نَهجُ البَراءَة من كلام أمير المومنين علیه السلام حول غصب حقوقه والبراءة من أعداءه
عبدالرضا الدرايتي
ص: 1
التمهيد:...11
عزم أمير المومنين علیه السلام على الجهاد ضد أبي بكر وعمر...13
کلام امیرالمومنین علیه السلام حول حقّه المغصوبة في الخلافة وطعنه على أبي بكر وعمر...16
فيما جرى بعد النبي صلی الله علیه وآله یفي أمر الخلافة وكلام أمير المومنين علیه السلام دفاعاً عن حقّه...22
كلام أمير المومنين علیه السلام في البِدَع التي أحدثها الخلفاء قَبلَه...52
کلام اميرالمومنين علیه السلام في بعض تَظَلَّمَاتِه مِن قِبَلِ القوم...59
کتاب امیرالمومنین علیه السلام بعد فتح مصر الي المؤمنين و فيه بيان بعض ما جرى بعد النبی صلى الله عليه وآله من ظلاماته...66
تصريحات أميرالمومنين علیه السلام حول حقّه في الخلافة وبطلان خلافة غيره...79
کلام اميرالمومنين علیه السلام فى أنّ ابابكر و عمر و عثمان كانوا هم الأشرار...86
تَعَرَضّ أميرالمومنين علیه السلام علي ابي بكر وعمر بتأويل هذه الآية «بأیّکم المَفتُون»...87
كلام أميرالمومنين علیه السلام في معنى أهل الجماعة وأهل الفرقة وأهل البدعة وأهل السنة...88
كلام أمير المومنين علیه السلام فى علّة عدم قيامه بالسيف على ابي بكر و عمر...89
كلام أميرالمومنين علیه السلام في عدم إعتبار سُنّة أبي بكر وعمر...119
ص: 2
إحتجاج اميرالمومنين علیه السلام على ابى بكر فى الخلافة وهو بعد إمتناعه علیه السلام عن البيعة...123
إحتجاج امیرالمومنین علیه السلام على أبي بكر في فدك و إثبات كفره بمحضر المهاجرين والانصار...125
إحتجاج اميرالمومنين علیه السلام والصديقة الطاهرة علیها السلام على ابى بكر في خمس فىء وفدك...131
ما فعله أمير المومنين علیه السلام بخالد بن وليد حين أراد قتله علیه السلام...131
کلام امیرالمومنین علیه السلام لخالد بن وليد حين أراد قتله علیه السلام: «مَنْ يَفْعَلُهُ أَضْيَقُ حَلْقَةِ اِسْتِ مِنْكَ»...139
ما فعل أميرالمومنين علیه السلام بخالد بن الوليد حين أراد تحقيره علیه السلام...142
لعن اميرالمومنين علیه السلام أبا بكر وعمرا صريحاً...152
کلام اميرالمومنين علیه السلام فى أنّ عُمَر أكرم قنفذ ولم يُغرِمهُ شيئاً شُكراً له لأنّه ضرب فاطمه علیها السلام بالسوط وكلامه علیه السلام فى بعض مَطاعنه و بِدَعه...154
كلام اميرالمومنين علیه السلام بأنَّ فَاطِمَةَ علیها السلام لَمْ تَزَلْ مَظْلُومَةً مِنْ حَقِّهَا مَمْنُوعَةً، وَ عَنْ مِيرَاثِهَا مَدْفُوعَةً...173
کلام اميرالمومنين علیه السلام فى أن أبا بكر وعمر عُبّاد صَنَم و بيان بعض مطاعنهما قبل وقعة صفين...174
كلام اميرالمومنين علیه السلام في بعض مظالم ابي بكر و عمر وإِنَّ عَلَيْهِمَا خَطَايَا أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله...203
غضب أمير المؤمنين علیه السلام لما أراد ابوبكر و عمر بنبش قبر فاطمه علیها السلام...212
ص: 3
ما كشف اميرالمومنين علیها السلام بالإعجاز عن عذاب ابي بكر و عمر بعد موتهما...229
كلام أمير المومنين علیه السلام في تفسير هذه الآيه «إنّ أنكَر الأصوات لَصُوتُ حَميرٍ» انّما هو صوت أبوبكر وعمر في تابوت من نار في صورة حمارين...236
مناشدة أمير المومنين علیه السلام يوم الشورى و بيان حقه في الخلافة و فضائله علیه السلام
مناشدة اميرالمومنين علیه السلام بعد ما رَأَى مَا هَمَّ الْقَوْمُ بِهِ مِنَ الْبَيْعَةِ لِعُثْمَانَ يوم الشورى...261
إحتجاج اميرالمومنین علیه السلام و مناشدته على القوم لما مات عمر بن الخطاب و قد جعل الخلافه شورى بينهم...279
احتجاج اميرالمومنين علیه السلام على الناس في الخلافة قبل الصفين...284
کلام امیرالمومنين علیه السلام في بيان علة جفاء الأمّة بحقّه...289
جَمَع اميرالمومنين علیه السلام القرآن بعد النّبي صلی الله علیه وآله فلم يُقبل منه الصحابة وكلامه علیه السلام بأن هذا القرآن لايظهر الا بعد ظهور القائم علیه السلام...296
مناشدة امیرالمومنین علیه السلام علی ابى بكر فى امر الخلافة...298
مناشدة اميرالمومنين علیه السلام على من بقى من اصحاب جمل...308
مناشدة أميرالمومنين علیه السلام مع بعض الصحابة فى فضائله علیه السلام و أولويته بالخلافة و بيان مطاعن الخلفاء واصحاب الصحيفة...310
کلام امیرالمومنين علیه السلام مع عمر بن الخطاب و بیان مطاعنه وإخباره بخروج جسده طريّا حتى يصلب بيد المهدي علیه السلام...331
ص: 4
كلام اميرالمومنين علیه السلام بأن أبا بكر وعمر أشقى من إبليس و يعذّبان في جهنّم...338
إحتجاج أميرالمومنين علیه السلام على ابى بكر فى امر الخلافة وأنّ أبا بكر رأى رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد قُبا بإعجازه علیه السلام...342
کلام اميرالمومنين علیه السلام بأنّ ابابكر و عمر خافا من سورة: إنا أنزلنا...356
کلام امیرالمومنين علیه السلام عندما هجموا على داره...358
کلام امیرالمومنين علیه السلام فى عِلَّةٍ دَفْنِهِ لِفَاطِمَةَ علیها السلام لَيْلاً...372
كلام اميرالمومنين علیه السلام: أول من يدخل النار في مَظلمتي ابوبكر و عمر...373
کلام امیرالمومنين عليه السلام في ظلم العيون العينَ...373
عدم حُبّ اميرالمومنين علیه السلام لِمَن أحبّ أبا بكرٍ وعُمر...374
إخبار اميرالمومنين علیه السلام بأنّ بعض الطير إذا عطشت تتبرّأ من أعداءه...374
لعن اميرالمومنين علیه السلام على مبغضي محمد وآل محمد ومبغضي شيعته...376
كلام اميرالمومنين عليه السلام بأن سبعون ألف أمّة في جابلقا يَلعنون أبابكر وعمر...377
کلام امیرالمومنین علیه السلام فيمن يحبه ويُبغِضُه ومن يحب مبغضيه...378
دعاء اميرالمومنين علیه السلام المعروف بصنمي قريش...385
کلام اميرالمومنين علیه السلام بأنّ الولاية لا تُقبل إلا مع البَراءة...387
رِسَالَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام إِلَى أَبِي بَكْرٍ، الذى رَعُب منه رُعباً شديداً...388
ص: 5
كلام أميرالمومنين علیه السلام لعمر بن خطاب: «أَيُّهَا الرِّجْسُ النَّجْسُ الْخَبِيثُ الْمُخْبِتُ» وهو بعد إحضاره علیه السلام بعد موته بالإعجاز بمحضر الصحابة...393
كلام أميرالمومنين علیه السلام لعمر بن الخطاب: قُم يا شَقِي سَتَعْلَمُ أَنَّكَ مِنَ الْكَافِرِينَ. و هذا بعد إعجازه علیه السلام لما أراه من جيوش نهاوند...398
کلام امیرالمومنین علیه السلام: لا أَرْجُو، مِنْ كُلِّ مِائَةٍ اِثْنَانِ يبايعني...403
كلام أميرالمومنين علیه السلام فى أنّ عثمان هو شيخ كافر...405
کلام اميرالمومنين علیه السلام فى تفسير هذه الآية: «وَ إِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشرك بي» هما ابا بكر و عمر...405
كلام أمير المؤمنين علیه السلام بأنّ أبا بكر وعمر أشدّ عداوةً لنا أهل البيت...407
کلام اميرالمومنين علیه السلام فى أنّ قريش و أبا بكر وعمر ظَلَمُوه وبيان مطاعنهما...408
کلام امیر المومنين علیه السلام في تشبيه ابابكر و عمر بالعجل و السامري... 418
کلام امیرالمومنین علیه السلام: بأن الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ فَهِيَ الْمُؤْتَمِنَةُ بِهِ الْمُطِيعَةُ لِه الْمُتَبَرِّئَةُ مِنْ عَدُوّه...426
کلام امیرالمومنین علیه السلام فى معنى المؤمن والكافر والضالّ...434
کتاب اميرالمومنين علیه السلام فى جواب معاويه فى صفين و فيه بيان مطاعن الخلفاء وبني امية و ماجرى بعد النبی صلی الله علیه وآله وكشف بعض الأسرار...436
كلام أميرالمومنين علیه السلام: بأنّ أكثر مَن يُسمّى بالعَشَرة المُبشّرة كانوا في تابوت من النّار فى جهنّم...470
ص: 6
کلام امیرالمومنين علیه السلام فى أنّ حكومة ابوبكر و عمر و عثمان دولة إبليس...474
کلام امیرالمومنين علیه السلام فى حدّ الولاية والبراءة وأنّ النَّاصِبُ وَالْمُعَادِي له علیه السلام: فَمُشْرِكْ كَافِرٌ عَدُوٌّ لِلَّهِ...476
کلام اميرالمومنين علیه السلام بأنّ أصحاب الرأى والقياس أعداء السنن وهم مِنَ اَلْجُهَّالِ وَالْكُفَّارِ وَالْمَلاعِينِ...478
كلام اميرالمومنين علیه السلام: لَوْ شِئْتُ أَنْ أُطَوّلَ بِرِجْلِي حَتَّى أَضْرِبَ بِهَا صَدْرَ مُعَاوِيَةَ لَفَعَلْتُ...478
كلام أميرالمومنين علیه السلام حين أخرجوه من داره كُرهاً وجَرّوه إلى المسجد...480
كلام اميرالمومنين علیه السلام فى عايشة وَ مَا صَنَعَتْهُ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِلاَ بَيِّنَةٍ وَلاَ مَعْذِرَةٍ وَلاَ حُجَّةٍ لَهَا...482
كلمات هجومية لأمير المومنين علیه السلام علي بعض أعدائه...484
كلام اميرالمومنين علیه السلام في جزاء مَن يُقوّي مسكيناً في دينه علي ناصب مخالف...489
کلام امیرالمومنین علیه السلام وَأَنِيقُ الْقُبَّرَةِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي آلِ مُحَمَّدِ...490
کلام امیرالمومنین علیه السلام: لو لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ...490
کلام امیرالمومنین علیه السلام البأن أَهْلُ مُوَالآتِي مَرْحُومُونَ وَأَهْلُ عَدَاوَتِي مَلْعُونُونَ...492
ص: 7
دعاء اميرالمومنين علیه السلام علي الصحابه الذين لايعترفون بقول النبي صلی الله علیه وآله يوم الغدير: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»...493
کلام امیرالمومنین علیه السلام: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وُلِدَ مِنْ حَلالٍ وَ هُوَ يُبْغِضُنِي وَ يُبْغِضُ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِي...496
کلام امیر المومنين علیه السلام فى أنّ من غَصب حقّه هم المنافقون...497
من كان على سُنّة ابي بكر و عمر هو ضالّاً ومحبة اعداء اميرالمومنين علیه السلام ينتهي الي النار و هذا كلام من أخرجهم أميرالمومنين علیه السلام من القبر بالاعجاز...498
کلام امیرالمومنین علیه السلام نقلاً عن النبي صلى الله عليه وآله: يَا عَائِشَةُ لاَ تُؤْذِينِي فِي عَلِيٌّ...501
كلام أميرالمومنين علیه السلام في بطلان خلافة غيره في خطبته المشهورة بالشقشقية...502
كلام اميرالمومنين علیه السلام في الطعن على طلحة والزبير بعد خيانتهما...505
کلام اميرالمومنين علیه السلام عن بطلان بيعة أبي بكر وانها كانت على الإكراه وطعنه على طلحة والزبير...508
کلام اميرالمومنين علیه السلام: بأن الحق لايخرج الا بعد كسر الباطل...510
كلام اميرالمومنين علیه السلام بأنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا حَمَلَ قَوْماً عَلَى الْفَوَاحِشِ حَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْعِبَادَةَ الشَّدِيدَةَ ثُمَّ حَمَلَهُمْ عَلَى وَلايَةِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ...511
کلام امیرالمومنين علیه السلام بأن مَن قَدّم الخلفاء عليه علیه السلام فقد كفروا...512
إخبار اميرالمومنين علیه السلام عن بعض مظالم قريش وبني اميه وبني امیه وبني العباس في حقه وحق ولده عليهم السلام...517
ص: 8
إخبار امير المومنين علیه السلام عن بعض الملاحم بعده...519
کلام امیرالمومنين علیه السلام فی علل بغض عائشة له علیه السلام و بعض مثالبها...524
کتاب امیرالمومنین علیه السلام لعائشة معاتبةً لها...531
ما رآه عمر بن الخطاب من معجزات امیرالمومنین علیه السلام ورُعبُه منها...531
معاتبة اميرالمومنين علیه السلام عمر بن الخطاب فى خيانته فى اموال خراسان و بعض ما رآه من معجزات امیرالمومنین علیه السلام...533
كلام أمير المومنين علیه السلام بأن عمر بن الخطاب أراد قَتله فى الشورى...552
كلام اميرالمومنين علیه السلام بأنّ أَوَّلَ مَا انْتَقَصْنَاهُ بَعْدَ النبی صلى الله عليه وآله إِبْطَالُ حَقِّنَا فِي الخُمُسِ...554
کلام امیرالمومنین علیه السلام: بأن الأمة لو بايع معه بعد رسول الله بلافصل لاَ اِخْتَلَفَ اِثْنَانِ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَلاَ تَنَازَعَتِ الْأُمَّةُ...556
لعن اميرالمومنين علیه السلام علي بسرين أرطاط و عمر بن العاص و معاوية...557
كلام اميرالمومنين علیه السلام في أنّ علّة حضوره في الشوري هو اثبات أن عمر بن الخطاب كذّاب...558
كلام اميرالمومنين علیه السلام: وَ اللَّهِ مَا أُوتِيَ خَالِدٌ إِلاَّ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْخَنُونِ الظُّلُومِ الْمُفَتِّنِ اِبْنِ صُهَاكَ وهذا بعد عزم خالد أن يأخذه علیه السلام أسيراً بأمر ابابكر...559
کلام امیرالمومنین علیه السلام لعمر بن خطاب: أنت الكذّاب على رسول الله صلى الله عليه وآله لقد فضحك الله فى حياته و بعد موته...574
ص: 9
كلام أمير المومنين علیه السلام نقلاً عن النبي صلى الله عليه وآله إنّ بني تيم و بنی عدی وبني اميه يردّون الناس عن الاسلام...575
کلام اميرالمومنين علیه السلام فى أن الله إمتحنه علیه السلام في أربعة عشر مواطن و فيه بیان بعض مطاعن الخلفاء...576
كلام اميرالمومنين علیه السلام بأنه خير من ابى بكر و عمر و عثمان...612
کلام اميرالمومنين علیه السلام لعمر بن الخطاب: لولا سابق قول، وسالف عهد، لشفيت غيظي بخنصري وبُنصُري، وخضت لجته بأخمصي ومفرقي...613
کلام امیرالمومنین علیه السلام لعبد الله بن عُمر: فوالله لولا أبوك وما ركب منى قديماً وحديثاً، ما نازعني إبن عفّان ولا إبن عوف...616
کلام اميرالمومنين علیه السلام بأن عمر بن الخطاب جعل الشورى بصورة لايصل الخلافة اليه علیه السلام أبداً...617
ص: 10
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأزكى السلام على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين. اما بعد:
لطالما سمعتُ أنّ بعض الجهلة المنسوبين الى التشيّع، ومنهم ممّن يدّعي العلم والمعرفة أحياناً، ويقولون: أين أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى حقوقه المُغتصبة؟ وأين جاهر بإدانة الخلفاء وأعداءه؟ وأين سارع في فضحهم؟ ومن هذا القبيل من الترّهات التي تكشف عن جهل المتكلّم.
وقال بعضهم: لماذا سكت أمير المؤمنين علیه السلام في حياته؟ وخاصة لما جلس في بيته خمساً وعشرين عاماً، ألم يكن ذلك حفاظاً على وحدة الإسلام، بالرغم من انه لقد أخفى الحقائق، وساعد الخلفاء وشاركهم الرأي؟!!
بصراحة، عندما كنت أسمع هذه الأباطيل والأراجيف ممن يزعمون أنهم شيعة أمير المؤمنين علیه السلام، كنت أتساءل لماذا العلماء القدّامى
ص: 11
والمعاصرون كل ما بذلوه من جهد في جمع كلام المعصومين علیهم السلام لم يجمعوا مثل هذه الأحاديث من كلام أمير المؤمنين علیه السلام!!
ولذلك قرّرتُ أن أبذل جهدي وبقدر إستطاعتي بأن أجمع بعض كلام أمير المؤمنين علیه السلام في بيان المظالم التي تعرّض له وخطبه وتصريحاته علیه السلام بالبراءة من أعداءه وصراحة لهجته وعدم سكوته، وخاصة فيما يتعلق بمطاعن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية وغيرهم، وذلك رداً على تلك الفئة المشئومة التي حاولت تحريف منطق أهل البيت علیهم السلام عن مساره وإن شاء الله تتم عليهم الحجة وتنغلق أفواههم عن الثرثرة ويتوقفون عن الكذب بما يرتبط بظلامة مولانا أمير المؤمنين علیه السلام.
فسمّيتُ الكتاب (نَهجُ البَراءَة) لأنّ غرض هذا الكتاب هو بيان نَهج أمير المؤمنين علیه السلام في براءته من أعداءه، والطعن في غاصبى الخلافة وأعداء أهل البيت علیهم السلام وفضحهم وكشف أباطيلهم.
21 رمضان المبارک
كربلا المقدسة - عبد الرضا الدرايتي
ص: 12
في رَوضةِ الكافى عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيهَانِ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام الخَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ:...
أَيُّهَا الْأَمَّةُ الَّتِي خُدِعَتْ فَانْخَدَعَتْ وَ عَرَفَتْ خَدِيعَةَ مَنْ خَدَعَهَا فَأَصَرَّتْ عَلَى مَا عَرَفَتْ وَاتَّبَعَتْ أَهْوَاءَهَا وَ ضَرَبَتْ فِي عَشْوَاءِ غَوَايَتِهَا وَ قَدِ اسْتَبَانَ لَهَا الْحَقُ فَصَدَعَتْ عَنْهُ وَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ فَتَنَكَّبَتْهُ.
أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوِ اقْتَبَسْتُمُ الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِهِ وَ شَرِبْتُمُ الْمَاءَ بِعُذُوبَتِهِ وَ اِدَّخَرْتُمُ الْخَيْرَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَأَخَذْتُمْ مِنَ اَلطَّرِيقِ وَاضِحَهُ وَ سَلَكْتُمْ مِنَ الْحَقِّ نَهْجَهُ لَنَهَجَتْ بِكُمُ السُّبُلُ وَ بَدَتْ لَكُمُ الْأَعْلامُ وَ أضَاءَ لَكُمُ الْإِسْلاَمُ، فَأَكَلْتُمْ رَغَداً وَ مَا عَالَ فِيكُمْ عَائِلٌ وَ لاَ ظُلِمَ مِنْكُمْ مُسْلِمُ وَلاَ مُعَاهَدُ.
وَ لَكِنْ سَلَكْتُمْ سَبِيلَ الظَّلامِ فَأَظْلَمَتْ عَلَيْكُمْ دُنْيَاكُمْ بِرُحْيِهَا وَ سُدَّتْ عَلَيْكُمْ أَبْوَابُ الْعِلْمِ فَقُلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ وَاِخْتَلَفْتُمْ فِي دِينِكُمْ فَأَفْتَيْتُمْ فِي دِينِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ اتَّبَعْتُمُ الْغُوَاةَ فَأَغْوَتْكُمْ وَتَرَكْتُمُ الْأَئِمَّةَ
ص: 13
فَتَرَكُوكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ تَحْكُمُونَ بِأَهْوَائِكُمْ إِذَا ذُكِرَ الْأَمْرُ سَأَلْتُمْ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا أَفْتَوْكُمْ قُلْتُمْ هُوَ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ فَكَيْفَ وَ قَدْ تَرَكْتُمُوهُ وَ تَبَذْ تُمُوهُ وَ خَالَفْتُمُوهُ رُوَيْداً عَمَّا قَلِيلِ تَحْصُدُونَ جَمِيعَ مَا زَرَعْتُمْ وَ تَجِدُونَ وَخِيمَ مَا اجْتَرَمْتُمْ وَ مَا اجْتَلَبْتُمْ.
وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي صَاحِبُكُمْ وَ الَّذِي بِهِ أُمِرْتُمْ وَأَنِّي عَالِمُكُمْ وَ الَّذِي بِعِلْمِهِ نَجَاتُكُمْ وَوَصِيُّ نَبِيِّكُمْ وَ خِيَرَةُ رَبَّكُمْ وَ لِسَانُ نُورِكُمْ وَ الْعَالِمُ بِمَا يُصْلِحُكُمْ فَعَنْ قَلِيلِ رُوَيْداً يَنْزِلُ بِكُمْ مَا وُعِدْتُمْ وَ مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ وَ سَيَسْأَلُكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ مَعَهُمْ تُحْشَرُونَ وَإِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَداً تَصِيرُونَ.
أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ لِي عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ أَوْ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَهُمْ أَعْدَاؤُكُمْ لَضَرَبْتُكُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى تَئُولُوا إِلَى الْحَقِّ وَ تُنِيبُوا لِلصَّدْقِ فَكَانَ أَرْتَقَ لِلْفَتْقِ وَآخَذَ بِالرَّفْقِ. اَللَّهُمَّ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَرَّ بِصِيرَةٍ فِيهَا نَحْوُ مِنْ ثَلَاثِينَ شَاةً فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي رِجَالاً يَنْصَحُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَلِرَسُولِهِ بِعَدَدِ هَذِهِ الشَّيَاءِ لَأَزَلْتُ ابْنَ آكِلَةِ الذِّبَّانِ عَنْ مُلْكِهِ.
ص: 14
قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَى بَايَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُونَ رَجُلاً عَلَى الْمَوْتِ. فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: أغْدُوا َّبنَا إِلَى أَحْجَارِ الزَّيْتِ مُحَلِّقِينَ. وَحَلَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام. فَمَا وَافَى مِنَ الْقَوْم مُحَلّقاً إِلاَّ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرِ وَ جَاءَ سَلْمَانُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ. فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي كَمَا اسْتَضْعَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَارُونَ اللَّهُمَّ فَإِنَّكَ تَعْلَمُ مَا يُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَ مَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاء... تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ أَمَا وَ الْبَيْتِ وَالْمُفْضِي إِلَى الْبَيْتِ وَالْخِفَافِ إلَى التَّجْمِير.
لَوْ لاَ عَهْدُ عَهِدَهُ إِلَي النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ صلی الله علیه وآله لَأَوْرَدْتُ الْمُخَالِفِينَ خَلِيجَ الْمَنِيَّةِ وَلَأَرْسَلْتُ عَلَيْهِمْ شَبِيبَ صَوَاعِقِ الْمَوْتِ وَ عَنْ قَلِيل سَيَعْلَمُونَ.(1)
ص: 15
في روضة الكافى عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُكَايَةَ التَّمِيمِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ النَّضْرِ الْفِهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرِ علیه السلام فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ أَرْمَضَنِي اخْتِلَافُ الشَّيعَةِ فِي مَذَاهِبهَا. فَقَالَ: يَا جَابِرُ أَ لَمْ أَقِفْكَ عَلَى مَعْنَى اِخْتِلَافِهِمْ، مِنْ أَيْنَ اِخْتَلَفُوا وَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ تَفَرَّقُوا؟
قُلْتُ: بَلَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَ: فَلاَ تَخْتَلِفْ إذَا اخْتَلَفُوا يَا جَابرُ إِنَّ الْجَاحِدَ لِصَاحِبِ الزَّمَانِ الله كَالْجَاحِدِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي أَيَّامِهِ. يَا جَابِرُ اسْمَعْ وَعِ قُلْتُ: إِذَا شِئْتَ. قَالَ: اِسْمَعْ وَع وَ بَلِّعْ حَيْثُ انْتَهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ.
إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ ذَلِكَ حِينَ فَرَغَ مِنْ جَمْع الْقُرْآنِ وَ تَأْلِيفِهِ. فَقَالَ:...
ص: 16
فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ امْتَحَنَ بِي عِبَادَهُ، وَ قَتَلَ بِيَدِي أَضْدَادَهُ، وَ أَفْنَى بِسَيْفِي جُحَّادَهُ، وَ جَعَلَنِي زُلْفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحِيَاضَ مَوْتٍ عَلَى الْجَبَّارِينَ، وَ سَيْفَهُ عَلَى الْمُجْرِمِينَ، وَ شَدَّ بِي أَزْرَ رَسُولِهِ، وَ أَكْرَمَنِي بِنَصْرِهِ، وَ شَرَّفَنِي بِعِلْمِهِ، وَ حَبَانِي بِأَحْكَامِهِ، وَ اِخْتَصَّنِي بِوَصِيَّتِهِ، وَ اِصْطَفَانِي بِخِلَافَتِهِ فِي أُمَّتِهِ.
فَقَالَ صلی الله علیه وآله - وَقَدْ حَشَدَهُ اَلْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَانْغَصَّتْ بِهِمُ الْمَحَافِلُ - :«أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي كَهَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي». فَعَقَلَ الْمُؤْمِنُونَ عَنِ اللَّهِ نَطَقَ الرَّسُولُ إِذْ عَرَفُونِي أَنِّي لَسْتُ بِأَخِيهِ لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ كَمَا كَانَ هَارُونُ أَخَا مُوسَى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلاَ كُنْتُ نَبِيّاً فَاقْتَضَى نُبُوَّةً، وَ لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِخْلافاً لِي كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ علیه السلام حَيْثُ يَقُولُ: (أَخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَ لا وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ».
وَ قَوْلُهُ علیه السلام حِينَ تَكَلَّمَتْ طَائِفَةُ فَقَالَتْ: نَحْنُ مَوَالِي رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله إِلَى حَجَّةِ الْوَدَاع، ثُمَّ صَارَ إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ، فَأَمَرَ فَأَصْلِحَ لَهُ شِبْهُ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَلاهُ، وَأَخَذَ بِعَضُدِي حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ رَافِعاً صَوْتَهُ، قَائِلاً فِي مَحْفِلِهِ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيُّ مَوْلاَهُ.
ص: 17
اَللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ» وَكَانَتْ عَلَى وَلَايَتِي وَلَايَةُ اللَّهِ وَ عَلَى عَدَاوَتِي عَدَاوَةُ اللَّهِ.
وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْم: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً» فَكَانَتْ وَلاَيَتِي كَمَالَ الدِّين و رضًا الرَّبِّ جَلَّ ذِكْرُهُ.
وَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اخْتِصَاصاً لِي وَ تَكَرُّماً نَحَلَنِيهِ وَإِعْظَاماً وَ تَفضِيلاً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَنَحَنِيهِ وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ».
فِيَّ مَنَاقِبُ لَوْ ذَكَرْتُهَا لَعَظمَ بِهَا الارْتِفَاعُ، فَطَالَ لَهَا الإِسْتِمَاعُ، وَلَئِنْ تَقَمَّصَهَا دُونِي الْأَشْقَيَانِ، وَ نَازَعَانِي فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا بِحَقِّ، وَ رَكِبَاهَا ضَلاَلَةً، وَاِعْتَقَدَاهَا جَهَالَةً، فَلَبِئْسَ مَا عَلَيْهِ وَرَدَا، وَ لَبِئْسَ مَا لِأَنْفُسِهِمَا مَهَّدَا.
يَتَلاعَنَان فِي دُورِهِمَا، وَيَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، يَقُولُ لِقَرِينِهِ إِذَا الْتَقَيَا: «يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرينُ»، فَيُجِيبُهُ الْأَشْقَى عَلَى رُثُوثَةِ: «يَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْكَ خَلِيلاً
ص: 18
،لَقَدْ أَضْلَلْتَنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي، وَ كَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً».
فَأَنَا الذِّكْرُ الَّذِي عَنْهُ ضَلَّ، وَ السَّبِيلُ الَّذِي عَنْهُ مَالَ، وَ الْإِيمَانُ الَّذِي بِهِ كَفَرَ، وَ الْقُرْآنُ الَّذِي إِيَّاهُ هَجَرَ، وَ الدِّينُ الَّذِي بِهِ كَذَّبَ، وَالصَّرَاط الَّذِي عَنْهُ نَكَبَ، وَ لَئِنْ رَتَعَا فِي الْحُطَامِ الْمُنْصَرِمِ وَ الْغُرُورِ الْمُنْقَطِع وَ كَانَا مِنْهُ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَهُمَا عَلَى شَرْ وُرُودٍ فِي أَخْيَبِ وُفُودٍ وَ أَلْعَنِ مَوْرُودٍ يَتَصَارَخَانِ بِاللَّعْنَةِ، وَ يَتَنَاعَقَانِ بِالْحَسْرَةِ، مَا لَهُمَا مِنْ رَاحَةٍ، وَلاَ عَنْ عَذَابِهِمَا مِنْ مَنْدُوحَةٍ....
حَتَّى إِذَا دَعَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبيَّهُ صلی الله علیه وآله وَ رَفَعَهُ إِلَيْهِ لَمْ يَكُ ذَلِكَ بَعْدَهُ إِلاَّ كَلَمْحَةٍ مِنْ خَفْقَةٍ أَوْ وَمِيضِ مِنْ بَرْقَةٍ إِلَى أَنْ رَجَعُوا عَلَى الْأَعْقَابِ، وَ اِنْتَكَصُوا عَلَى الْأَدْبَارِ، وَطَلَبُوا بِالْأَوْتَار، وَأَظْهَرُوا الْكَتَائِبَ، وَرَدَمُوا الْبَابَ، وَفَلُّوا الدَّيَارَ، وَ غَيَّرُوا آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ صلی الله علیه وآله، رَغِبُوا عَنْ أَحْكَامِهِ، وَ بَعْدُوا مِنْ أَنْوَارِهِ، وَإِسْتَبْدَلُوا بِمُسْتَخْلَفِهِ بَدِيلاً إِتَّخَذُوهُ وَ كَانُوا ظالِمِينَ.
ص: 19
وَ زَعَمُوا أَنَّ مَنِ اِخْتَارُوا مِنْ آلِ أَبِي قُحَافَةَ أَوْلَى بِمَقَامٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِمَّنِ اِخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِمَقَامِهِ، وَ أَنَّ مُهَاجِرَ آلِ أَبِي قُحَافَةَ خَيْرُ مِنَ ليه واله الْمُهَاجِرِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الرَّبَّانِيِّ نَامُوسِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.
أَلاَ وَ إِنَّ أَوَّلَ شَهَادَةِ زُورٍ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَام، شَهَادَتْهُمْ أَنَّ صَاحِبَهُمْ مُسْتَخْلَفُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله. فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مَا كَانَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله مَضَى وَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ.
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله الطَّيِّبُ الْمُبَارَكُ، أَوَّلَ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالنُّورِ فِي الْإِسْلَامِ وَ عَنْ قَلِيلٍ يَجِدُونَ غِبَّ مَا يَعْلَمُونَ وَ سَيَجِدُونَ التَّالُونَ غِبَّ مَا أَسَّسَهُ الْأَوَّلُونَ وَ لَئِنْ كَانُوا فِي مَنْدُوحَةٍ مِنَ الْمَهْلِ وَ شِفَاءٍ مِنَ الْأَجَلِ وَ سَعَةٍ مِنَ الْمُنْقَلَبِ وَإِسْتِدْرَاجِ مِنَ الْغُرُورِ وَ سُكُونٍ مِنَ الْحَالِ وَإِدْرَاكٍ مِنَ الْأَمَل.
فَقَدْ أَمْهَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ شَدَّادَ بْنَ عَادٍ وَ ثَمُودَ بْنَ عَبُودٍ وَ بَلْعَمَ بْنَ بَاعُورٍ وَ أَسْبَغَ عَلَيْهِم «نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» وَأَمَدَّهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ الْأَعْمَارِ وَ أَتَتْهُمُ الْأَرْضُ بِبَرَكَاتِهَا لِيَذَّكَّرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلِيَعْرِفُوا الْإِهَابَةَ لَهُ وَ الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ وَلِيَنْتَهُوا عَن الاسْتِكْبَارِ فَلَمَّا بَلَغُوا الْمُدَّةَ وَاسْتَتَمُوا الْأُكْلَةَ أَخَذَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَاصْطَلَمَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ حُصِبَ، وَ مِنْهُمْ
ص: 20
مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ أَحْرَقَتْهُ الظُّلَّةُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ أَوْدَتْهُ اَلرَّجْفَةُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ أَرْدَتْهُ الْخَسْفَةُ، «فَما كَانَ اللَّهِ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون» أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً، فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ لَوْ كُشِفَ لَكَ عَمَّا هَوَى إِلَيْهِ الظَّالِمُونَ وَآلَ إِلَيْهِ الْأَخْسَرُونَ لَهَرَبْتَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ وَإِلَيْهِ صَائِرُونَ.
أَلاَ وَإِنِّي فِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ كَهَارُونَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ، وَ كَبَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ كَسَفِينَةِ نُوحٍ فِي قَوْمٍ نُوحٍ.
إِنِّي النَّبَأُ الْعَظِيمُ وَالصَّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَ عَنْ قَلِيلٍ سَتَعْلَمُونَ مَا تُوعَدُونَ. وَهَلْ هِي إِلاَّ كَلُعْقَةِ الآكِلِ وَ مَذْقَةِ الشَّارِبِ وَ خَفْقَةِ الْوَسْنَانِ ثُمَّ تُلْزِمُهُمُ الْمَعَرَّاتُ خِزْيِاً فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدَّ الْعَذَابِ...
فَمَا جَزَاءُ مَنْ تَنَكَّبَ مَحَجَّتَهُ وَ أَنْكَرَ حُجَّتَهُ وَ خَالَفَ هُدَاتَهُ وَ حَادَّ عَنْ نُورِهِ وَاقْتَحَمَ فِي ظُلَمِهِ وَإِسْتَبْدَلَ بِالْمَاءِ السَّرَابَ وَبِالنَّعِيمِ الْعَذَابَ وَ بِالْفَوْنِ الشَّقَاء وَ بِالسَّرَّاءِ الضَّرَّاء وَ بِالسَّعَةِ الضَّنْكَ إلاَّ جَزَاء اقْتِرَافِهِ وَ سُوءُ خِلاَفِهِ "فَلْيُوقِنُوا بِالْوَعْدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلْيَسْتَيْقِنُوا بِمَا يُوعَدُونَ
ص: 21
يَوْمَ تَأْتِي الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً(1).
1 - عن كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسِ الْهِلاليِّ، بِرِوَايَةِ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْهُ مُوَافِقاً لِمَا رَوَاهُ الطَّبْرِسِيُّ عَنْهُ فِي الْإِحْتِجَاجِ عَن سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيُّ قَالَ: لَمَّا أَنْ قُبِضَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وآله وَ صَنَعَ النَّاسُ عليه واله مَا صَنَعُوا، جَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاح فَخَاصَمُوا الْأَنْصَارَ فَخَصَمُوهُمْ بِحُجَّةِ عَلِيٍّ علیه السلام فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، قُرَيْشُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْكُمْ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله مِنْ قُرَيْشِ وَالْمُهَاجِرُونَ خَيْرُ ها الله مِنْكُمْ، لأَنَّ اللَّهَ بَدَأَ بِهِمْ فِي كِتَابِهِ وَ فَضَّلَهُمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْش....»
قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: فَأَخْبَرْتُ عَلِيّاً علیه السلام - وَهُوَ يُغَسَّلُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله - بِمَا صَنَعَ الْقَوْمُ، وَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرِ السَّاعَةَ لَعَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ
ص: 22
صلی الله علیه وآله، مَا يَرْضَوْنَ أَنْ يُبَايِعُوا لَهُ بيَدٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّهُمْ لَيُبَايِعُونَهُ بِيَدَيْهِ جَمِيعاً بِيَمِينِهِ وَ شِمَالِهِ!
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: يَا سَلْمَانُ وَهَلْ تَدْرِي مَنْ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُول اللَّه صلی الله علیه وآله؟
قُلْتُ: لاَ، إِلاَّ أَنِّي رَأَيْتُهُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ حِينَ خَصَمَتِ الْأَنْصَارَ، وَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ثُمَّ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ.
قَالَ علیه السلام: لَسْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ هَؤُلاَءِ، وَلَكِنْ تَدْرِي مَنْ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ حِينَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ؟
قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ شَيْخاً كَبِيراً يَتَوَكَّةُ عَلَى عَصَاهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَادَةُ شَدِيدُ النَّشْمِيرِ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ وَ خَرَّ وَ هُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِثْنِي حَتَّى رَأَيْتُكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَبْسُطْ يَدَكَ. فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَوْمُ كَيَوْمِ آدَمَ ثُمَّ نَزَلَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: يَا سَلْمَانُ، أَتَدْرِي مَنْ هُوَ؟
قُلْتُ: لاَ وَلَقَدْ سَاءتْنِي مَقَالَتَهُ كَأَنَّهُ شَامِتُ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله.
ص: 23
قَالَ عَلِيُّ علیه السلام: فَإِنَّ ذَلِكَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ. أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَنَّ إِبْلِيسَ وَ رُؤَسَاءَ أَصْحَابِهِ شَهِدُوا نَصْبَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله إِيَّايَ يَوْمَ غَدِير خُمٍّ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَأَخْبَرَهُمْ بِأَنِّي أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ.
فَأَقْبَلَ إِلَى إِبْلِيسَ أَبَالِسَتُهُ وَ مَرَدَةُ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةً مَرْحُومَةً مَعْصُومَةً فَمَا لَكَ وَ لاَ لَنَا عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، وَ قَدْ أُعْلِمُوا مَفْزَعَهُمْ وَإِمَامَهُمْ بَعْدَ نَبِيَّهِمْ. فَانْطَلَقَ إِبْلِيسُ كَئِيباً حَزيناً.
وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: فَأَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَنْ لَوْ قُبِضَ أَنَّ العلمية لا النَّاسَ سَيُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرِ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ بَعْدَ تَخَاصُمِهِمْ بِحَقِّنَا وَ حُجَّتِنَا. ثُمَّ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فَيَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ عَلَى مِنْبَرِي إِبْلِيسَ فِي صُورَةٍ شَيْخِ كَبِيرٍ مُشَمَّرٍ يَقُولُ: كَذَا وَ كَذَا.
ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَجْمَعُ شَيَاطِينَهُ وَ أَبَالِسَتَهُ فَيَخِرُّونَ سُجَّداً وَ يَقُولُونَ: يَا سَيَّدَهُمْ وَ يَا كَبِيرَهُمْ أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَيُّ أُمَّةٍ لَمْ تَضِلَّ بَعْدَ نَبِيَّهَا، كَلاَّ زَعَمْتُمْ أَنْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِمْ سَبِيلُ؟ فَكَيْفَ رَأَيْتُمُونِي صَنَعْتُ بِهِمْ حِينَ تَرَكُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَأَمَرَهُمْ
ص: 24
رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ».
قَالَ سَلْمَانُ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ اللَّيْلُ حَمَلَ عَلِيُّ علیه السلام فَاطِمَةَ علیها السلام عَلَى حِمَارٍ، وَ أَخَذَ بِيَدِ ابْنَيْهِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ علیهم السلام، فَلَمْ يَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ لاَ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلاَّ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَذَكَّرَهُمْ وَلاَ حَقَّهُ وَ دَعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ. فَمَا اسْتَجَابَ لَهُ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةُ وَ أَرْبَعُونَ رَجُلاً فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا بُكْرَةً مُحَلَّقِينَ رُءُوسَهُمْ مَعَهُمْ سِلاَحُهُمْ لِيُبَايِعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ. فَأَصْبَحُوا فَلَمْ يُوَافِ مِنْهُمْ أَحَدُ إِلاَّ أَرْبَعَةُ.
فَقُلْتُ لِسَلْمَانَ: مَن الْأَرْبَعَةُ؟.
فَقَالَ: أَنَا وَأَبُو ذَرِّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ.
ثُمَّ أَتَاهُمْ عَلِيُّ علیه السلام مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ فَنَاشَدَهُمْ فَقَالُوا: نُصْبِحُكَ بُكْرَةً. فَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أَتَاهُ غَيْرُنَا. ثُمَّ أَتَاهُمُ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ فَمَا أَتَاهُ غَيْرُنَا.
فَلَمَّا رَأَى عَلِيُّ علیه السلام غَدْرَهُمْ وَقِلَّةَ وَفَائِهِمْ لَهُ، لَزِمَ بَيْتَهُ وَ أَقْبَلَ عَلَى الْقُرْآن يُؤَلِّفُهُ وَيَجْمَعُهُ. فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى جَمَعَهُ وَكَانَ فِي الصُّحُفِ وَ الشَّظَاظِ وَ الْأَكْتَافِ وَ الرَّقَاعِ. فَلَمَّا جَمَعَهُ كُلَّهُ وَ كَتَبَهُ بِيَدِهِ
ص: 25
تَنْزِيلَهُ وَ تَأْوِيلَهُ وَ النَّاسِخَ مِنْهُ وَ الْمَنْسُوخَ بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَخْرُجْ فَبَايع.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيُّ علیه السلام: أَنِّي مَشْغُولُ. وَ قَدْ آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي يَمِيناً أَنْ لا أَرْتَدِيَ بِرِدَاءِ إِلاَّ لِلصَّلاَةِ حَتَّی أُوَلّفَ الْقُرْآنَ وَ أَجْمَعَهُ.
فَسَكَتُوا عَنْهُ أَيَّاماً فَجَمَعَهُ فِي ثَوْبِ وَاحِدٍ وَخَتَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ مَعَ أَبِي بَكْرِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله فَنَادَى عَلِيُّ علیه السلام بِأَعْلَاَ صَوْتِهِ:
أَيُّهَا النَّاسُ: أَنِّي لَمْ أَزَلْ مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله مَشْغُولاً بِغُسْلِهِ ثُمَّ بِالْقُرْآنِ حَتَّى جَمَعْتُهُ كُلَّهُ فِي هَذَا الثَّوْبِ اَلْوَاحِدِ. فَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ آيَةً مِنْهُ إِلا وَ قَدْ جَمَعْتُهَا وَ لَيْسَتْ مِنْهُ آيَةً إِلَّا وَ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ عَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا. ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ علیه السلام: لِئَلاَّ تَقُولُوا غَداً إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ.
و ثُمَّ قَالَ لَهُمْ عَلِيُّ علیه السلام: لاَ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنِّي لَمْ أَدْعُكُمْ إِلَى: نُصْرَتِي وَ لَمْ أُذَكِّرْكُمْ حَقِّي وَ لَمْ أَدْعُكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَغْنَانَا بِمَا مَعَنَا مِنَ الْقُرْآن عَمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ.
ص: 26
ثُمَّ دَخَلَ عَلِيُّ علیه السلام بَيْتَهُ.
وَ قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرِ: أَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ فَلْيُبَايِعْ فَإِنَّا لَسْنَا فِي شَيْءٍ حَتَّى يُبَايِعَ وَ لَوْ قَدْ بَايَعَ أَمِنَّاهُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ: أَجِبْ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله. فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ علیه السلام: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَسْرَعَ مَا كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله إِنَّهُ لَيَعْلَمُ وَيَعْلَمُ الَّذِينَ حَوْلَهُ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَمْ يَسْتَخْلِفَا غَيْرِي.
وَ ذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ. فَقَالَ: اذْهَبْ فَقُلْ لَهُ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا وَ اللَّهِ طَالَ الْعَهْدُ فَيَنْسَى، وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الإِسْمَ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِي. وَ لَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ هُوَ سَابِعُ سَبْعَةِ، فَسَلَّمُوا عَلَيَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ. فَاسْتَفْهَمَ هُوَ وَ صَاحِبُهُ مِنْ بَيْن السَّبْعَةِ فَقَالاَ: أَمْرُ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: نَعَمْ حَقَّاً مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَيَّدُ الْمُسْلِمِينَ وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْغُرُ الْمُحَجَّلِينَ يُقْعِدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصَّرَاطِ فَيُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهُ الْجَنَّةَ وَأَعْدَاءَهُ النَّارَ. فَانْطَلَقَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ بمَا قَالَ، فَسَكَتُوا عَنْهُ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ.
ص: 27
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ حَمَلَ عَلِيُّ علیه السلام فَاطِمَةَ علیها السلام عَلَى حِمَارِ وَأَخَذَ بِيَدِ ابْنَيْهِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ علیهم السلام، فَلَمْ يَدَعْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله علیه وآله إِلاَّ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَنَاشَدَهُمُ اللَّهَ حَقَّهُ وَ دَعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ.
فَمَا اسْتَجَابَ مِنْهُمْ رَجُلٌ غَيْرُنَا أَرْبَعَةُ. فَإِنَّا حَلَّقْنَا رُءُوسَنَا وَ بَذَلْنَا لَهُ نُصْرَتَنَا وَ كَانَ الزُّبَيْرُ أَشَدَّنَا بَصِيرَةً فِي نُصْرَتِهِ.
فَلَمَّا أَنْ رَأَى عَلِيُّ علیه السلام خِذْلانَ النَّاسِ إِيَّاهُ وَ تَرْكَهُمْ نُصْرَتَهُ وَ اجْتِمَاعَ كَلِمَتِهِمْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَ تَعْظِيمَهُمْ إِيَّاهُ، لَزِمَ بَيْتَهُ.
فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِ فَيُبَايِعَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ وَ قَدْ بَايَعَ غَيْرَهُ وَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَرَقَ الرَّجُلَيْن وَأَرْفَقَهُمَا وَأَدْهَاهُمَا وَأَبْعَدَهُمَا غَوْراً وَ الْآخَرُ أَفَظَهُمَا وَ أَغْلَظَهُمَا وَأَجْفَاهُمَا.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر: مَنْ نُرْسِلُ إِلَيْهِ؟
فَقَالَ عُمَرُ: نُرْسِلُ إِلَيْهِ قُنْفُذاً فَهُوَ رَجُلٌ فَظٌ غَلِيظٌ جَافٍ مِنَ الطَّلَقَاءِ أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. فَأَرْسَلَهُ وَ أَرْسَلَ مَعَهُ أَعْوَاناً وَ انْطَلَقَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عَلِيٍّ علیه السلام، فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ.
ص: 28
فَرَجَعَ أَصْحَابُ قُنْفُذٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَ هُمَا جَالِسَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ حَوْلَهُمَا فَقَالُوا: لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا.
فَقَالَ عُمَرُ: إِذْهَبُوا فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ وَإِلاَّ فَادْخُلُوا بِغَيْرِ إِذْنِ.
فَانْطَلَقُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَقَالَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام: أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى بَيْتِي بِغَيْرِ إِذْنِ.
فَرَجَعُوا وَثَبَتَ قُنْفُذُ الْمَلْعُونُ. فَقَالُوا: إِنَّ فَاطِمَةَ علیها السلام قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا فَتَحَرَّجْنَا أَنْ نَدْخُلَ بَيْتَهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ.
فَغَضِبَ عُمَرُ وَ قَالَ: مَا لَنَا وَ لِلنِّسَاءِ.
ثُمَّ أَمَرَ أُناساً حَوْلَهُ بِتَحْصِيلِ الْحَطَبِ وَ حَمَلُوا الْحَطَبَ وَحَمَلَ مَعَهُمْ عُمَرُ فَجَعَلُوهُ حَوْلَ مَنْزِلِ عَلِيٍّ علیه السلام وَ فِيهِ عَلِيُّ وَ فَاطِمَةً وَإِبْنَاهُمَا علیهم السلام.
ثُمَّ نَادَى عُمَرُ حَتَّى أَسْمَعَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ علیهم السلام: وَاللَّهِ لَتَخْرُجَنَّ يَا عَلِيُّ وَ لَتُبَايِعَنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَإِلاَّ أَضْرَمْتُ عَلَيْكَ النَّارَ.
فَقَامَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ مَا لَنَا وَ لَكَ؟
فَقَالَ: اِفْتَحِي اَلْبَابَ وَإِلاَّ أَحْرَقْنَا عَلَيْكُمْ بَيْتَكُمْ.
فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ أَ مَا تَتَّقِي اللَّهَ تَدْخُلُ عَلَى بَيْتِي؟
ص: 29
فَأَبَى أَنْ يَنْصَرِفَ. وَ دَعَا عُمَرُ بِالنَّارِ فَأَضْرَمَهَا فِي الْبَابِ، ثُمَّ دَفَعَهُ فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةً وَصَاحَتْ يَا أَبَتَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَرَفَعَ عُمَرُ السَّيْفَ وَ هُوَ فِي غِمْدِهِ فَوَجَأَ بِهِ جَنْبَهَا، فَصَرَخَتْ: يَا أَبَتَاهُ. فَرَفَعَ السَّوْطَ فَضَرَبَ بِهِ ذِرَاعَهَا، فَنَادَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَبِئْسَ مَا خَلَفَكَ أَبُو بَكْرِ وَ عُمَرُ.
فَوَثَبَ عَلِيُّ علیه السلام فَأَخَذَ بِتَلَابِيهِ، فَصَرَعَهُ وَ وَجَأَ أَنْفَهُ وَ رَقَبَتَهُ وَ هَمَّ بِقَتْلِهِ، فَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ مَا أَوْصَاهُ بِهِ، فَقَالَ: وَ الَّذِي كَرَّمَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله بِالنُّبُوَّةِ يَا ابْنَ صُهَاكَ لَوْلا كِتَابُ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ وَ عَهْدُ عَهِدَ واله إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ، لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتِي.
فَأَرْسَلَ عُمَرُ يَسْتَغِيثُ. فَأَقْبَلَ النَّاسُ حَتَّى دَخَلُوا الدَّارَ وَ ثَارَ عَلِيُّ علیه السلام إِلَى سَيْفِهِ. فَرَجَعَ قُنْفُذُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ هُوَ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَخْرُجَ عَلِيُّ علیه السلام بِسَيْفِهِ لِمَا قَدْ عَرَفَ مِنْ بَأْسِهِ وَ شِدَّتِهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرِ لِقُنْفُذِ: ارْجِعْ فَإِنْ خَرَجَ فَاقْتَحِمْ عَلَيْهِ بَيْتَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَأَضْرِمْ عَلَيْهِمْ بَيْتَهُمُ النَّارَ. فَانْطَلَقَ فَنْفُذُ الْمَلْعُونُ فَاقْتَحَمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِغَيْرِ إِذْن وَ ثَارَ عَلِيُّ عليه السلام إِلَى سَيْفِهِ، فَسَبَقُوهُ إِلَيْهِ وَ كَاثَرُوهُ فَتَنَاوَلَ بَعْضَ سُيُوفِهِمْ فَكَاثَرُوهُ.
ص: 30
فَأَلْقَوْا فِي عُنُقِهِ حَبْلاً وَ حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَاطِمَةُ علیها السلام عِنْدَ بَابٍ الْبَيْتِ. فَضَرَبَهَا قُنْفُذُ الْمَلْعُونُ بِالسَّوْطِ فَمَاتَتْ حِينَ مَاتَتْ. وَ إِنَّ فِي عَضُدِهَا مِثْلَ الدُّمْلُجِ مِنْ ضَرْبَتِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ انْطَلَقُوا بِعَلِيٍّ علیه السلام يُتَلُّ حَتَّى أَنْتَهِي بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرُ قَائِمُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ وَ سَائِرُ النَّاسِ حَوْلَ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهِمُ السِّلَاحُ.
قَالَ قُلْتُ لِسَلْمَانَ: أَدَخَلُوا عَلَى فَاطِمَةَ علیها السلام بِغَيْرِ إِذْنِ؟
قَالَ: إي واللهِ وَ مَا عَلَيْهَا خِمَارٌ.
فَنَادَتْ: يَا أَبَتَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَبِئْسَ مَا خَلَفَكَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ عَيْنَاكَ لَمْ تَتَفَقَّأَ فِي قَبْركَ، تُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرِ وَ مَنْ حَوْلَهُ يَبْكُونَ مَا فِيهِمْ إِلاَّ بَاكٍ غَيْرَ عُمَرَ وَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. وَ عُمَرُ يَقُولُ: إِنَّا لَسْنَا مِنَ النِّسَاءِ وَ رَأْيِهِنَّ فِي شَيْءٍ.
قَالَ: فَانْتَهَوْا بِعَلِيٍّ علیه السلام إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ هُوَ يَقُولُ: أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ وَقَعَ سَيْفِي فِي يَدِي لَعَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ لَمْ تَصِلُوا إِلَى هَذَا أَبَداً. أَمَا وَاللَّهِ مَا أَلُومُ
ص: 31
نَفْسِي فِي جِهَادِكُمْ وَ لَوْ كُنْتُ أَسْتَمْسِكُ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلاً لَفَرَّقْتُ جَمَاعَتَكُمْ، وَلَكِنْ لَعَنَ اللَّهُ أَقْوَاماً بَايَعُونِي ثُمَّ خَذَلُونِي.
وَ لَمَّا أَنْ بَصُرَ بِهِ أَبُو بَكْرِ صَاحَ: خَلُّوا سَبِيلَهُ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَسْرَعَ مَا تَوَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلی الله علیه وآله بِأَيِّ حَقٍّ وَ بِأَيِّ مَنْزِلَةٍ دَعَوْتَ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِكَ؟
أَلَمْ تُبَايِعْنِي بِالْأَمْسِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْر رَسُول الله صلی الله عليه وآله؟
وَ قَدْ كَانَ قُنْفُذُ لَعَنَهُ اللَّهُ ضَرَبَ فَاطِمَةَ بِالسَّوْطِ حِينَ حَالَتْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ زَوْجِهَا. وَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنْ حَالَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَاطِمَةُ فَاضْرِبْهَا.
فَأَلْجَأَهَا قُنْفُذُ إِلَى عِضَادَةِ بَيْتِهَا وَ دَفَعَهَا فَكَسَرَ ضِلْعاً مِنْ جَنْبِهَا، فَأَلْقَتْ جَنِيناً مِنْ بَطْنِهَا. فَلَمْ تَزَلْ صَاحِبَةَ فِرَاشِ حَتَّى مَاتَتْ علیها السلام مِنْ ذَلِكَ شَهِيدَةً.
قَالَ وَ لَمَّا أَنْتُهِيَ بِعَلِيٍّ علیه السلام إِلَى أَبِي بَكْرٍ انْتَهَرَهُ عُمَرُ وَ قَالَ لَهُ: بَايِعُ وَ دَعْ عَنْكَ هَذِهِ الْأَبَاطِيلَ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ علیه السلام: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ فَمَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ؟
قَالُوا: نَقْتُلُكَ ذُلاًّ وَصَغَاراً.
ص: 32
فَقَالَ علیه السلام: إِذا تَقْتُلُونَ عَبْدَ اللَّهِ وَ أَخَا رَسُول اللَّهِ صلی الله عليه وآله.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَنَعَمْ وَ أَمَّا أَخُو رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَمَا نُقِرُّ لَكَ بِهَذَا.
قَالَ علیه السلام: أَتَجْحَدُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله آخَى بَيْنِي وَ بَيْنَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ. فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيُّ علیه السلام فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله يَقُولُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ كَذَا وَ كَذَا وَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ كَذَا وَكَذَا؟
فَلَمْ يَدَعْ عَلِيُّ علیه السلام شَيْئاً قَالَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَلَانِيَةً لِلْعَامَّةِ إِلاَّ ذَكَّرَهُمْ إِيَّاهُ، فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَلَمَّا تَخَوَّفَ أَبُو بَكْرِ أَنْ يَنْصُرَهُ النَّاسُ وَ أَنْ يَمْنَعُوهُ بَادَرَهُمْ فَقَالَ: كُلُّ مَا قُلْتَ حَقٌّ قَدْ سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا وَ وَعَتْهُ قُلُوبُنَا، وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ بَعْدَ هَذَا إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اصْطَفَانَا اَللَّهُ وَأَكْرَمَنَا وَاِخْتَارَ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ النُّبُوَّةَ وَالْخِلافَةَ.
ص: 33
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام هَلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله شَهدَ هَذَا مَعَكَ؟
فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ، قَدْ سَمِعْنَا هَذَا مِنْهُ كَمَا قَالَ. وَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وآله.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام لَقَدْ وَفَيْتُمْ بِصَحِيفَتِكُمْ الْمَلْعُونَةِ الَّتِي قَدْ تَعَاقَدْتُمْ عَلَيْهَا فِي الْكَعْبَةِ. إِنْ قَتَلَ اللَّهُ مُحَمَّداً أَوْ مَاتَ لَتَزْوُنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ مَا أَطْلَعْنَاكَ عَلَيْهَا.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: أَنْتَ يَا زُبَيْرُ وَ أَنْتَ يَا سَلْمَانُ وَأَنتَ يَا أَبَا ذَرٍّ وَأَنْتَ يَا مِقْدَادُ، أَسْأَلُكُمْ بِاللَّهِ وَبِالْإِسْلَام أَ مَا سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ إِنَّ فُلاناً وَ فُلاناً حَتَّى عَدَّ هَؤُلاَءِ الْخَمْسَةَ قَدْ كَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَاباً وَتَعَاهَدُوا فِيهِ وَتَعَاقَدُوا عَلَى مَا صَنَعُوا؟
فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ ذَلِكَ لَكَ: «إِنَّهُمْ قَدْ تَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلَى مَا صَنَعُوا وَ كَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَاباً إِنْ قُتِلْتُ أَوْ مِثْ أَنْ يَزْوُوا عَنْكَ هَذَا يَا عَلِيُّ».
فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْ أَفْعَلَ؟
ص: 34
فَقَالَ لَكَ: إِنْ وَجَدْتَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ وَ نَابِذْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أعْوَاناً فَبَايِعُهُمْ وَأحْقُنْ دَمَكَ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعِينَ رَجُلاً الَّذِينَ بَايَعُونِي وَفَوْا لِي لَجَاهَدْتُكُمْ فِي اللَّهِ. وَ لَكِنْ أَمَا وَاللَّهِ لاَ يَنَالُهَا أَحَدُ مِنْ عَقِبكُمَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ. وَفِيمَا يُكَذِّبُ قَوْلَكُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وآله قَوْلُ اللَّهِ: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً». فَالْكِتَابُ النُّبُوَّةُ، وَالْحِكْمَةُ السُّنَّةُ، وَالْمُلْكُ الْخِلافَةُ. وَنَحْنُ آل إِبْرَاهِيمَ.
فَقَامَ الْمِقْدَادُ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ بِمَا تَأْمُرُ وَ اللَّهِ إِنْ أَمَرْتَنِي لَأَضْرِبَنَّ بِسَيْفِي وَ إِنْ أَمَرْتَنِي كَفَفْتُ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: كُفَّ يَا مِقْدَادُ وَاذْكُرْ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وَ مَا أَوْصَاك بِهِ....
فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: وَ هُوَ جَالِسٌ فَوْقَ الْمِنْبَرِ مَا يُجْلِسُكَ فَوْقَ الْمِنْبَرِ وَ هَذَا جَالِسُ مُحَارِبُ لَا يَقُومُ فَيُبَايِعَكَ أَوَ تَأْمُرُ بِهِ فَنَضْرِبَ عُنُقَهُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ علیهم السلام قَائِمَان.
ص: 35
فَلَمَّا سَمِعَا مَقَالَةَ عُمَرَ بَكَيَا، فَضَمَّهُمَا إِلَى صَدْرِهِ فَقَالَ علیه السلام: لاَ تَبْكِيَا فَوَ اللَّهِ مَا يَقْدِرَان عَلَى قَتْل أَبِيكُمَا...
ثُمَّ قَالَ: قُمْ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ فَبَايِعْ.
فَقَالَ علیه السلام فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟
قَالَ: إِذا وَاللَّهِ نَضْرِبَ عُنُقَكَ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتَحَ كَفَّهُ، فَضَرَبَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَ رَضِيَ بِذَلِكَ مِنْهُ.
فَنَادَى عَلِيُّ علیه السلام قَبْلَ أَنْ يُبَايِعَ وَالْحَبْلُ فِي عُنُقِهِ: «يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي»... ثُمَّ بَايَعَ أَبُو ذَرِّ وَ الْمِقْدَادُ مُكْرَهَيْنِ وَ مَا بَايَعَ أَحَدُ مِنَ الْأُمَّةِ مُكْرَها غَيْرُ عَلِيٍّ علیه السلام وَ أَرْبَعَتِنَا.
وَ لَمْ يَكُنْ مِنَّا أَحَدٌ أَشَدَّ قَوْلاً مِنَ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ لَمَّا بَايَعَ قَالَ: يَا ابْنَ صُهَاكَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ لَا هَؤُلاَءِ الطَّعَاةُ الَّذِينَ أَعَانُوكَ لَمَا كُنْتَ تُقْدِمُ عَلَيَّ وَ مَعِي سَيْفِي لِمَا أَعْرِفُ مِنْ جُبْنِكَ وَلُؤْمِكَ وَلَكِنْ وَجَدْتَ طُغَاةٌ تَقْوَى بِهِمْ وَ تَصُولُ.
ص: 36
فَغَضِبَ عُمَرُ وَ قَالَ أَتَذْكُرُصُهَاكَ؟ فَقَالَ: وَ مَنْ صُهَاكُ؟ وَ مَا يَمْنَعُني مِنْ ذِكْرِهَا وَ قَدْ كَانَتْ صُهَاكُ زَانِيَةً أَو تُنْكِرُ ذَلِكَ؟ أَ وَ لَيْسَ قَدْ كَانَتْ أَمَةً حَبَشِيَّةً لِجَدِّي عَبْدِ الْمُطَّلِب فَزَنَى بِهَا جَدُّكَ نُفَيْلُ، فَوَلَدَتْ أَبَاكَ الْخَطَّابَ فَوَهَبَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِب لَهُ بَعْدَ مَا زَنَى بِهَا، فَوَلَدَتْهُ وَإِنَّهُ لَعَبْدُ جَدِّي وَلَدُ زِنًا؟
فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا أَبُو بَكْرٍ وَ كَفَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ...
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام لِعُمَرَ: يَا ابْنُ صُهَاكَ فَلَيْسَ لَنَا فِيهَا حَقٌّ وَهِي لَكَ وَ الله لابْنِ آكِلَةِ الذَّبَّانِ؟
قَالَ عُمَرُ: كُفَّ الآنَ يَا أَبَا الْحَسَنِ إِذْ بَايَعْتَ فَإِنَّ الْعَامَّةَ رَضُوا بِصَاحِبِي وَلَمْ يَرْضَوْا بِكَ فَمَا ذَنْبِي.
العلمية وَ قَالَ عَلِي ال : ووَلَكِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَمْ يَرْضَيَا إلا بى فَأَبْشِرْ أَنتَ و صَاحِبُكَ وَ مَن اتَّبَعَكُمَا وَ وَازَرَكُمَا بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَعَذَابِهِ وَ خِزْيِهِ. وَيْلَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَوْ تَدْرِي مِمَّا خَرَجْتَ وَفِيمَا دَخَلْتَ وَمَا ذَا جَنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَ عَلَى صَاحِبِكَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ أَمَّا إِذْ قَدْ بَايَعَنَا وَ أَمِنَّا شَرَّهُ وَ فَتْكَهُ وَ غَائِلَتَهُ فَدَعْهُ يَقُولُ مَا شَاءَ.
ص: 37
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: لَسْتُ بِقَائِلِ غَيْرَ شَيءٍ وَاحِدٍ. أَذَكِّرُكُمْ اللَّهَ أَيُّهَا الْأَرْبَعَةُ قَالَ لِسَلْمَانَ وَ أَبِي ذَرِّ وَ الزُّبَيْرِ وَالْمِقْدَادِ: أَسَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله يَقُولُ: «إِنَّ فِي النَّارِ لَتَابُوتاً مِنْ نَارٍ أَرَى فِيهِ اثْنَي عَشَرَ رَجُلاً سِتَّةً مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ سِتَّةَ مِنَ الآخِرِينَ فِي جُبٍّ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ فِي تَابُوتٍ مُقَفَّلٍ عَلَى ذَلِكَ الْجُبْ صَخْرَةُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُسَعْرَ جَهَنَّمَ كَشَفَ تِلْكَ الصَّخْرَةَ عَنْ ذَلِكَ الْجُبِّ فَاسْتَعَرَتْ جَهَنَّمُ مِنْ وَهْجٍ ذَلِكَ الْجُبِّ وَ مِنْ حَرَّهِ»
قَالَ عَلِيُّ علیه السلام: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله عَنْهُمْ وَأَنْتُمْ شُهُودُ فَقَالَ صلی الله علیه وآله: «أَمَّا الْأَوَّلُونَ فَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَ فِرْعَوْنُ الْفَرَاعِنَةِ، وَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وَ رَجُلانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَدَّلاَ كِتَابَهُمْ وَ غَيَّرَا سُنتَهُمْ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَهَوَّدَ الْيَهُودَ، وَالآخَرُ نَصَّرَ النَّصَارَى، وَإِبْلِيسُ سَادِسُهُمْ، وَالدَّجَّالُ فِي الآخِرينَ، وَ هَؤُلاَءِ الْخَمْسَةُ أَصْحَابُ الصَّحِيفَةِ الَّذِينَ تَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى عَدَاوَتِكَ يَا أَخِي وَ تَظَاهَرُوا عَلَيْكَ بَعْدِي هَذَا وَهَذَا» حَتَّى سَمَّاهُمْ وَعَدَّهُمْ لَنَا.
قَالَ سَلْمَانُ: فَقُلْنَا صَدَقْتَ نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله.
فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ أَمَا عِنْدَ أَصْحَابِكَ هَؤُلَاءِ حَدِيثُ فِيَّ؟
ص: 38
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ علیه السلام: بَلَى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله يَلْعَنُكَ ثُمَّ لَمْ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ لَكَ بَعْدَ مَا لَعَنَكَ.
فَغَضِبَ عُثْمَانُ ثُمَّ قَالَ: مَا لِي وَ مَا لَكَ. لاَ تَدَعُنِي عَلَى حَالِي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَ لاَ بَعْدَهُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: نَعَمْ فَأَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: فَوَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله يَقُولُ: «إِنَّ الزُّبَيْرَ يُقْتَلُ مُرْتَدّاً عَنِ الْإِسْلاَمِ».
قَالَ سَلْمَانُ: فَقَالَ لِي عَلِيُّ علیه السلام فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ: صَدَقَ عُثْمَانُ، وَ ذَلِكَ أَنَّ الزُّبَيْرَ يُبَايِعُنِي بَعْدَ قَتْل عُثْمَانَ فَيَنْكُثُ بَيْعَتِي فَيُقْتَلُ مُرْتَدّاً....(1)
2 - أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: مَا أَتَى عَلَى عَلِيٍّ علیه السلام اليَوْمُ قَطُّ أَعْظَمُ مِنْ يَوْمَيْنِ أَتَيَاهُ:
فَأَمَّا أَوَّلُ يَوْمٍ: فَالْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله.
ص: 39
وَ أَمَّا الْيَوْمُ الثَّانِي: فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَجَالِسُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ وَ النَّاسُ يُبَايِعُونَهُ إِذْ قَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا هَذَا لَمْ تَصْنَعْ شَيْئاً مَا لَمْ يُبَايِعْكَ عَلِيُّ فَابْعَثْ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ فَيُبَايِعَكَ.
قَالَ: فَبَعَثَ قُنْفُذاً فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ خَلِيفَةَ رَسُول اللَّهِ صلی الله علیه وآله.
قَالَ عَلِيُّ علیه السلام: لَأَسْرَعَ مَا كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله مَا خَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَحَداً غَيْرِي.
فَرَجَعَ قُنْفُذُ وَ أَخْبَرَ أَبَا بَكْرٍ بِمَقَالَةِ عَلِيٍّ علیه السلام.
فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: انْطَلِقُ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَدْعُوكَ أَبُو بَكْرِ وَ يَقُولُ: تَعَالَ حَتَّى تُبَايَعَ فَإِنَّمَا أَنْتَ رَجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَنْ لاَ أَخْرُجَ بَعْدَهُ مِنْ بَيْتِي حَتَّى أُؤَلِّفَ الْكِتَابَ فَإِنَّهُ فِي جَرَائِدِ النَّخْلِ وَأَكْتَافِ الْإِبِلِ.
فَأَتَاهُ قُنْفُذُ وَأَخْبَرَهُ بمَقَالَةِ عَلِيٍّ علیه السلام.
فَقَالَ عُمَرُ: قُمْ إِلَى الرَّجُلِ. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ سَالِمُ مَوْلَى أَبِي
ص: 40
حُذَيْفَةَ وَ قُمْتُ مَعَهُمْ وَ ظَنَّتْ فَاطِمَةُ أَنَّهُ لاَ تُدْخَلُ بَيْتُهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا فَأَجَافَت الْبَابَ وَأَغْلَقَتْهُ.
فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْبَابِ ضَرَبَ عُمَرُ الْبَابَ بِرِجْلِهِ، فَكَسَرَهُ وَ كَانَ مِنْ سَعَفٍ. فَدَخَلُوا عَلَى عَلِيٍّ علیه السلام وَأَخْرَجُوهُ مُلَبَّبَاً.
فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرِ وَ عُمَرُ تُرِيدَانِ أَنْ تُرْمِلَانِي مِنْ زَوْجِي؟ وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَكُفَّا عَنْهُ لَأَنْشُرَنَّ شَعْرِي وَ لَأَشُقَّنَّ جَيْبِي وَ لآتِيَنَّ قَبْرَ أَبِي وَ لَأَصِيحَنَّ إِلَى رَبِّي.
فَخَرَجَتْ وَأَخَذَتْ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ مُتَوَجِّهَةً إِلَى الْقَبْرِ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام لِسَلْمَانَ: يَا سَلْمَانُ أَدْرِكْ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله فَإِنِّي أَرَى جَنْبَتَيَ الْمَدِينَةِ تُكْفَتَان فَوَ اللَّهِ لَئِنْ فَعَلَتْ لاَ يُناظَرُ بِالْمَدِينَةِ أَنْ يُخْسَفَ بِهَا وَ بِمَنْ فِيهَا.
قَالَ: فَلَحِقَهَا سَلْمَانُ فَقَالَ: يَا َبنتَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّمَا بَعَثَ أَبَاكِ رَحْمَةً فَانْصَرِفِي.
فَقَالَتْ: يَا سَلْمَانُ مَا عَلَيَّ صَبْرُ فَدَعْنِي حَتَّى آتِي قَبْرَ أَبِي فَأَصِيحَ إِلَى رَبِّي. قَالَ سَلْمَانُ: فَإِنَّ عَلِيّاً بَعَثَنِي إِلَيْكِ وَ أَمَرَكِ بِالرُّجُوع.
ص: 41
فَقَالَتْ: أَسْمَعُ لَهُ وَأُطِيعُ. فَرَجَعَتْ.
وَ أَخْرَجُوا عَلِيّاً علیه السلام مُلَبَّباً قَالَ: وَأَقْبَلَ الزُّبَيْرُ مُخْتَرِطاً سَيْفَهُ وَ هُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَ يُفْعَلُ هَذَا بِعَلِي وَأَنْتُمْ أَحْيَاءُ؟
وَ شَدَّ عَلَى عُمَرَ لِيَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ فَرَمَاهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِصَخْرَةٍ فَأَصَابَتْ قَفَاهُ وَ سَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ. فَأَخَذَهُ عُمَرُ وَ ضَرَبَهُ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْكَسَرَ.
وَ مَرَّ عَلِيُّ علیه السلام عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله فَقَالَ: «يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي».
وَ أُتِي بِعَلِيٍّ علیه السلام إِلَى السَّقِيفَةِ إِلَى مَجْلِسِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَايِعْ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ فَمَهْ؟
قَالَ: إِذاً وَ اللَّهِ نَضْرِبُ عُنُقَكَ.
قَالَ عَلِيُّ علیه السلام: إذاً وَ اللَّهِ أَكُونُ عَبْدَ اللَّهِ وَأَخَا رَسُول اللَّهِ صلی الله علیه وآله الْمَقْتُول.
فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ فَنَعَمْ وَ أَمَّا أَخَا رَسُول اللَّهِ صلی الله علیه وآله فَلاَ. حَتَّى قَالَهَا ثَلاثاً.
ص: 42
وَ أَقْبَلَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَرْفُقُوا بِابْنِ أَخِي فَلَكَ عَلَيَّ أَنْ يُبَايِعَكَ.
فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ بِيَدِ عَلِيٍّ علیه السلام فَمَسَحَهَا عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَ خَلَّوْا عَلِيّاً علیه السلام مُغْضَباً فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ صلی الله علیه وآله قَالَ لِي: «إِنْ تَمُّوا عِشْرِينَ فَجَاهِدْهُمْ» وَ هُوَ قَوْلُكَ فِي كِتَابِكَ «إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ» اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ لَمْ يَتِمُوا. حَتَّى قَالَهَا ثَلاثاً ثُمَّ انْصَرَفَ(1).
3 - عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ رِجَالٍ ثِقَةٍ: وقال ابن ابى الحديد بهذا السند: أخبرني أحمد بن اسحاق قال: حدثنا احمد بن سيار قال: حدثنا سعيد بن كثير ابن عُفير الانصارى قال: أنّ النبى لما قُبض إجتمعت الانصار في سقيفه بنی ساعده...
فَجَعَلَ يُبَايِعُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ حَضَرَ إِلاَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام.
فَقَالُوا لَهُ: بَابِعْ أَبَا بَكْرٍ.
ص: 43
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْبَيْعَةِ لِي.
أَخَذْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَاحْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِالْقَرَابَةِ مِنَ الرَّسُولِ وَتَأْخُذُونَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ غَصْباً.
أَ لَسْتُمْ زَعَمْتُمْ لِلْأَنْصَارِ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ لِمَكَانِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله فَأَعْطَوْكُمُ الْمُقَادَةَ وَسَلَّمُوا لَكُمُ الْإِمَارَةَ؟
وَ أَنَا أَحْتَجُ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ مَا اِحْتَجَجْتُمْ عَلَى الْأَنْصَارِ. أَنَا أَوْلَى بِرَسُولِ اللهِ حَيّاً وَ مَيِّتاً وَ أَنَا وَصِيُّهُ وَ وَزِيرُهُ وَ مُسْتَوْدَعُ سِرِّهِ وَ عِلمِهِ وَ أَنَا اَلصَّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَالْفَارُوقُ الْأَعْظَمُ، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ صَدَّقَهُ وَ أَحْسَنُكُمْ بَلاَءً فِي جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ وَ أَعْرَفُكُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَ أَفْقَهُكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَعْلَمُكُمْ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَ أَذْرَبُكُمْ لِسَاناً وَ أَثْبَتُكُمْ جناناً فَعَلَامَ تُنَازِعُونَا هَذَا الْأَمْرَ؟
أَنْصِفُونَا إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَاِعْرِفُوا لَنَا الْأَمْرَ مِثْلَ مَا عَرَفَتْهُ لَكُمُ الْأَنْصَارُ، وَإِلاَّ فَبَوَّءُوا بِالظُلْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَلِيُّ أَ مَا لَكَ بِأَهْلِ بَيْتِكَ أُسْوَةً؟
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: سَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
ص: 44
فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بَيْعَتُنَا لَكُمْ بِحُجَّةِ عَلَى عَلِيٍّ علیه السلام وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَقُولَ إِنَّا نُوَازِيهِ فِي الْهِجْرَةِ وَ حُسْنِ الْجِهَادِ وَ الْمَحَلَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكَ لَسْتَ مَتْرُوكاً حَتَّى تُبَايِعَ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: اِحْلِبْ حَلْباً لَكَ شَطْرُهُ أشْدُدْ لَهُ الْيَوْمَ لِيَردَ عَلَيْكَ غَداً. إِذا وَ اللَّهِ لاَ أَقْبَلُ قَوْلَكَ وَ لا أَحْفِلُ بِمَقَامِكَ وَ لاَ أُبَايِعُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَهْلاً يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا نَشُكُ فِيكَ وَ لاَ نُكْرِهُكَ.
فَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عَلِيٍّ علیه السلام فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمَّ لَسْنَا نَدْفَعُ قَرَابَتَكَ وَلاَ سَابِقَتَكَ وَ لاَ عِلْمَكَ وَ لاَ نُصْرَتَكَ وَلَكِنَّكَ حَدَثُ السِّنْ - وَ كَانَ لِعَلِيٍّ علیه السلام يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُ وَ ثَلَاثُونَ سَنَةً – وَ أَبُو بَكْرٍ شَيْخُ مِنْ مَشَايِخِ قَوْمِكَ، وَ هُوَ أَحْمَلُ لِثِقَل هَذَا الْأَمْرِ وَ قَدْ مَضَى الْأَمْرُ بِمَا فِيهِ فَسَلَّمْ لَهُ فَإِنْ عَمَّرَكَ اللَّهُ يُسَلَّمُوا هَذَا الْأَمْرَ إِلَيْكَ وَ لاَ يَخْتَلِفُ فِيكَ إِثْنَانِ بَعْدَ وَلاَ هَذَا إِلَّا وَأَنْتَ بِهِ خَلِيقُ وَ لَهُ حَقِيقُ وَلاَ تَبْعَثِ الْفِتْنَةَ فِي أَوَانِ الْفِتْنَةِ فَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِي قُلُوبِ الْعَرَبِ وَ غَيْرِهِمْ عَلَيْكَ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: يَا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ اللَّهَ اللَّهَ لاَ تَنْسَوْا عَهْدَ نَبِيَّكُمْ إِلَيْكُمْ فِي أَمْرِي، وَلاَ تُخْرِجُوا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ مِنْ
ص: 45
دَارِهِ وَ قَعْرِ بَيْتِهِ إِلَى دُورِكُمْ وَقَعْرِ بُيُوتِكُمْ، وَلاَ تَدْفَعُوا أَهْلَهُ عَنْ حَقَّهِ وَ مَقَامِهِ فِي النَّاسِ. فَوَ اللَّهِ مَعَاشِرَ الْجَمْع إِنَّ اللَّهَ قَضَى وَحَكَمَ وَ نَبِيُّه أَعْلَمُ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
أَ مَا كَانَ الْقَارِئُ مِنْكُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ الْفَقِيهُ فِي دِينِ اللَّهِ الْمُضْطَلِعُ بِأَمْرِ الرَّعِيَّةِ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَفِينَا لاَ فِيكُمْ، فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى فَتَزْدَادُوا مِنَ الْحَقِّ بُعْداً وَتُفْسِدُوا قَدِيمَكُمْ بِشَرٌ مِنْ حَدِيثِكُمْ.
فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي وَطَأَ الْأَرْضَ لِأَبِي بَكْرِ وَ قَالَتْ جَمَاعَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا أَبَا الْحَسَن لَوْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ سَمِعَتْهُ مِنْكَ الْأَنْصَارُ قَبْلَ بَيْعَتِهَا لِأَبِي بَكْرِ مَا اخْتَلَفَ فِيكَ إِثْنَانِ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: يَا هَؤُلاَءِ كُنْتُ أَدَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله مُسَجِّى لاَ أُوَارِيهِ وَ أَخْرُجُ أَنَازِعُ فِي سُلْطَانِهِ؟ وَاللَّهِ مَا خِفْتُ أَحَداً يَسْمُو لَهُ وَ يُنَازِعُنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فِيهِ وَيَسْتَحِلُّ مَا اسْتَحْلَلْتُمُوهُ. وَلاَ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله تَرَكَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمَّ لأَحَدٍ حُجَّةً وَ لاَ لِقَائِل مَقَالاً.
فَأَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلاً سَمِعَ النَّبِيَّ يَوْمَ غَدِيرِ خُمَّ يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذَا عَلِى مَوْلاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ أَنْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَأَخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ» أَنْ يَشْهَدَ الآنَ بِمَا سَمِعَ.
ص: 46
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَشَهِدَ إِثْنَا عَشَرَ رَجُلاً بَدْريّاً بذلِكَ وَكُنْتُ مِمَّنْ سَمِعَ الْقَوْلَ مِنْ رَسُول اللَّهِ صلی الله علیه وآله، فَكَتَمْتُ الشَّهَادَةَ يَوْمَئِذٍ. فَدَعَا عَلِيُّ عَلَيَّ فَذَهَبَ بَصَرِي.
قَالَ: وَ كَثُرَ الْكَلامُ عامة فِي هَذَا الْمَعْنَى وَارْتَفَعَ الصَّوْتُ وَ خَشِي عُمَرُ أَنْ يُصْغِيَ اَلنَّاسُ إِلَى قَوْلِ عَلِيٍّ علیه السلام، فَفَسَحَ الْمَجْلِسَ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُقَلِّبُ الْقُلُوبَ وَ لاَ تَزَالُ يَا أَبَا الْحَسَنِ تَرْغَبُ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ فَانْصَرَفُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ(1).
4 - وَ رَوَى ابْنُ قُتَيْبَةَ فِى كِتَاب الْإِمَامَةِ وَالسَّيَاسَةِ: أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام أُتِيَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَ هُوَ يَقُولُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ. فَقِيلَ لَهُ: بَايِعْ أَبَا بَكْرٍ.
فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ، وَلاَ أُبَايِعُكُمْ وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْبَيْعَةِ لِي. أَخَذْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَاحْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِالْقَرَابَةِ مِنَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله تأْخُذُونَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتَ غَصْباً. أَلَسْتُمْ زَعَمْتُمْ لِلْأَنْصَارِ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ لِمَكَانِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله مِنْكُمْ؟! فَأَعْطَوْكُمُ الْمَقَادَةَ، وَسَلَّمُوا إِلَيْكُمُ الْإِمَارَةَ.
ص: 47
فَأَنَا أَحْتَجُ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ مَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَى الْأَنْصَارِ، نَحْنُ أَوْلَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله حَيّاً وَ مَيْتاً. فَأَنْصِفُونَا إِنْ كُنْتُمْ تَخَافُونَ اللَّهَ مِنْ عليه واله أَنْفُسِكُمْ، وَإِلاَّ فَبُوءُوا بِالظُّلْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ لَسْتَ مَتْرُوكاً حَتَّى تُبَايِعَ!.
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ علیه السلام: اِحْلِبْ حَلْباً لَكَ شَطْرُهُ أَشْدُدْهُ لَهُ الْيَوْمَ يَرْدُدْهُ عَلَيْكَ غَداً. ثُمَّ قَالَ علیه السلام: وَ اللَّهِ يَا عُمَرُ لاَ أَقْبَلُ قَوْلَكَ، وَ لاَ أُبَايِعُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ لَمْ تُبَايِعْنِي فَلَا أُكْرِهُكَ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! اللَّهَ اللَّهَ لا تُخْرِجُوا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله فِي الْعَرَبِ مِنْ دَارِهِ وَ قَعْرِ بَيْتِهِ إِلَى دُوركُمْ وَقُعُور بُيُوتِكُمْ، وَ تَدْفَعُوا أَهْلَهُ عَنْ مَقَامِهِ مِنَ النَّاسِ وَ حَقَّهِ، فَوَ اللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ لَنَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ، مَا كَانَ فِيهَا الْقَارِئُ لِكِتَابِ اللَّهِ، اَلْفَقِيهُ فِي دِينِ اللَّهِ، الْعَالِمُ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله(1).
ص: 48
5 - وَ عَنْ أَبَان بْن تَغْلِبَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ علیه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ هَلْ كَانَ أَحَدُ فِي أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَنْكَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِعْلَهُ وَ جُلُوسَهُ مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله؟
قَالَ: نَعَمْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَ عَلَى أَبِي بَكْرِ اِثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَ كَانَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَ أَبُو ذَرِّ الْغِفَارِيُّ وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ وَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ الشَّيَّهَانِ وَ سَهْلُ وَ عُثْمَانُ إِبْنَا حُنَيْفٍ وَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ وَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ.
قَالَ فَلَمَّا صَعِدَ أَبُو بَكْرِ الْمِنْبَرَ تَشَاوَرُوا بَيْنَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: وَ اللّهِ لَتَأْتِيَنَّهُ وَ لَتتزلَتَهُ عَنْ مِنْبَر رَسُول الله صلی الله علیه وآله.
وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْهُمْ وَاللَّهِ لَمِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ إِذاً أَعَنْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» فَانْطَلِقُوا بِنَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام لِنَسْتَشِيرَهُ وَ نَسْتَطْلِعَ رَأْيَهُ.
فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام بِأَجْمَعِهِمْ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَرَكْتَ حَقَّاً أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ وَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِكَ، لِأَنَّا سَمِعْنَا
ص: 49
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآۀه يَقُولُ: «عَلِيُّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ يَمِيلُ مَعَ اَلْحَقِّ كَيْفَ مَا مَالَ» وَلَقَدْ هَمَمْنَا أَنْ نَصِيرَ إِلَيْهِ فَنُنزِلَهُ عَنْ مِنْبَر رَسُول اللَّه صلى الله عليه وآله فَجِئنَاكَ لِنَسْتَشِيرَكَ وَنَسْتَطْلِعَ رَأْيَكَ فَمَا تَأْمُرُنَا؟
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَمَا كُنتُمْ لَهُمْ إِلاَّ حَرْباً، وَ لَكِنَّكُمْ كَالْمِلْح فِي الزَّادِ وَ كَالْكُحْل فِي الْعَيْنِ. وَ اَيْمُ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَأَتَيْتُمُونِي شَاهِرِينَ بِأَسْيَافِكُمْ مُسْتَعِدِّينَ لِلْحَرْبِ وَ الْقِتَالِ وَ إِذا لَأَتَوْنِي فَقَالُوا لِي: بَايِعْ وَ إِلاَّ قَتَلْنَاكَ. فَلاَ بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أَدْفَعَ الْقَوْمَ عَنْ نَفْسِي وَ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَوْعَزَ إِلَيَّ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَ قَالَ لِي: «يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ مِنْ بَعْدِي وَ تَنْقُضُ فِيكَ عَهْدِي وَ إِنَّكَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَ إِنَّ الْأُمَّةَ مِنْ بَعْدِي كَهَارُونَ وَ مَنِ اتَّبَعَهُ وَ السَّامِرِيِّ وَ مَن اتَّبَعَهُ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَعْهَدُ إِلَي إِذَا كَانَ كَذَلِكَ؟ فَقَالَ: «إِذَا وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَبَادِرْ إِلَيْهِمْ وَ جَاهِدْهُمْ وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً كُفَّ يَدَكَ وَاِحْقِنْ دَمَكَ حَتَّى تَلْحَقَ بي مَظْلُوماً».
ص: 50
فَلَمَّا تُوُفِّي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله اِشْتَغَلْتُ بِغُسْلِهِ وَ تَكْفِينِهِ وَ الْفَرَاعْ مِنْ شَأْنِهِ ثُمَّ آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي يَمِيناً أَنْ لاَ أَرْتَدِيَ بِرِدَاءِ إِلاَّ لِلصَّلَاةِ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَفَعَلْتُ.
ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَ ابْنَيَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ علیهم السلام فَدُرْتُ عَلَى أَهْلِ فَمَا بَدْرٍ وَ أَهْلِ السَّابِقَةِ فَنَاشَدْتُهُمْ حَقَّي وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَى نُصْرَتِي أَجَابَنِي مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ - سَلْمَانُ وَ عَمَّارُ وَ أَبُو ذَرِّ وَ الْمِقْدَادُ - وَ لَقَدْ رَاوَدْتُ فِي ذَلِكَ بَقِيَّةَ أَهْلِ بَيْتِي فَأَبَوْا عَلَيَّ إِلاَّ السُّكُوتَ لِمَا عَلِمُوا مِنْ وَغْرَةِ صُدُورِ الْقَوْمِ وَ بُغْضِهِمْ لِلَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ.
فَانْطَلِقُوا بِأَجْمَعِكُمْ إِلَى الرَّجُلِ فَعَرِّفُوهُ مَا سَمِعْتُمْ مِنْ قَوْلِ نَبِيِّكُمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَوْكَدَ لِلْحُجَّةِ وَأَبْلَغَ لِلْعُذْرِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِذَا وَرَدُوا عَلَيْهِ.
فَسَارَ الْقَوْمُ حَتَّى أَحْدَقُوا بِمِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وَكَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا صَعِدَ أَبُو بَكْرِ الْمِنْبَرَ...
قَامَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله بِهَاتَيْنِ الْأُذُنَيْنِ وَإِلاَّ صَمَّتَا. يَقُولُ: «بَيْنَمَا أَخِي وَإِبْنُ عَمَّي جَالِسُ فِي مَسْجِدِي مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ تَكْبِسُهُ جَمَاعَةُ مِنْ كِلاب
ص: 51
أَصْحَابِ النَّارِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ وَ قَتْلَ مَنْ مَعَهُ» فَلَسْتُ أَشُتُ إِلاَّ وَأَنَّكُمْ هُمْ.
فَهَمَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام وَ أَخَذَ بِمَجَامِع ثَوْبِهِ ثُمَّ جَلَدَ بِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ صُهَاكَ الْحَبَشِيَّةَ لَوْ لا كِتَابُ مِنَ الله سَبَقَ وَ عَهْدُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ تَقَدَّمَ لَأُرِيكَ أَيُّنَا أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: اِنْصَرِفُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَوَ اللَّهِ لاَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ إِلاَّ كَمَا دَخَلَ أَخَوَايَ مُوسَى وَ هَارُونُ إِذْ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقَاتِلاً إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ».
وَ اللَّهِ لاَ دَخَلْتُهُ إِلا لِزِيَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَوْ لِقَضِيَّةٍ أَقْضِيهَا فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ بِحُجَّةِ أَقَامَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَنْ يُتْرَكَ النَّاسُ فِي حَيْرَةِ(1).
1 - روضة الكافي: عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سُلَيْمٍ بْنِ قَيْسِ الْهِلَالِيِّ قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ
ص: 52
الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله ثُمَّ قَالَ...
ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَ حَوْلَهُ نَاسُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ خَاصَّتِهِ وَ شِيعَتِهِ فَقَالَ: قَدْ عَمِلَتِ الْوُلاَةُ قَبْلِي أَعْمَالاً خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مُتَعَمِّدِينَ لِخِلافِهِ نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ مُغَيَّرين لِسُنَّتِهِ. وَ لَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَحَوِّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا وَ إِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي أَوْ قَلِيلُ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَ فَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُنَّةِ رَسُول اللَّهِ صلی الله علیه وآله.
أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ علیه السلام فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله، وَ رَدَدْتُ فَدَكاً إِلَى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ، وَرَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله كَمَا كَانَ، وَأَمْضَيْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لأَقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَ لَمْ تُنْفَذْ، وَرَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرِ إِلَى وَرَثَتِهِ وَ هَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَ رَدَدْتُ قَضَايَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِيَ بِهَا، وَنَزَعْتُ نِسَاءَ تَحْتَ رِجَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَرَدَدْتُهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَاسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُكْمَ فِى الْفُرُوجِ وَالْأَحْكَامِ، وَ سَبَيْتُ ذَرَارِيَّ بَنِي تَغْلِبَ، وَ رَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، وَ مَحَوْتُ دَوَاوِينَ الْعَطَايَا وَأَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ
ص: 53
اللهِ صلى الله عليه وآله يُعْطِي بِالسَّوِيَّةِ وَ لَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَأَلْقَيْتُ الْمِسَاحَةَ وَ سَوَّيْتُ بَيْنَ الْمَنَاكِح، وَأَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ كَمَا أَنْزَلَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَ فَرَضَهُ، وَرَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَ سَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الْأَبْوَابِ وَفَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ، وَ حَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَحَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذ، وَأَمَرْتُ بِإِحْلَالِ الْمُتْعَتَيْنِ، وَ أَمَرْتُ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، وَأَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي مَسْجِدِهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَخْرَجَهُ، وَأَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عليه واله أَدْخَلَهُ، وَ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى حُكْم الْقُرْآن وَ عَلَى الطَّلاق عَلَى السُّنَّةِ، وَأَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلَى أصْنَافِهَا وَ حُدُودِهَا، وَرَدَدْتُ الْوُضُوة وَالْغُسْل وَالصَّلاَةَ إِلَى مَوَاقِيتِهَا وَ شَرَائِعِهَا وَ مَوَاضِعِهَا، وَ رَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ، وَ رَدَدْتُ سَبَايَا فَارِسَ وَ سَائِرِ الْأُمَمِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلی الله علیه وآله، إِذا لَتَفَرَّقُوا عَنِّي.
و اللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لاَ يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلاَّ فِي فَرِيضَةِ، وَ أَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةُ، فَتَنَادَى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ،
ص: 54
يَنْهَانَا عَنِ الصَّلاَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً. وَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَقُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي.
مَا لَقِيتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَ طَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَ الدُّعَاةِ إِلَى اَلنَّارِ. وَ أَعْطَيْتُ مِنْ ذَلِكَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى اَلَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِالله وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» فَنَحْنُ وَ اللَّهِ عَنَى بِذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَرَنَنَا اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ بِرَسُولِهِ صلی الله علیه وآله فَقَالَ تَعَالَى: «فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَىٰ وَ الله عليه واله الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيل» فِينَا خَاصَّةً كَيْلاً يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ «وَ مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهُ» فِي ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ «إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» لِمَنْ ظَلَمَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَنَا وَ غِنّى أَغْنَانَا اللَّهُ بِهِ وَ وَصَّى بِهِ نَبِيَّهُ صلی الله علیه وآله وَ لَمْ يَجْعَلْ لَنَا فِي سَهْمِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً.
أَكْرَمَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلی الله علیه وآله وَ أَكْرَمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُطْعِمَنَا مِنْ أَوْسَاحَ النَّاسِ. فَكَذَّبُوا اللَّهَ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَ جَحَدُوا كِتَابَ اللهِ النَّاطِقَ بِحَقِّنَا، وَ مَنَعُونَا فَرْضاً فَرَضَهُ اللَّهُ لَنَا. مَا لَقِيَ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِينَا
ص: 55
بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وآله وَالله اَلْمُسْتَعَانُ عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم.(1)
2 - كتاب سليم بن قيس و الاحتجاج للطبرسي عن عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السلام قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسْتُمُ الْفِتْنَةَ يَنْشَأُ فِيهَا الْوَلِيدُ وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا، حَتَّى يَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً. فَإِذَا غُيَّرَ مِنْهَا شَيءٌ قِيلَ: أَتَى النَّاسُ بِمُنْكَرٍ غُيَّرَتِ السُّنَّةُ. ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ وَ تُنشَأُ فِيهَا الذُرِّيَّةُ وَتَدْقُهُمُ الْفِتَنُ كَمَا تَدقُ النَّارُ الْحَطَبَ وَ كَمَا تَدُقُّ الرَّحَى بِثِقَالِهَا يَتَفَقَّهُ النَّاسُ لِغَيْرِ الدِّينِ وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَل و يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ».
ثُمَّ أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام وَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ خَاصُّ مِنْ شِيعَتِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله ثُمَّ قَالَ:
لَقَدْ عَمِلَ الْوُلاَةُ قَبْلِي بِأُمُورِ عَظِيمَةٍ خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ مُتَعَمَّدِينَ لِذَلِكَ، وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَ حَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا الَّتِي
ص: 56
كَانَتْ عَلَيْهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي إِلاَّ قَلِيلاً مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ صلى اللهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلی الله علیه وآله.
أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ علیه السلام فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ، وَ رَدَدْتُ فَدَكَ إِلَى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ، وَرَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ وَ مُدَّهُ إِلَى مَا كَانَ، وَأَمْضَيْتُ إِلَى قَطَائِعَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَقْطَعَهَا لِلنَّاسِ سِنِينَ، وَ رَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى وَرَثَتِهِ وَ هَدَمْتُهَا وَأَخْرَجْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَ رَدَدْتُ الْخُمْسَ إِلَى أَهْلِهِ، وَرَدَدْتُ قَضَاءَ كُلِّ مَنْ قَضَى بِجَوْرٍ، وَ رَدَدْتُ سَبْي ذَرَارِيِّ بَنِي تَغْلِبَ، وَ رَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، وَ مَحَوْتُ دِيوَانَ الْعَطَاءِ، وَ أَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ يُعْطِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله لَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء.
وَ اللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لاَ يَجْمَعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلاَّ فِي أَنْعَى فَرِيضَةٍ، فَنَادَى بَعْضُ أَهْل عَسْكَرِي - مِمَّنْ يُقَاتِلُ وَ سَيْفُهُ مَعِي الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ - غَيَّرْتَ سُنَّةَ عُمَرَ وَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي جَمَاعَةِ، حَتَّى خِفْتُ أَنْ يَثُورَ فِي نَاحِيَةِ عَسْكَرِي عَلَى مَا لَقِيتُ وَ لَقِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ.
ص: 57
وَ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِيهِ «وَ اِعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيل: وَ ذَلِكَ لَنَا خَاصَّةً إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِالله وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ نَحْنُ وَ اللَّهِ غَنِيُّ بِذَوِي الْقُرْبَى الَّذِينَ فَرَنَهُمُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ نَبِيِّهِ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَنَا الصَّدَقَةِ نَصِيباً أَكْرَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ وَأَكْرَمَنَا أَنْ يُطْعِمَنَا أَوْسَاخَ أَيْدِي النَّاسِ.
و قال علیه السلام: وَ قَدْ أَخْبَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى عَن الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ وَ العلمية وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ صلی الله علیه وآله فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَيْمَةِ الضَّلالَةِ وَ الدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالنُّورِ وَ اَلْبُهْتَانِ. فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ وَجَعَلُوهُمْ حُكَّاماً عَلَى رِقَابِ النَّاسِ وَ أَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا. وَ إِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَ اَلدُّنْيَا إِلا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى...(1)
ص: 58
1 - قال أمير المومنين علیه السلام: وقَدْ قَالَ قَائِلُ، إِنَّكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَحَرِيصٌ. فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتُمْ واللَّهُ لأَحْرَصُ وأَبْعَدُ وأَنَا أَخَصُّ وأَقْرَبُ.
وإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَه فَلَمَّا قَرَّعْتُه بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلإِ الْحَاضِرِينَ هَبَّ كَأَنَّه بُهِتَ لَا يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِه.
اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ ومَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وصَغَرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِيَ وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي، ثُمَّ قَالُوا: أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَه وفِي الْحَقِّ أَنْ تَثرُكَه.(1)
2 - من كتاب له علیه السلام إلى أخيه عَقيل بن أبي طالب فِي ذِكر جَيشٍ أنفَذَهُ إِلى بَعضِ الأَعدَاء وَ هُو جَوابُ كتابٍ كَتَبه إليه عَقيل:
... فَدَعْ عَنْكَ قُرَيْشاً وَ تَرْكَاضَهُمْ فِي الضَّلَالِ، وَ تَجْوَالَهُمْ فِي الشَّقَاقِ، وَجِمَاحَهُمْ فِي التَّيهِ. فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي، كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى
ص: 59
حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَبْلِي، فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنّي الْجَوَازِي فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَ سَلَبُونِي سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّي. ...(1)
3 - قال أمير المومنين علیه السلام: ما زلتُ مظلُوماً مُنذُ قَبَضَ الله نبيّه حَتّى يَوم النّاس هذا. وَلَقَد كُنتُ أظْلَمُ قَبلَ ظُهُورِ الإِسلام، و لَقَد كَان أخِي عَقيل يَذنِبُ أخِي جَعفَر فَيَضربني.(2)
4 - قَالَ أَمِيرُ المُومِنينُ علیه السلام: أوّلُ مَن جَرّأ النّاسَ عَلينا سَعدُ بنُ عُبَادة. فَتَحَ بَاباً وَلَجَهُ غَيرُه وَ أصْرَمَ نَاراً لَهَبهَا عَليه وَضُوءُها لأعدَائِه.(3)
5 - قَالَ أَمِيرُ المُومِنِينَ علیه السلام: مَا لَنا وَقُرَيش! يَحْضَمُونَ الدُّنيا بِأَسْمَائِنَا وَ يَطَئُونَ عَلى رِقَابِنَا فَيا للّه وَ لِلعَجَب مِن اسمٍ جَليِلِ لِمُسمّى ذَليل.(4)
6 - قَالَ أميرُ المُومِنينَ علیه السلام: كُنتُ فِي أَيَّامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله كَجُزءٍ مِن رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله. يَنظُرُ إِلَى النَّاس كَما يُنظر إلَى الكَوَاكِب فِي أُفُقِ
ص: 60
السَّمَاء. ثُمَّ غَضَ الدّهرُ مِنّي فَقُرِنَ بِي فُلانُ وَ فُلان ثَمَ قُرِنتُ لِخَمْسَةٍ أَمثَلُهُم عُثمَان، فَقُلتُ: واذَفراهُ ثُمّ لَم يَرضِ الدَّهر لي بذالك حَتّى أرذَلَنى فَجَعَلَنِي نَظيراً لإبن الهند و ابن النّابِغَة لَقَد إستَنّتِ الفِصَالُ حَتّى القرعى.(1)
7 - قَالَ أميرُ المُومِنينَ علیه السلام: أمَا وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأ النَسَمَة إِنَّهُ لَعَهد النّبيّ الأُمّى إِلَىَّ: «أنّ الأمّةَ سَتَغدِرُ بِك مِن بَعدِى»(2).
8 - قَال أَميرُ المُومِنين علیه السلام: قَالَ لِى رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله: « إن إجتَمَعُوا عَلَيْكَ فَاصْنَع مَا أَمَرتُكَ، وَإِلاّ فَالصِقَ كَلكَكَ بِاأرض» فَلَمّا تَفَرَّقُوا عَنّى جَرَرتُ عَلى المَكروه ذيلي وَأَعْضَيتُ عَلى القَذى جُفنى والصقتُ بالأَرضِ کَلکَلی(3).
9 - قَالَ أميرُ المُومِنين علیه السلام: كُلّ حِقدٍ حَقَدَتهُ قُرَيش عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله أظهرتهُ فِیَّ، وسَتُظهرُهُ فِى وُلدى بُعدِى.
ص: 61
مَا لِي وَ لِقُرَيش إنّمَا وَتَرتُهم بأمر الله وأمرِ رَسُولِهِ. أَفَهَذا جَزاءُ مَن أَطَاعَ الله وَ رَسُولُه إِن كَانُوا مُسلِمين؟(1)
10 - قَالَ أمير المومنين علیه السلام: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنّي وَ عَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَ السَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ. قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَ رَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي، إِلاَّ أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمٍ فُرْقَتِكَ وَ فَادِح مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَ فَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي نَفْسُكَ وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ، وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدُ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدُ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمُ، وَ سَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرٍ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هَذَا وَ لَمْ يَطل الْعَهْدُ وَلَمْ يَخْلُ مِنكَ الذَّكْرُ، وَ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلَامَ مُوَدَّعٍ لاَ قَالٍ وَ لاَ سَيْمٍ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلاَ عَنْ مَلالَةٍ وَإِنْ أُقِمْ فَلاَ عَنْ سُوءٍ ظَنَّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ.(2)
ص: 62
11 - وَ لَمَّا وَصَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام إِلَى الْبَصْرَةِ، أَرْسَلَ إِلَى الْقَوْمِ يُنَاشِدُهُمْ اللَّهَ تَعَالَى، وَ يُذَكِّرُهُمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، مُتَعَوّذاً مِنْهُمْ عَلَى مَا أَصَرُّوا عَلَيْهِ. فَلَمْ يُجِيبُوهُ لِذَلِكَ، بَلْ تَعَصَّبُوا عَلَى الْقِتَال.
فَقَامَ علیه السلام فِي أَصْحَابِهِ خَطِيباً: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ علیه السلام. ثُمَّ قَالَ علیه السلام: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَ أَكْفَئُوا إِنَائِي، وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقَّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي، وَ قَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تَمْنَعَهُ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً، أَوْ مُتْ مُتَأَسَفاً.
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدُ وَلاَ ذَابُّ، وَلاَ مُسَاعِدُ، إلاَّ أَهْلُ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى، وَ جَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا، وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى، فَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ، وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنَ وَحَزِ الشِّفَارِ(1).
ص: 63
12 - أَنَّ أَعْرَابِيّاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَظْلُومُ. قَالَ: ادْنُ مِنّي فَدَنَا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَظْلُومُ. قَالَ: أَدْنُ فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَالَ: مَا ظُلامَتُكَ؟ فَشَكَا ظُلامَتَهُ.
فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ أَنَا أَعْظَمُ ظُلامَةً مِنْكَ. ظَلَمَنِي الْمَدَرُ وَ الْوَبَرُ وَ لَمْ يَبْقَ بَيْتُ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ وَقَدْ دَخَلَتْ مَظْلِمَتِي عَلَيْهِمْ. وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً حَتَّى قَعَدْتُ مَقْعَدِي هَذَا.
إِنْ كَانَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيَرْمَدُ فَمَا يَدَعُهُمْ يَذُرُّونَهُ حَتَّى يَأْتُونِّي فَأُذَرَّ وَ مَا بِعَيْنِي رَمَدُ ثُمَّ كَتَبَ لَهُ بِظُلاَمَتِهِ وَ رَحَلَ.
فَهَاجَ النَّاسُ وَقَالُوا: قَدْ طَعَنَ عَلَى الرَّجُلَيْنِ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْحَسَنُ علیه السلام فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَا شَرِبَ قُلُوبُ النَّاسِ مِنْ حُبِّ هَذَيْنِ...(1)
13 - قال أمير المومنين علیه السلام: اَلّلَهُمَّ إنّى أستَعديِك عَلَى قُرَيش فَإِنَّهُم أضمَرُوا لِرَسُولِكَ صلی الله علیه وآله ضُروباً مِنَ الشَّر وَالغَدر، فَعَجَزُوا عَنها و حُلَّتَ بَيْنَهُم وَ بَينَها، فَكانَت الوجبةُ بِى وَالدائرةُ عَلَيّ. ألّلهُمّ إحفظ حَسَناً وَ
ص: 64
حُسَيناً، وَلا تَمكن فَجَرة قُرَيش مِنهُما مَا دُمتُ حَيّاً. فَإِذا تَوفِّيتَني فأنتَ الرّقِيبُ عَلَيهم وأنتَ عَلى كُلّ شَيءٍ شَهِيدُ(1).
14 - ... حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلی الله علیه وآله رَجَعَ قَوْمُ عَلَى الْأَعْقَابِ وَ غَالَتْهُمُ السُّبُلُ وَ اِتَّكَلُوا عَلَى الْوَلاَئِجِ وَ وَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ وَهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ وَ نَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي غَمْرَةٍ قَدْ مَارُوا فِي الْحَيْرَةِ وَ ذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مِنْ مُنْقَطِعِ إِلَى الدُّنْيَا رَاكِنٍ أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّينِ مُبَايِنٍ(2).
15 - وَ رَوَى الْكَلْبِيُّ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عَلِيُّ علیه السلام الْمَسِيرَ إِلَى الْبَصْرَةِ قَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ:
إنَّ اللَّهَ لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّهُ اِسْتَأْثَرَتْ عَلَيْنَا قُرَيْشُ بِالْأَمْرِ وَ دَفَعَتْنَا عَنْ حَقٌّ نَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ النَّاسِ كَافَّةً فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَ سَفْكِ دِمَائِهِمْ وَ اَلنَّاسُ حَدِيثُو عَهْدِ
ص: 65
بِالْإِسْلاَم وَ الدِّينُ يُمْخَضُ مَخْضَ الْوَطْبِ يُفْسِدُهُ أَدْنَى وَهْنٍ وَ يَعْكِسُهُ أَقَلُّ خَلَقِ....(1).
وَ رَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ شُرَيْحٍ بْنِ هَانِي قَالَ:
خَطَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ علیه السلام بَعْدَ مَا أُفْتُتِحَتْ مِصْرُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنِّي مُخْرِجُ إِلَيْكُمْ كِتَاباً:
وَ كَتَبَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: إِلَى مَنْ قَرَأَ كِتَابِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله بشيراً وَ نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَ أَمِيناً عَلَى التَّنزيل، وَ شَهِيداً عَلَى الْأُمَّةِ، وَكُنتُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينِ تَنْحِتُونَ فِي حِجَارَةِ خَشِنٍ مِنْ صَفَاةٍ صُمٍّ، وَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْتُلُونَ أَوْلاَدَكُمْ وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، وَ تَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، سُبُلُكُمْ خَائِفَةٌ
ص: 66
وَ الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةُ، فَمَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله وَ بَعَثَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولاً،...
فَلَمَّا مَضَى لِسَبِيلِهِ، تَرَكَ كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ إِمَامَيْنِ لاَ يَخْتَلِفَانِ، وَ أَخَوَيْنِ لاَ يَتَخَاذَلاَن، وَ مُجْتَمِعَيْنِ لاَ يَفْتَرِقَانِ، قَدْ كُنْتُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنِّي بِقَمِيصِي، فَسَارَعَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ.
فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي، وَ لاَ يَخْطُرُ عَلَى بَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تَعْدِلُ هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله عَنِّي، فَلَمَّا أَبْطَمُوا بِالْوِلَايَةِ عَلَيَّ، وَهَمُّوا بِإِزَالَتِهَا عَنِّي، وَ ثَبَتَ الْأَنْصَارُ وَ هُمْ كَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ، فَقَالَتْ: إِذَا لَمْ تُسْلِمُوهَا لِعَلِيٍّ فَصَاحِبُنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ!.
فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي إِلَى مَنْ أَشْكُو؟ إِمَّا أَنْ تَكُونَ الْأَنْصَارُ ظُلِمَتْ حَقَّهَا، وَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا ظَلَمُونِي بَلْ حَقَّي الْمَأْخُوذُ، وَأَنَا الْمَظْلُومُ.!.
وَ قَالَ قَائِلُ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي حَيَاتِهِ، لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَ الصَّلاَةُ هِي الْإِمَامَةُ. فَعَلَامَ الْمَشُورَةُ فِيهِ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ اسْتَخْلَفَهُ؟!
فَأَتَى رَهْطُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله يَعْرِضُونَ عَلَيَّ النُّصْرَةَ. مِنْهُمْ خَالِدٌ، وَ أَبَانُ إِبْنَا سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ وَ أَبُو ذَرٍّ
ص: 67
الْغِفَارِيُّ، وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ.
فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ الْعَهْدَ وَ لَهُ الْوَصِيَّةُ، وَ لَيْسَ لِي أَنْ أُخَالِفَهُ، وَ لَسْتُ أُجَاوِزُ أَمْرَهُ، وَ مَا أَخَذَهُ عَلَيَّ اللَّهُ، لَوْ خَزَمُوا أَنْفِي لَأَقْرَرْتُ سَمْعاً وَ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ قِيلَ: قَدِ إِنْثَالَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرِ وَ أَجْفَلُوا عَلَيْهِ لِيُبَايِعُوهُ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ جَيْشِ أُسَامَةَ، إِذْ كَانَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وآله قَدْ أَمَرَهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَ قَدْ كَانَ أَمَرَ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشَ أُسَامَةَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ تَخَلَّفَ وَ طَمِعَ فِي الْإِمَارَةِ، وَ رَأَيْتُ إِنْثِيَالَ النَّاسِ عَلَيْهِ، صة اله عليه والله أَمْسَكْتُ يَدِي وَ رَأَيْتُ أَنِّي أَحَقُّ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله فِي النَّاسِ مِمَّنْ قَدْ رَفَضَ نَفْسَهُ.
وَ فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةً مِنَ النَّاسِ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَام أَظْهَرَتْ ذَلِكَ يَدْعُونَ إِلَى مَحْو دِينِ اللهِ وَتَغْيِيرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَ قَعَدْتُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً وَ هَدْماً، تَكُونُ مُصِيبَتُهُ عَلَي أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلايَةِ أُمُورِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِي مَتَاعُ أَيَّام قَلائِلَ، ثُمَّ يَزُولُ مَا كَانَ مِنْهَا كَمَا يَزُولُ اَلسَّرَابُ، وَيَنْقَشِعُ كَمَا يَنْقَشِعُ
ص: 68
السَّحَابُ. وَ رَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ امْتَنَعُوا بِقُعُودِي عَنِ الْخُرُوج إِلَيْهِمْ، فَمَشَيْتُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَتَأَلَّفْتُهُ، وَ لَوْ لاَ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ لَبَادَ الْإِسْلَامُ، ثُمَّ نَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى أَنَاخَ الْبَاطِلُ، وَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا... وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
ثُمَّ إِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، لَمَّا رَأَى النَّاسَ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ، نَادَى: وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتُهَا حَتَّى صَرَفْتُ عَنْ عَلِيٍّ، وَ لاَ أُبَايِعُكُمْ أَبَداً حَتَّى يُبَايِعَكُمْ عَلِيُّ وَ لَعَلِّي لاَ أَفْعَلُ وَإِنْ بَايَعَ، وَ أَحْبَبْتُ أَنْ أَقْطَعَ قَوْلَ سَعْدٍ فَرَكِبَ فَرَسَهُ وَ أَتَى حَوْرَانَ، وَ أَقَامَ فِي غَسَّانَ حَتَّى هَلَكَ، وَ أَبَى أَنْ يُبَايِعَ.
وَ قَامَ فَرْوَةُ بْنُ عُمَرَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ فِيكُمْ رَجُلٌ تَحِلُّ لَهُ الْخِلَافَةُ، أَوْ يُقْبَلَ فِي الشُورَى فِيهِ مَا فِي عَلِيٍّ؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ فِي عَلِيٍّ مَا لَيْسَ فِى أَحَدٍ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ!.
قَالَ: فَمَا صَدَّكُمْ عَنْهُ؟! قَالُوا: اِجْتِمَاعُ النَّاسِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ؟!
قَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ كُنْتُمْ أَصَبْتُمْ أَسِنَتَكُمْ لَقَدْ أَخْطَأْتُمْ سُنَنَكُمْ، فَلَوْ جَعَلْتُمُوهَا فِي عَلِيٍّ لَأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ.
فَتَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَصَحِبْتُهُ وَ اللَّهِ مُنَاصِحاً، وَأَطَعْتُهُ فِيمَا أَطَاعَ اللَّهَ، جَاهَدَ وَ مَا طَمِعْتُ أَنْ لَوْ حَدَثَ بِهِ حَادِثُ وَ أَنَا حَيُّ، أَنْ يَرُدَّ الْأَمْرَ الَّذِي
ص: 69
نَازَعْتُهُ فِيهِ إِلَى طَمَع مُسْتَيْقِنِ، وَ لاَ يَئِسْتُ مِنْهُ يَأْسَ مَنْ لاَ يَرْجُوهُ، وَ لَوْ لاَ خَاصَّةُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عُمَرَ، وَ أَمْرُ قَدْ عَقَدَاهُ بَيْنَهُمَا، لَظَنَنْتُ أَنَّهُ لاَ يَدْفَعُهَا عَنّي هَذَا، وَقَدْ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله لِبُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، وَذَلِكَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله بَعَثَنِي وَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «إِذَا تَفَرَّقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا أَمِيرُ عَلَى حِيَالِهِ، وَ إِذَا اجْتَمَعْتُمَا فَأَنْتَ يَا عَلِيُّ أَمِيرُ عَلَى خَالِدٍ»، فَأَغَرْنَا عَلَى أَبْيَاتٍ، وَ سَبَيْنَا فِيهِمْ خَوْلَةَ بِنْتَ جَعْفَرٍ جَانَّ اَلصَّفَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ جَانَّ الصَّفَا لِحُسْنِهَا، فَأَخَذْتُ خَوْلَةَ وَاِغْتَنَمَهَا خَالِدُ مِنِّي! وَ بَعَثَ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْي وَ مِنْ أَخْذِي خَوْلَةَ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلی الله علیه وآله: «حَظِّهُ فِي الْخُمْسِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ، إِنَّهُ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي»، وَ يَسْمَعُهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ!. وَ هَذَا بُرَيْدَةُ لَمْ يَمُتْ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مَقَالُ لِقَائِل؟!
فَلَمَّا اُحْتُضِرَ بَعَثَ إِلَى عُمَرَ فَوَلاَّهُ، فَسَمِعْتُ وَ أَطَعْتُ، وَ نَاصَحْتُ لِلدِّين، وَ تَوَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الْأُمُورَ، وَ كَانَ مَرَضِيَّ السَّيرَةِ، مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ عِنْدَهُمْ، حَتَّى إِذَا احْتُضِرَ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَنْ يَعْدِلَهَا عَنِّي، فَجَعَلَنِي سَادِسَ سِتَّةٍ، وَ أَمَرَ صُهَيْباً أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ!
ص: 70
وَ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ زَيْدَ بْنَ سَهْلِ الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ: كُنْ فِي خَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكَ فَاقْتُلْ مَنْ أَبَى أَنْ يَرْضَى مِنْ هَؤُلَاءِ السُّتَّةِ،! فَكَيْفَ قَالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ هُوَ عَنْ هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ رَاضِ، وَ قَالَ: في أَقْتُلْ مَنْ أَبَى مِنْهُمْ وَ هُمْ عِنْدَهُ مِمَّنْ قَدْ رَضِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُمْ، إِنَّ ذَلِكَ لَمِنَ الْعَجَب!!
ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَمَا كَانُوا لِوِلايَةِ أَحَدٍ أَشَدَّ كَرَاهِيَةٍ مِنْهُمْ لِوِلايَتِي عَلَيْهِمْ، فَكَانُوا يَسْمَعُونَي أُحَاجُ أَبَا بَكْرٍ فَأَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ مَا كَانَ فِينَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَ يَعْرِفُ السُّنَّةَ وَ يَدِينُ بِدِينِ الْحَقِّ، فَخَشِي الْقَوْمُ إِنْ أَنَا وُلَّيتُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ فِي الْأَمْرِ نَصِيبُ مَا بَقُوا.
وَ أَخَذُوا بِأَنْفَاسِهِمْ، وَ اِعْتَرَضَ فِي حُلُوقِهِمْ، فَأَجْمَعُوا إِجْمَاعاً وَاحِداً، فَصَرَفُوا الْوِلَايَةَ عَنِّي إِلَى عُثْمَانَ وَ أَخْرَجُونِي مِنَ الْإِمْرَةِ عَلَيْهِمْ! رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوهَا وَيَتَدَاوَلُوهَا.
ثُمَّ قَالُوا: هَلُمَّ فَبَايِعْ وَ إِلاَّ جَاهَدْنَاكَ. فَبَايَعْتُ مُسْتَكْرَها، وَ صَبَرْتُ مُحْتَسِباً.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ إِنَّكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ لَحَرِيصُ.
ص: 71
قُلْتُ: حِرْصِي عَلَى أَنْ يَرْجِعَ حَقِّي فِي عَافِيَةٍ، وَ لاَ يَجُوزُ لِي عَنْهُ السُّكُوتُ لإِنْبَاتِ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ حَرَصْتُمْ عَلَى دُنْيَا تَبِيدُ، فَإِنِّي قَدْ جَعَلَنِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْلَى بِهِ مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ تَصْرِفُونَ وَجْهِي دُونَهُ، وَتَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَبُهِتُوا، والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي، أَضَاعُوا سُنَّتِي، وَ صَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي، وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي، أَمْراً كُنْتُ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ مِنْهُمْ فَسَلَبُونِيهِ، ثُمَّ قَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ فَاصْبِرْ كَمَداً أَوْ مِتْ مُتَأَسِّفاً حَنَقاً، وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوْ اِسْتَطَاعُوا أَنْ يَدْفَعُوا قَرَابَتِي كَمَا قَطَعُوا سُنَّتِي لَفَعَلُوا، وَلَكِنْ لَمْ يَجِدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً.
وَ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَهِدَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَكَ وَلاَيَةُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي فَإِنْ وَلَّوْكَ فِي عَافِيَةِ وَ اجْتَمَعُوا عَلَيْكَ بِالرِّضَا فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ. وَ إِنِ اِخْتَلَفُوا عَلَيْكَ فَدَعْهُمْ وَ مَا هُمْ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ مَخْرَجاً».
ص: 72
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ مَعِي رَافِدُ وَ لاَ ذَابُّ، وَ لاَ مُسَاعِدُ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَلَى الْمَوْتِ وَ الْهَلَاكِ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ حَمْزَةُ أَوْ أَخِي جَعْفَرُ، مَا بَايَعْتُ كُرْهاً.
فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَ تَجَرَّعْتُ الشَّجَى، وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ وَ آلَمَ لِلْقُلُوبِ مِنْ حَنِّ الشَّفَارِ.
ثُمَّ تَفَاقَمَتِ الْأُمُورُ، فَمَا زَالَتْ تَجْرِي عَلَى غَيْرِ جِهَتِهَا، فَصَبَرْتُ عَلَيْكُمْ حَتَّى إِذَا نَقَمْتُمْ عَلَى عُثْمَانَ أَنَّبْتُمُوهُ فَقَتَلْتُمُوهُ، خَذَلَهُ أَهْلُ بَدْرٍ، وَ قَتَلَهُ أَهْلُ مِصْرَ. مَا أَمَرْتُ وَ لاَ نَهَيْتُ عَنْهُ، وَ لَوْ أَمَرْتُ بهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً، وَ لَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَصِرْتُ نَاصِراً.
ثَمَّ جِئْتُمُونِي لِتُبَايِعُونِي فَأَبَيْتُ عَلَيْكُمْ فَأَمْسَكْتُ يَدِي، فَنَازَعْتُمُونِي وَ رَافَعْتُمُونِي، وَ بَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا، وَ مَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا، ثُمَّ تَدَاكَكُتُمْ عَلَى تَدَاكُكَ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وُرُودِهَا، وَ ازْدَحَمْتُمْ عَلَيَّ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ قَاتِلُ بَعْضاً، وَ أَنَّكُمْ قَاتِلِيَّ حَتَّى انْقَطَعَ اَلنَّعْلُ وَ سَقَطَ الرَّدَاءُ، وَ وُطِئَ الضَّعِيفُ، وَ بَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بَيْعَتَهُمْ إِيَّايَ أَنْ حُمِلَ إِلَيْهَا الصَّغِيرُ وَ خَرَجَ إِلَيْهَا الْكَبِيرُ، وَتَحَامَلَ إِلَيْهَا الْعَلِيلُ وَ حَسِرَتْ إِلَيْهَا الْكُفَّارُ، فَقُلْتُمْ بَايِعْنَا لاَ نَجِدُ غَيْرَكَ وَ لاَ نَرْضَى
ص: 73
إِلاَّ بِكَ، فَبَايِعْنَا لاَ نَتَفَرَّقُ وَلاَنَخْتَلِفُ، فَبَايَعْتُكُمْ عَلَى كِتَابِ اللهِ سُنَّةِ نَبِيَّهِ صلی الله علیه وآله وَ دَعَوْتُ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِي، فَمَنْ بَايَعَنِي طَائِعاً قَبِلْتُ مِنْهُ وَمَنْ أَبَى تَرَكْتُهُ.
فَبَايَعَنِي فِيمَنْ بَايَعَنِي طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ. وَ لَوْ أَبَيَا مَا أَكْرَهْتُهُمَا كَمَا لَمْ أُكْرِهُ غَيْرَهُمَا. غَيْرَهُمَا وَ كَانَ طَلْحَةُ يَرْجُو اَلْيَمَنَ، وَ الزُّبَيْرُ يَرْجُو اَلْعِرَاقَ، فَلَمَّا عَلِمَا أَنِّي غَيْرُ مُوَلِّيهِمَا، اِسْتَأْذَنَا فِي الْعُمْرَةِ، يُرِيدَانِ الْغَدْرَةَ، فَأَتَيَا عَائِشَةَ فَاسْتَخَفَّاهَا مَعَ شَيءٍ كَانَ فِي نَفْسِهَا عَلَيَّ؛ وَ النَّسَاء نَوَاقِصُ الْعُقُولِ، نَوَاقِصُ الْإِيمَان، نَوَاقِصُ الْحُظُوظ، فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاَةِ فِي أَيَّامٍ حَيْضِهِنَّ، وَ أَمَّا نُقصَانُ عُقُولِهِنَّ فَلاَ شَهَادَةَ لَهُنَّ إِلاَّ فِي الدَّيْنِ وَ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِرَجُلٍ، وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيتُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرَّجَالِ. وَقَادَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَ ضَمِنَ لَهُمَا الْأَمْوَالَ وَ الرَّجَالَ. فَبَيْنَا هُمَا يَقُودَانِهَا إِذَا هِيَ تَقُودُهُمَا، فَاتَّخَذَاهَا دَرِيئَةً يُقَاتِلاَن بِهَا وَ إِلَى خَطِيئَةٍ أَعْظَمَ مِمَّا أَتَيَا أَخْرَجَا أُمَّهُمَا زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ كَشَفَا عَنْهَا حِجَابَاً سَتَرَهُ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ عَلَيْهَا، وَصَانَا حَلاَئِلَهُمَا مَا أَنْصَفَا اللَّهَ وَ لاَ رَسُولَهُ.
فَأَصَابُوا ثَلَاثَ خِصَالٍ مِنْ حَقِّهَا عَلَى مَنْ فَعَلَهَا مِنَ النَّاسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: الْبَغْيِ وَ النَّكْثَ وَالْمَكْرَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «يَا أَيُّهَا
ص: 74
النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ» وَ قَالَ تَعَالَى: «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ» وَ قَالَ تَعَالَى: «وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلاّ بِأَهْلِهِ».
فَقَدْ وَ اللَّهِ بَغَيَا عَلَيَّ وَ نَكَنَا بَيْعَتِي، وَ غَدَرَا بِي، إِنِّي مُنِيتُ بِأَرْبَعَةٍ مَا مُنِيَ أَحَدُ بِمِثْلِهِنَّ: مُنِيتُ بِأَطْوَعِ النَّاسِ فِي النَّاسِ، عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَ بِأَشْجَعِ النَّاسِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَ بِأَخْصَمِ النَّاسِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَ بأَكْثَرِ النَّاسِ مَالاً يَعْلَى بْن مُنْيَةَ التَّمِيمِيِّ، أَعَانَ عَلَيَّ بِأَصْوَاعَ الدَّنَانِيرِ، وَ اللَّهِ لَينِ اسْتَقَامَ هَذَا الْأَمْرُ لَأَجْعَلَنَّ مَالَهُ وَ وُلْدَهُ فَيْئاً للْمُسْلِمِينَ.
فَأَتَيَا الْبَصْرَةَ وَ أَهْلُهَا مُجْتَمِعُونَ عَلَى طَاعَتِي وَ بَيْعَتِي، وَ بِهَا شِيعَتِي وَ خُزَانُ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. فَدَعَوُا النَّاسَ إِلَى مَعْصِيَتِي، وَ إِلَى نَقْضِ بَيْعَتِي فَمَنْ أَطَاعَهُمْ أَكْفَرُوهُ وَ مَنْ عَصَاهُمْ قَتَلُوهُ.
فَثَارَ بِهِمْ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِيُّ فِي سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ عُبَّادِ أَهْل الْبَصْرَةِ وَ كَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْحَابَ الثَّفِنَاتِ كَأَنَّ جَبَهَاتِهِمْ مِثْلُ ثَفِنَاتِ الْإِبِلِ، وَ أَبَى أَنْ يُبَايِعَهُمَا يَزِيدُ بْنُ الْحَرْثِ الْيَشْكُرِيُّ وَ هُوَ شَيْخُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَوْمَئِذٍ وَ قَالَ: اِتَّقِيَا اللَّهَ إِنَّ أَوَّلَكُمَا قَادَنَا إِلَى الْجَنَّةِ فَلا يَقُودُنَا
ص: 75
آخِرُكُمَا إِلَى النَّارِ؛ أَمَّا يَمِينِي فَشَغَلَهَا عَنّي عَلِيُّ علیه السلام بِبَيْعَتِي إِيَّاهُ. وَأَمَّا شِمَالِي فَهَذِهِ خُذَاهَا فَارغَةً إِنْ شِنْتُمَا!، فَخُيقَ حَتَّى مَاتَ.
وَ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ: يَا طَلْحَةُ تَعْرِفُ هَذَا الْكِتَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ هَذَا كِتَابِي إِلَيْكَ.
قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا فِيهِ؟ قَالَ: اِقْرَأْهُ عَلَيَّ.
فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ عَيْبُ عُثْمَانَ وَ دُعَاؤُهُ إِلَى قَتْلِهِ.
ثُمَّ أَخَذَا عَامِلِي - عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ أَمِيرَ الْأَنْصَارِ - فَمَثَلَا بِهِ، وَ نَتَفَا كُلَّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِهِ وَ وَجْهِهِ. وَ قَتَلاَ شِيعَتِي، طَائِفَةً صَبْراً وَ طَائِفَةً غَدْراً. جَالَدُوا بالسُّيُوفِ حَتَّى لَقُوا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ صَادِقِينَ. فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً مُتَعَمَّدِينَ بِقَتْلِهِ لَحَلَّ لِي قِتَالُهُمْ وَ قَتْلُ ذَلِكَ اَلْجَيْشِ كُلِّهِ.
أَمَا طَلْحَةُ: فَرَمَاهُ مَرْوَانُ بِسَهُم فَقَتَلَهُ. وَ أَمَّا الزُّبَيْرُ: فَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لَهُ: «تُقَاتِلُ عَلِيّاً وَ أَنْتَ لَهُ ظَالِمُ» فَرَجَعَ مِنَ الْحَرْبِ عَلَى عَقِبِهِ. وَ أَمَّا عَائِشَةُ: فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نَهَاهَا عَنْ مَسِيرِهَا، فَعَضَّتْ يَدَهَا نَدَامَةً عَلَى مَا كَانَ مِنْهَا.
ص: 76
وَ كَانَ طَلْحَةُ لَمَّا نَزَلَ بِذِي قَارٍ، قَامَ خَطِيباً فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا أَخْطَلْنَا فِى أَمْر عُثْمَانَ خَطِيئَةً لاَ يُخْرِجُنَا مِنْهَا إِلا الطَّلَبُ بِدَمِهِ!! و عَلِي قَاتِلُهُ وَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَقَدْ نَزَلَ ذَا قَارِ مَعَ نَسَّاجِي الْيَمَنِ وَ قَصَّابِي وَ مُنَافِقِي مِصْرَ.
وَ فَلَمَّا بَلَغَنِي ذَلِكَ كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُنَاشِدُهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله أَلَسْتَ أَتَيْتَنِي فِي أَهْلِ مِصْرَ وَ قَدْ حَصَرُوا عُثْمَانَ فَقُلْتَ: إِنْهَضْ بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُل، فَإِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ قَتْلَهُ إِلاَّ بِكَ. أَلاَ تَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَّرَ أَبَا ذَرٍّ، وَ فَتَقَ بَطْنَ عَمَّارٍ، وَ آوَى الْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ طَرِيدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَاسْتَعْمَلَ الْفَاسِقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَقَدْ ضُرِبَ فِي الْخَمْرِ وَ سَلَّطَ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْعُذْرِيِّ وَ أَنْحَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يُحَرِّفُهُ وَ يُخرقُهُ؟!!
فَقُلْتُ: لاَ أَرَى قَتْلَهُ الْيَوْمَ، وَأَنْتَ الْيَوْمَ تَطْلُبُ بِدَمِهِ!؟
فأتياه مَعَكُمَا عَمْرُو وَسَعِيدُ، فَخَلُوا عَنْهُمَا يَطْلُبَانِ بِدَم أَبِيهِمَا، مَتَى كَانَتْ أَسَدُ وَ تَيْمُ أَوْلِيَاءَ دَم بَنِي أُمَيَّةَ!؟ فَانْقَطَعَا عِنْدَ ذَلِكَ؛ وَ قَامَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْخَزَاعِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله فَقَالَ: يَا هَذَان لاَ
ص: 77
تُخْرِجَانَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَلَى أَنْفُسِكُمَا، وَ لاَ تَحْمِلَاَنَا عَلَى نَقْضِ بَيْعَتِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّهِ رضًى.
أَمَا وَسِعَتْكُمَا بُيُوتُكُمَا حَتَّى جِئْتُمَا بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِطَاعَتِهَا إِيَّاكُمَا مِنْ مَسِيرهَا مَعَكُمَا، وَ كُفَّا عَنَّا أَنْفُسَكُمَا، وَ ارْجِعَا، مِنْ حَيْثُ جِئْتُمَا فَأَبَيَا عَلَيْهِ.
ثُمَّ نَظَرْتُ فِي أَهْلِ الشَّامِ فَإِذَا هُمْ بَقِيَّةُ الْأَحْزَابِ وَ حُثَالَةُ الْأَعْرَابِ فَرَاشُ نَارٍ، وَ ذِبَّانُ طَمَع، تَجَمَّعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبِ وَ مَنْزِلٍ مِمَّنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ، لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لاَ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانِ، فَسِرْتُ إِلَيْهِمْ وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ فَأَبَوْا إِلاَّ شِقَاقِي وَ عِنَادِي وَ فِرَاقِي، وَ قَامُوا فِي وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ يَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْل، فَهُنَاكَ نَهَدْتُ إِلَيْهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ فَقَاتَلُوهُمْ.
فَلَمَّا عَضَهُمُ السَّلاحُ وَ وَجَدُوا أَلَمَ الْجِرَاحَ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ يَدْعُونَ إِلَى مَا فِيهَا! فَأَنْبَأْتُهُمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَصْحَابِ دِينِ وَ لاَ قُرْآنِ، وَ أَنَّهُمْ رَفَعُوهَا خَدِيعَةً وَ مَكْراً وَ مَكِيدَةً وَ غَدْراً، فَامْضُوا عَلَى حَقَّكُمْ وَقِتَالِكُمْ فَأَبَيْتُمْ عَلَي وَ قُلْتُمْ: اقْبَلْ مِنْهُمْ فَإِنْ أَجَابُونَا إِلَى مَا فِي الْكِتَابِ
ص: 78
جَامَعُونَا عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، وَ إِنْ أَبَوْا، كَانَ أَعْظَمَ لِحُجَّتِنَا عَلَيْهِمْ.
فَقَبِلْتُ مِنْهُمْ، وَ كَفَفْتُ عَنْهُمْ وَ كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ عَلَى رَجُلَيْنِ حَكَمَيْنِ يُحْيِيَان مَا أَحْيَى الْقُرْآنُ، وَ يُمِيتَان مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ. فَاخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا وَ تَفَرَّقَ حُكْمُهُمَا وَ نَبَذَا حُكْمَ الْقُرْآن وَخَالَفَا مَا فِي الْكِتَابِ وَ اِتَّبَعَا أَهْوَاءَهُمَا بِغَيْر هُدَى مِنَ الله فَجَنَّبَهُمَا اللَّهُ السَّدَادَ، وَ رَكَسَهُمَا فِي الضَّلَالِ؛ وَ اِنْحَازَتْ فِرْقَةُ عَنَّا فَتَرَكْنَاهُمْ وَ مَا تَرَكُونَا، فَقُلْنَا ادْفَعُوا إِلَيْنَا قَتَلَةَ إِخْوَانِنَا، ثُمَّ كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ، فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَتْهُمْ وَ كُلُّنَا اِسْتَحَلَّ دِمَاءَهُمْ وَ دِمَاءَكُمْ، فَشَدَّتْ عَلَيْهِمْ خَيْلُنَا فَصَرَعَهُمُ اللَّهُ مَصَارِعَ الظَّالِمِينَ(1).
1 - وَ مِنْ كَلاَمِ لَهُ علیه السلام لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَ قَدْ سَأَلَهُ: كَيْفَ دَفَعَكُمْ - قَوْمُكُمْ عَنْ هَذَا الْمَقَامِ وَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ؟
ص: 79
فَقَالَ علیه السلام: يَا أَخَا بَنِي أَسَدٍ! إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ، وَ لَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصَّهْرِ وَ حَقُّ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ:
أَمَّا الاسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ وَنَحْنُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً، وَالْأَشَدُّ بِالرَّسُولِ صلی الله علیه وآله نَوْطاً، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ، وَ الْحَكَمُ اللَّهُ، وَ الْمَعْوَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامَةُ وَ دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ وَ هَلُمَّ الْخَطْبَ فِي ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ، وَ لاَ غَرْوَ وَ اللَّهِ، فَيَا لَهُ خَطْباً يَسْتَفْرِغْ الْعُجْبَ وَيُكْثِرُ الْأَوَدَ!
حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاء نُورِ اللَّهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ، وَ سَدَّ فَوَارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَ جَدَحُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً، فَإِنْ يَرْتَفِعْ عَنَّا وَ عَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى، أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ، وَإِنْ تَكُن الْأُخْرَى، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(1).
2 - فقال علیه السلام: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَمُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ. فَلَمَّا مَضَى تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ.
ص: 80
فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي وَ لاَ يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ صلی الله علیه وآله عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ إِنْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانِ يُبَايِعُونَهُ.
فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقٍ دِينِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلامَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وزَهَقَ وَاِطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَه.
إِنِّي وَ اللَّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَ هُمْ طِلاعُ الْأَرْضِ كُلَّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ اسْتَوْحَشْتُ. وَإِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَ يَقِينِ مِنْ رَبِّي وَ إِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ لَمُشْتَاقُ وَ لِحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرُ رَاج.
وَ لَكِنّي آسَى أَنْ يَلِيَ هَذِهِ الْأُمَّةَ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلاً وَعِبَادَهُ خَوَلاً وَ الصَّالِحِينَ حَرْباً وَ الْفَاسِقِينَ حِزْباً فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ وَ جُلِدَ حَدّاً فِي الْإِسْلامِ. وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ
ص: 81
يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الْإِسْلامَ الرَّضَائِخُ فَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَ جَمْعَكُمْ وَ تَحْرِيضَكُمْ وَلَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَ وَنَيْتُمْ...(1)
3 - قَالَ لَهُ قَائِلُ: يَا أمير المومنين علیه السلام أَرَأَيتَ لَو كَانَ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله تَرَکَ وَلَدَاً ذَكَراً قَد بَلَغَ الحُلُم وَ آنَسَ مِنهُ الرّشدُ أكَانَت العَرَب تُسَلِّمُ إِلَيْهِ أَمْرَها؟
قَالَ: لَا. بَل كَانَت تَقتُلُه إِن لَم يَفعَل مَا فَعَلتُ.
إِنَّ العَرَب كَرِهَت أَمرَ مُحَمّد صلی الله علیه وآله وَ حَسَدته عَلَى مَا آتَاهُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَ إستَطالَت أيَّامُه حَتّى قَذَفَت زُوجَتُه وَ نَفَرت بِهِ نَاقَتُه مَع عَظِيمِ إِحْسَانِهِ إِلَيْهَا وَ جَسِيمٍ مِنَنهِ عِندَهَا وَ أجمَعَت مُنذُ كَان حَيّاً عَلَى صَرفِ الأمرِ عَن أَهل بَيْتِهِ بَعدَ مُوتِه...
أَلّلَهُمْ إِنَّكَ تَعلَم أَنَّني لم أرد الإمرَةَ وَ لَا على المُلكِ وَالرِّيَاسَةَ وَإِنَّمَا أردتُ القِيَامَ بِحُدُودِكَ وَالأَدَاءِ لِشَرعِكَ وَوَضع الأمُورِ فِي مَوَاضِعِهَا وَ
ص: 82
تَوفِيرِ الحُقُوقِ عَلَى أَهْلِهَا وَ المَضى عَلَى مِنهَاجِ نَبِيِّكَ وَإِرشَادُ الضَّالّ إلى أنوار هِدَايَتِك(1).
4 - وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ علیه السلام: قال:....
أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَ بَغْياً عَلَيْنَا؟! أَنْ رَفَعَنَا اللَّهُ وَوَضَعَهُمْ، وَ أَعْطَانَا وَ حَرَمَهُمْ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ، بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى وَيُسْتَجْلَى الْعَمَى: إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشِ غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ.
مِنْهَا: آثَرُوا عَاجِلاً، وَ أَخَرُوا آجِلاً، وَ تَرَكُوا صَافِياً، وَ شَرِبُوا آجِنَا، كَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَ قَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ، وَ بَسِئَ بِهِ وَ وَافَقَهُ حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَ صُبغَتْ بِهِ خَلائِقُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزيداً كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرِقَ، أَوْ كَوَقَع النَّارِ فِي الْهَشِيمِ لاَ يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ، أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى، وَ الْأَبْصَارُ اللاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ اَلتَّقْوَى؟
أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ لِلَّهِ! وَ عُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ؟
ص: 83
ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ، وَ تَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ، وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وَأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ، دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَ وَلَّوْا، وَدَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَ أَقْبَلُوا.(1)
5 - قَالَ وَ رَوَى أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنَادَةَ قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ الْحِجَازِ أُرِيدُ الْعِرَاقَ فِي أَوَّلِ إِمَارَةِ عَلِيٍّ علیه السلام فَمَرَرْتُ بِمَكَّةَ فَاعْتَمَرْتُ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله لا عليه و آله إِذَا نُودِيَ الصَّلاَةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَخَرَجَ عَلِيُّ علیه السلام مُتَقَلّداً سَيْفَهُ فَشَخَصَتِ الْأَبْصَارُ نَحْوَهُ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلی الله علیه وآله قُلْنَا نَحْنُ أَهْلُهُ وَ وَرَثَتُهُ وَ عِتْرَتُهُ وَ أَوْلِيَاؤُهُ دُونَ النَّاسِ لاَ يُنَازِعُنَا سُلْطَانَهُ أَحَدٌ وَ لاَ يَطْمَعُ فِي حَقِّنَا طَامِعُ إذَا تَنَزَّى لَنَا قَوْمُنَا فَغَصَبُونَا سُلْطَانَ نَبِيِّنَا، فَصَارَتِ الْإمْرَةُ لِغَيْرِنَا وَ صِرْنَا سُوقَةً يَطْمَعُ فِينَا الضَّعِيفُ وَيَتَعَزَّزُ عَلَيْنَا الدَّلِيلُ، فَبَكَتِ الْأَعْيُنُ مِنَّا لِذَلِكَ وَ خَشُنَتِ الصُّدُورُ وَ جَزِعَتِ النُّفُوسُ.
ص: 84
وَ اَيْمُ اللَّهِ لَوْ لَا مَخَافَةُ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَ أَنْ يَعُودَ الْكُفْرُ وَيَبُورَ الدِّينُ لَكُنَّا عَلَى غَيْر مَا كُنَّا لَهُمْ عَلَيْهِ.
فَوَلِيَ الْأَمْرَ وُلاَةُ لَمْ يَأْلُوا النَّاسَ خَيْراً ثُمَّ اسْتَخْرَجْتُمُونِي أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ بَيْتِي فَبَايَعْتُمُونِي عَلَى شَنْإِ مِنِّي لِأَمْرِكُمْ وَ فِرَاسَةٍ تَصْدُقُنِي عَمَّا فِي قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنْكُمْ وَ بَايَعَنِي هَذَانِ الرَّجُلانِ فِي أَوَّلِ مَنْ بَايَعَ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَ قَدْ نَكَثَا وَ غَدَرَا وَ نَهَضَا إِلَى الْبَصْرَةِ بِعَائِشَةَ لِيُفَرِّقَا جَمَاعَتَكُمْ وَيُلْقِيَا بَأْسَكُمْ بَيْنَكُمْ.
اللَّهُمَّ فَخُذْهُمَا بِمَا عَمِلاً أَخْذَةً رَابِيَةً وَ لاَ تَنْعَشُ لَهُمَا صَرْعَةً وَلاَ تُقِلْهُمَا عَشْرَةً وَلاَ تُمْهِلْهُمَا فُوَاقاً فَإِنَّهُمَا يَطْلُبَان حَقًّا تَرَكَاهُ وَ دَماً سَفَكَاهُ اَللَّهُمَّ إِنِّي اقْتَضَيْتُكَ وَعْدَكَ فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ لِمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ اللَّهُمَّ فَأَنْجِزْ لِي مَوْعِدِي وَ لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ ثُمَّ نَزَلَ.(1)
6 - في تفسير القمى قال: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَغَى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ عليه السلام، خَلَقَ اللَّهُ لَهَا عِشْرِينَ إِصْبَعاً، فِي كُلِّ إِصْبَعِ مِنْهَا ظُفُرَانِ
ص: 85
طَوِیلانِ كَالْمِنْجَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ، وَ كَانَ مَجْلِسُهَا فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ جَرِيبٍ، فَلَمَّا بَغَتْ بَعَثَ اللَّهُ لَهَا أَسَداً كَالْفِيلِ وَ ذِنْباً كَالْبَعِيرِ وَ نَسْراً كَالْحِمَارِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ، فَسَلَّطَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا فَقَتَلُوهَا، أَلاَ وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَ خَسَفَ بِقَارُونَ، وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلُ لِأَعْدَائِهِ الَّذِينَ غَصَبُوا حَقَّهُ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ علیه السلام - عَلَى إِثْرِ هَذَا الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ -: وَ قَدْ كَانَ لِي حَقُّ حَازَهُ دُونِي مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَ لَمْ أَكُنْ أُشْرِكُهُ فِيهِ، وَ لاَ تَوْبَةَ لَهُ إِلاَّ بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ، أَوْ بِرَسُولٍ مُرْسَلِ، وَ أَنَّى لَهُ بِالرِّسَالَةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله، وَلاَ نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله، وَ أَنَّى يَتُوبُ وَهُمْ فِي بَرْزَحَ الْقِيَامَةِ غَرَّتْهُ الْأَمَانِيُّ وَ غَرَّهُ بِاللهِ الْغَرُورُ، قَدْ أَشْفَى عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.(1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَاَّهُ مِصْرَ...
ص: 86
فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَ تُطْلَبُ فِيهِ الدُّنْيَا...(1)
أَبَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَكِّيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرِ علیه السلام يَقُولُ:
إِنَّ عُمَرَ لَقِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ هَذِهِ الآيَة «بأَيَّكُمُ الْمَفْتُونُ» تَعَرُّضاً بِي وَ بِصَاحِبِي؟
قال علیه السلام: أَفَلا أُخْبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ»
فَقَالَ: كَذَبْتَ. بَنُو أُمَيَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِم مِنْكَ. وَلَكِنَّكَ أَبَيْتَ إِلاَّ عَدَاوَةً لِبَنِي تَيْمٍ وَعَدِيٌّ وَ بَنِي أُمَيَّةَ(2).
ص: 87
رَوَى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام يَخْطُبُ بِالْبَصْرَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِأَيَّامٍ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي مَنْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ وَ مَنْ أَهْلُ الْفُرْقَةِ وَ مَنْ أَهْلُ الْبِدْعَةِ وَ مَنْ أَهْلُ السُّنَّةِ؟
فَقَالَ علیه السلام: وَيْحَكَ أَمَّا إِذَا سَأَلْتَنِي فَافْهَمْ عَنِّي وَ لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَسْأَلَ عَنْهَا أَحَداً بَعْدِي.
أَمَّا أَهْلُ الْجَمَاعَةِ: فَأَنَا وَ مَنْ تَبِعَنِي وَإِنْ قَلُّوا وَذَلِكَ الْحَقُّ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَمْر رَسُولِهِ.
وَ أَهْلُ الْفُرْقَةِ: اَلْمُخَالِفُونَ لِي وَلِمَنِ اتَّبَعَنِي وَ إِنْ كَثُرُوا.
وَ أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ: فَالْمُتَمَسَّكُونَ بِمَا سَنَّهُ اللَّهُ لَهُمْ وَرَسُولُهُ وَإِنْ قَلُّوا.
وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدْعَةِ: فَالْمُخَالِفُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ الْعَامِلُونَ بِرَأيهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا.
ص: 88
وَ قَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْفَوْجُ الْأَوَّلُ وَ بَقِيَتْ أَفْوَاجُ وَ عَلَى اللَّهِ قَبْضُهَا وَ اِسْتِيصَالُهَا عَنْ جَدَدِ الْأَرْضِ...(1)
1 - عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ علیه السلام قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام خُطْبَةً بِالْكُوفَةِ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ: إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ وَمَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله.
فَقَامَ الْأَشْعَثُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسِ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُنْذُ قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلاَّ وَ قُلْتَ: «وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله»! وَ لَمَّا وَلِي تَيْمُ وَ عَدِيٌّ، أَلاَّ ضَرَبْتَ بِسَيْفِكَ دُونَ ظُلاَمَتِكَ؟!
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: يَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ قَدْ قُلْتَ قَوْلاً فَاسْتَمِعْ.
ص: 89
وَ اللَّهِ مَا مَنَعَنِي الْجُبْنُ وَ لاَ كَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ وَ لَا مَنَعَنِي ذَلِكَ إِلاَّ عَهْدُ أَخِي رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله، خَبَّرَنِي وَ قَالَ: «يَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ وَ تَنْقُضُ عَهْدِي، وَإِنَّكَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا تَعْهَدُ إِلَيَّ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ؟
فَقَالَ: «إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَبَادِرْ إِلَيْهِمْ وَ جَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَأَحْقُنْ دَمَكَ حَتَّى تَلْحَقَ بِي مَظْلُوماً».
فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله اشْتَغَلْتُ بِدَفْنِهِ وَ الْفَرَاعْ مِنْ شَأْنِهِ، ثُمَّ آلَيْتُ يَمِيناً أَنِّي لاَ أَرْتَدِي إِلاَّ لِلصَّلاَةِ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ، فَفَعَلْتُ. ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَابْنَيَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ثُمَّ دُرْتُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَ أَهْلِ السَّابِقَةِ فَنَاشَدْتُهُمْ حَقِّي وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَى نَصْرِي، فَمَا أَجَابَنِي مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ: سَلْمَانُ وَ عَمَّارُ وَالْمِقْدَادُ َوأَبُو ذَرٍّ.
وَ ذَهَبَ مَنْ كُنْتُ أَعْتَضِدُ بِهِمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَ بَقِيتُ بَيْنَ خَفِيرَتَيْنِ قَرِيبَي الْعَهْدِ بِجَاهِلِيَّةِ: عَقِيلِ وَالْعَبَّاسِ.
فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! كَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً كَفَّ يَدَهُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُوماً.
ص: 90
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: يَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ لَيْسَ كَمَا قِسْتَ. إِنَّ عُثْمَانَ لَمَّا جَلَسَ، جَلَسَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، وَارْتَدَى بِغَيْرِ رِدَانِهِ، وَ صَارَعَ اَلْحَقِّ فَصَرَعَهُ الْحَقُّ.
وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَوْ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويعَ أَخُو تَيْمِ أَرْبَعِينَ رَهْطَاً لَجَاهَدْتُهُمْ فِي اللَّهِ إِلَى أَنْ أُبْلِيَ عُذْرِي.
ثُمَّ أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الْأَشْعَثَ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَ إِنَّهُ أَقَلُّ في دِينِ اللَّهِ مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ(1).
2 - سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ فِي كِتَابِهِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً حَوْلَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ علیه السلام وَ حَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اسْتَنْفَرْتَ النَّاسَ.
فَقَامَ وَ خَطَبَ - إِلَى أَنْ قَالَ - فَقَالَ ابْنُ قَيْسِ وَغَضِبَ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَا مَنَعَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بُويعَ أَبُو بَكْرٍ أَخُو تَيْمِ وَأَخُو بَنِي عَدِيٍّ بْنِ كَعْبٍ وَ أَخُو بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَهُمْ أَنْ تُقَاتِلَ وَ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ؟..
ص: 91
فَقَالَ علیه السلام: يَا ابْنَ قَيْسٍ إِسْمَعِ الْجَوَابَ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ ذَلِكَ الْجُبْنُ وَ لاَ كَرَاهَةً لِلقَاءِ رَبِّي وَ أَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُ لِي مِنَ الدُّنْيَا وَ الْبَقَاءِ فِيهَا وَ لَكِنْ مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَعَهْدُهُ إليَّ.
أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله بِمَا الْأُمَّةُ صَانِعَةُ بَعْدَهُ فَلَمْ أَكُ بِمَا صَنَعُوا حِينَ عَايَنْتُهُ بِأَعْلَمَ وَ لاَ أَشَدَّ إِسْتِيقَاناً مِنّي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ أَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَشَدُّ يَقِيناً مِنِّي بِمَا عَايَنْتُ وَ شَهِدْتُ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَعْهَدُ إِلَى إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟
قَالَ صلی الله علیه وآله: «إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَانْبذْ إِلَيْهِمْ وَ جَاهِدْهُمْ وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَ اِحْمِنْ دَمَكَ حَتَّى تَجِدَ عَلَى إِقَامَةِ الدِّين وَكِتَابِ اللهِ سُنَّتِي أَعْوَاناً»، وَ أَخْبَرَنِي «أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَخْذُلُنِي وَ تُبَايِعُ غَيْرِي».
وَأَخْبَرَنِي «أَنَّي مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَأَنَّ الْأُمَّةَ سَيَصِيرُونَ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ وَ مَنْ تَبِعَهُ وَ الْعِجْلِ وَ مَنْ تَبِعَهُ إِذْ قَالَ لَهُ مُوسَى: يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّ تَتَّبِعَن أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ: يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلى وَ إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ مُوسَى أَمَرَ هَارُونَ حِينَ
ص: 92
اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِمْ إِنْ ضَلُّوا فَوَجَدَ أَعْوَاناً أَنْ يُجَاهِدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ وَ يَحْقِنَ دَمَهُ وَ لا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ».
وَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ أَخِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: «لِمَ فَرَّقْتَ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي وَ قَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ تَكُفَّ يَدَكَ وَ تَحْقِنَ دَمَكَ وَ دَمَ أَهْلِكَ وَ شِيعَتِكَ».
فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَالَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعُوهُ وَأَنَا مَشْغُولُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله بِغُسْلِهِ وَ دَفْنِهِ. ثُمَّ شُغِلْتُ بِالْقُرْآن فَآلَيْتُ يَمِيناً بالْقُرْآن أَنْ لاَ أَرْتَدِيَ إِلاَّ لِلصَّلَاةِ حَتَّى أَجْمَعَهُ فِي كِتَابٍ.
ثُمَّ حَمَلْتُ فَاطِمَةَ وَأَخَذْتُ بِيَدِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ فَلَمْ نَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلا نَاشَدْتُهُمْ اللَّهَ وَ حَقَّي وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَى نُصْرَتِي فَلَمْ يَسْتَجِبْ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِلاَّ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ - اَلزُّبَيْرُ وَ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرِّ وَ الْمِقْدَادُ - وَ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَصُول بِهِ وَ لاَ أَقْوَى بِهِ.
- إِلَى أَنْ قَالَ علیه السلام: - وَ لَوْ كُنْتُ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويعَ أَخُو تَيْمِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مُطِيعِينَ لَجَاهَدْتُهُمْ. فَأَمَّا يَوْمَ بُويعَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ فَلاَ. لِأَنَّي كُنتُ بَايَعْتُ وَمِثْلِي لاَ يَنْكُثُ بَيْعَتَهُ.
ص: 93
وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ! كَيْفَ رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَوَجَدْتُ أَعْوَاناً هَلْ رَأَيْتَ مِنّى فَشَلاً أَوْ جُبْناً أَوْ تَقْصِيراً يَوْمَ الْبَصْرَةِ؟
- إِلَى أَنْ قَالَ علیه السلام: - يَا ابْنَ قَيْسٍ أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويعَ أَبُو بَكْرِ الَّذِي عَيَّرْتَنِي بِدُخُولِي فِي بَيْعَتِهِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً كُلُّهُمْ عَلَى مِثْل بَصِيرَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ وَجَدْتُ، لَمَا كَفَفْتُ يَدِي وَلَنَاهَضْتُ الْقَوْمَ وَلَكِنْ لَمْ أَجِدْ خَامِساً.
قَالَ الْأَشْعَثُ: وَ مَن الْأَرْبَعَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرِّ وَ الْمِقْدَادُ وَ الزُّبَيْرُ بْنُ صَفِيَّةَ قَبْلَ نَكْثِهِ بَيْعَتِي. فَإِنَّهُ بَايَعَنِي مَرَّتَيْنِ: أَمَّا بَيْعَتُهُ الْأُولَى الَّتِي وَفَى بِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا بُويعَ أَبُو بَكْرِ أَتَانِي أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ فَبَايَعُونِي وَ فِيهِمُ الزُّبَيْرُ فَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا عِنْدَ بَابِي مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ عَلَيْهِمُ السَّلاَحُ فَمَا وَافَى مِنْهُمْ أَحَدٌ وَ لَا صَبَّحَنِي مِنْهُمْ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ سَلْمَانُ وَ الْمِقْدَادُ وَ أَبُو ذَرِّ وَ الزُّبَيْرُ.
- إِلَى أَنْ قَالَ الله علیه السلام: - يَا ابْنَ قَيْسٍ فَوَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ بَايَعُونِي وَفَوْا لِي وَ أَصْبَحُوا عَلَى بَابِي مُحَلِّقِينَ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ لِعَتِيقِ
ص: 94
فِي عُنُقِي بَيْعَتُهُ، لَنَاهَضْتُهُ وَ حَاكَمْتُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَلَوْ وَجَدْتُ قَبْلَ بَيْعَةِ عُثْمَانَ أَعْوَاناً لَنَاهَضْتُهُمْ وَ حَكَمْتُهُمْ إلَى اللَّهِ(1).
3 - أَبَانُ عَنْ سُلَيْمٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً حَوْلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام وَعِنْدَهُ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اسْتَنْفَرْتَ اَلنَّاسَ.
فَقَامَ وَ خَطَبَ فَقَالَ: أَلاَ إِنِّي قَدِ اسْتَنْفَرْتُكُمْ فَلَمْ تَنْفِرُوا وَ نَصَحْتُكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا وَدَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا فَأَنْتُمْ شُهُودُ كَغُيَّابٍ وَأَحْيَاءُ كَأَمْوَاتٍ وَ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاع أَتْلُو عَلَيْكُمُ الْحِكْمَةَ وَأَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ وَ أَحْتُكُمْ عَلَى الْجِهَادِ لِأَهْلِ الْجَوْرِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ كَلاَمِي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ حَلَقاً شَتَّى تَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ وَ تَضْرِبُونَ الْأَمْثَالَ وَ تَسْأَلُونَ عَنْ سِعْرِ التَّمْرِ وَ اللَّبَنِ تَبَّتْ أَيْدِيكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُمُ الْحَرْبَ وَ الإِسْتِعْدَادَ لَهَا وَ أَصْبَحَتْ قُلُوبُكُمْ فَارِغَةً مِنْ ذِكْرِهَا شَغَلْتُمُوهَا بِالْأَبَاطِيلِ وَ الْأَصَالِيلِ وَ الْأَعَالِيل وَيْحَكُمْ أَغْرُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْرُوكُمْ فَوَ اللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمُ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا.
ص: 95
وَ أَيْمُ اللَّهِ مَا أَظُنُّ أَنْ تَفْعَلُوا حَتَّى يَفْعَلُوا ثُمَّ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُهُمْ فَلَقِيتُ اللَّهَ عَلَى بَصِيرَتِي وَ يَقِينِي وَاسْتَرَحْتُ مِنْ مُقَاسَاتِكُمْ وَ مِنْ مُمَارَسَتِكُمْ فَمَا أَنْتُمْ إِلاَّ كَإِبِل جَمَّةٍ ضَلَّ رَاعِيهَا فَكُلَّمَا ضُمَّتْ مِنْ جَانِبِ انْتَشَرَتْ مِنْ جَانِبِ كَأَنِّي بِكُمْ وَ اللَّهِ فِيمَا أَرَى لَوْ قَدْ حَمِسَ اَلْوَغَى وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنْ عَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ اِنْفِرَاجَ اَلرَّأْسِ وَاِنْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ وَلَدِهَا لَا تَمْنَعُ يَدَ لَأَمِسٍ.
قَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسِ الْكِنْدِيُّ: فَهَلاَّ فَعَلْتَ كَمَا فَعَلَ إِبْنُ عَفَّانَ؟
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: يَا عُرْفَ النَّارِ أَوَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ أَنَا عَائِذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا تَقُولُ.
يَا ابْنَ قَيْسٍ! وَ اللَّهِ إِنَّ الَّذِي فَعَلَ اِبْنُ عَفَّانَ لَمَخْزَاةُ لِمَنْ لاَ دِينَ لَهُ وَ لاَ اَلْحَقُّ فِي يَدِهِ فَكَيْفَ أَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ حُجَّتُهُ فِي يَدِي وَ الْحَقُّ مَعِي وَ اللَّهِ إِنَّ اِمْرَأَ مَكَّنَ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ حَتَّى يَجُزَ لَحْمَهُ وَيَفْرِيَ جِلْدَهُ وَ يَهْشِمَ عَظْمَهُ وَيَسْفِكَ دَمَهُ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُ لَعَظِيمُ وِزْرُهُ وَ ضَعِيفُ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ فَكُنْ أَنْتَ ذَاكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ فَأَمَّا أَنَا فَدُونَ وَ اللَّهِ أَنْ أُعْطِي بِيَدِي ضَرْبُ
ص: 96
بِالْمَشْرَفِيِّ تَطِيرُ لَهُ فَرَاشُ الْهَام وَ تَطِيحُ مِنْهُ الْكَفُّ والمِعْصَمُ وَيَفْعَلُ الله بَعْدُ مَا يَشَاءُ.
وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ! اَلْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِكُلِّ مَوْتَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَمَنْ قَدَرَ عَلَى حَقْنِ دَمِهِ ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ قَاتِلِهِ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ.
وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ! إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً فِرْقَةً وَاحِدَةً مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَان وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَ شَرُّهَا وَ أَبْغَضُهَا إِلَى اللَّهِ وَ أَبْعَدُهَا مِنْهُ السَّامِرَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لاَ قِتَالَ وَ كَذَبُوا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِقِتَالِ هَؤُلاَءِ الْبَاغِينَ فِي كِتَابِهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ وَ كَذَلِكَ الْمَارِقَةُ.
فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسِ وَ غَضِبَ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَا يَمْنَعُكَ يَا ابْنَ أَبِي طالبٍ حِينَ بُويعَ أَخُو تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ وَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَخُو بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَهُمَا أَنْ تُقَاتِلَ وَتَضْرِبَ بِسَيْفِكَ؟ وَ أَنْتَ لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُنْذُ كُنْتَ قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلاَّ وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَنْ مِنْبَرِكَ: «وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلی الله علیه وآله» فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ دُونَ مَظْلِمَتِكَ؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ علیه السلام: يَا ابْنَ قَيْسِ قُلْتَ فَاسْمَعِ الْجَوَابَ.
ص: 97
لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ ذَلِكَ الْجُبْنُ وَ لاَ كَرَاهِيَةُ لِلقَاءِ رَبِّي وَأَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُ لِي مِنَ الدُّنْيَا وَالْبَقَاءِ فِيهَا وَ لَكِنْ مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَ عَهْدُهُ إِلَي أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِمَا الْأُمَّةُ صَانِعَةُ بِي بَعْدَهُ فَلَمْ أَكُ بِمَا صَنَعُوا حِينَ عَايَنْتُهُ بِأَعْلَمَ مِنِّي وَ لاَ أَشَدَّ يَقِيناً مِنِّي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ أَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَشَدُّ يَقِينَا مِنِّي بِمَا عَايَنْتُ وَ شَهِدْتُ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ وَ جَاهِدْهُمْ وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَاكْفُفْ يَدَكَ وَ اِحْقِنُ دَمَكَ حَتَّى تَجِدَ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَكِتَابِ اللهِ وَ سُنَّتِي أَعْوَاناً».
وَ أَخْبَرَنِي «أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَخْذُلُنِي وَ تُبَايِعُ غَيْرِي وَ تَتَّبِعُ غَيْرِي» وَ أَخْبَرَنِي «أَنِّي مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَ أَنَّ الْأُمَّةَ سَيَصِيرُونَ مِنْ بَعْدِهِ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ وَ مَنْ تَبِعَهُ وَ الْعِجْل وَ مَنْ تَبِعَهُ إِذْ قَالَ لَهُ مُوسَى يَا هارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا. أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي. قَالَ يَا بْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ
ص: 98
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي وَ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي».
وَ إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ مُوسَى أَمَرَ هَارُونَ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِمْ إِنْ ضَلُّوا فَوَجَدَ أَعْوَاناً أَنْ يُجَاهِدَهُمْ وَ إِنْ لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ وَ يَحْفُنَ دَمَهُ وَلا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ.
وَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقُولَ لِي ذَلِكَ أَخِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «لِمَ فَرَّقْتَ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي وَ قَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ تَكُفَّ يَدَكَ وَ تَحْقُنَ دَمَكَ وَ دَمَ أَهْلِ بَيْتِكَ وَ شِيعَتِكَ؟».
فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله مَالَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعُوهُ وَ أَنَا مَشْغُولُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله بِغُسْلِهِ وَ دَفْنِهِ ثُمَّ شُغِلْتُ بِالْقُرْآنِ فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَرْتَدِيَ إِلاَّ لِلصَّلَاةِ حَتَّى أَجْمَعَهُ فِي كِتَابٍ فَفَعَلْتُ ثُمَّ حَمَلْتُ فَاطِمَةَ وَأَخَذْتُ بِيَدِ ابْنَيْ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ فَلَمْ أَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ أَهْلِ السَّابِقَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلاَّ نَاشَدْتُهُمُ اللَّهَ فِي حَقِّي وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَى نُصْرَتِي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إلاَّ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرِّ وَالْمِقْدَادُ وَ الزُّبَيْرُ وَ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَصُولُ بِهِ وَ لاَ أَقْوَى بِهِ، أَمَّا حَمْزَةُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَمَّا
ص: 99
جَعْفَرُ فَقُتِلَ يَوْمَ مُوتَةَ وَ بَقِيتُ بَيْنَ جِلْفَيْنِ جَافِيَيْنِ ذَلِيلَيْنِ حَقِيرَيْنِ عَاجِزَيْنِ الْعَبَّاسِ وَ عَقِيلٍ وَ كَانَا قَرِيبَيَ الْعَهْدِ بِكُفْرٍ فَأَكْرِهُونِي وَ فَهَرُونِي.
فَقُلْتُ كَمَا قَالَ هَارُونُ لِأَخِيهِ: اِبْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلِي بِهَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةً وَلِي بِعَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وآله حُجَّةُ قَوِيَّةُ.
قَالَ فَقَالَ الْأَشْعَثُ: كَذَلِكَ صَنَعَ عُثْمَانُ اسْتَغَاثَ بِالنَّاسِ وَ دَعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً فَكَفَّ يَدَهُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُوماً.
قالَ علیه السلام: وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ إِنَّ الْقَوْمَ حِينَ فَهَرُونِي وَاسْتَضْعَفُونِي وَ كَادُوا يَقْتُلُونَنِي لَوْ قَالُوا لِي: نَقْتُلُكَ الْبَتَّةَ لَاَمْتَنَعْتُ مِنْ قَتْلِهِمْ إِيَّايَ وَ لَوْ لَمْ أَجِدْ غَيْرَ نَفْسِي وَحْدِي، وَ لَكِنْ قَالُوا: إِنْ بَايَعْتَ كَفَفْنَا عَنْكَ وَ أَكْرَمْنَاكَ وقَرَّبْنَاكَ وَفَضَّلْنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَتَلْنَاكَ.
فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ أَحَداً بَايَعْتُهُمْ وَ بَيْعَتِي إِيَّاهُمْ لاَ يُحِقُ لَهُمْ بَاطِلاً وَ لاَ يُوجِبُ لَهُمْ حَقَّاً.
فَلَوْ كَانَ عُثْمَانُ حِينَ قَالَ لَهُ النَّاسُ: إِخْلَعْهَا وَنَكُفَّ عَنْكَ خَلَعَهَا لَمْ يَقْتُلُوهُ وَ لَكِنَّهُ قَالَ: لاَ أَخْلَعُهَا. قَالُوا: فَإِنَّا قَاتِلُوكَ. فَكَفَّ يَدَهُ عَنْهُمْ
ص: 100
حَتَّى قَتَلُوهُ. وَ لَعَمْرِي لَخَلْعُهُ إِيَّاهَا كَانَ خَيْراً لَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٌّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا نَصِيبُ وَاِدَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَ تَنَاوَلَ حَقَّ غَيْرِهِ.
وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ إِنَّ عُثْمَانَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ أَحَدَ رَجُلَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَعَا النَّاسَ إِلَى نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَنْصُرُوهُ وَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ دَعَوْهُ إِلَى أَنْ يَنْصُرُوهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْهَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يَنْصُرُوا إِمَاماً هَادِياً مُهْتَدِياً لَمْ يُحْدِثْ حَدَثاً وَ لَمْ يُؤْوِ مُحْدِثاً وَ بِئْسَ مَا صَنَعَ حِينَ نَهَاهُمْ وَ بِئْسَ مَا صَنَعُوا حِينَ أَطَاعُوهُ وَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرُهُ وَ سُوءُ سَرِيرَتِهِ قَضَى أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُ أَهْلاً لِنُصْرَتِهِ لِجَوْرِهِ وَ حُكْمِهِ بِخِلاَفِ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ قَدْ كَانَ مَعَ عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ وَ مَوَالِيهِ وَ أَصْحَابِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ الاَفِ رَجُل وَ لَوْ شَاءَ أَنْ يَمْتَنِعَ بَيْتِهِ بِهِمْ لَفَعَلَ فَلِمَ نَهَاهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ.
وَ لَوْ كُنْتُ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويعَ أَخُو تَيْمِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مُطِيعِينَ لِي لَجَاهَدْتُهُمْ وَأَمَّا يَوْمَ بُويعَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ فَلاَ لأَنِّي قَدْ كُنتُ بَايَعْتُ و مِثْلِي لاَ يَنْكُثُ بَيْعَتَهُ.
وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ! كَيْفَ رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ إِذْ وَجَدْتُ أَعْوَاناً هَلْ رَأَيْتَ مِنِّي فَشَلاً أَوْ تَأَخُراً أَوْ جُبْناً أَوْ تَقْصِيراً فِي وَقْعَتِي يَوْمَ
ص: 101
الْبَصْرَةِ؟ وَهُمْ حَوْلَ جَمَلِهِمُ الْمَلْعُونِ مَنْ مَعَهُ الْمَلْعُونِ مَنْ قُتِلَ حَوْلَهُ الْمَلْعُونِ مَنْ رَجَعَ بَعْدَهُ لاَ تَائِباً وَ لاَ مُسْتَغْفِراً فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا أَنْصَارِي وَ نَكَثُوا بَيْعَتِي وَ مَثَلُوا بِعَامِلِي وَ بَغَوْا عَلَيَّ وَ سِرْتُ إِلَيْهِمْ فِي إِثْنَي عَشَرَ أَلْفاً وَ هُمْ نَيْفُ عَلَى عِشْرِينَ وَ مِائَةِ أَلْفِ فَنَصَرَنِي اللهُ عَلَيْهِمْ وَقَتَلَهُمْ بِأَيْدِينَا وَ شَفَى صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ.
وَ كَيْفَ رَأَيْتَ يَا ابْنَ قَيْسٍ وَقْعَتَنَا بِصِفِّينَ وَ مَا قَتَلَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِأَيْدِينَا خَمْسِينَ أَلْفاً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ إِلَى النَّارِ وَ كَيْفَ رَأَيْتَنَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ إِذْ لَقِيتُ الْمَارِقِينَ وَ هُمْ مُسْتَمْسِكُونَ يَوْمَئِذٍ بِدِينِ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِينَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ إِلَى النَّارِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَشَرَةً وَ لَمْ يَقْتُلُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَشَرَةً.
وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسِ هَلْ رَأَيْتَ لِي لِوَاءً رُدَّ أَوْ رَايَةً رُدَّتْ إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا ابْنَ قَيْسٍ وَ أَنَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي جَمِيعَ مَوَاطِنِهِ وَ مَشَاهِدِهِ وَ الْمُتَقَدِّمُ إِلَى الشَّدَائِدِ بَيْنَ يَدَيْهِ لا أَفِرُّ وَ لاَ أَزُولُ وَلاَ أَعْيَا وَلا أَنْحَازُ وَ لاَ أَمْنَحُ الْعَدُوَّ دُبُرِي لِأَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ وَ لاَ لِلْوَصِيِّ إِذَا لَبِسَ لَأمَتَهُ وَ قَصَدَ لِعَدُوِّهِ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَنْثَنِي حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ.
ص: 102
يَا ابْنَ قَيْسٍ هَلْ سَمِعْتَ لِي بِفِرَارٍ قَطُ أَوْ نَبْوَةٍ؟ يَا ابْنَ قَيْسٍ أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنِّي لَوْ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويعَ أَخُو تَيْمِ الَّذِي عَيَّرْتَنِي بِدُخُولِي فِي بَيْعَتِهِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً كُلُّهُمْ عَلَى مِثْلِ بَصِيرَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ قَدْ وَجَدْتُ لَمَا كَفَفْتُ يَدِي وَ لَنَاهَضْتُ الْقَوْمَ وَلَكِنْ لَمْ أَجِدْ خَامِساً ، فَأَمْسَكْتُ.
قَالَ الْأَشْعَثُ: فَمَنِ الْأَرْبَعَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرِّ وَ الْمِقْدَادُ وَ الزُّبَيْرُ بْنُ صَفِيَّةَ قَبْلَ نَكْثِهِ بَيْعَتِي فَإِنَّهُ بَايَعَنِي مَرَّتَيْنِ أَمَّا بَيْعَتُهُ الْأُولَى: الَّتِي وَفَى بِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا يُويعَ أَبو بَكْرٍ أَتَانِي أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَبَايَعُونِي وَ فِيهِمُ الزُّبَيْرُ فَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا عِنْدَ بَابِي مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ عَلَيْهِمُ السِّلاحُ فَمَا وَفَى لِي وَ لاَ صَدَقَنِي مِنْهُمْ أَحَدُ غَيْرُ أَرْبَعَةِ - سَلْمَانَ وَ أبوذرٍّ و الْمِقْدَادِ وَ الزُّبَيْرِ.
وَ أَمَّا بَيْعَتُهُ الْأُخْرَى: إِيَّايَ فَإِنَّهُ أَتَانِي هُوَ وَ صَاحِبُهُ طَلْحَةُ بَعْدَ مَا قُتِلَ عُثْمَانُ فَبَايَعَانِي طَائِعَيْنِ غَيْرَ مُكْرَهَيْنِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ دِينِهِمَا مُرْتَدَّيْنِ نَاکِثَیْنِ خَاسِرَيْنِ فَقَتَلَهُمَا اللَّهُ إِلَى النَّارِ.
ص: 103
وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ: سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرِّ وَالْمِقْدَادُ. فَثَبَتُوا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله وَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَتَّى لَحِقُوا بِاللَّهِ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ.
يَا ابْنَ قَيْسِ وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ بَايَعُوا وَفَوْا لِي وَ أَصْبَحُوا عَلَى بَابِي مُحَلَّقِينَ رُءُوسَهُمْ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ لِعَتِيقِ فِي عُنُقِي بَيْعَتُهُ لَنَاهَضْتُهُ وَ حَاكَمْتُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
وَ لَوْ وَجَدْتُ قَبْلَ بَيْعَةِ عُثْمَانَ أَعْوَاناً لَنَاهَضْتُهُمْ وَ حَاكَمْتُهُمْ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّ ابْنَ عَوْفٍ جَعَلَهَا لِعُثْمَانَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَ أَمَّا بَعْدَ بَيْعَتِي إِيَّاهُمْ فَلَيْسَ إِلَى مُجَاهَدَتِهِمْ سَبِيلٌ.
فَقَالَ الْأَشْعَثُ: وَ اللَّهِ لَئِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ لَقَدْ هَلَكَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله غَيْرُكَ وَ غَيْرُ شِيعَتِكَ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ علیه السلام: فَإِنَّ الْحَقِّ وَ اللَّهِ مَعِي يَا ابْنَ قَيْسٍ كَمَا أَقُولُ وَ مَا هَلَكَ مِنَ الْأُمَّةِ إِلاَّ النَّاصِبُونَ وَ النَّاكِثُونَ وَالْمُكَابِرُونَ وَالْجَاحِدُونَ وَ الْمُعَانِدُونَ.
فَأَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْحِيدِ وَ الْإِقْرَارِ بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله وَ الْإِسْلَامِ وَ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمِلَّةِ وَ لَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْنَا الظَّلَمَةَ وَ لَمْ يَنْصِبْ لَنَا الْعَدَاوَةَ وَ شَكٍّ فِي الْخِلَافَةِ وَ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهَا وَ وُلاَتَهَا وَ لَمْ يَعْرِفْ لَنَا وَلايَةً وَ لَمْ يَنْصِبْ
ص: 104
لَنَا عَدَاوَةً فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْلِمُ مُسْتَضْعَفُ يُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَيُتَخَوَّفُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ.
قَالَ أَبَانُ: قَالَ سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ: فَلَمْ يَبْقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ علیه السلام أَحَدٌ إِلاَّ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَ فَرِحَ بِمَقَالَتِهِ إِذْ شَرَحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام الْأَمْرَ وَ بَاحَ بِهِ وَ كَشَفَ الْغِطَاء وَ تَرَكَ التَّقِيَّةَ وَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مِمَّنْ كَانَ يَشُكُ فِي الْمَاضِينَ وَيَكُتُ عَنْهُمْ وَيَدَعُ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَرَعاً وَ تَأَثُماً إلاَّ اسْتَيْقَنَ وَاسْتَبْصَرَ وَ حَسُنَ رَأْيُهُ وَ تَرَكَ الشَّكَ يَوْمَيد و الْوُقُوف و لَمْ يَبْقَ حَوْلَهُ مِمَّنْ أَبَى بَيْعَتَهُ إِلاَّ عَلَى وَجْهِ مَا يُويِعَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ وَ الْمَاضُونَ قَبْلَهُ إِلَّا رُنِي ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَ ضَاقَ بِهِ أَمْرُهُ وَ كَرِهَ مَقَالَتَهُ ثُمَّ إِنَّهُ اِسْتَبْصَرَ عَامَّتُهُمْ وَذَهَبَ شَكُّهُمْ.
قَالَ أَبَانُ عَنْ سُلَيْمٍ: فَمَا شَهِدْتُ يَوْماً قَط عَلَى رُءُوسِ الْعَامَّةِ كَانَ أَقَرَّ لِأَعْيُنِنَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَا كَشَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام لِلنَّاسِ مِنَ الْغِطَاءِ وَأَظْهَرَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ وَشَرَحَ فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ وَالْعَاقِبَةِ وَأَلْقَى فِيهِ مِنَ التَّقِيَّةِ وَ كَثُرَتِ الشَّيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ تَكَلَّمُوا وَقَدْ كَانُوا أَقَلَّ أَهْل عَسْكَرِهِ وَ سَائِرُ النَّاسِ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ بِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ صَارَتِ الشَّيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَجَلَّ النَّاسِ وَأَعْظَمَهُمْ وَ ذَلِكَ بَعْدَ وَقْعَةِ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ وَ هُوَ
ص: 105
يَأْمُرُ بِالتَّهْيِئَةِ وَ الْمَسِيرِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ غِيلَةً وَفَتْكاً وَ قَدْ كَانَ سَيْفُهُ مَسْمُوماً قَدْ سَمَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً(1).
4 - حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ خَبَّابِ الْجُمَحِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحِمَّصِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الطَّائِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: احْتَجُوا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَقَالُوا: مَا بَالُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام لَمْ يُنَازِعِ الثَّلَاثَةَ كَمَا نَازَعَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ وَ عَائِشَةَ وَ مُعَاوِيَةَ؟
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً علیه السلام فَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلاَةَ جَامِعَةً فَلَمَّا اجْتَمَعُوا صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكُمْ كَذَا وَكَذَا قَالُوا: صَدَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ قُلْنَا ذَلِكَ.
ص: 106
قالَ علیه السلام: فَإِنَّ لِي بِسُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ أُسْوَةً فِيمَا فَعَلْتُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةً».
قَالُوا: وَ مَنْ هُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ علیه السلام: أَوَّلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ علیه السلام إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون الله»، فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ اعْتَزَلَ قَوْمَهُ لِغَيْرِ مَكْرُوهِ أَصَابَهُ مِنْهُمْ، فَقَدْ كَفَرْتُمْ. وَإِنْ قُلْتُمْ اِعْتَزَلَهُمْ لِمَكْرُوهِ رَآهُ مِنْهُمْ، فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
وَ لِي بِابْنِ خَالَتِهِ لُوطٍ أَسْوَةً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ لُوطاً كَانَتْ لَهُ بِهِمْ قُوَّةُ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوَّةً، فَالْوَصِي أَعْذَرُ.
وَلِي بِيُوسُفَ علیه السلام الأُسْوَةً إِذْ قَالَ: «رَبِّ السَّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ» فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ يُوسُفَ دَعَا رَبَّهُ وَ سَأَلَهُ السِّجْنَ لِسَخَطِ رَبِّهِ، فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ لِئَلاً يَسْخَطَ رَبَّهُ عَلَيْهِ فَاخْتَارَ اَلسِّجْنَ، فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
وَلِي بِمُوسَى علیه السلام أُسْوَةً إِذْ قَالَ: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ» فَإِنْ العلمية قُلْتُمْ إِنَّ مُوسَى فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ بِلاَ خَوْفٍ كَانَ لَهُ مِنْهُمْ، فَقَدْ كَفَرْتُمْ. وَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ مُوسَى خَافَ مِنْهُمْ، فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
ص: 107
وَلِي بِأَخِي هَارُونَ علیه السلام أُسْوَةً إِذْ قَالَ لِأَخِيهِ: «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كَادُوا يَقْتُلُونَنِي» فَإِنْ قُلْتُمْ: لَمْ يَسْتَضْعَفُوهُ وَلَمْ يُشْرِفُوا عَلَى قَتْلِهِ، فَقَدْ كَفَرْتُمْ. وَ إِنْ قُلْتُمْ: اِسْتَضْعَفُوهُ وَ أَشْرَفُوا عَلَى قَتْلِهِ فَلِذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُمْ، فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ.
وَ لِي بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله أَسْوَةٌ حِينَ فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ وَ لَحِقَ بِالْغَارِ مِنْ خَوْفِهِمْ وَ أَنَامَنِي عَلَى فِرَاشِهِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ لِغَيْرِ خَوْفٍ مِنْهُمْ، فَقَدْ كَفَرْتُمْ. وَإِنْ قُلْتُمْ: خَافَهُمْ وَ أَنَامَنِي عَلَى فِرَاشِهِ وَ لَحِقَ هُوَ بِالْغَارِ مِنْ خَوْفِهِمْ، فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ(1).
5 - فِي الْفِتَنِ عَنْ كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ: بَعْدَ خُطْبَةٍ لِعَلِيٍّ علیه السلام اسْتَنْفَرَ بِهَا الْقَوْمَ وَ وَبَّخَهُمْ عَلَى تَقَاعُدِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ. قَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فَهَلاَّ فَعَلْتَ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ؟
فَأَجَابَهُ وَ كَانَ مِمَّا أَجَابَهُ أَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً اِثْنَتَانِ وَ سَبْعُونَ فِي النَّارِ وَ شَرُّهَا وَ أَبْعَدُهَا وَ أَبْغَضُهَا السَّامِرَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لاَ قِتَالَ، وَ كَذَبُوا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ الْبَاغِينَ فِي كِتَابِهِ وَ سُنَّةِ نَبِيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَارِقَةُ.
ص: 108
فَقَالَ ابْنُ قَيْسٍ:- وَ قَدْ غَضِبَ مِنْ قَوْلِهِ علیه السلام - فَمَا مَنَعَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بُويعَ فُلاَنُ وَ فُلاَنُ أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ؟
فَأَجَابَهُ بِمَا يُشْبِهُ هَذَا الْكَلَامَ أَوْ هُوَ هُوَ فَرَاجِع الْفِتَنَ حَتَّى تَطْلِعَ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ.
قَالَ الْأَشْعَثُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَ لَمْ تَضْرِبْ بِسَيْفِكَ وَ تَأْخُذُ بِحَقِّكَ وَ أَنْتَ لَمْ تَخْطُبْ خُطْبَةً إِلاَّ وَ قُلْتَ فِيهَا إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ وَ لاَ زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ دُونَ مَظْلَمَتِكَ؟
قَالَ عَلِيُّ علیه السلام: اسْمَعْ يَا ابْنَ قَيْسٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ ذَلِكَ الْجَبْرُ وَلاَ كَرَاهِيَةُ الْبَارِي تَعَالَى وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَيْرُ لِي مِنَ الدُّنْيَا وَ الْبَقَاءِ فِيهَا وَ لَكِنْ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ نَهْيُهُ إِيَّايَ وَ عَهْدُهُ إِلَيَّ.
فَقَدْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَا الْأُمَّةُ صَانِعَةُ بَعْدَهُ وَ لَمْ أَكُنْ حِينَ عَايَنْتُهُ أَعْلَمَ بِهِ وَ لاَ أَشَدَّ إِسْتِيقَاناً بِهِ مِنّي قَبْلَ ذَلِكَ، بَلْ أَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَشَدُّ يَقِيناً مِنِّي بِمَا عَايَنْتُهُ وَ شَهِدْتُهُ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا تَعْهِدُ إِلَي إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟
ص: 109
قَالَ: «إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَانْتَدِبْ إِلَيْهِمْ وَ جَاهِدْهُمْ وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَأَحْقُنْ دَمَكَ حَتَّى تَجِدَ عَلَى إِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّتِي أَعْوَاناً». وَ أَخْبَرَنِي «أَنَّهُ سَيَخْذُلُنِي النَّاسُ وَ يُبَايِعُونَ غَيْرِي» وَ أَخْبَرَنِي «أَنَّي مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَ أَنَّ الْأُمَّةَ مِنْ بَعْدِي سَيَصِيرُونَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ وَ مَنْ تَبِعَهُ وَ الْعِجْل ومَنْ تَبِعَهُ إِذْ قَالَ لَهُ: يا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي؟ قَالَ: يَا بْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي. يَعْنِي أَنَّ مُوسَى أَمَرَهُ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِمْ إِنْ ضَلُّوا فَوَجَدْتَ أَعْوَاناً عَلَيْهِمْ فَجَاهِدْهُمْ وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاِحْقِنْ دَمَكَ وَلاَ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمْ».
واله وَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ أَخِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَ يَقُولَ: «لِمَ فَرَّقْتَ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي وَ قَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ تَكُفَّ يَدَكَ وَ تَحْقِنَ دَمَكَ وَ دِمَاءَ أَهْلِ بَيْتِكَ وَ شِيعَتَكَ؟» فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَالَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعُوهُ وَ اسْتَنْصَرْتُ النَّاسَ فَلَمْ يَنْصُرُونِى غَيْرَ أَرْبَعَةِ: سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَر وَ الْمِقْدَادُ وَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوام، وَ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَصُولُ بِهِ وَ أَتَقَوَّى بِهِ أَمَّا حَمْزَةُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَ أَمَّا جَعْفَرُ قُتِلَ يَوْمَ مَوْتَةَ وَ بَقِيتُ
ص: 110
فِي رَجُلَيْنِ خَائِفَيْنِ ذَلِيلَيْنِ وَ هُمَا قَرِيبَا عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ عَبَّاسٍ وَ عَقِيلٍ فَأَكْرَهُونِي وَ قَهَرُونِي فَقُلْتُ كَمَا قَالَ هَارُونُ لِمُوسَى يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كَادُوا يَقْتُلُونَنِي وَ لِي فِي هَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةً وَ لِي بِقَوْلِ الرَّسُولِ الْمُكَرَّمِ حُجَّةً قَوِيَّةٌ.
قَالَ الْأَشْعَثُ: كَذَلِكَ فَعَلَ عُثْمَانُ لَمَّا اسْتَغَاثَ وَ دَعَا النَّاسَ إِلَى نُصْرَتِهِ فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً كَفَّ يَدَهُ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ علیه السلام: وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ إِنَّ الْقَوْمَ حِينَ قَهَرُونِي وَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كَادُوا يَقْتُلُوني لَوْ قَالُوا: نَقْتُلُكَ الْبَتَّةَ، لأمْتَنَعْتُ مِنْ قَتْلِهِمْ إِيَّايَ وَلَوْ لَمْ أَجِدْ أَحَداً غَيْرَ نَفْسِي، وَ لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ بَايَعْتَ كَفَفْنَا عَنْكَ وَأَكْرَمْنَاكَ وَ فَضَّلْنَاكَ وَ قَدَّمْنَاكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَتَلْنَاكَ، فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ أَعْوَاناً بَايَعْتُهُمْ، وَبَيْعَتِي لَهُمْ لَمَّا لاَ حَقَّ لَهُمْ فِيهِ لاَ تُوجِبُ لَهُمْ حَقّاً وَ لاَ يُلزمُنِي لَهُمْ رِضًا.
وَ لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا قَالُوا لَهُ: اِخْلَعْهَا وَ إِلاَّ نَحْنُ قَاتِلُونَ فَكَفَّ يَدَهُ حَتَّى قَتَلُوهُ وَ لَعَمْرِي لَخَلْعُهُ إِیَّاهَا خَیْراً لَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٌّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا نَصِيبُ لِأَنَّهُ اِدَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَ تَنَاوَلَ حَقَّ غَيْره.
ص: 111
يَا ابْنَ قَيْسٍ إِنَّ عُثْمَانَ لاَ بُدَّ وَ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ رَجُلَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَعَا النَّاسَ إِلَى نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَنْصُرُوهُ وَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ دَعَوْهُ إِلَى أَنْ يَنْصُرُوهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَنْهَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَ يُطِيعُوهُ بِنُصْرَةِ إِمَامِهِمْ، وَ سَيَهْدِي اللَّهُ الَّذِي لَمْ يُحْدِثُ بِهِ حَدَثاً فَبِئْسَ مَا صَنَعَ حَيْثُ نَهَاهُمْ وَبِئْسَ مَا صَنَعُوا حَيْثُ أَطَاعُوهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُ بَلَغَ مِنْ حِدَّتِهِ وَ سُوءِ سِيرَتِهِ مَا لَمْ يَرَوْهُ أَهْلاً لِنُصْرَتِهِ وَ حَكَمَ بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ كَانَ وَرَاءَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَوَالِيهِ وَ أَصْحَابِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفِ فَارِسٍ لِيَمْتَنِعَ بِهِمْ وَ لَمْ يَنْهَ أَصْحَابَهُ عَنْ نُصْرَتِهِ.
وَ لَوْ وَجَدْتُ أَنَا يَوْمَ بُويعَ أَبُو بَكْرِ بِالْخِلَافَةِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً يُطِيعُونَنِي وَ يَنْصُرُونَنِي لَمَا قَعَدْتُ عَنِ الْقِتَالِ أَمَّا يَوْمَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ فَلِأَنَّنِي كُنتُ قَدْ بَايَعْتُ وَمِثْلِي لا يَنْكُثُ بَيْعَتَهُ وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ كَيْفَ رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَ وَجَدْتُ أَعْوَاناً هَلْ رَأَيْتَ مِنِّي فَشَلاً أَوْ جُبْناً أَوْ تَقْصِيراً فِي وَقْعَتِي يَوْمَ الْبَصْرَةِ وَ هُمْ فِي جَمَلِهِمُ اَلْمَلْعُونِ مَنْ مَعَهُ الْمَلْعُونِ مَنْ قُتِلَ حَوْلَهُ الْمَلْعُونِ مَنْ نَصَرَهُ الْمَلْعُونِ رَكْبُهُ الْمَلْعُونِ مَنْ بَقِي بَعْدَهُ غَيْرَ رَاجِعِ وَ لاَ تَائِبٍ وَ لاَ مُسْتَغْفِرٍ قَتَلُوا أَنْصَارِي وَ نَكَثُوا بَيْعَتِي وَ مَثَلُوا بِعَامِلِي وَ بَغَوْا عَلَي فَسَعَيْتُ إِلَيْهِمْ
ص: 112
بِاثْنَي عَشَرَ أَلْفاً وَ هُمْ نَيِّفُ وَ عِشْرُونَ أَلْفَاً فَنَصَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَيْدِينَا وَ شَفَى صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ.
وَ كَيْفَ رَأَيْتَ يَا ابْنَ قَيْسٍ وَقْعَتَنَا بِصِفِّينَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَتَلَ مِنْهُمْ بِأَيْدِينَا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ خَمْسِينَ أَلْفَاً إِلَى النَّارِ وَ كَيْفَ رَأَيْتَنَا يَوْمَ النَّهْرَوَان لَقِينَا الْمَارِقِينَ وَ هُمْ مُسْتَبْصِرُونَ مُتَدَيَّنُونَ قَدْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ الْحَيَاةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ فِى وَهُمْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَشَرَةُ وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَّا عَشَرَةُ.
يَا ابْنَ قَيْسٍ أَرَأَيْتَ لِي لِوَاءَ رُدَّ أَوْ رَايَةً رُدَّتْ وَإِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا ابْنَ قَيْسٍ وَ أَنَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي جَمِيعِ مَوَاطِنِهِ وَ مَشَاهِدِهِ الْمُتَقَدِّمُ فِي الشَّدَائِدِ بَيْنَ يَدَيْهِ لاَ أَفِرُّ وَ لاَ أَلُوذُ وَلاَ أَمْنَحُ الْعَدُوَّ دُبُرِي إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ وَ لاَ وَصِيِّ نَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأمَةَ حَرْبِهِ وَ بَرَزَ لِعَدُوِّهِ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَنْثَنِيَ حَتَّى يَقْتُلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ.
وَيْلَكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ هَلْ سَمِعْتَ لِي بِفِرَارٍ أَوْ نَبْوَةٍ؟ يَا ابْنَ قَيْسٍ أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ وَجَدْتُ أَعْوَاناً عَلَى مِثْلِ بَصِيرَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ وَجَدْتُ لَمَا كَفَفْتُ يَدِي وَ لَنَاهَضْتُ الْقَوْمَ وَ لَكِنْ لَمْ أَجِدْ خَامِساً.
ص: 113
قَالَ الْأَشْعَثُ: مَنْ كَانَ هَؤُلاَءِ الْأَرْبَعَةُ؟
قَالَ: سَلْمَانُ وَ الْمِقْدَادُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ ابْنُ صَفِيَّةَ ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ صَفِيَّةَ بَعْدَ بَيْعَتِهِ لِي إِيَّايَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ أَمَّا بَيْعَتُهُ الَّتِي أَتَانِي فِيهَا مَخْلُوقاً فَقَدْ وَفَى بِهَا وَ هِيَ الْبَيْعَةُ الْأُولَى الَّتِي بُويعَ فِيهَا عَتِيقُ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَتَانِي أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَبَايَعُونِي فِيهِمُ الزُّبَيْرُ، أَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا عِنْدَ بَابِي مُحَلَّقِينَ رُءُوسَهُمْ عَلَيْهِمْ بِالسَّلاح، فَمَا وَفَوْا وَ لاَ أَصْبَحَنِي مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةُ، وَ أَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ أَتَانِي هُوَ وَ صَاحِبُهُ طَلْحَةُ بَعْدَ قَتْل عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ طَائِعَيْنِ غَيْرَ مُكْرَهَيْنِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ دِينِهِمَا مُرْتَدَّيْنِ نَاكِتَيْنِ بَاغِيَيْن مُعَانِدَيْن خَاسِرَيْن فَقَتَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى النَّارِ وَ بِئْسَ الْقَرارُ. وَ أَمَّا الثَّلاثَةُ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ سَلْمَانُ فَتَثَبَّتُوا عَلَى دِين مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله وَ مِلَّتِهِ وَ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ علیه السلام حَتَّى لَقُوا اللَّهَ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
فَقَالَ الْأَشْعَثُ: إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ، لَقَدْ هَلَكَتِ الْأُمَّةُ غَيْرَكَ وَ غَيْرَ شيعَتَكَ.
فَقَالَ علیه السلام: إِنَّ الْحَقَّ مَعِي كَمَا أَقُولُ وَمَا هَلَكَ مِنَ الْأُمَّةِ إِلاَّ النَّاصِبُونَ اَلْمُكَابِرُونَ وَ الْجَاحِدُونَ الْمُعَانِدُونَ فَأَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْحِيدِ وَ
ص: 114
الْإِقْرَارِ بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله وَ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْقِبْلَةِ وَ لَمْ يُظَاهِرُ عَلَيْنَا الظَّلَمَةَ وَ لَمْ يَنْصِبْ لَنَا الْعَدَاوَةَ وَ شَكٌّ فِي الْخِلافَةِ وَ لَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهَا وَ وُلاَتَهَا وَ لَمْ يُنْكِرْ لَنَا وَلايَةً وَ لَمْ يَنْصِبْ لَنَا عَدَاوَةً فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْلِمُ ضَعِيفُ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ مِنْ رَبِّهِ وَ يُتَخَوَّفُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ....
قَالَ وَأَقْبَلَ عَلِيُّ علیه السلام عَلَى مَنْ كَانَ حَوْلَهُ فَقَالَ: أَ وَ لَيْسَ قَدْ ظَهَرَ لَكُمْ رَأْيِي وَ حَمْلُهُمْ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ وَ وَجْهِ لاَ يَأْلُونَ بِهِ إِبْعَاداً وَ تَقَاصِياً وَ أَخْذُ حُقُوقِنَا؟
أَ لَيْسَ الْعَجَبُ بِحَبْسِهِ وَ صَاحِبِهِ عَنَّا سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي فُرِضَ لَنَا فِي الْقُرْآن وَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ سَيَظْلِمُونَنَا وَيَنْزِعُوهُ مِنَّا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ».
ثُمَّ الْعَجَبُ لِهَدْمِهِ مَنْزِلَ أَخِي جَعْفَرِ وَ إِدْخَالِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَ لَمْ يُعْطِنِي مِنْهُ قَلِيلاً وَ لاَ كَثِيراً وَ لَمْ يَعِبْ عَلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُ يَأْخُذُ مَنْزِلَ رَجُلٍ مِنَ الدَّيْلَمِ.
وَ الْعَجَبُ مِنْ جَهْلِهِ وَ جَهْلِ الْأُمَّةِ إِذْ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ وَ إِنْ لَمْ
ص: 115
يَجِدْهُ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ قُبِلَ ذَلِكَ مِنَ النَّاسِ وَ رَضُوا بِهِ وَ قَدْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله قَدْ أَمَرَ سَلْمَانَ وَ عَمَّاراً وَ أَبا ذَرٍّ أَنْ يَتَيَمَّمُوا مِنَ الْجَنَابَةِ وَ قَدْ شَهِدُوا بِهِ عِنْدَهُ وَ شَهِدَ غَيْرُهُمْ فَمَا قَبلَ مِنْهُمْ وَ لاَ رَفَعَ بِهِ رَأْساً.
وَ الْعَجَبُ لِمَا قَدْ خَلَطَ أَنْصِبَاءَ مُخْتَلِفَةً فِي الْجَدِّ بِغَيْرِ عِلْمٍ تَعَسُّفاً و ظُلْماً وَ جَوْراً وَ جَهْلاً وَ اِدَّعَى مَا لَمْ يَعْلَمْ خَبَرَهُ عَلَى اللَّهِ وَ اِدَّعَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله لَمْ يَقْضِ لِلْجَدَّ شَيْئاً وَ لَمْ يَدَعْ أَحَداً يُعْطِي الْجَدَّ مِنَ الْمِيرَاثِ ثُمَّ بَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَصَدَّقُوهُ. وَعِتْقُهُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ وَأَخَذَ اَلنَّاسُ بِقَوْلِهِ وَ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَ أَمْرَ رَسُولِهِ.
وَ الْعَجَبُ لِمَا صَنَعَ بِنَصْرِ بْنِ الْحَجَّاج وَ بِجَعْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَابْنِ زَیْدٍ.
وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْعَبْدِيُّ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَ أَنَا غَائِبُ فَوَصَلَ إِلَيْهَا الطَّلاقُ ثُمَّ رَاجَعْتُهَا وَ هِي فِي عِدَّتِهَا فَكَتَبْتُ إِلَيْهَا فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا كِتَابِي حَتَّى تَزَوَّجَتْ، فَكَتَبَ لَهُ: إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَزَوَّجَ بِهَا قَدْ دَخَلَ بِهَا فَهِي اِمْرَأَتُهُ وَ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ اِمْرَأَتُكَ.
