المنهج التقريبي السليم

اشارة

نام كتاب: المنهج التقريبي السليم

نويسنده: الشيخ مرتضى علي الباشا

موضوع: مرجع

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

سال چاپ: 1429 ه. ق.

نوبت چاپ: 1

ص:1

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

المقدّمة

ص:5

فوائد الوحدة أو الاتّحاد أوضح وأجلى من أن تذكر؛ وكذا مضارّ التَّفرق والتَّمزق والتَّشرذم، فهي أشبه بالبديهيات الفطريَّة عند جميع العقلاء. وقد تعرَّض القرآن الكريم لهذا المبدأ في عديد من الآيات الكريمة، مضافاً إلى السُّنَّة المتواترة القوليَّة والفعليَّة كُلُّ ذلك من أجل تأصيل هذا الرُّكن في المجتمع الإسلامي.

قال الله سبحانه: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «(1)»


1- آل عمران: 103.

ص: 6

وقال عزّ وجلّ: وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ «(1)»

وقد أثبتت الحياة والتَّجارب أنَّ من أراد أن يكون عملاقاً فعليه أن يتَّحد ويتعاون، و على هذا الأساس تجاوزتِ الدُّول الأوروبيَّة جميع تراكمات الحربين العالمية الأولى والثَّانية، وكوّنت الاتّحاد الأوروبي، لتتمكّن من الوقوف أمام السَّيطرة والهيمنة الأمريكيَّة.

وبالرّغم من العداء التَّاريخي بين اليهود والنَّصارى، لكنَّهم اجتمعوا وتعاضدوا في قبال العدوّ المشترك. وهكذا الحال في الشَّركات الاقتصاديَّة والأحزاب والائتلافات الانتخابيَّة.

والحاصل: انَّ سنَّة الحياة قائمةٌ على أنَّ الأقوياء يتّجهون نحو الاتّحاد ليزدادوا قوّةً. وأمَّا الضُّعفاء فيسيرون بالاتّجاه المعاكس.

ولو لاحظنا محيطنا الَّذي نعيش فيه لوجدنا الانقسامات والاختلافات التَّالية:

1- انقسامات على أساس الحكومات السِّياسيَّة، التي


1- الأنفال: 46.

ص: 7

يتفرّع منها انقساماتٌ- أيضاً- على أساسٍ مناطقي و جغرافي. و ما يترتَّب على ذلك من إجراءات تنعكس على عمليَّة السَّفر والعلاقات المتبادلة وغير ذلك ...

2- انقساماتٌ على أساس الدِّين، والمذهب، والقواعد الفكرية من علمانيَّةٍ و ليبراليّةٍ وغيرها من الأفكار المستوردة ..

ولا يكاد ينجو من هذه التَّمزُّقات فرقةٌ أو طائفةٌ. ومحنة خلق القرآن الكريم لم تزل مستمرة في بعض الكتابات حتى هذا اليوم. وقد جمع بعض المحقّقين شواهد كثيرةً على ما قاله أرباب المذاهب في بعضهم البعض من ذمّ وقدح. ( «(1)»)

3- انقساماتٌ حزبية. ويا ليت الأمر يقف عند فرح كُلِّ حزب بما لديه، بل تتفاقم المشكلة إلى السَّعي الحثيث لتشويهصورة الحزب الآخر وتسقيطه في أعين الناس.

4- انقساماتٌ على أساس العرق واللُّغة.

ونجد أنَّ كُلَّ لونٍ من ألوان التَّمايز والانقسام قدصنع

لنفسه فلسفةً وتنظيراً، وشاد عليها مواقف وهياكل؛ بهدف


1- راجع: كتاب مسائل خلافيَّة حار فيها أهل السُّنَّة، للشَّيخ علي آل محسن.

ص: 8

الدّفاع عن الذَّات والخصائص المميّزة في مواجهة ما يعتبره تهديداً لتلك الخصائص.

