشراء بيعاً سمحاً بموازين عدل وأسعار لا تُجحف بالفريقين من البائع والمبتاع (6)، فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكّل
ص: 99
وعاقب في غير إسراف . فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فعل ذلك .
ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وذوي البؤسى والزمنى(1)، فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعترّاً فاحفظ الله ما استحفظك من حقه فيها واجعل لهم قسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد ، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكلاً قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم نظر ، فإنك لا تعذر بتضييع الصغير لإحكامك الكثير المهم ، فلا تشخص همك عنهم . ولا تصعِّر خدك لهم وتواضع لله يرفعك الله واخفض جناحك للضعفاء ولوبهم إلى ذلك منك حاجة وتفقد من أُمورهم ما لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقِّره الرجال ، ففرغ لأُولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أُمورهم ، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله یوم تلقاه ، فإن هؤلاء أحوج إلى الإنصاف من غيرهم وكل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه . وتعهد أهل اليُتم والزمانة والرّقة في السن ممن لا حيلة له . ولا ينصب للمسألة نفسه فأجر لهم أرزاقاً فإِنهم عباد الله فتقرب إلى الله بتخلصهم ووضعهم مواضعهم في أقواتهم وحقوقهم ، فإن الأعمال تخلص بصدق النيات . ثم إنه لا تسكن نفوس الناس أو بعضهم إلى أنك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب دون مشافهتك بالحاجات(2)وذلك على الولاة ثقيل . والحقُّ كله ثقيل . وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا نفوسهم ووثقوا بصدق موعود الله لمن صبر واحتسب فكن منهم واستعن بالله واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تُفرِّغ لهم فيه شخصك وذهنك من كل شغل ثم تأذن لهم عليك وتجلس لهم مجلساً تتراضع فيه الله الذي رفعك وتُقعِد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك نخفض لهم في مجلسك ذلك جناحين وتلين لهم كنفك(3)في مراجعتك ووجهك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع(4)، فإني سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول في غير موطن :« لن تقدس أُمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع» . ثم احتمل الخرق منهم والعي، ونح عنك الضيق والأنف يبسط الله
ص: 100
عليك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب أهل طاعته، فأعط ما أعطيت هنيئاً ، وامنع في إجمال وإعذار، وتواضع هناك فإن الله يحب المتواضعين. وليكن أكرم أعوانك عليك ألينهم جانباً وأحسنهم مراجعة وألطفهم بالضعفاء ، إن شاء الله .
ثم إن أُموراً من أُمورك لا بد لك من مباشرتها ، منها إجابة عمالك ما يعيا عنه كتابك ومنها إصدار حاجات الناس في قصصهم ، ومنها معرفة ما يصل إلى الكتَّاب والخزان مما تحت أيديهم ، فلا تتوان فيما هنالك ولا تغتنم تأخيره واجعل لكل أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريغ لقلبك وهمك ، فكلما أمضيت أمراً فأمضه بعد التروية(1)ومراجعة نفسك ومشاورة وليِّ ذلك ، بغير احتشام ولا رأي(2)يكسب به عليك نقيضه . ثم أمضِ لكلِّ يوم عمله ، فإن لكل يوم ما فيه واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت وأجزل تلك الأقسام ، وإن كانت كلها الله إذا صحَّت فيها النيِّة وسلمت منها الرعيَّة . وليكن في خاصِّ ما تخلص الله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصّة ، فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ما يجب ، فإن الله جعل النافلة لنبيه خاصة دون خلقه فقال : ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾(3)، فذلك أمر اختص الله به نبيه وأكرمه به ليس لأحد سواه وهو لمن سواه تطوّع فإنه يقول : ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾(4)فوفر ما تقربت به إلى الله وكرمه وأد فرائضه إلى الله كاملاً غير مثلوب ولا منقوص(5)بالغاً ذلك من بدنك ما بلغ . فإذا قمت في صلاتك فلا تطوّلن ولا تكونن منفراً ولا مُضيعاً ،فإن في الناس من به العلة وله الحاجة . وقد سألت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حين وجهني إلى اليمن : كيف نصلّي بهم ؟ فقال : «صلِّ بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيماً ».
وبعد هذا فلا تُطوِّلن احتجابك عن رعيتك . فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأُمور . والاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه
ص: 101
فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل ، وإنما الوالي بشرٌ لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأُمور وليست على القول سمات(1)يعرف بها الصدق من الكذب ، فتحصن من الإدخال في الحقوق بلين الحجاب(2)فإنما أنت أحد رجلين : إما امرء سخت نفسك بالبذل في الحقِّ ففيم احتجابك ؟ من واجب حق تعطيه ؟ أو خلق كريم تُسديه ؟ وإما مبتلى بالمنع فما أسرع كفَّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بَذْلِك، مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لامؤونة عليك فيه من شكاية مظلمة أو طلب إنصاف . فانتفع بما وصفت لك واقتصر فيه على حظك ورشدك إن شاء الله .
ثم إن للملوك خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف فاحسم مادة أُولئك بقطع أسباب تلك الأشياء ، ولا تقطعنَّ لأحد من حشمك ولا حامتك قطيعة ولا تعتمدنَّ في اعتقاد عقدة تضرُّ بمن يليها من الناس في شِرب أو عمل مشترك يحملون مؤونتهم على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدُّنيا والآخرة. عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت الأُمور إليك وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد، وكن في ذلك صابراً محتسباً ، وافعل ذلك بقرابتك حيث وقع وابتغِ عاقبته بما يثقل عليه منه فإن مغبَّة ذلك محمودةٌ .
وإن ظنَّت الرعيَّة بك حيفاً فأصحر لهم بعذرك(3)واعدل عنك ظنونهم بإصحارك فإن تلك رياضة منك لنفسك ورفق منك برعيتك وإعذار تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق في خفض وإجمال .
لا تدفعنَّ صلحاً دعاك إليه عدوُّك فيه رضي فإن في الصلح دعةً لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك . ولكنَّ الحذر كلُّ الحذر من مقاربة عدوِّك في طلب الصلح ، فإن العدوَّ ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم وتحصَّن كل مخوف تؤتى منه .وبالله الثقة في جميع الأُمور . وإن لجّت بينك وبين عدوِّك قضية عقدت له بها صلحاً أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة دونه ،
ص: 102
فإنه ليس شيء من فرائض الله جلَّ وعز الناس أشدُّ عليه اجتماعاً في تفريق أهوائهم وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود ، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا(1)من الغدر والختر فلا تغدرنَّ بذمتك ولا تخفر بعهدك ولا تختلنَّ عدوّك ، فإنه لا يجترىء على الله إلَّا جاهل . وقد جعل الله عهده وذمته أمناً أفضاه بین العباد برحمته وحريماً يسكنون إلى منعته ويستفيضون به إلى جواره ، فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه(2)
فلا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه فإن صبرك على ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته خيرٌ من غدر تخاف تبعته(3)وأن تحيط بك من الله طلبةٌ ، ولا تستقبل فيها دنياك ولا آخرتك .
وإياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدَّة من سفك الدماء بغير الحقِّ . والله مبتدىءٌ بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء. فلا تصوننّ سلطانك بسفك دم حرام ، فإن ذلك يخلقه ويزيله ، فإياك والتعرُّض لسخط الله فإن الله قد جعل لوليّ من قُتل مظلوماً سلطاناً قال الله : ﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾(4). ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن(5). فإن ابتليت بخطأ وفرط عليك سوطك أو يدك لعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحنَّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدّي إلى أهل المقتول حقَّهم دية مسلّمة يتقرَّب بها إلى الله زلفى.
إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء ، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن .
إياك والمنَّ على رعيتك بإحسان أو التزيُّد فيما كان من فعلك أو تعدهم فتتبع
ص: 103
موعدك بخلفك أو التسرّع إلى الرعية بلسانك : فإن المنّ يبطل الإحسان والخلف يوجب المقت . وقد قال الله جلَّ ثناؤه : ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾(1).
إيّاك والعجلة بالأُمور قبل أوانها والتساقط فيها عند زمانها واللجاجة فيها إذا تنكرت والوهن فيها إذا أوضحت ، فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه.
وإيّاك والإستئثار بما للناس فيه الأسوة والاعتراض فيما يعنيك والتغابي عما يُعنى به (2) مما قد وضح لعيون الناظرين ، فإنه مأخوذ منك لغيرك . وعما قليل تكشف عنك أغطية الأُمور ويبرز الجبَّار بعظمته فينتصف المظلومون من الظالمين ، ثم أملك حميَّة أنفك وسورة حدَّتك وسطوة يدك وغرب لسانك . واحترس كل ذلك بكفِّ البادرة(3)وتأخير السطوة وارفع بصرك إلى السماء عندما يحضرك منه حتى يسكن غضبك فتملك الإختيار ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد.
ثم اعلم أنه قد جمع ما في هذا العهد من صنوف ما لم آلك فيه رشداً إن أحبَّ الله إرشادك وتوفيقك أن تتذكر ما كان من كل ما شاهدت منا فتكون ولايتك هذه من حكومة عادلة أو سنّة فاضلة أو أثر عن نبيك(صلی الله علیه وآله وسلم) أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به منها . وتجتهد نفسك في اتباع ما عهدتُ إليك في عهدي واستوثقتُ من الحجّة لنفسي لكي لا تكون لك علة عند تسرُّع نفسك إلى هواها فليس يعصم من السُّوء ولا يوفّق للخير إلَّا الله جلَّ ثناؤه . وقد كان مما عهد إلىَّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في وصايته تحضيضاً علي الصَّلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم . فبذلك أختم لك ما عهدتُ ، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليّ العظيم .
وأنا أسأل الله سعة رحمته وعظيم مواهبه وقدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه مع حسن الثناء في العباد وحسن الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة ، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة ، وإنّا إليه راغبون ، والسَّلام على رسول الله وعلى آله الطيِّبين الطاهرين ، وسلّم كثيراً .
ص: 104
الحمد الله فاطر الخلق وخالق الإصباح ، ومنشر الموتى ، وباعث من في القبور ، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله (صلی الله علیه وآله وسلم).
عباد الله ! إن أفضل ما توسَّل به المتوسِّلون إلى الله جلَّ ذكره الإيمان بالله وبرسله ، وما جاءت به من عند الله والجهاد في سبيله ، فإنه ذروة الإسلام وكلمة الإخلاص ، فإنها الفطرة ، وإقامة الصَّلاة ، فإنها الملَّة . وإيتاء الزكاة ، فإنها فريضة.
وصوم شهر رمضان فإنه جُنَّة حصينة . وحج البيت والعمرة ، فإنهما ينفيان الفقر ويكفران الذنب ويوجبان الجنة . وصلة الرحم، فإنها ثروة في المال ، ومنساة في الأجل وتكثير للعدد . والصدقة في السر فإنها تكفر الخطأ وتطفيء غضب الرب تبارك وتعالى . والصدقة في العلانية فإنها تدفع ميتة السوء . وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع السوء.
وأفيضوا في ذكر الله جلَّ ذكره فإنه أحسن الذكر وهو أمان من النفاق وبراءة من النار وتذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله جلّ وعزَّ وله دويّ تحت العرش . وارغبوا فيما وعد المتقون ، فإن وعد الله أصدق الوعد ، وكلما وعد فهو آت كما وعد ، فاقتدوا بهدى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فإنه أفضل الهدى واستنّوا بسنَّته ، فإنها أشرف السنن. وتعلَّموا كتاب الله تبارك وتعالى ، فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة ، وتفقَّهوا فيه ، فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاءٌ لما في الصدور وأحسنوا تلاوته ، فإنه أحسن القصص : ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾(1)وإذا هُديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم منه لعلَّكم تفلحون . فاعلموا عباد الله ! أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم وهو عند الله ألوم ، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحيّر في جهله وكلاهما حائرٌ بائر مضل مفتون مبتور ما هم فيه(2)وباطل ما كانوا يعملون.
ص: 105
عباد الله ! لا ترتابوا فتشكُوا . ولا تشكُّوا فتكفروا . ولا تكفروا فتندموا . ولا ترخّصوا لأنفسكم فتدهنوا ، وتذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا ولا تداهنوا في الحقِّ إذا ورد عليكم وعرفتموه فتخسروا خسراناً مبيناً.
عباد الله ! إن من الحزم أن تتقوا الله. وإن من العصمة ألا تغترُّوا بالله .
عباد الله ! إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه ، وأغشهم لنفسه أعصاهم له .
عباد الله ! إنه من يطع الله يأمن ويستبشر ، ومن يعصه يخب ويندم ولا يسلم .
عباد الله ! سلوا الله اليقين ، فإن اليقين رأس الدين وارغبوا إليه في العافية ، فإن أعظم النعمة العافية ، فاغتنموها للدنيا والآخرة ، وارغبوا إليه في التوفيق ، فإنه أُسّ وثيق ، واعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين وأحسن اليقين التقى ، وأفضل أُمور الحقِّ عزائمها وشرُّها محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ، وبالبدع هدم السنن . المغبون من غبن دينه ، والمغبوط من سلم له دينه وحسن يقينه . والسعيد من وعظ بغيره ، والشَّقي من انخدع لهواه .
عباد الله ! اعلموا أن يسير الرياء شرك . وأن إخلاص العمل اليقين . والهوى يقود إلى النار ، ومجالسة أهل اللهو ينسي القرآن ويحضر الشيطان ، والنّسيء زيادة في الكفر وأعمال العصاة تدعو إلى سخط الرّحمن ، وسخط الرّحمن يدعو إلى النار . ومحادثة النساء تدعو إلى البلاء وزيغ القلوب، والرمق لهنَّ يخطف نور أبصار القلوب(1)ولمح العيون مصائد الشيطان ، ومجالسة السلطان يهيّج النيران.
عباد الله ! اصدقوا ، فإن الله مع الصادقين . وجانبوا الكذب ، فإنه مجانب للإيمان وإن الصّادق على شرف منجاة وكرامة . والكاذب على شفا مهواة وهلكة. وقولوا الحق تعرفوا به. واعملوا به تكونوا من أهله. وأدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها . وصلوا أرحام من قطعكم . وعودوا بالفضل على من حرمكم. وإذا عاقدتم فأوفوا . وإذا حكمتم فاعدلوا . وإذا ظُلمتم فاصبروا . وإذا أُسيء إليكم فاعفوا واصفحوا كما تحبّون أن يعفى عنكم . ولاتفاخروا بالآباء ،﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ .ولا تمازحوا ولا تغاضبوا ولا تباذخوا(2). ولا
ص: 106
يغتب بعضكم بعضاً : ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ﴾(1)ولا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب ، ولا تباغضوا فإنها الحالقة ، وافشوا السَّلام في العالم وردُّوا التحية على أهلها بأحسن منها ، وارحموا الأرملة واليتيم وأعينوا الضعيف والمظلوم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب والمكاتب والمساكين وانصروا المظلوم وأعطوا الفروض وجاهدوا أنفسكم في الله حق جهاده ، فإنه شديد العقاب ، وجاهدوا في سبيل الله وأقروا الضيف . وأحسنوا الوضوء ، وحافظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها فإنها من الله جلَّ وعزَّ بمكان : ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا - فهو خير له - فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾(2).﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾(3). ﴿و اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾(4).
واعلموا عباد الله ! أن الأمل يذهب العقل ويكذب الوعد ويحثُ على الغفلة ويورث الحسرة فأكذبوا الأمل فإنه غرورٌ وإن صاحبه مأزور . فاعملوا في الرغبة والرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا واجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذَّن للمسلمين بالحسنى ، ولمن شكر بالزيادة فإني لم أرَ مثل الجنّة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها . ولا أكثر مكتسباً ممن كسبه اليوم تُذخر فيه الذخائر وتبلى فيه السرائر . وإن من لا ينفعه الحق يضرُّه الباطل . ومن لا يستقيم به الهدى تضرُّه الضلالة . ومن لا ينفعه اليقين يضرُّه الشكّ وإنكم قد أُمرتم بالظعن(5)ودللتم على الزَّاد ، ألا إنَّ أخوف ما أتخوَّف عليكم إثنان : طول الأمل واتباع الهوى . ألا وإن الدُّنيا قد أدبرت وآذنت بانقلاع ، ألا وإن الآخرة قد أقبلت وآذنت باطّلاع . ألا وإن المضمار اليوم والسّباق غداً ، ألا وإن السبقة الجنَّة والغاية النار . ألا وإنكم في أيّام مهل من ورائه أجل ، يحثّه [ ال] -عجل . فمن أخلص الله عمله في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضرّه أجله ، ومن لم يعمل في أيَّام مهله ضرَّه أجله ، ولم ينفعه عمله .
ص: 107
عباد الله ! افزعوا إلى قوام دينكم بإقام الصَّلاة لوقتها. وإيتاء الزكاة في حينها ، والتضرُّع والخشوع . وصلّة الرحم . وخوف المعاد . وإعطاء السائل . وإكرام الضّعفة [والضعيف] وتعلم القرآن والعمل به . وصدق الحديث . والوفاء بالعهد. وأداء الأمانة إذا ائتمنتم . وارغبوا في ثواب الله وارهبوا عذابه. وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم . وتزوَّدوا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم . واعملوا بالخير تجزوا بالخير ، يوم يفوز بالخير من قدَّم الخير . أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم .
أمّا بعد فإن المكر والخديعة في النار فكونوا من الله على وجل ومن صولته على حذر. إن الله لا يرضى لعباده بعد إعذاره وإنذاره استطراداً واستدراجاً من حيث لا يعلمون(1)ولهذا يضلُّ سعي العبد حتى ينسى الوفاء بالعهد ويظن أنه قد أحسن صنعاً ولا يزال كذلك في ظن ورجاء وغفلة عما جاءه من النبأ يعقد على نفسه العقد ويهلكها بكل جهد وهو في مهلة من الله على عهد ، يهوى مع الغافلين ويغدو مع المذنبين ويجادل في طاعة الله المؤمنين ويستحسن تمويه المترفين(2)فهؤلاء قوم شرحت قلوبهم بالشبهة وتطاولوا على غيرهم بالفرية وحسبوا أنها الله قربة وذلك لأنهم عملوا بالهوى وغيّروا كلام الحكماء وحرَّفوه بجهل وعمى وطلبوا به السمعة والرِّياء ، بلا سبل قاصدة ولا أعلام جارية ولا منار معلوم إلى أمدهم وإلى منهل هم واردوه حتى إذا كشف الله لهم عن ثواب سياستهم واستخرجهم من جلابيب غفلتهم ، استقبلوا مدبراً واستدبروا مقبلاً ، فلم ينتفعوا بما أدركوا من أمنيتهم ولا بما نالوا من طلبتهم ولا ما قضوا من وطرهم(3)وصار ذلك عليهم وبالاً فصاروا يهربون مما كانوا يطلبون .
وإني أُحذّركم هذه المزلّة وآمركم بتقوى الله الذي لا ينفع غيره فلينتفع بنفسه إن كان صادقاً على ما يجنُّ ضميره ، فإنما البصير من سمع وتفكّر ونظر وأبصر وانتفع
ص: 108
بالعبر وسلك جدداً واضحاً (1)يتجنب فيه الصرعة في الهوى ويتنكّب طريق العمى ولا يعين على فساد نفسه الغواة بتعسّف في حق أو تحريف في نطق أو تغيير في صدق ولا قوَّة إلَّا بالله .
قولوا ما قيل لكم وسلّموا لما روي لكم ولا تكلّفوا ما لم تُكلَّفوا فإنما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم ولفظت ألسنتكم أو سبقت إليه غايتكم واحذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة واقصدوا السهولة واعملوا فيما بينكم بالمعروف من القول والفعل واستعملوا الخضوع واستشعروا الخوف والإستكانة لله . واعملوا فيما بينكم بالتواضع والتناصف والتباذل وكظم الغيظ، فإنها وصيّة الله وإياكم والتحاسد والأحقاد ، فإنهما من فعل الجاهلية ولتنظر نفس ما قدَّمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون(2).
أيّها النّاس اعلموا علماً يقيناً أن الله لم يجعل للعبد وإن اشتدّ جهده وعظمت حيلته وكثرت نكايته أكثر مما قدَّر له في الذِّكر الحكيم ولم يحل بين المرء على ضعفه وقلّة حيلته وبين ما كتب له في الذِّكر الحكيم . أيها الناس إنه لن يزداد امروٌ نقيراً بحذقه ولن ينتقص نقيراً بحمقه ، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعة والتارك له أكثر الناس شغلاً في مضرّة . ربِّ منعم عليه في نفسه مستدرج بالإحسان إليه . وربِّ مبتلىً عند الناس مصنوع له . فأفق أيها المستمتع من سكرك وانتبه من غفلتك وقصّر من عجلتك وتفكّر فيما جاء عن الله تبارك وتعالى فيما لا خلف فيه ولا محيص عنه ولا بدَّ منه ، ثم ضع فخرك ودع كبرك وأحضر ذهنك واذكر قبرك ومنزلك فإن عليه ممرُّك وإليه مصيرك . وكما تَدين تُدان. وكما تزرع تحصد . وكما تصنع يصنع بك . وما قدَّمت إليه تقدم عليه غداً لا محالة . فلينفعك النظر فيما وعظت به . ما سمعت ووعدت ، فقد اكتنفك بذلك خصلتان ولا بدَّ أن تقوم بأحدهما : إما طاعة الله تقوم لها بما سمعت وإما حجة الله تقوم لها بما علمت.
فالحذر الحذر والجدّ الجدّ ، فإنه لا ينبئك مثل خبير إن من عزائم الله في الذِّكر الحكيم التي لها يرضى ولها يسخط ولها يثيب وعليها يُعاقب أنه ليس بمؤمن وإن حسن قوله وزين وصفه وفضله غيره إذا خرج من الدُّنيا فلقي الله بخصلة من هذه الخصال لم
ص: 109
يتب منها : الشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته ، أو شفاء غيظ بهلاك نفسه أو يقرُّ بعمل فعمل بغيره ، أو يستنجح حاجة إلى الناس بإظهار بدعة في دينه أو سرّه أن يحمده الناس بما لم يفعل من خير ، أو مشى في الناس بوجهين ولسانين والتجبّر والأبَّهة . واعلم [وأعقل ذلك ف] -إن المثل دليل على شبهه إن البهائم همّها بطونها وإن السباع همّها التعدّي والظلم وإن النساء همّهنَّ زينة الدُّنيا والفساد فيها وإن المؤمنين مشفقون مستكينون خائفون
لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويرجو التوبة بطول الأمل يقول في الدُّنيا قول الزاهدين ، ويعمل فيها عمل الراغبين ، إن أُعطي منها لم يشبع وإن مُنع لم يقنع ، يعجز عن شكر ما اُوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ينهى الناس ولا ينتهي ، ويأمر الناس ما لا يأتي ، يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم ، ويبغض المسيئين وهو منهم . ويكره الموت لكثرة سيِّئاته ولا يدعها في حياته ، يقول : كم أعمل فأتعنّى، ألا أجلس فأتمنّى فهو يتمنى المغفرة ويدأب في المعصية . وقد عمّر ما يتذكر فيه من تذكّر ، يقول فيما ذهب : لو كنت عملتُ ونصبت لكان خيراً لي ويضيعه غير مكترث لاهياً . إن سقم ندم على التفريط في العمل . وإن صح أمن مغترّاً . يؤخّر العمل ،تعجبه نفسه ما عوفي ويقنط إذا ابتلي ، تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن . ولا يقنع من الرِّزق بما قسّم له ولا يثق منه بما قد ضمن له ولا يعمل من العمل بما فرض عليه ، فهو من نفسه في شك ، إن استغنى بطر وفتن وإن افتقر قنط ووهن ، فهو من الذَّنب والنعمة موفّر ، ويبتغي الزيادة ولا يشكر ويتكلَّف من الناس ما لايعنيه ويصنع من نفسه ما هو أكثر . إن عرضت له شهوة واقعها باتكال على التوبة وهو لا يدري كيف يكون ذلك . لا تغنيه رغبته ولا تمنعه رهبته . ثم يبالغ في المسألة حين يسأل ويقصّر في العمل ، فهو بالقول مدلّ(1)ومن العمل مقلّ ، يرجو نفع عمل ما لم يعمله . ويأمن عقاب جرم قد عمله . يبادر من الدنيا إلى ما يفنى ، ويدع جاهداً ما يبقى ، وهو يخشى الموت ولا يخاف الفوت . يستكثر من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه . ويستكثر من طاعته ما يحتقر من غيره . يخاف على غيره بأدنى من
ص: 110
ذنبه . ويرجو لنفسه بأدنى من عمله ، فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن . يؤدي الأمانة ما عوفي وأُرضيَ والخيانة إذا سخط وابتلي . إذا عوفيَ ظن أنه قد تاب . وإن ابتلى ظن أنه قد عوقب . يؤخّر الصوم ويعجّل النوم ، لا يبيت قائماً ولا يصبح صائماً .يصبح وهمّته الصبح ولم يسهر . ويمسي وهمّته العشاء وهو معطر . يتعوّذ بالله ممن هو دونه ولا يتعوّذ ممن هو فوقه . ينصب الناس لنفسه ولا ينصب نفسه لربّه . النوم مع الأغنياء أحبُّ إليه من الرُّكوع مع الضعفاء يغضب من اليسير ويعصي في الكثير ، يعزف لنفسه على غيره(1)ولا يعزف عليها لغيره . فهو يحبُّ أن يُطاع ولا يعصى ويستوفي ولا يوفي . يرشد غيره ويغوي نفسه . ويخشى الخلق في غير ربّه ولا يخشى ربّه في خلقه . يعرف ما أنكر وينكر ما عرف . ولا يحمد ربّه على نعمه . ولا يشكره على مزيد ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر فهو دهره في لبس(2)إن مرض أخلص وتاب ، وإن عوفيّ قسا وعاد ، فهو أبداً عليه ولا له ، لا يدري عمله إلى ما يؤدّيه إليه ، حتى متى وإلى متى . اللّهُمَّ اجعلنا منك على حذر . احفظ وع انصرف إذا شئت وصفه(عليه السلام) المتقين .
قال - بعد حمد الله والثناء عليه - : إن المتقين في الدُّنيا هم أهل الفضائل ، منطقهم الصواب وملبسهم الإقتصاد ومشيهم التواضع ، خضعوا الله بالطاعة ، غاضين أبصارهم عما حرَّم الله جلَّ وعزَّ ، واقفين أسماعهم على العلم ، نزلت منهم أنفسهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء رضىً بالقضاء ، لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب . عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها وهم فيها يعذّبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأجسادهم نحيفة وحاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة ومعونتهم للإسلام عظيمة . صبروا أيّاماً قصاراً فأعقبتهم راحةً طويلة مربحةً يسرها لهم ربُّ كريمٌ . أرادتهم الدُّنيا ولم يريدوها . وطلبتهم فأعجزوها . أما اللّيل فصافّون أقدامهم ، تالون لأجزاء القرآن
ص: 111
يرتّلونه ترتيلاً يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم . وتهيج أحزانهم بكاءاً على ذنوبهم . ووجع كلومهم(1)وجراحهم . فإذا مرُّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلّعت أنفسهم إليها شوقاً وظنّوا أنها نصب أعينهم . وإذا مُّروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنّم وشهيقها في أُصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم ومفترشون جباههم وأكفّهم وأطراف الأقدام يطلبون إلى الله العظيم في فكاك رقابهم.
أما النهار فحكماء علماء ، أبرارٌ أتقياء ، قد براهم الخوف أمثال القداح(2)ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى ويقول : قد خولطوا وقد خالط القوم أمرٌ عظيم إذا هم ذكروا عظمة الله تعالى وشدَّة سلطانه ، مع ما يخالطهم من ذكر الموت وأهوال القيامة أفزع ذلك قلوبهم وطاشت له أحلامهم وذهلت له عقولهم فإذا أشفقوا من ذلك باذروا إلى الله بالأعمال الزَّاكية لا يرضون باليسير ولا يستكثرون له الكثير . هم لأنفسهم متّهمون ومن أعمالهم مشفقون إذا زكّي أحدهم خاف مما يقولون ، فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي مني . اللَّهُمَّ لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون إنك علّام الغيوب .
فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوَّة في دين . وخوفاً في لين . وإيماناً يقين . وحرصاً في علم . وكيساً في رفق(3)وشفقة في نفقة ، وفهماً في فقه . وعلماً في حلم . وقصداً في غني . وخشوعاً في عبادة . وتجمّلاً في فاقة وصبراً في شدّة. ورحمة للمجهود وإعطاءاً في حق . ورفقاً في كسب. وطلباً في حلال . ونشاطاً في هدى وتحرُّجاً عن طمع وبرّاً في استقامة وإعتصاماً عند شهوة . لا يغرُّه ثناء من جهله . ولا يدع إحصاء عمله مستبطئاً لنفسه في العمل . يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل ، يمسي وهمّه الشكر، يصبح وهمّه الذكر ، يبيت حذِراً ويصبح فرحاً حذراً لما حذر من الغفلة . فرحاً بما أصاب من الفضل والرحمة . إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما هويت فرحه فيما يحذر وقرَّة عينه فيما لا يزول . وزهادته
ص: 112
فيما يفنى . يمزج الحلم بالعلم ويمزج العلم بالعمل . تراه بعيداً كسَله ، دائماً نشاطه ، قريباً أمله ، قليلاً زَلله ، خاشعاً قلبه ، قانعةً نفسه ، متغيباً جهله ، سهلاً أمره ، حريزاً دينه ، ميّتةً شهوته ، مكظوماً غيظه ، صافياً خُلقه ، لا يحدِّث الأصدقاء بالذي يؤتمن عليه ، ولا يكتم شهادة الأعداء ، لا يعمل شيئاً رئاءاً ولا يتركه استحياءاً : الخير منه مأمولٌ والشرُّ منه مأمون . إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين . يعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويصل من قطعه . لا يعزب حلمه . ولا يعجز فيما يزينه ، بعيداً فحشه ، ليِّناً قوله ، غائباً مكره ، كثيراً معروفه ، حسناً فعله ، مقبلاً خيره ، مدبراً شرُّه . فهو في الزَّلازل وقورٌ . وفي المكاره صبور . وفي الرَّخاء شكورٌ . لا يحيف على من يبغض . ولا يأثم فيمن يحب . ولا يدّعي ما ليس له . ولا يجحد حقّا هو عليه . يعترف بالحقِّ قبل أن يُشهد عليه . لا يضيع ما استحفظ . ولا ينابز بالألقاب . لا يبغي ولا يهمُّ به . ولا يضارُّ بالجار . ولا يشمت بالمصائب ، سريعٌ إلى الصواب ، مؤدّ للأمانات . بطيءٌ عن المنكرات . يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . لا يدخل في الدُّنيا بجهل . ولا يخرج من الحقِّ . إن صمت لم يغمه الصمت وإن ضحك لم يعل به الصوت . قانع بالذي له . لا يجمح(1)به الغيظ . ولا يغلبه الهوى . ولا يقهره الشحُّ. ولا يطمع فيما ليس له . يخالط الناس ليعلم . ويصمت ليسلم . ويسأل ليفهم . لا ينصت للخير ليعجز به . ولا يتكلم به ليتجبر على من سواه ، إن بُغي عليه صبر حتى يكون الله جلَّ ذكره ينتقم له . نفسه منه في عَناء والناس منه في رجاء . أتعب نفسه لآخرته وأراح الناس من نفسه . بعده عمن تباعد عنه بغض ونزاهة . ودنوُّه ممن دنا منه لينٌ ورحمة ، ليس تباعده تكبّراً ولا عظمة . ولا دنّوه خديعة ولا خلابة (2)، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير . وهو إمام لمن خلفه من أهل البرِّ.
إن الله ابتدأ الُأمور فاصطفى لنفسه منها ما شاء . واستخلص منها ما أحبَّ . فكان مما أحبَّ أنه ارتضى الإيمان فاشتقه من اسمه ، فنحله من أحب من خلقه ، ثم
ص: 113
بيَّنه فسهَّل شرائعه لمن ورده وأعزَّ أركانه على من جانبه وجعله عزّاً لمن والاه وأمناً لمن دخله . وهدىً لمن ائتمَّ به . وزينة لمن تحلّى به . وديناً لمن انتحله . وعصمة لمن اعتصم به . وحبلاً لمن استمسك به . وبرهاناً لمن تكلم به . وشرفاً لمن عرفه. وحكمة لمن نطق به ونوراً لمن استضاء به . وحجة لمن خاصم به . وفلجاً لمن حاجَّ به(1). وعلماً لمن وعى. وحديثاً لمن روى . وحكماً لمن قضى . وحلماً لمن حدَّث . ولبّاً لمن تدبَّر . وفهماً لمن تفكَّر . ويقيناً لمن عقل . وبصيرة لمن عزم . وآية لمن توسَّم . وعبرة لمن اتعظ . ونجاة لمن آمن به. ومودّة من الله لمن صلح . وزلفى لمن ارتقب . وثقة لمن توكَّل . وراحة لمن فوَّض . وصبغة لمن أحسن . وخيراً لمن سارع . وجُنَّةً لمن صبر . ولباساً لمن اتقى . وتطهيراً لمن رشد . وأمنة لمن أسلم . وروحاً للصادقين . فالإيمان أصل الحقِّ . وأصل الحقِّ سبيله الهدى وصفته الحسنى .ومأثرته المجد(2). فهو أبلج المنهاج مشرق المنار . مضيء المصابيح . رفيع الغاية . يسير المضمار . جامع الحلبة . متنافس السبقة . قديم العدّة . كريم الفرسان. الصالحات مناره ، والعفة مصابيحه . والموت غايته . والدنيا مضماره . والقيامة حلبته . والجنة سبقته . والنار نقمته . والتقوى عدّته . والمحسنون فرسانه . فبالإيمان يستدل على الصالحات. وبالصالحات يعمر الفقه. وبالفقه يرهب الموت. وبالموت تختم الدنيا. وبالدنيا تحذو الآخرة. وبالقيامة تزلف الجنة والجنة حسرة أهل النار .والنار موعظة التقوى . والتقوى سنخ الإحسان . والتقوى غاية لا يهلك من تبعها ولا يندم من يعمل بها ، لأنَّ بالتقوى فاز الفائزون . وبالمعصية خسر الخاسرون . فليزدجر أولو النهى . وليتذكر أهل التقوى .
فالإيمان على أربع دعائم : على الصبر واليقين والعدل والجهاد .
فالصبر على أربع شعب : على الشوق والشفق(3)والزهد والترقب . فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات(4)، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات . ومن زهد
ص: 114
في الدنيا هانت عليه المصيبات . ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات .
واليقين على أربع شعب : على تبصرة الفطنة وتأوّل الحكمة(1). وموعظة العبرة وسنَّة الأولين . فمن تبصَّر في الفطنة تأوَّل الحكمة . ومن تأوَّل الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة عرف السنَّة ومن عرف السنَّة فكأنما عاش في الأوَّلين .
والعدل على أربع شعب : على غائص الفهم وغمرة العلم(2) وزهرة الحكم وروضة الحلم . فمن فهم فسَّر جميع العلم . ومن عرف الحكم لم يضلّ . ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش به في الناس حميداً.
والجهاد على أربع شعب : على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق عند المواطن(3)وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شدَّ ظهر المؤمن . ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافرين. ومن صدق في المواطن قضى ما عليه . ومن شنأ الفاسقين غضب الله ومن غضب الله غضب الله له فذلك الإيمان ودعائمه وشعبه.
والكفر على أربع دعائم : على الفسق والغلو والشك والشبهة.
فالفسق من ذلك على أربع شعب : الجفاء والعمى والغفلة والعتو . فمن جفا حقّر المؤمن ومقت الفقهاء وأصرَّ على الحنث . ومن عمي . ومن عمي نسي الذِّكر ، بذى خلقه و بارز خالقه وألحَّ عليه الشيطان . ومن غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره وحسب غيّه رشداً وغرَّته الأماني ، وأخذته الحسرة إذا انقضى الأمر ، وانكشف عنه الغطاء ، وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب . ومن عنا أمر الله شكَّ
عن . ومن شكَّ تعالى الله عليه ثم أذلّه بسلطانه وصغّره بجلاله . كما فرَّط في حياته واغترَّ بربّه الكريم .
والغلوّ على أربع شعب : على التعمق والتنازع والزيغ والشقاق . فمن تعمّق ينته إلى الحقِّ ولم يزده إلَّا غرقاً في الغمرات ، لا تنحسر عنه فتنة إلَّا غشيته أُخرى، فهو يهوي في أمر مريج(4). ومن نازع وخاصم قطع بينهم الفشل وبلي أمرهم من
ص: 115
طول اللجاج . ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيِّئة وسكر سكر الضلال. ومن شاق اعورَّت عليه طُرقه(1)واعترض عليه أمره وضاق مخرجه . وحرام أن ينزع من دينه من اتبع غير سبيل المؤمنين .
والشكّ على أربع شعب : على المريّة والهول والتردُّد والإستسلام(2)، فبأيّ آلاء ربّك يتمارى الممترون . ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه . ومن تردد في دينه سبقه الأولون وأدركه الآخرون ووطئته سنابك الشياطين . ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما . ومن نجا من ذلك فبفضل اليقين .
والشبهة على أربع شعب : على إعجاب بالزينة وتسويل النفس وتأوُل العِوج ولبس الحق بالباطل . وذلك أن الزينة تصدف عن البيِّنة . وتسويل النفس تقحم إلى الشهوة(3). والعوج يميل بصاحبه ميلاً عظيماً . واللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر ودعائمه وشعبه .
والنفاق على أربع دعائم : على الهوى والهوينا(4)والحفيظة والطمع .
والهوى من ذلك على أربع شعب : على البغي والعدوان والشهوة والعصيان ، فمن بغى كثرت غوائله(5)وتخلي عنه ونُصر عليه ومن اعتدى لم تؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه . ومن لم يعذل(6)نفسه عن الشهوات خاض في الحسرات وسبح فيها . ومن عصى ضل عمداً بلا عذر ولا حجة .
وأما شعب الهوينا: فالهيبة والغرَّة والمماطلة والأمل(7). وذلك أن الهيبة تردُّ عن
ص: 116
الحق والإغترار بالعاجل وتفريط الآجل وتفريط المماطلة مورّط في العمى ولولا الأمل علم الإنسان حساب ما هو فيه . ولو علم حساب ما هو فيه مات خفاتاً من الهول والوجل(1).
وأما شعب الحفيظة : فالكبر والفخر والحمية والعصبية . فمن استكبر أدبر. ومن فخر فجر ومن حمى أصرّ . ومن أخذته العصبية جار ، فبئس الأمر بين إدبار وفجور وإصرار .
وشعب الطمع : الفرح والمرح واللجاجة والتكبّر . فالفرح مكروه عند الله والمرح خيلاء . واللجاجة بلاءٌ لمن اضطرته إلى حمل الآثام . والتكبّر لهو ولعب وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فذلك النفاق ودعائمه وشعبه. والله قاهر فوق عباده تعالى ذكره . واستوت به مرَّته . واشتدت قوّته . وفاضت بركته. واستضاءت حكمته . وفلجت حجته(2). وخلص دينه . وحقت كلمته. وسبقت حسناته . وصفت نسبته . وأقسطت موازينه .وبلّغت رسالاته وحضرت حفظته . ثم جعل السيِّئة ذنباً والذنب فتنة . والفتنة دنساً وجعل الحسنى غنماً . والعتبى توبة(3)والتوبة طهوراً ، فمن تاب اهتدى ، ومن افتتن غوى ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه ويصدق بالحسنى ولا يهلك على الله إلَّا هالك .
فالله الله ما أوسع ما لديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم ، وما أنكر ما لديه من الأنكال والجحيم والعزَّة والقدرة والبطش الشديد ، فمن ظفر بطاعة الله إختار كرامته ، ومن لم يزل في معصية الله ذاق وبيل نقمته . هنالك عقبى الدار .
ومن كلامه(عليه السلام)لكميل بن زياد(4)بعد أشياء ذكرها
إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها . احفظ عنّي ما أقول لك :
ص: 117
الناس ثلاثة : عالم ربانيٌّ ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع(1)أتباع كلِّ ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم فيهتدوا ولم يلجأوا إلى ركن وثيق فينجوا .
يا كميل : العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تفنيه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، العلم حاكم والمال محكوم عليه.
یا کمیل بن زياد : محبة العالم دين يدان به يكسب الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ومنفعة المال تزول بزواله ، مات خزَّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثلتهم في القلوب موجودة . ها ، إن ههنا لعلماً جماً - وأشار إلى صدره - لم أُصب له خزنة بلى أُصيب لقنا(2)غير مأمون مستعملاً آلة الدين في طلب الدنيا ، يستظهر بحجج الله على أوليائه وبنعمة الله على معاصيه أو منقاداً لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ، اللّهُمَّ لا ذا ولا ذاك ، أو منهوماً باللذة(3)سلس القياد للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والإدخار ليسا من رعاة الدين ولا من ذوي البصائر واليقين ، أقرب شبهاً بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حملته .
اللَّهُمَّ بلى ، لا يخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً . لئلا تبطل حجج الله وبيناته ورواة كتابه . وأين أولئك ؟هم الأقلُّون عدداً ، الأعظمون قدراً بهم يحفظ الله حججه حتى يودعه نظراءهم ويزرعها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الإيمان ، فباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعر منه المترفون واستأنسوا بما استوحش منه الجاهلون : صحبوا الدُّنيا بأبدان أرواحها معلَّقة بالمحل الأعلى.
يا كميل : أُولئك أُمناء الله في خلقه وخلفاؤه في أرضه وسرجه في بلاده(4).
ص: 118
والدُّعاة إلى دينه . واشوقاه إلى رؤيتهم ، أستغفر الله لي ولك.
يا كميل : سمّ كلَّ يوم باسم الله ، وقل لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله . وتوكل على الله واذكرنا وسمّ بأسمائنا وصلِّ علينا . وادرِ بذلك على نفسك وما تحوطه عنايتك ، تكف شرَّ ذلك اليوم إن شاء الله.
يا كميل : إن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أدّبه الله وهو(عليه السلام)أدّبني وأنا أُؤدّب المؤمنين وأورِّث الآداب المكرمين.
يا كميل : ما من علم إلَّا وأنا أفتحه، وما من سر إلَّا والقائم(عليه السلام) يختمه .
یا كميل : ذرّية بعضها من بعض ، والله سميعٌ عليمٌ .
يا كميل : لا تأخذ إلَّا عنا تكن منا.
يا كميل : ما من حركة إلَّا وأنت محتاج فيها إلى معرفة .
یا کميل : إذا أكلت الطعام فسمّ باسم الذي لا يضرُّ مع اسمه داء وفيه شفاءٌ من كل الأسواء .
یا كميل : وأكل الطعام ولا تبخل عليه ، فإنك لن ترزق الناس شيئاً ، والله يجزل لك الثواب بذلك . أحسن عليه خلقك . وابسط جليسك . ولا تتهم خادمك .
يا كميل : إذا أكلت فطوِّل أكلك ليستوفي من معك ويُرزق منه غيرك .
يا كميل : إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك وارفع بذلك صوتك يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك .
يا كميل : لا توقرنّ معدتك طعاماً ودع فيها للماء موضعاً وللريح مجالاً . ولا ترفع يدك من الطعام إلَّا وأنت تشتهيه ، فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه ، فإن صحة قلة الجسم من الطعام وقلّة الماء .
یا کميل : البركة في مال من أتى الزّكاة وواسى المؤمنين ووصل الأقربين .
يا كميل : زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين وكن بهم أرأف وعليهم أعطف . وتصدَّق على المساكين .
ص: 119
یا کمیل : لا تردَّ سائلاً ولو من شطر حبَّة عنب أو شقّ تمرة ، فإن الصدقة تنمو عند الله.
يا كميل : أحسن حلية المؤمن التواضع ، وجماله التَّعفُّف ، وشرفه التَّفقُّه ، وعزُّه ترك القال والقيل .
يا كميل : في كلِّ صنف قومٌ أرفع من قوم ، فإياك ومناظرة الخسيس منهم وإن أسمعوك واحتمل ، وكن من الذين وصفهم الله :﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾(1).
یا کميل : قل الحق على كلّ حال ووادِّ المتقين ، واهجر الفاسقين ، وجانب المنافقين ، ولا تصاحب الخائنين.
یا كميل : لا تطرق أبواب الظالمين للإختلاط بهم والاكتساب معهم ، وإياك أن تعظّمهم وأن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك وإن اضطررت إلى حضورهم فداوم ذكر الله والتوكل عليه واستعذ بالله من شرورهم واطرق عنهم وأنكر بقلبك فعلهم واجهر بتعظيم الله تُسمعهم ، فإنك بها تؤيد وتكفى شرَّهم
يا كميل : إن أحب ما تمتثله العباد إلى الله بعد الإقرار به وبأوليائه التعفف والتحمل والإصطبار.
يا كميل : لا تُر الناس إقتارك واصبر عليه احتساباً بعزّ وتستّر .
يا كميل : لا بأس أن تُعلم أخاك سرّك ، ومَن أخوك ؟ أخوك ، الذي لا يخذلك عند الشديدة ، ولا يقعد عنك عند الجريرة(2)، ولا يدعك حتى تسأله ، ولا يذرك وأمرك حتى تعلمه ، فإن كان مميلا أصلحه(3)
يا كميل : المؤمن مرآة المؤمن ، لأنه يتأمله فيسدُّ فاقته ويجمل حالته .
يا كميل : المؤمنون إخوة ولا شيء آثرٌ عند أخ من أخيه
یا كميل : إن لم تحبّ أخاك فلست أخاه ، إن المؤمن من قال بقولنا ، فمن
ص: 120
تخلّف عنه قصَّر عنا ، ومن قصَّر عنا لم يلحق بنا ، ومن لم يكن معنا ففي الدرك الأسفل من النار .
يا كميل : كلُّ مصدور ينفث(1)فمن نفث إليك منا بأمر أمرك بستره فإياك أن تبديه وليس لك من إبدائه توبةٌ ، وإذا لم يكن توبة فالمصير إلى لظى.
يا كميل : إذاعة سرّ آل محمد [صلوات الله عليهم] لا يقبل منها ولا يحتمل أحد عليها وما قالوه فلا تُعلم إلا مؤمناً موفقاً .
يا كميل : قل عند كل شدَّة: (لا حول ولا قوة إلَّا بالله) تُكفها وقل عند كلِّ نعمة : (الحمد لله) تزدد منها . وإذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسّع عليك فيها .
يا کميل : انج بولايتنا من أن يشركك الشيطان في مالك وولدك .
یا كميل : إنه مستقرٌ ومستودع فاحذر أن تكون من المستودعين وإنما يستحق أن يكون مستقراً إذا لزمتَ الجادّة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج ولا تزيلك عن منهج .
یا كميل : لا رخصة في فرض ولا شدّة في نافلة.
يا كميل : إن ذنوبك أكثر من حسناتك ، وغفلتك أكثر من ذكرك ، ونعم الله عليك أكثر من عملك .
يا كميل : إنك لا تخلو من نعم الله عندك وعافيته إياك ، فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه [ وشكره] وذكره على كلِّ حال.
یا كميل : لا تكوننَّ من الذين قال الله : ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾(2)ونسبهم إلى الفسق فهم فاسقون .
یا کميل : ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدّق ، الشأن أن تكون الصلاة بقلب نقي وعمل عند الله مرضيّ وخشوع سويّ ، وانظر فيما تصلِّي وعلى ما تُصلِّي إن لم يكن من وجهه وحِلّه فلا قبول .
ص: 121
يا كميل : اللّسان ينزح القلب ، والقلب يقوم بالغذاء فانظر فيما تغذّي قلبك وجسمك فإن لم يكن ذلك حلالاً لم يقبل الله تسبيحك ولا شكرك.
يا كميل : إفهم واعلم أنّا لا نرخّص في ترك أداء الأمانة لأحد من الخلق ، فمن روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل وأثم وجزاؤه النار بما كذب ، أُقسم لسمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً : يا أبا الحسن أد [اء] الأمانة إلى البرِّ والفاجر فيما جلَّ وقلَّ حتى الخيط والمخيط .
يا كميل : لا غزو إلا مع إمام عادل ولا نَفَل إلا من إمام فاضل(1)
يا كميل : لو لم يظهر نبيٌّ وكان في الأرض مؤمنٌ تقيّ لكان في دعائه إلى الله مخطئاً أو مصيباً ، بل والله مخطئاً حتى ينصبه الله لذلك ويؤهله له. يا كميل : الدين الله فلا يقبل الله من أحد القيام به إلا رسولاً أو نبياً أو وصياً .
يا كميل : هي نبوّة ورسالة وإمامة ، وليس بعد ذلك إلَّا موالين متبعين أو عامهين مبتدعين ، إنما يتقبل الله من المتقين .
يا كميل : إن الله كريمٌ حليمٌ عظيم رحيمٌ دلَّنا على أخلاقه وأمرنا بالأخذ بها وحمل الناس عليها ، فقد أدّيناها غير متخلَّفين وأرسلناها غير منافقين وصدّقناها غير مكذِّبين وقبلناها غير مرتابين .
یا کمیل : لستُ والله متملقاً حتى أُطاع ولا ممنّياً حتى لا أُعصى ولا مائلاً لطعام الأعراب حتى أُنحل(2)إمرة المؤمنين وأُدعى بها .
یا كميل : إِنما حظي مَن حظي بدنيا زائلة مدبرة ونحظى بآخرة باقية ثابتة.
يا كميل : إن كلاً يصير إلى الآخرة والذي نرغب فيه منها رضى الله والدّرجات العلى من الجنة التي يورثها من كان تقيّاً .
يا كميل : من لا يسكن الجنة فبشّره بعذاب أليم وخزي مقيم .
یا كميل : أنا أحمد الله على توفيقه، وعلى كل حال ، إذا شئت فقم .
ص: 122
هذا ما عهد عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر(1)حين ولاه مصر أمره بتقوى الله والطاعة له في السر والعلانية وخوف الله في الغيب والمشهد وباللين للمسلم وبالغلظة على الفاجر وبالعدل على أهل الذمة وبإنصاف المظلوم وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالإحسان ما استطاع ، والله يجزي المحسنين ويعذِّب المجرمين .
وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة ، فإن لهم في ذلك من العافية وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه . وأمره أن يلين لهم جناحه وأن يساوي بينهم في مجلسه ووجهه ويكون القريب والبعيد عنده في الحق سواء . وأمره يحكم بين الناس بالعدل وأن يقيم بالقسط ولا يتّبع الهوى ولا يخاف في الله لومة لائم فإن الله مع من اتقاه وآثر طاعته وأمره على من سواه . وكتب عبيد الله بن أبي رافع(2).
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر سلام عليكم :
أما بعد فقد وصل إليَّ كتابك وفهمت ما سألت عنه ، وأعجبني اهتمامك بما لا بدَّ لك منه وما لا يصلح المسلمين غيره وظننت أن الذي أخرج ذلك منك نية صالحة ورأيٌ غير مدخول.
أما بعد فعليك بتقوى الله في مقامك ومقعدك وسرِّك وعلانيتك ، وإذا أنت
ص: 123
قضيت بين الناس فاخفض لهم جناحك وليِّن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وآس بينهم في اللحظ والنظر حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم ولا يأيس الضعفاء من عدلك عليهم ، وأن تسأل المدَّعي البيّنة وعلى المدّعى عليه اليمين ، ومن صالح أخاه على صلح فأجز صلحه إلا أن يكون صلحاً يحرِّم حلالاً أو يحلل حراماً . وآثر الفقهاء وأهل الصدق والوفاء والحياء والورع على أهل الفجور والكذب والغدر . وليكن الصالحون الأبرار إخوانك والفاجرون الغادرون أعداءك ، فإن أحبَّ إخواني إليّ أكثرهم الله ذكراً وأشدُّهم منه خوفاً . وأنا أرجو أن تكون منهم إن شاء الله .
وإني أُوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون وعما أنتم إليه صائرون ، فإن الله قال في كتابه : ﴿کُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾(1). وقال : ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾(2)وقال : ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾(3)فعليكم بتقوى الله فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة ، قال الله : ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾(4)
اعلموا عباد الله : أن المتقين ذهبوا بعاجل الخير وآجله ، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم ، قال الله عزَّ وجلَّ :﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ . .﴾ الآية(5). سكنوا الدنيا بأحسن ما سُكنت وأكلوها بأحسن ما أُكلت .
واعلموا عباد الله : أنكم إذا اتقيتم الله وحفظتم نبيكم في أهله فقد عبدتموه بأفضل عبادته وذكرتموه بأفضل ما ذكر وشكرتموه بأفضل ما شكر ، وقد أخذتم بأفضل الصبر والشكر واجتهدتم بأفضل الاجتهاد وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم
ص: 124
صياماً وصدقة ، إذ كنتم أنتم أوفى الله وأنصح لأولياء الله ومن هو وليُّ الأمر من آل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).
واحذروا عباد الله الموت وقُربه وكربه(1)وسَكراته وأعدُّوا له عُدَّته فإنه يأتي بأمر عظیم بخير لايكون معه شرٌ وبشرّ لا يكون معه خيرٌ أبداً . فمن أقرب إلى الجنة من عاملها وأقرب إلى النار من أهلها ، فأكثروا ذكر الموت عندما تُنازعكم إليه أنفسكم ، فإني سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : «أكثروا ذكر هادم اللذات»(2). واعلموا أن ما بعد الموت لمن لم يغفر الله له ويرحمه أشدُّ من الموت .
واعلم يا محمد أنني ولّيتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر وأنت محقوق أن تخاف على نفسك وأن تحذر فيه على دينك ، وإن لم تكن إلا ساعة من النهار . فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضى أحد من خلقه فافعل ، فإن في الله خَلفاً من غيره ولا في شيء خَلَفٌ من الله . أُشدُد على الظالم وخذ على يديه . ولن لأهل الخير وقربهم منك واجعلهم بطانتك وإخوانك .
ثم انظر صلاتك كيف هي ، فإنك إمام . وليس من إمام يصلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصيرٌ إلا كان عليه أوزارهم ولا ينتقص من صلاتهم شيء ولا يتمّمها إلا كان له مثل أجورهم ولا ينتقص من أجورهم شيء ، وانظر الوضوء ، فإنه تمام الصلاة، ولا صلاة لمن لا وضوء له . واعلم أنّ كلّ شيء من عملك تابع لصلاتك . واعلم أنه من ضيَّع الصلاة ، فإنه لغير الصلاة من شرائع الإسلام أضيع .
وإن استطعتم يا أهل مصر أن يصدّق قولكم فعلكم وسرّكم علانيتكم ولا تُخالف ألسنتكم أفعالكم فافعلوا . وقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم). «إني لا أخاف على أُمتي مؤمناً ولامشركاً ، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه ، وأما المشرك فيخزيه الله ويقمعه بشركه ولكني أخاف عليكم كلَّ منافق حلو اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون» . ليس به خفاء . وقد قال النبيُّ(صلی الله علیه وآله وسلم):« من سَرَّته حسناته وساءته سيئاته فذلك المؤمن حقاً» . وكان يقول(صلی الله علیه وآله وسلم): «خصلتان لا يجتمعان في منافق : حُسن سَمت وفقه في سنّة ».
واعلم يا محمد بن أبي بكر أن أفضل الفقه الورع في دين الله والعمل بطاعة
ص: 125
الله ، أعاننا الله وإياك على شكره وذكره وأداء حقه والعمل بطاعته ، إنه سميعٌ قريبٌ .
واعلم أن الدنيا دار بلاء وفناء والآخرة دار بقاء وجزاء . فإن استطعت أن تزيّن ما يبقى على ما يفنى فافعل رزقنا الله بصر ما بصَّرنا وفهم ما فهّمنا حتى لا نُقصّر عما أمرنا ولا نتعدى إلى ما نَهانا عنه ، فإنه لا بدَّ من نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج . فإن عرض لك أمران أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة . وإن استطعت أن تعَظم رغبتك في الخير وتحسن فيه نيتك فافعل ، فإن الله يُعطي العبد على قدر نيته إذا أحبَّ الخير وأهله وإن لم يفعله كان إن شاء الله كمن فعَله.
ثم إني أوصيك بتقوى الله ، ثم بسبع خصال هنَّ جوامع الإسلام : تخشى الله ولا تخشى الناس في الله فإن خير القول ما صدّقه الفعل . ولا تقض في أمر واحد بقضائين فيختلف عليك أمرك وتزل عن الحق . وأحب لعامة رعيتك ما تحبُّ لنفسك وأهل بيتك واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك وألزم الحجة عند الله وأصلح رعيتك . وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم وأقم وجهك . وانصح للمرء المسلم إذا استشارك واجعل نفسك أُسوة لقريب المسلمين وبعيدهم وأمر بالمعروف وانه عن المنكر . واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور(1).. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
إني أُحذركم الدنيا فإنها حلوة ٌخضرة حفت بالشهوات وتحبّبت بالعاجلة وعمّرت بالآمال وتزيَّنت بالغرور . لا تدوم حبرتها(2)ولا تؤمن فجعتها ، غرارةٌ، ضرارةٌ زائلةٌ، نافدة أكَّالة ، غوَّالة(3)، لا تعدو - إذا هي تناهت إلى أُمنية أهل الرّغبة فيها والرضا بها - أن تكون كما قال سبحانه : ﴿ كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾(4). مع أنَّ امرءاً لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته عبرة ، ولم يلق من سرائها بطناً إلا منحته من ضرائها ظهراً ، ولم
ص: 126
تطلّه فيها ديمة رخاء(1)إلا هتفت عليه مُزنة بلاء . إذا هي أصبحت منتصرة أن تُمسي له منكرة . وإن جانبٌ منها اعذوذب لامرى واحلولى أمرٌ عليه جانبٌ منها فأوبى ، وإن لبس امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في أخوف خوف غرارةٌ ، غرورٌ ما فيها ، فانية فان من عليها . لا خير في شيء من زادها إلا التقوى من أقلّ منها استكثر مما يؤمنه ، ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه . كم من واثق بها قد فجَعَته وذي طمأنينةٍ إِليها قد صرعته . وذي حذر قد خدعته . وكم ذي أُبّهة فيها قد صيرته حقيراً. وذي نخوة قد ردَّته جائعاً فقيراً . وكم ذي تاج قد أكبَّته لليدين والفم . سلطانها ذلُّ وعيشها رنق . وعذبها أُجاج وحلوها صبر(2). حيّها بعرض موت. وصحيحها بعرض سقم. ومنيعها بعرض اهتضام. وملكها مسلوب ، وعزيزها مغلوب، وأمنها منكوب وجارها محروب ، ومن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته، وهول المطَّلع والوقوف بين يدي الحاكم العدل﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾(3). ألستم في مساكن من كان أطول منكم أعماراً وأبين آثاراً وأعدَّ منكم وأكثف منكم جنوداً وأشد منكم عنوداً . تعبّدوا للدنيا أيَّ تعبّد ، وآثروها أيَّ إيثار . ثم ظعنوا عنها بالصغار . أفهذه تؤثرون ؟ أم على هذه تحرصون ؟ أم إليها تطمئنون ؟ يقول الله : ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾(4)فبئست الدار لمن لا يتهيبها ولم يكن فيها على وجل ، واعلموا وأنتم تعلمون - أنكم تاركوها لا بدَّ وإنما هي كما نعت الله :﴿ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾ (5)فاتعظوا فيها بالذين كانوا بكل ريع آية يعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون ، وبالذين ﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾(6)واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حُمِلوا إلى قبورهم ولا يُدعون ركباناً وأنزلوا ولا
ص: 127
يُدعَون ضيفاناً . وجُعل لهم من الضريح أكنان(1)ومن التراب أكفان . ومن الرُّفات جيران . فهم جيرةٌ لا يجيبون داعياً ولا يمنعون ضيماً . لا يزورون ولا يزارون. حلماءٌ قد بارت أضغانهم جُهَلاءُ قد ذهبت أحقادهم . لا تُخشى فجعتهم ولا يُرجى دفعهم . وهم كمن لم يكن وكما قال الله سبحانه : ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾(2). استبدلوا بظهر الأرض بطناً وبالسّعة ضيقاً وبالأهل غُربة وبالنور ظلمة . جاؤوها كما فارقوها ، حفاةً عراةً . قد ظعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة وإلى خلود أبد يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾(3).
أما بعد أيها الناس : فإنا نحمد ربّنا وإلهنا ووليَّ النعمة علينا ، ظاهرة وباطنة بغير حول منا ولا قوَّة إلا امتناناً علينا وفضلاً ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده ومن كفر عذَّبه . وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له أحداً صمداً . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والأنعام ، نعمة أنعم بها ومنّاً وفضلاً (صلی الله علیه وآله وسلم).
فأفضل الناس - أيها الناس - عند الله منزلة وأعظمهم عند الله خطراً أطوعهم لأمر الله وأعلمهم بطاعة الله وأتبعهم لسنَّة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)و أحياهم لكتاب الله فليس لأحد من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنَّة نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم). هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد نبيِّ الله وسيرته فينا ، لا يجهلها إلا جاهلٌ مخالفٌ معاندٌ عن الله عزَّ وجلَّ يقول الله :﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ (4)فمن اتقى الله فهو الشريف
ص: 128
المكرم المحب ، وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله ، يقول الله في كتابه :﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾(1)وقال :﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ .
ثم صاح بأعلى صوته : يا معاشر المهاجرين والأنصار ، ويا معاشر المسلمين أتمنّون على الله وعلى رسوله بإسلامكم ، والله ولرسوله المنُّ عليكم إن كنتم صادقين.
ثم قال : ألا إنه من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، أجرينا عليه أحكام القرآن وأقسام الإسلام ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله وإيّاكم من المتقين وأوليائه وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
ثم قال : ألا إن هذه الدُّنيا التي أصبحتم تتمنّونها وترغبون فيها وأصبحت تعظكم وترميكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ولا الذي دُعيتم إليه . ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها ، فلا يغرنكم عاجلها فقد حُّذِّرتموها ووصفت لكم وجرَّبتموها ، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها . فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي أُمرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبداً والباقية التي لا تنفد . رغبكم الله فيها ودعاكم إليها وجعل لكم الثواب فيها .
فانظروا يا معاشر المهاجرين والأنصار وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وجاهدتم عليه فيما فُضّلتم به بالحسب والنسب ؟ أم بعمل وطاعة ؟ فاستتمّوا نعمه عليكم - رحمكم الله - بالصبر لأنفسكم والمحافظة على من استحفظكم الله من كتابه . ألا وإنه لا يضركم تواضع شيء من دنياكم بعد حفظكم وصية الله والتقوى . ولا ينفعكم شيءٌ حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد تضييع ما أُمرتم به من التقوى ، فعليكم عباد الله بالتسليم لأمره والرضا بقضائه والصبر على بلائه.
فأما هذا الفيء فليس لأحد فيه على أحد أثرة(2). قد فرغ الله عزَّ وجلَّ من قسمه فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون ، وهذا كتاب الله به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا وعهد نبينا بين أظهرنا فسلّموا - رحمكم الله - فمن لم يرضَ بهذا فليتولَّ كيف
ص: 129
شاء . فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه : ﴿أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾. ﴿أولئك هم المفلحون﴾ . ونسأل الله ربنا وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته ، وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده . أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم .
لما رأت طائفة من أصحابه بصفّين ما يفعله معاوية بمن انقطع إليه وبذله لهم الأموال - والناس أصحاب دنيا - قالوا لأمير المؤمنين(عليه السلام): «أعطِ هذا المال وفضّل الأشراف ومن تخوَّف خلافه وفراقه حتى إذا استتب(1)لك ما تريد عُدت إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية والقسم بالسويَّة»
فقال : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه من أهل الإسلام والله لا أطور به ما سَمر به سمير ، وما أمَّ نجم في السماء نجماً ولو كان مالهم مالي لسوَّيت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم . ثم أزم طويلاً ساكتاً ، ثم قال : من كان له مال فإياه والفساد ، فإن إعطاءك المال في غير وجهه تبذير وإسراف وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله . ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله إلَّا حرمه شُكرهم وكان خيره لغيره . فإن بقي معه منهم مَن يُريه الوُدَّ ويُظهر له الشكر فإنما هو مَلَقٌ وكذب وإنما يقرب لينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه قبل . فإن زلّت بصاحبه النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فأشرُّ خليل وألأم خدين، مقالة جهَّال ما دام عليهم مُنعماً وهو عن ذات الله بخيل فأيُّ حظ أبور وأخسُّ من هذا الحظ ؟ ! . وأيُّ معروف أضيع وأقلُّ عائدة من هذا المعروف ؟ ! . فمن أتاه مال فليصل به القرابة وليحسن به الضيافة وليفکَّ به العاني والأسير ، وليعن به الغارمين وابن السبيل والفقراء والمهاجرين وليصبر نفسه على الثواب والحقوق فإنه يحوز بهذه الخصال شَرفاً في الدُّنيا ودرك فضائل الآخرة .
قال جابر بن عبد الله الأنصاري : كنا مع أمير المؤمنين(عليه السلام) بالبصرة فلا
ص: 130
من قتال من قاتله أشرف علينا من آخر الليل فقال : ما أنتم فيه ؟ . فقلنا : في ذمِّ الدنيا . فقال : على مَ تذمّ الدُّنيا يا جابر ؟ ! .
ثم حمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد فما بال أقوام يذمّون الدُّنيا ؟ انتحلوا الزُّهد فيها . الدُّنيا منزل صدق لمن صدَّقها ومسكن عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزوّد منها ، مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلَّى ملائكته ومسكن أحبَّائه ومتجر أوليائه ، إكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمُّ الدنيا يا جابر ؟ وقد آذنت ببينها ونادت بانقطاعها ونعت نفسها بالزوال ومثّلت ببلائها البلاء ، وشوَّقت بسرورها إلى السرور راحت بفجيعة وابتكرت(1)بنعمة وعافية ترهيباً وترغيباً ، يذمّها قومٌ عند الندامة . خدمتهم جميعاً فصدَّقتهم وذكّرتهم فذكروا ووعظتهم فاتعظوا، و خوَّفتهم فخافوا . وشوقتهم فاشتاقوا فأيّها الذامّ للدنيا المغتر بغرورها متى استذمّت إليك بل متى غرَّتك بنفسها ؟ بمصارع آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك من الثرى ؟ . كم مرَّضت بيديك وعللت بكفيك ، تستوصف لهم الدواء . وتطلب لهم الأطباء ، لم تدرك فيه طلبتك ولم تُسعف فيه بحاجتك ، بل مثّلت الدُّنيا به نَفسك وبحاله حالك غداة لا ينفعك أحباؤك ولا يغني عنك نداؤك ، حين يشتدُّ من الموت أعانين المرض وأليم لوعات المضَض ، حين لا ينفع الأليل ، ولا يدفع العويل ، يحفز بها الحيزوم ويغص بها الحلقوم ، لا يُسمعه النداء ولا يروعه الدعاء ، فيا طول الحزن عند انقطاع الأجل . ثم يُراح به على شرجع نقله أكفّ أربع ، فيضجع في قبره في لبث وضيق جدث فذهبت الجدة وانقطعت المدة ورفضته العَطفَة وقطعته اللطفة لا تقاربه الأخلاء ولا يلمّ به الزوار ولا اتسقت به الدار ، انقطع دونه الأثر واستعجم دونه الخبر(2). وبكرت ورثته فأقسمت تركته ولحقه الحوب وأحاطت به الذنوب . فإن يكن قدّم خيراً طاب مكسبه . وإن يكن قدِّم شراً تبَّ منقلبه . وكيف ينفع نفساً قرارها والموت قصارها (3)والقبر مزارها ، فكفى بهذا واعظاً.
کفی یا جابر ، إمض معي ، فمضيت معه حتى أتينا القبور ، فقال : يا أهل
ص: 131
التربة ، يا أهل الغربة أما المنازل فقد سُكنت . وأما المواريث فقد قُسمَت ، وأما الأزواج فقد نكحت . هذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم ؟ ثم أمسك عني ملياً . ثم رفع رأسه فقال : والذي أقل السماء فَعلت وسطح الأرض فَدَحت لو أُذن للقوم في الكلام . لقالوا : إنَّا وجدنا خير الزاد التقوى . ثم قال : يا جابر إذا شئت فارجع.
أتاه رجل فقال له : إن أُناساً يزعمون أن العبد لا يزني وهو مؤمنٌ . ولا يشرب الخمر وهو مؤمن . ولا يأكل الربا وهو مؤمن . ولا يسفك دماً حراماً وهو مؤمن . فقد كبر هذا عليَّ وحرج منه صدري حتى أزعم أن هذا العبد الذي يصلّي ويواريني وأواريه ، أخرجه من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه ، فقال(عليه السلام) : صدقك أخوك إني سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : خلق الله الخلق على ثلاث طبقات فأنزلهم ثلاث منازل ، فذلك قوله : ﴿ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ (1).
فأما ما ذكره الله جلّ وعزَّ من السابقين السابقين ، فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح : روح القدس وروح الإيمان وروح القوّة وروح الشهوة وروح البدن ، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين ، وبروح الإيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئاً ، وبروح القوة جاهدوا عدوّهم وعالجوا معائشهم ، وبروح الشهوة أصابوا لذيذ المطعم والمشرب ونكحوا الحلال النساء، وبروح البدن دبّوا ودرجوا ، فهؤلاء مغفورٌ لهم مصفوح عن ذنبهم . ثم قال :﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾(2). ثم قال في جماعتهم : ﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾(3)يقول : أكرمهم بها وفضلهم على سواهم فهؤلاء مغفور لهم .
ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقاً بأعيانهم فجعل فيهم أربعة أرواح :
ص: 132
روح الإيمان ،وروح القوة ،وروح الشهوة ، وروح البدن ، فلا يزال العبد مستكملاً هذه الأرواح الأربعة حتى تأتي عليه حالات ، فقال : وما هذه الحالات ؟ فقال علي(عليه السلام) أما أولهنَّ فما قال الله : ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾(1)، فهذا تنقص منه جميع الأرواح وليس بالذي يخرج من الإيمان، لأن الله الفاعل به ذلك وراده إلى أرذل العمر ، فهو لا يعرف للصّلاة وقتاً ولا يستطيع التهجّد بالليل ولا الصيام بالنهار ، فهذا نقصان من روح الإيمان وليس بضاره شيئاً إن شاء الله . وتنقص منه روح الشهوة فلو مرَّت به أصبح بنات آدم ما حنَّ إليها وتبقى فيه روح البدن فهو يدبُّ بها ويدرج حتى يأتيه الموت فهذا بحال خير ، الله الفاعل به ذلك وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه يهمُّ بالخطيئة فتشجعُه ،روح القوّة ، وتزين له روح الشهوة ، وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة ، فإذا لامسها تفصَّى من الإيمان ، وتفصَّى الإيمان منه ، فليس بعائد أبداً أو يتوب ، فإن تاب وعرف الولاية تاب الله عليه وإن عاد فهو تاركٌ للولاية أدخله الله نار جهنم.
وأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى ، يقول الله سبحانه :﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ (يعني محمداً والولاية في التوراة والإنجيل) كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ(في منازلهم)وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾(2) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح : روح القوّة ، وروح الشهوة ،وروح البدن . ثم أضافهم إلى الأنعام فقال : ﴿إنْ هُمْ إلَّا كَالأنْعَام﴾(3)لأن الدابة تحمل بروح القوّة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن . قال له السائل : «أحييت قلبي» .
وصيته(عليه السلام) لزياد بن النضر(4)حين أنفذه على مقدمته إلى صفين
إتقِ الله في كلِّ ممسى ومصبح ، وخف على نفسك الغرور ولا تأمنها على حال
ص: 133
من البلاء . واعلم أنك لم تزع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه، سمت بک الأهواء إلى كثير من الضر حتى تظعن فكن لنفسك مانعاً وازعاً عن الظلم والغيّ والبغي والعدوان . قد ولّيتك هذا الجند ، فلا تستذلنّهم ولا تستطل عليهم ، فإن خيركم أتقاكم . تعلم من عالمهم وعلّم جاهلهم واحلم عن سفيههم ، فإنك إنما تدرك الخير بالعلم وكفِّ الأذى والجهل ثم أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذره :
إعلم أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم . فإذا أنت خرجت من بلادك ودنوت من عدوِّك فلا تسأم من توجيه الطلائع في كل ناحية وفي بعض الشعاب والشجر والخمر(1)وفي كل جانب حتى لا يغيركم عدوّكم ويكون لكم كمينٌ . ولا تسيّر الكتائب والقبائل من لدن الصباح إلى المساء إلَّا تعبية ، فإن دهمكم أمر أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدَّمتم في التعبية . وإذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في أقبال الأشراف أو في سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كي ما تكون لكم ردءاً ودونكم مردّاً . ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد واثنين . واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال(2)وبأعلى الأشراف وبمناكب الأنهار ، يرقبون لكم لئلا يأتيكم عدوٌّ من مکان مخافة أو أمن . وإذا نزلتم فانزلوا جميعاً . وإذا رحلتم فارحلوا جميعاً . وإذا غشيكم الليل فنزلتم فحفّوا عسكركم بالرماح والترسة ، واجعلوا رماتكم يلوون ترستكم كيلا تُصاب لكم غِرّة ، ولا تلقى لكم غفلة . وأحرس عسكرك بنفسك ، وإياك أن ترقد أو تصبح إلَّا غراراً أو مضمضة(3). ثم ليكن ذلك شأنك ودأبك حتى تنتهي إلى عدوّك وعليك بالتأني في حربك. وإياك والعجلة إلا أن تمكنك فرصة(4). وإياك أن تقاتل إلَّا أن يبدأوك أو يأتيك أمري ، والسَّلام عليك ورحمة الله .
قال له سليم بن قيس : إني سمعت سلمان وأبا ذرّ والمقداد يتحدثون بأشياء من
ص: 134
تفسير القرآن والأحاديث والروايات عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ثم سمعت منك تصديق ذلك ورأيتُ في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن والأحاديث والروايات عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) يخالفونها فيكذب الناس متعمدين ويفسِّرون القرآن بآرائهم ؟ فقال أمير المؤمنين(عليه السلام)قد سألت فافهم الجواب ، إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً ومحكماً ومتشابها وحفظاً ووهماً ؛ وقد كذب على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في حياته كذباً كثيراً حتى قام خطيباً فقال: «أيها الناس قد كثر عليّ
الكذابة ، فمن كذب علي متعمداً فليتبوّء مقعده من النار» ، وكذلك كذب عليه بعده .
إنما أتاك بالحديث أربعة ليس لهم خامس :
رجلٌ منافق يظهر الإيمان مُتصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) متعمداً ، ولو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يُصدقوه ، ولكنهم قالوا : قد صحب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ورآه وسَمع منه ، فأخذوا منه وهم لا يعرفون حاله . وقد أخبر الله جلّ وعزّ عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بأحسن الهيئة فقال : ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ (1)ثم تفرقوا من بعده وبقوا واختلفوا وتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب فولوهم الأعمال والأحكام والقضاء ، وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا(2). وقد علمت أن الناس مع الملوك أتباع الدنيا وهي غايتهم التي يطلبون إلَّا
ص: 135
من عصم الله فهذا أحد الأربعة .
والثاني : رجل سمع [من] رسول الله شيئاً ووهِم فيه ولم يحفظه على وجهه ولم يتعمد كذباً ، فهو في يده يعمل به ويقول : أنا سمعته من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ولو علم الناس أنه وهم لم يقبلوه ، ولو علم هو أنه وهم لرفضه ولم يعمل به فهذا الثاني .
