الدين نشأته وتقوية الإيمان به وتطوّر تشريعه مع الزمن

هوية الكتاب

اسم الكتاب........ الدين نشأته وتقوية الإيمان به وتطوّر تشريعه مع الزمن

المؤلّف...عبدالكريم الحسيني القزويني

الطبعة ..... الأولى - 1434 ه. ق

الكمية.... 2000

المطبعة .....گلوردی

الناشر ...کمال الملک

ISBN: 978-964 -9977 -86-7

جميع الحقوق محفوظة للمؤلّف

موقع المؤلّف

WWW.QAZVINI.org

محرر الرقمي: محمد مهدي فصيحي

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

الدین نشأته وتقوية الإيمان به

وتطوّر تشريعه مع الزمن

عبد الكريم الحسيني القزويني

ص: 3

ص: 4

الدين

نشأته وتقوية الإيمان به

وتطوّر تشريعه مع الزمن

ص: 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قال الله تعالى :

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )

سورة الروم : الآية 28

ص: 6

أخى القارئ :

انّ هذا الكتاب الذي بين يديك من الكتب التي تتحدّث عن الدين واصالته ونشوءه وعن أسلوب تقوية الايمان به وتغذيته لأنّه جزء لا يتجزّأ من حياة الانسان ولا يمكن أن ينفصل عنه بحال من الأحوال لأنّه الفطرة الالهية التي فطر الله الناس عليها كما قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )(1) .

وبناءً على هذه الفكرة وهذه النظريّة أكّد العلماء والفلاسفة على هذا المعنى وقالوا: انّ الانسان جُبَل على الدين وغريزته كما جاء في معجم لاروس في القرن العشرين، ما نصّه :

«إنّ الغريزة الدينيّة مشتركة بين كلّ الأجناس البشريّة حتّى أشدّها همجيّة وأقرّ بها إلى الحياة الحيوانية وإنّ الاهتمام بالمعنى الالهي وبما فوق الطبيعية هو احدى النزعات العالميّة الخالدة

ص: 7


1- سورة الروم : الآية 28 .

للانسانية » (1).

فبناءً على هذه النظريّة أنّه لا يوجد انسان على وجه الأرض لا يدين بدين قطّ كما قال الفيلسوف - هنري برجسون -:

«لقد وجدت وتوجد جماعات انسانيّة من غير علوم وفنون وفلسفات ولكنّه لم توجد قط جماعة بغير ديانة » (2).

الدين نشأته وتقوية الإيمان به وتطوّر تشريعه مع الزمن

علماء الغرب واروبا يعترفون بصلاحيّة الاسلام للحياة

وها هم علما الغرب وفلاسفتهم ورجال العلم والقانون يؤكّدون على انّ الاسلام وتشريعاته هي شاملة للحياة مع حلولها للمشاكل ورفع التناقضات الاجتماعيّة والفكريّة وقد صرّحوا بذلك وأدلّوا بتصريحاتهم بصلاحيّة التشريع الاسلامي للحياة ومماشاته للعصور وهم كما يلي :

1 - فهذا الكاتب الانكليزي المشهور - جورج برنادوشوا(3)- يعترف ويقول :

«إنِّي وجدت الحياة والحيوية في التشريع الاسلامي وكذلك عند

ص: 8


1- كتاب بحوث ممهدة لدراسة الدين، للدكتور عبدالله دراز .
2- نفس المصدر السابق .
3- Georhe Bernard Shaw .

نبيّه محمّد ممّا جعلني أن امن واعتقد بأن تعاليمه الراقية هي موضع اعجاب وتقدير وهو الدين الوحيد الذي فيه الاستعداد لمسايرة ومواكبة حياة البشريّة وأنا أتنبّأ بأن دين محمّد سوف ينتشر في الغرب والمجتمع الأروبي ويرحّبون به » (1).

2 - وقال الكاتب الايطالي في كتابه - ايطاليا الجديدة - الأستاذ پرنس جیوانی پورگيز (2) - ما نصه :

«عظمت الاسلام تظهر في تشريعاته الحيويّة التي استطاعت أن تطبق قوانينها منذ بداية الدعوة الاسلامية وحكمت البلاد بينما التمدّن الاروبائي بعد ظهور 600 سنة من حياة المسيح وهذا ممّا يعطي الحيويّة والمرونة للتشريع الاسلامي»(3).

3 - البرفسور - بوثوورث اسمیت (4) - الكاتب والمحقّق البريطاني المعروف فانّه يقول:

«انّ الاسلام وتشريعه يحمل في طياته روح الحياة المتحرّكة والمرونة وهذه الروحيّة تبقىٰ وتعيش مع مرور الزمن وتلائم دائماً

ص: 9


1- اعترافات خدمات اسلام به اوروپا ج 1، ص 50 باللغة الفارسية .
2- Prince Boorguise.
3- نفس المصدر : 49 .
4- Prof. Bosworeh smith.

العصور والأزمنة (1).

4 - الكاتبة الانكليزيّة - لادين ايفلين كوبولد (2) - في كتابها - السير إلى الله - فانّها تقول :

«إنّ الاسلام وتعاليمه هو قانون كبير يحمل معاني الحياة الخيرة ويعالج المشاكل الاجتماعيّة وهو باقي ومستمر كذلك لأن أصوله أصول التحضّر والتمدّن والرقى ومنسجم مع العقل السليم» (3).

ه - الشاعر الالماني الكبير - جاييتي (4)- يقول :

«إنّ أصول الاسلام وتعاليمه القيّمة هي قائمة على الحكمة فكلّ حكيم وعاقل لابدّ أن يسير على وفق مسلكه و تعاليمه » (5) .

6 - المؤرّخ البريطاني المشهور - ولز (6) - فقد ذكر في كتابه - التاريخ العمومي -:

«انّ الاسلام هو قانون مدني ونظام اجتماعي لجميع البشرية وملائم للحياة ومحارب للظلم والخيانة والجناية والعدوان »(7).

ص: 10


1- نفس المصدر : ج 1 ، ص 49 .
2- L.E.Cobbold
3- نفس المصدر : ج 1 ، ص 49 .
4- .Gaeete
5- نفس المصدر : ج 1 ص 51
6- Wells
7- نفس المصدر ج 1 ، ص 51 .

7 - واخيراً وقبل أكثر من سنة صرّح رئيس كنيسة - ذي جرج اف انکلند (1)- واسمه - ردن ویلیامز - وهي من أعظم كنائس بريطانيا فقد قال في تصريح له :

« لابد لنا من أن نكمل نواقص القانون بمواد من الشريعة الاسلامية حتى تكتمل نواقصنا القانوية في حياتنا المدنية والاجتماعية» . (2)

فهاجمه الاساقفة ورجالات الكنائس في بريطانية واعترضوا عليه .

الاسلام صلاحيته وشموله

رأينا أقوال فلاسفة الغرب واروبا وشهادتهم بصلاحية الاسلام وشموله وهذا الكتاب يتكفل ببيان هذه الحقيقة وبحث هذا الموضوع بروح موضوعية وباسلوب سلس ومختصر ومفيد ولاسيما الدين الاسلامي الحنيف الذي ارتضاه الله للناس ولادارة البلاد والعباد بقوله :

(إنَّ الدينَ عِنْدَ اللهِ الاسلام ) (3).

ص: 11


1- .Rowan williams
2- أعلن ذلك تلفزيونياً .
3- سورة آل عمران : الآية .19

وقد سنّ فيه التشريعات الأربعة :

العبادات ؛المعاملات ؛ الحدود والادارة والسياسة .

ولهذا نجد التشريع الاسلامى تشريعاً واسعاً وشاملاً لكلّ جوانب الحياة ويندرج هذا الشمول تحت الأحكام الخمسة وهي :

1 - الوجوب .

2 - الحرمة .

3 - الاستحباب .

4 - الكراهية .

ه - الاباحة.

فلا يمكن أن يوجد حكماً أو شيئاً من الأشياء لا يدخل تحت هذه الأحكام الخمسة وهى شاملة لكلّ أمور الحياة .

والانسان الذي يقرأ هذا الكتاب يتضح له هذا المعنى واضحاً وجلياً وبصورة مقتضبة .

هذا هو الاسلام وهذه هي تعاليمه وتشريعاته المرنة والتي شهد بها كبار العلماء والفلاسفة وأقروا بصلاحياتها للتطبيق في حياتنا.

نصیحتی

هذا هو الاسلام وهذه تعاليمه وتشريعاته المرونة التي شهد بها

نصيحتى.

ص: 12

الأجانب من الغربيين والاوروبين واعترف الأعداء أيضاً بصلاحيتها للتطبيق في حياتنا ولهذا أوجه نصيحتي :

أوّلاً : لأبنائنا من الذين يسعون ليلاً ونهاراً من أجل ابعاد الاسلام عن مسرح الحياة ويقومون بتشويه أفكاره ومعالمه من الامبرياليين والعلمانيين وغيرهم أن لا يكونوا العوبة بيد الأجانب والأعداء والمغرضين في الداخل والخارج ولاسيّما في عصرنا هذا الذي نعيشه حيث تكالب الأعداء على تشويه سمعة الاسلام في ذهنية أبناء هذا العصر حتى توقف زحفه وتقدمه في العالم وذلك لأن الأعداء شعروا ان الاسلام يتقدم تقدماً زاهراً في العالم وخصوصاً في امريكا واروبا وأصبح الديانة الثانية بعد المسيحية في تلكم الديار ففكروا لو بقى الاسلام على هذا الحال لمدة خمسين سنة الباقية من هذا القرن قد يصبح الديانة الاولى فى هذه الديار ولهذا السبب عمدوا لتشويه سمعة هذا الدين العظيم في اذهان أبناء هذا العصر فخلقوا جماعات جاهلية تقوم باعمال الاجرام والارهاب باسم الاسلام وهذا ما يحدث الآن فى العراق والجزائر وباكستان وافغانستان وفي مصر والسعودية وسوريا و... من ايجاد التفرقة وبث الروح الطائفية واثارة الشبهات حول بعض المعتقدات الاسلامية من على شاشة بعض القنوات التلفزيونية.

ص: 13

ثانياً : ونقول أيضاً لهؤلاء الأخوة لو سلمنا انكم استطعتم ان تبعدوا حكم الاسلام عن مسرح الحياة والحكم ونحن نتسائل هنا هل تبقون بلا قانون ؟ وهذا شيء لا يمكن فلابد حينئذ تلتجئون إلى وضع القوانين والذي سيصنعه ويشرعه لكم رجال من امثالكم وامثالنا يخطئون ويصيبون وقد دلت التجربة التي عشناها واياكم ورأيناها في عصرنا الحاضر كيف انها انهارت من أساسها قوانين الاشتراكية التي كانت تتمثل في معسكر الاتحاد السوفياتي وأفلاكه آنذاك. واما المعسكر الرأسمالي وأفلاكه التي تدور حوله رأيناها كيف انها تعاني من ازمات اقتصاديه حاده كما في أمريكا وغيرها حيث هناك بنوك وشركات كبيره انهارت وافلست و اغلقت أبوابها ولا تزال تعاني ازماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك لان اللجوء إلى القوانين البشرية فانها قاصرة لقصور عقل الانسان الذي شرع هذه القوانين ولكن اللجوء إلى القوانين الإلهية فيها صيانة من الانحراف وفيها المرونة التي تلائم البشرية في كل عصر والزمان وتلائم احتياجات البشرية في كل عصر ومكان .

فاذا قيل : أليس الحكم الأموي والعباسي وغيرهما مصدرهما القرآن والسنة ؟

وجوابه : الحكم الأموي والعباسي ليس مأخوذاً من القرآن

ص: 14

والسنة وكان غالبية حكامها لا يحكمون بهما وانما يحكمون بموجب شهواتهم ورغباتهم واذا خالفهما القرآن والسنة يضربونهما عرض الجدار فحكمهم مستند إلى الشهوات والرغبات ويحاربون الحكم الاسلامي المستند إلى القرآن والسنة كما حدث ذلك في عهد خلافة أمير المؤمنين علي علیه السلام من أمثال الحروب التي قامت ضده كحرب الجمل وصفين والنهروان وكيف انهم حاربوا امام المتقين لانه أراد أن يعيد الحكم للقرآن والسنة إلى الحياة فقاموا بحرب مسلحة ضده من أمثال معاوية ونظائره من الحكام الذين يحكمون بشهواتهم ورغباتهم.

ثالثاً :وكذلك نصيحتي للارهابيين بمختلف مشاربهم وأحزابهم ومعتقداتهم أن لا يشوهوا سمعة الاسلام ونقول لهم :

لا تذبحوا الناس وتقتلوهم باسم الاسلام وقد حرم الله ذلك بقوله :

(مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النّاسَ جَميعاً )(1).

ولا تجعلوا غضب الله ولعنته تصب عليكم فقد قال الله تعالى : ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فيها وَغَضِبَ الله

ص: 15


1- سورة المائدة : الآية 32 .

عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظيماً ). (1)

ولا تمزقوا وتفرقوا الوحدة بين المسلمين التي عناها الله بقوله:

(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ). (2)

ولا تزرعوا الحقد والبغضاء في قلوب المؤمنين بدل الحب والمودة التى أرادها الله لهم بقوله :

(وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا )(3) .

ولا تقطعوا الجسد الواحد للمسلمين الذي عناه الرسول الكريم بقوله صلى الله عليه وسلم :

«مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى عضو منه تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».