ويجب أنْ نعلم بأَنَّ النِّزاعات والخلافات الدَّاخليَّة تستنزف قدرات الأُمَّة أكثر من النِّزاعات الخارجيَّة. ففي تقريرٍصادرٍ عن مركز الدِّراسات الإستراتيجية في جريدة الأهرام المصريَّة: أنَّ عدد ضحايا الأُمَّة العربيَّة فيصراعنا مع العدوّ الإسرائيلي خلال العقود الخمسة الماضية يبلغ مأتي ألف شهيد. يُقابلها (5. 2) مليون ضحيّة فيصراعاتنا الدَّاخليَّة.

وأمَّا على المستوى الاقتصادي فيقول هذا التَّقرير: إنَّ الأُمَّة تكلَّفت فيصراعها مع العدوّ الصَّهيوني خلال الخمسين سنة الماضية (300) بليون دولار، لكن خسائرنا في الصّراعات الدَّاخليّةَ (2، 1) تلريون دولار.

ص: 9

المراد بالتقريب بين المذاهب

اختلف دعاةُ التَّقريب في شرح مرادهم من هذه الدَّعوة ومحتواها وشرائطها، وبالتَّالي تتفاوت ردود الفعل من التَّقريب.

وهنا نذكر باختصارٍ منهجين رئيسين مختلفين للتَّقريب:

المنهج الأوَّل: يحاول أصحاب هذا المنهج حذف بعض العقائد أو الأحكام الفقهيَّة أو السُّلوكيَّة من هذا المذهب تارةً ومن ذاك أُخرى؛ وذلك لغرض تقليل دائرة الاختلاف وحصول التَّقارب.

وفي أحسن الأحوال لا يدعو أصحاب هذا المنهج إلى الحذف، ويكتفون بدعوى التَّعطيل ولو بشكلٍ مؤقّتٍ مراعاةً للمصالح العُليا.

المنهج الثاني: يطرح أصحابُ هذا المنهج التَّقريب بمعنى التَّآزر والتَّكاتف والتَّناصر، وتراصّ الصَّفّ، والتَّراحم

ص: 10

والتَّعاطف ودفاع بعضهم عن البعض الآخر.

وهذا التقريب يتمُّ من خلال ما يلي:

1- التَّركيز على مساحات الاتّفاق والهموم المشتركة بين المذاهب؛ فَإنَّ هناك مساحاتٍ شاسعةً من الأُمور المتّفق عليها بين جميع المسلمين، فلماذا نتجاهل جميع ذلك وننظر إلى الجزء الفارغ من الكأس؟! ولماذا لا نتعاون في إيجاد حلولٍ ومعالجة الهموم المشتركة؟!. أفلا يُمكننا التَّحرُّك والعمل معاً في تلك الدّوائر.

2- التَّعارف العملي والفكري؛ فقد انقطع حبل التَّواصل العلمي المباشر بين علماء المذاهب لحقبةٍ طويلةٍ من الزَّمن، وأصبحت معرفة كُلّ طرفٍ بالآخر تتمّ غالباً عن طريق الكتابات الوسيطة، والانطباعات المنقولة، وعادةً ما يصل إلى كُلّ طرفٍ أسوأ ما في وسط الطرف الآخر من آراء وأفكار، ويجري تعميمها وتشكيلصورة الآخر من خلالها.

فإصلاح العلاقات بين المذاهب الإسلاميَّة لا يتحقّق إلا بإصلاح المعرفة بين المذاهب، والمعرفةلا تعني بالضّرورة الاتّفاق، بل يبقى الحقُّ في الاجتهاد واختلاف وجهات النَّظر قائماً، كما هو واقع التَّعدُّد والاختلاف.

ص: 11

وكثيراً ما نجد أنَّ بعض النِّزاعات العلمية- بعد التَّأمُّل فيها- إنَّما هي خلافاتٌ لفظيَّةٌ ناتجةٌ عن اختلاف زوايا النَّظر أو اختلافٍ في المصطلحات.