والثالث : رجل سمع من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أشياء أمر بها ثم نهى عنها وهو لم يعلم النهي ، أو نهى عن شيء ثم أمر به ولم يعلم الأمر ، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ، فلو علم الناس أنه منسوخ لرفضه الناس ورفضه هو ، فهذا الرجل الثالث.
والرابع : رجل لم يكذب على الله وعلى رسوله : يبغض الكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم) ولم يتوهم ولم ينسَ ، بل حفظ ما سمع فجاء به على وجهه لم يزد فيه ولم ينقص ، حفظ الناسخ وعمل به والمنسوخ ورفضه . فإن أمر الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه ، يكون من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) الأمر له وجهان : عام وكلام خاص مثل القرآن ، وقد قال الله جلَّ وعزّ : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾(1)فكان يسمع قوله من لم يعرفه ومن لم يعلم ما عنى الله به ورسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) ويحفظ ولم يفهم . وليس كل أصحاب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كان يسأله عن الشيء ويستفهمه . كان منهم من لا يسأل ولا يستفهم حتى لقد كانوا يحبون أن يجي الأعرابي أو الطاري أو الذِّمي فيسأل حتى يسمعوا ويفهموا .
ولقد كنتُ أنا أدخل كل يوم دخلة فيخليني معه أدور فيها معه حيثما دار علم ذلك أصحابه أنه لم يصنع ذلك بأحد غيري ، ولربما أتاني في بيتي وإذا دخلت عليه منازله أخلاني وأقام نساءه فلا يبقى أحدٌ عنده غيري ، كنت إذا سألت أجابني ، وإذا سكتُّ وفنيت مسائلي ابتدأني وما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا ولا آخرة ، ولا جنّة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلَّا أقرأنيها وأملأها عليَّ فكتبتها بيدي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها
ص: 136
وخاصها وعامها وأين نزلت وفيم نزلت إلى يوم القيامة .
قال كميل بن زياد : سألت أمير المؤمنين(عليه السلام)عن قواعد الإسلام ما هي؟
فقال : قواعد الإسلام سبعة :
فأولها : العقل وعليه بني الصبر .
والثانية : صون العرض وصدق اللهجة .
والثالثة : تلاوة القرآن على جهته.
والرابعة : الحبُّ في الله والبغض في الله.
والخامسة : حق آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) ومعرفة ولايتهم
والسادسة : حقٌ الإخوان والمحاماة عليهم .
والسابعة : مجاورة الناس بالحسنى .
قلت : يا أمير المؤمنين العبد يصيب الذنب فيستغفر الله منه ، فما حدُّ الإستغفار ؟ .
قال : يا ابن زياد التوبة . قلت : بس ؟ قال لا . قلت : فكيف ؟ قال : إن العبد إذا أصاب ذنباً يقول : أستغفر الله بالتحريك . قلت : وما التحريك قال : الشفتان واللسان ، يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة ، قلت : وما الحقيقة ؟ قال : تصديق في القلب وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه . قال كميل : فإذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين؟ قال : لا . قال كميل : فكيف ذاك ؟ قال : لأنك لم تبلغ إلى الأصل بعد . قال كميل : فأصل الإستغفار ما هو ؟ قال : الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه وهي أول درجة العابدين وترك الذنب والاستغفار اسم واقع لمعانٍ ستّ : أولها : الندم على ما مضى . والثاني : العزم على ترك العود أبداً . والثالث : أن تؤدّي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم . والرابع : أن تؤدّي حق الله
ص: 137
في كل فرض . والخامس : أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام حتى الجلد إلى عظمه ثم تنشأ فيما بينهما لحماً جديداً . والسادس : أن تذيق البدن يرجع ألم الطاعات ، كما أذقته لذات المعاصي .
هذا ما أوصى به عليُّ علي بن أبي طالب . أوصى المؤمنين بشهادة أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وصلّى الله على محمد وسلّم، ثم ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين .
ثم إني أُوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم ولا تموتنَّ إلَّا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا ، فإني سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصَّلاة والصوم ، وإن المبيرة وهي الحالقة للدين فساد ذات البين ، ولا قوة إلَّا بالله. انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهوِّن الله عليكم الحساب».
الله الله : في الأيتام لا يضيّعوا بحضرتكم ، فقد سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)یقول : «من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنّة ، كما أوجب لأكل مال اليتيم النار» .
الله الله : في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم .
الله الله : في جيرانكم ، فإن رسول الله ما أوصى بهم ،ما زال يوصي بهم حتى ظنَّنا أنه سيورثهم.
الله الله : في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم ، فإنه إن تُرك لم تناظروا . وأدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف.
الله الله : في الصَّلاة فإنها خير العمل ، إنها عماد دينكم .
ص: 138
الله الله : في الزكاة فإنها تطفيء غضب ربكم .
الله الله : في صيام شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار .
الله الله : في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معائشكم .
الله الله : في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ، فإنما يجاهد رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه .
الله الله : في ذرية نبيكم ، لا تظلمنَّ بين أظهركم وأنتم تقدرون على المنع عنهم .
الله الله : في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثاً ولم يأووا محدثاً ، فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدثين.
الله الله : في النساء وما ملكت أيمانكم ، فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال : «أُوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم» .
الصَّلاة ، الصَّلاة ، الصَّلاة : لا تخافوا في الله لومة لائم ، يكفكم من أرادكم وبغى عليكم . قولوا للناس حسناً كما أمركم الله ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولِّي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم .
عليكم يا بنيَّ بالتواصل والتباذل والتبادر وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرُّق ، وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب ، وحفظكم الله من أهل بيت وحفظ نبيكم فيكم ، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته . ثم لم يزل يقول لا إله إلَّا الله حتى مضى .
أيها الناس : اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به . وأن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال أنَّ المال مقسومٌ بينكم ، مضمونٌ لكم ، قد قسمه عادلٌ بينكم وضمنه سيفي لكم به، والعلم مخزون عليكم عند أهله قد أُمرتم بطلبه منهم ، فاطلبوه واعلموا أن كثرة المال مفسدة للدين مقساة للقلوب ،وأن كثرة العلم والعمل به مصلحة للدين ، سببٌ إلى الجنة . والنفقات تنقص المال ، والعلم يزكو على إنفاقه، فإنفاقه بثُّه إلى حفظته ورواته . واعلموا أن صحبة العلم واتباعه دينٌ يدان الله به .
ص: 139
وطاعته مكسبة للحسنات ممحاة للسيئات وذخيرة للمؤمنين ورفعة في حياتهم وجميل الأحدوثة عنهم بعد موتهم(1). وأن العلم ذو فضائل كثيرة فرأسه التواضع . وعينه البراءة من الحسد . واُذنه الفهم .. ولسانه الصدق . وحفظه الفحص . وقلبه حسن النية . وعقله معرفة الأسباب بالأُمور . ويده الرحمة . وهمته السلامة . ورجله زيارة العلماء . وحكمته الورع . ومستقرّه النجاة. وقائده العافية . ومركبه الوفاء . وسلاحه لين الكلام . وسيفه الرضى . وقوسه المداراة . وجيشه محاورة العلماء . وماله الأدب. وذخيرته اجتناب الذنوب . وزاده المعروف . ومأواه الموادعة(2). ودليله الهدى . ورفيقه صحبة الأخيار .
قال(عليه السلام): من كنوز الجنة البرُّ وإخفاء العمل والصبر على الرزايا وكتمان المصائب .
وقال (عليه السلام) : حسن الخلق خير قرين، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه .
وقال(عليه السلام): الزاهد في الدُّنيا من لم يغلب الحرام صبره ولم يشغل الحلال شکره.
وكتب إلى عبد الله بن عباس : أما بعد فإن المرء يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه ، فليكن سرورك بما نلته من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها . وما نلته من الدنيا فلا تكثرنَّ به فرحاً ، وما فاتك منها فلا تأسفنَّ عليه حزناً . وليكن همك فيما بعد الموت .
وقال ما في ذم الدنيا : أولها عناء وآخرها فناء ، في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب . من صحَّ فيها أمن. ومن مرض فيها ندم . من استغنى فيها فُتن، ومن افتقر فيها حزن. من ساعاها فاتته ، ومن قعد عنها أتته . ومن نظر إليها أعمته، ومن أبصر بها بصَّرته .
ص: 140
وقال(عليه السلام): أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يعصيك يوماً ما(1). وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .
وقال(عليه السلام) : لا غنى مثل العقل . ولا فقر أشدُّ من الجهل.
وقال(عليه السلام): قيمة كلُّ امرىء ما يُحسن .
وقال(عليه السلام): قرنت الهيبة(2)بالخيبة . والحياء بالحرمان . والحكمة ضالّة المؤمن فليطلبها ولو في أيدي أهل الشر .
وقال(عليه السلام): لو أن حملة العلم حملوه بحقه لأحبهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه . ولكنهم حملوه لطلب الدنيا . فمقتهم الله وهانوا على الناس .
وقال(عليه السلام): أفضل العبادة الصبر والصمت وانتظار الفرج .
وقال (عليه السلام): إن للنكبات غايات لا بدَّ أن تنتهي إليها فإذا حكم على أحدكم بها فليطأطىء لها ويصبر حتى تجوز ، فإن إعمال الحيلة فيها عند إقبالها زائد في مكروهها .
وقال(عليه السلام) للأشتر : يا مالك احفظ عني هذا الكلام وعه . يا مالك بخس مروَّته من ضعف يقينه . وأزرى بنفسه من استشعر الطمع . ورضي (ب) -الذل من كشف (عن) ضرّه . وهانت عليه نفسه من أطلع على سره . وأهلكها من أمرّ عليه لسانه الشره جزَّار الخطر . من أهوى إلى متفاوت خذلته الرغبة . البخل عارٌ . والجبن منقصة . والورع جنة . والشكر ثروة . والصبر شجاعة . والمُقل غريب في بلده. والفقر يخرس الفطن عن حجته . ونعم القرين الرضى . الأدب حُلل جدد . ومرتبة الرجل عقله وصدره خزانة سرِّه . والتثبت حزم . والفكر مرآة صافية . والحلم سجية فاضلة . والصدقة دواء منجح . وأعمال القوم في عاجهلم نصبُ أعينهم في أجلهم. والاعتبار تدبر صلح . والبشاشة فخّ المودَّة .
وقال(عليه السلام) : الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد ، فمن لا صبر له ، لا إيمان له .
ص: 141
وقال(عليه السلام): أنتم في مهل من ورائه أجلٌ ومعكم أمل يعترض دون العمل فاغتنموا المهل وبادروا الأجل ، وكذَّبوا الأمل وتزودوا من العمل، هل من خلاص أو مناص أو فرار ، أو مجاز ، أو معاذ ، أو ملاذ أولا ، فأَنَّى تؤفكون ؟
وقال(عليه السلام): أُوصيكم بتقوى الله ، فإنها غبطة للطالب الراجي وثقة للهارب اللاجي استشعروا التقوى شعاراً باطناً . واذكروا الله ذكراً خالصاً تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طرق النجاة . وانظروا إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق . فإنها تزيل الثاوي الساكن(1). وتُفجع المُترف الآمن . لا يرجى منها ما ولَّى فأدبر . ولا يدرى ما هو آت منها فيستنظر . وصل الرخاءُ منها بالبلاء . والبقاء منها إلى الفناء . سرورها مشوب بالحزن والبقاء منها إلى الضعف والوهن .
وقال(عليه السلام): إن الخيلاء من التجبُّر والتجبُّر من النخوة والنخوة من التكبّر . وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل . إن المسلم أخ المسلم فلا تخاذلوا ولا تنابزوا فإن شرائع الدين واحدة وسُبله قاصدة ، فمن أخذ بها لحق ومن فارقها محق . ومن تركها مرق . ليس المسلم بالكذوب إذا نطق . ولا بالمخلف إذا وعد . ولا بالخائن إذا آئتُمن .
وقال (عليه السلام) : العقل خليل المؤمن . والحلم وزيره . والرفق والده . واللين أخوه . ولا بدَّ للعاقل من ثلاث : أن ينظر في شأنه ويحفظ لسانه ويعرف زمانه ، ألا وإن من البلاء الفاقة وأشدُّ من الفاقة مرض البدن ، وأشدُّ من مرض البدن مرض القلب ، ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن ، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب .
وقال(عليه السلام) : إن للمؤمن ثلاث ساعات : فساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلّي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحلّ ويجمل ، وليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث : مرمة لمعاشه، وخطوة لمعاده ، أو لذة في غير محرم .
وقال(عليه السلام): كم مستدرج بالإحسان إليه ، وكم من مغرور بالستر عليه ، وكم
ص: 142
من مفتون بحسن القول فيه ، وما ابتلى الله عبداً بمثل الإملاء له . قال الله عزَّ وجلَّ :﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ﴾ (1)
وقال(عليه السلام): ليجتمع في قلبك الإفتقار إلى الناس والاستغناء عنهم ،يكون افتقارك إليهم في لين كلامك ؛ وحُسن بشرك ، ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزِّك.
وقال(عليه السلام): لا تغضبوا . ولا تُغضبوا . افشوا السلام . وأطيبوا الكلام .
وقال(عليه السلام): الكريم يلين إذا استعطف ؛ واللئيم يقسو إذا ألطف.
وقال(عليه السلام): ألا أُخبركم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يرخّص الناس في معاصي الله ولم يقنطهم من رحمة الله ، ولم يؤمنهم من مكر الله ، ولم يدع القرآن رغبةً عنه إلى ما سواه ، ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه . ولا خير في علم ليس فيه تفكّر ، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر.
وقال(عليه السلام): إن الله إذا جمع الناس نادى فيهم منادٍ أيها الناس إن أقربكم اليوم من الله أشدُّكم منه خوفاً ، وإن أحبكم إلى الله أحسنكم له عملاً، وإن أفضلكم عنده منصباً أعملكم فيما عنده رغبة ، وإن أكرمكم عليه أتقاكم .
وقال(عليه السلام): عجبتُ لأقوام يحتمون الطعام مخافة الأذى ، كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار . وعجبتُ ممن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه فيملكهم . ثم قال : إن الخير والشر لا يعرفان إلا بالناس، فإذا أردت أن تعرف الخير فاعمل الخير تعرف أهله. وإذا أردت أن تعرف الشر فاعمل الشر تعرف أهله .
وقال(عليه السلام) : إنما أخشى عليكم إثنتين : طول الأمل واتباع الهوى ، أمّا طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى ، فإنه يصدُّ عن الحق . وسأله رجلٌ بالبصرة عن الإخوان فقال : الإخوان صنفان : إخوان الثقة وإخوان المكاشرة(2)، فأما إخوان
ص: 143
الثقة فهم الكهف والجناح ، والأهل والمال فإن كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافاه، وعاد من عاداه ، واكتم سرَّه وعيبه وأظهر منه الحسن. إعلم أيها السائل أنهم أقلُّ من الكبريت الأحمر ، وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك ، فلا تقطعنَّ منهم لذتك ، ولا تطلبنَّ ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا من طلاقة الوجه ، وحلاوة اللسان .
وقال(عليه السلام): لا تتخذنَّ عدو صديقك صديقاً فتعدي صديقك.
وقال(عليه السلام) لا تصرم أخاك على ارتياب ، ولا تقطعه دون استعتاب.
وقال(عليه السلام): ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة : الفاجر ، والأحمق . والكذاب ، فأما الفاجر فيزيّن لك فعله ويحبُّ أنك مثله ، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك ، فمقارنته جفاء وقسوة ، ومدخله عار عليك . وأما الأحمق فإنه لا يُشير عليك بخير ولا يرجه لصرف السوء عنك ولو جَهد نفسه ، وربما أراد نفعك فضرَّك . فموته خير من حياته ، وسكوته خير من نطقه ، وبعده خير من قربه . وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ، ينقُل حديثك وينقل إليك الحديث . كلما أفنى أُحدوثة مطاها بأُخرى مثلها حتى أنه يُحدِّث بالصدق فلا يصدق ، يغري بين الناس بالعداوة فيبث الشحناء في الصدور . فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم .
وقال(عليه السلام): لا عليك أن تصحب ذا العقل وإن لم تجد كرمه ، ولكن انتفع بعقله ، واحترس من سيىء أخلاقه ، ولا تدعنَّ صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله، ولكن انتفع بكرمه بعقلك ، وافرر الفرار كله من اللئيم الأحمق .
وقال(عليه السلام) : الصبر ثلاثة : الصبر على المصيبة ، والصبر على الطاعة ، والصبر عن المعصية .
وقال(عليه السلام): من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينزل به مكروه أبداً ، قيل : وما هنَّ ؟ قال : العجلة واللجاجة والعجب والتواني.
وقال(عليه السلام): الأعمال ثلاثة : فرائض وفضائل ومعاصي . فأما الفرائض فبأمر الله ومشيئته وبرضاه وبعلمه وقدره يعملها العبد فينجو من الله بها . وأما الفضائل فليس بأمر الله لكن بمشيئته وبرضاه وبعلمه وبقدره يعملها العبد فيثاب عليها . وأما المعاصي فليس بأمر الله ولا بمشيئته ولا برضاه ، لكن بعلمه وبقدره يقدِّرها لوقتها فيفعلها العبد
ص: 144
باختياره فيعاقبه الله عليها ، لأنه قد نهاه عنها فلم ينته.
وقال(عليه السلام): يا أيها الناس إن الله في كل نعمة حقاً ، فمن أدَّاه زاده ، ومن قصَّر عنه خاطر بزوال النعمة وتعجّل العقوبة ، فليراكم الله من النعمة وجلين ، كما يراكم من الذنوب فرقين .
وقال(عليه السلام): من ضيِّق عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك حسن نظر من الله[له] فقد ضيع مأمولاً ، ومن وسع ، ومن وسع عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك استدراج من الله فقد أمن مخوفاً .
وقال(عليه السلام): يا أيها الناس : سلوا الله اليقين ، وارغبوا إليه في العافية ، فإن أجلَّ النعم العافية ، وخير ما دام في القلب اليقين ، والمغبون من غبن دينه ، والمغبوط من حسن يقينه .
وقال(عليه السلام): لا يجد رجل طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
السلام
وقال(عليه السلام): ما ابتلي المؤمن بشيء هو أشدُّ عليه من خصال ثلاث يحرمها ، قيل : وما هنَّ ؟ قال : المواساة في ذات يده ، والإنصاف من نفسه وذكر الله كثيراً . أما إني لا أقول لكم : سبحان الله والحمد لله ، ولكن ذكر الله عند ما أحلَّ له ، وذكر الله عند ما حرَّم عليه .
وقال(عليه السلام): من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيه يكفيه ، ومن لم يرضَ من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شيء يكفيه.
وقال(عليه السلام): المنيَّة لا الدنيَّة ، والتجلد لا التبلّد، والدهر يومان : فيوم لك ويوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فلا تحزن فبكليهما ستختبر .
وقال(عليه السلام) : أفضل على من شئت يكن أسيرك .
وقال(عليه السلام): ليس من أخلاق المؤمن الملق ، ولا الحسد إلا في طلب العلم .
وقال(عليه السلام): أركان الكفر أربعة : الرغبة ، والرهبة ، والسخط ، والغضب .
وقال(عليه السلام): الصبر مفتاح الدرك ، والنجح عقبى من صبر ، ولكل طالب حاجة وقت يحركه القدر .
ص: 145
وقال(عليه السلام): اللسان معيار أطاشه الجهل ، وأرجحه العقل .
وقال(عليه السلام): من طلب شفاء غيظ بغير حق أذاقه الله هواناً بحق . إن الله عدو ما کره.
وقال(عليه السلام): ما حار من استخار ، ولا ندم من استشار.
وقال(عليه السلام): عمرت البلدان بحب الأوطان .
وقال(عليه السلام): ثلاث من حافظ عليها سعد : إذا ظهرت عليك نعمة فاحمد الله وإذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله ، وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول : «لا حول ولا قوة إلا بالله» .
وقال(عليه السلام): العلم ثلاثة : الفقه للأديان ، والطب للأبدان ، والنحو للسان.
وقال(عليه السلام): حقُّ الله في العسر الرضى والصبر ، وحقه في اليسر الحمد والشكر .
وقال (عليه السلام): ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة . وكم من شهوة ساعة قد أورثت حزناً طويلاً . والموت فضح الدنيا ، فلم يترك لذي لبّ فيها فرحاً ، ولا لعاقل لذة .
وقال(عليه السلام): العلم قائد ، والعلم سائق ، والنفس حرون(1).
وقال(عليه السلام): كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى الثلاث خرج يقتبس لأهله ناراً فكلمه الله ورجع نبياً . وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان(عليه السلام). وخرجت سَحرة فرعون يطلبون العز لفرعون ، فرجعوا مؤمنين .
وقال(عليه السلام): الناس بأُمرائهم أشبه منهم بآبائهم .
وقال(عليه السلام): أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه . الناس أبناء ما يحسنون وقدر كل امرء ما يُحسن فتكلموا في العلم تبيّن أقداركم .
وقال(عليه السلام): رحم الله امرءاً راغب ربه وتوكف ذنبه ، وكابر هواه وكذب مناه . زمَّ
ص: 146
نفسه من التقوى بزمام وألجمها من خشية ربها بلجام ، فقادها إلى الطاعة بزمامها. وقدعها عن المعصية بلجامها ، رافعاً إلى المعاد طرفه ، متوقعاً في كل أوان حتفه ، دائم الفكر ، طويل السهر ، عزوفاً عن الدنيا ، كدوحاً لآخرته ، جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدّة وفاته ودواء [داء] جواه فاعتبر وقاس فوتر الدنيا والناس يتعلم للتفقه والسداد ، قد وقر قلبه ذكر المعاد ، فطوى مهاده ، وهجر وساده ، قد عظمت فيما عند الله رغبته ، واشتدت منه رهبته، يظهر دون ما يكتم ، ويكتفي بأقل مما يعلم ، أولئك ودائع الله في بلاده، المدفوع بهم عن عباده ، لو أقسم أحدهم على الله لأبرَّه ، آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .
وقال(عليه السلام): وكل الرزق بالحمق ، ووكل الحرمان بالعقل ، ووكل البلاء بالصبر.
وقال(عليه السلام): للأشعث(1)يعزيه بأخيه عبد الرحمن : إن جزعت فحقّ عبد الرحمن وفيت ، وإن صبرت فحقّ الله أدَّيت ، على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت محمودٌ ، وإِن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذمومٌ . فقال الأشعث : إنا لله وإنا إليه راجعون . فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): أتدري ما تأويلها؟ . فقال الأشعث : لأنت غاية العلم ومنتهاه، فقال(عليه السلام): أما قولك :«إنا لله» فإقرار منك بالملك. وأما قولك : «وإنا إليه راجعون» ، فإقرار منك بالهلك.
وركب يوماً فمشى معه قوم فقال(عليه السلام) لهم : أما علمتم أن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ، ومذلة للماشي ، انصرفوا .
وقال(عليه السلام): الأُمور ثلاثة : أمر بان لك رشده فاتبعه ، وأمرٌ بان لك غيّه.
ص: 147
فاجتنبه ، وأمر أشكل عليك فرددته إلى عالمه .
وقال له جابر يوماً : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ فقال(عليه السلام): أصبحنا وبنا من نعم الله ربنا ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه ، فلا ندري ما نشكر أجميل ما ينشر ، أم قبيح ما يستر .
وعزى عبد الله بن عباس عن مولود صغير مات له فقال(عليه السلام): لمصيبة في غيرك لك أجرها أحبُّ إليَّ من مصيبة فيك لغيرك ثوابها، فكان لك الأجر لا بك ، وحسن لك العزاء لا عنك ، وعوَّضك الله عنه مثل الذي عوَّضه منك.
وقيل(عليه السلام): ما التوبة النصوح ؟ . فقال(عليه السلام): ندم بالقلب واستغفار باللسان والقصد على أن لا يعود.
وقال(عليه السلام): إنكم مخلوقون اقتداراً ومربوبون اقتساراً ، ومضمنون أجداثاً ، وكائنون رفاتاً ، ومبعوثون أفراداً، ومدينون حساباً ، فرحم الله عبداً اقترف فاعترف ووجل فعمل ، وحاذر فبادر . وعمَّر فاعتبر ، وحذَّر فازدجر ، وأجاب فأناب ، وراجع فتاب ، واقتدى فاحتذى ، فباحث طلباً ، ونجا هرباً ، وأفاد ذخيرة ، وأطاب سريرة ، وتأهَّب للمعاد ، واستظهر بالزاد ليوم رحيله ، ووجه سبيله وحال حاجته وموطن فاقته ، فقدَّم أمامه لداء مقامه ، فمهدوا لأنفسكم ، فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني الهرم وأهل بضاضة الصحة(1)إلا نوازل السقم ، وأهل مدَّة البقاء إلا مفاجأة الفناء واقتراف الفوت ، ودنوَّ الموت .
وقال(عليه السلام): اتقوا الله تقية من شمَّر تجريداً ووحّد تشميراً وانكمش في مهل ، وأشفق في وجل(2)ونظر في كثرة المال وعاقبة الصبر ومغبة المرجع ، فكفى بالله منتقماً ونصيراً ، وكفى بالجنة ثواباً ونوالاً ، وكفى بالنار عقاباً ونكالاً ، وكفى بكتاب الله حجيجاً وخصيماً .
وسأله رجلٌ عن السنَّة والبدعة والفرقة والجماعة . فقال(عليه السلام): أما السنَّة فسنّة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من ذلك ؛ وأما البدعة فما خالفها . وأما الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا وأما
ص: 148
الجماعة فأهل الحق وإن قلَّوا ، وقال(عليه السلام): «لا يرجو العبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه ، ولا يستحيي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
وقال له رجلٌ : أوصني . فقال(عليه السلام): أوصيك أن لا يكوننَّ لعمل الخير عندك غاية في الكثرة ولا لعمل الإثم عندك غاية في القلة.
وقال له آخر : أوصني ، فقال(عليه السلام): لا تحدِّث نفسك بفقر ولا طول عمر.
وقال(عليه السلام): إن لأهل الدين علامات يعرفون بها : صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاء بالعهد وصلة للأرحام ورحمة للضعفاء وقلة مواتاة للنساء وبذل المعروف وحُسن الخُلق وسعة الحلم واتباع العلم وما يقرِّب من الله زلفى ، فطوبى لهم وحسن مآب .
وقال(عليه السلام): ما أطال [ ال] -عبد الأمل إلا أنسا [ه] العمل .
وقال(عليه السلام): ابن آدم أشبه شيء بالمعيار ، إما ناقص بجهل أو راجحٌ بعلم .
وقال(عليه السلام): سِباب المؤمن فسق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه.
وقال(عليه السلام): ابذل لأخيك دمك ومالك ، ولعدوِّك عدلك وإنصافك ، وللعامة بشرك وإحسانك تسلّم على الناس يُسلموا عليك .
وقال(عليه السلام): سادة النّاس في الدنيا الأسخياء ، وفي الآخرة الأتقياء .
وقال(عليه السلام): الشيء شيئان ، فشيء لم أُرزقه فيما مضى ولا آمله فيما بقي ، وشيءٌ لا أناله دون وقته ، ولو أجلبت عليه بقوَّة السماوات والأرض ، فبأيِّ هذين افني عمري .
وقال(عليه السلام): إن المؤمن إذا نظر اعتبر . وإذا سكت تفكَّر . وإذا تكلم ذكر. وإذا استغنى شكر . وإذا أصابته شدَّةٌ صبر ، فهو قريب الرضى ، بعيد السخط ، يرضيه عن الله اليسير ولا يسخطه الكثير ، ولا يبلغ بنيته إرادته في الخير ، ينوي كثيراً من الخير ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به .والمنافق إذا نظر لها وإذا سكت سها ، وإذا تكلم لغا ، وإذا استغنى طغا ، وإذا أصابته شدة ضغا ، فهو قريب السخط بعيد الرضى ، يسخطه على الله اليسير ولا يرضيه
ص: 149
الكثير ، ينوي كثيراً من الشر ويعمل بطائفة منه ويتلهف على ما فاته من الشر كيف لم يعمل به .
وقال(عليه السلام): الدنيا والآخرة عدوَّان متعاديان وسبيلان مختلفان ، من أحبَّ الدنيا ووالاها أبغض الآخرة وعاداها ، مثلهمِا مثل المشرق والمغرب والماشي بينهما لا يزداد من أحدهما قرباً إلا ازداد من الآخر بعداً .
وقال(عليه السلام) من خاف الوعيد قرب عليه البعيد. ومن كان من قوت الدنيا لا يشبع لم يكفه منها ما يجمع . ومن سعى للدنيا فاتته . ومن قعد عنها أتته ، إنما الدنيا ظل ممدودٌ إلى أجل معدود . رحم الله عبداً سمع حكماً فوعى ، ودعي إلى الرشد فدنا ، وأخذ بحجزة ناج هاد فنجا ، قدِّم صالحاً وعمل صالحاً [قدَّم] مذخوراً واجتنب محذوراً ، رمى غرضاً [ وقدّم عوضاً] ، كابر هواه وكذَّب مناه ، جعل الصبر مطيّة نجاته ، والتقوى عدة وفاته، لزم الطريقة الغراء والمحجة البيضاء واغتنم المهل، وبادر الأجل ، وتزوَّد من العمل .
وقال(عليه السلام)الرجل : كيف أنتم ؟ . فقال : نرجو ونخاف ، فقال(عليه السلام): من رجا شيئاً طلبه ، ومن خاف شيئاً هرب منه ، ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما خوف منه ، وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو.
وقال(عليه السلام): لعَباية بن ربعي(1)، وقد سأله عن الإستطاعة التي نقوم ونقعد ونفعل : إنك سألت عن الإستطاعة فهل تملكها من دون الله ، أو مع الله ، فسكت عباية ، فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): إن قلت : تملكها مع الله قتلتك وإن قلت : تملكها دون الله قتلتك ، [ف] -قال عباية : فما أقول ؟ قال(عليه السلام) تقول : إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن ملكك إياها كان ذلك من عطائه ، وإن سلبكها كان
ذلك من بلائه ، فهو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك .
قال الأصبغ بن نباتة(2): سمعت أمير المؤمنين(عليه السلام)يقول : أُحدّثكم بحديث
ص: 150
ينبغي لكل مسلم أن يعيه ، ثم أقبل علينا ، فقال(عليه السلام): ما عاقب الله عبداً مؤمناً هذه الدنيا إلّا كان أجود وأمجد من أن يعود في عقابه يوم القيامة . ولا ستر الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إلَّا كان أمجد وأجود وأكرم من أن يعود في عفوه يوم القيامة ، ثم قال(عليه السلام): وقد يبتلي الله المؤمن بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله وتلا هذه الآية :﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾(1)وضم يده ثلاث مرّات، وهو يقول :﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ .
وقال(عليه السلام): أول القطيعة السجا . ولا تأس أحداً إذا كان ملولاً(2). أقبح المكافات المجازاة بالإساءة .
وقال(عليه السلام): أول إعجاب المرء بنفسه فساد عقله . من غلب لسانه أمنه . من لم يصلح خلائقه كثرت بوائقه . من ساء خلقه مله أهله . ربَّ كلمة سلبت نعمة الشكر عصمةٌ من الفتنة . الصيانة رأس المروَّة . شفيع المذنب خضوعه . أصل الحزم الوقوف عند الشبهة . في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق .
وقال(عليه السلام): المصائب بالسوية مقسومة بين البرية. لا تيأس لذنبك وباب التوبة مفتوحٌ . الرشد في خلاف الشهوة . تأريخ المنى الموت . النظر إلى البخيل يقسي القلب . النظر إلى الأحمق يسخن العين . السخاء فطنة واللؤم تغافل.
وقال(عليه السلام): الفقر الموت الأكبر . وقلّة العيال أحد اليسارين وهو نصف العيش . والهم نصف الهرم . وما عال امرؤ اقتصد . وما عطب امرؤ استشار. والصنيعة لا تصلح إلَّا عند ذي حسب أو دين . والسعيد من وعظ بغيره . والمغبون لا محمود ولا مأجور . البر لا يبلى . والذنب لا ينسى.
ص: 151
وقال (عليه السلام): اصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد. واستشعروا الحمد يؤنس بكم [ العقلاء] . ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء . وأكرموا الجليس تعمر ناديكم . وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم . وأنصفوا الناس من أنفسكم يوثق بكم . وعليكم بمكارم الأخلاق فإنها رفعة . وإياكم والأخلاق الدنية فإنها تضع الشريف وتهدم المجد . وقال(عليه السلام): اقنع تُعزّ .
وقال(عليه السلام): الصبر جُنة من الفاقة . والحرص علامة الفقر . والتجمّل اجتناب المسكنة . والموعظة كهف لمن لجأ إليها.
وقال(عليه السلام): من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه .
وقال(عليه السلام): لا عيش الحسود . ولا مودَّة لملوك . ولا مروة لكذوب .
وقال(عليه السلام): تروَّح إلى بقاء عزك بالوحدة .
وقال(عليه السلام): كل عزيز داخل تحت القدرة فذليلٌ.
وقال(عليه السلام): أهلك الناس اثنان : خوف الفقر وطلب الفخر .
وقال(عليه السلام): أيها الناس إياكم وحب الدنيا فإنها رأس كل خطيئة وباب كل بلية ، وقرآن كل فتنة ، وداعي كل رزيّة.
وقال(عليه السلام): جماع الخير كله في ثلاث خصال : النظر ، والسكوت ، والكلام فكلُّ نظر ليس فيه اعتبارٌ فهو سهو . وكلُّ سكوت ليس فيه فكرةٌ فهو غفلة . وكلٌّ كلام ليس فيه ذكرٌ فهو لغوٌ ، فطوبى لمن كان نظره عبرة ، وسكوته فكرة ، وكلامه ذكراً وبكى على خطيئته ، وأمن الناس من شره .
وقال(عليه السلام): ما أعجب هذا الإنسان مسرورٌ بدرك ما لم يكن ليفوته ، محزونٌ على فوت ما لم يكن ليدركه ، ولو أنه فكر لأبصر وعلم أنه مدبّر وأن الرزق عليه مقدر ولاقتصر على ما تيسر ولم يتعرض لما تعسّر .
وقال(عليه السلام): إذا طاف في الأسواق ووعظهم قال : يا معشر التجار قدّموا الإستخارة وتبرَّكوا بالسهولة واقتربوا من المبتاعين ، وتزينوا بالحلم وتناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب وتجافوا عن الظلم ، وأنصفوا المظلومين ولا تقربوا الربا وأوفوا الكيل والميزان ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين.
ص: 152
وسئل أيُّ شيء مما خلق الله أحسن ؟ فقال(عليه السلام): الكلام . فقيل : أيُّ شيء مما خلق الله أقبح ؟ قال : الكلام ، ثم قال : بالكلام ابيضَّت الوجوه ، وبالكلام اسودَّت الوجوه .
وقال(عليه السلام): قولوا الخير تعرفوا [به] واعملوا به تكونوا من أهله.
وقال(عليه السلام): إذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم . وإذا نزلت نازلةٌ فاجعلوا أنفسكم دون دينكم . واعلموا أن الهالك من هلك دينه . والحرب من سلب دینه . ألا وإنه لا فقر بعد الجنة ، ولا غنى بعد النار :
وقال(عليه السلام): لا يجد عبدٌ طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجدَّه .
وقال(عليه السلام): ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذَّاب ، إنه يكذِّب حتى يجيء بالصدق فما يُصدّق .
وقال(عليه السلام): أعظم الخطايا اقتطاع مال امریء مسلم بغير حق.
وقال(عليه السلام): من خاف القصاص كفَّ عن ظلم الناس.
وقال(عليه السلام): ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد .
وقال(عليه السلام): العامل بالظلم ، والمعين عليه والراضي به شركاء ثلاثة .
وقال(عليه السلام): الصبر صبران : صبرٌ عند المصيبة حسن [جميل] وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرَّم الله عليك . والذكر ذكران : ذكر عند المصيبة حسن جميل ، وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم [ الله ] عليك فيكون ذلك حاجزاً .
وقال(عليه السلام): اللّهُمَّ لا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك وما جعلت بي من حاجة فاجعلها إلى أحسنهم وجهاً وأسخاهم بها نفساً ، وأطلقهم بها لساناً ، وأقلهم عليَّ بها منّاً .
وقال(عليه السلام): طوبى لمن يألف الناس ويألفونه على طاعة الله .
وقال(عليه السلام): إن من حقيقة الإيمان أن يؤثر العبد الصدق حيث يضرّ على الكذب حيث ينفع ولا يعد المرء بمقالته علمه .
وقال(عليه السلام):أدوا الأمانۀ ولو إلی قاتل ولد الأنبیاء.
ص: 153
وقال(عليه السلام): التقوى سنخ الإيمان .
وقال(عليه السلام): ألا إن الذُّل في طاعة الله أقرب إلى العزِّ من التعاون بمعصية الله .
وقال(عليه السلام): المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة وقد جمعهما الله لأقوام .
وقال(عليه السلام): مكتوب في التوراة في صحيفتين ، إحداهما : من أصبح على الدنيا حزيناً فقد أصبح لقضاء الله ساخطاً . ومن أصبح من المؤمنين يشكو مصيبة نزلت به إلى من يخالفه على دينه فإنما يشكو ربه إلى عدوِّه . ومن تواضع لغنيّ طلباً لما عنده ذهب ثلثا دينه . ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار فو ممن يتخذ آيات الله هزواً .
وقال(عليه السلام): في الصحيفة الأُخرى : من لم يستشر يندم ، ومن يستأثر من الأموال يهلك . والفقر الموت الأكبر.
وقال(عليه السلام): الإنسان لبّه لسانه . وعقله دينه . ومروَّته حيث يجعل نفسه ، والرزق مقسوم ، والأيام دُول ، والناس إلى آدم شرع سواء(1)
وقال(عليه السلام)لكميل بن زياد: رويدك لا تشهر ، وأخف شخصك لا تذكر . تَعَلَّم تعلم . واصمت تَسلم . لا عليك إذا عرّفك دينه لا تعرف الناس ولا يعرفونك .
وقال(عليه السلام): ليس الحكيم من لم يُدار من لا يجد بداً من مداراته.
وقال(عليه السلام): أربع لو ضربتم فيهنّ أكباد الإبل(2)لكان ذلك يسيراً : لا يرجونَّ أحدٌ إلَّا ربه . ولا يخافنّ إلَّا ذنبه . ولا يستحيي أن يقول : لا أعلم إذا هو لم يعلم . ولا يستكبر أن يتعلم إذا لم يعلم .
وكتب إلى عبد الله بن العباس : أما بعد ، فاطلب ما يعنيك واترك ما لا يعنيك ،فإن في ترك ما لا يعنيك درك ما يعنيك ، وإنما تقدم على ما أسلفت لا على ما خلّفت . وابن ما تلقاه غداً على ما تلقاه ، والسّلام .
وقال(عليه السلام) : إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودّائهم ونفوا به الضغن عن
ص: 154
قلوب أعدائهم ، حُسن البشر عند لقائهم والتفقد في غيبتهم والبشاشة بهم عند حضورهم .
وقال(عليه السلام): لا يجد عبدٌ طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وقال(عليه السلام): يا رب ما أشقى جدّ من لم يعظم في عينه وقلبه ما رأى من ملكك وسلطانك في جنب ما لم ترَ عينه وقلبه من ملكك وسلطانك . وأشقى منه من لم يصغر في عينه وقلبه ما رأى وما لم يرَ من ملكك وسلطانك في جنب عظمتك وجلالك . لا إله إلَّا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين .
وقال(عليه السلام): إنما الدنيا فناءٌ وعناءٌ وغيرٌ وعبرٌ فمن فنائها أنك ترى الدهر موتراً قوسه مفوِّقاً نبله لا تخطىء سهامه ولا تشفى جراحه ، يرمي الصحيح بالسقم والحيّ بالموت . ومن عنائها أن المرء يجمع ما لا يأكل ، ويبني ما لا يسكن ، ثم يخرج إلى الله لا مالاً حمل ولا بناءً نقل . ومن غَيرها أنك ترى المغبوط مرحوماً والمرحوم مغبوطاً ليس بينهم إلَّا نعيم زال وبؤس نزل ، ومن عبرها أن المرء يشرف على أمله فيتخطفه أجله فلا أمل مدروك ولا مؤمّل متروك ، فسبحان [الله] ما أعز سرورها، وأظمأ ريّها ، وأضحى فيئها ، فكأنَّ ما كان من الدنيا لم يكن ، وكأنّ ما هو كائن قد كان . [و] إن الدار الآخرة هي دار المقام ودار القرار وجنّة ونار . صار أولياء الله إلى الأجر بالصبر وإلى الأمل بالعمل.
وقال(عليه السلام): من أحب السبل إلى الله جرعتان : جرعة غيظ تردُّها بحلم وجرعة حزن تردُّها بصبر . ومن أحب السبل إلى الله قطرتان : قطرة دموع في جوف الليل ، وقطرة دم في سبيل الله ، ومن أحبّ السبل إلى الله خطوتان : خطوة امرىء مسلم يشدُّ بها صفّاً في سبيل الله ، وخطوة في صلة الرحم [وهي] أفضل من خطوة يشدُّ بها صفاً في سبيل الله.
وقال(عليه السلام): لا يكون الصديق لأخيه صديقاً حتى يحفظه في نكبته وغيبته ، وبعد وفاته .
وقال(عليه السلام): إن قلوب الجهال تستفزّها الأطماع ، وترهنها المنى ، وتستعلقها الخدائع
ص: 155
وقال(عليه السلام): من استحكمت فيه خصلة من خصال الخير اغتفرت ما سواها ، ولا اغتفر فقد عقل ولا دين ، مفارقة الدين مفارقة الأمن . ولا حياة مع مخافة . وفقد العقل فقد الحياة ، ولا يقاس بالأموات .
وقال(عليه السلام): من عرَّض نفسه للتهمة فلا يلومنَّ من أساء به الظن ، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده(1).
وقال(عليه السلام): إن الله يعذِّب ستة بستة : العرب بالعصبية ، والدهاقين بالكبر ، والأُمراء بالجور والفقهاء بالحسد ، والتجار بالخيانة ، وأهل الرُّستاق بالجهل .
وقال(عليه السلام): أيها الناس اتقوا الله ، فإن الصبر على التقوى أهون من الصبر على عذاب الله .
وقال(عليه السلام): الزهد في الدنيا قصر الأمل وشكر كلِّ نعمة ، والورع عن كلِّ ما حرَّم الله.
وقال(عليه السلام): إن الأشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج منهما الفقر.
وقال(عليه السلام): ألا إن الأيام ثلاثة : يوم مضى لا ترجوه ، ويوم بقي لا بدَّ منه ، ويوم يأتي لا تأمنه فالأمس موعظة ، واليوم غنيمةٌ ، وغداً لا تدري من أهله ، أمس شاهد مقبول واليوم أمين مؤدّ . وغد يجعل بنفسك سريع الظعن ، طويل الغيبة أتاك ولم تأته . أيها الناس إن البقاء بعد الفناء ولم تكن إلَّا وقد ورثنا من كان قبلنا ولنا وارثون بعدنا فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه . واسلكوا سبل الخير ولا تستوحشوا فيها لقلة أهلها واذكروا حسن صحبة الله لكم فيها . ألا وإن العواري اليوم والهبات غداً . وإنما نحن فروع لأُصول قد مضت ، فما بقاء الفروع بعد أُصولها. أيها الناس إنكم إن آثرتم الدنيا على الآخرة أسرعتم إجابتها إلى العرض الأدنى ورحلت مطايا آمالكم إلى الغاية القصوى ، يورد مناهل عاقبتها الندم وتذيقكم ما فعلت بالأُمم الخالية والقرون الماضية من تغيّر الحالات وتكون المثلات .
وقال(عليه السلام): الصَّلاة قربان كل تقي ، والحج جهاد كل ضعيف . ولكلِّ شيء
ص: 156
زكاة وزكاة البدن الصيام. وأفضل عمل المرء انتظاره فرج الله والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطيّة . استنزلوا الرزق بالصدقة . وحصّنوا أموالكم بالزكاة . وما عال امرؤ اقتصد . والتقدير نصف العيش . والتودُّد نصف العقل . والهم نصف الهرم . وقلّة العيال أحد اليسارين . ومن أساء والديه عقّهما. ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره ، والصنيعة لا تكون صنيعة إلَّا عند ذي حسب أو دين . والله ينزل الرزق على قدر المصيبة . فمن قدّر رزقه الله ومن بذّر حرمه الله . والأمانة تجرُّ الرزق . والخيانة تجرُّ الفقر ، ولو أراد الله بالنملة صلاحاً ما أنبت [لها] جناحاً .
وقال(عليه السلام): متاع الدنيا حطام وتُراثها كباب ، بلغتها أفضل من أثرتها . وقُلعتها أركن من طمأنينتها(1)، حكم بالفاقة على مكثرها . وأُعين بالراحة مَن رغب عنها ، من راقه رواؤها أعقبت ناظريه كمهاً (2). ومن استشعر شعفها ملأت قلبه أشجاناً ، لهنَّ رقصٌ على سويداء قلبه كرقيص الزبدة على أعراض المدرجة همّ يحزنه وهمّ يشغله كذلك حتى يؤخذ بكظمه ويقطع أبهراه ويلقى هاماً للقضاء ، طريحاً هيّناً على الله مداه(3)وعلى الأبرر ملقا، وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن اضطرار ويسمع فيها بأُذن النفث .
وقال(عليه السلام): تعلموا الحلم فإن الحلم خليل المؤمن ووزيره ، والعلم دليله ، والرفق أخوه ، والعقل رفيقه ، والصبر أمير جنوده.
وقال(عليه السلام) لرجل تجاوز الحدَّ في التقشف : يا هذا أما سمعت قول الله : ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾(4)، فوالله لابتذالك نعم الله بالفعال أحبُّ إليه من ابتذالكها بالمقال .
ص: 157
وقال لابنه الحسن(عليه السلام): أُوصيك بتقوى الله وإقام الصَّلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها . وأُوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عند الجاهل والتفقه في الدين ، والتثبت في الأمر ، والتعهد للقرآن وحسن الجوار ، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش كلها في كل ما عصي الله فيه .
وقال(عليه السلام): قوامُ الدنيا بأربعة : بعالم مستعمل لعلمه . وبغنّي باذل لمعروفه ، وبجاهل لا يتكبَّر أن يتعلم . وبفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره . وإذا عطّل العالم علمه وأمسك الغنيُّ معروفه ، وتكبَّر الجاهل أن يتعلم ، وباع الفقير آخرته بدنيا غيره فعليهم الثبور.
وقال(عليه السلام): مَن استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينزل به مكروه أبداً ، قيل : وما هنَّ يا أمير المؤمنين ؟ . قال : العجلة واللجاجة والعجب والتواني .
وقال(عليه السلام): اعلموا عباد الله أن التقوى حصنٌ حصين ، والفجور حصنٌ ذليل .لا يمنع أهله ولا يحرز من لجأ إليه ، ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا ، وبالصبر على طاعة الله ينال ثواب الله . وباليقين تدرك الغاية القصوى . عباد الله إن الله لم يحظر على أوليائه ما فيه نجاتهم ، إذا دلَّهم عليه ولم يقنطهم من رحمته لعصيانهم إياه إن تابوا إليه .
وقال(عليه السلام): الصمتُ حكمٌ ، والسكوت سلامة ، والكتمان طرفٌ من السعادة .
وقال(عليه السلام): تذلُّ الأُمور للمقدور حتى تصير الآفة في التدبير .
وقال : لا تتمُّ مروَّة الرجل حتى يتفقه [ في دينه] ويقتصد في معيشته ، ويصبر على النائبة إذا نزلت به ، ويستعذب مرارة إخوانه .
وسئل(عليه السلام): ما المروة ؟ فقال : لا تفعل شيئاً في السر تستحيي منه في العلانية .
وقال(عليه السلام): الإستغفار مع الإصرار ذنوبٌ مجددة .
وقال(عليه السلام): سكّنوا في أنفسكم معرفة ما تعبدون حتى ينفعكم ما تحرِّكون من الجوارح بعبادة من تَعرفون .
ص: 158
وقال(عليه السلام): المستأكل بدينه حظه من دينه ما يأكله .
وقال(عليه السلام): الإيمان قول مقبول ، وعمل معمول ، وعرفان بالعقول .
وقال(عليه السلام) : الإيمان على أربعة أركان التوكل على الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله والرضى بقضاء الله وأركان الكفر أربعة : الرغبة والرهبة والغضب والشهوة.
وقال(عليه السلام): من زهد في الدنيا ولم يجزع من ذُلّها ولم ينافس في عزِّها. هداه. الله بغير هداية من مخلوق وعلّمه بغير تعليم ، وأثبت الحكمة في صدره وأجراها على لسانه .
وقال(عليه السلام): إن الله عباداً عاملوه بخالص من سرّه ، فشكر لهم بخالص من شكره ، فأُولئك تمرُّ صحفهم يوم القيامة فُرّغاً، فإذا وقفوا بين يديه ملأها لهم من سرّ ما أسرُّوا إليه.
وقال(عليه السلام): ذلّلوا أخلاقكم بالمحاسن وقودِّوها إلى المكارم . وعوِّدوا أنفسكم الحلم واصبروا على الإيثار على أنفسكم فيما تحمدون عنه ولا تداقّوا الناس وزناً بوزن . وعظِّموا أقداركم بالتغافل عن الدني من الأُمور . وأمسكوا رَمق الضعيف بجاهكم ، وبالمعونة له إن عجزتم عما رجاه عندكم . ولا تكونوا بحّاثين عما غاب عنكم فيكثر غائبكم . وتحفّظوا من الكذب ، فإنه من أدنى الأخلاق قدراً ، وهو نوع من الفحش وضرب من الدناءة . وتكرَّموا بالتعامي عن الاستقصاء - وروي بالتعامس من الاستقصاء(1).
وقال(عليه السلام): كفى بالأجل حرزاً . إنه ليس أحد من الناس إلَّا ومعه حفظة من الله يحفظونه أن لا يتردَّى في بئر ، ولا يقع عليه حائط ، ولا يصيبه سبعّ ، فإذا جاء أجله خلّوا بينه وبين أجله .
ص: 159
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قيل له(عليه السلام): ما الزُّهد ؟ قال الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا . قيل : فما الحلم ؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس . قيل : ما السداد ؟ قال : دفع المنكر بالمعروف . قيل : فما الشرف ؟ قال : إصطناع العشيرة وحمل الجريرة . قيل : فما النجدة ؟ قال : الذبُّ عن الجار والصبر في المواطن والإقدام عند الكريهة . قيل : فما المجد ؟ . قال : أن تُعطي في الغُرم وأن تعفو عن الجرم . قيل : فما المروَّة ؟ قال : حفظ الدين وإعزاز النفس ولين الكنف(1)وتعهد الصنيعة وأداء الحقوق والتحبب إلى الناس . قيل : فما الكرم ؟ قال : الإبتداء بالعطية قبل المسألة وإطعام الطعام في المحل(2)قيل : فما الدنيئة ؟ قال : النظر في اليسير ومنع الحقير . قيل : فما اللؤم ؟ قال : قلَّة الندى وأن ينطق بالخنى . قيل : فما السماح ؟ قال : البذل في السراء والضراء . قيل : فما الشحُّ ؟ قال : أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً . قيل : فما الإخاء ؟ قال : الإخاء في الشدَّة والرخاء . قيل : فما الجبن ؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدوِّ . قيل : فما الغنى ؟ قال : رضى النفس بما قسم لها وإن قلِّ : قيل : فما الفقر ؟ قالَّ : شره النفس إلى كلِّ شيء . قيل : فما الجود ؟ قال : بذل المجهود . قيل : فما الكرم ؟ قال : الحفاظ في الشدة والرخاء . قيل : فما
ص: 160
الجرأة ؟ قال : مواقفة الأقران . قيل : فما المنعة(1)؟ قال : شدّة البأس ومنازعة أعز الناس قيل : فما الذلُّ قال : الفرق عند المصدوقة . قيل : فما الخرق ؟ قال مناوأتك أميرك ومن يقدر على ضرِّك . قيل : فما السناء(2)؟ قال : إتيان الجميل وترك القبيح قيل : فما الحزم ؟ قال : طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من جميع الناس قيل : فما الشرف ؟ قال : موافقة الإخوان وحفظ الجيران . قيل : فما الحرمان؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك . قيل : فما السفه ؟ قال : اتباع الدناءة ومصاحبة الغواة . قيل : فما العيّ ؟ قال : العبث باللحية وكثرة التنحنح عند المنطق . قيل : فما الشجاعة ؟ قال : موافقة الأقران والصبر عند الطعان . قيل : فما الكلفة ؟ قال : كلامك فيما لا يعنيك . قيل : وما السفاه ؟ قال : الأحمق في ماله المتهاون بعرضه قيل : فما اللؤم ؟ قال : إحراز المرء نفسه ، وإسلامه عرسه
أيها الناس إنه من نصح الله وأخذ قوله دليلاً هدي للتي هي أقوم أقوم ، ووفقه الله للرشاد وسدَّده للحُسنى فإنّ جار الله آمنٌ محفوظ وعدوّه خائف مخذول فاحترسوا من الله بكثرة الذكر . واخشوا الله بالتقوى وتقربوا إلى الله بالطاعة فإنه قريب مجيب ، قال الله تبارك وتعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾(3). فاستجيبوا الله وآمنوا به فإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم ، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة الله أن يتواضعوا و [ عزُّ] الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذلّلوا [له] وسلامة الذين يعلمون ما قُدرة الله أن يسلموا له ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة ولا يضلوا بعد الهدى . واعلموا علماً يقيناً أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى . ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه . ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرَّفه . فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلُّف ورأيتم الفرية على الله والتحريف . ورأيتم كيف يهوى من يهوى . ولا يجهلنَّكم الذين لا يعلمون . والتمسوا ذلك عند أهله ، فإنهم خاصة نور
ص: 161
يُستضاء بهم وأئمة يقتدى بهم ، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم، وحكم منطقهم عن صمتهم ،وظاهرهم عن باطنهم ، لا يخالفون الحقَّ ، ولا يختلفون فيه . وقد خلت لهم من الله سنَّة . ومضى فيهم من حُكم إن في ذلك الذكرى للذاكرين واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ولا تعقلوه عقل روايته ، فإن رواة الكتاب كثير ، ورعاته قليل ، والله المستعان .
بعث معاوية رجلاً متنكراً يسأل أمير المؤمنين(عليه السلام)عن مسائل سأله عنها ملك الروم، فلما دخل الكوفة وخاطب أمير المؤمنين(عليه السلام) أنكره فقرره فاعترف له بالحال فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله وضلَّ من معه ، قاتله الله لقد أعتق جارية ما أحسن أن يتزوجها ، حكم الله بيني وبين هذه الأُمّة قطعوا رحمي وصغَّروا عظيم منزلتي وأضاعوا أيامي . عليَّ بالحسن والحسين ومحمد، فدُعوا، فقال(عليه السلام): يا أخا أهل الشام هذان ابنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وهذا إبني فاسأل أيّهم أحببت ، فقال الشامي : أسأل هذا ، يعني الحسن(عليه السلام). ثم قال :
كم بين الحق والباطل ؟ وكم بين السماء والأرض ؟ وكم بين المشرق والمغرب ؟ وعن هذا المحو الذي في القمر ، وعن قوس قُزح وعن هذه المجرَّة ، وعن أول شيء انتضح على وجه الأرض ، وعن أول شيء اهتز عليها ، وعن العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين والمشركين . وعن المؤنث ، وعن عشرة أشياء بعضها أشدُّ من بعض ؟
فقال الحسن(عليه السلام): يا أخا أهل الشام بين الحق والباطل أربع أصابع ، ما رأيت بعينك فهو الحقُّ ، وقد تسمع بأُذنيك باطلاً كثيراً . وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومدُّ البصر ، فمن قال غير هذا فكذِّبه . وبين المشرق والمغرب يوم مطرد للشمس تنظر إلى الشمس حين تطلع وتنظر إليها حين تغرب من قال غير هذا فكذِّبه . وأما هذه المجرَّة فهي أشراج السماء ، مهبط الماء المنهمر على نوح(عليه السلام)(1). وأما قوس
ص: 162
قُزح(1): فلا تقل : قزح فإن قزح شيطانٌ ولكنها قوس الله وأمان من الغرق . وأما المحو الذي في القمر فإن ضوء القمر كان مثل ضوء الشمس فمحاه الله . وقال في كتابه :﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾(2).
وأما أول شيء انتضح على وجه الأرض فهو وادي دلس . وأما أول شيء اهتزّ على وجه الأرض فهي النخلة . وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يُقال لها سلمى . وأما العين التي تأوي إليها أرواح الكافرين فهي عين يقال لها : برهوت (3). وأما المؤنث فإنسانٌ لا يدرى أمرأة هو أو رجلٌ فينتظر به الحلم ، فإن كانت امرأة بانت ثدياها وإن كان رجلاً خرجت لحيته ، وإلا قيل له يبول على الحائط فإن أصاب الحائط بوله فهو رجلٌ وإن نكص كما ينكص بول البعير فهي امرأة . وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض : فأشدُّ شيء خلق الله الحجر وأشدُّ من الحجر الحديد وأشدُّ من الحديد النار وأشدُّ من النار الماء ، وأشدُّ من الماء السحاب ، وأشدُّ من السحاب الريح ، وأشد من الريح الملك ، وأشدُّ من الملك ملك الموت ، وأشدُّ من ملك الموت ، الموت ، وأشدُّ من الموت أمر الله.
قال الشامي : أشهد أنك ابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)و أن علياً وصيُّ محمد ثم كتب هذا الجواب ومضى به إلى معاوية وأنفذه إلى ابن الأصفر(4) فلما أتاه قال : أشهد أن هذا ليس من عند معاوية ولا هو إلا من معدن النبوة .
ص: 163
كتب الحسن بن أبي الحسن البصري(1)إلى أبي محمد الحسن بن علي(عليه السلام): أما بعد ، فإنكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة والأعلام النيّرة الشاهرة أو كسفينة نوح(عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون ، كتبت إليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة ، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك(عليهl السلام)، فإن من علم الله علمكم وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد عليكم ، ذريّة بعضها من بعض ، والله سميع عليم .
فأجابه الحسن(عليه السلام): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وصل إليَّ كتابك ، ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذاً ما أخبرتك ، أما بعد ، فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه فقد كفر ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر ، إن الله لم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً ولم يهمل العباد سدى من المملكة بل هو المالك لما ملّكهم والقادر على ما عليه أقدرهم ، بل أمرهم تخييراً ونهاهم تحذيراً فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادّاً وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمنّ عليهم بأن يحول بينهم وبينها فعل وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبراً ولا أُلزموها كرهاً بل منّ عليهم بأن بصّرهم وعرّفهم وحذّرهم وأمرهم ونهاهم لا جبلاً لهم على ما أمرهم به فيكون كالملائكة ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه ، ولله الحجة البالغة ، فلو شاء لهداكم أجمعين ، والسلام على من اتبع الهدى .
إعلموا أن الله لم يخلقكم عبثاً ، وليس بتارككم سدىً ، كتب آجالكم وقسم بينكم معائشكم ليعرف كلّ ذي لبّ منزلته ، وأن ما قدّر له أصابه وما صرف عنه يفلن یصيبه ، قد كفاكم مؤونة الدنيا وفرغكم لعبادته . وحثكم على الشكر وافترض عليكم الذكر ، وأوصاكم بالتقوى ، وجعل التقوى منتهى رضاه والتقوى باب كل توبة ورأس
ص: 164
كل حكمة وشرف كل عمل ، بالتقوى فاز من فاز من المتقين. قال الله تبارك وتعالى :﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴾(1). وقال : ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾(2). فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ويسدّده في أمره ويهيىء له رشده ويفلجه بحجته ويبيض وجهه ويعطيه رغبته ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .
حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد النبيّ وآله ، ثم قال : من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول الله ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن المصطفى بالرسالة ، أنا ابن من صلّت عليه الملائكة ، أنا ابن من شرفت به الأمة ،أنا ابن من كان جبريل السفير من الله إليه ، أنا ابن من بُعث رحمة للعالمين [صلى الله عليه وآله أجمعين]. فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده ، فقال : يا حسن ، عليك بالرُّطب فانعته لنا . قال : نعم يا معاوية الريح تلقحه ، والشمس تُنفخه ، والقمر يلوِّنه ، والحرّ ينضجه ، والليل يبرده ، ثم أقبل على منطقه فقال : أنا ابن المستجاب الدعوة ، أنا ابن من كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن الشفيع المطاع ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن من خضعت له قريش رغماً ، أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله ، أنا ابن من جعلت الأرض له طهوراً ومسجداً ، أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترى ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . فقال معاوية : أظنُّ نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة ؟ فقال : ويلك يا معاوية إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)و عمل بطاعة الله ، ولعمري إنا لأعلام الهدى ومنار التقى ، ولكنك يا معاوية ممن أبار السنن وأحيا البدع واتخذ عباد الله خولا ودين الله لعباً فكان قد أخمل ما أنت فيه ، فعشت يسيراً وبقيت عليك تبعاته . يا معاوية والله لقد خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق والأُخرى بالمغرب أسماهما جابلقا
ص: 165
وجابلسا ، ما بعث الله إليهما أحداً غير جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم). فقال معاوية : يا أبا محمد أخبرنا عن ليلة القدر ، قال : نعم عن مثل هذا فاسأل ، إن الله خلق السماوات سبعاً والأرضين سبعاً والجنّ من سبع والإنس من سبع فَتطلب من ليلة ثلاث وعشرين إلى ليلة سبع وعشرين . ثم نهض (عليه السلام).
قال(عليه السلام): ما تشاور قوم إلا هُدوا إلى رشدهم .
وقال(عليه السلام): اللؤم أن لا تشكر النعمة
وقال(عليه السلام): لبعض ولده : يا بني لا تواخ أحداً حتى تعرف موارده ومصادره ،فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العثرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة .
وقال(عليه السلام): لا تجاهد الطلب جهاد الغالب ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة والإجمال في الطلب من العفة وليست العفة بدافعة رزقاً ولا الحرص بجالب ،فضلاً، فإن الرزق مقسومٌ واستعمال الحرص استعمال المآثم .
وقال(عليه السلام): القريب من قرّبته المودّة وإن بعد نسبه . والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه ، لا شيء أقرب من يد إلى جسد ، وإن اليد تفل فتقطع وتحسم.
وقال(عليه السلام): من اتكل على حُسن الاختيار من الله له لم يتمنّ أنه في غير الحال التي اختارها الله له.
وقال : الخير الذي لا شرّ فيه : الشكر مع النعمة والصبر على النازلة .
وقال(عليه السلام): لرجل أبلَّ من علة : إن الله قد ذكَّرك فاذكره وأقالك فاشكره .
وقال(عليه السلام) العار أهون من النار .
وقال(عليه السلام)عند صلحه لمعاوية : إنّا والله ما ثنانا عن أهل الشام بالسلامة والصبر ، فسلبت السلامة بالعداوة ، والصبر بالجزع وكنتم في مبدأكم إلى صفين ، ودينكم أمام دنياكم وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم .
وقال(عليه السلام): ما أعرف أحداً إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه .
ص: 166
وقيل له : فيك عظمة ، فقال الثاني : بل في عزة ، قال الله : ﴿َ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾(1).
وقال(عليه السلام)في وصف أخ كان له صالح
كان من أعظم الناس في عيني. وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا عينه كان خارجا من سلطان الجهالة ، فلا يمدّ يداً إلَّا على ثقة لمنفعة، كان لا يشتكي ولا يتسخّط ولا يتبرّم ، كان أكثر دهره صامتاً ، فإذا قال بذّ القائلين(2)كان ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جاء الجدُّ فهو الليث عادياً ، كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول ، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت ، كان لا يقول ما لا يفعل ، ويفعل ما لا يقول ، كان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى ربه نظر أقربهما من هواه فخالفه ، كان لا يلوم أحداً على ما قد يقع العذر في مثله .
وقال(عليه السلام): من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان : آية محكمة وأخاً مستفاداً ، وعلماً مستفرطاً ، ورحمة منتظرة ، وكلمة تدلّه على الهدى أو تردُّه عن رديّ وترك الذنوب حياءاً أو خشيةً .
ورزق غلاماً فأتته قريش تهنيه فقالوا : يهنيك الفارس ، فقال(عليه السلام): أيُّ شيء هذا القول ؟ ولعله يكون راجلاً ، فقال له جابر : كيف نقول يا ابن رسول الله ؟ فقال(عليه السلام): إذا ولد لأحدكم غلامٌ فأتيتموه فقولوا له : شكرت الواهب ، وبورك لك في الموهوب ، بلغ الله به أشدَّه ، ورزقك بره .
وسئل عن المروَّة ؟ فقال : شحُّ الرجل على دينه . وإصلاحه ماله وقيامه بالحقوق .
وقال(عليه السلام): إن أبصر الأبصار ما نفذ في الخير مذهبه . وأسمع الأسماع ما وعى التذكير وانتفع به. أسلم القلوب ما طهر من الشبهات
ص: 167
وسأله رجل أن يخليه . قال(عليه السلام): إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب . أو تغتاب عندي أحداً ، فقال له الرجل : أتأذن لي في الانصراف ، فقال(عليه السلام): نعم إذا شئت .
وقال(عليه السلام): إن من طلب العبادة تزكَّى لها. إذا أضرّت النوافل بالفريضة فارفضوها . اليقين معاذ للسلامة . من تذكَّر بُعد السفر اعتدَّ . ولا يغشَّ العاقل من استنصحه . بينكم وبين الموعظة حجاب العزَّة . قطع العلم عذر المتعلمين . كلُّ معاجل يسأل النظرة(1). وكلُّ مؤجل يتعلل بالتسويف.
وقال(عليه السلام): اتقوا الله ، عباد الله ، وجدوا في الطلب ، وتجاه الهرب ، وبادروا العمل قبل مقطَّعات النقمات ، وهادم اللذات فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ، ولا تؤمن فجيعها ، ولا تتوقى في مساويها ، غرورٌ حائل ، وسناد مائل(2)، فاتعظوا عباد الله بالعبر ، واعتبروا بالأثر ، وازدجروا بالنعيم . وانتفعوا بالمواعظ ، فكفى بالله معتصماً ونصيراً ، وكفى بالكتاب حجيجاً وخصيماً ، وكفى بالجنة ثواباً ، وكفى بالنار عقاباً ووبالاً .
وقال(عليه السلام): إِذا لقي أحدكم أخاه فليقبّل موضع النور من جبهته.
ومرَّ(عليه السلام)في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون ، فوقف على رؤوسهم فقال : إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وقصَّر آخرون فخابوا ، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغولٌ بإساءته ، ثم مضى .
ص: 168
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أبي عبد الله ، الحسين بن علي عليه السلام في طوال هذه المعاني :
(في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويروى عن أمير المؤمنين(عليه السلام)).
اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول :﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ ﴾(1)وقال : ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ - إلى قوله - لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾(2)وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون والله يقول :﴿ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾(3)وقال :﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾(4)فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه بأنها إذا أُديت وأُقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظلوم ومخالفة الظالم وقسمة الفيء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها ، ثم أنتم أيتها العصابة
ص: 169
عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة وبالله في أنفس الناس مهابة . يهابكم الشريف ويكرمكم الضعيف ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده ، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر ، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون فاستخففتم بحق الأئمة ، فأما حق الضعفاء فضيعتم وأما حقكم بزعمكم فطلبتم . فلا مالاً بذلتموه ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله أنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رسله وأماناً من عذابه . لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل لكم نقمة من نقماته لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها ومن يعرف بالله لا تكرمون وأنتم بالله في عباده تكرمون وقد ترون عهود الله منقوصة فلا تفزعون وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)محقورة والعمي والبكم والزمن في المدائن مهملة لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون ولا من عمل فيها تعنون وبالدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون ، كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون . وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم وتسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات ، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم ، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداء بالأشرار وجرأة على الجبار ، في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة ، والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس ، فمن بين جبار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدىء المعيد ، فيا عجباً وما لي (لا) أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدق ظلوم وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم ، فالله الحاكم فيما فيه تنازعا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا .
اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فصول
ص: 170
الحطام ولكن لنرى المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك فإنكم إن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم وعملوا في إطفاء نور نبيكم وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير.
أُوصيكم بتقوى الله وأُحذركم أيامه وأرفع لكم أعلامه فكأنّ المخوف قد أفد(1)بمهول وروده ونكير حلوله وبشع مذاقه فاعتلق مهجكم وحال بين العمل وبينكم، فبادروا بصحة الأجسام في مدة الأعمار كأنكم ببغتات طوارقه فتنقلكم من ظهر الأرض إلى بطنها ومن علوها إلى أسفلها ومن أنسها إلى وحشتها ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها ومن سعتها إلى ضيقها . حيث لا يزار حميم ولا يُعاد سقيم ولا يجاب صريخ. أعاننا الله وإياكم على أهوال ذلك اليوم ونجّانا وإياكم من عقابه وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه عباد الله فلو كان قصر مرماكم ومدى مطعنكم كان حسب العامل شغلاً يستفرغ عليه أحزانه ويذهله عن دنياه ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه مستوقف على حسابه لا وزير له يمنعه ولا ظهير عنه يدفعه ، ويومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون. أوصيكم بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ويرزقه من حيث لا يحتسب فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة من ذنبه ، فإن الله تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله .
أما بعد فتباً لكم أيتها الجماعة وترحاً ، حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفاً كان في أيماننا وحششتم ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم ألباً لفاً على أوليائكم ويداً لأعدائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ولا
ص: 171
لأمل أصبح لكم فيهم وعن غير حدث كان منا ولا رأي يفيل عنا . فهلا لكم الويلات، تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لم يستحصف ولكن استسرعتم إليها كتطاير الدبا وتداعيتم عنها كتداعي الفراش . فسحقاً وبعداً لطواغيت الأُمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفئة الشيطان ومحرفي الكلام ومطفئي السنن وملحقي العبرة بالنسب ، المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين. والله إنه لخَذل فيكم معروف ، قد وشجت عليه عُروقكم وتأذرت عليه أُصولكم(1)فكنتم أخبث ثمرة شجا للناطر ، وأكلة للغاصب ، ألا فلعتة الله على الناكثين الذي ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلوا الله عليهم كفيلاً . ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز منا(2)بين اثنتين بين الملة والذلة ، وهيهات منا الدنيئة يأبى ذلك الله ورسوله والمؤمنون وحجورٌ طابت وأُنوفٌ حمية ونفوس أبية ، وأن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام وإني زاحف إليهم بهذه الأُسرة على كلب العدو وكثرة العدد وخذلة الناصر . ألا وما يلبثون إلَّا كريثما يُركب الفرس حتى تدور رحا الحرب وتعلق النحور . عهدٌ عهده إليّ أبي(عليه السلام) فاجمعوا أمركم ثم كيدون فلا تنظرون ، إني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة إلَّا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم
سأله عن المجرَّة وعن سبعة أشياء خلقها الله ، لم تخلق في رحم ؟ . فضحك الحسين(عليه السلام)فقال له : ما أضحكك ؟ قال(عليه السلام): لأنك سألتني عن أشياء ما هي من منتهى العلم إلَّا كالقذى في عرض البحر ، أما المجرَّة فهي قوس الله . وسبعة أشياء لم تخلق في رحم ، فأولها آدم ثم حوّا والغراب وكبش إبراهيم(عليه السلام)وناقة الله وعصا موسی(عليه السلام)والطير الذي خلقه عيسى بن مريم(عليها السلام) .
ثم سأله عن أرزاق العباد فقال(عليه السلام): أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزّلها الله
ص: 172
بقدر ويبسطها بقدر .
ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع ؟ قال : تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة وهو عرش الله الأدنى منها بسط الأرض وإليها يطويها ومنها استوى إلى السماء ، وأما أرواح الكفار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن ، ثم يبعث الله ناراً من المشرق وناراً من المغرب بينهما ريحان فيحشران الناس إلى تلك الصخرة في بيت المقدّس فتحبس في يمين الصخرة وتزلف الجنة للمتقين وجهنم في يسار الصخرة في تخوم الأرضين وفيها الفلق والسِّجِّين فتفرق الخلائق من عند الصخرة ، فمن وجبت له الجنة دخلها من عند الصخرة ومن وجبت له النار دخلها من عند الصخرة .
سئل عن الجهاد سنَّة أو فريضة ؟ فقال(عليه السلام): الجهاد على أربعة أوجه : فجهادان فرضٌ وجهاد سنَّة لا يُقام إلَّا مع فرض وجهاد سنّة، فأما أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن معاصي الله وهو من أعظم الجهاد ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض ، وأما الجهاد الذي هو سنَّة لا يُقام إلَّا مع فرض فإن مجاهدة العدو فرض على جميع الأُمة لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب ، وهذا هو من عذاب الأُمة وهو سنَّة على الإمام . وحدُّه أن يأتي العدوَّ مع الأُمة فيجاهدهم . وأما الجهاد الذي هو سنّة فكل سنَّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال لأنها إحياء سنّة ، وقد قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أُجورهم شيئاً».
أيها النّاس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبّهون الله بأنفسهم ، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب بل هو الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير . استخلص الوحدانية والجبروت وأمضى المشيئة والإرادة والقدرة والعلم بما هو كائن . لا منازع له في شيء من أمره ولا كفو له يعادله ولا ضدَّ له ينازعه، ولا سميّ له يشابهه ولا مثل له يشاكله . لا تتداوله الأُمور ولا تجري عليه الأحوال ولا تنزل عليه الأحداث ، ولا يقدر الواصفون
ص: 173
كنه عظمته ، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته ، لأنه ليس له في الأشياء عديلٌ ، ولا تدركه العلماء بألبابها ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلَّا بالتحقيق إيقاناً بالغيب لأنه لا يوصف بشيء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمد ، ما تُصوِّر في الأوهام فهو خلافه . ليس برب من طُرح تحت البلاغ ومعبود من وجد في هواء أو غير هواء . هو في الأشياء كائنٌ لا كينونة محظور بها عليه(1)ومن الأشياء بائنٌ لا بينونة غائب عنها ، ليس بقادر من قارنه ضدٌ أو ساواه ندٌ . ليس عن الدهر قدمه ولا بالناحية أممه ،احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار . وعمن في السماء احتجابه كمن في الأرض ، قُربه كرامته وبُعده إهانته ، لا يحله في ولا توقَّته إذ ولا تؤامره إن . علوّه من غير توقّل ، ومجيئه من غير تنقّل ، يوجد المفقود ويفقد الموجود ، ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت . يصيب الفكر منه الإيمان به موجوداً ووجود الإيمان لا وجود صفة . به توصف الصفات لا بها يُوصف ، وبه تُعرف المعارف لا بها يُعرف ، فذلك الله لا سميّ له ، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقال(عليه السلام)في مسيره إلى كربلاء : إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ، فلم يبقَ منها إلَّا صُبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون أن الحق لا يُعمل به وأن الباطل لا ينتهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً ، فإني لا أرى الموت إلَّا سعادة ، ولا الحياة مع الظالمين إلَّا برماً . إن الناس عبيد الدنيا ، والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درَّت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء
قلّ الديانون.
وقال(عليه السلام) لرجل اغتاب عنده رجلاً : يا هذا كفّ عن الغيبة فإنها أدام كلاب النار.
وقال عنده رجلٌ : إن المعروف إذا أُسدي إلى غير أهله ضاع(2)فقال الحسين(عليه السلام): ليس كذلك ، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر.
ص: 174
وقال(عليه السلام): ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنده طاعته . ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته .
وقال(عليه السلام): إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة .
وقال له رجل ابتداءاً : كيف أنت عافاك الله ؟ فقال الكافي له : السلام قبل الكلام عافاك الله ، ثم قال(عليه السلام): لا تأذنوا لأحد حتى يُسلِّم.
وقال (عليه السلام): الإستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ، ويسلبه الشكر .
وكتب إلى عبد الله بن العباس حين سيَّره عبد الله بن الزبير إلى اليمن : أما بعد ، بلغني أن ابن الزبير سيّرك إلى الطائف فرفع الله لك بذلك ذكراً وحطَّ به عنك وزراً وإنما يبتلى الصالحون . ولو لم توجر إلَّا فيما تحب لقلّ الأجر ، عزم الله لنا ولك بالصبر عند البلوى والشكر عند النُّعمى ولا أشمت بنا ولا بك عدوّاً حاسداً أبداً والسَّلام .
وأتاه رجل فسأله فقال(عليه السلام): إن المسألة لا تصلح إلَّا في غرم فادح(1)، أو فقر مدقع ، أو حمالة مفظعة ، فقال الرجل : ما جئت إلّا في إحداهنّ ، فأمر له بمائة دینار .
وقال لابنه عليّ بن الحسين(عليه السلام): أي بنيّ ، إياك وظلم ال : أي بني ، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلَّا الله جلَّ وعزَّ .
وسأله رجلٌ عن معنى قول الله :﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾(2). قال(عليه السلام): أمره أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه.
وجاءه رجلٌ من الأنصار يريد أن يسأله حاجة فقال(عليه السلام): يا أخا الأنصار صن
ص: 175
وجهك عن بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما سارك إن شاء الله ، فكتب : يا أبا عبد الله إن لفلان عليَّ خمسمائة دينار وقد ألحَّ بي فكلّمه ينظرني إلى ميسرة . فلما قرأ الحسين(عليه السلام) الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة(1)فيها ألف دينار ، وقال(عليه السلام)له : أما خمسمائة فاقضِ بها دينك ، وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك ، ولا ترفع حاجتك إلَّا إلى أحد ثلاثة : إلى ذي دين، أو مروَّة ، أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه ، وأما ذو المروَّة فإنه يستحيي لمروَّته ، وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك .
وقال(عليه السلام): الإخوان أربعة : فأخ لك وله ، وأخ لك ، وأخٌ عليك ، وأخٌ لا لك ولا له ، فسئل عن معنى ذلك ؟ فقال(عليه السلام): الأخ الذي هو لك وله فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء ، ولا يطلب بإخائه موت الإخاء فهذا لك وله لأنه إذا تم الإخاء طابت حياتهما جميعاً ، وإذا دخل الإخاء في حال التناقض بطل جميعاً . والأخ الذي هو لك فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء فهذا موفرٌ عليك بكليته . والأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر(2)ويغشى السرائر ويكذب عليك بين العشائر وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد . والأخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملأه الله حمقاً فأبعده سحقاً فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب شحّاً ما لديك .
وقال(عليه السلام): من دلائل علامات القبول: الجلوس إلى أهل العقول. ومن علامات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر(3). ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه وعلمه بحقائق فنون النظر .
وقال(عليه السلام): إن المؤمن اتخذ الله عصمته وقوله مرآته ، فمرَّة ينظر في نعت المؤمنين ، وتارة ينظر في وصف المتجبِّرين ، فهو منه في لطائف ، ومن نفسه في تعارف ، ومن فطنته في يقين ، ومن قُدسه على تمكين .
ص: 176
وقال(عليه السلام): إياك وما تعتذر منه ، فإن المؤمن لا يسيء ولا يعتذر ، والمنافق كل يوم يسيء ويعتذر.
وقال(عليه السلام): للسلام سبعون حسنة تسع وستون للمبتدىء وواحدة للراد.
وقال(عليه السلام): البخيل من بخل بالسلام .
وقال(عليه السلام): من حاول امرءاً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو ، وأسرع لما يحذر(1).
ص: 177
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه راجعون ، فتجد كل نفس ما عمل خير محضراً ، وما من عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ، ويحذّركم الله نفسه ، ويحك يا ابن آدم الغافل وليس مغفولاً عنه ، إن أجلك أسرع شيء إليك قد أقبل نحوك حثيثاً ، يطلبك ويوشك أن يدركك فكأن قد أوفيت أجلك وقد قبض الملك روحك وصيّرت إلى قبرك وحيداً ، فردَّ إليك روحك واقتحم عليك ملكاك منكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك . ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده ، وعن نبيك الذي أُرسل إليك ، وعن دينك الذي كنت تدين به ، وعن كتابك الذي كنت تتلوه ، وعن إمامك الذي كنت تتولاه وعن عمرك فيما أفنيت ، وعن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته ، فخذ حِذرك ، وانظر لنفسك وأعدّ الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار ، فإن تك مؤمناً عارفاً بدينك متبعاً للصادقين ، موالياً لأولياء الله لقَّاك الله حجتك ، وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب وبُشِّرت بالجنة والرضوان من الله ، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك ، وعييت عن الجواب ، وبشرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم .
واعلم يا ابن آدم أن ما وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود يجمع الله فيه الأولين والآخرين يوم ينفخ في
ص: 178
الصور ويبعثر فيه القبور ذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة ولا تؤخذ من أحد فديةُ ولا تقبل من أحد معذرةٌ ، ولا لأحد فيه مستقبل توبة ، ليس إلَّا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات ، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده .
فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذركموها في الكتاب الصَّادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتدميره(1)عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا ، فإن الله يقول : ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ (2)وأشعروا قلوبكم خوف الله وتذكروا ما [قد] وعدكم في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شدید عقابه ، فإنه من خاف شيئاً حذره ومن حذر شيئاً تركه ، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات وقد قال الله تعالى :﴿«أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ،أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾(3)أو يأخذهم على تخوف ،فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في كتابه لقد وعظكم الله بغيركم وإن السعيد من وعظ بغيره . ولقد أسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القُرى قبلكم حيث قال : ﴿وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾(4)وقال : ﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ﴾(5)يعني . قال : ﴿ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾(6)يهربون فلما أتاهم العذاب ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾(7)فإن قلتم أيها الناس: إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك ، فكيف ذاك وهو يقول : ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾(8) اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين وإنما
ص: 179
يحشرون إلى جهنم زمراً وإنما تنصب الموازين وتنشر الدواوين لأهل الإسلام ، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى لم يحب زهرة الدنيا لأحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها فإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملاً لآخرته ، وأيم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال وصرفت الآيات لقوم يعقلون ، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ولا قوّة إلَّا بالله . وازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله يقول - وقوله الحق - : ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾(1)ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قال لمحمد بلال : ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾(2)ولا تركنوا إلى هذه الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان ، فإنها دار قلعة ومنزل بلغة ودار عمل ، فتزودوا الأعمال الصالحة قبل تفرق أيامها وقبل الإذن من الله في خرابها ، فكأن قد أخربها الذي عمرها أول مرّة وابتدأها وهو ولي ميراثها . وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى والزهد في الدنيا جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا ، الراغبين في أجل ثواب الآخرة فإنما نحن له وبه السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا المائلون إليها ، المفتونون بها ، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد غداً (3). واحذروا ما حذركم الله منها وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها . ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من أعدها داراً وقراراً وبالله إن لكم مما فيها عليها دليلاً من زينتها وتصريف أيامها وتغيير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها ، إنها لترفع الخميل وتضع الشريف وتورد النار أقواماً غداً، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه . وإن الأُمور الواردة عليكم في كل يوم
ص: 180
وليلة من مظلمات الفتن وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب عن نيتها وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله جل وعزّ فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلَّا من عصم الله ونهج سبيل الرشد وسلك طريق القصد . ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرر الفكر واتعظ بالعبر وازدجر ، فزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة مع القوم الظالمين فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة ، فقد لعمري استدبرتم من الأُمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيها ما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الأرض بغير الحق . فاستعينوا بالله وارجعوا إلى طاعته وطاعة من هو أولى بالطاعة من طاعة من اتبع وأُطيع .
فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه. وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم. وما العلم بالله والعمل بطاعته إلا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه فحثه الخوف على العمل بطاعة الله وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾(1)فلا تلتمسوا شيئاً في هذه الدنيا بمعصية الله واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غداً من عذاب الله ، فإن ذلك أقل للتبعة وأدنى من العذر وأرجا للنجاة . فقدموا أمر الله وطاعته وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الأُمور كلها ولا تقدموا الأُمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم . واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غداً وهو موقفكم ومسائلكم ، فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين ، يومئذ لا تكلم نفس إلا بإذنه واعلموا أن الله لا يصدق كاذباً ولا يكذب صادقاً ولا يرد عذر مستحق ولا يعذر غير معذور بل الله الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل . فاتقوا الله واستقبلوا
ص: 181
إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها. لعل نادماً قد ندم على ما قد فرط بالأمس في جنب الله وضيع من حق الله واستغفروا الله وتوبوا إليه فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون وإياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين احذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم . واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر ولي الله في نار تلتهب، تأكل أبداناً (قد غابت عنها أرواحها)غلبت عليها شقوتها (فهم موتى لا يجدون حر النار) فاعتبروا يا أُولي الأبصار واحمدوا الله على ما هداكم . واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين .
إعلم رحمك الله أن الله عليك حقوقاً محيطة لك في كل حركة تحركتها ، أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها وآلة تصرفت بها : بعضها أكبر من بعض وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ومنه تفرع ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك ، فجعل البصرك عليك حقاً ولسمعك عليك حقاً وللسانك عليك حقاً وليديك عليك حقاً ولرجلك عليك حقاً ، ولبطنك عليك حقاً ولفرجك عليك حقاً ، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال . ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقاً ، فجعل لصلاتك عليك حقاً ولصومك عليك حقاً ولصدقتك عليك حقاً ولهديك عليك حقاً ولأفعالك عليك حقاً ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذي الحقوق الواجبة عليك وأوجبها عليك حقاً أئمتك ثم حقوق رعيتك ثم حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعب منها حقوق فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان ثم سائسك بالعلم ثم حق سائسك بالملك وكل سائس(1)إمام وحقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان ، ثم حق رعيتك بالعلم فإن الجاهل رعية العالم وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت من الأيمان وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة . فأوجبها عليك حق أمك، ثم حق أبيك ثم حق ولدك ، ثم حق أخيك ثم الأقرب فالأقرب والأول فالأول ، ثم حق مولاك المنعم عليك ، ثم حق مولاك الجاري نعمته
ص: 182
عليك ، ثم حق ذي المعروف لديك، ثم حق مؤذنك بالصلاة ، ثم حق إمامك في صلاتك ، ثم حق جليسك ، ثم حق جارك ، ثم حق صاحبك ثم حق شريكك ، ثم حق مالك ، ثم حق غريمك الذي تطالبه ، ثم حق غريمك الذي يطالبك ، ثم حق خليطك ، ثم حق خصمك المدعي عليك ، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه ، ثم حق مستشيرك ثم حق المشير عليك ، ثم حق مستنصحك ، ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر منك ، ثم حق من هو أصغر منك ، ثم حق سائلك ، ثم حق من سألته ، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرّة بذلك بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد منه ، ثم حق أهل ملّتك عامة ، ثم حق أهل الذمة ، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرُّف الأسباب ، فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدّده .
1 - فأما حقُّ الله الأكبر فإنك تعبده لا تشرك به شيئاً ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تُحب منها.
2 - وأما حقُّ نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله ، فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه ، وإلى يدك حقها ، وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقه ، وإلى فرجك حقه ، وتستعين بالله على ذلك .
3 - وأما حق اللسان فإكرامه عن الخنى وتعويده على الخير وحمله على الأدب وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها وبعد شاهد العقل والدليل عليه وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ، ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم .
4 - وأما حقُّ السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيراً أو تكسب خلقاً كريماً فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ، ولا قوة إلا بالله .
5- وأما حقُّ بصرك فغضه عما لا يحلُّ لك وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً ، فإن البصر باب الاعتبار .
6 - وأما حقُّ رجليك فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحلُّ لك ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين والسبق لك ،
ص: 183
ولا قوة إلا بالله .
7- وأما حقُّ يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الاجل ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل ، ولا تقبضها مما افترض الله عليها ، ولكن توفِّرها بقبضها عن كثير مما لا يحلُّ لها وبسطها إلى كثير مما ليس عليها ، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب في الآجل .
8- وأما حقّ بطنك فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير وأن تقتصد له في الحلال ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروَّة وضبطه إذا همَّ بالجوع والظمأ فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة ٌومثبطةٌ ومقطعةٌ عن كل برّ وكرم . وإن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفةٌ ومجهلة ومذهبة للمروَّة .
9 - وأما حقّ فرجك فحفظه مما لا يحلُّ لك والاستعانة عليه بغض البصر ، فإنه من أعون الأعوان وكثرة ذكر الموت والتهدّد لنفسك بالله والتخويف لها به ، وبالله العصمة والتأييد ، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله.
10 - فأما حقُّ الصلاة فأن تعلم أنها وفادةٌ إلى الله وأنك قائم بها بين يدي الله فإذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام الذليل ، الراغب، الراهب ، الخائف ، الراجي ، المسكين ، المتضرِّع ، المعظّم من قام بين يديه بالسكون والإطراق، وخشوع الأطراف ولين الجناح ، وحسن المناجاة له في نفسه والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ، ولا قوة إلا بالله.
11 - وأما حقُّ الصوم فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ليسترك به من النار . وهكذا جاء في الحديث: «الصوم جنة من النار فإن سكنت أطرافك في حَجَبتها رجوت أن تكون محجوباً وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حدِّ التقيّة الله لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه ، ولا قوة إلا بالله .
12 - وأما حقُ الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج
ص: 184
إلى الإشهاد(1)فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرّاً أوثق بما استودعته علانية وكنت جديراً أن تكون أسررت إليه أمراً أعلنته وكان الأمر بينك وبينه فيها سراً على كل حال ، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها [ب] -إشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنها أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك . ثم لم تمتنَّ بها على أحد لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مَننت بها عليه لأن في ذلك دليلاً على أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتنَّ بها على أحد ، ولا قوة إلا بالله.
13 - وأما حقّ الهدى فأن تخلص بها الإرادة إلى ربك والتعرض لرحمته وقبوله ولا تريد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن مُتكلفاً ولا مُتصنعاً وكنتَ إنما تقصد إلى الله. واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير، كما أراد بخلقه التيسير التعسير ، وكذلك التذلل أولى بك من التدهُن لأن الكلفة والمؤونة في ولم يُرد بهم المتدهقنين فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ولا مؤونة عليهما لأنهما الخلقة وهما موجودان في الطبيعة ، ولا قوة إلا بالله .
14-فأما حق سائسك بالسلطان فأن تعلم أنك جُعِلت له فتنة وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان وأن تخلص له في النصيحة وأن لا تماحكه(2)وقد بُسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه . وتذلّل وتلطّف لإعطائه من الرضى ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك وتستعين عليه في ذلك بالله . ولا تعازّه(3)ولا تُعانده ، فإنّك إن فعلت ذلك عَققته وعَقَقت نفسك فعرّضتها لمكروهه وعرّضته للهلكة فيك وكنت خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك وشريكاً له فيما أتى إليك ، ولا قوة إلا بالله .
15 - وأما حقّ سائسك بالعلم فالتعظيم له والتوقير لمجلسه وحُسن الاستماع إليه
ص: 185
والإقبال عليه والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرّغ له عقلك وتُحضره فهمك وتذكي له (قلبك) وتُجلّي له بَصرك بترك اللذات ونقص الشهوات وأن تعلم أنّك فيما ألقى (إليك) رسوله إلى من لَقِيَك من أهل الجهل فلزمك حُسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلّدتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
16 - وأما حقُّ سائسك بالملك فنحوٌ من سائسك بالسلطان إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك ، تلزمك طاعته فيما دقُّ وجلَّ منك إلَّا أن تُخرجك من وجوب حق الله ، ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعتَ إلى حقه(1)فَتشاغّلت به ، ولا قوة إلا بالله .
17 - فأما حقوق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوَّتك عليهم فإنه إنما أحلَّهم محل الرعية لك ضَعفهم وذلّهم ، فما أولى مَن كفاكه ضعفه وذُله حتى صيّره لك رعية وصيّر حكمك عليه نافذاً ، لا يمتنع منك بعزّة ولا قوَّة ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا (بالله) بالرحمة والحياطة والأناة(2)، وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزَّة والقوّة التي قهرت بها أن تكون الله شاكراً ، ومَن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ، ولا قوّة إلا بالله .
18 - وأما حق رعيتك بالعلم ، فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم فيما آتاك من العلم ، وولاك من خزانة الحكمة ، فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك وقُمت به لهم مقام الخازن الشفيق ، الناصح لمولاه في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه كنت راشداً ، وكنت لذلك آملاً معتقداً(3)وإلا كنت له خائناً ولخلقه ظالماً ولسلبه وعزه متعرضاً .
19 - وأما حقُ رعيتك بملك النكاح ، فأن تَعلم أن الله جعلها سَكناً ومُستراحاً وأنساً وواقية ، وكذلك كل واحد منكما أن يجب يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك
ص: 186
نعمةٌ منه عليه ووجب أن يُحسن صحبة نعمة الله ويُكرمها ويُرفق بها وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بدّ من قضائها وذلك عظيم ولا قوّة إلَّا بالله .
20 - وأما حقّ رعيتك بملك اليمين فأن تعلم أنه خلق ربك ولحمك ودمك وأنك تملكه لا أنت صنعته دون الله ولا خلقت له سمعاً ولا بصراً ولا أجريت له رزقاً ، ولكن الله كفاك ذلك بمن سخَّره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه وتسير فيه بسيرته فتطعمه مما تأكل وتلبسه مما تلبس ولا تُكلفه ما لا يطيق ، فإن كرهت- [ه] خرجت إلى الله منه واستبدلت به ولم تعذِّب خلق الله ، ولا قوة إلا بالله .
21 - فحقُ أُمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يُطعم أحدٌ أحداً ، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك ، فرحة ، موبلة ، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى وترويك وتظما وتُظلك وتضحي وتنعمك ببؤسها ، وتلذَّذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاءاً وحجرها لك حواءاً وثديها لك سقاءاً ونفسها لك وقاءاً ، تباشر حرّ الدنيا وبردها لك ودونك ، فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه.
22 - وأما حق أبيك فتعلم أنه أصلك وأنك فرعه وأنك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه واحمد الله واشكره على قدر ذلك ، ولا قوة إلا بالله .
23 - وأما حقّ ولدك فتعلم أنه منك ومضافٌ إِليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته من حُسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزيِّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه ولا قوة إلا بالله.
ص: 187
24 - وأما حقّ أخيك فتعلم أنه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجيء إليه وعزُّك الذي تعتمد عليه وقوتك التي تصول بها فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ولا عدة للظلم بحق الله ، ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوِّه والحول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والإقبال عليه في الله ، فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له وإلا فليكن الله أثر عندك وأكرم عليك منه .
25 - وأما حقُّ المنعم عليك بالولاء(1)فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذُل الرق ووحشته إلى عزِّ الحرية وأُنسها وأطلقك من أسر الملكة وفكَّ عنك حلق العبودية ، وأوجدك رائحة العزِّ ، وأخرجك من سجن القهر ودفع عنك العسر ، وبسط لك لسان الإنصاف وأباحك الدنيا كلها فملكك نفسك وحلَّ أسرك وفرَّغك لعبادة ربك واحتمل بذلك التقصير في ماله . فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولي رحمك في حياتك وموتك وأحقُّ الخلق بنصرك ومعونتك ومكانفتك في ذات الله(2)، فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك .
26 - وأما حقُّ مولاك الجارية عليه نعمتك فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه وواقية وناصراً ومعقلاً وجعله لك وسيلة وسبباً بينك وبينه . فبالحريِّ أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثوابٌ منه في الآجل ويحكم لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقته من مالك عليه وقمت به من حقه بعد إنفاق مالك ، فإن لم تخفه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه ، ولا قوة إلا بالله .
27 - وأما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه وتنشر له المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه ، فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سراً وعلانية ، ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته وإلا كنت مرصداً له موطناً نفسك عليها(3).
28 - وأما حق المؤذن فأن تعلم أنه مذكرك بربك وداعيك إلى حظك وأفضل
ص: 188
أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك وإن كنت في بيتك متهماً لذلك لم تكن الله في أمره متهماً وعلمت أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال ، ولا قوة إلا بالله .
29 - وأما حق إمامك في صلاتك فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله والوفادة إلى ربك وتكلم عنك ولم تتكلم عنه ودعا لك ولم تدع له وطلب فيك ولم تطلب فيه وكفاك هم المقام بين يدي الله والمساءلة له فيك. ولم تكفه ذلك فإن كان في شيء من ذلك تقصير كان به دونك وإن كان آثماً لم تكن شريكه فيه ولم يكن لك عليه فضل، فوقى نفسك بنفسه ووقى صلاتك بصلاته ، فتشكر له على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله .
30 - وأما حق الجليس فأن تلين له كنفك(1)وتطيب له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار وإن كان الجالس إليك كان بالخيار ولا تقوم إلَّا بإذنه ولا قوة إلا بالله.
31 - وأما حق الجار فحفظه غائباً وكرامته شاهداً ونصرته ومعونته في الحالين جميعاً(2)، لا تتبع له عورة ولا تبحث له عن سوء [ة] لتعرفها ، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلف ، كنت لما علمت حصناً حصيناً وستراً ستيراً ، لو بحثت الأسنّة عنه ضميراً لم تتصل إليه لانطوائه عليه . لا تستمع عليه من حيث لا يعلم . لا تسلمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة . تقيل عثرته وتغفر زلته . ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك ولا تخرج أن تكون سلماً له . تردُّ عنه لسان الشتيمة وتبطل فيه كيد حامل النصيحة وتعاشره معاشرة كريمة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
32- وأما حقُّ الصاحب فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً وإلا فلا أقل من الإنصاف وأن تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ولا تقصر به عما يستحقُ من المودَّة . تلزم نفسك نصيحته وحياطته ومعاضدته على طاعة ربه ومعونته على نفسه فيما لا يهمُّ به من معصية
ص: 189
ربه ، ثم تكون (عليه) رحمة ولا تكون عليه عذاباً ، ولا قوة إلا بالله .
33 - وأما حق الشريك فإن غاب كفيته وإن حضر ساويته ولا تعزم على حكمك دون حكمه ولا تعمل برأيك دون مناظرته وتحفظ عليه ماله وتنفي عنه خيانته فيما عز أو هان فإنه بلغنا «أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا» ولا قوة إلا بالله .
34 - وأما حق المال فأن لا تأخذه إلا من حله ولا تنفقه إلا في حله ولا تحرفه عن مواضعه ولا تصرفه عن حقائقه ولا تجعله إذا كان من الله إلَّا إليه وسبباً إلى الله .ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك وبالحري أن لا يحسن خلافته في تركك ولا يعمل فيه بطاعة ربك فتكون معيناً له على ذلك وبما أحدث في مالك أحسن نظراً لنفسه فيعمل بطاعة ربه فيذهب بالغنيمة وتبوء بالإثم والحسرة والندامة مع التبعة(1)ولا قوة إلا بالله .
35 - وأما حق الغريم الطالب لك(2)فإن كنت موسراً أوفيته وكفيته وأغنيته ولم ترده وتمطله(3)فإن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «مطل الغني ظلم »وإن كنت معسراً أرضيته بحسن القول وطلبت إليه طلباً جميلاً ورددته عن نفسك رداً لطيفاً ولم تجمع عليه ذهاب ماله وسوء معاملته ، فإن ذلك لؤم ، ولا قوة إلا بالله .
36 - وأما حق الخليط(4)فأن لا تغره ولا تغشه ولا تكذبه ولا تغفله ولا تخدعه ولا تعمل في انتقاضه عمل العدو الذي لا يبقي على صاحبه وإن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك وعلمت أن غبن المسترسل رباً ، ولا قوة إلا بالله .
37 - وأما حق الخصم المدعي عليك فإن كان ما يدعي عليك حقاً لم تنفسخ حجته ولم تعمل في إبطال دعوته وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حق الله عليك وإن كان ما يدعيه باطلاً رفقت به وروعته وناشدته بدينه(5)وكسرت حدته عنك بذكر الله وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي .
ص: 190
لا یرد عنك عادية عدوك(1)بل تبوء بإثمه وبه يشحذ عليك سيف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشر . والخير مقمعة للشر ، ولا قوة إلا بالله.
38 - وأماحق الخصم المدعى عليه فإن كان ما يدعيه حقاً أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى(2)، فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه وقصدت قصد حجتك بالرفق وأمهل المهلة وأبين البيان وألطف اللطف ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال فتذهب عنك حجتك ولا يكون لك في ذلك درك ، ولا قوة إلا بالله .
39- وأما حقُّ المستشير فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به وذلك ليكن منك في رحمة ولين ، فإن اللين يؤنس الوحشة وإن الغلظ يوحش موضع الأُنس وإن لم يحضرك له رأي وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك دللته عليه وأرشدته إليه ، فكنت لم تأله خيراً (3)ولم تدخره نصحاً ، ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله.
40 - وأما حقُّ المشير عليك فلا تتهمه فيما يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرُّف الناس فيها واختلافهم. فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه ، فأما تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ، ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه وحسن وجه مشورته ، فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيه بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك ، ولا قوّة إلَّا بالله .
41 - وأما حقُّ المستنصح فإن حقه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له أنه يحمل ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه. وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه ، وليكن مذهبك الرحمة ، ولا قوّة إلَّا بالله .
42 - وأما حقُّ الناصح فأن تلين له جناحك ثم تشرئب له قلبك(4)وتفتح له
ص: 191
سمعك حتى تفهم عنه نصيحته ، ثم تنظر فيها ، فإن كان وفّق فيها للصواب حمدت الله على ذلك وقبلت منه وعرفت له نصيحته وإن لم يكن يوفّق رحمته ولم تتهمه وعلمت أنه لم يألك نصحاً إلَّا أنه أخطأ . إلَّا أن يكون عندك مستحقاً للتهمة فلا تعباً بشيء من أمره على كل حال ، ولا قوة إلَّا بالله .
43 - وأما حقُّ الكبير فإن حقه توقير سنه وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تؤمه في طريق ولا تستجهله وإن جهل عليك تحملت وأكرمته بحق إسلامه مع سنِّه فإنما حقُّ السنّ بقدر الإسلام ، ولا قوّة إلَّا بالله .
44 - وأما حقُّ الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة ، والمداراة له وترك مماحكته فإن ذلك أدنى لرشده .
45 - وأما حقُّ السائل فإعطاؤه إذا تهيأت صدقة وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل به والمعونة له على طلبته وإن شككت في صدقه وسبقت إليه التهمة له ولم تعزم على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدَّك عن حظك ويحول بينك وبين التقرّب إلى ربك وتركته بستره ورددته ردّاً جميلاً . وإن غلبت نفسك في أمره وأعطيته على ما عرض في نفسك منه . فإن ذلك من عزم من عزم الأُمور.
46 - وأما حقُّ المسؤول فحقه إن أعطى قُبل . منه ما أعطى بالشكر له والمعرفة لفضله وطلب وجه العذر في منعه وأحسن به الظن . واعلم أنه إن منع [فماله] منع وأن ليس التثريب في ماله(1)وإن كان ظالماً فإن الإنسان لظلوم كفار.
47 - وأما حقُّ من سرَّك الله به وعلى يديه ، فإن كان تعمَّدها لك حمدت الله أولاً ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء وكافأته على فضل الإبتداء وأرصدت له المكافأة وإن لم يكن تعمدها حمدت الله وشكرته وعلمت أنه منه ، توحَدك بها وأحببت هذا إذا كان سبباً من أسباب نعم الله عليك وترجو له بعد ذلك خيراً ، فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت وإن كان لم يعتمد ، ولا قوة إلَّا بالله
ص: 192
48 - وأما حقُّ ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل فإن كان تعمدها كان من العفو أولى بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق . فإن الله يقول : ﴿«وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ- إلى قوله - : من عَزمِ الأُمُور﴾(1). وقال عزَّ وجلَّ : ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾(2). هذا في العمد فإن لم يكن عمداً لم تظلمه بتعمد الإنتصار منه فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ ، ورفقت به ورددته بألطف ما تقدر عليه ، ولا قوّة إلَّا بالله.
49 - وأما حقُّ أهل ملتك عامة فإضمار السَّلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كفَّ عنك أذاه وكفاك مؤونته وحبس عنك نفسه فعمَّهم جميعاً بدعوتك وانصرهم جميعاً بنصرتك وأنزلهم جميعاً منك منازلهم ، كبيرهم بمنزلة الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد وأوسطهم بمنزلة الأخ . فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة . وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه .
50 - وأما حقُّ أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك [ وبينهم] من معاملة ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)حائل فإنه بلغنا أنه قال : «من ظلم معاهداً كنت خصمه» فاتق الله ، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله .
فهذه خمسون حقاً محيطاً بك لا تخرج منها في حال من الأحوال يجب عليك رعايتها والعمل في تأديتها والإستعانة بالله جلَّ ثناؤه على ذلك ، ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله ، والحمد لله رب العالمين .
إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة تركهم كل خليط وخليل
ص: 193
ورفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدونه . ألا وإن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا ، الآخذ للموت أهبته(1)، الحاث على العمل قبل فناء الأجل ونزول ما لا بد من لقائه . وتقديم الحذر قبل الحين(2)فإن الله عزّ وجلّ يقول : ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾(3). فلينزلنَّ أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا ، النادم على ما فرَّط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته .
واعلموا عباد الله : أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد ، وامتنع من الرقاد(4)وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا فكيف ويحك يا ابن آدم من خوف بيات سلطان ربِّ العزَّة وأخذه الأليم وبياته لأهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا(5)بالليل والنهار فذلك البيات الذي ليس منه منجى ، ولا دونه ملتجأ ولا منه مهرب . فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى ، فإن الله يقول : ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾(6). فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها وتذكروا ضرر عاقبة الميل إليها ، فإن زينتها فتنة وحبها خطيئة. واعلم ويحك يا ابن آدم أن قسوة البطنة(7)وفطرة الميلة وسكر الشبع وعزَّة الملك مما يثبط ويبطيء عن العمل وينسي الذكر ويلهي عن اقتراب الأجل حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب ، وأن العاقل عن الله ،الخائف منه ، العامل له ليمرَّن نفسه ويعودها الجوع حتى ما تشتاق إلى الشبع وكذلك تضمر الخيل لسباق الرهان(8).
ص: 194
فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمِّل ثوابه وخاف عقابه فقد الله أنتم أعذر وأنذر وشوَّق وخوّف فلا أنتم إلى ما شوّقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون ولا أنتم مما خوَّفكم به من شديد عقابه وأليم عذابه ترهبون فتنكلون ، وقد نبأكم الله في كتابه أنه :﴿مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾(1)ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه وصرّف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾(2). فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا ، فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله. وما أعلم إلَّا كثيراً منكم قد نهكته عواقب المعاصي فما حذرها وأضرّت بدينه فما مقتها . أما تسمعون النداء من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال :﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾(3). وقال : ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون﴾(4).
فاتقوا الله عباد الله وتفكروا واعملوا لما خلقتم له فإن الله لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدىً ، قد عرَّفكم نفسه وبعث إليكم رسوله وأنزل عليكم كتابه ، فيه حلاله وحرامه وحُججه وأمثاله فاتقوا الله فقد احتج عليكم ربكم فقال :﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ *وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾(5). فهذه حجة عليكم فاتقوا الله ما استطعتم فإنه لا قوّة إلَّا بالله ولا تكلان إلَّا عليه ، وصلّى الله على محمد [نبيه] وآله .
ص: 195
كفانا الله وإياك من الفتن ورحمك من النار ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك فقد أثقلتك نعم الله بما أصحَّ من بدنك وأطال من عمرك وقامت عليك حجج الله بما حمَّلك من كتابه وفقَّهك فيه من دينه وعرّفك من سنَّة نبيه محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)، فرض لك في كل نعمة أنعم بها عليك وفي كل حجة احتج بها عليك الفرض فما قضى إلَّا ابتلى شُكرك في ذلك وأبدى فيه فضله عليك فقال: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾(2)
فانظر أي رجل تكون غداً إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها وعن حُججه عليك كيف قضيتها ولا تحسبنَّ الله قابلاً منك بالتعذير ولا راضياً منك بالتقصير ، هيهات هيهات ليس كذلك ، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال :﴿ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾(3). واعلم أن أدنى ما كتمت وأخفَّ ما احتملت أن آنست وحشة الظالم وسهَّلت له طريق الغيِّ بدنوِّك منه حين دنوت وإجابتك له حين دُعيت ، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غداً مع الخونة ، وأن تُسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة ، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك ودنوت ممن لم يَردَّ على أحد حقاً ولم تردَّ باطلاً حين أدناك وأحببت من حادَّ الله . أو ليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسُلماً إلى ضلالتهم ، داعياً إلى غيِّهم ، سالكاً سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم ، فلم يبلغ أخصُّ وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلَّا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصّة والعامة إليهم . فما أقلَّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك . وما أيسر ما عمروا لك ، فكيف ما خرَّبوا عليك فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك وحاسبها حساب رجل مسؤول.
ص: 196
وانظر كيف شكرك لمن غذَّاك بنعمه صغيراً وكبيراً . فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه : ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾(1). إنك لست في دار مقام أنت في دار قد آذنت برحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه . طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يا بؤس لمن يموت وتبقى ذنوبه من بعده .
احذر فقد نبئت . وبادر فقد أُجلت . إنك تعامل من لا يجهل . وإن الذي يحفظ عليك لا يَغفل . تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد وداوِ ذنبك فقد دخله سُقم شدید .
ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك(2)، لكني أردت أن ينعش الله ما [قد] فات من رأيك ويَردَّ إليك ما عزب من دينك(3)وذكرت قول الله تعالى في كتابه :﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(4)
أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب(5). انظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ، أم هل تراهم ذكرت خيراً علموه ، وعلمت شيئاً جهلوه، بل حظيت بما حلَّ من حالك في صدور العامة وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك . إن أحللت أحلوا وإن حرَّمت حرَّموا ، وليس ذلك عندك ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ، ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم وحبُّ الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم . أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرَّة وما الناس فيه من البلاء والفتنة ، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم(6)إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت،
ص: 197
أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه ، وفي بلاء لا يقدر قدره ، فالله لنا ولك ، وهو المستعان.
أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم(1)لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها ، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنّك ورسوخ علمك وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنّه ، الجاهل في علمه المأفون في رأيه(2)، المدخول في عقله. إنا لله وإنا إليه راجعون . على من المعول(3)؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثَّنا وما نرى فيك ونحتسب عند الله مصيبتنا بك.
فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً ، وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلاً ، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيراً ، وكيف قربك أو بُعدك ممن أمرك أن تكون منه قريباً ذليلاً . مالك لا تنتبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول :« والله ما قمتُ الله مقاماً واحداً أحييت به له ديناً أو أمتُّ له فيه باطلاً». فهذا شكرك من استحملك ، ما أخوفني أن تكون كمن قال الله تعالى في كتابه :﴿ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾(4)، ما استحملك كتابه واستودعك علمه فأضعتها ، فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ، والسَّلام .
قال(عليه السلام): الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين .
وقال(عليه السلام): من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا .
وقيل له : من أعظم الناس خطراً؟ فقال(عليه السلام): من لم يرَ الدنيا خطراً لنفسه .
ص: 198
وقال بحضرته رجلٌ : اللَّهُمَّ أغنني عن خلقك فقال(عليه السلام): ليس هكذا ، إنما الناس بالناس ، ولكن قل : اللَّهُمَّ أغنني عن شرار خلقك .
وقال (عليه السلام): من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس .
وقال(عليه السلام): لا يقل عمل مع تقوى ، وكيف يقلُّ ما يتقبل .
وقال(عليه السلام): اتقوا الكذب ، الصغير منه والكبير في كل جد وهزل ، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير.
وقال(عليه السلام): كفى بنصر الله لك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك .
وقال(عليه السلام): الخير كله صيانة الإنسان نفسه .
وقال (عليه السلام): لبعض بنيه : يا بنيّ إن الله رضيني لك ولم يرضك لي ، فأوصاك بي ، ولم يوصني بك ، عليك بالبر تحفة يسيرة .
وقال له رجلٌ : ما الزهد ؟ فقال(عليه السلام): الزهد عشرة أجزاء(1): فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضى . وإن الزهد في آية من كتاب الله : لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم(2).
وقال(عليه السلام): طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار ، وهو الفقر الحاضر . وقلّة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر .
وقال(عليه السلام): إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً . وإن أعظمكم عند الله عملاً أعظمكم فيما عند الله رغبة . وإن أنجاكم من عذاب الله أشدُّكم خشية الله . وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقاً . وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله ، وإن أكرمكم على الله أتقاكم الله.
وقال(عليه السلام): البعض بنيه : يا بُني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق ، فقال : يا أبة من هم ؟ قال(عليه السلام): إياك ومصاحبة الكذاب ، فإنه بمنزلة السراب يقرِّب لك البعيد ويبعّد لك القريب. وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه
ص: 199
بايعك بأكله أو أقل من ذلك ، وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه . وإياك ومصاحبة الأحمق ، فإنه يريد أن ينفعك فيضرُّك . وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه . فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله .
وقال(عليه السلام): إن المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلّة مرائه خلقه وحلمه وصبره وحسن .
وقال(عليه السلام): ابن آدم ! إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظٌ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همك ، وما كان الخوف لك شعاراً ، والحذر لك دثاراً . ابن آدم ! إنك ميّت ومبعوث وموقوف بين يدي الله جلّ وعزَّ ، فأعدّ له جواباً .
وقال(عليه السلام): لا حسب لقرشيّ ولا لعربي إلا بتواضع . ولا كرم إلا بتقوى . ولا عمل إلا بنية . ولا عبادة إلا بالتفقه . ألا وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله .
وقال(عليه السلام): المؤمن من دعائه على ثلاث : إما أن يدّخر له ، وإما أن يُعجّل له ، وإما أن يدفع عنه بلاءاً يريد أن يصيبه .
وقال(عليه السلام): إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر ولا يأتي ، إذا قام إلى الصَّلاة اعترض ، وإذا ركع ربض ، وإذا سجد نقر ، يمسي وهمه العشاء ولم يصم(1)ويصبح وهمه النوم ولم يسهر ، والمؤمن خلط عمله بحلمه ، يجلس ليعلم ، وينصت ليسلم ، لا يحدّث بالأمانة الأصدقاء ، ولا يكتم الشهادة للبعداء ، ولا يعمل شيئاً من الحق رئائاً ولا يتركه حياءاً ، إن زكِّي خاف مما يقولون ويستغفر الله لما لا يعلمون ، ولا يضرُّه جهل من جهله.
ورأى(عليه السلام)عليلا قد برىء ، فقال(عليه السلام)له : يهنئوك الطهور من الذنوب إن الله قد ذكرك فاذكره وأقالك فاشكره .
وقال(عليه السلام): خمس لو رحلتم فيهن لأنضيتموهنَّ(2)، وما قدرتم على مثلهن : لا يخاف عبدٌ إلَّا ذنبه . ولا يرجو إلَّا ربه . ولا يستحيي الجاهل إذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم . والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد . ولا إيمان لمن لا صبر له .
ص: 200
وقال(عليه السلام): يقول الله : يا ابن آدم ارضَ بما آتيتك تكن من أزهد الناس . ابن آدم ! إعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس . ابن آدم ! اجتنب [م] -ما حرَّمت عليك تكن من أورع الناس .
وقال(عليه السلام): كم من مفتون بحُسن القول فيه . وكم من مغرور بحُسن الستر عليه . وكم من مستدرج بالإحسان إليه
وقال(عليه السلام): يا سوأتاه لمن غلبت أحداته عشراته. - يريد أن السيئة بواحدة ، والحسنة بعشرة - .
وقال(عليه السلام): إن الدنيا قد ارتحلت مدبرةً . وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحد منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، لأن الزاهدين اتخذوا أرضَ الله بساطاً والتراب فراشاً ، والمدر وساداً ، والماء طيباً ، وقرّضوا المعاش من الدنيا تقريضاً. اعلموا أنه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات وسلا عن الشهوات . ومن أشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه وراجع عن المحارم . ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها . وإن الله عزَّ وجلَّ لعباداً قلوبهم معلقةٌ بالآخرة وثوابها وهم كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين منعَّمين ، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين ، فأولئك شرورهم وبوائقهم عن الناس مأمونة ، وذلك أن قلوبهم عن الناس مشغولة بخوف الله ، فطرفهم عن الحرام مغضوضٌ وحوائجهم إلى الناس خفيفة ، قبلوا اليسير من الله في المعاش وهو القوت ، فصبروا أياماً قصاراً لطول الحسرة يوم القيامة .
وقال له رجلٌ : إني لأحبك في الله حباً شديداً . فنكس (عليه السلام)رأسه ، ثم قال اللهم إني أعوذ بك أن أُحب فيك وأنت لي مبغضٌ . ثم قال له : أُحبك للذي تحبني فيه .
وقال(عليه السلام): إن الله ليبغض البخيل السائل الملحف .
وقال(عليه السلام): ربَّ مغرور مفتون يصبح لاهياً ضاحكاً ، يأكل ويشرب وهو لا يدري لعله قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم .
وقال (عليه السلام): إن من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار(1). والتوسع على
ص: 201
قدر التوسع . وإنصاف الناس من نفسه وابتداؤه إياهم بالسلام .
وقال(عليه السلام): ثلاث منجيات للمؤمن : كفُّ لسانه عن الناس واغتيابهم ، وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه. وطول البكاء على خطيئته .
وقال(عليه السلام): نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودَّة والمحبة له عبادة.
وقال(عليه السلام): ثلاث من كنَّ فيه من المؤمنين كان في كنف الله ، وأظله الله يوم القيامة في ظلِّ عرشه ، وآمنه من فزع اليوم الأكبر : من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه . ورجلٌ لم يقدِّم يداً ولا رجلاً حتى يعلم أنه في طاعة الله قدّمها أو في معصيته . ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه ، وكفى بالمرء شغلاً بعيبه لنفسه عن عيوب الناس.
وقال(عليه السلام): ما من شيء أحبُّ إلى الله بعد معرفته من عفَّة بطن وفرج . وما [من] شيء أحبُّ إلى الله من أن يسأل .
وقال لابنه محمد(عليهم السلام): افعل الخير إلى كل من طلبه منك ، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه ، وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله وإن شتمك رجل عن يمينك ،ثم تحوَّل عن يسارك ، واعتذر إليك فاقبل عذره .
وقال(عليه السلام): مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح . وآداب العلماء زيادة في العقل . وطاعة ولاة الأمر تمام العزّ، واستنماء المال تمام المروّة ، وإرشاد المستشير قضاء لحقِّ النعمة ، وكفُّ الأذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلاً وآجلاً.
وكان عليّ بن الحسين(عليهم السلام)إذا قرأ الآية : ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾(1)يقول(عليه السلام): سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنه لا يدركه ، فشكر عزَّ وجلَّ معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته ، وجعل معرفتهم بالتقصير شكراً ، كما جعل علم العالمين أنهم لا يدركونه إيماناً ، علماً منه أنه قد [ر] وسع العباد فلا يجاوزون ذلك.
وقال(عليه السلام): سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمداً ، سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكراً .
ص: 202
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصيته(عليه السلام) لجابر بن يزيد الجعفي
روي عنه(عليه السلام)أنه قال له : يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمساً : إن حضرت لم تُعرف . وإن غبت لم تُفتقد ، وإن شهدت لم تُشاور ، وإن قلت لم يُقبل قولك ، وإن خطبت لم تزوّج ، وأُوصيك بخمس : إن ظُلمت فلا تظلم ، وإن خانوك فلا تخن ، وإن كذّبت فلا تغضب ، وإن مدحت فلا تفرح وإن ذممت فلا تجزع، وفكّر فيما قيل فيك ، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك ، فسقوطك من عين الله جلّ وعزّ عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس ، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك ، فثوابٌ اكتسبته من غير أن يتعب بدنك .
واعلم بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : إنك رجلٌ سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنك رجل صالح لم يسرّك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ، فإن كنت سالكاً سبيله زاهداً في تزهيده راغباً في ترغیبه خائفاً من تخويفه فاثبت وأبشر ، فإنه لا يضرُّك ما قيل فيك . وإن كنت مبايناً .
ص: 203
للقرآن فماذا الذي يغرُّك من نفسك . إن المؤمن مُعنى بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرَّة يقيم أودها(1)، ويخالف هواها في محبة الله ، ومرَّة تصرعه نفسه فيتَّبع هواها ، فينعشه الله فينتعش ويُقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بأن الله يقول : ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾(2).
یا جابر : استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصاً إلى الشكر ، واستقلل من نفسك كثير الطاعة إزراءاً على النفس وتعرضاً للعفو . وادفع عن نفسك حاضر الشرِّ بحاضر العلم ، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل . وتحرَّز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدَّة التيقظ ، واستجلب شدَّة التيقظ بصدق الخوف ، واحذر خفي التزيّن بحاضر الحياة وتوقٌ مجازفة الهوى بدلالة العقل . وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم، واستبق خالص الأعمال ليوم الجزاء ، وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص ، وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة . واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل ، واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس ، وسدّ سبيل العجب بمعرفة النفس ،وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض ، واطلب راحة البدن بإجمام القلب ،وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ ، وتعرّض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن ، وتحرّز من إبليس بالخوف الصادق ، وإياك والرجاء الكاذب ، فإنه يوقعك في الخوف الصادق ، وتزيّن الله عزّ وجلّ بالصدق في الأعمال ، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال ، وإياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكي ، وإياك والغفلة [ف] -فيها تكون قساوة القلب ، وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه ، فإليه يلجأ النادمون ، واسترجع سالف الذنوب بشدَّة الندم ، وكثرة الاستغفار ، وتعرض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجاة في الظلم ، وتخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة ، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر والتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم ، واطلب بقاء العز بإماتة الطمع ، وادفع ذلّ الطمع بعزِّ اليأس واستجلب عزّ اليأس ببعد الهمة ، وتزوّد من الدنيا بقصر الأمل ، وبادر بانتهاز البغية(3).
ص: 204
عند إمكان الفرصة ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان ، وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء(1).
واعلم أنه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى ، ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء مُعين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنى كغنى النفس ، ولا قوَّة كغلبة الهوى ، ولا نور كنور اليقين ، ولا يقين كاستصغارك الدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك . ولا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق ، ولا شرف كبعد الهمة ، ولا زهد كقصر الأمل ، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات ، ولا عدل كالإنصاف ، ولا تعدِّي كالجور ، ولا جور كموافقة الهوى ، ولا طاعة كأداء الفرائض ، ولا خوف كالحزن ، ولا مصيبة كعدم العقل ، ولا عدم عقل كقلة اليقين ، ولا قلة يقين كفقد الخوف ، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف ، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها ، ولا فضيلة كالجهاد ، ولا جهاد كمجاهدة الهوى ، ولا قوة كرد الغضب ، ولا معصية كحب البقاء ، ولا ذل كذل الطمع ، وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة ، فإنه ميدان يجري لأهله بالخسران .
خرج يوماً وهو يقول : أصبحت والله يا جابر محزوناً مشغول القلب ، فقلت : جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك ، كلُّ هذا على الدنيا ؟ . فقال(عليه السلام) : لا يا جابر ، ولكن حزن همِّ الآخرة ، يا جابر من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان شغل عما في الدنيا من زينتها، إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعبٌ ولهوٌ ، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، يا جابر : إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الدنيا . واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة ، وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون أهل العلم والفقه وأهل فكرة واعتبار لا يملّون من ذكر الله .
واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الأغنياء ، أغناهم القليل من الدنيا فمؤونتهم پسيرة ، إن نسيت الخير ذكَّروك ، وإن عملت به أعانوك ، أخَّروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم ، وقدّموا طاعة ربهم أمامهم ، ونظروا إلى سبيل الخير ، وإلى ولاية أحباء الله
ص: 205
فأحبوهم ، وتولّوهم واتبعوهم .
فأنزل نفسك من الدنيا كمثل منزل نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه ، أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت ثم انتبهت من رقدتك وليس في يدك شيء . وإني إنما ضربت لك مثلا لتعقل وتعمل به إن وفقك الله له . فاحفظ یا جابر ما استودعك من دين الله وحكمته . وانصح لنفسك وانظر ما الله عندك في حياتك ، فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك . وانظر فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحوَّل عنها إلى دار المستعتب اليوم ، فلربَّ حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله ، فلما ناله كان عليه وبالاً وشقي به ، ولربَّ كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله
فسعد به .
سأله رجل من شيعته عن حروب أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فقال(عليه السلام) له : بعث الله محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم) بخمسة أسياف :
ثلاثة منها شاهرةً لا تغمد(1)حتى تضع الحرب أوزارها ، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً .
وسيفٌ مكفوف .
وسيف منها مغمودٌ سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا.
فأما السيوف الثلاثة الشاهرة :
فسيف على مشركي العرب ، قال الله جلَّ وعزَّ : ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾(2). ﴿ فَإِنْ تَابُوا - أي آمنوا - وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾(3). هؤلاء لا يقبل منهم إلا
ص: 206
القتل أو الدخول في الإسلام ، وأموالهم فيء وذراريهم سبي على ما سنَّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فإنه سبى وعفا وقبل الفداء .
والسيف الثاني على أهل الذمة قال الله سبحانه :﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾(1). نزلت هذه الآية في أهل الذمة ونسخها قوله :﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾(2)فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل ومالهم فيء ، وذراريهم سبي ، فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرُمت أموالهم وحلَّت لنا مناكحهم ، ومن كان منهم في دار الحرب حلّ لنا سبيهم وأموالهم ولم تحلَّ لنا مناكحتهم ، ولم يقبل منهم إلا دخول دار الإسلام ، والجزية أو القتل.
والسيف الثالث على مشركي العجم كالترك والديلم والخزر(3). قال الله عزّ وجلَّ في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقصَّ قصتهم ثم قال : ﴿ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾(4). فأما قوله :﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ ﴾يعني بعد السبي منهم ﴿وَإِمَّا فِدَاءً﴾ يعني المفاداة بينهم وبين أهل الإسلام، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام ولا يحل لنا نكاحهم ما داموا في دار الحرب .
وأما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله : ﴿«وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا - صلحاً - فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾(5)فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): إن
ص: 207
منكم من يقاتل بعدي على التأويل ، كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)من هو؟ فقال : خاصف النعل - يعني أمير المؤمنين(عليه السلام)- وقال عمار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ثلاثاً (1)وهذه الرابعة. والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا الفي السعفات من هجر(2) لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين(عليه السلام) مثل ما كان من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في أهل مكة يوم فتحها فإنه لم يسب لهم ذرية ، وقال : من أغلق بابه فهو آمن . ومن ألقى سلاحه فهو آمن . وكذلك قال أمير المؤمنين(عليه السلام) يوم البصرة نادى فيهم : لا تسبوا لهم ذرية ولا تدففوا على جريح(3)ولا تتبعوا مدبراً ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن.
والسيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص ، قال الله عزَّ وجلَّ : ﴿ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ﴾(4)فسلّه إلى أولياء المقتول وحكمه إلينا.
فهذه السيوف التي بعث بها محمداً(صلی الله علیه وآله وسلم)فمن جحدها أو جحد واحداً منها أو شيئاً من سيرها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله تبارك وتعالى على نبيه محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)
وحضره ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم ساهون لاهون ، فأغاظه ذلك ، فأطرق ملياً ، ثم رفع رأسه إليهم فقال : إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميّتاً . ألا يا أشباحاً بلا أرواح ، وذباباً بلا مصباح كأنكم خشب مسندة وأصنام مَريدة . ألا تأخذون الذهب من الحجر ، ألا تقتبسون الضياء من النور الأزهر ، ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر ، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها ، وإن لم يعمل بها ، فإن الله يقول : ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ﴾(5). ويحك يا مغرور ألا تحمَد من تعطيه فانياً ويعطيك باقياً ، درهم يفنى بعشرة
ص: 208
تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم ، آتاك الله عند مكافأة هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك ممن يُراعيك من حفظك في ليلك ونهارك وأجابك عند اضطرارك وعزم لك على الرشد في اختبارك . كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك دعوته فاستجاب لك ، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر ، فنسيته فيمن ذكر ، وخالفته فيما أمر . ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب(1). كلما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه ، فارتكبته كأنك لست بعين الله . أو كأن الله ليس لك بالمرصاد . يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكلّ مطيتك وأوهى همتك فلله أنت من طالب ومطلوب، ويا هارباً من النار ما أحث مطيتك إليها ، وما أكسبك لما يوقعك فيها . انظروا إلى هذه القبور سطوراً بأفناء الدور ، تدانوا في خططهم(2)وقربوا في مزارهم، وبعدوا في لقائهم ، عمروا فخربوا ، وآنسوا فأوحشوا ، وسكنوا فأزعجوا ، وقنطوا فرحلوا ، فمَن سمع بدان بعيد وشاحط قريب(3)، وعامر مخرب وآنس موحش وساكن مزعج ، وقاطن مرحلٍ (4)غير أهل القبور ؟
يا ابن الأيام الثلاثة : يومك الذي ولدت فيه ، ويومك الذي تنزل فيه قبرك ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك ، فيا له من يوم عظيم يا ذوي الهيئة المعجبة والهيم المعطنة(5) ما لي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة، أما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه ، وما أنتم إليه صائرون لقلتم :﴿ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(6). قال جلّ من قائل :﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ ... وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾(7).
ص: 209
قال(عليه السلام): صانع المنافق بلسانك . وأخلص مودتك للمؤمن . وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته .
وقال(عليه السلام): ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم(1).
وقال(عليه السلام): الكمال كل الكمال التفقه في الدين ، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة.
وقال(عليه السلام): والله المتكبر ينازع الله رداءه.
وقال(عليه السلام)يوماً لمن حضره : ما المروَّة ؟ فتكلموا ، فقال(عليه السلام): المروَّة أن لا تطمع فتذلّ ، وتسأل فتقل ، ولا تبخل فتشتم ، ولا تجهل فتخصم ، فقيل : ومن يقدر على ذلك ؟ فقال(عليه السلام): من أحبَّ أن يكون كالناظر في الحدقة ، والمسك في الطيب ، وكالخليفة في يومكم هذا في القدر.
وقال يوماً رجلٌ عنده : اللَّهُمَّ أغننا عن جميع خلقك . فقال أبو جعفر(عليه السلام): لا تقل هكذا . ولكن قل : اللَّهُمَّ أغننا عن شرار خلقك ، فإن المؤمن لا يستغني عن أخيه .
وقال(عليه السلام): قم بالحق واعتزل ما لا يعنيك ، وتجنب عدوك ، واحذر صديقك من الأقوام ، ألا الأمين من خشي الله ، ولا تصحب الفاجر ، ولا تطلعه على سرِّك ،واستشر في أمرك الذين يخشون الله .
وقال(عليه السلام): صحبة عشرين سنة قرابة .
وقال(عليه السلام): إن استطعت أن لا تعامل أحداً إلَّا ولك الفضل عليه فافعل .
وقال(عليه السلام): ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة : أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتحلم إذا جهل عليك .
وقال(عليه السلام): الظلم ثلاثة : ظلم لا يغفره الله ، وظلم يغفره الله ، وظلم لا يدعه
ص: 210
الله ، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك بالله ، وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله ، وأما الظلم الذي لا يَدعه الله فالمدائنة بین العباد(1).
وقال(عليه السلام): ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أو لم تقضَ إلَّا ابتلي بالسعي في حاجة فيما يأثم عليه ولا يؤجر ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلَّا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله .
وقال(عليه السلام): في كل قضاء الله خيرٌ للمؤمن .
وقال(عليه السلام): إن الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة وأحب ذلك لنفسه ، إن الله جلَّ ذكره يحبُّ أن يسأل ويطلب ما عنده .
وقال(عليه السلام): من لم يجعل الله له من نفسه واعظاً ، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئاً .
وقال(عليه السلام): من كان ظاهره أرجح من باطنه خفَّ ميزانه.
وقال(عليه السلام): كم من رجل قد لقي رجلاً فقال له : كبَّ(2) الله عدوَّك وما له من عدوِّ إلَّا الله .
وقال(عليه السلام): ثلاثة لا يُسلّمون : الماشي إلى الجمعة ، والماشي خلف جنازة ، وفي بيت الحمام .
وقال(عليه السلام): عالمٌ ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.
وقال(عليه السلام): لا يكون العبد عالماً حتى لا يكون حاسداً لمن فوقه ، ولا محقّراً لمن دونه .
وقال(عليه السلام): ما عرف الله من عصاه وأنشد :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه*** هذا العمرك في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته*** إن المحب لمن أحبَّ مطيع
ص: 211
وقال(عليه السلام): إنما مَثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثاً كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه محوج ، وأنت منها على خطر.
وقال(عليه السلام): ثلاث خصال لا يموت صاحبهنَّ أبداً حتى يرى وبالهن : البغي. وقطيعة الرحم . واليمين الكاذبة يبارز الله بها . وإن أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم ، وإن القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون . وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها .
وقال(عليه السلام) : لا يقبل عمل إلَّا بعمل . ومن عرف دلّته معرفته على العمل . ومن لم يعرف فلا عمل له .
وقال(عليه السلام): إن الله جعل للمعروف أهلاً من خلقه ، حبَّب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ، ووجَّه لطلاب المعروف الطلب إليهم ، ويسر لهم قضاءه كما يسّر الغيث للأرض المجدبة(1)ليحييها ويحيي أهلها ، وإن الله جعل للمعروف أعداءاً من خلقه بغّض إليهم المعروف وبغّض إليهم فعاله ، وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم ، وحظر عليهم قضاءه، كما يحظر الغيث عن الأرض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها ، وما يعفو الله عنه أكثر.
وقال(عليه السلام): اعرف المودَّة في قلب أخيك بما له في قلبك .
وقال(عليه السلام): الإيمان حب وبغض .
وقال(عليه السلام) : ما شيعتنا إلَّا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون إلَّا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصَّلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا أُمناء عشائرهم في الأشياء .
وقال(عليه السلام): أربعٌ من كنوز البر : كتمان الحاجة . وكتمان الصدقة . وكتمان الوَجع . وكتمان المصيبة.
وقال(عليه السلام): من صدق لسانه زكى عمله . ومن حسنت نيّته زيد في رزقه . ومن
ص: 212
حسن برُّه بأهله زيد في عمره .
وقال(عليه السلام): إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شرٍ ، من كسل لم يؤدِّ حقاً ومن ضجر لم يصبر على حق .
وقال(عليه السلام): من استفاد أخاً في الله على إيمان بالله ووفاءاً بإخائه طالباً لمرضاة الله فقد استفاد شعاعاً من نور الله وأماناً من عذاب الله وحجة يفلج بها القيامة(1)يوم وعزاً باقياً وذكراً نامياً ، لأن المؤمن من الله عزَّ وجلَّ لا موصول ولا مفصول . قيل له(عليه السلام): ما معنى لا مفصول ولا موصول ؟ قال : لا موصول به إنه هو ، ولا مفصول منه إنه من غيره.
وقال(عليه السلام): كفى بالمرء غشاً لنفسه أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب غيره بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.
وقال(عليه السلام): التواضع الرضا بالمجلس دون شرفه ، وأن تُسلِّم على من لقيت ، وأن تترك المراء وإن كنت محقاً .
وقال(عليه السلام): إن المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسيء به الظن.
وقال(عليه السلام)لابنه : اصبر نفسك على الحق ، فإنه من منع شيئاً في حق أُعطي في باطل مثليه.
وقال(عليه السلام): من قسم له الخُرق حجب عنه الإيمان.
وقال(عليه السلام): إن الله يبغض الفاحش المتفحش .
وقال(عليه السلام): إن الله عقوبات في القلوب والأبدان : ضنكٌ في المعيشة ووهن في العبادة . وما ضُرب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب.
وقال(عليه السلام): إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الصابرون ؟ . فيقوم فئام من الناس(2). ثم ينادي منادٍ أين المتصبِّرون ؟ . فيقوم فئام من الناس . قلت : جعلت
ص: 213
فداك ما الصابرون والمتصبّرون ؟ . فقال(عليه السلام): الصابرون على أداء الفرائض ،والمتصبِّرون على ترك المحارم .
وقال(عليه السلام): يقول الله : ابن آدم : اجتنب ما حرَّمتُ عليك تكن من أورع الناس.
وقال(عليه السلام): أفضل العبادة عفة البطن والفرج .
وقال(عليه السلام): البشر الحسن ، وطلاقة الوجه ، مكسبةٌ للمحبَّة وقُربةٌ من الله . وعبوس الوجه وسوء البشر ، مَكسبة للمقت وبعدٌ من الله .
وقال(عليه السلام): ماتذرع إلي بذريعة ولا توسل بوسيلة هي أقرب له إلى ما يحب من يدٍ سالفة مني إليه أتبعتها أختها ليحسن حفظها وربها ، لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل ، وما سمحت لي نفسي برد بكر الحوائج .
وقال(عليه السلام): الحياء والإيمان مقرونان في قرن ، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه .
وقال(عليه السلام): إن هذه الدنيا تعاطاها البرُّ والفاجر ، وإن هذا الدين لا يعطيه الله إلَّا أهل خاصته(1).
وقال(عليه السلام) : الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلا عمل .
وقال(عليه السلام): الإيمان ما كان في القلب ، والإسلام ما عليه التناكح والتوارث وحقنت به الدماء . والإيمان يشرك الإسلام ، والإسلام لا يشرك الإيمان .
وقال(عليه السلام): من علَّم باب هُدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أُولئك من أُجورهم شيئاً . ومن علّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ولا ينقص أُولئك من أوزارهم شيئاً.
وقال(عليه السلام): ليس من أخلاق المؤمن الملق والحسد إلَّا في طلب العلم(2).
ص: 214
وقال(عليه السلام): للعالم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول : الله أعلم. وليس لغير العالم أن يقول ذلك . وفي خبر آخر : يقول لا أدري لئلا يوقع في قلب السائل شكاً.
وقال(عليه السلام): أول من شقَّ لسانه بالعربية إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكان لسانه على لسان أبيه وأخيه فهو أول من نطق بها وهو الذبيح .
وقال(عليه السلام): ألا أُنبئكم بشيء إذا فعلتموه يبعد السلطان والشيطان منكم ؟ فقال أبو حمزة : بلى ، أخبرنا به حتى نفعله ، فقال(عليه السلام): عليكم بالصدقة فبكروا بها فإنها تسوّد وجه إبليس وتكسر شرَّة السلطان الظالم عنكم في يومكم ذلك(1). وعليكم بالحب في الله والتودُّد ، والموازرة على العمل الصالح ، فإنه يقطع دابرهما - - يعني السلطان والشيطان - وألحُّوا في الإستغفار ، فإنه ممحاة للذنوب .
وقال(عليه السلام): إن هذا اللسان مفتاح كل خير وشر فينبغي للمؤمن أن يختم على لسانه كما يختم على ذهبه وفضته ، فإن رسول الله من قال : (رحم الله مؤمناً أمسك لسانه من كل شر فإن ذلك صدقة منه على نفسه) . ثم قال(عليه السلام): لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه .
وقال(عليه السلام): من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، فأما الأمر الظاهر مثل الحدة والعجلة فلا بأس أن تقوله. وإن البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه .
وقال(عليه السلام): إن أشد الناس حسرة يوم القيامة عبد وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره .
وقال(عليه السلام): عليكم بالورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برّاً كان أو فاجراً ، فلو أن قاتل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)ائتمنني على أمانة لأديتها إليه .
وقال(عليه السلام): صلة الأرحام تزكو الأعمال وتنمي الأموال وتدفع البلوى وتيسِّر الحساب وتنسىء في الأجل .
ص: 215
وقال(عليه السلام): أيها الناس إنكم في هذه الدار أغراض تنتضل فيكم المنايا ، لن يستقبل أحد منكم يوماً جديداً من عمره إلَّا بانقضاء آخر من أجله ، فأية أكلة ليس فيها غصص ؟ أم أيُّ شربة ليس فيها شرقُ (1). استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه(2)، فإن اليوم غنيمةٌ ، وغداً لا تدري لمن هو . أهل الدُّنيا سفرٌ يحلون عقد رحالهم في غيرها . قد خلت منا أُصولٌ نحن فروعها ، فما بقاء الفرع بعد أصله . أين الذين كانوا أطول أعماراً منكم وأبعد آمالاً ؟ ! . أتاك يابن آدم ما لا ترده ، وذهب عنك ما لا يعود فلا تعدَّن عيشاً منصرفاً . عيشاً ما لك منه إلَّا لذة تزدلف بك إلى حمامك(3)وتقرّبك من أجلك ؟ . فكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم . فعليك بذات نفسك ودع ما سواها ، واستعن بالله يعنك .
وقال(عليه السلام): من صنع مثل ما صُنع إليه فقد كافاً . ومن أضعف كان شكوراً ، ومن شكر كان كريماً ، ومن علم أنه ما صنع كان إلى نفسه لم يستبطىء الناس في شكرهم ولم يستزدهم في مودَّتهم ، فلا تلتمس من غيرك شكر ما آتيته إلى نفسك ووقیت به عرضك واعلم أن طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن ردِّه .
وقال(عليه السلام): إن الله يتعهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية ويحميه عن الدنيا ، كما يحمي الطبيب المريض .
وقال(عليه السلام): إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي دينه إلَّا من يحبُّ.
وقال(عليه السلام): إنما شيعة علي(عليه السلام) المتباذلون في ولايتنا ، المتحابُّون في مودَّتنا المتزاورون لإحياء أمرنا الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاوروا ، سلمٌ لمن خالطوا .
ص: 216
وقال(عليه السلام): الكسل يضرُّ بالدين والدنيا.
وقال(عليه السلام): لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحدٌ أحداً ، ولو يعلم المسؤول ما في المنع ما منع أحدٌ أحداً.
وقال(عليه السلام): إن الله عباداً ميامين مياسير يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل القطر، والله عبادٌ ملاعين مناكيد ، لايعيشون ،ولا يعيش الناس في أكنافهم ، وهم في عباده مثل الجراد لا يقعون على شيء إلَّا أتوا عليه(1).
وقال(عليه السلام): قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يُقال لكم ، فإن الله يبغض اللعان السبَّاب الطعَّان على المؤمنين ، الفاحش المتفحش ، السائل الملحف ويحب الحيي الحليم العفيف المتعفف(2)
وقال(عليه السلام): إن الله يحب إفشاء السَّلام .
ص: 217
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
روي أنه(عليه السلام) قال : يا عبد الله لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياءنا ، ولقد جلّت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلاً . ثم قال : آه آه على قلوب حُشيت نوراً وإنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم(2)، والعدو الأعجم ، أنسوا بالله واستوحشوا مما به استأنس المترفون ، أُولئك أوليائي حقاً وبهم تكشف كل فتنة وترفع كل بليَّة .
يا ابن جندب : حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه ، فإن رأى حسنة استزاد منها ، وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة ، طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أُوتوا من نعيم
ص: 218
الدنيا وزهرتها ، طوبى لعبد طلب الآخرة وسعى لها ، طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة . ثم قال(عليه السلام): رحم الله قوماً كانوا سراجاً ومناراً ، كانوا دعاةٌ إلينا بأعمالهم ومجهود طاقتهم ، ليس كمن يذيع أسرارنا.
يا ابن جندب : إنما المؤمنون الذين يخافون الله ويشفقون أن يُسلبوا ما أُعطوا من الهدى ، فإذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا وأشفقوا . وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً مما أظهره من نفاذ قدرته . وعلى ربهم يتوكلون .
يا ابن جندب : قديماً عمر الجهل وقوي أساسه وذلك لاتخاذهم دين الله لعباً حتى لقد كان المتقرّب منهم إلى الله بعلمه يريد سواه أولئك هم الظالمون .
يا ابن جندب : لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة ولأظلَّهم الغمام ولأشرقوا نهاراً ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولما سألوا الله شيئاً إلا أعطاهم .
يا ابن جندب : لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيراً . واستكينوا إلى الله في توفيقهم وسلوا التوبة لهم، فكل من قصدنا وتوالانا ولم يوال عدونا وقال ما يعلم ، وسكت عما لا يعلم ، أو أشكل عليه فهو في الجنة .
يا ابن جندب : يهلك المتكل على عمله . ولا ينجو المجترىء على الذنوب ، الواثق برحمة الله . قلت : فمن ينجو ؟ قال : الذين هم بين الرجاء والخوف ، كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقاً إلى الثواب ، وخوفاً من العذاب .
یا ابن جندب : من سرَّه أن يزوّجه الله الحور العين ويُتوّجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور .
يا ابن جندب : أقِل النوم بالليل والكلام بالنهار . فما في الجسد شيء أقلُّ شكراً من العين واللسان ، فإن أمُّ سليمان قالت لسليمان(عليه السلام): يا بُنيَّ إياك والنوم ، فإنه يُفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم .
یا ابن جندب : إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه ومصائده . قلت : یا ابن رسول الله وما هي ؟قال : أما مصائده فصدّ عن برِّ الإخوان . وأما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله. أما إنه ما يُعبد الله بمثل نقل الأقدام إلى برِّ الإخوان وزيارتهم. ويلٌ للساهين عن الصلوات ، النائمين في الخلوات ، المستهزئين
ص: 219
بالله وآياته في الفترات : ﴿أُولَئِكَ- الذين - لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (1).
يا ابن جندب : من أصبح مهموماً لسوى فكاك رقبته فقد هوَّن عليه الجليل ورغب من ربه في الربح الحقير . ومن غشَّ أخاه وحقَّره وناواه جعل الله النار مأواه. ومن حسد مؤمناً انماث الإيمان في قلبه ، كما ينماث الملح في الماء.
یا ابن جندب : الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم «بدر» و «أُحد» ، وما عذَّب الله أُمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم.
يا ابن جندب : بلّغ معاشر شيعتنا وقل لهم : لا تذهبنَّ بكم المذاهب فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الإخوان في الله ، وليس في شيعتنا من يظلم الناس .
يا ابن جندب : إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى : بالسخاء والبذل للإخوان ، وبأن يصلوا الخمسين ليلاً ونهاراً ، شيعتنا لا يهرُّون هرير الكلب ، ولا يطمعون طمع الغراب ،ولا يجاورون لنا عدوّاً، ولا يسألون لنا مبغضاً ولو ماتوا جوعاً ، شيعتنا لا يأكلون الجرِّي(2)، ولا يمسحون على الخفّين ويحافظون على الزوال ولا يشربون مسكراً. قلت : جعلت فداك فأين أطلبهم ؟. قال(عليه السلام): على رؤوس الجبال وأطراف المدن، وإذا دخلت مدينة فسل عمن لا يجاورونه فذلك مؤمن، كما قال الله : ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ (3)، والله لقد كان حبيب النجّار وحده .
یا ابن جندب : كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك ، وكل البر مقبول إلا ما كان رئاءاً .
يا ابن جندب : أحب في الله واستمسك بالعروة الوثقى ، واعتصم بالهدى يقبل عملك فإن الله يقول : إلا من ﴿ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾(4)فلا يقبل إلا
ص: 220
الإيمان ، ولا إيمان إلا بعمل ، ولا عمل إلا بيقين ، ولا يقين إلا بالخشوع وملاكها كلها الهدى ، فمن اهتدى يقبل عمله ، وصعد إلى الملكوت متقبلاً :﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾(1)
يا ابن جندب : إن أحببت أن تجاور الجليل في داره وتسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا ، واجعل الموت نصب عينك ، ولا تدّخر شيئاً لغد ، واعلم أن لك ما قدَّمت وعليك ما أخّرت.
يا ابن جندب : من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره . ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوَّه . ومن يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته ويحفظ له ما غاب عنه. وقد عجز من لم يعدَّ لكل بلاء صبراً ، ولكل نعمة شكراً ، ولكل عسر يُسراً . صبّر نفسك عند كل بليّة في ولد أو مال أو رزية . فإنما يقبض عاريته ويأخذ هبته ليبلو فيهما صبرك وشكرك ، وارج الله رجاءاً لا يجرِّيك على معصيته وخفه خوفاً لا يؤيسك من رحمته . ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه فتكبّر وتجبر وتعجب بعملك ، فإن أفضل العمل العبادة والتواضع ، فلا تضيِّع مالك وتصلح مال غيرك بما خلَّفته وراء ظهرك، واقنع بما قسمه الله لك ، ولا تنظر إلا إلى ما عندك ، ولا تتمنَّ ما لست تناله ، فإن من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع ، وخذ حظك من آخرتك ، ولا تكن بطراً في الغنى ولا جزعاً في الفقر ، ولا تكن فظاً غليظاً يكره الناس قربك ، ولا تكن واهناً يحقرك من عرفك ، ولا تشار من فوقك ، ولا تسخر بمن هو دونك ، ولا تنازع الأمر أهله ، ولا تطع السفهاء ، ولا تكن مهيناً تحت كل أحد ، ولا تتكلن على كفاية أحد ، وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم ، واجعل قلبك قريباً تشاركه . واجعل عملك والداً تتبعه، واجعل نفسك عدوّاً تجاهده وعارية تردُّها فإنك قد جعلت طبيب نفسك وعرفت آية الصحة وبيّن لك الداء ودللت على الدواء ، فانظر قيامك على نفسك ، وإن كانت لك يدٌ عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المنن والذكر لها ، ولكن أتبعها بأفضل منها ، فإن ذلك أجمل بك في أخلاقك وأوجب للثواب في آخرتك ، وعليك بالصمت تعد حليماً - جاهلاً كنت أو عالماً - فإن الصمت زينُ لك عند العلماء ، وستر لك عند الجهّال .
ص: 221
يا ابن جندب : إن عيسى بن مريم(عليه السلام)قال لأصحابه : «أرأيتم لو أن أحدكم مرَّ بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أكان كاشفاً عنها كلها أم يردُّ عليها ما انكشف منها ؟ . قالوا : بل نردُّ عليها . قال : كلا ، تكشفون عنها كلها - فعرفوا أنه مثل ضربه لهم - فقيل : يا روح الله وكيف ذلك قال : الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها ». بحق أقول لكم إنكم لا تصيبُون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون . ولا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون . إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة . طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه . لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب . وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد . إنما الناس رجلان مُبتلى ومعافى فارحموا المبتلى واحمدوا الله على العافية.
يا ابن جندب : صل من قطعك . وأعط من حرمك . وأحسن إلى من أساء إليك . وسلّم على من سبّك . وأنصف من خاصمك . واعف عمن ظلمك، كما أنك تحبُّ أن يعفى عنك ، فاعتبر بعفو الله عنك ، ألا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار . وأن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين.