وأخيراً فلا تحاربوا الله ورسوله بالقاء القنابل والمتفجرات في المساجد الشريفة والمراقد المقدسة والشوارع والأسواق باسم الاسلام فتشوهوا بذلك سمعة الاسلام فتكونوا ممن عناهم الله تعالى بقوله :

ص: 16


1- سورة النساء : الآية 93
2- سورة المؤمنون: الآية 52
3- سورة الحشر : الآية 10.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ )(1)

حقيقة نشوء الاديان والافتراء عليها

ما هي حقيقة نشوء الاديان وواقعيتها ، لأن هناك بعض النظريات التي تفسّر الدين بأنه من صنع الانسان صنعه من اجل حفظ مصالحه الشخصية كنظرية كارل ماركس وغيرها، فما هو الدليل على بطلان هذه النظرية ؟

نرجو من سماحتكم ان تتكرموا باجابتنا اجابة واضحة لا لبس فيها ولا غموض :

الدين فطرة انسانية

الدین احدى الغرائز الرئيسية المتأصلة في نفس الانسانية التي لا يمكن ان تتجرد عنها بحال من الاحوال لانها جزء من ذاتها وكيانها ، فكما ان الانسان لا يستطيع ان يستغني عن الأكل والشرب والجنس لان الجوع والعطش والجنس من الغرائز الاصيلة التي لا تنفصل عن

ص: 17


1- سورة البقرة : الآيتين 204 - 205 .

الإنسان بحال من الاحوال، فالدين اذا هو فطرة اساسية ورئيسية للانسان ولكنه قد يتسائل ما هو الدليل على صحة هذه الفكرة ؟ ونحن نجيبه بعرض ثلاثة نظريات لمدارس ثلاثة لتأييد دعوانا و تثبيت قولنا وهي كما يلي:

اولاً : - نظرية المدرسة الالهية

نظرية المدرسة الالهية وهي واضحة وبينة ولا تحتاج إلى بحث واسع فنحن نذكر آية واحدة من القرآن الكريم تبرهن على ذلك وهي قوله تعالى :

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (1).

فالآية الكريمة تدل دلالة واضحة على ان الدين هو فطرة اساسية وغريزه متأصلة في نفس الانسان فطرت الله التي فطر الناس عليها فلا يمكن للانسان في كل عصر ومكان ان يستغني ويتجرد عن هذه الغريزة فكما لا يمكن للانسان بحال من الاحوال ان لا يجوع ولا يظماً فكذلك لا يمكن له ان يتجرد عن غريزة التدين لان الجوع والعطش والتدين جزء لا يتجزء من اصل خلقة الانسان التي زوده

ص: 18


1- سورة الروم: الآية 30 .

الله بها ولهذا يقول ( لا تبديل لخلق الله ) فلا يمكن للانسان ان يتنكر لخلقة الله تعالى وان تنكر لهذه الغريزة فهو ينكر حقيقه من حقائق وجوده، فالدين في نظر المدرسة الالهية غريزة اساسية في نفس الانسان وإذا انكرها فهو ينكر ضرورية من ضروريات وجوده و موجوديته لانه متأصل في نفسه من حيث يشعر أو لا يشعر ولهذا نرى القرآن يخاطب هذا الصنف من المنكرين بقوله :

(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .

ای بوجود هذا الظاهرة في انفسهم.

ثانياً : - نظرية المدرسة الفلسفية

اما المدرسة الفلسفية فان الكثير من روادها واساتذتها وعلمائها الكبار يؤيدون ويؤكدون بان الدين غريزة اصلية واكبة البشرية منذ

وجودها على سطح هذا الكوكب ولم تخلو فترة زمنيه من الدين ولا توجد جماعه بلا دين منذ القدم حتى عصرنا الحاضر وإليك نصوص بعض علماء الفلسفة وهي كما يلي: -

1 - جاء في معجم لا روس للقرن العشرين ما نصه :

ان الغريزة الدينية مشتركة بين كل الاجناس البشرية حتى اشدها همجيه وأقربها إلى الحياة الحيوانية وان الاهتمام بالمعنى الالهي

ص: 19

وبما فوق الطبيعة هو احدى النزعات العالمية الخالدة للانسانية (1).

2 - وذكر الاستاذ هنری برجسون ما نصه :

لقد وجدت وتوجد جماعات انسانية من غير علوم وفنون وفلسفات ولكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة. (2)

3 - ونص على هذا المعنىٰ الاستاذ ول ديوارنت فى كتاب قصة الحضارة بقوله :

ولا يزال الاعتقاد القديم بان الدين ظاهرة تعم البشر جميعاً اعتقاداً سليماً وهذه في رأى الفيلسوف حقيقة من الحقائق التاريخية والنفسية من حيث قدم ظهورها ودوام وجودها: فما أساس هذه التقوى التي لا يمحوها شيء من صدر الانسان (3)

4 -وقال - رينان - في كتابه تاريخ الاديان مؤكداً هذا المعنى بقوله :

من الممكن أن يضمحل كل شيء نحبه، وان تبطل حرية العقل والعلم ،والصناعة ، ولكن محال ان يضمحل التدين بل سيبقى حجة

ص: 20


1- انظر كتاب بحوث ممهدة لدراسة الدين للدكتور عبدالله دراز .
2- انظر كتاب بحوث معهدة لدراسة الدين للدكتور عبدالله دراز .
3- قصه الحضاره : ج 1، ص59 ، للاستاذ ول ديورانت ترجمة الدكتور زكى نجیب محمود

ناطقه على بطلان المذهب المادى الذي يريد ان يحصر فكر الانسان فى المضايق الدنيئة للحياة الأرضية (1)

ثالثاً : - نظرية المدرسة التاريخية

وهي كما يلي : -

أ - نظرية المدرسة الدينية للتاريخ

نظرية المدرسة الدينية للتاريخ تقوم على النظرة الميتافيزيقيا وهي نظرة تؤمن بما وراء الطبيعة وفوق ادراك الحواس كما بينا ذلك في نظرية المدرسة الالهية وهى ان الله أرسل أنبياءه ورسله منذ بداية تاريخ وجود الانسان على سطح هذه الكرة وانه لا توجد فترة زمنية خلت من نبي أو رسول يبشر بدين الله واحكامه ولهذا نرى ان التاريخ سجل لنا مائة واربعة وعشرين ألف نبيا ومن بين هذا الرقم ثلاثمائة رسولاً اولهم ابو البشر آدم و آخر هم نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ارسلهم الله جميعاً ليبينوا احكام الله وشرايعه للناس كافة وعلى هذا الاساس فان المدرسة الدينية للتاريخ تؤمن بان الدين من ناحية تاريخية قد لازم الانسان منذ نشأته الاولى على سطح هذه الارض وانه ليس هناك فترة تاريخية خلت من نبي

ص: 21


1- من هنا و هناك للمرحوم الشي محمد جواد مغنيه : ص 22 .

أو رسول وذلك طبقاً لقاعدة اللطف الالهي وقاعدة قبح العقاب بلا بیان.

ب - نظرية المدرسة المادية للتاريخ ومناقشتها.

نظرية المدرسة المادية للتاريخ فانها لا تؤمن بنظرية المدرسة الدينية للتاريخ فهي تنكر ان يكون للانسان في تاريخ بداية وجوده على سطح هذه الكرة اي حضاره أو فكر. فالدين حضارة فيها احكام وشرايع والانسان في بداية وجوده انسان جاهلي بكل معنى الكلمة فهو بدائي في فكره وبدائي في معيشته وبدائي في مأكله فهو يعيش كما تعيش الحيوانات في منامه ومأكله ومشربه فليس له مسكن يأوى إليه ولا ادوات عمل يشتغل بها ولا وسائل طبخ ولا فراش نوم ... الخ ونحن وان كنا لا نؤمن بهذه النظرية لان اعتقادنا بان الله حينما خلق الانسان زوده بعقل يدبر اموره وعلى هذا الأساس ارسل له انبياء ورسل منذ بداية وجوده على هذه الأرض ولكننا لو سلمنا بهذه النظرية وتنازلنا وقلنا بان الانسان في بداية وجوده انسان جاهلي بكل معنى الكلمة يعيش كما تعيش الحيوانات ويأكل كما تأكل وينام كما تنام ومع هذا كله نحن نثبت بانه كان متديناً وان الدين قد لازمه وفرض وجوده عليه لانه غريزة متأصلة في كيانه ولا يمكن ان يتنكر له بحال من الاحوال - لان

ص: 22

الدین معناه الایمان بالشيء وتقديس ذلك واتباع تعاليمه - وهذا المعنى قد لازم الانسان في كل مراحل تاريخه حتى على نظرية المدرسة المادية للتاريخ ولنرى الان كيف تطورت فكرة الدين عند هذا الانسان الجاهلي حتى على فرضية هذه النظرية.

الديانة ومراحل تطورها

الدارس والباحث للمراحل التاريخية التي مرت بها البشرية وكذلك المتنقب لآثار الشعوب وعاداتها وتقاليدها يتضح لديه ان الدين قد لازم البشرية وواكب مسيرتها ولم يتخلف عنها ونحن نؤرخ ونبين ذلك بارقام.

عباد الشجر

الانسان الجاهلي بناءا على نظرية هذه المدرسة انسان وحشي ويعيش في الغابات كما تعيش الحيوانات فاذا داهمه حیوان مفترس كالاسد وغيره مثلاً وليس لديه مأوى يلتجأ إليه ويحميه من هذا الحيوان المفترس الا ان يتسلق الشجر فاذا تسلق الشجر عجز

الحيوان المفترس من متابعته وملاحقته وينجو من هذا المفترس وعندها تبرز حالة لا شعورية عند هذا الانسان وهي ان هذه الشجرة

ص: 23

التي حمته من هذا الحيوان هي أقوى موجود واقدر في هذا الكون (والاقوى والاقدر ) بدافع فطرة التدين يجب ان يؤمن به ويقدس. فآمن هذا الانسان الجاهلي بهذه الشجرة فعبدها وقدسها ونشأ من هذه العبادة وهذا التقديس طقوس وتعاليم وصارت عندنا في التاريخ ديانة تسمى بعباد الشجر.

2 - عباد الحجر

ثم ان هذا الانسان الجاهلي قد نما بعض الشيء فكره وتطور عقله وإذا به يكتشف ان هناك وجوداً اقوى من الشجر وهو الحجر لان بالحجر يضرب الحيوان المفترس فيتلاش لحمه و تنكسر عظامه، وبالحجر يضرب اغصان الشجر فتتساقط غصنا بعد غصن

واذا بتصوره يتحول من ايمان وعبادة الشجر إلى ايمان وعبادة وتقديس الحجر لانه اقوى واقدر من الحيوان والشجر والاقوى والاقدر بدافع غريزة التدين يجب ان يؤمن به ويقدس، وهكذا ظهر في التاريخ عباد الحجر ونتيجه تطور هذه العبادة ظهرت الاصنام.

3 - عباد النار

ولكن هذا الانسان الجاهلي نتيجة توسع فكره ونمو معارفه بعض

ص: 24

الشيء وقد اكتشف عن طريق الصدقة ( النار ) ورآها كيف انها تلتهم الشجر والحيوان المفترس وتحولهما إلى رماد وتلتهم الحجر فتفتته وتحوله إلى تراب فحصلت لديه القناعة بان النار هي اقوى موجود واقدر ( والأقوى والاقدر ) بدافع فطرة التدين يجب ان يؤمن به ويعبد ويقدس فآمن بالنار وعبدها وقدسها ونشأ عن هذا الايمان والعبادة والتقديس طقوس وتعاليم وصار عندنا في التاريخ (عبادالنار).

4 - عباد الشمس

الانسان الجاهلي وفكره القاصر ، اخذ يتسع افقه وتزداد تجاربه واذا به يكتشف ظاهرة الشمس فانه اينما يذهب يجد نورها وضوئها ودفئها وذلك حينما أخذ يتجول بين المناطق والجبال والاودية واذا بالشمس تشرق امامه اينما ذهب وإذا بفكره يتحول ويتجه نحو الشمس ويعتقد بانها هي اكبر من كل ما رأى فآمن بها وعبدها وقدسها بدافع احساسه وغريزته الدينية ونشأ من هذا الايمان والعبادة طقوس ومراسيم دينية وصار عندنا في التاريخ عباد الشمس .

ص: 25

5 - عباد الحزب

الانسان في هذا العصر وهو عصر العلم والتقدم والتطور وعصر الذرة الانسان الذي وصل إلى ذروة الفكر والعلم ،والمعرفة فنراه كيف يؤمن ويعبد الحزب باعتباره اقوی موجود واقدر فالانسان الماركسي مثلاً يؤمن بحزبه ويعبده بهذا الاعتبار وانطلاقا من هذا المفهوم وما ذلك الا بدافع غريزة التدين الكامنة في عقله اللاشعوري وان كان هو لا يعقل هذا لانه كما قلنا ان الدين هو الاعتقاد بالشيء وتقديس ذلك الشيء وهذا يعتقد بحزبه ويقدسه ويتبع تعاليمه فيكون مثاله مثال الانسان الجاهلي الذي آمن وعبد الشجر والحجر والنار والشمس فهو قاصر فكريا وان كان يعيش في عصر عابرات القارات والسفن الفضائية .

واخيراً رأينا كيف انهار الحزب الشيوعي وانهارت معه مؤسساته الفكريه والعسكرية والاقتصادية واصبح انسانه مثل الانسان الجاهلي الذي آمن وعبد الشجر والحجر والنار والشمس.

خلاصة بحثنا هذا

رأينا في هذا الشوط وفي هذا المسير كيف ان الانسان في كل مراحل تاريخه ونمو فكره وتجاربه يتجه بشعور أولا شعور نحو

ص: 26

فطرته وغريزه تدينه الاصيلة كما يتجه الانسان الجائع والضاماً نحو الطعام والشراب بدافع غريزة الجوع والعطش.