ص: 116
فَكَتَبَ بِذَلِكَ وَ أَنَا شَاهِدُ لَمْ يُشَاوِرْنِي وَ لَمْ يَسْأَلْنِي يَرَى اِسْتِغْنَاءَهُ بِجَهْلِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْهَاهُ ثُمَّ قُلْتُ: مَا أَبَالِي أَنْ يَفْضَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يَعِبْهُ النَّاسُ بِذَلِكَ وَ اِسْتَحْسَنُوا قَوْلَهُ وَ اِتَّخَذُوهُ سُنَّةً وَ رَأَوْهُ صَوَاباً فَقَضَى فِي ذَلِكَ قَضَاءَ لَوْ قَضَى بِهِ مَجْنُونُ لَعِيبَ عَلَيْهِ.
وَ قَضِيَّتُهُ لِلْمَفْقُودِ زَوْجُهَا أَجْلَهَا أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَزَوَّجَ فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا خُيْرَ بَيْنَ اِمْرَأَتِهِ وَ بَيْنَ الصَّدَاقِ ثُمَّ اسْتَحْسَنَهُ النَّاسُ وَ اتَّخَذُوهُ سُنَّةَ قَبِلُوا مِنْهُ جَهَالَةً بِكِتَابِ اللَّهِ جَلَّ جَلالُهُ وَ قِلَّةَ بَصِيرَةٍ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله
وَ إِخْرَاجُهُ كُلَّ أَعْجَمِيٍّ مِنَ الْمَدِينَةِ وَ إِرْسَالُهُ إِلَى عُمَّالِهِ بِحَبْلٍ طُولُهُ خَمْسَةُ أَشْبَارٍ وَ أَمَرَهُمْ فِي مَنْ بَلَغَ مِنَ الْأَعَاجِمِ وَ كَانَ فِي الطُّولِ مِثْلَهُ أَنْ تُضْرَبَ عُنْقُهُ. وَ رَدُّهُ سَبَايَا الْمُشْرِكِينَ حَبَالَى وَ قَبِلَهُ النَّاسُ.
وَ أَعْجَبُ مِنْهُ أَنَّ كَذَّاباً رُجِمَ بِكَذِبِهِ مَا قَبِلَهُ كُلُّ جَاهِلِ وَ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَكَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ وَيُلَقَّتُهُ. وَإِعْتِاقُهُ سَبَايَا أَهْلِ الْيَمَنِ.
وَ تَخَلَّفُهُ وَصَاحِبِهِ عَنْ جَيْشِ أُسَامَةَ وَتَسْلِيمِهِ عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ.
ص: 117
ثُمَّ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ وَ عَلِمَ الَّذِينَ مَعَهُ وَ حَوْلَهُ أَنَّهُ الَّذِي صَدَّقَ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله بِذَلِكَ قَالَ علیه السلام وَ إِنَّهُ الَّذِي قَالَ مَثَلُ مُحَمَّدٍ فِي ليه واله قَوْمِهِ كَنَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِى كُنَاسَةٍ.
ثُمَّ قَالَ كَمَا قَالَ صَاحِبُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا قَتْلَ الرَّجُلِ حِينَ أَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ بِقَتْلِهِ فَلَمْ يَقْتُلاَهُ وَ تَرَكًا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله فِي ذَلِكَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ رَبِّهِمَا أَمْرَهُ وَ أَمَرَنِي بَعْدَ مَا رَجَعَا أَنْ أَقْتُلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ.
وَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله صَاحِبَهُ أَنْ يُنَادِي فِي النَّاسِ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ مُوَحِّدٍ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ رَدَّ طَاعَةَ اللَّهِ وَ طَاعَةَ رَسُولِهِ لَمْ يُنْفِذْ أَمْرَهُ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي ذَلِكَ مَا قَالَ.
وَ مَسَاوِئُهُ وَ مَسَاوِئُ صَاحِبِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى أَوْ تُعَدُّ وَلَمْ يَنْقُصْهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ الْجَهَلَةِ بَلْ هُمَا أَحَبُّ إِلَى النَّاسِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّهُمْ لَيَغْضَبُونَ لَهُمَا مَا لاَ يَغْضَبُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله و يَتَوَرَّعُونَ عَنْ ذِكْرِهِمَا بِسُوءٍ مَا لاَ يَتَوَرَّعُونَ عَنْ ذِكْر رَسُولِ اللَّهِ(1).
ص: 118
7 - وَ بِالْإِسْنَادِ - يَرْفَعُهُ - إِلَى سُلَيْم بْن قَيْسٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً علیه السلام يَوْمَ الْجَمَلِ وَ يَوْمَ صِفِّينَ يَقُولُ:
إِنِّي نَظَرْتُ فَلَمْ أَجِدْ إِلاَّ الْكُفْرَ بِاللَّهِ، وَ الْجُحُودَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، بِمُعَالَجَةِ الْأَغْلالِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، أَوْ قِتَالِ هَؤُلاَءِ، وَ لَمْ أَجِدْ أَعْوَاناً عَلَى ذَلِكَ. وَ إِنِّي لَمْ أَزَلْ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله، وَلَوْ وَجَدْتُ قِبَلَ الله النَّاسِ أَعْوَاناً عَلَى إِحْيَاءِ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ كَمَا وَجَدْتُ الْيَوْمَ لَنَا لَمْ يَعْنِي الْقُعُودُ(1).
1 - وَلَمَّا خَرَجَتِ الْخَوَارِجُ مِنَ الْكُوفَةِ أَتَى عَلِيّا أَصْحَابُهُ وَشِيعَتُهُ فَبَايَعُوهُ وَقَالُوا: نَحْنُ أَوْلِيَاء مَنْ وَالَيْتَ وَأَعْدَاء مَنْ عَادَيْتَ. فَشَرَطَ لَهُمْ فِيهِ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله سَلَّمَ فَجَاءَهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي شَدَّادِ الْخَثْعَمِيُّ، وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الْجَمَلَ وَصِفِّينَ، وَمَعَهُ رَايَةُ خَثْعَمٍ.
فَقَالَ لَهُ: بَايِعْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله.
ص: 119
فَقَالَ رَبِيعَةُ: عَلَى سُنَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
قَالَ لَهُ عَلِيُّ علیه السلام: وَيْلَكَ! لَوْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَمِلَا بِغَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لَمْ يَكُونَا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ. فَبَايَعَهُ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَلِيُّ علیه السلام وَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَكَأَنِّي بِكَ وَقَدْ نَفَرْتَ مَعَ هَذِهِ الْخَوَارِج فَقُتِلْتَ، وَكَأَنِّي بِكَ وَقَدْ وَطِئَتْكَ الْخَيْلُ بِحَوَافِرِهَا. فَقُتِلَ يَوْمَ النَّهْرِ مَعَ خَوَارِج الْبَصْرَةِ(1).
2 - وَ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُهَلَّبِيُّ فِي كِتَابِ الْأَنْوَارِ الْبَدْرِيَّةِ نَقْلاً مِنْ كِتَابِ ابْن قُتَيْبَةَ: أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ بَايَعُوا عَلِيّاً علیه السلام عَلَى التَّسْلِيمِ، وَ شَرَطَ عَلِيُّ عَلَيْهِمْ كِتَابَ اللَّهِ وَ سُنَّةَ نَبِيَّهِ.
قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلُ مِنْ خَثْعَمٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ علیه السلام: تُبَايِعُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ. قَالَ: لاَ، وَ لَكِنْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ وَ سُنَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: مَا أُدْخِلُ سُنَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ. فَأَبَى اَلْخَثْعَمِيُّ، وَأَبَى عَلِيُّ علیه السلام إِلاَّ كِتَابَ اللَّهِ وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ - صلی الله علیه وآله
ص: 120
- إِلَى أَنْ قَال -: فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام كَأَنِّي بِكَ وَ قَدْ نَفَرْتَ فِي هَذِهِ الْفِتْنَةِ، وَ كَأَنِّي بِحَوَافِرِ خَيْلِي قَدْ شَدَخَتْ وَجْهَكَ!
فَلَحِقَ بِالْخَوَارِجِ فَقُتِلَ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ. قَالَ: قَالَ قَبِيصَةُ: فَرَأَيْتُهُ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ قَتِيلاً قَدْ وَطِئَتِ الْخَيْلُ وَجْهَهُ وَ شَدَخَتْ رَأْسَهُ، وَقَدْ مُثِّلَتْ بِهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ عَلِيٍّ علیه السلام وَ قُلْتُ: لِلَّهِ دَرُّ أَبِي الْحَسَنِ مَا حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ كَانَ(1).
3 - رُوينَا عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام: أَنَّهُ أَمَرَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرِ وَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعِ وَ أَبَا الْهَيْثَمِ بْن تَيْهَانَ أَنْ يُقْسِمُوا فَيْناً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَ قَالَ لَهُمْ: اِعْدِلُوا فِيهِ وَ لاَ تُفَضِّلُوا أَحَداً عَلَى أَحَدٍ. فَحَسَبُوا فَوَجَدُوا الَّذِي يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَأَعْطَوُا النَّاسَ.
فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَمَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْنُهُ فَدَفَعُوا إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ. فَقَالَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ: لَيْسَ هَكَذَا كَانَ يُعْطِينَا عُمَرُ فَهَذَا مِنْكُمْ أَوْ عَنْ أَمْرِ صَاحِبِكُمْ؟
قَالُوا: بَلْ هَكَذَا أَمَرَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام.
ص: 121
فَمَضَيَا إِلَيْهِ علیه السلام فَوَجَدَاهُ فِي بَعْضِ أَمْوَالِهِ قَائِماً فِي الشَّمْسِ عَلَى أَجِي- لَهُ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَقَالا: تَرَى أَنْ تَرْتَفِعَ مَعَنَا إِلَى الظَّلِّ.
قَالَ علیه السلام: نَعَمْ .
فَقَالَا لَهُ: إِنَّا أَتَيْنَا إِلَى عُمَّالِكَ عَلَى قِسْمَةِ هَذَا الْفَيءِ فَأَعْطَوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مِثْلَ مَا أَعْطَوْا سَائِرَ النَّاسِ.
قَالَ علیه السلام: وَ مَا تُريدان؟
قَالاً: لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ يُعْطِينَا عُمَرُ.
قَالَ علیه السلام: فَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله يُعْطِيكُمَا؟ فَسَكَتَا.
فَقَالَ علیه السلام: أَ لَيْسَ كَانَ يَقْسِمُ بِالسَّويَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ؟ قَالَا: نَعَمْ.
قالَ علیه السلام: أَفَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله أَوْلَى بِالاتِّبَاعِ عِنْدَكُمَا أَمْ سُنَّةُ عُمَرَ؟
قَالاَ: سُنَّةُ رَسُول اللَّهِ صلی الله علیه وآله(1)
ص: 122
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ: عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ: قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ دَعَا عَلِيّاً علیه السلام إِلَى الْبَيْعَةِ، فَامْتَنَعَ وَ قَالَ: إِنِّي لَأَخُو رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لاَ يَقُولُهَا غَيْرِي إِلاَّ كَذَّابُ.
وَ أَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْبَيْعَةِ لِي، إِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ مِنَ الْعَرَبِ بِالْحُجَّةِ وَ تَأْخُذُونَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ غَصْباً وَظُلْماً.
اِحْتَجَجْتُمْ عَلَى الْعَرَبِ بِأَنَّكُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ، بِقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَأَعْطَوْكُمُ الْمَقَادَةَ وَ سَلَّمُوا لَكُمُ الْأَمْرَ. فَأَنَا أَحْتَجُ عَلَيْكُمْ الله بِمَا احْتَجَجْتُمْ بِهِ عَلَى الْعَرَبِ. فَنَحْنُ وَ اللَّهِ أَوْلَى بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله مِنْكُمْ فَأَنْصِفُونَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَاعْرِفُوا لَنَا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَا عَرَفَتْهُ لَكُمُ الْعَرَبُ، وَإِلاَّ فَبُوءُوا بالظلم، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: يَا أَبَا الْحَسَنِ أَبُو بَكْرٍ أَقْوَى عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَأَشَدُّ إِحْتِمَالاً، فَارْضَ بِهِ وَ سَلَّمْ لَهُ، وَأَنْتَ بِهَذَا الْأَمْرِ خَلِيقُ وَ بِهِ حَقِيقُ فِي فَضْلِكَ وَ قَرَابَتِكَ وَ سَابِقَتِكَ!
ص: 123
فَقَالَ لَهُمْ عَلِيُّ علیه السلام: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشِ، اللَّهَ اللَّهَ، لاَ تُخْرِجُوا سُلْطَانَ مُحَمَّدٍ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَدْفَعُونَا أَهْلَ الْبَيْتِ عَنْ مَقَامِهِ فِي النَّاسِ، وَ حَقَّهِ تُؤْزَرُوا فَوَ اللَّهِ لَنَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ مَا كَانَ فِينَا الْقَارِي لِكِتَابِ اللَّهِ الْفَقِيهُ فِي دِينِ اللَّهِ الْعَالِمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله الْمُضْطَلِعُ بِأَمْرِ الرَّعِيَّةِ، فَوَ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ فِينَا فَلاَ تُزَيَّنُوا لِأَنْفُسِكُمْ مَا قَدْ سَمَّيْتُمُونَا، وَ لاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى، وَ لاَ تَزْدَادُوا مِنَ اللَّهِ إِلاَّ بُعْداً.
فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ الْأَنْصَارِيُّ: لَوْ سَمِعَ النَّاسُ مَقَالَتَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبَايِعُوا أَبَا بَكْرٍ، مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ إِثْنَانِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَلِيٍّ علیه السلام عِنْدَ ذَلِكَ: إِنْ لَمْ تُبَايِعْ فَلَا أُكْرِهْكَ!
فَانْصَرَفَ عَلِيُّ علیه السلام فِي ذَلِكَ الْيَوْم. فَسَأَلْتُ زَائِدَةَ بْنَ قُدَامَةَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِي بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام.(1)
ص: 124
عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ: لَمَّا بُويعَ أَبُو بَكْرِ وَ اِسْتَقَامَ لَهُ الْأَمْرُ عَلَى جَمِيعِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ، بَعَثَ إِلَى فَدَكَ مَنْ أَخْرَجَ وَكِيلَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ علیها السلام مِنْهَا.
فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ! لِمَ تَمْنَعُنِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله، وَ أَخْرَجْتَ وَكِيلِي مِنْ فَدَكَ وَقَدْ جَعَلَهَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى؟!
فَقَالَ: هَاتِي عَلَى ذَلِكَ بِشُهُودٍ. فَجَاءَتْ بِأَمِّ أَيْمَنَ.
فَقَالَتْ: لاَ أَشْهَدُ يَا أَبَا بَكْرِ حَتَّى أَحْتَجَّ عَلَيْكَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله.
أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: «إِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ اِمْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟»
فَقَالَ: بَلَى.
ص: 125
قَالَتْ: فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله «فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» فَجَعَلَ فَدَكَ لِفَاطِمَةَ علیها السلام بأمر الله، وَجَاءَ عَلِيُّ علیه السلام فَشَهِدَ بِمِثْل ذَلِكَ.
فَكَتَبَ لَهَا كِتَاباً ودَفَعَهُ إِلَيْهَا.
فَدَخَلَ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْكِتَابُ؟
فَقَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ علیها السلام ادَّعَتْ فِي فَدَكَ وَ شَهِدَتْ لَهَا أُمُّ أَيْمَنَ وَعَلِيُّ علیه السلام فَكَتَبْتُهُ.
فَأَخَذَ عُمَرُ الْكِتَابَ مِنْ فَاطِمَةَ علیها السلام فَمَزَّقَهُ. فَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام تَبْكِي.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ علیه السلام إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَ حَوْلَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! لِمَ مَنَعْتَ فَاطِمَةَ علیها السلام مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ قَدْ مَلَكَتْهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ هَذَا فَيءُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَقَامَتْ شُهُوداً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله جَعَلَهُ لَهَا، وَإِلاَّ فَلاَ حَقَّ لَهَا فِيهِ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: يَا أَبَا بَكْرٍ! تَحْكُمُ فِينَا بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: لاَ.
ص: 126
قَالَ علیه السلام: فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ شَيءٌ يَمْلِكُونَهُ ثُمَّ اِدَّعَيْتُ أَنَا فِيهِ، مَنْ تَسْأَلُ الْبَيْنَةَ؟
قَالَ: إِيَّاكَ كُنْتُ أَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ.
قَالَ علیه السلام: فَمَا بَالُ فَاطِمَةَ سَأَلْتَهَا الْبَيْنَةَ عَلَى مَا فِي يَدِهَا وَقَدْ مَلَكَتْهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله وَ بَعْدَهُ، وَلَمْ تَسْأَلِ الْمُسْلِمِينَ الْبَيْنَةَ عَلَى مَا إِدَّعَوْهَا شُهُوداً كَمَا سَأَلْتَنِي عَلَى مَا ادَّعَيْتُ عَلَيْهِمْ؟!
فَسَكَتَ أَبُو بَكْر.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَلِيُّ! دَعْنَا مِنْ كَلاَمِكَ، فَإِنَّا لاَ نَقْوَى عَلَى حُجَّتِكَ، فَإِنْ أَتَيْتَ بِشُهُودٍ عُدُولٍ، وَ إِلاَّ فَهُوَ فَيهُ لِلْمُسْلِمِينَ، لاَ حَقَّ لَكَ وَلاَ لِفَاطِمَةَ علیها السلام فِيهِ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: يَا أَبَا بَكْرٍ! تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: « إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فِينَا نَزَلَتْ أَوْ فِي غَيْرِنَا؟!
قَالَ: بَلْ فِيكُمْ.
ص: 127
قَالَ علیه السلام: فَلَوْ أَنَّ شُهُوداً شَهِدُوا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِفَاحِشَةٍ مَا كُنْتَ صَائِعاً بها؟!
قَالَ: كُنْتُ أُقِيمُ عَلَيْهَا الْحَدَّ كَمَا أُقِيمُ عَلَى سَائِرِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ!!!
قَالَ علیه السلام: كُنْتَ إِذا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَافِرِينَ. قَالَ: وَ لِمَ؟
قَالَ علیه السلام: لأَنَّكَ رَدَدْتَ شَهَادَةَ اللَّهِ لَهَا بالطَّهَارَةِ وَ قَبلْتَ شَهَادَةَ النَّاس عَلَيْهَا، كَمَا رَدَدْتَ حُكْمَ اللَّهِ وَ حُكْمَ رَسُولِهِ صلی الله علیه وآله أَنْ جَعَلَ لَهَا فَدَكَ وَ قَبَضْتَهُ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ قَبِلْتَ شَهَادَةَ أَعْرَابِيٍّ بَائِلٍ عَلَى عَقِبَيْهِ عَلَيْهَا، وَ أَخَذْتَ مِنْهَا فَدَكاً، وَ زَعَمْتَ أَنَّهُ فَي لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «الْبَيَّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَرَدَدْتَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: «الْبَيَّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنِ أُدُّعِيَ عَلَيْهِ».
قَالَ: فَدَمْدَمَ النَّاسُ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ وَقَالُوا: صَدَقَ وَ اللَّهِ عَلِيُّ علیه السلام و رَجَعَ عَلِيُّ علیه السلام إِلَى مَنْزِلِهِ...
قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَى مَنْزِلِهِمَا، وَ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عُمَرَ ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: أَ مَا رَأَيْتَ مَجْلِسَ عَلِيٍّ مِنَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ قَعَدَ مَقْعَداً مِثْلَهُ لَيُفْسِدَنَّ أَمْرَنَا، فَمَا اَلرَّأْيُ؟.
ص: 128
قَالَ عُمَرُ: الرَّأْيُ أَنْ نَأْمُرَ بِقَتْلِهِ.
قَالَ: فَمَنْ يَقْتُلُهُ؟ قَالَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ.
فَبَعَنَا إِلَى خَالِدٍ فَأَتَاهُمْ. فَقَالاَ لَهُ: نُرِيدُ أَنْ نَحْمِلَكَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ.
فَقَالَ: اِحْمِلُونِي عَلَى مَا شِئْتُمْ، وَ لَوْ عَلَى قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیه السلام.
قَالا: فَهُوَ ذَاكَ. قَالَ خَالِدُ: مَتَى أَقْتُلُهُ؟
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَحْضُرِ الْمَسْجِدَ وَ قُمْ بِجَنْبِهِ فِي الصَّلاَةِ، فَإِذَا سَلَّمْتُ قُمْ إِلَيْهِ وَاضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: نَعَمْ.
فَسَمِعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَ كَانَتْ تَحْتَ أَبِي بَكْرِ فَقَالَتْ لِجَارِيَتِهَا: اذْهَبِي إِلَى مَنْزِلِ عَلِي وَ فَاطِمَةَ علیهم السلام وَ أَقْرِنِيهِمَا السَّلَامَ، وَقُولِي لِعَلِي: «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ». فَجَاءَتِ الْجَارِيَةُ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لِعَلِيٍّ علیه السلام: إِنَّ أَسْمَاء بِنْتَ عُمَيْسٍ تَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَ تَقُولُ: «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ».
ص: 129
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: قُولِي لَهَا: إِنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَا يُريدُونَ. ثُمَّ قَامَ وَ تَهَيَّأَ لِلصَّلاَةِ، َو حَضَرَ الْمَسْجِدَ، وَ صَلَّى لِنَفْسِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرِ، وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِجَنْبِهِ وَ مَعَهُ اَلسَّيْفُ.
فَلَمَّا جَلَسَ أَبُو بَكْرِ لِلتَّشَهُدِ، نَدِمَ عَلَى مَا قَالَ وَ خَافَ الْفِتْنَةَ، وَ عَرَفَ شِدَّةَ عَلِيٍّ وَ بَأْسَهُ. فَلَمْ يَزَلْ مُتَفَكَّراً لاَ يَجْسُرُ أَنْ يُسَلَّمَ، حَتَّى ظَنَّ اَلنَّاسُ أَنَّهُ سَهَا. ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى خَالِدٍ وَ قَالَ: يَا خَالِدُ! لاَ تَفْعَلَنَّ مَا أَمَرْتُكَ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: يَا خَالِدُ! مَا الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ؟.
قَالَ: أَمَرَنِي بِضَرْبٍ عُنُقِكَ.
قَالَ علیه السلام: أَ وَ كُنْتَ فَاعِلاً؟.
قَالَ: إِي وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّهُ قَالَ لِي: لاَ تَفْعَلْهُ قَبْلَ التَسْلِيمِ لَقَتَلْتُكَ.
قَالَ: فَأَخَذَهُ عَلِيُّ علیه السلام فَجَلَدَ بِهِ الْأَرْضَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَقْتُلُهُ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ.
فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا الْحَسَن! اللَّهَ اللَّهَ بِحَقِّ صَاحِبِ الْقَبْرِ، فَخَلَّى عَنْهُ،
ص: 130
ثُمَّ الْتَفَتَ علیه السلام إِلَى عُمَرَ فَأَخَذَ بِتَلَابِيبِهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ صُهَاكَ! وَ اللَّهِ لَوْ لاَ عَهْدُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ كِتَابُ مِنَ الله سَبَقَ، لَعَلِمْتَ أَيُّنَا أَضْعَفُ نَاصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً وَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ(1).
عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ مَوْلاَيَ جَعْفَرُ الصَّادِقُ علیه السلام: لَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ هَذِهِ الدُّنْيَا لاَ يُرِيدُونَ غَيْرَهَا، فَامْنَعْ عَنْ عَلِيٍّ علیه السلام وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْخُمُسَ، وَ الْفَيءَ، وَ فَدَكاً، فَإِنَّ شِيعَتَهُ إِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ تَرَكُوا عَلِيّاً علیه السلام وَ أَقْبَلُوا إِلَيْكَ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا وَإيثاراً وَ مُحَابَاةً عَلَيْهَا.
فَفَعَلَ أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ وَصَرَفَ عَنْهُمْ جَمِيعَ ذَلِكَ. فَلَمَّا قَامَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ أَمَرَ مُنَادِيَهُ: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلی الله علیه وآله دَيْنُ أَوْ عِدَةُ
ص: 131
فَلْيَأْتِنِي حَتَّى أَقْضِيَهُ، وَ أَنْجَزَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اَلْبَجَلِيِّ.
قَالَ: عَلِيُّ علیه السلام لِفَاطِمَةَ علیها السلام: صِيرِي إِلَى أَبِي بَكْرِ وَ ذَكَّرِيهِ فَدَكَاً. فَصَارَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام إِلَيْهِ وَذَكَرَتْ لَهُ فَدَكاً مَعَ الْخُمُسِ وَالْفَيءِ.
فَقَالَ: هَاتِي بَيِّنَةً يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ.
فَقَالَتْ علیها السلام: أَمَّا فَدَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيَّهِ قُرْآناً يَأْمُرُ فِيهِ بِأَنْ يُؤْتِيَنِي وَ وُلْدِي حَقًّي، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» فَكُنْتُ أَنَا وَ وُلْدِي أَقْرَبَ الْخَلَائِقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَنَحَلَنِي وَ وُلْدِي فَدَكاً، فَلَمَّا تَلاَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ الله علیه السلام: وَ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله: مَا حَقُّ الْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيل؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمْسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْن السَّبِيل»، فَقَسَمَ الْخُمْسَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، فَقَالَ: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْىٰ فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيل كَي لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء فَمَا لِلَّهِ فَهُوَ لِرَسُولِهِ، وَ مَا
ص: 132
لِرَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ لِذِي الْقُرْبَى وَ نَحْنُ ذُو الْقُرْبَى. قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى:
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى.
فَنَظَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ قَالَ: مَا تَقُولُ؟
فَقَالَ عُمَرُ: وَ مَن اَلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَ أَبْنَاءُ السَّبِيل؟
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام: الْيَتَامَى الَّذِينَ يَأْتُمُونَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَ بِذِي الْقُرْبَى، وَالْمَسَاكِينُ الَّذِينَ أَسْكَنُوا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَابْنُ السَّبِيلِ الَّذِي يَسْلُكُ مَسْلَكَهُمْ.
قَالَ عُمَرُ: فَإِذَا الْخُمْسُ وَالْفَيءُ كُلُّهُ لَكُمْ وَ لِمَوَالِيكُمْ وَأَشْيَاعِكُمْ؟!
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام: أَمَّا فَدَكُ: فَأَوْجَبَهَا اللَّهُ لِي وَلِوُلْدِي دُونَ مَوَالِينَا وَ شِيعَتِنَا، وَأَمَّا الْخُمْسُ: فَقَسَمَهُ اللَّهُ لَنَا وَلِمَوَالِينَا وَأَشْيَاعِنَا كَمَا يُقْرَأُ فِي كِتَاب اللَّهِ.
قَالَ عُمَرُ: فَمَا لِسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَانِ؟
قَالَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام: إِنْ كَانُوا مَوَالِيَنَا وَ مِنْ أَشْيَاعِنَا، فَلَهُمُ الصَّدَقَاتُ الَّتِي قَسَمَهَا اللَّهُ وَ أَوْجَبَهَا فِي كِتَابِهِ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
ص: 133
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ الرقاب»
قَالَ عُمَرُ: فَدَكُ لَكِ خَاصَّةٌ وَالْفَيءُ لَكُمْ وَلِأَوْلِيَائِكُمْ؟ مَا أَحْسَبُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ يَرْضَوْنَ بِهَذَا!!
قَالَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ رَضِي بِذَلِكِ، وَرَسُولُهُ رَضِي بِهِ، وَ قَسَمَ عَلَى الْمُوَالاَةِ وَ الْمُتَابَعَةِ لاَ عَلَى الْمُعَادَاةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَمَنْ عَادَانَا فَقَدْ عَادَى اللَّهَ، وَ مَنْ خَالَفَنَا فَقَدْ خَالَفَ اللَّهَ، وَ مَنْ خَالَفَ اللَّهَ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ مِنَ اللَّهِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ وَ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ.
فَقَالَ عُمَرُ: هَاتِي بَيْنَةً يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا تَدَّعِينَ؟!
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ علیها السلام: قَدْ صَدَّقْتُمْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الله وَ لَمْ تَسْأَلُوهُمَا الْبَيَّنَةَ! وَ بَيَّنَتِي فِي كِتَابِ اللَّهِ.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ جَابِراً وَ جَرِيراً ذَكَرًا أَمْراً هَيِّناً، وَ أَنْتَ تَدَّعِينَ أَمْراً عَظِيماً يَقَعُ بِهِ الرَّدَّةُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ!.
فَقَالَتْ علیها السلام: إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ وَ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ هَاجَرُوا إِلَى دِينِهِ، وَ الْأَنْصَارُ بِالْإِيمَان بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ بِذِي الْقُرْبَى أَحْسَنُوا،
ص: 134
فَلاَ هِجْرَةَ إِلاَّ إِلَيْنَا، وَ لاَ نُصْرَةَ إِلاَّ لَنَا، وَ لاَ اِتَّبَاعَ بِإِحْسَانٍ إِلاَّ بِنَا، وَ مَنِ اِرْتَدَّ عَنَّا فَإِلَى الْجَاهِلِيَّةِ.
فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: دَعِينَا مِنْ أَبَاطِيلِكِ، وَأَحْضِرِينَا مَنْ يَشْهَدُ لَكِ بِمَا تَقُولِينَ!!.
فَبَعَثَتْ إِلَى عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ علیهم السلام وَأَمَّ أَيْمَنَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ - وَ كَانَتْ تَحْتَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ - فَأَقْبَلُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ شَهِدُوا لَهَا بِجَمِيعِ مَا قَالَتْ وَاِدَّعَتْهُ علیها السلام.
فَقَالَ: أمَّا عَلِيُّ علیه السلام فَزَوْجُهَا، وَأَمَّا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ابْنَاهَا، وَأَمَّا أُمُّ أَيْمَنَ فَمَوْلاتُهَا، وَ أَمَّا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ فَقَدْ كَانَتْ تَحْتَ جَعْفَرِ ابْن أَبِي طَالِبٍ فَهِي تَشْهَدُ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَ قَدْ كَانَتْ تَخْدُمُ فَاطِمَةَ علیها السلام، وَ كُلُّ هَؤُلاَءِ يَجُرُّونَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ!.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: آذَاهَا فَقَدْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله، وَ مَنْ كَذَّبَهَا فَقَدْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ.
وَ أَمَّا الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ: فَابْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَ سَيْدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مَنْ كَذَّبَهُمَا فَقَدْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ صلی الله علیه وآله إِذْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ صَادِقِينَ.
ص: 135
عليه واله وَ أَمَّا أَنَا: فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله:«أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، وَأَنْتَ أَخِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالرَّادُّ عَلَيْكَ هُوَ الرَّادُ عَلَيَّ وَ مَنْ أَطَاعَكَ فَقَدْ في أَطَاعَنِي، وَ مَنْ عَصَاكَ فَقَدْ عَصَانِي».
وَ أَمَّا أَمُّ أَيْمَنَ: فَقَدْ شَهِدَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه وآله بِالْجَنَّةِ، وَدَعَا لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَ ذُرِّيَّتِهَا.
قَالَ عُمَرُ: أَنْتُمْ كَمَا وَصَفْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَلَكِنْ شَهَادَةُ الْجَارَّ إِلَى نَفْسِهِ لاَ تُقْبَلُ.
فَقَالَ عَلِيُّ علیه السلام: إِذَا كُنَّا كَمَا نَحْنُ كَمَا تَعْرِفُونَ وَلَا تُنْكِرُونَ، وَ شَهَادَتُنَا لِأَنْفُسِنَا لاَ تُقْبَلُ، وَ شَهَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ لاَ تُقْبَلُ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، إِذَا إِدَّعَيْنَا لِأَنْفُسِنَا تَسْأَلُنَا الْبَيْنَةَ؟!
فَمَا مِنْ مُعِينٍ يُعِينُ، وَقَدْ وَثَبْتُمْ عَلَى سُلطان الله وَ سُلْطَان رَسُولِهِ صلی الله علیه وآله، فَأَخْرَجْتُمُوهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى بَيْتِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلاَ حُجَّةٍ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
ثُمَّ قَالَ علیه السلام لِفَاطِمَةَ علیها السلام: انْصَرِفِي حَتَّى يَحْكُمَ اللهِ بَيْنَنَا وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.
ص: 136
قَالَ الْمُفَضَّلُ: قَالَ مَوْلاَيَ جَعْفَرُ علیه السلام: كُلُّ ظُلامَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلامِ أَوْ تَحْدُثُ، وَكُلُّ دَم مَشفُوكٍ حَرَامٍ، وَ مُنْكَرٍ مَشْهُورٍ، وَ أَمْرٍ غَيْرِ مَحْمُودٍ، فَوِزْرُهُ فِي أَعْنَاقِهِمَا وَ أَعْنَاقِ مَنْ شَايَعَهُمَا أَوْ تَابَعَهُمَا وَرَضِيَ بِوِلايَتِهِمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.(1)
وَ مِنْهَا: أَنَّ عَلِيّاً علیه السلام لَمَّا امْتَنَعَ مِنَ الْبَيْعَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَقْتُلَ عَلِيّاً إِذَا مَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالنَّاسِ.
فَأَتَى خَالِدٌ وَ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ عَلِيٍّ عليه السلام وَ مَعَهُ السَّيْفُ.
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَتَفَكَّرُ فِي صَلَاتِهِ فِي عَاقِبَةِ ذَلِكَ فَخَطَر بِبَالِهِ أَنَّ عَلِيَّا إِنْ قَتَلَهُ خَالِدٌ ثَارَتِ الْفِتْنَةُ وَ إِنَّ بَنِي هَاشِمٍ يَقْتُلُونَنِي.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُدِ الْتَفَتَ إِلَى خَالِدٍ قَبْلَ أَنْ يُسَلَّمَ وَ قَالَ: لَا تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام لِخَالِدٍ أَ كُنتَ تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ؟
ص: 137
فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَ خَنَقَهُ بِإِصْبَعَيْنِ كَادَتْ عَيْنَاهُ تَسْقُطَانِ مِنْ رَأْسِهِ وَ نَاشَدَهُ بِاللَّهِ أَنْ يَتْرُكَهُ وَ شَفَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ فِي تَخْلِيَتِهِ فَخَلاهُ.
فَكَانَ خَالِدُ يَرْصُدُ الْفُرْصَةَ وَالْفَجْأَةَ لَعَلَّهُ يَقْتُلُ عَلِيّاً غِرَّةً .
وَ قَدْ بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ ذَاتَ يَوْمٍ عَسْكَراً مَعَ خَالِدٍ إِلَى مَوْضِعٍ فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَ كَانَ عَلَى خَالِدٍ السَّلاَحُ النَّامُ وَ حَوَالَيْهِ شُجْعَانُ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَفْعَلُوا كُلَّمَا يَأْمُرُهُمْ خَالِدٌ وَ أَنَّهُ رَأَى عَلِيّاً يَجِيءُ مِنْ ضَيْعَةٍ لَهُ مُنْفَرِداً بِلا سِلاح فَقَالَ خَالِدُ فِي نَفْسِهِ الآنَ وَقْتُ ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَنَا مِنْ عَلِي عليه السلام وَ كَانَ فِي يَدِ خَالِدٍ عَمُودُ حَدِيدٍ رَفَعَهُ لِيَضْرِبَهُ عَلَى رَأْسِ عَلِي فَوَثَبَ عليه السلامِ إِلَيْهِ فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهِ وَ جَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ كَالْقِلادَةِ وَ فَتَلَهُ.
فَرَجَعَ خَالِدُ إِلَى أَبِي بَكْرِ وَ اِحْتَالَ الْقَوْمُ فِي كَسْرِهِ فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُمْ شَيْءٌ فَاسْتَحْضَرُوا جَمَاعَةً مِنَ الْحَدَّادِينَ فَقَالُوا: هَذَا لاَ يُمْكِنُ انْتِزَاعُهُ إِلَّا بِالنَّارِ وَ إِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى هَلاَكِهِ.
ص: 138
وَ لَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ بِكَيْفِيَّةِ الْحَالِ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ عَلِيّاً هُوَ الَّذِي يُخَلِّصُهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا جَعَلَهُ فِي رَقَبَتِهِ وَ قَدْ أَلاَنَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِيدَ كَمَا أَلاَنَهُ لِدَاوُدَ.
فَشَفَعَ أَبُو بَكْرِ إِلَى عَلِي فَأَخَذَ الْعَمُودَ وَ فَكَ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ بِإِصْبَعَيْنِ(1).
وَ رُوِيَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعَثَا إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَوَاعَدَاهُ وَ فَارَقَاهُ عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ عليه السلام وَ ضَمِنَ ذلِكَ لَهُمَا، فَسَمِعَتْ ذَلِكَ الْخَبَرَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ اِمْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ فِي خِدْرِهَا فَأَرْسَلَتْ خَادِمَةً لَهَا وَ قَالَتْ: تَرَدَّدِي فِي دَارِ عَلِيٍّ وَ قُولِي لَهُ الْمَلَأُ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ. فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ وَ سَمِعَهَا عَليُّ عليه السلام فَقَالَ: رَحِمَهَا اللَّهُ قُولِى لِمَوْلاَتِكِ فَمَنْ يَقْتُلُ النَّاكِثِينَ وَالْمَارِقِينَ وَالْقَاسِطِينَ؟
ص: 139
وَوَقَعَتِ الْمُوَاعَدَةُ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ إِذْ كَانَ أَخْفَى وَ أُخْتِيرَتْ لِلسُّدْفَةِ وَالشُّبْهَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَغْلِسُونَ بِالصَّلاَةِ حَتَّى لَا تُعْرَفَ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ وَ لَكِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ
وَكَانَ أَبُو بَكْرِ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: إِذَا انْصَرَفْتُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَاضْرِبْ عُنُقَ عَلِيٍّ. فَصَلَّى إِلَى جَنْبِهِ لأَجْلِ ذَلِكَ وَ أَبُو بَكْرِ فِي الصَّلاَةِ يُفَكِّرُ فِي الْعَوَاقِبِ فَنَدِمَ فَجَلَسَ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى كَادَتِ اَلشَّمْسُ تَطْلُعُ يَتَعَقَّبُ الآوَاءَ وَ يَخَافُ الْفِتْنَةَ وَلاَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يُسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ: يَا خَالِدُ لَا تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ ثَلَاثَاً.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَا يَفْعَلَنَّ خَالِدُ مَا أُمِرَ بِهِ.
فَالْتَفَتَ عَلِيُّ عليه السلام فَإِذَا خَالِدُ مُشْتَمِلُ عَلَى السَّيْفِ إِلَى جَانِبِهِ فَقَالَ: يَا خَالِدُ مَا الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ؟
قَالَ بِقَتْلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: أَوَ كُنْتَ فَاعِلاً؟
فَقَالَ: إِي وَ اللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّهُ نَهَانِي لَوَضَعْتُهُ فِي أَكْثَرِكَ شَعْراً.
ص: 140
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ عليه السلام: كَذَبْتَ لاَ أُمَّ لَكَ مَنْ يَفْعَلُهُ أَضْيَقُ حَلْقَةِ اسْتِ مِنْكَ.
أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لا مَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاءُ لَعَلِمْتَ أَى الْفَرِيقَيْن شَرُّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَخَذَ خَالِداً بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَ الْوُسْطَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَعَصَرَهُ عَصْراً، فَصَاحَ خَالِدُ صَيْحَةً مُنْكَرَةً، فَفَزِعَ النَّاسُ وَهِمَّتُهُمْ أَنْفُسُهُمْ، وَأَحْدَثَ خَالِدٌ فِي ثِيَابِهِ وَ جَعَلَ يَضْرِبُ بِرِجْلَيْهِ الْأَرْضَ وَلاَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: هَذِهِ مَشُورَتُكَ الْمُنْكُوسَةُ كَأَنِّي كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى هَذَا وَ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى سَلاَمَتِنَا وَكُلَّمَا دَنَا أَحَدُ لِيُخَلَّصَهُ مِنْ يَدِهِ لَحْظَةً تَنَحَّى عَنْهُ رُعْباً، فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ إِلَى الْعَبَّاسِ فَجَاءَ وَتَشَفَّعَ إِلَيْهِ وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ بِحَقِّ هَذَا الْقَبْرِ وَ مَنْ فِيهِ وَ بِحَقِّ وَلَدَيْهِ وَأُمِّهمَا إِلاَّ تَرَكْتَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ وَ قَبَّلَ الْعَبَّاسُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ(1).
ص: 141
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِي وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالاَ: كُنَّا جُلوساً عِنْدَ أَبِي بَكْرِ فِي وِلاَيَتِهِ وَ قَدْ أَضْحَى النَّهَارُ وَإِذَا بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ قَدْ وَافَانَا فِي جَيْشِ قَامَ غُبَارُهُ وَ كَثُرَ صَوَاهِلُ خَيْلِهِ وَ إِذَا بِقُطْبِ رَحًى مَلْوِيٌّ فِي عُنُقِهِ قَدْ قُتِلَ فَتْلاً فَأَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ بِإِزَاءِ أَبِي بَكْرٍ فَرَمَقَهُ النَّاسُ بِأَعْيُنِهِمْ وَهَالَهُمْ مَنْظَرُهُ.
فَقَالَ: اِعْدِلْ يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ حَيْثُ جَعَلَكَ النَّاسُ فِي الْمَوْضِع الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَنْتَ بِأَهْلِ وَ مَا ارْتَفَعْتَ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ إِلاَّ كَمَا يَرْتَفِعُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ عَلَى الْمَاءِ إِنَّمَا يَطْفُو حِينَ لاَ حَرَاكَ بِهِ مَا لَكَ وَ لِسِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَ تَقْدِيمِ الْعَسَاكِرِ وَأَنْتَ بِحَيْثُ أَنْتَ مِنْ أليم [لِينِ] الْحَسَبِ وَ مَنْقُوصِ النَّسَبِ وَ ضَعْفِ الْقُوَى وَ قِلَّةِ التَّحْصِيلِ لاَ تَحْمِي ذِمَاراً وَ لاَ تُضْرِمُ نَاراً فَلاَ جَزَى اللَّهُ أَخْسَأَ ثَقِيفٍ وَوَلَدَ صُهَاكَ خَيْراً إِنِّي رَجَعْتُ مُنْكَفِنَا مِنَ الطَّائِفِ إِلَى جُدَّةَ فِي طَلَبِ الْمُرْتَدِّينَ فَرَأَيْتُ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ مَعَهُ رَهْطُ عُتَاةُ مِنَ الَّذِينَ شَزَرَتْ حَمَالِيقُ أَعْيُنِهِمْ مِنْ حَسَدِكَ وَ بَدَرَتْ حقنا [حَنَقاً] عَلَيْكَ وَ قَرحَتْ آمَاقُهُمْ لِمَكَانِكَ فِيهِمْ إِبْنُ يَاسِرٍ وَ الْمِقْدَادُ وَ إِبْنُ جُنَادَةَ أَخُو غِفَارٍ وَ ابْنُ الْعَوَّامِ وَ غُلَامَانِ
ص: 142
أَعْرِفُ إِحْدَاهُمَا بِوَجْهِهِ وَ غُلَامُ أَسْمَرُ لَعَلَّهُ مِنْ وُلْدِ عَقِيلٍ أَخِيهِ فَتَبَيَّنَ لِيَ الْمُنْكَرُ فِي وُجُوهِهِمْ وَ الْحَسَدُ فِي اِحْمِرَارِ أَعْيُنِهِمْ وَ قَدْ تَوَشَّحَ عَلِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ لَبِسَ رِدَاءَهُ السَّحَابَ وَقَدْ أَسْرِجَ لَهُ دَابَّتْهُ الْعُقَابُ وَ قَدْ نَزَلَ عَلَى عَيْنِ مَاءٍ اِسْمُهَا روبة [رُوَيَّةُ] فَلَمَّا رَآنِي إِشْمَأَزَّ وَ بَرْبَرَ وَ أَطْرَقَ مُوحِشَاً يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَبَادَرْتُهُ بِالسَّلَامِ استكفاه [اسْتِكْفَاءَ] شَرِّهِ وَ اتقاهِ [اتَّقَاءَ] وَحْشَتِهِ وَ اسْتَغْنَمْتُ سَعَةَ الْمُنَاحَ وَ سُهُولَة الْمَنْزِلِ فَنَزَلْتُ وَ مَنْ مَعِي بِحَيْثُ نَزَلُوا إِتِّقَاءً عَنْ مُرَاوَغَتِهِ فَبَدَأَنِي ابْنُ يَاسِرِ بِقَبِيحَ لَفْظِهِ وَ مَحْضِ عَدَاوَتِهِ فَقَرَعَنِي هُزُواً بِمَا تَقَدَّمْتَ بِهِ إِلَيَّ بِسُوءٍ رَأْيِكَ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ الْأَصْلَعُ اَلرَّأْسُ وَ قَدِ ازْدَحَمَ الْكَلَامُ فِي حَلْقِهِ كَهَمْهَمَةِ الْأَسَدِ وَ كَقَعْقَعَةِ الرَّعْدِ فَقَالَ لِي بِغَضَبٍ مِنْهُ: أَ وَ كُنْتَ فَاعِلاً يَا أَبَا سُلَيْمَانَ؟ فَقُلْتُ: وَ اَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَقَامَ عَلَى رَأْيِهِ لَضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ. فَأَغْضَبَهُ قَوْلِي إِذْ صَدَقْتُ وَ أَخْرَجَهُ إِلَى طَبْعُهُ الَّذِي أَعْرِفُهُ لَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ فَقَالَ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ مِثْلُكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِي أَنْ يَجْسُرَ أَوْ يُدِيرَ إِسْمِي فِي لَهَوَاتِهِ الَّتِي لاَ عَهْدَ لَهَا بِكَلِمَةِ حِكْمَةٍ وَيْلَكَ إِنِّى لَسْتُ مِنْ قَتْلاكَ وَلاَ قَتْلَى أَصْحَابِكَ وَ لَإِنِّي لَأَعْرَفُ بِمَنِيَّتِي مِنْكَ بِنَفْسِكَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى تَرْقُوَتَي فَرَسِي فَنَكَسَنِي عَنْ فَرَسِي وَ جَعَلَ يَسُوقُنِي فَدَعَا إِلَى رَحًى
ص: 143
لِلْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ الثَّقَفِيِّ فَعَمَدَ إِلَى الْقُطْبِ الْغَلِيظِ فَمَدَّ عُنُقِي بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَ أَدَارَهُ فِي عُنُقِي يَنْقَتِلُ لَهُ كَالْعِلْكِ الْمُسْخَنِ وَأَصْحَابِي هَؤُلاَءِ وُقُوفُ مَا أَغْنَوْا عَنِّي سَطْوَتَهُ وَ لاَ كَفَوْنِي شَرَّهُ فَلاَ جَزَاهُمُ اللَّهُ عَنِّي خَيْراً فَإِنَّهُمْ لَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ قَدْ نَظَرُوا إِلَى مَلَكِ مَوْتِهِمْ فهو [فَوَ] الَّذِي رَفَعَ السَّمَاء بِلاَ أَعْمَادٍ لَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَى فَكِّ هَذَا الْقُطْبِ مِائَةُ رَجُلٍ أَوْ يَزِيدُونَ مِنْ أَشَدَّ الْعَرَبِ فَمَا قَدَرُوا عَلَى فَكَّهِ فَدَلَّنِي عَجْزُ النَّاسِ عَنْ فَتْحِهِ أَنَّهُ سِحْرُ مِنْهُ أَوْ قُوَّةُ مَلَكِ رُكَّبَتْ فِيهِ فَفُكَّهُ الْآنَ عَنِّي إِنْ كُنْتَ فَاكَّهُ وَ خُذْ لِي بِحَقِّي إِنْ كُنْتَ آخِذاً وَ إِلاَّ لَحِقْتُ بِدَارِ عِنِّي وَ مُسْتَقَرَّ مَكْرُمَتِي فَقَدْ أَلْبَسَنِي ابْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْعَارِ مَا صِرْتُ ضُحْكَةً لِأَهْل الدِّيَارِ.
فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرِ إِلَى عُمَرَ وَ قَالَ: أَلاَ تَرَى إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ كَأَنَّ وِلاَيَتِي وَ اللَّهِ ثَقُلَ عَلَى كَاهِلِهِ أَوْ شَجًا فِي صَدْرِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَ قَالَ فِيهِ وَ اللَّهِ دُعَابَةُ لَا تَدَعُهُ حَتَّى تُورِدَهُ فَلاَ تُصْدِرَهُ وَ جَهْلُ وَحَسَدٌ قَدِ اسْتَحْكَمَا فِي صَدْرِهِ فَجَرَى مِنْهُ مَجْرَى الدِّمَاءِ لاَ يَدَعَائِهِ حَتَّى يُهَيْنَا مَنْزِلَتَهُ وَ يُورطَاهُ وَرْطَةَ الْهَلَكَةِ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِمَنْ حَضَرَ: أَدْعُو إِلَيَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَلَيْسَ لِفَنَّ هَذَا الْقُطْبِ غَيْرُهُ قَالَ: وَ كَانَ قَيْسُ طُولُهُ ثَمَانِيَةَ
ص: 144
عَشَرَ شِبْراً فِي عَرْضِ خَمْسَةِ أَشْبَارٍ وَ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ بَعْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَحَضَرَ قَيْسُ فَقَالَ لَهُ: يَا قَيْسُ إِنَّكَ مِنْ شِدَّةِ الْبَدَنِ بحَيْثُ أَنْتَ فَفُكَ هَذَا الْقُطْبَ عَنْ أَخِيكَ خَالِدٍ فَقَالَ قَيْسُ: وَلِمَ لاَ يَفُكُ خَالِدٌ عَنْ عُنُقِهِ؟
قَالَ: لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَبُو سُلَيْمَانَ وَ هُوَ نَجْمُ الْعَسْكَرِ وَ سَيْفُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ فَكَيْفَ أَنَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ؟
قَالَ عُمَرُ: دَعْنَا مِنْ هَزْيِكَ وَهَزْلِكَ وَخُذْ فِيمَا أُحْضِرْتَ لَهُ.
فَقَالَ: أَحْضِرْتُ لِمَسْأَلَةٍ تَسْأَلُونَنِيهَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً تُجْبِرُونَنِي عَلَيْهِ.
قَالَ عُمَرُ: فَكَهُ إِنْ كَانَ طَوْعاً وَ إِلاَّ فَكَرْهاً.
قَالَ قَيْسُ: يَا ابْنَ صُهَاكَ خَذَلَ اللَّهُ مَنْ يَكْرَهُهُ مِثْلُكَ إِنَّ بَطْنَكَ لَعَظِيمُ وَ إِنَّ كَرْشَكَ لَكَبِيرُ فَلَوْ فَعَلْتَ أَنْتَ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْكَ عَجَبُ.
قَالَ: فَخَجِلَ عُمَرُ مِنْ كَلاَمِ قَيْسٍ وَ جَعَلَ يَنْكُثُ أَسْنَانَهُ بِالْأَنْمُلَةِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْ عَنْكَ مَا بَدَا لَكَ مِنْهُ اقْصِدْ لِمَا سُئِلْتَ.
ص: 145
فَقَالَ قَيْسُ: وَ اللَّهِ لَوْ أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لَمَا فَعَلْتُ فَدُونَكُمْ وَ حَدَّادِي الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ مِنِّي فَأَتَوْا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْحَدَّادِينَ فَقَالُوا: لا تَنْفَتِحُ حَتَّى نَحْمِيَهُ بِالنَّارِ.
فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرِ إِلَى قَيْسٍ فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا بِكَ مِنْ ضَعْفٍ عَنْ فَكَهِ وَ لَكِنَّكَ لاَ تَفْعَلُ لِئَلاَّ يَعِيبَ عَلَيْكَ فِيهِ إِمَامُكَ وَ حَبِيبُكَ أَبُو الْحَسَنِ وَ لَيْسَ هَذَا بِأَعْجَبَ مِنْ أَنَّ أَبَاكَ رَامَ الْخِلافَةَ لِيَبْتَغِيَ الْإِسْلامَ وَاللَّهِ عِوَجًا فَحَصَدَ اللَّهُ شَوْكَتَهُ وَ أَذْهَبَ نَخْوَتَهُ وَ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ بِوَلِيِّ-هِ وَ أَقَامَ دِينَهُ بِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَ أَنْتَ الآنَ فِي حَالِ كَيْدِ وَ شِقَاقٍ.
قَالَ: فَاسْتَشَاطَ قَيْسُ غَضَباً وَ اِمْتَلَأَ غَيْظاً فَقَالَ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ إِنَّ لَكَ عِنْدِي جَوَاباً حَمِيَّا بِلِسَانٍ طَلِقٍ وَ قَلْبٍ جَرِيءٍ لَوْ لَا الْبَيْعَةُ الَّتِي لَكَ فِي عُنُقِي لَسَمِعْتَهُ مِنِّي وَ اللَّهِ لَئِنْ بَايَعَتْكَ يَدِي لَمْ يُبَايِعْكَ قَلْبِي وَ لاَ لِسَانِي وَ لاَ حُجَّةَ لِي فِي عَلِيٍّ بَعْدَ يَوْمِ الْغَدِيرِ وَ لاَ كَانَتْ بَيْعَتِي لَكَ إِلا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً أَقُولُ قَوْلِي هَذَا غَيْرَ هَائِبٍ وَ لاَ خَائِفِ مِنْ مَعَرَّتِكَ وَ لَوْ سَمِعْتُ مِنْكَ الْقَوْلَ بَدَأْتُ لِمَا فَتَحَ لَكَ مِنِّي صَلاحاً وَ إِنْ كَانَ أَبِي رَامَ الْخِلافَةَ فَحَقِيقُ أَنْ يَرُومَهَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرْتَهُ لِأَنَّهُ رَجُلُ لا يُقَعْقَعُ بالثنان [بِالشَّنَانِ] وَ لاَ يُلْمَزُ جَانِبُهُ كَغَمْزِ التّينَةِ خَضْمُ صِنْدِيدُ سَمْكُ مُنِيفٌ وَعِزُّ بَاذِخُ أَشْوَسُ فَقَامَ بِخِلَافِكَ
ص: 146
أَيُّهَا النَّعْجَةُ الْعَرْجَاءُ وَ الويك [الدِّيكُ] النَّافِشُ لاَ عِزُّ صَمِيمُ وَ لاَ حَسَبُ كَرِيمٌ وَ أَيْمُ اللَّهِ لَئِنْ عَاوَدْتَنِي فِي أَبِي لَأُلْجِمَنَّكَ بِلِجَامٍ مِنَ الْقَوْلِ يَمُجُّ فُوكَ مِنْهُ دَماً فَدَعْنَا نَخُوضُ فِي عَمَايَتِكَ وَ نَتَرَدَّى فِي غَوَايَتِكَ عَلَى مَعْرِفَةٍ مِنَّا بِتَرْكِ الْحَقِّ وَاتَّبَاعِ الْبَاطِلِ وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ عَلِيّاً إِمَامِي فَوَاللَّهِ مَا أُنْكِرُ إِمَامَتَهُ وَ لاَ أَعْدِلُ عَنْ وَلاَيَتِهِ وَ كَيْفَ أَنْقُضُ وَقَدْ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْداً بِإِمَارَتِهِ وَ وَلَايَتِهِ يَسْأَلُنِي عَنْهُ فَأَنَا إِنْ أَلْقَى اللَّهَ بِنَقْضِ بَيْعَتِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَقْضِ عَهْدِهِ وَ عَهْدِ رَسُولِهِ وَ عَهْدِ وَصِيِّهِ وَ خَلِيلِهِ وَ مَا أَنْتَ إِلاَّ أَمِيرَ قَوْمِكَ إِنْ شَاءُوا تَرَكُوكَ وَ إِنْ شَاءُ وا عَزَلُوكَ فَتُبْ إِلَى اللَّهِ مَا اجْتَرَمْتَهُ وَ تَنَصَّلْ إِلَيْهِ مِمَّا ارْتَكَبْتَهُ وَ سَلَّم الأَمْرَ إِلَى مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْكَ بِنَفْسِكَ فَقَدْ رَكِبْتَ عَظِيماً بِوِلايَتِكَ دُونَهُ وَ جُلُوسِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَ تَسْمِيَتِكَ بِاسْمِهِ وَ كَأَنَّكَ بِالْقَلِيلِ مِنْ دُنْيَاكَ وَقَدِ انْقَشَعَ عَنْكَ كَمَا يَنْقَشِعُ السَّحَابُ وَ تَعْلَمُ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرُ مَكَاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً وَ أَمَّا وَأَمَّا تَعْيِيرُكَ إِيَّايَ بِأَنَّهُ مَوْلاَيَ فَهُوَ وَ اللَّهِ مَوْلاَيَ وَمَوْلاكَ وَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ أَجْمَعِينَ أَو أَو أَنَّى لِي بِثَبَاتِ قَدَمِهِ وَ تَمَكُّنِ وَطْأَتِهِ حَتَّى الْفِظَكَ لَفْظَ الْمَنْجَنِيقِ الْحَجَرَةَ وَ لَعَلَّ ذَلِكَ يَكُونُ قَريباً وَ يُكْتَفَى بِالْعَيَانِ عَنِ الْخَبَرِ. ثُمَّ قَامَ وَ نَفَضَ ثَوْبَهُ وَ مَضَى فَنَدِمَ أَبُو بَكْرٍ عَمَّا أَسْرَعَ إِلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَى قَيْسٍ وَ جَعَلَ خَالِدُ يَدُورُ فِي الْمَدِينَةِ وَ
ص: 147
اَلطَّوْقُ فِي عُنُقِهِ أَيَّامَاً ثُمَّ أَتَى آتٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ قَدْ وَافَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ السَّاعَةَ مِنْ سَفَرِهِ وَ قَدْ عَرِقَ جَبِينُهُ وَ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَأَنْفَذُوا إِلَيْهِ الْأَقْرَعَ بْنَ سُرَاقَةَ الْبَاهِلِيَّ وَ الْأَشْوَسَ بْنَ أَشَجَّ الثَّقَفِي يَسْأَلَاَنِهِ الْمُضِيَّ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَتَيَاهُ فَقَالَا يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ أَبَا بَكْرِ يَدْعُوكَ لِأَمْرِ قَدْ أَحْزَنَهُ وَ وَهُوَ يَسْأَلُكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَلَمْ يُجبُهُمَا فَقَالاَ يَا أَبَا الْحَسَن مَا تَرُدُّ عَلَيْنَا فِيمَا جِلْنَاكَ بِهِ فَقَالَ بِئْسَ وَ اللَّهِ الْأَدَبُ أَدَبُكُمْ وَ لَيْسَ يَجِبُ عَلَى الْقَادِمِ أَنْ يَصِيرَ إِلَى النَّاسِ فِي حَوَائِجِهِمْ إِلاَّ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ حَاجَةُ فَأَطْلِعَانِي عَلَيْهَا فِي مَنْزِلِي أَقْضِهَا إِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَصَارَا إِلَى أَبِي بَكْرِ فَأَعْلَمَاهُ بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بَلْ قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ فَمَضَى الْجَمِيعُ بِأَسْرِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَوَجَدُوا الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِماً عَلَى الْبَابِ يُقَلِّبُ سَيْفاً ليتابعه [لِيَبْتَاعَهُ] فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَنَا عَلَى أَبِيكَ فَقَالَ فَاسْتَأْذَنَ لِلْجَمَاعَةِ فَدَخَلُوا وَ مَعَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَادَرَ الْجَمْعُ بِالسَّلَام فَرَدَّ عَلَيْهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى خَالِدٍ قَالَ نُعَمْتَ صَبَاحاً يَا أَبَا سُلَيْمَانَ نِعْمَتِ الْقِلَادَةُ قِلَادَتُكَ فَقَالَ وَ اللَّهِ يَا عَلِيُّ لَا نَجَوْتَ مِنِّي إِنْ سَاعَدَنِي الْأَجَلُ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
ص: 148
أُفٍّ لَكَ يَا ابْنَ دَمِيمَةَ إِنَّكَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ عِنْدِي لَأَهْوَنُ شَيْءٍ وَ مَا رُوحُكَ فِي يَدِي لَوْ أَشَاءُ إِلاَّ كَذُبَابَةٍ وَقَعَتْ فِي إِدَامٍ حَارٍّ فَطَفِقَتْ مِنْهُ فَاغْنِ عَنْ نَفْسِكَ عَنَاءَهَا وَ دَعْنَا حُلَمَاءَ وَإِلاَّ أَلْحَقْتُكَ بِمَنْ أَنْتَ أَحَقُّ بِالْقَتْلِ مِنْهُ وَ دَعْ عَنْكَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ مَا مَضَى وَخُذْ فِيمَا بَقِيَ وَ اللَّهِ لاَ تَجَرَّعْتُ مِنْ جِرَارِ الْمُخْتَمَةِ إِلاَّ عَلْقَمَهَا وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مَنِيَّتِي وَ مَنِيَّتَكَ وَ رُوحِي وَ رُوحَكَ فَرُوحِي فِي الْجَنَّةِ وَ رُوحُكَ فِي النَّارِ قَالَ وَ حَجَزَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَ سَأَلُوهُ قَطعَ الْكَلَامِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّا مَا جِئْنَاكَ لِمَا تُنَاقِضُ بِهِ أَبَا سُلَيْمَانَ وَإِنَّمَا حَضَرْنَا لِغَيْرِهِ وَ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ يَا أَبَا الْحَسَنِ مُقِيماً عَلَى خِلَافِي وَ الإِجْتِرَاءِ عَلَى أَصْحَابِي فَقَدْ تَرَكْنَاكَ فَاتْرُكْنَا وَ لَا تُرِدْنَا فَيَرِدَكَ مِنَّا مَا يُوحِشُكَ وَيَزِيدَكَ نَبْوَةً إِلَى نَبْوَتِكَ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ لَقَدْ ه أَوْحَشَنِي اللَّهُ مِنْكَ وَ مِنْ جَمْعِكَ وَ آنَسَ بِي مِنْ كُلِّ مُسْتَوْحِشِ وَأَمَّا ابْنُ الْعَابِدِ الْخَاسِرِ فَإِنِّي أَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُ إِنَّهُ لَمَّا رَأَى تَكَاثُفَ جُنُودِهِ وَ كَثْرَةَ جَمْعِهِ زَهَا فِي نَفْسِهِ فَأَرَادَ الْوَضْعَ مِنِّي فِي مَوْضِعِ رَفْعِ وَ مَحْفِلِ ذِي جَمْع لِيَصُولَ بِذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْجَهْل فَوَضَعْتُ مِنْهُ عِنْدَ مَا خَطَرَ بِبَالِهِ وَ هَمَّ بِهِ وَ هُوَ عَارِفُ بِي حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَرْضَى بِفِعْلِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَنُضِيفُ هَذَا إِلَى تَقَاعُدِكَ عَنْ نُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَقِلَّةِ
ص: 149
رَغْبَتِكَ فِي الْجِهَادِ فَبِهَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْ عَنْ نَفْسِكَ تَفْعَلُ هَذَا فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَبَا بَكْرٍ وَ عَلَى مِثْلِي يَتَفَقَّهُ الْجَاهِلُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمَرَكُمْ بِبَيْعَتِي وَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ طَاعَتِي وَ جَعَلَنِي فِيكُمْ كَبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ يُؤْتَى وَ لاَ يَأْتِي فَقَالَ يَا عَلِيُّ سَتَغْدِرُ بِكَ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي كَمَا غَدَرَتِ الْأُمَمُ مِنْ بَعْدِ مَا مَضَى لأَنْبِيَاءُ بِأَوْصِيَائِهَا إِلاَّ قَلِيلُ وَ سَيَكُونُ لَكَ وَ لَهُمْ بَعْدِي هَنَاتُ وَ هَنَاتُ فَاصْبِرْ أَنْتَ كَبَيْتِ اللَّهِ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ كَانَ كَافِراً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَ إِنِّي وَأَنْتَ سَوَاءٍ إِلا اَلنُّبُوَّةَ فَإِنِّي خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَ أَنْتَ خَاتَمُ الْوَصِيَّينَ وَأَعْلَمَنِي عَنْ رَبِّي سُبْحَانَهُ بِأَنِّي لَسْتُ أَسَلُّ سَيْفاً إِلاَّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَقَالَ تُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ وَلَنْ يَقْرُبَ أَوَانُ ذَلِكَ بَعْدُ فَقُلْتُ فَمَا أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَنْ يَنْكُثُ بَيْعَتِي مِنْهُمْ وَيَجْحَدُ حَقِّي قَالَ تَصْبِرُ حَتَّى تَلْقَانِي وَ تَسْتَسْلِمُ لِمِحْنَتِكَ حَتَّى تَلْقَى نَاصِراً عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَ فَتَخَافُ عَلَي مِنْهُمْ أَنْ يَقْتُلُونِي فَقَالَ وَاللَّهِ لا أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُمْ قَتْلاً وَ لاَ جِراحاً وَ إِنِّي عَارِفُ بِمَنِيَّتِكَ وَ سَبَبِهَا وَقَدْ أَعْلَمَنِي رَبِّي وَ لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْنِيَهُمْ بِسَيْفِكَ فَيَبْطُلَ الدِّينُ وَهُوَ حَدِيثُ فَيَرْتَدَّ الْقَوْمُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَ لَوْ لا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَ قَدْ سَبَقَ
ص: 150
مَا هُوَ كَائِنُ لَكَانَ لِي فِيمَا أَنْتَ فِيهِ شَأْنُ مِنَ الشَّأْن وَ لَرَأَيْتَ أَسْيَافاً قَدْ ظَمِنَتْ إِلَى شُرْبِ الدَّمَاءِ وَ عِنْدَ قِرَاءَتِكَ صَحِيفَتَكَ نَعْرِفُ مَا احْتَمَلْتَ مِنْ عُرُوضٍ وَنِعْمَ الْخَصْمُ مُحَمَّدُ وَالْحَكَمُ اللَّهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّا لَمْ نُرِدْ هَذَا كُلَّهُ وَ نَحْنُ نَأْمُرُكَ أَنْ تَفُكَّ اَلآنَ عَنْ عُنُقِ خَالِدٍ هَذَا الْحَدِيدَ فَقَدْ آلَمَهُ بِثِقَلِهِ وَ آثَرَ فِي حَلْقِهِ بِحَمْلِهِ وَقَدْ شَفَيْتَ غَلِيلَ صَدْرِكَ.
فَقَالَ عَلِي عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَشْفِيَ غَلِيلَ صَدْرِي لَكَانَ السَّيْفُ أَشْفَى لِلدَّاءِ وَ أَقْرَبَ لِلْفَنَاءِ وَ لَوْ قَتَلْتُهُ وَاللَّهِ مَا قُدْتُهُ بِرَجُل مِمَّنْ قَتَلْتُهُمْ يَوْمَ فَتْح مَكَّةَ وَ فِي كَرَّتِهِ هَذِهِ وَ مَا يُخَالِجُنِي الشَّكُّ فِي أَنَّ خَالِداً مَا اِحْتَوَى قَلْبُهُ مِنَ الْإِيمَانِ عَلَى قَدْرِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ أَمَّا الْحَدِيدُ الَّذِي فِي عُنُقِهِ فَلَعَلَّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى فَكْهِ فَيَفُكُهُ خَالِدٌ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ فُكُوهُ عَنْهُ فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِهِ إِنْ كَانَ مَا تَدْعُونَهُ صَحِيحاً فَقَامَ إِلَيْهِ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ وَ عَامِرُ بْنُ الْأَشْجَعِ فَقَالَا يَا أَبَا الْحَسَنِ وَاللَّهِ لَا يَفُكُّهُ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ مَنْ حَمَلَ بَابَ خَيْبَرَ بِفَرْدِ يَدٍ وَ دَحَى بِهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَ حَمَلَهُ فَجَعَلَهُ جِسْراً تَعْبُرُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَ هُوَ فَوْقَ يَدِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَخَاطَبَهُ أَيْضاً فِيمَنْ خَاطَبَهُ فَلَمْ يُجِبْ أَحَداً إِلَى أَنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ بِحَقِّ أَخِيكَ الْمُصْطَفَى رَسُولِ اللهِ إِلاَّ مَا رَحِمْتَهُ وَ فَكَكْتَهُ
ص: 151
مِنْ عُنُقِهِ فَلَمَّا سَأَلَهُ بِذَلِكَ اسْتَحَى وَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَثِيرَ الْحَيَاء فَجَذَبَ خَالِداً إِلَيْهِ وَ جَعَلَ يَجْذِبُ مِنَ الطَّوْقِ قِطْعَةً قِطْعَةً وَ يُفَتِّتُهَا فِي يَدِهِ فَيَنْقَتِلُ كَالشَّمْع ثُمَّ ضَرَبَ بِالْأُولَى رَأْسَ خَالِدٍ ثُمَّ الثَّانِيَةَ فَقَالَ آوِيَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُ قُلْتَهَا عَلَى كُرْهِ مِنْكَ وَ لَوْ لَمْ تَقُلْهَا لَأَخْرَجْتُ الثَّالِثَةَ مِنْ أَسْفَلِكَ وَ لَمْ يَزَلْ يَقْطَعُ الْحَدِيدَ جَمِيعَهُ إِلَى أَنْ أَزَالَهُ مِنْ عُنُقِهِ وَ جَعَلَ الْجَمَاعَةُ يُكَبِّرُونَ لِذَلِكَ وَ يُهَلِّلُونَ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنَ الْقُوَّةِ الَّتِي أَعْطَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَانْصَرَفُوا شَاكِرِينَ لِذَلِكَ.(1)
عَبَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ عَنِ ابْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ:
بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْماً جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ وَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلُ مِنْ شِيعَتِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
ص: 152
أَنِّي أَدينُهُ بِوَلايَتِكَ وَ أُحِبُّكَ فِي السِّرِّ كَمَا أُحِبُّكَ فِي الْعَلانِيَةِ، وَ أَتَوَلاكَ فِي السِّرِّ كَمَا أَتَوَلاكَ فِي الْعَلَانِيَةِ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: صَدَقْتَ، أَمَا لِلْفَقْرِ فَاتَّخِذْ جِلْبَاباً، فَإِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى شِيعَتِنَا مِنَ السَّيْلِ إِلَى قَرَارِ الْوَادِي! قَالَ: فَوَلَّى الرَّجُلُ وَ هُوَ يَبْكِي فَرَحاً لِقَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَهُ: صَدَقْتَ.
قَالَ: وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَ صَاحِبُ لَهُ قَرِيباً مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْم قَطُّ، إِنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: إِنَّى أُحِبُّكَ فَقَالَ لَهُ: صَدَقْتَ.
فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ! أَ يَجِدُ بُدّاً مِنْ أَنْ إِذَا قِيلَ لَهُ: «إِنِّي أُحِبُّكَ» أَنْ يَقُولَ: صَدَقْتَ؟ أَتَعْلَمُ، أحِبُّهُ! فَقَالَ: لاَ. قَالَ: فَأَنَا أَقُومُ فَأَقُولُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ فَيَرُدُّ عَلَيَّ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ: نَعَمْ.
فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَةِ الرَّجُلِ الْأَوَّلِ.
فَنَظَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَيْهِ مَلِيَا ثُمَّ قَالَ: كَذَبْتَ لَا وَاللَّهِ مَا تُحِبُّنِي وَلاَ أَحْبَبْتَنِي يَوْمَاً. قَالَ: فَبَكَى الْخَارِجِيُّ.
ص: 153
ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَسْتَقْبِلُنِي بِهَذَا وَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ خِلَافَهُ! أَبْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.
فَقَالَ عَلِي عليه السلام: عَلَى مَا ذَا؟
قَالَ: عَلَى مَا عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ.
قَالَ: فَمَدَّ يَدَهُ فَقَالَ لَهُ: اِصْفِقْ لَعَنَ اللَّهُ الاِثْنَيْن.
وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِكَ قَدْ قُتِلْتَ عَلَى ضَلالٍ وَ وَطِئَ وَجْهَكَ دَوَابُّ الْعِرَاقِ وَلا يَعْرِفُكَ قَوْمُكَ.
قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ وَ خَرَجَ الرَّجُلُ مَعَهُمْ فَقُتِلَ(1).
قَالَ سُلَيْمُ: فَأَغْرَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تِلْكَ السَّنَةَ جَمِيعَ عُمَّالِهِ أَنْصَافَ أَمْوَالِهِمْ لِشِعْرِ أَبِي الْمُخْتَارِ، وَ لَمْ يُغْرِمْ قُنْفُذَ الْعَدَوِيَّ شَيْئاً وَ قَدْ كَانَ
ص: 154
مِنْ عُمَّالِهِ وَ رَدَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَ هُوَ عِشْرُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ عُشْرَهُ وَلا نِصْفَ عُشْرِهِ.
وَ كَانَ مِنْ عُمَّالِهِ الَّذِينَ أُغْرِمُوا أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ فَأَحْصَى مَالَهُ فَبَلَغَ أَرْبَعَةً وَ عِشْرِينَ أَلْفَاً، فَأَغْرَمَهُ اِثْنَي عَشَرَ أَلْفَاً.
فَقَالَ أَبَانُ: قَالَ سُلَيْمَ: فَلَقِيتُ عَلِيّاً عليه السلام فَسَأَلْتُهُ عَمَّا صَنَعَ: عُمَرُ. فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي لِمَ كَفَّ عَنْ قُنْفُذٍ وَلَمْ يُغرمهُ شَيْئاً؟!. قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَ فَاطِمَةَ بِالسَّوْطِ حِينَ جَاءَتْ لِتَحُولَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ فَمَاتَتْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَإِنَّ أَثَرَ السَّوْطِ لَفِي عَضُدِهَا مِثْلُ الدُّمْلُج.
قَالَ أَبَانُ: قَالَ سُلَيْمَ: إِنْتَهَيْتُ إِلَى حَلْقَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا هَاشِمِيُّ غَيْرَ سَلْمَانَ وَأَبِي ذَرِّ وَ الْمِقْدَادِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ وَ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ عليه السلام: مَا تَرَى عُمَرَ مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يُغَرَّمَ قُنْفُدْاً كَمَا غَرَّمَ جَمِيعَ عُمَّالِهِ؟.
ص: 155
فَنَظَرَ عَلِيٌّ عليه السلام إِلَى مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ اِغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: شَكَرَ لَهُ ضَرْبَةً ضَرَبَهَا فَاطِمَةَ بِالسَّوْطِ فَمَاتَتْ وَ فِي عَضُدِهَا أَثَرُهُ كَأَنَّهُ الدُّمْلُجُ.
ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: الْعَجَبُ مِمَّا أُشْرِبَتْ قُلُوبُ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ حُب هَذَا الرَّجُلِ وَصَاحِبِهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَ التَّسْلِيمِ لَهُ فِي كُلِّ شَيءٍ أَحْدَثَهُ.
لَئِنْ كَانَ عُمَّالُهُ خَوَنَةً وَ كَانَ هَذَا الْمَالُ فِي أَيْدِيهِمْ خِيَانَةً مَا كَانَ حَلَّ لَهُ تَرْكُهُ؟!، وَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ كُلَّهُ، فَإِنَّهُ فَيءُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَا بَالُهُ يَأْخُذُ نِصْفَهُ وَ يَتْرُكُ نِصْفَهُ. وَ لَئِنْ كَانُوا غَيْرَ خَوَنَةٍ فَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ وَ لاَ شَيْئاً مِنْهَا قَلِيلاً وَ لاَ كَثِيراً وَ إِنَّمَا أَخَذَ أَنْصَافَهَا. وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ خِيَانَةً، ثُمَّ لَمْ يُقِرُّوا بِهَا وَ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمُ الْبَيَّنَةُ مَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ قَلِيلاً وَ لاَ كَثِيراً.
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ إِعَادَتُهُ إِيَّاهُمْ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، لَئِنْ كَانُوا خَوَنَةً مَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمْ، وَلَئِنْ كَانُوا غَيْرَ خَوَنَةٍ مَا حَلَّتْ لَهُ أَمْوَالُهُمْ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلِيه عليه السلام عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ: الْعَجَبُ لِقَوْمٍ يَرَوْنَ سُنَّةَ نَبِيَّهِمْ تَتَبَدَّلُ وَ تَتَغَيَّرُ شَيْئاً شَيْئاً وَ بَاباً بَاباً ثُمَّ يَرْضَوْنَ وَلاَ يُنْكِرُونَ، بَلْ يَغْضَبُونَ لَهُ وَ يَعْتِبُونَ عَلَى مَنْ عَابَ عَلَيْهِ وَ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمُ
ص: 156
بَعْدَنَا فَيَتَّبِعُونَ بِدْعَتَهُ وَ جَوْرَهُ وَ أَحْدَاثَهُ وَيَتَّخِذُونَ أَحْدَاثَهُ سُنَّةً وَدِيناً يَتَقَرَّبُونَ بِهِمَا إِلَى اللَّهِ فِي مِثْلِ تَحْوِيلِهِ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْمَوْضِع الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي حَوَّلَهُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
وَ فِي تَغْبِيرِهِ صَاعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وَ مُدَّهُ، وَفِيهما فَرِيضَةً وَ سُنَّةٌ، فَمَا كَانَ زِيَادَتُهُ إِلاَّ سُوء، لأنَّ الْمَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظَّهَارِ بِهِمَا يُعْطَوْنَ وَ مَا يَجِبُ فِي الزَّرْع، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي مُدَّنَا وَ صَاعِنَا، لا يَحُولُونَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ رَضُوا وَ قَبِلُوا مَا صَنَعَ.
وَ قَبْضِهِ وَ صَاحِبِهِ فَدَكَ وَ هِيَ فِي يَدَي فَاطِمَةَ مَقْبُوضَةً، قَدْ أَكَلَتْ غَلَّتَهَا عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله فَسَأَلَهَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا فِي يَدِهَا، وَ لَمْ يُصَدِّقْهَا وَ لاَ صَدَّقَ أُمَّ أَيْمَنَ، وَهُوَ يَعْلَمُ يَقِيناً كَمَا نَعْلَمُ أَنَّهَا فِي يَدِهَا، وَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَهَا الْبَيَّنَةَ عَلَى مَا فِي يَدِهَا، وَ لَا أَنْ يَتَّهمها، ثُمَّ اسْتَحْسَنَ النَّاسُ ذَلِكَ وَ حَمِدُوهُ وَقَالُوا: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَرَعُ وَالْفَضْلُ.
ص: 157
ثُمَّ حَسَّنَ قُبْحَ فِعْلِهِمَا أَنْ عَدَلَا عَنْهَا فَقَالاَ بِالظَّنِّ إِنَّ فَاطِمَةَ لَنْ تَقُولَ إِلاَّ حَقَّاً، وَإِنَّ عَلِيّاً لَمْ يَشْهَدْ إِلاَّ بِحَقٍّ، وَ لَوْ كَانَتْ مَعَ أُمِّ أَيْمَنَ امْرَأَةً أُخْرَى أَمْضَيْنَا لَهَا، فَخَطَبَا بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُهَّالِ، وَ مَا لَهُمَا وَ مَنْ أَمَّرَهُمَا أَنْ يَكُونَا حَاكَمَيْنِ فَيُعْطِيَانِ أَوْ يَمْنَعَانِ.
وَ لَكِنَّ الْأُمَّةَ ابْتُلُوا بِهِمَا فَأَدْخَلاَ نَفْسَهُمَا فِيمَا لاَ حَقَّ لَهُمَا فِيهِ وَلَا عِلْمَ لَهُمَا فِيهِ.
وَ قَدْ قَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ أَرَادَ انْتِزَاعَهَا مِنْهَا، وَهِي فِي يَدِهَا: أَلَيْسَتْ فِي يَدِي وَ فِيهَا وَكِيلِي، وَ قَدْ أَكَلْتُ غَلَّتَهَا وَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَيُّ؟
قَالاَ: بَلَى.
قَالَتْ: فَلِمَ تَسْأَلُأَنِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا فِي يَدِي؟.
قَالاَ: لِأَنَّهَا فَيءُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ قَامَتْ بَيَّنَةُ وَإِلاَّ لَمْ نُمْضِهَا.
فَقَالَتْ لَهُمَا وَ النَّاسُ حَوْلَهُمَا يَسْمَعُونَ: أَ فَتُرِيدَانِ أَنْ تَرُدَّا مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وتَحْكُمَا فِينَا خَاصَّةٌ بِمَا لَمْ تَحْكُمَا فِي سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؟! أَيُّهَا النَّاسُ! اِسْمَعُوا مَا رَكِبَاهَا.
ص: 158
قُلْتُ: أَ رَأَيْتُمَا إِنِ إِدَّعَيْتُ مَا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ تَسْأَلُونِّي الْبَيْنَةَ أَمْ تَسْأَلُونَهُمْ؟.
قَالا: لاَ، بَلْ نَسْأَلُكَ.
قُلْتُ: فَإِنِ ادَّعَى جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ مَا فِي يَدِي تَسْأَلُونَهُمُ الْبَيِّنَةَ أَمْ تَسْأَلُونَّي؟.
فَغَضِبَ عُمَرُ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا فَيءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَرْضُهُمْ وَ هِيَ فِي يَدَيْ فَاطِمَةَ تَأْكُلُ غَلَّتَهَا، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيْنَةً عَلَى مَا ادَّعَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَهَبَهَا لَهَا مِنْ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ وَهِي فَيْتُهُمْ وَ حَقُهُمْ نَظَرْنَا فِي ذَلِكَ.
فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَ مَا سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: إِنَّ ابْنَتِي سَيَّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ، قَدْ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُول الله صلى الله عليه و آله.
قَالَتْ: أَ فَسَيَّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَدَّعِي الْبَاطِلَ وَتَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهَا؟!
أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَيَّ بِفَاحِشَةٍ أَوْ رَجُلانِ بِسَرِقَةٍ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ عَلَي؟!.
ص: 159
فَأَمَّا أَبُو بَكْرِ فَسَكَتَ، وَ أَمَّا عُمَرُ فَقَالَ: وَ نُوقِعُ عَلَيْكِ الْحَدَّ.
فَقَالَتْ: كَذَبْتَ وَ لَؤُمْتَ إِلاَّ أَنْ تُقِرّ أَنَّكَ لَسْتَ عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله، إِنَّ الَّذِي يُجِيزُ عَلَى سَيِّدَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ شَهَادَةً أَوْ يُقِيمُ عَلَيْهَا حَداً لَمَلْعُونُ كَافِرُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله، إنَّ مَنْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَطَهَّرَهُمْ تطهيراً، لاَ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ شَهَادَةً، لأنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، مُطَهَّرُونَ مِنْ كُلَّ فَاحِشَةٍ.
حَدَّثْنِي عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ، لَوْ أَنَّ قَوْماً شَهِدُوا عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشِرْكٍ أَوْ كُفْرٍ أَوْ فَاحِشَةٍ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ وَ يَحُدُّونَهُمْ؟.
قَالَ: نَعَمْ، وَ مَا هُمْ وَ سَائِرُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ إِلاَّ سَوَاءً.
قَالَتْ: كَذَبْتَ وَ كَفَرْتَ، لأَنَّ اللَّهَ عَصَمَهُمْ وَأَنْزَلَ عِصْمَتَهُمْ وَ تَطْهِيرَهُمْ وَأَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، فَمَنْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ يُكَذِّبُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا عُمَرُ لَمَّا سَكَتَّ.
ص: 160
فَلَمَّا أَنْ كَانَ اللَّيْلُ أَرْسَلَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُسِرَّ إلَيْكَ أَمْراً وَنَحْمِلَكَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: اِحْمِلاَنِي عَلَى مَا شِئْتُمَا فَإِنِّي طَوْعُ أَيْدِيكُمَا.
فَقَالاَ لَهُ: إِنَّهُ لاَ يَنْفَعُنَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ وَ السُّلْطَانِ مَا دَامَ عَلِيُّ حَيّاً، أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَ لَنَا وَ مَا اسْتَقْبَلَنَا بِهِ، وَنَحْنُ لاَ نَأْمَنُهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي السِّرِّ فَيَسْتَجِيبَ لَهُ قَوْمُ فَيُنَاهِضَنَا فَإِنَّهُ أَشْجَعُ الْعَرَبِ، وَ قَدِ ارْتَكَبْنَا مِنْهُمْ مَا رَأَيْتَ وَ غَلَبْنَاهُ عَلَى مُلْكِ ابْنِ عَمِّهِ وَ لاَ حَقَّ لَنَا فِيهِ، وَانْتَزَعْنَا فَدَكَ مِن اِمْرَأَتِهِ، فَإِذَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ الْغَدَاةَ، فَقُمْ إِلَى جَانِبِهِ وَلْيَكُنْ سَيْفُكَ مَعَكَ، فَإِذَا صَلَّيْتُ وَ سَلَّمْتُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ.
فقال عليه السلام: صَلَّى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِجَنْبِي مُتَقَلَّدَ السَّيْفِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرِ فِي الصَّلاةِ فَجَعَلَ يُؤَامِرُ نَفْسَهُ وَ نَدِمَ وَأُسْقِطَ فِي يَدِهِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، ثُمَّ قَالَ: قَبْلَ أَنْ يُسَلَّمَ: لاَ تَفْعَلْ يَا خَالِدُ مَا أَمَرْتُكَ، ثُمَّ سَلَّمَ.
فَقُلْتُ لِخَالِدِ: مَا ذَاكَ؟.
قَالَ: قَدْ كَانَ أَمَرَنِي إِذَا سَلَّمَ أَضْرِبُ عُنُقَكَ.
قُلْتُ: أَ وَ كُنْتَ فَاعِلاً؟!.
ص: 161
قَالَ: إِي وَ رَبِّي إِذاً لَفَعَلْتُ.
قَالَ سُلَيْمُ: ثُمَّ أَقْبَلَ عليه السلام عَلَى الْعَبَّاسِ وَ مَنْ حَوْلَهُ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تَعْجَبُونَ مِنْ حَبْسِهِ وَ حَبْسِ صَاحِبِهِ عَنَّا سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لَنَا فِي الْقُرْآنِ، وَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ سَيَظْلِمُونَا وَ يَنْتَزِعُونَهُ مِنَّا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعان؟!.
وَ الْعَجَبُ لِهَدْمِهِ مَنْزِلَ أَخِي جَعْفَرٍ وَ إِلْحَاقِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَ لَمْ يُعْطِ بَنِيهِ مِنْ ثَمَنِهِ قَلِيلاً وَ لاَ كَثِيراً، ثُمَّ لَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، فَكَأَنَّمَا أَخَذَ مَنْزِلَ رَجُلٍ مِنَ الدَّيْلَمِ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: دَارَ رَجُلٍ مِنْ تُرْكِ كَابُلَ.
وَ الْعَجَبُ لِجَهْلِهِ وَ جَهْلِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى جَمِيع عُمَّالِهِ: أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاء فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَ إِنْ لَمْ يَجِدْهُ سَنَةً ثُمَّ قَبِلَ النَّاسُ مِنْهُ وَ رَضُوا بِهِ، وَ قَدْ عَلِمَ وَ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَدْ أَمَرَ عَمَّاراً وَ أَمَرَ أَبَا ذَرِّ أَنْ يَتَيَمَّمَا
ص: 162
مِنَ الْجَنَابَةِ وَ يُصَلِّيَا وَ شَهِدَا بِهِ عِنْدَهُ وَ غَيْرُهُمَا فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْساً.
وَ اَلْعَجَبُ لِمَا قَدْ خَلَطَ قَضَايَا مُخْتَلِفَةً فِي الْجَدَّ بِغَيْرِ عِلْمٍ تَعَسُّفاً وَ جَهْلاً، وَإِدَّعَائِهِمَا مَا لَمْ يَعْلَمَا جُرْأَةً عَلَى اللَّهِ وَقِلَّةَ وَرَع، اِدَّعَيَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله مَاتَ وَ لَمْ يَقْضِ فِي الْجَدْ شَيْئاً مِنْهُ، وَ لَمْ يَدَعْ أَحَداً يَعْلَمُ مَا لِلْجَدَّ مِنَ الْمِيرَاتِ، ثُمَّ تَابَعُوهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَ صَدَّقُوهُمَا.
وَ عِتْقِهِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِهِ وَ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ وَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله. وَ مَا صَنَعَ بِنَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ وَ بِجَعْدِ بْنِ سُلَيْمٍ وَ بِابْنِ وتره [وَبَرَةَ].
وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا كَيْفِ الْعَبْدِي أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ إِمْرَأَتِي وَ أَنَا غَائِبُ فَوَصَلَ إِلَيْهَا الطَّلاقُ ثُمَّ رَاجَعْتُهَا وَهِي فِي عِدَّتِهَا، وَكَتَبْتُ إِلَيْهَا فَلَمْ يَصِل الْكِتَابُ إِلَيْهَا حَتَّى تَزَوَّجَتْ، فَكَتَبَ لَهُ: إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا دَخَلَ بِهَا فَهِي اِمْرَأَتُهُ وَ إِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ اِمْرَأَتُكَ.
ص: 163
وَ كَتَبَ لَهُ ذَلِكَ وَأَنَا شَاهِدٌ، وَلَمْ يُشَاوِرْنِي وَ لَمْ يَسْأَلْنِي، يَرَى اسْتِغْنَاءَهُ بِعِلْمِهِ عَنِّي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْهَاهُ ثُمَّ قُلْتُ: مَا أَبَالِي أَنْ يَفْضَحَهُ اللَّهُ.
ثُمَّ لَمْ تَعِبْهُ النَّاسُ بَلِ اِسْتَحْسَنُوهُ وَاتَّخَذُوهُ سُنَّةً وَ قَبلُوهُ عَنْهُ، وَ رَأَوْهُ صَوَاباً، وَذَلِكَ قَضَاءُ وَلاَ يَقْضِي بِهِ مَجْنُونُ.
ثُمَّ تَرْكِهِ مِنَ الْأَذَانِ «حَيَّ عَلَى خَيْر الْعَمَل» فَاتَّخَذُوهُ سُنَّةً وَ تَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ. وَ قَضِيَّتِهِ فِي الْمَفْقُودِ أَنَّ أَجَلَ امْرَأَتِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا خُيْرَ بَيْنَ اِمْرَأَتِهِ وَ بَيْنَ الصَّدَاقِ، فَاسْتَحْسَنَهُ النَّاسُ وَ اِتَّخَذُوهُ سُنَّةً وَ قَبِلُوهُ عَنْهُ جَهْلاً وَ قِلَّةَ عِلْمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله.
وَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ كُلَّ أَعْمَى، وَإِرْسَالِهِ إِلَى عُمَّالِهِ بِالْبَصْرَةِ بِحَبْل خَمْسَةِ أَشْبَارٍ، وَ قَوْلِهِ مَنْ أَخَذْتُمُوهُ مِنَ الْأَعَاجِمِ فَبَلَغَ طُولَ هَذَا الْحَبْلِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ!.
وَ رَدُّهُ سَبَايَا تُسْتَرَ، وَ هُنَّ حَبَالَى. وَ إِرْسَالِهِ بِحَبْلِ مِنْ صِبْيَانِ سَرَقُوا بِالْبَصْرَةِ، وَقَوْلِهِ مَنْ بَلَغَ طُولَ هَذَا الْحَبْل فَاقْطَعُوهُ.
ص: 164
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَذَّاباً رُجِمَ بِكِذَابَةٍ فَقَبلَهَا وَ قَبلَهَا الْجُهَّالُ، فَزَعَمُوا أَنَّ الْمَلَكَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ وَ يُلَقْتُهُ، وَإِعْتَاقِهِ سَبَايَا أَهْلِ الْيَمَنِ. وَ تَخَلُّفِهِ وَ صَاحِبِهِ عَنْ جَيْشِ أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ مَعَ تَسْلِيمِهِمَا عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ.
ثُمَّ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ وَ عَلِمَهُ النَّاسُ أَنَّهُ الَّذِي صَدَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الْكَتِفِ الَّذِي دَعَا بِهِ ثُمَّ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَ لَمْ يَنْقُصْهُ.
وَ أَنَّهُ صَاحِبُ صَفِيَّةَ حِينَ قَالَ لَهَا مَا قَالَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَتَّى قَالَ مَا قَالَ. وَ أَنَّهُ الَّذِي مَرَرْتُ بِهِ يَوْماً فَقَالَ: مَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاَّ كَنَخْلَةِ نَبَتَتْ فِي كُنَاسَةِ!، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَغَضِبَ وَخَرَجَ فَأَتَى الْمِنْبَرَ، وَ فَزِعَتِ الْأَنْصَارُ فَجَاءَتْ شَائِكَةٌ فِي السَّلاَحَ لِمَا رَأتْ مِنْ غَضَبٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، فَقَالَ صلى الله عليه و آله: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُعَيَّرُونِّي بِقَرَابَتِي، وَ قَدْ سَمِعُوا مِنِّي مَا قُلْتُ فِي فَضْلِهِمْ وَ تَفْضِيل اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَ مَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ إِذْهَابِ الرَّجْسِ عَنْهُمْ وَتَطْهِير اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَقَدْ سَمِعْتُمْ مَا قُلْتُ فِي أَفْضَلِ أَهْلِ بَيْتِي وَ خَيْرِهِمْ مِمَّا
ص: 165
خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ وَأَكْرَمَهُ وَ فَضَّلَهُ عَلَى مَنْ سَبَقَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَ تَدَيُّنِهِ فِيهِ وَ قَرَابَتِهِ مِنّي، وَ أَنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، ثُمَّ تَزْعُمُونَ أَنَّ مَثَلِي فِي أهْلِ بَيْتِي كَمَثَل نَخْلَةٍ فِي كُنَاسَةٍ؟!،....
ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه و آله: إِنِّي وَ أَهْلَ بَيْتِي لِطِينَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، إِلَى آدَمَ نِكَاحُ غَيْرُ سِفَاحٍ لَمْ يُخَالِطْنَا نِكَاحُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَاسْأَلُونِي، فَوَ اللَّهِ لاَ يَسْأَلُنِي رَجُلُ عَنْ أَبِيهِ وَ عَنْ أُمِّهِ وَ عَنْ نَسَبِهِ إِلاَّ أَخْبَرْتُهُ بِهِ.
فَقَامَ رَجُلُ، فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: أَبُوكَ فُلاَنُ الَّذِي تُدْعَى إِلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَ اللَّهِ لَوْ نَسَبْتَنِي إِلَى غَيْرِهِ لَرَضِيتُ وَ سَلَّمْتُ.
ثُمَّ قَامَ رَجُلُ آخَرُ، فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟.
فَقَالَ: أَبُوكَ فَلاَنُ - لِغَيْرِ أَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ - فَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلامِ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: أَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟.
فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَامَ رَجُلُ آخَرُ، فَقَالَ: أَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا أَمْ مِنْ أَهْل النَّارِ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
ص: 166
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله - وَ هُوَ مُغْضَبُ -: مَا يَمْنَعُ الَّذِي عَيَّرَ أَهْلَ بَيْتِي وَ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ وَصِيَّي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَ وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي أَنْ يَقُومَ فَيَسْأَلَنِي مَنْ أَبُوهُ، وَ أَيْنَ هُوَ فِي الْجَنَّةِ فِي النَّارِ؟.
فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَ سَخَطِ رَسُولِهِ، أَعْفُ عَنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، أَقِلْنَا أَقَالَكَ اللَّهُ، أَسْتَرْنَا سَتَرَكَ اللَّهُ، اِصْفَحْ عَنَّا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ. فَاسْتَحَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ كَفَّ. وَ هُوَ صَاحِبُ الْعَبَّاسِ الَّذِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله سَاعِياً فَرَجَعَ وَ قَالَ: إِنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ مَنَعَ صَدَقَةَ مَالِهِ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ شَرِّ مَا يُلَطِّخُونَّا بِهِ، إِنَّ الْعَبَّاسَ لَمْ يَمْنَعْ صَدَقَةَ مَالِهِ وَ لَكِنَّكَ عَجَّلْتَ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَجَّلَ زَكَاةَ سِنِينَ ثُمَّ أَتَانِي بَعْدُ يَطْلُبُ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِيَرْضَى عَنْهُ، فَفَعَلْتُ.
وَ هُوَ صَاحِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلُولٍ حِينَ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِيُصَلِّي عَلَيْهِ فَأَخَذَ بِثَوْبِهِ مِنْ وَرَائِهِ، وَ قَالَ: لَقَدْ نَهَاكَ اَللَّهُ أَنْ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَ لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
ص: 167
صلى الله عليه و آله : إِنَّمَا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ كَرَامَةً لابْنِهِ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُسَلَّمَ بِهِ سَبْعُونَ رَجُلاً مِنْ بَنِي أَبِيهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَ مَا يُدْرِيكَ مَا قُلْتُ، إِنَّمَا دَعَوْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ.
وَ هُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ الْحُدَيْبِيَّةِ حِينَ كُتِبَ الْقَضِيَّةُ إِذْ قَالَ: أَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا ثُمَّ جَعَلَ يَطُوفُ فِي عَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يُحَرِّضُهُمْ وَيَقُولُ: أَنُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: أَفْرِجُوا عَنِّي، أَتُرِيدُونَ أَنْ أَغْدِرَ بِذِمَّتِي؟! - وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَخْرِجُوهُ عَنِّي، أَ تُرِيدُ أَنْ أَخْفِرَ ذِمَّتِي وَ لاَ أَفِيَ لَهُمْ بِمَا كَتَبْتُ لَهُمْ -، خُذْ - يَا سُهَيْلُ! - ابْنَكَ جَنْدَلاً، فَأَخَذَهُ فَشَدَّهُ وَثَاقاً فِي الْحَدِيدِ، ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ عَاقِبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِلَى الْخَيْر وَالرُّشْدِ وَالْهُدَى وَالْعِزَّةِ وَ الْفَضْل.
وَ هُوَ صَاحِبُ يَوْمٍ غَدِيرِ خُمَّ إِذْ قَالَ هُوَ وَ صَاحِبُهُ حِينَ نَصَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِوَلايَتِي، فَقَالَ: مَا يَأْلُو أَنْ تُرْفَعَ خَسِيسَتُهُ، وَ قَالَ الآخَرُ: مَا يَأْلُو رَفْعاً بِضَبْع ابْنِ عَمَّهِ، وَقَالَ لِصَاحِبِهِ - وَأَنَا مَنْصُوبُ-: إِنَّ هَذِهِ لَهِيَ اَلْكَرَامَةُ، فَقَطَّبَ صَاحِبُهُ فِي وَجْهِهِ، وَ قَالَ: لاَ وَ اللَّهِ، مَا أَسْمَعُ وَلاَ أُطِيعُ أَبَداً، ثُمَّ إِنَّكَأَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَمَطَى وَانْصَرَفَا،
ص: 168
فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى، أَوْلى لَكَ فَأَوْلى وَعِيداً مِنَ اللَّهُ لَهُ.
وَ هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَعُودُنِي فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حِينَ غَمَزَهُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ عَهِدْتَ إِلَيْنَا فِي عَلِيٍّ عَهْداً وَ إِنِّي لَأَرَاهُ لِمَا بِهِ، فَإِنْ هَلَكَ فَإِلَى مَنْ؟.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: اجْلِسْ... فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَمُوتُ فِى مَرَضِهِ هَذَا، وَلاَ يَمُوتُ حَتَّى تَمْلَيَاهُ غَيْظاً وَ تُوسِعَاهُ غَدْراً وَ ظُلماً، ثُمَّ تَجِدَاهُ صَابِراً قَوَّاماً، وَلاَ يَمُوتُ حَتَّى يَلْقَى مِنْكُمَا هَنَاتٍ وَهَنَاتٍ، وَ لاَ يَمُوتُ إِلا شَهِيداً مَقْتُولاً.
وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله جَمَعَ ثَمَانِينَ رَجُلاً، أَرْبَعِينَ مِنَ الْعَرَبِ وَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْعَجَمِ - وَ هُمَا فِيهِمْ - فَسَلَّمُوا عَلَيَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه و آله: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ عَلِيّاً أَخِي وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَوَصِيَّي وَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَ
ص: 169
عُمَرُ وَ عُثْمَانُ وَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ وَ سَعْدُ وَابْنُ عَوْفٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَ سَالِمُ وَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَ رَهْطُ مِنَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ قَالَ: إِنّي أُشْهِدُ اللَّة عَلَيْكُمْ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أُشْرِبَتْ قُلُوبُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ بَلِيَّتِهَا وَ فِتْنَتِهَا مِنْ عِجْلِهَا وَ سَامِرِيِّهَا، إِنَّهُمْ أَقَرُّوا وَادَّعَوْا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ: لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ النُّبُوَّةَ وَ الْخِلافَةَ، وَقَدْ قَالَ لِأُولَئِكَ الثَّمَانِينَ رَجُلاً: سَلَّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُشْهِدُكُمْ عَلَى مَا أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ أَقَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَداً، وَأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِالشُّورَى، ثُمَّ أَقَرُّوا أَنَّهُمْ لَمْ يُشَاوِرُوا وَ أَنَّ بَيْعَتَهُ كَانَتْ فَلْتَةً، وَأَيُّ ذَنْبٍ أَعْظَمُ مِنَ الْقَلْتَةِ.