3- إيضاح الموقف العام المتبنى؛ ففي أوساط كُلِّ مذهبٍ هناك آراءٌ شاذةٌ، وتوجُّهاتٌ فرديّةٌ، وسلوكيّاتٌ خاطئةٌ، وضمن أجواء الإثارة والخلاف يتمُّ إيصالها للآخر وتضخيمها وتعميمها، فينظر أتباع كُلِّ مذهب إلى الآخر من خلالها، مِمَّا ينتج رؤيةً مشوّشةً، وظنوناً سيّئةً، تكرّس حالة الخلاف والصِّراع.

إذن يتَّضح مِمّا تقدَّم:

أنَّ المنهج الصَّحيح للتَّقريب بين المذاهب ليس هو عبارة عن إيجاد مذهبٍ جديدٍ يتّفق عليه المسلمون، وليس هو التَّنازل أو حذف بعض العقائد هنا أو هناك، كالقول بعصمة أهل البيت:، أو عدالة جميع الصَّحابة، وليس هو التَّبديل في الأحكام الفقهيَّة الفرعيَّة، كأحكام الصَّلاة أو الوضوء أو الحجّ أو غيرها.

ولو رجعنا إلى علاقة اليهود والنَّصارى بالمسلمين إبّان حياة رسول الله 9 و إبّان خلافة أمير المؤمنين 7،

ص: 12

فنتساءل:

هل ألزم الرَّسول 6 اليهود والنَّصارى بالتَّخلّي عن عقائدهم ليعيشوا في كنف وحماية الدَّولة الإسلاميَّة؟

إذا كُنَّا لا نشترط تخلِّي النَّصراني عن عقيدة الثَّالوث لنقيم معه علاقاتٍ دبلوماسيَّةً واقتصاديَّةً وعسكريَّةً وغيرها، بل وليعيش هو- أيضاً- تحت رعاية الدَّولة الإسلاميَّة، فلماذا نتشدَّد نحن المسلمون مع بعضنا البعض، ونرفض مدَّ الجسور فيما بيننا إلّا بعد إلزام الطَّرف الآخر بالتَّخلِّي عن الامتيازات العقائديَّة والفكريَّة لكُلِّ مذهبٍ وطائفة.

وقد رأينا أنَّ الاختلافات بين اليهود والنصارى لم تمنعهم من توحيد الجهود في المشتركات، ولم يشترط النَّصراني على اليهودي الدُّخول في دينه أو التَّخلِّي عن عقيدته.

كما أنَّ التَّقريب لا يعني سدّ باب دعوة كُلّ مذهبٍ إلى نفسه، ما دام يعتمد أسلوب الدَّعوة بالحكمة والموعظة الحسنة دون تجريحٍ أو استغلال. وإنَّما نرفض محاولات الاستغلال السَّيّئ، والاستضعاف، والجدال العقيم، وفرض الرَّأْي، وأمثال ذلك.

ص: 13

التَّقريب والوحدة والتَّعايش

أوَّلًا: الوحدة بين المسلمين، و هي- أيضاً- تطرح وفق منهجين مختلفين:

المنهج الأول:صهر الفرق والطَّوائف في بوتقة مذهبٍ واحدٍ.

المنهج الثاني: الوحدة في المواقف السِّياسيَّة والهموم الاجتماعيَّة المشتركة. ولعلَّ الأفضل التعبير عن هذا المنهج ب- (الاتّحاد) لا (الوحدة).

ومن هنا قد يفضِّل البعض استعمال مفردة (التَّقريب) هرباً من الوحدة بالمنهج الأوَّل. وفي قباله هناك من يفضّل التَّعبير ب- (الوحدة أو الاتّحاد) احترازاً عن التَّقريب بالمنهج الأوَّل المذكور آنفاً.