وهكذا رأينا هذا التفسير الذي فسرته المدرسه المادية التاريخية لمراحل نمو الانسان في فكره وتجاربه وكيف رأيناه يتجه بدافع اللاشعور للتعبير عن ايمانه وفطرته الاصيلة بأى شكل من الاشكال حيث انه اخذ يؤمن بشيء ويعبده ويقدسه ونشأ من هذا الايمان طقوس ومراسيم عبادية خاصة وهذا هو بعينه يعبر عن غريزة التدين والتي سبق أن عرفنا الدين بانه (الايمان بشيء وتقديس ذلك الشيء ).

وان كان هذا الاتجاه مشوب بقصر نظر وقلة ادراك وعدم فهم للايمان الواقعي والحقيقي فكيف يتصور الانسان ان يؤمن بمخلوق مثله ويعبده ويقدسه كما الانسان الجاهلي في نظر المدرسة المادية للتاريخ وكيف انه آمن وعبد وقدس الشجر والحجر والنار والشمس والحزب.

وانما المفروض ان يتجه الانسان العاقل نحو الايمان الحقيقي وهو الايمان بالله العلي القدير خالق الكون والحياة (بما فيها الشجر والحجر والنار والشمس ومؤسسي الحزب ) ويعبد هذا الخالق القادر ويقدس شريعته لا ان يعبد مخلوقات مثله خلقها الله تعالى

ص: 27

لخدمته وتوفير راحته واستقراره كما قال تعالى فى القرآن العزيز .

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (1) .

(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذُلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )(2)

وعلى كل حال فهذا الاتجاه الايماني القاصر الذي رأيناه انما يكون بدافع غريزة التدين التى أودعها الله تعالى، ومهما تنكر لها الانسان فهو مشدود إليها ومرتبط بها ارتباط وثيقاً من حيث يشعر اولا يشعر، ولكن هذا الاتجاه الايماني القاصر قد يكون طريقاً موصلا للايمان الحقيقي والواقعي في كثير من الاحيان وليفهم الانسان عمليا بوهم خياله وفكرته عن الدين وذلك حينما أراد نبي الله ابراهيم أن يعطي درساً للانسان القاصر الذي كان يعايشه أو المقصر في فكره وايمانه فأراد أن يرفع من مستوى عقيدته وايمانه بهذا التشكيك المرحلي لمعتقد الانسان الجاهلي حتى يوصله إلى مرحلة التكامل الايماني وهو الايمان بالله العلي القدير كما عبر عن هذا الاسلوب والاتجاه القرآن الكريم بقوله :

ص: 28


1- سورة بنى اسرائيل ، الآية 70 .
2- سورة الجاثية ، الآية 13

(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبَاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الأَفِلينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِعَاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ) (1).

واما إذا كان هذا الاتجاه لا يوصل الانسان إلى الحقيقة والواقع فهو اتجاه شاذ ومشبوه وجاهلي وغير واقعي كما كان عليه الانسان الجاهلي حين آمن وعبد وقدس الشجر والحجر والنار والشمس والحزب.

وقد استعمل هذا الاسلوب بعض فلاسفة الغرب من امثال ديكارت وغيرهم فانهم توصلوا الى الايمان عن طريق الشك كما جاء في المعجم الفلسفي ما نصه :

Doute Methadique

والشك المنهجي عند - ديكارت - أيضاً هو الطريقة الفلسفية الموصلة إلى اليقين وقال - ديكارت - ينبغي لي أن ارفض كل ما يخيل إلىّ أن فيه أدنى شك وذلك لأرى هل يبقى لديّ بعد ذلك شيء

ص: 29


1- سورة الانعام: الآيات 75 - 78

لا يمكن الشك فيه أبداً (1).

ولكن الشك الذي استعمله نبي الله ابراهيم هنا ليس الشك الذي هو التردد بين الطرفين ولكنه شك توضيحي مبطن بالايمان ليفهم المشركين آنذاك ببطلان نظريتهم وعقيدتهم وايمانهم بهذه الطريقة من الشك الموصل إلى الايمان فهو شك ايماني توضيحي لا شك ترديدي .

والنتيجة الحاصلة

هي انه قد رأينا ان الانسان في مراحل حياته وتجاربه انه قد صاحب الدين والدين ملازم له حتى لا يمكن مفارقته ابداً لان الدين كما قلنا فطرة اصيله فطر الله الناس عليها.

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )(2).

نشوء الاديان والإفتراء عليها

هناك تفسيرات ونظريات عن نشوء الأديان كتفسير كارل

ص: 30


1- المعجم الفلسفي : ج 1 ص 706 ، الدكتور جميل صليبا .
2- سورة الروم : الآية 30.

ماركس فهل هذه التفسيرات صحيحة أم مجرد إفتراء ؟

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )(1) .

الدين احدى الغرائز المتأصلة في نفس الانسانية ولا تستطيع أن تتجرد عنه بحال من الأحوال لان التجرد عنه معناه التجرد عن انسانية الانسان وعن ذاته وعن جزء من اجزائه ومركباته. فكما لا يمكن أن يتجرد الانسان عن غريزة الجوع والعطش فكذلك غريزة التدين والانسان منذ بدايته احتاج إلى الأكل والشرب حتى اليوم وإلى يوم يبعثون فكذلك يحتاج إيضاً إلى الدين منذ وجوده وإلى الآن وإلى يوم يبعثون.

ما هي الأقوال في نشأة الدين ؟

ولكن هناك عدة أقوال في نشأة الدين، وهذه الأقوال استحدثت في القرن التاسع عشر ميلادية ، وهي كنتيجة رد فعل لسيطرة الكنيسة على الغرب وأوربا وقد فرضت رقابة على العقول والافكار وانشأت محاكم تفتيشية خاصة بها ،تحاكم المفكرين والعلماء من امثال - جاليلو - وكوبرينكوس - من ذوي الاكتشافات العلمية وفي الفترة

ص: 31


1- سورة الروم : الآية .30

الزمنية من حكمها حكمت 300000 شخصية علمية واحرقت منهم 25000 وهم احياء، وبعد ما تحرر الانسان الغربي والاوروبي من سيطرت ونفوذ الكنيسة انطلقت أفكاره انطلاقة فيها الغث والسمين، وانتشرت الآراء وتكونت المذاهب ، وكل مفكر اتخذ لنفسه مذهبا خاصاً في تفسير بعض ظواهر الحياة ، ولهذا صار قرن التاسع عشر الميلادي قرن المذاهب والآراء.

ونحن هنا ندرس مذهبا واحداً لشخصية من رجال ذلك القرن في تفسيره لنشوء الدين ومناقشته ببيان نقاط الضعف والاشتباه والوهن في تفسيره لنشوء الدين.

تفسیر کارل ماركس للدين

کارل مارکس :فانه فسر الدين بانه ظاهرة اخترعها الاثرياء من اجل تخدير الفقراء من الطبقة المستغله لهضم حقوقها. فالدين في رأى هذا الرجل مخدر وافيون ومن صنع الطبقة الثرية المستغلة - بكسر الغين - وان المفاهيم والقيم الدينية خاضعة لمرحلة الانتاج فكل مرحلة من مراحل وسائل الانتاج هناك قيم دينية خاصة بها في زعم المفهوم الماركسي.

ص: 32

نقد هذا التفسير

اولاً : ان قرن التاسع عشر هو انطلاق الانسان الاوربي وهذا الانطلاق كان مصحوباً بآراء وتفسيرات شاذة لبعض المظاهر ولهذا انطلقت عشرات المذاهب من هؤلاء الرجال وكل ادلى بدلوه وفسر حسب رأيه ووفق زاوية افقه وتفكيره الضيق ومن هذا المنطلق جاء التفسير الماركسي للدين.

ثانياً : ان ماركس فسر وجود الظاهرة الدينية من خلال تصوره وفكره وضيق اطلاعه على مختلف الأديان فهو نظر إلى الديانة المسيحية السائدة في أوربا آنذاك ورأى ان تعاليمها تقول : دع ما كان الله لله وما كان لقيصر لقيصر . وهذه العبارة تكون مخدرة للشعوب أي لا تحرك ساكناً امام تصرفات وظلم قيصر، وان الدين هو لمصلحة قيصر ونظرائه من الأثرياء. فيستنتج من هذه العبارة ان الدين احبولة بيد الطبقة الثرية لقمع تحركات المظلومين من الشعوب ولكن ماركس حفظ شيئاً وغابت عنه أشياء ولم يدرس بقية الاديان دراسة واقعية ولا سيما الدين الاسلامي العظيم الذي حارب الظلم والظالمين مهما كان لونه ومهما كان مصدره فقد جاء في القرآن الكريم :

ص: 33

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) (1)

وندد الله بأولئك الذين اقروا الظلم وسكتوا عنه بقوله :

( إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَا جِرُوا فيها فَأُولئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصيراً ) (2).

وقال النبي الاكرم صلی الله علیه وآله وسلم :

«لن تقدس امة لم تأخذ بحق ضعيفها من قويها».

وقال الامام علي علیه السلام :

«القوى عندي ذليل حتى أخذ الحق منه والضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له».

وقال علیه السلام أيضاً:

«اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطل من حدودك»(3).

ص: 34


1- سورة الشعراء : الآية 227
2- سورة النساء : الآية .97
3- نهج البلاغة ، ص 19، شرح محمد عبده .

وقال الامام الباقر علیه السلام يوصي ولده :

«يابني اياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً الا الله» إلى ما هنالك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تندد بالظلم والظالمين.

ثالثاً : ان دعوى ماركس ان الدين من صنع الاثرياء وذوى المصالح من الطبقة الثرية دعوى لا أساس لها لأنه كما قلنا حفظ شيئاً وغابت عنه أشياء، فهو لم تكن عنده دراسة وافية ولا اطلاع على سائر الأديان بل اطلاعه كان ضيقاً ومختصراً على المسيحية التي عاصرها وشاهد ظلم الكنيسة لانسان ذلك العصر فأعطى حكماً عاماً وهذا غلط واشتباه فالمفروض بالانسان الموضوعي الذي يريد أن يدرس ويحكم على شيئما ان يلم الماما موضوع بالفكرة ومن ثم يحكم لها أو عليها فلو درس مارکس تاریخ نشوء الاديان السماوية ما قال بفكرته ان كان منصفاً وموضوعياً، فالدارس لتاريخ الاديان السماوية يجد عدة ظواهر .

الظاهرة الأولى

ان الأنبياء وهم حملة الرسالة الالهية هم من الطبقة الفقيرة فهم ما بين راعي غنم وبين حداد و بین مزارع وبين عامل، فمثلاً داود كان حداداً يقتاد من كسب يومه وموسى كان يرعى الغنم للناس وكذا

ص: 35

عيسى كان راعى غنم أيضاً ونبينا محمد صلی الله علیه وآله وسلم عامل في تجارة أموال

خديجة، وبالأخير كان يسد حجر المجاعة على بطنه.

الظاهرة الثانية

ان الذين وقفوا ضد دعوة الانبياء هم من الطبقة الثرية ذات النفوذ والقوة.

فنبي الله ابراهيم لاقىٰ الوان التعذيب والاضطهاد من عدوه نمرود و نمرود كان حاكماً ومن الأثرياء الكبار، ونبي الله موسى اضطهد من قبل عدوه فرعون وفرعون كان حاكماً للأرواح والأموال وكذا هامان الذي وقف في وجه الدعوة إلى الله.

واما بالنسبة لنبينا محمد صلی الله علیه وآله وسلم فكان الذين عارضوه هم من الطبقة الارستقراطية وهم أثرياء قريش من امثال أبي لهب وأبي جهل وأبي سفيان وغيرهم من أثرياء قريش المشركين، بينما نجد المناصرين للنبي ورسالته جلهم من الفقراء والضعفاء كسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري وبلال الحبشي.

الظاهرة الثالثة

ان رجال قريش من ذوي القوة والثراء هم الذين وقفوا في وجه

ص: 36

دعوة الرسول الاعظم وبذلوا كل ما في وسعهم من أجل ردع النبي عن دعوته وفكرته إلى الله العلي العظيم ومن تلكم الوسائل، أنهم جاءوا إلى أبي طالب علیه السلام وطلبوا منه ان يقول لابن أخيه ان يكف عن دعوته ويعطونه ما يريد قائلين:

«قل لابن أخيك - يعني محمدصلی الله علیه وآله وسلم- ان كان يريد مالاً أعطيناه

مالاً ما لم يكن لأحد من قريش وان كان يريد ملكا توجناه علىٰ العرب وان كان يريد فتاة زوجناه من أجمل فتيات قريش ... الخ » .

فجاء النبي صلی الله علیه وآله وسلم وعرض عليه أبو طالب فكرة القوم فاستعبر باكياً وقائلاً:

« والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان أترك هذا الأمر ما تركته حتى تظهر كلمة الله في الأرض أو أموت دونه » .

وهذا أحد فدائي محمد صلی الله علیه وآله وسلم وخليفته وابن عمه علي بن أبي طالب يقول :

« والله لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصى الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت».

ص: 37

الظاهرة الرابعة

اذا كان الدين من صنع الطبقة المستغلة - بكسر الغين - الثرية، فكيف تجعل من الدين اداة فعالة في القضاء على مصالحها المرتبطة والقائمة على الرأسمال الربوي الذي يدر عليها أرباحاً طائلة فی المجتمع المكي الذي حرمه الدين وفرض على أموال الأغنياء الزكاة والخمس وغيرهما من الضرائب الأخرى ، فلو كان الدين من صنعها لجعلته آلة طبيعة وفق مصالحها وأغراضها وأطماعها.

الدین وايديولوجيته

اننا نستفيد من هذه الظواهر الأربعة التي ذكرناها من ان الدين له ايديولوجية خاصة به بعيدة عن كل التفسيرات المادية البحتة وبعيدة عن كل المؤثرات الطبقية والاقليمية وانما هو دين انزله الله للبشرية جمعاء.