ثُمَّ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ وَ لَمْ يَقْتَدِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَيَدَعَهُمْ بِغَيْرِ اِسْتِخْلَافٍ، طَعْناً مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ رَغْبَةً عَنْ رَأْيِهِ.
ثُمَّ صَنَعَ عُمَرُ شَيْئاً ثَالِثاً لَمْ يَدَعْهُمْ عَلَى مَا ادَّعَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ كَمَا اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ،
ص: 170
وَ جَاءَ بِشَيْءٍ ثَالِثٍ جَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ سِتَّةِ نَفَرٍ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا جَمِيعَ الْعَرَبِ، ثُمَّ حَطَّنِي بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَامَّةِ فَجَعَلَهُمْ مَعَ مَا أُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالضَّلالَةِ أَقْرَانِي، ثُمَّ بَايَعَ ابْنُ عَوْفٍ عُثْمَانَ فَبَايَعُوهُ، وَقَدْ سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي عُثْمَانَ مَا سَمِعُوا مِنْ لَعْنِهِ إِيَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ، فَعُثْمَانُ - عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ - خَيْرُ مِنْهُمَا.
وَ لَقَدْ قَالَ مُنْذُ أَيَّامٍ قَوْلاً رَقَقْتُ لَهُ وَ أَعْجَبَتْنِي مَقَالَتُهُ، بَيْنَمَا أَنَا قَاعِدْ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ إِذْ أَتَتْهُ عَائِشَةُ وَ حَفْصَةُ تَطْلُبَانِ مِيرَانَهُمَا مِنْ ضِيَاع أَمْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله الَّتِي فِي يَدَيْهِ.
فَقَالَ: وَ لاَ كَرَامَةَ، لَكِنْ أجِيرُ شَهَادَتَكُمَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا، فَإِنَّكُمَا شَهِدْتُمَا عِنْدَ أَبَوَيْكُمَا أَنَّكُمَا سَمِعْتُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لا يُورِثُ مَا تَرَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، ثُمَّ لَقَدْتُمَا أَعْرَابِيّاً جِلْفاً يَبُولُ عَلَى عَقِبَيْهِ يَتَطَهَّرُ بِبَوْلِهِ - مَالِكَ بْنَ الْحَرْثِ بْنِ الْحَدَثَانِ - فَشَهِدَ مَعَكُمَا لاَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ لاَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ شَهِدَ بِذَلِكَ غَيْرُ أَعْرَابِي أَمَا وَاللَّهِ مَا أَشُتُ فِى أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وَ كَذَبْتُمَا عَلَيْهِ مَعَهُ.
ص: 171
فَانْصَرَفَتَا مِنْ عِنْدِهِ تَبْكِيَان وَ تَشْتُمَانِهِ، فَقَالَ: ارْجِعَا ثُمَّ قَالَ: أَ شَهِدْتُما بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ؟!.
قَالَتَا: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنْ شَهِدْتُمَا بِحَقِّ فَلاَ حَقَّ لَكُمَا، وَإِنْ كُنْتُمَا شَهِدْتُمَا بِبَاطِل فَعَلَيْكُمَا وَعَلَى مَنْ أَجَازَ شَهَادَتَكُمَا عَلَى أَهْل هَذَا الْبَيْتِ لَعْنَةُ الله وَ اَلْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَى فَتَبَسَّمَ وَ قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! شَفَيْتُكَ مِنْهُمَا؟.
قُلْتُ: نَعَمْ وَ اللَّهِ وَ أَبْلَغْتَ، وَ قُلْتَ حَقّاً، فَلاَ يُرْغِمُ اللَّهُ إِلاَّ بِأَنْفَيْهما، فَرَقَقْتُ لِعُثْمَانَ وَ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ رِضَايَ، وَ أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُمَا رُحْماً وَ إِنْ كَانَ لاَ عُذْرَ لَهُ وَ لَا حُجَّةَ بِتَأَمُرِهِ عَلَيْنَا وَاِدَّعَائِهِ حَقَّنَا(1).
ص: 172
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَنْصُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَهْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِي، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَفَّافُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلام، عَنْ أَبِيهِ عَلِي بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَمَّارٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها - مَرَضًهَا الَّذِي تُوُفِّيَتْ فِيهِ وَثَقُلَتْ. جَاءَهَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَائِداً، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا ثَقِيلَةُ، وَ لَيْسَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَحَدٌ، فَانْصَرَفَ إِلَى دَارِهِ.
فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ لِرَسُولِهِ: قُلْ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِ، عَمُّكَ يُقرئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ لَكَ: قَدْ فَجَأَنِي مِنَ الْغَمُ بِشَكَاةِ حَبِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ قُرَّةِ عَيْنِهِ وَ عَيْنِي فَاطِمَةَ مَا هَدَّنِي، وَإِنِّي لَأَظُنُّهَا أَوَّلَنَا لُحُوقاً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَاللَّهُ يَخْتَارُ لَهَا وَ يَحْبُوهَا وَ يُزْلِفُهَا لَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرِهَا مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ، فَاجْمَعْ - أَنَا
ص: 173
لَكَ الْفِدَاءُ - اَلْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارَ حَتَّى يُصِيبُوا الْأَجْرَ فِي حُضُورِهَا وَ الصَّلاَةِ عَلَيْهَا، وَ فِي ذَلِكَ جَمَالُ لِلدِّينِ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام لِرَسُولِهِ وَ أَنَا حَاضِرُ عِنْدَهُ: أَبْلِغْ عَمِّيَ السَّلَامَ، وَ قُلْ: لاَ عَدِمْتُ إِشْفَاقَكَ وَ تَحَتُنَكَ، وَقَدْ عَرَفْتُ مَشُورَتَكَ وَلِرَأْيِكَ فَضْلُهُ، إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله لَمْ تَزَلْ مَظْلُومَةً مِنْ حَقَّهَا مَمْنُوعَةً، وَعَنْ مِيرَاثِهَا مَدْفُوعَةً، لَمْ تُحْفَظُ فِيهَا وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَلاَ رُعِيَ فِيهَا حَقَّهُ، وَلاَ حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ كَفَى بِاللَّهِ حَاكِماً وَ مِنَ الظَّالِمِينَ مُنْتَقِماً، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ يَا عَمِّ أَنْ تَسْمَحَ لِي بِتَرْكِ مَا أَشَرْتَ بِهِ، فَإِنَّهَا وَصَّتْنِي بِسَتْرِ أَمْرِهَا.(1)
أَبَانُ عَنْ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِي بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَقُولُ قَبْلَ وَقْعَةِ صِفِّينَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ لَنْ يُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ وَ لَا إِلَى كَلِمَةٍ
ص: 174
سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَتَّى يُرْمَوْا بِالْعَسَاكِرِ تَتْبَعُهَا الْعَسَاكِرُ وَ حَتَّى يُرْدَفُوا بِالْكَتَائِبِ تَتْبَعُهَا الْكَتَائِبُ وَ حَتَّى يُجَرَّ بِبِلادِهِمُ الْخَمِيسُ تَتْبَعُهَا الْخَمِيسُ وَ حَتَّى تَرْعَى اَلْخُيُولُ بِنَوَاحِي أَرْضِهِمْ وَ تَنْزِلَ عَلَى مَسَالِحِهِمْ وَ حَتَّى تُشَنَّ الْغَارَاتُ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ فَجٍّ [عَمِيقٍ] وَ حَتَّى يَلْقَاهُمْ قَوْمُ صُدُقُ صُبُرٌ لاَ يَزِيدُهُمْ هَلاَكُ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَتْلاهُمْ وَ مَوْتَاهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ جِدّاً فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَ أَخْوَالَنَا وَ أَعْمَامَنَا وَ أَهْلَ بُيُوتَاتِنَا ثُمَّ لاَ يَزيدُنَا ذَلِكَ إِلاّ إِيمَاناً وَ تَسْلِيماً وَ جِداً فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ اِسْتِقْلَالاً بِمُبَارَزَةِ الْأَقْرَانِ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ اَلرَّجُلُ مِنْ عَدُوِّنَا لَيَتَصَاوَلاَن تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانٍ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَوْتِ فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا فَلَمَّا رَآنَا اَللَّهُ صُدُقاً وَ صُبُراً أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْنَا وَ الرَّضَا عَنَّا وَ أَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ.
وَ لَسْتُ أَقُولُ إِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله كَذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعْظَمُهُمْ وَ جُلُّهُمْ وَ عَامَّتُهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ وَ لَقَدْ كَانَتْ مَعَنَا بِطَانَةُ لاَ تَأْلُونَا خَبَالاً قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَ مَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ وَ لَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ بَعْضُ مَنْ تُفَضِّلُهُ
ص: 175
أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ يَا ابْنَ قَيْسِ فَارْينَ فَلاَ رَمَى بِسَهُم وَلاَ ضَرَبَ بِسَيْفِ وَلاَ طَعَنَ بِرُمْحٍ إِذَا كَانَ الْمَوْتُ وَالنّزَالُ لاَذَ وَتَوَارَى وَاعْتَلَّ ولاَذَ كَمَا تَلُوذُ النَّعْجَةُ الْعَوْرَاءُ لا تَدْفَعُ يَدَ لاَمِسٍ وَإِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ فَرَّ وَ مَنَحَ الْعَدُو دُبُرَهُ جُبْناً وَ لُؤْماً وَ إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَ الْغَنِيمَةِ تَكَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةِ حِدَادٍ أَشِحَّةٌ عَلَى الْخَيْرِ فَلاَ يَزَالُ قَدِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله فِي ضَرْبٍ عُنُقِ الرَّجُل الَّذِي لَيْسَ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَتْلَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ.
وَ لَقَدْ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله يَوْماً وَ عَلَيْهِ السَّلاحُ تَامُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ قَالَ يُكَنِّيهِ أَبَا فُلاَنِ الْيَوْمُ يَوْمُكَ. فَقَالَ الْأَشْعَثُ: مَا أَعْلَمَنِي بِمَنْ تَعْنِي إِنَّ ذَلِكَ يَفِرُّ مِنْهُ الشَّيْطَانُ.
قَالَ عليه السلام: يَا ابْنَ قَيْسٍ لاَ آمَنَ اللَّهُ رَوْعَةَ الشَّيْطَان إذْ قَالَ. ثُمَّ قَالَ: وَ لَوْ كُنَّا حِينَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ تُصِيبُنَا الشَّدَائِدُ وَالْأَذَى وَالْبَأْسُ فَعَلْنَا كَمَا تَفْعَلُونَ الْيَوْمَ لَمَا قَامَ لِلَّهِ دِينُ وَ لاَ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلام.
ص: 176
وَ أَيْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَ نَدَماً وَ حَسْرَةً فَاحْفَظُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ وَ أذْكُرُوهُ فَلَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ وَ الْأَدْعِيَاء مِنْكُمْ وَالطَّلَقَاء وَالطَّرَدَاء وَ اَلْمُنَافِقُونَ فَلَيَقْتُلُنَّكُمْ ثُمَّ لَتَدْعُنَّ اللَّهَ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَكُمْ وَلاَ يَرْفَعُ الْبَلاَءَ عَنْكُمْ حَتَّى تَتُوبُوا وَ تَرْجِعُوا فَإِنْ تَتُوبُوا وَ تَرْجِعُوا يَسْتَنْقِذْ كُمُ اَللَّهُ مِنْ فِتْنَتِهِمْ وَضَلالَتِهِمْ كَمَا اسْتَنْقَذَكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ وَجَهَالَتِكُمْ.
أَلاَ إِنَّ الْعَجَبَ كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ جُهَّالِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَضُلالِهَا وَ قَادَتِهَا وَ سَاقَتِهَا إِلَى النَّارِ لأَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: عَوْداً وَ بَدْءاً مَا وَلَتْ أُمَّةً رَجُلاً قَطُّ أَمْرَهَا وَ فِيهِمْ أَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالاً حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَا تَرَكُوا.
فَوَلَّوْا أَمْرَهُمْ قَبْلِي ثَلَاثَةَ رَهْطٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلُ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَ لَا يَدَّعِي أَنَّ لَهُ عِلْماً بِكِتَابِ اللَّهِ وَ لاَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ صلى الله عليه و آله وَقَدْ عَلِمُوا يَقِيناً أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ وَأَفْقَهُهُمْ وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَ أَقْضَاهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَإِنَّهُ لَيْسَ رَجُلُ مِنَ الثَّلَاثَةِ لَهُ سَابِقَةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ لا عناءَ مَعَهُ فِي جَمِيعِ مَشاهِدِهِ، فَلا رَمَى بِسَهْمِ وَ لَا طَعَنَ بِرُمْحِ وَ لَا ضَرَبَ بِسَيْفِ جُبْناً وَ لُوْماً وَ رَغْبَةً فِي الْبَقَاءِ وَ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله قَاتَلَ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ أُبي بْنَ خَلَفٍ وَ قَتَلَ مِسْجَعَ بْنَ عَوْفٍ وَ كَانَ مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ
ص: 177
وَأَشَدِّهِمْ لِقَاءَ وَ أَحَقِّهِمْ بِذَلِكَ وَ قَدْ عَلِمُوا يَقِيناً أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ يَقُومُ مَقَامِي وَ لاَ يُبَارِزُ الْأَبْطَالَ وَ لاَ يَفْتَحُ الْحُصُونَ غَيْرِي وَ لاَ نَزَلَتْ برَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله شَدِيدَةٌ قَطُّ وَ لاَ كَرَبَهُ أَمْرُ وَ لاَ ضِيقُ وَلاَ مُسْتَصْعَبُ مِنَ الْأَمْرِ إِلاَّ قَالَ: أَيْنَ أَخِي عَلِيُّ، أَيْنَ سَيْفِي، أَيْنَ رُمْحِي، أَيْنَ الْمُفَرِّجُ غَمِّي عَنْ وَجْهِي، فَيُقَدِّمُنِي فَأَتَقَدَّمُ فَأَقْدِيهِ بِنَفْسِي وَيَكْشِفُ اللَّهُ بِيَدِيَ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَ لِرَسُولِهِ بِذَلِكَ الْمَنُ وَالطَّوْلُ حَيْثُ خَصَّنِي بِذَلِكَ وَ وَفَّقَنِي لَهُ.
وَ إِنَّ بَعْضَ مَنْ سَمَّيْتُ مَا كَانَ ذَا بَلاَءِ وَ لاَ سَابِقَةٍ وَ لاَ مُبَارَزَةِ قَرْنِ وَ لاَ فَتْح وَ لاَ نَصْرٍ غَيْرَ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ فَرَّ وَ مَنَحَ عَدُوَّهُ دُبُرَهُ وَ رَجَعَ يُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ يُجَبِّنُونَهُ وَ قَدْ فَرَّ مِرَاراً فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّخَاءِ وَالْغَنِيمَةِ تَكَلَّمَ وَ تَغَيَّرَ وَ أَمَرَ وَ نَهَى.
وَ لَقَدْ نَادَى إِبْنُ عَبْدِ وُدُّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بِاسْمِهِ، فَحَادَ عَنْهُ وَ لَاذَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِمَّا رَأَى بِهِ مِنَ الرُّعْبِ وَ قَالَ صلى الله عليه و آله: أَيْنَ حَبِيبِي عَلِي تَقَدَّمْ يَا حَبِيبِي يَا عَلِيُّ وَ هُوَ اَلْقَائِلُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لِأَصْحَابِهِ - اَلْأَرْبَعَةِ أَصْحَابِ الْكِتَابِ وَ الرَّأْيُ وَ اللَّهِ أَنْ نَدْفَعَ مُحَمَّداً إِلَيْهِمْ بِرُمَّتِهِ وَنَسْلَمَ مِنْ ذَلِكَ حِينَ جَاءَ اَلْعَدُوُّ مِنْ فَوْقِنَا وَ مِنْ تَحْتِنَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ
ص: 178
أَبْتُلِيَ المُؤمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً، وَإِذ يَقُولُ المُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)
فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: لاَ وَلَكِنْ نَتَّخِذُ صَنَماً عَظِيماً نَعْبُدُهُ لِأَنَّا لاَ نَأْمَنُ أَنْ يَظْفَرَ اِبْنَ أَبِي كَبْشَةَ فَيَكُونَ هَلاَكُنَا وَ لَكِنْ يَكُونُ هَذَا الصَّنَمُ لَنَا ذُخْراً فَإِنْ ظَفِرَتْ قُرَيْشُ أَظْهَرْنَا عِبَادَةَ هَذَا الصَّنَمِ وَأَعْلَمْنَاهُمْ أَنَّا لَنْ نُفَارِقَ دِينَنَا وَ إِنْ رَجَعَتْ دَوْلَةُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ كُنَّا مُقِيمِينَ عَلَى عِبَادَةِ هَذَا اَلصَّنَمِ سِرّاً فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله بِذَلِكَ ثُمَّ خَبَّرَنِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بَعْدَ قَتْلِي ابْنَ عَبْدِ وُدٍّ.
فَدَعَاهُمَا فَقَالَ: كَمْ صَنَمٍ عَبَدْتُمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟
فَقَالا: يَا مُحَمَّدُ لاَ تُعَيَّرْنَا بِمَا مَضَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَقَالَ: صلى الله عليه و آله لَهُمَا فَكُمْ صَنَم تَعْبُدَانِ يَوْمَكُمَا هَذَا؟
فَقَالاَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيَّاً مَا نَعْبُدُ إِلاَّ اللَّهَ مُنْذُ أَظْهَرْنَا مِنْ دِينِكَ مَا أَظْهَرْنَا.
فَقَالَ: يَا عَلِيُّ خُذْ هَذَا السَّيْفَ فَانْطَلِقْ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا فَاسْتَخْرِج الصَّنَمَ الَّذِي يَعْبُدَانِهِ فَاهْشِمْهُ فَإِنْ حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَحَدُ
ص: 179
فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. فَانْكَبَّا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَقَالاَ: أسْتُرْنَا سَتَرَكَ اللهُ.
فَقُلْتُ: أَنَا لَهُمَا اِضْمَنَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ أَنْ لَا تَعْبُدَا إِلاَّ اللَّهَ وَ لاَ تُشْرِكَا بِهِ شَيْئاً فَعَاهَدَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى ذَلِكَ.
وَ اِنْطَلَقْتُ حَتَّى اِسْتَخْرَجْتُ الصَّنَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَ كَسَرْتُ وَجْهَهُ وَ يَدَيْهِ وَ جَذَمْتُ رِجْلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَوَ اللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِمَا عَلَيَّ حَتَّى مَاتَا.
ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَخَاصَمُوا الْأَنْصَارَ بِحَقِّي فَإِنْ كَانُوا صَدَقُوا وَاحْتَجُوا بِحَقِّ أَنَّهُمْ أَوْلَى الْأَنْصَارِ لأَنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله مِنْ قُرَيْشٍ فَمَنْ كَانَ أَوْلَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ أَوْلَى بِالْأَمْرِ وَ إِنْمَا ظَلَمُونِي حَقِّي وَ إِنْ كَانُوا اِحْتَجُّوا بِبَاطِلٍ فَقَدْ ظَلَمُوا الْأَنْصَارَ حَقَّهُمْ وَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ ظَلَمَنَا حَقَّنَا وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَى رِقَابِنَا.
وَالْعَجَبُ لِمَا قَدْ أُشْرِبَتْ قُلُوبُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ حُبِّهِمْ وَ حُبِّ مَنْ صَدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ رَبِّهِمْ وَ رَدَّهِمْ عَنْ دِينِهِمْ. وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ
ص: 180
قَامَتْ عَلَى أَرْجُلِهَا عَلَى التَّرَابِ وَ وُضِعَتِ الرَّمَادُ عَلَى رُءُوسِهَا وَ تَضَرَّعَتْ إِلَى اللَّهِ وَ دَعَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ أَضَلَّهُمْ وَصَدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ دَعَاهُمْ إِلَى النَّارِ وَ عَرَضَهُمْ لِسَخَطِ رَبِّهِمْ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ عَذَابَهُ بِمَا أَجْرَمُوا إِلَيْهِمْ، لَكَانُوا مُقَصِّرِينَ فِي ذَلِكَ.
وَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحِقَّ الصَّادِقَ وَ الْعَالِمَ باللَّهِ وَرَسُولِهِ يَتَخَوَّفُ إِنْ غَيَّرَ شَيْئاً مِنْ بِدَعِهِمْ وَ سُنَنِهِمْ وَ أَحْدَاثِهِمْ وَ عَادَتِهِ الْعَامَّةِ وَ مَتَى فَعَلَ شَاقُّوهُ وَ خَالَفُوهُ وَ تَبَرَّءُوا مِنْهُ وَ خَذَلُوهُ وَ تَفَرَّقُوا عَنْ حَقَّهِ. وَإِنْ أَخَذَ بِبِدَعِهِمْ وَأَقَرَّبهَا وَ زَيَّنَهَا وَ دَانَ بهَا أَحَبَّتْهُ وَ شَرَّفَتْهُ و فَضَّلَتْهُ.
وَ اللَّهِ لَوْ نَادَيْتُ فِي عَسْكَري هَذَا بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ وَ أَظْهَرْتُهُ وَدَعَوْتُ إِلَيْهِ وَ شَرَحْتُهُ وَ فَسَّرْتُهُ عَلَى مَا سَمِعْتُ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِيهِ، مَا بَقِيَ فِيهِ إِلاَّ أَقَلُّهُ وَأَذَلُّهُ وَ أَرْذَلُهُ وَ لاَسْتَوْحَشُوا مِنْهُ وَ لَتَفَرَّقُوا عَنِّى.
وَلَوْ لاَ مَا عَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِلَيَّ وَ سَمِعْتُهُ مِنْهُ وَ تَقَدَّمَ إِلَيَّ فِيهِ، لَفَعَلْتُ. وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله قَدْ
ص: 181
قَالَ: يَا أَخِي كُلُّ مَا أَضْطُرَّ إِلَيْهِ الْعَبْدُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ وَ أَبَاحَهُ إِيَّاهُ. وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ التَّقِيَّةَ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَ لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ تَقِيَّةَ لَهُ(1).
2 - قَالَ السَّيِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ كَشْفِ الْمَحَجَّةِ لِثَمَرَةِ الْمُهْجَةِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ فِي كِتَابِ الرَّسَائِلِ: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كِتَاباً بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ النَّهْرَوَان وَ أَمَرَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى النَّاسِ، وَ ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ...
فَدَعَا كَاتِبَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ فَقَالَ لَهُ: أَدْخِلْ عَلَي عَشَرَةً مِنْ ثِقَاتِي. فَقَالَ: سَمِّهِمْ لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: أَدْخِلْ أَصْبَعَ بْنَ نُبَاتَةَ، وَ أَبَا الطُفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ الْكِنَانِيَّ، وَ زِرَّ بْنَ حُبَيْشِ الْأَسَدِيَّ، وَ جُوَيْرِيَةَ بْنَ مُسْهِرٍ الْعَبْدِيَّ، وَ خَنْدَقَ بْنَ زُهَيْرِ الْأَسَدِيَّ، وَحَارِثَةَ بْنَ مُضَرْبٍ الْهَمْدَانِيَّ، وَالْحَارِثُ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرَ الْهَمْدَانِيَّ، وَ مَصَابِيحَ النَّخَعِيَّ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ قَيْسٍ، وَكُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ، وَعُمَيْرَ بْنَ زُرَارَةَ، فَدَخَلُوا إِلَيْهِ.
ص: 182
فَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا هَذَا الْكِتَابَ وَ لْيَقْرَأَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ وَأَنْتُمْ شُهُودُ كُلَّ يَوْمٍ جُمُعَةٍ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبُ عَلَيْكُمْ فَأَنْصِفُوهُ بِكِتَابِ اللَّهِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى شِيعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ...
وَ لَقَدْ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله وَ لَأَنَا أَوْلَى بِالنَّاسِ مِنّي بِقَمِيصِي هَذَا، وَ مَا أَلْقَى فِي رُوعِي، وَ لاَ عَرَضَ فِي رَأْبِي أَنْ وَجِّهِ النَّاسَ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَمَّا أَبْطَنُوا عَنِّي بِالْوَلايَةِ لِهِمَمِهِمْ، وَتَشَبَّطَ الْأَنْصَارُ - وَ هُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ وَ كَتِيبَةُ الْإِسْلام - قَالُوا: أَمَّا إِذَا لَمْ تُسَلِّمُوهَا لِعَلِيٍّ فَصَاحِبُنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي، فَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي إِلَى مَنْ أَشْكُو؟
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَنْصَارُ ظَلَمَتْ حَقَّهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا ظَلَمُونِي حَقَّى، بَلْ حَقِّي الْمَأْخُوذُ وَأَنَا الْمَظْلُومُ. فَقَالَ قَائِلُ قُرَيْشٍ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَدَفَعُوا الْأَنْصَارَ عَنْ دَعْوَتِهَا وَ مَنَعُونِي حَقَّي مِنْهَا، فَأَتَانِي رَهْطُ يَعْرِضُونَ عَلَيَّ النَّصْرَ، مِنْهُمُ ابْنَا سَعِيدٍ، وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَ أَبُو ذَرِّ الْغِفَارِيُّ، وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِي، وَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَ الْبَرَاءُ بْنُ الْعَازِبُ.
ص: 183
فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَهْداً وَ لَهُ إِلَيَّ وَصِيَّةً لَسْتُ أُخَالِفُ عَمَّا أَمَرَنِي بِهِ، فَوَ اللَّهِ لَوْ خَزَمُونِي بِأَنْفِي لَأَقْرَرْتُ لِلَّهِ تَعَالَى سَمْعاً وَ طَاعَةً.
فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ قَدِ انْقَالُوا عَلَى أَبِي بَكْرِ لِلْبَيْعَةِ أَمْسَكْتُ يَدِي وَ ظَنَنْتُ أَنِّي أَوْلَى وَأَحَقُّ بِمَقَامٍ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله مِنْهُ وَ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ أَمَرَ أَسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى جَيْشِ وَ جَعَلَهُمَا فِي جَيْشِهِ، وَ مَا زَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِلَى أَنْ فَاضَتْ نَفْسُهُ يَقُولُ: أَنْفِذُوا جَيْشَ أَسَامَةَ، فَمَضَى جَيْشُهُ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِنْتَهَوْا إِلَى أَدْرِعَاتٍ فَلَقِيَ جَمْعاً مِنَ الرُّومِ فَهَزَمُوهُمْ وَغَنَّمَهُمُ اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ.
فَلَمَّا رَأَيْتُ رَاجِعَةً مِنَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ تَدْعُو إِلَى مَحْوِ دِينِ مُحَمَّدٍ وَ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ خَشِيتُ إِنْ أَنَا لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلامَ وَ أَهْلَهُ أَرَى فِيهِ ثَلْماً وَ هَدْماً تَكُ الْمُصِيبَةُ عَلَيَّ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَآيَةِ أُمُورِكُمْ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ ثُمَّ تَزُولُ وَ تَنْقَشِعُ كَمَا يَزُولُ وَيَنْقَشِعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ مَعَ الْقَوْمِ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَهَقَ الْبَاطِلُ وَ كَانَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَإِنْ زَعَمَ الْكَافِرُونَ.
ص: 184
وَلَقَدْ كَانَ سَعْدُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ نَادَى: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي اللَّهِ مَا أَرَدْتُهَا حَتَّى رَأَيْتُكُمْ تَصْرِفُونَهَا عَنْ عَلِيٍّ، وَ لاَ أُبَايِعُكُمْ حَتَّى يُبَايِعَ عَلِيُّ، وَ لَعَلِّي لاَ أَفْعَلُ وَ إِنْ بَايَعَ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَ أَتَى حَوْرَانَ وَ أَقَامَ فِي خَانِ حَتَّى هَلَكَ وَ لَمْ يُبَايِعْ.
وَ قَامَ فَرْوَةُ بْنُ عُمَرَ الْأَنْصَارِيُّ وَ كَانَ يَقُودُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَرَسَيْنِ وَيَصْرِمُ أَلْفَ وَشقِ مِنْ تَمْرِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! أَخْبِرُونِي هَلْ فِيكُمْ رَجُلُ تَحِلُّ لَهُ الْخِلافَةُ وَ فِيهِ مَا فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ؟!.
فَقَالَ قَيْسُ بْنُ مَخْزَمَةَ الزهوي: لَيْسَ فِينَا مَنْ فِيهِ مَا فِي عَليٍّ عليه السلام.
فَقَالَ لَهُ: صَدَقْتَ.
فَهَلْ فِي عَلِيٍّ عليه السلام مَا لَيْسَ فِي أَحَدٍ مِنْكُمْ؟.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَمَا يَصُدُّكُمْ عَنْهُ؟.
قَالَ: إِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.
ص: 185
قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَمِنْ أَحْيَيْتُمْ سُنَتَكُمْ لَقَدْ أَخْطَأْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ جَعَلْتُمُوهَا فِي أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ لَأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ. فَوُلِّي أَبُو بَكْرٍ فَقَارَبَ وَاقْتَصَدَ فَصَحِبْتُهُ مُنَاصِحاً، وَأَطَعْتُهُ فِيمَا أَطَاعَ اللَّهَ فِيهِ جَاهِداً، حَتَّى إِذَا أُحْتُضِرَ، قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْسَ يَعْدِلُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنِّي، وَ لَوْ لاَ خَاصَّةُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عُمَرَ وَ أَمْرُ كَانَا رَضِيَاهُ بَيْنَهُمَا، لَظَنَنْتُ أَنَّهُ لا يَعْدِلُهُ عَنِّي وَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله لِبُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ حِينَ بَعَثَنِي وَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ وَقَالَ: إِذَا افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى حِبَالِهِ، وَإِذَا اجْتَمَعْتُمَا فَعَلِيُّ عَلَيْكُمْ جَمِيعاً، فأغزنا وَ أَصَبْنَا سَبْياً فِيهِمْ خُوَيْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرٍ جَارِ الصَّفَا - وَ إِنَّمَا سُمِّي جَارَ الصَّفَا مِنْ حُسْنِهِ - فَأَخَذْتُ الْحَنَفِيَّةَ خَوْلَةَ وَاغْتَتَمَهَا خَالِدُ مِنِّي، وَ بَعَثَ بُرَيْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله مُحَرَّشْاً عَلَيَّ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَخْذِي خَوْلَةَ، فَقَالَ: يَا بُرَيْدَةُ! حَظِّهُ فِي الْخُمْسِ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَ، إِنَّهُ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي، سَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَ هَذَا بُرَيْدَةُ حَيُّ لَمْ يَمُتْ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مَقَالُ لِقَائِلِ؟!.
فَبَايَعَ عُمَرَ دُونَ الْمَشُورَةِ فَكَانَ مَرَضِيَّ السَّيرَةِ مِنَ النَّاسِ عِنْدَهُمْ، حَتَّى إِذَا أَحْتُضِرَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْسَ يَعْدِلُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنِّي، لِلَّذِي قَدْ رَأَى مِنّي فِي الْمَوَاطِنِ، وَ سَمِعَ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله،
ص: 186
فَجَعَلَنِي سَادِسَ سِتَّةٍ وَ أَمَرَ صُهَيْباً أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ زَيْدَ بْنَ سَعْدِ الْأَنْصَارِيَّ فَقَالَ لَهُ: كُنْ فِي خَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكَ فَاقْتُلْ مَنْ أَبَى أَنْ يَرْضَى مِنْ هَؤُلاَءِ السَّتَّةِ.
فَالْعَجَبُ مِن اِخْتِلَافِ الْقَوْمِ إِذْ زَعَمُوا أَنَّ أَبِي بَكْرٍ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله، فَلَوْ كَانَ هَذَا حَقَّاً لَمْ يَحْفَ عَلَى الْأَنْصَارِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَلَى الشُورَى، ثُمَّ جَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ بِرَأْيِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ جَعَلَهَا عُمَرُ بِرَأْيِهِ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ، فَهَذَا الْعَجَبُ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ قَوْلُ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ هُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ قَوْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَسُولُهُ؟!.
إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَجِيبُ، وَ لَمْ يَكُونُوا لِوِلايَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَكْرَهَ مِنْهُمْ لِوِلَايَتِي! كَانُوا يَسْمَعُونَ وَ أَنَا أُحَاجُّ أَبَا بَكْرٍ وَأَنَا أَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ، مَا كَانَ مِنْكُمْ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَ يَعْرِفُ السُّنَّةَ، وَ يَدِينُ دِينَ الْحَقِّ، وَ إِنَّمَا حُجَّتِي أَنِّي وَلِيُّ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ دُونِ قُرَيْشٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ: الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِعِتْقِ الرِّقَابِ مِنَ النَّارِ، وَ أَعْتَقَهَا مِنَ الرَّقِّ، فَكَانَ لِلنَّبِي صلى الله عليه و آله وَلاَءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَ كَانَ لِي
ص: 187
بَعْدَهُ مَا كَانَ لَهُ، فَمَا جَازَ لِقُرَيْشٍ مِنْ فَضْلِهَا عَلَيْهَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله جَازَ لِبَنِي هَاشِمٍ عَلَى قُرَيْشٍ، وَ جَازَ لِي عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، بِقَوْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله يَوْمَ غَدِير خُمٍّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذَا عَلِيُّ مَوْلاَهُ، إِلاَّ أَنْ تَدَّعِي قُرَيْشُ فَضْلَهَا عَلَى الْعَرَبِ بِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله، فَإِنْ شَاءُ وا فَلْيَقُولُوا ذَلِكَ.
فَخَشِي الْقَوْمُ إِنْ أَنَا وَلَّيتُ عَلَيْهِمْ أَنْ أَخُذَ بِأَنْفَاسِهِمْ، وَأَعْتَرِضَ فِي خُلُوقِهِمْ، وَلاَ يَكُونَ لَهُمْ فِي الْأَمْرِ نَصِيبُ، فَأَجْمَعُوا عَلَى إِجْمَاع رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى صَرَفُوا الْوِلايَةَ عَنِّي إِلَى عُثْمَانَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوهَا وَ يَتَدَاوَلُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - وَأَظْتُهُ جِنّيّاً - فَأَسْمَعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَيْلَةَ بَايَعُوا عُثْمَانَ فَقَالَ:
يَا نَاعِيَ الْإِسْلَامِ قُمْ فَانْعَهُ *** قَدْ مَاتَ عُرْفُ وَبَدَا مُنْكَرُ
مَا لِقُرَيْشٍ لاَ عَلاَ كَعْبُهَا *** مَنْ قَدَّمُوا الْيَوْمَ وَ مَنْ أَخَّرُوا
إِنَّ عَلِيّاً هُوَ أَوْلَى بِهِ *** مِنْهُ فَوَلُّوهُ وَ لا تُنْكِرُوا
فَكَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَةُ، وَ لَوْ لاَ أَنَّ الْعَامَّةَ قَدْ عَلِمَتْ بذَلِكَ لَمْ أَذْكُرْهُ، فَدَعَوْنِي إِلَى بِيعَةِ عُثْمَانَ فَبَايَعْتُ مُسْتَكْرِها، وَ صَبَرْتُ مُحْتَسِباً وَ عَلَّمْتُ أَهْلَ الْقُنُوتِ أَنْ يَقُولُوا: اَللَّهُمَّ لَكَ أَخْلَصَتِ الْقُلُوبُ، وَإِلَيْكَ
ص: 188
شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ، وَأَنْتَ دُعِيتَ بالأَلْسُن، وَإِلَيْكَ تُحُوكِم فِى الْأَعْمَالِ، فَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا، وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا، وَهَوَانَنَا عَلَى النَّاسِ، وَشِدَّةَ الزَّمَانِ، وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ بِنَا، اَللَّهُمَّ فَفَرِّجْ ذَلِكَ بِعَدْلٍ تُظْهِرُهُ، وَسُلْطَانِ حَقُّ تَعْرِفُهُ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ! إِنَّكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ لَحَرِيصٌ؟!.
فَقُلْتُ: لَسْتُ عَلَيْهِ حَريصاً، وَ إِنَّمَا أَطْلُبُ مِيرَاثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَحَقَّهُ، وَإِنَّ وَلاَءَ أُمَّتِهِ لِي مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنْتُمْ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنِّي إِذْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ، وَ تَصْرِفُونَ وَجْهِي دُونَهُ بِالسَّيْفِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وَأَضَاعُوا أَيَّامِي، وَ دَفَعُوا حَقَّي، وَصَغَرُوا قَدْرِي وَ عَظِيمَ مَنْزِلَتِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقَّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ، فَاسْتَلَبُونِيهِ، ثُمَّ قَالَ: اِصْبِرْ مَعْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً.
وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَدْفَعُوا قَرَابَتِي كَمَا قَطَعُوا سَبَبِي فَعَلُوا، وَ لَكِنَّهُمْ لاَ يَجِدُونَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً، إِنَّمَا حَقًّي عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كَرَجُلٍ
ص: 189
لَهُ حَقُّ عَلَى قَوْمٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ أَحْسَنُوا وَ عَجَلُوا لَهُ حَقَّهُ قَبِلَهُ حَامِداً، وَإِنْ أَخَرُوهُ إِلَى أَجَلِهِ أَخَذَهُ غَيْرَ حَامِدٍ، وَ لَيْسَ يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقَّهِ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ.
وَ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَهِدَ إِلَي عَهْداً فَقَالَ: يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ! لَكَ وِلايَتِي فَإِنْ وَلَّوْكَ فِي عَافِيَةٍ وَ رَجَعُوا عَلَيْكَ بِالرَّضَا فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ، وَإِن اِخْتَلَفُوا عَلَيْكَ فَدَعْهُمْ وَ مَا هُمْ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ مَخْرَجاً.
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدُ وَ لاَ مَعِي مُسَاعِدُ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْهَلَاكِ، وَ لَوْ كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَمَّي حَمْزَةُ وَ أَخِي جَعْفَرُ لَمْ أَبَايِعْ كَرْهاً، وَلَكِنَّنِي مُنِيتُ بِرَجُلَيْنِ حَدِيثَي. عَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، اَلْعَبَّاسِ وَ عَقِيلٍ.
فَضَنِنْتُ بِأَهْلِ بَيْتِي عَنِ الْهَلَاكِ، فَأَغْضَيْتُ عَيْنِي عَلَى الْقَذَى، وَ تَجَرَّعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا، وَصَبَرْتُ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَم، وآلَم لِلْقَلْبِ مِنْ حَنِّ الشَّفَارِ.
وَأَمَّا أَمْرُ عُثْمَانَ فَكَأَنَّهُ عُلِمَ مِنَ الْقُرُونِ الْأُولَى عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابِ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى خَذَلَهُ أَهْلُ بَدْرٍ وَ قَتَلَهُ أَهْلُ مِصْرَ.
ص: 190
وَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُ وَ لاَ نَهَيْتُ وَ لَوْ أَنَّنِي أَمَرْتُ كُنْتُ قَاتِلاً، وَ لَوْ أَنَّي نَهَيْتُ كُنْتُ نَاصِراً، وَكَانَ الْأَمْرُ لاَ يَنْفَعُ فِيهِ الْعِيَانُ وَلاَ يَشْفِي فِيهِ الْخَبَرُ، غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرُ مِنْهُ، وَ لاَ يَسْتَطِيعُ مَنْ خَذَلَهُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرُ مِنّي، وَأَنَا جَامِعُ أَمْرَهُ: اسْتَأْثَرَ فَأَسَاء الْآثَرَةَ، وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ، وَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ.
وَ اللَّهِ مَا يَلْزَمُنِي فِي دَم عُثْمَانَ ثُلْمَةُ مَا كُنْتُ إِلاَّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ فِي بَيْتِي فَلَمَّا قَتَلْتُمُوهُ أَتَيْتُمُونِي تُبَايِعُونِّي، فَأَبَيْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَبَيْتُمْ عَلَيَّ فَقَبَضْتُ يَدِي فَبَسَطْتُمُوهَا، وَبَسَطْتُهَا فَمَدَدْتُمُوهَا، ثُمَّ تَدَا كَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَ الْإِبِلِ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وُرُودِهَا، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّكُمْ قَاتِلِي، وَ أَنَّ بَعْضَكُمْ قَاتِلُ لِبَعْضٍ، حَتَّى انْقَطَعَتِ النَّعْلُ، وَ سَقَطَ الرَّدَاءُ، وَوُطِئَ الضَّعِيفُ، وَبَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنْ حُمِلَ إِلَيْهَا الصَّغِيرُ وَ هَدَجَ إِلَيْهَا الْكَبِيرُ، وَتَحَامَلَ إِلَيْهَا الْعَلِيلُ وَ حَسَرَتْ لَهَا الْكِعَابُ. فَقَالُوا: بَايِعْنَا عَلَى مَا بُويعَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْروَعُمَ بَكْرٍ وَ عُمَرُ، فَإِنَّا لَا تَجِدُ غَيْرَكَ وَ لَا تَرْضَى إِلاَّ بِكَ، فَبَايِعْنَا لاَ نَفْتَرِقُ وَ لاَ نَخْتَلِفُ، فَبَايَعْتُكُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ، صلى الله عليه و آله وَدَعَوْتُ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِي.
ص: 191
فَمَنْ بَايَعَنِي طَائِعاً قَبِلْتُ مِنْهُ، وَ مَنْ أَبَى تَرَكْتُهُ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَنِي طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ، فَقَالا: تُبَايِعُكَ عَلَى أَنَّا شُرَكَاؤُكَ فِي الْأَمْرِ. فَقُلْتُ: لاَ، وَ لَكِنَّكُمَا شُرَكَائِي فِي الْقُوَّةِ، وَعَوْنَايَ فِي الْعَجْزِ.
فَبَايَعَانِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَ لَوْ أَبَيَا لَمْ أُكْرِمْهُمَا كَمَا لَمْ أُكْرِهُ غَيْرَهُمَا، وَ كَانَ طَلْحَةُ يَرْجُو أَلْيَمَنَ وَ الزُّبَيْرُ يَرْجُو الْعِرَاقَ، فَلَمَّا عَلِمَا أَنِّي غَيْرُ مُوَلِّيهِمَا اسْتَأْذَنَانِي لِلْعُمْرَةِ يُرِيدَانِ الْغَدْرَ، فَأَتَيَا عَائِشَةَ وَاسْتَخَفَّاهَا مَعَ كُلِّ شَيءٍ فِي نَفْسِهَا عَلَيَّ...
وَقَادَهُمَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَضَمِنَ لَهُمَا الْأَمْوَالَ وَ اَلرَّجَالَ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَقُودَانِهَا إِذْ هِيَ تَقُودُهُمَا، فَاتَّخَذَاهَا فِئَةً يُقَاتِلان دُونَهَا، فَأَيُّ خَطِيئَةِ أَعْظَمُ مِمَّا أَتَيَا إِخْرَاجِهِمَا زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ بَيْتِهَا، فَكَشَفَا عَنْهَا حِجَاباً سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَصَانَا حَلائِلَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا وَلاَ أَنْصَفَا اللَّهَ وَ لاَ رَسُولَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمَا...
فَقَدْ بَغَيَا عَلَيَّ وَ نَكَنَا بَيْعَتِي، وَ مَكَرَا بِي، فَمُنِيتُ بِأَطْوع النَّاسِ فِي النَّاسِ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَ بِأَشْجَعِ النَّاسِ الزُّبَيْرِ، وَ بِأَخْصَمِ النَّاسِ طَلْحَةَ، وَأَعَانَهُمْ عَلَيَّ يَعْلَى بْنُ مُنَبِّهِ بِأَصْوُعَ الدَّنَانِيرِ، وَ اللَّهِ لَئِنِ اِسْتَقَامَ أَمْرِي لَأَجْعَلَنَّ مَالَهُ فَيْنَا لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَتَوُا الْبَصْرَةَ وَأَهْلُهَا
ص: 192
مُجْتَمِعُونَ عَلَى بَيْعَتِي وَ طَاعَتِي، وَ بِهَا شِيعَتِي خُزَانُ بَيْتِ مَالِ اللَّهِ وَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَدَعَوُا النَّاسَ إِلَى مَعْصِيَتِي وَإِلَى نَقْضِ بَيْعَتِي، فَمَنْ أَطَاعَهُمْ أَكْفَرُوهُ، وَ مَنْ عَصَاهُمْ قَتَلُوهُ.
فَنَاجَزَهُمْ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ فَقَتَلُوهَا فِي سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ عُبَّادِ أَهْل الْبَصْرَةِ وَ مُخْبِتِيهِمْ يُسَمَّوْنَ: الْمُثْفَنِينَ، كَأَنَّ رَاحَ أَكُفِّهِمْ ثَفِنَاتُ الْإِبِلِ، وَ أَبَى أَنْ يُبَايِعَهُمْ يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ الْيَشْكُرِيُّ ، فَقَالَ: اِتَّقِيَا اللَّهَ! إِنَّ أَوَّلَكُمْ قَادَنَا إِلَى الْجَنَّةِ فَلاَ يَقُودُنَا آخِرُكُمْ إِلَى النَّارِ، فَلَا تُكَلِّفُونَا أَنْ نُصَدِّقَ الْمُدَّعِيَ وَنَقْضِيَ عَلَى الْغَائِبِ، أَمَّا يَمِينِي فَشَغَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِبَيْعَتِي إِيَّاهُ، وَ هَذِهِ شِمَالِي فَارِغَةً فَخُذَاهَا إِنْ شِئْتُمَا، فَخُلِقَ حَتَّى مَاتَ.
وَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ اَلتَّمِيمِي فَقَالَ: يَا طَلْحَةُ! هَلْ تَعْرِفُ هَذَا الْكِتَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا كِتَابِي إِلَيْكَ. قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا فِيهِ؟ قَالَ:
اِقْرَأْهُ عَلَيَّ فَإِذَا فِيهِ عَيْبُ عُثْمَانَ وَ دُعَاؤُهُ إِلَى قَتْلِهِ، فَسَيَّرَهُ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَأَخَذُوا عَلَى عَامِلِي عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيِّ غَدْراً فَمَثَلُوا بِهِ كُلَّ الْمُثْلَةِ، وَ نَتَفُوا كُلَّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَقَتَلُوا
ص: 193
شِيعَتِي، طَائِفَةً صَبْراً، وَ طَائِفَةً غَدْراً، وَطَائِفَةً عَضُّوا بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى لقُوا اللَّه.
فَوَ اللَّهِ لَوْ لَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِداً لَحَلَّ لِي بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَ دِمَاءُ ذَلِكَ الْجَيْشِ لِرِضَاهُمْ بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ، دَعْ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا أَكْثَرَ مِنَ الْعِدَّةِ الَّتِي قَدْ دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَدَالَ اللَّهُ مِنْهُمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
فَأَمَّا طَلْحَةُ: فَرَمَاهُ مَرْوَانُ بِسَهُم فَقَتَلَهُ.
وَ أَمَّا الزُّبَيْرُ: فَذَكَرْتُهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّكَ تُقَاتِلُ عَلِيّاً عليه السلاموَ أَنْتَ ظَالِمُ لَهُ.
وَأَمَّا عَائِشَةُ: فَإِنَّهَا كَانَ نَهَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَنْ مَسِيرِهَا فَعَضَّتْ يَدَيْهَا نَادِمَةً عَلَى مَا كَانَ مِنْهَا.
وَ قَدْ كَانَ طَلْحَةُ لَمَّا نَزَلَ ذَا قَارٍ قَامَ خَطِيباً فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّا أَخْطَأْنَا فِي عُثْمَانَ خَطِيئَةً مَا يُخْرِجُنَا مِنْهَا إِلاَّ الطَّلَبُ بِدَمِهِ، وَعَلِيُّ قَاتِلُهُ، وَ عَلَيْهِ دَمُهُ. وَ قَدْ نَزَلَ دارن مَعَ شُكَّاكِ الْيَمَنِ وَ نَصَارَى رَبِيعَةَ وَ مُنَافِقِي مُضَرَ، فَلَمَّا بَلَغَنِي قَوْلُهُ وَ قَوْلُ كَانَ عَنِ الزُّبَيْرِ فِيهِ، بَعَثْتُ إِلَيْهِمَا أُنَاشِدُهُمَا بِحَقِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مَا أَتَيْتُمَانِي وَأَهْلُ
ص: 194
مِصْرَ مُحَاصِرُ و عُثْمَانَ، فَقُلْتُمَا اِذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُل فَإِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ قَتْلَهُ إِلاَّ بِكَ، لِمَا تَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَّرَ أَبَا ذَرٍّ رَحِمَهُ اللهُ، وَفَتَقَ عَمَّاراً، وَ آوَى الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ وَ قَدْ طَرَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ اسْتَعْمَلَ الْفَاسِقَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ، وَ سَلَّطَ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْعُذْرِيَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يُمَزِّقُ وَ يَخْرِقُ.
فَقُلْتُ: كُلَّ هَذَا قَدْ عَلِمْتُ وَ لا أَرَى قَتْلَهُ يَوْمِي هَذَا، وَأَوْشَكَ سِقَاؤُهُ أَنْ يُخْرِجَ الْمَخْضُ زُبْدَتَهُ، فَأَقَرًا بِمَا قُلْتُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمَا إِنَّكُمَا تَطْلُبَان بِدَم عُثْمَانَ فَهَذَان إِبْنَاهُ عَمْرُو وَسَعِيدُ فَخَلُّوا عَنْهُمَا يَطْلُبَان دَمَ أَبِيهِمَا، مَتَى كَانَتْ أَسَدُ وَ تَيْمُ أَوْلِيَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ؟!
فَانْقَطَعَا عِنْدَ ذَلِكَ. فَقَامَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنِ الْخُزَاعِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ هُوَ الَّذِي جَاءَتْ عَنْهُ الْأَحَادِيثُ - وَقَالَ: يَا هَذَانِ لاَ تَخْرُجَانِ بِبَيْعَتِكُمَا مِنْ طَاعَةِ عَلِيٍّ، وَ لاَ تَحْمِلَانَا عَلَى نَقْضِ بَيْعَتِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّهِ رِضًا، أَمَا وَسِعَتْكُمَا بُيُوتُكُمَا حَتَّى أَتَيْتُمَا بِأُمِّ اَلْمُؤْمِنِينَ؟!
ص: 195
فَالْعَجَبُ لاخْتِلاَفِهَا إِيَّاكُمَا، وَ مَسِيرهَا مَعَكُمَا، فَكُفَّا عَنَّا أَنْفُسَكُمَا، و ارْجِعَا مِنْ حَيْثُ جِئْتُمَا، فَلَسْنَا عَبِيدَ مَنْ غَلَبَ، وَ لاَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ، فَهَمَّا بِهِ ثُمَّ كَفَّا عَنْهُ، وَ كَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ شَكَّتْ فِي مَسِيرِهَا وَ تَعَاظَمَتِ الْقِتَالَ.
فَدَعَتْ كَاتِبَهَا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ النُمَيْرِيَّ فَقَالَتْ: أَكْتُبْ، مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: هَذَا أَمْرُ لاَ يَجْرِي بِهِ الْقَلَمُ. قَالَتْ: وَ لِمَ؟! قَالَ: لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي الْإِسْلَامِ أَوَّلُ، وَ لَهُ بِذَلِكَ الْبَدَاءُ فِي الْكِتَابِ.
فَقَالَتِ: أَكْتُبْ، إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ عَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ قَرَابَتَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَ لاَ قَدَمَكَ فِي الْإِسْلام، وَ لاَ غِنَاكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ مُصْلِحَةٌ بَيْنَ بَنِيَّ لاَ أُرِيدُ حَرْبَكَ إِنْ كَفَفْتَ عَنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فِي كَلَامِ لَهَا كَثِيرٍ.
فَلَمْ أَجِبْهَا بِحَرْفٍ، وَ أَخَّرْتُ جَوَابَهَا لِقِتَالِهَا، فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ لِيَ اَلْحُسْنَى سِرْتُ إِلَى الْكُوفَةِ وَ اسْتَخْلَفْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَ قَدِ اتَّسَقَتْ لِيَ الْوُجُوهُ كُلُّهَا إِلاَّ الشّامُ،
ص: 196
فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ الْحُجَّةَ، وَ أَقْضِيَ الْعُذْرَ، وَأَخَذْتُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَ إِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ.
فَبَعَثْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ مُعْذِراً إِلَيْهِ، مُتَّخِذاً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِ، فَرَدَّ كِتَابِي، وَ جَحَدَ حَقِّي، وَ دَفَعَ بَيْعَتِي، وَ بَعَثَ إِلَيَّ أَنِ اِبْعَثْ إِلَيَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ: مَا أَنْتَ وَ قَتَلَةَ عُثْمَانَ؟! أَوْلَادُهُ أَوْلَى بِهِ، فَادْخُلْ أَنْتَ وَهُمْ فِي طَاعَتِي ثُمَّ خَاصِمُوا إِلَى الْقَوْمَ لِأَحْمِلَكُمْ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَإِلا فَهَذِهِ خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنْ رَضَاعَ الْمَلِيِّ.
فَلَمَّا يَئِسَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ بَعَثَ إِلَيَّ أَنِ إِجْعَلِ الشَّامَ لِي حَيَاتَكَ، فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَادِثَةُ عَنِ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عَلَيَّ طَاعَةُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَخْلَعَ طَاعَتِي مِنْ عُنُقِهِ فَأَبَيْتُ عَلَيْهِ. فَبَعَثَ إِلَيَّ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا الْحُكَّامَ عَلَى أَهْل الشَّامِ فَلَمَّا قَتَلُوا عُثْمَانَ صَارَ أَهْلُ الشَّامِ اَلْحُكَّامَ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ.
فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَسَمَّ لِي رَجُلاً مِنْ قُرَيْشِ الشَّامِ تَحِلُّ لَهُ الْخِلافَةُ، وَيُقْبَلُ فِى الشُّورَى فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ سَمَّيْتُ لَكَ مِنْ قُرَيْشٍ الْحِجَازِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الْخِلافَةُ، وَيُقْبَلُ فِي الشُورَى، وَ نَظَرْتُ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ فَإِذَا هُمْ بَقِيَّةُ الْأَحْزَابِ فَرَاشُ نَارٍ وَ ذُبَابُ طَمَعِ تَجْمَعُ مِنْ كُلِّ
ص: 197
أَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤَدَّبَ وَيُحْمَلُ عَلَى السُّنَّةِ، لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ لاَ الْأَنْصَارِ وَ لاَ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ، فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَ اَلْجَمَاعَةِ فَأَبَوْا إِلاَّ فِرَاقِي وَ شِقَاقِي، ثُمَّ نَهَضُوا فِي وَجْهِ الْمُسْلِمِينَ، يَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ، وَ يَشْجُرُونَهُمْ بِالرَّمَاحِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَهَضْتُ إِلَيْهِمْ.
فَلَمَّا عَضَّتْهُمُ السَّلاَحُ، وَوَجَدُوا أَلَمَ الْجِرَاحَ رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ فَدَعَوْكُمْ إِلَى مَا فِيهَا، فَأَنْبَأْتُكُمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ دِينِ وَ لاَ قُرْآنِ وَإِنَّمَا رَفَعُوهَا مَكِيدَةً وَ خَدِيعَةً، فَامْضُوا لِقِتَالِهِمْ، فَقُلْتُمُ: اقْبَلْ مِنْهُمْ وَ اكففت [أكْفُفْ] عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ إِنْ أَجَابُوا إِلَى مَا فِي الْقُرْآنِ جَامَعُونَا عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَقَبِلْتُ مِنْهُمْ وَ كَفَفْتُ عَنْهُمْ، فَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عَلَى رَجُلَيْنِ حَكَمَيْنِ لِيُحْيِيَا مَا أَحْيَاهُ الْقُرْآنُ وَيُمِيتَا مَا أَمَاتَهُ الْقُرْآنُ.
فَاخْتَلَفَ رَأَيْهُمَا وَاِخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا، فَنَبَذَا مَا فِي الْكِتَابِ وَ خَالَفَا مَا فِي الْقُرْآنِ وَ كَانَا أَهْلَهُ، ثُمَّ إِنَّ طَائِفَةً اِعْتَزَلَتْ فَتَرَكْنَاهُمْ مَا تَرَكُونَا حَتَّى إِذَا عَانُوا فِي الْأَرْضِ يُفْسِدُونَ وَ يَقْتُلُونَ، وَ كَانَ فِيمَنْ قَتَلُوهُ أَهْلُ مِيرَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَ قَتَلُوا خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ وَابْنَهُ وَ أُمَّ وَلَدِهِ، وَالْحَارِثَ بْنَ مُرَّةَ الْعَبْدِيَّ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِمْ دَاعِياً، فَقُلْتُ: اِدْفَعُوا إِلَيْنَا قَتَلَةَ إِخْوَانِنَا،
ص: 198
فَقَالُوا: كُلُّنَا قَتَلَتْهُمْ، ثُمَّ شَدَّتْ عَلَيْنَا خَيْلُهُمْ وَ رِجَالُهُمْ فَصَرَعَهُمُ اللَّهُ مَصَارِعَ الظَّالِمِينَ.
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَمْضُوا مِنْ فَوْرِكُمْ ذَلِكَ إِلَى عَدُوَّكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَلَّتْ سُيُوفُنَا، وَ نَصَلَتْ أَسِنَّةُ رِمَاحِنَا، وَعَادَ أَكْثَرُهَا قَصِيداً فَأْذَنْ لَنَا فَلْتَرْجِعْ وَلْنَقْصِد بِأَحْسَنِ عُدَّتِنَا، وَإِذَا نَحْنُ رَجَعْنَا زِدْنَا فِي مُقَاتَلَتِنَا عِدَّةَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا حَتَّى إِذَا أَظْلَلْتُمْ عَلَى النُّخَيْلَةِ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَلْزَمُوا مُعَسْكَرَكُمْ، وَ أَنْ تَضُمُّوا إِلَيْهِ نَوَاصِيَكُمْ، وَأَنْ تُوَطَّنُوا عَلَى الْجِهَادِ نُفُوسَكُمْ، وَلاَ تُكْثِرُوا زِيَارَةَ أَبْنَائِكُمْ وَلاَ نِسَائِكُمْ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ مُصَابِرُوهَا وَ أَهْلَ التَّشْهِيرِ فِيهَا، وَالَّذِينَ لَا يَتَوَجَّدُونَ مِنْ سَهَر لَيْلِهِمْ، وَلاَ ظَمَإِ نَهَارِهِمْ، وَلاَ فِقْدَان أَوْلاَدِهِمْ وَلاَ نِسَائِهِمْ، وَ أَقَامَتْ طَائِفَةُ مِنْكُمْ مُعَدَّةً وَ طَائِفَةً دَخَلَتِ الْمِصْرَ عَاصِيَةً، فَلاَ مَنْ دَخَلَ الْمِصْرَ عَادَ إِلَيَّ وَ لاَ مَنْ أَقَامَ مِنْكُمْ ثَبَتَ مَعِي وَ لاَ صَبَرَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَ مَا فِي عَسْكَرِي مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلاً، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ دَخَلْتُ عَلَيْكُمْ فَمَا قُدْرَ لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مَعِي إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا، لِلَّهِ أَبُوكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَيُّ مِصْرِ قَدِ افْتُتِحَتْ؟ وَ أَيُّ أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ؟ وَ أَيُّ مَسَالِحِكُمْ تُرْقَى؟ وَأَيُّ بِلاَدِكُمْ تُغْزَى؟ وَ أَنْتُمْ ذَوُو
ص: 199
عَدَدٍ جَمَّ وَ شَوْكَةٍ شَدِيدَةٍ، وَ أُولُو بَأْسٍ قَدْ كَانَ مَخُوفاً، لِلَّهِ أَنْتُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟.
أَلاَ إِنَّ الْقَوْمَ جَدُّوا وَ تَأْسَوْا وَ تَنَاصَرُوا، وَإِنَّكُمْ أَبَيْتُمْ وَ وَنَيْتُمْ وَ تَخَاذَلْتُمْ وَ تَغَاشَشْتُمْ، مَا أَنْتُمْ إِنْ بَقِيتُمْ عَلَى ذَلِكَ سُعَدَاءَ، فَأَنْبِهُوا - رَحِمَكُمُ اَللَّهُ - نَائِمَكُمْ، وَ تَحَرَّوْا لِحَرْب عَدُوّكُمْ، فَقَدْ أَبْدَتِ الرَّغْوَةُ عَن الصَّرِيح، وَ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ فَانْتَبِهُوا إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ الطَّلَقَاء وَ أَبْنَاء الطَّلَقَاء وَأَهْلَ الْجَفَاءِ، وَ مَنْ أَسْلَمَ كَرْهاً، وَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنِفاً، وَ لِلْإِسْلام كُلِّهِ حَرْباً، أَعْدَاءَ السُّنَّةِ وَ الْقُرْآنِ، وَ أَهْلَ الْبِدَع وَالْأَحْدَاثِ، وَ مَنْ كَانَتْ نِكَايَتُهُ تُتَّقَى وَ كَانَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَ أَهْلِهِ مَخُوفاً، وَأَكَلَةَ الرَّشَا، وَعَبِيدَ الدُّنْيَا.
وَ لَقَدْ أُنْهِيَ إِلَيَّ أَنَّ ابْنَ النَّابِغَةِ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً هِيَ أَعْظَمُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ سُلْطَانِهِ، فَصَغُرَتْ يَدُ هَذَا الْبَائِعِ دِينَهُ بِالدُّنْيَا، وَ خَزِيَتْ أَمَانَةُ هَذَا الْمُشْتَرِي بِنُصْرَةِ فَاسِقٍ غَادِرٍ بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَيُّ سَهْمٍ لِهَذَا الْمُشْتَرِي وَ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَ ضُرِبَ حَدّاً فِي الْإِسْلَام، وَكُلُّكُمْ يَعْرِفُهُ بِالْفَسَادِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ، يَدْخُلْ فِي الْإِسْلَام وَأَهْلِهِ حَتَّى رُضِحَ لَهُ عَلَيْهِ رَضِيحَةُ، فَهَؤُلَاءِ قَادَةُ الْقَوْمِ، وَ مَنْ تَرَكْتُ لَكُمْ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ أَكْثَرُ وَ أَبْوَرُ، وَ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُمْ
ص: 200
بِأَغْيَانِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ كَانُوا عَلَى الْإِسْلَام ضِدّاً، وَ لِنَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَرْباً، وَ لِلشَّيْطَانِ حِزْباً، لَمْ يَتَقَدَّمْ إِيمَانُهُمْ، وَ لَمْ يَحْدُثْ نِفَاقُهُمْ، وَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَوْ وُلُّوا عَلَيْكُمْ لَأَظْهَرُوا فِيكُمُ الْفَخْرَ وَ التَّكَبُرَ وَ النَّسَلَّطَ بِالْجَبَرِيَّةِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَأَنْتُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ تَوَاكُل وَ تَخَاذُلٍ خَيْرُ مِنْهُمْ وَ أَهْدَى سَبِيلاً، مِنْكُمُ الْفُقَهَا، وَالْعُلَماء و الْفُهَمَاءُ وَ حَمَلَةُ الْكِتَابِ وَالْمُتَهَجِّدُونَ بِالْأَسْحَارِ، أَلاَ تَسْخَطُونَ وَ تَنْقِمُونَ أَنْ يُنَازِعَكُمُ الْوَلَايَةَ السُّفَهَاءُ الْبُطَاةُ عَنِ الْإِسْلَامِ الْجُفَاةُ فِيهِ؟!
إِسْمَعُوا قَوْلِي - يَهْدِكُمُ اللَّهُ - إِذَا قُلْتُ، وَأَطِيعُوا أَمْرِي إِذَا أَمَرْتُ، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ أَطَعْتُمُونِي لاَ تَغْوُوا، وَ إِنْ عَصَيْتُمُونِي لاَ تَرْشُدُوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهدِّي إلاّ أَنْ يُهْدَى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ وَلِكُلِّ قَوْمِ هَادٍ، فَالْهَادِي مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله هَادٍ لِأُمَّتِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، فَمَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الْهَادِيَ إِلاَّ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَقَادَكُمْ إِلَى الْهُدَى، خُذُوا لِلْحَرْبِ أَهْبَتَهَا، وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا، فَقَدْ شُبَّتْ وَأُوْقِدَتْ نَارُهَا، وَ تَجَرَّدَ لَكُمُ الْفَاسِقُونَ لِكَيْلاً يُطْفِوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَغْرُوا عِبَادَ اللَّهِ، أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَ
ص: 201
أَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ مِنْ أَهْلِ الطَّمَع وَ الْجَفَاءِ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ وَ الإخباث فِي طَاعَةِ رَبِّهِمْ وَ مُنَاصَحَةِ إِمَامِهِمْ.
إِنِّي وَ اللَّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَحْدِي وَ هُمْ أَهْلُ الْأَرْضِ مَا اسْتَوْحَشْتُ مِنْهُمْ وَ لا بَالَيْتُ، وَ لَكِنْ أَسَفُ يَرِينِي، وَ جَزَعُ يَعْتَرِينِي مِنْ أَنْ يَلِي هَذِهِ الْأُمَّةَ فُجَّارُهَا وَسُفَهَاؤُهَا فَيَتَّخِذُونَ مَالَ اللَّهِ دُوَلاً، وَكِتَابَ اللَّهِ دَغَلاً، وَ اَلْفَاسِقِينَ حِزْباً، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً.
وَ أَيْمُ اللَّهِ لَوْ لاَ ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْنِيبَكُمْ وَتَحْرِيصَهُمْ، وَتَرَكْتُكُمْ إِذَا أَبَيْتُمْ حَتَّى أَلْقَاهُمْ مَتَى حُمَّ لِي لِقَاؤُهُمْ، فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَعَلَى الْحَقِّ، وَ إِنَّنِي لِلشَّهَادَةِ لَمُحِبُّ، وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ رَبِّي لَمُشْتَاقُ، وَ لِحُسْنِ ثَوَابِهِ مُنْتَظِرُ، إِنِّي نَافَرْتُكُمْ فَانْفِرُوا خِفَافاً وَ ثِقَالاً وَ جَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تَثَّاقَلُوا فِي الْأَرْضِ فَتَعْمَوْا بِالذُّلِّ، وَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ، وَ يَكُونَ نَصِيبُكُمُ الْأَخْسَرَ، إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْيَقْظَانُ الْأَرِقُ إِنْ نَامَ لَمْ تَنَمْ عَيْنُهُ، وَ مَنْ ضَعُفَ أُوذِيَ، وَ مَنْ كَرِهَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ الْمَغْبُونَ الْمَهِينَ، إِنِّي لَكُمُ الْيَوْمَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ أَمْسِ وَ لَسْتُمْ لِي عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ، مَنْ تَكُونُوا نَاصِرِيهِ أَخَذَ بِالسَّهْمِ الْأَخْیَبِ.
ص: 202
وَ اللَّهِ لَوْ نَصَرْتُمُ اللَّهَ لَنَصَرَكُمْ وَ ثَبَّتَ أَقْدَامَكُمْ، إِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَنْصُرَ مَنْ نَصَرَهُ وَيَخْذُلَ مَنْ خَذَلَهُ، أَتَرَوْنَ الْغَلَبَةَ لِمَنْ صَبَرَ بِغَيْرِ نَصْرِ وَ قَدْ يَكُونُ الصَّبْرُ جُبْناً وَ يَكُونُ حَمِيَّةً، وَإِنَّمَا الصَّبْرُ بِالنَّصْرِ وَالْوُرُودُ بِالصَّدْرِ، وَ الْبَرْقُ بِالْمَطَرِ. اَللَّهُمَّ اجْمَعْنَا وَ إِيَّاهُمْ عَلَى الْهُدَى، وَ زَهَّدْنَا وَإِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَاجْعَلِ الْآخِرَةَ خَيْراً لَنَا مِنَ الْأُولَى(1).
قَالَ سُلَيْمُ: شَهِدْتُ عَلِيّاً عليه السلام حِينَ عَادَ زِيَادَ بْنَ عُبَيْدِ بَعْدَ ظُهُورِهِ عَلَى أَهْلِ الْجَمَلِ، وَ إِنَّ الْبَيْتَ لَمُمْتَلِئُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِيهِمْ عَمَّارُ وَأَبُو الْهَيْثَم بْنُ اَلتَّیِّهَان وأَبُو أَيُّوبَ وَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ بَدْرِ نَحْوُ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلاً - وَ زِيَادُ فِي بَيْتٍ عَظِيمٍ شِبْهَ الْبَهْوِ - إِذْ أَتَاهُ رَجُلُ بِكِتَابِ مِنْ رَجُلٍ مِنَ الشَّيعَةِ بِالشَّامِ:
إِنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَنْفَرَ النَّاسَ وَ دَعَاهُمْ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، وَ كَانَ فِيمَا يَحُضُهُمْ بِهِ أَنْ قَالَ: إِنَّ عَلِيّاً قَتَلَ عُثْمَانَ وَآوَى فَتَلَتَهُ، وَإِنَّهُ يَطْعَنُ عَلَى
ص: 203
أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَيَدَّعِي أَنَّهُ خَلِيفَةً رَسُولِ اللَّهِ وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ مِنْهُمَا. فَنَفَرَتِ الْعَامَّةُ وَالْقُرَّاءُ، وَ اجْتَمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ.
قال عليه السلام: فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا لَقِيتُ مِنَ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها مُنْذُ قُبِضَ صلى الله عليه و آله:
فَأَقَامَ عُمَرُ وَ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ ظَاهَرُوا عَلَيَّ أَبَا بَكْرٍ فَبَايَعُوهُ وَ أَنَا مَشْغُولُ بِغُسْل رَسُولِ اللهِ صلى الله علیه و آله وَ كَفْنِهِ وَ دَفْنِهِ، وَ مَا فَرَغْتُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَايَعُوهُ وَ خَاصَمُوا الْأَنْصَارَ بِحُجَّتِي وَحَقِّي. وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ يَقِيناً وَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُ «أَنِّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ». فَلَمَّا رَأَيْتُ اِجْتِمَاعَهُمْ عَلَيْهِ وَ تَرْكَهُمْ إِيَّايَ نَاشَدْتُهُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحَمَلْتُ فَاطِمَةَ عَلَى حِمَارٍ وَ أَخَذْتُ بِيَدِ ابْنِي الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ لَعَلَّهُمْ يَرْعَوُونَ، فَلَمْ أَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ لَا أَهْلِ السَّابِقَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلاَّ اسْتَعَنْتُهُمْ وَ دَعَوْتُهُمْ إِلَى نُصْرَتِي وَ نَاشَدْتُهُمُ اللَّهَ حَقَّى، فَلَمْ يُجِيبُونِي وَ لَمْ يَنْصُرُونِي. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَا مَعَاشِرَ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَنِّي لَمْ أَقُلْ إِلاَّ حَقّاً.
قَالُوا: صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ بَرَرْتَ، فَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ وَ نَتُوبُ إِلَيْهِ.
ص: 204
قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ قَرِيبِي عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَخَشِيتُ فُرْقَةً أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَ اِخْتِلَافَ كَلِمَتِهِمْ، وَ ذَكَرْتُ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِأَنَّهُ أَخْبَرَنِي بِمَا صَنَعُوا وَ أَمَرَنِي: إِنْ وَجَدْتُ أَعْوَاناً جَاهَدْتُهُمْ وَ إِنْ لَمْ أَجِدْ أَعْوَاناً كَفَفْتُ يَدِي وَ حَقَنْتُ دَمِي.
ثُمَّ رَدَّهَا أَبُو بَكْرٍ إِلَى عُمَرَ وَ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ يَقِينَا أَنِّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ عُمَرَ فَكَرِهْتُ الْفُرْقَةَ فَبَايَعْتُ وَ سَمِعْتُ وَأَطَعْتُ.
ثُمَّ جَعَلَنِي عُمَرُ سَادِسَ سِتَّةٍ فَوَلَّى الْأَمْرَ ابْنَ عَوْفٍ، فَخَلَا بِابْنِ عَفَّانَ فَجَعَلَهَا لَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ بَايَعَهُ، فَكَرِهْتُ الْفُرْقَةُ وَالاخْتِلَافَ.
ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ غَدَرَ بِابْن عَوْفٍ وَ زَوَاهَا عَنْهُ، فَبَرِئَ مِنْهُ ابْنُ عَوْفٍ وَ قَامَ خَطِيباً فَخَلَعَهُ كَمَا خَلَعَ نَعْلَهُ. ثُمَّ مَاتَ إِبْنُ عَوْفٍ وَأَوْصَى أَنْ لاَ يُصَلِّي عَلَيْهِ عُثْمَانُ، وَ زَعَمَ وَلْدُ اِبْن عَوْفٍ أَنَّ عُثْمَانَ سَمَّهُ.
ثُمَّ قُتِلَ، وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرِهِمْ. ثُمَّ أَتَوْنِي فَبَايَعُونِي طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ.
ثُمَّ إِنَّ الزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ أَتَيَانِي يَسْتَأْذِنَانِي فِي الْعُمْرَةِ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِمَا أَلاَّ يَنْكُنَا بَيْعَتِي وَ لَا يَغْدِرَا بِي وَ لَا يَبْغِيَا عَلَيَّ غَائِلَةً، ثُمَّ تَوَجَّهَا إِلَى مَكَّةَ
ص: 205
فَسَارًا بِعَائِشَةَ إِلَى أَهْلِ مَدَرَةَ كَثِيرُ جَهْلُهُمْ قَلِيلٌ فِقهُهُمْ، فَحَمَلُوهُمْ عَلَى نَكْثِ بَيْعَتِي وَ اِسْتِحْلالِ دَمِي.
ثُمَّ ذَكَرَ عليه السلام عَائِشَةَ وَ خُرُوجَهَا مِنْ بَيْتِهَا وَ مَا رَكِبَتْ مِنْهُ. فَقَالَ عَمَّارُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُفَّ عَنْهَا فَإِنَّهَا أُمُّكَ»!. فَتَرَكَ ذِكْرَهَا وَ أَخَذَ فِي شَيءٍ آخَرَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى ذِكْرِهَا فَقَالَ أَشَدَّ مِمَّا قَالَ أَوْلاً فَقَالَ عَمَّارُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُفَّ عَنْهَا فَإِنَّهَا أُمُّكَ». فَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهَا ثُمَّ و عَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ أَشَدَّ مِمَّا قَالَ. قَالَ: فَقَالَ عَمَّارُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُفَّ عَنْهَا فَإِنَّهَا أُمُّكَ». فَقَالَ: كَلاَّ، إِنِّي مَعَ اللَّهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَإِنَّ أُمَّكُمْ اِبْتَلَاكُمُ اللَّهُ بِهَا لِيَعْلَمَ أَ مَعَهُ تَكُونُونَ أَمْ مَعَهَا.
قَالَ سُلَيْمَ: ثُمَّ ذَكَرَ عَلِيُّ عليه السلام بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَ عُثْمَانَ فَقَالَ: «لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ، وَلاَ وَاللَّهِ مَا هُوَ كَمَا يَقُولُونَ»، ثُمَّ سَكَتَ. فَقَالَ لَهُ عَمَّارُ: وَ مَا يَقُولُونَ؟
فَقَالَ: يَقُولُونَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَداً وَإِنَّهُمْ إِنَّمَا تُرِكُوا لِيَتَشَاوَرُوا»، فَفَعَلُوا غَيْرَ مَا أُمِرُوا فِي قَوْلِهِ. فَقَدْ بَايَعَ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ وَ لاَ رِضًى مِنْ أَحَدٍ، ثُمَّ أَكْرَهُونِي وَ أَصْحَابِي عَلَى الْبَيْعَةِ. ثُمَّ بَايَعَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ. ثُمَّ جَعَلَهَا
ص: 206
عُمَرُ شُورَى بَيْنَ سِتَّةِ رَهْطٍ وَ أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ جَمِيعَ الْأَنْصَارِ وَ الْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ هَؤُلَاءِ السَّتَّةَ ثُمَّ قَالَ: «يُصَلِّي صُهَيْبُ بِالنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ: «إِنْ مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَ لَمْ يَفْرُغِ الْقَوْمُ أَنْ تُضْرَبَ رِقَابُهُمْ، وَإِنِ اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ وَخَالَفَ اثْنَانِ أَنْ يَقْتُلُوا الاثْنَيْنِ». ثُمَّ تَشَاوَرُوا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَ كَانَتْ بَيْعَتُهُمْ عَنْ مَشُورَةٍ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ وَ مَلَيْهِمْ، ثُمَّ صَنَعُوا مَا رَأَيْتُمْ! ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مُوسَى قَالَ لِهَارُونَ: (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّ تَتَّبِعَنِ) إِلَى قَوْلِهِ (وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)، وَ أَنَا مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى. عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: «إِنْ ضَلَّتِ الْأُمَّةُ بَعْدَهُ وَ تَبِعَتْ غَيْرِي أَنْ أُجَاهِدَهُمْ إِنْ وَجَدْتُ أَعْوَاناً، وَ إِنْ لَمْ أَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ أَكُفَّ يَدِي وَأَحْقُنَ دَمِي». وَ أَخْبَرَنِي بِمَا الْأُمَّةُ صَائِعَةُ بَعْدَهُ.
فَلَمَّا وَجَدْتُ أَعْوَاناً بَعْدَ قَتْل عُثْمَانَ عَلَى إِقَامَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَ إِحْيَاءِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَسَعْنِي الْكَفُّ، فَبَسَطْتُ يَدِي فَقَاتَلْتُ هَؤُلاَءِ النَّاكِثِينَ، وَ أَنَا غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُقَاتِلُ الْقَاسِطِينَ بِأَرْضِ الشَّامِ فِي مَوْضِعِ يُقَالُ لَهُ «صِفِّينُ»، ثُمَّ أَنَا بَعْدَ ذَلِكَ مُقَاتِلُ الْمَارِقِينَ بِأَرْضِ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهَا «النَّهْرَوَانُ». أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِقِتَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثِ.
ص: 207
وَ كَفَفْتُ يَدِي لِغَيْرِ عَجْزِ وَ لاَ جُبْنِ وَ لاَ كَرَاهِيَةٍ لِلقَاءِ رَبِّي، وَلَكِنْ لِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ حِفْظِ وَصِيَّتِهِ. فَلَمَّا وَجَدْتُ أَعْوَاناً نَظَرْتُ فَلَمْ أَجِدْ بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ ثَالِثاً: إِمَّا الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَ الْجُهُودِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَ مُعَالَجَةِ الْأَغْلالِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَالارْتِدَادِ عَنِ الْإِسْلامِ.
وَ قَدْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِي، وَ أَنَّ لِحْيَتِي سَتَخْضَبُ مِنْ دَمِ رَأْسِي، بَلْ قَاتِلِي أَشْقَى الْأَوَّلِينَ وَ الآخِرِينَ رَجُلُ أَحَيْمِرُ يَعْدِلُ عَاقِرَ النَّاقَةِ وَ يَعْدِلُ قَابِيلَ قَاتِلَ أَخِيهِ هَابِيلَ وَ فِرْعَوْنَ الْفَرَاعِنَةِ وَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ وَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَدَّلاً كِتَابَهُمْ وَغَيَّرَا سُنَّتَهُمْ. ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: وَرَجُلَيْنِ مِنْ أُمَّتِي.
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: إِنَّ عَلَيْهِمَا خَطَايَا أُمَّةِ مُحَمَّدٍ. إِنَّ كُلَّ دَمٍ سُفِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ مَالٍ يُؤْكَلُ حَرَاماً وَ فَرْجِ يُغْشَى حَرَاماً وَ حُكْمٍ يُجَارُ فِيهِ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ إِثْمِ مَنْ عَمِلَ بِهِ شَيءُ.
ص: 208
قَالَ عَمَّارُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَمَّهِمَا لَنَا فَنَلْعَنَهُمَا، قَالَ: يَا عَمَّارُ، أَ لَسْتَ تَتَوَلَّى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ تَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: وَ تَتَوَلاَّنِي وَ تَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّي؟
قَالَ: بَلَى. قَالَ: حَسْبُكَ يَا عَمَّارُ، قَدْ بَرِئْتَ مِنْهُمَا وَلَعَنْتَهُمَا وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْهُمَا بِأَسْمَائِهِمَا.
قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ سَمَّيْتَهُمَا لِأَصْحَابِكَ فَبَرِءُوا مِنْهُمَا كَانَ أَمْثَلَ مِنْ تَرْكِ ذَلِكَ. قَالَ: رَحِمَ اللهُ سَلْمَانَ وَأَبَا ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادَ، مَا كَانَ أَعْرَفَهُمْ بِهِمَا وَأَشَدَّ بَرَاءَتَهُمْ مِنْهُمَا وَلَعَنْتَهُمْ لَهُمَا.
قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَسَمَّهِمَا فَإِنَّا نَشْهَدُ أَنْ نَتَوَلَّى مَنْ تَوَلَّيْتَ وَ نَتَبَرَّأَ مِمَّنْ تَبَوَّأْتَ مِنْهُ. قَالَ: يَا عَمَّارُ، إِذَا يُقْتَلُ أَصْحَابِي وَ تَتَفَرَّقُ عَنِّي جَمَاعَتِي وَ أَهْلُ عَسْكَرِي وَ كَثِيرٌ مِمَّنْ تَرَى حَوْلِي. يَا عَمَّارُ، مَنْ تَوَلَّى مُوسَى وَهَارُونَ وَ بَرِئَ مِنْ عَدُوِّهِمَا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْعِجْل وَ السَّامِرِيِّ، وَ مَنْ تَوَلَّى الْعِجْلَ وَالسَّامِرِيَّ وَبَرِئَ مِنْ، عَدُوِّهِمَا فَقَدْ بَرئَ مِنْ مُوسَى وَهَارُونَ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُ.
ص: 209
يَا عَمَّارُ، وَ مَنْ تَوَلَّى رَسُولَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَ تَوَلاَّنِي وَ تَبَرَّأَ مِنْ عَدُوّي فَقَدْ بَرِئَ مِنْهُمَا، وَ مَنْ بَرِئَ مِنْ عَدُوِّهِمَا فَقَدْ بَرِئَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُ.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لاَ تُسَمِّهِمَا فَقَدْ عَرَفْتُهُمَا وَ نُشْهِدُ اللَّهَ أَنْ نَتَوَلاَّكَ وَ نَبْرَأَ مِنْ عَدُوّكَ كُلِّهِمْ، قَرِيبِهِمْ وَ بَعِيدِهِمْ، وَ أَوَّلِهِمْ وَ آخِرِهِمْ، وَحَيْهِمْ وَ مَيَّتِهِمْ، وَشَاهِدِهِمْ وَ غَائِبِهِمْ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْم نَجِيباً وَ شَاهِداً عَلَيْهِمْ وَ شَافِعاً لأَمَاثِلِهم، وَأَفْضَلُ النُّجَبَاءِ النَّجِيبُ مِنْ أَهْلِ اَلسَّوْءِ وَ إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَنَجِيبُ أَهْلِ بَيْتِكَ.
أَمَا إِنِّي سَأُخْبِرُكَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ عِنْدَهُ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ، ثُمَّ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَائِشَةَ إِلَى أَبِيهَا وَ حَفْصَةَ إِلَى أَبِيهَا وَأَمَرَ ابْنَتَهُ فَأَرْسَلَتْ إِلَى زَوْجِهَا عُثْمَانَ، فَدَخَلُوا.
فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، يَا عُمَرُ، يَا عُثْمَانُ، إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ اثْنَي عَشَرَ رَجُلاً عَلَى مِنْبَرِي يَرُدُّونَ أُمَّتِي عَنِ الصَّرَاطِ الْقَهْقَرَى. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ سَلَّمُوا الْأَمْرَ لِعَلِيٍّ بَعْدِي وَلاَ تُنَازِعُوهُ فِي
ص: 210
الْخِلَافَةِ، وَ لَا تَظْلِمُوهُ وَ لَا تُظَاهِرُوا عَلَيْهِ أَحَداً. قَالُوا: يَا نَبِي اللَّهِ، نَعُوذُ باللَّهِ مِنْ ذَلِكَ أَمَاتَنَا اللَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ.
قَالَ صلى الله عليه و آله: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ جَمِيعاً وَ مَنْ فِي الْبَيْتِ مِنْ رَجُلٍ وَ اِمْرَأَةٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي، وَ أَنَّهُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. فَإِذَا مَضَى فَابْنِي هَذَا - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْحَسَنِ عليه السلام فَإِذَا مَضَى فَابْنِي هَذَا وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ثُمَّ تِسْعَةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَاحِدُ بَعْدَ وَاحِدٍ. وَ هُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: (أَطِيعُوا اللهِ و أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، ثُمَّ لَمْ يَدَعْ آيَةً نَزَلَتْ فِي الْأَئِمَّةِ إِلاَّ تَلاَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ وَ بَقِيتُ أَنَا وَأَصْحَابِي، أَبُو ذَرْ وَ سَلْمَانُ وَ الْمِقْدَادُ وَبَقِيَتْ فَاطِمَةُ وَ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ، وَقُمْنَ نِسَاؤُهُ وَبَنَاتُهُ غَيْرَ فَاطِمَةَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله: رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ وَتِسْعَةً مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ فُلاَنُ مِنَ التِّسْعَةِ مِنْ آلِ أَبِي سُفْيَانَ وَ سَبْعَةً مِنْ وُلْدِ الْحَكَمِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ يَرُدُّونَ أُمَّتِي عَلَى أَدْبَارِهَا الْقَهْقَرَى.
ص: 211
قَالَ ذَلِكَ عَلِيُّ عليه السلام وَ بَيْتُ زِيَادٍ مَلآنُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: أَكْتُمُوا مَا سَمِعْتُمْ إِلاَّ مِنْ مُسْتَرْشِدٍ. يَا زِيَادُ، اتَّقِ اللَّهَ فِي شِيعَتِي بَعْدِي.
فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدَ ِزيَادٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَدَّعِيهِ، وَيَقْتُلُ شِيعَتِي، لَعَنَهُ اللهُ(1).
1 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ وَ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا:
أَتَى رَجُلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ هَلْ تُشَيَّعُ الْجِنَازَةُ بِنَارٍ وَ يُمْشَى مَعَهَا بِمِجْمَرَةٍ وَ قِنْدِيلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُضَاءُ بِهِ؟
قَالَ: فَتَغَيَّرَ لَوْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَوَى جَالِساً ثُمَّ قَالَ... فَلَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَة مَرَضَهَا الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ أَتَيَاهَا عَائِدَيْنِ وَ اِسْتَأْذَنَا عَلَيْهَا فَأَبَتْ أَنْ تَأْذَنَ لَهُمَا.
ص: 212
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو بَكْر أَعْطَى اللَّهَ عَهْداً لا يُظِلُّهُ سَقْفُ بَيْتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَى فَاطِمَةَ سلام الله عليها وَيَتَرَاضَاهَا فَبَاتَ لَيْلَةً فِي الصَّقِيع مَا أَظَلَّهُ شَيءُ.
ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ أَتَى عَلِيّاً عليه السلام فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ شَيْخُ رَقِيقُ الْقَلْبِ وَ قَدْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي الْغَارِ فَلَهُ صُحْبَةُ وَ قَدْ أَتَيْنَاهَا غَيْرَ هَذِهِ الْمَرَّةِ مِرَاراً نُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْهَا وَ هِيَ تَأْبَى أَنْ تَأْذَنَ لَنَا حَتَّى نَدْخُلَ عَلَيْهَا فَنَتَرَاضَى فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَنَا عَلَيْهَا فَافْعَلْ.
قَالَ عليه السلام: نَعَمْ.
فَدَخَلَ عَلِيُّ عَلَى فَاطِمَةَ سلام الله عليها فَقَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ كَانَ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ مَا قَدْ رَأَيْتِ وَقَدْ تَرَدَّدَا مِرَاراً كَثِيرَةً وَ رَدَدْتِهِمَا وَ لَمْ تَأْذَنِي لَهُمَا وَ قَدْ سَأَلَانِي أَنْ أَسْتَأْذِنَ لَهُمَا عَلَيْكِ.
فَقَالَتْ: وَ اللَّهِ لَا آذَنُ لَهُمَا وَلاَ أُكَلَّمُهُمَا كَلِمَةً مِنْ رَأْسِي حَتَّى أَلْقَى أَبِي فَأَشْكُوَهُمَا إِلَيْهِ بِمَا صَنَعَاهُ وَ اِرْتَكَبَاهُ مِنِّي.
قَالَ عَلِيُّ عليه السلام: فَإِنِّي ضَمِنْتُ لَهُما ذَلِكِ.
ص: 213
قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ قَدْ ضَمِنْتَ لَهُمَا شَيْئاً فَالْبَيْتُ بَيْتُكَ وَالنَّسَاءُ تَتْبَعُ الرَّجَالَ لاَ أُخَالِفُ عَلَيْكَ بِشَيْءٍ فَأْذَنْ لِمَنْ أَحْبَبْتَ.
فَخَرَجَ عَلِي عليه السلام فَأَذِنَ لَهُمَا.
فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُهُمَا عَلَى فَاطِمَةَ سَلَّمَا عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِمَا وَ حَوَّلَتْ وَجْهَهَا عَنْهُمَا، فَتَحَوَّلاً وَ اسْتَقْبَلاً وَجْهَهَا حَتَّى فَعَلَتْ مِرَاراً.
وَ قَالَتْ: يَا عَلِيُّ جَافِ الثَّوْبَ وَقَالَتْ: لِنِسْوَةٍ حَوْلَهَا حَوَلْنَ وَجْهِي فَلَمَّا حَوَلْنَ وَجْهَهَا حَوَّلاً إِلَيْهَا.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّمَا أَتَيْنَاكِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكِ وَ اجْتِتَابَ سَخَطِكِ نَسْأَلُكِ أَنْ تَغْفِرِي لَنَا وَ تَصْفَحِي عَمَّا كَانَ مِنَّا إِلَيْكِ.
قَالَتْ: لاَ أُكَلِّمُكُمَا مِنْ رَأْسِي كَلِمَةً وَاحِدَةً حَتَّى أَلْقَى أَبِي وَأَشْكُوَكُمَا إلَيْهِ وَأَشْكُوَ صُنْعَكُمَا وَفِعَالَكُما وَ مَا ارْتَكَبْتُمَا مِنِّي.
قَالاَ: إِنَّا جِئْنَا مُعْتَذِرَيْنِ مُبْتَغِيَيْنِ مَرْضَاتَكِ فَاغْفِرِي وَاصْفَحِي عَنَّا وَلَا تُؤَاخِذِينَا بِمَا كَانَ مِنَّا.
ص: 214
فَالْتَفَتَتْ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام وَقَالَتْ: إِنِّي لا أُكَلِّمُهُمَا مِنْ رَأْسِي كَلِمَةً حَتَّى أَسْأَلَهُمَا عَنْ شَيْءٍ سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَإِنْ صَدَقَانِي رَأَيْتُ رَأْيِي.
قَالا: اللَّهُمَّ ذَلِكَ لَهَا وَ إِنَّا لا تَقُولُ إِلاَّ حَقّاً وَ لا تَشْهَدُ إلاَّ صِدْقاً.
فَقَالَتْ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ أَتَذْكُرَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله اسْتَخْرَجَكُمَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ بِشَيْءٍ كَانَ حَدَثَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ؟
فَقَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَتْ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ سَمِعْتُمَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: فَاطِمَةُ بَضْعَةً مِنّي وَأَنَا مِنْهَا مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَ مَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي فَكَانَ كَمَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي وَ مَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي كَانَ كَمَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي؟ قَالا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ فَاشْهَدُوا يَا مَنْ حَضَرَنِي أَنَّهُمَا قَدْ آذَيَانِي فِي حَيَاتِي وَ عِنْدَ مَوْتِي وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُكُمَا مِنْ رَأْسِي كَلِمَةً حَتَّى أَلْقَى رَبِّي فَأَشْكُوَكُمَا إِلَيْهِ بِمَا صَنَعْتُمَا بِهِ وَبِي وَ اِرْتَكَبْتُمَا مِنِّي.
ص: 215
فَدَعَا أَبُو بَكْرِ بِالْوَيْلِ وَ القُبُورِ وَ قَالَ: لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي.
فَقَالَ عُمَرُ: عَجَباً لِلنَّاسِ كَيْفَ وَلَّوْكَ أُمُورَهُمْ وَأَنْتَ شَيْخُ قَدْ خَرِفْتَ تَجْزَعُ لِغَضَبِ اِمْرَأَةٍ وَ تَفْرَحُ بِرضَاهَا وَ مَا لِمَنْ أَغْضَبَ امْرَأَةً.
وَ قَامَا وَ خَرَجَا قَالَ: فَلَمَّا نُعِيَ إِلَى فَاطِمَةَ سلام الله عليها نَفْسُها أَرْسَلَتْ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ وَ كَانَتْ أَوْثَقَ نِسَائِهَا عِنْدَهَا وَ فِي نَفْسِهَا فَقَالَتْ: يَا أُمَّ أَيْمَنَ إِنَّ نَفْسِي نُعِيَتْ إِلَيَّ فَادْعِي لِي عَلِيَّا. فَدَعَتْهُ لَهَا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَتْ لَهُ: يَا ابْنَ الْعَمِّ أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَكَ بِأَشْيَاءَ فَاحْفَظْهَا عَلَيَّ.
فَقَالَ لَهَا: قُولِي مَا أَحْبَبْتِ قَالَتْ لَهُ: تَزَوَّجْ فُلانَةَ تَكُونُ مُرَبِّيَةً لِوُلْدِي مِنْ بَعْدِي مِثْلِي وَإِعْمَلْ نَعْشَاً رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ قَدْ صَوَّرَتْهُ لِي.
فَقَالَ لَهَا عَلِيُّ - السلام: أَرِينِي كَيْفَ صُورَتُهُ، فَأَرَتْهُ ذَلِكَ كَمَا وَصَفَتْ لَهُ وَ كَمَا أَمَرَتْ بِهِ ثُمَّ قَالَتْ: فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ نَحْبِي فَأَخْرِجْنِي مِنْ سَاعَتِكَ أَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ مِنْ لَيْل أَوْ نَهَارٍ وَلاَ يَحْضُرَنَّ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَاءِ رَسُولِهِ لِلصَّلاَةِ عَلَيَّ.
قَالَ عَلِيُّ عليه السلام: أَفْعَلُ.
فَلَمَّا قَضَتْ نَحْبَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهَا وَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَخَذَ عَلِيُّ عليه السلام فِي جَهَازِهَا مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا أَوْصَتْهُ فَلَمَّا فَرَغَ
ص: 216
مِنْ جَهَازِهَا أَخْرَجَ عَلِيُّ الْجِنَازَةَ وَ أَشْعَلَ النَّارَ فِي جَرِيدِ النَّخْلِ وَ مَشَى مَعَ الْجِنَازَةِ بالنَّارِ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهَا وَ دَفَنَهَا لَيْلاً.
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ عَاوَدَا عَائِدَيْنِ لِفَاطِمَةَ فَلَقِيَا رَجُلاً مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالاَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟
قَالَ: عَزَّيْتُ عَلِيّاً بِفَاطِمَةَ.
قَالاً وَقَدْ مَاتَتْ؟
قَالَ: نَعَمْ. وَ دُفِنَتْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ.
فَجَزِعًا جَزَعاً شَدِيداً ثُمَّ أَقْبَلَا إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام فَلَقِيَاهُ فَقَالَا لَهُ: وَ اللهِ مَا تَرَكْتَ شَيْئاً مِنْ غَوَائِلِنَا وَ مَسَاءَتِنَا وَ مَا هَذَا إِلا مِنْ شَيءٍ فِي صَدْرِكَ عَلَيْنَا، هَلْ هَذَا إِلاَّ كَمَا غَسَلْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله دُونَنَا وَ لَمْ تُدْخِلْنَا مَعَكَ وَ كَمَا عَلَّمْتَ اِبْنَكَ أَنْ يَصِيحَ بِأَبِي بَكْرٍ أَنِ اِنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي.
فَقَالَ لَهُمَا عَلِي عليه السلام: أَتُصَدِّقَانِّي إِنْ حَلَفْتُ لَكُمَا؟
قَالَا: نَعَمْ.
ص: 217
فَحَلَفَ فَأَدْخَلَهُمَا عَلَى الْمَسْجِدِ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَقَدْ أَوْصَانِي وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَيَّ أَنَّهُ لاَ يَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَتِهِ أَحَدُ إِلاَّ ابْنُ عَمَّهِ فَكُنْتُ أُغَسِّلُهُ وَ الْمَلَائِكَةُ تُقَلَّبُهُ وَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ يُنَاوِلُنِي اَلْمَاءَ وَ هُوَ مَرْبُوطُ الْعَيْنَيْنِ بِالْخِرْقَةِ وَ لَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْزِعَ الْقَمِيصَ فَصَاحَ بِي صَائِحُ مِنَ الْبَيْتِ سَمِعْتُ الصَّوْتَ وَلَمْ أَرَ الصُّورَةَ لَا تَنْزِعْ قَمِيصَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وَ لَقَدْ سَمِعْتُ الصَّوْتَ يُكَرْرُهُ عَلَيَّ فَأَدْخَلْتُ يَدِي مِنْ بَيْنِ الْقَمِيصِ فَغَسَّلْتُهُ ثُمَّ قُدَّمَ إِلَيَّ الْكَفَنُ فَكَفَّتْتُهُ ثُمَّ نَزَعْتُ الْقَمِيصَ بَعْدَ مَا كَفَّنْتُهُ.
وَ أَمَّا الْحَسَنُ ابْنِي فَقَدْ تَعْلَمَانِ وَ يَعْلَمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَطَّى الصُّفُوفَ حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وَ هُوَ سَاجِدٌ فَيَرْكَبَ ظَهْرَهُ فَيَقُومُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَ يَدُهُ عَلَى ظَهْرِ الْحَسَنِ وَ الْأُخْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى يُتِمَّ الصَّلاَةَ.
قَالَا: نَعَمْ قَدْ عَلِمْنَا ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ: تَعْلَمَان وَ يَعْلَمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَسْعَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وَ يَرْكَبُ عَلَى رَقَبَتِهِ وَ يُدْلِي الْحَسَنُ رِجْلَيْهِ عَلَى صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَتَّى يُرَى بَرِيقُ خَلْخَالَيْهِ مِنْ أَقْصَى
ص: 218
الْمَسْجِدِ وَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَخْطُبُ وَلاَ يَزَالُ عَلَى رَقَبَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله مِنْ خُطْبَتِهِ وَالْحَسَنُ عَلَى رَقَبَتِهِ فَلَمَّا رَأَى الصَّبِيُّ عَلَى مِنْبَرِ أَبِيهِ غَيْرَهُ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُهُ بِذَلِكَ وَ لَا فَعَلَهُ عَنْ أَمْرِي.
وَأَمَّا فَاطِمَةً فَهِي الْمَرْأَةُ الَّتِي اسْتَأْذَنْتُ لَكُمَا عَلَيْهَا فَقَدْ رَأَيْتُمَا مَا كَانَ مِنْ كَلاَمِهَا لَكُمَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَوْصَتْنِي أَنْ لاَ تَحْضُرَا جِنَازَتَهَا وَلاَ الصَّلاَةَ عَلَيْهَا وَمَا كُنْتُ الَّذِي أُخَالِفُ أَمْرَهَا وَوَصِيَّتَهَا إِلَي فِيكُمَا.
فَقَالَ عُمَرُ: دَعْ عَنْكَ هَذِهِ الْهَمْهَمَةَ أَنَا أَمْضِي إِلَى الْمَقَابِرِ فَأَنْبُشُهَا حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهَا.
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ عليه السلام: وَاللَّهِ لَوْ ذَهَبْتَ تَرُومُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً وَ عَلِمْتُ أَنَّكَ لاَ تَصِلُ إِلَى ذَلِكَ حَتَّى يَنْدُرَ عَنْكَ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ فَإِنِّي كُنتُ لاَ أُعَامِلُكَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
ص: 219
فَوَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ عليه السلام وَ عُمَرَ كَلاَمُ حَتَّى تَلاَحَيَا وَاسْتَبْسَلَ وَ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: وَ اللَّهِ مَا نَرْضَى بِهَذَا أَنْ يُقَالَ فِي ابْنِ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ وَ أَخِيهِ وَ وَصِيْهِ وَ كَادَتْ أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ فَتَفَرَّقَا(1).