ثانياً: التَّعايش، و هو يعبِّر عن مرحلة سلامٍ وسطيَّةٍ بين الاحتراب وبين الاتّحاد. ففي هذه المرحلة يعيش

ص: 14

الجميع معاً دون اعتداءٍ أو بغضاء، فالتَّعايش لا يدلُّ بمفرده على عملٍ مشتركٍ وتناغمٍ في الحركة، ولا على تناصرٍ وتكاتف.

ص: 15

الجهة المسؤولة عن إيجاد (التفرقة)

أو (التقريب والوحدة)

1- الحكومات السّياسيَّة: فالحكومة عبر ممارساتها وتعاملها مع المواطنين قد تخلق بينهم الألفة والمحبة والتّعاون، وقد يكون الحال بالعكس. والكثير من الآمال والأحلام العالميَّة إنَّما تتحقَّق من خلال التَّعاون بين الدُّول والحكومات، وليس بين الأفراد أو المؤسّسات.

2- علماء الدّين، أفراداً ومؤسّسات: فعالم الدِّين ولجنة الإفتاء وما شابه يؤثّرون في قناعات وسلوكيات الفئة المتديّنة من المجتمع. وذلك من خلال الفتاوى أو الآراء العلميَّة أو المواقف العمليَّة الميدانيَّة.

3- المؤسّسات الاجتماعيَّة وال فكري ة: إذا كانت هذه المؤسسات ترعى جميع الطَّوائف وتستقطبهم فهذا يسهم في إذابة الجليد بين النَّاس، وعكسه ما لو كانت تمارس

سياسة التَّمييز.

ص: 16

4- وسائل الإعلام: فمع ثورة وسائل الإعلام والمعلومات قد زادت مسؤوليّة هذه الجهة؛ فهي القادرة على نشر وترويج ما تريد وتغيير قناعات النَّاس، لا سيّما إذا انضمَّ إلى ذلك الفنون الحديثة للإعلام والإقناع.

5- أهل الفكر و القلم: ربَّ كلمة غيّرت مسار التَّاريخ، وربَّ كلمة أو قلمٍ انضمَّ إلى آخر فأوجد التَّغيير والتَّبديل.

ص: 17

طرق ووسائل التَّقريب أو الوحدة

1- نشر الوعي بأهميَّة الوحدة والتَّقريب- بالمعنى الصَّحيح- وتعميقه وتجذيره.

هذا، و قد درج البعض على مبدأ (فرّق تسد) فهو يرى أنَّ إيجاد التَّفرقة والنّزاعات وسيلته للسّيادة والزّعامة، لذا لا ننتظر منه جهوداً واقعيَّةً في سبيل لمِّ الشَّمل، وترميم أو تجديد البيت الدَّاخلي أو الموقف الخارجي.

نعم، قد ينادي هؤلاء بالوحدة في بعض الظُّروف من باب اضطرارهم إلِ ى ذلك، وخداع الرَّأْي العام.

إذن، نحن بحاجة إلى إيمانٍ واقعيٍّ بأهميّة المسألة يتغلغل في جذور الأمَّة والمسؤولين، ويجري في شرايينهم، إلى أن تصبح المسألة من قضاياهم الرَّئيسيَّة التي يدافعون عنها ويمارسون عليها رقابتهم.

ص: 18

2- إبداء كُلّ الأطراف حسن النَّوايا قولًا وعملًا.

3- حسن الظّنّ بالآخرين، ولكن بلا سذاجة.

4- ترك التَّنظير الأسطوري والأحلام، والبدء بالتَّخطيط الواقعي والتَّنفيذ الميداني؛ فالتَّقريب والوحدة يقومان على مشاريع علميَّة وعمليَّة يلمسها النَّاس، وتؤثّر فيهم، وتبنيهم من الدَّاخل، وتحقُّق آمالهم. و لسنا بحاجة إلى خطب وكلمات رنّانة، كما نحن في غنى عن مؤتمرات ومؤسّسات عاجزة عن التَّنفيذ والعمل. نحن بحاجة إلى الخطط والمشاريع والأفكار الواقعيَّة الممكنة التَّحقيق وفق أولويّات ومراحل.