اذن فليس الدين كما تصوره كارل ماركس من صنع الطبقة الرأسمالية أو البرجوازية كما يسميها ، وانما الدين لكل الطبقات ولكل الفئات وان ايديولوجيته استطاعت أن تصهر كل الطبقات في مفهومه وفي تشريعه وتجعلهم أخوة متحابين متعاونين يحنو بعضهم على البعض الآخر ، فنرى الغني المؤمن يقدم أمواله باختياره ومن دون اکراه و اجبار للفقير المحتاج وهذا على خلاف المفهوم

ص: 38

الماركسي الذي يرى ان هناك صراعاً وتصادماً وتناقضاً بين الطبقتين .

الانسان المسلم ومراحل اعتقاده

ووسائل تغذية الايمان وتقويته

في هذا الظرف الذي نعيشه هناك أفكار وتيارات تتقاذف الانسان بأمواجها ووسائل الفسق والفجور والخلاعة التي تحاول ان تشده اليها بأحابيلها وخداعها، فكيف يستطيع الانسان المسلم ان يقف امام تلكم الافكار وينجو من هذا الانحراف بسلام ؟

فماهي الوسائل التي تغذي ايمان الانسان وتقويه وتثبته، فالمأمول من سماحتكم التفضل بالاجابة مشكورين.

الانسان المسلم و مراحل نمو اعتقاده

الانسان المسلم يمر في حالات الاعتقاد والايمان بمراحل ثلاثة ونحن نتكلم عن هذه المراحل بصورة مقتضبة وبشيء من الاختصار والايجاز وهي كما يلي :

ا - المرحلة الاولى : وهي الاسلام

الاسلام هو اول مرحلة اعتقادية يمر بها الانسان المسلم وهو

ص: 39

عبارة عن النطق بالشهادتين ، (اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمداً رسول الله ) فكل من نطق بهاتين الشهادتين عد مسلما ويمنح هوية الإسلام .

خصائص هذه المرحلة

الحصانة

ومن خصائص هذه المرحلة انها تمنح المتلبس بها حصانه على نفسه وعرضه وامواله فلا يجوز لأى انسان ان يعتدى على من ينطق بهاتين الشهادتين لانه يتمتع بحرمة خاصه على امواله وعلى نفسه وعلى عرضه ويعيش في حماية الاسلام ورعايته وحصانته.

مخاطر هذه المرحلة

قلنا ان هذه المرحلة الاعتقادية تمنح الانسان حصانه على ممتلكماته ودمه وعرضه ولكنها لا تمنحه مناعه من الانحراف والضلال العقائدي والسلوكي فهو يعيش تحت رحمه التيارات والشعارات التى قد تؤدي به إلى الحضيض من الانحراف والضلال

والانحرافات تكون على نوعين .

ص: 40

1 - الانحراف الفكري

ونعني به الانحرافات العقائدية وهو بان يتبنى فكراً مغايراً لعقيدته وايمانه وهو من الانحرافات الخطيرة جداً حيث ان الانسان قد يتعصب لفكرة ما من دون ركن وثيق يلجأ إليه فيقف امام الحق والواقع موقفاً معانداً ومحارباً كما حدث في الزمن السابق لاولئك الذين خرجوا على الإمام العادل علي بن أبي طالب في حرب الجمل وصفين والنهروان فان هؤلاء ،الخارجين عليه كانوا يتمتعون بالمرحلة الاولى من الاعتقاد وهو النطق بالشهادتين وكذلك الذين خرجوا لحرب ابن بنت رسول الله الحسين بن علي الذي أراد أن يسير بسيرة جده محمد صلی الله علیه وآله وسلم ويثور على الانحراف والبعد عن الاسلام وتعاليمه ويعيد الناس إلى منابعه الاصيلة فقتلوه بكربلا لإنهم كانوا يفقدون المناعة الفكرية من الانحراف والتيه ولانه ليس لديهم مناعه فكريه تقف سداً امام التيارات والشعارات الانحرافية والتضليلية ومن أمثالهم أيضاً الذين يتخذون الافكار الغربية والشرقية قاعدة فكريه ينطلقون منها وشعاراً يحاربون الاسلام به حرباً لا هواده فيه كما عليه الآن في عصرنا الحاضر اتباع الشرق والغرب حيث انهم يحاربون شعار لا شرقية ولا غربية ويستهزون به .

ص: 41

2 - الانحراف السلوكي

ونعني به الانحراف والشذوذ في عالم السلوك والعمل وهي الانحرافات السلوكية التي يقوم بها الانسان المسلم من المخالفات الشرعيه كشرب الخمر ولعب القمار أو الزنى أو الربا أو خيانة الاسلام والمسلمين كالتجسس للأجنبي والظالم ... الخ فان هذا اللون من الانحراف خطر على الامة وكثيراً من المشاكل التي تحدث أو حدثت كلها ناتجه وناشئه من هذا الانحراف السلوكي ولو سألنا مخافر الشرطة عن الجرائم ومرتكبيها لرأينا كلها من بقاء انسان صاحب هذه المرحلة العقائدية عليها ولم يتجاوزها إلى غيرها ولهذا فان البقاء على هذه المرحلة وعدم اجتيازها تعرض صاحبها إلى مخاطر الانزلاق الفكري والعقائدي والسلوكي وعلى هذا الاساس يجب على الانسان المسلم أن يجتاز هذه المرحلة وينتقل إلى الثانية ليكون في مأمن من هذه الانحرافات.

المرحلة الثانية

الايمان وهو عبارة عن انسجام السلوك مع الفكر والمعتقد وبعبارة أوضح هو تطبيق الاحكام الشرعية والالتزام بها قولاً وعملاً.

خصائص هذه المرحلة :

ص: 42

المناعة الفكرية والعملية

وكل من التزم وطبق التعاليم الاسلامية قولاً وفعلاً عد مؤمناً ويمنح هوية الايمان وهي أعمق واشمل من المرحلة الاولى، لان كل مؤمن هو مسلم وليس العكس ويعني انه ليس كل مسلم هو مؤمن لان الانسان المؤمن ينطق بالشهادتين ويلتزم بتعاليمها فهو يتمتع بميزات المرحلة الاولى وهي الحصانة على دمه وعرضه وامواله وزيادة على ذلك فهي تمنحه مناعة فكرية فهو يعيش فيي ظلها وتصونه من الانحراف والضلال الفكري والعقائدي، والاجتياز والانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية لا يكون بالقول فقط بل هو بالعمل والتقوى فإذا لم يلتزم بالعمل والتطبيق فهو فاشل وباق في صفه ومرحلته.

ولهذا نرى القرآن الكريم يوضح لنا هذه الفكرة وذلك حينما (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُل الْإِيمَانُ في قُلُوبِكُمْ ) حيث انه قد تصور الاعراب الذين كانوا يتجاهلون أو يتساهلون بالاحكام الاسلامية انهم قد انتقلوا إلى المرحلة الثانية من الاعتقاد ولهذا قالوا آمنا فجاء الرد الالهي بالنفي لهذه النقلة وردهم إلى المرحلة الاولى ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )

ص: 43

وسائل تغذية الايمان

المرحلة الثانية كما قلنا هى أعمق واشمل من المرحلة الاولى لانها تمتاز بخصلتين :

1 - الحصانة

2 - والمناعة

بينما المرحلة الأولى تختص فقط بالحصانة وهنا سؤال يورد كيف ننتقل من الاولى إلى الثانية وما هى الطرق لذلك ؟

الايمان بحاجة ماسة إلى التغذية كما يحتاج الجسم إلى التغذية، ولكن التغذية الايمانية تختلف عن تغذية الجسم فالغذاء الجسدي يكون بالاكل والشرب وكلما يختار الانسان المأكل والمشارب الطيبة والمليئة بالفيتامينات وغيرها تزداد قوة جسمه وبدنه كذلك الايمان فكلما امعن الانسان في تغذية ايمانه يزداد قوة وثباتاً وصلابة ومناعه من الانحراف والضلال وتغذيته تكون بالطرق التالية :

آ - الثقيف الذاتي والجمعي

ونعني بهما ما يكسبه الانسان من المطالعة الفردية للكتب المفيدة

ص: 44

والنافعة والمربية وما يحصله من دروسه ودراسته ومن استماع المحاضرات المفيدة وغيرها .

ب - قرائة القرآن

بتأمل وامعان وحفظه وحفظ الكثير من سوره و آیاته فانها تنمى روح الايمان واشراقه النفس .

ج - قرائة الادعية

كدعاء كميل وأبي حمزة الثمالي ومناجات الخمسة عشر والصحيفة السجادية وبقية الادعية والمناجات الواردة عن أهل البيت .

د - الالتزام بالواجبات وبعض المستحبات ولا سيما صلاة الليل.

ه- قرائة و حفظ نهج البلاغة للامام امير المؤمنين علیه السلام.

و - معاشرة الاخوان والمؤمنين الصادقين فكراً وعملاً.

فان هذه الأمور وغيرها تصقل الايمان وتنميه وتعطى الانسان المتزود بها صلابة ايمانية ومناعة من الانحراف والتيه، وبذلك يستحق ان يمنح هوية الايمان وينتقل من المرحلة الاولى إلى المرحلة الثانية بنجاح ويؤهله للمرحلة الثالثة .

ص: 45

المرحلة الثالثة : وهي العشق الالهي

هذه المرحلة تصور لنا كمال الايمان ورقيه وحويته وعطائه لانها تمثل الغاية الاساسية للايمان وجمال المعتقد حيث أن الانسان يسمو في هذه المرحلة بكل معاني السمو ويستلق كل القمم الكمالية للايمان ويصبح لا يفكر الّا بالله العلى العظيم ولا يعمل الامن اجل رضاه ولا يسير الاعلى وفق طاعته ورضوانه فهو فان في الله ومندك في طاعته لا يرى لوجوده استقلالية إلّا في ظل الله ولا لمعيشته هناء ولذة إلّا برضاه فمقياسه رضوانه وطاعته.

خصائص هذه المرحلة : ( البذل والفداء )

هذه المرحلة اعمق واشمل من المرحلتين السابقتين لانها تحتوى على المرحلتين وهي الحصانة والمناعة وتمتاز عنهما بالبذل والعطاء في ذات الله ولقد حظي بهذه المرحلة الخواص من عبادالله وهم انبياؤه ورسله واولياؤه من الائمة الطاهرين وعباده المؤمنين ولنضرب على ذلك بعض الامثله من رجالات هذه المرحلة الذين ضربوا المثل الأعلى بالبذل والعطاء وذلك بالارقام التالية :

صلى الله

1 - فهذا سيد البشر وخاتم الانبياء والمرسلين محمدصلی الله علیه وآله وسلم نراه

ص: 46

يرفض جميع متطلبات الحياة ورغائب العيش وذلك حينما عرض مشرکو قريش على عمه مؤمن قریش آبی طالب قائلین له :

قل لابن أخيك ان كان يريد مالاً اعطيناه مالاً ما لم يكن لاحد من قريش وان كان يريد ملكاً توجناه على العرب وان كان يريد فتاة زوجناه من أجمل فتيات قريش الخ ...

متطلبات الحياة وملذاتها .

فجاء النبي صلی الله علیه وآله وسلم إلى عمه فقال له أبو طالب يا ابن أخي ان القوم قد قالوا كذا وكذا فما تقول ؟

فاستعبر الرسول قائلاً: « يا عم والله لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن شمالي على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى تظهر كلمة الله أو أموت دونه .

فترى النبي صلی الله علیه وآله وسلم كيف يرفض متطلبات الدنيا من أجل الله وعشقه لطلب رضوانه ورضاه.

2 - وها هم بعض صحابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فى أحد الحروب حين يسمع احدهم صوت النبي يقول الا من يقتل يدخل الجنة، وكانت بيده تمرات فيرميها من يده ويقول :

بخ بخ لي ما بيني وبين الجنة الا ان ارمي بهذه التميرات فيرمي بها ويهجم على الأعداء فيقتل ويقتل رضوان الله عليه .

ص: 47

وما هذا الاشتياق إلى الجنة إلّا من جهة عشقه لرضى الله والفوز بالجنة.

3 - وهذا سيد المجاهدين ويعسوب الدين وامام المتقين امير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام يعبر عن شوقه وعشقه وذلك حينما يقول له النبي صلی الله علیه وآله وسلم :

يا علي كيف بك لو خضبت لحيتك من أم رأسك ، فيجيبه بما يختلع في وجدانه وضميره قائلاً: او بسلامة من ديني يا رسول الله فيقول النبي : بلى ورب الكعبة .

فقال علي علیه السلام : والله لا ابالي سوى وقع الموت عليّ أو وقعت على الموت أو ليس هو القائل مخاطباً الله تعالى بقوله :

اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا لاجل حصول شيء من فضول الحطام ولكننا اردنا أن نرد المعالم من دينك ويقام المعطل من حدودك ويؤمن المظلومون من عبادك ، فهذا البذل والعطاء من اجل عشقه لحكومة الاسلام وتطبيق أحكامه وتعاليمه ونشر رسالته.

4 - وهذا سبط محمد صلی الله علیه وآله وسلم وحفيد علي وابن الحسين علي الأكبر كان في ركاب أبيه الحسين الثائر في طريقه إلى كربلاء حيث اخفق الحسين على سرج فرسه واخذته سنة نوم فانتبه مسترجعاً قائلاً:

ص: 48

انا لله وانا إليه راجعون فسأله ولده علي :

يا أبتاه الاسترجاع حسن ولكن ما السبب ؟

فاجابه الحسين قائلاً: يا بني خفقت خفقه فسمعت منادياً ينادي القوم يسيرون والمنايا تسير معهم فقال له على الأكبر يا ابتاه أولسنا على الحق قال له الحسين : أي ورب الكعبة .