2 - مِصْبَاحُ الْأَنْوَارِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها بَعْدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً، ثُمَّ مَرِضَتْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ فَلَمْ تَأْذَنْ لَهُمَا فَأَتَيَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَكَلَّمَاهُ فِي ذَلِكَ فَكَلَّمَهَا وَ كَانَتْ لَا تَعْصِيهِ فَأَذِنَتْ لَهُمَا.
فَدَخَلاَ وَ كَلَّمَاهَا فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِمَا جَوَاباً وَ حَوَّلَتْ وَجْهَهَا الْكَرِيمَ عَنْهُمَا فَخَرَجَا وَ هُمَا يَقُولاَنِ لِعَلِيٍّ: «إِنْ حَدَثَ بِهَا حَدَثُ فَلاَ تَفُوتُنَا».
فَقَالَتْ عِنْدَ خُرُوجِهِمَا لِعَلِيٍّ عليه السلام: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَأُحِبُّ أَنْ لا تَمْنَعَنِيهَا.
فَقَالَ عليه السلام: وَ مَا ذَاكِ؟
ص: 220
فَقَالَتْ: أَسْأَلُكَ أَنْ لاَ يُصَلِّي عَلَى أَبُو بَكْرِ وَلاَ عُمَرُ. وَمَاتَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا فَدَفَنَهَا قَبْلَ الصَّبَاح.
فَجَاءَا حِينَ أَصْبَحَا فَقَالَا: لَا تَتْرُكُ عَدَاوَتَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَبَداً مَاتَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ تُعْلِمْنَا؟
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَئِنْ لَمْ تَرْجِعَا لَأَفْضَحَنَّكُمَا، قَالَهَا ثَلاثاً فَلَمَّا قَالَ اِنْصَرَفُوا.
3 - مصباح الْأَنْوَارِ: عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ أَبِي طَالِب قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةً سلام الله عليها لِعَلِيٍّ عليه السلام: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً يَا أَبَا الْحَسَنِ. فَقَالَ: تُقْضَى يَا بِنْتَ رَسُول الله.
فَقَالَتْ: نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ وَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ لاَ يُصَلِّيَ عَلَيَّ أبو بَكْرِ وَ لَا عُمَرُ، فَإِنِّي لَأَكْتُمُكَ حَدِيثاً، فَقَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: يَا فَاطِمَةُ! إِنَّكِ أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَكُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أَسُوءَكَ.
ص: 221
قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَتْ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَ قَالاَ: لِمَ لا تُخْرِجُهَا حَتَّى نُصَلِّيَ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: مَا أَرَانَا إِلاَّ سَنُصْبحُ، ثُمَّ دَفَنَهَا لَيْلاً، ثُمَّ صَوَّرَ بِرِجْلِهِ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَقْبُرِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَوْهُ فَقَالَا: يَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَدْفَنَ بنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَلَمْ نَحْضُرْهَا؟ قَالَ: ذَلِكَ عَهْدُهَا إِلَيَّ.
قَالَ: فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا وَ اللَّهِ شَيْءٌ فِي جَوْفِكَ.
فَثَارَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَأَخَذَ بِتَلَابِيبِهِ، ثُمَّ جَذَبَهُ فَاسْتَرْخَى فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَ اللَّهِ لَوْ لاَ كِتَابُ سَبَقَ وَ قَوْلُ مِنَ اللَّهِ، وَ اللَّهِ لَقَدْ فَرَرْتَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَ فِي مَوَاطِنَ، ثُمَّ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ لَكَ تَوْبَةً حَتَّى السَّاعَةِ.
فَأَخَذَهُ أَبُو بَكْرٍ وَ جَذَبَهُ وَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُكَ عَنْهُ(1).
4 - وَ كَانَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها غَمَضَتْ عَيْنَهَا وَ حَفِظَتْ نَفْسَهَا وَ مَدَّتْ عَلَيْهَا الْمُلاءَةَ وَقَالَتْ: يَا أَسْمَاء بِنْتَ عُمَيْسٍ إِذَا أَنَا مِتُّ فَانْظُرِي
ص: 222
إِلَى الدَّارِ فَإِذَا رَأَيْتِ سِجَافاً مِنْ سُنْدُسِ الْجَنَّةِ قَدْ ضُرِبَ فُسْطَاطاً مِنْ جَانِبِ الدَّارِ فَاحْمِلِينِي وَ زَيْنَبُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَأَتِيَا بِي فَاجْعَلُونِي مِنْ وَرَاءِ السَّجَافِ وَ خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي. فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها وَ ظَهَرَ السَّجَافُ حَمَلْتُهَا وَجَعَلْتُ وَرَاءَهُ فَغُسّلَتْ وَ حُنّطَتْ بِالْحَنُوطِ وَ كَانَ كَافُورُ أَنْزَلَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام مِنَ الْجَنَّةِ و فِي ثَلَاثِ صُرَرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ هَذَا حَنُوطُكَ وَ حَنُوطُ ابْنَتِكَ فَاطِمَةَ، وَ حَنُوطُ أَخِيكَ عَلِيٍّ مَقْسُومٌ ثَلاثاً، وَإِنَّ أَكْفَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ لأَنَّهَا أَمَةُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَتَوَلاَّهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ. وَ رُوِيَ: أَنَّهَا تُكفَّنَتْ مِنْ بَعْدِ غُسْلِهَا وَ حَنُوطِهَا وَ طَهَارَتِهَا لاَ دَنَسَ فِيهَا وَ أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ يَحْضُرُهَا إِلاَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنُ وَ اَالْحُسَيْنُ وَ زَيْنَبُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَ فِضَّةُ جَارِيَتْهَا وَ أَسْمَاءُ ابْنَةُ عُمَيْسٍ وَأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام جَهَّزَهَا وَ مَعَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فِي اللَّيْلِ وَ صَلَّوْا عَلَيْهَا وَ أَنَّهَا وَصَّتْ، وَ قَالَتْ لَا يُصَلِّي عَلَيَّ أُمَّةُ نَقَضَتْ عَهْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ لَمْ يُعْلِمُ بهَا أَحَداً، وَ لَا حَضَرَ وَفَاتَهَا أَحَدُ وَلاَ صَلَّى عَلَيْهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ غَيْرُهُمْ لِأَنَّهَا وَصَّتْ وقَالَتْ: لا يُصَلِّي عَلَيَّ أُمَّةُ نَقَضَتْ عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله علیه و آله وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَعْلِي وَ ظَلَمُونِي وَأَخَذُوا
ص: 223
وِرَاثَتِي وَ حَرَقُوا صَحِيفَتِيَ الَّتِي كَتَبَهَا أَبِي بِمِلْكِ فَدَكَ وَ الْعَوَالِي وَ كَذَّبُوا شُهُودِي وَ هُمْ وَ اللَّهِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ أُمُّ أَيْمَنَ وَ طُفْتُ عَلَيْهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ عَلَيْهِ يَحْمِلُنِي وَ مَعِيَ اَلْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ لَيْلاً وَ نَهَاراً إِلَى مَنَازِلِهِمْ يُذَكِّرُهُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ لِئَلاَّ يَظْلِمُونَا وَيُعْطُونَا حَقَّنَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا فَيُجِيبُونَ لَيْلاً وَ يَقْعُدُونَ عَنْ نُصْرَتِنَا نَهَاراً ثُمَّ يُنْفِذُونَ إِلَى دَارِنَا قُنْفُذاً وَ مَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِيُخْرِجَا اِبْنَ عَمِّي إِلَى سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ لِبَيْعَتِهِمُ الْخَاسِرَةِ وَ لَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ مُتَشَاغِلاً بِوَصَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَزْوَاجِهِ وَ تَأْلِيفِ الْقُرْآن وَ قَضَاءِ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَصَّاهُ بِقَضَائِهَا عَنْهُ عِدَاتٍ وَ دَيْناً فَجَمَعُوا الْحَطَبَ بِبَابِنَا وَأَتَوْا بِالنَّارِ لِيُحْرِقُوا الْبَيْتَ فَأَخَذْتُ بِعِضَادَتَيَ الْبَابِ وَقُلْتُ: نَاشَدْتُكُمُ اللَّهَ وَ بِأَبِي رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ تَكُفُوا عَنَّا وَ تَنْصَرِفُوا فَأَخَذَ عُمَرُ اَلسَّوْطَ مِنْ قُنْفُذٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ، فَضَرَبَ بِهِ عَضُدِي فَالْتَوَى السَّوْطُ عَلَى يَدِي حَتَّى صَارَ كَالدُّمْلُج، وَ رَكَلَ الْبَابَ بِرِجْلِهِ فَرَدَّهُ عَلَي وَ أَنَا حَامِلُ فَسَقَطْتُ لِوَجْهِي وَ النَّارُ تَسَعَّرُ، وَصَفَقَ وَجْهِي بِيَدِهِ حَتَّى انْتَثَرَ قُرْطِي مِنْ أُذُنِي وَ جَاءَنِي الْمَخَاضُ فَأَسْقَطْتُ مُحَسَّناً قَتِيلاً بِغَيْرِ جُزمٍ فَهَذِهِ أُمَّةُ تُصَلِّي عَلَيَّ، وَ قَدْ تَبَرَّأَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهَا وَ تَبَرَّأتُ مِنْهَا.
ص: 224
فَعَمِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بوَصِيَّتِهَا، وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَداً وَ أَصْبَحَ النَّاسُ فِي الْبَقِيعِ لَيْلَةَ دَفْنِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَ فِيهِ أَرْبَعُونَ قَبْراً جُدُداً.
وَ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا عَلِمُوا بِوَفَاةِ فَاطِمَةَ وَ دَفْنِهَا أَتَوْا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعَزُّونَهُ بِهَا، فَقَالُوا: يَا أَخَا رَسُولِ اللَّهِ أَمَرْتَ بِتَجْهِيزها و حَفْرٍ تُرْبَتِهَا فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ وُورِيَتْ وَلَحِقَتْ بِأَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا فَقَالُوا: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» تَمُوتُ بنْتُ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يُخَلَّفْ وَلَداً غَيْرَهَا وَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا، إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ عَظِيمُ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: حَسْبُكُمْ مَا جِئْتُمْ بِهِ عَلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ لَمْ أَكُنْ وَ اللَّهِ أَعْصِيهَا فِي وَصِيَّتِهَا الَّتِي وَصَّتْ بِهَا أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ وَ مَا بَعْدَ الْعَهْدِ غَدْرُ.
فَنَفَضَ الْقَوْمُ أَثْوَابَهُمْ وَ قَالُوا: لا بُدَّ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى بِنْتِ نَبِيَّنَا وَ مَضَوْا مِنْ فَوْرِهِمْ إِلَى الْبَقِيعِ فَوَجَدُوا فِيهِ أَرْبَعِينَ قَبْراً جُدداً، فَاسْتَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قَبْرُهَا بَيْنَ تِلْكَ الْقُبُورِ فَضَجَّ النَّاسُ، وَلامَ بَعْضُهُمْ
ص: 225
بَعْضاً، وَقَالُوا: لَمْ تَحْضُرُوا وَفَاةَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَلاَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا وَلاَ تَعْرِفُونَ قَبْرَهَا فَتَزُورُونَهَا.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: آتُوا نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَنْشُرُ هَذِهِ الْقُبُورَ حَتَّى تَجِدُوا فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَتُصَلُّوا عَلَيْهَا وَ يُزَارَ قَبْرُهَا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَخَرَجَ مِنْ دَارِهِ مُغْضَباً وَ قَدِ اِحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَ دَارَتْ أَوْدَاجُهُ وَ عَلَى يَدِهِ قَبَاهُ الْأَصْفَرُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَلْبَسُهُ إِلاَّ فِي كَرِيهَةٍ، يَتَوَكَّأُ عَلَى سَيْفِهِ ذِي الْفَقَارِ، حَتَّى وَرَدَ عَلَى الْبَقِيع فَسَبَقَ إِلَى النَّاسِ النَّذِيرُ فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا عَلِيُّ قَدْ أَقْبَلَ كَمَا تَرَوْنَ يُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ يُحِثَ مِنْ هَذِهِ الْقُبُورِ حَجَرُ وَاحِدُ لَأَضَعَنَّ سَيْفِي عَلَى غَابِرِ الْأُمَّةِ، فَوَلَّى الْقَوْمُ وَ لَمْ يُحْدِثُوا إِحْدَاثِاً.(1)
5 - كِتَابُ دَلاَئِلِ الْإِمَامَةِ لِلطَّبَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن هَارُونَ بْن مُوسَى التَّلْعُكْبَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ أَحْمَدَ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أب بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: قُبِضَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلامُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ يَوْمَ الثَّلَاثَاءِ لِثَلَاثٍ
ص: 226
خَلَوْنَ مِنْهُ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ كَانَ سَبَبُ وَفَاتِهَا أَنَّ قُنْفُذاً مَوْلَى عُمَرَ لَكَزَهَا بِنَعْلِ السَّيْفِ بِأَمْرِهِ فَأَسْقَطَتْ مُحَسِّناً وَ مَرِضَتْ مِنْ ذَلِكَ مَرَضاً شَدِيداً وَ لَمْ تَدَعْ أَحَداً مِمَّنْ آذَاهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَ كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَأَلَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمَا إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا دَخَلاَ عَلَيْهَا قَالاَ لَهَا كَيْفَ أَنْتِ يَا بِنْتَ رَسُول اللَّهِ قَالَتْ بِخَيْرٍ بِحَمْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَتْ لَهُمَا مَا سَمِعْتُمَا النَّبِيَّ يَقُولُ فَاطِمَةُ بَضْعَةُ مِنِّي فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ قَالاً بَلَى قَالَتْ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ آذَيْتُمَانِي قَالَ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهَا عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَهِيَ سَاخِطَةُ عَلَيْهِمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَ رُوِيَ أَنَّهَا قُبِضَتْ لِعَشْرِ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَ قَدْ كَمَلَ عُمُرُهَا يَوْمَ قُبِضَتْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ خَمْساً وَ ثَمَانِينَ يَوْماً بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا فَغَسَلَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ لَمْ يَحْضُرْهَا غَيْرُهُ وَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَ زَيْنَبُ وَ أُمُّ كُلْثُومٍ وَ فِضَّةُ جَارِيَتُهَا وَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَأَخْرَجَهَا إِلَى الْبَقِيعِ فِي اللَّيْلِ وَ مَعَهُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ صَلَّى عَلَيْهَا وَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَ لَا حَضَرَ وَفَاتَهَا وَ لاَ صَلَّى عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ غَيْرُهُمْ وَ دَفَنَهَا بِالرَّوْضَةِ وَ عَمَّى مَوْضِعَ قَبْرِهَا وَ أَصْبَحَ الْبَقِيعُ لَيْلَةَ دُفِنَتْ وَ فِيهِ أَرْبَعُونَ قَبْراً جُدُداً
ص: 227
وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا عَلِمُوا وَفَاتَهَا جَاءُوا إِلَى الْبَقِيعِ فَوَجَدُوا فِيهِ أَرْبَعِينَ قَبْراً فَأَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قَبْرُهَا مِنْ سَائِرِ الْقُبُورِ فَضَجَّ النَّاسُ وَلاَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ قَالُوا لَمْ يُخَلَّفْ نَبِيُّكُمْ فِيكُمْ إِلاَّ بِنْتَا وَاحِدَةً تَمُوتُ وَ تُدْفَنُ وَ لَمْ تَحْضُرُوا وَفَاتَهَا وَ اَلصَّلاَةَ عَلَيْهَا وَ لا تَعْرِفُوا قَبْرَهَا ثُمَّ قَالَ وُلاَةُ الْأَمْرِ مِنْهُمْ هَاتُمْ مِنْ نِسَاء الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَنْبُشُ هَذِهِ الْقُبُورَ حَتَّى تَجِدَهَا فَنُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَ نَزُورَ قَبْرَهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَ دَرَّتْ أَوْدَاجُهُ وَ عَلَيْهِ قَبَاهُ الْأَصْفَرُ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ فِي كُلِّ كَرِيهَةٍ وَ هُوَ مُتَوَكِّيُّ عَلَى سَيْفِهِ ذِي الْفَقَارِ حَتَّى وَرَدَ الْبَقِيعَ فَسَارَ إِلَى النَّاسِ النَّذِيرُ وَ قَالُوا هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ أَقْبَلَ كَمَا تَرَوْنَهُ يُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ حُوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْقُبُورِ حَجَرُ لَيَضَعَنَّ السَّيْفَ عَلَى غَابِرِ الْآخِرِ فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَالَ لَهُ مَا لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَ اللَّهِ لَنَنْبُشَنَّ قَبْرَهَا وَ لَنُصَلِّيَنَّ عَلَيْهَا فَضَرَبَ عَلِيُّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِيَدِهِ إِلَى جَوَامِعِ ثَوْبِهِ فَهَزَّهُ ثُمَّ ضَرَبَ الْأَرْضَ وَ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ أَمَّا حَقًّي فَقَدْ تَرَكْتُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَرْتَدَّ النَّاسُ عَنْ دِينِهِمْ وَ أَمَّا قَبْرُ فَاطِمَةَ فَوَ الَّذِي نَفْسُ عَلِي بِيَدِهِ لَئِنْ رُمْتَ و أَصْحَابُكَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ لَأَسْقِيَنَّ الْأَرْضَ مِنْ دِمَائِكُمْ فَإِنْ شِئْتَ فَاعْرِضْ يَا عُمَرُ فَتَلَقَّاهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ وَ
ص: 228
بِحَقِّ مَنْ فَوْقَ الْعَرْشِ إِلاَّ خَلَّيْتَ عَنْهُ فَإِنَّا غَيْرُ فَاعِلِينَ شَيْئاً تَكْرَهُهُ قَالَ فَخَلَّى عَنْهُ وَ تَفَرَّقَ النَّاسُ وَ لَمْ يَعُودُوا إِلَى ذَلِكَ.(1)
1 - وَ رُويَ بِحَذْفِ اَلْإِسْنَادِ عَنْ جَابِرِ بْن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَ هُوَ خَارِجُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَتَبَعْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى إِذَا صَارَ إِلَى جَبَّانَةِ الْيَهُودِ فَوَقَفَ فِي وَسَطِهَا، وَ نَادَى: «يَا يَهُودُ، يَا يَهُودُ» فَأَجَابُوهُ مِنْ جَوْفِ الْقُبُورِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مطلاع [مُطَاعُ]. يَعْنُونَ بِذَلِكَ يَا سَيِّدَنَا. قَالَ: «كَيْفَ تَرَوْنَ الْعَذَابَ؟»
فَقَالُوا: بِعِصْيَانِنَا لَكَ كَهَارُونَ، فَنَحْنُ وَ مَنْ عَصَاكَ فِي الْعَذَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ صَاحَ صَيْحَةً كَادَتِ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ، فَوَقَعْتُ مَغْشِيَاً عَلَى وَجْهِي مِنْ هَوْلِ مَا رَأَيْتُ.
فَلَمَّا أَفَقْتُ رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلَى سَرِيرِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلُ مِنْ جَوْهَرِ، وَ عَلَيْهِ حُلَلُ خُضْرُ وَ صُفْرُ، وَ وَجْهُهُ كَدَائِرَةِ الْقَمَرِ.
ص: 229
فَقُلْتُ: يَا سَيّدِي، هَذَا مُلْكُ عَظِيمٌ!
قَالَ: نَعَمْ يَا جَابِرُ، إِنَّ مُلْكَنَا أَعْظَمُ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ بْن دَاوُدَ، وَ سُلْطَانَنَا أَعْظَمُ مِنْ سُلْطَانِهِ.
ثُمَّ رَجَعَ، وَ دَخَلْنَا الْكُوفَةَ، وَ دَخَلْتُ خَلْفَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَعَلَ يَخْطُو خُطُوَاتٍ وَهُوَ يَقُولُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ فَعَلْتُ، لا وَاللَّهِ لاَ كَانَ ذَلِكَ أَبَداً.
فَقُلْتُ: يَا مَوْلاَيَ لِمَنْ تُكَلِّمُ وَ لِمَنْ تُخَاطِبُ وَ لَيْسَ أَرَى أَحَداً؟!
فَقَالَ عليه السلام: يَا جَابِرُ، كُشِفَ لِي عَنْ بَرَهُوتَ فَرَأَيْتُ شَنْبَوَيْهِ وَ حَبْتَراً، وَ هُمَا يُعَذِّبَانِ فِي جَوْفِ تَابُوتِ، فِي بَرَهُوتَ، فَنَادَيَانِي: يَا أَبَا الْحَسَنِ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، رُدَّنَا إِلَى الدُّنْيَا نُقِرَّ بِفَضْلِكَ، وَ نُقِرَّ بالْوَلايَةِ لَكَ.
فَقُلْتُ: لاَ وَ اللَّهِ لاَ فَعَلْتُ، لاَ وَ اللَّهِ لاَ كَانَ ذَلِكَ أَبَداً. ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ اَلآیَةَ:
(وَ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ). يَا جَابِرُ، وَ مَا مِنْ
ص: 230
أَحَدٍ خَالَفَ وَصِيَّ نَبِيٍّ إِلاَّ حَشَرَهُ اللَّهُ أَعْمَى يَتَكَبَّبُ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ(1).
2 - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَجَّالِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ الْمَكَّيِّ الْحَذَّاءِ، عَنْ سَوَادَةَ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِلْحَارِثِ الْأَعْوَرِ – وَ هُوَ عِنْدَهُ-: هَلْ تَرَى مَا أَرَى؟.
فَقَالَ: كَيْفَ أَرَى مَا تَرَى وَ قَدْ نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ وَأَعْطَاكَ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَداً؟.
قَالَ: هَذَا فُلاَنُ - الْأَوَّلُ - عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعَ النَّارِ يَقُولُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! اِسْتَغْفِرْ لِي، لاَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ. قَالَ: فَمَكَثَ هُنَيْئَةً.
وثُمَّ قَالَ: يَا حَارِثُ! هَلْ تَرَى مَا أَرَى؟.
فَقَالَ: وَ كَيْفَ أَرَى مَا تَرَى وَ قَدْ نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ وَأَعْطَاكَ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَداً.
قَالَ: هَذَا فُلاَنُ - اَلثَّانِي - عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعَ النَّارِ يَقُولُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! اسْتَغْفِرْ لِي، لا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ(2).
ص: 231
3 - أَبُو الْمُفَضَّلِ وَالْمُعَافَا بْنُ زَكَرِيَّا وَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْن هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنَا مَشِيخَتُنَا وَ عُلَمَاؤُنَا عَنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالُوا:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام حتَّی وَقَفَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِالْهَوْدَجِ بَنُو ضَبَّةَ فَنَادَى: أَيْنَ طَلْحَةُ وَ أَيْنَ اَلزُّبَيْرُ فَبَرَزَ لَهُ الزُّبَيْرُ فَخَرَجَا حَتَّى الْتَقَيَا بَيْنَ الصَّفَيْن.
فَقَالَ: يَا زُبَيْرُ مَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟
قَالَ: الطَّلَبُ بِدَمٍ عُثْمَانَ. قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ أَوْلَانَا بِدَمٍ عُثْمَانَ. أَمَا تَذْكُرُ يَوْماً كُنَّا فِى بَنِي بَيَاضَةَ فَاسْتَقْبَلَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و هُوَ مُتَّكٍ عَلَيْكَ فَضَحِكْتُ إِلَيْكَ وَضَحِكْتَ إِلَيَّ فَقُلْتَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلِيّاً لاَ يَتْرُكُ زَهْوَهُ.
فَقَالَ: مَا بِهِ زَهْرُ وَ لَكِنَّكَ لَتُقَاتِلُهُ يَوْماً وَأَنْتَ ظَالِمُ لَهُ.
قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنْ كَيْفَ أَرْجِعُ الآنَ إِنَّهُ لَهُوَ الْعَارُ.
ص: 232
قَالَ: ارْجِعْ بِالْعَارِ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَيْكَ الْعَارُ وَ النَّارُ.
قَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ النَّارَ وَ قَدْ شَهِدَ لِي رَسُولُ اللَّهِ بِالْجَنَّةِ؟
قَالَ: مَتَى؟ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي خِلَافَتِهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: عَشَرَةُ فِي الْجَنَّةِ
قَالَ: وَ مَن الْعَشَرَةُ؟
قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَ عُثْمَانُ وَأَنَا وَ طَلْحَةُ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً.
قَالَ: فَمَنِ الْعَاشِرُ؟ قَالَ: أَنْتَ. قَالَ عليه السلام: أَمَّا أَنْتَ شَهِدْتَ لِي بِالْجَنَّةِ وَ أَمَّا أَنَا فَلَكَ وَلِأَصْحَابِكَ مِنَ الْجَاحِدِينَ. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ إِنَّ سَبْعَةً مِمَّنْ ذَكَرْتَهُمْ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ فِي أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنَ الْجَحِيمِ عَلَى ذَلِكَ التَّابُوتِ صَخْرَةُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَذَابَ أَهْلِ الْجَحِيمِ رُفِعَتْ تِلْكَ الصَّخْرَةُ...(1)
ص: 233
4 - حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مِسْكِينِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ جُعَيْدِ هَمْدَانَ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: إِنَّ فِي التَّابُوتِ الْأَسْفَلِ سِتَّةَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ سِتَّةَ مِنَ الآخِرينَ، فَأَمَّا السَّنَّةُ مِنَ الْأَوَّلِينَ: فَابْنُ آدَمَ قَاتِلُ أَخِيهِ، وَ فِرْعَوْنُ الْفَرَاعِنَةِ، وَ السَّامِرِيُّ، وَالدَّجَّالُ كِتَابُهُ فِي الْأَوَّلِينَ وَ يَخْرُجُ فِي الآخِرِينَ، وَ هَامَانُ، وَ قَارُونُ.
وَ اَلسَّتَّةُ مِنَ الآخِرينَ: فَنَعْثَلُ، وَ مُعَاوِيَةُ، وَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. وَ نَسِي الْمُحَدِّثُ اثْنَيْنِ(1).
5 - وَ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ الْأَصْبَعِ بْنِ نُبَاتَةَ وَرُشَيْدٍ الْهَجَرِي وَ أَبِي كُدَيْبَةَ الْأَسَدِيِّ [كَذَا] وَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ عليه السلام بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ قَالُوا: كُنَّا جُلُوسًاً فِي الْمَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنَ الْبَابِ الصَّغِيرِ يَهْوِي بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ يَقُولُ: أَ مَا تَرَوْنَ مَا أَرَى؟!
ص: 234
قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَ مَا الَّذِي تَرَى؟.
قَالَ: أَرَى أَبَا زُرَيْقٍ فِي سَدَفِ النَّارِ يُشِيرُ إِلَيَّ بِيَدِهِ يَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لِي، لاَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ. وَ زَادَ أَبُو كُدَيْبَةَ [كَذَا]: إِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْهُمَا حَتَّى يُرْضِيَانِي، وَ أَيْمُ اللَّهِ لاَ يُرْضِيَانِّي أَبَداً. وَ سُئِلَ عَنِ السَّدَفِ؟ فَقَالَ: الْوَهْدَةُ الْعَظِيمَةُ(1).
6 - وَ عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمٍ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَلْمَانَ - الْفَارِسِيَّ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي يَوْمٍ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ: لَسْتُ بِقَائِلِ غَيْرَ شَيءٍ وَاحِدٍ أَذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّهَا الْأَرْبَعَةُ - يَعْنِينِي وَ الزُّبَيْرَ وَ أَبَا دَرُ وَالْمِقْدَادَ أَسَمِعْتُمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: إِنَّ تَابُوتاً مِنْ نَارٍ فِيهِ إِثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، سِتَّةُ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ سِتَّةُ مِنَ الآخِرِينَ فِي جُبِّ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ فِي تَابُوتٍ مُقَفَّل، عَلَى ذَلِكَ الْجُبِّ صَخْرَةُ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُسَعِّرَ جَهَنَّمَ كَشَفَ تِلْكَ الصَّخْرَةَ عَنْ ذَلِكَ الْجُبْ فَاسْتَعَاذَتْ جَهَنَّمُ مِنْ وَهَجِ ذَلِكَ الْجُبِّ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُمْ وَأَنْتُمْ شُهُودٌ.
ص: 235
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: أَمَّا الْأَوَّلُونَ: فَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَ فِرْعَوْنُ الْفَرَاعِنَةِ، وَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَدَّلاً كِتَابَهُمَا وَ غَيْرًا سُنَّتَهُمَا، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَهَوْدَ الْيَهُودَ، وَ الآخَرُ نَصَّرَ النَّصَارَى، وَإِبْلِيسُ سَادِسُهُمْ، وَ الدَّجَّالُ فِي الآخِرينَ، وَ هَؤُلاَءِ الْخَمْسَةُ أَصْحَابُ الصَّحِيفَةِ الَّذِينَ تَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى عَدَاوَتِكَ يَا أَخِي، وَ التَّظَاهُرِ عَلَيْكَ بَعْدِي هَذَا وَهَذَا حَتَّى عَدَّدَهُمْ وَ سَمَّاهُمْ. فَقَالَ سَلْمَانُ: فَقُلْنَا: صَدَقْتَ نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله(1).
الشَّيْخُ الْبُرْسِيُّ، قَالَ: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير)، قَالَ: سَأَلَ رَجُلُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: مَا مَعْنَى هَذِهِ الْحَمِيرِ؟
ص: 236
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: اللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئاً ثُمَّ يُنْكِرَهُ، إِنَّمَا هُوَ زُرَيْقُ وَ صَاحِبُهُ، فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ، فِي صُورَةِ حِمَارَيْنِ، إِذَا شَهَقَا فِي النَّارِ انْزَعَجَ أَهْلُ النَّارِ مِنْ شِدَّةِ صُرَاخِهِمَا(1).
1 - مِسْكِينٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ وَ هُشَيْمِ بْنِ أَبِي سَاسَانَ وَ أَبِي طَارِقٍ السَّرَّاجِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، قَالَ:
كُنْتُ فِي الْبَيْتِ يَوْمَ الشُورَى، فَسَمِعْتُ عَلِيّاً عليه السلام وَ هُوَ يَقُولُ: اسْتَخْلَفَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَأَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ وَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ، وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ وَ أَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ وَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ، إِلاَّ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَنِي مَعَ خَمْسَةِ أَنَا سَادِسُهُمْ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ عَلَيَّ فَضْلُ، وَلَوْ أَشَاءُ لأَحْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ بِمَا لا يَسْتَطِيعُ عَرَبِيُّهُمْ وَلاَ عَجَمِيُّهُمْ، الْمُعَاهَدُ مِنْهُمْ وَالْمُشْرِكُ تَغْيِيرَ ذَلِكَ.
ص: 237
ثُمَّ قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّهَا النَّفَرُ! هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَحَدَ اللَّهَ قَبْلِي؟!.
قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِرَبِّ الْعَالَمِينَ هَدْياً فَأَشْرَكَهُ فِيهِ، غَيْرِي؟! قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِطَيْرِ يَأْكُلُ مِنْهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبَّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي مِنْ هَذَا الطَّيْرِ»، فَجِئْتُهُ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ وَ إِلَى رَسُولِكَ وَإِلَى رَسُولِكَ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ رَجَعَ عُمَرُ يُجَبْنُ أَصْحَابَهُ وَ يُجَبِّنُونَهُ قَدْ رَدَّ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مُنْهَزِماً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ؟ ص؟: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً لَيْسَ بِفَرَّارٍ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ»، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: أَدْعُوا لِي عَلِيّاً.
ص: 238
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله! هُوَ رَمِدُ مَا يَطْرِفُ. فَقَالَ: جِيئُونِي، فَلَمَّا قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ تَفَلَ فِي عَيْنِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي الْحَرَّ وَ الْبَرْدَ إِلَى سَاعَتِي هَذِهِ، وَ أَخَذْتُ الرَّايَةَ فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَأَظْفَرَنِي بِهِمْ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ لَهُ أَخْ مِثْلُ أَخِي جَعْفَرِ الْمُزَيَّنِ بِالْجَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَحِلُّ فِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ عَمُّ مِثْلُ عَمَّي حَمْزَةَ أَسَدِ اللَّهِ وَ أَسَدِ رَسُولِهِ وَ سَيّدِ الشُّهَدَاءِ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ سِبْطَانِ مِثْلُ سِبْطَيَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ اِبْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ سَيَّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ زَوْجَةً مِثْلُ زَوْجَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ بَضْعَةٍ مِنْهُ وَ سَيَّدَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
ص: 239
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: «مَنْ فَارَقَكَ فَارَقَنِي وَ مَنْ فَارَقَنِي فَارَقَ اللَّهَ»، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: «لَيَنْتَهِيَنَّ بَنُو وَلِيعَةَ أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْهِمْ رَجُلاً كَنَفْسِي طَاعَتُهُ كَطَاعَتِي وَ مَعْصِيَتُهُ كَمَعْصِيَتِي يَغْشَاهُمْ بِالسَّيْفِ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ باللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: مَا مِنْ مُسْلِمٍ وَصَلَ إِلَى قَلْبِهِ حُبِّي إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ ذُنُوبَهُ، وَ مَنْ وَصَلَ حُبِّي إِلَى قَلْبِهِ فَقَدْ وَصَلَ حُبُّكَ إِلَى قَلْبِهِ، وَكَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَيُبْغِضُكَ، غَيْرِي.؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ باللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: «أَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَ اَلْوَلَدِ وَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ غَيْبَةٍ، عَدُوكَ عَدُوِّي وَعَدُوّي عَدُوُّ اللَّهِ، وَ وَلِیُّكَ وَلِيّي وَ وَلِيّي وَلِيُّ اللَّهِ»، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
ص: 240
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: «يَا عَلِيُّ! مَنْ أَحَبَّكَ وَ وَالاَكَ سَبَقَتْ لَهُ الرَّحْمَةُ وَ مَنْ أَبْغَضَكَ وَ عَادَاكَ سَبَقَتْ لَهُ اللَّعْنَةُ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله علیه و آله! أَدْعُ اللَّهَ لِي وَلِأَبِي لَا يَكُونُ مِمَّنْ يُبْغِضُهُ وَ يُعَادِيهِ، فَقَالَصلى الله عليه و آله: أسْكُنِي، إِنْ كُنْتِ أَنْتِ وَ أَبُوكِ مِمَّنْ يَتَوَلاهُ وَ يُحِبُّهُ فَقَدْ سَبَقَتْ لَكُمَا الرَّحْمَةُ، وَإِنْ كُنْتُمَا مِمَّنْ يُبْغِضُهُ وَيُعَادِيهِ فَقَدْ سَبَقَتْ لَكُمَا اللَّعْنَةُ، وَ لَقَدْ خَبُثْتِ أَنْتِ، وَ أَبُوكِ أَوَّلُ مَنْ يَظْلِمُهُ وَ أَنْتِ أَوَّلُ مَنْ يُقَاتِلُهُ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِثْلَ مَا قَالَ لِي: يَا عَلِيُّ! أَنْتَ أَخِي وَأَنَا أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ وَ مَنْزِلُكَ مُوَاجِهَ مَنْزِلِي كَمَا يَتَوَاجَهُ الْإِخْوَانُ فِي الْخُلْدِ؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: «يَا عَلِيُّ! إِنَّ اللَّهَ خَصَّكَ بِأَمْرِ وَ أَعْطَاكَهُ لَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ شَيءُ أَحَبَّ إِلَيْهِ وَ لا أَفْضَلَ مِنْهُ عِنْدَهُ، الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، فَلَيْسَ تَنَالُ مِنْهَا شَيْئاً وَ لا تَنَالُ مِنْكَ وَ هِيَ زِينَةُ الْأَبْرَارِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
ص: 241
فَطُوبَى لِمَنْ أَحَبَّكَ وَصَدَّقَ عَلَيْكَ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَبْغَضَكَ وَ كَذَّبَ عَلَيْكَ»، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِيَجِيءَ بِالْمَاءِ كَمَا بَعَثَنِي، فَذَهَبْتُ حَتَّى حَمَلْتُ الْقِرْبَةَ عَلَى ظَهْرِي وَ مَشَيْتُ بِهَا فَاسْتَقْبَلَتْنِي رِيحُ فَرَدَّتْنِي حَتَّى أَجْلَسَتْنِي، ثُمَّ قُمْتُ فَاسْتَقْبَلَتْنِي رِيحُ فَرَدَّتْنِي ثُمَّ أَجْلَسَتْنِي، ثُمَّ قُمْتُ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ لِي: مَا حَبَسَكَ؟. فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: قَدْ جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَمَّا الرِّيحُ الْأُولَى فَجَبْرَئِيلُ كَانَ فِي أَلْفِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمِيكَائِيلُ جَاءَ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْكَ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ مَنْ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ صلى الله عليه و آله! أَتَرَى هَذِهِ الْمُوَاسَاةَ مِنْ عَلِيٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: إِنَّهُ مِنّي وَأَنَا مِنْهُ، فَقَالَ جَبْرَنِيلُ: وَأَنَا مِنْكُمَا، غَيْري؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
ص: 242
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كَمَا جَعَلْتُ أَكْتُبُ فَأَغْفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَأَنَا أَرَى أَنَّهُ يُمْلِي عَلَيَّ فَلَمَّا انْتَبَهَ قَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ! مَنْ أَمْلَى عَلَيْكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا، فَقُلْتُ: أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنْ جَبْرَئِيلُ أَمْلَى عَلَيْكَ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كَمَا قَالَ لِي: لَوْ لا أَنْ لا يَبْقَى أَحَدُ إِلاَّ قَبَضَ مِنْ أَقَركَ قَبْضَةً يَطْلُبُ بهَا الْبَرَكَةَ لِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلاً لا يَبْقَى أَحَدُ إلاَّ قَبَضَ مِنْ أَثَرِكَ قَبْضَةً؟!. فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: اِحْفَظِ اَلْبَابَ فَإِنَّ زُوّاراً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ يَزُورُنِي فَلاَ تَأْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، فَجَاءَ عُمَرُ فَرَدَدْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَ أَخْبَرْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مُحْتَجِبُ وَ عِنْدَهُ زُوَّارُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَعِدَّتُهُمْ كَذَا وَ كَذَا، ثُمَّ أَذِنْتُ لَهُ فَدَخَلَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي جِئْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ كُلَّ ذَلِكَ يَرُدُّنِي عَلِيُّ وَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله مُحْتَجِبُ وَعِنْدَهُ زُوّارُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَ عِدَّتُهُمْ كَذَا وَكَذَا، فَكَيْفَ عَلِمَ بالْعِدَّةِ؟ أَعَايَنَهُمْ؟!.
ص: 243
فَقَالَ: لاَ يَا عَلِي ! قَدْ صَدَقَ، كَيْفَ عَلِمْتَ بِعِدَّتِهِمْ؟.
فَقُلْتُ: اخْتَلَفَتْ عَلَيَّ التَّحِيَّاتُ وَ سَمِعْتُ الْأَصْوَاتِ فَأَحْصَيْتُ الْعَدَدَ. قَالَ: صَدَقْتَ فَإِنَّ فِيكَ سُنَّةَ مِنْ أخِي عِيسَى، فَخَرَجَ عُمَرُ وَ هُوَ يَقُولُ: ضَرَبَهُ لِابْنِ مَرْيَمَ مَثَلاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ قَالَ يَضِجُّونَ وَ قَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرُ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمُ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدُ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَ جَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ غَيْري؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ باللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كَمَا قَالَ لِي: إِنَّ طُوبَى شَجَرَةُ فِي الْجَنَّةِ أَصْلُهَا فِي دَارِ عَلِيٍّ عليه السلام لَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَ فِي مَنْزِلِهِ غُصْنُ مِنْ أَغْصَانِهَا، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: تُقَاتِلُ عَلَى سُنَّتِي وَ تُبْرِئُ ذِمَّتِي، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
ص: 244
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: تُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ رَأْسُهُ فِي حَجْرٍ جَبْرَئِيلَ عليه السلام فَقَالَ لِي: أَدْنُ دُونَكَ رَأْسَ ابْنِ عَمَّكَ فَأَنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنِّي، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله رَأْسَهُ فِي حَجْرِهِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ فَلَمَّا انْتَبَة رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ: يَا عَلِي صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: لاَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَرُدَّتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً فَصَلَّيْتُ ثُمَّ انْحَدَرَتْ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه و آله أَنْ يَبْعَثَ بِبَرَاءَةَ، فَبَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُ لاَ يُؤَدِّي عَنْكَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ رَجُلُ مِنْكَ، فَبَعَثَنِي رسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله فَأَخَذْتُهَا مِنْ أَبِي بِكْرِ فَمَضَيْتُ بِهَا وَ
ص: 245
أَدَّيْتُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، فَأَثْبَتَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ: أَنّي مِنْهُ، غَيْرِي؟!. قَالُوا اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: أَنْتَ إِمَامُ مَنْ أَطَاعَنِي، وَ نُورُ أَوْلِيَانِي، وَالْكَلِمَةُ الَّتِي أَلْزَمْتُهَا الْمُتَّقِينَ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي وَيَمُوتَ مَوْتِي وَيَسْكُنَ جَنَّتِي الَّتِي وَعَدَنِي رَبِّي جَنَّاتِ عَدْنٍ قَضِيبُ غَرَسَهُ اللهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُنْ، فَكَانَ، فَلْيُوَالِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب عليه السلام وَذُرِّيَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَهُمُ الأَئِمَّةُ، وَ هُمُ الْأَوْصِيَاءُ، أَعْطَاهُمُ اللَّهُ عِلْمِي وَفَهْمِي، لَا يُدْخِلُونَكُمْ فِي بَابِ ضَلالٍ، وَلاَ يُخْرِجُونَكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى، لا تُعَلَّمُوهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، يَزُولُ اَلْحَقُّ مَعَهُمْ أَيْنَمَا زَالُوا، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: قَضَى فَانْقَضَى، إِنَّهُ لاَ يُحِبُّكَ إِلا مُؤْمِنُ وَ لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مُنَافِقُ غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
ص: 246
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِثْلَ مَا قَالَ لِي: أَهْلُ وَلاَيَتِكَ يَخْرُجُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ عَلَى نُوقٍ بِيضِ، شِرَاكُ نِعَالِهِمْ نُورُ يَتَلَأْلَأُ، قَدْ سُهَّلَتْ عَلَيْهِمُ الْمَوَارِدُ، وَ فُرْجَتْ عَنْهُمُ الشَّدَائِدُ، وَ أَعْطُوا الْأَمَانَ، وَانْقَطَعَتْ عَنْهُمُ الْأَحْزَانُ حَتَّى يَنْطَلِقَ بِهِمْ إِلَى ظِلَّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، تُوضَعُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مَائِدَةً يَأْكُلُونَ مِنْهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْحِسَابِ، يَخَافُ النَّاسُ وَ لَا يَخَافُونَ، وَ يَحْزَنُ النَّاسُ وَ لاَ يَحْزَنُونَ، غَيْرِي؟! قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ جَاءَ أَبُو بَكْرِ يَخْطُبُ فَاطِمَةَ سلام الله عليها، فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ، وَ جَاءَ عُمَرُ يَخْطُبُهَا فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ، فَخَطَبْتُ إِلَيْهِ فَزَوَّجَنِي، فَجَاءَ أَبُو بَكْرِ وَ عُمَرُ فَقَالا: أَبِيتَ أَنْ تُزَوِّجَنَا وَ زَوَّجْتَهُ؟!. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: مَا مَنَعْتُكُمَا وَ زَوَّجْتُهُ، بَل اَللَّهُ مَنَعَكُمَا وَ زَوَّجَهُ، غَيْري؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: كُلُّ سَبَبٍ وَ نَسَبٍ مُنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ سَبَبِي وَ نَسَبِي، فَأَيُّ سَبَبٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبَبِي؟ وَ أَيُّ نَسَبٍ أَفْضَلُ مِنْ نَسَبِي؟ إِنَّ أَبِي وَأَبَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَأَخَوَانِ، وَإِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ
ص: 247
ابْنَي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ سَيْدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِبْنَايَ، وَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله زَوْجَتِي سَيَّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَفَرَّقَهُمْ فِرْفَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ شُعُوباً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ شُعْبَةٍ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ، ثُمَّ جَعَلَهُمُ بُيُوتاً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ بَيْتٍ، ثُمَّ اِخْتَارَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَنَا وَ عَلِيّاً وَ جَعْفَراً، فَجَعَلَنِي خَيْرَهُمْ، فَكُنْتُ نَائِماً بَيْنَ ابْنَيْ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَجَاءَ جَبْرَئِيلُ وَ مَعَهُ مَلَكُ فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ! إِلَى أَيَّ هَؤُلاَءِ أُرْسِلْتَ؟. فَقَالَ: إِلَى هَذَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَجْلَسَنِي، غَيْرِي؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ .
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ سَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَبْوَابَ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ وَ لَمْ يَسُدَّ بَابِي، فَجَاءَهُ الْعَبَّاسُ وَحَمْزَةُ وَ قَالا: أَخْرَجْتَنَا وَ أَسْكَنْتَهُ؟. فَقَالَ لَهُمَا: مَا أَنَا أَخْرَجْتُكُمْ وَ أَسْكَنْتُهُ بَل اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ وَ أَسْكَنَهُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى أَخِي مُوسَى عليه السلام أَن اِتَّخِذْ مَسْجِداً طَهُوراً وَ اسْكُنْهُ أَنْتَ وَ هَارُونُ وَابْنَا
ص: 248
هَارُونَ، وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَيَّ أَنِ اتَّخِذْ مَسْجِداً طَهُوراً وَ اسْكُنْهُ أَنْتَ وَ عَلِي وَ إِبْنَا عَلِيُّ غَيْرِي.؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ وَ عَلِيُّ مَعَ الْحَقِّ لَا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، غَيْرِي.؟!. قَالُوا اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَقَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَيْثُ جَاءَ الْمُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، فَأُضْجِعْتُ فِي مَضْجَعِهِ وَ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله نَحْوَ الْغَارِ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنِّي أَنَا هُوَ، فَقَالُوا: أَيْنَ اِبْنُ عَمَّكَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، فَضَرَبُونِي حَتَّى كَادُوا يَقْتُلُونَنِي؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كَمَا قَالَ لِي: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِوَلايَةِ عَلِي فَوَلايَتُهُ وَلايَتِي وَ وَلا يَتِي وَلَآيَةُ رَبِّي، عَهْدُ عَهِدَهُ إِلَيَّ رَبِّي وَ أَمَرَنِي أَنْ أُبَلِّغَكُمُوهُ، فَهَلْ سَمِعْتُمْ؟. قَالُوا: نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَاهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّ فِيكُمْ مَنْ يَقُولُ قَدْ سَمِعْتُ وَهُوَ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَ يُعَادِيهِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنَا بِهِمْ.
ص: 249
قَالَ: أَمَا إِنَّ رَبِّي قَدْ أَخْبَرَنِي بِهِمْ وَ أَمَرَنِي بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ لِأَمْرِ قَدْ سَبَقَ، وَ إِنَّمَا يَكْتَفِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَجِدُ لِعَلِيٍّ فِي قَلْبِهِ؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَتَلَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ تِسْعَةً مُبَارَزَةً غَيْرِي كُلُّهُمْ يَأْخُذُ اللَّوَاءَ، ثُمَّ جَاءَ صواب الْحَبَشِيُّ مَوْلَاهُمْ وَ هُوَ يَقُولُ: وَ اللَّهِ لَا أَقْتُلُ بِسَادَتِي إِلاَّ مُحَمَّداً، قَدْ أَرْبَدَ شِدْقَاهُ وَاحْمَرَّتَا عَيْنَاهُ، فَاتَّقَيْتُمُوهُ وَحِدْتُمْ عَنْهُ، وَ خَرَجْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا أَقْبَلَ كَأَنَّهُ قُبَّةٌ مَبْنِيَّةُ، فَاخْتَلَفْتُ أَنا وَهُوَ ضَرْبَتَيْن فَقَطَعْتُهُ بِنِصْفَيْن وَ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ وَ عَجُزُهُ وَ فَخِذَاهُ قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَتَلَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ مِثْلَ قَتْلِي.؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ جَاءَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدُّ يُنَادِي: هَلْ مِنْ مُبَارِزِ، فَكِعْتُمْ عَنْهُ كُلُّكُمْ فَقُمْتُ أَنَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَقُلْتُ: أَقُومُ إِلَى هَذَا الْفَاسِقِ. فَقَالَ: إِنَّهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله: إنْ كَانَ هُوَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدَّ فَأَنَا عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَأَعَادَ عَلَيَّصلى
ص: 250
الله عليه و آله وَسَلَّمَ الْكَلامَ وَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اِمْضِ عَلَى إِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟. قُلْتُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: كُفْوُ كَرِيمُ ارْجِعْ يَا اِبْنَ أَخِي فَقَدْ كَانَ لأَبِيكَ مَعِي صُحْبَةً وَ مُحَادَثَةُ فَأَنَا أَكْرَهُ قَتْلَكَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَمْرُو! إِنَّكَ قَدْ عَاهَدْتَ اللَّهَ أَنْ لاَ يُخَيْرَكَ أَحَدُ ثَلَاثَ خِصَالِ إِلاَّ اخْتَرْتَ إِحْدَاهُنَّ. فَقَالَ: اِعْرِضْ عَلَيَّ قُلْتُ: تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ: هَاتِ غَيْرَ هَذِهِ قُلْتُ: تَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جِنْتَ. قَالَ: وَ اللَّهِ لاَ تُحَدِّثْ نِسَاءَ قُرَيْشٍ بِهَذَا أَنِّي رَجَعْتُ عَنْكَ. فَقُلْتُ: فَانْزِلْ فَأُقَاتِلَكَ. قَالَ: أَمَّا هَذِهِ فَنَعَمْ، فَنَزَلَ فَاخْتَلَفَ أَنَا وَ هُوَ ضَرْبَتَيْنِ فَأَصَابَ الْحَجَفَةَ وَ أَصَابَ السَّيْفُ رَأْسِي، وَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً فَانْكَشَفَتْ رِجْلَيْهِ فَقَتَلَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيَّ، فَفِيكُمْ أَحَدٌ فَعَلَ هَذَا؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ حِينَ جَاءَ مَرْحَبُ وَ هُوَ يَقُولُ:
و أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي مرحب [مَرْحَباً]
شَاكِ السَّلَاحِ بَطَلُ مُجَرَّبُ *** أَطْعَنُ أَحْيَاناً وَ حِيناً أَضْرِبُ
ص: 251
فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَضَرَبَنِي وَ ضَرَبْتُهُ وَ عَلَى رَأْسِهِ نَقِيرُ مِنْ جَبَلِ حَجَرٍ لَمْ يَكُنْ تَصْلُحُ عَلَى رَأْسِهِ بَيْضَةُ مِنْ عِظَمِ رَأْسِهِ، فَقَلِقْتُ النَّقِيرَ وَ وَصَلَ السَّيْفُ إِلَى رَأْسِهِ فَقَتَلْتُهُ، فَفِيكُمْ أَحَدُ فَعَلَ هَذَا؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ آيَةَ التَّطْهِيرِ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله كِسَاءَ خَيْبَرِيَّاً فَضَمَّنِي فِيهِ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ! هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْهُمْ تَطْهِيراً؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لَا.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: أَنَا سَيَّدُ وُلْدِ آدَمَ وَ أَنْتَ يَا عَلِي سَيِّدُ الْعَرَبِ؟!. قَالُوا: أَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ باللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله فِي الْمَسْجِدِ إِذْ نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فَبَادَرَهُ وَ لَحِقَهُ أَصْحَابُهُ فَانْتَهَى إِلَى سُودَانِ أَرْبَعَةٍ يَحْمِلُونَ سَرِيراً، فَقَالَ لَهُمْ: ضَعُوا، فَوَضَعُوا. فَقَالَ: اِكْشِفُوا عَنْهُ، فَكَشَفُوا فَإِذَا أَسْوَدُ مُطَوَّقُ بِالْحَدِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: غُلامُ الرِّيَاحِيِّينَ
ص: 252
كَانَ قَدْ أَبَقَ عَنْهُمْ خُبْثاً وَ فِسْقاً فَأَمَرُونَا أَنْ نَدْفِنَهُ فِي حَدِيدِهِ كَمَا هُوَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَآنِي قَطُّ إلاَّ قَالَ: أَنَا وَاللَّهِ أحِبُّكَ، وَاللَّهِ مَا أَحَبَّكَ إِلاَّ مُؤْمِنُ وَلاَ أَبْغَضَكَ إِلاَّ كَافِرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: يَا عَلِيُّ! لَقَدْ أَثَابَهُ اللَّهُ بِذَا، هَذَا سَبْعُونَ قَبِيلاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ كُلُّ قَبِيلٍ عَلَى أَلْفِ قَبِيلِ قَدْ نَزَلُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، فَفَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَدِيدَتَهُ وَ صَلَّى عَلَيْهِ وَ دَفَتَهُ؟!. قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِثْلَ مَا قَالَ لِي: أُذِنَ لِيَ الْبَارِحَةَ فِي الدُّعَاءِ فَمَا سَأَلْتُ رَبِّي شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَانِيهِ، وَ مَا سَأَلْتُ لِنَفْسِي شَيْئاً إِلاَّ سَأَلْتُ لَكَ مِثْلَهُ وَ أَعْطَانِيهِ. فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؟!. قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي خُزَيْمَةَ فَفَعَلَ مَا فَعَلَ فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله اَلْمِنْبَرَ فَقَالَ: إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: اِذْهَبْ يَا عَلِيُّ، فَذَهَبْتُ فَوَدَيْتُهُمْ ثُمَّ نَاشَدْتُهُمْ بِاللَّهِ هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ؟. فَقَالُوا: إِذْ نَشَدْتَنَا بِاللَّهِ فَمِيلَغَةُ كِلاَبِنَا، وَ عِقَالُ بَعِيرِنَا، فَأَعْطَيْتُهُمْ لَهُمَا، وَ بَقِيَ مَعِي ذَهَبُ كَثِيرُ فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهُ،
ص: 253
وَقُلْتُ: هَذَا لِذِمَّةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ لِمَا تَعْلَمُونَ وَ لِمَا لاَ تَعْلَمُونَ وَ لِرَوْعَاتِ النِّسَاءِ وَ الصَّبْيَانِ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي يَا عَلِيُّ أَنَّ لِي بِمَا صَنَعْتَ حُمْرَ النَّعَمِ؟!. قَالُوا: اَللّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ باللَّهِ هَلْ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ يَا عَلِيُّ! عُرِضْتُ عَلَى أُمَّتِي الْبَارِحَةَ فَمَرَّ بِي أَصْحَابُ الرَّايَاتِ، فَاسْتَغْفَرْتُ لَكَ وَلِشِيعَتِكَ؟!. فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! إِذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَجِدُهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا، فَرَجَعَ، فَقَالَ: قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: لاَ وَجَدْتُهُ يُصَلِّي. قَالَ: يَا عُمَرُ! إِذْهَبْ فَاقْتُلُهُ، فَرَجَعَ قَالَ لَهُ: قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: لَا، وَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَقَالَ: آمُرُكُمَا بِقَتْلِهِ، فَتَقُولاَن وَجَدْنَاهُ يُصَلِّي؟!، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ! إِذْهَبْ فَاقْتُلْهُ، فَلَمَّا مَضَيْتُ قَالَ: إِنْ أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ أَجِدْ أَحَداً فَقَالَ: صَدَقْتَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ وَجَدْتَهُ لَقَتَلْتَهُ؟!. فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
ص: 254
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كَمَا قَالَ لِي: إِنَّ وَلِيَّكَ فِي الْجَنَّةِ وَ عَدُوّكَ فِي النَّارِ؟!. قَالُوا:
اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَيْسَ مِنْكَ وَ إِنَّهُ اِبْنُ فُلاَنِ الْقِبْطِيِّ قَالَ: يَا عَلِيُّ! اِذْهَبْ فَاقْتُلْهُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله! إِذَا بَعَثْتَنِي أَكُونُ كَالْمِسْمَارِ الْمُحْمَى فِي الْوَبَرِ أَوْ أَتَثَبَّتُ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ تَثَبَّتْ، فَذَهَبَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ اسْتَنَدَ إِلَى حَائِطٍ فَطَرَحَ نَفْسَهُ فِيهِ فَطَرَحْتُ نَفْسِي عَلَى أَثَرِهِ، فَصَعِدَ عَلَى نَخْلِ فَصَعِدْتُ خَلْفَهُ، فَلَمَّا رَآنِي قَدْ صَعِدْتُ رَمَى بِإِزَارِهِ فَإِذَا لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا يَكُونُ لِلرِّجَالِ، فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَرَفَ عَنَّا اَلسُّوءَ أَهْلَ الْبَيْتِ؟!. فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ(1).
2 - قَالَ عَبْدُ الْمَحْمُودِ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ صَدْرِ الْأَئِمَّةِ عِنْدَهُمْ مُوَفِّقُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَكِّيُّ يَرْوِيهَا عَنْ فَخْرِ خُوارِزْمَ مَحْمُودِ الزَّمَخْشَرِي
ص: 255
بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي ذَرٍّ زِيَادَةً فِي مُنَاشَدَةِ عَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَهْلِ الشُّورَى وَهَذَا لَفْظُهَا:
نَاشَدْتُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ لاَ سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَى إِلاَّ عَلِيُّ هَلْ تَعْلَمُونَ كَانَ هَذَا؟
قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُحِبَّ عَلِيّاً وَ تُحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ عَلِيَا وَ يُحِبُّ مَنْ يُحِبُّ عَلِيّاً؟
قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ دُفِعْتُ إِلَى رِفَافٍ مِنْ نُورٍ ثُمَّ دُفِعْتُ إِلَى حُجُبٍ مِنْ نُورٍ فَوَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الْجَبَّارُ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ أَشْيَاء فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِهِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ نِعْمَ الْأَبُ أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ وَ نِعْمَ الْأَخُ أَخُوكَ عَلِيُّ فَاسْتَوْصِ بِهِ أَتَعْلَمُونَ مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَ
ص: 256
الْأَنْصَارِ كَانَ هَذَا فَقَالَ مِنْ بَيْنِهِمْ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَإِلاَّ فَصَمَّتَا.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَداً كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ جُنُباً غَيْرِي؟ قَالُوا اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ سَدَّهَا وَ تَرَكَ بَابِي؟ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي كُنْتُ إِذَا قَاتَلْتُ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي؟
قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ
قَالَ: فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حِينَ أَخَذَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ جَعَلَ يَقُولُ هَيِّ يَا حَسَنُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: إِنَّ الْحُسَيْنَ أَصْغَرُ وَأَضْعَفُ رُكْناً مِنْهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَقُولَ أَنَا هَيِّ يَا حَسَنُ وَيَقُولُ جَبْرَئِيلُ هَيِّ يَا حُسَيْنُ فَهَلْ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْمَنْزَلَةِ نَحْنُ اَلصَّابِرُونَ لِيَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْبَيْعَةِ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً.
ص: 257
ثُمَّ قَالَ وَ قَدْ عُلِمَ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ الْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ وَ الْمَنْزِلَةُ الْخَصِيصَةُ وَضَعَنِي فِي حَجْرِهِ وَ أَنَا وَلِيدُ فَضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَلُفُّنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرَقَهُ وَ كَانَ يَمْضَعُ الشَّيءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَ مَا وَجَدَ لِي كَذِبَةً فِي قَوْلٍ وَ لاَ خَطَأً فِي فِعْل وَ لَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ مِنْ لَدُنْ كَانَ فَظِيماً أَعْظَمَ مَلَكِ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ سَبِيلَ الْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَ نَهَارَهُ وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ إِتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ كُلَّ يَوْمٍ لِي عَلَماً مِنْ أَخْلَاقِهِ وَ يَأْمُرُنِي بِالاِفْتِدَاءِ بِهِ وَ لَقَدْ كَانَ يجاوز [يُجَاوِرُ] فِي كُلِّ سَنَةٍ بحرا [بِحِرَاءَ] فَأَرَاهُ وَ لاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْتُ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَام غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ خَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَ الرَّسَالَةِ وَ أَشَمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَان حَتَّى نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذِهِ الرَّنّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَبِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى إلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَ لَكِنَّكَ وَزِيرُ وَ إِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ وَ لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشِ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ اِدَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لاَ أَحَدُ مِنْ بَيْتِكَ وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَ أَرَيْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِي وَ رَسُولُ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
ص: 258
عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرُ كَذَّابُ فَقَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكُمْ تُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ؟
قَالُوا: نَعَمْ
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ مَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَ أَنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ وَ مَنْ يُحَذِّبُ لْأَحْزَابَ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ تَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ.
فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَأَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِيُّ عَظِيمٌ شَدِيدٌ وَقَصْفُ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَلْقَتْ بَعْضَهَا الْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَ بَعْضَ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَ كُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ.
فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا: عُلُوّاً وَ اسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَيَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدَّ
ص: 259
دَوِيّاً وَ كَادَتْ تَلَطَّفُ بِرَسُولِ اللَّهِ قَالُوا: كُفْراً وَعُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النَّصْفَ يَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنِ آمَنَ بِكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَأَول مَنْ آمَنَ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَصْدِيقاً لِنُبُوَّتِكَ وَإِجْلَالاً لِكَلِمَتِكَ.
فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ: بَلْ سَاحِرُ كَذَّابٌ عَجِيبُ السَّحْرِ حَقِيقُ بِهِ وَ هَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلا مِثْلُ هَذَا يَعْنُونِي وَإِنِّي لَمِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ لا يَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ سِيمَاهُمْ سِيمَاءُ الصَّدِّيقِينَ وَ كَلامُهُمْ كَلامُ الْأَبْرَارِ عِمَادُ اللَّيْل وَ مَنَارُ النَّهَارِ مُتَمَسْكُونَ بِحَبْل اللَّهِ الْقُرْآنِ يُحِبُّونَ سُنَنَ اللَّهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَلا يَقْلِبُونَ وَ لا يَفْسُدُونَ وَلاَ قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ وَأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ(1).
ص: 260
رَوَى عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرِ الْجُعْفِي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ وَ أَجْمَعَ عَلَى الشُّورَى بَعَثَ إِلَى سِتَّةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَإِلَى اَلزُّبَیْرِ بْنِ العَوَّام وَإِلَی طلْحَةَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ وَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَ بْنِ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى الْبَيْتِ وَ لَا يَخْرُجُوا مِنْهُ حَتَّى يُبَايِعُوا لِأَحَدِهِمْ فَإِنِ اجْتَمَعَ أَرْبَعَةُ عَلَى وَاحِدٍ وَ أَبَى وَاحِدٌ أَنْ يُبَايِعَهُمْ قُتِلَ وَ إِنِ امْتَنَعَ اِثْنَانِ وَ بَايَعَ ثَلَاثَةُ قُتِلاَ فَأَجْمَعَ رَأَيُّهُمْ عَلَى عُثْمَانَ.
فَلَمَّا رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَا هَمَّ الْقَوْمُ بِهِ مِنَ الْبَيْعَةِ لِعُثْمَانَ قَامَ فِيهِمْ لِيَتَّخِذَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ فَقَالَ عليه السلام لَهُمْ: اِسْمَعُوا مِنِّي كَلاَمِي فَإِنْ يَكُ مَا أَقُولُ حَقّاً فَاقْبَلُوا وَإِنْ يَكُ بَاطِلاً فَأَنْكِرُوا.
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ صِدْقَكُمْ إِنْ صَدَقْتُمْ وَ يَعْلَمُ كَذِبَكُمْ إِنْ كَذَبْتُمْ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 261
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ مَنْ بَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا الْفَتْحَ وَبَيْعَةَ الرَّضْوَان غَيْري؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ أَخُوهُ الْمُزَيَّنُ بِالْجَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ عَمُّهُ سَيَّدُ الشُّهَدَاءِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ زَوْجَتُهُ سَيْدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ ابْنَاهُ ابْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ هُمَا سَيَّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ عَرَفَ النَّاسِحَ مِنَ الْمَنْسُوخ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُ تَطْهِيراً غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 262
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ عَايَنَ جَبْرَئِيلَ فِي مِثَالِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ أَدَّى الزَّكَاةَ وَ هُوَ رَاكِعُ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَيْنَيْهِ وَ أَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمْ يَجِدْ حَرَّاً وَ لَا بَرْداً غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِي مَوْلَاهُ اَللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ هُوَ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ فِي الْحَضَرِ وَ رَفِيقُهُ فِي السَّفَرِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ بَارَزَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَ قَتَلَهُ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 263
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي عَشْرِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُؤْمِناً غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ نَاوَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ فَانْهَزَمُوا غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَقَفَتِ الْمَلَائِكَةُ مَعَهُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى ذَهَبَ النَّاسُ غَيْري؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَضَى دَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ شَهِدَ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ باللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ غَسَّلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله وَ كَفَّنَهُ وَ لَحَدَهُ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 264
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَرِثَ سِلاَحَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وَرَايَتَهُ وَ خَاتَمَهُ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله طَلَاقَ نِسَائِهِ بِيَدِهِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ حَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى كَسَرَ الْأَصْنَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ نُودِيَ بِاسْمِهِ مِنَ السَّمَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ «لاَ سَيْفَ إِلاَّ ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَى إِلاَّ عَلِيُّ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ اَلطَّائِرِ الْمَشْوِي الَّذِي أُهْدِيَ إِلَيْهِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ صَاحِبُ رَايَتِي فِي الدُّنْيَا وَصَاحِبُ لِوَائِي فِي الآخِرَةِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ صَدَقَةً غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 265
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ خَصَفَ نَعْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنَا أَخُوكَ وَأَنْتَ أَخِي» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَي وَأَقْوَلُهُمْ بِالْحَقِّ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَجَدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله جَائِعاً فَاسْتَقَى مِائَةَ دَلْوِ بِمِائَةِ تَمْرَةٍ وَ جَاءَ بِالتَّمْرِ فَأَطْعَمَهُ رَسُولُ اللَّهُ غَيْرِي وَ هُوَ جَائِعُ؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَ إِسْرَافِيلُ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ غَمَّضَ عَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَحَدَ اللَّهَ قَبْلِي غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 266
قَالَ نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ كَانَ أَوَّلَ دَاخِل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله علیه و آله وَ آخِرَ خَارِجِ مِنْ عِنْدِهِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مَشَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَمَرَّ عَلَى حَدِيقَةٍ فَقُلْتُ: مَا أَحْسَنَ هَذِهِ الْحَدِيقَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله: وَ حَدِيقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى ثَلاثِ حَدَائِقَ كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ حَدِيقَتُكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي وَ صَدَّقَنِي وَ أَوَّلُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ وَ يَدِ امْرَأَتِهِ وَابْنَيْهِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُبَاهِلَ نَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَوَّلُ طَالِعٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَا أَنَسُ فَإِنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَنَسُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ
ص: 267
رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ فَكُنْتُ أَنَا الطَّالِعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لأَنَسٍ مَا أَنْتَ بِأَوَّلِ رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمَهُ غَيْرِي ؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآيَةُ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَ رَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) غَيْري؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَ فِي وُلْدِهِ (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ (أَ جَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جَاهَدَ فِي سَبِيل الله لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَلْفَ كَلِمَةٍ كُلُّ كَلِمَةٍ مِفْتَاحُ أَلْفِ كَلِمَةٍ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ نَاجَاهُ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَ الطَّائِفِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاجَيْتَ عَلِيَا دُونَنَا؟ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ
ص: 268
صلى الله عليه و آله: مَا أَنَا نَاجَيْتُهُ بَل اللَّهُ أَمَرَنِي بِذَلِكَ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ سَقَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ الْمِهْرَاسِ غَيْري؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله «أَنْتَ أَقْرَبُ الْخَلْقِ مِنّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْخُلُ بِشَفَاعَتِكَ الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «يَا عَلِي أَنْتَ تُكْسَى حِينَ أُكْسَى» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ وَ شِيعَتُكَ الْفَائِزُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَ يُبْغِضُ هَذَا» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «مَنْ أَحَبَّ شِطْرَاتِي هَذِهِ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَ مَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ
ص: 269
فَقِيلَ لَهُ وَ مَا شِطْرَاتُكَ؟ قَالَ عَلِيُّ وَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَ فَاطِمَةُ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ خَيْرُ الْبَشَرِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ الْفَارُوقُ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ عَمَلاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كِسَاءَهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى زَوْجَتِهِ وَ عَلَى ابْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي إِلَيْكَ لا إِلَى النَّارِ غَيْري؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ كَانَ يَبْعَثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله الطَّعَامَ وَ هُوَ فِي الْغَارِ وَ يُخْبِرُهُ بِالْأَخْبَارِ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 270
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ باللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ صَاحِبِي مِنْ أَهْلِي» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ أَقْدَمُهُمْ سِلْماً وَ أَفْضَلُهُمْ عِلْماً وَأَكْثَرُهُمْ حِلْماً» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَتَلَ مَرْحَباً الْيَهُودِيَّ فَارِسَ الْيَهُودِ مُبَارَزَةٌ غَيْري؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ عَرَضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله الإِسْلَامَ فَقَالَ لَهُ أَنْظِرْنِي حَتَّى أَلْقَى وَالِدِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: فَإِنَّهَا أَمَانَةُ عِنْدَكَ فَقُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً عِنْدِي فَقَدْ أَسْلَمْتُ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ اِحْتَمَلَ بَابَ خَيْبَرَ حِينَ فَتَحَهَا فَمَشَى بِهِ مِائَةَ ذِرَاعٍ ثُمَّ عَالَجَهُ بَعْدَهُ أَرْبَعِينَ رَجُلاً فَلَمْ يُطِيقُوهُ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 271
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) فَكُنْتُ أَنَا الَّذِي قَدَّمَ الصَّدَقَةَ غَيْري؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله «مَنْ سَبَّ عَلِيّاً فَقَدْ سَبَّنِي وَ مَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «مَنْزِلِي مُوَاجِهُ مَنْزِلِكَ فِي الْجَنَّةِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «قَاتَلَ اللَّهُ مَنْ قَاتَلَكَ وَ عَادَى اللَّهُ مَنْ عَادَاكَ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ اضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَ وَقَاهُ بِنَفْسِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حِينَ أَرَادُوا قَتْلَهُ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِأُمَّتِي بَعْدِي» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 272
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه آله «أَنْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَاللَّهُ يَكْسُوكَ ثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَخْضَرُ وَ الْآخَرُ وَرْدِيُّ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ صَلَّى قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ وَ أَشْهُرٍ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذُ بِحُجْزَةِ رَبِّي وَالْحُجْزَةُ النُّورُ وَأَنْتَ آخِذُ بِحُجْزَتِي وَ أَهْلُ بَيْتِي آخِذُ بِحُجْزَتِكَ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ كَنَفْسِي وَ حُبُّكَ حُبِّي وَ بُغْضُكَ بُغْضِي»؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «وَلاَيَتُكَ كَوَلَايَتِي عَهْدُ عَهِدَهُ إِلَيَّ رَبِّي وَأَمَرَنِي أَنْ أُبَلِّغَكُمُوهُ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «اللَّهُمَّ اِجْعَلْهُ لِي عَوْناً وَ عَضُداً وَ نَاصِراً» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 273
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «اَلْمَالُ يَعْسُوبُ الظُّلَمَةِ وَ أَنْتَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله «لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً اِمْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ» غَيْري؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ أَطْعَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله رُمَّانَةً وَ قَالَ هَذِهِ مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ إِلَّا نَبِيُّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «مَا سَأَلْتُ رَبِّي شَيْئاً إِلا أَعْطَانِيهِ وَ لَمْ أَسْأَلُ رَبِّي شَيْئاً إِلا سَأَلْتُ لَكَ مِثْلَهُ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ أَقْوَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَ أَوْفَاهُمْ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْقَضِيَّةِ وَ أَقْسَمُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَ أَعْظَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَزِيَّةً» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 274
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «فَضْلُكَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كَفَضْلِ الشَّمْسِ عَلَى الْقَمَرِ وَ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى النُّجُومِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يُدْخِلُ اللَّهُ وَلِيَّكَ اَلْجَنَّةَ وَعَدُوّكَ النَّارَ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «النَّاسُ مِنْ أَشْجَارٍ شَتَّى وَأَنَا وَ أَنْتَ مِنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ» غَيْرِي؟ قَالُوا لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنَا سَيْدُ وُلْدِ آدَمَ وَ أَنْتَ سَيْدُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَلا فَخْرَ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لَاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ فِي الْآيَتَيْنِ مِنَ اَلْقُرْآن غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «مَوْعِدُكَ مَوْعِدِي وَ مَوْعِدُ شِيعَتِكَ عِنْدَ الْحَوْضِ إِذَا خَافَتِ الْأُمَمُ وَوُضِعَتِ الْمَوَازِينُ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 275
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهُ» غَيْرِي؟ قَالُوا لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ تُحَاجُ النَّاسَ فَتُحَجَّجُهُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ إِقَامِ الْحُدُودِ وَ الْقَسْمِ بِالسَّوِيَّةِ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لا.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَرَفَعَهَا حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَى بَيَاضِ إِبْطَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ أَلاَ إِنَّ هَذَا ابْنُ عَمِّي وَ وَزِيرِي فَوَازِرُوهُ وَ نَاصِحُوهُ وَ صَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ وَلِيُّكُمْ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةً وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) غَيْرِي؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ كَانَ جَبْرَئِيلُ أَحَدَ ضِيفَانِهِ غَيْرِي؟
قَالُوا: لاَ.
ص: 276
قَالَ: فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَنُوطاً مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ثُمَّ أَقْسَمَهُ أَثَلاثاً ثُلُثَاً لِي تُحَنّطنِي بِهِ وَ ثلثاً لابنتي وثلثاً لَكَ غَيْرِي؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ كَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله حَيَّاهُ وَأَدْنَاهُ وَ رَحْبَ بِهِ وَ تَهَلَّلَ لَهُ وَجْهُهُ غَيْرِي؟ فَقَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أنا أَفْتَخِرُ بِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا افْتَخَرَتِ الْأَنْبِيَاءُ بِأَوْصِيَائِهَا» غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدُ سَرَّحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِسُورَةِ بَرَاءَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «إِنِّي لأَرْحَمُكَ مِنْ ضَغَائِنَ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ عَلَيْكَ لَا يُظْهِرُونَهَا حَتَّى يَفْقِدُونِي فَإِذَا فَقَدُونِي خَالَفُوا فِيهَا» غَيْرِي؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَدَّى اللَّهُ عَنْ أَمَانَتِكَ أَدَّى اللَّهُ عَنْ ذِمَّتِكَ غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
ص: 277
قَالَ: فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ قَسِيمُ النَّارِ تُخْرِجُ مِنْهَا مَنْ زَكَا وَ تَذَرُ فِيهَا كُلَّ كَافِرٍ» غَيْرِي؟ قَالُوا: لَاَ.
قَالَ فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدُ فَتَحَ حِصْنَ خَيْبَرَ وَ سَبَى بِنْتَ مَرْحَبٍ فَأَدَّاهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله غَيْرِي؟ قَالُوا: لاَ.
قَالَ فَهَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «تَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ أَنْتَ وَ شِيعَتُكَ رِوَاءَ مَرْوِيِّينَ مُبْيَضَةً وُجُوهُهُمْ وَ يَرِدُ عَلَيَّ عَدُوكَ ظِمَاءٍ مُظْمَئِينَ مُقْتَحِمِينَ مُسْوَدَّةً وُجُوهُهُمْ غَيْرِي؟ قَالُوا: لَاَ.
قَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أمَّا إِذَا أَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ اِسْتَبَانَ لَكُمْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ نَبِيَّكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ سَخَطِهِ وَ لاَ تَعْصُوا أَمْرَهُ وَرُدُّوا الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ وَاتَّبِعُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنْ خَالَفْتُمْ خَالَفْتُمُ اللَّهَ فَادْفَعُوهَا إِلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ وَ هِيَ لَهُ قَالَ فَتَعَامَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَ تَشَاوَرُوا وَ قَالُوا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ وَ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا وَ لَكِنَّهُ رَجُلُ لاَ يُفَضِّلُ أَحَداً عَلَى أَحَدٍ فَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا إِيَّاهُ جَعَلَكُمْ وَ جَمِيعَ النَّاسِ فِيهَا شَرَعاً سَوَاءٌ وَلَكِنْ وَلُّوهَا عُثْمَانَ فَإِنَّهُ يَهْوَى الَّذِي تَهْوَونَ فَدَفَعُوهَا إِلَيْهِ(1).
ص: 278
1 - عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُعْبَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ رميس الْهُبَيْرِيُّ بِالْقَصْرِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ كَاسِ النَّخَعِيُّ بِالرَّمْلَةِ، وَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ جَمِيعاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْأَزْدِيِّ اَلصُّوفِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَادِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيّ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوزَ وَ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَامِرِ بْنِ وَائِلَةَ الْكِنَانِيِّ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَعَلَهَا شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ، بَيْنَ عَلِي بْنِ أَبِي طالب عليه السلام وَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ وَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصِ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِيمَنْ يُشَاوَرُ وَ لاَ يُوَلَّى.
قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَجْلَسُونِي عَلَى الْبَابِ أَرُدُّ عَنْهُمْ النَّاسَ.
ص: 279
فَقَالَ عَلِي عليه السلام: إِنَّكُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ لِمَا اجْتَمَعْتُمْ لَهُ فَأَنْصِتُوا فَأَتَكَلَّمُ فَإِنْ قُلْتُ حَقّاً صَدَّقْتُمُونِي، وَإِنْ قُلْتُ بَاطِلاً رُدُّوا عَلَيَّ وَ لاَ تَهَابُونِي، إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ كَأَحَدِكُمْ.
أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ لَهُ مِثْلُ ابْنِ عَمِّيصلى الله عليه و آله أَقْرَبُ إِلَيْهِ رَحِماً مِنِّي؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِثْلُ عَمَّي حَمْزَةَ أَسَدِ اللَّهِ وَ أَسَدِ رَسُولِهِ؟!.
قالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ أَخُ مِثْلُ أَخِي جَعْفَرٍ ذِي اَلْجَنَاحَيْنِ مُضَرَّجِ بِالدِّمَاءِ الطَّيَّارِ فِي الْجَنَّةِ؟!.
قَالُوا: اللَّهُم لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ لَهُ زَوْجَةُ مِثْلُ زَوْجَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله سَيَّدَةِ نِسَاءِ عَالَمِهَا فِي الْجَنَّةِ؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
ص: 280
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ باللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ صَلَّى الْقِبْلَتَيْن مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَبْلِي؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ سَهْمَان فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي الْخَاصَّ وَالْعَام غَيْرِي؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله بَابَهُ مَفْتُوحاً يَحِلُّ لَهُ مَا يَحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله، غَيْرِي؟!.
قَالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ رَجُلُ نَاجَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَشْرَ مَرَّاتٍ يُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ صَدَقَةٌ، غَيْرِي؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
ص: 281
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَا قَالَ فِي غَزَاةِ تَبُوكَ: إِنَّمَا أَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، غَيْرِي؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَقَالَتَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمَّ: مَنْ، مَوْلاهُ فَعَلِيُّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، غَيْرِي؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لَا.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ باللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ وَصَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله فِي أَهْلِهِ وَ مَالِهِ، غَيْرِي؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ قَتَلَ الْمُشْرِكِينَ كَقَتْلِي؟!.
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله غَيْرِي؟!.
ص: 282
قَالُوا: اَللَّهُمَّ: لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ أَقْرَبُ عَهْداً بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله مِنّي؟!.
قالُوا: اللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ نَزَلَ فِي حُفْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، غَيْرِي؟!
قَالُوا: اَللَّهُمَّ لاَ.
قَالَ: فَاصْنَعُوا مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ.
فَقَالَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ عِنْدَ ذَلِكَ: نَصِيبُنَا مِنْهَا لَكَ يَا عَلِيُّ.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَلَّدُونِي هَذَا الْأَمْرَ عَلَى أَنْ أَجْعَلَهَا لأَحَدِكُمْ. قَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا.
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَلُمَّ يَدَكَ يَا عَلِيُّ تَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا عَلَى أَنْ تَسِيرَ فِينَا بِسِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: أَخُذُهَا بِمَا فِيهَا عَلَى أَنْ أَسِيرَ فِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ صلى الله عليه و آله جُهْدِي، فَخَلَّى عَنْ يَدِ عَلِيٍّ، وَ
ص: 283
قالَ: هَلُمَّ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ خُذْهَا بِمَا فِيهَا عَلَى أَنْ تَسِيرَ فِينَا بِسِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ. فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.(1)
رُوِيَ: أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا عَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ لِقِتَالِ مُعَاوِيَةَ قَالَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، اِتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ أَطِيعُوهُ وَأَطِيعُوا إِمَامَكُمْ فَإِنَّ الرَّعِيَّةَ الصَّالِحَةَ تَنْجُو بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ. أَلاَ وَ إِنَّ الرَّعِيَّةَ الْفَاجِرَةَ تَهْلِكُ بِالْإِمَامِ الْفَاجِرِ.
وَ قَدْ أَصْبَحَ مُعَاوِيَةُ غَاصِباً لِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ حَقًّي نَاكِثاً لِبَيْعَتِي طَاغِياً في دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ مَا فَعَلَ النَّاسُ بِالْأَمْسِ فَجِئْتُمُونِي رَاغِبِينَ إِلَيَّ فِي أَمْرِكُمْ حَتَّى اسْتَخْرَجْتُمُونِي مِنْ مَنْزِلِي لِتُبَايِعُونِي فَالْتَوَيْتُ عَلَيْكُمْ لأَبْلُوَ مَا عِنْدَكُمْ فَرَادَدْتُمُونِي الْقَوْلَ مِرَاراً وَ رَادَدْتُكُمْ وَ تَدَاكَكْتُمْ عَلَي تَدَاكَّ الْإِبِلِ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا حِرْصاً عَلَى بَيْعَتِي حَتَّى خِفْتُ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً.
ص: 284
فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْكُمْ رَوَّيْتُ فِي أَمْرِكُمْ وَ أَمْرِي وَ قُلْتُ إِنْ أَنَا لَمْ أَجِبْهُمْ إِلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِهِمْ لَمْ يُصِيبُوا أَحَداً مِنْهُمْ يَقُومُ فِيهِمْ مَقَامِي وَ يَعْدِلُ فِيهِمْ عَدْلِي وَ قُلْتُ: وَ اللَّهِ لَأَلِيَنَّهُمْ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ حَقًّي وَ فَضْلِي أَحَبُّ إِلَي مِنْ أَنْ يَلُونِي وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ حَقًّي وَفَضْلِي.
فَبَسَطْتُ لَكُمْ يَدِي فَبَايَعْتُمُونِي يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَ فِيكُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ فَأَخَذْتُ عَلَيْكُمْ عَهْدَ بَيْعَتِي وَ وَاجِبَ صَفْقَتِي عَهْدَ اللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ وَ أَشَدَّ مَا أَخَذَ عَلَى النَّبِيِّينَ مِنْ عَهْدِ وَ مِيثَاقٍ لَتُقِرُّنَّ لِي وَ لَتَسْمَعُنَّ لِأَمْرِي وَ لَتُطِيعُونِي وَ تُنَاصِحُونِي وَ تُقَاتِلُونَ مَعِي كُلَّ بَاغِ عَلَيَّ أَوْ مَارِقٍ إِنْ مَرَقَ فَأَنْعَمْتُمْ لِي بِذَلِكَ جَمِيعاً وَ أَخَذْتُ عَلَيْكُمْ عَهْدَ اللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ وَ ذِمَّةَ اللَّهِ وَ ذِمَّةً رَسُولِهِ فَأَجَبْتُمُونِي إِلَى ذَلِكَ جَمِيعاً.
وَأَشْهَدْتُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ وَأَشْهَدْتُ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقُمْتُ فِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ صلى الله عليه و آله.
فَالْعَجَبُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ يُنَازِعُنِي الْخِلَافَةَ وَ يَجْحَدُ لِي الْإِمَامَةَ وَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنِّي جُرْأَةٌ مِنْهُ عَلَى اللَّهِ وَ عَلَى رَسُولِ
ص: 285
اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِغَيْرِ حَقٌّ لَهُ فِيهَا وَ لاَ حُجَّةٍ، وَ لَمْ يُبَايِعْهُ الْمُهَاجِرُونَ وَ لاَ سَلَّمَ لَهُ الْأَنْصَارُ وَالْمُسْلِمُونَ.
يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَ جَمَاعَةِ مَنْ سَمِعَ كَلَامِي أَ مَا أَوْجَبْتُمْ لِي عَلَى أَنْفُسِكُمُ الطَّاعَةَ؟ أَ مَا بَايَعْتُمُونِي عَلَى الرَّغْبَةِ؟ أَمَا أَخَذْتُ عَلَيْكُمُ الْعَهْدَ بِالْقَبُولِ لِقَوْلِي؟ أَ مَا بَيْعَتِي لَكُمْ يَوْمَئِذٍ أَوْكَدَ مِنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ؟
فَمَا بَالُ مَنْ خَالَفَنِي لَمْ يَنْقُضْ عَلَيْهِمَا حَتَّى مَضَيَا وَ نَقَضَ عَلَيَّ وَ لَمْ یَفِ لِي؟ أَ مَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ نُصْحِي وَ يَلْزَمُكُمْ أَمْرِي؟ أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ بَيْعَتِي يَلْزَمُ الشَّاهِدَ مِنْكُمْ وَ الْغَائِبَ؟ فَمَا بَالُ مُعَاوِيَةَ وَ أَصْحَابِهِ طَاغُونَ فِي بَيْعَتِي وَ لِمَ لَمْ يَفُوا لِي وَ أَنَا فِي قَرَابَتِي وَ سَابِقَتِي وَ صِهْري أَوْلَى بِالْأَمْرِ مِمَّنْ تَقَدَّمَنِي؟ أَ مَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمَ الْغَدِيرِ فِي وَلاَيَتِى وَ مُوَالاَتِي؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَ تَحَاثُّوا عَلَى جِهَادِ مُعَاوِيَةَ الْقَاسِطِ النَّاكِثِ وَأَصْحَابِهِ الْقَاسِطِينَ النَّاكِثِينَ.
اِسْمَعُوا مَا أَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُنْزَلِ عَلَى نَبِيَّهِ الْمُرْسَل لِتَتَّعِظُوا فَإِنَّهُ وَ اللَّهِ أَبْلَغَ عِظَةً لَكُمْ فَانْتَفِعُوا بِمَوْعِظَةِ اللَّهِ وَازْدَجِرُوا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَقَدْ وَعَظَكُمُ اللَّهُ بِغَيْرِكُمْ فَقَالَ لِنَبِيَّهِ صلى الله عليه و آله
ص: 286
: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قَالُوا لِنَبيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَ مَا لَنَا أَلاّ تُقَاتِلَ فِي سَبِیلِ الله وَ قَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَ أَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَالله عَلِيمُ بِالظَّالِمِينَ.
وَ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قَالُوا: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَ زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ و الله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعُ عَلِيمُ
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لَكُمْ فِي هَذِهِ الآيَاتِ عِبْرَةً لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْخِلافَةَ وَالْإِمْرَةَ مِنْ بَعْدِ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَعْقَابِهِمْ وَ أَنَّهُ فَضَّلَ طَالُوتَ وَ قَدَّمَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ بِاصْطِفَائِهِ إِيَّاهُ وَ زِيَادَةِ بَسْطَةٍ فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ فَهَلْ تَجِدُونَ أَنَّ اللَّهَ اصْطَفَى بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَ زَادَ مُعَاوِيَةَ عَلَيَّ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ؟
وَ اِتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ جَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَنَالَكُمْ سَخَطُهُ بِعِصْيَانِكُمْ لَهُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
ص: 287
عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ - إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَ قَالَ سُبْحَانَهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِالله وَ رَسُولِهِ وَ تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرُ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَ مَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
اِتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ تَحَاثُوا عَلَى الْجِهَادِ مَعَ إِمَامِكُمْ فَلَوْ كَانَ لِي مِنْكُمْ عِصَابَةُ بِعَدَدِ أَهْلِ بَدْرٍ إِذَا أَمَرْتُهُمْ أَطَاعُونِي وَإِذَا اسْتَنْهَضْتُهُمْ نَهَضُوا مَعِي لأَسْتَغْنَيْتُ بِهِمْ عَنْ كَثِيرِ مِنْكُمْ وَأَسْرَعْتُ النُّهُوضَ إِلَى حَرْبِ مُعَاوِيَةَ وَ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ الْجِهَادُ الْمَفْرُوضُ(1).
ص: 288
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْخَلِيلِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن ثَعْلَبَةَ الْحِمَّانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُخَوَّلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّهْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَتَتَبَّعُ غَضَبَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِذَا ذَكَرَ شَيْئاً أَوْ هَاجَهُ خَبَرُ.
فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ شِيعَتِهِ مِنَ الشَّامِ يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ وَ مَرْوَانَ اجْتَمَعُوا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَذَكَرُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَعَابُوهُ وَأَلْقَوْا فِي أَفْوَاءِ النَّاسِ أَنَّهُ يَنْتَقِصُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَيَذْكُرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا هُوَ أَهْلُهُ وَ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ بالاِنْتِظار لَهُ بالتَّخَيْلَةِ فَدَخَلُوا الْكُوفَةَ وَتَرَكُوهُ فَغَلُظَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَجَاءَ هَذَا الْخَبَرُ.
فَأَتَيْتُ بَابَهُ فِي اللَّيْلِ فَقُلْتُ: يَا قَنْبَرُ أَيُّ شَيْءٍ خَبَرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: هُوَ نَائِمُ. فَسَمِعَ كَلامِي فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
ص: 289
فَقَالَ: اِبْنُ عَبَّاسٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: أَدْخُلْ. فَدَخَلْتُ فَإِذَا هُوَ قَاعِدُ نَاحِيَةً عَنْ فِرَاشِهِ فِي ثَوْبِ جَالِسُ كَهَيْئَةِ الْمَهْمُوم.
فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّيْلَةَ؟
فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَ كَيْفَ تَنَامُ عَيْنَا قَلْبٍ مَشْغُولٍ؟
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَلِكُ جَوَارِحِكَ قَلْبُكَ فَإِذَا أَدْهَاهُ أَمْرُ طَارَ النَّوْمُ عَنْهُ. هَا أَنَا ذَا كَمَا تَرَى مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ اِعْتَرَانِي الْفِكْرُ وَالسَّهَرُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْضِ عَهْدِ أَوَّل هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُقَدَّرِ عَلَيْهَا نَقْضُ عَهْدِهَا.
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَمَرَ مَنْ أَمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالسَّلَامِ عَلَيَّ فِي حَيَاتِهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَكُنْتُ أُؤَكِّدُ أَنْ أَكُونَ كَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
يَا ابْنَ عَبَّاسِ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ بَعْدَهُ وَلَكِنْ أُمُورُ اجْتَمَعَتْ عَلَى رَغْبَةِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَ أَمْرِهَا وَ نَهْيِهَا وَ صَرْفِ قُلُوبِ أَهْلِهَا عَنِّي.
وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَ
ص: 290
آتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَوَابُ وَ لا عِقَابُ لَكَانَ بِتَبْلِيغ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله فَرْضُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُهُ وَاللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» أَتَرَاهُمْ نُهُوا عَنِّي فَأَطَاعُوا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ وَ غَدَا بِرُوحِ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه و آله إِلَى الْجَنَّةِ لَقَدْ قُرِنْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَيْثُ يَقُولُ عَزَّ وَ جَلَّ «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهِ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرَّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً».
وَ لَقَدْ أَطَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسِ فِكْرِي وَ هَمّي وَ تَجَرُّعِي غُصَّةٌ بَعْدَ غُصَّةٍ وُرُودُ قَوْمٍ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ وَ حَاجَتُهُمْ إِلَيَّ فِي حُكْمِ الْحَلالِ وَ الْحَرَامِ حَتَّى إِذَا أَتَاهُمْ أَمْنُ الدُّنْيَا أَظْهَرُوا الْغِنَى عَنِّي كَأَنْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ».
وَ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ اِحْتَاجُوا إِلَيَّ وَ لَقَدْ غَنِيتُ عَنْهُمْ «أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» فَمَضَى مَنْ مَضَى قَالِ عَلَيَّ بِضِغْنِ الْقُلُوبِ وَأَوْرَثَهَا الْحِقْدَ عَلَي وَ مَا ذَلِكَ إِلاَّ مِنْ أَجْلِ طَاعَتِهِ فِي قَتْلِ الْأَقَارِبِ الْمُشْرِكِينَ فَامْتَلَئُوا غَيْظاً وَ اِعْتِرَاضاً وَ لَوْ صَبَرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ قَالَ
ص: 291
اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهُ وَ رَسُولَهُ»
فَأَبْطَنُوا مِنْ تَرْكِ الرَّضَا بِأَمْرِ اللَّهِ مَا أَوْرَثَهُمُ النَّفَاقَ وَأَلْزَمَهُمْ بِقِلَّةِ الرّضَا الشَّقَاقَ وَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا».
فَالآنَ يَا ابْنَ عَبَّاسِ قُرِنْتُ بِابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ وَ عَمْرٍو وَ عُتْبَةَ وَ الْوَلِيدِ وَ مَرْوَانَ وَ أَتْبَاعِهِمْ وَ صَارَ مَعَهُمْ فِي حَدِيثٍ فَمَتَى اِخْتَلَجَ فِي صَدْرِي وَ أُلْقِي فِي رُوعِي أَنَّ الْأَمْرَ يَنْقَادُ إِلَى دُنْيَا يَكُونُ هَؤُلَاءِ فِيهَا رُؤَسَاءَ يُطَاعُونَ فِيهِمْ فِي ذِكْرِ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ يَسْلُبُونَهُمْ وَيَرْمُونَهُمْ بِعَظَائِمِ الْأُمُورِ مِنْ إِفْكِ مُخْتَلَقٍ وَ حِقْدٍ قَدْ سَبَقَ.
وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِمَّنْ بَقِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّ عَامَّةَ أَعْدَائِي مَنْ أَجَابَ الشَّيْطَانَ عَلَيَّ وَ زَهَّدَ النَّاسَ فِي وَأَطَاعَ هَوَاهُ فِي مَا يَضُرُّهُ فِي آخِرَتِهِ وَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ اَلْغِنَى وَهُوَ الْمُوَفِّقُ لِلرَّشَادِ وَالسَّدَادِ.
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! وَيْلُ لِمَنْ ظَلَمَنِي وَ دَفَعَ حَقِّي وَأَذْهَبَ عَنِّي عَظِيمَ مَنْزِلَتِي أَيْنَ كَانُوا أُولَئِكَ وَ أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله صَغِيراً لَمْ يُكْتَبْ عَلَيَّ صَلَاةُ وَ هُمْ عَبْدَةُ الْأَوْثَانِ وَعُصَاةُ الرَّحْمَنِ وَ
ص: 292
لَهُمْ يُوقَدُ النَّيرَانُ فَلَمَّا قَرُبَ إِصْعَارُ الْخُدُودِ وَإِتْعَاسُ الْحُدُودِ أَسْلَمُوا كَرْهاً وَ أَبْطَنُوا غَيْرَ مَا أَظْهَرُوا طَمَعاً فِي أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ تَرَبَّصُوا اِنْقِضَاءَ أَمْرِ الرَّسُولِ وَ فَنَاءَ مُدَّتِهِ لِمَا أَطْمَعُوا أَنْفُسَهُمْ فِي قَتْلِهِ وَ مَشُورَتِهِمْ فِي دَارِ نَدْوَتِهِمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ الله وَ اللهِ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» «وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَ يَأْبَى الله إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ».
يَا ابْنَ عَبَّاسِ! هَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله في حَيَاتِهِ بِوَحْيِ مِنَ اللَّهِ يَأْمُرُهُمْ بِمُوَالاَتِي فَحَمَلَ الْقَوْمُ مَا حَمَلَهُمْ مِمَّا حُقِدَ عَلَى أَبِينَا آدَمَ مِنْ حَسَدِ اللَّعِينِ لَهُ فَخَرَجَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَ اللَّعْنَةَ لِحَسَدِهِ لِوَلِي اللَّهِ وَ مَا ذَاكَ بِضَارِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ شَيْئاً.
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَرَادَ كُلُّ امْرِئٍ أَنْ يَكُونَ رَأْساً مُطَاعاً تَمِيلُ إِلَيْهِ الدُّنْيَا وَ إِلَى أَقَارِبِهِ فَحَمَلَهُ هَوَاهُ وَ لَذَّهُ دُنْيَاهُ وَاتَّبَاعُ النَّاسِ إِلَيْهِ أَنْ يَعْصِبَ مَا جُعِلَ لِي وَ لَوْ لاَ اِتَّقَائِي عَلَى الثَّقَلِ الْأَصْغَرِ أَنْ يَبِيدَ فَيَنْقَطِعَ شَجَرَةُ الْعِلْمِ وَزَهْرَةُ الدُّنْيَا وَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَ حِصْنُهُ الْأَمِينُ وَلَدُ رَسُولِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَكَانَ طَلَبُ الْمَوْتِ وَالْخُرُوجُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلَذَ عِنْدِي مِنْ شَرْبَةِ ظَمْآنَ وَ نَوْمِ وَسْنَانَ وَ لَكِنِّي صَبَرْتُ وَ فِي الصَّدْرِ
ص: 293
بَلاَبِلُ وَ فِي النَّفْسِ وَسَاوِسُ فَصَبْرُ جَمِيلُ وَاللهِ الْمُسْتَعَانُ عَلى ما تَصِفُونَ.
وَ لَقَدِيماً ظُلِمَ الْأَنْبِيَاءُ وَ قُتِلَ الْأَوْلِيَاءُ قَدِيماً فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِي الله بِأَمْرِهِ وَ اللَّهِ أَحْلِفُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّهُ كَمَا فُتِحَ بنَا يُخْتَمُ بنَا وَ مَا أَقُولُ لَكَ إِلاَّ حَقّاً.
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! إِنَّ الظُّلْمَ يَتَّسِقُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَيَطُولُ الظُّلْمُ وَيَظْهَرُ اَلْفِسْقُ وَ تَعْلُو كَلِمَةُ الظَّالِمِينَ وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الدِّينِ أَنْ لاَ يُقَارُوا أَعْدَاءَهُ بِذَلِكَ أَمَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى لِسَانِ الصَّادِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ: «تَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»
يَا ابْنَ عَبَّاسِ! ذَهَبَ الْأَنْبِيَاءُ فَلا تَرَى نَبِيَّاً وَ الْأَوْصِيَا، وَرَثَتُهُمْ عَنْهُمْ عِلْمُ اَلْكِتَابِ وَ تَحْقِيقُ الْأَسْبَابِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ» فَلا يَزَالُ الرَّسُولُ بَاقِياً ما نَفَذَتْ أَحْكَامُهُ وَ عُمِلَ بِسُنَّتِهِ وَ دَارَ أَحْوَالُ أَمْرِهِ وَ نَهْيِهِ وَ بِاللَّهِ أَحْلِفُ.
يَا ابْنَ عَبَّاسِ! لَقَدْ نُبذ الْكِتَابُ وَ تُركَ قَوْلُ الرَّسُول إلاَّ ما لا يُطِيقُونَ تَرْكَهُ مِنْ حَلالٍ وَ حَرَامٍ وَ لَمْ يَصْبِرُوا عَلَى كُلِّ أَمْرِ نَبِيَّهِمْ وَتِلْكَ
ص: 294
الْأَمْثَالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعَالِمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَبَيْنَنَا وَ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! عَامِلِ اللَّهَ فِي سِرَّهِ وَ عَلَانِيَتِهِ تَكُنْ مِنَ الْفَائِزِينَ وَدَعْ مَن اتَّبَعَ هَوَاهُ وَ كَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً وَيَحْسِبُ مُعَاوِيَةَ مَا عَمِلَ وَ مَا يُعْمَلُ مِنْ بَعْدِهِ وَلْيُمِدَّهُ ابْنُ الْعَاصِ فِي غَيْهِ فَكَأَنَّ عُمْرَهُ قَدِ انْقَضَى وَ كَيْدَهُ قَدْ هَوَى وَ سَيَعْلَمُ الْكَافِرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ.
وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَالَ عليه السلام: الصَّلاةَ يَا اِبْنَ عَبَّاسِ لا تَفُتُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَ لَكَ وَ حَسْبُنَا اللَّهِ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِي الْعَظِيمِ.