يا ابن جندب : لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك ، فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك ، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإن الذي تتصدق له سراً يجزيك علانية على رؤوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك ، واخفض الصوت ، إن ربك ال ذي يعلم ما تسرُّون وما تعلنون ، قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه . وإذا صمت فلا تغتب أحداً . ولا تلبسوا صيامكم بظلم . ولا تكن كالذي يصوم رئاء الناس ، مُغيَّرةً وجوههم ، شعثة رؤوسهم ، يابسة أفواههم، لكي يعلم الناس أنهم صيام .
يا ابن جندب : الخير كلّه أمامك، وإن الشر كله أمامك . ولن ترى الخير والشر إلا بعد الآخرة ، لأن الله جلّ وعز جعل الخير كله في الجنة والشر كله في النار لأنهما الباقيان ، والواجب على من وهب الله له الهدى وأكرمه بالإيمان ، وألهمه رشده وركّب فيه عقلاً يتعرف به نعمه ، وآتاه علماً وحكماً يدبر به أمر دينه ودنياه . أن يوجب على نفسه أن يشكر الله ولا يكفره ، وأن يذكر الله ولا ينساه ، وأن يطيع الله ولا يعصيه ، للقديم الذي تفرَّد له بحسن النظر ، وللحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه
ص: 222
مخلوقاً ، وللجزيل الذي وعده ، والفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاقته ،وما يعجز عن القيام به وضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه وهو معرضٌ عما أمره وعاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه وبين ربه ، متقلداً لهواه ، ماضياً في شهواته ، مؤثراً لدنياه على آخرته وهو في ذلك يتمنى جنان الفردوس ، وما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار . أما إنه لو وقعت الواقعة وقامت القيامة وجاءت الطامة ونصب الجبار الموازين لفصل القضاء وبرز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة وبمن تحل الحسرة والندامة ، فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الآخرة.
يا ابن جندب : قال الله جل وعز في بعض ما أوحى : إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي ، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ، ويقطع نهاره بذكري ولا يتعظم على خلقي ، ويطعم الجائع ، ويكسو العاري ، ويرحم المصاب ، ويؤوي الغريب ، فذلك يشرق نوره مثل الشمس ، أجعل له في الظلمة نوراً وفي الجهالة حلماً أكلاه بعزتي وأستحفظه ملائكتي ، يدعوني فأُلبيه ، ويسألني فأُعطيه ، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها ولا تتغير عن حالها .
يا ابن جندب : الإسلام عريان ، فلباسه الحياء وزينته الوقار ، ومروّته العمل الصالح وعماده الورع ، ولكل شيء أساس ، وأساس الإسلام حبنا أهل البيت .
یا ابن جندب : إن الله تبارك وتعالى سوراً من نور ، محفوفاً بالزبرجد والحرير منجّداً بالسندس والديباج ، يضرب هذا السور بين أوليائنا وبين أعدائنا فإذا غلى الدماغ وبلغت القلوب الحناجر ، ونضجت الأكباد من طول الموقف أُدخل في هذا السور أولياء الله ، فكانوا في أمن الله وحرزه ، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذُ الأعين ، وأعداء الله قد ألجمهم العرق وقطعهم الفرق وهم ينظرون إلى ما أعدَّ الله لهم ، فيقولون :﴿ مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ ﴾(1)فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون منهم ، فذلك قوله عز وجل :﴿ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴾(2). وقوله :﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ* «عَلَى الْأَرَائِكِ
ص: 223
يَنْظُرُونَ﴾(1). فلا يبقى أحدٌ ممن أعان مؤمناً من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغیر حساب .
(2).
قال أبو جعفر : قال لي الصادق(عليه السلام): إن الله جل وعز عيَّر أقواماً في القرآن بالإذاعة ، فقلت له : جعلت فداك ، أين قال ؟ قال قوله :﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ﴾(3)ثم قال : المذيع علينا سرنا كالشاهر بسيفه علينا ،رحم الله عبداً سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه . والله إني لأعلم بشراركم من البيطار بالدواب ، شراركم الذين لا يقرأون القرآن إلا هجراً ، ولا يأتون الصلاة إلا دبراً ولا يحفظون ألسنتهم. إعلم أن الحسن بن علي(عليهم السلام)لما طعن واختلف الناس عليه سلّم الأمر لمعاوية فسلّمت عليه الشيعة عليك السلام يا مذلَّ المؤمنين .فقال(عليه السلام): «ما أنا بمذلِّ المؤمنين ولكني معزُّ المؤمنين ، إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلّمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم ، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها ، وكذلك نفسي ، وأنتم لنبقى بينهم» .
يا ابن النعمان : إني لأُحدّث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عني، فأستحل بذلك لعنته والبراءة منه . فإن أبي كان يقول : «وأيُّ شيء أقرُّ للعين من التقية . إن التقية جُنة المؤمن ، ولولا التقية ما عُبد الله» . وقال عز وجل :﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ
ص: 224
الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾(1).
يا ابن النعمان : إياك والمراء ، فإنه يحبط عملك ، وإياك والجدال ، فإنه يوبقك ، وإياك وكثرة الخصومات ، فإنها تبعدك من الله ، ثم قال : إن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت . وأنتم تتعلمون الكلام ، كان أحدهم إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبّد وإلَّا قال : ما أنا لما أروم بأهل ، إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر في دولة الباطل على الأذى ، أُولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقاً وهم المؤمنون . إن أبغضكم إلى المتراسون . المشاؤون بالنمائم ، الحسدة لإخوانهم ليسوا مني ولا أنا منهم ، إنما أوليائي الذين سلموا لأمرنا واتبعوا آثارنا ، واقتدوا بنا في كل أُمورنا . ثم قال : والله لو قدَّم أحدكم ملء الأرض ذهباً على الله ثم حسد مؤمناً لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار .
يا ابن النعمان : إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزراً ، بل هو أعظم وزراً ، بل هو أعظم وزراً .
يا ابن النعمان : إنه من روى علينا حديثاً ، فهو ممن قتلنا عمداً ولم يقتلنا خطاءاً .
يا ابن النعمان : إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتقيه بالتحية ، فإن المتعرض للدولة قاتل نفسه وموبقها ، إن الله يقول : ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾(2).
يا ابن النعمان : إنا أهل بيت لا يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا ولا من أهل ديننا ، فإذا رفعه ونظر إليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا ، وكلما ذهب واحدٌ جاء آخر .
يا ابن النعمان : من سئل عن علم ، فقال : لا أدري فقد ناصف العلم والمؤمن يحقد ما دام في مجلسه ، فإذا قام ذهب عنه الحقد .
ص: 225
يا ابن النعمان : إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم ، لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل(عليه السلام)وأسره جبرئيل إلى محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وأسرَّه محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) إلى عليّ(عليه السلام)وأسرَّه عليّ(عليه السلام) إلى الحسن(عليه السلام)وأسرَّه الحسن(عليه السلام) إلى الحسين(عليه السلام)وأسرَّه الحسين(عليه السلام)إلى عليّ(عليه السلام)وأسرَّه عليّ(عليه السلام) إلى محمد(عليه السلام)وأسره محمد(عليه السلام) إلى من أسره ، فلا تعجلوا فوالله لقد قرب هذا الأمر(1) ثلاث مرات فأذعتموه ، فأخَّره الله والله ما لكم سرّ إلا وعدوَّكم أعلم به منكم .
يا ابن النعمان : أبقِ على نفسك فقد عصيتني لا تذع سري ، فإن المغيرة بن سعيد ، كذب على أبي وأذاع سرَّه فأذاقه الله حرّ الحديد . وإن أبا الخطَّاب كذب علي وأذاع سري فأذاقه الله حر الحديد . ومن كتم أمرنا زيَّنه الله به في الدنيا والآخرة ، وأعطاه حظه ووقاه حر الحديد وضيق المحابس . إن بني إسرائيل قحطوا حتى هلکت المواشي والنسل فدعا الله موسى بن عمران(عليه السلام)فقال : يا موسى إنهم أظهروا الزنا والربا وعمروا الكنائس وأضاعوا الزكاة ، فقال إلهي تحنن برحمتك عليهم ، فإنهم لا يعقلون . فأوحى الله إليه إني مرسلٌ قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوماً ، فأذاعوا ذلك وأفشوه. فحبس عنهم القطر أربعين سنة ، وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم .
يا أبا جعفر ما لكم وللناس : كفوا عن الناس . ولا تدعوا أحداً إلى هذا الأمر ، فوالله لو أن أهل السماوات و [الأرض] اجتمعوا على أن يضلوا عبداً يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه ، كفوا عن الناس ولا يقل أحدكم أخي وعمي وجاري . فإن الله جل وعز إذا أراد بعبد خيراً طيب روحه فلا يسمع معروفاً إلا عرفه ولا منكراً إلا أنكره ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره .
یا ابن النعمان : إن أردت أن يصفو لك ودُّ أخيك فلا تمازحنَّه ولا تمارينّه ولا تباهينه ، ولا تشارينّه ، ولا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوُّك لم يضرّك . فإن الصديق قد يكون عدوُّك يوماً
ص: 226
یا ابن النعمان : لا يكون العبد مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث سنن : سنّة من الله وسنَّة من رسوله ، وسنَّة من الإمام ، فأما السنة من الله عز وجل فهو أن يكون كتوماً للأسرار . يقول الله جل ذكره : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً (1). وأما التي من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفية وأما ، التي من الإمام فالصبر في البأساء والضراء حتى يأتيه الله بالفرج .
يا ابن النعمان : ليست البلاغة بحدة اللسان ، ولا بكثرة الهذيان ، ولكنها إصابة المعنى وقصد الحجة .
يا ابن النعمان : من قعد إلى سابّ أولياء الله فقد عصى الله . ومن كظم غيظاً فينا لا يقدر على إمضائه كان معنا في السنام الأعلى ومن استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلَّط الله عليه حرّ الحديد وضيق المحابس .
یا ابن النعمان : لا تطلب العلم لثلاث : لترائي به ، ولا لتباهي به ، ولا لتماري ، ولا تدعه لثلاث : رغبة في الجهل ، وزهادة في العلم ، واستحياء من الناس ، والعلم [ال] -مصون كالسراج المطبق عليه .
يا ابن النعمان : إن الله جل وعز إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة بيضاء فجال القلب بطلب الحق ، ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره(2). يا ابن النعمان : إن حبنا - أهل البيت - ينزله الله من السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب والفضة ، ولا ينزّله إلا بقدر ، ولا يعطيه إلا خير الخلق وإن له غمامة كغمامة القطر ، فإذا أراد الله أن يخص به من أحب من خلقه أذن لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطلت السحاب ، فتصيب الجنين في بطن اُمه .
أما بعد ، فسلوا ربكم العافية . وعليكم بالدعة والوقار(3)والسكينة والحياء والتنزُّه عما تنزُّه عنه الصالحون منكم ، وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحملوا الضيم
ص: 227
منهم ، وإياكم ومماظتهم(1). دينوا فيما بينكم وبينهم - إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام ، فإنه لا بدّ لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم - بالتقية التي أمركم الله بها فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم ويعرفون في وجوهكم المنكر . ولولا أن الله يدفعهم عنكم لسطوا بكم . وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم ، مجالسكم ومجالسهم واحدة ، إن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل - أصل الخلق - مؤمناً لم يمت حتى يكرِّه إليه الشر ويُباعده منه .ومن كرَّه الله إليه الشر وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية ، فلانت عریکته(2)وحسن خلقه وطلق وجهه ، وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله ، واجتنب مساخطه ورزقه الله مودَّة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء ، وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل - أصل الخلق - كافراً لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقرِّبه منه .فاذا حبب إليه الشر وقرَّبه منه ابتلى بالكبر والجبرية ، فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقلَّ حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها . فبعدٌ ما بين حال المؤمن والكافر ، فسلوا الله العافية واطلبوها إليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أكثروا من الدعاء ، فإن الله يحبُّ من عباده الذين يدعونه ، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة ، والله مصيَّرٌ دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنة . وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار ، فإن الله أمر بكثرة الذكر له ، والله ذاكرٌ من ذكره من المؤمنين ، إن الله لم يذكره أحدٌ من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير .
وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم. وعليكم بحب المساكين المسلمين ، فإن من حقرهم وتكبَّر عليهم فقد زلَّ عن دين الله والله له حاقرٌ ماقتٌ . وقد قال أبونا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم» . واعلموا أن من حقَّر أحداً من
ص: 228
المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس أشدّ مقتاً فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين ، فإن لهم عليكم حقاً أن تحبوهم ، فإن الله أمر نبيه (عليه السلام)بحبهم ، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله ، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات من الغاوين .
إياكم والعظمة والكبر ، فإن الكبر رداء الله ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذلَّه يوم القيامة .
إياكم أن يبغي بعضكم على بعض . فإنها ليست من خصال الصالحين ، فإنه الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بُغي عليه . ومن نصره الله
من بغى صير غلب وأصاب الظفر من الله.
إياكم أن يحسد بعضكم بعضاً ، فإن الكفر أصله الحسد .
إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم يدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم ، فإن أبانا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول :« إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة ».
إياكم أن تشره نفوسكم(1) إلى شيء مما حرّم الله عليكم ، فإنه من انتهك ما حرَّم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين .
الاستقصاء فرقةٌ . الانتقاد عداوةٌ . قلَّة الصبر فضيحة . إفشاء السر سقوط السخاء فطنة . اللوم تغافل .
ثلاثةٌ من تمسك بهن نال من الدنيا والآخرة بغيته : من اعتصم بالله . ورضي بقضاء الله . وأحسن الظن بالله.
ثلاثةٌ من فرَّط فيهن كان محروماً : استماحة جواد . ومصاحبة عالم واستمالة سلطان.
ص: 229
ثلاث تورث المحبة : الدين . والتواضع . والبذل .
من برىء من ثلاثة نال ثلاثة : من برىء من الشر نال العز. ومن برىء من الکبر نال الكرامة . ومن برىء من البخل نال الشرف .
ثلاثة مكسبة للبغضاء : النفاق . والظلم . والعجب .
ومن لم تكن فيه خصلة من ثلاثة لم يعدَّ نبيلاً :من لم يكن له عقلٌ يزينه أو جِدة تغنيه(1)أو عشيرة تعضده .
ثلاثة تزري بالمرء(2) : الحسد . والنميمة . والطيش .
ثلاثة لا تعرف إلَّا في ثلاث مواطن : لا يعرف الحليم إلَّا عند الغضب . ولا الشجاع إلَّا عند الحرب . ولا أخ إلَّا عند الحاجة .
ثلاث من كنَّ فيه فهو منافق ، وإن صام وصلّى : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان.
إحذر من الناس ثلاثة : الخائن ، والظلوم ، والنمام ، لأن من خان لك خانك ،ومن ظلم لك سيظلمك ، ومن نمَّ إليك سينمُّ عليك.
لا يكون الأمين أميناً حتى يؤتمن على ثلاثة فيؤديها : على الأموال والأسرار والفروج ، وإن حفظ اثنين وضيع واحدة فليس بأمين .
لا تشاور أحمق ، ولا تستعن بكذاب ، ولا تثق بمودَّة ملوك ، فإن الكذاب يقرِّب لك البعيد ، ويبعِّد لك القريب . والأحمق يجهد لك نفسه ولا يبلغ ما تريد ، والملوك أوثق ما كنت به خذلك وأوصل ما كنت له قطعك.
أربعة لا تشبع من أربعة : أرض من مطر ، وعين من نسر ، وأُنثى من ذكر وعالم من علم .
أربعة تهرم قبل أوان الهرم : أكل القديد ، والقعود على النداوة ، والصعود في الدرج ، ومجامعة العجوز .
ص: 230
النساء ثلاث : فواحدة لك ، وواحدة لك وعليك ، وواحدة عليك لا لك ، فأما التي هي لك فالمرأة العذراء . وأما التي هي لك وعليك فالثيب ، وأما التي هي عليك لا لك فهي المتبع التي لها ولد من غيرك .
ثلاث من كن فيه كان سيداً : كظم الغيظ ، والعفو عن المسيء ، والصلة بالنفس والمال.
ثلاثة لا بدَّ لهم من ثلاث : لا بدَّ للجواد من كبوة ، والسيف من نبوة ، والحليم من هفوة .
ثلاثة فيهن البلاغة : التقرُّب من معنى البغية ، والتبعد من حشو الكلام والدلالة بالقليل على الكثير .
النجاة في ثلاث : تمسك عليك لسانك ، ويسعك بيتك ، وتندم على خطيئتك .
الجهل في ثلاث : في تبدل الإخوان ، والمنابذة بغير بيان ، والتجسس عما لا يعني .
ثلاث من كن فيه كن عليه : المكر ، والنكث ، والبغي ، وذلك قول الله : ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾(1). ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾(2). وقال جل وعزّ : ﴿ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾(3)وقال :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾(4)ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي : قصر الهمة . وقلّة الحيلة . وضعف الرأي.
الحزم في ثلاثة(5): الاستخدام للسلطان ، والطاعة للولد ، والخضوع للمولى.
ص: 231
الأُنس في ثلاث : في الزوجة الموافقة ، والولد البار ، والصديق المصافي .
من رزق ثلاثاً نال ثلاثاً ، وهو الغنى الأكبر : القناعة بما أُعطي ، واليأس مما في أيدي الناس ، وترك الفضول .
لا يكون الجواد جواداً إلَّا بثلاثة : يكون سخياً بماله على حال اليسر والعسر ،وأن يبذله للمستحق ، ويرى أن الذي أخذه من شُكر الذي أُسدي إليه أكثر مما أعطاه .
ثلاثة لا يعذر المرء فيها : مشاورة ناصح، ومداراة حاسد ، والتحبب إلى الناس .
لا يُعد العاقل عاقلاً حتى يستكمل ثلاثاً : إعطاء الحق من نفسه على حال الرضى والغضب ، وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه ، واستعمال الحلم عند العثرة .
لا تدوم النعم إلَّا بعد ثلاث : معرفة بما يلزم الله سبحانه فيها ، وأداء شكرها ، ويعيب فيها .
ثلاث من ابتلي بواحدة منهن تمنى الموت : فقر متتابع ، وحرمة فاضحة ، وعدو غالب .
من لم يرغب في ثلاث ابتلي بثلاث : من لم يرغب في السلامة ابتلي بالخذلان . ومن لم يرغب في المعروف ابتلي بالندامة. ومن لم يرغب في الإستكثار من الإخوان ابتلي بالخسران.
ثلاث يجب على كل إنسان تجنبها : مقارنة الأشرار . ومحادثة النساء ومجالسة أهل البدع.
ثلاثة تدل على كرم المرء : حسن الخلق . وكظم الغيظ . وغض الطرف.
من وثق بثلاثة كان مغروراً : من صدَّق بما لا يكون . وركن إلى من لا يثق به . وطمع في ما لا يملك .
ثلاثة من استعملها أفسد دينه ودنياه : من [أ] من ظنه . وأمكن من سمعه . وأعطى قياده حليلته(1).
ص: 232
أفضل الملوك من أُعطي ثلاث خصال : الرأفة . والجود . والعدل.
وليس يحب للملوك أن يفرطوا في ثلاث : في حفظ الثغور . وتفقد المظالم. واختيار الصالحين لأعمالهم.
ثلاث خلال تجبُ للملوك على أصحابهم ورعيتهم : الطاعة لهم . والنصيحة لهم في المغيب والمشهد . والدعاء بالنصر والصلاح .
ثلاثة تجب على السلطان للخاصة والعامة : مكافأة المحسن بالإحسان ليزدادوا رغبة فيه . وتغمّد ذنوب المسيء ليتوب ويرجع عن غيه . وتألفهم جميعاً بالإحسان والإنصاف
ثلاثة أشياء من احتقرها من الملوك وأهملها تفاقمت عليه : خامل قليل الفضل شذَّ عن الجماعة . وداعية إلى بدعة جعل جُنته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأهل بلد جعلوا لأنفسهم رئيساً يمنع السلطان من إقامة الحكم فيهم .
العاقل لا يستخف بأحد . وأحقُّ من لا يستخف به ثلاثة : العلماء . والسلطان والإخوان ، لأنه استخف بالعلماء أفسد دينه . ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه ، من ومن استخف بالإخوان أفسد مروَّته.
وجدنا بطانة السلطان ثلاث طبقات : طبقة موافقة للخير وهي بركة عليها وعلى السلطان وعلى الرعية . وطبقة غايتها المحاماة على ما في أيديها ، فتلك لا محمودة ولا مذمومة . بل هي إلى الذم أقرب . وطبقة موافقة للشر وهي مشؤومة ، مذمومة عليها وعلى السلطان.
ثلاثة أشياء يحتاج الناس طرّاً إليها : الأمن . والعدل . والخصب .
ثلاثة تكدّر العيش : السلطان الجائر . والجار السوء . والمرأة البذيّة.
لا تطيب السكنى إلَّا بثلاث : الهواء الطيب . والماء الغزير العذب . والأرض الخوارة(1).
ثلاثة تعقب الندامة : المباهاة . والمفاخرة . والمعازّة(2).
ص: 233
ثلاثة مركبة في بني آدم : الحسد . والحرص . والشهوة
من كانت فيه خلة من ثلاثة انتظمت فيه ثلاثتها في تفخيمه وهيبته وجماله : من كان له ورع ، أو سماحة ، أو شجاعة .
ثلاث خصال من رزقها كان كاملا : العقل . والجمال . والفصاحة .
ثلاثة تقضي لهم بالسَّلامة إلى بلوغ غايتهم : المرأة إلى انقضاء حملها . والملك إلى أن ينفد عمره . والغائب إلى حين إيابه .
ثلاثة تورث الحرمان : الإلحاح في المسألة . والغيبة . والهزء .
ثلاثة تعقِّب مكروهاً : حملة البطل(1)في الحرب في غير فرصة وإن رزق الظفر . وشرب الدواء من غير علة وإن سَلم منه . والتعرُّض للسلطان وإن ظفر الطالب بحاجته منه.
ثلاث خلال يقول كل إنسان إنه على صواب منها : دينه الذي يعتقده . وهواه الذي يستعلى عليه . وتدبيره في اُموره .
الناس كلهم ثلاث طبقات : سادة مطاعون وأكفاء متكافون وأُناس متعادون .
قوام الدنيا بثلاثة أشياء : النار . والملح . والماء .
من طلب ثلاثة بغير حق حرم ثلاثة بحق : من طلب الدنيا بغير حق حرم الآخرة بحق . ومن طلب الرئاسة بغير حق الطاعة له بحق . ومن طلب المال بغير حق حرم بقاؤه له بحق
ثلاثة لا ينبغي للمرء الحازم أن يتقدم عليها : شرب السم للتجربة وإن نجا منه. وإفشاء السر إلى القرابة الحاسد وإن نجا منه . وركوب البحر وإن كان الغنى فيه .
لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع إليه في أمر دنياهم وآخرتهم فإن عُدموا ذلك كانوا همجاً (2): فقيه عالم ورع . وأمير خيّر مُطاع . وطبيب بصير ثقة .
يمتحن الصديق بثلاث خصال ، فإن كان مؤاتياً فيها فهو الصديق المصافي وإلا
ص: 234
كان صديق رخاء لاصديق شدَّة : تبتغي منه مالاً ، أو تأمنه على مال ، أو تشاركه في مكروه.
إن يَسلم الناس من ثلاثة أشياء كانت سلامة شاملة : لسان السوء ، ويد السوء . وفعل السوء .
إذا لم تكن في المملوك خصلة من ثلاث فليس لمولاه في إمساكه راحة : دين يُرشده . أو أدب يسوسه . أو خوف يردعه .
إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها ، وإن لم يكن في طبعه ذلك : معاشرة جميلة . وسعة بتقدير . وغيرة بتحصن
كل ذي صناعة مضطر إلى ثلاث خلال يجتلب بها المكسب وهو : أن يكون حاذقاً بعمله . مؤدِّياً للأمانة فيه . مستميلاً لمن استعمله .
ثلاث من ابتلي بواحدة منهن كان طائح العقل : نعمة مولية . وزوجة فاسدة وفجيعة بحبيب .
جبلت الشجاعة على ثلاث طبائع لكل واحدة منهن فضيلة ليست للأُخرى : السخاء بالنفس والأنفة من الذل(1)وطلب الذكر ، فإن تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يُقام لسبيله والموسوم بالإقدام في عصره . وإن تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعته في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشد إقداماً .
ويجب للوالدين على الوالد ثلاثة أشياء : شكرهما على كل حال . وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله . ونصيحتهما في السر والعلانية. وتجب للولد على والده ثلاث خصال : إختيار لوالدته . وتحسين اسمه . والمبالغة في تأديبه
تحتاج الإخوة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء ، فإن استعملوها وإلَّا تباينوا وتباغضوا وهي : التناصف . والتراحم ونفي الحسد.
إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرَّضوا لدخول الوهن عليهم وشماتة
ص: 235
الأعداء بهم وهي : ترك الحسد فيما بينهم، لئلا يتحزّبوا فيتشتت أمرهم . والتواصل ليكون ذلك حادياً لهم على الألفة والتعاون لتشتملهم العزَّة .
لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحُسن خُلقه معها . واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها . وتوسعته عليها.
ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنَّ : صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئنَّ قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه . وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلَّة تكون منها . وإظهار العشق له بالخلابة(1)والهيئة الحسنة لها في عينه .
لا يتم المعروف إلَّا بثلاث خلال : تعجيله . وتقليل كثيره . وترك الإمتنان به .
والسرور في ثلاث خلال : في الوفاء . ورعاية الحقوق . والنهوض في النوائب.
ثلاثة يستدل بها على إصابة الرأي : حسن اللقاء ، وحسن الاستماع ، وحسن الجواب.
الرجال ثلاثة : عاقل ، وأحمق ، وفاجر ، فالعاقل إن كلّم أجاب وإن نطق أصاب ، وإن سمع وعى . والأحمق إن تكلم عجّل ، وإن حدث ذهل ، وإن حمل على القبيح فعل . والفاجر إن ائتمنته خانك وإن حدَّثته شانك .
الإخوان ثلاثة : فواحد كالغذاء الذي يحتاج إليه كل وقت فهو العاقل ، والثاني في معنى الداء وهو الأحمق ، والثالث في معنى الدواء فهو اللبيب .
ثلاثة أشياء تدلُّ على عقل فاعلها : الرسول على قدر من أرسله والهدية على قدر مهديها ، والكتاب على قدر كاتبه .
العلم ثلاثة : آية محكمة ، وفريضة عادلة ، وسنة قائمة .
الناس ثلاثة : جاهل يأبى أن يتعلم ، وعالم قد شفه علمه ، وعاقل يعمل لدنياه وآخرته .
ص: 236
ثلاثة ليس معهن غربة : حسن الأدب ، وكف الأذى ، ومجانبة الريب .
الأيام ثلاثة : فيوم مضى لا يُدرك ، ويوم الناس فيه ، فينبغي أن يغتنموه ، وغداً إنما في أيديهم أمله .
من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الإيمان : حلم يردُّ به جهل الجاهل . وورع يحجزه عن طلب المحارم، وخلق يداري به الناس .
ثلاث من كنَّ فيه استكمل الإيمان ، من إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ،وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل ، ومن إذا قدر عفا .
ثلاث خصال يحتاج إليها صاحب الدُّنيا : الدعة من غير توان ، والسعة مع قناعة ، والشجاعة من غير كسلان .
ثلاثة أشياء لا ينبغي للعاقل أن ينساهنّ على كل حال : فناء الدنيا ، وتصرف الأحوال ، والآفات التي لا أمان لها .
ثلاثة أشياء لا تُرى كاملة في واحد قطُّ : الإيمان ، والعقل ، والإجتهاد.
الإخوان ثلاثة : مواس بنفسه ، وآخر مواس بماله وهما الصادقان في الإخاء وآخر يأخذ منك البلغة ويريدك لبعض اللذة ، فلا تعدّه من أهل الثقة .
لا يستكمل عبدٌ حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث : الفقه في الدين ، وحسن التقدير في المعيشة ، والصبر على الرزايا.
ولا قوّة إلَّا بالله العلي العظيم .
دخل عليه رجل فقال(عليه السلام) له : ممن الرجل ؟ فقال من محبيكم ومواليكم ، فقال له جعفر(عليه السلام): لايحب الله عبدٌ حتى يتولاه ، ولا يتولاه حتى يوجب له الجنة.
ثم قال له : من أي محبينا أنت ؟ فسكت الرجل فقال له سَدير(1): وكم محبوكم يابن
ص: 237
رسول الله ؟ فقال : على ثلاث طبقات : طبقة أحبونا في العلانية ولم يحبونا في السر . وطبقة يحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية ، وطبقة يحبونا في السر والعلانية ، هم النمط الأعلى ، شربوا من العذب الفرات وعلموا بأوائل الكتاب ، وفصل الخطاب وسبب الأسباب ، فهم النمط الأعلى ، والفقر والفاقة وأنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل ، مسّتهم البأساء والضراء وزلزلوا وفتنوا ، فمن بين مجروح ومذبوح متفرقين في كل بلاد قاصية ، بهم يشفي الله السقيم ويغني العديم ، وبهم تُنصرون ، وبهم تُمطرون ، وبهم تُرزقون ، وهم الأقلون عدداً ، الأعظمون عند الله قدراً وخطراً . والطبقة الثانية النمط الأسفل أحبونا في العلانية وساروا بسيرة الملوك ، فألسنتهم معنا وسيوفهم علينا . والطبقة الثالثة النمط الأسود أحبونا في السر ولم يحبونا في العلانية ، ولعمري لئن كانوا أحبونا في السر دون العلانية ، فهم الصوامون بالليل ترى أثر الرهبانية في وجوههم ، أهل سلم وانقياد.
قال الرجل : فأنا من محبيكم في السر والعلانية. قال جعفر(عليه السلام): إن لمحبينا السر والعلانية علامات يعرفون بها. قال الرجل: وما تلك العلامات؟ قال (عليه السلام): تلك خلال أولها أنهم عرفوا التوحيد حق معرفته وأحكموا علم توحيده . والإيمان بعد ذلك بما هو وما صفته ، ثم علموا حدود الإيمان وحقائقه وشروطه وتأويله . قال سدير : يا ابن رسول الله ما سمعتك تصف الإيمان بهذه الصفة ؟ قال : نعم يا سدير ليس للسائل أن يسأل عن الإيمان ما هو ؟ حتى يعلم الإيمان بمن . قال سدير : يا ابن رسول الله إن رأيت أن تفسِّر ما قلت ؟ . قال الصَّادق(عليه السلام): من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشركٌ . ومن زعم أنه يعرف الله بالاسم دون المعنى فقد أقر بالطعن . لأن الاسم محدث . ومن زعم أنه يعبد الاسم والمعنى فقد جعل مع الله شريكاً . ومن زعم أنه يعبد [المعنى] بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غايب . ومن زعم أنه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف .
ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغَّر بالكبير وما قدروا الله حق قدره قيل له : فكيف سبيل التوحيد ؟ قال بالتلاف : باب البحث ممكن وطلب المخرج موجود إن معرفة عين الشاهد قبل صفته ومعرفة صفة الغائب قبل عينه. قيل: وكيف تعرف عين الشاهد قبل صفته ؟ قال(عليه السلام) : تعرفه وتعلم علمه وتعرف نفسك به ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك . وتعلم أن ما فيه له وبه ، كما قالوا ليوسف :﴿ إِنَّكَ
ص: 238
لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي ﴾(1)فعرفوه به ولم يعرفوه بغيره ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب أما ترى الله يقول :﴿ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ﴾(2). يقول ليس لكم أن تنصبوا إماماً من قبل أنفسكم تسمونه محقاً بهوى أنفسكم وإرادتكم . ثم قال الصادق بالثاني : ثلاثة﴿ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾(3)من أنبت شجرة لم ينبته الله يعني من نصب إماماً لم ينصبه الله ، أو جحد من نصبه الله ، ومن زعم أن لهذين سهماً في الإسلام ، وقد قال الله : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾(4).
قال(عليه السلام): معنى صفة الإيمان، الإقرار والخضوع لله بذل الإقرار ، والتقرُّب إليه به والأداء له بعلم كل مفروض من صغير أو كبير من حد التوحيد فما دونه إلى آخر باب من أبواب الطاعة أولاً فأولاً مقرون ذلك كله بعضه إلى بعض موصول بعضه ببعض ، فإذا أدى العبد ما فُرض عليه مما وصل إليه على صفة ما وصفناه فهو مؤمن مستحق لصفة الإيمان ، مستوجب للثواب وذلك أن معنی جملة الإيمان الإقرار ، ومعنى الإقرار التصديق بالطاعة ، فلذلك ثبت أن الطاعة كلها صغيرها وكبيرها مقرونة بعضها إلى بعض ، فلا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلَّا بترك ما استحق أن يكون به مؤمناً ، وإنما استوجب واستحق اسم الإيمان ومعناه بأداء كبار الفرائض موصولة وترك كبار المعاصي واجتنابها . وإن ترك صغار الطاعة وارتكب صغار المعاصي فليس بخارج من الإيمان ولا تارك له ما لم يترك شيئاً من كبار الطاعة ولم يرتكب شيئاً من كبار المعاصي ، فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله : ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾(5)يعني المغفرة ما دون الكبائر . فإن هو ارتكب كبيرة من كبار المعاصي كان مأخوذاً بجميع المعاصي صغارها وكبارها معاقباً عليها معذباً بها ، فهذه صفة الإيمان وصفة المؤمن المستوجب للثواب
ص: 239
وأما معنى صفة الإسلام فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والأداء له. فإذا أقرَّ المقرُّ بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الإسلام ومعناه واستوجب الولاية الظاهرة وإجازة شهادته والمواريث . وصار له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين ، فهذه صفة الإسلام . وفرق ما بين المسلم والمؤمن أن المسلم إنما يكون مؤمناً أن يكون مطيعاً في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر . فإذا فعل ذلك بالظاهر كان مسلماً . وإذا فعل ذلك بالظاهر والباطن بخضوع وتقرب بعلم كان مؤمناً ، فقد يكون العبد مسلماً ولا يكون مؤمناً إلَّا وهو مسلم .
وقد يخرج من الإيمان بخمس جهات من الفعل كلها متشابهات معروفات : الكفر ، والشرك ، والضلال ، والفسق ، وركوب الكبائر.
فمعنى الكفر كلُّ معصية عصي الله بها بجهة الجحد والإنكار ، والاستخفاف والتهاون في كل ما دقّ وجلَّ ، وفاعله كافر ومعناه معنى كفر ، من أيّ ملة كان ، ومن أيِّ فرقة كان بعد أن تكون منه معصية بهذه الصفات ، فهو كافر ..
ومعنى الشرك كل معصية عصي الله بها بالتدين ، فهو مشرك ، صغيرة كانت المعصية أو كبيرة ، ففاعلها مشرك .
ومعنى الضلال الجهل بالمفروض وهو أن يترك كبيرة من كبائر الطاعة التي لايستحق العبد الإيمان إلَّا بها بعد ورود البيان فيها والإحتجاج بها ، فيكون التارك لها تاركاً بغير جهة الإنكار والتدين بإنكارها وجحودها ، ولكن يكون تاركاً على جهة التواني والإغفال والاشتغال بغيرها ، فهو ضال متنكب طريق الإيمان ، جاهلٌ به خارج منه . مستوجب لاسم الضلالة ومعناها ما دام هي بصفة التي وصفناه بها . فإن كان هو الذي مال بهواه إلى وجه من وجوه المعصية بجهة الجحود والاستخفاف والتهاون كفر . وإن هو مال بهواه إلى التدين بجهة التأويل والتقليد والتسليم والرضا بقول الآباء والأسلاف فقد أشرك . وقلَّ ما يلبث الإنسان على ضلالة حتى يميل بهواه إلى بعض ما وصفناه من صفته.
ومعنى الفسق فكل معصية من المعاصي الكبار فعلها فاعل ، أو دخل فيها داخل
ص: 240
بجهة اللذة والشهوة والشوق الغالب فهو فسق و فاعله فاسق خارج من الإيمان بجهة الفسق فإن دام في ذلك حتى يدخل في حد التهاون والاستخفاف فقد وجب أن يكون بتهاونه واستخفافه كافراً .
ومعنى راكب الكبائر التي بها يكون فساد إيمانه ، فهو أن يكون منهمكاً على كبائر المعاصي بغير جحود ولا تدين ولا لذة ولا شهوة ، ولكن من جهة الحمية والغضب يكثر القذف والسب والقتل وأخذ الأموال وحبس الحقوق ، وغير ذلك من المعاصي الكبائر التي يأتيها صاحبها بغير جهة اللذة . ومن ذلك الأيمان الكاذبة وأخذ الربا وغير ذلك التي يأتيها من أتاها بغير استلذاذ [و] الخمر والزنا واللهو ففاعل هذه الأفعال كلها مُفسدٌ للإيمان خارج منه من جهة ركوبه الكبيرة على هذه الجهة غير مشرك ولا كافر ولا ضال ، جاهل على ما وصفناه من جهة الجهالة ، فإن هو مال بهواه إلى أنواع ما وصفناه من حد الفاعلين كان من صفاته.
سأله سائل ، فقال : كم جهات معائش العباد التي فيها الإكتساب [أ] و التعامل بينهم ووجوه النفقات ؟ فقال(عليه السلام): جميع المعائش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات من المعاملات . فقال له : أكل هؤلاء الأربعة الأجناس حلالٌ ، أو كلها حرام ، أو بعضها حلال وبعضها حرام ؟ فقال(عليه السلام): قد يكون في هؤلاء الأجناس الأربعة حلال من جهة ، حرام من جهة ، وهذه الأجناس مسميات معروفات الجهات فأول هذه الجهات الأربعة الولاية وتولية بعضهم على بعض ، فأول ولاية - الولاة وولاة الولاة إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو والٍ عليه . ثم التجارة في جميع البيع والشراء بعضهم من بعض . ثم الصناعات في جميع صنوفها، ثم الإجارات في كل ما يحتاج إليه من الإجارات وكل هذه الصنوف تكون حلالاً من جهة وحراماً من جهة ، والفرض من الله على العباد في هذه المعاملات الدخول في جهات الحلال منها ، والعمل بذلك الحلال واجتناب جهات الحرام منها.
ص: 241
وهي جهتان ، فإحدى الجهتين من الولاية ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم على الناس ، وولاية ولاته وولاة ولاته إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو والٍ عليه والجهة الأُخرى من الولاية ولاية ولاة الجور وولاة ولاته إلى أدناهم بابا من الأبواب التي هو والٍ عليه فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر الله بمعرفته وولايته والعمل له في ولايته وولاية ولاته وولاة ولاته بجهة ما أمر الله به الوالي العادل بلا زيادة فيما أنزل الله به ولا نقصان منه ولا تحريف لقوله ولا تعد لأمره إلى غيره فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له والعمل معه ومعونته في ولايته وتقويته حلال محلل ، وحلال الكسب معهم وذلك أن في ولاية والي العدل وولاته إحياء كل حق وكل عدل وإماتة كل ظلم وجور وفساد ، فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه والمعين له على ولايته ساعية إلى طاعة الله مقوياً لدينه .
وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته ، الرئيس منهم وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو والٍ عليه . والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام ومحرم ، معذب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير ، لأن كل شيء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر وذلك أن في ولاية الوالي الجائر دوس الحق كله(1)وإحياء الباطل كله ، وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سنّة الله وشرائعه . فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلَّا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة.
في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له . وكذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز له فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد وقوامهم به في امورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون من جهة ملكهم ، ويجوز
ص: 242
لهم الاستعمال له من جميع جهات المنافع التي لا يقيمهم غيرها من كل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته.
وأما وجوه الحرام من البيع والشراء وكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله وشربه أو كسبه أو نكاحه أو مِلكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد نظير البيع بالربا ، لما في ذلك من الفساد ، أو البيع للميتة ، أو الدم ، أو لحم الخنزير ، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش ، أو الطير ، أو جلودها ، أو الخمر ، أو شيء من وجوه النجس ، فهذا كله حرام ومحرم ، لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه بوجه من الوجوه لما فيه من الفساد ، فجميع تقليه في ذلك حرام ، وكذلك كل بيع ملهوّ به وكل منهيّ عنه مما يتقرب به لغير الله ، أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي ، أو باب من الأبواب يقوى به باب من أبواب الضلالة ، أو باب من أبواب الباطل ، أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم، حرام بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه إلَّا في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك.
فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الإجارات أن يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئاً يملكه فيما يُنتفع به من وجوه المنافع ، أو العمل بنفسه وولده ومملوكه ، أو أجيره من غير أن يكون وكيلاً للوالي ، أو والياً للوالي فلا بأس أن يكون أجيراً يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله في إجازته ، لأنهم وكلاء الأجير من عنده ليس هم بولاة الوالي نظير الحمّال الذي يحمل شيئاً بشيء معلوم إلى موضع معلوم ، فيجعل ذلك الشيء الذي يجوز له حمله بنفسه أو بملكه أو دابته أو يؤاجر نفسه في عمل يعمل ذلك العمل بنفسه أو بمملوكه أو قرابته أو بأجير من قبله ، فهذه وجوه من وجوه الإجارات حلال لمن كان من الناس مِلكاً أو سوقة(1)أو كافراً أو مؤمناً ، فحلال إجارته وحلال كسبه من هذه الوجوه .
ص: 243
فأما وجوه الحرام من وجوه الإجارة نظير أن يؤاجر نفسه على حمل ما يحرم عليه أكله أو شربه أو لبسه أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشيء أو حفظه أو لبسه أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضراراً أو قتل النفس بغير حل أو حمل التصاوير والأصنام والمزامير والبرابط والخمر والخنازير الميتة والدم أو شيء من وجوه الفساد الذي كان محرماً عليه من غير جهة الإجارة فيه وكلُّ أمر منهيّ عنه من جهة من الجهات فمحرّم على الإنسان إجارة نفسه فيه أو له أو شيء منه أو له إلَّا لمنفعة من استأجرته كالذي يستأجر الأجير يحمل له الميتة ينحيها عن أذاه أو أذى غيره ، وما أشبه ذلك والفرق بين معنى الولاية والإجارة وإن كان كلاهما يعملان بأجر : أن معنى الولاية أن يلي الإنسان لوالي الولاة أو لولاة الولاة فيلي أمر غيره في التولية عليه وتسليطه وجواز أمره ونهيه وقيامه مقام الولي إلى الرئيس ، أو مقام وكلائه في أمره وتوكيده في معونته وتسديد ولايته وإن كان أدناهم ولاية ، فهو وال على من هو وال عليه يجري مجرى الولاة الكبار الذين يلون ولاية الناس في قتلهم من قتلوا وإظهار الجور والفساد.
وأما معنى الإجارة فعلى ما فسرنا من إجارة الإنسان نفسه أو ما يملكه من قبل أن يؤاجر [ا] لشيء من غيره فهو يملك يمينه لأنه لا يلي أمر نفسه وأمر ما يملك قبل أن يؤاجره ممن هو آجره. والوالي لا يملك من أمور الناس شيئاً إلا بعد ما يلي أمورهم ويملك توليتهم . وكل من آجر نفسه ، أو آجر ما يملك نفسه ، أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة على ما فسرنا مما تجوز الإجارة فيه فحلال محلل فعله وكسبه .
فكلُّ ما يتعلم العباد أو يعلمون غيرهم من صنوف الصناعات مثل الكتابة والحساب والتجارة والصياغة والسراجة والبناء والحياكة والقصارة والخياطة وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني وأنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد التي منها منافعهم وبها قوامهم وفيها بلغة جميع حوائجهم فحلال فعله وتعليمه والعمل به وفيه لنفسه أو لغيره وإن كانت تلك الصناعة وتلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد ووجوه المعاصي ويكون معونة على الحق والباطل ، فلا بأس بصناعته وتعليمه نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه الفساد من تقوية معونة ولاة ولاة الجور . وكذلك السكين والسيف والرمح والقوس ، وغير ذلك من وجوه الآلة التي قد تصرف إلى جهات الصلاح وجهات الفساد وتكون آلة ومعونة عليهما ، فلا بأس
ص: 244
بتعليمه وتعلمه وأخذ الأجر عليه وفيه والعمل به وفيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق ومحرم عليهم فيه تصريفه إلى جهات الفساد والمضار فليس على العالم والمتعلم إثم ولا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم به وبقائهم . وإنما الإثم والوزر على المتصرف بها في وجوه الفساد والحرام وذلك إنما حرم الله الصناعة التي حرام هي كلها التي يجيء منها الفساد محضاً نظير البرابط(1)والمزامير والشطرنج وكل ملهوّ به والصلبان والأصنام . وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام وما يكون منه وفيه الفساد محضاً . ولا يكون فيه ولا منه شيء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجر عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها إلَّا أن تكون صناعة قد تنصرَّف إلى جهات الصنائع ، وإن كان قد يتصرف بها ويتناول بها وجه من وجوه المعاصي ، فلعله لما فيه من الصَّلاح حل تعلمه وتعليمه والعمل به ويحرم على من صرفه إلى غير وجه الحق والصلاح . فهذا تفسير بيان وجه اكتساب معائش العباد ، وتعليمهم في جميع وجوه اكتسابهم.
أما الوجوه التي فيها إخراج الأموال في جميع وجوه الحلال المفترض عليهم وجوه النوافل كلها ، فأربعة وعشرون وجهاً ، منها سبعة وجوه على خاصة نفسه ، و خمسة وجوه على من تلزمه نفسه . وثلاثة وجوه مما تلزمه فيها من وجوه الدين ، وخمسة وجوه مما تلزمه فيها من وجوه الصلات ، وأربعة أوجه مما تلزمه فيها النفقة من وجوه اصطناع المعروف .
فأما الوجوه التي تلزمه فيها النفقة على خاصة نفسه فهي مطعمه ومشربه وملبسه ومنكحه ومخدمه وعطاؤه فيما يحتاج إليه من الأجراء على مرمة متاعه أو حمله أو حفظه ومعنىٌ يحتاج إليه من نحو منزله أو آلة من الآلات يستعين بها على حوائجه .
وأما الوجوه الخمس التي تجب عليه النفقة لمن تلزمه نفسه فعلى ولده ووالديه وامرأته ومملوكه لازمٌ له ذلك في حال العسر واليسر .
وأما الوجوه الثلاثة المفروضة من وجوه الدين فالزكاة المفروضة الواجبة في كل
ص: 245
عام والحج المفروض والجهاد في إبانه وزمانه .
وأما الوجوه الخمس من وجوه الصلات النوافل فصلة من فوقه وصلة القرابة وصلة المؤمنين والتنفل في وجوه الصدقة والبر والعتق.
وأما الوجوه الأربع : فقضاء الدين ، والعارية ، والقرض ، وإقراء الضيف واجبات في السنَّة .
فأما ما يحلُّ ويجوز للإنسان أكله مما أخرجت الأرض ، فثلاثة صنوف من الأغذية صنف منها جميع الحبِّ كله من الحنطة والشعير والأرز والحمّص ، وغير ذلك من صنوف الحبِّ وصنوف السماسم(1)وغيرها . كلُّ شيء من الحبِّ مما يكون فيه غذاء الإنسان في بدنه وقوته فحلال أكله وكلُّ شيء تكون فيه المضرة على الإنسان في بدنه فحرامٌ أكله إلَّا في حال الضرورة.
والصنف الثاني مما أخرجت الأرض من جميع صنوف الثمار كلها مما يكون فيه غذاء الإنسان ومنفعة له وقوته به فحلال أكله ، وما كان فيه المضرَّة على الإنسان في أكله فحرام أكله .
والصنف الثالث جميع صنوف البقول والنبات وكلُّ شيء تنبت الأرض من البقول كلها مما فيه منافع الإنسان وغذاء له فحلال أكله . وما كان من صنوف البقول مما فيه المضرّة على الإنسان في أكله نظير بقول السموم القاتلة ونظير الدفلى(2)وغير ذلك من صنوف السم القاتل فحرام أكله.
فلحوم البقر والغنم والإبل وما يحلُّ من لحوم الوحش وكل ما ليس فيه ناب ولا له مخلب . وما يحلُّ من أكل لحوم الطير كلها ما كانت له قانصة فحلال أكله ، وما لم يكن له قانصة فحرام أكله . ولا بأس بأكل صنوف الجراد .
ص: 246
فكلما اختلف طرفاه فحلال أكله وما استوى طرفاه فحرام أكله.
من صنوف السمك ما كان له قشور فحلال أكله وما لم يكن له قشور فحرام أكله.
من جميع صنوفها فما لا يغير العقل كثيره فلا بأس بشربه وكل شيء منها يغيّر العقل كثيره فالقليل منه حرام .
فكلما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصَّلاة فيه وكل شيء يحلُّ لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه وصوفه وشعره ووبره وإن كان الصوف والشعر والريش والوبر من الميتة وغير الميتة ذكياً فلا بأس بلبس ذلك والصَّلاة فيه وكل شيء يكون غذاء الإنسان مطعمه ومشربه أو ملبسه فلا تجوز الصَّلاة عليه ولا السجود إلَّا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصَّلاة عليه إلَّا في حال ضرورة.
فأربعة وجوه : نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ونكاح اليمين ، ونكاح بتحليل من المحلل له من ملك من يملك(1).
وأما ما يجوز من الملك والخدمة فستة وجوه : ملك الغنيمة وملك الشراء وملك الميراث وملك الهبة وملك العارية وملك الأجر .
فهذه وجوه ما يحلُّ وما يجوز للإنسان إنفاق ماله وإخراجه بجهة الحلال في
ص: 247
وجوهه وما يجوز فيه التصرف والتقلب من وجوه الفريضة والنافلة .
فهمتُ ما ذكرت أنك اهتممت به من العلم بوجوه مواضع ما الله فيه رضىً وكيف أُمسك سهم ذي القُربى منه . وما سألتني من إعلامك ذلك كله فاسمع بقلبك وانظر بعقلك . ثم أعطِ في جنبك النصف من نفسك ، فإنه أسلم لك غداً عند ربك المتقدم أمره ونهيه إليك . وفقنا الله وإياك.
إعلم أن الله ربي وربك ، ما غاب عن شيء ، وما كان ربك نسياً ، وما فرَّط في الكتاب من شيء . وكل شيء فصَّله تفصيلاً . وأنه ليس ما وضع الله تبارك وتعالى من أخذ ماله بأوضح مما أوضح الله من قسمته إياه في سبله ، لأنه لم يفترض من ذلك شيئاً في شيء من القرآن إلَّا وقد أتبعه بسبله إياه غير مفرق بينه وبينه . يوجبه لمن فرض له ما لا يزول عنه من القسم كما يزول ما بقي سواه عمن سمي له لأنه يزول عن
الشيخ بكبره والمسكين بغناه وابن السبيل بلحوقه ببلده . ومع توكيد الحج مع ذلك بالأمر به تعليماً وبالنهي عما ركب ممن منعه تحرُّجاً . فقال الله جل وعزّ في الصدقات- وكانت أول ما افترض الله سبله : ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾(1). فالله أعلم نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)موضع الصدقات وأنها ليست لغير هؤلاء ، يضعها حيث يشاء منهم على ما يشاء . ويكف الله جلَّ جلاله نبيه وأقرباءه عن صدقات الناس وأوساخهم ، فهذا سبيل الصدقات .
وأما المغانم ، فإنه لما كان يوم بدر ) قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): من قتل قتيلاً فله كذا وكذا . ومن أسر أسيراً فله من غنائم القوم كذا وكذا . فإن الله قد وعدني أن يفتح عليَّ وأنعمني عسكرهم . فلما هزم الله المشركين وجمعت غنائمهم قام رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله إنك أمرتنا بقتال المشركين وحثثتنا عليه وقلتَ : من أسر أسيراً فله كذا وكذا من غنائم القوم . ومن قتل قتيلاً فله كذا وكذا . إني قتلت قتيلين - لي بذلك البيِّنة - وأسرت أسيراً فأعطنا ما أوجبت على نفسك يا رسول الله ، ثم جلس
ص: 248
فقام سعد بن عبادة(1)فقال : يا رسول الله ما منعنا أن نصيب مثل ما أصابوا جبن عن العدو ولا زهادة في الآخرة والمغنم . ولكنا تخوفنا إن بعد مكاننا منك فيميل إليك من جند المشركين ، أو يصيبوا منك ضيعة فيميلوا إليك فيصيبوك بمصيبة . وإنك إن تعطِ هؤلاء القوم ما طلبوا يرجع سائر المسلمين ليس لهم من الغنيمة شيء ، ثم جلس فقام الأنصاري فقال مثل مقالته الأولى ، ثم جلس . يقول ذلك كل واحد منهما ثلاث مل صلى الله . مرات : فصد النبي بوجهه فأنزل الله عزّ وجلّ : ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾(2)والأنفال اسم جامع لما أصابوا يومئذ مثل قوله :﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾(3)ومثل قوله : ﴿أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾(4)ثم قال : ﴿قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾(5)فاختلجها الله من أيديهم فجعلها الله ولرسوله . ثم قال :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(6)فلما قدم رسول الله من المدينة أنزل الله عليه : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾(7)فأما قوله : ﴿لِلَّهِ﴾ فكما يقول الإنسان : هو الله ولك ولا يقسم الله منه شيء فخمس رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)الغنيمة التي قبض بخمسة أسهم . فقبض سهم الله لنفسه ويحيي به ذكره ويورث بعده . وسهماً لقرابته من بني عبد المطلب . فأنفذ سهماً لأيتام المسلمين وسهماً لمساكينهم وسهماً لابن السبيل من المسلمين في غير تجارة ،
ص: 249
فهذا يوم بدر ، وهذا سبيل الغنائم التي أُخذت بالسيف .
وأما ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب . فإن كان المهاجرون حين قدموا المدينة أعطتهم الأنصار نصف دورهم ونصف أموالهم . والمهاجرون يومئذ نحو مائة رجل . فلما ظهر رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) على بني قريظة والنضير(1)وقبض أموالهم قال وآله وسلم النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)للأنصار : إن شئتم أخرجتم المهاجرين من دوركم وأموالكم وأقسمت لهم هذه الأموال دونكم . وإن شئتم تركتم أموالكم ودوركم وأقسمت لكم معهم . قالت الأنصار : بل اقسم لهم دوننا واتركهم معنا في دورنا وأموالنا فأنزل الله تبارك وتعالى :﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ - يعني يهود قريظة - فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾(2)لأنهم كانوا معهم بالمدينة أقرب من أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب . ثم قال :﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾(3)فجعلها الله لمن هاجر من قريش مع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وصدق . وأخرج أيضاً عنهم المهاجرين مع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) من العرب لقوله :﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ﴾لأن قريشاً كانت تأخذ ديار من هاجر منها وأموالهم ولم تكن العرب تفعل ذلك بمن هاجر منها ، ثم أثنى على المهاجرين الذين جعل لهم الخمس وبرأهم من النفاق بتصديقهم إياه حين قال : ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾لا الكاذبون ، ثم أثنى على الأنصار وذكر ما صنعوا وحبهم للمهاجرين وإيثارهم إياهم وأنهم لم يجدوا في أنفسهم حاجة - يقول : حزازة(4)- مما أوتوا - يعني المهاجرين دونهم فأحسن الثناء عليهم فقال : ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾(5)وقد كان رجال اتبعوا النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قد وترهم المسلمون فيما أخذوا من
ص: 250
أموالهم ، فكانت قلوبهم قد امتلأت عليهم ، فلما حسن إسلامهم استغفروا لأنفسهم مما كانوا عليه من الشرك . وسألوا الله أن يذهب بما في قلوبهم من الغل لمن سبقهم إلى الإيمان . واستغفروا لهم حتى يحلل ما في قلوبهم وصاروا إخوانا لهم فأثنى الله على الذين قالوا ذلك خاصة فقال ،﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾(1)، فأعطى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) المهاجرين عامة من قريش على قدر حاجتهم فيما يرى ، لأنها لم تخمس فتقسم بالسوية . ولم يعط أحداً منهم شيئاً إلَّا المهاجرين من قريش غير رجلين من الأنصار يُقال لأحدهما : سهل بن حنيف(2)وللآخر سماك بن خرشة -أبو دجانة(3)- فإنه أعطاهما لشدة حاجة كانت بهما من حقه . وأمسك النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) من أموال بني قريظة والنضير ما لم يوجف عليه خيل ولا ركاب سبع حوائط لنفسه . لأنه لم يوجف على فدك(4)خيل أيضاً ولا ركاب .
ص: 251
وأما خيبر(1)فإنها كانت مسيرة ثلاثة أيام من المدينة وهي أموال اليهود ولكنه أوجف عليها خيل وركاب وكانت فيها حرب . فقسمها على قسمة بدر ، فقال الله عز وجل : ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (2)فهذا سبيل ما أفاء الله على رسوله مما أوجف عليه خيل وركاب.
وقد قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : ما زلنا نقبض سهمنا بهذه الآية التي أولها تعليم وآخرها تحرج حتى جاء خمس السوس وجندي سابور(3)إلى عمر وأنا والمسلمون والعباس عنده ، فقال عمر لنا : إنه قد تتابعت لكم من الخمس أموال فقبضتموها حتى لا حاجة بكم اليوم وبالمسلمين حاجة وخلل ، فأسلفونا حقكم من هذا المال حتى يأتي الله بقضائه من أول شيء يأتي المسلمين . فكففت عنه لأني لم آمن حين جعله سلفاً لو ألححنا عليه فيه أن يقول في خمسنا مثل قوله في أعظم منه أعني ميراث نبينا لال حين ألححنا عليه فيه . فقال له العباس : لا تغمز في الذي لنا يا عمر، فإن الله قد أثبته لنا بأثبت مما أثبت به المواريث بيننا . فقال عمر : وأنتم أحق من أرفق المسلمين . وشفعني ، فقبضه عمر . ثم قال : لا والله ما آتيهم ما يقبضنا
ص: 252
حتى لحق بالله ، ثم ما قدرنا عليه بعده ثم قال علي(عليه السلام): إن الله حرم على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) الصدقة فعوضه منها سهماً من الخمس . وحرمها على أهل بيته خاصة دون
بذات قومهم . وأسهم لصغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم وفقيرهم وشاهدهم وغائبهم ولأنهم إنما أعطوا سهمهم لأنهم قرابة نبيهم والتي لا تزول عنهم الحمد لله الذي جعله منا وجعلنا منه . فلم يعط رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أحداً من الخمس غيرنا وغير حلفائنا وموالينا .
لأنهم منا وأعطى من سهمه ناساً لحرم كانت بينه وبينهم معونة في الذي كان بينهم . فقد أعلمتك ما أوضح الله من سبيل هذه الأنفال الأربعة وما وعد من أمره فيهم ونوره بشفاء من البيان وضياء من البرهان ، جاء به الوحي المنزل وعمل به النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فمن حرف كلام الله أو بدله بعد ما سمعه وعقله فإنما إثمه عليه والله حجيجه فيه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله(عليه السلام)فرأى عليه ثياباً بيضاً كأنها غرقىء البياض فقال له : إن هذا ليس من لباسك . فقال(عليه السلام) له : اسمع مني وع ما أقول لك فإنه خير لك عاجلاً وآجلاً إن كنت أنت مت على السنة والحق ولم تمت على بدعة . أخبرك أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كان في زمان مقفر جشب(1) فإذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها ومؤمنوها لا منافقوها ومسلموها لا كفارها . فما أنكرت يا ثوري ، فوالله - إني لمع ما ترى - ما أتى عليَّ مذ عقلت صباح ولا مساء والله في مالي حق أمرني أن أضعه موضعاً إلا وضعته .
فقال : ثم أتاه قوم ممن يظهر التزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف(2) فقالوا : إن صاحبنا حصر عن كلامك ولم تحضره حجة . فقال(عليه السلام) لهم : هاتوا حججكم . فقالوا : إن حججنا من كتاب الله . قال(عليه السلام) لهم : فأدلوا بها فإنها أحق ما اتبع وعمل به . فقالوا : يقول الله تبارك وتعالى مخبراً
ص: 253
عن قوم من أصحاب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾(1)، فمدح فعلهم . وقال في موضع آخر : ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾(2)فنحن نكتفي بهذا .فقال رجل من الجلساء : إنا ما رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تتمتعوا أنتم بها . فقال أبو عبد الله(عليه السلام): دعوا عنكم ما لا ينفع به، أخبروني أيها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه. ومحكمه من متشابهه ، الذي في مثله ضل من ضل وهلك من هلك من هذه الأمة ؟ فقالوا له : بعضه ، فأما كله فلا . فقال(عليه السلام)لهم : من ههنا أوتيتم . وكذلك أحاديث رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأما ما ذكرتم من إخبار الله إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم لحسن فعالهم ، فقد كان مباحاً جائزاً ولم يكونوا نهوا عنه وثوابهم منه على الله ، وذلك أن الله جلَّ وتقدس أمر بخلاف ما عملوا به فصار أمره ناسخاً لفعلهم . وكان نهى تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين ونظراً لكي لا يضرُّوا بأنفسهم وعيالاتهم ،منهم الضعفة الصغار والولدان والشيخ الفان ، والعجوز الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع ، فإن تصدقتُ برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعاً فمن ثم قال رسول الله : تمرات، أو خمس قرص ، أو دنانير ، أو دراهم يملكها الإنسان وهو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقها الإنسان على والديه ، ثم الثانية على نفسه وعياله ، ثم الثالثة على القرابة وإخوانه المؤمنين ، ثم الرابعة على جيرانه الفقراء ، ثم الخامسة في سبيل الله وهو أخسّها أجراً . وقال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)للأنصاري ، حيث أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق ولم يكن يملك غيرهم وله أولاد صغار - : «لو أعلمتموني أمرهم ما تركتكم تدفنونه مع المسلمين . ترك صبية صغاراً يتكففون الناس. ثم قال : حدثني أبي أن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : «إبدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى ».
ثم هذا ما نطق به الكتاب رداً لقولكم ونهياً عنه ، مفروض من الله العزيز الحكيم قال : ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ (3).
ص: 254
أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى عيّر ما أراكم تدعون إليه المسرفين . وفي غير آية من كتاب الله يقول :﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(1)فنهاهم عن الإسراف ، ونهاهم عن التقتير ، لكن أمر بين الأمرين لا يعطي جميع ما عنده ، ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «إن أصنافاً من اُمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم ، رجل يدعو على والديه، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ولم يشهد عليه ، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله تخلية سبيلها بيده ، ورجل يقعد في البيت ويقول : يا رب ارزقني ولا يخرج يطلب الرزق فيقول الله جل وعز : عبدي ! أو لم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ولكي لا تكون كلاً على أهلك فإن شئت رزقتك وإن شئت قتَّرت عليك وأنت معذور عندي ورجل رزقه الله مالاً كثيراً فأنفقه ثم أقبل يدعو : يا رب ارزقني ، فيقول الله : ألم أرزقك رزقاً واسعاً ، أفلا اقتصدت فيه كما أمرتك ولم تسرف وقد نهيتك ، ورجل يدعو في قطيعة رحم» .
ثم علم الله نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)كيف ينفق وذلك أنه كانت عنده(صلی الله علیه وآله وسلم)أُوقيّة من ذهب ،فكره أن تبيت عنده شيء فتصدق وأصبح ليس عنده شيء . وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل واغتم هو سد حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيماً رقيقاً فأدَّب الله نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) بأمره إياه فقال : ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾(2) يقول : إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك كنت قد خسرت من المال. فهذه أحاديث رسول الله عليم يصدقها الكتاب والكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين .
وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له : أوصِ فقال : أُوصي بالخمس والخمس كثير فإن الله قد رضي بالخمس . فأوصى بالخمس وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته ولو علم أن الثلث خير له أوصى به .
ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان وأبو ذرّ رضي الله عنهما فأما سلمان رضي الله عنه فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضره عطاؤه من قابل . فقيل له : يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وإنك لا تدري لعلك تموت
ص: 255
اليوم أو غداً . فكان جوابه أن قال : ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليَّ الفناء . أو ما علمتم يا جهلة أن النفس تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه ، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت . فأما أبو ذرّ رضي الله عنه فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ، ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم ، أو نزل به ضيف أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم قرم اللحم فيقسمه بينهم ويأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم . ومن أزهد من هؤلاء ؟ وقد قال فيهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ما قال ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئاً البتة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم.
واعلموا أيها النفر أني سمعت أبي يروي عن آبائه(عليهم السلام)أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال يوماً :« ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن أنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له ، وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له ، فكلما يصنع الله عز وجل به فهو خير له »فليت شعري هل يحيق فيكم اليوم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم . أو ما علمتم أن الله جل اسمه قد فرض على المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه عنهم ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ثم حولهم من حالهم رحمة منه فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاً من الله عز وجل عن المؤمنين ، فنسخ الرجلان العشرة .
وأخبروني أيضاً عن القضاة أجور منهم حيث يفرضون على الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال : أنا زاهد وإنه لا شيء لي فإن قلتم : جور ظلمتم أهل الإسلام وإن قلتم : بل عدل خصمتم أنفسكم . وحيث تريدون صدقة من تصدق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث ، أخبروني لو كان الناس كلهم كما تريدون زهاداً لا حاجة لهم في متاع غيرهم، فعلى من كان يتصدق بكفارات الأيمان والنذور والصدقات من فرض الزكاة من الإبل والغنم والبقر وغير ذلك من الذهب والفضة والنخل والزبيب وسائر ما قد وجبت فيه الزكاة ، إذا كان الأمر على ما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئاً من عرض الدنيا إلا قدمه وإن كان به خصاصة . فبئس ما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) وأحاديثه التي يصدقها
ص: 256
الكتاب المنزل ، أوردكم إياها بجهالتكم وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ والمحكم والمتشابه والأمر والنهي .
وأخبروني أنتم عن سليمان بن داود(عليه السلام) حيث سأل الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه الله جل اسمه ذلك ، وكان(عليه السلام) يقول الحق ويعمل به ثم لم نجد الله عاب ذلك عليه ولا أحداً من المؤمنين . وداود(عليه السلام)قبله في ملكه وشدّة سلطانه ثم سلطانه ثم يوسف النبيّ(عليه السلام)حيث قال لملك مصر﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾(1)فكان أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك وما حولها إلى اليمن فكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم ، وكان التي يقول الحق ويعمل به فلم نجد أحداً عاب ذلك عليه . ثم ذو القرنين عبد أحب الله فأحبه ، طوى له الأسباب وملكه مشارق الأرض ومغاربها وكان يقول بالحق ويعمل به ثم لم نجد أحداً عاب ذلك عليه فتأدبوا أيها النفر بآداب الله عز وجل للمؤمنين واقتصروا على أمر الله ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به وردوا [ال] -علم إلى أهله توجروا وتعذروا عند الله تبارك وتعالى وكونوا في طلب علم الناسخ من القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه وما أحل الله فيه مما حرم ، فإنه أقرب لكم من الله وأبعدكم من الجهل . ودعوا الجهالة لأهلها ، فإن أهل الجهل كثير وأهل العلم قليل وقد قال الله : ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ (2).
قال(عليه السلام): عرفان المرء نفسه أن يعرفها بأربع طبائع وأربعة دعائم وأربعة أركان فطبائعه : الدم والمرة والريح والبلغم ، ودعائمه : العقل ومن العقل الفهم والحفظ . وأركانه النور والنار والروح والماء . وصورته طينته . فأبصر بالنور وأكل وشرب بالنار وجامع وتحرك بالروح . ووجد طعم الذوق والطعام بالماء فهذا تأسيس صورته . فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً ذكياً فطناً فهماً وعرف فيما هو ومن أين يأتيه ولأي شيء هو ههنا وإلى ما هو صائر ، بإخلاص الوحدانية والإقرار بالطاعة وقد تجري فيه النفس وهي حارة وتجري فيه وهي باردة ، فإذا حلت به الحرارة
ص: 257
أشر وبطر وارتاح(1)وقتل وسرق وبهج واستبشر وفجر وزنا وبذخ . وإذا كانت باردة اهتم وحزن واستكان وذبل(2)ونسي ، فهي العوارض التي يكون منها الأسقام ولا يكون أقل ذلك إلا بخطيئة عملها فيوافق ذلك من مأكل أو مشرب في حد ساعات لا تكون تلك الساعة موافقة لذلك المأكل والمشرب لحال الخطيئة فيستوجب الألم من الوان الأسقام .
ثم قال(عليه السلام) بعد ذلك كلاماً آخر : إنما صار الإنسان يأكل ويشرب ويعمل بالنار ويسمع ويشم بالريح ويجد لذة الطعام والشراب بالماء ويتحرك بالروح فلولا أن النار في معدته لما هضمت الطعام والشراب في جوفه ، ولولا الريح ما التهبت نار المعدة ، ولا خرج الثفل من بطنه ولا الروح جاء ولا ذهب . ولولا برد الماء لأحرقته نار المعدة . ولولا النور ما أبصر ولا عقل . والطين صورته . والعظام في جسده بمنزلة الشجر في الأرض . والشعر في جسده بمنزلة الحشيش في الأرض . والعصب في جسده بمنزلة اللحاء على الشجر(3) والدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض . ولا قوام للأرض إلَّا بالماء ولا قوام لجسد الإنسان إلَّا بالدم. والمخ دسم الدم وزبده .
فهكذا الإنسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة فإذا جمع الله بينهما صارت حياته في الأرض ، لأنه نزل من شأن السماء إلى الدنيا ، فإذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت يرد شأن الآخرة إلى السماء . فالحياة في الأرض والموت في السماء وذلك أنه يفرق بين الروح والجسد ، فردت الروح والنور إلى القدرة الأُولى وترك الجسد لأنه من شأن الدنيا . وإنما فسد الجسد في الدنيا لأن الريح تنشف الماء فيبس الطين فيصير رفاتاً ويبلى ويرد كل إلى جوهره الأول وتحركت الروح بالنفس والنفس حركتها من الريح ، فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل . وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء ، فهذا من صورة ناره وهذا من صورة نوره والموت رحمة من الله لعبده المؤمن ونقمة على الكافر .
ولله عقوبتان إحداهما من الروح والأُخرى تسليط الناس بعض على بعض ، فما كان من قبل الروح فهو السقم والفقر. وما كان من تسليط فهو النقمة وذلك قول الله
ص: 258
عزّ وجلّ :﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾(1)من الذنوب. فما كان من ذنب الروح فعقوبته بذلك السقم والفقر. وما كان من تسليط فهو النقمة . وكل ذلك عقوبة للمؤمن في الدنيا وعذاب له فيها . وأما الكافر فنقمته عليه في الدنيا وسوء العذاب في الآخرة . ولا يكون ذلك إلَّا بذنب من الشهوة . وهي من المؤمن خطاء ونسيان وأن يكون مستكرهاً وما لا يطيق وما كان من الكافر فعمد وجحود واعتداء وحسد وذلك قول الله عزَّ وجلَّ :﴿ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾(2).
لا يصلح من لا يعقل . ولا يعقل من لا يعلم . وسوف ينجب من يفهم . ويظفر من يحلم . والعلم جنة . والصدق عزّ والجهل ذل . والفهم مجد والجود نجح .وحسن الخلق مجلبة للمودة . والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس . والحزم مشكاة الظن والله ولي من عرفه وعدو من تكلفه . والعاقل غفور والجاهل ختور(3). وإن شئت أن تكرم فلن . وإن شئت أن تهان فاخشن . ومن كرم أصله لان قلبه . ومن خشن عنصره غلظ كبده ومن فرط تورط . ومن خاف العاقبة تثبت فيما لا يعلم . ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه ، ومن لم يعلم لم يفهم . ومن لم يفهم لم يسلم . ومن لم يسلم لم يكرم . ومن لم يكرم تهضم . ومن تهضم كان ألوم ومن كان كذلك كان أحرى أن يندم . إن قدرت أن لا تعرف فافعل . وما عليك إذا لم يثن الناس عليك . وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس إذا كنت عند الله محموداً ، إن أمير المؤمنين والتي كان يقول : لا خير في الحياة إلا لأحد رجلين : رجل يزداد كل يوم فيها إحساناً ورجل يتدارك منيته بالتوبة إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل وإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن . صومعة المسلم بيته يحبس فيه نفسه وبصره ولسانه وفرجه. إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله قبل أن يظهر شكرها على لسانه.
ثم قال(عليه السلام): كم من مغرور بما أنعم الله عليه . وكم من مستدرج بستر الله
ص: 259
عليه وكم من مفتون بثناء الناس عليه . إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأُمة إلَّا [ل] أحد ثلاثة : صاحب سلطان جائر . وصاحب هوى . والفاسق المعلن . الحب أفضل من الخوف . والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله . كن ذنباً ولا تكن رأساً . قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من خاف كلّ. لسانه
قال صلوات الله عليه : من أنصف الناس من نفسه رضي به حكماً لغيره.
وقال(عليه السلام): إذا كان الزمان زمان جور وأهله أهل غدر فالطمأنينة إلى كل أحد
وقال(عليه السلام): إذا أُضيف البلاء إلى البلاء كان من البلاء عافية .
وقال(عليه السلام): إذا أردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فأغضبه فإن ثبت لك على المودة فهو أخوك وإلَّا فلا .
وقال (عليه السلام): لا تعتد بمودة أحد حتى تغضبه ثلاث مرّات .
وقال(عليه السلام): لا تثقن بأخيك كل الثقة ، فإن صرعة الاسترسال لا تستقال(1).
وقال(عليه السلام): الإسلام درجة . والإيمان على الإسلام درجة . واليقين على الإيمان درجة . وما أُوتي الناس أقل من اليقين .
وقال(عليه السلام): إزالة الجبال أهون من إزالة قلب عن موضعه.
وقال(عليه السلام): الإيمان في القلب واليقين خطرات.
وقال(عليه السلام): الرغبة في الدنيا تورث الغم والحزن . والزهد في الدنيا راحة القلب والبدن .
وقال(عليه السلام): من العيش دار يكرى وخبز يشرى .
ص: 260
وقال(عليه السلام)لرجلين تخاصما بحضرته : أما إنه لم يظفر بخير من ظفر بالظلم . ومن يفعل السوء بالناس فلا ينكر السوء إذا فعل به .
وقال(عليه السلام) : التواصل بين الإخوان في الحضر التزاور والتواصل في السفر المكاتبة.
وقال(عليه السلام): لا يصلح المؤمن إلَّا على ثلاث خصال : التفقه في الدين ، وحسن التقدير في المعيشة ، والصبر على النائبة.
وقال(عليه السلام): المؤمن لا يغلبه فرجه . ولا يفضحه بطنه.
وقال(عليه السلام) : صحبة عشرين سنة قرابة .
وقال(عليه السلام): لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين . وما أقل من يشكر المعروف .
وقال(عليه السلام): إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ . أو جاهل فيتعلم ، فأما صاحب سوط وسيف فلا .
وقال(عليه السلام): إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال : عالم بما يأمر ، عالم بما ينهى ، عادل فيما يأمر ، عادل فيما ينهى . رفيق بما يأمر ، رفيق بما ينهى .
وقال(عليه السلام): من تعرض لسلطان جائر فأصابته منه بلية لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر عليها .
وقال(عليه السلام): إن الله أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروه فصارت عليهم وبالاً . وابتلى قوماً بالمصائب فصبروا فكانت عليهم نعمة
وقال(عليه السلام): صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل .
وقال(عليه السلام) : ما أقبح الانتقام بأهل الأقدار.
وقيل له: ما المروءة ؟ فقال من اللافي : لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك من حيث أمرك .
وقال(عليه السلام) : أُشكر من أنعم عليك . وأنعم على من شكرك ، فإنه لا إزالة للنعم
ص: 261
إذا شكرت ولا إقامة لها إذا كفرت . والشكر زيادة في النعم وأمان من الفقر.
وقال(عليه السلام): فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها. وأشد من المصيبة سوء الخلق منها .