فقال علي الأكبر :

با ابتاه والله إذا لا نبالي سوى وقع الموت علينا أو وقعنا على الموت.

فانظر إلى عشق هذا الفتى الهاشمي وكيف انه يتمنى القتل في سبيل الله وفي سبيل رسالته وعقيدته الحقة.

5 - وهذا برير أحد أصحاب الامام الحسين علیه السلام وقد بلغ التسعين من العمر فانه في يوم عاشوراء حيث انقطع المدد والعدد عن الحسين وحوصر من قبل القوات الاموية، فنرى هذا الشيخ فرحاً مسروراً يداعب عبد الرحمن البجلي أحد أصحاب الحسين وكانا واقفين عند خباء الامام الحسين فتأثر عبدالرحمن من هذا الموقف قائلاً:

یا بریر ! ساعت باطل في هذا الوقت.

فاجابه برير بقوله :

یا عبدالرحمن والله لقد علم قومي اني ما احببت الباطل لا

ص: 49

شابا ولا كهلاً فكيف الان ولكنني اعلم ان بيني وبين معانقة حور العين ما هو إلّا ان يميل هؤلاء علينا باسيا فهم ولوددت انهم قد مالوا علينا فيتجلى لنا هذا العشق الالهي من هذا الشيخ الذي بلغ من العمر عتيا، بأجلي صوره وكيف انه يتسابق إلى القتل في سبيل الله ساعة قبل ساعة .

6 - وهذا ابوالشهداء الامام الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء كان يقدم رجاله وأهله وأنصاره ضحية بعد ضحية وقربان بعد قربان وهو يقول :

اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى .

ونراه أيضاً بعد ان فقد رجاله واعوانه وحماته وخر إلى الأرض من كثرة ما نزف منه من الدماء ولم يتمالك على النهوض ولم يملك من القوة الّا انفاسه الأخيرة فاننا نرى في هذه الساعة بذله وعطائه وتضحيته وعشقه الالهي يتجلى بابهي صورة واجلى معانبه حيث يناجي ربه بهذه الابيات :

تركت الخلق طراً في هواكاً ***وایتمت العيال لكي اراكاً

فلو قطعتني بالحب اربا*** لما مال الفؤاد إلى سواكا

7 - وهذه عقيلة الهاشميين وسبطه محمد وبنت علي وفاطمة واخت الحسين نراها كيف تصور هذا المعنىٰ وهذا العشق الالهي

ص: 50

وهذا الفداء الرباني والفناء في ذات الله وذلك بعد ان فقدت رجالها واهلها وحماتها ولم يبق لها ولي ولا حميم، وجيء بها اسيرة ومعها صبية الحسين ونساءه وحريمه بعد ان طافوا بالركب النبوي الاسير من كربلاء إلى الكوفة وادخلوهم على عبيد الله بن زياد في مجلسه وقصره فجلست العقيلة في زاوية من المجلس وقد حفت بها امائها ونسائها، فجاء إليها عبيد الله بن زياد جذلان مسروراً ومتسائلاً من هذه المتنكرة؟ فلم تجبه احتقاراً لشأنه فاعاد القول عليها ثانياً وثالثاً أيضاً لم تجبه استهزاءاً بجبروته وسطوته فقيل له انها ابنة على واخت الحسين زینب، فجاء اليها متشفيا قائلاً:

الحمد لله الذي فضحكم واكذب احدوثتكم.

فاجابته الحوراء زينب بايمان جدها محمد وشجاعة أبيها علي غير مكترثة به ولا بسلطانه ولا بجبروته قائلة :

الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه محمد وطهرنا من الرجس انما يكذب الفاسق ويفتضح الفاجر وهو غيرنا.

فاعاد القول عليها ثانياً وكاشرا عن انيابه وحقده الدفين على أهل البيت قائلاً:

كيف رأيت صنع الله بأخيك والعتاة المردة من أهل بيتك، فأجابته بصلابة امها فاطمة وبسالة أخيها الحسين قائلة :

ص: 51

والله ما رأيت الا جميلاً هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم فسيجمعك الله واياهم يوم القيامة فتحاج وتخاصم ثكلتك امك يابن مرجانة .

فلنرى كيف تجلت هذه المرحلة : في نفسية الحوراء زينب وكيف انقلبت المصائب والالام والاحزان إلى شيء جميل عبرت عنه بقولها ( والله ما رأيت إلا جميلاً) لانها اجتازت المراحل الثلاثة بنجاح كما اجتازها انبياء الله ورسله واولياءه والصالحون من عباده.

وخلاصة القول

ان الانسان المسلم اذا أراد التكامل لايمانه وعقيدته لابد له ان يجتاز هذه المراحل يصل إلى مرتبة التغيير العملي الكامل وعندها ينتقل من عملية التغيير إلى عملية الثبات في الفكر والسلوك وبهذه العملية يكون الانسان قد اجتاز هذه المراحل الاعتقادية بنجاح وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

ص: 52

التشريع الاسلامي وتطور الزمن

اشارة

ص: 53

ص: 54

قارئی العزیز

في التشريع الاسلامي عدة مؤهلات يستطيع بها ان يساير التطور الزمني ويواكب الركب المدني والحضاري الزاحف في عصرنا الحاضر، وقد يتصور القارئ الكريم فى ذهنه كيف يستطيع الاسلام ن يقف على قدميه في هذا العصر عصر المدنية وعصر عابرات القارات وعصر الصواريخ وسفن الفضاء في حين أن تشريعه جاء في مرحلة زمنية معينة كانت البساطة تسود كل شيء فالابل هي الوسيلة للنقل والانتقال ، بينما في عصرنا الحاضر، السيارات والقطارات والطائرات وهكذا قل في كل شيء فكيف يمكن لتشريع حكم تلك الفترة أن يحكم في عصرنا الحاضر ؟

مؤهلات التشريع الاسلامي

ولكن التشريع الاسلامي قد خص بمميزات جعلته يواكب التطورات الزمنية والصناعية والاقتصادية والاجتماعية ... الخ وذلك للاسباب التالية :

ص: 55

اولاً : ان الفقه الاسلامي يتمتع بثروة تشريعية هائلة وبقواعد ثابتة تأهل الفقيه القادر أن يغور في أعماق هذا التراث العظيم ويخرج بنتائج ايجابية لكل التطورات بمختلف مجالاته.

ثانياً : ان باب الاجتهاد مفتوح امام المجتهدين الكفوئين، لان الاسلام قد زود الفقهاء القادرين بحرية فكرية تعتمد على أصوله وقواعده وقد برهن الفقهاء في كل العصور على مماشاة التطورات الزمني في ضمن ما لديهم من قواعد فكرية مستقات من القرآن الكريم ،والسنة النبوية الشريفة ، واجماع الفقهاء والعقل، وهذه القواعد تسمى بمصادر التشريع ولهذه الاسباب قيل «ما ضاع على فقه مسلك ».

وقد تنبهت أخيراً بعض المذاهب الاسلامية التي كانت قد أغلقت على نفسها باب الاجتهاد إلى أهمية فتح باب الاجتهاد في مماشاة التطورات الزمنية بعد ما كان مقتصراً على فقهاء مذهب أهل البيت ، فانهم قد استفادوا من فتح باب الاجتهاد كثيراً.

وقد أحسن الاستاذ الكبير الدكتور علي النجدي ناصف حينما قال (1):

ص: 56


1- عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة سابقاً وعضو في مجمع اللغة العربية بالقاهرة .

ولعل ذلك لان علماء الشيعة - أحسن الله إليهم - لم يفرطوا في الاجتهاد ولا طاب لهم أن يجمدوا على ما بين أيديهم من كتب التراث الفقهي، ويدعوا الامور حولهم تجري في أعنتها ايثاراً للعافية والجمام، لكنهم أبوا - في ثقة واطمئنان - إلّا أن يحملوا الامانة، التي ندبوا لها ، أخذاً على سنن سلفهم الصالح في العصور ... الخ(1).

ولكن في المدة الأخيرة قال بعض علماء أهل السنة كالشيخ محمد أبو زهرة والشيخ محمود شلتوت شيخ جامع الازهر سابقاً، يفتح باب الاجتهاد وطالبوا به حتى أن مؤتمر البحوث الاسلامية المنعقد في القاهرة أقر أيضاً فتح باب الاجتهاد في احدى دوراته. وهناك كثيراً من الاسباب الاخرى التي تأهل التشريع الاسلامي على مسايرة التطورات الزمنية ولكن لا مجال هنا لذكرها .

قارئي الكريم

هذا الكتاب الذي بين يديك هو باقة من باقات التشريع الاسلامي ولمحة من لمحاته قد سطرتها لكي يتعرف شبابنا وأبناؤنا على تراث دينهم القويم واسلامهم العظيم، وذلك نتيجة بعض

ص: 57


1- انظر مقدمة كتاب الفتاوي الواضحة للسيد الصدر.

الاسئلة التي تعرض علينا فحاولنا أن نجيب على كل الاسئله التي ترد الينا وتتعلق بالشريعة الاسلامية الغراء بمختلف مجالاتها ونطبعها بشكل كتاب ونحن نرحب بكل الاسئلة التي ترد إلينا وبمختلف ابعادها وقد حاولنا جهد الامكان ان نتوخي في الاسلوب والعرض التوضيح والتبسيط ليفهمها اكبر عدد ممكن من القراء.

وبالختام نسأل الله تعالى ان يوفقنا الاعزاز دينه القويم ودعاؤنا .

اللهم اجعلنا ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بنا غيرنا.

التشريع الاسلامي وتطور الزمن

س 1. تعلمون أنه يوجد في عصرنا عدة تيارات وأفكار تحاول اعطاء الحلول لجميع مشاكل الحياة، وبما أننا نؤمن بالاسلام ديناً وعقيدة فهل توجد في ديننا الامكانية على مسايرة التطورات الزمنية في كل أشكالها وأبعادها ؟ وهل تستوعب أحكامه لتطورات هذا العصر ؟ وما هي الادلة على ذلك ؟ راجين أن تكون الاجابة فيها شيء من التفصيل مع التوضيح والتبسيط .

ج- 1 :التشريع الاسلامي وتطور الزمن :

للتشريع الاسلامي مرونة وطراوة، لا توجد في أي تشريع آخر لانه شريعة الحياة والزمن،و به ختمت التشريعات السماوية وهو

ص: 58

التشريع الالهي الذي بعث إلى عامة البشر ليضع لهم دستوراً كاملاً ليعالج مشاكل الحياة بكل جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعقائدية ... الخ .

وهذا التشريع هو الوصفة الالهية الاخيرة والعلاج الكامل للمشاكل البشرية ، وما دام بهذه الصفة أي أن الله ختم به الشرائع كما اقتضت المصلحة الالهية بذلك فيجب أن يشتمل هذا التشريع على صفتي الشمول والاستمرار.

الشمول الاستمرار

الشمول

ونعني به استيعاب الشريعة لجميع شؤون الحياة سواء كانت على صعيد الحياة الاجتماعية أو الثقافية أو على صعيد الاقتصاد، وما إلى ذلك وهنا قد يتبادر سؤال لدى ذهن القارىء، وهو كيف يكون التشريع الاسلامي شاملاً لكل جوانب الحياة وما هى الأدلة على شموله .

وجوابه ينحصر فيما يلي:

اولاً :ان فكرة وجود نظام يحكم البشرية وتعيش في ظله آمنة مطمئنة فكرة ضرورية، والانسان مهما اختلفت ثقافته ومعرفته

ص: 59

يؤمن بضرورة هذا النظام للبشرية، فالانسان العادي يعتقد ويؤمن بضرورة وجود مثل هذا النظام فضلاً عن الانسان المثقف الواعي.

والاسلام يؤمن بان هذا الكون له خالق ومدبر وهو الله سبحانه وتعالى وهذا الخالق يجب أن يتصف بكل صفات الكمال التي تسمي« بالصفات الثبوتية، كالعلم والقدرة والكرم فانها صفات جزء من ذاته . كما أنه تعالى منزه عن كل الصفات السلبية كالجهل والعجز والبخل، فاذا قلنا أن الله تعالى عالم وقادر وكريم فلما ذا لا يرسل الاسلام بنظام كامل ومنسجم مع الطبيعة البشرية فاذا كان الانسان العادي يعلم بضرورة وجود النظام ، فكيف الله العليم الحكيم لا يعلم بضرورة هذا النظام والله تعالى منزه عن الجهل لان الجهل من الصفات السلبية عنه ،أذن فالله يعلم بضرورة هذا النظام فلما ذا لا يرسله ؟ هل ليست لديه القدرة والامكانية على ايجاد مبدأ يتكفل مصالح البشرية جمعاء ؟ أو انه يستطيع أن يوجد النظام الصالح ولكنه ليس بقادر على ايصاله إلى البشر ؟ والله جل وعلا منزه عن العجز بكل صوره فهو قادر على ايجاد النظام المتكفل لاسعاد الناس كافة وقادر أيضاً على ايصاله إلى البشرية عن طريق الانبياء والرسل.

فاذا كان الله عالماً بضرورة النظام الاصلح للبشرية وقادراً على

ص: 60

ایجاده وارساله إليهم ومع هذا لا يرسله، فهذا معناه أن الله بخيل وهو منزه عن البخل، لان العلم والقدرة والكرم صفات ثبوتية الله جل شأنه وهو منزه عن الجهل والعجز والبخل وإليك بعض الآيات التي تثبت العلم والقدرة والكرم الله تعالى:

العلم : ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) (1).