5- البداية بالأقرب؛ فعلينا أن نبدأ بالوحدة والتَّقريب بين الأقرب فالأقرب. ولذا لا نفهم لماذا نسعى للاقتراب من المذهب الآخر في الوقت الذي نتجاهل فيه الاقتراب من أبناء مذهبنا الذين نختلف معهم في بعض الجوانب.

6- تحقيق مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان؛ فعندما يحرم الإنسان من الأمن أو لقمة العيش أو حقّ التَّعليم بناء على اختلافه في العرق أو المذهب أو ما شابه، فلا نتوقّع منه الاندماج مع مَنْ سلبه حقوقه وحاربه، كما لا ننتظر منه المحبة والألفة مع من يتنعّم بما سلب منه.

ص: 19

لذا نقول بضرسٍ قاطعٍ: إنَّ التَّمييز بين المواطنين من دون أساسٍ عقلائيّ لهو من أكبر عوامل إيجاد التَّفرقة والبغضاء والشَّحناء بين النَّاس.

أمَّا توفيرُ حدٍّ أدنى كريم لكُلِّ مواطن، وإعادة توزيع الثَّروة بالأساليب المشروعة، وبالطَّريقة التي تحقّق المبادئ الإسلاميّة للعدالة الاجتماعيَّة، وتجسيد روح الإسلام بإقامة مبادئ الضَّمان الاجتماعي، والتَّوازن الاجتماعي، والقضاء على الفوارق بين الطبقات؛ كُلّ ذلك يدفع بالأُمَّة نحو التَّلاحم والتَّرابط والمحبّة.

7- القبول بواقع التَّعدُّديَّة المذهبيَّة والفكريَّة والسِّياسيَّة؛ فلو نظرنا إلى التَّجربة العالميَّة نرى أن قبول التَّعدُّديَّة يولّد حالةً من الاطمئنان والاستقرار بين الأطراف المختلفة، ويمكّنها منصنع إطارٍ جامعٍ، تحافظ من خلاله على المصالح المشتركة.

وليُعلم أنَّ القبول بواقع التَّعدُّد يعني الاعتراف بحقِّ مختلف الأطراف في الأُمور التَّالية:

أ حقّ التَّعبير عن الرَّأي وإعلان الموقف.

ب حقّ ممارسة الشَّعائر الدِّينيَّة.

ج حقّ المشاركة في اتّخاذ القرار.

ص: 20

دحقّ إقامة مؤسّسات والجمعيّات المختلفة.

كُلُّ ذلك ضمن قانونٍ يخضع له الجميع، دون هيمنة واستعلاء من أحد، أو تهميشٍ وإقصاء لأحد.

8- قبول الآخر كما هو؛ ففي الواقع يندرج هذا الأمر تحت البند السَّابق، وإنما أفردناه بالذّكر لأهميّته وشدَّة الاختلاف فيه.

فلا تُطالب فئةٌ أو فرقةٌ بالتَّخلِّي عن بعض عقائدها أو أحكامها. وقد ذكرنا هذا سابقاً.

9- الوضوح والتَّحديد الكامل لمطالب الوحدة ومجالها وجميع شؤونها؛ فمن المتّفق عليه عند العقلاء ضرورة الوضوح الكامل في جميع بنود الاتّفاقيات والمعاهدات، ليفهم كُلّ طرف ما له وما عليه. أمَّا إذا كانت الصُّورة غائمةً ومشوشةً فيصعب حصول اتّفاق، بل سرعان ما يعود الخلاف.