قَالَ إِبْنُ عَبَّاسٍ: فَغَمَّنِي اِنْقِطَاعُ اللَّيْلِ وَ تَلَهَفْتُ عَلَى ذَهَابِهِ(1).
ص: 295
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَمَعَ عَلِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْقُرْآنَ وَ جَاءَ بِهِ إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ عَرَضَهُ عَلَيْهِمْ لِمَا قَدْ أَوْصَاهُ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.
فَلَمَّا فَتَحَهُ أَبُو بَكْرٍ خَرَجَ فِي أَوَّلِ صَفْحَةٍ فَتَحَهَا فَضَائِحُ الْقَوْمِ، فَوَثَبَ عُمَرُ وَ قَالَ: يَا عَلِيُّ أَرْدُدْهُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ. فَأَخَذَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ اِنْصَرَفَ.
ثُمَّ أَحْضَرُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - وَ كَانَ قَارِياً لِلْقُرْآن - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ عَلِيّاً جَاءَ بِالْقُرْآنِ وَ فِيهِ فَضَائِحُ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ قَدْ رَأَيْنَا أَنْ نُوَلِّفَ الْقُرْآنَ وَ نُسْقِطَ مِنْهُ مَا كَانَ فَضِيحَةً وَ هَتْكاً لِلْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ. فَأَجَابَهُ زَيْدُ إِلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَنَا فَرَغْتُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى مَا سَأَلْتُمْ وَأَظْهَرَ عَلِيُّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَلَّفَهُ أَلَيْسَ قَدْ بَطَلَ كُلَّ مَا عَمِلْتُمْ؟ قَالَ عُمَرُ: فَمَا الْحِيلَةُ؟
قَالَ زَيْدُ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْحِيلَةِ.
ص: 296
فَقَالَ عُمَرُ: مَا حِيلَتُهُ دُونَ أَنْ نَقْتُلَهُ وَ نَسْتَرِيحَ مِنْهُ فَدَبَّرَ فِي قَتْلِهِ عَلَى يَدِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى شَرْحُ ذَلِكَ.
فَلَمَّا اسْتَخْلَفَ عُمَرُ سَأَلَ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَيُحَرِّفُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنْ جِئْتَ بِالْقُرْآنِ الَّذِي كُنْتَ قَدْ جِئْتَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ حَتَّى نَجْتَمِعَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ هَيْهَاتَ لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلُ، إِنَّمَا جِئْتُ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِتَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ وَ لاَ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا مَا جِئْتَنَا بِهِ إِنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي عِنْدِي لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ وَالْأَوْصِيَاءُ مِنْ وُلْدِي.
قَالَ عُمَرُ: فَهَلْ لِإِظْهَارِهِ وَقْتُ مَعْلُومُ؟
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: نَعَمْ إِذَا قَامَ الْقَائِمُ مِنْ وُلْدِي يُظْهِرُهُ وَ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهِ فَتَجْرِي اَلسُّنَّةُ بِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ(1).
ص: 297
اِبْنُ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصِ الْخَثْعَمِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اَلْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ اَلثَّعْلَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَنْصُورِ اَلْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْوَرَّاقُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِي بَكْرِ وَ بَيْعَةِ النَّاسِ لَهُ وَ فِعْلِهِمْ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام مَا كَانَ، لَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرِ يُظْهِرُ لَهُ اَلاِنْبِسَاطَ وَ يَرَى مِنْهُ اِنْقِبَاضاً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَحَبَّ لِقَاءَهُ وَ اسْتِخْرَاجَ مَا عِنْدَهُ وَ الْمَعْذِرَةَ إِلَيْهِ، لِمَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَتَقْلِيدِهِمْ إِيَّاهُ أَمْرَ الْأُمَّةِ وَ قِلَّةِ رَغْبَتِهِ فِي ذَلِكَ وَ زُهْدِهِ فِيهِ.
أَتَاهُ فِي وَقْتِ غَفْلَةٍ وَ طَلَبَ مِنْهُ الْخَلْوَةَ، وَ قَالَ لَهُ: وَاللَّهِ يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مُوَاطَأَةَ مِنِّي، وَلاَ رَغْبَةً فِيمَا، فِيهِ، وَلاَ حِرْصاً عَلَيْهِ، وَ لاَ ثِقَةً بِنَفْسِي فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ، وَلاَ قُوَّةً لِي بِمَالٍ، وَلاَ كَثْرَةِ الْعَشِيرَةِ، وَ لاَ ابْتِزَازاً لَهُ دُونَ غَيْرِي، فَمَا لَكَ تُضْمِرُ عَلَيَّ مَا لاَ
ص: 298
أَسْتَحِقُهُ مِنْكَ، وَ تُظْهِرُ لِي الْكَرَاهَةَ بِمَا صِرْتُ إِلَيْهِ، وَتَنْظُرُ إِلَي بِعَيْنِ اَلسَّأْمَةِ مِنِّي؟
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ عليه السلام: فَمَا حَمَلَكَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ تَرْغَبْ فِيهِ وَ لاَ حَرَصْتَ عَلَيْهِ وَ لَا وَثِقْتَ بِنَفْسِكَ فِي اَلْقِيَامِ بِهِ، وَ بِمَا يَحْتَاجُ مِنْكَ فِيهِ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدِيثُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُجْمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلاَلٍ»؛ وَ لَمَّا رَأَيْتُ اِجْتِمَاعَهُمْ إِتَّبَعْتُ حَدِيثَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله، و أحَلْتُ أَنْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُمْ وَ عَلَى خِلاَفِ الْهُدَى، وَأَعْطَيْتُهُمْ فَوَدَ اَلْإِجَابَةِ، وَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً يَتَخَلَّفُ لاَمْتَنَعْتُ.
قَالَ: فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُجْمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالٍ؛ أَ فَكُنْتُ مِنَ الْأُمَّةِ أَوْ لَمْ أَكُنْ؟ قَالَ: بَلَى.
وَ كَذَلِكَ اَلْعِصَابَةُ اَلْمُمْتَنِعَةُ عَلَيْكَ مِنْ سَلْمَانَ وَعَمَّارٍ وَ أَبِي ذَرِّ وَ اَلْمِقْدَادِ وَابْنِ عُبَادَةَ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ؟ قَالَ: كُلُّ مِنَ اَلْأُمَّةِ.
ص: 299
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: فَكَيْفَ تَحْتَجُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَأَمْثَالُ هَؤُلاَءِ قَدْ تَخَلَّفُوا عَنْكَ، وَ لَيْسَ لِلْأُمَّةِ فِيهِمْ طَعْنُ، وَلاَ فِي صُحْبَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله وَ نَصِيحَتِهِ مِنْهُمْ تَقْصِيرُ؟
قَالَ: مَا عَلِمْتُ بِتَخَلْفِهِمْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِبْرَامِ الْأَمْرِ، وَ خِفْتُ إِنْ دَفَعْتُ عَنِّي الْأَمْرَ أَنْ يَتَفَاقَمَ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ مُرْتَدَّينَ عَنِ الدِّينِ، وَ كَانَ مُمَارَسَتْكُمْ إِلَى إِنْ أَجَبْتُمْ أَهْوَنَ مَؤُونَةً عَلَى الدِّينِ وَ أَبْقَى لَهُ مِنْ ضَرْبِ النَّاسِ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فَيَرْجِعُوا كُفَّاراً، وَ عَلِمْتُ أَنَّكَ لَسْتَ بِدُونِي فِي الْإِبْقَاءِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَدْيَانِهِمْ.
فَقَالَ عليه السلام: أَجَلْ، وَ لَكِنْ أَخْبِرْنِي عَنِ الَّذِي يَسْتَحِقُ هَذَا الْأَمْرَ بِمَا يَسْتَحِقُهُ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: بِالنَّصِيحَةِ، وَ الْوَفَاءِ وَ رَفْعِ الْمُدَاهَنَةِ، وَالْمُحَابَاةِ، وَ حُسْنِ السَّيرَةِ، وَ إِظْهَارِ الْعَدْلِ وَالْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفَصْل الْخِطَابِ، مَعَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ثُمَّ سَكَتَ.
فَقَالَ عَلِي عليه السلام: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرِ أَ فِي نَفْسِكَ تَجِدُ هَذِهِ الْخِصَالَ، أَوْ فِي؟ قَالَ: بَلْ فِيكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ.
ص: 300
قَالَ: أَنْشُدُكَ باللَّهِ، أَنَا الْمُجِيبُ لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَبْلَ ذُكْرَانِ الْمُسْلِمِينَ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا الْأَذَانُ لِأَهْلِ الْمَوْسِم وَلِجَمِيعِ الأُمَّةِ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا وَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام بِنَفْسِي يَوْمَ الْغَارِ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَلِي الْوَلَايَةُ مِنَ اللَّهِ مَعَ وَلَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ فِي آيَةِ زَكَاةِ الْخَاتَمِ، أَمْ لَكَ؟ قَالَ: بَلْ لَكَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا الْمَوْلَى لَكَ وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله يَوْمَ الْغَدِيرِ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَلِي الْوِزَارَةُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَ اَلْمَثَلُ مِنْ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، أَمْ لَكَ؟ قَالَ: بَلْ لَكَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَبِي بَرَزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ بِأَهْلِ بَيْتِي وَ وُلْدِي فِي مُبَاهَلَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ النَّصَارَى، أَمْ بِكَ وَبِأَهْلِكَ وَ وُلْدِكَ؟ قَالَ: بَلْ بِكُمْ.
ص: 301
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَلِي وَلِأَهْلِي وَ وُلْدِي آيَةُ التَّطْهِيرِ مِنَ الرِّجْسِ، أَمْ لَكَ وَلِأَهْل بَيْتِكَ؟ قَالَ: بَلْ لَكَ وَلِأَهْل بَيْتِكَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا صَاحِبُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وَ أَهْلِي وَ وُلْدِي يَوْمَ الْكِسَاءِ: اَللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي إِلَيْكَ لَا إِلَى النَّارِ، أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ وَ وُلْدُكَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا صَاحِبُ الآيَةِ: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ باللَّهِ أَنْتَ الْفَتَى الَّذِي نُودِيَ مِنَ السَّمَاءِ: «لاَ سَيْفَ إِلاَّ ذُو الْفَقَارِ وَ لاَ فَتَى إِلاَّ عَلِيُّ»، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي رُدَّتْ لَهُ الشَّمْسُ لِوَقْتِ صَلَاتِهِ فَصَلاهَا ثُمَّ تَوَارَتْ، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي حَبَاكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ فَتْحِ خَيْبَرَ رَايَتَهُ فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُ، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي نَفَسْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كُرْبَتَهُ وَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
ص: 302
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ باللَّهِ، أَنْتَ الَّذِى طَهَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله مِنَ السِّفَاحِ مِنْ آدَمَ إِلَى أَبِيكَ بِقَوْلِهِ: «أَنَا وَ أَنْتَ مِنْ نِكَاحٍ لاَ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ آدَمَ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ باللَّهِ، أَنَا الَّذِي إِخْتَارَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وَ زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ وَ قَالَصلى الله عليه و آله: اللَّهُ زَوَّجَكَ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا وَالِدُ َالْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ رَيْحَانَتِي رَسُولِ اللَّهِ اللَّذَيْنِ يَقُولُ فِيهِمَا: هَذَانِ سَيَّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرُ مِنْهُمَا، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَخُوكَ الْمُزَيَّنُ بِجَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلاَئِكَةِ، أَمْ أَخِي؟ قَالَ: بَلْ أَخُوكَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا ضَمِنتُ دَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ نَادَيْتُ فِي الْمَوْسِمِ بِإِنْجَازِ مَوْعِدِهِ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا الَّذِي دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ اَلطَّيْرُ عِنْدَهُ يُرِيدُ أَكْلَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ انْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ بِأَكْلِ مَعِي أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
ص: 303
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا الَّذِي بَشَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنَا الَّذِي شَهِدْتُ آخِرَ كَلامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ وُلّيتُ غُسْلَهُ وَ دَفْتَهُ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله بِعِلْمِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: عَلِي أَقْضَاكُمْ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنَا الَّذِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَصْحَابَهُ بِالسَّلَام عَلَيْهِ بِالْإِمْرَةِ فِي حَيَاتِهِ، أَمْ أَنْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ الْقَرَابَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي حَبَاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِدِينَارٍ عِندَ حَاجَتِهِ، وَ بَاعَكَ جَبْرَئِيلُ، وَ أَضَفْتَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وَ أَطْعَمْتَ وَلْدَهُ، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
ص: 304
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي حَمَلَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله عَلَى كَتِفِهِ فِي طَرْحٍ صَنَمِ الْكَعْبَةِ وَ كَسْرِهِ حَتَّى لَوْ شَاءَ أَنْ يَنَالَ أُفُقَ السَّمَاءِ لَنَالَهَا، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ باللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: أَنْتَ صَاحِبُ لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِفَتْحِ بَابِهِ فِي مَسْجِدِهِ حِينَ أَمَرَ بِسَدِّ جَمِيع أَبْوَابِ أَصْحَابِهِ وَ أَهْل بَيْتِهِ وَ أَحَلَّ لَهُ فِيهِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله صَدَقَةً فَنَاجَاهُ، أَمْ أَنَا، إِذْ عَاتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَوْماً فَقَالَ: (أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ) آلَآيَةِ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَنْتَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِفَاطِمَةَ: زَوَّجْتُكِ أَوَّلَ النَّاسِ إِيمَاناً، وَ أَرْجَحَهُمْ إِسْلَاماً، فِي كَلَامِ لَهُ، أَمْ أَنَا؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ.
ص: 305
قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ عليه السلام يَعُدُّ عَلَيْهِ مَنَاقِبَةُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ دُونَهُ وَ دُونَ غَيْرِهِ، وَ يَقُولُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ أَنْتَ، قَالَ: فَبِهَذَا وَ شِبْهِهِ يَسْتَحِقُ الْقِيَامَ بِأُمُورِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله.
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ عليه السلام: فَمَا الَّذِي غَرَّكَ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ عَنْ دِينِهِ وَ أَنْتَ خِلْهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهْلُ دِينِهِ؟
قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَ قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَنْظُرْنِي يَوْمِي هَذَا، فَأَدَبَّرُ مَا أَنَا فِيهِ وَ مَا سَمِعْتُ مِنْكَ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ عليه السلام: لَكَ ذَلِكَ يَا أَبَا بَكْرِ.
فَرَجَعَ مِنْ عِنْدِهِ، وَ خَلاَ بِنَفْسِهِ يَوْمَهُ، وَلَمْ يَأْذَنْ لِأَحَدٍ إِلَى اللَّيْلِ، وَ عُمَرُ يَتَرَدَّدُ فِي النَّاسِ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ خَلْوَتِهِ بِعَلِيٍّ عليه السلام.
فَبَاتَ فِي لَيْلَتِهِ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي مَنَامِهِ مُتَمَثِّلاً لَهُ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرِ لِيُسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَوَلَّى وَجْهَهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ أَمَرْتَ بِأَمْرِ فَلَمْ أَفْعَلْ؟
قَالَ: أَرُدُّ السَّلَامَ عَلَيْكَ وَ قَدْ عَادَيْتَ مَنْ وَلَاهُ اللَّهُ وَ رَسُولَهُ، رُدَّ الْحَقَّ إِلَى أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَهْلُهُ؟
ص: 306
قَالَ: مَنْ عَاتَبَكَ عَلَيْهِ، وَ هُوَ عَلِيُّ.
قَالَ: فَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَمْرِكَ.
قَالَ: فَأَصْبَحَ وَ بَكَى، وَ قَالَ لِعَلِي عليه السلام أَبْسُطُ يَدَكَ؛ فَبَايَعَهُ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ.
وَ قَالَ لَهُ: تَخْرُجُ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَأَخْبِرِ النَّاسَ بِمَا رَأَيْتَ فِي لَيْلَتِي، وَ مَا جَرَى بَيْنِي وَ بَيْنَكَ، فَأُخْرِجُ نَفْسِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَأُسَلِّمُ عَلَيْكَ بِالْإِمْرَةِ.
قَالَ: عَلِي عليه السلام: نَعَمْ.
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مُتَغَيْراً لَوْنُهُ فَصَادَفَهُ عُمَرُ، وَ هُوَ فِي طَلَبِهِ، فَقَالَ: مَا حَالُكَ، يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟
فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ وَ مَا رَأَى وَ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عَلِيٍّ عليه السلام.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ تَغْتَرَّ بِسِحْرِ بَنِي هَاشِمٍ، فَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ سِحْرٍ مِنْهُمْ.
ص: 307
فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى رَدَّهُ عَنْ رَأْيِهِ، وَ صَرَفَهُ عَنْ عَزْمِهِ، وَ رَغَبَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ، وَ أَمَرَهُ بِالثَّبَاتِ عَلَيْهِ وَ الْقِيَام به.
قَالَ: فَأَتَى عَليه عليه السلام الْمَسْجِدَ لِلْمِيعَادِ، فَلَمْ يَرَ فِيهِ أَحَداً، فَحَسَّ بِالشَّرِّ مِنْهُمْ، فَقَعَدَ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
فَمَرَّ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ، دُونَ مَا تَرُومُ خَرْطُ الْقَتَادِ، فَعَلِمَ بِالْأَمْرِ وَ قَامَ وَ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ(1).
عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُسَاحِقٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ يَوْمَ الْجَمَلِ مَعَ عَائِشَةَ. فَلَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ اجْتَمَعْتُ مَعَ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَ فِيهِمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَم. فَقَالَ لِبَعْض مَنْ حَضَرَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ ظَلَمْنَا هَذَا الرَّجُلَ، وَ نَكَثْنَا بَيْعَتَهُ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، ثُمَّ لَقَدْ ظَهَرَ عَلَيْنَا فَمَا رَأَيْنَا رَجُلاً قَطُّ أَكْرَمَ سِيرَةً، وَ لاَ أَحْسَنَ عَفْواً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِنْهُ، فَتَعَالَوْا نَدْخُلْ عَلَيْهِ، فَنَعْتَذِرَ إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعْنَا.
ص: 308
قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا ذَهَبَ مُتَكَلِّمُنَا لِيَتَكَلَّمَ، قَالَ: أَنْصِتُوا أَكْفِيكُمْ إِنَّمَا أَنَا رَجُلُ مِنْكُمْ، فَإِنْ قُلْتُ حَقّاً فَصَدِّقُونِي، وَإِنْ قُلْتُ غَيْرَ ذَلِكَ فَرُدُّوهُ عَلَيَّ.
أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قُبِضَ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَ بِالنَّاسِ مِنْ بَعْدِهِ؟
قُلْنَا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: فَبَايَعْتُمْ أَبَا بَكْرٍ وَ عَدَلْتُمْ عَنِّي ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرِ جَعَلَهَا إِلَى عُمَرَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ بِالنَّاسِ مِنْ بَعْدِهِ.
قُلْنَا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: حَتَّى لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ جَعَلَنِي سَادِسَ سِتَّةٍ، ثُمَّ طَعَنْتُمْ عَلَى عُثْمَانَ فَقَتَلْتُمُوهُ ثُمَّ أَتَيْتُمُونِي وَأَنَا جَالِسُ فِي بَيْتِي، أَتَيْتُمُونِي غَيْرَ دَاع لَكُمْ وَ لاَ مُسْتَكْرَهِ، فَبَايَعْتُمُونِي كَمَا بَايَعْتُمْ أَبَا بَكْرِ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَكَثْتُمْ بَيْعَتِي.
قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُنْ كَالْعَبْدِ الصَّالِحِ إِذْ قَالَ: «لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».
ص: 309
قَالَ: إِنَّ فِيكُمْ مَنْ لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ لَنَكَثَ عَلَيَّ بِإِسْتِهِ، قَالَ: فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يَعْنِي مَرْوَانَ.(1)
رُوِيَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسِ الْهِلَالِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً عليه السلام فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَ جَمَاعَةُ يَتَحَدَّثُونَ وَ يَتَذَاكَرُونَ الْعِلْمَ فَذَكَرُوا قُرَيْشاً وَ فَضْلَهَا وَ سَوَابِقَهَا وَ هِجْرَتَهَا وَ مَا قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِنَ الْفَضْل...
وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا يَنْطِقُ هُوَ وَ لاَ أَحَدُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ؟
فَقَالَ عليه السلام: لَهُمْ مَا مِنَ الْحَيَّيْنِ أَحَدُ إِلاَّ وَقَدْ ذَكَرَ فَضْلاً وَ قَالَ حَقَّاً فَأَنَا أَسْأَلُكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَ الْأَنْصَارِ بِمَنْ أَعْطَاكُمُ اللَّهُ هَذَا اَلْفَضْلَ أَ بِأَنْفُسِكُمْ وَ عَشَائِرِكُمْ وَ أَهْلِ بُيُوتَاتِكُمْ أَمْ بِغَيْرِكُمْ؟
ص: 310
قَالُوا بَلْ أَعْطَانَا اللَّهُ وَ مَنْ بِهِ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ وَ عَشِيرَتِهِ لاَ بِأَنْفُسِنَا وَ عَشَائِرِنَا وَ لاَ بِأَهْلِ بُيُوتِنَا.
قال عليه السلام: صَدَقْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشِ وَالْأَنْصَارِ. أَتَعْلَمُونَ الَّذِي نِلْتُمْ بِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ؟ فَإِنَّ اِبْنَ عَمِّي رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي وَ أَهْلَ بَيْتِي كُنَّا نُوراً بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ آدَمَ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةٍ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَضَعَ ذَلِكَ النُّورَ فِي صُلْبِهِ وَ أَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ حَمَلَهُ فِي السَّفِينَةِ فِي صُلْبِ نُوح عليه السلام ثُمَّ قَذَفَ بِهِ فِي النَّارِ فِي صُلْبِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ثُمَّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَنْقُلُنَا مِنَ الْأَصْلَابِ الْكَرِيمَةِ إِلَى الْأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ وَ مِنَ الْأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ إِلَى الأَصْلابِ الْكَرِيمَةِ مِنَ الآبَاءِ وَ الْأُمَّهَاتِ لَمْ يَلْتَقِ وَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى سِفَاحٍ قَطُّ؟
فَقَالَ أَهْلُ السَّابِقَةِ وَ أَهْلُ بَدْرٍ وَ أَهْلُ أُحُدٍ: نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُول اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوَّلُ الْأُمَّةِ إِيمَاناً بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ؟ قَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
ص: 311
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَضَّلَ فِي كِتَابِهِ السَّابِقَ عَلَى الْمَسْبُوقِ فِي غَيْرِ آيَةٍ وَ أَنِّي لَمْ يَسْبِقْنِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ حَيْثُ نَزَلَتْ (وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ وَ سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ: أَنْزَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَ أَوْصِيَائِهِمْ فَأَنَا أَفْضَلُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَصِيَّي أَفْضَلُ الْأَوْصِيَاءِ؟ قَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ حَيْثُ نَزَلَتْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهِ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وَ حَيْثُ نَزَلَتْ: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ اَلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) وَ حَيْثُ نَزَلَتْ: (وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُون الله وَ رَسُولِهِ وَ لا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ خَاصَّةً فِي بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ عَامَّةُ لِجَمِيعِهِمْ؟ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيَّهُ أَنْ يُعَلَّمَهُمْ وَلاَةَ أَمْرِهِمْ وَ أَنْ يُفَسِّرَ لَهُمْ مِنَ الْوَلَايَةِ مَا فَسَّرَ لَهُمْ مِنْ صَلاتِهِمْ وَ زَكَاتِهِمْ وَ صَوْمِهِمْ وَ حَجَّهِمْ فَنَصَبَنِي لِلنَّاسِ عَلَماً بِغَدِيرٍ خُمٍّ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ ضَاقَ بِهَا
ص: 312
صَدْرِي فَظَنَنْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ فَأَوْعَدَنِي لَأُبَلِّغَنَّهَا أَوْ لَيُعَذِّ بَنِّي ثُمَّ أَمَرَ فَنُودِيَ بِالصَّلاَةَ جَامِعَةً ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مَوْلاَيَ وَ أَنَا مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنَا أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: قُمْ يَا عَلِي فَقُمْتُ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِيُّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ.
فَقَامَ سَلْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالاَهُ كَمَا ذَا فَقَالَ: لاَ. كَوَلَائِي فَمَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيُّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى تَمَام نُبُوَّتِي وَ تَمَام دِينِ اللَّهِ وَلَآيَةِ عَلِيٍّ بَعْدِي
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ فَقَالاَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاَءِ الآيَاتُ خَاصَّةً عَلِيٍّ؟
قَالَ صلى الله عليه و آله: بَلَى فِيهِ وَ فِي أَوْصِيَائِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَیِّنَهُمْ لَنَا.
فِي قال صلى الله عليه و آله: أَخِي وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي وَ وَصِيِّي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَ وَلِيِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي ثُمَّ ابْنَيَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ
ص: 313
ثُمَّ تِسْعَةٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ الْقُرْآنُ مَعَهُمْ وَ هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ لاَ يُفَارِقُونَهُ وَ لاَ يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ.
فَقَالُوا كُلُّهُمْ: اللَّهُمَّ نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ وَ شَهِدْنَا كَمَا قُلْتَ سَوَاءً وَ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ حَفِظْنَا جُلَّ مَا قُلْتَ وَ لَمْ نَحْفَظْ كُلَّهُ وَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَفِظُوا أَخْيَارُنَا وَ أَفَاضِلُنَا.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: صَدَقْتُمْ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَسْتَوِي فِي الْحِفْظِ.
أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ مَنْ حَفِظَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لَمَّا قَامَ وَ أَخْبَرَ بِهِ؟
فَقَامَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ عَمَّارُ فَقَالُوا: نَشْهَدُ لَقَدْ حَفِظْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ هُوَ قَائِمُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَ أَنْتَ إِلَى جَنْبِهِ وَ هُوَ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ أَمَرَنِيَ اللَّهُ أَنْ أَنْصِبَ لَكُمْ إِمَامَكُمْ وَ الْقَائِمَ فِيكُمْ بَعْدِي وَ وَصِيِّي وَ خَلِيفَتِي وَ الَّذِي فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ طَاعَتَهُ وَ قَرَلَهُ بِطَاعَتِهِ وَ طَاعَتِي وَأَمَرَكُمْ بِوَلَايَتِهِ وَ إِنِّي رَاجَعْتُ رَبِّي خَشْيَةَ طَعْنِ أَهْلِ النَّفَاقِ وَ تَكْذِيبِهِمْ فَأَوْعَدَنِي لَأُبَلْغَنَّهَا أَوْ لَيُعَذِّ بَنِّي أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ فِي كِتَابِهِ بِالصَّلاَةِ فَقَدْ بَيَّنْتُهَا لَكُمْ وَالزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ اَلْحَجِّ فَقَدْ بَيَّنْتُهَا لَكُمْ وَ فَسَّرْتُهَا وَ أَمَرَكُمْ بِالْوَلَايَةِ وَ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنَّهَا لِهَذَا خَاصَّةً وَ وَضَعَ يَدَهُ
ص: 314
عَلَى يَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب ثُمَّ لابْنَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ لِلْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مِنْ وُلْدِهِمْ عليه السلام لاَ يُفَارِقُونَ الْقُرْآنَ وَلاَ يُفَارِقُهُمُ الْقُرْآنُ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ.
أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ مَفْزَعَكُمْ بَعْدِي وَ إِمَامَكُمْ وَ دَلِيلَكُمْ وَ هَادِيَكُمْ وَ هُوَ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ هُوَ فِيكُمْ بِمَنْزِلَتِي فِيكُمْ فَقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ وَأَطِيعُوهُ فِي جَمِيع أُمُورِكُمْ فَإِنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ مَا عَلَّمَنِيَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ عِلْمِهِ وَ حِكْمَتِهِ فَاسْأَلُوهُ وَتَعَلَّمُوا مِنْهُ وَ مِنْ أَوْصِيَائِهِ وَلاَ وَلاَ بَعْدَهُ وَ لاَ تُعَلِّمُوهُمْ وَ لاَ تَتَقَدَّمُوهُمْ وَ لاَ تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَهُمْ لاَ يُزايلُهُمْ ثُمَّ جَلَسُوا.
قَالَ سُلَيْمَ ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ عليه السلام: أَيُّهَا النَّاسُ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فَجَمَعَنِي وَ فَاطِمَةَ وَابْنَيْهِ حَسَناً وَ حُسَيْناً ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْنَا كِسَاءٍ فَدَكِيّاً وَ قَالَ: اَللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَ لَحْمِي يُؤْلِمُنِي مَا يُؤْلِمُهُمْ وَ يَجْرَحُنِي مَا يَجْرَحُهُمْ فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرْهُمْ تَطْهِيراً فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: أَنْتِ إِلَى خَيْرٍ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِيَّ وَ فِي أَخِي عَلِيٍّ وَ فِي ابْنَتِي فَاطِمَةَ وَ فِي ابْنَيَّ وَ فِي تِسْعَةٍ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْن خَاصَّةً وَلَيْسَ مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرُنَا
ص: 315
فَقَالُوا: كُلُّهُمْ نَشْهَدُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْنَا بِذَلِكَ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَحَدَّثَنَا كَمَا حَدَّثَتْنَا بِهِ أُمُّ سَلَمَةَ.
قَالَ عَلِيُّ عليه السلام: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهِ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَامَّةُ هَذِهِ الآيَةُ أَمْ خَاصَّةُ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمَأْمُورُونَ فَعَامَّةُ الْمُؤْمِنِينَ أُمِرُوا بِذَلِكَ وَ أَمَّا الصَّادِقُونَ فَخَاصَّةً لِأَخِي عَلِيٍّ وَ أَوْصِيَائِي بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَ تَعْلَمُونَ أَنِّي قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله فِي غَزَاةِ تَبُوكَ لِمَ تُخَلَّفُنِي فَقَالَ: إِنَّ الْمَدِينَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ بِي أَوْ بِكَ وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْحَجّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَأَسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَاِفْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ - فَقَامَ سَلْمَانُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَنْتَ عَلَيْهِمْ شَهِيدٌ وَ هُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ اجْتَبَاهُمْ وَ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ؟
ص: 316
قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً خَاصَّةً دُونَ هَذِهِ الْأُمَّةِ
فَقَالَ سَلْمَانُ: بَيْنَهُمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: أَنَا وَ أَخِي عَلِيُّ وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي. قَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله قَامَ خَطِيباً وَ لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَارِكُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لاَ تَضِلُّوا فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَخْبَرَنِي وَ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ هُوَ شِبْهُ الْمُغْضَبِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ كُلُّ أَهْلِ بَيْتِكَ؟ قَالَ: لاَ وَ لَكِنَّ أَوْصِيَانِي مِنْهُمْ أَوَّلُهُمْ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ بَعْدِي هُوَ أَوَّلُهُمْ ثُمَّ ابْنِي الْحَسَنُ ثُمَّ ابْنِيَ الْحُسَيْنُ ثُمَّ تِسْعَةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ شُهَدَاءُ لِلَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ حُجَجُهُ عَلَى خَلْقِهِ وَ خُزَّانُ عِلْمِهِ وَ مَعَادِنُ حِكْمَتِهِ مَنْ أَطَاعَهُمْ فَقَدْ و و أَطَاعَ اللَّهِ وَ مَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ.
فَقَالُوا كُلُّهُمْ: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ ذَلِكَ.
ص: 317
ثُمَّ تَمَادَى بِعَلِيٍّ عليه السلام السُّؤَالُ وَ الْمُنَاشَدَةُ فَمَا تَرَكَ شَيْئاً إلاَّ نَاشَدَهُمُ اللَّهَ فِيهِ وَ سَأَلَهُمْ عَنْهُ حَتَّى أَتَى عَلِيُّ عَلَى أَكْثَرِ مَنَاقِبِهِ وَ مَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كُلَّ ذَلِكَ يُصَدِّقُونَهُ وَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ حَقٌّ.
ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ: اللَّهُمَّ اِشْهَدْ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ أَنَّا لَمْ نَقُلْ إِلاَّ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ مَا حَدَّثَنَا مَنْ نَثِقُ بِهِ مِنْ هَؤُلاَءِ وَ غَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
قال عليه السلام: أَتُقِرُّونَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَ يُبْغِضُ عَلِيّاً فَقَدْ كَذَبَ وَ لَيْسَ يُحِبُّنِي وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي.
فَقَالَ لَهُ قَائِلُ: كَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ مِنّي وَأَنَا مِنْهُ وَ مَنْ أَحَبَّهُ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَ مَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ وَ مَنْ أَبْغَضَهُ فَقَدْ أَبْغَضَنِي وَ مَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ.
قَالَ: نَحْوُ عِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ أَفَاضِلِ الْحَيَّيْنِ اللَّهُمَّ نَعَمْ. وَ سَكَتَ بَقِيَّتُهُمْ.
ص: 318
فَقَالَ عليه السلام: لِلسُّكُوتِ مَا لَكُمْ سَكَتُّمْ؟ قَالُوا: هَؤُلاَ الَّذِينَ شَهدُوا عِنْدَنَا ثِقَاتُ فِي قَوْلِهِمْ وَفَضْلِهِمْ وَ سَابقتِهم.
فَقَالَ: اَللَّهُمَّ اِشْهَدْ عَلَيْهِمْ.
فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَ كَانَ يُقَالُ لَهُ دَاهِيَةُ قُرَيْشٍ فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِمَا اِدَّعَى أَبُو بَكْر وَ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ وَ شَهِدُوا عَلَى مَقَالَتِهِ يَوْمَ أَتَوْهُ بِكَ بِعَثْلٍ وَ فِي عُنُقِكَ حَبْلُ فَقَالُوا لَكَ: بَايِعُ فَاحْتَجَجْتَ بِمَا حْتَجَجْتَ بِهِ فَصَدَّقُوكَ جَمِيعاً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: أَبَى اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ عُمَرُ وَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَ سَالِمُ وَ مُعَاذُ ثُمَّ قَالَ طَلْحَةُ: كُلُّ الَّذِي قُلْتَ وَإِدَّعَيْتَ وَ اِحْتَجَجْتَ بِهِ مِنَ السَّابِقَةِ وَ الْفَضْلِ حَقُّ نُقِرُّ بِهِ وَنَعْرِفُهُ وَ أَمَّا الْخِلافَةُ فَقَدْ شَهِدَ أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةُ بِمَا سَمِعْتَ.
فَقَامَ عَلِيُّ عليه السلام عِنْدَ ذَلِكَ وَ غَضِبَ مِنْ مَقَالَتِهِ فَأَخْرَجَ شَيْئاً قَدْ كَانَ يَكْتُمُهُ وَ فَسَّرَ شَيْئاً قَالَ لَهُ عُمَرُ يَوْمَ مَاتَ لَمْ يَدْرِ مَا عَنَى بِهِ. فَأَقْبَلَ عَلَى طَلْحَةَ وَ النَّاسُ يَسْمَعُونَ فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ يا طَلْحَةُ ما صَحِيفَةُ أَلْقَى اللَّهَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ صَحِيفَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ
ص: 319
تَعَاهَدُوا عَلَى الْوَفَاءِ بِهَا فِي الْكَعْبَةِ: إِنْ قَتَلَ اللَّهُ مُحَمَّداً أَوْ تَوَفَّاهُ أَنْ يَتَوَازَرُوا دُونَ عَلِيٍّ وَ يَتَظَاهَرُوا فَلاَ تَصِلَ إِلَيَّ الْخِلافَةُ وَالدَّلِيلُ وَاللَّهِ عَلَى بَاطِلِ مَا شَهِدُوا وَ مَا قُلْتَ يَا طَلْحَةُ قَوْلُ نَبِيِّ اللَّهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ «مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِي أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ» فَكَيْفَ أَكُونُ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ هُمْ أَمَرَاءُ عَلَيَّ وَ حُكَامُ وَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «أَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ النُّبُوَّةِ» فَلَوْ كَانَ مَعَ النُّبُوَّةِ غَيْرُهَا لاَسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله و قَوْلُهُ «إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي لَنْ تَضِلُّوا مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لاَ تَقَدَّمُوهُمْ وَ لاَ تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ» أَفَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ عَلَى الْأُمَّةِ إِلاَّ أَعْلَمَهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ وَ قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدِى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) وَ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَ زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وَ قَالَ ائْتُونِي بِكِتَابِ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله «مَا وَلَّتْ أُمَّةً قَطُّ أَمْرَهَا رَجُلاً وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ لَمْ يَزَلْ يَذْهَبُ أَمْرُهُمْ سَفَالاً حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَا تَرَكُوا.
ص: 320
فَمَا الْوَلاَيَةُ غَيْرُ الْإِمَارَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى كَذِبِهِمْ وَ بَاطِلِهِمْ وَ فُجُورِهِمْ أَنَّهُمْ سَلَّمُوا عَلَيَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ وَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَ عَلَيْكَ خَاصَّةً وَ عَلَى هَذَا مَعَكَ يَعْنِي الزُّبَيْرَ وَ عَلَى الْأُمَّةِ وَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصِ وَابْنِ عَوْفٍ وَ خَلِيفَتِكُمْ هَذَا الْقَائِمِ يَعْنِي عُثْمَانَ فَإِنَّا مَعْشَرَ الشُّورَى أَحْيَاءُ كُلُّنَا أَنْ جَعَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي اَلشُّورَى إِنْ كَانَ قَدْ صَدَقَ وَ أَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَجَعَلَنَا فِي الشُورَى فِي الْخِلَافَةِ أَمْ فِي غَيْرِهَا؟
فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ جَعَلَهَا شُورَى فِي غَيْرِ الْإِمَارَةٌ فَلَيْسَ لِعُثْمَانَ إِمَارَةُ وَ إِنَّمَا أَمَرَنَا أَنْ نَتَشَاوَرَ فِي غَيْرِهَا وَ إِنْ كَانَتِ الشُّورَى فِيهَا فَلِمَ أَدْخَلَنِي فِيكُمْ فَهَلاَّ أَخْرَجَنِي وَ قَدْ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَخْرَجَ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنَ الْخِلَافَةِ وَ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا نَصِيبُ وَ لِمَ قَالَ عُمَرُ حِينَ دَعَانَا رَجُلاً رَجُلاً؟
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام لِعَبْدِ اللَّهِ ابْنِهِ: وَ هَا هُوَ ذَا أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَا قَالَ لَكَ حِينَ خَرَجْتُ؟
قَالَ: أَمَّا إِذْ نَاشَدْتَنِي بِاللَّهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنْ يَتَّبِعُوا أَصْلَعَ قُرَيْشٍ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ وَأَقَامَهُمْ عَلَى كِتَابِ رَبِّهِمْ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ.
ص: 321
قَالَ عليه السلام: يَا ابْنَ عُمَرَ فَمَا قُلْتَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَسْتَخْلِفَهُ؟ قَالَ: وَ مَا رَدَّ عَلَيْكَ؟ قَالَ: رَدَّ عَلَيَّ شَيْئاً أَكْتُمُهُ.
قَالَ عَلِيُّ عليه السلام: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله خَبَّرَنِي بِهِ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ أَخْبَرَنِي بِهِ لَيْلَةَ مَاتَ أَبُوكَ فِي مَنَامِي وَ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَنَاماً فَقَدْ رَآهُ.
قَالَ: فَمَا أَخْبَرَكَ بِهِ؟
قَالَ عليه السلام: فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ يَا ابْنَ عُمَرَ لَئِنْ أَخْبَرْتُكَ بِهِ لَتُصَدِّ قَنَّ؟ قَالَ: إِذَنْ سَكَتَ.
قَالَ عليه السلام: فَإِنَّهُ قَالَ لَكَ حِينَ قُلْتَ لَهُ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَسْتَخْلِفَهُ قَالَ: الصَّحِيفَةُ الَّتِي كَتَبْنَاهَا بَيْنَنَا وَ اَلْعَهْدُ فِي الْكَعْبَةِ. فَسَكَتَ ابْنُ عُمَرَ.
فَقَالَ عليه السلام أَسْأَلُكَ بِحَقِّ رَسُولِكَ لِمَ سَكَتْ عَنِّي؟ قَالَ سُلَيْمُ: فَرَأَيْتُ اِبْنَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ وَ عَيْنَاهُ تَسِيلاَنِ.
ص: 322
وَ أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلَى طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ وَ ابْنِ عَوْفٍ وَ سَعْدٍ فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ أُولَئِكَ الْخَمْسَةُ أَوِ الْأَرْبَعَةُ كَذَبُوا عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَا يَحِلُّ لَكُمْ وَلاَ يَتْهُمْ وَ إِنْ كَانُوا صَدَقُوا مَا حَلَّ لَكُمْ أَيُّهَا الْخَمْسَةُ أَوِ الْأَرْبَعَةُ أَنْ تُدْخِلُونِي مَعَكُمْ فِي الشُّورَى لِأَنَّ إدْ خَالَكُمْ إِيَّايَ فِيهَا خِلافُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ رَدُّ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ مَنْزِلَتِي فِيكُمْ وَ مَا تَعْرِفُونِّي بِهِ أَ صَادِقُ أَنَا فِيكُمْ أَمْ كَاذِبُ؟
قَالُوا: صَدُوقُ لاَ وَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كَذَبْتَ قَطُّ في الْجَاهِلِيَّةِ وَلاَ الْإِسْلام.
قَالَ: فَوَ اللَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ بِالنُّبُوَّةِ وَجَعَلَ مِنَّا مُحَمَّداً و أَكْرَمَنَا بَعْدَهُ بِأَنْ جَعَلَنَا أَئِمَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ لاَ يُبَلِّعُ عَنْهُ غَيْرُنَا وَ لاَ تَصْلُحُ الإمَامَةُ وَالْخِلافَةُ إِلاَّ فِينَا وَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فِيهَا مَعَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ نَصِيباً وَلاَ حَقّاً.
أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيُّ وَ لاَ رَسُولُ خَتَمَ بِرَسُولِ اللَّهِ الْأَنْبِيَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ جَعَلَنَا مِنْ بَعْدِ
ص: 323
مُحَمَّدٍ خُلَفَاءَ فِي أَرْضِهِ وَ شُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِهِ فَرَضَ طَاعَتَنَا فِي كِتَابِهِ وَ قَرَنَنَا بِنَفْسِهِ وَ نَبِيِّهِ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ مُحَمَّداً نَبيّاً وَ جَعَلَنَا خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ فِي كِتَابِهِ الْمُنْزَل.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يُبَلِّغَ ذَلِكَ أُمَّتَهُ فَبَلَّغَهُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ فَأَيُّكُمَا أَحَقُّ بِمَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ مَكَانِهِ وَ قَدْ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ بَعَثَنِي بِبَرَاءَةَ فَقَالَ: لاَ يُبَلِّغُ عَنّي إِلا رَجُلُ مِنّي أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَسَمِعْتُمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله؟
قَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ بَعَثَكَ بِبَرَاءَةَ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: لاَ يَصْلُحُ لِصَاحِبِكُمْ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ صَحِيفَةً أَرْبَعَ أَصَابِعَ وَ لَنْ يَصْلُحَ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ غَيْرِي فَأَيُّهُمَا أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ وَ مَكَانِهِ الَّذِي سُمَّيَ بِخَاصَّةٍ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آلهأَوْ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنَ الْأُمَّةِ.
فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَفَسِّرْ لَنَا كَيْفَ لاَ يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ غَيْرَكَ وَقَدْ
ص: 324
قَالَ لَنَا وَ لِسَائِرِ النَّاسِ لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَقَالَ بِعَرَفَةَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاع: نَصَرَ اللَّهُ اِمْرَأَ سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ثُمَّ بَلَّغَهَا غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْةٍ لا فِقْهَ لَهُ وَ رُبِّ حَامِل فِقْةٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ثَلاثُ لاَ يُغلُّ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ اِمْرِي مُسْلِمٍ أَخْلَصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ السَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ وَ الْمُنَاصَحَةُ لِوُلاةِ الْأَمْرِ وَ لُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةً مِنْ وَرَائِهِمْ وَ قَالَ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: إِنَّ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا حِينَ قَالَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لاَ يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ وَ لاَ أَقُولُ كَهَاتَيْنِ فَأَشَارَ إِلَى سَبَّابَتِهِ وَإِبْهَامِهِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قُدَّامَ الآخر فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا وَ لاَ وَلاَ تَزَالُوا وَ لاَ تَقَدَّمُوهُمْ وَ لاَ تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ وَ لاَ تُعَلَّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ إِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ الْعَامَّةَ جَمِيعاً أَنْ يُبَلِّغُوا مَنْ لَقُوا مِنَ الْعَامَّةِ إِيجَابَ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم وَإِيجَابَ حَقًّهِمْ وَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي شَيءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَمَرَ الْعَامَّةَ أَنْ يُبَلِّغُوا الْعَامَّةَ حُجَّةَ مَنْ لاَ يُبَلِّغُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ جَمِيعَ مَا بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ غَيْرَهُمْ أَ
ص: 325
لاَ تَرَى يَا طَلْحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَالَ لِي وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ يَا أَخِي إِنَّهُ لاَ يَقْضِي عَنِّي دَيْنِي وَ لاَ يُبْرِئُ ذِمَّتِي غَيْرَكَ تُبْرِئُ ذِمَّتِي وَ تُؤَدِّي دَيْنِي وَ غَرَامَاتِي وَتُقَاتِلُ عَلَى سُنَّتِي؟
فَلَمَّا و أَبُو بَكْرِ قَضَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عِدَاتِهِ وَ دَيْنَهُ فَاتَّبَعْتُمُوهُ جَمِيعاً فَقَضَيْتُ دَيْنَهُ وَ عِدَاتِهِ وَ قَدْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لاَ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ وَ عِدَاتِهِ غَيْرِي وَ لَمْ يَكُنْ مَا أَعْطَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ قَضَاءً لِدَيْنِهِ وَ عِدَاتِهِ وَ إِنَّمَا كَانَ الَّذِي قَضَيْتُ مِنَ الدَّيْنِ وَالْعِدَةِ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا بَلَغَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله جَمِيعَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ طَاعَتَهُمْ وَ أَمَرَ بِوَلايَتِهِمْ الَّذِينَ مَنْ أَطَاعَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهِ وَ مَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ.
فَقَالَ طَلْحَةُ: فَرَّجْتَ عَنِّي مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا عَنَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَتَّى فَسَّرْتَهُ لِي فَجَزَاكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْحَسَن عَنْ جَمِيعِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الْجَنَّةَ.
يَا أَبَا الْحَسَنِ شَيْئاً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ رَأَيْتُكَ خَرَجْتَ بِثَوْبٍ مَخْتُومٍ فَقُلْتَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَزَلْ مُشْتَغِلاً بِرَسُولِ اللَّهِ بِغُسْلِهِ وَ كَفْنِهِ وَ
ص: 326
دَفْنِهِ ثُمَّ اشْتَغَلْتُ بِكِتَابِ اللَّهِ حَتَّى جَمَعْتُهُ فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ عِنْدِي مَجْمُوعاً لَمْ يَسْقُطْ حَتَّى حَرْفُ وَاحِدٌ وَ لَمْ أَرَ ذَلِكَ الَّذِي كَتَبْتَ وَ أَلَّفْتَ وَ قَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ بَعَثَ إِلَيْكَ أَن اِبْعَثْ بِهِ إِلَيَّ فَأَبَيْتَ أَنْ تَفْعَلَ فَدَعَا عُمَرُ النَّاسَ فَإِذَا شَهِدَ رَجُلاَن عَلَى آيَةٍ كَتَبَهَا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَرْجَأَهَا فَلَمْ يَكْتُبْ فَقَالَ عُمَرُ وَ أَنَا أَسْمَعُ إِنَّهُ قَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ قَوْمُ كَانُوا يَقْرَءُونَ قُرْآناً لاَ يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُمْ فَقَدْ ذَهَبَ وَ قَدْ جَاءَتْ شَاةُ إِلَى صَحِيفَةٍ وَ كِتَابِ يَكْتُبُونَ فَأَكَلَتْهَا وَ ذَهَبَ مَا فِيهَا وَ اَلْكَاتِبُ يَوْمَئِذٍ عُثْمَانُ وَ سَمِعْتُ عُمَرَ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَلَّفُوا مَا كَتَبُوا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ وَ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَحْزَابَ كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَ إِنَّ النُّورَ سِتُّونَ وَ مِائَةُ آيَةٍ وَ الْحِجْرَ تِسْعُونَ وَ مِائَةُ آيَةٍ فَمَا هَذَا وَ مَا يَمْنَعُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَنْ تُخْرِجَ كِتَابَ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ؟ وَ قَدْ عَهِدَ عُثْمَانُ حِينَ أَخَذَ مَا أَلَّفَ عُمَرُ فَجَمَعَ لَهُ الْكِتَابَ وَ حَمَلَ النَّاسَ عَلَى قِرَاءَةِ وَاحِدَةٍ فَمَزَّقَ مُصْحَفَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ أَحْرَقَهُمَا بِالنَّارِ.
فَقَالَ لَهُ عَلِي عليه السلام: يَا َطلْحَةُ إِنَّ كُلَّ آيَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ جَلَّ وَ عَلاَ عَلَى مُحَمَّدٍ عِنْدِي بِإِمْلَاء رَسُولِ اللَّهِ وَخَط يَدِي وَ تَأْوِيلَ كُلّ آيَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ كُلَّ حَرَامِ وَ حَلالٍ أَوْ حَدٌ أَوْ حُكْمٍ أَوْ شَيءٍ
ص: 327
تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ مَكْتُوبُ بِإِمْلَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ خَطَّ يَدِي حَتَّى أَرْشُ اَلْخَدْشِ.
قَالَ طَلْحَةُ: كُلُّ شَيْءٍ مِنْ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ أَوْ خَاصٍّ أَوْ عَامَّ كَانَ أَوْ يَكُونُ إلَى يَوْم الْقِيَامَةِ فَهُوَ عِنْدَكَ مَكْتُوبُ؟
قَالَ: نَعَمْ وَ سِوَى ذَلِكَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَسَرَّ إِلَيَّ فِي مَرَضِهِ مِفْتَاحَ أَلْفِ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ وَ لَوْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله اتَّبَعُونِي وَ أَطَاعُونِي لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ.
يَا طَلْحَةُ أَلَسْتَ قَدْ شَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ دَعَا بِالْكَتِفِ لِيَكْتُبَ فِيهِ مَا لَا تَضِلُّ أُمَّتُهُ فَقَالَ صَاحِبُكَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ يَهْجُرُ. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ تَرَكَهَا؟ فَقَالَ: بَلَى قَدْ شَهِدْتُهُ.
قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَمَّا خَرَجْتُمْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِالَّذِي أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ وَ يُشْهِدَ عَلَيْهِ الْعَامَّةَ فَأَخْبَرَهُ جَبْرَئِيلُ أَنَّ اللَّهَ قَضَى عَلَى أُمَّتِكَ الاِخْتِلاَفَ وَالْفُرْقَةً ثُمَّ دَعَا بِصَحِيفَةٍ فَأَمْلَى عَلَى مَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْكَتِفِ وَ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ثَلاَثَةَ رَهْطٍ سَلْمَانَ وَأَبَا
ص: 328
ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادَ وَ سَمَّى مَنْ يَكُونُ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَسَمَّانِي أَوَّلَهُمْ ثُمَّ إِبْنَيَّ هَذَيْنِ وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْحَسَن وَالْحُسَيْنِ ثُمَّ تِسْعَةً مِنْ وُلْدِ ابْنِيَ الْحُسَيْنِ وَ كَذَلِكَ كَانَ يَا أَبَا ذَرِّ وَ يَا مِقْدَادُ فَقَامَا ثُمَّ قَالاَ: نَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
فَقَالَ طَلْحَةُ: وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ وَ لاَ أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ وَ لاَ أَبَرَّ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَبِي ذَرْ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ لَأَنْتَ عِنْدِي أَصْدَقُ وَأَبَرُّ مِنْهُمَا.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلِيُّ عليه السلام فَقَالَ: اِتَّقِ اللَّهَ يَا طَلْحَةُ وَأَنتَ يَا زُبَيْرُ و أَنْتَ يَا سَعْدُ وَ أَنْتَ يَا ابْنَ عَوْفٍ اِتَّقُوا اللَّهَ وَ آثِرُوا رِضَاهُ وَ اِخْتَارُوا مَا عِنْدَهُ وَ لا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِم.
ثُمَّ قَالَ طَلْحَةُ: لاَ أَرَاكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَجَبْتَنِي عَمَّا سَأَلْتُكَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ اَلْقُرْآن أَلاَّ تُظْهِرَهُ لِلنَّاسِ؟
قَالَ: يَا طَلْحَةُ عَمْداً كَفَفْتُ عَنْ جَوَابِكَ فَأَخْبِرْنِي عَمَّا كَتَبَ عُمَرُ وَ عُثْمَانُ أَقُرْآنُ كُلُّهُ أَمْ فِيهِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنِ؟
ص: 329
قَالَ طَلْحَةُ: بَلْ قُرْآنُ كُلُّهُ.
قَالَ: إِنْ أَخَذْتُمْ بِمَا فِيهِ نَجَوْتُمْ مِنَ النَّارِ وَ دَخَلْتُمُ الْجَنَّةَ فَإِنَّ فِيهِ حُجَّتَنَا وَ بَيَانَ حَقَّنَا وَ فَرْضَ طَاعَتِنَا.
قَالَ طَلْحَةُ: حَسْبِي أَمَّا إِذَا كَانَ قُرْآناً فَحَسْبِي.
ثُمَّ قَالَ طَلْحَةُ: فَأَخْبِرْنِي عَمَّا فِي يَدِكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَ تَأْوِيلِهِ وَعِلْمٍ اَلْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ إِلَى مَنْ تَدْفَعُهُ وَ مَنْ صَاحِبُهُ بَعْدَكَ.
قَالَ: إِنَّ الَّذِي أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْهِ وَصِيِّي وَ أَوْلَى النَّاسِ بَعْدِي بِالنَّاسِ ابْنِيَ الْحَسَنُ ثُمَّ يَدْفَعُهُ ابْنِيَ الْحَسَنُ إِلَى ابْنِيَ الْحُسَيْنُ ثُمَّ يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ حَتَّى يَرِدَ آخِرُهُمْ حَوْضَهُ هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ لاَ يُفَارِقُونَهُ وَ الْقُرْآنُ مَعَهُمْ لاَ يُفَارِقُهُمْ.
أَمَا إِنَّ مُعَاوِيَةَ وَ ابْنَهُ سَيَلِيَان بَعْدَ عُثْمَانَ ثُمَّ يَلِيهَا سَبْعَةُ مِنْ وُلْدِ الْحَكَم بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ تَكْمِلَةُ اثْنَي عَشَرَ إِمَامَ ضَلَالَةٍ وَهُمُ الَّذِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى مِنْبَرِهِ يَرُدُّونَ الْأُمَّةَ
ص: 330
عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، عَشَرَةُ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ رَجُلاَن أَسَّسَا ذَلِكَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمَا مِثْلُ جَمِيع أَوْزَارِ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ(1).
1 - وَ عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَصِيرُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَابِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُمَالِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ - أَوْ غَيْرِهِ - عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ،
قَالَ: رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ هُوَ فِي بَعْضِ أَزِقَةِ الْمَدِينَةِ يَمْشِي وَحْدَهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارِ الثَّانِي، وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ وَ دَخَلْتُ مَعَهُ، فَسَلَّمَ عَلَى الثَّانِي، وَ جَلَسَ، فَحِينَ اِسْتَقَرَّتْ بِهِ الْأَرْضُ قَالَ لَهُ:
ص: 331
مَنْ عَلَّمَكَ الْجَهَالَةَ يَا مَغْرُورُ؟ أَمَا وَ اللَّهِ، لَوْ رَكِبْتَ الْقَفْرَ، وَ لَبِسْتَ الشَّعْرَ، لَكَانَ خَيْراً لَكَ مِنَ الْمَجْلِسِ الَّذِي قَدْ جَلَسْتَهُ، وَ مِنْ عُلُوِّكَ الْمَنَابِرَ. أَمَا وَ اللَّهِ، لَوْ قَبِلْتَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ أَطَعْتَ مَا أَمَرَكَ بِهِ، لَمَا سُمِّيتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَ لَكَأَنِّي بِكَ قَدْ طَلَبْتَ الْإِقَالَةَ كَمَا طَلَبَهَا صَاحِبُكَ، وَلاَ إِقَالَةَ.
قَالَ: صَاحِبِي طَلَبَ مِنْكَ الْإِقَالَةَ؟
قَالَ: وَاللَّهِ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ طَلَبَ مِنِّي الْإِقَالَةَ، وَ لَمْ أُقِلْهُ، وَ كَذَلِكَ تَطْلُبُهَا أَنْتَ.
وَ وَ اللَّهِ، لَكَأَنِّي بِكَ وَ بِصَاحِبِكَ وَ قَدْ أُخْرِجْتُمَا طَرِيَّيْنِ حَتَّى تُصْلَبَا بِالْبَيْدَاءِ.
فَقَالَ لَهُ الثَّانِي: مَا هَذَا التَّكَهُّنُ؟ فَإِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَمْ تَزَلْ قُرَيْشُ تَعْرِفُكُمْ بِالْكَذِبِ. أَمَا وَاللَّهِ لاَ ذُقْتَ حَلَاوَتَهَا وَأَنَا أَطَاعُ.
قَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ بِكَاهِنٍ.
قَالَ لَهُ: مَنْ يَعْمَلُ بِنَا مَا قُلْتَ؟
قَالَ: فَتًى مِنْ وُلْدِي مِنْ عِصَابَةٍ قَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهَا.
ص: 332
فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ مَا تَقُولُ إِلاَّ حَقَّاً، فَأَسْأَلُكَ بِاللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَمَّانِي وَ سَمَّى صَاحِبِي؟
فَقَالَ لَهُ: وَ اللَّهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَمَّاكَ وَ سَمَّى صَاحِبَكَ.
قَالَ: وَ اللَّهِ، لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تُرِيدُ هَذَا، مَا أَذِنْتُ لَكَ فِي الدُّخُولِ. ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ.
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا الطُفَيْلِ اُسْكُتْ. فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمَ أَحَدُ مَا دَارَ بَيْنَهُمَا حَتَّى قُتِلَ الثَّانِي، وَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام(1).
2 - وَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْخَصِيبِ عَنْ أَبِي الْمُطَّلِبِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانِ الزَّاهِرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمَّ عَنْ مَدِيحٍ بْنِ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلطُّفَيْل عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ لِعُمَرَ: مَنْ عَلَّمَكَ الْجَهَالَةَ يَا مَغْرُورُ؟ وَ اَيْمُ اللَّهِ وَ كُنْتَ بَصِيراً وَ كُنْتَ فِي دُنْيَاكَ تَاجِراً نِحْرِيراً، وَ كُنْتَ فِيمَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام أرَكِبْتَ وَفَرَشْتَ الْغَضَبَ وَ
ص: 333
لِمَا أَحْبَبْتَ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَكَ الرِّجَالُ قِيَاماً، وَ لِمَا ظَلَمْتَ عِتْرَةَ النَّبِيِّ عليه السلام بِقَبِيحَ الْفَعَالِ غَيْرَ أَنِّي أَرَاكَ فِي الدُّنْيَا قُبُلاً بِجِرَاحَةِ عَبْدِ أُمَّ مَعْمَرٍ تَحْكُمُ عَلَيْهِ جَوْراً فَيَقْتُلُكَ تَوْفِيقاً يَدْخُلُ وَ اللَّهِ الْجِنَانَ عَلَى رَغْمٍ مِنْكَ.
وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام سَامِعاً مُطِيعاً لَمَا وَضَعْتَ سَيْفَكَ فِي عُنُقِكَ، وَ لَمَا خَطَبْتَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَ لَكَأَنِّي بِكَ قَدْ دُعِيتَ فَأَجَبْتَ وَ نُودِيَ بِاسْمِكَ فَأَحْجَمْتَ وَإِنَّ لَكَ هَتْكَ سِتْرِ وَ صَلْباً و لِصَاحِبِكَ الَّذِي اِخْتَارَكَ وَ قُمْتَ مَقَامَهُ مِنْ بَعْدِهِ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ أَ مَا تَسْتَحِي لِنَفْسِكَ مِنْ هَذَا إِلَيْكَ؟
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: مَا قُلْتُ لَكَ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ وَمَا نَطَقْتُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُ.
قَالَ: فَمَتَى هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: إِذَا أُخْرِجَتْ جِيفَتَاكُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام مِنْ قَبْرَيْكُمَا اللَّذَيْنِ لَمْ تُدْفَنَا فِيهَا إِلا لِمَلاً يَشُكَ أَحَدٌ فِيكُمَا إِذَا نُبِشْتُمَا، وَلَوْ دُفِتْتُمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَشَكَ شَاكٌ، وَ ارْتَابَ مُرْتَابُ، وَ سَتُصْلَبَان عَلَى أَغْصَان دَوْحَةٍ يَابِسَةٍ فَتُورِقُ تِلْكَ الدَّوْحَةُ بِكُمَا وَ تَفَرَّعُ وَتَخْضَرُّ بِكُمَا فَتَكُونَا
ص: 334
لِمَنْ أَحَبَّكُمَا وَ رَضِي بِفِعْلِكُمَا آيَةً لِيَمِیزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمَا وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَ رَبَّهُمُ الْعَافِيَة مِمَّا بُلِيتُمَا بِهِ.
قَالَ: فَمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟
قَالَ: عِصَابَةُ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ السُّيُوفِ وَأَغْمَادِهَا، وَاِرْتَضَاهُمُ اللَّهُ لِنُصْرَةِ دِينِهِ فَمَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.
وَ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمَا وَ قَدْ أُخْرِجْتُمَا مِنْ قَبْرَيْكُمَا طَرِيَّيْنِ بِصُورَتَيْكُمَا حَتَّى تُصْلَبًا عَلَى الدَّوْحَاتِ، فَتَكُونُ ذَلِكَ فِتْنَةٌ لِمَنْ أَحَبَّكُمَا.
ثُمَّ يُؤْتَى بِالنَّارِ الَّتِي أُضْرِمَتْ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ لِجِرْجِيسَ و دَانِيَالَ وَ كُلِّ نَبِيٍّ وَ صِدِّيقِ وَ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ وَهِيَ النَّارُ الَّتِي ضْرَمْتُمُوهَا عَلَى بَابِ دَارِي لِتُحْرِقُونِي وَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ عليها السلام وَ ابْنَيَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَابْنَتَيَّ زَيْنَبَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ، حَتَّى تُحْرِقَا بِهَا، وَيُرْسِلُ اللَّهُ إِلَيْكُمَا رِيحاً مُدْبِرَةً فَتَنْسِفُكُمَا فِي اليَمِّ نَسْفاً وَ يَأْخُذُ السَّيْفُ مَنْ كَانَ مِنْكُمَا وَيَصِيرُ مَصِيرُكُمَا إِلَى النَّارِ جَمِيعاً، وَ تَخْرُجَانِ إِلَى الْبَيْدَاء إِلَى مَوْضِعَ الْخَسْفِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَ لَوْ تَرَى إِذْ فَرْعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانِ قَرِيبٍ) يَعْنِي مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمَا.
ص: 335
قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ تُفَرَّقُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله؟
قَالَ نَعَمْ. قَالَ: يَا أَبَا الْحَسَن إِنَّكَ سَمِعْتَ هَذَا وَ إِنَّهُ حَقٌّ؟.
قَالَ: فَحَلَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله.
فَبَكَى عُمَرُ وَ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّا تَقُولُ، فَهَلْ لَكَ عَلَامَةُ؟
قَالَ: نَعَمْ قَتْلُ فَظِيعُ، وَ مَوْتُ سَرِيعُ، وَ طَاعُونُ شَنِيعُ، وَلاَ يَبْقَى مِنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ إِلاَّ قُلْتُهُمْ وَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِي وَتَكْثُرُ الآفاتُ حَتَّى يَتَمَنَّى الْأَحْيَاءُ الْمَوْتَ مِمَّا يَرَوْنَ مِنَ الْأَهْوَالِ، وَ ذَلِكَ مِمَّا أَسَئْتُمَا، فَمَنْ هَلَكَ إسْتَرَاحَ وَ مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُ نَجا ثُمَّ يَظْهَرُ رَجُلُ مِنْ عِتْرَتِي فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً يَأْتِيهِ اللَّهُ بِبَقَايَا قَوْمِ مُوسَى وَيُحْيَى لَهُ أَصْحَابُ الْكَهْفِ وَتُنْزِلُ السَّمَاء قَطْرَهَا وَتُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا.
قَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّكَ لاَ تَحْلِفُ إِلاَّ عَلَى حَقٍّ فَإِنَّكَ إِنْ تُهَدِّدْنِي بِفَعَالِ وَلَدِكَ فَوَ اللَّهِ لاَ تَذُوقُ مِنْ حَلَاوَةِ الْخِلافَةِ شَيْئاً أَنْتَ وَلاَ وُلْدُكَ، وَإِنَّ قَبْلَ قَوْلِي لَيَنْصُرُنِي وَ لِصَاحِبِي مِنْ وُلْدِكَ قَبْلَ أَنْ أَصِيرَ إِلَى مَا قُلْتَ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: تَبّأَ لَكَ إِنْ تَزْدَادُ إِلاَّ عُدْوَاناً فَكَأَنَّي بِكَ قَدْ أَظْهَرْتَ الْحَسْرَةَ وَ طَلَبْتَ الْإِقَالَةَ، حَيْثُ لاَ يَنْفَعُكَ نَدَمُكَ.
ص: 336
فَلَمَّا حَضَرَتْ عُمَرَ الْوَفَاةُ أَرْسَلَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَأَبَى أَنْ يَجِيءَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَطَلَبُوهُ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَفَعَلَ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ هَؤُلَاءِ حَلَّلُونِي مِمَّا وُلَّيتُ مِنْ أَمْرِهِمْ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحَلَّلَنِي، فَافْعَلْ.
فَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام و قَالَ: أَ رَأَيْتَ إِنْ حَلَّلْتُكَ فَمَنْ حَلَّلَ بِتَحْلِيلِ دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ، ثُمَّ وَلَّى وَ هُوَ يَقُول (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ)(1).
3 - الْبُرْسِي فِي مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ:
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِعُمَرَ: يَا مَغْرُورُ! إِنِّي أَرَاكَ فِي الدُّنْيَا قَتِيلاً بِجَرَاحَةٍ مِنْ عَبْدِ أُمِّ مَعْمَرٍ تَحْكُمُ عَلَيْهِ جَوْراً فَيَقْتُلُكَ تَوْفِيقاً، يَدْخُلُ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ عَلَى رَغْمِ مِنْكَ، وَإِنَّ لَكَ وَلِصَاحِبِكَ الَّذِي قُمْتَ مَقَامَهُ صَلْباً وَ هَتْكاً تُخْرَجَانِ عَنْ جَوَار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَتُصْلَبَانِ عَلَى أَغْصَانِ جِذْعَةٍ يَابِسَةٍ فَتُورِقُ فَيَفْتَتِنُ بِذَلِكَ مَنْ وَالاَكَ. فَقَالَ عُمَرُ: وَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟.
ص: 337
فَقَالَ: قَوْمُ قَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ السُّيُوفِ وَ أَغْمَادِهَا، فَيُؤْتَى بِالنَّارِ الَّتِي أُضْرِمَتْ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ يَأْتِي جِرْجِيسُ وَ دَانِيَالُ وَ كُلُّ نَبِيٍّ وَ صِدِّيقٍ، ثُمَّ يَأْتِي رِيحُ فَيَنْسِفُكُمَا فِي الْيَمِّ نَسْفاً(1).
1 - الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمَدَانِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلْكُوفِيِّ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، قَالَ: خَرَجْتُ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى ظَهْرِ الْكُوفَةِ وَ بَيْنَ يَدَيَّ قَنْبَرُ، فَقُلْتُ: يَا قَنْبَرُ! تَرَى مَا أَرَى؟.
فَقَالَ: قَدْ ضَوَّأَ اللَّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا عَمِيَ عَنْهُ بَصَرِي.
فَقُلْتُ: يَا أَصْحَابَنَا! تَرَوْنَ مَا أَرَى؟.
فَقَالُوا: لاَ، قَدْ ضَوَّأَ اللَّهُ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَمَّا عَمِيَ عَنْهُ أَبْصَارُنَا.
ص: 338
فَقُلْتُ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَتَرَوُنَّهُ كَمَا أَرَاهُ، وَ لَتَسْمَعُنَّ كَلَامَهُ كَمَا أَسْمَعُ.
فَمَا لَبِثْنَا أَنْ طَلَعَ شَيْخُ عَظِيمُ الْهَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ بِالطُّولِ، فَقَالَ: اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا لَعِينُ؟.
قَالَ: مِنَ الآثَامِ. فَقُلْتُ: وَ أَيْنَ تُرِيدُ؟. قَالَ: الأَثَامَ.
فَقُلْتُ: بِئْسَ الشَّيْخُ أَنْتَ.
فَقَالَ: لِمَ تَقُولُ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام؟، فَوَ اللَّهِ لَأُحَدَّثَنَّكَ بِحَدِيثٍ عَنِّي عَن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا بَيْنَنَا ثَالِثُ.
فَقُلْتُ: يَا لِعَيْنُ! عَنْكَ عَن اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَا بَيْنَكُمَا ثَالِثُ؟!.
قَالَ: نَعَمْ، إِنَّهُ لَمَّا هُبِطْتُ بِخَطِيئَتِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ نَادَيْتُ: إِلَهِي وَ سَيِّدِي مَا أَحْسَبُكَ خَلَقْتَ مَنْ هُوَ أَشْقَى مِنِّي، فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَيَّ: بَلَى، قَدْ خَلَقْتُ مَنْ هُوَ أَشْقَى مِنْكَ، فَانْطَلِقْ إِلَى مَالِكٍ يُرِيكَهُ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى مَالِكٍ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَ يَقُولُ: أَرِنِي مَنْ هُوَ أَشْقَى مِنّي.
ص: 339
فَانْطَلَقَ بِي مَالِكُ إِلَى النَّارِ فَرَفَعَ الطَّبَقَ الْأَعْلَى فَخَرَجَتْ نَارُ سَوْدَاءُ ظَنَنْتُ أَنَّهَا قَدْ أَكَلَتْنِي وَأَكَلَتْ مَالِكاً، فَقَالَ لَهَا: إهدائي [اهْدَئِي] فَهَدَأَتْ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي إِلَى الطَّبَق الثَّانِي فَخَرَجَتْ نَارُ هِيَ أَشَدُّ مِنْ تِلْكَ سَوَاداً وَ أَشَدُّ حِمًى، فَقَالَ لَهَا: أَخُمُدِي! فَخَمَدَتْ إِلَى أَنِ انْطَلَقَ بِي إِلَى السَّابِعِ، وَ كُلُّ نَارٍ تَخْرُجُ مِنْ طَبَقٍ هِيَ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى، فَخَرَجَتْ نَارُ ظَنَنْتُ أَنَّهَا قَدْ أَكَلَتْنِي وَأَكَلَتْ مَالِكاً وَ جَمِيعَ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى عَيْنِي وَ قُلْتُ: مُرْهَا يَا مَالِكُ تَخْمُدْ وَإِلاَّ خَمَدْتُ، فَقَالَ: أَنْتَ لَمْ تَخْمُدْ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومٍ فَأَمَرَهَا فَخَمَدَتْ.
فَرَأَيْتُ رَجُلَيْن فِي أَعْنَاقِهِمَا سَلاَسِلُ النَّيران مُعَلَّقَيْن بِهَا إِلَى فَوْقُ، وَ عَلَى رُءُوسِهِمَا قَوْمُ مَعَهُمْ مَقَامِعُ النَّيرَانِ يَقْمَعُونَهُمَا بِهَا.
فَقُلْتُ: يَا مَالِكُ! مَنْ هَذَان؟.
ص: 340
فَقَالَ: أَوَ مَا قَرَأْتَ فِي سَاقِ الْعَرْشِ، وَ كُنْتُ قَبْلُ قَرَأْتُهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ للَّهُ الدُّنْيَا بِأَلْفيْ عام: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَيَّدْتُهُ وَ نَصَرْتُهُ بِعَلِيٍّ، فَقَالَ: هَذَان عَدُوا أُولَئِكَ وَ ظَالِمَاهُمْ(1).
2 - و رُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحِ الْحَنَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً عليه السلام يقول: رأيت النّبي صلى الله عليه و آله فِي مَنَامِي فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ مَا لَقِيت من امّته مِنَ الْأَوَدِ واللَّدَدِ وبَكَيْتُ.
فَقَالَ: لاَ تَبْكِ يَا عَلِيُّ والْتَفَتُ فالتفتّ فإذا رَجُلانِ مُصَفَّدَان، وإِذَا جَلاَمِيدُ تُرْضَخُ بِهَا رُءُوسُهُمَا.
قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَلَقِيتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: قُتِلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام(2).
ص: 341
1 - وَ رُوِيَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَيْثَمِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يُحَدِّثْ إِلَيْنَا فِي أَمْرِكَ شَيْئاً بَعْدَ أَيَّامِ الْوَلَايَةِ بِالْغَدِيرِ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ مَوْلاَيَ مُقِرُّ لَكَ بِذَلِكَ، وَ قَدْ سَلَّمْتُ عَلَيْكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ وَارِثُهُ وَ خَلِيفَتُهُ فِي أَهْلِهِ وَ نِسَائِهِ، وَ أَنَّكَ وَارِثُهُ، وَ مِيرَاثُهُ قَدْ صَارَ إِلَيْكَ، وَ لَمْ يُخْبِرْنَا أَنَّكَ خَلِيفَتُهُ فِي أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَ لاَ جُرْمَ لِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَلاَ ذَنْبَ لَنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ عليه السلام: إِنْ أَرَيْتُكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله حَتَّى يُخْبِرَكَ بِأَنِّي أَوْلَى بِالْأَمْرِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ مِنْكَ، وَأَنَّكَ إِنْ لَمْ تَعْزِلْ نَفْسَكَ عَنْهُ فَقَدْ خَالَفْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه و آله؟
فَقَالَ: إِنْ أَرَيْتَنِيهِ حَتَّى يُخْبِرَنِي بِبَعْضِ هَذَا اكْتَفَيْتُ بِهِ.
ص: 342
فَقَالَ عليه السلام: فَتَلَقَّانِي إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ حَتَّى أُرِيكَهُ.
قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَ أَخْرَجَهُ إِلَى مَسْجِدِ قُبَا، فَإِذَا هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله جَالِسُ فِي الْقِبْلَةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا فُلاَنُ وَثَبْتَ عَلَى مَوْلاَكَ عَليٍّ عليه السلام وَ جَلَسْتَ مَجْلِسَهُ، وَ هُوَ مَجْلِسُ النُّبُوَّةِ، لاَ يَسْتَحِقُهُ غَيْرُهُ، لأَنَّهُ وَصِيِّي وَ خَلِيفَتِي، فَنَبَذْتَ أَمْرِي وَ خَالَفْتَ مَا قُلْتُهُ لَكَ، وَتَعَرَّضْتَ لِسَخَطِ اللَّهِ وَ سَخَطِي، فَانْزِعْ هَذَا السَّرْبَالَ الَّذِي تَسَرْبَلْتَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلاَ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِلاَّ فَمَوْعِدُكَ النَّارُ.
قَالَ: فَخَرَجَ مَذْعُوراً لِيُسَلَّمَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ، وَ انْطَلَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَحَدَّثَ سَلْمَانَ بِمَا كَانَ وَ مَا جَرَى، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: لَيُبْدِيَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لِصَاحِبِهِ وَ لَيُخْبِرَنَّهُ بِالْخَبَرِ.
فَضَحِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَيُخْبِرُهُ وَ لَيَمْنَعَنَّهُ إِنْ هَمَّ بِأَنْ يَفْعَلَ، ثُمَّ قَالَ: لاَ وَ اللَّهِ لاَ يَذْكُرَانِ ذَلِكَ أَبَداً حَتَّى يَمُوتَا.
ص: 343
قَالَ: فَلَقِي صَاحِبَهُ فَحَدَّثَهُ بِالْحَدِيثِ كُلِّهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَضْعَفَ رَأْيَكَ وَ أَخْوَرَ عَقْلَكَ، أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ سِحْرَ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، أَنَسِيتَ سِحْرَ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَقِمْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ(1).
2 - إِرْشَادُ الْقُلُوبِ: رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَقِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي سِكَّةِ بَنِي النَّجَارِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ صَافَحَهُ وَ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ مِنِ اسْتِخْلافِ! النَّاسِ إِيَّايَ، وَ مَا كَانَ مِنْ يَوْمِ السَّقِيفَةِ، وَكَرَاهِيَتِكَ الْبَيْعَةَ؟ وَ اللَّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ إِرَادَتِي، إِلاَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِجْتَمَعُوا عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أَخَالِفَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، لأَنَّ النَّبِي صلى الله عليه و آله قَالَ: «لاَ تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالِ».
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: يَا أَبَا بَكْرٍ، أُمَّتُهُ الَّذِينَ أَطَاعُوهُ فِي عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَخَذُوا بِهَدَاهُ، وَأَوْفُوا بِمَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ، وَ لَمْ يُبَدِّلُوا وَ لَمْ يُغَيِّرُوا.
ص: 344
قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَ اللَّهِ يَا عَلِيُّ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي السَّاعَةَ مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ سَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ، رَضِي مَنْ رَضِي وَ سَخِطَ مَنْ سَخِطَ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: يَا أَبَا بَكْرٍ! فَهَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَوْثَقَ مِنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَ قَدْ أَخَذَ بَيْعَتِي عَلَيْكَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ وَ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعَكَ فِيهِمْ: عُمَرُ وَ عُثْمَانُ فِي يَوْمِ الدَّارِ، وَ فِي بَيْعَةِ الرَّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَ يَوْمَ جُلُوسِهِ فِي بَيْتِ أُمَّ سَلَمَةَ، وَ فِي يَوْمِ الْقَدِيرِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ؟
فَقُلْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ لَكُمْ: اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. فَقُلْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْنَا مِنَ الشَّاهِدِينَ. فَقَالَ صلى الله عليه وآله فَلْيَشْهَدْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلْيُبَلِّعْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، وَ مَنْ سَمِعَ مِنْكُمْ فَلْيُسْمِعْ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ. فَقُلْتُمْ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ قُمْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ تُهَنُّونَ رَسُولَ اللَّهِ وَ تُهَتُونِّي بِكَرَامَةِ اللَّهِ لَنَا، فَدَنَا عُمَرُ وَ ضَرَبَ عَلَى كَتِفِي وَ قَالَ بِحَضْرَتِكُمْ: بَخْ بَخْ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ مَوْلاَنَا وَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ.
ص: 345
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْراً، لَوْ يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله شَاهِداً فَأَسْمَعُهُ مِنْهُ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، يَا أَبَا بَكْرِ إِذَا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَيّاً وَ يَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ ظَالِمُ لِي فِي أَخْذِ حَقِّيَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ دُونَكَ وَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، أَتُسَلَّمُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَيَّ وَتَخْلَعُ نَفْسَكَ مِنْهُ؟.
فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! وَ هَذَا يَكُونُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ حَيّاً بَعْدَ مَوْتِهِ وَ يَقُولُ لِي ذَلِكَ؟!
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: نَعَمْ يَا أَبَا بَكْرٍ.
قَالَ: فَأَرِنِي ذَلِكَ إِنْ كَانَ حَقَّاً.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ إِنَّكَ تَفِي بمَا قُلْتَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرِ: نَعَمْ.
فَضَرَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلَى يَدِهِ وَ قَالَ: تَسْعَى مَعِي نَحْوَ مَسْجِدِ قُبَا، فَلَمَّا وَرَدَاهُ تَقَدَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَدَخَلَ اَلْمَسْجِدَ وَ أَبُو بَكْرِ مِنْ وَرَائِهِ، فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرِ سَقَطَ لِوَجْهِهِ كَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ.
ص: 346
فَنَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: ارْفَعْ رَأْسَكَ أَيُّهَا الضَّلِيلُ الْمَفْتُونُ.
فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهُ وَ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَ حَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
فَقَالَ: وَيْلَكَ يَا أَبَا بَكْرِ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيَ الْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ. قَالَ: فَسَكَتَ أَبُو بَكْرٍ وَ شَخَصَتْ عَيْنَاهُ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
فَقَالَ لَهُ: وَيْلَكَ يَا أَبَا بَكْرِ نَسِيتَ مَا عَاهَدْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَيْكَ فِي الْمَوَاطِنِ الْأَرْبَعَةِ لِعَلِيٍّ عليه السلام؟
فَقَالَ: مَا أَنْسَاهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ: مَا بَالُكَ الْيَوْمَ تُنَاشِدُ عَلِيّاً عليه السلام عَلَيْهَا، وَيُذَكَّرُكَ وَ تَقُولُ: نَسِيتُ؟!
وَ قَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَا جَرَى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عليٍّ عليه السلام إِلَى آخِرِهِ، فَمَا نَقَصَ مِنْهُ كَلِمَةً وَ لاَ زَادَ فِيهِ كَلِمَةً.
ص: 347
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ وَهَلْ يَعْفُو اللَّهُ عَنِّي إِذَا سَلَّمْتُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: نَعَمْ يَا أَبَا بَكْرٍ، وَ أَنَا الضَّامِنُ لَكَ عَلَى اللَّهِ ذَلِكَ إِنْ وَفَيْتَ.
قَالَ: وَ غَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَنْهُمَا، فَتَشَبَّثَ أَبُو بَكْرِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ قَالَ: اللَّهَ اللَّهَ فِيَّ يَا عَلِيُّ، صِرْ مَعِي إِلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى أَعْلُو الْمِنْبَرَ فَأَقُصُّ عَلَى النَّاسِ مَا شَاهَدْتُ وَ مَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَا قَالَ لِي وَ مَا قُلْتُ لَهُ وَ مَا أَمَرَنِي بِهِ، وَ أَخْلَعَ نَفْسِي عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَأُسَلّمَهُ إِلَيْكَ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَنَا مَعَكَ إِنْ تَرَكَكَ شَيْطَانُكَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: إِنْ لَمْ يَتْرُكْنِي تَرَكْتُهُ وَ عَصَيْتُهُ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: إِذا تُطِيعَهُ وَ لاَ تَعْصِيَهُ، وَإِنَّمَا رَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ لِتَأْكِيدِ الْحُجَّةِ عَلَيْكَ.
وَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَ خَرَجَا مِنْ مَسْجِدِ قُبَا يُرِيدَانِ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَ أَبُو بَكْرِ يَتَلَوَّنُ أَلْوَاناً، وَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَلاَ يَدْرُونَ مَا اَلَّذِي كَانَ.
ص: 348
حَتَّى لَقِيَهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: يَا خَلِيفَةً رَسُولِ اللَّهِ مَا شَأْنُكَ، وَمَا الَّذِي دَهَاكَ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلِّ عَنِّي يَا عُمَرُ، فَوَ اللَّهِ لاَ سَمِعْتُ لَكَ قَوْلاً.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَ أَيْنَ تُريدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أُرِيدُ الْمَسْجِدَ وَالْمِنْبَرَ.
فَقَالَ: هَذَا لَيْسَ وَقْتَ صَلاَةٍ وَمِنْبَر!.
قَالَ: خَلَّ عَنِّي وَلاَ حَاجَةَ لِي فِي كَلاَمِكَ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَفَلاَ تَدْخُلُ قَبْلَ الْمَسْجِدِ مَنْزِلَكَ فَتُسْبغَ الْوُضُوءَ؟
قَالَ: بَلَى، ثُمَّ اِلْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام وَ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ تَجْلِسُ إِلَى جَانِبِ الْمِنْبَرِ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ.
فَتَبَسَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، قَدْ قُلْتُ لَكَ إِنَّ شَيْطَانَكَ لاَ يَدَعُكَ أَوْ يُرْدِيَكَ.
وَ مَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ جَلَسَ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ.
ص: 349
فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ مَنْزِلَهُ، وَ مَعَهُ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَ لاَ تُنْبِتُنِي بِأَمْرِكَ، وَ تُحَدِّثُنِي بِمَا دَهَاكَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ! يَرْجِعُ رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ حَيّاً فَيُخَاطِبُنِي فِي ظُلْمِي لِعَلِيٍّ، بِرَدَّ حَقَّهِ عَلَيْهِ وَ خَلْعِ نَفْسِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ.
فَقَالَ عُمَرُ: قُصَّ عَلَيَّ قِصَّتَكَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ! قَدْ قَالَ لِي عَلِيُّ: إِنَّكَ لاَ تَدَعُنِي أَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَظْلِمَةِ، وَ إِنَّكَ شَيْطَانِي، فَدَعْنِي عَنْكَ، فَلَمْ يَزَلْ يرْقُبُهُ إِلَى أَنْ حَدَّثَهُ بِحَدِيثِهِ كُلِّهِ.
فَقَالَ لَهُ: بِاللَّهِ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَنَسِيتَ شِعْرَكَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ الَّذِي فُرضَ عَلَيْنَا صِيَامُهُ، حَيْثُ جَاءَكَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَ نُعْمَانُ الْأَزْدِيُّ وَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمٍ جُمُعَةٍ إِلَى دَارِكَ لِيَتَقَاضَوْكَ دَيْنَكَ عَلَيْكَ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بَابِ الدَّارِ سَمِعُوا لَكَ صَلْصَلَةً فِي الدَّارِ، فَوَقَفُوا بِالْبَابِ وَ لَمْ يَسْتَأْذِنُوا عَلَيْكَ، فَسَمِعُوا أُمَّ بَكْرٍ زَوْجَتَكَ تُنَاشِدُكَ وَ تَقُولُ: قَدْ عَمِلَ حَرُّ الشَّمْسِ بَيْنَ كَتِفَيْكَ، قُمْ إِلَى دَاخِلَ الْبَيْتِ وَأَبْعِدْ مِنَ الْبَابِ لاَ يَسْمَعْكَ بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
ص: 350
فَيُهْدِرُوا دَمَكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مُحَمَّداً أَهْدَرَ دَمَ مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ شَهْرٍ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ وَلاَ مَرَضِ خِلاَفاً عَلَى اللَّهِ وَ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُول اللَّهِ.
فَقُلْتَ لَهَا: هَاتِ - لاَ أُمَّ لَكِ - فَضْلَ طَعَامِي مِنَ اللَّيْلِ، وَأَتْرِعِي اَلْكَأْسَ مِنَ الْخَمْرِ، وَ حُذَيْفَةُ وَ مَنْ مَعَهُ بِالْبَابِ يَسْمَعُونَ مُحَاوَرَتَكُمَا، فَجَاءَتْ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامُ مِنَ اللَّيْلِ وَقَعْبُ مَمْلُوءُ خَمْراً، فَأَكَلْتَ مِنَ الصَّحْفَةِ وَ كَرَعْتَ الْخَمْرَ، فَأَضْحَى النَّهَارُ وَقَدْ قُلْتَ لِزَوْجَتِكَ:
ذَرِينِي أَصْطَبِحْ يَا أُمَّ بَكْرٍ *** فَإِنَّ الْمَوْتَ نَفَّثَ عَنْ هِشَامٍ
إلَى أَن إِنْتَهَيْتَ فِي قَوْلِكَ:
يَقُولُ لَنَا إِبْنُ كَبْشَةَ سَوْفَ نُحْيَا *** وَكَيْفَ حَيَاةُ أَشْلَاءٍ وَ هَامٍ
وَلَكِنْ بَاطِلاً قَدْ قَالَ هَذَا *** وَإفْكاً مِنْ زَخَارِيفِ الْكَلاَمِ
أَلاَ هَلْ مُبْلِعُ الرَّحْمَنِ عَنِّي *** بِأَنِّي تَارِكُ شَهْرَ الصِّيَامِ
ص: 351
وَ تَارِكُ كُلِّ مَا أَوْحَى إِلَيْنَا *** مُحَمَّدٌ مِنْ أَسَاطِير الْكَلَامِ
فَقُلْ لِلَّهِ: يَمْنَعُنِي شَرَابِي *** وَقُلْ لِلَّهِ: يَمْنَعُنِي طَعَامِي
وَلَكِنَّ الْحَكِيمَ رَأَى حَمِيراً *** فَأَلْجَمَهَا فَتَاهَتْ بِاللُّجَامِ
فَلَمَّا سَمِعَكَ حُذَيْفَةُ وَ مَنْ مَعَهُ تَهْجُو مُحَمَّداً، فَحَمُوا عَلَيْكَ فِي دَارِكَ، فَوَجَدُوكَ وَ قَعْبُ الْخَمْرِ فِي يَدَيْكَ، وَأَنْتَ تَكْرَعُهَا.
فَقَالُوا لَكَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ خَالَفْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَ حَمَلُوكَ كَهَيْئَتِكَ إِلَى مَجْمَع اَلنَّاسِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَضُوا عَلَيْهِ قِصَّتَكَ، وَأَعَادُوا شِعْرَكَ، فَدَنَوْتُ مِنْكَ وَ سَارَرْتُكَ وَ قُلْتُ لَكَ فِي صَحِيحِ النَّاسِ: قُلْ إِنِّي شَرِبْتُ الْخَمْرَ لَيْلاً، فَثَمِلْتُ فَزَالَ عَقْلِي، فَأَتَيْتُ مَا أَتَيْتُهُ نَهَاراً، وَ لاَ عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، فَعَسَى أَنْ يُدْرَأَ عَنْكَ اَلْحَدُّ.
وَ خَرَجَ مُحَمَّدُ وَ نَظَرَ إِلَيْكَ، فَقَالَ: أَيْقِظُوهُ، فَقُلْنَا: رَأَيْنَاهُ وَهُوَ ثَمِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ يَعْقِلُ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ الْخَمْرُ يُزِيلُ الْعَقْلَ، تَعْلَمُونَ هَذَا مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَنْتُمْ تَشْرَبُونَهَا؟...
ص: 352
ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ: أَنْظِرُوهُ إِلَى إِفَاقَتِهِ مِنْ سَكْرَتِهِ. فَأَمْهَلُوكَ حَتَّى أَرَيْتَهُمْ أَنَّكَ قَدْ صَحَوْتَ، فَسَاءَ لَكَ مُحَمَّدُ ، فَأَخْبَرْتَهُ بِمَا أَوْ عَزْتُهُ إِلَيْكَ: مِنْ شُرْبِكَ بِهَا بِاللَّيْلِ.
فَمَا بَالُكَ الْيَوْمَ تُؤْمِنُ بِمُحَمَّدٍ وَ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَ هُوَ عِنْدَنَا سَاحِرُ كَذَّابٌ.
فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا حَفْصٍ! لاَ شَكَّ عِنْدِي فِيمَا قَصَصْتَهُ عَلَيَّ، فَاخْرُجْ إِلَى إِبْنِ أَبِي طَالِبٍ فَاصْرِفْهُ عَنِ الْمِنْبَرِ.
قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ وَ عَلِي عليه السلام جَالِسُ تَحْتَ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَا بَالُكَ يَا عَلِيُّ! قَدْ تَصَدَّيْتَ لَهَا؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، وَ اللَّهِ دُونَ مَا تَرُومُ! مِنْ عُلُوِّ هَذَا الْمِنْبَر خَرْطُ الْقَتَادِ.
فَتَبَسَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِدُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيْلَكَ مِنْهَا وَاللَّهِ يَا عُمَرُ إِذَا أُقْضِيَتْ إِلَيْكَ، وَالْوَيْلُ لِلْأُمَّةِ مِنْ بَلاَئِكَ!
فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ بُشْرَى يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، صَدَقَتْ ظُنُونُكَ وَحَقُّ قَوْلُكَ وَانْصَرَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى مَنْزِلِهِ(1).
ص: 353
3- صَاحِبُ دُرَرِ الْمَنَاقِبِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَدُورُ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ إِذْ اسْتَقْبَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ عَليُّ عليه السلام بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، اتَّقِ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً، وَ أَذْكُرْ مَعَادَكَ يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، وَ اذْكُرْ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا تَقَدَّمَ بِهِ إِلَيْكُمْ فِي غَدِيرِ خُمٍّ فَإِنْ رَدَدْتَ إِلَيَّ الْأَمْرَ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ مَا فَعَلْتَهُ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا يَكُونُ جَوَابُكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله؟.
فَقَالَ لَهُ: أَرِنِي رَسُولَ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ، يَرُدَّنِي عَمَّا أَنَا فِيهِ، فَإِنِّي أُطِيعُهُ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: كَيْفَ ذَلِكَ وَ أَنَا أُرِيكَهُ فِي الْيَقَظَةِ؟.
ثُمَّ أَخَذَ عَليُّ عليه السلام بِيَدِهِ حَتَّى أَتَى بِهِ مَسْجِدَ قُبَا، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله جَالِساً فِي مِحْرَابِهِ وَ عَلَيْهِ أَكْفَانُهُ وَ هُوَ يَقُولُ:
«يَا أَبَا بَكْرٍ، أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَ تَارَةً بَعْدَ تَارَةٍ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب عليه السلام خَلِيفَتِي وَ وَصِيِّي، وَ طَاعَتَهُ طَاعَتِي، وَ مَعْصِيَتَهُ مَعْصِيَتِي، وَ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللَّهِ، وَ مَعْصِيَتَهُ مَعْصِيَةُ اللَّهِ؟!».
ص: 354
قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَ هُوَ فَزِعْ مَرْعُوبُ، وَقَدْ عَزَمَ أَنْ يَرُدَّ الْأَمْرَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِذِ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُ بمَا رَأَى، فَقَالَ: هَذَا سِحْرُ مِنْ سِحْرِ بَنِي هَاشِمٍ، دُمْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَ اِحْفَظْ مَكَانَكَ. وَ لَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَدَّهُ عَن الْمُرَادِ(1).
4 - حَدَّثَنَا الْحَجَّالُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ اللُّؤْلُوِيِّ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي شُعْبَةَ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبَان بن بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَقِيَ أَبَا بَكْرِ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَكَ أَنْ تُسَلَّمَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِمْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَمَرَكَ بِاتِّبَاعِي؟
قَالَ فَأَقْبَلَ يَتَوَهَّمُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: اجْعَلْ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ حَكَما قَالَ: قَدْ رضِيتُ فَاجْعَلْ مَنْ شِئْتَ قَالَ: أَجْعَلُ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: فَاغْتَنَمَهَا الْآخَرُ وَ قَالَ: قَدْ رَضِيتُ.
قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَذَهَبَ إِلَى مَسْجِدِ قُبَا قَالَ: فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَاعِدُ فِي مَوْضِع الْمِحْرَابِ فَقَالَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَا أَبَا بَكْرِ
ص: 355
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَ لَمْ آمُرُكَ بِالتَّسْلِيمِ لِعَلِي وَ اتَّبَاعِهِ؟
قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
قَالَ: فَارْفَعِ الْأَمْرَ إِلَيْهِ.
قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، فَجَاءَ فَلَيْسَ هِمَّتُهُ إلاَّ ذَلِكَ وَ هُوَ كَنِيبُ. قَالَ: فَلَقِيَ عُمَرَ قَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمَرَنِي بِدَفْعِ هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ
فَقَالَ: أَ مَا تَعْرِفُ سِحْرَ بَنِي هَاشِمٍ؟ هَذَا سِحْرُ قَالَ: الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ(1)
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: كَانَ عَلِيُّ عليه السلام كَثِيراً مَا يَقُولُ: مَا اجْتَمَعَ التَّيْمِيُّ والْعَدَوِيُّ عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه و
ص: 356
آله وَهُوَ يَقْرَأُ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ بِتَخَشُعِ وبُكَاءٍ. فَيَقُولَانِ: مَا أَشَدَّ رِقَّتَكَ لِهَذِهِ السورة؟
فَيَقُولُ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله: لِمَا رَأَتْ عَيْنِي ووَعَى قَلْبِي ولِمَا يَرَى قَلْبُ هَذَا مِنْ بَعْدِي. فَيَقُولَانِ: ومَا الَّذِي رَأَيْتَ ومَا الَّذِي يَرَى؟
قَالَ: فَيَكْتُبُ لَهُمَا فِي التُّرَابِ. تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ والرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرِ.
قَالَ ثُمَّ يَقُولُ صلى الله عليه و آله: هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: كُلِّ أَمْرٍ؟ فَيَقُولَانِ: لَا.
فَيَقُولُ صلى الله عليه و آله: هَلْ تَعْلَمَانِ مَنِ الْمُنْزَلُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ؟
فَيَقُولَان أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ.
فَيَقُولُ صلى الله عليه و آله: هَلْ تَكُونُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مِنْ بَعْدِي؟ فَيَقُولَان: نَعَمْ.
قَالَ فَيَقُولُ صلى الله عليه و آله: فَهَلْ يَنْزِلُ ذَلِكَ الأَمْرُ فِيهَا؟ فَيَقُولَانِ: نَعَمْ.
ص: 357
قَالَ فَيَقُولُ صلى الله عليه و آله: إِلَى مَنْ؟ فَيَقُولَانِ: لَا نَدْرِي.
فَيَأْخُذُ بِرَأْسِي ويَقُولُ: إِنْ لَمْ تَدْرِيَا فَادْرِيَا هُوَ هَذَا مِنْ بَعْدِي.
قَالَ: فَإِنْ كَانَا لَيَعْرفَان تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ رَسُول الله مِنْ شِدَّةِ مَا يُدَاخِلُهُمَا مِنَ الرُّعْب(1).
1 - فِي كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، بِرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْهُ قَالَ: كُنتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ وَ مَعَنَا جَمَاعَةً مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام فَحَدَّثَنَا فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا أَنْ قَالَ: يَا إِخْوَتِي تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَ تُوُفِّيَ فَلَمْ يُوضَعْ فِي حُفْرَتِهِ حَتَّى نَكَثَ اَلنَّاسُ وَارْتَدُّوا وَ أَجْمَعُوا عَلَى الْخِلافِ وَاشْتَغَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَتَّى فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ وَ تَكْفِينِهِ وَ تَحْنِيطِهِ وَ وَضَعَهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ وَ شَغَلَ عَنْهُمْ بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ لَمْ يَكُنْ هِمَّتُهُ وَلَمْ الْمُلْكَ لِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَخْبَرَهُ عَنِ الْقَوْمِ
ص: 358
فَافْتَتَنَ النَّاسُ بِالَّذِي افْتَتَنُوا بِهِ مِنَ الرَّجُلَيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ عَلِيُّ عليه السلام وَ بَنُو هَاشِمٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَ سَلْمَانُ فِي أُناسٍ مَعَهُمْ يَسِيرٍ.
فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا هَذَا إِنَّ النَّاسَ أَجْمَعِينَ قَدْ بَايَعُوكَ مَا خَلاَ هَذَا الرَّجُلَ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَ هَؤُلاَءِ النَّفَرَ فَابْعَثْ إِلَيْهِ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ اِبْنَ عَمَّ لِعُمَرَ يُقَالُ لَهُ قُنْفُذُ فَقَالَ لَهُ: يَا قُنْفُذُ انْطَلِقْ إِلَى عَلِي فَقُلْ لَهُ أَجِبْ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهُ فَانْطَلَقَ فَأَبْلَغَهُ.
فَقَالَ عَلِي عليه السلام: مَا أَسْرَعَ مَا كَذَبْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله وَ ارْتَدَدْتُمْ وَاللَّهِ مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله غَيْرِي فَارْجِعْ يَا قُنْفُذُ فَإِنَّمَا أَنْتَ رَسُولُ فَقُلْ لَهُ: قَالَ لَكَ عليُّ عليه السلام وَ اللَّهِ مَا اسْتَخْلَفَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَنْ خَلِيفَةُ رَسُول اللَّهِ.
فَأَقْبَلَ قُنْفُذُ إِلَى أَبِي بَكْرِ فَبَلَّغَهُ الرَّسَالَةَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ عَلِي مَا اسْتَخْلَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
ص: 359
فَغَضِبَ عُمَرُ وَ وَثَبَ وَقَامَ، فَقَالَ أَبُو بَكْر: اجْلِسُ ثُمَّ قَالَ لِقُنْفَذٍ: اِذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبَا بَكْرٍ.
فَأَقْبَلَ قُنْفُذُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ عليه السلام فَأَبْلَغَهُ الرَّسَالَةَ.
فَقَالَ عليه السلام: كَذَبَ وَ اللَّهِ انْطَلِقْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ لَقَدْ تَسَمَّيْتَ بِاسْمِ لَيْسَ لَكَ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُكَ.