القدرة : ( أَوَلَيْسَ الَّذي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَليمُ ) (2).

الكرم : ( فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الكريم ) (3).

النتيجة

فالايمان بالله يحتم ان يكون في الاسلام تشریع کامل شامل الجميع مطالب الحياة واحتياجاتها .

ص: 61


1- سورة الانعام: الآية 59.
2- سورة ياسين : الآية .81
3- سورة المؤمنين : الآية 116 .

ثانياً : اتفق فقهاء المسلمين على كلمة مشهورة بينهم وهي «انه ما من واقعة الا والله فيها حكم».

فكل عمل يقوم به الانسان مهما كان لونه وشكله سواء كان على الصعيد الثقافي أو الاجتماعي أو التجاري أو الاداري والسياسي فكل هذه الأشياء تعد من الوقائع فلابد للتشريع الاسلامي قد وضع وأعد لها أحكامها وشملها بتشريعه ولهذا قيل «ما من واقعة إلّا والله فيها حكم».

ثالثاً : ومن أجل هذا وجدت في الفقه الاسلامي الاحكام التكليفية الخمسة وهي كما يلي :

(أ) الوجوب: وهو الالزام بالاتيان.

(ب) الحرمة : وهو الالزام بالترك.

(ج ) المستحب : رجحان الاتيان.

(د) الكراهية : رجحان الترك.

(ه) الاباحة : تساوي الاتيان وعدمه.

فالاعمال التي يقوم بها الانسان لابد أن تكون مندرجة تحت هذه الأحكام التكليفية الخمسة مهما كان شكل هذه الأعمال اقتصادية أو ثقافيه أو اجتماعية أو سياسية فلابد أن ينطبق عليها عنوان من هذه العناوين المذكورة.

ص: 62

رابعاً : لو استعرضنا الكتب الفقهية لوجدناها قد استوعبت جميع متطلبات الحياة ولهذا نرى الفقهاء قد قسموا الفقه إلى أربعة أقسام.

(أ) العبادات :وهي صلاة وصوم وزكاة وحج ... الخ.

(ب) المعاملات :وهى تمثل الجانب الاقتصادي كالبيع والشراء والاجارة والرهن والحوالة والكفالة والزراعة ... الخ .

(ج ) الحدود: وهي بمثابة قانون العقوبات الجنائية كحكم القاتل والسارق والزاني والمفسد ... الخ .

(د) الادارة والسياسة : وهي تبحث عن مؤهلات الحاكم وما هي وظيفته وما يجب عليه وما يجب له ... الخ .

وبهذه النقاط نرى أن الفقه الإسلامي قد شمل كل جوانب الحياة ولم يترك جانباً الا وشمله وتطرق إليه.

وبهذه اللمحة الخاطفة رأينا أن التشريع الاسلامي تشريع استوعب جميع حاجات الانسان الضرورية وجميع متطلبات الحياة فهو بحق شريعة كاملة للانسان وللحياة وهو دين الانسانية الخالد الذي ارتضاه الله لعباده بقوله :

( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ )(1) ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ ديناً

ص: 63


1- سورة آل عمران : الآية 19 .

فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (1)

الاستمرار

ونعني بالاستمرار أن التشريع الاسلامي، لا يقتصر على زمان معين ولا قومية ولا جيل دون آخر وانما هو لكافة الاجيال بغض النظر عن لغاتهم وقومياتهم، من دون أن يكون في استمراره بحاجة إلى ان يستعين بتشريع أو مذهب من المذاهب الوضعية أو يخرج

على قواعده الرئيسية ، كما هو الحال بالنسبة إلى التشريعات القديمة أو الحديثة، حيث لا تستطيع في المجال التطبيقي أن تبقي على صفتها الاولى ، بل لابد من تحريفها ، أو ادخال عنصر آخر عليها ، وهذا مما يمتاز به التشريع الاسلامي على سائر الشرايع الاجتماعية الأخرى، وذلك لأن التشريع الاسلامي، يتجاوب في خطوطه العريضة وقواعده الكلية مع الفطرة الانسانية، لانه من «صنع خبير عليم حكيم »(فِطْرَتَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )(2).

ص: 64


1- سورة آل عمران : الآية 85.
2- سورة الروم : الآية 30 .

الخطوط العريضة

والخطوط العريضة في التشريع الاسلامي ثابتة، لا تتعرض لعوامل التغيير والتبديل، لانها تعالج القضايا والحاجات الرئيسية للانسان.

والقضايا الاساسية والواقعية للانسان لا يمكن ان تتبدل أو تتغير بحال من الاحوال لانها حاجات فطرية وضرورية.

فالخطوط العريضة للشريعة الاسلامية، لا تتعدى الفطرة الانسانية، وانما الذي يتعرض للتغيير والتبديل هو الجانب التطبيقي لهذه الخطوط العريضة، وذلك حسب ما تقتضيه الاوضاع الاجتماعية المتطورة.

وقد ترك الاسلام هذا الجانب من الشريعة إلى عامل الزمن من حيث يحدد الشكل التطبيقي للحكم الشرعي حسب متطلبات الزمان والمكان.

ولكي نوضح الفكرة لا بأس أن نستعين ببعض الامثلة على ما نقول :

ان التشريع الاسلامي يعترف بضرورة الدفاع ويأمر به وباعداد القوة والعتاد للدفاع عن حوزة الاسلام ،ويعتبر ذلك من مقومات

ص: 65

الحياة الاجتماعية فيقول تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّاللهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (1)

فالخط العريض في هذه الآية هو الامر باعداد القوة والاستعداد الحربي والعسكري لمجابهة الاعداء، واستعمال كل الوسائل الحربية التي ترهب الاعداء وتوجب التغلب عليهم.

اذن فاعداد القوة الحربية، تشريع عام، ولكن تطبيق هذا التشريع وكيفية تنفيذه راجع إلى طبيعة الوسائل الحربية والقوى العسكرية، التي تختلف باختلاف الازمنة والعصور فالقوة الهائلة في بداية الدعوة الاسلامية، كانت تتمثل في السيف والرمح ورباط الخيل ،وأما في الوقت الحاضر فان نوعية القوة العسكرية الدفاعية، تختلف اختلافاً كثيراً عما كان الناس يستعملونها من قبل في الحروب، وذلك باعداد أحدث الاسلحة التي يتعاطاها الانسان في الوقت الحاضر من قبيل الصواريخ والقنابل والدبابات وحاملات الرؤوس الننوية والهيدر وجينية.

الطابع المزدوج للشريعة

ويتضح مما تقدم أن التشريع الاسلامي يشتمل على خطى الدستور والنظام:

ص: 66


1- سورة الانفال : الآية 60 .

الاول : الخط الثابت : - وهو الخط الثابت المستمر ويسمى في المصطلح القانوني بالدستور، وهو يعبر عن الخطوط العريضة الثابتة للتشريع الاسلامي كمثال وجوب اعداد القوة للعدو في قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (1)كما ذكرنا ذلك وهذا الخط الدستوري الثابت يكون صالحاً لكل زمان ومكان لانه يتصل بالطبيعة الانسانية ويرتبط بالتكوين الفسيولوجي والسيكولوجي والفكري . (2)

ولا يمكن أن تختلف الطبيعة الانسانية أو يتغير شيء منها في هذه الجوانب التكوينية الثلاثة ( سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (3)

ولذلك فان الخط الدستوري الثابت من الفقه الاسلامي يتسم بالبقاء والاستمرار ولا يمكن أن يتعرض لشيء من الاختلاف والتغيير كما قال الرسول الاعظم صلی الله علیه وآله وسلم:

«حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة».

ص: 67


1- سورة الانفال : الآية 60 .
2- انظر المدخل الى دراسة التشريع الاسلامي : محمد مهدي الاصفي .
3- سورة الأحزاب : الآية 62.

الثاني : الخط المتغير : وهو الخط التطبيقي المتغير ويسمى بالمصطلح القانوني بالنظام : وهو عبارة عن التفصيلات والتشريعات القانونية التي تطبق فيها الخطوط العامة على ضوء الظروف والملابسات ، كمثال شراء الاسلحة الحديثة في عصرنا الحاضر وذلك تطبيقاً للخط الدستوري الثابت القائل وأعدوا لهم ما استطعتم

من قوة.

ثبات الشريعة على الامتداد الزماني - المكاني

وبهذه النظرة الخاطفة السريعة، يتضح لنا أن التشريع الاسلامي يتسم بالبقاء والاستمرار ويصلح على مدى الاجيال والعصور وقد خاض الانسان على امتداد التاريخ تجارب اجتماعية مريرة وعاش ألوانا من هذه النظم والقوانين الوضعية التي لا تقوم على قائمة من الرسالة فلم يكن نصيب الانسان من كل هذه التجارب غير خيبة أمل مريرة وعناء وشقاء طويلين.

الاسلام والقوانين الحديثة

س 2 :رأينا جانباً حيا من عظمة التشريع الاسلامي واستيعابه وشموله بعد ما أوضحتموه لنا فآمنا واعتقدنا بشموله واستيعابه ولكن

ص: 68

هل لديكم أمثلة وشواهد حية لتكون نبراسا ودليلاً على صلاحية التشريع الاسلامي وتطبيقه في وقتنا الحاضر راجين أن تكون الاجابة واضحة ومبسطة؟

ج 2 : في الاسلام عشرات الشواهد والنماذج الحية التي تدل على عظمة تشريعه وأصالته ونحن لا نستطيع استيعابها جميعاً في هذا الكراس ولكننا نذكرنظريات ثلاثة في الاقتصاد والقانون المعاصرين لتكون أصدق شاهد على ما نقول وإليك هذه النظريات :

النظرية الأولى : في الاقتصاد وتتعلق بمبدأ الملكية في الإسلام والرأسمالية والاشتراكيه .

النظرية الثانية : في القانون المدني.

النظرية الثالثة : مؤتمر القانون الدولي.

الاقتصاد

النظرية الاولى : في الاقتصاد وتتعلق بمبدأ الملكية في الإسلام وفي النظام الرأسمالي والاشتراكي وسنبحث عن الملكية القائمة على أساس التشريع الإسلامي والفروق الجوهرية بينها وبين النظامين الرأسمالي والاشتراكي على نحو الاختصار مع التبسيط والتوضيح وتجنب استعمال الألفاظ المعقدة والمبهمة من أجل أن يفهم جميع القراء.

ص: 69

الملكية في الاسلام وفي النظام الرأسمالي

س 1: ما هي الفروق الاساسية بين الملكية في الاسلام وبين الملكية في النظام الرأسمالي ؟

ج 1: هناك عدة فروق أساسية ليس باستطاعتنا أن نذكرها بالتفصيل في هذه الصفحات وانما يحتاج ذلك إلى كتاب خاص ولكننا نذكرها على سبيل الاختصار والاجمال في النقاط التالية :

أولاً : ان الملكية في الاسلام تأخذ طابعاً معينا وشكلا خاصاً يختلف جوهرياً عن الملكية في النظام الرأسمالي.

وذلك لأن التشريع الاسلامي يؤمن بالملكية المزدوجة كقاعدة عامة ورئيسية وهي من أهم مقومات الاقتصاد الاسلامي ونعني بها الملكية ذات الاشكال المتنوعة وهذه الاشكال هي.

(أ) الملكية الخاصة.

(ب) الملكية العامة .

(ج ) ملكية الدولة.

والاسلام بتشريعه لهذه الملكية واعتبارها القاعدة الرئيسية والعامة فهو يختلف كلياً عن النظام الرأسمالي الذي يؤمن بالملكية الخاصة كقاعدة عامة ورئيسية ولا يعترف بالملكية العامة الّا في

ص: 70

حالات استثنائية يضطر إلى الخروج على قاعدته الرئيسية وهذه القاعدة تختلف عن القاعدة الاسلامية للملكية المزدوجة كما ذكرنا .

ثانياً : ان الملكية في التشريع الاسلامي تختلف عن الملكية الرأسمالية من الناحية الكيفية وذلك بأن نمو الملكية في الاسلام مشروطة بشروط معينة لا يجوز أن تتعدى هذه الشروط في نموها لان الاسلام يؤمن بالملكية النظيفة التي يجب أن تكون خالية من النقاط التالية .

1 - من الربا .

2 - من الغصب .

3 - من السرقة.

4 - من الرشوة .

5 - من البيع غير المشروع كالمتاجرة بالخمر والقمار والرقص والزنا فالملكية القائمة على هذا اللون من النمو ملكية لا يعترف بها الاسلام وانما يعترف بالملكية النظيفة والمنزه عن الشوائب المذكورة.

بينما نرى الملكية الرأسمالية تقوم على الربا والمتاجرة بالخمر والقمار والرقص والزنا... الخ فهذا النمو لا يقره الاسلام ولا يعترف به ولهذا فهي تختلف عن الملكية في الإسلام.

ص: 71

ثالثاً :يعتمد نمو الملكية في الإسلام على الجانب الاخلاقي الذي غرسه الاسلام في نفوس أتباعه حيث منع أخلاقياً نموها على أكتاف الضعاف والفقراء ولذا منع الملكية القائمة على الاحتكار والاحجاف بالحقوق والاستغلال غير المشروع المنافي للمرؤة والانصاف ولهذا نرى الامام أمير المؤمنين علیه السلام يوصي واليه على مصر مالك الاشتر مراعات هذا الجانب الاخلاقي في نمو الملكية عند التجار وإليك نص قوله :

ثم استوصى بالتجار ذوي الصناعات وأوص بهم خيراً، إلى أن يقول :

وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك وأعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحا قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة ، فامنع من الاحتكار، فان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم منع منه وليكن البيع بيعاً سمحا بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البايع والمبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك أياه فنكل به وعاقب في غير اسراف .(1)

ص: 72


1- نهج البلاغة شرح محمد عبده : ج 3، ص 100 عهدة لمالك الاشتر .