ومن أوضح الأمثلة الواقعية على ذلك: مسألة تجريم التَّعرُّض لذمِّ الصَّحابة، فما زال التَّقريبيون يدورون في دائرة مفرغة، وعلَّة ذلك هو عدم الاتّفاق على معنى واضح للتَّعرُّض لشأن الصَّحابة. فهل المطلوب الكفّ عن بعض الممارسات في الفضاء العام، أم المطلوب هو تحريم

ص: 21

وتجريم تلك الممارسات حتى على نطاقٍ داخلي؟! وهل يحُظر قراءة قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ «(1)»

نظراً لما تحويه هذه الآية من وصف لأحد الصَّحابة بالفسق؟! أو يجوز قراءة الآية ويحظر بيان سبب النُّزول فقط؟!

قبل توضيح جميع هذه التَّفاصيل وغيرها لا يمكنك تشخيص أحقيّة المطلب والمقدار والكيفيَّة المطلوبة.

حتى الآن ما زلنا ندور في دائرة مفرغة، هذا يطالب، وذاك يحرّم، وثالث يعترض. ولم نر حتى الآن من يطرح الموضوع بصورة موضوعيَّة واضحة المعالم والحدود ...

لهذا ولأمثاله قلنا سابقاً بضرورة قبول الآخر كما هو.

10- اهتمام المؤسّسات الدِّينيَّة بقضيّة الوحدة والتَّقريب، وحثّ أتباعها، وإبداء المواقف الواضحة من ذلك، لا سيّما المواقف العمليّة التطبيقيّة. ومن الضَّروري تطبيق التَّقريب والاتِّحاد بين المؤسّسات الدِّينيَّة أنفسها. ولا يخفى أنَّ التزاور- مثلًا- بين القيادات الدّينيّةينعكس على أتباعهم ومحبّيهم. فلاينبغي الاقتصار في ذلك على


1- الحجرات: 6.

ص: 22

المناسبات أو داخل أروقة المؤتمرات.

11- تجريم التَّحريض على الكراهية والإساءة؛ ولا نقصد مجرَّد الشّجب والاستنكار، بل يجب محاسبة ومعاقبة المحرّضين، كتجريم من يحرّض على الإرهاب والسَّرقة والفساد.

12- ترويج الآداب الإسلامية في المعاشرة؛ فقد جاء في الحديث الصَّحيح عن معاوية بن وهب، قال: «قلت له: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من النَّاس مِمَّن ليسوا على أمرنا؟ قال 7: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنَّهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشَّهادة لهم وعليهم، ويؤدّون

الأمانة إليهم.» ( «(1)»)

وفي الحديث الصَّحيح عن زيد الشَّحّام عن الإمام الصادق 7 في حديث قال:


1- الكُلَيني، محمد بن يعقوب، الكافي 636: 2، باب: ما يجب من المعاشرة، الحديث: 4، تصحيح و تعليق علي أكبر غفاري، الطَّبعة الرَّابعة، 1365 ش، دارالكتب الإسلاميَّة طهران.

ص: 23

«...صِلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنَّ الرَّجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدّى الأمانة، وحسَّن خُلُقه مع النَّاس قيل: هذا جعفريّ. فيسرّني ذلك ويدخل عليّ منه السُّرور، وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ

بلاؤه وعاره، وقيل: هذا أدب جعفر، فوالله لحدّثني أبي 7 أنَّ الرَّجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي 7 فيكون زينها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: مَنْ مثل فلان! إنه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث.» ( «(1)»)

وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7:

«اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما


1- المصدر نفسه، الحديث الخامس.

ص: 24

تحبّ ألَّا تظلم، وأحسن كما تحبّ أنْ يحسن

إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، ولا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك.» ( «(1)»)

13- إحياء البعد الاجتماعي والوحدوي في العبادات؛ فقد وصل الخلاف والشّقاق بين المسلمين إلى عدم اتّفاقهم على يوم الصّيام ويوم الفطر، ولم يفلح مجلس التَّعاون ولا الجامعة العربية في توحيد المسلمين في مسألة الهلال.