فَرَجَعَ قُنْفُذُ فَأَخْبَرَهُمَا فَوَثَبَ عُمَرُ غَضْبَانَ فَقَالَ: وَ اللَّهِ إِنِّي لَعَارِفُ بِسَخْفِهِ وَ ضَعْفِ رَأْيِهِ وَ إِنَّهُ لاَ يَسْتَقِيمُ لَنَا أَمْرُ حَتَّى نَقْتُلَهُ فَخَلَّنِي آتِيكَ برَأْسِهِ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِجْلِسْ فَأَبَى فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ: يَا قُنْفُذُ انْطَلِقْ فَقُلْ لَهُ: أَجِبْ أَبَا بَكْر.
فَأَقْبَلَ قُنْفُذُ فَقَالَ: يَا عَلِي أَجِبْ أَبَا بَكْرٍ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: إِنِّي لَفِي شُغْلِ عَنْهُ وَ مَا كُنْتُ بِالَّذِي أَتْرُكُ وَصِيَّةَ خَلِيلِي وَ أَخِي وَإِنْطَلِقْ إِلَى أَبِي بَكْرِ وَ مَا اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْجَوْرِ.
ص: 360
فَانْطَلَقَ قُنْفُذُ فَأَخْبَرَ أَبَا بَكْرٍ. فَوَثَبَ عُمَرُ غَضْبَانَ فَنَادَى خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَ قُنْفُذاً فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَحْمِلاَ حَطَباً وَ نَاراً ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةُ سلام الله عليها قَاعِدَةُ خَلْفَ أَلْبَابِ قَدْ عَصَبَتْ رَأْسَهَا وَ نَحَلَ جِسْمُهَا فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتَّى ضَرَبَ الْبَابَ ثُمَّ نَادَى: يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ افْتَح الْبَابَ.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها: يَا عُمَرُ مَا لَنَا وَ لَكَ لاَ تَدَعُنَا وَ مَا نَحْنُ فِيهِ.
قَالَ: افْتَحِي أَلْبَابَ وَإِلا أَحْرَقْنَا عَلَيْكُمْ.
فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ تَدْخُلُ عَلَى بَيْتِي وَ تَهْجُمُ عَلَى دَارِي؟ فَأَبَى أَنْ يَنْصَرِفَ ثُمَّ عَادَ عُمَرُ بِالنَّارِ فَأَضْرَمَهَا فِي الْبَابِ فَأَحْرَقَ الْبَابَ ثُمَّ دَفَعَهُ عُمَرُ فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَاطِمَةُ سلام الله عليها وَ صَاحَتْ يَا أَبَتَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَرَفَعَ السَّيْفَ وَ هُوَ فِي عِمْدِهِ فَوَجَأَ بِهِ جَنْبَهَا فَصَرَخَتْ فَرَفَعَ السَّوْطَ فَضَرَبَ بِهِ ذِرَاعَهَا فَصَاحَتْ يَا أَبَتَاهُ.
ص: 361
فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَأَخَذَ بَتَلاَبِيبِ عُمَرَ ثُمَّ هَزَّهُ فَصَرَعَهُ وَوَجَأَ أَنْفَهُ وَ رَقَبَتَهُ وَ هَمَّ بِقَتْلِهِ فَذُكَّرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ مَا أوْصَى بِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَ الطَّاعَةِ.
فقال عليه السلام: وَالَّذِي كَرَّمَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله بِالنُّبُوَّةِ يَا اِبْنَ صُهَاكَ لَوْ لا كِتَابُ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتِي.
فَأَرْسَلَ عُمَرُ يَسْتَغِيثُ فَأَقْبَلَ النَّاسُ حَتَّى دَخَلُوا الدَّارَ وَ سَلَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ السَّيْفَ لِيَضْرِبَ بِهِ عَلِيّاً عليه السلام فَحَمَلَ عَلِيُّ عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ فَأَقْسَمَ عَلَى عَلِيٍّ فَكَفَّ وَأَقْبَلَ الْمِقْدَادُ وَسَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ عَمَّارُ وَ بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ حَتَّى دَخَلُوا الدَّارَ أَعْوَاناً لِعَلِيٍّ عليه السلام حَتَّى كَادَتْ تَقَعُ فِتْنَةٌ.
فَأُخْرِجَ عَلِيُّ عليه السلام وَ تَبِعَهُ النَّاسُ وَاتَّبَعَهُ سَلْمَانُ وَ أَبو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ وَ عَمَّارُ وَ بُرَيْدَةُ وَ هُمْ يَقُولُونَ: مَا أَسْرَعَ مَا كُنْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام وَ أَخْرَجْتُمُ الصَّغَائِنَ الَّتِي فِي صُدُورِكُمْ.
و قَالَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيُّ: يَا عُمَرُ أَتَيْتَ عَلَى أَخِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ وَصِيِّهِ وَعَلَى ابْنَتِهِ فَتَضْرِبُهَا وَ أَنْتَ الَّذِي تَعْرِفُكَ قُرَيْشُ بِمَا تَعْرِفُكَ بِهِ؟
ص: 362
فَرَفَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ السَّيْفَ لِيَضْرِبَ بُرَيْدَةَ وَ هُوَ فِي غِمْدِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ عُمَرُ وَ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ فَانْتَهُوا بِعَلِيٍّ عليه السلام إِلَى أَبِي بَكْرٍ مُلَبَّباً.
فَلَمَّا نَظَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ صَاحَ: خَلُّوا سَبِيلَهُ.
فَقَالَ عليه السلام: مَا أَسْرَعَ مَا تَوَثَبْتُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ بِأَيِّ حَقٌّ وَ بِأَيِّ مِيرَاثٍ وَ بِأيِّ سَابِقَةٍ تَحُثُ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِكَ؟ أَلَمْ تُبَايِعْنِي بِالْأَمْسِ بِأَمْرِ رَسُول اللَّهِ؟
فَقَالَ عُمَرُ: دَعْ هَذَا عَنْكَ يَا عَلِيُّ فَوَ اللَّهِ إِنْ لَمْ تُبَايِعْ لَنَقْتُلَنَّكَ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: إذاً وَ اللَّهِ أَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ وَ أَخَا رَسُولِهِ الْمَقْتُولو
فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ الْمَقْتُولُ فَنَعَمْ وَأَمَّا أَخُو رَسُول اللَّهِ فَلاَ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ لاَ قَضَاءُ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ وَعَهْدُ عَهِدَهُ إِلَيَّ خَلِيلِي لَسْتُ أَجُوزُهُ لَعَلِمْتَ أَيُّنَا أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً وَ أَبُو بَكْرٍ سَاكِتُ لاَ يَتَكَلَّمُ.
ص: 363
فَقَامَ بُرَيْدَةُ فَقَالَ: يَا عُمَرُ أَلَسْتُمَا اللَّذَيْنِ قَالَ لَكُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله انْطَلِقَا إِلَى عَليٍّ عليه السلام فَسَلَّمَا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْتُمَا أَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ أَمْرٍ رَسُولِهِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا بُرَيْدَةُ وَلَكِنَّكَ غِبْتَ وَ شَهِدْنَا وَ الْأَمْرُ يَحْدُثُ بَعْدَهُ الأمرُ.
فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَنْتَ وَ هَذَا يَا بُرَيْدَةُ وَ مَا يُدْخِلُكَ فِي هَذَا.
قَالَ بُرَيْدَةُ: وَ اللَّهِ لاَ سَكَنْتُ فِي بَلْدَةٍ أَنْتُمْ فِيهَا أُمَرَاءُ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَضْرِبَ وَ أُخْرِجَ.
ثُمَّ قَامَ سَلْمَانُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرِ اتَّقِ اللَّهَ وَ قُمْ عَنْ هَذَا الْمَجْلِسِ وَ دَعْهُ لِأَهْلِهِ يَأْكُلُوا بِهِ رَغَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَخْتَلِفْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيْفَانِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَعَادَ سَلْمَانُ فَقَالَ مِثْلَهَا.
فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ وَ قَالَ: مَا لَكَ وَ هَذَا الْأَمْر وَ مَا يُدْخِلُكَ فِيمَا هَاهُنَا.
فَقَالَ: مَهْلاً يَا عُمَرُ قُمْ يَا أَبَا بَكْرِ عَنْ هَذَا الْمَجْلِسِ وَدَعْهُ لِأَهْلِهِ يَأْكُلُوا بِهِ وَ اللَّهِ خُضْراً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ إِنْ أَبَيْتُمْ لَتَحْلَبُنَّ بِهِ دَماً وَ لَيَطْمَعَنَّ فِيهَا الطُّلَقَاءُ وَ الطَّرَدَاءُ وَ الْمُنَافِقُونَ وَ اللَّهِ إِنِّي لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَدْفَعُ ضَيْماً
ص: 364
أَوْ أُعِزُّ لِلَّهِ دِيناً لَوَضَعْتُ سَيْفِي عَلَى عُنُقِي ثُمَّ ضَرَبْتُ بِهِ قُدُماً أَتَثِبُونَ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهُ فَأَبْشِرُوا بِالْبَلَاءِ وَاقْنَطُوا مِنَ الرَّخَاءِ.
ثُمَّ قَامَ أَبُو ذَرِّ وَالْمِقْدَادُ وَ عَمَّارُ فَقَالُوا لِعَلِيٍّ عليه السلام: مَا تَأْمُرُ وَ اللَّهِ إِنْ أَمَرْتَنَا لَنَضْرِبَنَّ بِالسَّيْفِ حَتَّى نُقْتَلَ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام كُفُّوا رَحِمَكُمُ الله وَاذْكُرُوا عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ مَا أَوْصَاكُمْ بِهِ فَكَفُّوا.
فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ وَ هُوَ جَالِسٌ فَوْقَ الْمِنْبَرِ: مَا يُجْلِسُكَ فَوْقَ الْمِنْبَرِ وَ هَذَا جَالِسُ مُحَارِبُ لاَ يَقُومُ فَيُبَايِعَكَ أَ وَ تَأْمُرُ بِهِ فَنَضْرِبَ عُنْقَهُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ قَائِمَان عَلَى رَأْسِ عَليٍّ عليه السلام فَلَمَّا سَمِعَا مَقَالَةَ عُمَرَ بَكَيَا وَ رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا يَا جَدَّاهُ يَا رَسُولَ اللَّهُ، فَضَمَّهُمَا عَلِيُّ عليه السلام إِلَى صَدْرِهِ وَ قَالَ: لاَ تَبْكِيَا فَوَ اللَّهِ لا يَقْدِرَان عَلَى قَتْل أَبيكُمَا هُمَا أَذَلُّ وَأَدْخَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَ أَقْبَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ النُّوبِيَّةُ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتَا: يَا عَتِيقُ مَا أَسْرَعَ مَا أَبْدَيْتُمْ حَسَدَكُمْ لَآلِ مُحَمَّدٍ؟
فَأَمَرَ بِهِمَا عُمَرُ أَنْ تُخْرَجًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: مَا لَنَا وَ لِلنِّسَاءِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ قُمْ بَايِعْ.
ص: 365
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟
قَالَ: إِذا وَاللَّهِ نَضْربَ عُنُقَكَ.
قَالَ عليه السلام: كَذَبْتَ وَ اللَّهِ يَا ابْنَ صُهَاكَ لاَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، أَنْتَ أَلاَمُ وَأَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ. فَوَثَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَاخْتَرَطَ سَيْفَهُ وَ قَالَ: وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَأَقْتُلَنَّكَ.
فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ عليه السلام وَ أَخَذَ بِمَجَامِعٍ ثَوْبِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ حَتَّى أَلْقَاهُ عَلَى قَفَاهُ وَ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَقَالَ عُمَر: قُمْ يَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَبَايع.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟
قَالَ: إِذَنْ وَ اللَّهِ نَقْتُلَكَ وَاِحْتَجَّ عَلَيْهِمْ عَلِيُّ عليه السلام ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتَحَ كَفَّهُ فَضَرَبَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَ رَضِيَ بِذَلِكَ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ تَبعَهُ النَّاسُ.
قَالَ ثُمَّ إِنَّ فَاطِمَةَ سلام الله عليها بَلَغَهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَضَ فَدَكَاً فَخَرَجَتْ فِي نِسَاءِ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ تُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي أَرْضاً جَعَلَهَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
ص: 366
و آله وَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ مِنَ الْوَجِيفِ الَّذِي لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَ لا رِكَابٍ؟
أَمَا كَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله علیه و آله الْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ صلى الله عليه و آله لَمْ يَتْرُكْ لِوُلْدِهِ شَيْئاً غَيْرَهَا.
فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرِ مَقَالَتَهَا وَ النِّسْوَةُ مَعَهَا دَعَا بِدَوَاةٍ لِيَكْتُبَ بِهِ لَهَا فَدَخَلَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لاَ تَكْتُبْ لَهَا حَتَّى تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِمَا تَدَّعِي.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها: نَعَمْ أُقِيمُ الْبَيَّنَةَ
قَالَ: مَنْ؟ قَالَتْ: عَلِيُّ وَ أُمُّ أَيْمَنَ.
فَقَالَ عُمَرُ: وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ اِمْرَأَةٍ أَعْجَمِيَّةٍ لاَ تُفْصِحُ وَأَمَّا عَلِيُّ فَيَجُرُّ النَّارَ إِلَى قُرْصَتِهِ.
فَرَجَعَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها وَقَدْ دَخَلَهَا مِنَ الْغَيْظِ مَا لاَ يُوصَفُ فَمَرِضَتْ وَ كَانَ عَلِيُّ عليه السلام يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ لَهُ أَبُو بَكْر وَ عُمَرُ: كَيْفَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى
ص: 367
أَنْ ثَقُلَتْ فَسَأَلاَ عَنْهَا وَ قَالاَ: قَدْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَا قَدْ عَلِمْتَ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَنَا لِنَعْتَذِرَ إِلَيْهَا مِنْ ذَنْبِنَا.
قَالَ: ذَلِكَ إِلَيْكُمَا. فَقَامَا فَجَلَسَا بِالْبَابِ وَ دَخَلَ عَليُّ عليه السلام عَلَى فَاطِمَةَ سلام الله عليها فَقَالَ لَهَا: أَيَّتُهَا الْحُرَّةُ فُلاَنُ وَفُلاَنُ بِالْبَابِ يُرِيدَانِ أَنْ يُسَلِّمَا عَلَيْكِ فَمَا تَرَيْنَ.
قَالَتْ: اَلْبَيْتُ بَيْتُكَ وَالْحُرَّةُ زَوْجَتُكَ افْعَلْ مَا تَشَاءُ فَقَالَ: سُدِّي قِنَاعَكِ فَسَدَّتْ قِنَاعَهَا وَ حَوَّلَتْ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ فَدَخَلاَ وَ سَلَّمَا وَقَالا: ارْضَي عَنَّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْكِ.
فَقَالَتْ: مَا دَعَاكُمَا إِلَى هَذَا فَقَالَا اِعْتَرَفْنَا بِالْإِسَاءَةِ وَ رَجَوْنَا أَنْ تَعْفِي عَنَّا وَتُخْرِجِي سَخِيمَتَكِ.
فَقَالَتْ: إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا أَسْأَلُكُمَا عَنْهُ فَإِنِّي لاَ أَسْأَلُكُمَا عَنْ أَمْرٍ إِلاَّ أَنَا عَارِفَةً بِأَنَّكُمَا تَعْلَمَانِهِ فَإِنْ صَدَقْتُمَا عَلِمْتُ أَنَّكُمَا صَادِقَان فِي مَجِيئِكُمَا قَالاَ: سَلِي عَمَّا بَدَا لَكِ.
قَالَتْ: نَشَدْتُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ سَمِعْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنّى فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي؟ قَالاَ نَعَمْ.
ص: 368
فَرَفَعَتْ يَدَهَا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَتْ: اَللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَدْ آذَيَانِي فَأَنَا أَشْكُوهُمَا إِلَيْكَ وَإِلَى رَسُولِكَ لا وَ اللَّهِ لا أَرْضَى عَنْكُمَا أَبَداً حَتَّى أَلْقَى أَبِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَأُخْبِرَهُ بِمَا صَنَعْتُمَا فَيَكُونَ هُوَ الْحَاكِم فِيكُمَا.
قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ دَعَا أَبُو بَكْرِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَ جَزِعَ جَزَعاً شَدِيداً.
فَقَالَ عُمَرُ: تَجْزَعُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ قَوْلِ اِمْرَأَةٍ.
قَالَ: فَبَقِيَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا رَسُول اللَّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَلَمَّا اِشْتَدَّ بهَا الْأَمْرُ دَعَتْ عَلِيّاً عليه السلام وَ قَالَتْ: يَا ابْنَ عَمَّ مَا أَرَانِي إِلاَّ لِمَا بِي وَأَنَا أُوصِيكَ... أَنْ لا تُشْهدَ أَحَداً مِنْ أَعْدَاء اللَّهِ جِنَازَتِي وَلاَ دَفْنِي وَ لاَ الصَّلاةَ عَلَيَّ....
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُبِضَتْ فَاطِمَةُ سلام الله عليها مِنْ يَوْمِهَا فَارْتَجَتِ الْمَدِينَةُ بِالْبُكَاءِ مِنَ الرَّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ دَهِشَ اَلنَّاسُ كَيَوْمٍ قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُعَذِّيَانِ عَلِيّاً عليه السلام وَ يَقُولاَنِ لَهُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ لَا تَسْبِقْنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ دَعَا عَلِيُّ الْعَبَّاسَ وَالْفَضْلَ وَالْمِقْدَادَ وَ سَلْمَانَ وَ أَبَا ذَرٍّ وَ عَمَّاراً فَقَدَّمَ الْعَبَّاسَ فَصَلَّى عَلَيْهَا وَ دَفَنُوهَا.
ص: 369
فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَ النَّاسُ يُرِيدُونَ الصَّلَاةَ عَلَى فَاطِمَةَ سلام الله عليها فَقَالَ الْمِقْدَادُ قَدْ دَفَنَّا فَاطِمَةَ الْبَارِحَةَ.
فَالْتَفَتَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّهُمْ سَيَفْعَلُونَ.
قَالَ اَلْعَبَّاسُ: إِنَّهَا أَوْصَتْ أَنْ لَا تُصَلِّيَا عَلَيْهَا.
فَقَالَ عُمَرُ: لاَ تَتْرُكُونَ يَا بَنِي هَاشِمٍ حَسَدَكُمُ الْقَدِيمَ لَنَا أَبَداً إِنَّ هَذِهِ اَلصَّغَائِنَ الَّتِي فِي صُدُورِكُمْ لَنْ تَذْهَبَ، وَ اللَّهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْبُشَهَا فَأُصَلِّيَ عَلَيْهَا.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: وَ اللَّهِ لَوْ رُمْتَ ذَاكَ يَا ابْنَ صُهَاكَ لاَ رَجَعَتْ إِلَيْكَ يَمِينُكَ لَمِنْ سَلَلْتُ سَيْفِي لاَ غَمَدْتُهُ دُونَ إِزْهَاقِ نَفْسِكَ فَرُمْ ذَلكَ.
فَانْكَسَرَ عُمَرُ وَ سَكَتَ وَ عَلِمَ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام إِذَا حَلَفَ صَدَقَ.
ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ عليه السلام: يَا عُمَرُ أَلَسْتَ الَّذِي هَمَّ بِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَجِئْتُ مُتَقَلِّداً بِسَيْفِي ثُمَّ أَقْبَلْتُ نَحْوَكَ لأَقْتُلَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا).
ص: 370
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ إِنَّهُمْ تَآمَرُوا وَ تَذَاكَرُوا فَقَالُوا: لاَ يَسْتَقِيمُ لَنَا أَمْرُ مَا دَامَ هَذَا الرَّجُلُ حَيّاً فَقَالَ أَبُو بَكْرِ: مَنْ لَنَا بِقَتْلِهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَرْسَلَاَ إِلَيْهِ فَقَالا: يَا خَالِدُ مَا رَأْيُكَ فِي أَمْرِ نَحْمِلُكَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: اِحْمِلَانِي عَلَى مَا شِئْتُمَا فَوَ اللَّهِ إِنْ حَمَلْتُمَانِي عَلَى قَتْلِ اِبْنِ أَبِي طَالِب لَفَعَلْتُ. فَقَالاَ: وَ اللَّهِ مَا نُرِيدُ غَيْرَهُ قَالَ: فَإِنِّي لَهُ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ إِذَا قُمْتُمَا فِي الصَّلَاةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقُمْ إِلَى جَانِبِهِ وَ مَعَكَ اَلسَّيْفُ فَإِذَا سَلَّمْتُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: نَعَمْ.
فَافْتَرَقُوا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَفَكَّرَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قَتْلِ عَلِيٍّ عليه السلام وَ عَرَفَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَتْ حُرُوبُ شَدِيدَةُ وَ بَلاَءُ طَوِيلُ فَنَدِمَ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ فَلَمْ يَنَمْ لَيْلَتَهُ تِلْكَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ مُفَكِّراً لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مُتَقَلَّداً بِالسَّيْفِ حَتَّى قَامَ إِلَى جَانِبِ عَلِيٍّ عليه السلام وَ قَدْ فَطَنَ عَلِيُّ عليه السلام بِبَعْضِ ذَلِكَ.
فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ تَشَهُدِهِ صَاحَ قَبْلَ أَنْ يُسَلَّمَ: يَا خَالِدُ لاَ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُكَ فَإِنْ فَعَلْتَ قَتَلْتُكَ. ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَ شِمَالِهِ فَوَثَبَ عَلِيُّ عليه السلام فَأَخَذَ بَتَلَابِيبِ خَالِدٍ وَ إِنْتَزَعَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ صَرَعَهُ وَ
ص: 371
جَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ وَ أَخَذَ سَيْفَهُ لِيَقْتُلَهُ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ لِيُخَلَّصُوا خَالِداً فَمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: حَلَّفُوهُ بِحَقِّ الْقَبْرِ لَمَّا كَفَفْتَ فَحَلَّفُوهُ بِالْقَبْرِ فَتَرَكُوهُ فَتَرَكَهُ وَ قَامَ فَانْطَلَقَ إِلَى مَنْزِلِهِ....(1)
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِشَامٍ الْمُؤَدِّبُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَلَوِيُّ الْعَبَّاسِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الزَّيَّاتُ الْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَفْصِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ طَرِيفٍ عَنِ الْأَصْبَحُ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ:
سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَنْ عِلَّةٍ دَفْنِهِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام لَيْلاً؟
فَقَالَ عليه السلام: إِنَّهَا كَانَتْ سَاخِطَةً عَلَى قَوْمٍ كَرِهَتْ حُضُورَهُمْ جَنَازَتَهَا وَ حَرَامُ عَلَى مَنْ يَتَوَلاهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ وُلْدِهَا(2).
ص: 372
عن عِكْرِمَةُ عَن ابْن عَبَّاسِ قَالَ أمير المؤمنين عليه السلام: أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ فِي مَظْلِمَتِي عَتِيقُ وَ ابْنُ الْخَطَّابِ وَ قَرَأَ الْآيَةَ وَ رُوِيَ: أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ دَعَاهُمَا النَّبِي وَقَالَ فِيكُمَا نَزَلَتْ(1).
وَ قَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ: قَوْلَ عَليٍّ عليه السلام لِحُذَيْفَةَ: كَيْفَ أَنْتَ وَقَدْ ظَلَمَتِ الْعُيُونُ الْعَيْنَ؟
قَالَ حُذَيْفَةُ: لاَ أَعْلَمُ تَأْوِيلَ كَلاَمِكَ، ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُ، بِأَنَّ الْعَيْنَ عَلِيُّ وَ اَلْعُيُونُ عَتِيقٌ، وَعُمَرُ، وَ عُثْمَانُ، وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَمْرُو بْنُ اَلْعَاصِ، وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ، وَأَوَّلُ كُلِّ اِسْمِ عَيْنُ(2).
ص: 373
قَالَ: وَ رَوَوْا عَنْ عُمَارَةَ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ هُوَ فِي مَيْمَنَةِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ وَ عِنْدَهُ النَّاسُ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ.
فَقَالَ عليه السلام: لَكِنِّي وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّكَ.
كَيْفَ حُبُّكَ لِأَبِي بَكْرِ وَ عُمَرَ؟.
فَقَالَ: وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَحِبُّهُمَا حُبّاً شَدِيداً.
قَالَ: كَيْفَ حُبُّكَ لِعُثْمَانَ؟.
قَالَ: قَدْ رَسَخَ حُبُّهُ فِي السُّوَيْدَاء مِنْ قَلْبِي.
فَقَالَ عَلِي عليه السلام: أَنَا أَبُو الْحَسَن... الْحَدِيثَ(1).
فِي الاِمْتِحَانِ، عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ جَابِرُ الْأَنْصَارِيُّ:
ص: 374
كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي الْبَرِّيَّةِ فَرَأَيْتُهُ قَدْ عَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ فَتَبِعْتُهُ فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ تَبَسَّمَ ضَاحِكاً فَقَالَ: أَحْسَنْتَ أَيُّهَا الطَّيْرُ إِذْ صَفَرْتَ بِفَضْلِهِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلاَيَ أَيُّ الطَّيْرِ؟
فَقَالَ: فِي الْهَوَاءِ أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ وَ تَسْمَعَ كَلاَمَهُ؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا مَوْلاَيَ.
فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَ دَعَا بِدُعَاءِ خَفِيٍّ فَإِذَا الطَّيْرُ يَهْوِي إِلَى الْأَرْضِ فَسَقَطَ عَلَى يَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَقَالَ: انْطِقْ بِإِذْن اللهِ وَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
فَأَنْطَقَ اللَّهُ الطَّيْرَ بِلِسَانِ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ وَ قَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُكَ وَ مَشْرَبُكَ فِي هَذِهِ الْفَلاَةِ الْقَفْرَاءِ الَّتِي لاَ نَبَاتَ فِيهَا وَلاَ مَاءَ؟
فَقَالَ: يَا مَوْلاَيَ إِذَا جُعْتُ ذَكَرْتُ وَلاَ يَتَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَأَشْبَعُ وَإِذَا عَطِشْتُ فَأَتَبَرَّأُ مِنْ أَعْدَائِكُمْ فَأَرْوَى
ص: 375
فَقَالَ: بُورِكَ فِيكَ. فَطَارَتْ وَ هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلَّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر(1).
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ كَانَ لِعَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ آيَاتُ؟
فَقَالَ: إِى وَ اللَّهِ، كَانَتْ لَهُ سِيرَةُ حَضَرَتْهَا الْجَمَاعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ، لاَ يُنْكِرُهَا إِلاَّ مُعَانِدُ، وَلاَ يَكْتُمُهَا إِلاَّ كَافِرُ.
مِنْهَا: أَنَّا سِرْنَا مَعَهُ فِي مَسِيرِ، فَقَالَ لَنَا اِمْضُوا لِأَنْ نُصَلِّيَ تَحْتَ هَذِهِ اَلسَّدْرَةِ رَكْعَتَيْنِ فَمَضَيْنَا، وَ نَزَلَ تَحْتَ السُّدْرَةِ، فَجَعَلَ يَرْكَعُ وَ يَسْجُدُ فَنَظَرْنَا إِلَى السَّدْرَةِ وَ هِي تَرْكَعُ إِذَا رَكَعَ، وَ تَسْجُدُ إِذَا سَجَدَ، وَ تَقُومُ إِذَا قَامَ، فَلَمَّا رَأَيْنَا ذَلِكَ عَجِبْنَا، وَ وَقَفْنَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ دَعَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ» فَنَطَقَتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ تَقُولُ: آمِينَ آمِينَ.
ص: 376
ثُمَّ قَالَ: اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى شِيعَةِ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ فَقَالَتْ أَوْرَاقُهَا وَ أَغْصَانُهَا وَقُضْبَانُهَا: آمِينَ آمِينَ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ مُبْغِضِي شِيعَةِ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَتِ الْأَوْرَاقُ وَ الْقُضْبَانُ وَالْأَغْصَانُ وَ السِّدْرَةُ: آمِینَ آمِینَ(1).
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ:
إِنَّ لِلَّهِ بَلْدَةً خَلْفَ الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا: جَابَلْقَا، وَ فِي جَابَلْقَا سَبْعُونَ أَلْفَ أُمَّةٍ لَيْسَ مِنْهَا أُمَّهُ إِلا مِثْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَمَا عَصَوُا اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ،
ص: 377
فَمَا يَعْمَلُونَ عَمَلاً وَلاَ يَقُولُونَ قَوْلاً إِلاَّ الدُّعَاءَ عَلَى الْأَوَلَيْن وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا، وَالْوَلاَيَةَ لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله(1).
1 - قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ الْقُمِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ الْحَنَّاطِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُمَالِيِّ عَنْ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَ هُوَ فِي الرَّحْبَةِ مُتَّكِئاً فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَ رَدَّ عَلَي وَ قَالَ: أَصْبَحْتُ مُحِبّاً لِمُحِبِّنَا صَابِراً عَلَى بُغْضِ مَنْ يُبْغِضُنَا إِنَّ مُحِبَّنَا يَنْتَظِرُ الرَّوْحَ وَ الْفَرَجَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنَّ مُبْغِضَنَا بَنَى بِنَاءً فَ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرْفٍ هَارٍ فَكَأَنَّ بُنْيَانَهُ قَدْ هَارَ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
ص: 378
يَا أَبَا الْمُعْتَمِرِ إِنَّ مُحِبَّنَا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبْغِضَنَا وَإِنَّ مُبْغِضَنَا لاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُحِبَّنَا إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَبَلَ قُلُوبَ الْعِبَادِ عَلَى حُبِّنَا وَ خَذَلَ مَنْ يُبْغِضُنَا فَلَنْ يَسْتَطِيعَ مُحِبُّنَا بُغْضَنَا وَ لَنْ يَسْتَطِيعَ مُبْغِضُنَا حُبَّنَا وَ لَنْ يَجْتَمِعَ حُبُّنَا وَ حُبُّ عَدُوِّنَا فِي قَلْبٍ وَاحِدٍ مَا جَعَلَ اللَّهِ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ يُحِبُّ بِهَذَا قَوْماً وَ يُحِبُّ بِالْآخَرِ أَعْدَاءَهُمْ(1).
2 - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَمَّدِيَّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام:
فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ ما جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: لَيْسَ عَبْدُ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ مِمَّنْ اِمْتَحَنَ اَللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَان إِلاَّ وَ هُوَ يَجِدُ مَوَدَّتَنَا عَلَى قَلْبِهِ فَهُوَ يَوَدُّنَا وَ مَا مِنْ عَبْدِ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ مِمَّنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِلاَّ وَ هُوَ يَجِدُ بُغْضَنَا عَلَى قَلْبِهِ فَهُوَ يُبْغِضُنَا فَأَصْبَحْنَا نَفْرَحُ بِحُبِّ الْمُحِب لَنَا وَ تَغْتَفِرُ لَهُ وَ تُبْغِضُ الْمُبْغَضَ.
ص: 379
وَ أَصْبَحَ مُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ رَحْمَةَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فَكَانَ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ قَدْ فُتِحَتْ لَهُ وَ أَصْبَحَ مُبْغِضُنَا عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ مِنَ النَّارِ فَكَانَ ذَلِكَ الشَّفَا قَدِ انْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَهَنِيئاً لِأَهْل الرَّحْمَةِ رَحْمَتُهُمْ وَ تَعْساً لِأَهْلِ النَّارِ مَثْوَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَ إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدُ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ يُقَصِّرُ فِي حُبِّنَا لِخَيْرِ جَعَلَهُ اللَّهُ عِنْدَهُ إِذْ لاَ يَسْتَوِي مَنْ يُحِبُّنَا وَ يُبْغِضُنَا وَ لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ رَجُل أَبَداً.
إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ يُحِبُّ بِهَذَا وَ يُبْغِضُ بهَذَا أَمَّا مُحِبُّنَا فَيَخْلُصُ الْحُبُّ لَنَا كَمَا يَخْلُصُ الذَّهَبُ بالنَّارِ لاَ كَدَرَ فِيهِ وَ مُبْغِضُنَا عَلَى تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ.
نَحْنُ النُّجَبَاءُ وَ أَفْرَاطُنَا أَفْرَاطُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَا وَصِيُّ الْأَوْصِيَاءِ وَالْفِتَةُ الْبَاغِيَةُ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَ الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ حُبَّنَا فَلَيَمْتَحِنُ قَلْبَهُ فَإِنْ شَارَكَ فِي حُبِّنَا عَدُونَا فَلَيْسَ مِنَّا وَ لَسْنَا مِنْهُ وَاللَّ-هُ عَدُوُّهُ وَ جَبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَاللَّهُ عَدُوُّ لِلْكَافِرِينَ(1).
ص: 380
3 - أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْن بُرَيْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بُرَيْدِ الطَّائِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ صَارِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رُشَيْدٍ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً عليه السلام يَقُولُ: نَحْنُ النُّجَبَاءُ، وَ أَفْرَاطُنَا أَفْرَاطُ الأَنْبِيَاءِ، حِزْبُنَا حِزْبُ اللَّهِ، وَ الْفِنَةُ الْبَاغِيَةُ حِزْبُ الشَّيْطَان، مَنْ سَاوَى بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُونَا فَلَيْسَ مِنَّا(1).
4 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَعْدِ بْن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ صَالِحٍ بْنِ مِيثَمِ الثَّمَّارِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ مِيثَمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
تَمَسَّيْنَا لَيْلَةً عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَقَالَ لَنَا: لَيْسَ مِنْ عَبْدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَان إِلاَّ أَصْبَحَ يَجِدُ مَوَدَّتَنَا عَلَى قَلْبِهِ، وَ لاَ أَصْبَحَ عَبْدُ مِمَّنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِلا يَجِدُ بُغْضَنَا عَلَى قَلْبِهِ، فَأَصْبَحْنَا نَفْرَحُ بِحُبِّ الْمُؤْمِن لَنَا، وَنَعْرِفُ بُغْضَ الْمُبْغِضِ لَنَا،
ص: 381
أَصْبَحَ مُحِبُّنَا مُعْتَبِطاً بِحُبِّنَا بِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ يَنْتَظِرُهَا كُلَّ يَوْمٍ، وَأَصْبَحَ مُبْغِضُنَا يُؤَسَّسُ بُنْيَانَهُ عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فَكَانَ ذَلِكَ الشَّفَا قَدِ انْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَ كَانَ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ قَدْ فُتِحَتْ لِأَصْحَابِ الرَّحْمَةِ، فَهَنِيئاً لأَصْحَابِ الرَّحْمَةِ رَحْمَتُهُمْ، وَتَعْساً لأَهْل النَّارِ مَثْوَاهُمْ.
إِنَّ عَبْداً لَنْ يُقَصَّرَ فِي حُبِّنَا لِخَيْرٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ، وَ لَنْ يُحِبَّنَا مَنْ يُحِبُّ مُبْغِضَنَا، إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَجْتَمِعُ فِي قَلْبِ وَاحِدٍ وَ «مَا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» يُحِبُّ بِهَذَا قَوْماً، وَيُحِبُّ بِالآخَرِ عَدُوَّهُم. وَ الَّذِي يُحِبُّنَا فَهُوَ يُخْلِصُ حُبَّنَا كَمَا يُخْلَصُ الذَّهَبُ لاَ غِشَّ فيه.
نَحْنُ النُّجَبَاءُ وَ أَفْرَاطُنَا أَفْرَاطُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَا وَصِيُّ الْأَوْصِيَاءِ، وَأَنَا حِزْبُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عليه السلام، وَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ حِزْبُ الشَّيْطَان.
فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمُ حَالَهُ فِي حُبْنَا فَلْيَمْتَحِنْ قَلْبَهُ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ حُبّ مَنْ أَلَّبَ عَلَيْنَا فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَدُوُّهُ وَ جَبْرَئِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَ اللَّهُ عَدُوُّ لِلْكَافِرِينَ.(1)
ص: 382
5 - وَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ تَاتَانَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرِ عَنْ زِيَادٍ النَّهْدِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: يَا عَلِيُّ مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّكَ وَأَحَبَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى طِيبِ الْوِلَادَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُحِبُّنَا إِلاَّ مَنْ طَابَتْ ولادَتُهُ وَ لاَ يُبْغِضُنَا إِلاَّ مَنْ خَبُثَتْ ولادَتُهُ(1).
6 - مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِي عليه السلام قَالَ: كُنَّا قُعُوداً ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَهُنَاكَ شَجَرَةُ رُمَّان يَابِسَةُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرُ مِنْ مُبْغِضِيهِ وَ عِنْدَهُ قَوْمُ مِنْ مُحِبِّيهِ فَسَلَّمُوا فَأَمَرَهُمْ بِالْجُلُوسِ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: إِنِّي أُرِيكُمُ الْيَوْمَ آيَةً تَكُونُ فِيكُمْ كَمَثَلِ الْمَائِدَةِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ يَقُولُ اللَّهُ (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ ( بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ).
ثُمَّ قَالَ: انْظُرُوا إِلَى الشَّجَرَةِ وَ كَانَتْ يَابِسَةً وَإِذَا هِيَ قَدْ جَرَى الْمَاءُ فِي عُودِهَا ثُمَّ اِخْضَرَّتْ وَأَوْرَقَتْ وَعَقَدَتْ وَتَدَلَّى حَمْلُهَا عَلَى
ص: 383
رُءُوسِنَا. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ مُحِبُّوهُ: مُدُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ تَنَاوَلُوا وَكُلُوا. فَقُلْنَا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ تَنَاوَلْنَا وَأَكَلْنَا رُمَّاناً لَمْ نَأْكُلْ قَطُّ شَيْئاً أَعْذَبَ مِنْهُ وَأَطْيَبَ.
ثُمَّ قَالَ لِلنَّفَرِ الَّذِينَ هُمْ مُبْغِضُوهُ: مُدُّوا أَيْدِيَكُمْ وَتَنَاوَلُوا، فَمَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فَارْتَفَعَتْ وَ كُلَّمَا مَدَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَدَهُ إِلَى رُمَّانَةِ ارْتَفَعَتْ فَلَمْ يَتَنَاوَلُوا شَيْئاً.
فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بَالُ إِخْوَانِنَا مَدُّوا أَيْدِيَهُمْ وَ تَنَاوَلُوا وَ أَكَلُوا وَ مَدَدْنَا أَيْدِيَنَا فَلَمْ نَنَلْ؟ فَقَالَ عليه السلام وَ كَذَلِكَ الْجَنَّةُ لاَ يَنَالُهَا إِلاَّ أَوْلِيَاؤُنَا وَ مُحِبُّونَا وَ لاَ يَبْعُدُ مِنْهَا إِلا أَعْدَاؤُنَا وَ مُبْغِضُونَا.
فَلَمَّا خَرَجُوا قَالُوا: هَذَا مِنْ سِحْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَلِيلٌ.
قَالَ سَلْمَانُ: مَا ذَا تَقُولُونَ أَفَسِحْرُ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ(1).
ص: 384
الْبَلَدُ الْأَمِينُ، وَ جُنَّةُ الْأَمَانِ: هَذَا الدُّعَاءُ رَفِيعُ الشَّأْنِ عَظِيمُ الْمَنْزِلَةِ وَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بِهِ وَ قَالَ: إِنَّ الدَّاعِيَ بِهِ كَالرَّامِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فِي بَدْرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَيْنِ بِأَلْفِ أَلْفِ سَهْم:
اللَّهُمَّ الْعَنْ صَنَمَي قُرَيْشٍ وَ جِبْتَيْهَا وَ طَاغُوتَيْهَا وَإِفْكَيْهَا وَابْنَتَيْهِمَا اللَّذَيْنِ خَالَفَا أَمْرَكَ، وَ أَنْكَرَا وَحْيَكَ، وَ جَحَدَا إِنْعَامَكَ، وَعَصَيَا رَسُولَكَ، وَ قَلَّبَا دِينَكَ، وَحَرَّفَا كِتَابَكَ، وَعَظَلاَ أَحْكامَكَ، وَأَبْطَلاَ فَرَائِضَكَ، وَأَلْحَدَا فِي آيَاتِكَ، وَ عَادَيَا أَوْلِيَاءَكَ، وَ وَالَيَا أَعْدَاءَكَ، وَ خَرَّبَا بِلادَكَ، وَأَفْسَدَا عِبَادَكَ.
اَللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا وَ أَنْصَارَهُمَا فَقَدْ أَخْرَبَا بَيْتَ النُّبُوَّةِ، وَرَدَما بَابَهُ، وَنَقَضَا سَقْفَهُ، وَ أَلْحَقَا سَمَاءَهُ بِأَرْضِهِ، وَ عَالِيَهُ بِسَافِلِهِ، وَ ظَاهِرَهُ بِبَاطِنِهِ، وَ اسْتَأْصَلاَ أَهْلَهُ، وَ أَبَادَا أَنْصَارَهُ، وَقَتَلاَ أَطْفَالَهُ، وَأَخْلَيَا مِنْبَرَهُ مِنْ وَصِيِّهِ وَ وَارِثِهِ، وَ جَحَدَا نُبُوَّتَهُ، وَ أَشْرَكَا بِرَبِّهِمَا، فَعَظِّمْ ذَنْبَهُمَا، وَخَلّدْهُمَا فِي سَقَرَ، وَ مَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ، لا تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ.
ص: 385
اَللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ بِعَدَدِ كُلِّ مُنْكَرِ أَتَوْهُ، وَ حَقٌّ أَخْفَوْهُ، وَ مِنْبَرِ عَلَوْهُ، وَ مُنَافِقٍ وَلَّوْهُ، وَ مُؤْمِنٍ أَرْجَوْهُ، وَ وَلِيٍّ آذَوْهُ، وَ طَرِيدٍ آوَوْهُ، وَ صَادِقٍ طَرَدُوهُ، وَ كَافِرٍ نَصَرُوهُ، وَ إِمَامٍ قَهَرُوهُ، وَ فَرْضِ غَيَّرُوهُ، وَ أَثَرٍ أَنْكَرُوهُ، وَ شَرٍّ أَضْمَرُوهُ، وَ دَمٍ أَرَاقُوهُ، وَ خَبَرٍ بَدَّلُوهُ، وَ حُكْمٍ قَلَبُوهُ، وَ كُفْرٍ أَبْدَعُوهُ، وَ كَذِبِ دَلَّسُوهُ، وَ إِرْثٍ غَصَبُوهُ، وَ فَيءٍ اقْتَطَعُوهُ، وَ سُحْتِ أَكَلُوهُ وَ خُمْسِ اِسْتَحَلُّوهُ، وَبَاطِلِ أَسَسُوهُ، وَ جَوْرٍ بَسَطُوهُ، وَ ظُلْمِ نَشَرُوهُ، وَ وَعْدٍ أَخْلَفُوهُ، وَ عَهْدٍ نَقَضُوهُ، وَ حَلالٍ حَرَّمُوهُ، وَ حَرَام حَلَّلُوهُ، وَنِفَاقٍ أَسَرُّوهُ، وَ غَدْرِ أَضْمَرُوهُ، وَ بَطْنٍ فَتَقُوهُ، وَ ضِلْع كَسَرُوهُ، وَ صَكٍّ مَزَّقُوهُ، وَ شَمْلٍ بَدَّدُوهُ، وَ ذَلِيلٍ أَعَزُوهُ، وَ عَزِيزِ أَذَلُّهُ، وَ حَقٍّ مَنَعُوهُ، وَ إِمَامٍ خَالَفُوهُ.
اَللَّهُمَّ اِلْعَنْهُمَا بِكُلِّ آيَةٍ حَرَّفُوهَا، وَ فَرِيضَةٍ تَرَكُوهَا، وَ سُنَّةٍ غَيَّرُوهَا، وَ أَحْكَام عَطَّلُوهَا، وَ أَرْحَامِ قَطَعُوهَا، وَ شَهَادَاتٍ تَمُوهَا، وَ وَصِيَّةٍ ضَيَّعُوهَا، وَ أَيْمَان نَكَثُوهَا، وَ دَعْوَى أَبْطَلُوهَا، وَ بَيَّنَةٍ أَنْكَرُوهَا، وَ حِيلَةٍ أَحْدَثُوهَا، وَ خِيَانَةِ أَوْرَدُوهَا، وَعَقَبَةِ ارْتَقَوْهَا، وَدِبَابٍ دَحْرَجُوهَا، وَ أَزْيَافٍ لَزِمُوهَا، وَ أَمَانَةٍ خَانُوهَا.
اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا فِي مَكْنُون اَلسِّرِّ وَ ظَاهِرِ الْعَلَانِيَةِ، لَعْناً كَثِيراً دَائِباً أَبَداً دَائِماً سَرْمَداً، لاَ انْقِطَاعَ لِأَمَدِهِ، وَلاَ نَفَادَ لِعَدَدِهِ، يَعْدُو أَوَّلَهُ، وَلاَ يَرُوحُ
ص: 386
آخِرَهُ، لَهُمْ وَ لِأَعْوَانِهِمْ وَأَنْصَارِهِمْ، وَ مُحِبِّيهِمْ، وَ مُوَالِيهِمْ وَالْمُسَلَّمِينَ لَهُمْ، وَالْمَائِلِينَ إِلَيْهِمْ، وَ النَّاهِضِينَ بِأَجْنِحَتِهِمْ، وَالْمُقْتَدِينَ بِكَلامِهِمْ، وَ الْمُصَدِّقِينَ بِأَحْكَامِهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ عَذِّبْهُمْ عَذَاباً يَسْتَغِيثُ مِنْهُ أَهْلُ النَّارِ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ(1).
1 - كَنْزُ الْفَوَائِدِ لِلْكَرَاجُكِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ - شَاذَانَ عَنْ نُوحٍ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صلى الله عليه و آله قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: ...يَا عَلِيُّ وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ وَ اِصْطَفَانِي عَلَى جَمِيعِ الْبَرِيَّةِ لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَ اللَّهَ أَلْفَ عَام مَا قبلَ ذَلِكَ مِنْهُ إلا بوَلاَيَتِكَ وَ وَلاَيَةِ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ وَإِنَّ وَلايَتَكَ لاَ
ص: 387
تُقْبَلُ إِلاَّ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ وَ أَعْدَاءِ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ بِذَلِكَ أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ(1).
شُقُوا مُتَلاَطِمَاتِ أَمْوَاجِ الْفِتَنِ بِحَيَازِيمٍ سُفْنِ النَّجَاةِ، وَ حُطُّوا تِيجَانَ أَهْلِ الْفَخْرِ بِجَمِيعِ أَهْلِ الْغَدْرِ، وَاسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْأَنْوَارِ، وَاقْتَسِمُوا مَوَارِيثَ الطَّاهِرَاتِ الْأَبْرَارِ، وَاحْتَقِبُوا ثِقْلَ الْأَوْزَارِ، بِغَصْبِهِمْ نِحْلَةً النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ. فَكَأَنِّي بِكُمْ تَتَرَدَّدُونَ فِي الْعَمَى كَمَا يَتَرَدَّدُ الْبَعِيرُ فِي اَلطَّاحُونَةِ.
أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أُذِنَ لِي بِمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، لَحَصَدْتُ رُءُوسَكُمْ عَنْ أَجْسَادِكُمْ كَحَبِّ الْحَصِيدِ بِقَوَاضِبَ مِنْ حَدِيدٍ، وَلَقَلَعْتُ مِنْ جَمَاجِمِ شُجْعَانِكُمْ مَا أَقْرَحُ بِهِ آمَاقَكُمْ، وَ أُوحِشُ بِهِ مَحَالَّكُمْ.
فَإِنِّي مُنْذُ عَرَفْتُمُونِي مُرْدِي الْعَسَاكِرِ، وَمُفْنِي الْجَحَافِلِ، وَ مُبِيدُ خَضْرَائِكُمْ، وَ مُحْمِدُ ضَوْضَائِكُمْ، وَجَزَّارُ الدَّوَّارِينَ إِذْ أَنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ
ص: 388
مُعْتَكِفُونَ، وَإِنِّي لَصَاحِبُكُمْ بِالْأَمْسِ، لَعَمْرُ أَبِي لَنْ تُحِبُّوا أَنْ تَكُونَ فِينَا الْخِلافَةُ وَالنُّبُوَّةُ وَأَنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَحْقَادَ بَدْرٍ وَثَارَاتِ أُحُدٍ.
أَمَا وَاللَّهِ لَوْ قُلْتُ مَا سَبَقَ مِنَ اللَّهِ فِيكُمْ لَتَدَاخَلَتْ أَضْلاعُكُمْ فِي أَجْوَافِكُمْ كَتَدَاخُلِ أَسْنَانِ دَوَارَةِ الرَّحَى، فَإِنْ نَطَقْتُ تَقُولُونَ حَسَدَ، وَ إِنْ سَكَتُ فَيُقَالُ: جَزِعَ اِبْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْمَوْتِ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ. أَنَا اَلسَّاعَةَ يُقَالُ لِي هَذَا، وَ أَنَا الْمَوْتُ الْمُمِيتُ، خَوَّاضُ الْمَنِيَّاتِ فِي جَوْفِ لَيْل خَامِدٍ، حَامِلُ السَّيْفَيْنِ الثَّقِيلَيْن، وَالرُّمْحَيْن الطَّوِيلَيْنِ، وَ مُكَسِّرُ الرَّايَاتِ فِي غُطَامِطِ الْغَمَرَاتِ، وَ مُفَرَّجُ الْكُرُبَاتِ عَنْ وَجْهِ خِيَرَةِ الْبَرِيَّاتِ، إِيهَنُوا فَوَ اللَّهِ لاَبْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطَّفْلِ إِلَى مَحَالِبِ أُمِّهِ، هَبِلَتْكُمُ الْهَوَابِلُ!.
لَوْ بُحْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكُمْ فِي كِتَابِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اِضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ، وَ لَخَرَجْتُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ هَارِبِينَ، وَ عَلَى وُجُوهِكُمْ هَائِمِينَ، وَ لَكِنِّي أُهَوِّنُ وَجْدِي حَتَّى أَلْقَى رَبِّي بِيَدِ جَذَّاءَ صَفْرَاءَ مِنْ لَذَّاتِكُمْ، خُلُواً مِنْ طَحَنَاتِكُمْ، فَمَا مَثَلُ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي إِلاَّ كَمَثَلِ غَيْمٍ عَلاَ فَاسْتَعْلَى، ثُمَّ اسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى ثُمَّ تَمَزَّقَ فَانْجَلَى.
ص: 389
رُوَيْداً فَعَنْ قَلِيلٍ يَنْجَلِي لَكُمُ الْقَسْطَلُ، فَتَجِدُونَ ثَمَرَ فِعْلِكُمْ مُرّاً أَمْ تَحْصُدُونَ غَرْسَ أَيْدِيكُمْ ذُعَافاً مُمَزَّقاً، وَ سَمّاً قاتلاً، وَكَفَى بِاللَّهِ حَكَماً، وَ بِرَسُولِ اللَّهِ خَصِيماً، وَ بِالْقِيَامَةِ مَوْقِفاً، وَلاَ أَبْعَدَ اللَّهُ فِيهَا سِوَاكُمْ، وَ لاَ أَتْعَسَ فِيهَا غَيْرَكُمْ، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى.
فَلَمَّا أَنْ قَرَأَ أَبُو بَكْرِ الْكِتَابَ رَعَبَ مِنْ ذَلِكَ رُعْباً شَدِيداً، وَ قَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَجْرَأَهُ عَلَيَّ وَ أَنْكَلَهُ عَنْ غَيْرِي.
مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ! تَعْلَمُونَ أَنِّي شَاوَرْتُكُمْ فِي ضِيَاع فَدَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُمْ: إِنَّ الْأَنْبِيَاء لاَ يُوَرَّثُونَ، وَإِنَّ هَذِهِ أَمْوَالَ يَجِبُ أَنْ تُضَافَ إِلَى مَالِ الْفَيْءِ، وَتُصْرَفَ فِي ثَمَنِ الْكُرَاع وَ السِّلاح وَأَبْوَابِ الْجِهَادِ وَ مَصَالِحِ الثُّغُورِ، فَأَمْضَيْنَا رَأْيَكُمْ وَ لَمْ يُمْضِهِ مَنْ يَدَّعِيهِ. وَهُوَ ذَا يُبْرِقُ وَعِيداً، وَيُرْعِدُ تَهْدِيداً، إيلاَءً بِحَقِّ نَبِيَّهِ أَنْ يَمْضَخَهَا دَماً دُعَافاً.
وَ اللَّهِ! لَقَدِ اسْتَقَلْتُ مِنْهَا فَلَمْ أُقَلْ، وَاسْتَعْزَلْتُهَا عَنْ نَفْسِي فَلَمْ أُعْزَلْ، كُلَّ ذَلِكَ اِحْتِرَازاً مِنْ كَرَاهِيَةِ ابْن أَبي طَالِبٍ، وَ هَرْباً مِنْ نِزَاعِهِ، وَ مَا لِي لابْنِ أَبِي طَالِبٍ! هَلْ نَازَعَهُ أَحَدٌ فَفَلَجَ عَلَيْهِ؟!.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إِلاَّ هَكَذَا، فَأَنْتَ ابْنُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِقْدَاماً فِي الْحُرُوبِ، وَ لاَ سَخِيّاً فِي الْجُدُوبِ، سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَهْلَعَ فُؤَادَكَ،
ص: 390
وَأَصْغَرَ نَفْسَكَ قَدْ صَفَّيْتُ لَكَ سِجَالاً لِتَشْرَبَهَا، فَأَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَظْماً كَظَمَائِكَ، وَ أَنَخْتُ لَكَ رِقَابَ الْعَرَبِ، وَ ثَبَّتُ لَكَ إِمَارَةَ أَهْلِ الْإِشَارَةِ وَ التَّدْبِيرِ، وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَكَانَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ قَدْ صَيَّرَ عِظَامَكَ رَمِيماً، فَاحْمَدِ اللَّهَ عَلَى مَا قَدْ وُهِبَ لَكَ مِنِّي، وَ أَشْكُرْهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَنْ رَقِي مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ كَانَ حَقِيقاً عَلَيْهِ أَنْ يُحْدِثَ لِلَّهِ شُكراً.
وَ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ الصَّخْرَةُ الصَّمَّاءُ الَّتِي لاَ يَنْفَجِرُ مَاؤُهَا إلاَّ بَعْدَ كَسْرِهَا، وَ الْحَيَّةُ الرَّقْشَاءُ الَّتِي لاَ تُجِيبُ إِلاَّ بِالرُّقَى وَالشَّجَرَةُ الْمُرَّةُ الَّتِي لَوْ طُلِيَتْ بِالْعَسَل لَمْ تَنْبُتُ إِلاَّ مُرّاً، قَتَلَ سَادَاتِ قُرَيْشٍ فَأَبَادَهُمْ، وَأَلْزَمَ آخِرَهُمُ الْعَارَ فَفَضَحَهُمْ. فَطِبْ نَفْساً، وَلاَ تَغُرَّنَّكَ صَوَاعِقُهُ، وَ لاَ تَهُولَنَّكَ رَوَاعِدُهُ، فَإِنِّي أَسْدُّ بَابَهُ قَبْلَ أَنْ يَسُدَّ بَابَكَ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَاشَدْتُكَ اللَّهَ يَا عُمَرُ لَمَّا تَرَكْتَنِي مِنْ أَغَالِيطِكَ وَ تَرْبِيدِكَ، فَوَ اللَّهِ لَوْ هَمَّ بِقَتْلِي وَ قَتْلِكَ لَقَتَلَنَا بِشِمَالِهِ دُونَ يَمِينِهِ، مَا يُنْجِينَا مِنْهُ إِلاَّ ثَلَاثُ خِصَالٍ: إِحْدَاهَا أَنَّهُ وَاحِدٌ لاَ نَاصِرَ لَهُ. وَ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَتَّبِعُ فِينَا وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ. وَ الثَّالِثَةُ: فَمَا مِنْ هَذِهِ الْقَبَائِل أَحَدُ إِلاَّ وَهُوَ يَتَخَضَّمُهُ كَتَخَصُّمِ ثَنِيَّةِ الْإِبِل أَوَانَ الرَّبِيع.
ص: 391
فَتَعْلَمُ لَوْ لَا ذَلِكَ لَرَجَعَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ وَ لَوْ كُنَّا لَهُ كَارِهِينَ، أَمَا إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ لِقَاءِ أَحَدِنَا الْمَوْتَ. أَنَسِيتَ لَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ فَرَرْنَا بِأَجْمَعِنَا وَصَعِدْنَا الْجَبَلَ، وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ مُلوكُ الْقَوْمِ وَ صَنَادِيدُهُمْ، مُوقِنِينَ بِقَتْلِهِ، لاَ يَجِدُ مَحِيصاً لِلْخُرُوجِ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ، فَلَمَّا أَنْ سَدَّدَ الْقَوْمُ رِمَاحَهُمْ، نَكَسَ نَفْسَهُ عَنْ دَابَّتِهِ حَتَّى جَاوَزَهُ طِعَانُ الْقَوْمِ، ثُمَّ قَامَ قَائِماً فِي رِكَابِهِ وَ قَدْ طَرَقَ عَنْ سَرْجِهِ وَ هُوَ يَقُولُ: يَا اللَّهُ يَا اَللَّهُ! يَا جِبْرِيلُ يَا جِبْرِيلُ! يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! النَّجَاةَ النَّجَاةَ!. ثُمَّ عَهِدَ إِلَى رَئِيسِ الْقَوْمِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَلَى رَأْسِهِ فَبَقِيَ عَلَى فَكٍّ وَ لِسَانِ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى صَاحِبِ الرَّايَةِ الْعُظْمَى فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَلَى جُمْجُمَتِهِ فَفَلَقَهَا، فَمَرَّ السَّيْفُ يَهْوِي فِي جَسَدِهِ فَبَرَاهُ وَ دَابَّتَهُ نِصْفَيْنِ.
فَلَمَّا أَنْ نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ إِنْجَفَلُوا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُهُمْ بِسَيْفِهِ مَسْحاً، حَتَّى تَرَكَهُمْ جَرَاثِيمَ خُمُوداً عَلَى تَلْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ يَتَمَرَّغُونَ فِي حَسَرَاتِ الْمَنَايَا، وَيَتَجَرَّعُونَ كُئُوسَ الْمَوْتِ، قَدِ اِخْتَطَفَ أَرْوَاحَهُمْ بِسَيْفِهِ، وَ نَحْنُ نَتَوَقَّعُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَ لَمْ نَكُنْ نَضْبِطُ أَنْفُسَنَا مِنْ مَخَافَتِهِ، حَتَّى ابْتَدَأْتَ أنتَ مِنْكَ إِلَيْهِ، فَكَانَ مِنْهُ إِلَيْكَ مَا تَعْلَمُ. وَ لَوْ لا أَنَّهُ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكُنَّا مِنَ وَلَوْ الْهَالِكِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ.
ص: 392
فَاتْرُكْ هَذَا الرَّجُلَ مَا تَرَكَكَ، وَ لاَ يَغُرَّنَّكَ قَوْلُ خَالِدٍ إِنَّهُ يَقْتُلُهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْسُرُ عَلَى ذَلِكَ، وَ إِنْ رَامَهُ كَانَ أَوَّلَ مَقْتُولِ بِيَدِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ مَنَافٍ، إِذَا هَاجُوا أُهِيبُوا، وَإِذَا غَضِبُوا أَذَمُوا، وَلَا سِيَّمَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّهُ بَابُهَا الْأَكْبَرُ وَ سَنَامُهَا الْأَطْوَلُ، وَهُمَامُهَا الْأَعْظَمُ، وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى(1).
وَ مِنْهُ أَيْضاً رَوَى الْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ قَالَ: كُنْتُ يَوْمَا مَعَ مَوْلَانَا أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلامإِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَغَيْرُهُمْ.
فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرِنَا شَيْئاً مِنْ مُعْجِزَاتِكَ الَّتِي خَصَّكَ اللَّهُ بِهَا.
فَقَالَ عليه السلام: مَا أَنْتُمْ ذَلِكَ وَ مَا سُؤَالُكُمْ عَمَّا لاَ تَرْضَوْنَ بِهِ وَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي وَ ارْتِفَاع مَكَانِي إِنِّي لاَ أُعَذِّبُ
ص: 393
أَحَداً مِنْ خَلْقِي إِلاَّ بِحُجَّةِ وَ بُرْهَانٍ وَ عِلْمٍ وَ بَيَانِ لِأَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَ كَتَبْتُ الرَّحْمَةَ عَلَي فَأَنَا الرَّاحِمُ الرَّحِيمُ وَأَنَا الْوَدُودُ الْعَلِيُّ وَ أَنَا الْمَنَّانُ الْعَظِيمُ وَ أَنَا الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ فَإِذَا أَرْسَلْتُ رَسُولاً أَعْطَيْتُهُ بُرْهَاناً وَ أَنْزَلْتُ عَلَيْهِ كِتَاباً فَمَنْ آمَنَ بِي وَ بِرَسُولِي فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ وَ مَنْ كَفَرَ بِي وَبِرَسُولِي فَأُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ الَّذِينَ اِسْتَحَقُوا عَذَابِي.
فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ تَوَكَّلْنَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: اللَّهُمَّ إِشْهَدْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَأَنَا الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ بمَا يَفْعَلُونَ.
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: قُومُوا عَلَى اِسْمِ اللَّهِ وَ بَرَكَاتِهِ.
قالَ: فَقُمْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى بِالْجَبَّانَةِ وَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِع ماءٌ.
قَالَ: فَنَظَرْنَا فَإِذَا رَوْضَةً خَضْرَاء ذَاتُ مَاءٍ وَإِذَا فِي الرَّوْضَةِ غُدْرَانُ وَفِي اَلْغُدْرَانِ حِيتَانُ فَقُلْنَا: وَ اللَّهِ إِنَّهَا لَدَلَالَةُ الْإِمَامَةِ فَأَرِنَا غَيْرَهَا يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَإِلاَّ قَدْ أَدْرَكْنَا بَعْضَ مَا أَرَدْنَا.
فَقَالَ عليه السلام: حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ الْعُلْيَا نَحْوَ الْجَبَّانَةِ فَإِذَا قُصُورُ كَثِيرَةُ مُكَلَّلَةُ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالْجَوَاهِرِ وَ أَبْوَابُهَا
ص: 394
مِنَ الزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ وَ إِذَا فِي الْقُصُورِ حُورٌ وَ غِلْمَانُ وَ أَنْهَارُ وَ أَشْجَارُ وَ طُيُورُ وَ نَبَاتُ كَثِيرَةُ.
فَبَقِينَا مُتَحَيَّرِينَ مُتَعَجِّبِينَ وَإِذَا وَصَائِفُ وَ جَوَارٍ وَ وِلْدَانُ وَغِلْمَانُ كَاللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدِ اشْتَدَّ شَوْقْنَا إِلَيْكَ وَإِلَى شِيعَتِكَ وَأَوْلِيَائِكَ فَأَوْمَا إِلَيْهِمْ بِالسُّكُوتِ.
ثُمَّ رَكَضَ الْأَرْضَ بِرِجْلِهِ فَانْفَلَقَتِ الْأَرْضُ عَنْ عَنْبَرِ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ فَارْتَقَى إِلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى نَبِيَّهصلى الله عليه و آله ثُمَّ قَالَ: غَمِّضُوا أَعْيُنَكُمْ فَعَمَّضْنَا أَعْيُنَنَا فَسَمِعْنَا حَفِيفَ أَجْنِحَةِ الْمَلاَئِكَةِ بِالتَّسْبِيحَ وَ التَّهْلِيل وَالتَّحْمِيدِ وَ التَّعْظِيمِ وَالتَّقْدِيسِ ثُمَّ قَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالُوا: مُرْنَا بِأَمْرِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ خَلِيفَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْكَ.
فَقَالَ عليه السلام: يَا مَلائِكَةَ رَبِّي اِيتُونِي السَّاعَةَ بِإِبْلِيسِ الْأَبَالِسَةِ وَ فِرْعَوْنِ الْفَرَاعِنَةِ. قَالَ: فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنِ حَتَّى أَحْضَرُوهُ عِنْدَهُ.
فَقَالَ عليه السلام: اِرْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ. قَالَ: فَرَفَعْنَا أَعْيُنَنَا وَنَحْنُ لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ شُعَاع نُورِ الْمَلَائِكَةِ. فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
ص: 395
اللَّهَ اللَّهَ فِى أَبْصَارِنَا فَمَا نَنْظُرُ شَيْئاً الْبَتَةَ. وَ سَمِعْنَا صَلْصَلَةَ السَّلاَسِلِ وَ اِصْطِكَاكَ الْأَغْلالِ وَ هَبَّتْ رِيحُ عَظِيمَةُ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ زِدِ الْمَلْعُونَ لَعْنَةً وَ ضَاعِفْ عَلَيْهِ الْعَذَابَ. فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ اللَّهَ فِي أَبْصَارِنَا وَ مَسَامِعِنَا فَوَ اللَّهِ مَا نَقْدِرُ عَلَى اِحْتِمَالِ هَذَا السِّرِّ وَالْقَدْرِ.
قَالَ: فَلَمَّا جَرُّوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَامَ وَ قَالَ: وَا وَيْلاهُ مِنْ ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ وَا وَيْلاة مِن اجْتِرَائِي عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: يَا سَيْدِي ارْحَمْنِي فَإِنِّي لاَ أَحْتَمِلُ هَذَا الْعَذَابَ.
فَقَالَ عليه السلام: لاَ رَحِمَكَ اللَّهُ وَ لاَ غَفَرَ لَكَ أَيُّهَا الرَّجْسُ النَّجْسُ الْخَبِيثُ الْمُخْبِتُ الشَّيْطَانُ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا وَ قَالَ: عليه السلام أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ هَذَا بِاسْمِهِ وَ جِسْمِهِ؟
قُلْنَا: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عليه السلام: سَلُوهُ حَتَّى يُخْبِرَكُمْ مَنْ هُوَ. فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟
فَقَالَ: أَنَا إِبْلِيسُ الْأَبَالِسَةِ وَ فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَنَا الَّذِي جَحَدْتُ سَیِّدِي وَ مَوْلاَيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ خَلِيفَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ أَنْكَرْتُ آيَاتِهِ وَ مُعْجِزَاتِه.
ص: 396
ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: يَا قَوْمٍ غَمِّضُوا أَعْيُنَكُمْ فَغَمَّضْنَا أَعْيُنَنَا فَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِكَلاَمٍ أَخْفَى فَإِذَا نَحْنُ فِي الْمَوْضِع الَّذِي كُنَّا فِيهِ لاَ قُصُورَ وَ لاَ مَاءَ وَ لاَ غُدْرَانَ وَلاَ أَشْجَارَ.
قَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ: وَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَا رَأَيْتُ مِنْ تِلْكَ الدَّلائِل وَ الْمُعْجِزَاتِ مَا تَفَرَّقَ الْقَوْمُ حَتَّى اِرْتَابُوا وَ شَكُوا وَ قَالَ بَعْضُهُمْ: سِحْرُ وَ كِهَانَةً وَإِفْكُ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: عليه السلام إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُعَاقَبُوا وَ لَمْ يُمْسَحُوا إِلاَّ بَعْدَ مَا سَأَلُوا الآيَاتِ وَ الدَّلالاتِ فَقَدْ حَلَّتْ عُقُوبَةُ اللَّهِ بهِمْ وَالآنَ حَلَّتْ لَعْنَةُ اللَّهِ فِيكُمْ وَعُقُوبَتُهُ عَلَيْكُمْ
قَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ إِنِّي أَيْقَنْتُ أَنَّ الْعُقُوبَةَ حَلَّتْ بِتَكْذِيبِهِمُ الدَّلالاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ(1).
ص: 397
وَ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلاَنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: إِنَّ لَنَا سِتْراً فِيمَا بَيْنَنَا، تَخَفَّفُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، فَشَمَرَتْ وُجُوهُنَا وَ قُلْنَا: مَا كَذَا كَانَ يَفْعَلُ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لَقَدْ كَانَ يَأْتَمِنُنَا عَلَى سِرِّهِ فَمَا لَكَ لَمَّا رَأَيْتَ فِتْيَانَ الْمُسْلِمِينَ تَسَرَّيْتَ بِفِتْيَانِ رَسُولِ اللَّهِ؟
فَقَالَ: لِلنَّاسِ أَسْرَارُ لاَ يُمْكِنُ إِعْلانُهَا فَقُمْنَا مُغْضَبِينَ.
وَ خَلاَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَلِيّاً، ثُمَّ قَامَا مِنْ مَجْلِسِهِمَا حَتَّى رَقِيَا مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله جَمِيعاً، فَقُلْنَا: اَللَّهُ أَكْبَرُ تَرَى ابْنَ حَنْتَمَةَ رَجَعَ عَنْ غَیِّهِ وَ طُغْيَانِهِ وَ رَقِي الْمِنْبَرَ مَعَ أَمِيرٍ الْمُؤْمِنِينَ، وَ قَدْ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَ رَأَيْنَا عُمَرَ يَرْتَعِدُ وَيَقُولُ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، ثُمَّ صَاحَ مِلْءَ صَوْتِهِ: يَا سَارِيَةُ الْجَ الْجَبَلَ. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَبَّلَ صَدْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَنَزَلاَ وَهُوَ
ص: 398
ضَاحِكَ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ لَهُ: افْعَلْ مَا زَعَمْتَ يَا عُمَرُ أَنَّكَ فَاعِلُهُ وَ أَنْ لاَ عَهْدَ لَكَ وَ لاَ وَفَاء.
فَقَالَ لَهُ: أَمْهِلْنِي يَا أَبَا الْحَسَنِ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَرِدُ إِلَيَّ مِنْ خَبَرِ سَارِيَةَ وَ هَلْ مَا رَأَيْتُهُ صَحِيحاً أَمْ لاَ.
قَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ فَإِذَا صَحَّ وَ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ عَلَيْكَ بِتَصْدِيقِ مَا رَأَيْتَ وَ مَا عَايَنْتَ، وَأَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا صَوْتَكَ وَ لَجَلُّوا إِلَى الْجَبَل كَمَا رَأَيْتَ هَلْ أَنْتَ مُسَلِّمُ مَا ضَمِنْتَ؟
قَالَ: لاَ يَا أَبَا الْحَسَنِ، وَ لَكِنِّي أُضِيفُ هَذَا إِلَى مَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله، وَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: وَيْلَكَ يَا عُمَرُ إِنَّ الَّذِي تَقُولُ أَنْتَ وَ حِزْبُكَ اَلضَّالُّونَ إِنَّهُ سِحْرُ وَ كِهَانَةُ لَيْسَ فِيكَ شَكُّ.
فَقَالَ: ذَلِكَ قَوْلُ قَدْ مَضَى وَالْأَمْرُ لَنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَ نَحْنُ أَوْلَى بِتَصْدِيقِكُمْ فِي أَفْعَالِكُمْ وَ مَا نَرَاهُ مِنْ عَجَائِبِكُمْ إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْمُلْكَ عَقِيمٌ.
فَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلاموَ لَقِينَاهُ فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذِهِ الآيَةُ الْعَظِيمَةُ؟ وَهَذَا الْخِطَابُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ؟
ص: 399
فَقَالَ عليه السلام: هَلْ عَلِمْتُمْ أَوَّلَهُ؟
فَقُلْنَا مَا عَلِمْنَاهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ نَعْلَمُهُ إِلاَّ مِنْكَ.
قَالَ: إِنَّ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِي: إِنَّهُ حَزينُ الْقَلْبِ بَاكِي الْعَيْنِ عَلَى جُيُوشِهِ الَّتِي فِي فُتُوحِ الْجَبَلِ فِي نَوَاحِي نَهَاوَنْدَ، وَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ صِحَّةَ أَخْبَارِهِمْ وَ كَيْفَ مَعَ كَثْرَةِ جُيُوشِ الْجَبَلِ وَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِي كَرِبٍ قُتِلَ وَ دُفِنَ بِنَهَاوَنْدَ، وَقَدْ ضَعُفَ جَيْشُهُ وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِقَتْل عَمْرٍو.
فَقُلْتُ لَهُ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ كَيْفَ تَزْعُمُ أَنَّكَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَرْضِ، وَ الْقَائِمُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله و أنتَ لاَ تَعْلَمُ مَا وَرَاء أُذُنِكَ وَ تَحْتَ قَدَمِكَ؟ وَ الْإِمَامُ يَرَى الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْءٌ؟
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا الْحَسَنِ أَنْتَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ فَأْتِ خَبَرَ سَارِيَةَ وَ أَيْنَ هُوَ؟ وَ مَنْ مَعَهُمْ؟ وَكَيْفَ صُوَرُهُمْ؟
فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكَ لاَ تُصَدِّقُنِي وَلَكِنِّي أُرِيكَ جَيْشَكَ وَأَصْحَابَكَ وَ سَارِيَةَ قَدْ كَمَنَ بِهِمْ جَيْشُ الْجَبَلِ فِي وَادٍ قَعِيدٍ
ص: 400
بَعِيدِ الْأَقْطَارِ كَثِيرِ الْأَشْجَارِ فَإِنْ سَارَ بِهِ جَيْشُكَ يَسِيراً خَلَصُوا بِهَا، وَإِلاَّ قُتِلَ أَوَّلُ جَيْشِكَ وَ آخِرُهُ.
فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا لَهُمْ مَلْجَأٌ مِنْهُمْ، وَ لاَ يَخْرُجُونَ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي، فَقُلْتُ: بَلَى لَوْ لَحِقُوا الْجَبَلَ الَّذِي يَلِي الْوَادِيَ سَلِمُوا وَ تَمَلَّكُوا جَيْشَ الْجَبَلِ فَقَلِقَ وَأَخَذَ بِيَدِي، وَ قَالَ: اللَّهَ اللَّهَ يَا أَبَا الْحَسَنِ فِي جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرِنِيهِمْ كَمَا ذَكَرْتَ أَوْ حَذِّرْهُمْ إِنْ قَدَرْتَ وَ لَكَ مَا تَشَاءُ مِنْ خَلْعِ نَفْسِي مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَ رَدِّهِ إِلَيْكَ.
فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ عَهْدَ اللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ إنْ رَقِيتُ بهِ الْمِنْبَرَ وَ كَشَفْتُ عَنْ بَصَرِهِ وَ أَرَيْتُهُ جُيُوشَهُ فِي الْوَادِي وَ أَنَّهُ يَصِيحُ إِلَيْهِم فَيَسْمَعُونَ مِنْهُ وَ يَلْجَأُونَ إِلَى الْجَبَلِ وَ يَظْفَرُونَ بِجَيْشِ اَلْجَبَلِ يَخْلَعُ نَفْسَهُ وَ يُسَلِّمُ إِلَيَّ حَقِّي.
فَقُلْتُ لَهُ: قُمْ يَا شَقِيُّ وَ اللَّهِ لاَ وَفَيْتَ بِهَذَا الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ كَمَا لَمْ تَفِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِي بِمَا أَخَذْنَاهُ عَلَيْكَ مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَ الْبَيْعَةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ، فَقَالَ لِي: بَلَى وَ اللَّهِ.
فَقُلْتُ لَهُ: سَتَعْلَمُ أَنَّكَ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَ رَقِيتُ الْمِنْبَرَ فَدَعَوْتُ بِدَعَوَاتٍ وَ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُرِيَهُ مَا قُلْتُ وَمَسَحْتُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَ
ص: 401
كَشَفْتُ عَنْهُ غِطَاءَهُ فَنَظَرَ إِلَى سَارِيَةَ وَ سَائِرِ الْجَيْشِ وَ جَيْشِ اَلْجَبَلِ وَ مَا بَقِيَ إِلاَّ الْهَزِيمَةُ لِجَيْشِهِ.
فَقُلْتُ لَهُ: صِحْ يَا عُمَرُ إِنْ شِئْتَ.
قَالَ: يُسْمَعُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، يُسْمَعُ وَيَبْلُغَ صَوْتُكَ إِلَيْهِمْ.
فَصَاحَ الصَّيْحَةَ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا: يَا سَارِيَةُ الْجَإِ الْجَبَلَ، فَسَمِعُوا صَوْتَهُ وَ لَجَأُوا إِلَى الْجَبَلِ فَسَلِمُوا وَ ظَفِرُوا بِجَيْشِ الْجَبَل فَنَزَلَ ضَاحِكاً كَمَا رَأَيْتُمُوهُ وَ خَاطَبْتُهُ وَ خَاطَبَنِي بِمَا سَمِعْتُمُوهُ.
قَالَ جَابِرٌ: آمَنَّا وَ صَدَّقْنَا وَ شَكَّ آخَرُونَ إِلَى وُرُودِ الْبَرِيدِ بِحِكَايَةِ مَا حَكَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَأَرَاهُ عُمَرَ وَ نَادَى بِصَوْتِهِ فَكَادَ أَكْثَرُ الْعَوَامِّ الْمُرْتَدِّينَ أَنْ يَعْبُدُوا ابْنَ الْخَطَّابِ وَجَعَلُوا هَذَا مَنْقَباً لَهُ وَ اللَّهِ مَا كَانَ إِلاَّ مُنْقَلِباً(1).
ص: 402
عَنِ الْمُظَفَّرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ، عَنْ عِيسَى بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْن عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ الْأَحْمَرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ أَبِيهِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَقَدْ بُويِعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَوَجَدْتُهُ مُطْرِقاً كَئِيباً، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَصَابَكَ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - مِنْ قَوْمِكَ؟.
فَقَالَ: صَبْرٌ جَمِيلٌ. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَ اللَّهِ إِنَّكَ لَصَبُورٌ؟
قَالَ: فَأَصْنَعُ مَا ذَا؟.
قُلْتُ: تَقُومُ فِي النَّاسِ وَ تَدْعُوهُمْ إِلَى نَفْسِكَ وَتُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ أَوْلَى بالنَّبِيِّصلى الله عليه و آله بِالْفَضْل والسَّابِقَةِ، وَتَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُتَظَاهِرِينَ عَلَيْكَ، فَإِنْ أَجَابَكَ عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ شَدَّدْتَ بِالْعَشَرَةِ عَلَى الْمِائَةِ، فَإِنْ دَانُوا لَكَ كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْتَ، وَإِنْ أَبَوْا قَاتِلْهُمْ، فَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ سُلْطَانُ اللَّهِ الَّذِي آتَاهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله وَ كُنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ، وَإِنْ قُتِلْتَ فِي طَلَبِهِ قُتِلْتَ إِن شَاءَ اللَّهُ شَهِيداً، وَ
ص: 403
كُنْتَ أَوْلَى بِالْعُذْرِ عِنْدَ اللَّهِ، لأَنَّكَ أَحَقُّ بِمِيرَاثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَتَرَاهُ يَا جُنْدَبُ كَانَ يُبَايِعُنِي عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ؟ فَقُلْتُ: أَرْجُو ذَلِكَ.
فَقَالَ: لَكِنِّي لاَ أَرْجُو، وَ لاَ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ اِثْنَانِ وَ سَأُخْبِرُكَ مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ، إِنَّمَا يَنْظُرُ اَلنَّاسُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَ إِنَّ قُرَيْشاً يَقُولُ إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلاً عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَ إِنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ هَذَا الْأَمْرِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِنَّهُمْ إِنْ وَلُوهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ هَذَا السُّلْطَانُ إِلَى أَحَدٍ أَبَداً، وَ مَتَى كَانَ فِي غَيْرِهِمْ تَدَاوَلُوهُ بَيْنَهُمْ، وَلاَ وَاللَّهِ لاَ تَدْفَعُ إِلَيْنَا هَذَا السُّلْطَانَ قُرَيْشٌ أَبَداً طَائِعِينَ.
فَقُلْتُ لَهُ: أ فَلاَ أَرْجِعُ فَأُخْبِرَ النَّاسَ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ، وَأَدْعُوهُمْ إِلَى نَصْرِكَ؟
فَقَالَ: يَا جُنْدَبُ! لَيْسَ ذَا زَمَانُ ذَاكَ.
قَالَ جُنْدَبٌ: فَرَجَعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَكُنْتُ كُلَّمَا ذَكَرْتُ مِنْ فَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام شَيْئاً زَبَرُونِي وَ
ص: 404
نَهَرُونِي حَتَّى رُفِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِي إِلَى الْوَلِيدِ بن عُقْبَةَ، فَبَعَثَ إِلَيَّ فَحَبَسَنِي حَتَّى كُلِّمَ فِي فَخَلَّى سَبِيلِي(1).
وَ ذَكَرَ فِيهِ، عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ ميرم قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ عَلِيٍّ عليه السلام، فَدَعَا اِبْنَهُ عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُثْمَانُ.
ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُسَمِّهِ بِاسْمِ عُثْمَانَ الشَّيْخِ الْكَافِرِ، إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ بِاسْمِ عُثْمَانَ بْن مَظْعُونٍ(2).
الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْن مُحَمَّدٍ عَنْ بِسْطَامَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ حَسَّانَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَبْدِيِّ
ص: 405
عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَليهِ السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ».
فَقَالَ: الْوَالِدَانِ اَللَّذَانِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا الشُّكْرَ هُمَا اللَّذَانِ وَلَدَا الْعِلْمَ وَ وَرَّثَا الْحُكْمَ وَأُمِرَ النَّاسُ بِطَاعَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ (إِلَي الْمَصِيرُ) فَمَصِيرُ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْوَالِدَان.
ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى ابْنِ حَنْتَمَةَ وَ صَاحِبِهِ فَقَالَ فِي الْخَاصِّ وَالْعَامِّ: (وَ إِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي) يَقُولُ فِي الْوَصِيَّةِ وَ تَعْدِلَ عَمَّنْ أُمِرْتَ بِطَاعَتِهِ فَلاٰ تُطِعْهُمٰا وَ لاَ تَسْمَعْ قَوْلَهُمَا.
ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: وَصَاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً يَقُولُ عَرِّفِ النَّاسَ فَضْلَهُمَا وَ أَدْعُ إِلَى سَبِيلِهِمَا وَذَلِكَ قَوْلُهُ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَقَالَ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ إِلَيْنَا فَاتَّقُوا اللَّهَ ولاَ تَعْصُوا الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ رِضَاهُمَا رِضَا اللَّهِ وَسَخَطَهُمَا سَخَطُ اللَّهِ(1).
ص: 406
رَوَوْا عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ عليه السلام فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، فَقَالَ لِي: مَا جَاءَ بِكَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟
قلْتُ: حُبُّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: اللَّهَ؟ قُلْتُ: اللَّهَ.
قَالَ: أَ لاَ أُحَدِّثُكَ بِأَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لَنَا وَ أَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً لِمَنْ أَحَبَّنَا؟
قُلْتُ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أما واللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ ظَنّاً.
وَ قَالَ: هَاتِ ظَنَّكَ.
قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ؟
قَالَ: أَدْنُ مِنِّي يَا أَعْوَرُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: إِبْرَأْ مِنْهُمَا.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى:
إنِّي لَأَتَوَهَّمُ تَوَهُّماً فَأَكْرَهُ أَنْ أَرْمِيَ بِهِ بَرِيئاً: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
فَقَالَ: إِي وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّهُمَا لَهُمَا ظَلَمَانِي حَقِّي وَ تغاصاني [نَغَّصَانِي] رِيقِي، وَ حَسَدَانِي، وَ آذَيَانِي، وَإِنَّهُ لَيُؤْذِي أَهْلَ
ص: 407
النَّارِ ضَجِيجُهُمَا وَ نَصْبُهُمَا وَ رَفْعُ أَصْوَاتِهِمَا وَتَعْيِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله إِيَّاهُمَا(1).
فِي كِتَابِ الْإِرْشَادِ لِكَيْفِيَّةِ الطَّلَبِ فِي أَئِمَّةِ الْعِبَادِ تَصْنِيفِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، قَالَ: وَ قَدْ كَفَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الْمَئُونَةَ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا، أَوْدَعَهَا مِنَ الْبَيَانِ وَ الْبُرْهَانِ مَا يُجْلِي الْغِشَاوَةَ عَنْ أَبْصَارِ مُتَأَمِّلِيهِ، وَ الْعَمَى عَنْ عُيُونِ مُتَدَبِّرِيهِ، وَ حَلَّيْنَا هَذَا الْكِتَابَ بِهَا لِيَزْدَادَ الْمُسْتَرْشِدُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ بَصِيرَةً، وَ هِي مِنَّةُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ يَجِبُ شُكْرُهَا.
خَطَبَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَنَا وَ لِقُرَيْشٍ! وَ مَا تُنْكِرُ مِنَّا قُرَيْشٌ غَيْرَ أَنَّا أَهْلُ بَيْتٍ شَيَّدَ اللَّهُ فَوْقَ بُنْيَانِهِمْ بُنْيَانَنَا، وَ أَعْلَى فَوْقَ رُءُوسِهِمْ رُءُوسَنَا، وَ اِخْتَارَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَنَقَمُوا عَلَى اللَّهِ أَن اِخْتَارَنَا عَلَيْهِمْ، وَ سَخِطُوا مَا رَضِيَ اللَّهُ، وَ أَحَبُّوا مَا كَرِهَ اللَّهُ، فَلَمَّا اخْتَارَنَا اللهُ عَلَيْهِمْ
ص: 408
شَرِكْنَاهُمْ فِي حَرِيمِنَا، وَ عَرَّفْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالنُّبُوَّةَ، وَ عَلَّمْنَاهُمُ الْفَرْضَ وَ الدِّينَ، وَحَفَّظْنَاهُمُ الصُّحُفَ وَ الزُّبُرَ، وَ دَيَّنَّاهُمُ الدِّينَ وَالْإِسْلاَمَ، فَوَثَبُوا عَلَيْنَا، وَ جَحَدُوا فَضْلَنَا، وَ مَنَعُونَا حَقَّنَا، وَ أَلَتُونَا أَسْبَابَ أَعْمَالِنَا وَأَعْلاَمِنَا.
اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ فَخُذْ لِي بِحَقِّي مِنْهَا، وَلاَ تَدَعْ مَظْلِمَتِي لَدَيْهَا، وَ طَالِبْهُمْ يَا رَبِّ بِحَقِّي، فَإِنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ، فَإِنَّ قُرَيْشاً صَغَّرَتْ عَظِيمَ أَمْرِي، وَاسْتَحَلَّتِ الْمَحَارِمَ مِنِّي، وَاسْتَخَفَّتْ بِعِرْضِي وَ عَشِيرَتِي، وَ قَهَرَتْنِي عَلَى مِيرَاثِي مِنِ ابْنِ عَمِّي وَأَغْرَوْا بِي أَعْدَائِي، وَ وَتَرُوا بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَرَبِ وَ الْعَجَمِ، وَ سَلَبُونِي مَا مَهَّدْتُ لِنَفْسِي مِنْ لَدُنْ صِبَايَ بِجُهْدِي وَ كَدِّي، وَمَنَعُونِي مَا خَلَّفَهُ أَخِي وَ جِسْمِي وَ شَقِيقِي.
وَ قَالُوا: إِنَّكَ لَحَرِيصٌ مُتَّهَمٌ! أَ لَيْسَ بِنَا اِهْتَدَوْا مِنْ مَتَاهِ الْكُفْرِ، وَ مِنْ عَمَى الضَّلاَلَةِ وَعِيِّ الظَّلْمَاءِ، أَ لَيْسَ أَنْقَذْتُهُمْ مِنَ الْفِتْنَةِ الصَّمَّاءِ، وَ الْمِحْنَةِ الْعَمْيَاءِ؟ وَيْلَهُمْ! أَ لَمْ أَخَلِّصْهُمْ مِنْ نِيرَانِ الطَّغَاةِ، وَكَرَّةِ الْعُتَاةِ، وَسُيُوفِ الْبُغَاةِ، وَوَطْأَةِ الْأَسَدِ، وَ مُقَارَعَةِ الطَّمَاطِمَةِ، وَ مُمَاحَكَةِ الْقَمَاقِمَةِ، الَّذِينَ كَانُوا عُجْمَ الْعَرَبِ، وَ غُنْمَ الْحُرُوبِ، وَقُطْبَ الْإِقْدَامِ، وَ جِبَالَ الْقِتَالِ، وَ سِهَامَ الْخُطُوبِ، وَسَلَّ السُّيُوفِ، أَ لَيْسَ بِي
ص: 409
كَانَ يَقْطَعُ الدُّرُوعَ الدَّلاَصَ، وَ تَصْطَلِمُ الرِّجَالَ الْحِرَاصَ، وَ بِي كَانَ يَفْرِي جَمَاجِمَ الْبُهَمَ، وَ هَامَ الْأَبْطَالِ، إِذَا فَزِعَتْ تَيْمٌ إِلَى الْفِرَارِ، وَ عَدِيٌّ إِلَى الاِنْتِكَاصِ؟!
أَمَا وَ إِنِّي لَوْ أَسْلَمْتُ قُرَيْشاً لِلْمَنَايَا وَ الْحُتُوفِ، وَتَرَكْتُهَا فَحَصَدَتْهَا سُيُوفُ الْغَوَانِمِ، وَوَطَأَتْهَا خُيُولُ الْأَعَاجِمِ، وَكَرَّاتُ الْأَعَادِي، وَ حَمَلاَتُ الْأَعَالِي، وَ طَحَنَتْهُمْ سَنَابِكُ الْصَافِنَاتِ، وَ حَوَافِرُ الصَّاهِلاَتِ، فِي مَوَاقِفِ الْأَزْلِ وَ الْهَزْلِ فِي ظِلاَلِ الْأَعِنَّةِ وَبَرِيقِ الْأَسِنَّةِ، مَا بَقُوا لِهَضْمِي، وَ لاَ عَاشُوا لِظُلْمِي، وَ لَمَا قَالُوا: إِنَّكَ لَحَرِيصُ مُتَّهَمٌ! الْيَوْمَ نَتَوَاقَفُ عَلَى حُدُودِ اَلْحَقِّ وَ الْبَاطِل.
اَللَّهُمَّ افْتَحْ بَيْنَنٰا وَبَيْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ، فَإِنِّي مَهَّدْتُ مِهَادَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله، وَ رَفَعْتُ أَعْلاَمَ دِينِكَ، وَأَعْلَنْتُ مَنَارَ رَسُولِكَ، فَوَثَبُوا عَلَيَّ وَ غَالَبُونِي وَ نَالُونِي وَ وَاتَرُونِي.
فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو حَازِمٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ظَلَمَاكَ؟ أَحَقَّكَ أَخَذَا؟ وَعَلَى الْبَاطِل مَضَيَا؟ أَ عَلَى حَقٍّ كَانَا؟ أَ عَلَى صَوَابٍ أَقَامَا؟ أَمْ مِيرَاثَكَ غَصَبَا؟ أَفْهِمْنَا لِنَعْلَمَ بَاطِلَهُمْ مِنْ حَقِّكَ؟ أَوْ نَعْلَمَ حَقَّهُمَا مِنْ حَقِّكَ؟ أَبَزَّاكَ أَمْرَكَ؟ أَمْ غَصَبَاكَ إِمَامَتَكَ؟ أَمْ غَالَبَاكَ
ص: 410
فِيهَا عَزّاً؟ أَمْ سَبَقَاكَ إِلَيْهَا عِجْلاً فَجَرَتِ الْفِتْنَةُ وَلَمْ تَسْتَطِعْ مِنْهَا استِقْلاَلاً؟! فَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارَ يَظُنَّانِ أَنَّهُمَا كَانَا عَلَى حَقٍّ وَ عَلَى الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ مَضَيَا.
فَقَالَ عليه السلام: يَا أَخَا الْيَمَنِ! لاَ بِحَقٍّ أَخَذَا، وَلاَ عَلَى إِصَابَةٍ أَقَامَا، وَلاَ عَلَى دِيْنٍ مَضَيَا، وَ لاَ عَلَى فِتْنَةٍ خَشِيَا، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، الْيَوْمَ نَتَوَاقَفُ عَلَى حُدُودِ اَلْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ! أَ تَعْلَمُونَ يَا إِخْوَانِي أَنَّ بَنِي يَعْقُوبَ عَلَى حَقٍّ وَ مَحَجَّةٍ كَانُوا حِينَ بَاعُوا أَخَاهُمْ، وَعَقُّوا أَبَاهُمْ، وَ خَانُوا خَالِقَهُمْ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ؟! فَقَالُوا: لاَ.
فَقَالَ عليه السلام: رَحِمَكُمُ اللَّهُ، أَ يَعْلَمُ إِخْوَانُكَ هَؤُلاَءِ أَنَّ ابْنَ آدَمَ - قَاتِلَ الْأَخِ - كَانَ عَلَى حَقٍّ وَ مَحَجَّةٍ وَ إِصَابَةٍ وَ أَمْرَهُ مِنْ رِضَى اللَّهِ؟.
فَقَالُوا: لاَ.
فَقَالَ عليه السلام: أَ وَ لَيْسَ كُلٌّ فَعَلَ بِصَاحِبِهِ مَا فَعَلَ لِحَسَدِهِ إِيَّاهُ وَ عُدْوَانِهِ وَ بَغْضَائِهِ لَهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ عليه السلام: وَكَذَلِكَ فَعَلاً بِي مَا فَعَلاَ حَسَداً، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَتُبْ عَلَى وُلْدِ يَعْقُوبَ إِلاَّ بَعْدَ اسْتِغْفَارٍ وَ تَوْبَةٍ، وَإِقْلاَعَ وَإِنَابَةٍ، وَإِقْرَارٍ، وَ لَوْ أَنَّ قُرَيْشاً تَابَتْ إِلَيَّ وَ اعْتَذَرَتْ مِنْ فِعْلِهَا لاَسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَهَا.
ص: 411
ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَيَانِ، وَأُفْصِحُ الْخَرْسَاءَ ذَاتَ الْبُرْهَانِ، لِأَنِّي فَتَحْتُ الْإِسْلاَمَ، وَ نَصَرْتُ الدِّينَ، وَعَزَزْتُ الرَّسُولَ، وَ ثَبَّتُّ أَرْكَانَ الْإِسْلاَمِ، وَ بَيَّنْتُ أَعْلاَمَهُ، وَ عَلَيْتُ مَنَارَهُ، وَأَعْلَنْتُ أَسْرَارَهُ، وَأَظْهَرْتُ آثَارَهُ وَ حَالَهُ، وَ صَفَّيْتُ الدَّوْلَةَ، وَوَطَّئْتُ لِلْمَاشِي وَ الرَّاكِبِ، ثُمَّ قُدْتُهَا صَافِيَةً، عَلَى أَنِّي بِهَا مُسْتَأْثِراً.
ثُمَّ قَالَ - بَعْدَ كَلاَمٍ -: ثُمَّ سَبَقَنِي إِلَيْهِ التَّيْمِيُّ وَ الْعَدَوِيُّ كَسُبَّاقِ اَلْفَرَسِ اِحْتِيَالاً وَاِغْتِيَالاً، وَخُدْعَةً وَ غَلَبَةً.
ثُمَّ قَالَ - بَعْدَ كَلاَمِ -: الْيَوْمَ أُنْطِقُ الْخَرْسَاءَ ذَاتَ الْبُرْهَانِ، وَأُفْصِحُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ شَارَطَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِنْ مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ، وَ صَافَقَنِي عَلَى أَنْ أَحَارِبَ لِلَّهِ وَ أَحَامِيَ لِلَّهِ، وَأَنْصُرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله جُهْدِي وَ طَاقَتِي وَ كَدْحِي، وَ كَدِّي، وَ أُحَامِيَ عَنْ حَرِيمِ الْإِسْلاَمِ، وَأَرْفَعَ عَنْ إِطْنَابِ الدِّينِ، وَ أُعِزَّ الْإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ، عَلَى أَنَّ مَا فَتَحْتُ وَ بَيَّنْتُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله وقَرَأْتُ فيهِ الْمَصَاحِفَ، وَ عُبدَ فِيهِ الرَّحْمَنُ، وَفُهِمَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَلِي إِمَامَتُهُ وَ حَلُّهُ وَ عَقْدُهُ، وَ إصْدَارُهُ وَ إِيرَادُهُ، وَلِفَاطِمَةَ فَدَكُ وَ مِمَّا خَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله اَلنِّصْفُ، فَسَبَقَانِي إِلَى جَمِيعٍ نِهَايَةَ الْمَيْدَانِ يَوْمَ الرِّهَانِ.
ص: 412
وَ مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُنْذُ رَأَيْتُهُ، هَلَكَ قَوْمٌ أُرْجِفُوا عَنِّي أَنَّهُ لَمْ يُوجِسْ مُوسَى فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ارْتِيَاباً وَ لاَ شَكّاً فِيمَا أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ لَمْ أَشْكُكْ فِيمَا أَتَانِي مِنْ حَقِّ اللَّهِ، وَ لاَ ارْتَبْتُ فِي إِمَامَتِي وَ خِلاَفَةِ اِبْنِ عَمِّي وَ وَصِيَّةِ الرَّسُولِ، وَ إِنَّمَا أَشْفَقَ أَخُو مُوسَى مِنْ غَلَبَةِ اَلْجُهَّالِ، وَ دُوَلِ الضُّلاَّلِ، وَ غَلَبَةِ الْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ، وَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَاطِمَةَ فَنَحَلَهَا فَدَكَ وَأَقَامَنِي لِلنَّاسِ عَلَماً وَ إِمَاماً، وَعَقَدَ لِي وَ عَهِدَ إِلَىَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَطِيعُوا اللَّهِ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَقَاتَلْتُ حَقَّ الْقِتَالِ، وَ صَبَرْتُ حَقَّ الصَّبْرِ، عَلَى أَنَّهُ أَعَزَّ تَيْماً وَ عَدِيّاً عَلَى دِيْنٍ أَتَتْ بِهِ تَيْمٌ وَ عَدِيٌّ، أَمْ عَلَى دِيْنٍ أَتَى بِهِ إِبْنُ عَمِّي وَ صِنْوِي وَ جِسْمِي، عَلَى أَنْ أَنْصُرَ تَيْماً وَ عَدِيّاً أَمْ أَنْصُرَ ابْنَ عَمِّي وَ حَقِّي وَدِينِي وَ إِمَامَتِي؟
وإِنَّمَا قُمْتُ تِلْكَ الْمَقَامَاتِ، وَ احْتَمَلْتُ تِلْكَ الشَّدَائِدَ، وَتَعَرَّضْتُ لِلْحُتُوفِ عَلَى أَنْ يُصِيبَنِي مِنَ الآخِرَةِ مُوَفَّراً، وَإِنِّي صَاحِبُ مُحَمَّدٍ وَ خَلِيفَتُهُ، وَإِمَامُ أُمَّتِهِ بَعْدَهُ، وَصَاحِبُ رَايَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ص: 413
الْيَوْمَ أَكْشِفُ السَّرِيرَةَ عَنْ حَقِّي، وَأُجْلِي الْقَذَى عَنْ ظُلاَمَتِي، حَتَّى يَظْهَرَ لِأَهْلِ اللُّبِّ وَالْمَعْرِفَةِ أَنِّي مُذَلَّلٌ مُضْطَهَدٌ مَظْلُومٌ مَغْصُوبٌ مَقْهُورٌ مَحْقُورٌ، وَ أَنَّهُمُ اِبْتَزُّوا حَقِّي، وَاسْتَأْثَرُوا بِمِيرَاثِي!.
الْيَوْمَ نَتَوَاقَفُ عَلَى حُدُودِ اَلْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، مَنِ اسْتَوْدَعَ خَائِناً فَقَدْ غَشَّ نَفْسَهُ، مَنِ اسْتَرْعَى ذِئْباً فَقَدْ ظَلَمَ، مَنْ وَلِيَ غَشُوماً فَقَدِ اضْطَهَدَ، هَذَا مَوْقِفُ صِدْقٍ، وَ مَقَامٌ أَنْطِقُ فِيهِ بِحَقِّي، وَأَكْشِفُ السِّتْرَ وَالْغُمَّةَ عَنْ ظُلاَمَتِي!
يَا مَعْشَرَ الْمُجَاهِدِينَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ! أَيْنَ كَانَتْ سِبْقَةُ تَيْمٍ وَ عَدِيٍّ إِلَى سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ؟!
أَلاَ كَانَتْ يَوْمَ الْأَبْوَاءِ إِذْ تَكَاثَفَتِ الصُّفُوفُ، وَتَكَاثَرَتِ الْحُتُوفُ، وَ تَقَارَعَتِ السُّيُوفُ؟
أَمْ هَلاَّ خَشِيَا فِتْنَةَ الْإِسْلاَمِ يَوْمَ ابْنِ عَبْدِ وُدّ وَ قَدْ نَفَخَ بِسَيْفِهِ، وَ شَمَخَ بِأَنْفِهِ، وَ طَمَحَ بِطَرْفِهِ؟!