فالملكية في الاسلام تعتمد في نموها وتوسعها على الجانب الاخلاقي بينما الملكية في النظام الرأسمالي لا تعط هذا الجانب أي أهمية واعتبار، بل مقياسها العملي هو الربح والمنفعة الخاصة بأي طريق وبأي أسلوب فالمعاملة التي تعود على الملكية بالنمو والربح هی معاملة مشروعة في مفهومها وان كانت عن طريق الاحتكار والاجحاف بحقوق الفقراء والمعوزين، والاستغلال للظروف الصعبة التي تمر بها الامة والمخالفة للمبادئ الاخلاقية في العرف الانساني .

الملكية في الاسلام وفي الاشتراكية

س ب : هل هناك فروق بين الملكية في الإسلام وبين الملكية في الاشتراكية الماركسية وما هي هذه الفروق ؟ اذكروها بايجاز .

ج-ب : هناك فروق جوهرية وأساسية كثيرة بين الملكية في الإسلام وبين الملكية الاشتراكية ولا تسعنا هذه الوريقات لاستيعابها جميعاً ولكن نذكر على سبيل الايجاز والاختصار بعضاً منها.

أولاً : القاعده الاساسية التي تقوم عليها الملكية في الإسلام هي الملكية المزدوجة التي يعتبرها التشريع الاسلامي من أهم وأبرز

ص: 73

مقومات اقتصاده وهي كما ذكرنا آنفا متعددة الاشكال والملكيات.

(أ) الملكية الخاصة: وهي ما يمتلكه الانسان نتيجة أعماله وجهوده المشروعة.

( ب ) الملكية العامة : وهي الأموال التي يجمعها الحاكم الشرعي من الخراج فهي ملكية عامة لكل المسلمين.

(ج-) ملكية الدولة : وهي الانفال وما شاكلها .

فالاسلام ينطلق في نظرته الاقتصادية من هذه الملكية المزدوجة ويعترف بها ويعتمد عليها ، بعكس الملكية في النظام الاشتراكي الذي يعتمد على لون معين من الملكية وهي الملكية وهي الملكية العامة، والاشتراكية لا تؤمن بالملكية الخاصة بل تعتبر الملكية العامة هي القاعدة الاساسية والرئيسية لنظامها بعكس نظرة الاسلام للملكية، القائمة على الملكية المزدوجة كما ذكرناها .

ثانياً : الانسان في المفهوم الاسلامي والماركسي

الاسلام ينظر للانسان نظرة احترام وتقدير وتقديس وقد خلق جميع المخلوقات من أجل الجنس الانساني وليس هناك مخلوقات أخرى تستفيد من هذه الحياة سوى الانسان لان الانسان، لان جميع مظاهر الكون مسخرة من أجل حمايته ورعايته فهذه الشمس وبقية الكواكب السيارة تسير على وفق منهاج دقيق من أجل مصلحة

ص: 74

الانسان وحمايته وكذلك جميع الحيوانات البرية والبحرية خلق قسم منها يأكلها وقسم يستخدمها وقسم يقتلها ان كانت تضر بمصلحته، وهكذا قل في الجمادات فانها مسخرة له يستعملها في الزراعة والسكن ويستخرج كنوزها من النفط والذهب وبقية المعادن الطبيعية الاخرى.

فيتضح لنا أن الانسان خليفة الله في الأرض وهو الوارث الشرعي لها وقد قال الله تعالى في هذا الصدد (وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) .(1)

والله سبحانه وتعالى أباح له جميع ما في الطبيعة ومواردها يتصرف فيها ما يشاء تصرف المالك فى أمواله وفق الحدود الشرعية، فنظرة الاسلام للانسان نظرة تجليل و تكريم لانه يراه صاحب الحق في هذه الحياة والدنيا بمثابة المصنع والمزرعة والانسان هو المالك لهذا المصنع والمزرعة يتصرف فيها تصرفه في

ماله وفق التعاليم الاسلامية.

وهذه النظرة الاسلامية للانسان تختلف جوهرياً عن النظرة الاشتراكية في المفهوم الماركسي حيث انها تنظر إلى الانسان هو ككل أجير فى هذه الدنيا لا أكثر يأخذ أجرته بقدر حاجته وهو ليس

ص: 75


1- سورة الاسراء : الآية 70 .

مالك لهذه الحياة فهو أشبه ما يكون بالعامل في المصنع والفلاح في المزرعة يعطى بقدر ما يحتاجه أو أشبه ما يكون بالحيوان الذي يعطي ما يسد به رمقه فهو يشتغل الساعات الطوال ولا يعطىٰ أكثر من مأكله ومعلفه، فالاشتراكية السائرة في الخط الماركسي تنظر إلى الانسان هو بمثابة الحيوان لا أكثر فكما يعطي الحيوان مقدار ما يحتاج من مأكله ومشربه ، فكذلك الانسان لا يحق له أن يملك أكثر مما يحتاج لانه بمنزلة الحيوان في نظرها، وعلى هذا المفهوم سلبت منه هذه الملكية .

ولكن التشريع الاسلامي ينظر إلى الانسان بأنه المالك لهذه الدنيا ولمواردها يتصرف فيها ما يشاء ضمن الحدود المشروعة وبهذه النظرة يتضح الفرق بين المفهوم الاسلامي والمفهوم الماركسي عن الانسان.

وکل آناء بالذي فيه ينضح .

ثالثاً : الملكية بين التقييد والتحديد

ومن المفهوم الانساني للاسلام الذي ذكرناه نرى تشريعه لا يسلب ما ينتفع الانسان في هذه الدنيا، بل يشجعه على الكسب الحلال من أجل تعمير واعمار وادارة هذه الحياة، ولهذا يعتبر الاسلام العمل عزا وشرفاً للانسان كما قال النبي الاعظم صلی الله علیه وآله وسلم الاحد المسلمين :

ص: 76

«اذهب إلى عزك فقال وما هو عزي يا رسول الله؟ فأجابه صلی الله علیه وآله وسلم عملك».

وروى أيضاً عن على علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :

«من خرج من داره طالباً للحلال تعففاً على والد أو والدة أو زوجة بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر المنير ».

الى ما هناك من الروايات التي تحث على العمل وتعتبره عبادة يثاب الانسان عليه إذا نوى خيراً ولكن مع هذا كله فالاسلام لا يطلق العنان والحرية المطلقة للانسان في أن يملك ما يشاء بل يقيد ملكيته ولا يحددها، وهناك فرق بين التقييد والتحديد.

التقييد في الاسلام

لان التقييد هو فرض الرقابة على كيفية نمو الملكية في ضمن اطار المشرع لها فالرقابة تنزه الملكية في نموها من الربا والغصب والسرقة والغش والرشوة والاحتكار والبيع غير المشروع كبيع الخمر والقمار والمتاجرة بالغناء والرقص والزنا.

التحديد في الاشتراكية

بينما نرى الاشتراكيه تحدد الملكية، والتحديد هو المنع من نمو الملكية مطلقاً سواء كان في النقود أو الزراعة أو العقادات ،

ص: 77

فالاشتراكية تمنع نمو الملكية أكثر مما حددته، بينما الاسلام يقيد الملكية كيفاً لا كماً أي يقيد نمو الملكية في الاطار المذكور والاشتراكية تحدد الملكية كما لا كيفاً فلو نمت الملكية ضمن التحديد ولو كان عن طريق غير المشروع فلو تاجر شخص بالزنا أو بالقمار بحيث لا يزيد النمو عن التحديد المذكور فلا مانع من ذلك في مفهوم الاشتراكية، بينما الاسلام يعتبر هذا اللون من النمو غير مشروع ويعتبرها ملكية مزيفة ولا يعترف بها وبهذه اللمحة الخاطفة يتبين لنا الفرق بين التقييد والتحديد والفرق بين الكيف والكم .

خلاصة النظرية

والاسلام بتشريعه عن الملكية المزدوجة واعتباره لها القاعدة الرئيسية يختلف جوهرياً عن المذهب الرأسمالي الذي يؤمن بالملكية الخاصة، كقاعدة عامة، ولا يعترف بالملكية العامة الّا في حالات استثنائية يضطر إلى الخروج على قاعدته العامة.

ويختلف أيضاً عن المذهب الاشتراكي، الذي يؤمن بالملكية العامة ، كقاعدة عامة، ولا يعترف بالملكية الخاصة الّا في ظروف اضطرارية حيث يضطر إلى الخروج عن قاعدته العامة.

( وقد دلت التجربة العملية على نجاح النظرية الاسلامية، في

ص: 78

المجال الاقتصادي وليس هناك أدل على صحة الموقف الاسلامي الملكية، القائم على أساس مبدء الملكية المزدوجة - من واقع التجربتين الرأسمالية والاشتراكية. فان كلتا التجربتين اضطرتا إلى الاعتراف بالشكل الآخر للملكية، الذي يتعارض مع القاعدة العامة منهما ، لان الواقع برهن على خطأ الفكرة القائمة بالشكل الواحد

للملكية.

فقد بدأ المجتمع الرأسمالي منذ آمد طويل ،يأخذ بفكرة التأميم وينتزع عن بعض المرافق الملكية الخاصة، وليست حركة التأميم هذه الا اعترافاً ضمنياً من المجتمعات الرأسمالية : بعدم جدارة المبدأ الرأسمالي في الملكية ، ومحاولة لمعالجة ما نجم عن ذلك المبدأ من مضاعفات وتناقضات.

كما أن المجتمع الاشتراكي من الناحية الاخرى، وجد نفسه -بالرغم من حداثته - مضطراً أيضاً إلى الاعتراف بالملكية الخاصة، قانونياً وبشكل غير قانوني أحياناً أخرى، فمن اعترافه القانوني بذلك. ما تضمنته المادة السابعة في الدستور السوفياتي آنذاك النص على أن لكل عائلة من عوائل المزرعة التعاونية - بالاضافة إلى دخلها الاساسي الذي يأتيها من اقتصاد المزرعة التعاونية المشترك - قطعة من الارض خاصة بها وملحقة بمحل السكن ) .(1)

ص: 79


1- انظر اقتصادنا : ج 1 ، ص 276 للسيد الصدر.

القانون

النظرية الثانية : مقارنة بين النظرية الاسلامية والقانون المدني :

دور الارادة في انشاء العقد :

والنظرية الثانية في مجال القانون المدني وهي «دور الارادة في انشاء العقد »

وفي هذه النظرية يرى مدى صلاحية النظرية الاسلامية وملاءمتها للظروف والتطورات بعد ما فشلت النظريات الاخرى خلال عشرين قرن، وكيف أن التطور القانوني رسى على النظرية الاسلامية في الارادة وانشاء العقد، وأخذها بعين الاعتبار.

و تتلخص النظرية فى الاجابة على التساؤل التالي وهو هل أن ارادة المتعاقدين تستطيع أن تنشأ عقداً أو التزاماً دون اللجوء إلى شكلية ما أو هل يكفي الرضا المجرد لنشوء العقد ؟ والاجابة على هذا السؤال يتعلق بمبدأ الرضائية في العقود.

والارادة مرت بعدة ادوار من حيث حريتها وكفايتها لانشاء العقود فقد كانت هذه الحرية في القانون الروماني، ضيقة ومقيدة بقوالب وشكليات خاصة في انشاء الاتفاقات التي تتم بين الافراد، لتنتج آثارها ، أما الاتفاقات الشخصية التي لا تجري الشكليات

ص: 80

فيها، فهي لا تنتج أثراً قانونياً ولا التزامياً ولكن هذه الشكليات اصطدمت بتطور الحياة وكثرة التبادل والمعاملات، مما أدى إلى تخفيف وتقليل هذه الشكليات في بعض العقود حتى القرن الثاني عشر فأنحسرت هذه الشكليات عن مسرح العقود نهائياً، وذلك بواسطة كثرة العقود والمعاملات.

موقف النظرية الاسلامية

أما موقف النظرية الاسلامية، من مبدأ الرضائية في العقود (فان التطور الذي رأيناه في الفكر القانوني الغربي، فيما يتعلق بمبدأ الرضائية في العقود، فان هذا التطور يقترب في مسيره نحو الاحكام التي قررها الفقهاء المسلمون من أول يوم بدأوا فيه تفكيرهم القانوني، فانهم قرروا أن الارادة تلتزم وتلزم بمجرد صدورها واقترانها بارادة أخرى على الوجه المشروع، ونقطة الابتداء في ما يقرره الفقهاء المسلمون في هذا الصدد هي الآية الكريمة.

(يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ... الخ (1)

ص: 81


1- سورة المائدة : الآية 1. انظر مصادر الالتزام : ج 1، ص 37 للدكتور عبدالمجيد الحكيم.

وأما ما يتعلق بمبدأ سلطان الارادة ؟

ونعني به هل أن الارادة حرة في أن ترتب ما تشاء من الآثار على العقود التي تبرمها ، أم أن هناك حدوداً يجب أن تقف عندها ؟

والجواب على هذا السؤال انه لما كان القانون الروماني قد فرض بعض القيود والشكليات على الارادة كالاتيان ببعض الحركات والاشارات والالفاظ حتى تنتج أثرها المطلوب.

انصار المبدأ الفردي

وقد أدت هذه القيود والشكليات إلى ظهور، رد فعل شديد ضد أي قيد يحدد ويقيد هذه الارادة ، عند ( أنصار المبدأ الفردي ) فقالوا باعطاء الارادة الحرية التامة، والسلطان المطلق في تحديد الآثار التي تراها مناسبة، حتى بلغوا درجة المغالات في تأييدهم لحرية الارادة وسلطانها.