وسأله رجل أن يعلمه ما ينال به خير الدنيا والآخرة ولا يطول عليه فقال من التلاقي لا تكذب .
وقيل له : ما البلاغة ، فقال(عليه السلام): من عرف شيئاً قل كلامه فيه . وإنما سمي البليغ لأنه يبلغ حاجته بأهون سعيه .
وقال(عليه السلام): الدين غم بالليل وذل بالنهار .
وقال(عليه السلام): إذا صلح أمر دنياك فاتهم دينك.
وقال(عليه السلام): بروا آبائكم يبركم أبناؤكم . وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم .
وقال(عليه السلام): من ائتمن خائناً على أمانة لم يكن له على الله ضمان.
وقال النقل الحمران بن أعين(1)يا حمران انظر من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإن ذلك أقنع لك بما قسّم الله لك وأحرى أن تستوجب الزيادة منه عزّ وجلَّ . واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين . واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم . ولا عيش أهنأ من حسن الخلق. ولا مال أنفع من القناعة باليسير المجزىء . ولا جهل أضر من العجب .
وقال(عليه السلام): الحياء على وجهين فمنه ضعف ومنه قوة وإسلام وإيمان.
وقال(عليه السلام) : ترك الحقوق مذلة وإن الرجل يحتاج إلى أن يتعرض فيها للكذب .
وقال(عليه السلام): إذا سلم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم. وإذا رد واحد من القوم أجزأ عنهم .
ص: 262
وقال(عليه السلام): السلام تطوع والرد فريضة .
وقال(عليه السلام): من بدأ بكلام قبل سلام فلا تجيبوه .
وقال(عليه السلام): إن تمام التحية للمقيم المصافحة . وتمام التسليم على المسافر المعانقة .
وقال(عليه السلام): تصافحوا ، فإنها تذهب بالسخيمة (1).
وقال(عليه السلام): اتق الله بعض التقى وإن قل . ودع بينك وبينه ستراً وإن رق .
وقال(عليه السلام): من ملك نفسه إذا غضب وإذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى حرم الله جسده على النار .
وقال(عليه السلام): العافية نعمة خفيفة إذا وجدت نسيت وإذا عدمت ذكرت.
وقال(عليه السلام): الله في السراء نعمة التفضل وفي الضراء نعمة التطهر.
وقال(عليه السلام): كم من نعمة الله على عبده في غير أمله . وكم من مؤمل أملاً الخيار في غيره . وكم من ساع إلى حتفه وهو مبطىء عن حظه .
وقال(عليه السلام): قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبراً ، ولكل نعمة شكراً ، ولكل عسر يسراً . أصبر نفسك عند كل بلية ورزية في ولد أو في مال ، فإن الله إنما يقبض عاريته وهبته ليبلو شكرك وصبرك .
وقال(عليه السلام): ما من شيء إلَّا وله حد . قيل : فما حد اليقين ، قال(عليه السلام): أن لا تخاف شيئاً .
وقال(عليه السلام): ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقور عند الهزاهز(2)، صبور عند البلاء ، شكور عند الرخاء ، قانع بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ، ولا يتحمل الأصدقاء ، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة .
وقال(عليه السلام): إن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والصبر أمير جنوده والرفق أخوه واللين والده .
ص: 263
وقال أبو عبيدة : ادع الله لي أن لا يجعل رزقي على أيدي العباد . فقال(عليه السلام): أبى الله عليك ذلك إلَّا أن يجعل أرزاق العباد بعضهم من بعض . ولكن ادع الله أن يجعل رزقك على أيدي خيار خلقه، فإنه من السعادة ولا يجعله على أيدي شرار خلقه ، فإنه من الشقاوة .
وقال(عليه السلام) : العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق ، فلا تزيده سرعة السير إلَّا بعداً .
وقال(عليه السلام): في قول الله عزّ وجلّ :﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾(1)قال : يُطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر.
وقال(عليه السلام): من عرف الله خاف الله ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا .
وقال(عليه السلام): الخائف من لم تدع له الرهبة لساناً ينطق به .
وقيل له(عليه السلام) قوم يعملون بالمعاصي ويقولون : نرجو فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت . فقال عبالكلافي هؤلاء قوم يترجحون في الأماني كذبوا ليس يرجون إن من رجا شيئاً طلبه . ومن خاف من شيء هرب منه .
وقال(عليه السلام): إنا لنحب من كان عاقلاً عالماً فهماً فقيهاً حليماً مدارياً صبوراً صدوقاً وفياً(2)، إن الله خص الأنبياء(عليهم السلام) بمكارم الأخلاق ، فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى الله وليسأله إياها قيل له : وما هي ، قال(عليه السلام): الورع والقناعة والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة وصدق الحديث والبر وأداء الأمانة واليقين وحسن الخلق والمروة .
وقال (عليه السلام): من أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله وتعطي في الله وتمنع في الله .
وقال(عليه السلام): لا يتبع الرجل بعد موته إلا ثلاث خصال : صدقة أجراها الله له في حياته فهي تجري له بعد موته . وسنة هدى يعمل بها . وولد صالح يدعو له .
ص: 264
وقال(عليه السلام): إن الكذبة لتنقض الوضوء إذا توضأ الرجل للصَّلاة . وتفطر الصيام فقيل له : إنا نكذب . فقال(عليه السلام)ليس هو باللغو ولكنه الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة صلوات الله عليهم ثم قال : إن الصيام ليس من الطعام ولا من الشراب وحده إن مریم(عليها السلام) قالت : ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ﴾(1)أي صمتاً ، فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تحاسدوا ، ولا تنازعوا ، فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب .
وقال(عليه السلام): من أعلم الله ما لم يعلم اهتز له عرشه .
وقال(عليه السلام): إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلى الله مؤمناً بذنب أبداً .
وقال(عليه السلام): من ساء خلقه عذب نفسه .
وقال(عليه السلام): المعروف كاسمه وليس شيء أفضل من المعروف إلَّا ثوابه والمعروف هدية من الله إلى عبده . وليس كل من يحب أن يصنع المعروف إلى الناس يصنعه . ولا كل من رغب فيه يقدر عليه . ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه . فإذا منّ الله على العبد جمع له الرغبة في المعروف والقدرة والإذن فهناك تمّت السعادة والكرامة للطالب والمطلوب إليه .
وقال(عليه السلام): لم يستزد في محبوب بمثل الشكر . ولم يستنقص من مكروه بمثل الصبر .
وقال(عليه السلام) : ليس لإبليس جند أشد من النساء والغضب
وقال(عليه السلام) : الدنيا سجن المؤمن والصبر حصنه . والجنة مأواه . والدنيا جنة الكافر . والقبر سجنه . والنار مأواه .
وقال(عليه السلام): ولم يخلق الله يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت .
وقال(عليه السلام): إذا رأيتم العبد يتفقد الذنوب من الناس ، ناسياً لذنبه فاعلموا أنه قد مکر به .
ص: 265
وقال(عليه السلام): الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم المحتسب . والمعافى الشاكر له مثل أجر المبتلى الصابر .
وقال(عليه السلام): لا ينبغي لمن لم يكن عالماً أن يعد سعيداً. ولا لمن لم يكن ودوداً أن يعد حميداً . ولا لمن لم يكن صبوراً أن يعد كاملاً . ولا لمن يتقي ملامة العلماء وذمهم أن يرجى له خير الدنيا والآخرة وينبغي للعاقل أن يكون صدوقاً ليؤمن على حديثه وشكوراً ليستوجب الزيادة .
وقال(عليه السلام): ليس لك أن تؤمن الخائن وقد جربته وليس لك أن تتهم من ائتمنت.
وقيل له : من أكرم الخلق على الله ؟ فقال(عليه السلام): أكثرهم ذكراً الله وأعملهم بطاعة الله . قلت : فمن أبغض الخلق إلى الله ، قال(عليه السلام) : من يتهم الله . قلت :أحد يتهم الله قال(عليه السلام) نعم من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فيسخط فذلك يتهم الله . قلت : ومن ، قال : يشكو الله : قلت وأحد يشكوه ، قال(عليه السلام) نعم ، من إذا ابتلي شكى بأكثر مما أصابه . قلت : ومن ، قال (عليه السلام): إذا أعطي لم يشكر وإذا ابتلي لم يصبر .قلت : فمن أكرم الخلق على الله ، قال(عليه السلام): من إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر .
وقال(عليه السلام): ليس لملول(1)صديق . ولا لحسود غنى . وكثرة النظر في الحكمة تلقح العقل .
وقال(عليه السلام) : كفى بخشية الله علماً . وكفى بالإغترار به جهلاً
وقال(عليه السلام): أفضل العبادة العلم بالله والتواضع له .
وقال(عليه السلام): عالم أفضل من ألف عابد. وألف زاهد وألف مجتهد .
وقال(عليه السلام): إن لكل شيء زكاة وزكاة العلم أن يعلمه أهله .
وقال(عليه السلام): القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة : رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار . ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار . ورجل قضى
ص: 266
بحق وهو لا يعلم فهو في النار . ورجل قضى بحق وهو يعلم فهو في الجنة .
وسئل عن صفة العدل من الرجل ؟ فقال(عليه السلام): إذا غض طرفه عن المحارم ولسانه عن المآثم وكفه عن المظالم .
وقال(عليه السلام): كلما حجب الله عن العباد فموضوع عنهم حتى يعرِّفهموه .
وقال (عليه السلام) لداود الرقي(1): تدخل يدك في فم التنين(2)إلى المرفق خير لك من طلب الحوائج إلى من لم يكن له وكان .
وقال(عليه السلام): قضاء الحوائج إلى الله وأسبابها - بعد الله - العباد تجري على أيديهم ، فما قضى الله ذلك فاقبلوا من الله بالشكر ، وما زوى عنكم(3)منها من فاقبلوه عن الله بالرضا والتسليم والصبر فعسى أن يكون ذلك خيراً لكم ، فإن الله أعلم بما يصلحكم وأنتم لا تعلمون .
وقال(عليه السلام): مسألة ابن آدم لابن آدم فتنة ، إن أعطاه حمد من لم يعطه . وإن رده ذم من لم يمنعه.
وقال(عليه السلام): إن الله قد جعل كل خير في التزجية .
وقال(عليه السلام) : إياك ومخالطة السفلة ، فإن مخالطة السفلة لا تؤدي إلى خير.
وقال(عليه السلام): الرجل يجزع من الذل الصغير فيدخله ذلك في الذل الكبير .
وقال(عليه السلام): أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه . وأشد شيء مؤونة إخفاء الفاقة . وأقل الأشياء غناءاً النصيحة لمن لا يقبلها ومجاورة الحريص . وأروح الروح اليأس من الناس . لا تكن ضجراً ولا غلقاً . وذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك ومن له الفضل عليك ، فإنما أقررت له بفضله لئلا تخالفه . ومن لا يعرف لأحد الفضل فهو المعجب برأيه . واعلم أنه لا عز لمن لا يتذلل لله . ولا رفعة
ص: 267
لمن لا يتواضع الله .
وقال(عليه السلام): إن من السنة لبس الخاتم .
وقال(عليه السلام): أحب إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي .
وقال(عليه السلام): لا تكون الصداقة إلَّا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منه . وإلَّا فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة : فأولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة . والثانية أن یرى زينك زينه وشينك شينه . والثالثة أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال . والرابعة لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته والخامسة وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات .
وقال(عليه السلام) : مجاملة الناس ثلث العقل .
وقال(عليه السلام): ضحك المؤمن تبسم .
وقال(عليه السلام): ما أُبالي إلى من ائتمنت خائناً أو مضيعاً .
وقال (عليه السلام): للمفضل(1)أُوصيك بست خصال تبلغهن شيعتي . قلت : وما هن يا سيدي ؟ قال(عليه السلام): أداء الأمانة إلى من ائتمنك . وأن ترضى لأخيك ما ترضى لنفسك . واعلم أن للأُمور أواخر فاحذر العواقب . وأن للأُمور بغتات فكن على حذر وإياك ومرتقى جبل سهل إذا كان المنحدر وعراً . ولا تعدن أخاك وعداً ليس في يدك وفاؤه .
وقال(عليه السلام) : ثلاث لم يجعل الله لأحد من الناس فيهن رخصة : بر الوالدين برين كانا أو فاجرين. ووفاء بالعهد للبر والفاجر . وأداء الأمانة إلى البر والفاجر.
وقال(عليه السلام): إني لأرحم ثلاثة وحق لهم أن يرحموا . عزيز أصابته مذلة بعد العز وغني أصابته حاجة بعد الغنى . وعالم يستخف به أهله والجهلة .
وقال(عليه السلام): من تعلق بحب الدنيا تعلق من ضررها بثلاث خصال : همّ لا يفنى وأمل لا يدرك ورجاء لا ينال .
ص: 268
وقال(عليه السلام): المؤمن لا يخلق على الكذب ولا على الخيانة . وخصلتان لا يجتمعان في المنافق : سمت حسن(1)وفقه في سنة .
وقال(عليه السلام) : الناس سواء كأسنان المشط . والمرء كثير بأخيه . ولا خير في صحبة من لم ير لك مثل الذي يرى لنفسه .
وقال(عليه السلام): من زين الإيمان الفقه . ومن زين الفقه الحلم . ومن زين الحلم الرفق ومن زين الرفق اللين، ومن زين اللين السهولة .
وقال(عليه السلام): من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرّات فلم يقل فيك مكروهاً فأعده لنفسك .
وقال(عليه السلام): يأتي على الناس زمان ليس فيه شيء أعز من أخ أنيس وكسب درهم حلال.
وقال(عليه السلام): من وقف نفسه موقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن . ومن كتم سره كانت الخيرة في يده. وكل حديث جاوز اثنين فاش . وضع أمر أخيك على أحسنه ولا تطلبن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً .وعليك بإخوان الصدق . فإنهم عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء . وشاور في حديثك الذين يخافون الله. وأحبب الإخوان على قدر التقوى . واتق شرار النساء وكن من خيارهن على حذر وإن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن حتى لا يطمعن منكم في المنكر .
وقال(عليه السلام): المنافق إذا حدث عن الله وعن رسوله كذب . وإذا وعد الله ورسوله أخلف . وإذا ملك خان الله ورسوله في ماله ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾(2)وقوله : ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾(3)
ص: 269
وقال(عليه السلام): كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره ، أو يركب دابة مشهورة قلت : وما الدابة المشهورة ؟ قال الان : البلقاء(1).
وقال(عليه السلام): لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يحب أبعد الخلق منه في الله ويبغض أقرب الخلق منه في الله .
وقال(عليه السلام): من أنعم الله عليه نعمة فعرفها بقلبه وعلم أن المنعم عليه الله فقد أدى شكرها وإن لم يحرك لسانه . ومن علم أن المعاقب على الذنوب ، الله فقد استغفر وإن لم يحرك به لسانه . وقرأ : ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ - الآية .﴾(2).
وقال(عليه السلام) : خصلتين مهلكتين : تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم .
وقال(عليه السلام) لأبي بصير(3): يا أبا محمد لا تفتش الناس على أديانهم فتبقى بلا صديق.
وقال(عليه السلام): الصفح الجميل أن لا تعاقب على الذنب . والصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى .
وقال(عليه السلام): أربع من كن فيه كان مؤمناً وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوباً : الصدق . والحياء . وحسن الخلق . والشكر .
وقال(عليه السلام) : لا تكون مؤمناً حتى تكون خائفاً راجياً . ولا تكون خائفاً راجياً حتى تكون عاملاً لما تخاف وترجو .
وقال(عليه السلام): ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما خلص في القلوب وصدقته الأعمال .
وقال(عليه السلام): إذا زاد الرجل على الثلاثين فهو كهل . وإذا زاد على الأربعين فهو شیخ .
ص: 270
وقال(عليه السلام): الناس في التوحيد على ثلاثة أوجه : مثبت وناف ومشبه ، فالنافي مبطل . والمثبت مؤمن . والمشبه مشرك .
وقال(عليه السلام) : الإيمان إقرار وعمل ونيّة . والإسلام إقرار وعمل .
وقال(عليه السلام): لا تذهب الحشمة(1)ينك وبين أخيك وأبق منها ، فإن ذهاب الحشمة ذهاب الحياء وبقاء الحشمة بقاء المودة.
وقال(عليه السلام): من احتشم أخاه حرمت وصلته . ومن اغتمه سقطت حرمته.
وقيل(عليه السلام): خلوت بالعقيق وتعجلت الوحدة . فقال(عليه السلام): لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت من نفسك . ثم قال(عليه السلام): أقلُّ ما يجد العبد في الوحدة الراحة من مداراة الناس .
عزها.
وقال(عليه السلام): ما فتح الله على عبد باباً من الدنيا إلَّا فتح عليه من الحرص مثليه .
وقال(عليه السلام): المؤمن في الدنيا غريبٌ ، لا يجزع من ذُلها ولا يتنافس أهلها في
وقيل له : أين طريق الراحة ؟ فقال(عليه السلام): في خلاف الهوى . قيل : فمتى يجد عبد الراحة ؟ ، فقال(عليه السلام): عند أول يوم يصير في الجنة .
وقال (عليه السلام): لا يجمع الله لمنافق ولا فاسق حسن السمت والفقه وحسن الخلق أبداً .
وقال(عليه السلام): طعم الماء الحياة . وطعم الخبز القوّة . وضعف البدن وقوّته من شحم الكليتين . وموضع العقل الدماغ . والقسوة والرقة في القلب .
وقال(عليه السلام): الحسد حسدان : حسد فتنة وحسد غفلة ، فأما حسد الغفلة فكما قالت الملائكة حين قال الله : ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾(2)أي اجعل ذلك الخليفة منا ولم يقولوا ، حسداً لآدم من جهة الفتنة والرد والجحود . والحسد الثاني
ص: 271
الذي يصير به العبد إلى الكفر والشرك فهو حسد إبليس في رده على الله وإبائه عن السجود لآدم(عليه السلام).
وقال(عليه السلام): الناس في القدرة على ثلاثة أوجه : رجل يزعم أن الأمر مفوض إليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك . ورجلٌ يزعم أن الله أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون ، فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك . ورجلٌ يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقونه ، ولم يكلفهم ما لا يطيقونه ، فإذا أحسن حمد الله ، وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلمٌ بالغٌ .
وقال(عليه السلام): المشي المستعجل يذهب ببهاء المؤمن ويطفىء نوره .
وقال(عليه السلام): إن الله يبغض الغني الظلوم .
وقال(عليه السلام): الغضب ممحقة لقلب الحكيم ، ومن لم يملك غضبه لم يملك عقله .
وقال الفضيل بن العياض(1): قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): أتدري من الشحيح ؟ النحاف . قلت : هو البخيل ، فقال(عليه السلام): الشحُ أشدُّ من البخل ، إن البخيل يبخل بما في يده ، والشحيح يشح على ما في أيدي الناس وعلى ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئاً إلَّا تمنى أن يكون له بالحل والحرام ، لا يشبع ولا ينتفع بما رزقه الله.
وقال(عليه السلام): إن البخيلَ من كسب مالاً من غير حله وأنفقه في غير حقه .
وقال(عليه السلام) لبعض شيعته : ما بال أخيك يشكوك ؟ فقال : يشكوني أن استقصيت عليه حقي . فجلس(عليه السلام)مغضباً ثم قال : كأنك إذا استقصيت عليه حقك لم تسىء أرأيتك ما حكى الله عن قوم يخافون سوء الحساب ، أخافوا أن يجور الله عليهم ؟ لا
ص: 272
ولكن خافوا الإستقصاء فسماه الله الحساب ، فمن استقصى فقد أساء .
وقال(عليه السلام: كثرة السحت يمحق الرزق سوء .
وقال(عليه السلام: سوء الخلق نكد .
وقال(عليه السلام: إن الإيمان فوق الإسلام بدرجة ، والتقوى فوق الإيمان بدرجة وبعضه من بعض ، فقد يكون المؤمن في لسانه بعض الشيء الذي لم يعد الله عليه النار وقال الله : ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾(1). ويكون الآخر هو أفهم لساناً وهو أشد لقاءاً للذنوب وكلاهما مؤمن واليقين فوق التقوى بدرجة . ولم يقم بين الناس شيء أشد من اليقين . إن بعض الناس أشد يقيناً من بعض ، وهم مؤمنون وبعضهم أصبر من بعض على المصيبة وعلى الفقر وعلى المرض وعلى الخوف ، وذلك من اليقين.
وقال(عليه السلام): إن الغنى والعز يجولان ، فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطناه .
وقال(عليه السلام ): حسن الخلق من الدين ، وهو يزيد في الرزق .
وقال(عليه السلام: الخلق خلقان أحدهما نية ، والآخر سجية . قيل : فأيهما أفضل ؟ . قال(عليه السلام): النيّة ، لأن صاحب السجية مجبول على أمر ، لا يستطيع غيره ، وصاحب النيّة يتصبَّر على الطاعة تصبّراً فهذا أفضل .
وقال(عليه السلام): إن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا وإن لم يظهروا التودُّد بألسنتهم كسرعة اختلاط ماء السماء بماء الأنهار ، وإن بعد ائتلاف قلوب الفجار إذا التقوا ، وإن أظهروا التودُّد بألسنتهم كبعد البهائم من التعاطف وإن طال اعتلافها على مذود واحد(2).
وقال(عليه السلام): السخي الكريم الذي يُنفق ماله في حق الله .
وقال(عليه السلام): يا أهل الإيمان ومحل الكتمان تفكروا وتذكروا عند غفلة الساهين.
وقال المفضل بن عمر : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)عن الحسب ؟ فقال(عليه السلام): المال . قلت : فالكرم ؟ قال (عليه السلام): التقوى . قلت : فالسؤدد ، قال (عليه السلام):
ص: 273
السخاء ، ويحك أما رأيت حاتم طي(1)كيف ساد قومه وما كان بأجودهم موضعاً .
وقال(عليه السلام): المروة مروتان، مروة الحضر ومروَّة السفر ، فأما مروَّة الحضر فتلاوة القرآن وحضور المساجد وصحبة أهل الخير والنظر في التفقه ، وأما مروَّة السفر فبذل الزاد والمزاح في غير ما يسخط الله وقلّة الخلاف على من صحبك وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم.
وقال(عليه السلام): اعلم أن ضارب عليّ(عليه السلام) بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأدّيت إليه الأمانة .
وقال سفيان : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): يجوز أن يزكِّي الرجل نفسه ؟ قال : نعم إذا اضطرَّ إليه ، أما سمعت قول يوسف :﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾(2). وقول العبد الصالح :﴿وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾(3).
وقال(عليه السلام): أوحى الله إلى داود (عليه السلام): يا داود تريد وأُريد ، فإن اكتفيت بما أُريد مما تريد كفيتك ما تريد وإن أبيت إلَّا ما تريد أتعبتك فيما تريد وكان ما أُريد.
قال محمد بن قيس : سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن الفئتين يلتقيان من أهل الباطل : أبيعهما السلاح ؟ فقال(عليه السلام): بعهما ما يكنهما الدرع والخفتان والبيضة ونحو ذلك.
وقال(عليه السلام): أربع لا تجري في أربع : الخيانة ، والغلول ، والسرقة ، والرياء ، لا تجري في حج ، ولا عمرة ، ولا جهاد ، ولا صدقة .
وقال(عليه السلام): إن الله يعطي الدنيا من يحبُّ ويبغض ولا يعطي الإيمان إلَّا أهل صفوته من خلقه .
وقال(عليه السلام): من دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضال .
ص: 274
قيل له : ما كان في وصية لقمان ؟ فقال(عليه السلام): كان فيها الأعاجيب وكان من أعجب ما فيها أن قال لابنه : خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذّبك ، وأرجو الله رجاءاً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك . ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام): ما من مؤمن إلَّا وفي قلبه نوران : نور خيفة ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا ، ولو وزن هذا لم يزد على هذا .
قال أبو بصير : سألت با عبد الله(عليه السلام)عن الإيمان ؟ فقال(عليه السلام): الإيمان بالله أن لا يعصى ، قلت : فما الإسلام؟ فقال(عليه السلام): من نسك نسكنا وذبح ذبيحتنا.
وقال(عليه السلام): لا يتكلم أحد بكلمة هدى فيؤخذ بها إلا كان له مثل أجر من أخذ بها . ولا يتكلم بكلمة ضلالة فيؤخذ بها إلا كان عليه مثل وزر من أخذ بها .
وقيل له : إن النصارى يقولون : إن ليلة الميلاد في أربعة وعشرين من كانون فقال(عليه السلام): كذبوا ، بل في النصف من حزيران ويستوي الليل والنهار في النصف من آذار .
وقال(عليه السلام): كان إسماعيل أكبر من إسحاق بخمس سنين . وكان الذبيح إسماعيل (عليه السلام)أما سمع قول إبراهيم(عليه السلام): ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾(1) إنما سأل ربه أن يرزقه غلاماً من الصالحين ، فقال في سورة الصافات: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾يعني إسماعيل ، ثم قال : ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ »﴾ فمن زعم أن إسحاق أكبر من إسماعيل فقد كذَّب بما أنزل الله من القرآن .
وقال(عليه السلام) : أربعة من أخلاق الأنبياء(عليه السلام): البر والسخاء والصبر على النائبة والقيام بحق المؤمن .
وقال(عليه السلام): لا تعدَّن مصيبة أُعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله ثواباً بمصيبة ، إنما المصيبة أن يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها .
وقال (عليه السلام): إن الله عباداً من خلقه في أرضه يفزع إليهم في حوائج الدنيا والآخرة أولئك هم المؤمنون حقاً آمنون يوم القيامة . ألا وإن أحب المؤمنين إلى الله
ص: 275
من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه . ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين .
وقال(عليه السلام): إن صلة الرحم والبر ليهوّنان الحساب ويعصمان من الذنوب ، فصلوا إخوانكم وبرُّوا إخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب .
قال سفيان الثوري : دخلت على الصَّادق(عليه السلام)فقلت له : أوصيني بوصية أحفظها من بعدك ؟ قال(عليه السلام): وتحفظ یا سفیان ؟ قلت : أجل يا ابن بنت رسول الله قال(عليه السلام): يا سفيان لا مروَّة لكذوب . ولا راحة لحسود . ولا إخاء لملوك . ولا خلة لمختال . ولا سؤدد لسيىء الخلق . ثم أمسك(عليه السلام)فقلت : يا ابن بنت رسول الله زدني ؟ فقال(عليه السلام): يا سفيان ثق بالله تكن عارفاً . وارضَ بما قسمه لك تكن غنياً . صاحب بمثل ما يصاحبونك به تزدد إيماناً . ولا تصاحب الفاجر فيعلمك من فجوره .وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزّ وجلّ . ثم أمسك (عليه السلام)فقلت : يا ابن بنت رسول الله زدني ؟ فقال النني : يا سفيان من أراد عزّاً بلا سلطان وكثرة بلا إخوان وهيبة بلا مال فلينتقل من ذل معاصي الله إلى عزّ طاعته . ثم أمسك(عليه السلام) فقلت : يا ابن بنت رسول الله زدني ؟ فقال(عليه السلام): يا سفيان أدبني أبي(عليه السلام)بثلاث ، ونهاني عن ثلاث : فأما اللواتي أدبني بهن فإنه قال لي : يا بنيّ من يصحب صاحب السوء لا يسلم . ومن لا يقيِّد ألفاظه يندم . ومن يدخل مداخل السوء يتهم . قلت : يا ابن بنت رسول الله فما الثلاث اللواتي نهاك عنهن ؟ قال(عليه السلام): نهاني أن أصاحب حاسد نعمة وشامتاً بمصيبة ، أو حامل نميمة .
وقال(عليه السلام): ستة لا تكون في مؤمن : العسر . والنكد . والحسد . واللجاجة . والكذب . والبغي .
وقال(عليه السلام): المؤمن بين مخافتين : ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الله فيه . وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك ، فهو لا يصبح إلَّا خائفاً ولا يمسي إلَّا خائفاً ولا يصلحه إلَّا الخوف.
وقال(عليه السلام): من رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل . ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته وزكت مكتسبه وخرج من حد العجز .
وقال سفيان الثوري : دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام)فقلت : كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ فقال(عليه السلام): والله إني لمحزون وإني لمشتغل القلب فقلت له : وما
ص: 276
أحزنك ؟ وما أشغل قلبك ؟ فقال(عليه السلام) لي : يا ثوري إنه من داخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه . يا ثوري ما الدنيا ؟ وما عسى أن تكون ؟ هل الدنيا إلَّا أكل أكلته ، أو ثوب لبسته ، أو مركب ركبته ، إن المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا ولم يأمنوا قدوم الآخرة دار الدنيا دار زوال ودار الآخرة دار قرار أهل الدنيا أهل غفلة . إن أهل التقوى أخفُّ أهل الدنيا مؤونة ، وأكثرهم معونة ، إن نسيت ذكروك . وإن ذكّروك أعلموك فأنزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه ، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس في يدك شيء منه . فكم من حريص على أمر قد شقي به حين أتاه . وكم من تارك لأمر قد سعد به حين أتاه .
وقيل له : ما الدليل على الواحد ؟ فقال(عليه السلام): ما بالخلق من الحاجة .
وقال(عليه السلام): لن تكونوا مؤمنين حتى تعدُّوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة .
وقال(عليه السلام): المال أربعة ألف . واثنا عشر ألف درهم كنزٌ . ولم يجتمع عشرون ألفاً من حلال . وصاحب الثلاثين ألفاً هالك . وليس من شيعتنا من يملك مائة ألف درهم .
وقال(عليه السلام) : من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله . ولا يحمدهم على ما رزق الله . ولا يلومهم على ما لم يؤته الله ، فإن رزقه لا يسوقه حرص حريص ، ولا يردُّه كره كاره . ولو أن أحدكم فرَّ من رزقه ، كما يفرُّ من الموت لأدركه رزقه قبل موته ، كما يدركه الموت.
وقال (عليه السلام): من شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحمة أُذنه ولا يمتدح بنا معلناً . ولا يواصل لنا مغضباً . ولا يخاصم لنا ولياً . ولايجالس لنا عائباً . قال له مهزم(1): فكيف أصنع بهؤلاء المتشيّعة؟ قال(عليه السلام): فيهم التمحيص(2)وفيهم التمييز وفيهم التنزيل ، تأتي عليهم سنون تفنيهم وطاعون يقتلهم. واختلاف يبدِّدهم . شيعتنا من لا يهرُّ هرير الكلب ، ولا يطمع طمع الغراب ، ولا يسأل وإن مات جوعاً . قلت : فأين أطلب هؤلاء ؟ قال(عليه السلام): اطلبهم في أطراف الأرض أولئك الخفيض عيشهم ، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا . وإن مرضوا لم
ص: 277
يعادوا . وإن خطبوا لم يزوّجوا . وإن رأوا منكراً أنكروا . وإن خاطبهم جاهلٌ سلّموا .
وإن لجأ إليم ذو الحاجة منهم رحموا . وعند الموت هم لا يحزنون . لم تختلف قلوبهم وإن رأيتهم اختلفت بهم البلدان.
وقال(عليه السلام): من أراد أن يطوِّل الله عمره فليقم أمره . ومن أراد أن يحطَّ وزره فليرخِ ستره . ومن أراد أن يرفع ذكره فليخمل أمره .
وقال(عليه السلام): ثلاث خصال هنَّ أشد ما عمل به العبد : إنصاف المؤمن من نفسه ، ومواساة المرء لأخيه . وذكر الله على كل حال . قيل له : فما معنى ذكر الله على كل حال ؟ قال(عليه السلام): يذكر الله عند كل معصية يهمُّ بها فيحول بينه وبين المعصية .
وقال(عليه السلام): الهمز زيادة في القرآن.
وقال(عليه السلام): إياكم والمزاح ، فإنه يجر السخيمة ، ويورث الضغينة ، وهو السبُّ الأصغر .
وقال الحسن بن راشد(1) قال أبو عبد الله(عليه السلام): إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ، ولكن اذكرها لبعض إخوانك ، فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال : إما كفاية ، وإما معونة بجاه ، أو دعوة مستجابة ، أو مشورة برأي .
وقال(عليه السلام): لا تكوننَّ دوّاراً في الأسواق ، ولا تكن شرَّاء دقائق الأشياء بنفسك ، فإنه يكره للمرء ذي الحسب والدين أن يلي دقائق الأشياء بنفسه إلَّا في ثلاثة أشياء : شراء العقار ، والرقيق ، والإبل .
وقال(عليه السلام) : لا تكلم بما لا يعنيك ودع كثيراً من الكلام فيما يعنيك حتى تجد له موضعاً ، فربَّ متكلم تكلم بالحق بما يعنيه في غير موضعه فتعب ، ولا تُمارين سفيهاً ولا حليماً ، فإن الحليم يغلبك والسفيه يرديك . واذكر أخاك إذا تغيَّب بأحسن ما تحب أن يذكرك به إذا تغيَّبت عنه ، فإن هذا هو العمل ، واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالإحسان مأخوذٌ بالإجرام .
ص: 278
وقال له يونس(1): لولائي لكم وما عرَّفني الله من حقكم أحبُّ إليَّ من الدنيا بحذافيرها . قال يونس : فتبيَّنت الغضب فيه . ثم قال(عليه السلام) يا يونس قستنا بغير قياس ما الدنيا وما فيها هل هي إلَّا سدّ فورة ، أو ستر عورة وأنت لك بمحبتنا الحياة الدائمة .
وقال(عليه السلام): يا شيعة آل محمد إنه ليس منا من لم يملك نفسه عند الغضب ولم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة من رافقه ، ومصالحة من صالحه ومخالفة من خالفه . يا شيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم ، ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله.
وقال عبد الأعلى(2): كنت في حلقة بالمدينة فذكروا الجود ، فأكثروا ، فقال رجل منها يكنى أبا دلين(3): إن جعفراً وإنه لولا أنه - ضم يده - فقال لي أبو عبد الله(عليه السلام): تجالس أهل المدينة ؟ قلت : نعم . قال(عليه السلام)فما حدَّثت بلّغني ؟ فقصصت عليه الحديث ، فقال (عليه السلام): ويح «أبي دلين» إنما مثله مثل الريشة تمر بها الريح فتطيرها . ثم قال : قال رسول الله : كل معروف صدقةٌ وأفضل الصدقة صدقةٌ
عن ظهر غنىً . وابدأ بمن تعول . واليد العلياء خير من السفلى . ولا يلوم الله على الكفاف ، أتظنون أن الله بخيل وترون أن شيئاً أجود من الله . إن الجواد السيد مَن وضع حق الله موضعه . وليس الجواد من يأخذ المال من غير حله ويضعه في غير حقه ، أما أما والله إني لأرجو أن ألقى الله ولم أتناول ما لا يحلُّ بي وما ورد عليَّ حقُّ الله إلَّا أمضيه وما بتُّ ليلة قط ولله في مالي حقّ لم أؤدّه .
وقال(عليه السلام): لا رضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا ، ولا يتم بعد احتلام ،ولا صمت يوم إلى الليل ، ولا تعرّب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا طلاق
ص: 279
قبل النكاح ، ولا عتق قبل ملك ، ولا يمين لولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه . ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة.
وقال(عليه السلام): ليس من أحد - وإن ساعدته الأمور - بمستخلص غضارة عيش(1) إلَّا من خلال مكروه ، ومن انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الإستقصاء سلبته الأيام فرصته لأن من شأن الأيام السلب وسبيل الزمن الفوت .
وقال(عليه السلام): المعروف زكاة النعم ، والشفاعة زكاة الجاه ، والعلل زكاة الأبدان ، والعفو زكاة الظفر ، وما أُدِّيت زكاته فهو مأمون السلب .
وكان(عليه السلام)يقول عند المصيبة : «الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني ، والحمد لله الذي لو شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كان- [ت] والحمد لله على الأمر الذي شاء أن يكون وكان ».
وقال(عليه السلام): يقول الله : من استنقذ حيراناً من حيرته سمّيته حميداً وأسكنته جنتي .
وقال(عليه السلام): إذا أقبلت دنيا قوم كسواً محاسن غيرهم ، وإذا أدبرت سُلبوا محاسن أنفسهم .
وقال(عليه السلام): البنات حسنات ، والبنون نعم ، فالحسنات تثاب عليهن ، والنعمة سأل عنها .
ص: 280
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصفته للعقل
إنَّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾(2).
يا هشام بن الحكم : إن الله عزّ وجلّ أكمل للناس الحجج بالعقول وأفضى إليهم بالبيان ودلهم على ربوبيته بالأدلاء ، فقال :﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾(3)﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ و﴾ إلى قوله : ﴿ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(4). يا هشام قد جعل الله عزّ وجلّ ذلك دليلاً على معرفته بأن لهم مدبراً ، فقال :﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ
ص: 281
مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(1)وقال :﴿ حم *وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ *إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾(2)وقال : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾(3).
يا هشام ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال : ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾(4). وقال : ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾(5).
يا هشام : ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال عزّ وجلّ :﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾(6).
يا هشام : ثم بيّن أن العقل مع العلم فقال :﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ (7).
یا هشام : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾(8)وقال :﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ (9). وقال : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾(10)ثم ذمّ الكثرة فقال : ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾(11).
ص: 282
وقال : ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾(1)﴿ وأَكْثَرَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾.
یا هشام : ثم مدح القلة فقال :﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾(2). وقال : ﴿وقَلِيلٌ ما هُم﴾(3). وقال :﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾(4).
يا هشام : ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر وحلاهم بأحسن الحلية ، فقال :﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾(5).
يا هشام : إن الله يقول : ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾(6). يعني العقل . وقال : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾(7). قال : الفهم والعقل
یا هشام : إن لقمان قال لابنه :« تواضع للحق تكن أعقل الناس(8). يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم وسكانها الصبر».
یا هشام : لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت ، ولكل شيء مطية ، ومطية العاقل التواضع . وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه .
یا هشام : لو كان في يدك جوزة وقال الناس [في يدك] لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة . ولو كان في يدك لؤلؤة ، وقال الناس : إنها جوزة ما ضرَّك وأنت تعلم أنها لؤلؤة.
یا هشام : ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلَّا ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم
ص: 283
استجابة أحسنهم معرفة رفة الله ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة .
يا هشام : ما من عبد إلَّا وملكٌ آخذ بناصيته ، فلا يتواضع إلَّا رفعه الله ولا يتعاظم إلَّا وضعه الله .
يا هشام : إن الله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة ، وأما الباطنة فالعقول .
یا هشام : إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام صبره .
يا هشام : من سلط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان هواه على هدم عقله : من أظلم نور فكره بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه .
یا هشام : كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك .
يا هشام : الصبر على الوحدة علامة قوة العقل ، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ورغب فيما عند ربه [ وكان الله ] آنسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ومعزه في غير عشيرة(1).
يا هشام : نُصب الخلق لطاعة الله . ولا نجاة إلا بالطاعة . والطاعة بالعلم .والعلم بالتعلم . والتعلم بالعقل يعتقد . ولا علم إلَّا من عالم رباني . ومعرفة العالم بالعقل .
یا هشام : قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود .
یا هشام : إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة . ولم يرضَ بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم.
یا هشام : إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك . وإن كان لا
ص: 284
يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك .
يا هشام : إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ، وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض .
یا هشام : إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.
یا هشام : من أراد الغنى بلا مال وراحة القلب من الحسد والسَّلامة في الدين فليتضرَّع إلى الله في مسألته بأن يكمل عقله ، فمن عقل قنع بما يكفيه ، ومن قنع بما يكفيه استغنى ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبداً .
یا هشام : إن الله جلّ وعزّ حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا :﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾(1)حين علموا أن من القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها(2). إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه . ولا يكون أحد كذلك إلَّا كان قوله لفعله مصدِّقاً وسرُّه لعلانيته موافقاً ، لأن الله لم يدلَّ على الباطل الخفي من العقل إلَّا بظاهر منه وناطق عنه .
یا هشام : كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول : ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل . وما تمَّ عقل امرىء حتى يكون فيه خصال شتى ، الكفر والشرُّ منه مأمونان والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، نصيبه من الدنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره ، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره ، والتواضع أحبُّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقلُّ كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلهم خيراً منه وأنه شرُّهم في نفسه وهو تمام الأمر .
يا هشام : من صدق لسانه زكى عمله ، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ، ومن حسن برُّه بإخوانه وأهله مُدّ في عمره .
ص: 285
یا هشام : لا تمنحوا الجهَّال الحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم .
یا هشام : كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا .
یا هشام : لا دين لمن لا مروَّة له ، ولا مروَّة لمن لا عقل له ، وإن أعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً ، أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلَّا الجنة ، فلا تبيعوها بغيرها .
الله
يا هشام : إن أمير المؤمنين(عليه السلام)كان يقول : «لا يجلس في صدر المجلس إلَّا رجلٌ فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سُئل وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق». وقال الحسن بن علي(عليه السلام): «إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها» . قيل يا ابن رسول ومن أهلها ؟ قال : الذين قصَّ الله في كتابه وذكرهم ، فقال : إنما يتذكر أولوا الألباب(1)قال : هم أُولوا العقول» وقال علي بن الحسين(عليه السلام): «مجالسة علي الصالحين داعية إلى الصلاح وأدب العلماء زيادة في العقل ، وطاعة ولاة العدل تمام العز واستثمار المال تمام المروَّة ، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة ، وكفَّ الأذى من كمال العقل وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلا» .
یا هشام : إن العاقل لا يحدِّث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يعد ما لا يقدر عليه ، ولا يرجو ما يعنّف برجائه(2). ولا يتقدَّم على ما يخاف العجز عنه . وكان أمير المؤمنين(عليه السلام)يوصي أصحابه يقول : «أُوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والإكتساب في الفقر والغنى ، وأن تصلوا من قطعكم ، وتعفوا عمن ظلمكم ، وتعطفوا على من حرمكم ، وليكن نظركم عبراً ، وصمتكم فكراً ، وقولكم ذكراً ، وطبيعتكم السخاء ، فإنه لا يدخل الجنة بخيل ، ولا يدخل النار سخي» .
یا هشام : رحم الله من استحيا من الله حق الحياء ، فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره ، والنار محفوفة بالشهوات .
ص: 286
يا هشام : من كفَّ نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة .ومن كفَّ غضبه عن الناس كفَّ الله عنه غضبه يوم القيامة ،
يا هشام : إن العاقل لا يكذب ، وإن كان فيه هواه .
یا هشام : وجد في ذوابة(1)سيف رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)إن أعتى الناس على الله من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله ، ومن تولى غير مواليه فهو كافرٌ بما أنزل الله على نبيه محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)ومن أحدث حدثاً ، أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا.
یا هشام : أفضل ما يتقرَّب به إلى الله بعد المعرفة به الصَّلاة وبر الوالدين ،وترك الحسد والعجب والفخر.
يا هشام : أصلح أيامك ، الذي هو أمامك ، فانظر أي يوم هو وأعدَّ له الجواب ، فإنك موقوف ومسؤول ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله ، فإن الدهر طويلة قصيرة فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك ، واعقل عن الله وانظر في تصرف الدهر وأحواله ، فإن ما هو آت من الدنيا ، كما ولّى منها ، فاعتبر بها ، وقال علي بن الحسين(عليه السلام) :« إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها وبحرها وبرها وسهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ، ثم قال(عليه السلام): أو لا حرّ يدع [هذه] اللماظة لأهلها (2) - يعني الدنيا -(2). فليس لأنفسكم ثمنٌ إلَّا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس».
يا هشام : إن كل الناس يبصر النجوم . ولكن لا يهتدي بها إلَّا من يعرف مجاريها ومنازلها . وكذلك أنتم تدرسون الحكمة، ولكن لا يهتدي بها منكم إلَّا من عمل بها .
يا هشام : إن المسيح(عليه السلام) قال للحواريين : يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة
ص: 287
وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها (1). كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده ، وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها. يا عبيد السوء نقُّوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله ، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه(2)، بحق أقول لكم : لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنة . كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها . يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم : لا تدركون شرف الآخرة إلَّا بترك ما تحبون ، فلا تنظروا بالتوبة غداً ، فإن دون غدٍ يوماً وليلة وقضاء الله فيهما يغدو ويروح . بحق أقول لكم : إن من ليس عليه دينٌ من الناس أروح هماً ممن عليه الدين وإن أحسن القضاء.
وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هما ممن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب. وإن صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس ، يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجمع وتكثر فتحيط بكم . بحق أقول لكم : إن الناس في الحكمة رجلان : فرجلٌ أتقنها بقوله وصدقها بفعله . ورجلٌ أتقنها بقوله وضيَّعها بسوء فعله ، فشتان بينهما ، فطوبى للعلماء بالفعل ، وويل للعلماء بالقول . يا عبيد الحسوء اتخذوا مساجد ربكم سجوناً لأجسادكم وجباهكم . واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى . ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات ، إن أجزعكم عند البلاء لأشدكم حباً للدنيا ، وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا . يا عبيد السوء لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة(3)، ولا بالثعالب الخادعة ولا بالذئاب الغادرة ولا بالأسد العاتية كما تفعل بالفراس . كذلك تفعلون بالناس ، فريقاً تخطفون وفريقاً تخدعون وفريقاً تغدرون بهم . بحقّ أقول لكم : لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحاً وباطنه فاسداً . كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم. وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسةٌ . لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيّب ويمسك النخالة . كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغلّ في صدوركم . يا عبيد الدنيا إنما مثلكم
ص: 288
مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه . يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جُثواً على الرُّكب ، فإن الله يُحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر»(1).
یا هشام : مكتوب في الإنجيل طوبى للمتراحمين ، أُولئك هم المرحومون يوم القيامة طوبى للمصلحين بين الناس ، أُولئك هم المقرَّبون يوم القيامة . طوبى للمطهّرة قلوبهم ، أُولئك هم المتقون يوم القيامة طوبى للمتواضعين في الدنيا ، اُولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة .
یا هشام : قلّة المنطق حكم عظيم . فعليكم بالصمت ، فإنه دعة حسنة وقلّة وزر وخفة من الذنوب . فحصّنوا باب الحلم، فإن بابه الصبر . وإن الله عزّ وجلّ يبغض الضّحاك من غير عجب والمشّاء إلى غير أرب . ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيّته ولا يتكبر عليهم . فاستحيوا من الله في سرائركم ، كما تستحيون من الناس في علانيتكم . واعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن ، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم .
يا هشام : تعلّم من العلم ما جهلت . وعلّم الجاهل مما علمت . عظّم العالم لعلمه ودع منازعته . وصغّر الجاهل لجهله ولا تطرده ولكن قرّبه وعلّمه.
يا هشام : إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيّئةٍ تؤاخذ بها . وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن الله عباداً كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم عن المنطق وإنهم لفصحاء عقلاء ، يستبقون إلى الله بالأعمال الزكيَّة ، لا يستكثرون له الكثير ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل . يرون في أنفسهم أنهم أشرار وإنهم لأكياسٌ وأبرار» .
یا هشام : الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار.
یا هشام : المتكلمون ثلاثة : فرابحٌ وسالمٌ وشاجبٌ(2)، فأما الرابح فالذاكر
ص: 289
الله . وأما السالم فالساكت . وأما الشاجب فالذي يخوض في الباطل ، إن الله حرَّم الجنة على كل فاحش بذي قليل الحياء لا يُبالي ما قال ولا ما قيل فيه . وكان أبو ذرّ - رضي الله عنه - - يقول : «يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خيرٍ ومفتاح شر ، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك ».
یا هشام : بئس العبد عبدٌ يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يُطري أخاه إذا شاهده ويأكله إذا غاب عنه ، إن أُعطي حسده ، وإن ابتلي خذله . إن أسرع الخير ثواباً البرُّ .
وأسرع الشرِّ عقوبة البغي . وإن شرَّ عباد الله من تكره مجالسته لفحشه . وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلَّا حصائد ألسنتهم. ومن حُسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.
يا هشام : لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً . ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو .
يا هشام : قال الله جلَّ وعزَّ : وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوّي في مكاني لا يؤثر عبدٌ هواي على هواه إلَّا جعلت الغنى في نفسه . وهمّه في آخرته وكففت عليه [في] ضيعته . وضمّنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر .
يا هشام : الغضب مفتاح الشر. وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً . وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم إلَّا من كانت يدك عليه العليا فافعل .
يا هشام : عليك بالرِّفق ، فإن الرفق يمن والخرق شومٌ ، إن الرِّفق والبرّ وحسن الخلق يعمر الدِّيار ويزيد في الرِّزق .
يا هشام : قول الله :﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾(1)جرت في المؤمن والكافر والبرِّ والفاجر . من صنع إليه معروف فعليه أن يكافىء به . وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك . فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالإبتداء.
يا هشام : إن مثل الدُّنيا مثل الحيّة مسّها ليّنٌ وفي جوفها السمُّ القاتل ، يحذرها
ص: 290
الرِّجال ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم .
يا هشام : اصبر على طاعة الله واصبر عن معاصي الله ، فإنما الدُّنيا ساعة ، فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً . وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت .
يا هشام : مثل الدُّنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله .
يا هشام : إيّاك والكبر ، فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبَّة من كبر . الكبر رداء الله ، فمن نازعه رداءه أكبّه الله في النار على وجهه .
يا هشام : ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل حسنا استزاد منه .وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه .
یا هشام : تمثلت الدُّنيا للمسيح(عليه السلام)في صورة امرأة زرقاء فقال لها : كم تزوجت ؟ فقالت : كثيراً ، قال : فكلُّ طلقك ؟ قالت : لا بل كلاً قتلتُ . قال المسيح(عليه السلام): فويح لأزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين.
یا هشام : إن ضوء الجسد في عينه ، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كله . وإن ضوء الروح العقل ، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالماً بربّه وإذا كان عالماً بربّه أبصر دينه . وإن كان جاهلاً بربّه لم يقم له دينٌ . وكما لا يقوم الجسد إلَّا بالنفس الحيَّة ، فكذلك لا يقوم الدين إلَّا بالنيّة الصّادقة : ولا تثبت النية الصَّادقة إلَّا بالعقل .
یا هشام : إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا(1). فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبرّ الجبار ، لأن الله جعل التواضع آلة العقل وجعل التكبر من آلة الجهل ، ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجّه . ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه . وكذلك من لم يتواضع الله خفضه الله . ومن تواضع لله رفعه .
یا هشام : ما أقبح الفقر بعد الغنى . وأقبح الخطيئة بعد النسك . وأقبح من ذلك العابد الله ثم يترك عبادته .
ص: 291
يا هشام : لا خير في العيش إلَّا لرجلين : لمستمع واع . وعالم ناطق .
یا هشام : ما قسم بين العباد أفضل من العقل . نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل وما بعث الله نبياً إلَّا عاقلاً حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين. وما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه .
یا هشام : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه ،فإنه يُلقى الحكمة . والمؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل.
یا هشام : أوحى الله تعالى إلى داود(عليه السلام)قل لعبادي : لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدّهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي ، أُولئك قطاع الطريق من عبادي، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي ومناجاتي من قلوبهم .
يا هشام : من تعظّم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض . ومن تكبَّر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله ومن ادعى ما ليس له فهو أعنى لغير رشده .
يا هشام : أوحى الله تعالى إلى داود(عليه السلام)يا داود حذِّر ، فأنذر أصحابك عن حبِّ الشهوات ، فإن المعلّقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبةٌ عني.
یا هشام : إياك والكبر على أوليائي والإستطالة بعلمك فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك . وكن في الدنيا كساكن دار ليست له ، إنما ينتظر الرحيل .
یا هشام : مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة . ومشاورة العاقل الناصح يُمنٌ وبركة ورشدٌ وتوفيق من الله ، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب .
یا هشام : إياك ومخالطة الناس والأنس بهم إلَّا أن تجد منهم عاقلاً ومأموناً فأنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية(1). وينبغي للعاقل إذا عمل عملاً أن يستحيي من الله . وإذا تفرّد له بالنعم أن يشارك في عمله أحداً غيره . وإذا مرّ بك أمران لا تدري أيهما خيرٌ وأصوب ، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه ، فإن
ص: 292
كثير الصواب في مخالفة هواك . وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في الجهالة . قال هشام : فقلت له : فإن وجدت رجلاً طالباً له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما اُلقي إليه ؟ قال(عليه السلام): فتلطف له في النصيحة ، فإن ضاق قلبه [ف] -لا تعرضنّ نفسك للفتنة . واحذر رد المتكبرين ، فإن العلم يذلُّ على أن يملى على من لا يفيق(1)قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها ؟ قال(عليه السلام): فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الرد. واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده . ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده. ولم يفرج المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته . فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه ، فكيف بمن يؤذى فيه . وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه ، فكيف بمن يترضّاه ويختار عداوة الخلق فيه .
يا هشام : من أحبَّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه وما أُوتي عبد علماً فازداد للدنيا حباً إلَّا ازداد من الله بعداً وازداد الله عليه غضباً.
يا هشام : إن العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به. وأكثر الصواب في خلاف الهوى .ومن طال أمله ساء عمله .
یا هشام: لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل .
يا هشام : إياك والطمع . وعليك باليأس مما في أيدي الناس . وأمت الطمع من المخلوقين ، فإن الطمع مفتاح للذُّلِّ واختلاس العقل واختلاق المروات . وتدنيس العرض . والذهاب بالعلم وعليك بالإعتصام بربك والتوكل عليه وجاهد نفسك لتردَّها عن هواها ، فإنه واجب عليك كجهاد عدوّك . قال هشام : فقلت له فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال(عليه السلام): أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرّهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك شخصاً مع دنوِّه منك . ومن يحرّض أعداءك عليك وهو إبليس الموكل بوسواس [من] القلوب فله فلتشتدّ عداوتك . ولا يكوننَّ أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته ، فإنه أضعف منك ركناً في قوته(2)وأقلُّ منك ضرراً في كثرة شرِّه . إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم .
ص: 293
یا هشام : من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له : عقل يكفيه مؤونة هواه . وعلم يكفيه مؤونة جهله وغنى يكفيه مخافة الفقر .
یا هشام : احذر هذه الدنيا واحذر أهلها ، فإن الناس فيها على أربعة أصناف : رجلٌ متردي معانق لهواه . ومتعلم مقري كلما ازداد علماً ازداد كبراً ، يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه . وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحبّ أن يعظّم ويوقّر . وذي بصيرة عالم عارف بطريق الحقِّ يحبُّ القيام به ، فهو عاجز أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرف [ه] فهو محزون ، مغموم بذلك ، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلاً.
يا هشام : إعرف العقل وجنده ، والجهل وجنده تكن من المهتدين ، قال هشام : فقلت : جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرَّفتنا ؟ .
فقال(عليه السلام): يا هشام : إن الله خلق العقل وهو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له : أدبر ، فأدبر . ثم قال له . أقبل ، فأقبل فقال الله جلَّ وعزَّ : خلقتك خلقاً [عظيماً] وكرّمتك على جميع خلقي . ثم خلق الجهل من البحر الأُجاج الظلماني ، فقال له : أدبر . فأدبر . ثم قال له : أقبل ، فلم يقبل . فقال له : استكبرت فلعنه . ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً ، فلما رأى الجهل ما كرَّم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل : يا ربِّ هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقوّيته وأنا ضدّه ولا قوّة لي به أعطني من الجند مثل ما أعطيته ؟ فقال تبارك وتعالى : نعم ، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي ، فقال : قد رضيت . فأعطاه الله خسمة وسبعين جنداً فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين جنداً : الخير وهو وزير العقل وجعل ضدّه الشرَّ وهو وزير الجهل.
الإيمان الكفر التصديق التكذيب الإخلاص النفاق الرجاء القنوط العدل الجور الرضى السخط الشكر الكفران اليأس الطمع
التوكل الحرص الرأفة الغلظة العلم الجهل العفة التهتك الزهد الرغبة الرفق الخرق الرهبة الجرأة التواضع الكبر
ص: 294
التؤدة(1) العجلة الحلم السَّفه الصمت الهذر(2) الإستسلام الإستكبار التسليم التجبّر العفو الحقد الرحمة القسوة اليقين الشك الصبر الجزع الصفح الانتقام الغنى الفقر التفكر السهو الحفظ النسيان التواصل القطيعة القناعة الشره المؤاساة المنع المودة العداوة الوفاء الغدر الطاعة المعصية الخضوع التطاول(3) السلامة البلاء الفهم الغباوة المعرفة الإنكار المداراة المكاشفة سلامة الغيب المماكرة الكتمان الإفشاء البر العقوق الحقيقة التسويف(4) المعروف المنكر التقيَّة الإذاعة الإنصاف الظلم التقى الحسد النظافة القذر الحياء القحّة(5) القصد الإسراف الراحة التعب السهولة الصعوبة العافية البلوى القوام المكاثرة(6) الحكمة الهوى الوقار الخفة السعادة الشقاء التوبة الإصرار المحافظة التهاون الدعاء الاستنكاف النشاط الكسل الفرح الحزن
الألفة الفرقة السخاء البخل الخشوع العجب صون الحديث النميمة الاستغفار الاغترار الكياسة الحمق
يا هشام : لا تجمع هذه الخصال إلَّا لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وأما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل ، فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء عند التلاتهم ، وفقنا الله وإياكم لطاعته .
روي عنه(عليه السلام)أنه قال : صلاة النوافل قربانٌ إلى الله لكل مؤمن . والحج جهاد
ص: 295
كل ضعيف . ولكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد صيام النوافل . وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج. ومن دعا قبل الثناء على الله والصَّلاة على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)كان کمن رمی بسهم بلا وتر . ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، وإن عالَ امرىء اقتصد ،والتدبير نصف العيش ، والتودُّد إلى الناس نصف العقل ، وكثرة الهم يورث الهرم، والعجلة هي الخرق ، وقلّة العيال أحد اليسارين ، ومن أحزن والديه فقد عقَّهما ، ومن سرب بيده على فخذه ، أو ضرب بيده الواحدة على الأُخرى عند المصيبة فقد حبط أجره ، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلَّا بالصبر والاسترجاع عند الصدمة، والصنيعة لا تكون صنيعة إلَّا عند ذي دين أو حسب ، والله ينزل المعونة على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذَّر وأسرف زالت عنه النعمة ، وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق . والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق ، وإذا أراد الله بالذرَّة شرّاً أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير ، والصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها إلَّا بثلاثة أشياء : تصغيرها وسترها وتعجيلها ، فمن صغَّر الصنيعة عند المؤمن فقد عظَّم أخاه ، ومن عظم الصنيعة عنده فقد صغّر أخاه ، ومن كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله ، ومن عجل ما وعد فقد هني هنىء(1)العطيَّة .
دخل إليه وقد عمد على القبض عليه ، لأشياء كذبت عليه عنده ، فأعطاه طوماراً طويلاً فيه مذاهب وشنعة(2)نسبها إلى شيعته [فقرأه] ثم قال له : يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقوُّل علينا ، وربنا غفور ستور ، أبى أن يكشف أسرار عباده إلَّا في وقت محاسبته : ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾(3).
ثم قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن علي ، عن النبي صلوات الله عليهم : الرحم إذا مسّت الرحم اضطربت ثم سكنت ، فإن رأى أمير المؤمنين أن تمسَّ رحمي رحمه ويصافحني فعل . فتحوَّل عند ذلك عن سريره ومدَّ يمينه إلى موسى(عليه السلام)فأخذ بيمينه ، ثم ضمه إلى صدره ، فاعتنقه وأقعده عن يمينه وقال : أشهد أنك صادق وأبوك
ص: 296
صادق وجدّك صادق ورسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)صادق . ولقد دخلت وأنا أشدُّ الناس عليك حنقاً(1)وغضباً لما رقي إليَّ فيك فلما تكلمت بما تكلمت وصافحتني سرّي عني وتحوَّل غضبي عليك رضى . وسكت ساعة ، ثم قال له : أُريد أن أسألك عن العباس وعليّ بما صار عليّ أولى بميراث رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)من العباس ، والعباس عمُّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وصنو أبيه ؟ فقال له موسی(عليه السلام): أعفني . قال: والله لا أعفيتك ، فأجبني . قال : فإن لم تعفني فآمنّي قال : آمنتك ، قال موسی(عليه السلام): إن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر ، إن أباك العباس آمن ولم يهاجر ، وإن عليّاً(عليه السلام)آمن وهاجر ، وقال الله :﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾(2)فالتمع لون هارون وتغيّر . وقال : ما لكم لا تنسبون إلى عليّ وهو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو جدّكم ؟ فقال موسی(عليه السلام): إن الله نسب المسيح عيسى بن مريم(عليها السلام)إلى خليله إبراهيم (عليها السلام) باُمه مريم البكر البتول التي لم يمسّها بشرٌ في قوله :﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (3)فنسبه باُمه وحدها إلى خليله إبراهيم(عليه السلام)، كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون(عليهم السلام)بآبائهم وأُمهاتهم فضيلة لعيسى(عليه السلام)ومنزلة رفيعة بامه وحدها . وذلك قوله في قصة مريم(عليه السلام) :﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾(4)بالمسيح من غير بشرٍ . وكذلك اصطفى ربنا فاطمة(عليها السلام)وطهّرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيِّدي شباب أهل الجنة . فقال له هارون - وقد اضطرب وساءه ما سمع - : من أين قلتم الإنسان يدخل
الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء لحال الخُمس الذي لم يدفع إلى أهله ، فقال موسی(عليه السلام): هذه مسألة ما سأل عنها أحدٌ من السلاطين غيرك - يا أمير المؤمنين - ولا تيم ولا عديّ ولا بنو أميّة ولا سُئل عنها أحدٌ من آبائي فلا تكشفني عنها . قال : فإن بلغني عنك كشف هذا رجعت عما آمنتك . فقال موسی(عليه السلام) : لك ذلك . قال : فإن
ص: 297
الزندقة قد كثرت في الإسلام وهؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار ، هم المنسوبون إليكم ، فما الزنديق عندكم أهل البيت ،فقال(عليه السلام) : الزنديق هو الراد على الله وعلى رسوله وهم الذين يحادّون الله ورسوله ، قال الله :﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ إلى آخر الآية(1). وهم الملحدون ، عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد فقال هارون : أخبرني عن أول من لحد وتزندق ؟ فقال موسی(عليه السلام): أول من الحد وتزندق في السماء إبليس اللعين ، فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيِّه آدم(عليه السلام) ، فقال اللعين : ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ (2)فعتا عن أمر ربه وألحد فتوارث الإلحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة . فقال : ولإبليس ذرية ؟ فقال(عليه السلام): نعم ألم تسمع إلى قول الله :﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا*مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾(3)لأنهم يضلون ذرية آدم بزخارفهم وكذبهم ويشهدون أن لا إله إلَّا الله ، كما وصفهم الله في قوله : و﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾(4)، أي أنهم لا يقولون ذلك إلَّا تلقيناً وتأديباً وتسمية . ومن لم يعلم وإن شهد كان شاكاً حاسداً معانداً . ولذلك قالت العرب : «من جهل أمراً عاداه ومن قصّر عنه عابه وألحد فيه» لأنه جاهل غير عالم .
وكان له(عليه السلام)مع أبي يوسف القاضي أبي يوسف القاضي(5)كلام طويل ليس هذا موضعه.
ثم قال الرشيد : بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه
ص: 298
فقال(عليه السلام): نعم . وأُوتي بدواة وقرطاس فكتب :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جميع أُمور الأديان أربعة : أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأُمة على الضرورة التي يضطرون إليها الأخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة وهو إجماع الأُمة . وأمر يحتمل الشك والإنكار ، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها ، وسنة مجمع عليها لا اختلاف فيها ، أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصة الأُمة وعامتها الشكّ فيه والإنكار له . وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش فما فوقه . فهذا المعروض الذي يُعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته ، وما غمض عليك صوابه نفيته. فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بيّنها الله في قوله لنبيه : قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين(1)يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، لأن الله عدل لايجور ،يحتج على خلقه بما يعلمون ، ويدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون . فأجازه الرشيد وردَّه والخبر طويل .
قال(عليه السلام): ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه ولا يتهمه في قضائه.
وقال سألته عن اليقين ، فقال(عليه السلام): يتوكل على الله ويسلم الله ويرضى بقضاء الله ويفوض إلى الله.
وقال عبد الله بن يحيى : كتبت إليه في دعاء «الحمد الله منتهى علمه »فكتب(عليه السلام)لا تقولن منتهى علمه ، فإنه ليس لعلمه منتهى . ولكن قل: منتهى رضاه .
وسأله رجل عن الجواد ، فقال(عليه السلام): إن لكلامك وجهين ، فإن كنت تسأل عن المخلوقين ، فإن الجواد، الذي يؤدّي ما افترض الله عليه . والبخيل من بخل بما
ص: 299
افترض الله . وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع ، لأنه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك منعك ما ليس لك.
وقال لبعض شيعته : أي فلان ، إتقِ الله وقل الحق وإن كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك ، أي فلان ، إتقِ الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك . فإن فيه هلاكك .
وقال له وكيله : والله ما خنتك . فقال(عليه السلام)له خيانتك وتضييعك على مالي سواء والخيانة شرهما عليك.
وقال(عليه السلام): إياك أن تمنع في طاعة الله ، فتنفق مثليه في معصية الله.
وقال(عليه السلام): المؤمن مثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه .
وقال(عليه السلام)عند قبر حضره : إن شيئاً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله . وإن شيئاً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره .
وقال(عليه السلام): من تكلم في الله هلك . ومن طلب الرئاسة هلك، ومن دخله العجب هلك .
وقال(عليه السلام): اشتدت مؤونة الدنيا والدين : فأما مؤونة الدنيا فإنك لا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجراً قد سبقك إليه . وأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد أعواناً يعينونك عليه .
وقال(عليه السلام): أربعة من الوسواس : أكل الطين . وفت الطين . وتقليم الأظفار بالأسنان . وأكل اللحية . وثلاث يجلين البصر : النظر إلى الخضرة . والنظر إلى الماء الجاري. والنظر إلى الوجه الحسن .
وقال(عليه السلام): ليس حسن الجوار كف الأذى . ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى .
وقال(عليه السلام) : لا تذهب الحشمة(1)بينك وبين أخيك . وأبق منها ، فإن ذهابها ذهاب الحياء .
وقال(عليه السلام)البعض ولده : يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها . وإياك
ص: 300
أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها . وعليك بالجد . ولا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته ، فإن الله لا يعبد حق عبادته . وإياك والمزاح ، فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروتك . وإياك والضجر والكسل ، فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة .
وقال(عليه السلام): إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيراً حتى يعرف ذلك منه .
وقال(عليه السلام): ليس القبلة على الفم إلا للزوجة والولد الصغير
وقال(عليه السلام): اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله .
وساعة لأمر المعاش . وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن . وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات . لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر ، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل . ومن حدثها بطول العمر يحرص . اجعلوا لأنفسكم حظاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروة وما لا سرف فيه . واستعينوا بذلك على اُمور الدين فإنه روي« ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه» .
وقال(عليه السلام): تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا . وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب . ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا .
وقال(عليه السلام)لعلي بن يقطين(1)كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان .
وقال(عليه السلام): كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون
وقال(عليه السلام): إذا كان الإمام عادلاً كان له الأجر وعليك الشكر . وإذا كان جائراً كان عليه الوزر وعليك الصبر
ص: 301
وقال أبو حنيفة(1)حججت في أيام أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)فلما أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز أنتظر إذنه إذ خرج صبي يدرج ، فقلت : يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم ؟ قال : على رسلك(2). ثم جلس مستنداً إلى الحائط . ثم قال : توق شطوط الأنهار ومساقط الثمار وأفنية المساجد وقارعة الطريق(3). وتوار خلف جدار وشل ثوبك . ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها . وضع حيث شئت فأعجبني ما سمعت من الصبي فقلت له : ما اسمك ؟ فقال : أنا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . فقلت له يا غلام ممن المعصية . فقال(عليه السلام): إن السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث : إما أن تكون من الله - وليست منه - فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على ما لا يرتكب . وإما أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف . وإما أن تكون من العبد - وهي منه - منه - فإن عفا بكرمه وجوده . وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته . قال أبو حنيفة : فانصرفت ولم ألق أبا عبد الله (عليه السلام)واستغنيت بما سمعت .
وقال له أبو أحمد الخراساني : الكفر أقدم أم الشرك ، فقال(عليه السلام)له : مالك ولهذا ما عهدي بك تكلم الناس . قلت : أمرني هشام بن الحكم أن أسألك [ف] قال : قل له :﴿ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ
ص: 302
الْكَافِرِينَ﴾(1)والكفر شيء واحد والشرك يثبت واحداً ويشرك معه غيره.
ورأى رجلان يتسابان فقال(عليه السلام): البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم .
وقال(عليه السلام): ينادي مناد يوم القيامة : ألا من كان له على الله أجر فليتم ، فلا يقوم إلا من عفا وأصلح فأجره على الله.
وقال(عليه السلام): السخي الحسن الخلق في كنف الله ، لا يتخلى الله عنه حتى يدخله الجنة . وما بعث الله نبياً إلَّا سخياً . وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى .
وقال السندي بن شاهك - وكان الذي وكله الرشيد بحبس موسى(عليه السلام)- لما حضرته الوفاة : دعني أُکفنک .فقال(عليه السلام): إنا أهل بيت ، حج صرورتنا(2)ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا .
وقال(عليه السلام) لفضل بن يونس(3)أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن أمعة . قلت : وما الأمعة ، قال : لا تقل أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس . إن رسول الله اللي قال : يا أيها الناس إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير»(4)
وروي أنه مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر(5)، فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا ، ثم عرض(عليه السلام)عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له ، فقيل له : يا ابن رسول الله أتنزل إلى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج ، فقال(عليه السلام): عبد من عبيد الله وأخ في كتاب الله وجار في بلاد الله ، يجمعنا وإياه خير الآباء
ص: 303
آدم(عليه السلام)وأفضل الأديان الإسلام ولعل الدهر يرد من حاجاتنا إليه، فيرانا - بعد الزهو عليه - متواضعين بين يديه، ثم قال(عليه السلام): نواصل من لا يستحق وصالنا مخافة أن نبقى بغير صديق.
وقال(عليه السلام): لا تصلح المسألة إلَّا في ثلاثة : في دم منقطع أو غرم مثقل أو حاجة مدقعة .
وقال(عليه السلام): عونك للضعيف من أفضل الصدقة .
وقال(عليه السلام): تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل .
وقال(عليه السلام): المصيبة للصابر واحدة وللجازع إثنتان .
وقال(عليه السلام): يعرف شدة الجور من حكم به عليه .
ص: 304
بسم الله الرحمن الرحيم
روی أن المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرياستين(1)إلى الرضا(عليه السلام) التخان فقال روي له : إني أحب أن تجمع لي من الحلال والحرام والفرائض والسنن ، فإنك حجة الله على خلقه ومعدن العلم . فدعا الرضا (عليه السلام) بدواة وقرطاس ، وقال(عليه السلام) للفضل : اكتب .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حسبنا شهادة أن لا إله إلَّا الله ، أحداً صمداً ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، قيوماً سميعاً بصيراً ، قوياً ، قائماً ، باقياً نوراً ، عالماً لا يجهل ، قادراً لا يعجز ، غنياً لا يحتاج عدلاً لا يجور ، خلق كل شيء ، ليس كمثله شيء ، لا شبه له ولا ضد ولا
ص: 305
ند ولا كفو . وأن محمداً عبده ورسوله وأمينه وصفوته من خلقه ، سيد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين ، لا نبي بعده ولا تبديل لملته ولا تغيير . وأن جميع ما جاء به محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه هو الحق المبين ، نصدق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه . ونصدق بكتابه الصادق﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه من تنزيل من حكيم حميد ﴾(1). وأنه كتابه المهيمن على الكتب كلها . وأنه حق من فاتحته إلى خاتمته . نؤمن بمحكمه ومتشابهه . وخاصه وعامه . ووعده ووعيده .وناسخه ومنسوخه وأخباره لا يقدر واحد من المخلوقين أن يأتي بمثله . وأن الدليل والحجة من بعد علي أمير المؤمنين والقائم بأُمور المسلمين والناطق عن القرآن والعالم بأحكامه ، أخوه وخليفته ووصيه والذي كان منه بمنزلة هارون من موسى ، علي بن أبي طالب(عليه السلام)أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، يعسوب المؤمنين وأفضل الوصيين بعد النبيين . وبعده الحسن والحسين(عليه السلام)، واحداً بعد واحد إلى يومنا هذا ، عترة الرسول وأعلمهم بالكتاب والسنة وأعدلهم بالقضية وأولاهم بالإمامة في كل عصر وزمان وأنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى والحجة على أهل الدنيا حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين . وأن كل من خالفهم ضال مضل ، تارك للحق والهدى . وأنهم المعبرون عن القرآن ، الناطقون عن الرسول بالبيان، من مات لا يعرفهم ولا يتولاهم بأسمائهم وأسماء آبائهم مات ميتة جاهلية . وأن من دينهم الورع والعفة والصدق والصلاح والإجتهاد وأداء الأمانة إلى البر والفاجر وطول السجود والقيام بالليل واجتناب المحارم وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة وحسن الجوار وبذل المعروف وكف الأذى وبسط الوجه والنصيحة والرحمة للمؤمنين . والوضوء كما أمر الله في كتابه غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين واحد فريضة وإثنان إسباغ ومن زاد أثم ولم يؤجر ولا ينقض الوضوء إلَّا الريح والبول والغائط والنوم والجنابة.
ومن مسح على الخفين فقد خالف الله ورسوله وكتابه ولم يجز عنه وضوئه وذلك أن عليا(عليه السلام)خالف القوم في المسح على الخفين . فقال له عمر : رأيت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)يمسح فقال علي(عليه السلام): قبل نزول سورة المائدة أو بعدها ، قال لا أدري قال علي(عليه السلام): « لكنني أدري أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)لم يمسح على خفيه مذ نزلت سورة المائدة .
ص: 306
والإغتسال من الجنابة والاحتلام والحيض وغسل من غسل الميّت فرضٌ . والغسل يوم الجمعة ، والعيدين ودخول مكة والمدينة ، وغسل الزِّيارة ، وغسل الإحرام ، ويوم ، ويوم عرفة ، وأول ليلة من شهر رمضان ، وليلة تسع عشرة منه ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين منه سنَّة .
وصلاة الفريضة : الظهر أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء الآخرة أربع ركعات ، والفجر ركعتان ، فذلك عشرة ركعة
سبع والسنة أربع وثلاثون ركعة : منها ثمان قبل الظهر ، وثمان بعدها ، وأربع بعد المغرب ، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة - تعدّ بواحدة - وثمان في السحر ، والوتر ثلاث ركعات ، وركعتان بعد الوتر ، والصَّلاة في أول الأوقات ، وفضل الجماعة على الفرد بكل ركعة ألفي ركعة ، ولا تصلِّ خلف فاجر ، ولا تقتدي إلَّا بأهل الولاية ، ولا تصلِّ في جلود الميتة ، ولا جلود السباع ، والتقصير في أربع فراسخ ، بريد ذاهباً وبريدٌ جائياً ، إثنا عشر ميلاً ، وإذا قصَّرت أفطرت . والقنوت في أربع صلوات ، في الغداة والمغرب والعتمة ، ويوم الجمعة وصلاة الظهر ، وكلُّ القنوت قبل الرُّكوع ، وبعد القراءة والصَّلاة على الميّت خمس تكبيرات وليس في صلاة الجنائز تسليم لأن التسليم في الركوع والسجود وليس لصلاة الجنازة ركوع ولا سجود ، ويربع قبر الميت ولا يسنَّم(1)والجهر ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم في الصَّلاة مع فاتحة الكتاب .