وهلال الحجّ تستفرد به جهةٌ واحدةٌ دون أن تراعي آراء بقية المذاهب في شروط إثبات الهلال.

وأصبح الحجُّ مجرَّد أعمالٍ جافّة يؤدّيها كُلُّ حاجّ بمعزل عن الآخرين، في حين أنَّ من أهداف الحجّ إيجاد التَّفاهم وتعزيز أواصر الوحدة الإسلامية. وفي هذا السياق ركَّز الإمام الخميني/ على مسيرة الوحدة والبراءة من المشركين، وقال:

«من مهمات فلسفة الحجّ إيجاد

التَّفاهم، و تعزيز الأُخوَّة بين المسلمين، وعلى العلماء و الخطباء


1- الشَّريف الرَّضي، نهج البلاغة: 126، من وصية له لابنه الحسن 7، نسخة المعجم المفهرس، مؤسسة النَّشر الإسلامي التَّابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة.

ص: 25

طرح المسائل الأساسيَّة والسِّياسيَّة والاجتماعيَّة مع أخوتهم في الدِّين وتهيئة مشاريع لحلّها، ليطرحوها بدورهم على العلماء وأصحاب الرَّأي عند عودتهم إلى بلدانهم».

كما قال- أعلى الله مقامه-: «ليس حجّاً ذلك الحجّ الخالي من الرُّوح والتَّحرُّك والقيام، والفاقد للبراءة والوحدة، وغير الدَّاعي لهدم الكفر والشَّرك».

14- إيجاد المؤسّسات التَّقريبيَّة من قبيل النَّوادي الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة والرِّياضيَّة المشتركة.

15- تفعيل مسألة الوحدة والتَّقريب في الصُّروح العلميَّة (المدارس، الجامعات، الجوامع)، والتَّشجيع على القيام بدراسات وبحوث علميَّة تتسم بنزعة التَّقريب والوحدة، ويجب الاهتمام في نشر وتوزيع تلك البحوث

والدّراسات بدرجة قويَّة وفعّالة.

لقد كان وعي الشَّهيد الصَّدر/ عميقاً عندما أنجز عدَّة بحوث ودراسات في حقول المعرفة الإسلاميّة، تهدف إلى تأسيس قناعات مشتركة بين أبناء الإسلام، أو تثبت أُسساً ومقررات شرعيَّةً مقبولةً تصح أنْ تكون منطلقاً لقيام دراسات ذات سمة تقريبيَّة. فكان من ذلك كتاب

ص: 26

(فلسفتنا)، (اقتصادنا)، (البنك اللاربوي في الإسلام)، (الأسس المنطقيَّة للإستقراء).

16- السَّعي المشترك المتضافر لاتّخاذ المواقف الوحدويَّة النَّموذجيَّة في كُلِّ القضايا المصيريَّة.

17- تقدَّم لزوم إنشاء وترويج ثقافة التَّقريب والاتّحاد، وهذا يقتضي مشاركة الفنّ والأدب والتَّمثيل وغيرها مِمَّا يُساهم في تكوين الثَّقافة الصَّحيحة أو الخاطئة عند عامة النَّاس، شعروا بذلك أم لم يشعروا.

18- الإعلام المسؤول والهادف، ونشر ثقافة التَّقريب والوحدة، وهي عبارة عن ثقافة التَّسامح والمحبّة واحترام الرَّأْي المخالف والقبول بالتَّعدُّديَّة والعمل المشترك والمسابقة إلى الخيرات ... مضافاً إلى تغطية جميع الأنشطة التَّقريبيَّة والتَّوحيديَّة وإبداء الوجه المشرق لهذه القضيَّة.

ص: 27

ضوابط الاختلاف العلمي الصحيح غير المؤدّي

إلى التفرقة والاختلاف

1- الاحترام وعدم الاستفزاز والتَّراشق بالتّهم.