مذهب فیزیوقراط

وكنتيجة لهذه المغالات التي عند أنصار - المبدأ الفردي - ظهر مذهب آخر ينادي بعدم اعطاء الارادة الحرية التامة في ترتيب ما

ص: 82

تشاء من الآثار ، بل لابد من تقييدها إلى أقصى الحدود.

ومن القائلين بهذا المذهب « فيزيو قراط» وأصحاب المذاهب الاشتراكية التي تعتبر المجتمع هو الغاية، في مقابل «المبدأ الفردي» الذي يعتبر الفرد هو الغاية وقد انتكس مبدأ سلطان الارادة نتيجة مغالات هذه المذاهب في نقدها له، إلى درجة التطرف والمغالات، حتى نفوا المبدأ اطلاقاً من دائرة العقد، وذلك بسبب بعض العوامل الاقتصادية والسياسية.

المذهب المعتدل

ونتيجة لمقالات كل من أنصار مبدأ سلطان الارادة وخصومه ظهر مبدأ آخر يذهب إلى الاعتدال، ووضع الامور في نصابها - ويقول - بالرجوع إلى سلطان الارادة كمبدأ، ولكن في حدود المصلحة العامة .

والصورة التي وصل إليها المذهب المعتدل هى «أن مبدأ سلطان الارادة »لم يعد له ذلك السلطان الواسع الذي اعترف له به أنصار المذهب الفردي ولم تعد الارادة قادرة على كل شيء. نعم ظلت القاعدة العامة ،هي أن الارادة حرة في القيام بما تشاء من التصرفات القانونية، وان ترتب عليها ما تشاء من الآثار، ولكن هذه

ص: 83

الحرية ليست مطلقة، انها حرية لها حدود يجب أن لا تتجاوزها وعليها قيود يجب أن تراعيها فى نشاطها تلك الحدود وهذه القيود يفرضها المشرع مراعياً في ذلك تحقيق العدالة وهي «مراعاة المصلحة » .(1)

نظرية سلطان الارادة في التشريع

ان التطور الذي توصل إليه الفكر القانوني لمبدأ سلطان الارادة.

يتجه ويقترب من الخط الذي وضعه التشريع الخط الذي وضعه التشريع الاسلامي ، منذ بدايته ولكى نلم بالموضوع بصورة مفصلة نستمع إلى الدكتور عبد المجيد الحكيم في كتابه مصادر الالتزام حيث يقول: فيما يتعلق بمبدأ سلطان الارادة ، «سبق أن رأينا تطور الفقه الغربي في هذه المسألة يصل إلى الاعتراف للإرادة بالحرية في انشاء العقود وفي ترتيب الآثار عليها، ولكن هذه الحرية محدودة بالحدود التي يرسمها القانون، ومقيدة بالقيود التي يفرضها عليها، وهذا أيضاً ما يقرره الفقهاء المسلمون، ونقطة الابتداء في الأحكام التي يقررها الفقهاء المسلمون في هذا الباب هي الحديث الشريف «المؤمنون عند شروطهم إلّا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً» والشرط الذي يحرم

ص: 84


1- نفس المصدر السابق .

حلالاً أو يحلل الحرام انما هو شرط مخالف للقانون وقد جمع هذا الحديث خلاصة التطور الذي مر به. الفكر القانوني الغربي، في خلال أكثر من عشرين قرنا .

وقد سبق أن رأينا هذا الفقه، يصل في تطوره إلى قاعدة واستثناء فالقاعدة : هي أن الارادة حرة في أن تنشيء ما تشاء من العقود وأن ترتب عليها ما تشاء من الآثار، والاستثناء هو أن الارادة، يجب أن لا تخالف القانون والنظام العام في العقود والتصرفات التي تجريها، وهذا ما جمعه الحديث المتقدم فالشق الاول منه وهو : المؤمنون عند شروطهم يفيد الافراد أحراراً في أن ينشئوا ما يشاؤون من العقود والاتفاقات، والشق الثانى وهو «الا شرطا أحل حراماً أوحرم حلالاً »يفيد أن حرية الأفراد ليست مطلقة في هذا الباب، بل تجب أن لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً، وهذا معناه في الفقه الغربي أن الأفراد يجب أن لا يخالفوا في اتفاقهم القانون ولا النظام العام والآداب» (1).

وفي هذه الجولة القصيرة استطعنا ان نكشف بعض الشيء عن واقعية التشريع الاسلامي ، ومدى صلاحيته وملائمته للظروف والازمنة وانتصاره على التطورات والازمات، كما برهنت التجربة

ص: 85


1- مصادر الالتزام : ص 27 .

على ذلك، في حين أن التشريعات الأخرى لم تستطع ان تساير التطورات الحديثة، وهي محتفظة بهيكلها وطابعهات، بل لابد لها من أن تمديد العون إلى أنظمة أخرى، فتفقد طابعها وتخرج على قواعدها العامة وهذه النظرية العابرة أيضاً كشفت لنا عن أهمية التشريع الاسلامي، ومرونته وطراوته .وامتيازه على سائر القوانين والتشريعات الوضعية، وذلك بشموله واستمراره وتغلبه على المشاكل الاقتصادية والنظريات القانونية .بما يحفل به من قواعد وخطوط عامة تؤهله لمسايرة التطورات المستحدثة والمشاكل المستجدة .

النظرية الثالثة : مؤتمر القانون الدولى المقارن بلاهای

ونظراً لواقعية التشريع الاسلامي وملائمته لمتطلبات الظروف والحياة الاجتماعية. اعترف مؤتمر القانون الدولي المقارن في مدينة لاهاي في هولندة سنة 1937 بهذه الشريعة وقيمتها في المجالات الاجتماعيه والسياسية وأصدرت القرارات التالية فيما يخص التشريع الاسلامي.

اولاً :اعتبار الشريعة الاسلامية، مصدراً من مصادر التشريع العام.

ثانياً : اعتبار الشريعة الاسلامية، حية صالحة للتطور.

ص: 86

ثالثاً: اعتبار التشريع الاسلامي قائماً بذاته وليس مأخوذاً من غيره.

رابعاً : استعمال اللغة العربية بالمؤتمر في دورته المقبلة ... الخ.

وظهر مما تقدم من حيث نلمس بوضوح .مدى أصالة التشريع الاسلامي وقوته وصلاحيته للتطبيق وملائمته للظروف الاجتماعية المختلفة .

ولو قدر لهذا التشريع العملاق أن بعايش الأمة في واقع حياتها وتشق طريقها إلى الامام في مجاري الحياة العامة لاستطاعت أن تتغلب على كثير من مشاكلها التي تعاني منها ولتأتى لها أن تعيش سعيدة فى ظلال هذه الشريعة الخالدة .

أخى المسلم

عشنا معك في هذه الجولة الفكريه المقارنة بين الاسلام والافكار الحديثةالمعاصرة عسى أن نكون قد وفقنا في هذا الحوار الفكري الشيق . بكل أمانة ونزاهة على كشف الحقيقة والواقع .

وبالاخير اننا على أتم الاستعداد للاجابة على الأسئلة الدينيه وإلى اللقاء في الكتاب القادم.

عبدالكريم الحسيني القزويني

ص: 87

ثبت المصادر

1 - القرآن الكريم .

2 - نهج البلاغة للامام علی علیه السلام .

3 - اقتصادنا للمرجع الشهيد السيد الصدر.

4 - المدخل إلى دراسة التشريع الاسلامي محمد مهدي الاصفي.

5 - مصادر الالتزام للدكتور عبدالمجيد الحكيم.

6 - مؤتمر البحوث الاسلامية القاهرة.

7 - مجلة النجف العدد الخاص بالتشريع الاسلامي.

8 -المسائل المنتخبة للامام السيد ابو القاسم الخوئي .

9 - بحوث ممهد لدراسة الدين الدكتور عبدالله دراز.

10 - اعترافات خدمات اسلام به اوروپا.

11 - قصة الحضارة للاستاذ ولى ديورانت ترجمة الدكتور زكي نجیب محمود .

12 - من هنا وهناك محمد جواد مغنية .

13 - المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا .

ص: 88

14 - الفتاوى الواضحة للمرجع الشهيد الصدر.

15 - مصادر الالتزام للدكتور عبدالمجيد الحكيم.

ص: 89

كتب المؤلف

1 - الوثائق الرسمية لثورة الامام الحسين علیه السلام .

2 - الصوم بحث ودراسة .

2 - علي ومواقفه البطولية .

4 - علي ومدرسته الحربية .

5 - مدرسة علم الأخلاق النظري .

6 - الشركة فى الفقه الاسلامي.

7 -كتاب الأسئلة والأجوبة الاسلامية صدر منها حتى الان سبعة أعداد.

8 - واقعة بدر الكبرى.

9 - نظرية النبوبة والامامة والخلافة في الاسلام.

10 - الصلاة واجباتها وأحكامها .

11 - دروس في تزكية النفس وتكاملها .

12 - مفاهيمنا .

13 - مفهوم الشعائر الحسينية.

ص: 90

14 - تاريخ المدارس الأخلاقية قديماً وحديثاً.

15 - التشيع هو النبع الصافي للإسلام.

16 - التشريع الاسلامي وتطور الزمن.

17 - أوهام أحمد الكاتب وأساطيره.

18 - خرافات عثمان خميس وأوهامه .

19 - ثلاث مناظرات في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

20 - التشيع هو المذهب الرسمي للاسلام بالنص القرآني والنبوي.

21 - النصائح الوافية لأتباع الوهابية والسلفية.

22 - فكرة الامام المهدي فريضة اسلامية بالنص القرآني والنبوي.

23 - لما ذا الاختلاف بين المذاهب الاسلامية مع وضوح النص القرآني والنبوي وقد صدر منها حتى الآن 15 عدد.

24 - (3) شبهات تلفزيونية لابد من الاجابة عليها .

25 - أحكام المسافر مع زيارة الامام الرضا علیه السلام .

26 - مواقف انسانيه هادفة للإمام أمير المؤمنين علیه السلام.

27 - الدین : نشوئه و تقوية ايمانه و تطور تشريعه مع الزمن.

ص: 91

المحتويات

الدين نشأته وتقوية الإيمان به وتطوّر تشريعه مع الزمن

علماء الغرب واروبا يعترفون بصلاحية الاسلام للحياة للحياة ........8

الاسلام صلاحيته وشموله .....11

نصيحتي .....12

حقيقة نشوء الاديان والافتراء عليها .....17

الدين فطرة انسانية...... 17

اولاً : - نظرية المدرسة الالهية .....18

ثانياً : - نظرية المدرسة الفلسفية .....19

ثالثاً : - نظرية المدرسة التاريخية .....21

الديانة ومراحل تطورها ........ 23

1 - عباد الشجر .....23

2 - عباد الحجر .....24

ص: 92

3 -عبادالنار..........24

4 - عباد الشمس ..........25

5 - عباد الحزب ..........26

خلاصة بحثنا هذا ..........26

والنتيجة الحاصلة ..........30

نشوء الاديان والإفتراء عليها ..........30

ما هي الأقوال في نشأة الدين؟..........31

تفسیر كارل ماركس للدين. ..........32

نقد هذا التفسير ..........33

الظاهرة الأولى ..........35

اهرة الثانية .... 36

الظاهرة الثالثة ....36

الظاهرة الرابعة. ..........38

الدين وايديولوجيته ..........38

الانسان المسلم ومراحل اعتقاده .... 39

وسائل تغذية الايمان وتقويته ..........39

الانسان المسلم ومراحل نمو اعتقاده ..........39

1 - المرحلة الاولى : وهي الاسلام ..........39

ص: 93

خصائص هذه المرحلة ......40

الحصانة .....40

مخاطر هذه المرحلة ......... 40

1 - الانحراف الفكري .....41

2 - الانحراف السلوكي .....42

المرحلة الثانية ... 42

المناعة الفكرية والعملية .....43

وسائل تغذية الايمان ....44

آ - الثقيف الذاتي والجمعي .....44

ب - قرائة القرآن ..... 45

ج - قرائة الادعية .....45

د - الالتزام بالواجبات وبعض المستحبات .....45

ه-قرائة وحفظ نهج البلاغة للامام امير المؤمنين ....... 45

و - معاشرة الاخوان والمؤمنين الصادقين فكراً وعملاً ..... 45

المرحلة الثالثة : وهي العشق الالهي .....46

وخلاصة القول ... 52

ص: 94

التشريع الاسلامي وتطور الزمن

قارئي العزيز ....... 55

مؤهلات التشريع الاسلامي ....... 55

قارئي الكريم ....... 57

التشريع الاسلامي وتطور الزمن ....... 58

الشمول الاستمرار ....... 59

الشمول ... 59

النتيجة ....... 61

الاستمرار ... 64

الخطوط العريضة ....... 65

الطابع المزدوج للشريعة ....... 66

ثبات الشريعة على الامتداد الزماني - المكاني ....... 68

الاسلام والقوانين الحديثة ... 68

الاقتصاد ... 69

الملكية في الاسلام وفي النظام الرأسمالي ....... 70

الملكية في الاسلام وفي الاشتراكية....... 73

التقييد في الاسلام ....... 77

ص: 95

التحديد في الاشتراكية .... 77

خلاصة النظرية ... 78

القانون ......80

موقف النظرية الاسلامية ......81

وأما ما يتعلق بمبدأ سلطان الارادة ؟ ......82

انصار المبدأ الفردي. ......82

مذهب فيزيو قراط ......82

المذهب المعتدل ......83

نظرية سلطان الارادة في التشريع ......84

النظرية الثالثة : مؤتمر القانون الدولي المقارن بلاهای ........ 86

أخى المسلم...... 87

ثبت المصادر .....88

كتب المؤلف.......90

ص: 96

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.