والزكاة المفروضة من كلِّ مائتي درهم خمسة دراهم ولا تجب في ما دون ذلك وفيما زاد في كلِّ أربعين درهماً درهم ولا تجب فيما دون الأربعيات شيء ، ولا تجب حتى يحول الحول ، ولا تعطى إلَّا أهل الولاية والمعرفة ، وفي كلِّ عشرين ديناراً نصف دينار ، والخمس من جميع المال مرَّة واحدة ، والعشر من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وكلُّ شيء يخرج من الأرض من الحبوب إذا بلغت خمسة أوسق ففيه العشر إن كان يسقى سيحاً(2) ، وإن كان يسقى بالدوالي ففيه نصف العشر للمعسر والموسر ، وتخرج من الحبوب القبضة والقبضتان ، لأن الله لا يكلّف نفساً إلَّا وسعها
ص: 307
ولا يكلّف العبد فوق طاقته والوسق ستون صاعاً والصاع ستة أرطال وهو أربعة أمداد والمدُّ رطلان وربع برطل العراقي ، وقال الصَّادق(عليه السلام): هو تسعة أرطال بالعراقيّ وستة أرطال بالمدني ، وزكاة الفطر فريضة على رأس كلِّ صغير أو كبير : حرّ أو عبد من الحنطة نصف صاع ، ومن التمر والزبيب صاع ، ولا يجوز أن تعطى غير أهل الولاية ، لأنها فريضة.
وأكثر الحيض عشرة أيام وأقلّه ثلاثة أيام، والمستحاضة تغتسل وتصلّي والحائض تترك الصَّلاة ولا تقضي ، وتترك الصيام وتقضيه .
ويصام شهر رمضان لرؤيته ويفطر لرؤيته ، ولا يجوز التراويح في جماعة(1)وصوم ثلاثة أيام في كل شهر سنّة من كلِّ عشرة أيام :يوم الخميس من العشر الأول ،والأربعاء من العشر الأوسط ، والخميس من العشر الآخر ، وصوم شعبان حسن وهو سنّة وقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):
«شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله» وإن قضيت فائت شهر رمضان متفرقاً أجزءك .
وحجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً والسبيل زاد وراحلة ، ولا يجوز الحج إلَّا متمتعاً ، ولا يجوز الإفراد والقران الذي تعمله العامَّة ، والإحرام دون الميقات لا يجوز ، قال الله :﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾(2)ولا يجوز في النسك الخصيّ ، لأنه ناقص ويجوز الموجوء(3).
والجهاد مع إمام عادل ، ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد ولا يحلّ قتل أحد من الكفار في دار التقية إلَّا قاتل أو باغ وذلك إذا لم تحذر على نفسك ولا أكل أموال الناس من المخالفين وغيرهم. والتقيَّة في دار التقيَّة واجبة . ولا حنث على من حلف تقيَّة يدفع بها ظلماً عن نفسه.
والطلاق بالسنَّة على ما ذكر الله جلَّ وعزَّ وسنَّة نبيِّه (صلی الله علیه وآله وسلم)ولا يكون طلاق بغير
ص: 308
سنَّة وكلُّ طلاق يخالف الكتاب فليس بطلاق وكلُّ نكاح يخالف السنَّة فليس بنكاح، ولا تجمع بين أكثر من أربع حرائر ، وإذا طلّقت المرأة ثلاث مرّات للسنَّة لم تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «اتقوا المطلقات ثلاثاً فإنهن ذوات أزواج ».
والصَّلاة على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في كل المواطن عند الرِّياح والعطاس وغير ذلك .
وحب أولياء الله وأوليائهم وبغض أعدائه والبراءة منهم ومن أئمتهم .
وبرُّ الوالدين وإن كانا مشركين فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً لأنَّ الله يقول :﴿ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾(1)قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «ما صاموا لهم ولا صلّوا ولكن
أمروهم بمعصية الله فأطاعوهم ثم قال : سمعت رسول الله لا يقول : من أطاع مخلوقاً في غير طاعة الله جلَّ وعزَّ فقد كفر واتخذ إلهاً من دون الله».
وذكاة الجنين ذكاة أُمه .
وذنوب الأنبياء صغار موهوبة لهم بالنبوّة .
والفرائض على ما أمر الله لا عول فيها(2)ولا يرث مع الوالدين والولد أحدٌ إلَّا الزوج والمرأة ، وذو السهم أحقُّ ممن لا سهم له وليست العصبة من دين الله(3).
والعقيقة عن المولود الذَّكر والأُنثى يوم السابع ، ويحلق رأسه يوم السابع، ويسمَّى يوم السابع . ويتصدَّق بوزن شعره ذهباً أو فضة يوم السابع .
وأن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير ، لا خلق تكوين ، ولا تقل بالجبر ولا بالتفويض . ولا يأخذ الله عزّ وجلّ البريء يجرم السقيم ، ولا يعذب الله الأبناء والأطفال بذنوب الآباء وإنه قال : ﴿وَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ (4).﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾(5)والله يغفر ولا يظلم . ولا يفرض الله على العباد طاعة من
ص: 309
يعلم أنه يظلمهم ويغويهم. ولا يختار لرسالته ويصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر ويعبد الشيطان من دونه . وأن الإسلام غير الإيمان وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً . لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن . ولا يشرب الشارب حين يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يقتل [النفس] النفس التي حرم الله بغير الحق وهو مؤمن وأصحاب الحدود لا مؤمنين ولا كافرين. وأن الله لا يدخل النار مؤمناً وقد وعده الجنة والخلود فيها ومن وجبت له النار بنفاق أو فسق أو كبيرة من الكبائر لم يبعث مع المؤمنين ولا منهم . ولا تحيط جهنم إلَّا بالكافرين . وكل إثم دخل صاحبه بلزومه النار فهو فاسق . ومن أشرك ، أو كفر ، أو نافق ، أو أتى كبيرة من الكبائر ، والشفاعة جائزة للمستشفعين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واجب .
والإيمان أداء الفرائض واجتناب المحارم . والإيمان هو معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان .
والتكبير في الأضحى خلف عشر صلوات يبتدىء من صلاة الظهر من يوم النحر وفي الفطر في خمس صلوات يبتدىء بصلاة المغرب من ليلة الفطر. والنفساء تقعد عشرين يوماً لا أكثر منها ، فإن طهرت قبل ذلك صلَّت وإلّا فإلى عشرين يوماً ، ثم تغتسل وتصلّي وتعمل عمل المستحاضة .
ويؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ، والبعث بعد الموت ، والحساب، والميزان والصراط . والبراءة من أئمة الضلال وأتباعهم ، والموالاة لأولياء الله ، وتحريم الخمر قليلها وكثيرها ، وكلُّ مسكرٍ خمرٌ ، وكلما أسكر كثيره فقليله حرام ، والمضطرُّ لا يشرب الخمر فإنها تقتله . وتحريم كلِّ ذي ناب من السباع وكلِّ ذي مخلب من الطير . وتحريم الطحال فإنهدم ، والجرّيّ والطافي والمارماهي والزمير ، وكل شيء لا يكون له قشور . ومن الطير ما لا تكون له قانصة ، ومن البيض كلما اختلف طرفاه فحلال أكله وما استوى طرفاه فحرام أكله ، واجتناب الكبائر ، وهي قتل النفس التي حرَّم الله ، وشرب الخمر ، وعقوق الوالدين والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتامى ظلماً ، وأكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أُهل به لغير الله من غير ضرورة به ، وأكل الرِّبا والسّحت بعد البينة ، والميسر ، والبخس في الميزان والمكيال وقذف المحصنات ، والزّنا ، واللواط والشهادات الزور، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، ومعاونة الظالمين والرُّكون إليهم
ص: 310
واليمين الغموس(1)، وحبس الحقوق من غير عُسر ، والكبر، والكفر ، والإسراف ، والتبذير ، والخيانة وكتمان الشهادة ، والملاهي التي تصدُّ عن ذكر الله مثل الغناء وضرب الأوتار ، والإصرار على الصغائر من الذُّنوب ، فهذا أُصول الدين ، والحمد الله رب العالمين وصلّى الله على نبيِّه وآله وسلم تسليماً
سأله عمران الصابي في مجلس كبير جمع له المأمون فيه متكلمي الملل كلهم المخالفين للإسلام فخصم جميعهم ، والخبر طويل ، والمجلس مشهور . ذكرنا منه ما اقتضاه الكتاب .
قال له عمران الصابي : أخبرني نوحّد الله بحقيقة ، أم نوحِّده بوصف ؟
فقال له(عليه السلام): إن النور البدىء(2)الواحد الكون الأول واحدٌ لا شريك له ولا شيء معه ، فرد لا ثاني معه . ولا معلوم - ولا مجهول -ولامحكم ولا متشابه ولا مذكور ولا مُنسى ، ولا شيء يقع عليه اسم شيء من الأشياء كلها . فكان البديء قائماً بنفسه ، نور غني مستغن عن غيره ، لا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ، ولا على شيء قام ولا إلى شيء استتر ، ولا في شيء استكنَّ ولا يدرك القائل مقالاً إذا خطر بباله ضوء أو مثال أو شبح أو ظل ، وذلك كله قبل الخلق في الحال التي لا شيء فيها غيره ، والحال أيضاً في هذا الموضع ، فإنما هي صفات محدثة وترجمة من متوهم ليفهم . أفهمت يا عمران ؟ . قال : نعم .
قال الرضا(عليه السلام): إعلم أن التوهّم والمشيئة والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة وكان أول توهمه وإرادته ومشيئته الحروف التي جعلها أصلاً لكل شيء وفاصلاً لكل مشكل ولم يجعل في توهمه معنى غير أنفسها متناهي ولا وجود لأنها متوهمة بالتوهم ،والله سابق التوهم ، لأنه ليس قبله شيء ولا كان معه شيء ، والتوهم سابق للحروف فكانت الحروف محدثة بالتوهم ، وكان التوهم وليس قبل الله مذهب ، والتوهم من الله
ص: 311
غير الله ولذلك صار فعل كل شيء غيره وحدّ كل شيء غيره وصفة كل شيء غير الموصوف وحدّ كل شيء غير المحدود ، وذلك لأن الحروف إنما هي مقطعة قائمة برؤوسها لا تدلُّ غير نفوسها ، فإذا ألّفتها وجمعت منها أحرفاً كانت تدلُّ على غيرها من أسماء وصفات .
تدأ
واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ، ولا حد لغير محدود ، والأسماء والصفات كلها تدلُّ على الكمال والوجود ولا تدلُّ على الإحاطة كما على الوجود الذي هو التربيع والتدوير والتثليث لأن الله يدرك بالأسماء والصفات ولا يدرك بالتحديد، فليس ينزل بالله شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه معرفتهم لأنفسهم ، ولو كانت صفاته لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه لكانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه ، ولو كان كذلك لكان المعبود الواحد غير الله لأن صفاته غیره .
قال له عمران : أخبرني عن التوهم خلق هو أم غير خلق ؟
قال الرضا(عليه السلام): بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما صار خلقاً ، لأنه شيء محدث ، الله الذي أحدثه فلما سمی شيئاً صار خلقاً ، وإنما هو الله وخلقه لا ثالث غيرهما ، وقد يكون الخلق ساكناً ومتحرّكاً ومختلفاً ومؤتلفاً ومعلوماً ومتشابها ، وكلما وقع عليه اسم شيء فهو خلق.
لما حضر علي بن موسى(عليه السلام)مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان . فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾(1) الآية .
فقالت العلماء : أراد الله الُأمة كلها
فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟
فقال الرضا (عليه السلام): لا أقول كما قالوا ولكن أقول : أراد الله تبارك وتعالى بذلك العترة الطاهرة (عليهم السلام).
وقال المأمون : وكيف عنى العترة دون الأُمة ؟
ص: 312
فقال الرضا(عليه السلام): لو أراد الأُمة لكانت بأجمعها في الجنة ، لقول الله : ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾(1)ثم جعلهم كلهم في الجنّة ، فقال عزّ وجلّ :﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾(2)فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم. ثم قال الرضا (عليه السلام): هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾(3). وهم الذين قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):«إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي - أهل بيتي - لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض . انظروا كيف تخلفوني فيهما ، يا أيها الناس لاتعلموهم فإنهم أعلم منكم» .
قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الآل أو غير الآل ؟ .
فقالالرضا(عليه السلام): هم الآل .
فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال : «أُمّتي آلي »وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه: «آل محمد اُمّته»
فقال الرِّضا (عليه السلام): أخبروني هل تحرم الصّدقة على آل محمد ؟
قالوا : نعم . قال(عليه السلام): فتحرم على الاُمّة ؟ قالوا : لا .
قال (عليه السلام): هذا فرق بین الآل وبين الأُمّة . ويحكم أين يذهب بكم أصرفتم عن الذّكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون ؟ ! أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر على المصطفين المهتدين دون سائرهم ؟ !.
قالوا : من أين قلت يا أبا الحسن ؟ . .
قال(عليه السلام): من قول الله :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾(4)فصارت وراثة النبوَّة والكتاب في
ص: 313
المهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم أن نوحاً سأل ربه ، فقال﴿ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ﴾ (1)وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربه تبارك وتعالى : ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ (2).
فقال المأمون : فهل فضل الله العترة على سائر الناس .
فقال الرضا(عليه السلام): إن الله العزيز الجبار فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه.
قال المأمون : أين ذلك من كتاب الله .
قال الرضا(عليه السلام): في قوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ﴾(3)وقال في موضع آخر :﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾(4) ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾(5)يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله :﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين والملك ههنا الطاعة لهم .
قالت العلماء : هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب .
فقال الرضا(عليه السلام): فسر الاصطفاء في الظاهر ليس سوى الباطن في إثني عشر موضعاً فأول ذلك قوله تعالى :﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾(6)- ورهطك المخلصين -
ص: 314
هكذا في قراءة أُبي بن كعب(1)وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود(2)فلما أمر عثمان زيد بن ثابت(3)أن يجمع القرآن خنس هذه الآية وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة .
والآية الثانية في الاصطفاء قول الله :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾، وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند لأنه فضل بيِّن.
ص: 315
والآية الثالثة حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الابتهال فقال : ﴿قل - يا محمد - تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾(1)فأبرز النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)علياً والحسن والحسين وفاطمة(عليهما السلام)فقرن أنفسهم بنفسه . فهل تدرون ما معنى قوله : وأنفسنا وأنفسكم ،قالت العلماء : عنى به نفسه . قال أبو الحسن(عليه السلام): غلطتم ، إنما عنى به علياً (عليه السلام)ومما يدل على ذلك قول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)حين قال : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي يعني علياً(عليه السلام) . فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد . وفضل لا يختلف فيه بشر . وشرف لا يسبقه إليه خلق ؛ إذ جعل نفس علي(عليه السلام)كنفسه فهذه الثالثة.
وأما الرابعة : فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة حين تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس ، فقال : يا رسول الله تركت علياً وأخرجتنا ، فقال رسول الله(عليه السلام): ما أنا تركته وأخرجتكم ولكن الله تركه وأخرجكم . وفي هذا بيان قوله لعلي(عليه السلام): «أنت مني بمنزلة هارون من موسى مني بمنزلة هارون من موسى . قالت العلماء : فأين هذا من القرآن ، قال أبو الحسن(عليه السلام): أوجدكم في ذلك قرآناً أقرؤه عليكم ، قالوا : هات .قال(عليه السلام): قول الله عز وجل :﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ﴾(2)ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى وفيها أيضاً منزلة علي(عليه السلام)من رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم). ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حين قال : «إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد».
فقالت العلماء : هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم - معشر أهل بيت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم).
قال أبو الحسن(عليه السلام): ومن ينكر لنا ذلك و رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها». ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند . والله عز وجل الحمد على ذلك . فهذه الرابعة.
ص: 316
وأما الخامسة : فقول الله عز وجل :
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ﴾(1)خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الأمة . فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : ادعوا لي فاطمة فدعوها له . فقال : يا فاطمة . قالت : لبيك يا رسول الله فقال . إن فدك لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة دون المسلمين . وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك . فهذه الخامسة .
وأما السادسة : فقول الله عزَّ وجلَّ : ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(2)فهذه خصوصية للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)دون الأنبياء وخصوصية للآل دون غيرهم .وذلك أن الله حكى عن الأنبياء في ذكر نوح(عليه السلام)﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾(3)وحكى عن هود بالاي قال : ﴿ ... لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾(4).
وقال لنبيه(صلی الله علیه وآله وسلم):﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ . ولم يفرض الله مودَّتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدّون عن الدين أبداً ولا يرجعون إلى ضلالة أبداً . وأُخرى أن يكون الرَّجل وادّاً للرَّجل فيكون بعض أهل بيته عدوّاً له فلا يسَلم قلب فأحبَّ الله أن لا يكون في قلب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على المؤمنين شيء ، إذ فرض عليهم مودَّة ذي القربى ، فمن أخذ بها وأحب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) وأحب أهل بيته (عليه السلام)لم يستطع رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يُبغضه . ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيت نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) فعلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)أن يبغضه ؛ لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله . وأي فضيلة وأيُّ شرف يتقدم هذا، ولما أنزل الله هذه الآية على نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه وقال : «أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضاً فهل أنتم مؤدُّوه »فلم يجبه أحد ، فقام فيهم يوماً ثانياً ، فقال مثل ذلك ، فلم يجبه أحد ، فقام
ص: 317
فيهم يوم الثالث ، فقال : «أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضاً فهل أنتم مؤدّوه» فلم يجبه أحد . فقال : «أيها الناس إنه ليس ذهباً ولا فضة ولا مأكولاً ولا مشروباً» . قالوا : فهات إذاً ؟ فتلا عليهم هذه الآية . فقالوا : أمّا هذا فنعم ، فما وفى به أكثرهم ، ثم قال أبو الحسن(عليه السلام): حدثني أبي ، عن جدي ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي(عليه السلام)قال : «اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالوا : إنَّ لك يا رسول الله مؤونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها بارّاً مأجوراً ، أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج فأنزل الله عزَّ وجلَّ عليه الرَّوح الأمين فقال : يا محمد ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾لا تؤذوا قرابتي من بعدي ، فخرجوا ، فقال أُناس منهم : ما حمل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلا شيء افتراه في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيماً ، فأنزل الله هذه الآية ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ (1)فبعث إليهم النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : هل من حدث ؟ فقالوا : إي والله يا رسول الله ، لقد تكلّم بعضنا كلاماً عظيماً [ف] -كرهناه ، فتلا عليهم رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فبكوا واشتدَّ بكاؤهم، فأنزل الله تعالى : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون (2) فهذه السادسة .
وأما السابعة فيقول الله :﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾(3)وقد علم المعاندون [منهم] أنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله ، قد عرفنا التسليم [عليك] فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : تقولون :« اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد» وهل بينكم معاشر الناس في هذا اختلاف ؟ قالوا : لا . فقال المأمون : هذا ما لا اختلاف فيه [أصلاً] وعليه الإجماع فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا القرآن ؟ قال أبو الحسن(عليه السلام): أخبروني عن قول الله : ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ *إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾فمن عنى بقوله :
ص: 318
یس؟ قال العلماء : يس محمد ليس فيه شك قال أبو الحسن(عليه السلام): أعطى الله
محمداً وآل محمد من ذلك فضلاً لم يبلغ أحد كنه وصفه لمن عقله وذلك أن الله لم يسلّم على أحد إلا على الأنبياء [ صلوات الله عليهم] فقال تبارك وتعالى : ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴾ (1)وقال : ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ (2)وقال : ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ (3)ولم يقل : سلام على آل نوح ، ولم يقل : سلام على آل إبراهيم ، ولا قال : سلام على آل موس وهارون وقال عزّ وجلّ : ﴿سَلَامٌ عَلَى آل يس﴾(4)يعني آل محمد . فقال المأمون : لقد علمتُ أن في معدن النبوَّة شرح هذا وبيانه . فهذه السابعة .
وأما الثامنة فقول الله عزّ وجلّ :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾(5)فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)فهذا فصل بين الآل والأمة ، لأن الله جعلهم في حيز وجعل الناس كلهم في حيز دون ذلك ورضي لهم ما رضي لنفسه واصطفاهم فيه ، وابتدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم بذي القربى في كل ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك مما رضيه عزّ وجلّ لنفسه ورضيه لهم فقال - وقوله الحق - : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ فهذا توكيد مؤكد وأمر دائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق الذي﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ (6). وأما قوله : ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من المغانم ولم يكن له نصيب وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب في المغنم ولا يحل له أخذه وسهم ذي القُربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغني والفقير القيامة قائم فيهم للغني والفقير ، لأنه لا أحد أغنى من الله ولا من رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)فجعل لنفسه منها سهماً ولرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)سهماً، فما رضي لنفسه ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفيء ما رضيه لنفسه ولنبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) رضيه لذي
ص: 319
القُربى كما جاز لهم في الغنيمة فبدأ بنفسه، ثم برسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ثم بهم وقرن سهمهم بسهم الله وسهم رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)وكذلك في الطاعة قال عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾(1)فبدأ بنفسه، ثم برسوله(صلی الله علیه وآله وسلم) ثم بأهل بيته وكذلك آية الولاية﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾(2) فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته كما جعل سهمه مع سهم الرسول مقروناً بأسهمهم في الغنيمة والفيء فتبارك الله ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت ، فلما جاءت قصة الصدقة نزّه نفسه عزّ ذكره ونزّه رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)ونزّه أهل بيته عنها فقال :﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ﴾(3)فهل تجد في شيء من ذلك أنه جعل لنفسه سهماً ، أو الرسوله(صلی الله علیه وآله وسلم) أو لذي القُربى لأنه لما نزّههم عن الصدقة نزّه نفسه ونزّه رسوله ونزّه أهل بيته لا بل حرّم عليهم ، لأن الصدقة محرّمة على محمد وأهل بيته وهي أوساخ الناس لاتحل لهم لأنهم طُهِّروا من كل دنس ووسخ ، فلما طهِّرهم واصطفاهم رضي لهم ما رضي لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه.
وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال الله في محكم كتابه :﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(4). فقال العلماء : إنما عنى بذلك اليهود والنصارى . قال أبو الحسن(عليه السلام): وهل يجوز ذلك إذاً يدعونا إلى دينهم ويقولون : إنه أفضل من دين الإسلام ؟ فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح يخالف ما قالوا يا أبا الحسن ؟ قال : نعم الذكر رسول الله ونحن أهله وذلك بين في كتاب الله بقوله في سورة الطلاق :﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا *رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ ﴾(5) فالذكر رسول الله ونحن أهله . فهذه التاسعة .
وأما العاشرة فقول الله عزّ وجلّ في آية التحريم: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ
ص: 320
وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ﴾- إلى آخرها (1)أخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول الله أن يتزوجها لو كان حياً ؟ قالوا : لا . قال(عليه السلام): فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها ، قالوا : بلى . قال : فقال (عليه السلام): ففي هذا بيان أن من آله ولستم من آله لو كنتم لحرمت عليه بناتكم كما حرمت عليه بناتي، لأنا من آله وأنتم من أمته ، فهذا فرق بين الآل والأمة ، لأن الآل منه والأمة إذا لم تكن الآل فليست منه . فهذه العاشرة .
وأما الحادية عشرة فقوله في سورة المؤمن حكاية عن قول رجل : ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ (2) الآية ، وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضفه إليه بدينه . وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله بولادتنا منه وعممنا الناس بدينه ، فهذا فرق ما بين الآل والأمة . فهذه الحادية عشرة .
وأما الثانية عشرة قوله :﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ (3)فخصنا بهذه الخصوصية إذ أمرنا مع أمره ، ثم خصنا دون الأمة ، فكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يجيء إلى باب علي وفاطمة(عليها السلام)بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر في كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات فيقول :« الصلاة يرحمكم الله» وما أكرم الله أحداً من ذراري الأنبياء بهذه الكرامة التي أكرمنا الله بها وخصنا من جميع أهل بيته فهذا فرق ما بين الآل والأمة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد نبيه.
قال عبد العزيز بن مسلم(4): كنا مع الرضا(عليه السلام)بمرو فاجتمعنا في المسجد الجامع بها فأدار الناس بينهم أمر الإمامة، فذكروا كثرة الاختلاف فيها . فدخلت على سيدي ومولاي الرضا التاني فأعلمته بما خاض الناس فيه ، فتبسم(عليه السلام)
ثم قال(عليه السلام)يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، إن الله جل وعز لم
ص: 321
يقبض نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء وبين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس جملاً ، فقال :﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ث﴾(1). وأنزل عليه في حجة الوداع وهو آخر عمره(عليه السلام)﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾(2)وأمر الإمامة من كمال الدين. ولم يمض(عليه السلام)حتى بين لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبلهم وتركهم على قصد الحق وأقام لهم علياً(عليه السلام)علماً وإماماً ، وما ترك شيئاً مما تحتاج إليه الأمة إلا وقد بينه . فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ، ومن رد كتاب الله فقد كفر . هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة ، فيجوز فيها اختيارهم .
إن الإمامة خص بها إبراهيم الخليل(عليه السلام)بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرف بها وأشاد بها ذكره ، فقال جل وعز :﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ﴾(3)، قال الخليل سروراً بها :﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(4). فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في . الصفوة . ثم أكرمها الله بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة ، فقال :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ (5). فلم تزل ترثها ذريته(عليه السلام)، بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها النبي(عليهم السلام)، فقال الله :﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾(6)فكانت لهم خاصة فقلدها النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)علياً(عليه السلام)، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم العلم والإيمان وذلك قوله :﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾(7) على رسم ما جرى وما فرضه الله في ولده إلى يوم القيامة . إذ لا نبي بعد محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)فمن أين يختار هذه الجهال الإمامة
ص: 322
بآرائهم .
إن الإمامة منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء ، إن الإمامة خلافة الله وخلافة رسوله(صلی الله علیه وآله وسلم)ومقام أمير المؤمنين(عليه السلام)وخلافة الحسن والحسين(عليه السلام).
إن الإمام زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين . الإمام أُس الإسلام النامي وفرعه السامي . بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف .
الإمام يحلل حلال الله ويحرم حرامه ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة.
الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهو بالأفق حيث لا تناله الأبصار ولا الأيدي .
الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الطالع والنجم الهادي في غيابات الدجى والدليل على الهدى والمنجي من الردى.
الإمام النار على اليفاع(1)، الحار لمن اصطلى والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك .
الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والسماء الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة .
الإمام الأمين الرفيق ، والولد الشفيق والأخ الشقيق وكالأم البرة بالولد الصغير ومفزع العباد.
الإمام أمين الله في أرضه وخلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذاب عن حريم الله.
الإمام مطهر من الذنوب ، مبرء من العيوب ، مخصوص بالعلم ، موسوم بالحلم ، نظام الدين وعز المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين .
الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد له بدل ، ولا له مثل ولا نظير . مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذا يبلغ معرفة الإمام أو كنه وصفه.
ص: 323
هيهات هيهات ، ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وحصرت الخطباء وكلت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء وفحمت العلماء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرت بالعجز والتقصير فكيف يوصف بكليته ، أو ينعت بكيفيته ، أو يوجد من يقوم مقامه ، أو يغني غناه . وأنى وهو بحيث النجم عن أيدي المتناولين ووصف الواصفين ، أيظنون أنه يوجد ذلك في غير آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم ، كذبتهم والله أنفسهم ومنتهم الأباطيل إذ ارتقوا مرتقى صعباً ومنزلاً دحضاً زلت بهم إلى الحضيض أقدامهم ، إذ راموا إقامة إمام بآرائهم وكيف لهم باختيار إمام . والإمام عالم لا يجهل وراع(1)لا يمكر ، معدن النبوة لا يغمز(2)فيه بنسب ولا يدانيه ذو حسب ، فالبيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)(3)، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، كامل الحلم، مضطلع بالأمر(4)، عالم بالسياسة ، مستحق للرئاسة ، مفترض الطاعة ، قائم بأمر الله ، ناصح لعباد الله . إن الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويسددهم ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم ، يكون علمه فوق علم أهل زمانه . وقد قال الله جلّ وعزَّ :﴿ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾(5)وقال تعالى في قصة طالوت : ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ﴾(6). وقال في قصة داود(عليه السلام)﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾(7). وقال لنبيه(صلی الله علیه وآله وسلم):
﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾(8). وقال في الأئمة من أهل بيته وعترته وذريته : ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ - إلى قوله - سَعِيرا﴾ (9). وإن العبد
ص: 324
إذا اختاره الله الأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وأطلق على لسانه فلم يعي بعده بجواب ولم يجد فيه غير صواب ، فهو موفق مسدد مؤيد ، قد أمن من الخطأ والزلل . خصه بذلك ليكون ذلك حجة على خلقه شاهداً على عباده ، فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه فيكون مختارهم بهذه الصفة .
قال الرضا(عليه السلام): لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)وسنة من وليه (عليه السلام). فأما السنة من ربه فكتمان السر . وأما السنة من نبيه (صلی الله علیه وآله وسلم)فمداراة الناس . وأما السنة من وليه(عليه السلام) فالصبر في البأساء والضراء.
وقال(عليه السلام): صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله .
وقال(عليه السلام): ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة . وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله.
وقال(عليه السلام): من أخلاق الأنبياء التنظيف
وقال(عليه السلام): ثلاث من سنن المرسلين : العطر وإحفاء الشعر وكثرة الطروقة(1).
وقال(عليه السلام): لم يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن
وقال(عليه السلام): إذا أراد الله أمراً سلب العباد عقولهم ، فأنفذ أمره وتمت إرادته .فإذا أنفذ أمره رد إلى كل ذي عقل عقله ، فيقول : كيف ذا ومن أين ذا .
وقال(عليه السلام): الصمت باب من أبواب الحكمة ، إن الصمت يكسب المحبة ، إنه دليل على كل خير.
وقال(عليه السلام): ما من شيء من الفضول إلا وهو يحتاج إلى الفضول من الكلام .
وقال(عليه السلام) : الأخ الأكبر بمنزلة الأب.
وسئل(عليه السلام)عن السفلة فقال : من كان له شيء يلهيه عن الله .
وكان(عليه السلام)يترب الكتاب ويقول : لا بأس به. وكان إذا أراد أن يكتب
ص: 325
تذكرات حوائجه كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله ، ثم يكتب ما يريد.
وقال(عليه السلام): إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه ، وإذا كان غائباً فسمه .
وقال(عليه السلام): صديق كل امرء عقله وعدوه جهله .
وقال(عليه السلام): التودد إلى الناس نصف العقل .
وقال(عليه السلام): إن الله يبغض القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال .
وقال(عليه السلام): لا يتم عقل امرء مسلم حتى تكون فيه عشر خصال : الخير منه مأمول . والشر منه مأمون ، يستكثر قليل الخير من غيره . ويستقل كثير الخير من نفسه لا يسأم من طلب الحوائج إليه . ولا يمل من طلب العلم طول دهره . الفقر في الله أحب إليه من الغنى . والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه . والخمول أشهى إليه من الشهرة ، ثم قال(عليه السلام): العاشرة وما العاشرة . قيل له : ما هي ، قال(عليه السلام): لا يرى أحداً إلا قال : هو خير مني وأتقى . إنما الناس رجلان : رجل خير منه وأتقى ورجل شر منه وأدنى ، فإذا لقي الذي شر منه وأدنى قال : لعل خير هذا باطن وهو خير له وخيري ظاهر وهو شر لي . وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به . فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه .
وسأله رجل عن قول الله : ومن يتوكل على الله فهو حسبه(1)؟ فقال(عليه السلام): التوكل درجات : منها أن تثق به في أمرك كله فيما فعل بك ، فما فعل بك كنت راضياً وتعلم أنه لم يألك خيراً ونظراً. وتعلم أن الحكم في ذلك له ، فتوكل عليه بتفويض ذلك إليه . ومن ذلك الإيمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها فوكلت علمها إليه وإلى أمنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها .
وسأله أحمد بن نجم عن العجب الذي يفسد العمل ، فقال(عليه السلام): العجب درجات منها أن یزین للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً .
ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله والله المنة عليه فيه .
قال الفضل قلت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام): يونس بن عبد الرحمن(2) يزعم أن
ص: 326
المعرفة إنما هي اكتساب . قال(عليه السلام): لا ما أصاب ، إن الله يعطي من يشاء ، فمنهم من يجعله مستقراً فيه ومنهم من يجعله مستودعاً عنده ، فأما المستقر ، فالذي لا يسلب الله ذلك أبداً . وأما المستودع ، فالذي يعطاه الرجل ثم يسلبه إياه .
وقال صفوان بن يحيى (1)سألت الرضا (عليه السلام) عن المعرفة هل للعباد فيها صنع ،قال(عليه السلام): لا . قلت : لهم فيها أجر ؟ قال (عليه السلام): نعم تطول عليهم بالمعرفة وتطول عليهم بالصواب .
وقال الفضيل بن يسار سألت الرضا(عليه السلام) عن أفاعيل العباد مخلوقة هي أم غير مخلوقة ، قال(عليه السلام): هي والله مخلوقة - أراد خلق تقدير لا خلق تكوين - . ثم قال(عليه السلام): إن الإيمان أفضل من الإسلام بدرجة والتقوى أفضل من الإيمان بدرجة ولم يعط بنو آدم أفضل من اليقين.
وسئل عن خيار العباد ، فقال(عليه السلام): الذين إذا أحسنوا استبشروا . وإذا أساؤوا استغفروا ، وإذا أعطوا شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا غضبوا عفوا .
وسئل(عليه السلام)عن حد التوكل ، فقال(عليه السلام) : أن لا تخاف أحداً إلا الله .
وقال(عليه السلام): من السنة إطعام الطعام عند التزويج .
وقال(عليه السلام): الإيمان أربعة أركان : التوكل على الله ، والرضا بقضاء الله .والتسليم لأمر الله . والتفويض إلى الله ، قال العبد الصالح : «وأفوض أمري إلى الله فوقاه الله سيئات ما مكروا»
وقال(عليه السلام): صل رحمك ولو بشربة من ماء . وأفضل ما توصل به الرحم كف
حاله ويونس بن عبد الرحمن هو أبو محمد مولى آل يقطين ثقة من أصحاب الكاظم والرضا (عليهم السلام)، وكان وجهاً في أصحابنا متقدماً عظيم المنزلة وكان الرضا(عليه السلام)يشير إليه في العلم والفتيا وكان ممن بذل على الوقف مالاً جزيلاً . مات رحمه الله سنة 280 .
ص: 327
الأذى عنها وقال في كتاب الله : ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى(1).
وقال(عليه السلام): إن من علامات الفقه : الحلم والعلم ، والصمت باب من أبواب الحكمة . إن الصمت يكسب المحبة ، إنه دليل على كل خير . وقال(عليه السلام): إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله .
وقيل له كيف أصبحت ، فقال(عليه السلام): أصبحت بأجل منقوص ، وعمل محفوظ ، والموت في رقابنا ، والنار من ورائنا ، ولا ندري ما يفعل بنا وقال(عليه السلام): خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة : من لم تعرف الوثاقة في أرومته(2). والكرم في طباعه . والرصانة في خلقه . والنبل في نفسه والمخافة لربه .
وقال(عليه السلام): ما التقت فئتان قط إلا نصر الله أعظمهما عفواً .
وقال(عليه السلام): السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه ، والبخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه .
وقال(عليه السلام): إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا ديناً كما صنع رسول الله عليه
وقال(عليه السلام): يأتي على الناس زمان يكون العافية فيه عشرة أجزاء : تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت .
وقال له معمر بن خلاد(3)عجل الله فرجك . فقال(عليه السلام): يا معمر ذاك فرجكم أنتم ، فأما أنا فوالله ما هو إلا مزود فيه كف سويق مختوم بخاتم .
وقال(عليه السلام): عونك للضعيف أفضل من الصدقة .
وقال(عليه السلام): لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث :
ص: 328
التفقه في الدين . وحسن التقدير في المعيشة . والصبر على الرزايا .
وقال(عليه السلام)لأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري(1): يا داود إن لنا عليكم حقاً برسول الله لا ، وإن لكم علينا حقاً . فمن عرف حقنا وجب حقه، ومن لم يعرف حقنا فلا حق له .
وحضر(عليه السلام): يوماً مجلس المأمون وذو الرِّياستين حاضر ، فتذاكروا الليل والنهار وأيهما خلق قبل صاحبه ، فسأل ذو الرياستين الرضا(عليه السلام) عن ذلك ؟ فقال الله: تحب أن أعطيك الجواب من كتاب الله أم حسابك ؟ فقال(عليه السلام): أريده أولاً من الحساب، فقال(عليه السلام): أليس تقولون : إن طالع الدنيا السرطان وإن الكواكب كانت في أشرافها ؟ قال : نعم . قال : فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والمريخ في الجدي والزُّهرة في الحوت والقمر في الثور والشمس في وسط السماء في الحمل وهذا لا يكون إلا نهاراً . قال : نعم . ثم قال : فمن كتاب الله ؟ قال (عليه السلام): قوله : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار(2)أي أن النهار سبقه .
قال عليُّ بن شعيب : دخلت على أبي الحسن الرضا(عليه السلام)، فقال لي : يا عليُّ من أحسن الناس معاشاً ؟ قلت : أنت يا سيِّدي أعلم به مني . فقال(عليه السلام): يا عليُّ من حسن معاش غيره في معاشه .
يا عليُّ من أسوءُ الناس معاشاً ؟ قلت : أنت أعلم ، قال : من لم يعش غيره في معاشه .
يا عليُّ أحسنوا جوار النعم فإنها وحشيةٌ ما نأت عن قوم فعادت إليهم .
ص: 329
يا عليُّ إن شر الناس من منع رفده وأكل وحده وجلد عبده.
وقال له(عليه السلام)رجلٌ في يوم الفطر : إني أفطرت اليوم على تمر وطين القبر .فقال(عليه السلام): جمعت السنّة والبركة .
وقال(عليه السلام)لإبي هاشم الجعفري: يا أبا هاشم العقل حباء من الله ، والأدب كلفة ؛ فمن تكلّف الأدب قدر عليه ومن تكلّف العقل لم يزدد بذلك إلَّا جهلاً.
وقال أحمد بن عمر ، والحسين بن يزيد(1): دخلنا على الرضا(عليه السلام)فقلنا : إنا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغير فادع الله أن يردَّ ذلك إلينا ؟ فقال(عليه السلام): أي شيء تريدون تكونون ملوكاً ؟ أيسرُّكم أن تكونوا مثل طاهر(2)وهرثمة (3)وإنكم على خلاف ما أنتم عليه ؟ فقلت : لا والله ما سرَّني أن لي الدنيا بما فيها ذهباً وفضة وأتي على خلاف ما أنا عليه . فقال(عليه السلام): إن الله يقول : اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور(4). أحسن الظن بالله ، فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه . ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل . ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته ونعّم أهله وبصّره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام .
وقال له ابن السكيت(5): ما الحجة على الخلق اليوم ؟ فقال الان : العقل
ص: 330
يعرف به الصادق على الله فيصدِّقه والكاذب على الله فيكذِّبه . فقال ابن السكّيت : هذا والله هو الجواب .
وقال (عليه السلام) : لا يقبل الرجل يد الرجل ، فإن قبلة يده كالصلاة له .
وقال(عليه السلام): قبلة الأم على الفم . وقبلة الأخت على الخد . وقبلة الإمام بين عينيه.
وقال(عليه السلام): ليس لبخيل راحة ، ولا لحسود لذّة ، ولا لملوك وفاء ولا لكذوب مروّة .
ص: 331
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لما عزم المأمون على أن يزوِّج ابنته أُمّ الفضل أبا جعفر محمد بن عليّ الرضا(عليه السلام) اجتمع إليه أهل بيته الأدنون منه ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ناشدناك أن لاتخرج عنا أمراً قد ملكناه ، وتنزع عنا عزّاً قد لبسناه . وتعلم الأمر الذي بيننا وبين آل علي قديماً وحديثاً ، فقال المأمون : أمسكوا والله لا قبلت واحد منكم في أمره.
فقالوا : يا أمير المؤمنين أتزوِّج ابنتك وقرَّة عينك صبياً لم يتفقه في دين الله ، ولا يعرف حلاله من حرامه ، ولا فرضاً من سنّة ؛ ولأبي جعفر (عليه السلام) إذ ذاك تسع سنين فلو حتى يتأدّب ويقرأ القرآن ويعرف الحلال من الحرام . فقال المأمون : إنه لأفقه منكم وأعلم بالله ورسوله وسنّته وأحكامه ؛ وأقرء لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وظاهره وباطنه وخاصّه وعامّه وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه، فإن كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم ، وإن كان الأمر على ما وصفت علمت أن الرَّجل خلفٌ منكم ، فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم(1)وهو يومئذ قاضي القضاة فجعلوا حاجتهم إليه وأطمعوه في هدايا على أن يحتال على أبي جعفر(عليه السلام) بمسألة في الفقه لا يدري ما الجواب فيها .
فلما حضروا وحضر أبو جعفر(عليه السلام) قالوا : يا أمير المؤمنين هذا القاضي إن أذنت له أن يسأل ؟ فقال المأمون : يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لتنظر
ص: 332
كيف فقهه ؟ فقال يحيى : يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيداً ؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): قتله في جلّ أم حرم ، عالماً أو جاهلاً ، عمداً أو خطأ ، عبداً أو حرّاً ، صغيراً أو كبيراً ، مبدءاً أو معيداً ، من ذوات الطير أو غيره ، من صغار الطير أو كباره ، مصرّاً أو نادماً ، بالليل في أوكارها أو بالنهار وعياناً ، محرماً للحجِّ أو للعمرة ؟ قال : فانقطع يحيى انقطاعاً لم يخف على أحد من أهل المجلس انقطاعه وتحيّر الناس عجباً من جواب أبي جعفر(عليه السلام). فقال المأمون : أخطب أبا جعفر ؟ فقال(عليه السلام): نعم يا أمير المؤمنين ، فقال : الحمد الله إقراراً بنعمته ولا إله إلا الله إجلالاً لعظمته ، وصلى الله على محمد وآله عند ذكره . أمّا بعد فقد كان من قضاء الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام ، فقال جلّ وعزّ :﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾(1). ثم إن محمد بن علي خطب أمّ الفضل ابنة عبد الله ، وقد بذل لها من الصداق خمس مائة درهم ،فقد زوّجته ، فهل قبلت يا أبا جعفر ؟ فقال(عليه السلام): قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق . فأولم المأمون وأجاز الناس على مراتبهم أهل الخاصّة وأهل العامّة والأشراف والعمَّال . وأوصل إلى كلِّ طبقة برّاً على ما يستحقّه .
فلما تفرَّق أكثر الناس قال المأمون : يا أبا جعفر إن رأيت أن تعرِّفنا ما يجب على كل صنف من هذه الأصناف في قتل الصيد ؟ فقال(عليه السلام): إن المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاةٌ ، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً . وإن قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم فليست عليه القيمة لأنه ليس في الحرم . وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ . وإن كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بقرةٌ ، وإن كان نعامة فعليه بدنةٌ فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوماً . وإن كان بقرة فعليه بقرة ، فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام . وإن كان ظبياً فعليه شاة ، فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام ، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾(2)حقاً واجباً أن ينحره إن كان في حجّ بمنى حيث ينحر الناس ، وإن كان في عمرة ينحره بمكة في فناء الكعبة ويتصدّق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفاً ، وكذلك إذا أصاب أرنباً أو ثعلباً فعليه شاة
ص: 333
ويتصدّق بمثل ثمن شاة . وإن قتل حماماً من حمام الحرم فعليه درهم يتصدّق به . ودرهم يشتري به علفاً لحمام الحرم . وفي الفرخ نصف درهم . وفي البيضة ربع درهم . وكلما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شيء عليه إلا الصيد ، فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم ، بخطأ كان أم بعمد، وكلما أتى به العبد فكفّارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه ، وكلما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شيء عليه . فإن عاد فهو ممن ينتقم الله منه . وإن دلَّ على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه فيه الفداء . والمصرّ عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة . والنادم لا شيء عليه بعد الفداء في الآخرة . وإن أصابه ليلاً أو كارهاً خطأ فلا شيء عليه إلا أن يتصيّد ، فإن تصيّد، بليل أو نهار فعليه فيه الفداء . والمحرم للحجّ ينحر الفداء بمكة .
قال : فأمر أن يكتب ذلك عن أبي جعفر(عليه السلام). ثم التفت إلى أهل بيته الذين أنكروا تزويجه ، فقال : هل فيكم من يجيب بهذا الجواب ؟ قالوا : لا والله ولا القاضي ، فقالوا : يا أمير المؤمنين كنت أعلم به منّا . فقال : ويحكم أما علمتم أن أهل هذا البيت ليسوا خلقاً من هذا الخلق ، أما علمتم أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) بايع الحسن والحسين(عليه السلام)وهما صبياَّن ولم يبايع غيرهما طفلين . أو لم تعلموا أن أباهم عليّاً آمن برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وهو ابن تسع سنين ، فقبل الله ورسوله إيمانه ولم يُقبل من طفل غيره ولا دعا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) طفلاً غيره . أو لم تعلموا أنها ذرّيّة بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم .
قال المأمون ليحيى بن أكثم : اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضا(عليه السلام) مسألة تقطعه فيها . فقال : يا أبا جعفر ما تقول في رجل نكح امرأة على زناً أيحلّ أن يتزوَّجها ؟ فقال(عليه السلام): يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه. ثم يتزوّج بها إن أراد ، فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجلٌ منها حراماً ثم اشتراها فأكل منها حلالاً . فانقطع يحيى .
فقال له أبو جعفر(عليه السلام): يا أبا محمد ما تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة وحلّت له ارتفاع النهار وحرمت عليه نصف النهار ، ثم حلّت له الظهر ، ثم حرمت عليه العصر ، ثم حلّت له المغرب ، ثم حرمت عليه نصف الليل ، ثم حلّت له الفجر ، ثم حرمت عليه ارتفاع النهار ، ثم حلّت له نصف النهار ؟ فبقي يحيى
ص: 334
والفقهاء بُلساً خُرساً(1)فقال المأمون : يا أبا جعفر أعزَّك الله بيّن لنا هذا؟ قال(عليه السلام): هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحلّ له ، اشتراها فحلّت له . ثم أعتقها فحرمت عليه ، ثم تزوجها فحلّت له . فظاهر منها فحرمت عليه . فكفّر الظّهار فحلت له ، ثم طلّقها تطليقةً فحرمت عليه ،ثم راجعها فحلّت له فارتدّ عن الإسلام فحرمت عليه . فتاب ورجع إلى الإسلام فحلت له بالنكاح الأول ، كما أقرَّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع(2)حيث أسلم على النكاح الأول.
قال له رجل : أوصني ؟ قال(عليه السلام): وتقبل ؟ قال : نعم . قال : توسّد الصبر واعتنق الفقر . وارفض الشهوات . وخالف الهوى. واعلم أنك لن تخلو من عين فانظر كيف تكون .
وقال(عليه السلام): أوحى الله إلى بعض الأنبياء : أمّا زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة ، وأما انقطاعك إليّ فيعزّزك بي. ولكن هل عاديت لي عدوّاً وواليت لي وليّاً .
وروي أنه حمل له حمل بزّ له(3)قيمة كثيرة ، فسلّ في الطريق ، فكتب إليه الذي حمله يعرّفه الخبر ، فوقّع بخطّه إن أنفسنا وأموالنا من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة يمتّع بما متّع منها في سرور وغبطة ويأخذ ما أخذ منها في أجر وحسبة . فمن غلب جزعه على صبره حبط أجره ونعوذ بالله من ذلك.
وقال(عليه السلام): من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه . ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده .
ص: 335
وقال(عليه السلام): من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبده .
وقال داود بن القاسم : سألته عن الصمد ؟ فقال التالي : الذي لا سرَّة له . قلت : فإنهم يقولون : إنه الذي لا جوف له ؟ فقال(عليه السلام): كل ذي جوف له سرَّة .
فقال له أبو هاشم الجعفري في يوم تزوَّج أمَّ الفضل ابنة المأمون : يا مولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم . فقال(عليه السلام): يا أبا هاشم عظمت بركات الله علينا فيه ؟ قلت : نعم يا مولاي ، فما أقول في اليوم ؟ فقال : قل فيه خيراً ، فإنه يصيبك قلت : يا مولاي أفعل هذا ولا أُخالفه . قال(عليه السلام): إذاً ترشد ولا ترى إلَّا خيراً .
وكتب إلى بعض أوليائه : أما هذه الدنيا فإنها فيها معترفون ولكن من كان هواه هوى صاحبه و دان بدينه فهو معه حيث كان . والآخرة هي دار القرار .
وقال(عليه السلام): تأخير التوبة اغترار . وطول التسويف حيرة . والإعتلال على الله هلكة . والإصرار على الذنب أمن لمكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون(1).
وروي أن جمّالاً حمله من المدينة إلى الكوفة(2)فكلّمه في وصلته وقد كان أبو جعفر(عليه السلام)وصله بأربع مائة دينار ، فقال(عليه السلام): سبحان الله ؛ أما علمت أنه لا ينقطع الزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العباد .
وقال(عليه السلام): كانت مبايعة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)النساء أن يغمس يده في إناء فيه ماء ثم يخرجها وتغمس النساء بأيديهنّ في ذلك الإناء بالإقرار والإيمان بالله والتَّصديق برسوله على ما أخذ عليهنّ.
وقال(عليه السلام): إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له .
وقال(عليه السلام): المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه.
ص: 336
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من عليِّ بن محمد ؛ سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته ؛ فإنه ورد عليَّ كتابكم وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة من يقول منكم بالجبر ومن يقول بالتفويض وتفرُّقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم ، ثم سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كلّه .
اعلموا رحمكم الله أنا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاءت به الأخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الإسلام ممن يعقل عن الله جلَّ وعزَّ لا تخلو من معنيين : إمّا حقّ فيتّبع وإما باطل فيجتنب . وقد اجتمعت الأُمّة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق وفي حال اجتماعهم مقرُّون بتصديق الكتاب وتحقيقه ، مصيبون ، مهتدون ، وذلك بقول رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «لا تجتمع أُمّتي على ضلالة»
فأخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الأُمّة كلها حقّ ، هذا إذا لم يخالف بعضها بعضاً .
والقرآن حقّ لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه : فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وأنكر الخبر طائفة من الأُمّة لزمهم الإقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب ، فإن [هي] جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملّة .
فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبرٌ ورد عن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم ؛ حيث
ص: 337
قال : «إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي - أهل بيتي - لن تضلوا ما تمسّكتم بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» . فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصاً مثل قوله جلّ وعزّ : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ (1). وروت العامة في ذلك أخباراً لأمير المؤمنين
(عليه السلام)أنه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه . فوجدنا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قد أتى بقوله : من كنت مولاه فعلي مولاه وبقوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنه لا نبي بعدي ووجدناه يقول : علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي .
فالخبر الأول الذي استنبطت منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم ، وهو أيضاً موافق للكتاب ، فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهد الأُخر لزم على الأُمة الإقرار بها ضرورة إذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآن وافقها . ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عن الصادقين(عليه السلام)ونقلها قوم ثقات معروفون فصار الإقتداء بهذه الأخبار فرضاً واجباً على كل مؤمن ومؤمنة لا يتعداه إلا أهل العناد . وذلك أن أقاويل آل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)متصلة بقول الله وذلك مثل قوله في محكم كتابه :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ﴾(2)ووجدنا نظير هذه الآية قول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من آذى علياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذی الله يوشك أن ينتقم منه وكذلك قوله(صلی الله علیه وآله وسلم): من أحب علياً فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله» . ومثل قوله(صلی الله علیه وآله وسلم)في بني وليعة : «الأبعثن إليهم رجلاً كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قم يا علي فسر إليهم»(3). وقوله ع السلام يوم خیبر : «لأبعثن إليهم غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه ». فقضى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه
ص: 338
أصحاب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فلما كان من الغد دعا عليّاً(عليه السلام)فبعثه إليهم فاصطفاه بهذه المنقبة وسماه كراراً غير فرار ، فسمّاه الله محباً لله ولرسوله ، فأخبر أن الله ورسوله يحبانه .
وإنما قدّمنا هذا الشرح والبيان دليلاً على ما أردنا وقوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوّة وعليه نتوكل في جميع أُمورنا . فإنا نبدأ من ذلك بقول الصَّادق(عليه السلام):« لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحة الخلقة وتخلية السرب (1)والمهلة في الوقت والزاد مثل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله» ، فهذه خمسة أشياء جمع بها الصَّادق(عليه السلام)جوامع الفضل ، فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحاً بحسبه ، فأخبر الصَّادق(عليه السلام)بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته ونطق الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله ، لأن الرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، وآله(عليهم السلام)لا يعدو شيء من قوله وأقاويلهم حدود القرآن ، فإذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً كان الإقتداء بها فرضاً لا يتعداه إلَّا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب . ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصَّادق(عليه السلام)من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد وصدق مقالته في هذا وخبر عنه أيضاً موافق لهذا ، أن الصّادق(عليه السلام)سئل هل أجبر الله العباد على المعاصي ؟ فقال الصَّادق(عليه السلام): هو أعدل ذلك . فقيل له : فهل فوض إليهم ؟ فقال(عليه السلام) : هو أعز وأقهر لهم من ذلك . وروي عنه أنه قال : الناس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل يزعم أن الأمر مفوض إليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك . ورجل يزعم أن الله جلّ وعزّ أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك . ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون ، فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ ، فأخبر(عليه السلام)أن من تقلّد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ ، وأن الذي يتقلّد التفويض يلزمه الباطل ، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما .
ص: 339
ثم قال(عليه السلام): وأضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلاً يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه ، تشهد به محکمات آيات الكتاب وتحقق تصديقه عند ذوي الألباب وبالله التوفيق والعصمة .
فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله جلّ وعزّ أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد عليه قوله : ﴿ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾(1). وقوله : ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ (2). وقوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾(3). مع آي كثيرة في ذكر هذا . فمن زعم أنه مجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وقد ظلمه في عقوبته . ومن ظلم الله فقد كذب كتابه . ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر بإجماع الأُمة . ومثل ذلك مثل رجل ملك عبداً مملوكاً لا يملك نفسه ولا يملك عرضاً من عرض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته وعلم المالك أن على الحاجة رقيباً لا يطمع أحد في أخذها منه إلَّا بما يرضى به من الثمن وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته أن يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه وعلم أن المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك ، فلما صار العبد إلى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها وجد عليها مانعاً يمنع منها إلَّا بشراء وليس يملك العبد ثمنها ، فانصرف إلى مولاه خائباً بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه . أليس يجب في عدله وحكمه أن لا يعاقبه وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضاً من عروض الدنيا ولم يملكه ثمن حاجته ، فإن عاقبه عاقبه ظالماً متعدياً عليه مبطلاً لما وصف من عدله وحكمته ونصفته وإن لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده إياه حين أوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة . تعالى عما يقولون علواً كبيراً ، فمن دان بالجبر أو بما يدعو إلى الجبر فقد ظلم الله ونسبه إلى الجور والعدوان ، إذ أوجب على من أجبر [ه] العقوبة . ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب على قياس قوله إن الله يدفع عنهم العقوبة . ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب فقد كذب
ص: 340
الله في وعيده حيث يقول : ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ (1). وقوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾(2). وقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾(3)، مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله ويلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر وهو ممن قال الله : ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾(4)بل نقول : إن الله جل وعزّ يجازي العباد على أعمالهم ويعاقبهم على أفعالهم بالإستطاعة التي ملكهم إياها ، فأمرهم ونهاهم وبذلك نطق كتابه : ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ (5). وقال جلّ ذكره : ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ (6). وقال :﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾(7). فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان به. ومثلها في القرآن كثير ، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب وبالله التوفيق .
وأما التفويض الذي أبطله الصَّادق(عليه السلام)وأخطأ من دان به وتقلده فهو قول القائل : إن الله جلّ ذكره فوض إلى العباد اختياراً أمره ونهيه وأهملهم . وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب إلى تحريره ودقته . وإلى هذا ذهبت الأئمة المهتدية من عترة الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)، فإنهم قالوا : لو فوض إليهم على جهة الإهمال لكان لازماً له رضى ما اختاروه واستوجبوا منه الثواب ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب إذا كان الإهمال واقعاً . وتنصرف هذ المقالة على معنيين : إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه
ص: 341
قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك أم أحب فقد لزمه الوهن ، أو يكون جلَّ وعزَّ عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على إرادته كرهوا أو أحبوا ففوض أمره ونهيه إليهم وأجراهما على محبتهم إذ عجز عن تعبدهم، بإرادته فجعل الإختيار إليهم في الكفر والإيمان ومثل ذلك مثل رجل ملك عبداً ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه ، وادعى مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم ، فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب وأوعده على معصيته أليم العقاب ، فخالف العبد إرادة مالكه ولم يقف عند أمره ونهيه فأي أمر أمره أو أي نهي نهاه عنه لم يأته على إرادة المولى بل كان العبد يتبع إرادة نفسه واتباع هواه ولا يطيق المولى أن يرده إلى اتباع أمره ونهيه والوقوف على إرادته ، ففوض اختيار أمره ونهيه إليه ورضي منه بكل ما فعله على إرادة العبد لا على إرادة المالك وبعثه في بعض حوائجه وسمى له الحاجة فخالف على مولاه وقصد لإرادة نفسه واتبع هواه ، فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه به فإذا هو خلاف ما أمره به ، فقال له : لم أتيتني بخلاف ما أمرتك ؟ فقال العبد : اتكلت على تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي وإرادتي ، لأن المفوض إليه غير محظور عليه فاستحال التفويض .
أو ليس يجب على هذا السبب إما أن يكون المالك للعبد قادراً يأمر عبده باتباع أمره ونهيه على إرادته لا على إرادة العبد ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه ، فإذا أمره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما . وحذره ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لأمره ونهيه وترغيبه وترهيبه ، فيكون عدله وإنصافه شاملاً له وحجته واضحة عليه للإعذار والإنذار . فإذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه أو يكون عاجزاً غير قادر ففوض أمره إليه أحسن أم أساء ، أطاع أم عصى ، عاجز عن عقوبته ورده إلى اتباع أمره . وفي إثبات العجز نفي القدرة والتأله وإبطال الأمر والنهي والثواب والعقاب ومخالفة الكتاب إذ يقول : ﴿ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾(1)وقوله عزّ وجلّ : ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾(2)وقوله :﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾(3)وقوله : ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا
ص: 342
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾(1)وقوله : ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾(2)
فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده ،لعلة ما زعم أن الله فوضها إليه لأن المفوض إليه يعمل بمشيئته ، فإن شاء الكفر أو الإيمان كان غير مردود عليه ولا محظور ، فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه وهو من أهل هذه الآية ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾(3)تعالى عما يدين به أهل التفويض علواً كبيراً .
لكن نقول : إن الله جلّ وعزّ خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة تعبدهم بها ، فأمرهم ونهاهم بما أراد فقبل منهم اتباع أمره ورضي بذلك لهم . ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها والله الخيرة في الأمر والنهي ، يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره ويعاقب عليه بالإستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه ، لأنه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة ، بالغ الحجة بالإعذار والإنذار وإليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده ، اصطفى محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم)وبعثه برسالاته إلى خلقه ،فقال من قال من كفار قومه حسداً واستكباراً : ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾(4)يعني بذلك أُمية بن أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي ، فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول :﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾(5). ولذلك اختاروا من الأُمور ما أحب ونهي عما كره ، فمن أطاعه أثابه .
ص: 343
ومن عصاه عاقبه ولو فوض اختيار أمره إلى عباده ولأجاز لقريش اختيار أُمية بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي ، إذ كانا عندهم أفضل من محمد (صلی الله علیه وآله وسلم).
فلما أدب الله المؤمنين بقوله :﴿ وما كان المؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ﴾(1)، فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم ولم يقبل منهم إلَّا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه ، فمن أطاعه رشد ومن عصاه ضل وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الإستطاعة لاتباع أمره واجتناب نهيه ، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه وأنزل به عقابه .
وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعي سأله الأسدي حين عن الإستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل ، فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): سألت عن الإستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عباية ، فقال له أمير المؤمنين الثلاث : قل يا عباية ، قال وما أقول ؟ قال(عليه السلام): إن قلت : إنك تملكها مع الله قتلتك . وإن قلت : تملكها دون الله قتلتك قال عباية : فما أقول يا أمير المؤمنين ؟ قال(عليه السلام): تقول إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك ، فإن يملكها إياك كان ذلك من عطائه ، وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه ، هو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك ، أما سمعت الناس يسألون الحول والقوّة حين يقولون لا حول ولا قوة إلَّا بالله . قال عباية : وما تأويلها يا أمير المؤمنين ؟ قال(عليه السلام): لا حول عن معاصي الله إلَّا بعصمة الله ولا قوّة لنا على طاعة الله إلَّا بعون الله ، قال : فوثب عباية فقبل يديه ورجليه .
وروي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله ، قال : يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك ؟ قال الف : بالتمييز الذي خولني والعقل الذي دلني ، قال أفمجبول أنت عليه ؟ قال : لو كنت مجبولاً ما كنت محموداً على إحسان ولا مذموماً على إساءة وكان المحسن أولى باللائمة من المسيء فعلمت أن الله قائم باق وما دونه حدث حائل زائل ، وليس القديم الباقي كالحدث الزائل ، قال نجدة : أجدك أصبحت حكيماً يا أمير المؤمنين ، قال : أصبحت مخيراً ، فإن أتيت السيئة [ب] مكان الحسنة فأنا المعاقب عليها .
ص: 344
وروي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام بقضاء وقدر ؟ قال(عليه السلام): نعم يا شيخ ، ما علوتم تلعة(1)ولا هبطتم وادياً إلا بقضاء وقدر من الله ، فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين ؟ فقال(عليه السلام): مه يا شيخ ، فإن الله قد عظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي انصرافكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من أُموركم مكرهين ولا إليه مضطرين ، لعلك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد ولما ألزمت الأشياء أهلها على الحقائق ؛ ذلك مقالة عبدة الأوثان وأولياء الشيطان ، إن الله جلَّ وعزَّ أمر تخييراً ونهى تحذيراً ولم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظنُّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين(عليه السلام)وأنشأ يقول :
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته*** يوم النجاة من الرحمن غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً*** جزاك ربّك عنا فيه رضوانا
فليس معذرةٌ في فعل فاحشة*** قد كنت راكبها ظلماً وعصيانا
فقد دلَّ أمير المؤمنين(عليه السلام)على موافقة الكتاب ونفى الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلّدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب ونعوذ بالله من الضلالة والكفر ، ولسنا ندين بجبر ولا تفويض لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين وهو الإمتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ودان به الأئمة الأبرار من آل الرسول صلوات الله عليهم .
ومثَل الاختبار بالاستطاعة مثَل رجل ملك عبداً وملك مالاً كثيراً أحبَّ أن يختبر عبده على علم منه بما يؤول إليه، فملكه من ماله بعض ما أحبّ ووقفه على أُمور عرَّفها العبد فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ونهاه عن أسباب لم يحبَّها وتقدّم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها ، والمال يتصرَّف في أيّ الوجهين ، فصرف المال أحدهما في اتّباع أمر المولى ورضاه ، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه . وأسكنه دار اختيار أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار وأن له داراً غيرها وهو مُخرجه إليها فيها ثوابٌ
ص: 345
وعقابٌ دائمان ، فإن أنفذ العبد المال الذي ملّكه مولاه في الوجه الذي أمره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مُخرجه إليها ، وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود . وقد حد المولى في ذلك حدّاً معروفاً وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الأُولى، فإذا بلغ الحدَّ استبدل المولى بالمال وبالعبد على أنه لم يزل مالكاً للمال والعبد في الأوقات كلها إلَّا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الأولى إلى أن يستتم سكناه فيها ووفى له لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة ، أو ليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأجور به أن يفي له بما وعده من الثواب وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيماً دائماً في دار باقية دائمة . وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الأولى في الوجه المنهي عنه وخالف أمر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها ، غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده ، بذلك يوصف القادر القاهر . وأما المولى فهو الله جل وعز ، وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق ، والمال قدرة الله الواسعة ، ومحنته إظهار [ه] الحكمة والقدرة . والدار الفانية هي الدنيا وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم . والأمور التي أمر الله بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الأنبياء والإقرار بما أوردوه عن الله جلَّ وعزَّ واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس . وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة . وأما الدار الفانية فهي الدنيا . وأما الدار الأُخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة . والقول بين الجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد.
وشرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق(عليه السلام)(1)أنها جمعت جوامع الفضل وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله .
أما قول الصادق(عليه السلام): فإن معناه كمال الخلق للإنسان وكمال الحواسِّ وثبات العقل والتمييز وإطلاق اللسان بالنطق ؛ وذلك قول الله :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
ص: 346
خلقنا
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾(1). فقد أخبر عزَّ وجلَّ عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق ؛ وذلك قوله :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾(2). وقوله :﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ *الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾(3). وفي آيات كثيرة فأول نعمة الله على الإنسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان ، وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته ، ففضَّل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس ، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار أمراً ناهياً وغيره مسخّر له كما قال الله :﴿ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾(4). وقال : ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾(5). وقال : ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ *وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ﴾ (6). فمن أجل ذلك دعا الله الإنسان إلى اتباع أمره وإلى طاعته بتفضيله إياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد أن ملكهم
استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ﴾(7)وقوله :﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾(8) . وقوله : ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾(9). وفي آيات كثيرة . فإذا سلب من العبد حاسّة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله :﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ﴾(10)- الآية - فقد رفع
ص: 347
عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الأعمال التي لا يقوم بها ، وكذلك أوجب على ذي اليسار الحجّ والزّكاة لما ملّكه من استطاعة ذلك ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج ؛ قوله :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ (1)وقوله في الظهار :﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ - إلى قوله - : فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾(2)كلُّ ذلك دليلٌ على أن الله تبارك وتعالى لم يكلّف عباده إلا ما ملّكهم استطاعته بقوّة العمل به ونهاهم عن مثل ذلك فهذه صحّة الخلقة .
وأما قوله : تخلية السّرب . فهو الذي ليس عليه رقيبٌ يحظر عليه ويمنعه العمل بما أمره الله به وذلك قوله فيمن استضعف وحُظر عليه العمل فلم يجد حيلةً ولا يهتدي سبيلاً كما قال الله تعالى :﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ﴾(3)فأخبر أن المستضعف لم يخلَّ سربه وليس عليه من القول شيء إذا كان مطمئنّ القلب بالإيمان .
وأما المهلة في الوقت فهو العمر الذي يمتنع الإنسان من حدّ ما تجب عليه المعرفة إلى أجل الوقت ، وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحُلم إلى أن يأتيه أجله . فمن مات على طلب الحقِّ ولم يدرك كماله فهو على خير ؛ وذلك قوله : ﴿ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾(4)- الآية - وإن كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلّةٍ ما لم يمهّله في الوقت إلى استتمام أمره. وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل إذا لم يبلغ الحلم في قوله : ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ (5)الآية فلم يجعل عليهنَّ حرجاً في إبداء الزّينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الأحكام .
وأما قوله : الزَّاد . فمعناه الجدة والبلغة التي يستعين بها العبد على ما أمره الله به . وذلك قوله : ﴿ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ﴾(6)الآية ألا ترى أنه قبل عذر من لم
ص: 348
يجد ما ينفق وألزم الحجَّة كلِّ من أمكنته البلغة والرَّاحلة للحجَّ والجهاد وأشباه ذلك وكذلك قبل عذر الفقراء وأوجب لهم حقّاً في مال الأغنياء بقوله : ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾(1)الآية . فأمر بإعفائهم ولم يكلفهم الأعداء لما لا يستطيعون ولا يملكون.
وأما قوله : في السبب المهيج . فهو النية التي هي داعية الإنسان إلى جميع الأفعال وحاستها القلب فمن فعل فعلا وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل الله عملاً إلا بصدق النية ولذلك أخبر عن المنافقين بقوله : ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾(2). ثم أنزل على نبيه(صلی الله علیه وآله وسلم)توبيخاً للمؤمنين :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾(3)الآية فإذا قال الرجل قولاً واعتقد في قوله دعته النية إلى تصديق القول بإظهار الفعل. وإذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته . وقد أجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع إظهار الفعل في قوله :﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾(4)وقوله :﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾ (5)فدل القرآن وأخبار الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها ولا يبطل ما يصحح القلب شيء .
فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق الا أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين وهما الجبر والتفويض . فإذا اجتمع في الإنسان كمال هذه الخمسة الأمثال وجب عليه العمل كملاً لما أمر الله عزَّ وجلَّ به ورسوله ، وإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحاً بحسب بذلك .
فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة . ومن ذلك قوله : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾(6). وقال : ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾(7). وقال :﴿ ألم *
ص: 349
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾(1). وقال في الفتن التي معناها الاختبار ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾(2)الآية وقال في قصة موسى (عليه السلام) : ﴿ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ﴾(3)وقول موسى :﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾(4). أي اختبارك فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض.
وأما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله :﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾(5). وقوله :﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾ (6). وقوله :﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾(7). وقوله : ﴿ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (8). وقوله : ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ﴾(9). وقوله : ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ (10)وكلما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار وأمثالها في القرآن كثيرة . فهي إثبات الاختبار والبلوى : إن الله جل وعز لم يخلق الخلق عبثاً ولا أهملهم سدى ولا أظهر حكمته لعباً وبذلك أخبر في قوله :﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾(11). فإن قال قائل : فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم ؟ قلنا : بلى، قد علم ما يكون منهم قبل كونه وذلك قوله :﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾(12)وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل . وقد أخبر بقوله :﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا ﴾(13). وقوله :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾(14). وقوله :﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾(15). فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض . وبهذا نطق القرآن وجرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم).
فإن قالوا : ما الحجة في قول الله : ( يهدي من يشاء ويضل من يشاء) ما
ص: 350
أشبهها ؟ قيل : مجاز هذه الآيات كلها على معنيين : أما أحدهما فإخبار عن قدرته أي أنه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب . والمعنى الآخر أن الهداية منه تعريفه كقوله : ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ أي عرفناهم﴿ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾(1)فلو أجبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلوا . وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي أُمرنا بالأخذ بها ، من ذلك قوله :﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ ﴾(2)- الآية - وقال :﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ *الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾(3)أي أحكمه وأشرحه . ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ (4).
وفقنا الله وإياكم إلى القول والعمل لما يحب ويرضى وجنبنا وإياكم معاصيه بمنه وفضله والحمد لله كثيراً كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله الطيبين وحسبنا الله ونعم الوكيل .
قال موسى بن محمد بن الرضا(عليه السلام)(5): لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة ، فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي علي بن محمد(عليه السلام)فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصرني طاعته ، فقلت له : جعلت فداك إن ابن اكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها ، فضحك (عليه السلام)ثم قال : فهل أفتيته ، قلت : لا ، لم أعرفها ، قال(عليه السلام): وما هي ، قلت : كتب يسألني عن قول الله : ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ
ص: 351
عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾(1)نبي الله كان محتاجاً إلى علم آصف ، وعن قوله :﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴾(2)سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء . وعن قوله :﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ ﴾ (3). من المخاطب بالآية ، فإن كان المخاطب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقد شك . وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذا أنزل الكتاب ، وعن قوله :﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾(4)ما هذه الأبحر وأين هي ، وعن قوله :﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾(5)فاشتهت نفس آدم الان أكل البر فأكل وأطعم (وفيها ما تشتهي الأنفس) فكيف عوقب ؟ . وعن قوله : ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ﴾(6)يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوماً فعلوا ذلك، وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله : ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾(7)، وعن الخنثى وقول علي الف : يورث من المبال ، فمن ينظر إذا بال إليه ، مع أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال ، أو عسى أن يكون رجلاً وقد نظرت إليه النساء وهذا ما لا يحل . وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل ، وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلما بصر بصاحبها خلى سبيلها ، فدخلت بين الغنم كيف تذبح وهل يجوز أكلها أم لا ،وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار وإنما يجهر في صلاة الليل وعن قول علي في الثلاف لابن جرموز : بشر قاتل ابن صفية بالنار(8)فلم يقتله وهو إمام وأخبرني عن علي اللان لم قتل أهل صفين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجهز على الجرحى ، وكان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل مولياً ولم يجهز على جريح ولم يأمر بذلك ، وقال : من دخل داره فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، لم فعل ذلك
ص: 352
فإن كان الحكم الأول صواباً فالثاني خطأ . وأخبرني عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد ، أم يدرأ عنه الحد ؟
قال(عليه السلام): اكتب إليه ، قلت : وما أكتب ، قال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأنت فألهمك الله الرشد أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنتك لتجد إلى الطعن سبيلا إن قصّرنا فيها ، والله يكافيك على نيتك وقد شرحنا مسائلك فاصغ إليها سمعك وذلل لها فهمك واشغل بها قلبك ، فقد لزمتك الحجة والسلام .
سألت عن قول الله جل وعز :
﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان(عليه السلام)عن معرفة ما عرف آصف لكنه صلوات الله عليه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده ، وذلك من علم سليمان(عليه السلام)أودعه عند آصف بأمر الله ، ففهمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته كما فهم سليمان(عليه السلام)في حياة داود(عليه السلام)لتعرف نبوته وإمامته من بعده لتأكد الحجة على الخلق . وأما سجود يعقوب(عليه السلام) وولده كان طاعة الله ومحبة ليوسف(عليه السلام)كما أن السجود من الملائكة لآدم(عليه السلام)لم يكن لآدم (عليه السلام)وإنما كان ذلك طاعة الله ومحبة منهم لآدم(عليه السلام)فسجود يعقوب (عليه السلام)وولده يوسف(عليه السلام)معهم كان شكراً الله باجتماع شملهم ، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت : ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ﴾ إلى آخر الآية(1)
وأما قوله : ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ ﴾(2)فإن المخاطب به رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)ولم يكن في شك مما أنزل إليه ولكن قالت الجهلة . كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة ، إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في الاستغناء عن المأكل والمشارب والمشي في الأسواق ، فأوحى الله إلى نبيه﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ ﴾بمحضر الجهلة ، هل بعث الله رسولاً قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة . وإنما قال : فإن كنت في شك ولم يكن شك ولكن للنصفة كما قال :﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
ص: 353
وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾(1)ولو قال : عليكم لم يجيبوا إلى المباهلة ، وقد علم الله أن نبيه يؤدي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين ، فكذلك عرف النبي أنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه.
وأما قوله : ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾(2)فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمده سبعة أبحر وانفجرت الأرض عيوناً لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله وهي عين الكبريت وعين النمر وعين ( ال) برهوت وعين طبرية وحمة ماسبندان وحمة افريقية يدعى لسان(3)وعين بحرون ، ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تدرك فضائلنا .