فلنتعلّم من القرآن الكريم أسلوب الحوار، وكذا من الرسول الأعظم 9 كيف كان يتحاور مع المشركين، وكذا من الأئمة: طريقة الحوار مع شتّى الطَّوائف والملل والمذاهب. ولا نكن أشدّ غيرة على الدِّين والحقّ من الله تعالى، ومن رسوله وأهل بيتهصلوات الله عليهم أجمعين.

2- عدم المؤاخذة بلوازم الرَّأي؛ فإنَّه من المنطقي أنْ يحاسب الإنسان على رأيه، ويناقش بكُلِّ دقة وأناة، ولكن من الخطأ المؤاخذة بلوازم الآراء إذا كانصاحب الرَّأي لا يقبل تلك الملازمة.

3- التَّعذير عند الاختلاف؛ فإنَّه ما دمنا نؤمن بانفتاح باب الاجتهاد، وما دامت أسباب اختلاف النَّتائج

ص: 28

الاجتهاديَّة قائمةً وطبيعية .. فمعنى ذلك القبول باختلاف الآراء والمواقف. وعليه فيجب أن يُوطّن الفرد المسلم- عالماً كان أو متعلّماً، مجتهداً كان أو مقلّداً- نفسه على تحمُّل حالة المخالفة في الرَّأْي، وعدم اللُّجوء إلى أساليب التَّهويل والتَّسقيط وأمثالها.

والجدير بالذّكر أنَّ الحوارات المذهبيَّة من أعقد الأساليب وأخطرها؛ لأنَّه في أكثر الحالات تصاحب التَّشنُّج والجدال العقيم والبحث عن الغلبة وتسقيط الآخر.

ص: 29

إعادة كتابة التاريخ لا يعتبر مدخلًا للوحدة

أرى ضرورة إعادة كتابة التَّاريخ وقراءته بشكلٍ موضوعيٍّ ومنصف. ولكن لا أعتبر ذلك من الوسائل المعتمدة للتَّقريب أو الاتّحاد. فما دمنا لم نتحلّ بالصِّفات المطلوبة سيكون قراءة التَّاريخ مدعاةً للتَّمزُّق أكثر فأكثر.

وأخيراً ...

لا بأس بالإشارة إلى شي ءٍ من الآثار السَّلبية لممارسات التَّقريب الخاطئة؛ فقد برز على السَّطح تيارٌّ تقريبيٌّ مفرطٌ يصل إلى درجة التَّنازل عن المبادئ والثّوابت المذهبيّة، وذلك بحجة المحافظة على مصالح الإسلام العليا، وما لم تنضم إليهم وتوافقهم على ما يرون فأنت تكفيريٌّ إرهابي. فقد خلا قاموسهم إلّا من قائمتين:

القائمة الأولى: التَّقريب بالمعنى الذي يفهمونه،

ص: 30

وبالأسلوب الذي يرتأونه.

القائمة الثانية: الإرهاب والتكفير.

ومن يصدر فتاوى موافقة لما يرون فهو المجتهد المجدّد الفذّ الشّجاع الجري ء، ومن لا يفتي بذلك فهو مجتهدٌ مقلّدٌ تنقصه الجرأة والشّجاعة يعيش خارج الزَّمن المعاصر.

ومن الطَّبيعي أن يتولَّد في قبال هذا القاموس تيارٌ آخر على طرف النَّقيض، يغلق أبواب الاجتهاد، ويتّهم خصمه بالمتاجرة بالدّين، وضعف العقيدة أو الضّلال.

وأرى أنَّ الأوَّل وقع في التَّفريط، والثَّاني وقع في الإفراط. وعلينا أنْ نعقل ولا نتسرَّع، ولا نغلق أبواب البحث العلمي، ولا نواجه الخطأ بخطأ آخر مضادّ له. والله وليّ التَّوفيق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.