وأما الجنة فإن فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأباح الله ذلك كله لآدم الفن والشجرة التي نهى الله عنها آدم الان وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما أن لا ينظر إلى من فضل الله على خلائقه بعين الحسد فنسي ونظر بعين الحسد ولم يجد له عزماً ، وأما قوله : ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ﴾ أي يولد له ذكور ويولد له إناث ، يقال لكل اثنين مقرنين زوجان كل واحد منهما زوج ، ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لبست به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآئم﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾(4)إن لم يتب .
وأما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضا ، فإن لم يكن رضى فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة ، لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها ، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها .
وأما قول علي(عليه السلام) في الخنثى فهي كما قال : ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه .
وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها . وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما ، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا
ص: 354
النصف الآخر ، ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيتها وقع السهم بها ذبحت وأُحرقت ونجا سائر الغنم .
وأما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة ، لأن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كان يغلس بها فقراءتها من الليل .
وأما قول(عليه السلام): بشر قاتل ابن صفية بالنار فهو لقول رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وكان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين(عليه السلام)بالبصرة ، لأنه علم أنه يقتل في فتنة النهروان .
وأما قولك : إن عليّاً(عليه السلام)قتل أهل الصفين مقبلين ومدبرين وأجهز على جريحهم وإنه يوم الجمل لم بتبع مولياً ولم يجهز على جريح ومن ألقى سلاحه آمنه ومن دخل داره آمنه ، فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين ، رضوا بالكف عنهم ، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم ، إذ لم يطلبوا عليه أعواناً ،وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام يجمع لهم السلاح الدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء ، يهيىء لهم الأنزال ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم(1)ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم ، فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد لكنه شرح ذلك لهم ، فمن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك .
وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه بينة وإنما تطوع بالإقرار من نفسه وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن الله كان له أن يمن عن يمن عن الله ، أما سمعت قول الله : ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا - الآية﴾ (2)قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه فاعلم ذلك .
قال(عليه السلام) لبعض مواليه : عاتب فلاناً وقل له : إن الله إذا أراد بعبد خيراً إذا عوتب قبل .
ص: 355
وكان المتوكل نذر أن يتصدق بمال كثير إن عافاه الله من علته ، فلما عوفي سأل العلماء عن حد المال الكثير فاختلفوا ولم يصيبوا المعنى ، فسأل أبا الحسن(عليه السلام)عن ذلك فقال(عليه السلام)يتصدق بثمانين درهماً ، فسئل عن علة ذلك ؟ فقال : إن الله قال لنبيه(صلی الله علیه وآله وسلم) ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ﴾(1)فعددنا مواطن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فبلغت ثمانين موطناً وسماها الله كثيرة فسر المتوكل بذلك وصدق بثمانين درهماً .
وقال(عليه السلام): إن الله بقاعاً يحب أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحير منها(2).
وقال(عليه السلام): من اتق الله يتقى . ومن أطاع الله يُطاع . ومن أطاع الخالق لم يُبال سخط المخلوقين ، ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين .
وقال(عليه السلام): إن الله لا يوصف إلَّا بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحده والأبصار عن الإحاطة به نأى في قربه وقرب في نأيه ، كيّف الكيف بغير أن يُقال : كيف ، وأين الأين بلا أن يُقال : أين ، هو منقطع الكيفية والأينية ، الواحد الأحد ، جل جلاله وتقدست أسماؤه .
وقال الحسن بن مسعود(3): دخلت على أبي الحسن علي بن محمد(عليه السلام)وقد نكبت إصبعي وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلت في زحمة فخرقوا عليَّ بعض ثيابي فقلت : كفاني الله شرك من يوم فما أشأمك .. فقال(عليه السلام)لي : يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له ، قال الحسن : فأتاب إليّ عقلي وتبينت خطائي ،فقلت : يا مولاي أستغفر الله ، فقال : يا حسن ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشئمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها ، قال الحسن : أنا أستغفر الله أبداً وهي توبتي يا ابن رسول الله ؟ قال(عليه السلام): والله ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه ،أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلاً وآجلاً ؟
ص: 356
قلت : بلى يا مولاي . قال(عليه السلام): لا تعد ولا تجعل للأيام صنعاً في حكم الله ، قال الحسن : بلى يا مولاي .
وقال(عليه السلام): من أمن مكر الله وأليم أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه ونافذ أمره .ومن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قرض ونشر .
وقال داود الصرمي(1): أمرني سيدي بحوائج كثيرة ، فقال(عليه السلام): قل : كيف تقول ؟ فلم أحفظ مثل ما قال لي ، فمد الدواة وكتب بسم الله الرَّحمن الرَّحيم أذكره إن شاء الله والأمر بيد الله ، فتبسمت ، فقال(عليه السلام): مالك ؟ قلت : خير ، فقال : أخبرني ؟ قلت : جعلت فداك ذكرت حديثاً حدّثني به رجل من أصحابنا عن جدك الرضا(عليه السلام)إذا أمر بحاجة كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله ، فتبسمت ، فقال(عليه السلام)لي يا داود ولو قلت : إن تارك التقية كتارك الصَّلاة لكنت صادقاً .
وقال(عليه السلام)يوماً : إن أكل البطيخ يورث الجذام، فقيل له : أليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة من الجنون والجذام والبرص ؟ قال : نعم ، ولكن إذا خالف المؤمن ما أُمر به ممن آمنه لم يأمن أن تصيبه عقوبة الخلاف .
وقال(عليه السلام): الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر ، لأن النعم متاع والشكر نعم وعقبى .
وقال(عليه السلام): إن الله جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً .
وقال(عليه السلام): إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه . وإن المحق السفيه يكاد أن يطفىء نور حقه بسفهه.
وقال(عليه السلام): من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك .
وقال(عليه السلام): من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره.
وقال (عليه السلام) : الدنيا سوق ، ربح فيها قوم وخسر آخرون .
ص: 357
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سترنا الله(1)وإياك بستره وتولاك في جميع أُمورك بصنعه ، فهمت كتابك يرحمك الله ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على أوليائنا ونسر بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم ونعتد بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم ، فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك ممن قد رحمه الله وبصره بصيرتك - نعمته . وقدر تمام نعمته دخول الجنة وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم خطرها إلَّا والحمد لله تقدّست أسماؤه عليها مؤد شكرها وأنا أقول الحمد لله أفضل ما حمده حامده إلى أبد الأبد بما منّ الله عليك من رحمته ونجاك من الهلكة وسهّل سبيلك على العقبة . وأيم الله إنها لعقبة كؤود ، شديد أمرها، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، قديم في الزبر الأُولى ذكرها ولقد كانت منكم في أيام الماضي(عليه السلام) إلى أن مضى لسبيله وفي أيامي هذه أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسددي التوفيق .
فاعلم يقيناً يا إسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول الله : في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول :﴿ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾(2). وأي آية أعظم من
ص: 358
حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الأولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته. فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدقون وبالباطل تؤمنون وبنعمة الله تكفرون أو تكونوا ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلَّا خزي في الحياة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية . وذلك والله الخزي العظيم. إن الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه - لا إله إلَّا هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم، لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته ، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصَّلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض ومفتاحاً إلى سبيله ، لولا محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) والأوصياء من ولده لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل تدخل مدينة إلَّا من بابها ، فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾(1)ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم ، قال الله :﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (2)واعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء ، لا إله إلَّا هو . ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم.
ولولا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم لما رأيتم لي خطاً ولا سمعتم مني حرفاً من بعد مضي الماضي(عليه السلام)وأنتم في غفلة مما إليه معادكم . ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده(3)وكتابي الذي حمله إليكم محمد بن موسى النيسابوري والله المستعان على كل حال . وإياكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين . فبعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة الله ولم يقبل مواعظ أوليائه . فقد أمركم الله بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر ، رحم الله ضعفكم وغفلتكم وصبركم على أمركم ، فما أغر الإنسان بربه الكريم ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب
ص: 359
لتصدعت قلقاً وخوفاً من خشية الله ورجوعاً إلى طاعة الله ، اعملوا ما شئتم [فسیری الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون] والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله أجمعين .
قال(عليه السلام): لا تمار فيذهب بهاؤك . ولا تمازح فيجترأ عليك .
وقال(عليه السلام): من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلون عليه حتى يقوم .
وكتب(عليه السلام)إلى رجل سأله دليلاً : من سأل آية أو برهاناً فأُعطي ما سأل ، ثم رجع عمن طلب منه الآية عذب ضعف العذاب . ومن صبر أُعطي التأييد من الله .والناس مجبولون على حيلة إيثار الكتب المنشرة نسأل الله السداد ، فإنما هو التسليم أو العطب ولله عاقبة الاُمور.
وكتب إليه بعض شيعته يعرفه اختلاف الشيعة ، فكتب(عليه السلام): إنما خاطب الله العاقل . والناس فيّ على طبقات : المستبصر على سبيل نجاة ، متمسك بالحق ، متعلق بفرع الأصل، غير شاك ولا مرتاب ، لا يجد عني ملجأ . وطبقة لم تأخذ الحق من أهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه . وطبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد على أهل الحق ودفع الحق بالباطل حسداً من عند أنفسهم . فدع من ذهب يميناً وشمالاً ، فإن الراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأهون سعي. وإياك والإذاعة وطلب الرئاسة ، فإنهما يدعوان إلى الهلكة .
وقال(عليه السلام): من الذنوب التي لا تغفر : ليتني لا أُؤاخذ إلَّا بهذا . ثم قال(عليه السلام): الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح الأسود في الليلة المظلمة .
عن وقال(عليه السلام): بسم الله الرّحمن الرّحيم أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها .
وخرج في بعض توقيعاته(عليه السلام)عند اختلاف قوم من شيعته في أمره : ما مُنی أحد من آبائي بمثل ما منيت به من شك هذه العصابة في ، فإن كان هذا الأمر أمراً
ص: 360
اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثم ينقطع فللشك موضع . وإن كان متصلاً ما اتصلت أُمور فما معنى هذا الشك ؟ .
وقال(عليه السلام): حب الأبرار للأبرار ثواب للأبرار . وحب الفجار للأبرار فضيلة للأبرار ، وبغض الفجار للأبرار زين للأبرار . وبغض الأبرار للفجار خزي على الفجار .
وقال(عليه السلام): من التواضع السَّلام على كل من تمرّ به ، والجلوس دون شرف المجلس .
وقال(عليه السلام): من الجهل الضحك من غير عجب .
وقال(عليه السلام): من الفواقر التي تقصم الظهر(1)جار إن رأى حسنة أطفأها وإن رأى سيئة أفشاها .
وقال(عليه السلام)لشيعته : أُوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم والإجتهاد الله وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر وطول السجود وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم ، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرني ذلك . اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيئاً ، جروا إلينا كل مودّة وادفعوا عنا كل قبيح ، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله ، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب . أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصَّلاة على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فإن للصَّلاة على رسول الله عشر حسنات. احفظوا ما وصيتكم به وأستودعكم الله وأقرأ عليكم السَّلام .
وقال(عليه السلام): ليست العبادة كثرة الصيام والصَّلاة وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله.
وقال(عليه السلام): بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه شاهداً ويأكله غائباً ، إن أعطي حسده ، وإن ابتلي خانه
ص: 361
وقال(عليه السلام): الغضب مفتاح كل شر .
وقال(عليه السلام)لشيعته في سنة ستين ومائتين : أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم . والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم فإنه من أدل دليل عليكم في ولايتنا - أهل البيت - فخلعوا خواتيمهم من أيمانهم بين يديه ولبسوها في شمائلهم . وقال(عليه السلام) لهم : حدثوا بهذا شيعتنا .
وقال(عليه السلام): أقل الناس راحة الحقود .
وقال(عليه السلام): أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام على الفرائض ، أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب .
وقال(عليه السلام): إنكم في آجال منقوصة وأيام معدودة والموت يأتي بغتة ، من يزرع خيراً يحصد غبطة ومن يزرع شراً يحصد ندامة ، لكل زارع ما زرع . لا يسبق بطيء بحظه . ولا يدرك حريص ما لم يقدر له . من أعطي خيراً فالله أعطاه ومن وقي شراً فالله وقاه .
وقال(عليه السلام): المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر.
وقال(عليه السلام): قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه .
وقال(عليه السلام) لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض .
وقال(عليه السلام): من تعدى في طهوره كان كناقضه .
وقال(عليه السلام): ما ترك الحق عزيز إلَّا ذل ، ولا أخذ به ذليل إلّا عز .
وقال(عليه السلام): صديق الجاهل تعب .
وقال(عليه السلام): خصلتان ليس فوقهما شيء : الإيمان بالله . ونفع الاخوان .
وقال(عليه السلام): جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره .
وقال(عليه السلام): ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون .
وقال(عليه السلام): خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة . وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت .
وقال(عليه السلام): رياضة الجاهل ورد المعتاد عن عادته كالمعجز .
ص: 362
وقال(عليه السلام): التواضع نعمة لا يحسد عليها .
وقال(عليه السلام): لا تكرم الرجل بما يشق عليه .
وقال(عليه السلام): من وعظ أخاه سراً فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شأنه .
وقال(عليه السلام): ما من بلية إلَّا ولله فيها نعمة تحيط بها .
وقال(عليه السلام): ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله .
تمَّ ما انتهى إلينا من أخبار النبي والأئمّة الطاهرين(عليه السلام) في المعاني التي ذكرناها والآثار التي اشترطناها . ولم نذكر شيئاً من توقيعات صاحب زماننا والحجة في عصرنا على تواترها في الشيعة المستبصرين واستقامتها فيهم ، لأنه لم يصل إلينا ما اقتضاه كتابنا وضاهاه تأليفنا والإعتقاد فيه مثله فيمن سلف من آبائه الماضين الأئمّة الراشدين(عليه السلام)أجميعن وأتبعت ذلك بما جانسه وشاكله لتزداد الفوائد وتتضاعف المواعظ والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل .
يا موسى : لا تطل في الدنيا أملك فيقسو قلبك وقاسي القلب مني بعيد . أمت قلبك بالخشية . وكن خلق الثياب ، جديد القلب ، تخفى على أهل الأرض وتعرف بين أهل السماء . وصح إليّ من كثرة الذنوب صياح الهارب من عدوه . واستعن بي على ذلك ، فإني نعم المستعان .
یا موسى : إني أنا فوق العباد والعباد دوني وكل لي داخرون ، فاتهم نفسك على نفسك ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين .
یا موسى : اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين .
يا موسى : كن إمامهم في صلاتهم وفيما يتشاجرون واحكم بينهم بالحق بما أنزلت عليك ، فقد أنزلته حكماً بيناً وبرهاناً نيراً ونوراً ينطق بما في الأولين وبما هو كائن في الآخرين .
يا موسى : أُوصيك وصيّة الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم صاحب
ص: 363
الأتان(1)والبرنس والزيت والزيتون والمحراب . ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيِّب الطاهر المطهر فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب ، وأنه راكع ساجد راغب راهب ، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون وسيكون في زمانه أزل(2)وزلازل وقتل ، اسمه أحمد ومحمد الأمين من الباقين الأولين ، يؤمن بالكُتب كلها ويصدّق جميع المرسلين ، أمته مرحومة مباركة ، لهم ساعات مؤقتات يؤذنون فيها بالصلوات ، فيه صدّق فإنه أخوك .
يا موسى : إنه أميني وهو عبد صدق مباركٌ له فيما وضع يده تبارك عليه ، كذلك كان في علمي وكذلك خلقته ، به أفتح الساعة وبأمته أختم مفاتيح الدنيا ، فمٌر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه ، وإنهم لفاعلون وحبه لي حسنة وأنا معه وأنا من حزبه وهو من حزبي ، وحزبي هم الغالبون .
يا موسى : أنت عبدي وأنا إلهك ، لا تستذلّ الحقير الفقير ، ولا تغبط الغني ، وكن عند ذكري خاشعاً ، وعند تلاوته برحمتي طامعاً ، فأسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع حزين ، إطمئن عند ذكري واعبدني ولا تشرك بي ، إني أنا السيد الكبير ، إني خلقتك من نطفة من ماء مهين من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة ، فكانت بشراً ، فأنا صانعها خلقاً ، فتبارك وجهي وتقدّس صنعي ، ليس كمثلي شيء وأنا الحيُّ الدائم لا أزول .
يا موسى : كن إذا دعوتني خائفاً ، مشفقاً، وجلاً ، وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل، وأحي بتوراتي أيام الحياة، وعلِّم الجاهلين محامدي، وذكِّرهم آلائي ونعمي ، وقل لهم : لا يتمادون في غيِّ ما هم فيه ، فإن أخذي لهم شدید.
يا موسى : إن انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري ، فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير . ذمَّ نفسك وهي أولى بالذم . ولا تتطال على بني إسرائيل بكتابي ، فكفى بهذا واعظاً لقلبك منيراً ، وهو كلام رب العالمين جلّ وتعالى.
ص: 364
يا موسى : متى ما دعوتني وجدتني ، فإني سأغفر لك على ما كان منك ،السماء تسبِّح لي وجلاً ، والملائكة من مخافتي مشفقون ، والأرض تسبِّح لي طمعاً ، وكل الخلق يسبِّحون لي داخرين . ثم عليك بالصَّلاة ، فإنها مني بمكان ولها عندي عهد وثيق وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيّب المال والطعام ، فإني لا أقبل إلَّا الطيب ، يُراد به وجهي ، أقرن مع ذلك صلة الأرحام ، فإني أنا الرّحمن الرّحيم والرّحم أنا خلقتها فضلاً من رحمتي ليتعاطف بها العباد ، ولها عندي سلطان في معاد الآخرة ، وأنا قاطع من قطعها وواصل من وصلها ، وكذلك أفعل بمن ضيّع أمري.
يا موسى : أكرم السائل إذا أتاك بردّ جميل أو إعطاء يسير ، فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جانّ : ملائكة الرّحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك وكيف مواساتك فيما خولتك ، فاخشع لي بالتضرع واهتف بولولة الكتاب. واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه لتبلغ به شرف المنازل ، وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الأولين .
يا موسى : لا تنسني على كل حال ولا تفرح بكثرة المال ، فإن نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة الذنوب . الأرض مطيعة و [ السماء مطيعة ] والبحار مطيعة ، فمن عصاني شقي ، فأنا الرّحمن [الرحيم] رحمن كل زمان ، آتي بالشدّة بعد الرخاء ، وبالرخاء بعد الشدّة ، وبالملوك بعد الملوك وملكي دائم ، قائم ، لا يزول ولا يخفى عليَّ شيء في الأرض ولا في السماء ، وكيف يخفى علي ما مني مبتداه. وكيف لا يكون همك فيما عندي ، وإليَّ ترجع لا محالة.
یا موسی : اجعلني حرزك ، وضع عندي كنزك من الصالحات ، وخفني ولا تخف غيري ، إليَّ المصير.
يا موسى : عجّل التوبة وأخَّر الذنب ، وتأن في المكث بين يدي في الصَّلاة ،ولا ترج غيري ، اتخذني جنة للشدائد وحصناً لملمات الأُمور .
یا موسى : نافس في الخير أهله ، فإن الخير كاسمه ، ودع الشر لكل مفتون.
یا موسى : إجعل لسانك من وراء قلبك تسلم ، وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ، ولا تتبع الخطايا فتندم ، فإن الخطايا موعدها النار.
يا موسى : أطب الكلام لأهل الترك للذنوب ، وكن لهم جليساً ، واتخذهم لغيبك إخواناً ، وجُدَّ معهم يجدُّون معك .
ص: 365
یا موسی : ما أُريد به وجهي فكثيرٌ قليله ، وما أُريد به غيري فقليل كثيره ، وإن أصلح أيامك : الذي أمامك فانظر أيَّ يوم هو فأعدَّ له الجواب فإنك موقوف ومسؤول . وخذ موعظتك من الدهر وأهله ، فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل ،وكلُّ شيء فان . فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة ، فإن ما بقي من الدنيا كما ولّى منها . وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال. فكن مرتاداً لنفسك (1)يا ابن عمران ، لعلك تفوز غداً يوم السؤال ، وهنالك يخسر المبطلون .
يا موسى : طب نفساً عن الدنيا وانطو عنها فإنها ليست لك ولست لها ، ما لك ولدار الظالمين إلَّا لعامل فيها بالخير ، فإنها له نعم الدار .
يا موسى : الدنيا وأهلها فتن بعضها لبعض . فكل أمر مزيَّن له ما هو فيه والمؤمن زيَّنت له الآخرة ، فهو ينظر إليها ما يفتر قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش فأدلجته بالأسحار(2)كفعل الراكب السابق إلى غايته يظل كئيباً ويمسي حزيناً فطوبى له ، [أما] لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور .
يا موسى : إذا رأيت الغنى مقبلاً فقل : ذنب عجَّلت عقوبته ، وإذا رأيت الفقر مقبلاً فقل : مرحباً بشعار الصالحين . ولا تكن جباراً ظلوماً ولا تكن للظالمين قريناً .
یا موسی : ما عمرٌ وإن طال يذم آخره ، وما ضرَّك ما زوي(3)عنك إذا حمدت مغبته.
يا موسى : صرّح الكتاب صراحاً بما أنت إليه صائر ، فكيف ترقد على هذا العيون ، أم كيف يجد قوم لذة العيش لولا التمادي في الغفلة ، والتتابع في الشهوات ، ومن دون هذا جزع الصدِّيقون .
یا موسى : مر عبادي يدعوني على ما كانوا بعد أن يقروا بي أني أرحم الراحمين ، أُجيب المضطرين ، وأكشف السوء ، وأُبدِّل الزمان ، وآتي بالرخاء ، وأشكر اليسير ، وأُثيب بالكثير ، وأُغني الفقير ، وأنا الدائم العزيز القدير ، فمن لجأ
ص: 366
إليك وانضوى إليك من الخاطئين فقل : أهلاً وسهلاً بأرحب الفناء نزلت بفناء رب العالمين واستغفر لهم وكن [لهم] كأحدهم ولا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله وقل لهم فيسألوني من فضلي ورحمتي ، فإنه لا يملكها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم ، كهف الخاطئين وجليس المضطرين ومستغفر للمذنبين ، إنك مني بالمكان الرّضي ، فادعني بالقلب النقي واللسان الصِّادق ، وكن كما أمرتك ، أطع أمري ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتدؤه . وتقرَّب إليَّ ، فإني منك قريب ، فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ولا حمله . إنما سألتك أن تدعوني فأُجيبك . وأن تسألني فأُعطيك وأن تتقرَّب بما مني أخذت تأويله ، وعليَّ تمام تنزيله .
يا موسى : انظر إلى الأرض فإنها عن قريب قبرك . وارفع عينيك إلى السماء فإن فوقك فيها ملكاً عظيماً وابك على نفسك ما كنت في الدنيا ، وتخوَّف العطب والمهالك ، ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ، ولا ترضَ بالظلم ، ولا تكن ظالماً ، فإني للظالم بمرصد حتى أديل منه المظلوم.
يا موسى : إن الحسنة عشرة أضعاف ، ومن السيئة الواحدة الهلاك ، ولا تشرك بي، لا يحل لك أن تشرك بي ، قارب وسدِّد ، ادع دعاء الراغب فيما عندي ، النادم على ما قدَّمت يداه ، فإن سواد الليل يمحوه النهار ، كذلك السيئة تمحوها الحسنة وعشوة الليل(1)تأتي على ضوء النهار ، فكذلك السيئة تأتي على الحسنة فتسوِّدها .
یا عیسی: أنا ربك وربُّ آبائك ، اسمي واحدٌ وأنا الأحد المتفرِّد بخلق كل شيء ، وكلُّ شيء من صنعي وكل إليّ راجعون.
یا عیسى : أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من الطين بإذني ، وأنت تحيي الموتى بكلامي ، فكن إليَّ راغباً ومني راهباً ولن تجد مني ملجأ إلَّا إليَّ .
يا عيسى : أُوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحرِّيك(2)مني المسرة ، فبوركت كبيراً وبوركت صغيراً حيث ما كنت ، أشهد أنك
ص: 367
عبدي من أمتي ، تقرَّب إليَّ بالنوافل وتوكل عليّ أكفك ، ولا تولّ غيري فأخذلك .
یا عيسى : اصبر على البلاء وارض بالقضاء وكن كمسرَّتي فيك ، فإن مسرّتي أن اُطاع فلا اعصى.
يا عيسى : أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودِّي في قلبك.
يا عيسى : تيقَّظ في ساعة الغفلة . واحكم لي لطيف الحكمة .
يا عيسى : كن راغباً راهباً ، وأمت قلبك بالخشية .
يا عيسى : راع الليل لتحرِّي مسرتي واظمأ نهارك ليوم حاجتك .
يا عيسى : إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ولا تقهر اليتيم.
يا عيسى : إبك على نفسك في الخلوات ، وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات ، وأسمعني لذاذة نطقك بذكري، فإن صنيعي إليك حسن .
يا عيسى : كم [من] أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.
يا عيسى : إرفق بالضعيف وارفع طرفك الكليل(1)إلى السماء وادعني ، فإني منك قريب ، ولا تذكرني إلَّا متضرعاً إليَّ وهمك واحد ، فإنك متى دعوتني كذلك أُجبك .
يا عيسى : لا يغرّك المتمرد [عليّ] بالعصيان يأكل رزقي ويعبد غيري ، ثم يدعوني عند الكرب فأُجيبه ، ثم يرجع إلى ما كان عليه ، فعليَّ يتمرد ؟ أم بسخطي يتعرَّض ؟ وبي حلفت لأخذنّه أخذةً ليس له منها منجاً ، ولا دوني ملجأ ، أين يهرب من سمائي وأرضي .
يا عيسى : قل لظلمة بني إسرائيل : لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم والأصنام في بيوتكم(2)، فإني آليتُ أن أُجيب من دعاني وأن أجعل إجابتي إياهم لعناً عليهم حتى يتفرّقوا .
ص: 368
یا عیسی : ما خير لذاذة لا تدوم ، وعيش عن صاحبه يزول .
یا ابن مریم : لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه ، فليس كدار الآخرة دار تجاور فيها الطيبون وتدخل عليهم فيها الملائكة المقرّبون وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون ، دارٌ لا يتغير فيها النعيم ولا يزول عن أهلها .
یا ابن مريم : نافس فيها مع المتنافسين ، فإنها أُمنية المتمكنين ، حسنة المنظر ، طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم ، لا تبغي بها بدلاً ولا تحويلاً ، كذلك أفعل بالمتقين.
يا عيسى : اهرب إليّ مع من يهرب من نار ذات لهب ونار ذات أغلال وأنكال(1)، لا يدخلها روح ولا يخرج منها غم أبداً ، قطع كقطع الليل المظلم ، من ينج منها يفز ، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين وكل فظ غليظ.
يا عيسى : بئست الدار لمن ركن إليها وبئس القرار دار الظالمين ، إني أُحذرك نفسك فكن بي خبيراً .
يا عيسى : كن حيث ما كنت مراقباً لي واشهد عليَّ أني خلقتك وأنك عبدي وأني صوّرتك ، وإلى الأرض أهبطتك .
یا عیسی : افطم نفسك عن الشهوات الموبقات وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها . واعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين فكن مني على حذر .
یا عیسی : كنتُ خلقتك بكلامي ، ولدتك مريم بأمري ، المرسل إليها روحي جبرائيل الأمين من ملائكتي حتى قمت على الأرض حياً تمشي . وكل ذلك من سابق علمي .
يا عيسى : إن غضبتُ عليك لم ينفعك من رضي عنك . وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المتغضبين عليك .
يا عيسى : اذكرني في نفسك ، واذكرني في ملائك ، أذكرك في ملاء خيرٍ من الآدميين .
ص: 369
يا عيسى : ادعني دعاء الغريق الذي ليس له مغيث .
يا عيسى : لا تحلف بي كاذباً فيهتزُّ عرشي غضباً . الدنيا قصيرة العمر طويلة الأمل . وعندي دار خير مما يجمعون .
يا عيسى : كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين .
یا عیسى : قل لظلمة بني إسرائيل : غسّلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي تغترُّون أم عليَّ تجترئون ، تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون .
يا عيسى : قل لهم : قلّموا أظفاركم من كسب الحرام . وأصمّوا أسماعكم عن ذكر الخناء . وأقبلوا عليَّ بقلوبكم ، فإني لستُ أُريد صوركم .
يا عيسى : إفرح بالحسنة ، فإنها لي رضى وابكِ على السيئة فإنها شينٌ . وما لا تحبُّ أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك . وإن لطم أحد خدَّك الأيمن فأعطه الأيسر. وتقرَّب إليَّ بالمودّة جهدك ، وأعرض عن الجاهلين .
يا عيسى : دُل لأهل الحسنة وشاركهم فيها وكن عليهم شهيداً ، وقل لظلمة بني إسرائيل : يا أخدان السوء إن لم تنتهوا أمسخكم قردةً وخنازير.
يا عيسى : قل لظلمة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فرقاً مني وأنتم بالضحك تهجرون أتتكم براءتي ؟ أم لديكم أمانٌ من عذابي ؟ أم تعرَّضون لعقوبتي ؟ فبي حلفت لأتركنكم مثلا للغابرين .
ثم أُوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين ، وحبيبي صاحب الجمل الأحمر والوجه الأزهر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس ، الحيي(1) المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين وسيد ولد آدم يوم يلقاني ، أكرم السابقين عليَّ ، وأقرب المسلمين مني ، العربي الأُمّي ، الديان بديني ، الصابر في ذاتي ، المجاهد للمشركين بذبّه عن ديني وأن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدّقوه وأن يؤمنوا به
ص: 370
وأن يتبعوه وينصروه . قال : إلهي من هو حتى أُرضيه ذلك الرضا ؟ قال : هو محمد رسول الله إلى الناس كافة وأقربهم مني منزلة وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي وطوبى لأُمته، إنهم لقّوني على سبيله يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء ، أمين ميمون طيب ، خير الباقين عندي ، يكون في آخر الزمان إذا خرج أرخت السماء عزاليها (1)وأخرجت زهرتها حتى يروا البركة وأُبارك لهم فيما وضع يده عليه، كثير الأزواج ، قليل الأولاد .
یا عیسی : كلما يقرّبك مني قد دللتك عليه ، وكلما يباعدك مني قد نهيتك عنه فارتد لنفسك .
يا عيسى : الدنيا حلوة وإنما استعملتك فيها فجانب منها ما حذَّرتك ، وخذ منها ما أعطيتك عفواً .
يا عيسى : انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطىء ، ولا تنظر في عمل غيرك ، كن فيها زاهداً ولا ترهب فيها فتعطب .
يا عيسى : أعقل وتفكر وانظر في نواحي الأرض كيف كان عاقبة الظالمين.
يا عيسى :كلُّ وصفي لك نصيحة ، وكلُّ قولى لك حق وأنا الحق المبين ، فحقاً أقول : لئن أنت عصيتني بعد أن أنبأتك ما لك من دوني ولي ولا نصير.
يا عيسى : أدّب قلبك بالخشية . وانظر إلى من أسفل منك ، ولا تنظر إلى من فوقك . واعلم أن رأس كل خطيئة وذنب هو حب الدنيا فلا تحبها فإني لا أُحبها.
يا عيسى : أطب لي قلبك وأكثر ذكري في الخلوات . واعلم أن سروري أن تبصبص إليَّ ، كن في ذلك حياً ولا تكن ميتاً .
یا عیسی : لا تشرك بي وكن مني على حذر ، ولا تغتر بالصحة ، ولا تغبط نفسك ، فإن الدنيا كفيء زائل وما أقبل منها كما أدبر ، فنافس في الصالحات جهدك ، وكن مع الحق وإن قطّعت وأُحرقت بالنار . فلا تكفر بي بعد المعرفة . ولا تكن مع الجاهلين فإن الشيء يكون مع الشيء .
ص: 371
يا عيسى : صُبَّ لي الدموع من عينيك . واخشع بقلبك .
يا عيسى : استغث لي في حال الشدّة ، فإني أُغيث المكروبين وأُجيب المضطرين ، وأنا أرحم الراحمين.
طوبى للمتراحمين أُولئك هم المرحومون يوم القيامة ، طوبى للمصلحين بين الناس اُولئك هم المقرَّبون يوم القيامة ، طوبى للمطهرة قلوبهم أُولئك يزورون الله يوم القيامة ، طوبى للمتواضعين في الدنيا أولئك يرثون منابر الملك يوم القيامة . طوبى للمساكين ولهم ملكوت السماء . طوبى للمحزونين هم الذين يسرُّون . طوبى للذين يجوعون ويظمئون خشوعاً هم الذين يسقون [ طوبى للذين يعملون الخير أصفياء الله يدعون] . طوبى للمسبوبين من أجل الطهارة ، فإن لهم ملكوت السماء . طوبى لكم إذا حسدتم وشتمتم وقيل فيكم كل كلمة قبيحة كاذبة حينئذ فافرحوا وابتهجوا ، فإن أجركم قد كثر في السماء .
وقال : يا عبيد السوء تلومون الناس على الظن ، ولا تلومون أنفسكم على اليقين . [ يا عبيد الدنيا تحبون أن يُقال فيكم ما ليس فيكم ، وأن يشار إليكم بالأصابع] . يا عبيد الدنيا تحلقون رؤوسكم وتقصّرون قمصكم وتنكسون رؤوسكم ولا تنزعون الغلّ من قلوبكم . يا عبيد الدنيا مثلكم كمثل القبور المشيّدة يعجب الناظر ظهرها وداخلها عظام الموتى مملوَّة خطايا.
يا عبيد الدنيا إنما مثلكم كمثل الِّسراج يضيء للناس ويحرق نفسه .
يا بني إسرائيل : زاحموا العلماء في مجالسهم ولو حبوا على الركب ، فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر.
يا بني إسرائيل : قلّة المنطق حكمٌ عظيم فعليكم بالصمت ، فإنه دعة حسنة وقلّة وزر وخفة من الذنوب ، فحصنوا باب العلم ، فإن بابه الصبر ، وإن الله يبغض الضّحاك من غير عجب، والمشَّاء إلى غير أدب ، ويحبُّ الوالي الذي يكون كالراعي لا يغفل عن رعيّته . فاستحيوا الله في سرائركم كما تستحيون الناس في علانيتكم
ص: 372
واعلموا أن كلمة الحكمة ضالة المؤمن فعليكم التمسك بها قبل أن ترفع ، ورفعها أن تذهب رواته .
يا صاحب العلم : عظِّم العلماء لعلمهم ودع منازعتهم ، وصغّر الجهال لجهلهم ولا تطردهم ولكن قرِّبهم وعلمهم . يا صاحب العلم : اعلم أن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ عليها.
يا صاحب العلم : اعلم أن كل معصية عجزت عن توبتها بمنزلة عقوبة تعاقب بها .
يا صاحب العلم : كربٌ(1)لا تدري متى تغشاك فاستعد لها قبل أن تفجأك.
وقال(عليه السلام)لأصحابه : أرأيتم لو أن أحداً مرَّ بأخي فرأى ثوبه قد انكشف عن عورته ، أكان كاشفاً عنها أم يردُّ على ما انكشف منها ؟ قالوا : بل يردُّ على ما انكشف منها، قال : كلّا بل تكشفون عنها ، فعرفوا أنه مثل ضربه لهم ، فقالوا : يا روح الله وكيف ذاك ؟ قال : ذاك الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها .
بحق أقول لكم : أُعلّمكم لتعلموا ولا أُعلمكم لتعجبوا بأنفسكم . إنكم لن تنالوا ما تريدون إلَّا بترك ما تشتهون . ولن تظفروا بما تأملون إلَّا بالصبر على ما تكرهون . إياكم والنظرة ، فإنها تزرع في القلوب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة .طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل قلبه في نظر عينه . لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب ، وانظروا في عيوبهم كهيئة عبيد الناس . إنما الناس رجلان : مبتلى ومعافى ، فارحموا المبتلى ، واحمدوا الله على العافية .
يا بني إسرائيل : أما تستحيون من الله ، أن أحدكم لا يسوغ له شرابه حتى يصفيه من القذى ولا يبالي أن يبلغ أمثال الفيلة من الحرام . ألم تسمعوا أنه قيل لكم في التوراة :« صلوا أرحامكم وكافئوا أرحامكم». وأنا أقول لكم : صلوا من قطعكم وأعطوا من منعكم وأحسنوا إلى من أساء إليكم وسلموا على من سبّكم ، وأنصفوا من خاصمكم واعفوا عمن ظلمكم ، كما أنكم تحبون أن يعفى عن إساءتكم ، فاعتبروا بعفو الله عنكم ، ألا ترون أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار منكم ، وأن مطره
ص: 373
ينزل على الصالحين والخاطئين منكم . فإن كنتم لا تحبون إلَّا من أحبكم ، ولا تحسنون إلَّا إلى من أحسن إليكم ولا تكافئون إلَّا من أعطاكم فما فضلكم إذاً على غيركم وقد يصنع هذا السفهاء الذين ليست عندهم فضول ولا لهم أحلام . ولكن إن أردتم أن تكونوا أحباء الله وأصفياء الله فأحسنوا إلى من أساء إليكم واعفوا عمن ظلمكم وسلموا على من أعرض عنكم ، إسمعوا قولي واحفظوا وصيتي وارعوا عهدي كيما تكونوا علماء فقهاء.
بحق أقول لكم : إن قلوبكم بحيث تكون كنوزكم - ولذلك الناس يحبون أموالهم وتتوق إليها أنفسهم - فضعوا كنوزكم في السماء حيث لا يأكلها السوس ولا ينالها اللصوص .
بحق أقول لكم : إن العبد لا يقدر على أن يخدم ربّين، ولا محالة أنه يؤثر أحدهما على الآخر وإن جهد ، كذلك لا يجتمع لكم حب الله وحب الدنيا. بحق أقول لكم : إن شر الناس لرجلٌ عالم آثر دنياه على علمه فأحبها وطلبها وجهد عليها حتى لو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل ، وماذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها ، كذلك لا يغني عن العالم علمه إذا هو لم يعمل به . ما أكثر ثمار الشجر وليس كلها ينفع ويؤكل ، وما أكثر العلماء وليس كلهم ينتفع بما علم ، وما أوسع الأرض وليس كلها تسكن ، وما أكثر المتكلمين وليس كلامهم يصدق ، فاحتفظوا من العلماء الكذبة الذين عليهم ثياب الصوف منكِّسو رؤوسهم إلى الأرض يزوِّرون به الخطايا يرمقون من تحت حواجبهم ، كما ترمق الذئاب وقولهم يخالف فعلهم ، وهل يجتنى من العوسج العنب ومن الحنظل التين ، وكذلك لا يؤثر قول العالم الكاذب إلَّا زوراً . وليس كل من يقول يصدق .
بحق أقول لكم : إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا ، وكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار ، ألم تعلموا أنه من شمخ برأسه إلى السقف شجَّه ، ومن خفض برأسه عنه استظل تحته وأكنَّه ، وكذلك من لم يتواضع الله خفضه ومن تواضع لله رفعه . إنه ليس على كل حال يصلح العسل في الزقاق(1)وكذلك القلوب ليس على كل حال تعمر الحكمة فيها ، إن الزق ما لم
ص: 374
ينخرق أو يقحل أو يتفل فسوف يكون للعسل وعاءاً ، وكذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات ويدنسها الطمع ويقسيها النعيم فسوف تكون أوعية للحكمة
بحق أقول لكم : إن الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة إلَّا أن يستدرك البيت الأول فيهدم من قواعده فلا تجد فيه النار معملاً ، وكذلك الظالم الأول لو يؤخذ على يديه لم يوجد من بعده إمام ظالم فيأتمون به كما لو لم تجد النار في البيت الأول خشباً وألواحاً لم تحرق شيئاً .
بحق أقول لكم : من نظر إلى الحية تؤم أخاه لتلدعه ولم يحذره حتى قتلته فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه ، دمه ، وكذلك من نظر إلى أخيه يعمل الخطيئة ولم يحذره عاقبتها حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه . ومن قدر على أن يغيّر الظلم ثم لم يغيره فهو كفاعله ، وكيف يُهاب الظالم وقد أمن بين أظهركم لا ينهى ولا يغيّر عليه ولا يؤخذ على يديه فمن أين يقصِّر الظالمون أم كيف لا يفترون ، فحسب أن يقول أحدكم : لا أظلم ومن شاء فليظلم ويرى الظلم فلا يغيره . فلو كان الأمر على ما تقولون لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا بأعمالهم حين تنزل بهم العثرة في الدنيا .
ويلكم يا عبيد السوء : كيف ترجون أن يؤمنكم الله من فزع يوم القيامة وأنتم تخافون الناس في طاعة الله وتطيعونهم في معصيته وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده .
بحق أقول لكم : لا يؤمن الله من فزع ذلك اليوم من اتخذ العباد أرباباً من دونه .
ويلكم يا عبيد السوء : من أجل دنيا دنية وشهوة ردية تفرِّطون في ملك الجنة ، وتنسون هول يوم القيامة .
ويلكم يا عبيد الدنيا : من أجل نعمة زائلة وحياة منقطعة تفرُّون من الله وتكرهون لقاءه ، فكيف يحبُّ الله لقاءكم وأنتم تكرهون لقاءه ، فإنما يحبُّ الله لقاء يحبُّ لقاءه ويكره لقاء من يكره لقاءه وكيف تزعمون أنكم أولياء الله من دون الناس وأنتم تفرّون من الموت وتعتصمون بالدنيا . فماذا يغني عن الميت طيب ريح حنوطه وبياض أكفانه وكل ذلك يكون في التراب ، كذلك لا يغني عنكم بهجة دنياكم التي زينت لكم ، وكل ذلك إلى سلب وزوال . ماذا يغني عنكم نقاء أجسادكم وصفاء ألوانكم وإلى الموت تصيرون وفي التراب تنسون وفي ظلمة القبر تغمرون .
ص: 375
ويلكم يا عبيد الدنيا تحملون السراج في ضوء الشمس وضوؤها كان يكفيكم ،وتدعون أن تستضيئوا بها في الظلم ، ومن أجل ذلك سخرت لكم ؛ كذلك استضأتم بنور العلم لأمر الدنيا وقد كفيتموه وتركتم أن تستضيئوا به لأمر الآخرة ، ومن أجل ذلك أُعطيتموه . تقولون : إن الآخرة حق وأنتم تمهدون الدنيا . وتقولون : إن الموت حق وأنتم تفرون منه وتقولون : إن الله يسمع ويرى ولا تخافون إحصاءه عليكم وكيف يصدقكم من سمعكم فإن من كذب من غير علم أعذر ممن كذب على علم وإن كان لا عذر في شيء من الكذب.
بحق أقول لكم : إن الدابة إذا لم ترتكب ولم تمتهن(1)وتستعمل لتصعب ويتغير خلقها وكذلك القلوب إذا لم ترفق بذكر الموت وتتبعها دؤوب العبادة تقسو وتغلظ .ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم، كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم وأجوافكم منه وحشة معطلة فأسرعوا إلى بيوتكم المظلمة فأنيروا فيها ، كذلك فأسرعوا إلى قلوبكم القاسية بالحكمة قبل أن ترين عليها الخطايا فتكون أقسى من الحجارة كيف يطيق حمل الأثقال من لا يستعين على حملها ، أم كيف تحط أوزار من لا يستغفر الله منها، أم كيف تنقى ثياب من لا يغسلها ، وكيف يبرأ من الخطايا من لا يكفرها ، أم كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة ، وكيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجد والاجتهاد ، وكيف يبلغ من يسافر بغير دليل ، وكيف يصير إلى الجنة من يبصر معالم الدين وكيف ينال مرضاة الله من لا يطيعه، وكيف يبصر عيب وجهه من لا ينظر في المرآة ، وكيف يستكمل حب خليله من لا يبذل له بعض ماعنده ، وكيف يستكمل حب ربه من لا يقرضه بعض ما رزقه ؟ !
بحق أقول لكم : إنه كما لا ينقص البحر أن تغرق فيه السفينة ولا يضره ذلك شيئاً كذلك لا تنقصون الله بمعاصيكم شيئاً ولا تضرونه بل أنفسكم تضرون وإياها تنقصون ، وكما لا ينقص نور الشمس كثرة من يتقلب فيها بل به يعيش ويحيى كذلك لا ينقص الله كثرة ما يعطيكم ويرزقكم بل برزقه تعيشون و به تحيون ، يزيد من شکره ، إنه شاكر عليم .
ص: 376
ويلكم يا أُجراء السوء الأجر تستوفون والرزق تأكلون والكسوة تلبسون والمنازل تبنون وعمل من استأجركم تفسدون ، يوشك رب هذا العمل أن يطالبكم فينظر في عمله الذي أفسدتم فينزل بكم ما يخزيكم ، ويأمر برقابكم فتجد من أصولها ويأمر بأيديكم فتقطع من مفاصلها، ثم يأمر بجثتكم فتجر على بطونها حتى توضع على قوارع الطريق حتى تكونوا عظة للمتقين ونكالاً للظالمين.
ويلكم علماء السوء : لا تحدثوا أنفسكم أن آجالكم تستأخر من أجل أن الموت لم ينزل بكم فكأنه قد حل بكم فأظعنكم ، فمن الآن فاجعلوا الدعوة في آذانكم، ومن الآن فنوحوا على أنفسكم ، ومن الآن فابكوا على خطاياكم ، ومن الآن فتجهزوا وخذوا أُهبتكم وبادروا التوبة إلى ربكم .
بحق أقول لكم : إنه كما ينظر المريض إلى طيّب الطعام فلا يلتذه مع ما يجده من شدة الوجع ، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب المال . وكما يلتذ المريض نعت الطبيب العالم بما يرجو فيه من الشفاء ، فإذا ذكر مرارة الدواء وطعمه كدر عليه الشفاء ، كذلك أهل الدنيا يلتذون ببهجتها وأنواع ما فيها فإذا ذكر ول فجأة الموت كدرها عليهم وأفسدها .
بحق أقول لكم : إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها ومنازلها وكذلك تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي لها منكم إلا من عمل بها .
ويلكم يا عبيد الدنيا : نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه يهنئكم أكله كذلك فأخلصوا الإيمان تجدوا حلاوته وينفعكم غبه.
بحق أقول لكم : لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضاتم به ولم يمنعكم منه ريح قطرانه كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها .
ويلكم يا عبيد الدنيا : لا كحكماء تعقلون ولا كحلماء تفقهون ولا كعلماء تعلمون ولا كعبيد أتقياء ولا كأحرار كرام توشك الدنيا أن تقتلعكم من اُصولكم فتقلبكم على وجوهكم ثم تكبكم على مناخركم ثم تأخذ خطاياكم بنواصيكم ويدفعكم العلم من خلفكم حتى يسلماكم إلى الملك الديان عراة فرادى فيجزيكم بسوء أعمالكم .
ويلكم يا عبيد الدنيا : أليس بالعلم أُعطيتم السلطان على جميع الخلائق
ص: 377
فنبذتموه فلم تعملوا به ، وأقبلتم على الدنيا فيها تحكمون ولها تمهدون وإياها تؤثرون وتعمرون ، فحتى متى أنتم للدنيا ، ليس الله فيكم نصيب .
بحق أقول لكم : لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون . فلا تنتظروا بالتوبة غداً ، فإن دون غد يوماً وليلة قضاء الله فيهما يغدو ويروح .
بحق أقول لكم : إن صغار الخطايا ومحقراتها لمن مكائد إبليس : يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجتمع فتكثر وتحيط بكم .
بحق أقول لكم : إن المدحة بالكذب والتزكية في الدين لمن رأس الشرور المعلومة وإن حب الدنيا لرأس كل خطيئة .
بحق أقول لكم : ليس شيء أبلغ في شرف الآخرة وأعون على حوادث الدنيا من الصلاة الدائمة ، وليس شيء أقرب إلى الرحمن منها فدوموا عليها واستكثروا منها ، وكل عمل صالح يقرب إلى الله فالصلاة أقرب إليه وآثر عنده .
بحق أقول لكم : إن كل عمل المظلوم الذي لم ينتصر بقول ولا فعل ولا حقد هو في ملكوت السماء عظيم . أيكم رأى نوراً اسمه ظلمة أو ظلمة اسمها نور كذلك لا يجتمع للعبد أن يكون مؤمناً كافراً ولا مؤثراً للدنيا راغباً في الآخرة . وهل زراع شعير يحصد قمحاً أو زراع قمح يحصد شعيراً ، كذلك يحصد كل عبد في الآخرة ما زرع ويجزى بما عمل .
بحق أقول لكم : إن الناس في الحكمة رجلان : فرجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله . ورجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله ، وشتان بينهما ، فطوبى للعلماء بالفعل وويل للعلماء بالقول .
بحق أقول لكم : من لا ينقي من زرعه الحشيش يكثر فيه حتى يغمره فيفسده وكذلك من لا يخرج من قلبه حب الدنيا يغمره حتى لا يجد لحب الآخرة طعماً .
ويلكم يا عبيد الدنيا : اتخذوا مساجد ربكم سجوناً لأجسادكم واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات .
بحق أقول لكم : إن أجزعكم على البلاء لأشدكم حباً للدنيا . وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا .
ص: 378
ويلكم يا علماء السوء : ألم تكونوا أمواتاً فأحياكم فلما أحياكم متم . ويلكم ألم تكونوا أُميين فعلمكم ، فلما علمكم نسيتم . ويلكم ألم تكونوا جفاة ففقهكم الله، فلما فقهكم جهلتم . ويلكم ألم تكونوا ضلالاً فهداكم ، فلما هداكم ضللتم . ويلكم ألم تكونوا عمياً فبصركم ، فلما بصركم عميتم .
ويلكم ألم تكونوا صماً فأسمعكم فلما أسمعكم صممتم . ويلكم ألم تكونوا بكماً فأنطقكم . فلما أنطقكم بكمتم . ويلكم ألم تستفتحوا ، فلما فتح لكم نكصتم على أعقابكم. ويلكم ألم تكونوا أذلة فأعزكم ، فلما عززتم قهرتم واعتديتم وعصيتم ، ويلكم ألم تكونوا مستضعفين في الأرض تخافون أن يختطفكم الناس فنصركم وأيدكم ، فلما نصركم استكبرتم وتجبرتم . فيا ويلكم من ذل يوم القيامة كيف يهينكم ويصغركم .
ويا ويلكم يا علماء السوء : إنكم لتعملون عمل الملحدين وتأملون أمل الوارثين وتطمئنون بطمأنينة الآمنين وليس أمر الله على ما تمنون وتتخيرون بل للموت تتوالدون وللخراب تبنون وتعمرون وللوارثين تمهدون .
بحق أقول لكم : إن موسى(عليه السلام)كان يأمركم أن لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ولكن قولوا : لا ونعم ، يا بني إسرائيل عليكم بالبقل البري وخبز الشعير ، وإياكم وخبز البر ، فإني أخاف عليكم أن لا تقوموا بشكره .
بحق أقول لكم : إن الناس معافي ومبتلى فاحمدوا الله على العافية وارحموا أهل البلاء.
بحق أقول لكم : إن كل كلمة سيئة تقولون بها تعطون جوابها يوم القيامة.
يا عبيد السوء : إذا قرب أحدكم قربانه ليذبحه فذكر أن أخاه واجد عليه فليترك قربانه وليذهب إلى أخيه فليرضه ثم ليرجع إلى قربانه فليذبحه.
يا عبيد السوء : إن أخذ قميص أحدكم فليعط رداءه معه . ومن لطم خده منكم فليمكن من خده الآخر . ومن سخر منكم ميلا فليذهب ميلا آخر معه.
بحق أقول لكم : ماذا يغني عن الجسد إذا كان ظاهره صحيحاً وباطنه فاسداً . وما تغني عنكم أجسادكم إذا أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم . وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة .
ص: 379
بحق أقول لكم : لا تكونوا كالمنخل يخرج الدقيق الطيب ويمسك النخالة كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم .
بحق أقول لكم : ابدؤوا بالشر فاتركوه ثم اطلبوا الخير ينفعكم ، فإنكم إذا جمعتم الخير مع الشر لم ينفعكم الخير .
بحق أقول لكم : إن الذي يخوض النهر لا بد أن يصيب ثوبه الماء وإن جهد أن لا يصيبه كذلك من يحب الدنيا لا ينجو من الخطايا .
بحق أقول لكم : طوبى للذين يتهجدون من الليل أُولئك الذين يرثون النور الدائم من أجل أنهم قاموا في ظلمة الليل على أرجلهم في مساجدهم ، يتضرعون إلى ربهم رجاء أن ينجيهم في الشدة غداً .
بحق أقول لكم : إن الدنيا خلقت مزرعة تزرع فيها العباد الحلو والمر والشر والخير ، والخير له مغبة نافعة الحساب والشر له عناء وشقاء يوم الحصاد .
يوم بحق أقول لكم : إن الحكيم يعتبر بالجاهل ، والجاهل يعتبر بهواه . أُوصيكم أن تختموا على أفواهكم بالصمت حتى لا يخرج منها ما لا يحل لكم. بحق أقول لكم : إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون ، ولا تبتغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون .
بحق أقول لكم : يا عبيد الدنيا كيف يدرك الآخرة من لا تنقص شهوته من الدنيا ولا تنقطع منها رغبته .
بحق أقول لكم : يا عبيد الدنيا ما الدنيا تحبون ولا الآخرة ترجون ، لو كنتم تحبون الدنيا أكرمتم العمل الذي به أدركتموها ولو كنتم تريدون الآخرة عملتم عمل من يرجوها .
بحق أقول لكم : يا عبيد الدنيا إن أحدكم يبغض صاحبه على الظن ولا يبغض نفسه على اليقين .
بحق أقول لكم : إن أحدكم ليغضب إذا ذكر له بعض عيوبه وهي حق ، ويفرح إذا مدح بما ليس فيه .
بحق أقول لكم : إن أرواح الشياطين ما عمرت في شيء ما عمرت في
ص: 380
قلوبكم . فإنما أعطاكم الله الدنيا لتعملوا فيها للآخرة ولم يعطكموها لتشغلكم عن الآخرة وإنما بسطها لكم لتعلموا أنه أعانكم بها على العبادة ولم يعنكم بها على الخطايا وإنما أمركم فيها بطاعته ولم يأمركم فيها بمعصيته ، وإنما أعانكم بها على الحلال ولم يحل لكم بها الحرام، وإنما وسعها لكم لتواصلوا فيها ولم يوسعها لكم لتقاطعوا فيها .
بحق أقول لكم : إن الأجر محروص عليه ولا يدركه إلا من عمل له .
بحق أقول لكم : إن الشجرة لا تكمل إلا بثمرة طيبة ، كذلك لا يكمل الدين إلا بالتحرج عن المحارم(1)
بحق أقول لكم : إن الزرع لا يصلح إلا بالماء والتراب ، كذلك الإيمان لا يصلح إلا بالعلم والعمل .
بحق أقول لكم : إن الماء يطفىء النار ، كذلك الحلم يطفىء الغضب .
بحق أقول لكم : لا يجتمع الماء والنار في إناء واحد، كذلك لا يجتمع الفقه والعمى في قلب واحد .
بحق أقول لكم : إنه لا يكون مطر بغير سحاب ، كذلك لا يكون عمل في مرضاة الرب إلا بقلب نقي .
بحق أقول لكم : إن الشمس نور كل شيء وإن الحكمة نور كل قلب ، والتقوى رأس كل حكمة ، والحق باب كلِّ خير ورحمة الله باب كلِّ حقّ ، ومفاتيح ذلك الدعاء والتضرع والعمل ، وكيف يفتح باب بغير مفتاح .
بحق أقول لكم : إن الرجل الحكيم لا يغرس شجرة إلپَا شجرة يرضاها ولا يحمل على خيله إلا فرساً يرضاه ، كذلك المؤمن العالم لا يعمل إلا عملاً يرضاه ربه.
بحق أقول لكم : إن الصقالة تصلح السيف وتجلوه ، كذلك الحكمة للقلب تصقله وتجلوه ، وهي في قلب الحكيم مثل الماء في الأرض الميتة تحيي قلبه كما الماء الأرض الميتة ؛ وهي في قلب الحكيم مثل النور في الظلمة يمشي بها في يحيي الناس .
ص: 381
من
بحق أقول لكم : إن نقل الحجارة من رؤوس الجبال أفضل من أن تحدث من لا يعقل عنك حديثك ، كمثل الذي ينقل الحجارة لتلين وكمثل الذي يصنع الطعام لأهل القبور ، طوبى لمن حبس الفضل من قوله الذي يخاف عليه المقت من ربه ولا يحدث حديثاً إلا يفهم ولا يغبط أمراً في قوله حتى يستبين له فعله . طوبى لمن تعلم العلماء ما جهل . وعلّم الجاهل مما علم . طوبى لمن عظم العلماء لعلمهم وترك منازعتهم وصغر الجهال لجهلهم ولا يطردهم ولكن يقربهم ويعلمهم .
بحق أقول لكم : يا معشر الحواريين إنكم اليوم في الناس كالأحياء من الموتى فلا تموتوا بموت الأحياء.
وقال المسيح : يقول الله تبارك وتعالى يحزن عبدي المؤمن أن أصرف عنه الدنيا وذلك أحب ما يكون إلي وأقرب ما يكون مني، ويفرح أن أُوسع عليه في الدنيا وذلك أبغض ما يكون إلي وأبعد ما يكون مني .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً .
أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . اتقوا الله وقولوا قولاً معروفاً . وابتغوا رضوان الله واخشوا سخطه . وحافظوا على سنة الله ولا تتعدوا حدود الله . وراقبوا الله في جميع أموركم . وارضوا بقضائه فيما لكم وعليكم .
ألا وعليكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ألا ومن أحسن إليكم فزيدوه إحساناً واعفوا عمن أساء إليكم . وافعلوا بالناس ما تحبوه أن يفعلوه بكم.
ألا وخالطوهم بأحسن ما تقدرون عليه وإنكم أحرى ألا تجعلوا عليكم سبيلاً عليكم بالفقه في دين الله والورع عن محارمه وحسن الصحابة لمن صحبكم برا كان أو فاجراً .
ألا وعليكم بالورع الشديد ، فإن ملاك الدين الورع . صلوا الصلوات لمواقيتها وأدوا الفرائض على حدودها .
ص: 382
ألا ولا تقصروا فيما فرض الله عليكم وبما يرضى عنكم . فإني سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : «تفقهوا في دين الله ولا تكونوا أعراباً ، فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة». وعليكم بالقصد في الغنى والفقر . واستعينوا ببعض الدنيا على الآخرة ، فإني سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : «استعينوا ببعض هذه على هذه ولا تكونوا كلا على الناس . عليكم بالبر بجميع من خالطتموه . وحسن الصنيع إليه .
ألا وإياكم والبغي ، فإن أبا عبد الله(عليه السلام)كان يقول : «إن أسرع الشر عقوبة البغي» . أدوا ما افترض الله عليكم من الصلاة والصوم وسائر فرائض الله وأدّوا الزكاة المفروضة إلى أهلها فإن أبا عبد الله(عليه السلام)قال :«يا مفضل قل لأصحابك يضعون الزكاة في أهلها وإني ضامن لما ذهب لهم ». عليكم بولاية آل محمد الله أصلحوا ذات بينكم ولا يغتب بعضكم بعضاً . تزاوروا وتحابوا وليحسن بعضكم إلى بعض . وتلاقوا وتحدثوا ولا يبطنن بعضكم عن بعض وإياكم والتصارم وإياكم والهجران فإني سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : «والله لا يفترق رجلان من شيعتنا على الهجران إلا برئت من أحدهما ولعنته وأكثر ما أفعل ذلك بكليهما ، فقال له معتب(1): جعلت فداك هذا الظالم فما بال المظلوم ؟ قال : لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته ، سمعت أبي وهو يقول :« إذا تنازع اثنان من شيعتنا ففارق أحدهما الآخر فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتى يقول له : يا أخي أنا الظالم حتى ينقطع الهجران فيما بينهما، إن الله تبارك وتعالى حكم عدل يأخذ للمظلوم من الظالم »لا تحقروا ولا تجفوا فقراء شيعة آل محمد(عليه السلام)وألطفوهم وأعطوهم من الحق الذي جعله الله لهم في أموالكم وأحسنوا إليهم . لا تأكلوا الناس بآل محمد ، فإني سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : «افترق الناس فينا على ثلاث فرق : فرقة أحبونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا ، فقالوا وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا ، فسيحشرهم الله إلى النار . وفرقة أحبونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا ، ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم ناراً يسلط عليهم الجوع والعطش . وفرقة أحبونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا ولم يخالفوا فعلنا فأولئك منا ونحن منهم ولا تدعوا صلة آل محمد(عليه السلام)من أموالكم : من كان غنياً فبقدر غناه
ص: 383
ومن كان فقيراً فبقدر فقره ، فمن أراد أن يقضي الله له أهم الحوائج إليه فليصل آل محمد وشيعتهم بأحوج ما يكون إليه من ماله . لا تغضبوا من الحق إذا قيل لكم . ولا تبغضوا أهل الحق إذا صدعوكم به ، فإن المؤمن لا يغضب من الحق إذا صدع به.
وقال أبو عبد الله(عليه السلام)مرة وأنا معه : يا مفضل كم أصحابك ؟ فقلت : قليل ، فلما انصرفت إلى الكوفة أقبلت علي الشيعة فمزقوني كل ممزق : يأكلون لحمي ويشتمون عرضي حتى إن بعضهم استقبلني فوثب في وجهي وبعضهم قعد لي في سكك الكوفة يريد ضربي ، ورموني بكل بهتان حتى بلغ ذلك أبا عبد الله(عليه السلام)فلما رجعت إليه في السنة الثانية كان أول ما استقبلني به بعد تسليمه عليّ أن قال : يا مفضل ما هذا الذي بلغني إن هؤلاء يقولون لك وفيك ؟ قلت : وما علي من قولهم، قال :« أجل بل ذلك عليهم ، أيغضبون بؤس لهم ، أنك قلت : إن أصحابك قليل لا والله ما هم لنا شيعة ولو كانوا شيعة ما غضبوا من قولك وما اشمأزوا منه ، لقد وصف الله شيعتنا بغير ما هم عليه ، وما شيعة جعفر إلا من كف لسانه وعمل لخالقه ورجا سيده وخاف الله حق خيفته ، ويحهم أفيهم من قد صار كالحنايا من كثرة الصلاة ، أو قد صار كالتائه من شدة الخوف أو كالضرير من الخشوع ، أو كالضني من الصيام ، أو كالأخرس من طول الصمت والسكوت ، أو هل فيهم من قد أدأب ليله من طول القيام وأدأب نهاره من الصيام ، أو منع نفسه لذات الدنيا ونعيمها خوفاً من الله وشوقاً إلينا - أهل البيت - أنى يكونون لنا شيعة وإنهم ليخاصمون عدونا فينا حتى يزيدوهم عداوة وإنهم ليهرون هرير الكلب ويطمعون طمع الغراب ، وأما إني لولا أنني أتخوف عليهم أن أُغريهم بك لأمرتك أن تدخل بيتك وتغلق بابك ثم لا تنظر إليهم ما بقيت ولكن إن جاؤوك فاقبل منهم ، فإن الله قد جعلهم حجة على أنفسهم واحتج بهم على غيرهم» .
لا تغرنكم الدنيا وما ترون فيها من نعيمها وزهرتها وبهجتها وملكها فإنها لا تصلح لكم ، فوالله ما صلحت لأهلها . والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين
تم الكتاب بعون الملك الوهاب
ص: 384
تأليف الشيخ الثقة الجليل الأقدم
صاحب تُحفُ العُقُول
أبو محمّد الحسن بن عليّ بن الحسين این شعبَة الحرّاني ( رحمه الله)
من أعلام القرن الرابع
ص: 385
ص: 386
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال الله تعالى في كتابه الكريم :﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾(1)
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾(2).
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾(3).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ ......﴾(4).
﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ . . .﴾(5).
﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا . . .﴾ (6).
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾(7).
ص: 387
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ . . . ﴾(1).
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾(2).
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾(3).
﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾(4).
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (5).
﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ . . . ﴾(6).
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾(7).
﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ﴾(8).
﴿وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (9).
ص: 388
الحمد لله الذي جعل البلايا تمييزاً للطيّبين عن الخبيثين(1)، ونكالاً للظالمين ،وجعل تقلّبات الأحوال ، اختباراً لطويّات الرجال ، فمن دار فناء وزوال ، قد ملئت بالهموم والغموم ، وعجّت بالمحن والآلام، إلى ارتحال وانتقال ، ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾(2)، فالشقيّ من غرّته ولم يعتبر بمن سكنها قبله من الماضين ، كانوا أطول أعماراً ، وأبقى آثاراً ، وأبعد آمالاً ، والسعيد من اعتبر بها ، واستفاد من تجاربها ، فصغرت في عينه وهانت عليه ، وأحبّ مجاورة الجليل في داره ، وسكنى الفردوس في جواره .
وصلّى الله على أشدّ الناس ابتلاء ، وأكثرهم صبراً على إيذاء ، وأوفرهم شكراً على ما جرى به القضاء ، محمّد وآله الأوصياء الأصفياء ، الحجج على العباد ، والهادين للرشاد ، والعدّة للمعاد﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾(3).
واللعنة الدائمة على أعدائهم الأخسرين﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾(4)، وفي الآخرة ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾(5).
ص: 389
عبر تاريخ الإنسانيّة الطويل ، ومنذ فجر النبوّات ، بدأ الصراع المرير ، بين الحقّ وجيوش الأباطيل ، بين الخير وقوى الشرّ والضلال ، بين النور وجحافل الظلام ، فعاش الإنسان طوال آلاف السنين ، تحت سياط الجلّادين ، وفي دياجير السجون ، قد أُثقلت كواهل المساكين والمستضعفين ، بالحروب والويلات ، والخراب والدمار ، فأُبيدت أُمم وشعوب ، واستعبدت أجيال تلو أجيال ، فضجّت الأرض تستصرخ بارئها بما تئنُّ من جراح ، وتستغيث من مباضع الحراب والسيوف والرماح ، ولولا بوارق أمل وومضات ، تشعّ بين الحين والحين من هدي السماء عبر الرسالات ، وإمداد التابعين بالصبر والإيمان وسيل الشحنات ، لمَا كان للحياة مذاق فتطاق ، ولا للعيش طعم واشتياق .
فأصحاب الشرائع كانوا دوماً محاربين ، وأتباعهم مضطهدين مسحوقين ، إلّا أنّهم لما يصابون من مصائب صابرون ، وبما يرميهم الأعداء من نوائب قانعون ، بل فرحون بما آتاهم الله من فضله وهم يستبشرون ، وللجنّة يشتاقون ، لما تكشّفت في قلوبهم حقائق الإيمان ، وتجلّت لهم بدائع آيات الرحمن ، وما أعدّ لهم من الخيرات في الجنان .
فالدنيا للمؤمنين ليست بدار بقاء ومقام ، إنما دار تمحيص وامتحان﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ،وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾(1)
فكلّما كانت البلوى والإختبار أعظم ، كانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألم يأت عن الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم): «ما أُوذي أحد مثل ما أُوذيت»(2)وورد عن الصادق(عليه السلام): «إنّ أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الذين يلونهم ثمّ الأمثل فالأمثل»(3)من الأوصياء والأولياء ،الذين نزلت أنفسهم منهم في البلاء ، كما نزلت في الرخاء ، فهم بالغنى غير فرحين ، وبالفقر غير معتمّين ثمّ إنّ البلاء على أنواع وأحوال :
ص: 390
فمرّة يكون للعقاب والنكال لما اقترفه المرء من الموبقات ، فيبتلى بالأمراض والعاهات ، أو تلف الأهل والأولاد ، وجار سوء وتنغيص اللّذات ، أو تسلّط سلطان فيُفرّق الأحباب ويشتّت الجماعات ، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «إنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيّئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات ...»(1)مشيراً إلى ما ورد في الذكر الحكيم : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بشيء مِنَ الخوف والجوع ونقص مِنَ الأموال والأنفس والثمرات ...﴾ (2)أو في قوله سبحانه :﴿ ولقد أخَذْنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ..﴾. (3) وهذا ديدن الدنيا ، فكم جمحت بطالبها وأردت راكبها ، وخانت الواثق بها ، وأزعجت المطمئنّ إليها ، فلا تدوم أحوالها ، ولا يسلم نُزّالها ، فجمعها إلى انصداع ، ووصلها إلى انقطاع .
ومرّة يكون البلاء تمحيصاً للذنوب ورفعاً للدرجات ﴿وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين﴾ (4)وقد قال الإمام علي(عليه السلام): «الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم ، لتسلم بها طاعاتهم ويستحقّوا عليها ثوابها»(5).
وقال أيضاً : «ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجاً للتكبّر من قلوبهم ، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبواباً إلى فضله»(6).
ولهذا استخلص الجليل سبحانه المؤمنين للآخرة ، واختار لهم الجزيل ممّا لديه من النعيم المقيم ، الّذي لا زوال له ولا اضمحلال ، لصبرهم على البلاء ، ورضاهم بالقضاء ، وشكرهم النعماء ، إذ إنّ الصبر أوّل درجات الإيمان ، فإذا ترقّى العبد في إيمانه بلغ منزلة الرضا بالقضاء ، وإذا ازداد في سلّم الإيمان عُلوّاً وسموا وصعوداً ، أصبح شاكراً لربّه على البلاء .
ص: 391
فالأولياء الصالحون لن يكونوا مؤمنين إلَّا كما وصفهم الإمام الكاظم(عليه السلام)مخاطباً : «حتى تعدّوا البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة ، وذلك أنّ الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء»(1)
وهذه منزلة مَن خَبَرَ الدنيا وعرف أحوالها ، فعلم أنّها سوق ،ربح فيها قوم يبتغون فيما آتاهم الله الدار الآخرة ، وخسر آخرون ممّن كانوا ﴿يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون﴾ (2)ف- «ما الدنيا والآخرة إلّا ككفتي ميزان ، فأيّهما رجح ذهب بالآخر» (3)أو كما جاء عن الهداة (عليه السلام) «إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان فمن أحبّ الدنيا وتولّاها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب.. كلّما قرب من واحد بعد عن الآخر» (4)فلا يستقيم حبّهما في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد.
ولهذا كان الإمام الباقر(عليه السلام)يدعو بهذا الدعاء : «ولا تجعل الدنيا علىَّ سجناً ، ولا تجعل فراقها عليَّ حزناً »(5).
فكان الأئمة الميامين سلام الله عليهم أجمعين ، دائماً يرشدونا - بهديهم وسنّتهم وأقوالهم وأفعالهم - لواضح الطريق لئلا نزلّ بأوزار المسير ، فنسقط في رمضاء الهجير أو لهب السعير ، ويحذّرونا صولة الدهر ، وفحش تقلّب الليالي والأيّام ، فلا نركن إليها أبداً ، ولا نغترّ منها بمحالات الأحلام والآمال ، ولا نخدع بزور الأمانيّ الطوال .
ثمّ إنّهم - عليهم الصلاة والسلام - أناروا القلوب ، وشرحوا الصدور ، وأوضحوا بأنّ مَنْ لم يبتل فهو عند الله مبغوض ، فقد جاء عنهم(عليه السلام)
« إذا رأيت ربّك يوالي عليك البلاء فاشكره ، وإذا رأيته يتابع عليك النعم فاحذره»(6).
والله سبحانه يتعاهد عباده المؤمنين بالبلاء ، كما يتعاهد المسافر عياله بأنواع
ص: 392
الهدايا والطرف - كما جاء في الخبر(1)، ولولا أن يرتاب بعض ضعاف النفوس لجعل الله﴿ لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾(2)ولهذا خصّ الآخرة خالصة للمؤمنين ﴿ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾(3)، وأمّا الدنيا فهم فيها مبتلون ، ليسمع دعاء أحبّائه حين يمسون وحين يصبحون ، وفي خلواتهم - مع حبيبهم - يتناجون ، وبالأسحار هم يستغفرون .
ولذا جعل سبحانه الفقر - مثلاً - بمنزلة الشهادة ، كما ورد عن أهل بيت العصمة(عليهم السلام): «ولا يعطيه من عباده إلّا من أحبّ»(4)ثمّ إنّ الرجل منهم ليشفع لمثل ربيعة ومضر(5)لما صبروا وشكروا ، ولما زرعوا للآخرة من الباقيات الصالحات فحصدوا ما بذروا ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ...﴾ (6).
وفي الخبر(7)أنّ النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) رأى فاطمة الزهراء(عليها السلام)«وعليها كساء من أجلّة الإبل ، وهي تطحن بيديها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله سيدات فقال : يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة ، فقالت : يا رسول الله ، الحمد لله على نعمائه ، والشكر الله على آلائه ، فأنزل الله سبحانه : ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ (8).
فمن جعلت الدنيا سجنه ، كانت الآخرة جنّته ، ولهذا ورد في الخبر أنّ آخر من يدخل الجنّة من الأنبياء سليمان ، لما أُعطي في الدنيا من النعيم والملك العظيم(9)، بينما جاء في الحديث عن المبتلين :« إذا نشرت الدواوين ، ونصبت الموازين ، لم
ص: 393
ينصب لأهل البلاء ميزان ، ولم ينشر لهم ديوان»(1)﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾(2)
فالصبر مطيّة النجاة ، وقد ذهب الصابرون المتّقون بعاجل الدنيا وآجل الآخرة ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾(3)، والعكس والعكس صحيح كما جاء في حديث أمير المؤمنين(عليه السلام):« إن جعلت دينك تبعاً لدنياك ، أهلكت دينك ودنياك وكنت في الآخرة من الخاسرين»(4)، فما قدّمت فلا تجازي إلَّا به ، وما أخرت فللوارثين ، ولا تخرج من دنياك إلّا صفر اليدين ، قد أثقلت ظهرك بالأوزار الثقال ، التي تنوء بها كالجبال.
وكتاب التمحيص هذا يكشف لك آفاقاً روحيّة جديدة ، تزيدك إيماناً واطمئناناً ، بأنّ الدار الآخرة لهي الحيوان ، وقد استقى مؤلّفه أخباره من عين صافية ، لا شوب فيها ولا لاغية ، إنّما هي من معين الرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ومنهل أبناء فاطمة البتول(عليها السلام)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فأقوالهم كقلائد العقيان ، على جيد الزمان ، بل كأقراط الحسان ، تقلّدتها القيان ، فتُبهّرنا لآليهم حقيقة الوجود ، وما يمنح الموجود ، وما أعد الله للمؤمنين الصابرين في دار الخلود.
فطوبى لمن نال من الله الرضوان ، وهرب من لهيب النيران ، بالصبر والقناعة وإطاعة الديّان .
وطوبى لمن لبّى دعوة ربّه ، واستيقن بلقاء محمّد وحزبه ، فطابت نفسه وقرّت عينه بهذا الإطمئنان.
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِيوَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾(5).
ص: 394
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله المتفرّد بآلائه ، المتفضّل بنعمائه ، العدل في قضائه ، الذي محّص بالإختبار عن أوليائه ، وأملى(1)بالإستدراج لأعدائه ، وجعل امتحانه لمن عرفه أدباً ولمن أنكره غضباً .
وصلّى الله على ساداتنا وأئمتنا : محمد نبيّه وصفيّه وآله المصطفين الأخيار ، المعصومين الأبرار ، وسلّم عليهم تسليماً .
ولمّا رأيت ما شملني والعصابة المهديّة(2)من الإختبار واللأواء والتمحيص والإبتلاء في باب معيشتها ، وتصرّف أحوال الدنيا بها، والإمتحان(3)، رفعاً من الله الكريم بها ، وحسن نظر منه(4) لها .
وكرهت أن يخرج ذلك دين من لم يعرف موقع الفضل والعدل فيه ، والمنّة عليه به ، ويقدح في اعتقاد من لم يتصل به ما اتّصل بي.
وعلمت بغمز(5)ما قاله النبيّ والوصيّ والأئمة - صلوات الله عليهم أجمعين - في هذا المعنى ، وما ذكروه من أحوال شيعتهم [و] مسارعة البلاء إليهم تمحيصاً عنهم ، وكفّارات(6)لذنوبهم ، وما بشّروهم به من حميد العواقب فيه ، ونبّهوا عليه من
ص: 395
تفضّل(1)الله عليهم بذلك منّاً منه ورحمة ، عملت هذا الكتاب وترجمته :
واشتققت ترجمته من معناه ، وذكرت فيه وجوه الإختبار(2)من الله جلّ ثناؤه لعباده المؤمنين ، وتمحيصه عن أوليائه الموحّدين .
وأضفت إليه ما جانسه ، وضممت إليه ما شاكله ، وضممت إليه ما شاكله من الصبر ، والرضا ، والزهد فيما يفنى(3)لتكمل الفائدة ، ويعمّ النفع فيكون ذلك درساً لعالمينا ، وفائدة لمتعلّمينا ، ومقوياً يقين من ضعف يقينه منّ ، ومسلياً عن حطام الدنيا ، ومبشراً بسرور الأُخرى ، وكاشفاً عمّن اتصل غمّه ، وملكه همّه ليرجع إلى ربّه ، ويثق بوعد إمامه(4)، فيكمل الله أجره ، ويجزل ذخره .
فمن نظر فيه من إخواننا - كثّرهم الله وحرسهم - ورأى فيه خللاً أصلحه ، أو نقصاً تمّمه متوخّياً(5)بذلك جزيل الثواب في وقت الإياب إن شاء الله.
وبه الثقة ، وعليه توّكلت ، وهو حسبي ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
ص: 396
1 - حدّثني أبو علي محمد بن همام(1)، قال : حدّثني عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدّثنا أحمد وعبد الله إبنا محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، وكرام ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال :
كان عليّ(عليه السلام)يقول : إنّ البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي(2).
2 - عن كثير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : الجوع ، والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض البراذين(3)
3 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لو أنّ مؤمناً على لوح لقيّض الله له منافقاً يؤذيه(4).
ص: 397
4 - عن إسحاق بن عمّار ، قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): ما كان ، ولا يكون ،وليس بكائن مؤمن إلّا وله جار يؤذيه ، ولو أنّ مؤمناً في جزيرة من جزائر البحر(1)لا بتعث الله من يؤذيه(2).
5 - عن أبي عبيدة الحذّاء قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): يا زياد إنّ الله يتعهّد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهّد الغائب أهله بالهديّة ، ويحميه الدّنيا كما
يحمي الطبيب المريض(3).
6 - عن زيد الشحّام عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها ، وإنّ عظيم الأجر مع عظيم البلاء ، وما أحبّ الله قوماً إلّا ابتلاهم(4).
7- عن يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول : ملعون كلّ بدن لا يصاب في كلّ أربعين يوماً ، قلت : ملعون ؟ ! قال : ملعون ، قلت : ملعون ؟ ! قال : ملعون ، فلما رآني قد عظم ذلك عليّ قال :
يا يونس إنّ من البليّة الخدشة ، واللطمة ، والعشرة ، والنكبة ، والهفوة، وانقطاع الشسع ، واختلاج العين ، وأشباه ذلك ، إنّ المؤمن أكرم على الله من أن يمرّ عليه أربعون يوماً لا يمحصه فيها [من] ذنوبه ، ولو بغمّ يصيبه لايدري ما وجهه .
والله إنّ أحدكم ليضع الدراهم بين يديه فيزنها فيجدها ناقصة ، فيغتمّ بذلك ثمّ يعيد وزنها ، فيجدها سواء فيكون ذلك حطّاً لبعض ذنوبه(5).
ص: 398
8- عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن موسى(عليه السلام)قال : المؤمن مثل كفّتي الميزان ، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه(1).
9 - عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : سمعته يقول : إنّ الله جعل المؤمنين في دار الدنيا غرضاً لعدوّهم(2).
10 - عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): يا أبا حمزة ما كان ولن يكون مؤمن إلا وله بلايا أربع :
إمّا أن يكون جار يؤذيه ، أو منافق يقفو أثره ، أو مخالف یری قتاله جهاراً ، أو من (مؤمن/خ) يحسده .
ثمّ قال : أما إنّه أشدّ الأربعة عليه ، لأنّه يقول فيصدّق عليه ، ويقال : هذا رجل من إخوانه فما بقاء (ممانعاً خ) المؤمن بعد هذا (هذه/خ)(3).
11 - عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): لا يبقى المؤمن أربعين صباحاً لا يتعهّده الربّ بوجع في جسده ، أو ذهاب مال ، أو مصيبة يأجره الله عليها(4).
12 - عن ذريح قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : كان علي بن - الحسين(عليه السلام)يقول : ما احب للمؤمن معافا في الدنيا ، وفي نفسه وماله (ولا يصاب بشيء)(5)من المصائب(6).
13 - عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال : لو يعلم المؤمن ما له
ص: 399
في المصائب من الأجر لتمنّى أن يقرض بالمقاريض(1) .
14 - عن عبد الله بن المبارك قال : سمعت جعفر بن محمد(عليه السلام)يقول : إذا أُضيف البلاء إلى البلاء كان من البلاء عافية(2).
15 - عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إن أصابكم تمحيص فاصبروا ، فإنّ الله يبتلي المؤمنين(3)، ولم يزل إخوانكم قليلاً ، ألا(4)وإنّ أقلّ أهل المحشر المؤمنون(5).
16 - عن معاوية بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : ما من مؤمن إلّا وهو يذكّر البلاء(6)يصيبه في كلّ أربعين يوماً أو بشيء من ماله وولده ، ليأجره الله عليه ، أو بهمّ لا يدري من أين هو(7)؟
17 - عن أبي الحسن الأحمسي ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): إنّ الله ليتعهّد عبده المؤمن بأنواع البلاء كما يتعهّد أهل البيت سيّدُهم بطُرف الطعام .
ثمّ قال : (ويقول الله جلّ جلاله): وعزّتي وجلالي وعظمتي وبهائي إنّي لأحمي ولیّي أن (8)أُعطيه في دار الدنيا شيئاً يشغله عن ذكري حتّى يدعوني فأسمع صوته.
وإنّي لأُعطي الكافر مُنيته حتّى لا يدعوني فأسمع صوته بغضاً له(9).
18 - عن أبي سيّار(10)رواه عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إذا ابتلي المؤمن كان
ص: 400
كفّارة (له) لما مضى من ذنوبه ، ويستغيث(1)فيما بقي .
19 - عن ابن مسكان عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول : من عرّض بنفسه أعان عليها ومن ابتلى - وهو مارّ (2)مقرّ لم يحدث حدثاً ولم يجرم جرماً - كان تمحيصاً له في الدنيا ، وأثابه الله تعالى في الآخرة أحسن ثواب .
20 - عن الحسن بن محبوب ، عن زيد ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : (إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء )(3)، وإذا أحبّ الله عبداً ابتلاه بعظيم البلاء ، فمن رضي فله عند الله الرضا، ومن سخط فله السخط(4).
21 - (قال /خ) عن يونس ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): من أكل ما يشتهي ، ولبس ما يشتهي لم ينظر الله إليه حتى ينزع أو يترك(5).
22 - عن جابر : أن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم) قال : مثل المؤمن (مثل السنبلة تخرّمرّة وتستقيم أُخرى)(6)ومثل الكافر مثل الأرزة لا يزال مستقيماً(7).
23 - قيل عن أبي سعيد الخدري : أنه وضع يده على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وعليه حمى فوجدها من فوق اللحاف ، فقال : ما أشدّها عليك يا رسول الله ؟! قال : إنّا كذلك يشتدّ علينا البلاء ويضعّف لنا الأجر.
قال : يا رسول الله أيّ الناس أشدّ بلاء ؟ قال : الأنبياء ، قال : ثمّ من ؟ قال :
ص: 401
ثمّ الصالحون ، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلّا العباءة(1)، إن كان أحدهم ليبتلى بالقمّل حتى يقتله ، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء(2).
24 - عن عمّار بن مروان عن بعض ولد أبي عبد الله(عليه السلام)[ أنّه قال : لن تكونوا مؤمنين حتى تعدّوا البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة(3)
25 - عن سدير ، عن أبي جعفر(عليه السلام)](4)قال : إنّ الله إذا أحبّ عبداً [غته بالبلاء غتّاً ، وثجّه به عليه ثجّاً ](5)، فإذا دعاه قال : لبّيك عبدي لبّيك ، لئن عجّلت ما سألت إنّي على ذلك لقادر ، ولئن أخّرت فما ادخرت(6) لك عندي خير لك(7).
26 - عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ لله عباداً في الأرض من خالص عباده ليس ينزل من السماء تحفة للدنيا إلّا صرفها عنهم إلى غيرهم ، ولا ينزل من السماء بلاء للآخرة إلّا صرفه إليهم، وهم شيعة عليّ وأهل بيته(8).
27 - عن محمد بن عجلان قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إنّ لله في خلقه عباداً ما من بليّة تنزل من السماء ولا تقتير من رزق إلّا صرفه إليهم ولا عافية ولا
ص: 402
سعة في رزق إلّا صرفه عنهم (و) ظ لو أنّ نور أحدهم قسّم بين أهل الأرض جميعاً لاكتفوا به(1).
28 - وعن زرارة عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما أُفلت المؤمن من واحدة من ثلاث ، وربما إجتمعت الثلاث عليه : إمّا أن يكون معه في الدار من يغلق عليه الباب يؤذيه ، أوجار يؤذيه ، أو شيء في طريقه(2)وحوائجه يؤذيه ، ولو أنّ مؤمناً على قلّة جبل ليبعث الله عليه شيطاناً (3)ويجعل له من إيمانه أُنساً لا يستوحش إلى أحد(4).
29 - وعن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ساعات المؤمن ساعات كفّارات .
30 - عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله التاني قال : إن أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم(5).
ص: 403
31 - عن معاوية بن عمّار قال : دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام)وقد كانت الريح حملت العمامة عن رأسي في البدو ، فقال : يا معاوية ، فقلت : لبّيك جعلت فداك يا بن رسول الله ، قال : حملت الريح العمامة عن رأسك ؟ قلت : نعم ، قال : هذا جزاء من أطعم الأعراب(1).
32 - عن عبد الله بن سنان قال : سمعت معتّباً يحدّث أنّ إسماعيل بن أبي عبد الله(عليه السلام) حمّ حمّى شديدة فأعلموا أبا عبد الله بحمّاه فقال لي : إنته فاسأله : أيّ شيء عملت اليوم من سوء فعجّل الله عليك العقوبة ؟ قال : فأتيته فإذا هو موعوك فسألته عمّا عمل ، فسكت .
وقيل لي : إنّه ضرب بنت زلفى اليوم بيده فوقعت على درّاعة الباب فعقر وجهها ، فأتيت أبا عبد الله(عليه السلام) فأخبرته بما قالوا ، فقال :
الحمد لله ، إنّا أهل بيت يعجّل الله لأولادنا العقوبة في الدنيا ، ثمّ دعا بالجارية ، فقال : إجعلي إسماعيل في حلّ ممّا ضربك ، فقالت : هو في حلّ.
فوهب لها أبو عبد الله(عليه السلام) شيئاً ، ثمّ قال لي : إذهب فانظر ما حاله ؟
قال : فأتيته وقد تركته الحمّى(2).
ص: 404
33 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): توقّوا الذنوب فما من بليّة ولا نقص رزق إلّا بذنب حتى الخدش والنكبة(1)والمصيبة ، فإنّ الله تعالى يقول : ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾(2).
34 - عن أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : ما من شيعتنا أحد يقارف أمراً نهيناه عنه فيموت حتّى يبتلى ببليّة تمحّص بها ذنوبه :
إمّا في مال أو ولد وإمّا في نفسه حتى يلقى الله مخبتاً وما له من ذنب، وإنّه ليبقى عليه شيء من ذنوبه فيشدّد عليه عند موته فيمحّص ذنوبه(3).
35 - عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : إنّ الله إذا كان من أمره الذي أن يكرم عبداً وله ذنب ابتلاه بالسقم ، فإن لم يفعل ذلك ابتلاه بالحاجة ، فإن لم يفعل ذلك شدّد عليه الموت ليكافئه بذلك الذنب ، وإذا كان من أمره أن يهين عبداً وله عنده حسنة صحّح بدنه ، فإن لم يفعل ذلك به وسّع له في معاشه ، فإن [هو ](4)لم يفعل هوّن عليه الموت ليكافئه بتلك الحسنة(5).
36 - (قيل/ خ) عن منصور بن معاوية ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قال الله تعالى :
ما من عبد [الله] (6) أُريد أن أُدخله الجنّة إلّا ابتليته في جسده ، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلّا سلّطت عليه سلطاناً ، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلّا ضيّقت عليه في رزقه ، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلّا شدّدت عليه عند الموت حتّى يأتيني ولا ذنب له ثمّ أُدخله الجنّة ، وما من عبد أُريد أن أُدخله النار إلّا صحّحت له جسمه ، فإن
ص: 405
كان ذلك تمام طلبته(1)عندي وإلّا آمنت خوفه من سلطانه ، فإذا كان ذلك سلطانه ، فإذا كان ذلك تمام طلبته وإلّا وسعت عليه رزقه ، فإن كان ذلك تمام طلبته عندي وإلّا يسرت عليه عند الموت حتى يأتيني ولا حسنة له ثمّ أدخله النار(2).
37 - عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله الان يقول : قال الله تعالى : إن العبد المؤمن من عبادي ليذنب الذنب العظيم ممّا يستوجب به عقوبتي في الدنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته فأعجّل له العقوبة في الدنيا لأجازيه بذلك الذنب(3).
38 - عن عمر صاحب السابري قال : قلت لأبي عبد الله بالا : إني لأرى من أصحابنا من يرتكب الذنوب الموبقة فقال لي : يا عمر لا تشنّع على أولياء الله ، إن ولينا ليرتكب ذنوباً يستحق ( بها / خ) من الله العذاب فيبتليه الله في بدنه بالسقم حتّى يمحّص عنه الذنوب ، فإن عافاه في بدنه ابتلاه في ماله ، فإن عافاه في ماله ابتلاه في ولده ، فإن عافاه في ولده ابتلاه في أهله ، فإن عافاه في أهله ابتلاه بجار سوء يؤذيه ، فإن عافاه من بوائق الدهور(4) شدّد عليه خروج نفسه حتى يلقى يلقى الله حين يلقاه ، وهو عنه راض ، قد أوجب له الجنّة(5).
39 - عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : ذكر(عند / خ) أبي عبد الله(عليه السلام) البلاء وما يختصّ [الله] ظ به المؤمنين فقال أبو عبد الله(عليه السلام): سئل رسول الله سيف : من أشدّ الناس بلاءً في الدنيا ؟ فقال : النبّيون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، يبتلى المؤمن على قدر إيمانه وحسن عمله ، فمن صحّ إيمانه وحسن عمله إشتدّ بلاؤه ، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قلّ بلاؤه(6)
ص: 406
40 - عن فرات بن أحنف قال : كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام)إذ دخل عليه رجل من هؤلاء الملاعين فقال : والله لأسوءنه من شيعته ، فقال : يا أبا عبد الله أقبل إليّ، فلم يقبل إليه ، فأعاد فلم يقبل إليه ، ثمّ أعاد الثالثة ، فقال : ها أنا ذا مقبل ، فقل ولن تقول خيراً ، فقال :
إنّ شيعتك يشربون النبيذ ، فقال : وما بأس بالنبيذ ، أخبرني أبي عن جابر بن عبد الله أنّ أصحاب رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)كانوا يشربون النبيذ .
فقال : ليس أعنيك النبيذ، إنّما أعنيك المسكر فقال : شيعتنا أزكى وأطهر من أن يجري للشيطان في أمعائهم رسيس(1)، وإن فعل ذلك المخذول منهم فيجد ربّاً رؤوفاً ، ونبيّاً بالإستغفار له عطوفاً ، ووليّاً له عند الحوض ولوفاً ، وتكون وأصحابك ببرهوت(2) ملهوفا(3)، قال : فأُفحم الرجل وسكت.
ثمّ قال : ليس أعنيك المسكر ، إنّما أعنيك الخمر ، فقال أبو عبد الله(عليه السلام) : - سلبك الله لسانك - ما لك تؤذينا في شيعتنا منذ اليوم ؟
أخبرني أبي عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن عليّ بن أبي طالب ، عن رسول الله الله ، عن جبرئيل عن الله تعالى ، أنّه قال : يا محمد إنّي حظرت الفردوس على جميع النبّيين حتّى تدخلها أنت وعليّ وشيعتكما إلّا من اقترف منهم كبيرة ، فإنّي أبلوه في ماله ، أو بخوف من سلطانه حتى تلقاه الملائكة بالروح والريحان ، وأنا عليه غير غضبان ، فيكون ذلك حلًّا(4) لما كان منه ، فهل عند أصحابك (هؤلاء) شيء من هذا ؟ فَلُمْ(5)أو دَعْ (6).
ص: 407
41 - قال : عن أبي الصباح الكناني قال : كنت أنا وزرارة عند أبي عبد الله(عليه السلام) فقال : لا تطعم النار أحداً وصف هذا الأمر .
فقال زرارة : إنّ ممّن يصف هذا الأمر يعمل بالكبائر ؟ !
فقال : أو ما تدري ما كان أبي يقول في ذلك ؟! إنّه كان يقول : إذا ما أصاب المؤمنُ من تلك الموبقات(1)شيئاً ابتلاه الله ببليّة في جسده ، أو بخوف يدخله الله عليه ، حتّى يخرج من الدنيا وقد خرج من ذنوبه(2).
42 - عن زكريا بن آدم قال : دخلت على أبي الحسن الرضا(عليه السلام) فقال : يا زكريا بن آدم شيعة عليّ رفع عنهم القلم ، قلت :
جعلت فداك فما العلّة في ذلك ؟ قال : لأنّهم أُخروا في دولة الباطل يخافون على أنفسهم ، ويحذرون على إمامهم .
یا زكريا بن آدم ما أحد(3)من شيعة عليّ أصبح صبيحة أتى بسيّئة ، أو ارتكب ذنباً ، إلّا أمسى وقد ناله غمّ حط عنه سيّئته فكيف يجري عليه القلم (4)؟!
ص: 408
43 - عن سدير قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): هل يبتلي الله المؤمن ؟ فقال : وهل يبتلي إلّا المؤمن ؟! حتى أنّ صاحب ﴿يس ﴾ الذي قال : ﴿ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾كان مكتعا(1)، قلت : وما المكتع ؟ قال : كان به جذام(2).
44 - عن عمر بن یزید (3)، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما من مؤمن إلّا وبه وجع في شيء من بدنه ، لا يفارقه حتّى يموت ، يكون ذلك كفارة لذنوبه(4).
45 - عن العلا ، عن أبي الحسن(عليه السلام)قال : حمّى ليلة كفّارة سنة(5)
46 - عن جابر بن عبد الله : إن علي بن الحسين(عليه السلام)كان إذا رأى المريض قد برأ قال له : يهنيك الطهور من الذنوب(6)
ص: 409
47 - عن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إذا أحبّ الله عبداً نظر إليه ، فإذا نظر إليه أتحفه من ثلاث بواحدة : إمّا صداع ، وإمّا حمّى ، وإمّا رمد(1).
48 - عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال : يكتب للمؤمن في سقمه من العمل الصالح مثل ما كان يكتب له (في حقّه) في صحته.
ويكتب للكافر من العمل السیِّيء مثل ما كان يكتب له في صحته .
ثمّ قال : يا جابر ما أشدّ هذا من حديث(2)؟!
49 - عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : الحمّى رائد الموت ، وهي سجن الله في أرضه ، وهي حظّ(3)المؤمن من النار(4).
50 - عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): الحمّى رائد الموت ، وسجن الله في الأرض ، يحبس بها من يشاء من عباده وهي تحتّ الذنوب كما يحاتّ الوبر عن سنام البعير(5)
1 5 - عن أبي سلمة قال : قال النبيّ (صلی الله علیه وآله وسلم) الأعرابيّ : هل أخذتك أُمُّ ملدم قطّ ؟ قال : وما أُمُّ ملدم ؟ قال : حرّ بين الجلد واللّحم قال : لا ، قال : فأخذك الصداع قطّ ؟ قال : وما الصداع ؟ قال : عرق يضرب الإنسان في رأسه ، قال : ما وجدت هذا قطّ ، فلمّا ولّى ، قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم):
من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا(6)
52 - عن جابر بن عبد الله قال : قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة عبد المال إلّا حطّ الله به من خطاياه(7).
ص: 410
53 - عن الأحمسي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لا تزال الغموم والهموم بالمؤمن حتى لا تدع له ذنباً(1).
54 - عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لا يمضي على المؤمن أربعون ليلة إلّا عرض له أمر يحزنه يذكّره ربّه(2).
55 - عن رفاعة ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قرأت في كتاب علي(عليه السلام): إنّ المؤمن يمسي حزيناً ، ويصبح حزيناً ولا يصلح له إلّا ذلك (3).
56 - عن الحكم قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يكن عنده من العمل ما يكفّرها ابتلاه الله بالحزن ليكفّرها (4).
57 - عن الحارث بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إنّ العبد المؤمن ليهمّ في الدنيا حتى يخرج منها ولا ذنب له(5).
ص: 411
58 - عن المفضّل قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): كلّما ازداد العبد إيماناً ازداد ضيقاً في معيشته(1).
59 - عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): إنّ الربّ لَيَلِي حساب المؤمن فيقول : تعرف هذا الحساب ؟ فيقول : لا ، يا ربّ فيقول : دعوتني في ليلة كذا وكذا في ساعة كذا وكذا ، فذخرتها (إدّخرتها / خ) لك ، قال : فما ترى من عطيَة(2)ثواب الله ؟ يقول : يا ربّ ليت أنّك لم تكن عجّلت لي شيئاً ، وادّخرته لی(3).
60 - عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام):
أكرم ما يكون العبد إلى الله أن يطلب درهماً فلا يقدر عليه .
قال عبد الله بن سنان : قال أبو عبد الله(عليه السلام)هذا الكلام وعندي مائة ألف ، وأنا اليوم ما أملك درهماً(4).
ص: 412
61 - عن عباد بن صهيب قال : سمعت جعفر بن محمد(عليه السلام)يقول : قال الله تعالى : لولا أنّني أستحيي من عبدي المؤمن ما تركت له خرقة يتوارى بها ، لأنّ العبد إذا تكامل الإيمان ابتليته في قوته ، فإن جزع رددت عليه قوته وإن صبر باهيت به ملائكتي ، فذاك الذي تشير إليه الملائكة بالأصابع(1).
62 - عن أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : وكّل الله الرزق بالحمق ، ووكّل الله الحرمان بالعقل ، ووكّل الله البلاء بالصبر(2).
63 - عن محمد(3)بن سليمان قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): من استذل مؤمناً لقلّة ذات يده شهّره الله القيامة على رؤوس الخلائق لا محالة(4)يوم.
64 - عن ابن مسلم، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : المصائب منح من الله ،والفقر عند الله مثل الشهادة ، ولا يعطيه من عباده إلّا من أحبّ(5).
65 - عن عليّ بن عفّان(6)، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ الله ليتعذّر(7) إلى عبده المؤمن المحتاج - كان في الدنيا - كما يتعذّر(8)الأخ إلى أخيه فيقول :
لا وعزّتي ما أفقرتك لهوان بك عليّ ، فارفع هذا الغطاء فانظر ما عوّضتك من الدنيا ، فيكشف الغطاء فينظر إلى ما عوّضه الله من الدنيا ، فيقول : ما يضرّني ما منعتني عمّا (مع ماخ) عوّضتني(9).
ص: 413
66 - عن محمد بن خالد البرقي ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : والله ما اعتذر الله إلى ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل إلّا إلى فقراء شيعتنا ، قيل له : وكيف يعتذر لهم(1)؟ قال : ينادي مناد : أين فقراء المؤمنين ؟ فيقوم عنق من الناس فيتجلّى لهم الربّ فيقول : وعزّتي وجلالي وآلائي وارتفاع مكاني ما حبست عنكم شهواتكم في دار الدنيا [هواناً بكم عليّ ولكن ذخرته لكم لهذا اليوم ، أما ترى قوله : ما حبست عنكم شهواتكم في دار الدنيا ](2)اعتذاراً ؟ !(3)قوموا اليوم فتصفّحوا وجوه خلائقي فمن وجدتم له عليكم [منّة] بشربة من ماء فكافوه عنّي بالجنّة(4)
67 - وعن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال لِمُصاص(لمصاحبي /خ) شيعتنا : غرّبوا أو شرّقوا لن ترزقوا إلّا القوت(5).
68 - عن أبي الحسن الأول(عليه السلام)قال : كان رسول الله لا يقول : لا تستخفّوا بققراء شيعة عليّ وعترته من بعده ، فإنّ الرجل منهم ليشفع لمثل ربيعة ومضر(6).
69 - عن مبارك قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : قال الله :
إنّي لم أُغن الغنيّ لكرامة به عليّ ، ولم أُفقر الفقير لهوان به عليّ ، وهو ممّا ابتليت به الأغنياء بالفقراء ، ولولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنّة(7).
70 - عن أبي جرير(8)، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : الفقير هديّة الله إلى الغنيّ، فإن قضى حاجته فقد قبل هديّة الله ، وإن لم يقض حاجته فقد ردّ هديّة الله جلّ وعزّ عليه(9).
ص: 414
71 - عن صفوان قال : ذكر عند أبي عبد الله(عليه السلام)ضعفاء أصحابنا ومحاويجهم ، فقال : إني لأجب نفعهم وأحبّ من نفعهم(1).
72 - عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول : يا ربّ ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير ، فإذا علم الله ذلك منه كتب له من الأجر مثل ما يكتبه ، لو عمله ، إنّ الله واسع كريم(2).
73 - وعن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يقول الله : لولا عبدي المؤمن لعصبت رأس الكافر بعصابة من جوهر(3).
74 - عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : قال الله تعالى : لولا أن يجد عبدي المؤمن في نفسه لعصّبت المنافق عصابة لا يجد ألماً حتى يموت(4).
75 - وعن أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : من ضيّق عليه في ذات يده فلم يظنّ أنّ ذلك حسن نظر من الله له فقد ضيّع مأمولاً ، ومن وسّع عليه في ذات يده فلم يظنّ أنّ ذلك استدراج من الله فقد أمن مخوفاً(5)
76 - وعن علي(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، وأمّا المؤمن فيروع فيها وأمّا الكافر فمتّع منها(6).
77 - عن محمد بن عجلان قال : كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام)فشكا إليه رجل الحاجة فقال :
إصبر إنّ الله سيجعل لك فرجاً ، ثمّ سكت ساعة ، ثمّ أقبل على الرجل فقال : أخبرني عن سجن الكوفة كيف هو ؟ قال : - أصلحك الله - فيه أصحابه بأسوء
ص: 415
حال ، فقال : إنّما أنت في سجن تريد أن تكون في سعة ؟! أما علمت أنّ الدنيا سجن المؤمن(1)
78 - عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : إنّا لا نحبّ المال ، وأن لا نؤتى منه خير لنا ، إنّ عليّاً أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يقول : أنا يعسوب الدين ، وأمير المؤمنين ، وإنّ كثرة المال عدوّ للمؤمنين ويعسوب المنافقين(2)
79 - عن عبد الله بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إنّ رجلاً من الأنصار أهدى إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)صاعاً من رطب ، فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)للخادم التي جاءت به : أُدخلي فانظري هل تجدين في البيت قصعة أو طبقاً فتأتيني به ؟ فدخلت ثمّ خرجت إليه فقالت : ما أصبت قصعة ولا طبقاً ، فكنس رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)بثوبه مكاناً من الأرض ، ثمّ قال لها : ضعيه هاهنا على الحضيض ثمّ قال : والذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تعدل عند الله مثقال جناح بعوضة ما أعطى كافراً ولا منافقاً منها شيئاً(3).
80 - عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): الفقر أزين على المؤمن من العذار على خدّ الفرس ، وإنّ آخر الأنبياء دخولاً إلى الجنّة سليمان، وذلك لما أُعطي من الدنيا(4).
81 - عن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): يقول الله عزّ وجلّ : يا دنيا تمرّري(5)على عبدي المؤمن بأنواع البلاء وضيّقي عليه في معيشته ، ولا تحلولي (تحولي /خ) فيركن إليك(6).
2 - عن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): مياسير شيعتنا أُمناء
ص: 416
على محاويجهم ، فاحفظونا فيهم يحفظكم الله(1)
83 - عن (ابن)(2)أبي العلا، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لولا كثرة إلحاح المؤمن في الرزق لضيّق عليه من الرزق أكثر ممّا هو فيه(3).
84 - عن المفضّل قال : قال أبو عبد الله(عليه السلام): لولا إلحاح هذه الشيعة على الله في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم عليها إلى ما هو أضيق(4).
85 - وعن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): الفقر خير للمؤمن من الغنى إلّا من حمل كلَّا وأعطى في نائبة .
قال : وقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): ما أحد يوم القيامة غنيّ ولا فقير إلّا يودّ أنّه لم يؤت من هذه الدنيا إلّا القوت(5).
86 - عن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما سدّ الله على مؤمن باب رزق إلا فتح الله خيراً منه .
قال ابن أبي عمير : ليس يعني بخير منه أكثر منه ، ولكن يعني : إن كان أقلّ فهو خير له (6).
87 - عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما أعطى الله عبداً ثلاثين ألفاً وهو يريد (به)(7)خيراً .
وقال : ما جمع رجل قطّ عشرة آلاف من حلّ ، وقد جمعها الله لأقوام إذا أعطوا القريب ورزقوا العمل الصالح ، وقد جمع الله لقوم الدنيا والآخرة(8).
ص: 417
88 - عن المفضّل ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : المال أربعة آلاف ، واثنا عشر ألف كنز ، ولم يجتمع عشرون ألفاً من حلال ، وصاحب الثلاثين ألفاً هالك وليس من شيعتنا من يملك مائة ألف(1).
89 - وعن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : من حقّر مؤمناً مسكيناً لم يزل الله له حاقراً ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إيّاه(2).
90 - عن إسحاق بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : من أُعطي في هذه الدنيا شيئاً كثيراً ثمّ دخل الجنّة كان أقلٌ لحظه فيها (3)
91 - عن أبي جميلة ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إنّ العبد ليكرم على الله [حتّى أنّه لو سأله الجنّة أعطاه إيّاها ولم ينقصه ذلك شيئاً ، ولو سأله شبراً من الأرض حرمه .
وإنّ العبد ليهون على الله ](4)حتّى أنّه لو سأله الدنيا وما فيها أعطاه إيّاها ولم ينقصه ذلك ، ولو سأله من الجنّة شبراً حرمه .
وإنّ الله يتعهّد المؤمن بالبلاء كما يتعهّد الغائب أهله بالهديّة ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض(5).
92 - عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إنّ الله ليعطي الدنيا من يحبّ ويبغض ، ولا يعطي الآخرة إلّا من يحبّ ، وإنّ المؤمن ليسأل ربّه موضع سوط في الدنيا فلا يعطيه ، ويسأله الآخرة فيعطيه ما شاء ، ويعطي الكافر في الدنيا قبل أن يسأله ما شاء ، ويسأل موضع سوط في الآخرة فلا يعطيه شيئاً(6).
93 - عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ الله يعطي المال
ص: 418
البارّ والفاجر ، ولا يعطي الإيمان إلا من أحبّ(1).
94 - عن مالك بن أعين قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : يا مالك إنّ الله يعطي الدنيا من يحبّ ويبغض ، ولا يعطي دينه إلّا من يحبّ (2).
95 - عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : إنّ هذه الدنيا يُعطاها البرّ والفاجر ، وإنّ هذا الدين لا يعطيه الله إلّا خاصّته(3).
96 - عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ الفقر مخزون عند الله ، لا يبتلي به إلّا من أحبّ من المؤمنين ، ثمّ قال : إن الله يعطي الدنيا من أحبّ ومن أبغض ، ولا يعطي دينه إلّا من أحبّ(4).
ص: 419
97 - عن عبد الله بن سنان ، عن جعفر بن محمد(عليه السلام) قال : ما سدّ الله على مؤمن رزقاً يأتيه من وجه إل~ا فتح له من وجه آخر فأتاه وإن لم يكن له في حساب(1).
98 - عن جابر قال : قال الحسن بن علي(عليه السلام): يا هذا لا تجاهد الطلب جهاد العدوّ ، ولا تتّكل على القدر اتّكال المستسلم ، فإنّ إنشاء الفضل من السنّة ، والإجمال في الطلب من العفّة ، وليست العفّة بدافعة رزقاً ، ولا الحرص بجالب فضلاً ، فإنّ الرزق مقسوم ، واستعمال الحرص استعمال المآثم(2).
99 - عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(عليه السلام)إنّه قال : إنّ من صحة يقين المرء المسلم ألّا يرضي الناس بسخط الله ، ولا يحمدهم على ما رزق الله ،ولا يلومهم على ما لم يؤته الله ، فإنّ رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يردّه كره كاره ، ولو أنّ أحدكم فرّ من رزقه كما يفرّ من الموت لأدركه رزقه قبل موته كما يدركه الموت(3).
ص: 420
100 - عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في حجّة الوداع :
ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه: لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها ،فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنّكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله ، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلّا بطاعته، قد قسّم الأرزاق بين خلقه [حلالاً ، ولم يقسّمها حراماً .
فمن اتّقى الله عزّ وجلّ وصبر آتاه الله برزقه (من) ظ حلّه ] .
ومن هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلّه قصّ به من رزقه الحلال وحوسبعليه يوم القيامة(1).
101 - عن سهل بن زیاد (رفعه) قال : قال أمير المؤمنين(عليه السلام): كم من متعب نفسه ، مقتر عليه ، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير(2).
102 - عن عبد الله بن سليمان قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إنّ الله وسّع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء ، ويعلموا أنّ الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة(3)
103 - عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لو كان العبد في جحرٍ لأتاه رزقه ، فأجملوا في الطلب(4).
104 - عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : أبى الله أن يجعل أرزاق المؤمنين إلّا من حيث لا يحتسبون(5).
105 - عن علي بن السندي قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إنّ الله جعل
ص: 421
أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون ، وذلك أنّ العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه(1).
106 - عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال رسول الله ل : الدنيا دول ، فما كان لك منها أتاك على ضعفك ، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك ومن انقطع رجاؤه ممّا فات استراح بدنه ، ومن رضي بما رزقه الله قرّت عينه(2).
107 - عن ابن فضّال (رفعه) عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع ودون طلب الحريص ، الراضي بدنياه ، المطمئن إليها ، وأنزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفّف ، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف ، وتكتسب ما لا بدّ للمؤمن منه ، إنّ الذين أُعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال لهم(3).
ص: 422
108 - عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران : ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن ، إنِّي إنّما أبتليه لما هو خير له ، وأزوي عنه لما هو خير له ، وأُعطيه لما هو خير له وأنا أعلم بما يصلح عليه حال عبدي المؤمن ، فليرض بقضائي ، وليشكر نعمائي ، وليصبر على بلائي . أكتبه فى الصدّيقين إذا عمل برضائي ، وأطاع لأمري(1).
109 - عن أبي الحسن(عليه السلام)قال : المؤمن بعرض(2)كلّ خير لو قطّع أنملة أنملة كان خيراً له ، ولو ولّي شرقها وغربها كان خيراً له(3)
110 - عن عيسى بن أبي منصور قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : إنّ الله
ص: 423
يذود المؤمن عمّا يشتهيه كما يذود أحدكم الغريب عن إبله ، ليس منها(1).
111 - عن سفيان بن السمط ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : إن الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه وتعهّده بالبلاء ، كما يتعهد المريض أهله بالطرف ووكل به ملكين فقال لهما : أسقما بدنه وضيّقا معيشته وعوّقا عليه مطلبه حتى يدعوني فإنّي أُحب صوته ،فإذا دعا قال : أُكتبا لعبدي ثواب ما سألني فضاعفاه له حتى يأتيني ، وما عندي خير له .
وإذا أبغض عبداً وكّل به ملكين فقال : أصحّا بدنه ، ووسّعا عليه في رزقه ،وسهّلا له مطلبه وأنسياه ذكري فإنّي أبغض صوته حتى يأتيني وما عندي شيء له(2).
112 - عن الفضيل ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)أنّه قال في مرضة له لم يبق منه إلّا رأسه : يا فضيل إنّني كثيراً ما أقول : ما على من عرّفه الله هذا الأمر لو كان على قلّة الجبل [حتى يأتيه الموت ، يا فضيل بن يسار] إنّ الناس أخذوا يميناً وشمالاً وإنّا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم .
يا فضيل : إنّ المؤمن لو أصبح له ملك ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيراً له ، ولو أصبح وقد قطّعت أعضاؤه كان ذلك خيراً له ، إن الله عزّ وجلّ لا يصنع بالمؤمن إلّا ما هو خير له .
[ يا فضيل بن يسار : لو عُدِلَ الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوّه منها شربة ماء] .
يا فضيل : إنّه من يكن همّه همّاً واحداً كفاه الله ما أهمّه ومن كان همّه في كلّ واد لم يبال الله بأيّ واد هلك(3).
113 - عن جابر ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): إنّ العبد المؤمن ليطلب الإمارة والتجارة ، حتّى إذا أشرف من ذلك على ما كان يهوى بعث الله
ص: 424
ملكاً ، وقال له : عق عبدي وصدّه عن أمر لو استمكن منه أدخله النار ، فَيُقْبل الملك فيصدّه بلطف الله فيصبح وهو يقول : لقد دهيت ومن دهاني فعل الله به ، وقال : ما يدري أنّ الله الناظر له في ذلك ولو ظفر به أدخله النار(1).
114 - عن سعيد بن الحسن قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): ما أُبالي أصبحت فقيراً أو مريضاً أو غنيّاً ، لأنّ الله يقول : لا أفعل بالمؤمن إلّا ما هو خير له(2).
115 - عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قال الله عزّ وجلّ :
إنّ من عبادي المؤمنين لعباداً لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالغنى والسعة والصحة فی البدن فأبلوهم بالغنى والسعة وصحة البدن ، فيصلح لهم عليه امور دينهم .
وإنّ من عبادي المؤمنين لعباداً لا يصلح أمر دينهم إلّا بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم فيصلح لهم عليه أمر دينهم قال : وقال الله تعالى : وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي.
وإنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيتهجّد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة واللّيلتين نظراً منّي له وإبقاء عليه فينام حتى يصبح فيقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها ، ولو أُخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله ذلك العجب فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله ، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ، ورضاه عن نفسه عند حدّ التقصير حتى يظنّ أنّه فاق العابدين ، وجاز في عبادته حدّ التقصير ، فيتباعد منّي عند ذلك وهو يظن أنّه يتقرب إليّ ، فلا يتّكل العاملون (المؤمنون/خ) على أعمالهم التي يعملونها لثوابي .
فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي ، والنعيم في جناني ، ولكن برحمتي فليثقوا ولفضلي فليرجوا وإلى حسن الظنّ بي فليطمئنّوا ، فإنّ رحمتي عند ذلك تداركهم ، ومنّي يبلغهم رضواني ، ومغفرتي تلبسهم عفوي ، فإنّي أنا الله
ص: 425
الرحمن الرحيم بذلك تسمّيت(1).
116 - عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): عجباً للمؤمن لا يقضي الله قضاء إلّا كان خيراً له - سرّه أوساءه - وإن ابتلاه كان كفّارة لذنبه ، وإن أعطاه وأكرمه كان قد حباه(2).
117 - عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : كم من نعمة لله على عبده في غير أمله وكم من مؤمّل أملاً الخيار(3)في غيره ، وكم من ساع في حتفه وهو مبطىء عن حظّه(4)
118 - عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر(عليه السلام)يقول : في قضاء الله كلّ خير للمؤمن(5).
119 - عن ظريف ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ العبد الولي لله يدعو في الأمر ينوبه(6)فيقول الله للملك الموكّل بذلك الأمر : إقض حاجة عبدي ولا تعجّلها فإنّي أشتهي أن أسمع صوته ودعاءه .
وإنّ العبد المخالف ليدعو في الأمر يريده فيقول الله للملك الموكّل بذلك الأمر : إقض حاجته وعجّلها ، فإنّي أبغض أن أسمع نداءه وصوته.
قال : فيقول الناس : ما أُعطي هذا حاجته وحرم هذا إلا لكرامة هذا على الله ،وهَوان هذا عليه(7).
120 - عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ العبد المؤمن ليكون له عند الله الدرجة - لا يبلغها بعمله - فيبتليه الله في جسده ، أو يصاب بماله ، أو يصاب في ولده ، فإن هو صبر بلّغه الله إيّاها (8).
ص: 426
121 - عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما من مؤمن إلّا وهو مبتلى ببلاء ، منتظر به ما هو أشدّ منه أشدّ منه ، فإن صبر على البليّة التي هو فيها عافاه الله من البلاء الذي ينتظر به ، وإن لم يصبر وجزع نزل به من البلاء المنتظر أبداً حتى يحسن صبره وعزاؤه(1).
122 - عن محمد بن سنان ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : من اغتمّ (2)كان للغمّ أهلاً ، فينبغي للمؤمن أن يكون بالله وبما صنع راضياً(3)
123 - عن أبي خليفة ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ما قضى الله لمؤمن قضاء ، فرضي به إلا جعل الله له الخيرة فيما يقضي(4).
124 - عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله الف قال : إن الله - بعدله وحكمته وعلمه - جعل الروح والفرح في اليقين والرضا عن الله وجعل الهمّ والحزن في
ص: 427
الشكّ والسخط فارضوا عن الله ، وسلّموا لأمره(1).
125-عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : من ابتلي من شيعتنا فصبر عليه كان له أجر ألف شهيد(2)
126 - عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لا تعدّنّ مصيبة أُعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله ثواباً بمصيبة ، إنّما المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها (3).
127 - روى أحمد بن محمد البرقي في كتابه الكبير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : قد عجز من لم يعدّ لكل بلاء صبراً ، ولكلّ نعمة شكراً ، ولكلّ عسر يسراً ، أصبر نفسك عند كلّ بليّة ورزيّة - في ولد أو في مال - فإنّ الله إنّما يفيض جاريته ( يقيّض عاريته/خ) وهبته ليبلو شكرك وصبرك(4).
128 - عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ الله أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالاً ، وابتلى قوماً بالمصائب فصبروا ، فصارت عليهم نعمة(5)
129 - وعنه(عليه السلام) أنّه قال : لم يستزد في محبوب بمثل الشكر ولم يستنقص من مكروه بمثل الصبر(6)
ص: 428
130 - عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله(1)
131 - وقال علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام): الرضا بمكروه القضاء من أعلى درجات اليقين(2)
132 - وقال(عليه السلام) من صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحبّ وكره ، لم يقض الله عليه فيما أحبّ أو كره إلّا ما هو خير له(3).
133 - عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : ما من شيء إلّا وله حدّ(4)قلت : فما حدّ اليقين ؟ قال : ألّا يخاف شيئاً(5).
134 - عن يونس بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : أيّما مؤمن شكا حاجته وضرّه إلى كافر أو [إلى من](6)يخالفه على دينه فإنّما شكا (الله /خ) إلى عدوّ من أعداء الله ، وأيّما مؤمن شكا حاجته وضرّه وحاله إلى مؤمن مثله كانت شكواه إلى الله عزّ وجلّ (7).
135 - عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله علب صلى ا : كفى باليقين غنى ، وبالعبادة شغلا (8).
136 - عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، أنّه قال : أيّها الناس سلوا الله اليقين وارغبوا
ص: 429
إليه في العافية ، فإنّ أجلّ النعم العافية ، وخير ما دام في القلب اليقين ، والمغبون من غبن دينه ، والمغبوط من حسن يقينه (1).
137 - عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا ، عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام)أنّه قال : رفع إلى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قوم في بعض غزواته فقال : من القوم ؟ قالوا : مؤمنون يا رسول الله ، قال : ما بلغ من إيمانكم ؟ قالوا : الصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والرضا بالقضاء .
فقال (رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم))(2): حلماء ، علماء ، كادوا من الفقه أن يكونوا وآله وسلم أنبياء ، إن كنتم كما تقولون فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتّقوا الله الذي إليه ترجعون(3).
138 - عن جابر الجعفي ، عن ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، أنّه قال : يا أخا جعفي ،إنّ اليقين أفضل من الإيمان ، وما من شيء أعزّ من اليقين (4).
139 - وعن أمير المؤمنين(عليه السلام)، أنه قال : لا يجد رجل طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه (5).
ص: 430
140 - عن علي بن سويد ، عن أبي الحسن الأول(عليه السلام)قال : سألته عن قول الله : ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ (1).
فقال : التوكل على الله درجات ، فمنها أن تثق به في أُمورك كلّها ، فما فعل بك كنت عنه راضياً ، تعلم أنّه لم يؤتك إلّا خيراً وفضلاً ، وتعلم أنّ الحكم في ذلك له ، فتوكّلت على الله بتفويض ذلك إليه ، ووثقت به فيها وفي غيرها (2).
141 - وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال : أحقِّ من خَلَق الله بالتسليم(3) لما قضى الله من عرف الله ، ومن رضي بالقضاء أتى عليه القضاء وعظم عليه أجره ومن سخط القضاء مضى عليه القضاء وأحبط الله أجره(4).
142 - عن صفوان الجمّال ، عن أبي الحسن الأول(عليه السلام)قال : ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه ، ولا يتّهمه في قضائه(5)
143 - عن جابر قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام): ما الصبر الجميل ؟ قال : ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى أحد من الناس .
إنّ إبراهيم بعث يعقوب إلى راهب من الرهبان ، عابد من العبّاد في حاجة ، فلمّا رآه الراهب حسبه إبراهيم فوثب إليه فاعتنقه ، ثم قال له : مرحباً بخليل الرحمن ، فقال له يعقوب : إنّي لست بخليل الرحمن ، ولكن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، قال له الراهب : فما الذي بلغ بك ما أرى من الكبر ؟ قال : الهمّ والحزن والسقم ، قال : فما جاز عتبة الباب حتى أوحى الله إليه : يا يعقوب شكوتني إلى العباد ؟! فخرّ ساجداً عند عتبة الباب يقول :
ص: 431
ربّ لا أعود ، فأوحى الله إليه : إنّي قد غفرت لك فلا تعد إلى مثلها ، فما شكا شيئاً ممّا أصابه من نوائب الدنيا إلّا أنّه قال يوماً :﴿ إنَّمَا أَشْكُو بَنّي وَحُزْنِي إِلى الله وأعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُون ﴾ (1).
144 - عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ الصبر والبلاء ليستبقان إلى المؤمن فيأتيه البلاء وهو صبور ، وإنّ الجزع والبلاء ليستبقان إلى الكافر فيأتيه البلاء وهو جزوع(2)
145 - عن يونس قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام)عن الإيمان والإسلام ، فقال : قال أبو جعفر : إنّما هو الإسلام والإيمان فوقه بدرجة ، والتقوى فوق الإيمان بدرجة ، واليقين فوق التقوى بدرجة ، ولم يقسّم بين الناس شيء أقلّ من اليقين ، قال : قلت : فأيّ شيء اليقين ؟ قال : التوكّل على الله والتسليم لله ، والرضى بقضاء الله ، والتفويض إلى الله ، قلت : ما تفسير ذلك ؟ قال : هكذا قال أبو جعفر عن السلام(3).
146 - عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : الإيمان في القلب ، واليقين خطرات(4).
147 - وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): إنّ للنكبات غايات لا بدّ أن تنتهي إليها ، فإذا أُحكم على أُحدكم لها فليطأطىء لها(5)ويصبر حتى تجوز ، فإنّ إعمال الحيلة فيها
ص: 432
عند إقبالها زائد في مكروهها(1).
148 - وكان يقول : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فمن لا صبر له لا إيمان له(2)
149 - وكان يقول : الصبر ثلاثة : الصبر على المصيبة ، والصبر على الطاعة ، والصبر على المعصية(3).
150 - وقال أبو عبد الله(عليه السلام): الصبر صبران : الصبر على البلاء حسن جميل ، وأفضل منه الصبر على المحارم(4).
151 - عن سيف بن عميرة ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام): اتقوا الله واصبروا .فإنّه من لم يصبر أهلكه الجزع ، وإنّما (أمّا/خ) هلاكه في الجزع أنّه إذا جزع لم يؤجر(5) .
152 - عن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللهفإنّه من لم يصبر، قال : قال عليّ صلوات الله عليه : ما أحب أنّ لي بالرضا في موضع القضاء حمر النعم(6).
ص: 433
153 - عن جابر بن عبد الله ، أن أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : من كنوز الجنّة البرّ ، وإخفاء العمل ، والصبر على الرزايا ، وكتمان المصائب(1)
154 - عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال : وقور عند الهزاهز ، صبور عند البلاء ، شكور عند الرخاء ، قانع بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل الأصدقاء(2)، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة ، إنّ العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والصبر أمير جنوده ، والرفق أخوه ، واللّين والده(3).
155 - عن عباد بن صهيب(4)قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول : لايجمع الله لمنافق ولا لفاسق حسن السمت والفقر وحسن الخلق أبداً(5).
ص: 434
156 - عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال : إنّ شيعة علي(عليه السلام)كانوا خمص البطون ، ذبل الشفاه ، أهل رأفة و (علم وحلم)(1)يعرفون بالرهبانيّة ، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع والإجتهاد والصبر(2).
157 - عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : ما ابتلي المؤمن بشيء هو أشدّ عليه من خصال ثلاث يحرمهنّ ، قيل : وما هنّ ؟
قال : المواساة في ذات يده ، والإنصاف من نفسه ، وذكر الله كثيراً ، أما إني لا أقول لكم : سبحان الله والحمد لله ، ولكن ذكر الله عند ما أحلّ له ، وذكر الله عند ما حرّم عليه(3)
158 - وعن أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : قال رسول الله ذلك : أربع من كنّ فيهكمُل إيمانه وإنْ كان من قرنه إلى قدمه خطايا :
الصدق ، وأداء الأمانة ، والحياء وحسن الخلق(4).
159 - عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال : لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال : سنّة من ربِّه ، وسنّة من نبيّه ، وسنّة من وليّه.
فأمّا السنّة من ربّه : فكتمان السّر .
وأمّا السنّة من نبيّه : فمداراة الناس .
ص: 435
وأما السنّة من وليّه : فالصبر في البأساء والضرّاء(1).
160 - عن الحذاء ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : سمعته يقول : أما والله إنّ . أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأكتمهم لحديثنا وإنّ أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم إليّ الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنّا ، فلم يعقله ولم يقبله قلبه ، اشمأزّ منه وجحده وكفر بمن دان به ، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أُسند ، فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا(2).
161 -عن أبي بصير عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال عليّ(عليه السلام): إنّ لأهل الدين علامات يعرفون بها : صدق الحديث، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وصلة للأرحام ، ورحمة للضعفاء ، وقلّة موافاة(3)النساء ، وبذل المعروف ، وحسن الخلق ، وسعة الحلم ، واتّباع العلم ، وما يقرّب إلى الله زلفى ، وطوبى لهم وحسن مآب(4).
162 - عن ابن بكير(5)، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّما لنحبّ من كان عاقلاً ، فهماً ، فقيهاً ، حليماً ، مدارياً ، صبوراً ، صدوقاً ، وفيّاً.
إنّ الله خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق ، فمن كنّ فيه فليحمد الله على ذلك ومن لم يكن فيه فليفزع(6)إلى الله ، وليسأله إيّاها .
ص: 436
قال : قلت : جعلت فداك ما هي ؟ قال : الورع والقناعة والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة وصدق الحديث والبرّ وأداء الأمانة (1).
163 - عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قيل له : من أكرم الخلق على الله ؟ قال : من إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر(2).
164 - وعن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : لا يصلح المؤمن إلّا على ثلاث خصال : التفقّه في الدين ، وحسن التقدير ، وحسن التقدير في المعيشة ، والصبر على النائبة(3).
165 - وعن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : المؤمن لا يغلبه فرجه ، ولا يفضحه بطنه(4).
166 - عن الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): أيّ الخصال بالبرّ(5). أكمل ، قال : وقار بلا مهابة ، وسماحة بلا طلب مكافاة وسماحة بلا طلب مكافاة ، وتشاغل بغير متاع الدنيا(6).
167 - عن المفضّل(7)، عن أبي عبد الل(عليه السلام)قال : قال الله عزّ وجلّ : إفترضت على عبادي عشرة(8)فرائض ، إذا عرفوها أسكنتهم ملكوتي وأبحتهم جناني أولها : معرفتي ، والثانية : معرفة رسولي إلى خلقي ، والإقرار به ، والإقرار به ، والتصديق له والثالثة : معرفة أوليائي وأنّهم الحجج على خلقي، من والاهم فقد والاني ، ومن
ص: 437
عاداهم فقد عاداني ، وهم العلم فيما بيني وبين خلقي ، ومن أنكرهم أصليته (أدخلته/ خ) ناري وضاعفت عليه عذابي .
والرابعة : معرفة الأشخاص الذين أُقيموا من ضياء قدسي ، وهم قوّام قسطي .
والخامسة : معرفة القوّام بفضلهم والتصديق لهم .
والسادسة : معرفة عدوّي إبليس وما كان من ذاته وأعوانه .
والسابعة : قبول أمري والتصديق لرسلي .
والثامنة : كتمان سرّي وسرّ أوليائي .
والتاسعة : تعظيم أهل صفوتي والقبول عنهم والردّ إليهم فيما اختلفتم فيه يخرج الشرح(1)منهم.
والعاشرة : أن يكون هو وأخوه في الدين شرعاً سواء ، فإذا كانوا كذلك أدخلتهم ملكوتي وآمنتهم من الفزع الأكبر وكانوا عندي(2)في علّيين(3).
168 - عن أبي المقدام قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): يا أبا المقدام إنّما شيعة علي المنازلون (المتباذلون / خ) في ولايتنا ، المتحابّون في مودّتنا ، المتزاورون لإحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاوروا ، سلم لمن خالطوا(4).
169 - وعن مهزم الأسدي ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : إنّ من شيعتنا من لايعدو صوته سمعه ولا (شحمة أُذنه)(5)ولا يمتدح بنا معلناً ، ولا يواصل لنا مبغضاً ، ولا يخاصم لنا وليّاً ، ولا يجالس لنا عائباً ، قال : قلت : فكيف أصنع بهؤلاء
ص: 438
المتشيّعة ؟ قال : فيهم التمحيص وفيهم التمييز وفيهم التبديل ، تأتي(1)عليهم سنون تفنيهم ، وطاعون يقتلهم ، واختلاف يبدّدهم .
شيعتنا من لا يهرّ هرير الكلب ، ولا يطمع طمع الغراب ، ولا يسأل وإن مات جوعاً ، قلت : وأين أطلب هؤلاء ؟ قال : أطلبهم في أطراف الأرض ، أولئك الخفيض(2)عيشهم ، المنتقل دارهم، إذا شهدوا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفتقدوا ، وإن مرضوا لم يعادوا(3)، وإن خطبوا لم يزوّجوا ، وإن رأوا منكراً ينكروا ، وإن يخاطبهم جاهل سلّموا ، وإن لجأ إليهم ذو حاجة منهم رحموا ، وعند الموت هم لا يحزنون ، وفي القبور يتزاورون ، لم تختلف قلوبهم وإن رأيتهم اختلف بهم البلدان(4).
170 - وروي أن صاحباً لأمير المؤمنين(عليه السلام)يقال له همام وكان رجلاً عابداً ، فقام إليه وقال له : يا أمير المؤمنين صف لي المتّقين كأنّي أنظر إليهم ، فتثاقل(5)(عليه السلام)عن جوابه ، ثم قال :
يا همام اتق الله وأحسن ، فإنّ الله مع الّذين اتّقوا والذين هم محسنون ، فلم يقنع همام بذلك القول حتّى عزم عليه ، فقال له : أسألك بالذي أكرمك وخصّك وحباك وفضّلك بما آتاك لما وصفتهم لي .
فقام أمير المؤمنين : فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي لا ، ثم قال :
أمّا بعد ، فإنّ الله سبحانه خلق الخلق حين خلقهم غنيّاً عن طاعتهم ، آمناً عن (6)معصيتهم ، لأنّه لا يضره معصية عن عصاه منهم ،ولا ينفعه طاعة من أطاعه منهم ، فقسّم بينهم معيشتهم ، ووضعهم في الدنيا مواضعهم ، فالمتّقون فيها هم أهل الفضائل ، منطقهم الصواب ، وملبسهم الإقتصاد ، ومشيهم التواضع ، خَصّوا الله عزّ
ص: 439
وجلّ بالطاعة فخُصّوا ، غاضّين أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم ، واقفين أسماعهم على العلم النافع لهم ، نُزِّلت أنفسهم منهم في البلاء كالّذي نُزِّل في الرخاء ، رضا عن الله بالقضاء [و](1)لولا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقّر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب ، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم ، فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون ، قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة ، وأجسادهم نحيفة ، وحوائجهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ، ومعونتهم في الإسلام عظيمة ، صبروا أياماً قصيرة ، أعقبتهم راحةً طويلةً ، وتجارة مربحة يسّرها لهم ربّ كريم ، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها ، وطلبتهم فأعجزوها ، وأسرتهم فقدوا أنفسهم منها .
أمّا الليل فصافّون أقدامهم تالين(2)لأجزاء القرآن يرتّلون(3)به ترتيلاً ، يحزنون به أنفسهم ، ويستثيرون(4)به دواء دائهم ويهيّج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع(5) كلوم حوائجهم(6)، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت إليها أنفسهم شوقاً ، وظنّوا أنّها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم، واقشعرّت منها جلودهم ، ووجلت منها قلوبهم ، وظنّوا أنّ صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أُصول آذانهم ، فهم حانون(7)على أوساطهم ، يمجّدون جبّاراً عظيماً ، مفترشون جباههم وأكفّهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم .
وأمّا النهار فحلماء علماء بررة أتقياء ، قد براهم الخوف بري القداح ، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض ، ويقول : قد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر عظيم إذا هم ذكروا عظمة الله وشدّة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر
ص: 440
الموت وأهوال القيامة ، فوضح ذلك قلوبهم ، وطاشت له حلومهم ، وذهلت عنه عقولهم ، واقشعرّت منه جلودهم .
وإذا استقالوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزاكية ، لا يرضون لله من أعمالهم بالقليل ، ولا يستكثرون له الجزيل ، فهم لأنفسهم متَّهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إن زكّي أحدهم خاف ممّا يقال له ، فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري ، وربي أعلم منّي بنفسي ، اللّهمّ لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيراً ممّا يظنّون . واغفر لي ما لا يعلمون ، فإنّك علّام الغيوب ، وستّار العيوب .
فمن علامة أحدهم أنّك ترى له قوّة في دين ، وحزماً في لين ، وإيماناً في يقين وحرصاً في علم ، وفهماً في فقه ، وعلماً في حلم، وشفقة في نفقة ، وكسباً(1)في رفق ، وقصداً في غنى ، وخشوعاً في عبادة ، وتجملاً في فاقة ، وصبراً في شدّة ،ورحمة للمجهود ، وإعطاء في حقّ ، ورفقاً في كسب ، وطلباً في حلال ، ونشاطاً في هدى ، وتحرجاً عن طمع ، وبرّاً في استقامة ، واعتصاماً عند شهوة ، لا يغترّه(2)ثناء من جهله ، ولا يدع إحصاء عمله، مستبطىء لنفسه في العمل ، يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجلٍ ، يمسي وهمّه الشكر ، ويصبح وشغله الذكر، يبيت حذراً ويصبح فرحاً ، حذراً من الغفلة ، وفرحاً لما أصاب من الفضل والرحمة ، إن استصعبت عليه نفسه فيما يذكره(3)، لم يعطها سؤلها فيما يحب ، فرحه فيما يخلد ويطول وقرّة عينه فيما لا يزول ، ورغبته فيما يبقى ، وزهادته فيما يفنى ، يمزج الحلم بالعلم ، والعلم بالعقل ، والقول بالعمل.
تراه بعيداً كسله ، دائماً نشاطه ، قريباً ، أمله ، قليلاً زلَله ، متوقّعاً أجله ، خاشعاً قلبه ، ذاكراً ربّه ، قانعة نفسه ، منزوراً أكله ، مستغيباً(4)جهله ، سهلا أمره ، حريزاً دينه ، ميّتة شهوته ، مكظوماً غيظه ، صافياً خلقه ، آمناً فيه جاره ، ضعيفاً كبره ، قانعاً بالذي قدّر له ، متيناً صبره ، محكماً أمره ، كثيراً ذكره ، لا يحدّث بما يؤتمن عليه الأصدقاء ولا يكتم شهادة الأعداء ، ولا يعمل شيئاً من الحقّ رياء ، ولا يتركه حياء .
ص: 441
الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، إن كان في الغافلين كتب في (من /خ) الذاكرين ، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين ، يعفو عمّن ظلمه ، ويعطي من حرمه ، ويصل من قطعه ، لا يعزب حلمه ، ولا يعجل فيما يريبه ، ويصفح عمّا قد تبيّن له ، بعيداً فحشه ، ليّناً قوله ، غائباً شكوه (1)، حاضراً معروفه ، صادقاً قوله ، حسناً فعله ، مقبلاً خيره ، مدبراً شرّه ، فهو في الزلازل وقور ، وفي المكاره صبور ، وفي الرخاء شكور ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحبّ ، ولا يدعي ما ليس له ، ولا يجحد حقا عليه ، يعترف بالحق قبل أن يُشهد به عليه ، لا يضيع ما استحفظ ، ولا ينسى ما ذكر ، ولا يتنابز(2)بالألقاب ، ولا يبغي على أحد ، ولا يهمّ (3)بالحسد ، ولا يضارّ بالجار ، ولا يشمت بالمصاب، مؤدّ للأمانات ، سريع إلى الصلوات ، بطيء عن المنكرات ، يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، لا يدخل في الأمور بجهل ، ولا يخرج من الحقّ بعجز.
إن صمت لم يغمّه(4)الصمت ، وإن نطق لم يقل خطأ ، وإن ضحك لم يعل صوته ، قانع بالذي قدّر له ، لا يجمع(5)به الغيظ ، ولا يغلبه الهوى ، ولا يقهره الشحّ ، ولا يطمع فيما ليس له ، يخالط الناس ليعلم ، ويصمت ليسلم ، ويسأل ليفهم ، ويتّجر ليغنم ، لا ينتصب للخير ليفخر به ، ولا يتكلّم به ليتجبّر على من سواه ، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة ، أتعب نفسه لآخرته ، وأراح الناس من نفسه .
إن بُغي(6)عليه صبر حتى يكون الله هو المنتقم له ، بُعده عمّن يتباعد منه زهد ونزاهة ، ودنّوه ممّن دنا منه لين ورحمة ، ليس تباعده بكبر ولا عظمة ، ولا دنّوه بمكر ولا خديعة .
قال : فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها ، فقال أمير المؤمنين : أما والله لقد
ص: 442
كنت أخافها عليه، ثم قال : هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها(1).
171 - وروي أنّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يحتوي على مائة وثلاث خصال: فعل وعمل ونيّة وباطن وظاهر .
فقال أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام): يا رسول الله ما يكون المائة وثلاث خصال ؟
فقال : يا عليّ من صفات المؤمن أن يكون جوّال الفكر ، جوهريّ الذكر ، كثيراً علمه ، عظيماً حلمه ، جميل المنازعة ، كريم المراجعة ، أوسع الناس صدراً ، وأذلّهم نفساً ، ضحكه تبسّماً ، واجتماعه(2)تعلّماً ، مذكّر الغافل ، معلّم الجاهل ، لا يؤذي من يؤذيه ، ولا يخوض فيما لا يعنيه ، ولا يشمت بمصيبة ، ولا يذكر أحداً بغيبة ، بريّاً من المحرّمات ، واقفاً عند الشبهات ، كثير العطاء ، قليل الأذى ، عوناً للغريب ، وأباً لليتيم ، بشره في وجهه ، وخوفه(3)في قلبه مستبشراً بفقره، أحلى من الشهد، وأصلد من الصلد، لا يكشف سرّاً ، ولايهتك ستراً ، لطيف الجهات(4)، حلو المشاهدة، كثير العبادة، حسن الوقار ، ليّن الجانب ، طويل الصمت ، حليماً إذا جهل عليه ، صبوراً على من أساء إليه ، يجلّ الكبير ، ويرحم الصغير ، أميناً على الأمانات ، بعيداً من الخيانات ، إلفه التّقى ، وخلقه الحياء ، كثير الحذر ، قليل الزلل ، حركاته أدب ، وكلامه عجب ، مقيل العثرة ، ولا يتّبع العورة ، وقوراً ، صبوراً ، رضيّاً ، شكوراً ، قليل الكلام ، صدوق اللّسان ، برّاً مصوناً ، حليماً ، رفيقاً ، عفيفاً ، شريفاً .
لا لعّان ولا نمّام ، ولا كذّاب ولا مغتاب ، ولا سبّاب ، ولا حسود ، ولا بخيل ، هشّاشاً بشّاشاً ، لا حسّاس ولا جسّاس.
يطلب من الأُمور أعلاها، ومن الأخلاق أسناها ، مشمولاً لحفظ الله ، مؤيداً
ص: 443
بتوفيق الله ، ذا قوّة في لين ، وعزمه في يقين ، لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحبّ ، صبور في الشدائد ، لا يجور ولا يعتدي ، ولا يأتي بما يشتهي.
الفقر شعاره ، والصبر ثاره(1)، قليل المؤونة ، كثير المعونة ، كثير الصيام ،طويل القيام ، قليل المنام ، قلبه تقّي ، وعمله زكي ، إذا قدر عفا ، وإذا وعد وفي يصوم رغباً ويصلّي رهباً ، ويحسن في عمله كأنّه ينظر(2)إليه ، غضّ المطوف(3) سخيّ الكفّ ، لا يردّ سائلاً ولا يبخل بنائل ، متواصلاً إلى الإخوان ، مترادفاً للإحسان، يزن كلامه، ويخرس لسانه ، لا يغرق في بغضه ، ولا يهلك في محبّته(4)، لا يقبل الباطل من صديقه ، ولا يردّ الحقّ من عدوّه ، لا يتعلّم إلّا ليعلم ،ولا يعلم إلّا ليعمل .
قليلا حقده ، كثيراً شكره ، يطلب النهار معيشته ، ويبكي الليل على خطيئته ،إن سلك مع أهل الدنيا كان أكيسهم ، وإن سلك مع أهل الآخرة كان أورعهم ، لا يرضى في كسبه بشبهة ، ولا يعمل في دينه برخصة ، لطيف (يعطف /خ) على أخيه بزلّته ، ويرعى ما مضى من قديم صحبته(5).
الحمد لله ، قد تمّ استنساخ كتاب (التمحيص) ومقابلته وتخريجاته مراعياً لاتحاد أحاديثه مع سائر الأُصول والجوامع في 2 جمادى الأُولى سنة 1403 .
ص: 444
المؤلف وأقوال العلماء فيه...5
مقدمة المؤلف ....9
ما روي عن النبيّ(صلی الله علیه وآله وسلم)
وصيته (صلی الله علیه وآله وسلم)لأمير المؤمنين(عليه السلام)...13
وصيته(صلی الله علیه وآله وسلم) الأُخرى له (عليه السلام)مختصرة ...16
وصيته(صلی الله علیه وآله وسلم)الأُخرى له (عليه السلام)...18
حكمه(صلی الله علیه وآله وسلم)وكلامه وموعظته ...19
وصيته(صلی الله علیه وآله وسلم) لمعاذ بن جبل...25
كلامه(صلی الله علیه وآله وسلم)في اُمور شتی ...26
ذكره(صلی الله علیه وآله وسلم) العلم والعقل والجهل ...27
موعظته (صلی الله علیه وآله وسلم)أصحابه واُمته ...28
خطبته(صلی الله علیه وآله وسلم) في حجة الوداع ...29
في قصارى كلماته(صلی الله علیه وآله وسلم)...30
ما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)
خطبته(عليه السلام) في إخلاص التوحيد ...49
كتابه (عليه السلام) إلى ابنه الحسن(عليه السلام)...52
وصيته (عليه السلام) لابنه الحسين (عليه السلام)...64
خطبته(عليه السلام) المعروفة بالوسيلة ...67
آدابه(عليه السلام)لأصحابه وهي أربعمائة باب للدين والدنيا ...72
ص: 445
عهده (عليه السلام)إلى الأشتر حين ولاه مصر...90
خطبته(عليه السلام) المعروفة بالديباج ...105
كلامه(عليه السلام)في الترغيب والترهيب...108
موعظته(عليه السلام)ووصفه المقصرين ...110
كلامه(عليه السلام)في وصف المتقين...111
خطبته(عليه السلام)التي يذكر فيها الإيمان والكفر ودعائمهما وشعبها ...113
كلامه(عليه السلام) لكميل بن زياد ...117
وصيته (عليه السلام)لكميل بن زياد مختصرة ...119
وصيته(عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر حين ولاه مصر...123
كتابه(عليه السلام)لأهل مصر ...123
كلامه(عليه السلام) في الزهد وذم الدنيا وعاجلها ...126
کلامه(عليه السلام) لما عوتب على التسوية في العطاء ...128
كلامه(عليه السلام)في وضع المال مواضعه ...130
وصفه(عليه السلام) الدنيا للمتقين...130
ذكره(عليه السلام) الإيمان والأرواح واختلافها ...132
وصيته(عليه السلام)لزياد بن النضر حين أنفذه إلى صفين...133
وصفه(عليه السلام) لنقلة الحديث ...134
کلامه(عليه السلام)في قواعد الدين ومعنى الاستغفار ....137
وصيته(عليه السلام)إلى ابنه الحسن لما حضرته الوفاة...138
تفصيله(عليه السلام)العلم ...139
في قصارى كلماته(عليه السلام)....140
ما روي عن الإمام السبط الزكي الحسن بن علي(عليه السلام)
أجوبته(عليه السلام)عن مسائل سُئل عنها...160
حكمه (عليه السلام)ومواعظه ...161
جوابه(عليه السلام)عن مسائل سأل عنها ملك الروم ...162
جوابه(عليه السلام)عن كتاب الحسن البصري في الإستطاعة ...164
موعظته(عليه السلام)شيعته ...164
ص: 446
خطبته (عليه السلام)حين قال له معاوية بعد الصلح : اذكر فضلنا ...165
في قصارى كلماته(عليه السلام)...166
ما روي عن الإمام السبط الشهيد المفدى(عليه السلام)
کلامه(عليه السلام)في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...169
موعظته (عليه السلام)شيعته ومواليه ...171
كتابه(عليه السلام)إلى أهل الكوفة ...171
جوابه(عليه السلام)عن مسائل سأل عنها ملك الروم ...172
كلامه(عليه السلام)في وجوه الجهاد ...173
كلامه(عليه السلام) في توحيد الله تعالى ...173
في قصارى كلماته(عليه السلام)....174
ما روي عن الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)
موعظته(عليه السلام)أصحابه وشيعته في كل يوم جمعۀ...178
كلامه(عليه السلام)في الزهد والحكمة...180
رسالته(عليه السلام)في جوامع الحقوق ...182
كلامه(عليه السلام)في الزهد ...193
كتابه(عليه السلام) إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه ...196
في قصارى كلماته(عليه السلام)...198
ما روي عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام)
وصيته(عليه السلام)لجابر بن يزيد الجعفي ...203
كلامه(عليه السلام)لجابر أيضاً....205
عبد
كلامه (عليه السلام)في أحكام السيوف ...206
موعظته(عليه السلام) شيعته ومواليه ....208
في قصارى كلماته(عليه السلام) ...210
ما روي عن الإمام أبي عبد الله الصَّادق(عليه السلام)
وصيته(عليه السلام)لعبد الله بن جندب...218
ص: 447
وصيته(عليه السلام)لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول...224
رسالتها(عليه السلام) إلى جماعة شيعته وأصحابه ...227
كلامه (عليه السلام)سماه بعض الشيعة نثر الدرر ...229
كلامه (عليه السلام)في وصف المحبة ...237
كلامه (عليه السلام)في صفة الإيمان ...239
كلامه(عليه السلام)في صفة الإسلام ....240
كلامه(عليه السلام)في صفة الخروج من الإيمان ...240
جوابه(عليه السلام)في وجوه معائش العباد...241
كلامه(عليه السلام)في وجوه إخراج الأموال وإنفاقها ...245
رسالته(عليه السلام)في الغنائم ووجوه الخمس...248
احتجاجه (عليه السلام)على الصوفية لما دخلوا عليه...253
كلامه(عليه السلام) في خلق الإنسان وتركيبه ...257
حكمه(عليه السلام)فی ودرر کلامه ...259
في قصارى كلماته (عليه السلام) ...260
ما روي عن أبي إبراهيم الإمام الكاظم(عليه السلام)
وصيته(عليه السلام) لهشام وصفته للعقل...281
حكمه(عليه السلام)ودرر كلامه ...295
كلامه(عليه السلام) مع الرشيد ...296
في قصارى كلماته(عليه السلام)....299
ما روي عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)
جوابه(عليه السلام)للمأمون في جوامع الشريعة ...305
كلامه(عليه السلام)في التوحيد ...311
كلامه (عليه السلام)فی الاصطفاء ...312
وصفه (عليه السلام) الإمامة والإمام ومنزلته ...321
في قصارى كلماته(عليه السلام) ...325
ص: 448
ما روي عن الإمام الناصح الهادي محمد بن علي(عليه السلام)
جوابه(عليه السلام)في محرم قتل صيداً...332
جوابه(عليه السلام)عن مسألة ليحيى بن أكثم ...334
في قصارى كلماته(عليه السلام)...335
ما روي عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد(عليه السلام)
رسالته(عليه السلام)في الرد على أهل الجبر والتفويض...337
أجوبته(عليه السلام) ليحيى بن أكثم عن مسائله ...351
في قصارى كلماته(عليه السلام)...365
ما روي عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)
كتابه(عليه السلام)إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري...358
في قصارى كلماته(عليه السلام) ...360
مناجاة الله عزّ وجل لموسى بن عمران(عليه السلام)...363
مناجاة الله عزّ وجلَّ لعيسى بن مريم(عليها السلام) ...367
مواعظ المسيح(عليه السلام)في الإنجيل وغيره...372
وصية المفضل بن عمر لجماعة الشيعة ...382
ص: 449
التمحيص والإبتلاء في كتاب الله...387
المقدمة ...389
وبه ثقتي ...395
سرعة البلاء إلى المؤمنين ...397
تعجيل التمحيص عن المؤمنين ...404
التمحيص بالعلل والأمراض...409
التمحيص بالحزن والهمّ ...411
التمحيص بذهاب المال ومدح الفقر وأن الله اختار الآخرة للمؤمنين...412
وجوب الأرزاق والاجمال في الطلب ...420
حسن اختيار الله للمؤمنين ونظره لهم وإن كانوا كارهين ...423
مدح الصبر وترك الشكوى واليقين والرضى بالبلوى...427
في أخلاق المؤمنين وعلامات الموحّدين...434
فهرس تحف العقول ...445
فهرس التمحيص ...450
ص: 450