وَ لِمَ لَمْ يُشْفِقَا عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ يَوْمَ بُوَاطَ إِذَا اسْوَدَّ لَوْنُ الْأُفُقِ، وَ اِعْوَجَّ عَظْمُ الْعُنُقِ، وَانْحَلَّ سَيْلُ الْغَرَقِ؟
وَ لَمْ يُشْفِقَا يَوْمَ رَضْوَى إِذِ السَّهَامُ تَطِيرُ، وَ الْمَنَايَا تَسِيرُ، وَالْأَسَدُ تَزْأَرُ؟
ص: 414
وَ هَلاَّ بَادَرَا يَوْمَ الْعُشَيْرَةِ إِذَا الْأَسْنَانُ تَصْطَكُّ، وَالآذَانُ تَسْتَكُّ، وَ الدُّرُوعُ تُهْتَكُ؟
وَهَلاَّ كَانَتْ مُبَادَرَتُهُمَا يَوْمَ بَدْرٍ، إِذِ الْأَرْوَاحُ فِي الصُّعَدَاءِ تَرْتَقِي، وَ الْجِيَادُ بِالْصَنَادِيدِ تَرْتَدِي، وَالْأَرْضُ مِنْ دِمَاءِ الْأَبْطَالِ تَرْتَوِي؟
وَ لِمَ لَمْ يُشْفِقَا عَلَى الدِّينِ يَوْمَ بَدْرِ الثَّانِيَةِ، وَ الرَّعَابِيبُ تَرْعَبُ، وَ وَلِمَ الْأَوْدَاجُ تَشْخُبُ، وَالصُّدُورُ تُخْضَبُ؟
أَمْ هَلاَّ بَادَرَا يَوْمَ ذَاتِ اللُّيُوثِ، وَقَدْ أُبِيحَ التَّوْلَبُ، وَاصْطَلَمَ الشَّوْقَبُ، وَاِدْلَهَمَّ الْكَوْكَبُ؟!
وَ لِمَ لاَ كَانَتْ شَفَقَتُهُمَا عَلَى الْإِسْلاَم يَوْمَ الْكَدِرِ، وَالْعُيُونُ تَدْمَعُ، وَ الْمَنِيَّةُ تَلْمَعُ، وَالصَّفَائِحُ تَنْزِعُ ثُمَّ عَدَّدَ وَقَائِعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله كُلَّهَا عَلَى هَذَا النَّسَقِ، وَ قَرَعَهُمَا بِأَنَّهُمَا فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ كُلِّهَا كَانَا مَعَ النَّظَّارَةِ وَ الْخَوَالِفِ وَ الْقَاعِدِينَ، فَكَيْفَ بَادَرَا الْفِتْنَةَ بِزَعْمِهِمَا يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَقَدْ تَوَطَّأَ الْإِسْلاَمُ بِسَيْفِهِ، وَ اسْتَقَرَّ قَرَارَهُ، وَ زَالَ حِذَارُهُ.
ثُمَّ قَالَ - بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ -: مَا هَذِهِ الدَّهْمَاءُ وَالدَّهْيَاءُ الَّتِي وَرَدَتْ عَلَيْنَا مِنْ قُرَيْشٍ؟! أَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ، وَأَبُو هَذِهِ الْمَوَاقِفِ، وَ ابْنُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ.
ص: 415
يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ! إِنِّي عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِي، وَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دِينِي، الْيَوْمَ أَنْطَقْتُ الْخَرْسَاءَ الْبَيَانَ، وَفَهَّمْتُ الْعَجْمَاءَ الْفَصَاحَةَ، وَ أَتَيْتُ الْعَمْيَاءَ بِالْبُرْهَانِ، هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّٰادِقِينَ صِدْقُهُمْ قَدْ تَوَافَقْنَا عَلَى حُدُودِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنَ الشُّبْهَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَ مِنَ الشَّكِّ إِلَى الْيَقِينِ، فَتَبَرَّءُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِمَّنْ نَكَثَ الْبَيْعَتَيْنِ، وَ غَلَبَ الْهَوَى بِهِ فَضَلَّ، وَأَبْعِدُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - مِمَّنْ - أَخْفَى اَلْغَدْرَ وَ طَلَبَ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ فَتَاهَ.
وَالْعَنُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - مَنِ انْهَزَمَ الْهَزِيمَتَيْنِ إِذْ يَقُولُ اللَّهُ: (إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفَاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاّٰ مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالِ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ)، وَ قَالَ: (وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضٰاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).
وَاِغْضِبُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - عَلَى مَنْ غَضَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَ تَبَرَّءُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - مِمَّنْ يَقُولُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله: يَرْتَفِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِيحٌ سَوْدَاءُ تَخْتَطِفُ مِنْ دُونِي قَوْماً مِنْ أَصْحَابِي مِنْ عُظَمَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَقُولُ: أَصَيْحَابِي. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ.
ص: 416
وَ تَبَرَّءُوا - رَحِمَكُمُ اللَّهُ - مِنَ النَّفْسِ الضَّالِّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ: يَوْمٌ لاٰ بَيْعٌ فِيهِ وَ لاٰ خِلاٰلٌ فَيَقُولُوا: (رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّٰنٰا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) وَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُولُوا (يَا حَسْرَتي عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ) أَوْ يَقُولُوا: وَ مَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ أَوْ يَقُولُوا: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ).
إنَّ قُرَيْشاً طَلَبَتِ السَّعَادَةَ فَشَقِيَتْ، وَ طَلَبَتِ النَّجَاةَ فَهَلَكَتْ، وَ طَلَبَتِ الْهِدَايَةَ فَضَلَّتْ. إِنَّ قُرَيْشاً قَدْ أَضَلَّتْ أَهْلَ دَهْرِهَا وَ مَنْ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهَا مِنَ الْقُرُونِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَضَعَ إِمَامَتِي فِي قُرْآنِهِ فَقَالَ: وَ الَّذِينَ يَبيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً، وَقَالَ: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(1).
ص: 417
1 - قَالَ سُلَيْمٌ وَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: كُنْتُ - أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَأَتَيْنَا عَلَى حَدِيقَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ قَالَ: مَا أَحْسَنَهَا وَ لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا ثُمَّ أَتَيْنَا عَلَى حَدِيقَةٍ أُخْرَى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ قَالَ: مَا أَحْسَنَهَا وَ لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى سَبْعِ حَدَائِقَ أَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَهَا وَيَقُولُ: لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا فَلَمَّا خَلاَ لَهُ الطَّرِيقُ اعْتَنَقَنِي ثُمَّ أَجْهَشَ بَاكِياً وَ قَالَ: بِأَبِي الْوَحِيدُ الشَّهِيدُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُبْكِيكَ؟
فَقَالَ: ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ أَقْوَامٍ لاَ يُبْدُونَهَا لَكَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِي أَحْقَادُ بَدْرٍ وَتِرَاتُ أُحُدٍ. قُلْتُ: فِي سَلاَمَةٍ مِنْ دَيْنِي؟ قَالَ: فِي سَلاَمَةٍ مِنْ دِينِكَ.
فَأَبْشِرْ يَا عَلِيُّ فَإِنَّ حَيَاتَكَ وَ مَوْتَكَ مَعِي وَأَنْتَ أَخِي وَأَنْتَ وَصِيِّي وَ أَنْتَ صَفِيِّي وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي وَ الْمُؤَدِّي عَنِّي وَأَنْتَ تَقْضِي دَيْنِي وَ تُنْجِزُ عِدَاتِي عَنِّي وَ أَنْتَ تُبْرِئُ ذِمَّتِي وَ تُؤَدِّي أَمَانَتِي وَ تُقَاتِلُ عَلَى سُنَّتِي النَّاكِثِينَ مِنْ أُمَّتِي وَ الْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ
ص: 418
هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَ لَكَ بِهَارُونَ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ إِذِ اسْتَضْعَفَهُ قَوْمُهُ وَكَادُوا يَقْتُلُونَهُ فَاصْبِرْ لِظُلْمٍ قُرَيْشٍ إِيَّاكَ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَ مَنْ تَبعَهُ وَ هُم بِمَنْزِلَةِ الْعِجْل ومَنْ تَبعَهُ.
وَ إِنَّ مُوسَى أَمَرَ هَارُونَ حِينَ اِسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِمْ إِنْ ضَلُّوا فَوَجَدَ أَعْوَاناً أَنْ يُجَاهِدَهُمْ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ وَيَحْقِنَ دَمَهُ وَلاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ يَا عَلِيُّ مَا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً إِلاَّ وَأَسْلَمَ مَعَهُ قَوْمٌ طَوْعاً وَ قَوْمٌ آخَرُونَ كَرْهاً فَسَلَّطَ اللَّهُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا كَرْهاً عَلَى الَّذِينَ أَسْلَمُوا طَوْعاً فَقَتَلُوهُمْ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِأُجُورِهِمْ.
يَا عَلِيُّ وَ إِنَّهُ مَا اِخْتَلَفَتْ أُمَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا إِلاَّ ظَهَرَ أَهْلُ بَاطِلِهَا عَلَى أَهْلِ حَقِّهَا وَ إِنَّ اللَّهَ قَضَى الْفُرْقَةَ وَالاِخْتِلاَفَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَوْ شَاءَ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى حَتَّى لاَ يَخْتَلِفَ اثْنَانِ مِنْ خَلْقِهِ وَلاَ يُتَنَازَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ وَ لاَ يَجْحَدَ الْمَفْضُولُ ذَا الْفَضْلِ فَضْلَهُ وَ لَوْ شَاءَ عَجَّلَ النَّقِمَةَ فَكَانَ مِنْهُ التَّغْيِيرُ حَتَّى يُكَذَّبَ الظَّالِمُ وَ يُعْلَمَ الْحَقُّ أَيْنَ مَصِيرُهُ وَ لَكِنْ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الْأَعْمَالِ وَ جَعَلَ الآخِرَةَ دَارَ الْقَرَارِ - لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُا بِمَا عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.
ص: 419
فَقُلْتُ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ شُكْراً عَلَى نَعْمَائِهِ وَ صَبْراً عَلَى بَلاَئِهِ وَ تَسْلِيماً وَ رِضًى بِقَضَائِهِ(1).
2 - تفسير الإمام عليه السلام: قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) قَالَ الْإِمَامُ عليه السلام: ... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: عليه السلام وَ قَدْ مَرَّ مَعَهُ بِحَدِيقَةٍ حَسَنَةٍ فَقَالَ عَلِيُّ عليه السلام: مَا أَحْسَنَهَا مِنْ حَدِيقَةٍ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا...
ثم قال: يَا عَلِيُّ إِنَّ أَصْحَابَ مُوسَى اِتَّخَذُوا بَعْدَهُ عِجْلاً فَخَالَفُوا خَلِيفَتَهُ وَ سَتَتَّخِذُ أُمَّتِي بَعْدِي عِجْلاً ثُمَّ عِجْلاً ثُمَّ عِجْلاً وَيُخَالِفُونَك وَأَنْتَ خَلِيفَتِي عَلَى هَؤُلاَءِ يُضَاهِئُونَ أُولَئِكَ فِي اِتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ أَلاَ فَمَنْ وَافَقَكَ وَأَطَاعَكَ فَهُوَ مَعَنَا فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَ مَنِ اتَّخَذَ بَعْدِيَ الْعِجْلَ وَخَالَفَكَ وَ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ زَمَانَ مُوسَى وَ لَمْ يَتُوبُوا فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ مُخَلَّدِينَ(2)
ص: 420
3 - أَبَانٌ عَنْ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ وَأَبَا ذَرٍّ وَالْمِقْدَادَ يَقُولُونَ: إِنَّا لَقُعُودٌ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَا مَعَنَا غَيْرُنَا إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كُلُّهُمْ بَدْرِيُّونَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي بَعْدِي ثَلاَثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ حَقٌّ لاَ يَشُوبُهُ شَيْءٌ مِنَ الْبَاطِلِ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ كُلَّمَا سَبَكْتَهُ عَلَى النَّارِ ازْدَادَ جَوْدَةً وَ طِيباً إِمَامُهُمْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ.
وَ فِرْقَةٌ أَهْلُ بَاطِلٍ لاَ يَشُوبُهُ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ خَبَثِ الْحَدِيدِ كُلَّمَا فَتَنْتَهُ بِالنَّارِ ازْدَادَ خَبَثاً وَ نَتْناً إِمَامُهُمْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ.
وَ فِرْقَةٌ أُخْرَى ضُلاَّلٌ مُذَبْذَبُونَ لا إلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ إمَامُهُمْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ.
فَسَأَلْتُهُمْ عَن الثَّلاَثَةِ فَقَالُوا: إِمَامُ الْحَقِّ وَالْهُدَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إِمَامُ الْمُذَبْذَبِينَ وَ حَرَصْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَمُّوا لِيَ اَلثَّالِثَ فَأَبَوْا عَلَيَّ وَ عَرَّضُوا لِي حَتَّى عَرَفْتُ مَنْ يَعْنُونَ بِهِ.
قَالَ سُلَيْمٌ فَحَدَّثْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالْكُوفَةِ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله
ص: 421
حِينَ رَأَى الثَّلاَثَةَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مُقْبِلِينَ قَالَ: تَفْتَرِقُ أُمَّتِي بَعْدِي ثَلاَثَ فِرَقِ فَسَمَّوْكَ وَ سَمَّوْا سَعْداً وَ الثَّالِثَ لَمْ يُسَمُّوا إِلاَّ بِالْمَعَارِيضِ حَتَّى عَلِمْتُ مَنْ عَنَوْا.
فَقَالَ عليه السلام: لاَ تَلُمْهُمْ يَا سُلَيْمَ فَإِنَّ الْأُمَّةَ قَدْ أُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمْ حُبَّهُ كَمَا أُشْرِبَتْ قُلُوبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ حُبَّ الْعِجْلِ.
يَا سُلَيْمُ أَ فِي شَكٍّ أَنْتَ فِيهِ مَنْ هُوَ؟
قَالَ قُلْتُ: بَلَى وَ لَكِنْ أُحِبُّ أَنْ تُسَمِّيَهُ لِي وَأَسْمَعَهُ مِنْكَ فَأَزْدَادَ يَقِيناً.
قَالَ: هُوَ عَتِيقٌ.
إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي عَرَّفَكُمُ اللَّهُ وَ مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ أَشَدُّ خُبْرِيَّةً مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَقَلُّ الْأُمَّةِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ وَ لَقَدْ مَاتَتْ أُمُّ أَيْمَنَ وَ إنَّهَا لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَا كَانَتْ تَعْرِفُ مَا عَرَّفَكَ اللَّهُ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَخُذْ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَ خَصَّكَ بِهِ بِشُكْرٍ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا اَلْبَرَّ وَ اَلْفَاجِرَ وَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ إِنَّمَا يُعْطِيهِ اللَّهُ صَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ إِنَّ أَمْرَنَا لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْخَلْقِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيُّ مُرْسَلٌ
ص: 422
أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ يَا سُلَيْمُ إِنَّ مِلاَكَ هَذَا الْأَمْرِ الْوَرَعُ لأَنَّهُ لاَ يُنَالُ وَلاَ يَتُنَا إِلاَّ بِالْوَرَع(1).
4 - قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحَرِيشِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ:
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي الْمَسْجِدِ وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ بِصَوْتٍ عَالِ: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ).
فَقَالَ لَهُ: إِبْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، لِمَ قُلْتَ مَا قُلْتَ؟
قَالَ: قَرَأْتُ شَيْئاً مِنَ الْقُرْآنِ.
قَالَ: لَقَدْ قُلْتَهُ لِأَمْرٍ.
قَالَ: نَعَمْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، أَ فَتَشْهَدُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ اِسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ؟
ص: 423
قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَوْصَى إِلاَّ إِلَيْكَ.
قَالَ: فَهَلاَّ بَايَعْتَنِي؟
قَالَ: اِجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكُنْتُ مِنْهُمْ.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: كَمَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِجْلِ عَلَى الْعِجْلٍ، هَاهُنَا فُتِنْتُمْ، وَ مَثَلُكُمْ: (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ) (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)(1)
5 - وَ عَنْ سُلَيْم بْن قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً عليه السلام - بَعْدَ مَا قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مَا قَالَ وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ دَفَعَ الْكَتِفَ -: أَلاَ نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ عَنِ الَّذِي كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْكَتِفِ مِمَّا لَوْ كَتَبَهُ لَمْ يَضِلَّ أَحَدٌ وَ لَمْ يَخْتَلِفْ إِثْنَانِ فَسَكَتُّ حَتَّى إِذَا قَامَ مَنْ فِي الْبَيْتِ وَبَقِيَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَذَهَبْنَا نَقُومُ أَنَا وَصَاحِبِي أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ، قَالَ لَنَا عَلِيٌّ عليه السلام: اِجْلِسُوا. فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وَ نَحْنُ نَسْمَعُ، فَابْتَدَأَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله
ص: 424
علیه و آله فَقَالَ: يَا أَخِي، أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ أَتَانِي جَبْرَئِيلُ قَبْلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَامِرِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّ صَاحِبَهُ عِجْلُهَا، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى الْفُرْقَةَ وَالْاخْتِلاَفَ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، فَأَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ الَّذِي أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَهُ فِي الْكَتِفِ لَكَ، وَأُشْهِدَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ عَلَيْهِ، أَدْعُ لِي بِصَحِيفَةٍ. فَأَتَى بِهَا. فَأَمْلَى عَلَيْهِ أَسْمَاءَ الْأَئِمَةِ الْهُدَاةِ مِنْ بَعْدِهِ رَجُلاً رَجُلاً وَ عَلِيٌّ عليه السلام يَخُطُّهُ بِيَدِهِ. وَقَالَ صلى الله عليه و آله: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنَّ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَيْنُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ.
ثُمَّ لَمْ أَحْفَظْ مِنْهُمْ غَيْرَ رَجُلَيْنِ عَلِيٍّ وَ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ اشْتَبَهَ الآخَرُونَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ صِفَةَ الْمَهْدِيِّ وَ عَدْلَهُ وَ عَمَلَهُ وَ أَنَّ اللَّهَ يَمْلَأُ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً.
ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ هَذَا ثُمَّ أَخْرُجَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَدْعُوَ الْعَامَّةَ فَأَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ وَأُشْهِدَهُمْ عَلَيْهِ. فَأَبَى اللَّهُ وَ قَضَى مَا أَرَادَ.
ص: 425
ثُمَّ قَالَ سُلَيْمٌ: فَلَقِيتُ أَبَا ذَرِّ وَ الْمِقْدَادَ فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ فَحَدَّثَانِي. ثُمَّ لَقِيتُ عَلِيّاً عليه السلام بِالْكُوفَةِ وَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عليهما السلام فَحَدَّثَانِي بِهِ سِرّاً مَا زَادُوا وَ لاَ نَقَصُوا كَأَنَّمَا يَنْطِقُونَ بِلِسَانِ وَاحِدٍ(1).
1 - قَالَ أَبَانٌ: قَالَ سُلَيْمٌ وَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَقُولُ:
إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً اِثْنَتَانِ وَ سَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ وَ فِرْقَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ فِرْقَةً مِنَ الثَّلاَثِ وَ السَّبْعِينَ تَنْتَحِلُ مَحَبَّتَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَاحِدَةُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ فِي النَّارِ.
وَأَمَّا الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ الْمَهْدِيَّةُ المؤملة الْمُؤْمِنَةُ الْمُسْلِمَةُ الْمُوَافِقَةُ الْمُرْشَدَةُ فَهِيَ الْمُؤْتَمِنَةُ بِي الْمُسَلِّمَةُ لِأَمْرِي الْمُطِيعَةُ لِي الْمُتَبَرِّئَةُ مِنْ عَدُوِّي اَلْمُحِبَّةُ لِي وَ الْمُبْغِضَةُ لِعَدُوّي الَّتِي قَدْ عَرَفَتْ حَقِّي وَإِمَامَتِي وَ فَرْضَ طَاعَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ فَلَمْ تَرْتَدَّ وَ لَمْ تَشُكٍّ لِمَا قَدْ
ص: 426
نَوَّرَ اللَّهُ فِي قَلْبِهَا مِنْ مَعْرِفَةِ حَقِّنَا وَعَرَّفَهَا مِنْ فَضْلِهَا وَأَلْهَمَهَا وَ أَخَذَهَا بِنَوَاصِيهَا فَأَدْخَلَهَا فِي شِيعَتِنَا حَتَّى اِطْمَأَنَّتْ قُلُوبُها وَ اسْتَيْقَنَتْ يَقِيناً لاَيُخَالِطُهُ شَكٌّ أَنِّي أَنَا وَ أَوْصِيَائِي بَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ هُدَاةٌ مُهْتَدُونَ الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ نَبِيِّهِ فِي آيٍ مِنَ اَلْكِتَابِ كَثِيرَةٍ وَ طَهَّرَنَا وَ عَصَمَنَا وَ جَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِهِ وَحُجَّتَهُ فِي أَرْضِهِ وَ خُزَّانَهُ عَلَى عِلْمِهِ وَ مَعَادِنَ حُكْمِهِ وَ تَرَاجِمَةَ وَحْيِهِ وَ جَعَلَنَا مَعَ الْقُرْآنِ وَ الْقُرْآنَ مَعَنَا لاَ نُفَارِقُهُ وَ لاَ يُفَارِقُنَا حَتَّى نَرِدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حَوْضَهُ كَمَا قَالَ.
وَ تِلْكَ الْفِرْقَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الثَّلاَثِ وَ السَّبْعِينَ فِرْقَةً هِيَ النَّاجِيَةُ مِنَ اَلنَّارِ وَ مِنْ جَمِيعِ الْفِتَنِ وَ الضَّلَالاَتِ وَالشُّبُهَاتِ هُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ حَقَّاً وَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ... بِغَيْرِ حِسَابٍ.
وَ جَمِيعُ تِلْكَ الْفِرَقِ الاِثْنَتَيْنِ وَ السَّبْعِينَ هُمُ الْمُتَدَيِّنُونَ بِغَيْر الْحَقِّ اَلنَّاصِرُونَ لِدِينِ الشَّيْطَانِ الآخِذُونَ عَنْ إِبْلِيسَ وَ أَوْلِيَائِهِ هُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَعْدَاءُ رَسُولِهِ وَ أَعْدَاءُ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ بُرَآءُ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ نَسُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ وَ كَفَرُوا بِهِ وَعَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
ص: 427
صُنْعاً يَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ الله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ... فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ.
قَالَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ رَأَيْتَ مَنْ قَدْ وَقَفَ فَلَمْ يَأْتَمَّ بِكُمْ وَ لَمْ يُعَادِكُمْ وَ لَمْ يَنْصِبْ لَكُمْ وَ لَمْ يَتَعَصَّبْ وَ لَمْ يَتَوَلَّكُمْ وَ لَمْ يَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ قَالَ: لاَ أَدْرِي وَ هُوَ صَادِقٌ.
قَالَ عليه السلام: لَيْسَ أُولَئِكَ مِنَ الثَّلاَثِ وَالسَّبْعِينَ فِرْقَةً إِنَّمَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بِالثَّلاَثِ وَ السَّبْعِينَ فِرْقَةً الْبَاغِينَ النَّاصِبِينَ الَّذِينَ قَدْ شَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ دَعَوْا إِلَى دِينِهِمْ فَفِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهَا تَدِينُ بِدِينِ الرَّحْمَنِ وَاِثْنَتَانِ وَ سَبْعُونَ تَدِينُ بِدِينِ الشَّيْطَانِ وَ تَتَوَلَّى عَلَى قَبُولِهَا وَ تَتَبَرَّأُ مِمَّنْ خَالَفَهَا.
فَأَمَّا مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ وَ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَلَمْ يَعْرِفْ وَلاَ يَتَنَا وَلاَ ضَلاَلَةَ عَدُوِّنَا وَ لَمْ يَنْصِبْ شَيْئاً وَ لَمْ يُحِلَّ وَلَمْ يُحَرِّمْ وَ أَخَذَ بِجَمِيعِ مَا لَيْسَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنَ الْأُمَّةِ فِيهِ خِلاَفٌ فِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ بِهِ وَ كَفَّ عَمَّا بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنَ الْأُمَّةِ [فِيهِ] خِلاَفٌ فِي أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ فَلَمْ يَنْصِبْ شَيْئاً وَ لَمْ يُحَلِّلْ وَ لَمْ يُحَرِّمْ وَ لاَ يَعْلَمُ وَ رَدَّ عِلْمَ مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ إِلَى اللَّهِ، فَهَذَا نَاجٍ وَ هَذِهِ
ص: 428
الطَّبَقَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ وَأَجَلُّهُمْ وَهُمْ أَصْحَابُ الْحِسَابِ وَ الْمَوَازِينِ وَ الْأَعْرَافِ وَالْجَهَنَّمِيُّونَ الَّذِينَ يَشْفَعُ لَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلائِكَةُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ فَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَنْجُونَ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ حِسَابٍ [أَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَيَدْخُلُونَ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
وَإِنَّمَا الْحِسَابُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [وَ الْمُقْتَرِفَةِ] وَ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئَاً وَ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَلاَ يُحْسِنُونَ أَنْ يَنْصِبُوا - وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً إِلَى أَنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ عَارِفِينَ فَهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَ هَؤُلاَءِ لِلَّهِ فِيهِمُ الْمَشِيئَةُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إنْ يُدْخِلْ أَحَداً مِنْهُمُ النَّارَ فَبِذَنْبِهِ وَ إِنْ تَجَاوَزَ عَنْهُ فَبِرَحْمَتِهِ.
فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ أَ يَدْخُلُ النَّارَ الْمُؤْمِنُ الْعَارِفُ الدَّاعِي؟
قالَ عليه السلام: لاَ.
قُلْتُ: أَ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَعْرفُ إِمَامَهُ؟
قالَ عليه السلام: لاَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.
قُلْتُ: أَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ أَوْ مُشْرِكٌ؟
ص: 429
قَالَ عليه السلام: لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِلاَّ كَافِرٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاء اَللهُ.
قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ فَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُؤْمِناً عَارِفاً بِإِمَامِهِ مُطِيعاً لَهُ أَ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ هُوَ؟
قَالَ: نَعَمْ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ... الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ... الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ.
قُلْتُ: فَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ مِنْهُمْ عَلَى الْكَبَائِرِ؟
قَالَ: هُوَ فِي مَشِيَّتِهِ إِنْ عَذَّبَهُ فَبِذَنْبِهِ وَ إِنْ تَجَاوَزَ عَنْهُ فَبِرَحْمَتِهِ.
قُلْتُ: فَيُدْخِلُهُ النَّارَ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ؟
قَالَ: نَعَمْ. بِذَنْبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ أَنَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ أَنَّهُ لَهُمْ وَلِيُّ وَ أَنَّهُ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَالَّذِينَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ.
قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا الْإِيمَانُ وَ مَا الْإِسْلاَمُ؟
ص: 430
قَالَ: أَمَّا الْإِيمَانُ فَالْإِقْرَارُ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْإِسْلاَمُ فَمَا أَقْرَرْتَ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ وَ الطَّاعَةُ لَهُمْ. قُلْتُ: الْإِيمَانُ الْإِقْرَارُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ؟
قَالَ: مَنْ عَرَّفَهُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ نَبِيَّهُ وَ إِمَامَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِطَاعَتِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ.
قُلْتُ: الْمَعْرِفَةُ مِنَ اللَّهِ وَالْإِقْرَارُ مِنَ الْعَبْدِ؟
قَالَ: الْمَعْرِفَةُ مِنَ اللَّهِ دُعَاءٌ وَ حُجَّةٌ وَ مِنَةٌ وَنِعْمَةٌ وَالإقْرَارُ مِنَ اللَّهِ قَبُولُ الْعَبْدِ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَالْمَعْرِفَةُ صُنْعُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَلْبِ وَالْإقْرَارُ فَعَالُ الْقَلْبِ مِنَ اللَّهِ وَ عِصْمَتُهُ وَ رَحْمَتُهُ فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ عَارِفاً فَلاَ حُجَّةَ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ وَ يَكُفَّ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ فَلاَ يُعَذِّبُهُ اللَّهُ عَلَى جَهْلِهِ فَإِنَّمَا يَحْمَدُهُ عَلَى عَمَلِهِ بِالطَّاعَةِ وَ يُعَذِّبُهُ عَلَى عَمَلِهِ بِالْمَعْصِيَةِ وَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُطِيعَ وَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْصِيَ وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْرِفَ وَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجْهَلَ هَذَا مُحَالٌ لاَ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِقَضَاءٍ مِنَ اللَّهِ وَ قَدَرِهِ وَ عِلْمِهِ وَ كِتَابِهِ بِغَيْرِ جَبْرِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مَجْبُورِينَ كَانُوا مَعْذُورِينَ وَ غَيْرَ مَحْمُودِينَ وَ مَنْ جَهِلَ وَسِعَهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْنَا مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ وَ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى النِّعْمَةِ وَاسْتَغْفَرَهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَأَحَبَّ الْمُطِيعِينَ وَحَمِدَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَأَبْغَضَ الْعَاصِينَ وَذَمَّهُمْ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ إِذَا رَدَّ عِلْمَهُ إِلَيْنَا... يُحَاسَبُونَ مِنْهُمْ مَنْ يُغْفَرُ
ص: 431
لَهُ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِالْإِقْرَارِ وَ التَّوْحِيدِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يُعَذِّبُ فِي النَّارِ ثُمَّ يَشْفَعُ لَهُ الْمَلائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ وَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمَّوْنَ فِيهَا الجهنميون الْجَهَنَّمِيِّينَ مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْإِقْرَارِ وَ لَيْسَتِ الْمَوَازِينُ وَ الْحِسَابُ إِلاَّ عَلَيْهِمْ لأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْعَارِفِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَ الْحُجَّةِ فِي أَرْضِهِ وَ شُهَدَاءَهُ عَلَى خَلْقِهِ اَلْمُقِرِّينَ لَهُمُ الْمُطِيعِينَ لَهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَالْمُعَانِدِينَ لَهُمُ الْمُنْذِرِينَ الْمُكَابِرِينَ الْمُنَاصِينَ أَعْدَاءَ اللَّهِ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَ أَمَّا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ فَهُمْ جُلُّ النَّاسِ وَ هُمْ أَصْحَابُ الْمَوَازِينِ وَ الْحِسَابِ وَالشَّفَاعَةِ.
قَالَ قُلْتُ: فَرَّجْتَ عَنِّي وَ أَوْضَحْتَ لِي وَ شَفَيْتَ صَدْرِي فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي لَكَ وَلِيّاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ.
قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَىَّ فَقَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ شَيْئاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَلَّمَهُ سَلْمَانَ وَأَبَا ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادَ؟
قُلْتُ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
ص: 432
قَالَ: قُلْ كُلَّمَا أَصْبَحْتَ وَ أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ ابْعَثْنِي عَلَى الْإِيمَانِ بِكَ وَ التَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِكَ وَ الْوَلاَيَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الاِيتِمَام بِالْأَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُ بِذَلِكَ يَا رَبِّ عَشْرَ مَرَّاتٍ.
قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ حَدَّثَنِي بِذَاكَ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرِّ وَ الْمِقْدَادُ فَلَمْ أَدَعْ ذَلِكَ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنْهُمْ قَالَ لاَ تَدَعْهُ مَا بَقِيتَ(1).
2 - رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: ...
وَ تَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلاَثٍ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً اِثْنَتَانِ وَ سَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ وَ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَ هِيَ الَّتِي اتَّبَعَتْ وَصِيَّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ فِرْقَةً مِنَ الثَّلاَثِ وَ سَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا تَنْتَحِلُ مَوَدَّتِي وَ حُبِّي وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ وَ هُمُ النَّمَطُ الْأَوْسَطُ وَاِثْنَتَا عَشْرَةَ فِي النَّارِ.(2)
ص: 433
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ اَلْيَمَانِيِّ عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ كِتَابُ سُلَيْم بْن قَيْسٍ، قَالَ: أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام رَجُلُ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَأَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ كَافِرًاً وَأَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ ضَالاًّ؟
قَالَ: سَأَلْتَ فَاسْمَعِ الْجَوَابَ. أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ مُؤْمِناً أَنْ يُعَرِّفَهُ اللَّهُ نَفْسَهُ فَيُقِرَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَأَنْ يُعَرِّفَهُ نَبيَّهُ فَيُقِرَّ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَ بِالْبَلاَغَةِ وَ أَنْ يُعَرِّفَهُ حُجَّتَهُ فِي أَرْضِهِ وَ شَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ فَيُقِرَّ لَهُ بالطَّاعَةِ.
قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنْ جَهِلَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ مَا وَصَفْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ إِذَا أُمِرَ أَطَاعَ وَإِذَا نُهِيَ إِنْتَهَى. وَ أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ كَافِراً أَنْ يَتَدَيَّنَ بِشَيْءٍ فَيَزْعُمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِهِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ يَنْصِبَهُ فَيَتَبَرَّأَ وَ يَتَوَلَّى وَ يَزْعُمَ أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ.
ص: 434
وَأَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ ضَالاًّ أَنْ لاَ يَعْرِفَ حُجَّةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ شَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ وَ فَرَضَ وَلاَيَتَهُ. قَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ سَمِّهِمْ لِي.
قَالَ: الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ نَبِيِّهِ فَقَالَ: أَطِيعُوا اللَّهِ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. قَالَ: أَوْضِحْهُمْ لِي.
قَالَ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا ثُمَّ قُبِضَ مِنْ يَوْمِهِ:
«إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ إِصْبَعَيَّ فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لاَ تَضِلُّوا وَ لاَ تَقَدَّمُوهُمْ فَتَهْلِكُوا وَ لاَ تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَتَفَرَّقُوا وَ لاَ تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ(1)».
ص: 435
1 - أَبَانٌ عَنْ سُلَيْمٍ وَ زَعَمَ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ دَعَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَ نَحْنُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِصِفِّينَ وَ دَعَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُمَا: إِنْطَلِقَا إِلَى عَلِيٍّ فَأَقْرِءَاهُ مِنِّي السَّلاَمَ وَقُولاَ لَهُ:
وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ أَوْلَى النَّاسِ بِالْخِلاَفَةِ وَأَحَقُّ بِهَا مِنِّي لِأَنَّكَ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَ أَنَا مِنَ الطُّلَقَاءِ وَ لَيْسَ لِي مِثْلُ سَابِقَتِكَ فِي الْإِسْلاَمِ وَ قَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ عِلْمِكَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلاَمُ وَ لَقَدْ بَايَعَكَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ بَعْدَ مَا تَشَاوَرُوا قَبْلَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَتَوْكَ فَبَايَعُوكَ طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ وَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَكَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ ثُمَّ نَكَثَا بَيْعَتَكَ ظُلْماً وَ طَلَبَا مَا لَيْسَ لَهُمَا وَ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَعْتَذِرُ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ وَ تَتَبَرَّأَ مِنْ دَمِهِ وَ تَزْعُمُ أَنَّهُ قُتِلَ وَ أَنْتَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِكَ وَ أَنَّكَ قَدْ قُلْتَ حِينَ قُتِلَ اللَّهُمَّ لَمْ أَرْضَ وَ لَمْ أَمَالِئْ وَ قُلْتَ لَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ حِينَ نَادَوْا يَا لَثَارَاتِ
ص: 436
عُثْمَانَ قُلْتَ كُبَّتْ قَتَلَهُ عُثْمَانَ الْيَوْمَ لِوَجْهِهِمْ إِلَى النَّارِ أَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ إنَّمَا قَتَلَهُ هُمَا وَصَاحِبَتُهُمَا وَ أَمَرُوا بِقَتْلِهِ وَأَنَا قَاعِدٌ فِي بَيْتِي وَأَنَا ابْنُ عَمِّ عُثْمَانَ وَ الْمُطَالِبُ بِدَمِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتَ فَأَمْكِنَّا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَادْفَعْهُمْ إِلَيْنَا نَقْتُلْهُمْ بِابْنِ عَمِّنَا وَ نُبَايِعْكَ وَ نُسَلِّمْ إِلَيْكَ الْأَمْرَ هَذِهِ وَاحِدَةٌ وَ أَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ أَنْبَأَتْنِي عُيُونِي وَ أَتَتْنِي الْكُتُبُ عَنْ أَوْلِيَاءِ عُثْمَانَ مِمَّنْ هُوَ مَعَكَ يُقَاتِلُ وَتَحْسَبُ أَنَّهُ عَلَى رَأْيِكَ وَ رَاضٍ بِأَمْرِكَ وَ هَوَاهُ مَعَنَا وَ قَلْبُهُ عِنْدَنَا وَ جَسَدُهُ مَعَكَ وأَنَّكَ تُظْهِرُ وَلاَيَةَ أَبِي بَكْرِ وَ عُمَرَ وَ تَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمَا وَ تَكُفُّ عَنْ عُثْمَانَ وَلاَ تَذْكُرُهُ وَ لاَ تَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَ لَا تَلْعَنُهُ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَلاَ تَسُبُّهُ وَ لاَ تَتَبَرَّأُ مِنْهُ.
بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ إِذَا خَلَوْتَ بِبِطَانَتِكَ الْخَبِيثَةِ وَ شِيعَتِكَ وَخَاصَّتِكَ الضَّالَّةِ الْمُغِيرَةِ الْكَاذِبَةِ تَبَرَّأْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ لَعَنْتَهُمْ وَإِدَّعَيْتَ أَنَّكَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي أُمَّتِهِ وَ وَصِيُّهُ فِيهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ طَاعَتَكَ وَأَمَرَ بِوَلاَيَتِكَ فِي كِتَابِهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُحَمَّداً أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ فِي أُمَّتِهِ وَ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَ الله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَجَمَعَ أُمَّتَهُ بِغَدِيرِ خُمٍّ
ص: 437
فَبَلَّعَ مَا أَمَرَ بِهِ فِيكَ عَنِ اللَّهِ وَ أَمَرَ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّكَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى.
وَ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لاَ تَخْطُبُ النَّاسَ خُطْبَةً إِلاَّ قُلْتَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ عَنْ مِنْبَرِكَ: «وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ وَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله» لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ مِنْ ذَلِكَ حَقَّاً، فَلَظُلْمُ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ إِيَّاكَ أَعْظَمُ مِنْ ظُلْمِ عُثْمَانَ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ نَحْنُ شُهُودٌ فَانْطَلَقَ عُمَرُ وَ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ وَ مَا اسْتَأْمَرَكَ وَلاَ شَاوَرَكَ وَلَقَدْ خَاصَمَ الرَّجُلانِ الْأَنْصَارَ بِحَقِّكَ وَحُجَّتِكَ وَ قَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَ لَوْ سَلَّمَا لَكَ وَ بَايَعَاكَ لَكَانَ عُثْمَانُ أَسْرَعَ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ لِقَرَابَتِكَ مِنْهُ وَ حَقِّكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اِبْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ.
ثُمَّ عَمَدَ أَبُو بَكْرٍ فَرَدَّهَا إِلَى عُمَرَ عِنْدَ مَوْتِهِ مَا شَاوَرَكَ وَ لاَ اِسْتَأْمَرَكَ حِينَ اِسْتَخْلَفَهُ وَ بَايَعَ لَهُ ثُمَّ جَعَلَكَ عُمَرُ فِي الشُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ مِنْكُمْ وَ أَخْرَجَ مِنْهَا جَمِيعَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ غَيْرَهُمْ فَوَلَّيْتُمُ ابْنَ عَوْفٍ أَمْرَكُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حِينَ رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا وَاخْتَرَطُوا سُيُوفَهُمْ وَ حَلَفُوا بِاللَّهِ لَئِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَ لَمْ تَخْتَارُوا أَحَدَكُمْ
ص: 438
لَيَضْرِبُنَّ أَعْنَاقَكُمْ وَلَيُنْفِذُنَّ فِيكُمْ أَمْرَ عُمَرَ وَ وَصِيَّتَهُ فَوَلَّيْتُمْ أَمْرَكُمْ إِبْنَ عَوْفٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَبَايَعَ عُثْمَانَ فَبَايَعْتُمُوهُ.
ثُمَّ حُوصِرَ عُثْمَانُ فَاسْتَنْصَرَكُمْ فَلَمْ تَنْصُرُوهُ وَ دَعَاكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوهُ وَ بَيْعَتُهُ فِي أَعْنَاقِكُمْ وَأَنْتُمْ يَا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حُضُورٌ شُهُودٌ فَخَلَّيْتُمْ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَتَّى قَتَلُوهُ وَأَعَانَهُمْ طَوَائِفُ مِنْكُمْ عَلَى قَتْلِهِ وَ خَذَلَهُ عَامَّتُكُمْ فَصِرْتُمْ فِي أَمْرِهِ بَيْنَ قَاتِلِ وَ آمِرٍ وَ خَاذِلٍ.
ثُمَّ بَايَعَكَ النَّاسُ وَ أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِّي فَأَمْكِنِّي مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ حَتَّى أَقْتُلَهُمْ وَأُسَلِّمَ الْأَمْرَ لَكَ وَأُبَايِعَكَ أَنَا وَ جَمِيعُ مَنْ قِبَلِي مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.
فَلَمَّا قَرَأَ عَلِيٌّ عليه السلام كِتَابَ مُعَاوِيَةَ وَ أَبْلَغَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رِسَالَتَهُ وَ مَقَالَتَهُ. قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام لأبِي الدَّرْدَاءِ: قَدْ أَبْلَغْتُمَانِي مَا أَرْسَلَكُمَا بِهِ مُعَاوِيَةُ فَاسْمَعَا مِنِّي ثُمَّ أَبْلِغَاهُ عَنِّي كَمَا أَبْلَغْتُمَانِي عَنْهُ وَ قُولاَ لَهُ:
إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ أَحَدَ رَجُلَيْنِ إِمَّا إِمَامَ هُدًى حَرَامَ الدَّمِ وَاجِبَ النُّصْرَةِ لاَ تَحِلُّ مَعْصِيَتُهُ وَلاَ يَسَعُ الأُمَّةَ خِذْلاَنُهُ، أَوْ إِمَامَ ضَلاَلَةٍ حَلاَلَ الدَّمِ لاَ تَحِلُّ وَلاَيَتُهُ وَ لاَ نُصْرَتُهُ فَلاَ يَخْلُو مِنْ إِحْدَى
ص: 439
الْخَصْلَتَيْنِ وَ الْوَاجِبُ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَا يَمُوتُ إمَامُهُمْ أَوْ يُقْتَلُ، ضَالاًّ كَانَ أَوْ مُهْتَدِياً مَظْلُوماً كَانَ أَوْ ظَالِماً حَلاَلَ الدَّمِ أَوْ حَرَامَ الدَّمِ أَنْ لاَ يَعْمَلُوا عَمَلاً وَ لاَ يُحْدِثُوا حَدَثاً وَلاَ يُقَدِّمُوا يَداً وَ لاَ رجُلاً وَ لاَ يَبْدَءُوا بِشَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارُوا وَلَا لأَنْفُسِهِمْ إِمَاماً عَفِيفاً عَالِماً وَرِعاً عَارِفاً بِالْقَضَاءِ وَالسُّنَّةِ يَجْمَعُ أَمْرَهُمْ وَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ حَقَّهُ وَيَحْفَظُ أَطْرَافَهُمْ وَ يَجْبِي فَيْئَهُمْ وَيُقِيمُ حِجَّتَهُمْ وَ جُمْعَتَهُمْ وَيَجْبِي صَدَقَاتِهِمْ ثُمَّ يَحْتَكِمُونَ إِلَيْهِ فِي إِمَامِهِمُ الْمَقْتُولِ ظُلْماً وَ يُحَاكِمُونَ قَتَلَتَهُ إِلَيْهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ.
فَإِنْ كَانَ إِمَامُهُمْ قُتِلَ مَظْلُوماً حَكَمَ لِأَوْلِيَائِهِ بِدَمِهِ وَ إِنْ كَانَ قُتِلَ ظَالِماً نَظَرَ كَيْفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ هَذَا أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلُوهُ أَنْ يَخْتَارُوا إِمَاماً يَجْمَعُ أَمْرَهُمْ إِنْ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لَهُمْ وَ يُتَابِعُوهُ وَ يُطِيعُوهُ وَ إِنْ كَانَتِ اَلْخِيَرَةُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَ إِلَى رَسُولِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاهُمُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالاِخْتِيَارَ وَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَدْ رَضِيَ لَهُمْ إِمَاماً وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِهِ.
وَ قَدْ بَايَعَنِي النَّاسُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ وَ بَايَعَنِي الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ بَعْدَ مَا تَشَاوَرُوا فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَ هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَ
ص: 440
عُثْمَانَ وَعَقَدُوا إِمَامَتَهُمْ وَلِيَ ذَلِكَ أَهْلُ بَدْرٍ وَ السَّابِقَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ غَيْرَ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُمْ قَبْلِي عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْعَامَّةِ وَإِنَّ بَيْعَتِي كَانَتْ بِمَشُورَةٍ مِنَ الْعَامَّةِ.
فَإِنْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ اِسْمُهُ جَعَلَ اَلاِخْتِيَارَ إِلَى الْأُمَّةِ وَ هُمُ الَّذِينَ يَخْتَارُونَ وَ يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَاِخْتِيَارُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ وَ نَظَرُهُمْ لَهَا خَيْرٌ لَهُمْ مِنِ اِخْتِيَارِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لَهُمْ وَ كَانَ مَن اِخْتَارُوهُ وَ بَايَعُوهُ بَيْعَتُهُ بَيْعَةٌ هُدًى وَ كَانَ إِمَاماً واجباً عَلَى النَّاسِ طَاعَتُهُ وَ نُصْرَتُهُ فَقَدْ تَشَاوَرُوا فِيَّ وَ اِخْتَارُونِي بِإِجْمَاعِ مِنْهُمْ.
وَإِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الَّذِي يَخْتَارُ لَهُ الْخِيَرَةَ فَقَدِ اخْتَارَنِي لِلْأُمَّةِ وَاسْتَخْلَفَنِي عَلَيْهِمْ وَ أَمَرَهُمْ بِطَاعَتِي وَ نُصْرَتِي فِي كِتَابِهِ الْمُنْزَلِ وَ سُنَّةِ نَبِيَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَذَلِكَ أَقْوَى لِحُجَّتِي وَأَوْجَبُ لِحَقِّي.
وَ لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ قِتَالُهُمَا وَ الْخُرُوجُ عَلَيْهِمَا لِلطَّلَبِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لاَ.
قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: فَكَذَلِكَ أَنَا فَإِنْ قَالَ مُعَاوِيَةُ نَعَمْ فَقُولاَ إِذا يَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ ظُلِمَ بِمَظْلِمَةٍ أَوْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ أَنْ يَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ وَ يَدْعُوَ إِلَى نَفْسِهِ. مَعَ أَنَّ وُلْدَ عُثْمَانَ أَوْلَى بِطَلَبِ دَمِ
ص: 441
أَبِيهِمْ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قَالَ: فَسَكَتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَ قَالاَ: لَقَدْ أَنْصَفْتَ مِنْ نَفْسِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: وَ لَعَمْرِي لَقَدْ أَنْصَفَنِي مُعَاوِيَةُ إِنْ تَمَّ عَلَيَّ قَوْلُهُ وَ صَدَقَ مَا أَعْطَانِي فَهَؤُلاَءِ بَنُو عُثْمَانَ رِجَالٌ قَدْ أَدْرَكُوا لَيْسُوا بِأَطْفَالٍ وَ لاَ مُوَلًّى عَلَيْهِمْ فَلْيَأْتُوا أَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ قَتَلَةِ أَبِيهِمْ فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ حُجَّتِهِمْ فَلْيَشْهَدُوا لِمُعَاوِيَةَ بِأَنَّهُ وَلِيُّهُمْ وَ وَكِيلُهُمْ وَ حَرْبُهُمْ فِي خُصُومَتِهِمْ وَلْيَقْعُدُوا هُمْ وَ خُصَمَاؤُهُمْ بَيْنَ يَدَيَّ مَقْعَدَ الْخُصُومِ إِلَى الْإِمَام وَ الْوَالِي الَّذِي يُقِرُّونَ بِحُكْمِهِ وَ يُنْفِذُونَ قَضَاءَهُ وَأَنْظُرُ فِي حُجَّتِهِمْ وَحُجَّةِ خُصَمَائِهِمْ فَإِنْ كَانَ أَبُوهُمْ قُتِلَ ظَالِماً وَ كَانَ حَلاَلَ اَلدَّمِ أَبْطَلْتُ دَمَهُ وَ إِنْ كَانَ مَظْلُوماً حَرَامَ الدَّمِ أَقَدْتُهُمْ مِنْ قَاتِلِ أَبِيهِمْ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَ إِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَ إِنْ شَاءُوا قَبلُوا الدِّيَةَ وَ هَؤُلاَءِ قَتَلَةُ عُثْمَانَ فِي عَسْكَرِي يُقِرُّونَ بِقَتْلِهِ وَيَرْضَوْنَ بِحُكْمِي عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ فَلْيَأْتِنِي وُلْدُ عُثْمَانَ أَوْ مُعَاوِيَةُ إِنْ كَانَ وَلِيَّهُمْ وَ وَكِيلَهُمْ فَلْيُخَاصِمُوا قَتَلَتَهُ وَلْيُحَاكِمُوهُمْ حَتَّى أَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَهُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله وَ إِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ إِنَّمَا يَتَجَنَّى وَيَطْلُبُ الْأَعَالِيلَ وَالْأَبَاطِيلَ فَلْيَتَجَنَّ مَا بَدَا لَهُ فَسَوْفَ يُعِينُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
ص: 442
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَدْ وَ اللَّهِ أَنْصَفْتَ مِنْ نَفْسِكَ وَ زِدْتَ عَلَى النَّصَفَةِ وَ أَزَحْتَ عِلَّتَهُ وَ قَطَعْتَ حُجَّتَهُ وَ جِئْتَ بِحُجَّةٍ قَوِيَّةٍ صَادِقَةٍ مَا عَلَيْهَا لَوْمٌ.
ثُمَّ خَرَجَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فَإِذَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ مُقَنَّعِينَ بِالْحَدِيدِ فَقَالُوا: نَحْنُ قَتَلَةُ عُثْمَانَ وَنَحْنُ مُقِرُّونَ رَاضُونَ بِحُكْمِ عَلِيٍّ عليه السلام عَلَيْنَا وَ لَنَا فَلْيَأْتِنَا أَوْلِيَاءُ عُثْمَانَ فَلْيُحَاكِمُونَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي دَم أَبِيهِمْ فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْنَا الْقَوَدُ الدِّيَةُ اِصْطَبَرْنَا لِحُكْمِهِ وَسَلَّمْنَا.
فَقَالاَ: قَدْ أَنْصَفْتُمْ وَ لاَ يَحِلُّ لِعَلِيٍّ عليه السلام دَفْعُكُمْ وَ لاَ قَتْلُكُمْ حَتَّى يُحَاكِمُوكُمْ إِلَيْهِ فَيَحْكُمَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ صَاحِبِكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله.
فَانْطَلَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى قَدِمَا عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام وَ مَا قَالَ قَتَلَهُ عُثْمَانَ وَ مَا قَالَ أَبُو النُّعْمَانِ بْنُ ضَمَانِ فَقَالَ لَهُمَا مُعَاوِيَةُ: فَمَا رَدَّ عَلَيْكُمَا فِي تَرَحُّمِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ كَفِّهِ عَنِ التَّرَحُّمِ عَلَى عُثْمَانَ وَ بَرَاءَتِهِ مِنْهُ فِي السِّرِّ وَ مَا يَدَّعِي
ص: 443
مِن اسْتِخْلافِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إيَّاهُ وَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَظْلُوماً مُنْذُ قَبضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله.
قَالاَ: بَلَى قَدْ تَرَحَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَ عُثْمَانَ عِنْدَنَا وَنَحْنُ نَسْمَعُ ثُمَّ قَالَ لَنَا: فِيمَا يَقُولُ إِنْ كَانَ اللَّهُ جَعَلَ الْخِيَارَ إِلَى الْأُمَّةِ فَكَانُوا هُمُ الَّذِينَ يَخْتَارُونَ وَ يَنْظُرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَ كَانَ اِخْتِيَارُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَ نَظَرُهُمْ لَهَا خَيْراً لَهُمْ وَأَرْشَدَ مِن اِخْتِيَارِ اللَّهِ وَ اِخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَقَدِ اخْتَارُونِي وَ بَايَعُونِي فَبَيْعَتِي بَيْعَةُ هُدًى وَ أَنَا إِمَامٌ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ طَاعَتِي وَنُصْرَتِي لِأَنَّهُمْ قَدْ تَشَاوَرُوا فِيَّ وَ اِخْتَارُونِي وَ إِنْ كَانَ اخْتِيَارُ اللَّهِ وَ اِخْتِيَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَيْراً لَهُمْ وَأَرْشَدَ مِن اخْتِيَارِهِمْ لأَنفُسِهِمْ وَنَظَرِهِمْ لَهَا فَقَدِ اِخْتَارَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِلْأُمَّةِ وَاسْتَخْلَفَانِي عَلَيْهِمْ وَأَمَرَاهُمْ بِنُصْرَتِي وَ طَاعَتِي فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنْزَلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُرْسَل وَ ذَلِكَ أَقْوَى لِحُجَّتِي وَ أَوْجَبُ لِحَقِّي ثُمَّ صَعِدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْمِنْبَرَ فِي عَسْكَرِهِ وَ جَمَعَ النَّاسَ وَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ النَّوَاحِي وَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
يَا مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ مَنَاقِبِي أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى أَوْ تُعَدُّ مَا أُنْزِلَ فِي كِتَابِهِ مِنْ ذَلِكَ وَ مَا قَالَ فِيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَكْتَفِي
ص: 444
بِهَا عَنْ جَمِيعِ مَنَاقِبِي وَفَضْلِي أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ فَضَّلَ فِي كِتَابِهِ النَّاطِقِ السَّابِقَ إِلَى الْإِسْلاَمِ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْنِي إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَنْ قَوْلِهِ وَ السّٰابقُونَ السّٰابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَ أَوْصِيَائِهِمْ وَأَنَا أَفْضَلُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَ أَخِي وَ وَصِيِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِب أَفْضَلُ الْأَوْصِيَاءِ، فَقَامَ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ بَدْرِيّاً جُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ وَ بَقِيَّتُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ وَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ غَيْرُهُ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا قَدْ سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ ذَلِكَ.
قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ فِي قَوْلِ اللَّهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهِ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وَ قَوْلِهِ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) ثُمَّ قَالَ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لاٰ رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً فَقَالَ اَلنَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَاصُّ لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ عَامٌّ لِجَمِيعِهِمْ؟ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ رَسُولَهُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ فِيمَنْ نَزَلَتِ الآيَاتُ وَأَنْ يُفَسِّرَ لَهُمْ
ص: 445
مِنَ الْوَلاَيَةِ مَا فَسَّرَ لَهُمْ مِنْ صَلاَتِهِمْ وَ صِيَامِهِمْ وَ زَكَاتِهِمْ وَحَجِّهِمْ فَنَصَبَنِي بِغَدِيرِ خُمٍّ وَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ ضَاقَ بِهَا صَدْرِي وَ ظَنَنْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبُويَ فَأَوْعَدَنِي لَأُبَلِّغَنَّهَا أَوْ يُعَذِّبَنِي. قُمْ يَا عَلِيُّ ثُمَّ نَادَى بِالصَّلاَةَ جَامِعَةً فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ مَوْلاَيَ وَأَنَا مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَلاَ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَلِیٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ أَنْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَأَخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ».
فَقَامَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَؤُهُ كَمَا ذَا؟
فَقَالَ: وَلاَؤُهُ كَوَلاَيَتِي مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً.
فَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي عَلِيٍّ خَاصَّةً؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله بَلْ فِيهِ وَ فِي أَوْصِيَائِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
ص: 446
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: يَا سَلْمَانُ اِشْهَدْ أَنْتَ وَ مَنْ حَضَرَكَ بِذَلِكَ وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ.
فَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنْهُمْ لَنَا.
فَقَالَ: عَلِيٌّ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ وَصِیِّي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي وَ أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِهِ أَوَّلُهُمُ ابْنِيَ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَيْنُ ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ الْقُرْآنُ مَعَهُمْ وَهُمْ مَعَ الْقُرْآنِ لاَ يُفَارِقُونَهُ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَقَامَ إِثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الْبَدْرِيِّينَ.
فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا قُلْتَ سَوَاءً لَمْ تَزِدْ فِيهِ وَ لَمْ تَنْقُصْ حَرْفاً وَ أَشْهَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى ذَلِكَ وَ قَالَ بَقِيَّةُ السَّبْعِينَ قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ وَ لَمْ نَحْفَظْ كُلَّهُ وَ هَؤُلاَءِ اَلاِثْنَا عَشَرَ خِيَارُنَا وَأَفْضَلُنَا.
فَقَالَ: عليه السلام صَدَقْتُمْ لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَحْفَظُ بَعْضُهُمْ أَحْفَظُ مِنْ بَعْضٍ فَقَامَ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ أَرْبَعَةٌ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا قَدْ سَمِعْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ
ص: 447
حَفِظْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَئِذٍ وَ هُوَ قَائِمٌ وَ عَلِيٌّ قَائِمٌ إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ:؟ ص؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْصِبَ لَكُمْ إِمَاماً وَ وَصِيّاً يَكُونُ وَصِيَّ نَبِيِّكُمْ فِيكُمْ وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَ فِي أَهْلِ بَيْتِي مِنْ بَعْدِي وَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ طَاعَتَهُ وَ أَمَرَكُمْ فِيهِ بِوَلاَيَتِهِ فَرَاجَعْتُ رَبِّي خَشْيَةَ طَعْنِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَ تَكْذِيبِهِمْ فَأَوْعَدَنِي لَأُبَلِّغُهَا أَوْ لَيُعَذِّبَنِّي ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ اِسْمُهُ أَمَرَكُمْ فِي كِتَابِهِ بِالصَّلاَةِ وَ قَدْ بَيَّنْتُهَا لَكُمْ وَ سَنَنْتُهَا وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ فَبَيَّنْتُهَا وَ فَسَّرْتُهَا لَكُمْ وَ أَمَرَكُمْ فِي كِتَابِهِ بِالْوَلاَيَةِ وَ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهَا خَاصَّةٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي وَ وُلْدِ أَخِي وَوَصِيِّي عَلِيٌّ أَوَّلُهُمْ ثُمَّ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَيْنُ ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ ابْنِي لاَ يُفَارِقُونَ الْكِتَابَ وَلاَ يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَعْلَمْتُكُمْ مَفْزَعَكُمْ وَ إِمَامَكُمْ بَعْدِي وَ دَلِيلَكُمْ وَ هَادِيَكُمْ وَ هُوَ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ هُوَ فِيكُمْ بِمَنْزِلَتِي فِيكُمْ فَقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ وَأَطِيعُوهُ فِي جَمِيع أُمُورِكُمْ فَإِنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ مَا عَلَّمَنِيَ اَللَّهُ وَ أَمَرَنِيَ اللَّهُ أَنْ أُعَلِّمَهُ إِيَّاهُ وَأَعْلِمُكُمْ أَنَّهُ عِنْدَهُ فَاسْأَلُوهُ وَتَعَلَّمُوا
ص: 448
مِنْهُ وَ مِنْ أَوْصِيَانِهِ بَعْدَهُ وَ لاَ تُعَلِّمُوهُمْ وَ لاَ تَتَقَدَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَهُمْ لاَ يُزَايِلُونَهُ وَ لاَ يُزَایِلُهُمْ.
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام لِأَبِي الدَّرْدَاءِ وَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَ مَنْ حَوْلَهُ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ (إِنَّمٰا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) فَجَمَعَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مَعَهُ فِي كِسَائِهِ وَ قَالَ: اَللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ عِتْرَتِي وَخَاصَّتِي وَأَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِيَّ وَ فِي أَخِي عَلِيٍّ وَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ وَ فِي ابْنَيَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ فِي تِسْعَةِ أَئِمَةٍ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ ابْنِي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ خَاصَّةً لَيْسَ مَعَنَا غَيْرُنَا؟
فَقَامَ كُلُّهُمْ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْنَا بِذَلِكَ فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَحَدَّثَنَا بِهِ كَمَا حَدَّثَتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ اِسْمُهُ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ) فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ عَامَّةٌ هِيَ أَمْ خَاصَّةٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمَأْمُورُونَ
ص: 449
فَعَامَّةٌ لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ أُمِرُوا بِذَلِكَ وَأَمَّا الصَّادِقُونَ فَخَاصَّةٌ لِأَخِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ أَوْصِيَائِي مِنْ بَعْدِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: وَ قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ خَلَّفْتَنِي؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ الْمَدِينَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ بِي أَوْ بِكَ وَ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلاَّ النُّبُوَّةَ فَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي.
فَقَامَ رِجَالٌ مِمَّنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ.
فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِرْكَعُوا وَأَسْجُدُوا وَ أعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاِعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ فَقَامَ سَلْمَانُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَنْتَ عَلَيْهِمْ شَهِيدٌ وَ هُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ اجْتَبَاهُمُ اللَّهُ
ص: 450
وَ مَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ؟ ص؟ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً أَنَا وَ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ أَئِمَّةٌ الْقُرْآنُ مَعَهُمْ وَهُمْ مَعَ الْقُرْآنِ لاَ يَفْتَرِقُونَ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ. قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَامَ خَطِيباً وَ لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَهَا وَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْن لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّهُ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ. فَقَالُوا: اَللَّهُمَّ نَعَمْ قَدْ شَهِدْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله علیه و آله
فَقَالَ عليه السلام: حَسْبِيَ اللَّهُ.
فَقَامَ الاِثْنَا عَشَرَ مِنَ الْجَمَاعَةِ الْبَدْرِیِّينَ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله حِينَ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب شِبْهَ الْمُغْضَبِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ كُلَّ أَهْلِ بَيْتِكَ؟
ص: 451
فَقَالَ: لاَ وَ لَكِنَّ أَوْصِيَائِي أَخِي مِنهُمْ وَ وَزِيرِي وَ وَارِثِي وَ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي وَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلدِهِ هَذَا أَوَّلُهُمْ وَ خَيْرُهُمْ ثُمَّ اِبْنَايَ هَذَانِ وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ثُمَّ وَصِيُّ ابْنِي يُسَمَّى بِاسْمِ أَخِي عَلِيٍّ وَ هُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ ثُمَّ وَصِيُّ عَلِيٍّ وَ هُوَ وَلَدُهُ وَ اِسْمُهُ مُحَمَّدٌ ثُمَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَهْدِيُّ الْأُمَّةِ اِسْمُهُ كَاسْمِي وَ طِينَتُهُ كَطِينَتِي يَأْمُرُ بِأَمْرِي وَيَنْهَى بِنَهْيِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً يَتْلُو بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَرِدُوا عَلَىَّ الْحَوْضَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ حُجَجُهُ عَلَى خَلْقِهِ مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللَّهِ وَ مَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللَّهَ.
فَقَامَ السَّبْعُونَ الْبَدْرِيُّونَ وَ مِثْلُهُمْ مِنَ الآخِرينَ فَقَالُوا: ذَكَّرْتَنَا مَا كُنَّا نَسِينَا نَشْهَدُ أَنَّا قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
ثُمَّ عَادَ عليه السلام إِلَى السُّؤَالِ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئاً مِمَّا سَأَلَ عَنْهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ إِلاَّ نَاشَدَهُمْ فِيهِ حَتَّى أَتَى عَ عَلَى آخِرِ مَنَاقِبِهِ وَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فِيهِ كُلَّ ذَلِكَ يُصَدِّقُونَهُ وَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ حَقٌّ سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ
ص: 452
اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَلَمَّا حَدَّثَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُعَاوِيَةَ بِكُلِّ ذَلِكَ وَ بِمَا رَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ وَجَمَ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ لَئِنْ كَانَ مَا تُحَدِّثَانِّي عَنْهُ حَقّاً لَقَدْ هَلَكَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ غَيْرَهُ وَ غَيْرَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ شِيعَتِهِ.
ثُمَّ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَئِنْ كَانَ مَا قُلْتَ وَ اِدَّعَيْتَ وَاسْتَشْهَدْتَ عَلَيْهِ أَصْحَابَكَ حَقَّاً لَقَدْ هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَ عُثْمَانُ وَ جَمِيعُ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ غَيْرَكَ وَ غَيْرَ أَهْلِ بَيْتِكَ وَ شِيعَتِكَ وَ قَدْ بَلَغَنِي تَرَحُّمُكَ عَلَيْهِمْ وَاِسْتِغْفَارُكَ لَهُمْ وَإِنَّهُ لَعَلَى وَجْهَيْنِ مَا لَهُمَا ثَالِثٌ إِمَّا تَقِيَّةٌ إِنْ أَنْتَ تَبَرَّأْتَ مِنْهُمْ خِفْتَ أَنْ يَتَفَرَّقَ عَنْكَ أَهْلُ عَسْكَرِكَ الَّذِينَ تُقَاتِلُنِي بِهِمْ أَوْ إِنَّ الَّذِي اِدَّعَيْتَ بَاطِلٌ وَ كَذِبٌ وَ قَدْ بَلَغَنِي وَ جَاءَنِي بَعْضُ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ خَاصَّتِكَ بِأَنَّكَ تَقُولُ لِشِيعَتِكَ الضَّالَّةِ وَ بِطَانَتِكَ بِطَانَةِ السَّوْءِ إِنِّي قَدْ سَمَّيْتُ ثَلاَثَةً؟
بَيَّنَ لِي مِنْ بَنِيَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ فَإِذَا سَمِعْتُمُونِي أَتَرَحَّمُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ فَإِنِّي أَعْنِي بِذَلِكَ بَنِيَّ وَ الدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِ مَا أَتَوْنِي بِهِ وَ رَقَوْهُ إِلَيَّ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَاكَ بِأَعْيُنِنَا فَلاَ نَحْتَاجُ أَنْ نَسْأَلَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَنَا رَأَيْتُكَ حَمَلْتَ اِمْرَأَتَكَ فَاطِمَةَ عَلَى حِمَارٍ وَأَخَذْتَ بِيَدِ ابْنَيْكَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ إِذْ بُويعَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ أَهْلِ
ص: 453
السَّابِقَةِ إِلاَّ دَعَوْتَهُمْ وَ اسْتَنْصَرْتَهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ تَجِدْ مِنْهُمْ إِنْسَاناً غَيْرَ أَرْبَعَةٍ سَلْمَانَ وَ أَبِي ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادِ وَ الزُّبَيْرِ لَعَمْرِي لَوْ كُنْتَ مُحِقّاً لأَجَابُوكَ وَ سَاعَدُوكَ وَ نَصَرُوكَ وَ لَكِن اِدَّعَيْتَ بَاطِلاً وَ مَا لاَ يُقِرُّونَ بِهِ وَ سَمِعَتْكَ أُذُنَايَ وَ أَنْتَ تَقُولُ لِأَبِي سُفْيَانَ حِينَ قَالَ لَكَ غُلِبْتَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَى سُلْطَانِ ابْنِ عَمِّكَ وَ مَنْ غَلَبَكَ عَلَيْهِ أَذَلُّ أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ تَيْمٌ وَعَدِيٌّ وَ دَعَاكَ إِلَى أَنْ يَنْصُرَكَ فَقُلْتَ لَوْ وَجَدْتُ أَعْوَاناً أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ السَّابِقَةِ لَنَاهَضْتُ هَذَا الرَّجُلَ فَلَمَّا لَمْ تَجِدْ غَيْرَ أَرْبَعَةِ رَهْطٍ بَايَعْتَ مُكْرَهاً.
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ فَكَثُرَ تَعَجُّبِي مِمَّا خَطَّتْ فِيهِ يَدُكَ وَأَطْنَبْتَ فِيهِ مِنْ كَلاَمِكَ وَ مِنَ الْبَلاَءِ الْعَظِيم وَ الْخَطْبِ الْجَلِيلِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ يَتَكَلَّمُ أَوْ يَنْظُرُ فِي عَامَّةِ أَمْرِهِمْ أَوْ خَاصَّتِهِ وَأَنْتَ مَنْ تَعْلَمُ وَابْنُ مَنْ تَعْلَمُ وَأَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ وَ اِبْنُ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ وَ سَأُجِيبُكَ فِيمَا قَدْ كَتَبْتَ بِجَوَابٍ لاَ أَظُنُّكَ تَعْقِلُهُ أَنْتَ وَ لاَ وَزِيرُكَ ابْنُ التَّابِغَةِ عَمْرُو الْمُوَافِقُ لَكَ كَمَا وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَةَ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا الْكِتَابِ وَ زَيَّنَهُ لَكَ وَ حَضَرَكُمَا فِيهِ إِبْلِيسُ وَ مَرَدَةُ أَصْحَابِهِ.
ص: 454
وَ اللَّهِ لَقَدْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ عَرَّفَنِي أَنَّهُ رَأَى عَلَى مِنْبَرِهِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً أَئِمَّةَ ضَلاَلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَصْعَدُونَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ يَنْزِلُونَ عَلَى صُورَةِ الْقُرُودِ يَرُدُّونَ أُمَّتَهُ عَلَى أَدْبَارِهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمٍ قَدْ خَبَّرَنِي بِأَسْمَائِهِمْ رَجُلاً رَجُلاً وَكَمْ يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَ رَجُلاَنِ مِنْ حَيَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَيْهِمَا مِثْلُ أَوْزَارِ الْأُمَّةِ جَمِيعاً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ مِثْلُ جَمِيعِ عَذَابِهِمْ فَلَيْسَ مِنْ دَمٍ يُهَرَاقُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَ لاَ فَرْجِ يُغْشَى حَرَاماً وَ لاَ حُكْمِ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمَا وِزْرُهُ.
وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ بَنِي الْعَاصِ إِذَا بَلَغُوا ثَلاَثِينَ رَجُلاً جَعَلُوا كِتَابَ اللَّهِ دَخَلاً وَ عِبَادَ اللَّهِ خَوَلاً وَ مَالَ اللَّهِ دُوَلاً.
وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: يَا أَخِي إِنَّكَ لَسْتَ كَمِثْلِي إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَصْدَعَ بِالْحَقِّ وَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَعْصِمُنِي مِنَ النَّاسِ وَ أَمَرَنِي أَنْ أُجَاهِدَ وَ لَوْ بِنَفْسِي فَقَالَ جَاهِدْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاٰ تُكَلِّفُ إِلاّٰ نَفْسَكَ وَ قَالَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ فَكُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ
ص: 455
الْمُجَاهِدَيْنِ وَ قَدْ مَكَثْتُ بِمَكَّةَ مَا مَكَثْتُ لَمْ أُومَرْ بِقِتَالٍ ثُمَّ أَمَرَنِي اللَّهُ بِالْقِتَالِ لأَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ الدِّينُ إِلاَّ بِي وَلاَ الشَّرَائِعُ ولاَ السُّنَنُ وَ الْأَحْكَامُ وَالْحُدُودُ وَ الْحَلاَلُ وَ الْحَرَامُ وَ إِنَّ النَّاسَ يَدَعُونَ بَعْدِي مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَ مَا أَمَرْتُهُمْ فِيكَ مِنْ وَلاَيَتِكَ وَ مَا أَظْهَرْتُ مِنْ حُجَّتِكَ مُتَعَمِّدِينَ غَيْرَ جَاهِلِينَ وَ لاَ اشْتَبَه عَلَيْهِمْ فِيهِ وَ لاَ سِيَّمَا لَمَّا أَتَوْكَ قَبْلَ مُخَالَفَةِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ فَإِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً عَلَيْهِمْ فَجَاهِدْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَاكْفُفْ يَدَكَ وَ أَحْقُنْ دَمَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ نَابَذْتَهُمْ قَتَلُوكَ وَإِنْ تَبِعُوكَ وَأَطَاعُوكَ فَاحْمِلْهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَإِلاَّ فَدَعْ وَإِنِ اسْتَجَابُوا لَكَ وَ نَابَذُوكَ فَنَابِذْهُمْ وَ جَاهِدْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَأحْقُنْ دَمَكَ.
وَ إِعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ دَعَوْتَهُمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَلاَ تَدَعَنَّ أَنْ تَجْعَلَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ إِنَّكَ يَا أَخِي لَسْتَ مِثْلِي إِنِّي قَدْ أَقَمْتُ حُجَّتَكَ وَأَظْهَرْتُ لَهُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَإِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَّ حَقِّي وَ طَاعَتِي وَاجِبَانِ حَتَّى أَظْهَرْتُ لك ذَلِكَ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ أَظْهَرْتُ حُجَّتَكَ وَ قُمْتُ بِأَمْرِكَ فَإِنْ سَكَتَّ عَنْهُمْ لَمْ تَأْثَمْ وَإِنْ حَكَمْتَ وَ دَعَوْتَ لَمْ تَأْثَمْ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ تَدْعُوهُمْ وَ إِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْكَ وَ يَتَظَاهَرُ عَلَيْكَ ظَلَمَةُ قُرَيْشٍ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ إِنْ نَاهَضْتَ الْقَوْمَ وَ
ص: 456
نَابَذْتَهُمْ وَ جَاهَدْتَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فِئَةٌ أَعْوَانٌ تَقْوَى بِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوكَ فَيُطْفَأَ نُورُ اللَّهِ وَ لاَ يُعْبَدَ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَ التَّقِيَّةُ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَ لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ تَقِيَّةَ لَهُ.
وَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى الْفُرْقَةَ وَالاِخْتِلاَفَ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَوْ شَاءَ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى وَ لَمْ يَخْتَلِفْ إِثْنَانِ مِنْهُمَا وَ لاَ مِنْ خَلْقِهِ وَلَمْ يُتَنَازَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ وَ لَمْ يَجْحَدِ الْمَفْضُولُ ذَا الْفَضْلِ فَضْلَهُ وَ لَوْ شَاءَ عَجَّلَ مِنْهُمُ النَّقِمَةَ وَ كَانَ مِنْهُ التَّغْيِيرُ حَتَّى يُكَذَّبَ الظَّالِمُ وَيُعْلَمَ الْحَقُّ أَيْنَ مَصِيرُهُ وَ اللَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الْأَعْمَالِ وَجَعَلَ الآخِرَةَ دَارَ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُا بِمَا عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى فَقُلْتُ شُكْراً لِلَّهِ عَلَى نَعْمَانِهِ وَ صَبْراً عَلَى بَلاَئِهِ وَ تَسْلِيماً وَ رِضًى بِقَضَائِهِ.
ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه و آله يَا أَخِي أَبْشِرْ فَإِنَّ حَيَاتَكَ وَ مَوْتَكَ مَعِي وَ أَنْتَ أَخِي وَأَنْتَ وَصِیِّي وَ أَنْتَ وَزِيرِي وَأَنْتَ وَارِثِي وَأَنْتَ تُقَاتِلُ عَلَى سُنَّتِي وَ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَ لَكَ بِهَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ إِذِ اسْتَضْعَفَهُ أَهْلُهُ وَ تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ وَ كَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ فَاصْبرْ لِظُلْمِ قُرَيْشٍ إِيَّاكَ وَ تَظَاهُرِهِمْ عَلَيْكَ فَإِنَّهَا ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ قَوْمٍ أَحْقَادُ بَدْرٍ وَ تِرَاتُ أُحُدٍ وَ إِنَّ مُوسَى أَمَرَ هَارُونَ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ فِي قَوْمِهِ إِنْ ضَلُّوا
ص: 457
فَوَجَدَ أَعْوَاناً أَنْ يُجَاهِدَهُمْ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ وَ يَحْقُنَ دَمَهُ وَ لاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ فَافْعَلْ أَنْتَ كَذَلِكَ إِنْ وَجَدْتَ عَلَيْهِمْ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ وَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَاكْفُفْ يَدَكَ وَ أَحْقُنْ دَمَكَ فَإِنَّكَ إِنْ نَابَذْتَهُمْ قَتَلُوكَ وَ إِنْ تَبِعُوكَ وَ أَطَاعُوكَ فَاحْمِلْهُمْ عَلَى الْحَقِّ.
وَاِعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُفَّ يَدَكَ وَتَحْقُنْ دَمَكَ إِذاً لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْجُحُودِ بِأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَاسْتَظْهِرِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَدْعُهُمْ لِيَهْلِكَ النَّاصِبُونَ لَكَ وَ الْبَاغُونَ عَلَيْكَ وَيَسْلَمَ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ فَإِذَا وَجَدْتَ يَوْماً أَعْوَاناً عَلَى إِقَامَةِ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ فَقَاتِلْ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتَ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَإِنَّمَا يَهْلِكُ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لَكَ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْصِيَائِكَ بِالْعَدَاوَةِ وَ عَادَى وَ جَحَدَ وَ دَانَ بِخِلاَفِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ.
وَ لَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَوْ تَرَحَّمْتُ عَلَيْكَ وَعَلَى طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ مَا كَانَ تَرَحُّمِي عَلَيْكُمْ وَ اِسْتِغْفَارِي لَكُمْ لِيُحِقَّ بَاطِلاً بَلْ يَجْعَلُ اللَّهُ تَرَحُّمِي عَلَيْكُمْ وَ اِسْتِغْفَارِي لَكُمْ لَعْنَةً وَ عَذَاباً وَ مَا أَنْتَ وَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ بِأَحْقَرَ جُرْماً وَ لاَ أَصْغَرَ ذَنْباً وَلاَ أَهْوَنَ بِدْعَةً وَضَلاَلَةً مِمَّنْ اِسْتَنَّا [أَسَّسَا] لَكَ وَلِصَاحِبِكَ الَّذِي تَطْلُبُ بِدَمِهِ وَوَطَّئَا لَكُمْ ظُلْمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ حَمَلاَكُمْ عَلَى رِقَابِنَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا
ص: 458
نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هُؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهِ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاٰ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهِ مِنْ فَضْلِهِ) فَنَحْنُ النَّاسُ وَ نَحْنُ الْمَحْسُودُونَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكَاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) فَالْمُلْكُ الْعَظِيمُ أَنْ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمْ أَئِمَّةً مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطاعَ اللهِ وَ مَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللَّهَ وَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالنُّبُوَّةَ فَلِمَ تُقِرُّونَ بِذَلِكَ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ وَ تُنْكِرُونَهُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ؟
يَا مُعَاوِيَةُ فَإِنْ تَكْفُرْ بِهَا أَنْتَ وَصَاحِبُكَ وَ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ طُغَاةِ الشَّامِ وَ الْيَمَنِ وَ الْأَعْرَابِ أَعْرَابِ رَبيعَةَ وَ مُضَرَ جُفَاةِ الْأُمَّةِ فَقَدْ وَكَّلَ اللهُ بِهٰا قَوْماً لَيْسُوا بِهٰا بِكَافِرِينَ.
يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ وَ نُورٌ وَ هُدًى وَرَحْمَةٌ وَ شِفَاءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ - وَ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى.
ص: 459
يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ لَمْ يَدَعْ صِنْفاً مِنْ أَصْنَافِ الضَّلاَلَةِ وَ الدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ إِلاَّ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ وَاِحْتَجَّ عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآنِ وَ نَهَى فِيهِ عَنِ اتِّبَاعِهِمْ وَ أَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآناً قَاطِعاً نَاطِقاً عَلَيْهِمْ قَدْ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَ جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ وَ إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآن آيَةٌ إِلاَّ وَ لَهَا ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ وَ مَا مِنْهُ حَرْفٌ إِلاَّ وَ إِن لَهُ تَأْوِيلٌ - وَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الرَّاسِخُونَ نَحْنُ آلُ مُحَمَّدٍ وَ أَمَرَ اللَّهُ سَائِرَ الْأُمَّةِ أَنْ يَقُولُوا - آمَنّٰا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنٰا وَ مَا يَذَّكَّرُ إِلاّٰ أُولُوا الْأَلْبَابِ وَأَنْ يُسَلِّمُوا لَنَا وَيَرُدُّوا عِلْمَهُ إِلَيْنَا وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ - وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْهُ وَيَطْلُبُونَهُ وَ لَعَمْرِي لَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله سَلَّمُوا لَنَا وَاتَّبَعُونَا وَ قَلَّدُونَا أُمُورَهُمْ - لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ لَمَا طَمِعْتَ فِيهَا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ فَمَا فَاتَهُمْ مِنَّا أَكْثَرُ مِمَّا فَاتَنَا مِنْهُمْ وَ لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيَّ وَ فِيكَ خَاصَّةً آيَةً مِنَ الْقُرْآن تَتْلُوهَا أَنْتَ وَ نُظَرَاؤُكَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلاَ تَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهَا وَ بَاطِنَهَا وَ هِيَ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً) إِلَى قَوْلِهِ (وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ
ص: 460
يُدْعَى بِكُلِّ إِمَامٍ ضَلاَلَةٍ وَ إِمَامٍ هُدًى وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ الَّذِينَ بَايَعُوهُ فَيُدْعَى بِي وَيُدْعَى بِكَ يَا مُعَاوِيَةُ وَ أَنْتَ صَاحِبُ اَلسِّلْسِلَةِ الَّذِي يَقُولُ - يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ إِلَى آخِرِ الْقَصَصِ وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُهُ فِيكَ وَ كَذَلِكَ كُلُّ إِمَام ضَلاَلَةٍ كَانَ قَبْلَكَ وَ يَكُونُ بَعْدَكَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ خِزْيِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ. وَنَزَلَ فِيكُمْ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّٰ فِتْنَةً لِلنّٰاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ ذَلِكَ حِينَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله اِثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً مِنْ أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ عَلَى مِنْبَرِهِ يَرُدُّونَ النَّاسَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى رَجُلاَن مِنْ حَيَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَعَشَرَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ أَوَّلُ الْعَشَرَةِ صَاحِبُكَ الَّذِي تَطْلُبُ بِدَمِهِ وَأَنْتَ وَابْنَكَ وَ سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَوَّلُهُمْ مَرْوَانُ وَ قَدْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ طَرَدَهُ وَ مَا وَلَدَ حِينَ اسْتَمَعَ لِنِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله.
يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اِخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَ لَمْ يَرْضَ لَنَا اَلدُّنْيَا ثَوَاباً وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَنْتَ وَ وَزِيرُكَ وَ صُوَيْحِبُكَ يَقُولُ: إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ ثَلاَثِينَ رَجُلاً
ص: 461
اِتَخَذُوا كِتَابَ اللَّهِ دَخَلاً وَ عِبَادَ اللَّهِ خَوَلاً وَ مَالَ اللَّهِ دُوَلاً. يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ زَكَرِيَّا نُشِرَ بِالْمِنْشَارِ وَيَحْيَى ذُبِحَ وَ قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَ هُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ذَلِكَ لِهَوَان اَلدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ إِنَّ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ قَدِيماً حَارَبُوا أَوْلِيَاءَ الرَّحْمَنِ قَالَ اللَّهُ: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتَهُ سَيَخْضِبُونَ لِحْيَتِي مِنْ دَمِ رَأْسِي وَأَنِّي مُسْتَشْهَدٌ وَ سَتَلِي الْأُمَّةَ مِنْ بَعْدِي وَ أَنَّكَ سَتَقْتُلُ ابْنِيَ الْحَسَنَ غَدْراً بِالسَّمِّ وَ أَنَّ ابْنَكَ يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ سَيَقْتُلُ ابْنِيَ الْحُسَيْنَ يَلِي ذَلِكَ مِنْهُ ابْنُ زَانِيَةٍ وَأَنَّ الْأُمَّةَ سَيَلِيهَا مِنْ بَعْدِكَ سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِ أَبِي الْعَاصِ وَ وُلْدِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَ خَمْسَةٌ مِنْ وُلْدِهِ تَكْمِلَةُ اِثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً قَدْ رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَتَوَاثَبُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ تَوَاثُبَ الْقِرَدَةِ يَرُدُّونَ أُمَّتَهُ عَنْ دِينِ اللَّهِ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى وَ أَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ اللَّهَ سَيُخْرِجُ الْخِلاَفَةَ مِنْهُمْ بِرَايَاتٍ سُودٍ تُقْبِلَ مِنَ الشَّرْقِ يُذِلُّهُمُ اللَّهُ بِهِمْ وَ يَقْتُلُهُمْ تَحْتَ كُلِّ حَجَرٍ.
ص: 462
وَأَنَّ رَجُلاً مِنْ وُلْدِكَ مَشُومٌ مَلْعُونٌ جِلْفٌ جَافٍ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ فَظٌّ غَلِيظٌ قَدْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ الرَّأْفَةَ وَ الرَّحْمَةَ أَخْوَالُهُ مِنْ كَلْبٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُهُ وَ وَصَفْتُهُ وَاِبْنُ كَمْ هُوَ فَيَبْعَثُ جَيْشاً إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَدْخُلُونَهَا فَيُسْرِفُونَ فِيهَا فِى الْقَتْلِ وَالْفَوَاحِشِ وَ يَهْرُبُ مِنْهُ رَجُلٌ مِنْ وَلْدِي زَكِيٌّ نَقِيٌّ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ اِسْمَهُ وَ إِبْنُ كَمْ هُوَ يَوْمَئِذٍ وَ عَلاَمَتَهُ وَ هُوَ مِنْ وُلْدِ ابْنِيَ الْحُسَيْنِ الَّذِي يَقْتُلُهُ إِبْنُكَ يَزِيدُ وَ هُوَ النثَّائِرُ بِدَمِ أَبِيهِ فَيَهْرُبُ إِلَى مَكَّةَ وَ يَقْتُلُ صَاحِبُ ذَلِكَ الْجَيْشِ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي زَكِيّاً بَرِيّاً عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ ثُمَّ يَسِيرُ ذَلِكَ الْجَيْشُ إِلَى مَكَّةَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ اِسْمَ أَمِيرِهِمْ وَ عِدَّتَهُمْ وَ أَسْمَاءَهُمْ وَ سِمَاتِ خُيُولِهِمْ فَإِذَا دَخَلُوا اَلْبَيْدَاءَ وَاِسْتَوَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ خَسَفَ اللَّهُ بِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ - وَ لَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلاٰ فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [قَالَ] مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمْ فَلاَ يَبْقَى مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ أَحَدٌ غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ يُقَلِّبُ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ قِبَل قَفَاهُ وَ يَبْعَثُ اللَّهُ لِلْمَهْدِيِّ أَقْوَامًا يَجْتَمِعُونَ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِ قَزَعٌ كَقَزَعَ الْخَرِيفِ وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَاسْمَ أَمِيرِهِمْ وَ مُنَاخَ رِكَابِهِمْ فَيَدْخُلُ الْمَهْدِيُّ الْكَعْبَةَ وَ يَبْكِي وَ يَتَضَرَّعُ قَالَ
ص: 463
اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ هَذَا لَنَا خَاصَّةً أَهْلَ الْبَيْتِ.
أَمَا وَ اللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَقَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ لاَ تَنْتَفِعُ بِهِ وَ أَنَّكَ سَتَفْرَحُ إِذَا أَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ سَتَلِي الْأَمْرَ وَابْنُكَ بَعْدَكَ لِأَنَّ الآخِرَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَالِكَ وَإِنَّكَ بِالْآخِرَةِ لَمِنَ الْكَافِرِينَ وَ سَتَنْدَمُ كَمَا نَدِمَ مَنْ أَسَّسَ هَذَا الْأَمْرَ لَكَ وَحَمَلَكَ عَلَى رِقَابِنَا حِينَ لَمْ تَنْفَعْهُ النَّدَامَةُ.
وَ مِمَّا دَعَانِي إِلَى الْكِتَابِ إِلَيْكَ بِمَا كَتَبْتُ بِهِ أَنِّي أَمَرْتُ كَاتِبِي أَنْ يَنْسَخَ ذَلِكَ لِشِيعَتِي وَ رُءُوسِ أَصْحَابِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِذَلِكَ أو يَقْرَأَهُ وَاحِدٌ مِمَّنْ قِبَلَكَ فَيُخْرِجَهُ اللهُ بِهِ وَبِنَا مِنَ الضَّلاَلَةِ إِلَى الْهُدَى وَ مِنْ ظُلْمِكَ وَ ظُلْمِ أَصْحَابِكَ وَ فِتْنَتِهِمْ وَ أَحْبَبْتُ أَنْ أَحْتَجَّ عَلَيْكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: هَنِيئاً لَكَ يَا أَبَا الْحَسَن تَمْلِكُ الْآخِرَةَ وَ هَنِيئاً لَنَا نَمْلِكُ الدُّنْيَا(1).
2 - رَوَى نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ فِي كِتَابِ صِفِّينَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي رَوْقٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو مُسْلِمِ الْخَوْلاَنِيُّ فِي نَاسٍ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى
ص: 464
مُعَاوِيَةَ قَبْلَ مَسِيرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى صِفِّينَ فَقَالُوا لَهُ: يَا مُعَاوِيَةُ عَلاَمَ تُقَاتِلُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ لَيْسَ لَكَ مِثْلُ صُحْبَتِهِ وَ لاَ مِثْلُ هِجْرَتِهِ وَ لاَ قَرَابَتِهِ وَ لاَ سَابِقَتِهِ؟
فَقَالَ: إِنِّي لاَ أَدَّعِي أَنَّ لِي فِي الْإِسْلاَمِ مِثْلَ صُحْبَتِهِ وَ لاَ مِثْلَ هِجْرَتِهِ وَ لاَ قَرَابَتِهِ وَ لَكِنْ خَبِّرُونِي عَنْكُمْ أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً؟
قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَلْيَدْفَعْ إِلَيْنَا قَتَلَتَهُ لِنَقْتُلَهُمْ بِهِ وَ لاَ قِتَالَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ.
قَالُوا: فَاكْتُبْ إِلَيْهِ كِتَابِاً يَأْتِهِ بِهِ بَعْضُنَا.
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ مَعَ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ...
وَ كَانَ جَوَابُ عَلِيٍّ عليه السلام:
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَخَا خَوْلاَنَ قَدِمَ عَلَيَّ بِكِتَابٍ مِنْكَ تَذْكُرُ فِيهِ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْهُدَى وَالْوَحْيَ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ الْوَعْدَ وَأَيَّدَهُ بِالنَّصْرِ وَ مَكَّنَ لَهُ فِي الْبِلاَدِ وَأَظْهَرَ عَلَى أَهْلِ الْعَدَاوَةِ وَ الشَّنَآنِ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَ شَنَفُوا لَهُ وَ أَظْهَرُوا
ص: 465
تَكْذِيبَهُ وَ بَارَزُوهُ بِالْعَدَاوَةِ وَ ظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِهِ وَ عَلَى إِخْرَاجِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِهِ وَ أَلَّبُوا عَلَيْهِ الْعَرَبَ وَ جَامَعُوهُمْ عَلَى حَرْبِهِ وَ جَهَدُوا فِي أَمْرِهِ كُلَّ اَلْجَهْدِ وَ قَلَّبُوا لَهُ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كَارِهُونَ فَكَانَ أَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْهِ تَألِيباً وَ تَحْرِيضاً أَسْرَتَهُ وَ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مِنْ قَوْمِهِ إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ.
يَا ابْنَ هِنْدِ فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً وَ لَقَدْ قَدِمْتَ فَأَفْحَشْتَ إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا عَنْ بَلاَءِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ فِينَا فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَجَالِبِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَوْ كَدَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ.
وَ ذَكَرْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِجْتَبَى لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَعْوَاناً أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِمْ فَكَانُوا فِي مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ عَلَى قَدْرِ فَضَائِلِهِمْ فِي الْإِسْلاَمِ فَكَانَ أَفْضَلُهُمْ كَمَا زَعَمْتَ فِي الْإِسْلاَمِ وَ أَنْصَحُهُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْخَلِيفَةَ اَلصِّدِّيقَ وَ خَلِيفَةَ الْخَلِيفَةِ الْفَارُوقَ.
وَ لَعَمْرِي ذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اِعْتَزَلَكَ كُلُّهُ وَ إِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ.
وَ مَا أَنْتَ وَالصِّدِّيقَ فَالصِّدِّيقُ مَنْ صَدَّقَ بِحَقِّنَا وَأَبْطَلَ بَاطِلَ عَدُوِّنَا وَ مَا أَنْتَ وَالْفَارُوقَ فَالْفَارُوقُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ أَعْدَائِنَا.
ص: 466
وَ ذَكَرْتَ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ فِي الْفَضْلِ تَالِيَا فَإِنْ يَكُنْ عُثْمَانُ مُحْسِناً فَسَيَجْزِيهِ اللَّهُ بِإِحْسَانِهِ وَ إِنْ يَكُنْ مُسِيئاً فَسَيَلْقَى رَبَّاً غَفُوراً لاَ يَتَعَاظَمُهُ ذَنْبٌ أَنْ يَغْفِرَهُ وَ لَعَمْرِي إِنِّي لَأَرْجُو إِذَا أَعْطَى اللَّهُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ فَضَائِلِهِمْ فِي الْإِسْلاَمِ وَ نَصِيحَتِهِمْ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُنَا فِي ذَلِكَ الْأَوْفَرَ.
إِنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا دَعَا إِلَى الْإِيمَان بِاللَّهِ وَ التَّوْحِيدِ لَهُ كُنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ صَدَّقَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ فَلَبِثْنَا أَحْوَالاً كَامِلَةً مُجَرَّمَةً تَامَّةً وَ مَا يَعْبُدُ اللَّهَ فِي رَبْعٍ سَاكِنٍ مِنَ الْعَرَبِ غَيْرُنَا فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَاجْتِيَاحَ أَصْلِنَا وَ هَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ وَفَعَلُوا بِنَا الْأَفَاعِيلَ وَمَنَعُونَا الْمِيرَةَ وَأَمْسَكُوا عَنَّا الْعَذَبَ وَأَحْلَسُونَا الْخَوْفَ و جَعَلُوا عَلَيْنَا الْإِرْصَادَ وَالْعُیُونَ وَاضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعِرٍ وَ أَوْقَدُوا لَنَا وَلاَ نَارَ الْحَرْبِ وَ كَتَبُوا عَلَيْنَا بَيْنَهُمْ كِتَاباً لاَ يُؤَاكِلُونَنَا وَ لاَ يُشَارِبُونَنَا وَ لاَ يُنَاكِحُونَنَا وَ لاَ يُبَايِعُونَنَا وَ لاَ نَأْمَنُ فِيهِمْ حَتَّى نَدْفَعَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَيَقْتُلُوهُ وَ يُمَثِّلُوا بِهِ فَلَمْ نَكُنْ نَأْمَنُ فِيهِمْ إِلاَّ مِنْ مَوْسِمٍ إِلَى مَوْسِمٍ فَعَزَمَ اللَّهُ لَنَا عَلَى مَنْعِهِ وَالذَّبْ عَنْ حَوْزَتِهِ وَ الرَّمْيَاءَ مِنْ وَرَاءِ جَمْرَتِهِ وَ الْقِيَامَ بِأَسْيَافِنَا دُونَهُ فِي سَاعَاتِ الْخَوْفِ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ فَمُؤْمِنُنَا يَرْجُو بِذَلِكَ الثَّوَابَ وَ كَافِرُنَا يُحَامِي بِهِ عَنِ الْأَصْلِ وَ
ص: 467
أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدُ فَإِنَّهُمْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ أَخْلِيَاءُ فَمِنْهُمُ الْحَلِيفُ الْمَمْنُوعُ وَ مِنْهُمْ ذُو الْعَشِيرَةِ الَّتِي تُدَافِعُ عَنْهُ فَلاَ يَبْغِيهِ أَحَدٌ مِثْلَ مَا بَغَانَا بِهِ قَوْمُنَا مِنَ التَّلَفِ فَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ نَجْوَةٍ وَأَمْنٍ فَكَانَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِالْهِجْرَةِ وَ أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَ دُعِيَتْ نَزَالِ أَقَامَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَاسْتَقْدَمُوا فَوَقَى أَصْحَابَهُ بِهِمْ حَدَّ الْأَسِنَّةِ وَ السُّيُوفِ فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ وَ جَعْفَرٌ وَ زَيْدٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ إِسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ إِلاَّ أَنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ وَ مَنِيَّتَهُ أُخِّرَتْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَ اَلْمِنَّةُ عَلَيْهِمْ بِمَا قَدْ أَسْلَفُوا مِنَ الصَّالِحَاتِ فَمَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ وَ لاَ رَأَيْتُهُ هُوَ أَنْصَحُ لِلَّهِ فِي طَاعَةِ رَسُولِهِ وَلاَ و لا أَطْوَعُ لِنَبِيِّهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَ لاَ أَصْبَرُ عَلَى اللَّأُوَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ اَلْبَأْسِ وَمَوَاطِنَ الْمَكْرُوهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ الَّذِينَ سَمَّيْتُ لَكَ وَ فِي الْمُهَاجِرِينَ خَيْرٌ كَثِيرٌ تَعْرِفُهُ جَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْراً بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ.
ص: 468
وَ ذَكَرْتَ حَسَدِيَ الْخُلَفَاءَ وَ إِبْطَائِي عَنْهُمْ وَ بَغْيِي عَلَيْهِمْ فَأَمَّا الْبَغْيُ عَلَيْهِمْ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ وَأَمَّا الْإِبْطَاءُ عَنْهُمْ وَالْكَرَاهِيَةُ لِأَمْرِهِمْ فَلَسْتُ أَعْتَذِرُ إِلَى النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ.
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَتْ قُرَيْشٌ: مِنَّا أَمِيرٌ وَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرُ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مِنَّا مُحَمَّدٌ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْأَمْرِ فَعَرَفَتْ ذَلِكَ الْأَنْصَارُ فَسَلَّمَتْ لَهُمُ الْوِلاَيَةَ وَالسُّلْطَانَ فَإِذَا اِسْتَحَقُّوهَا بِمُحَمَّدٍ دُونَ الْأَنْصَارِ فَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِمُحَمَّدٍ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ وَإِلاَّ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ أَعْظَمُ الْعَرَبِ فِيهَا نَصِيباً.
فَلاَ أَدْرِي أَصْحَابِي سَلِمُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا حَقِّي أَخَذُوا أَوِ الْأَنْصَارُ ظُلِمُوا بَلْ عَرَفْتَ أَنَّ حَقِّي هُوَ الْمَأْخُوذُ وَ قَدْ تَرَكْتُهُ لَهُمْ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ وَ قَطِيعَتِي رَحِمَهُ وَ تَأْلِيبِي عَلَيْهِ فَإِنَّ عُثْمَانَ عَمِلَ مَا قَدْ بَلَغَكَ فَصَنَعَ النَّاسُ بِهِ مَا رَأَيْتَ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي قَدْ كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَ ضَرَبْتُ أَنْفَهُ وَ عَيْنَهُ فَلَمْ أَرَ دَفْعَهُمْ إِلَيْكَ وَ لاَ إِلَى غَيْرِكَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ
ص: 469
لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَ شِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَكَ لاَ يُكَلِّفُونَكَ أَنْ تَطْلُبَهُمْ فِي بَرٍّ وَلاَ بَحْرِ وَلاَ سَهْلِ وَلاَ جَبَلٍ.
وَ قَدْ كَانَ أَبُوكَ قَدْ أَتَانِي حِينَ وَلَّى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَنْتَ أَحَقُّ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ وَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ وَ أَنَا زَعِيمٌ لَكَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ خَالَفَ عَلَيْكَ أَبْسُطْ يَدَكَ أَبَايِعْكَ فَلَمْ أَفْعَلْ وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ أَبَاكَ قَدْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ وَأَرَادَهُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّذِي أَبَيْتُ عَلَيْهِ لِقُرْبِ عَهْدِ اَلنَّاسِ بِالْكُفْرِ وَ مَخَافَةِ الْفُرْقَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ.
فَأَبُوكَ كَانَ أَعْرَفَ بِحَقِّي مِنْكَ فَإِنْ تَعْرِفْ مِنْ حَقِّي مَا كَانَ أَبُوكَ يَعْرِفُ تُصِبْ رُشْدَكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكَ وَالسَّلاَمُ.(1)
قَالَ أَبَانٌ قَالَ سُلَيْمٌ: لَمَّا الْتَقَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ نَادَى عَلِيٌّ عليه السلام الزُّبَيْرَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أُخْرُجْ إِلَيَّ.
ص: 470
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَخْرُجُ إِلَى الزُّبَيْرِ النَّاکِثِ بَيْعَتَهُ وَ هُوَ عَلَى فَرَسٍ شَاكٍ فِي السِّلاحِ وَ أَنْتَ عَلَى بَعْلَةٍ بِلاَ سِلاَحٍ؟
فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: إِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ جُنَّةً وَاقِيَةً لَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ فِرَاراً مِنْ أَجَلِهِ وَ إِنِّي لاَ أَمُوتُ وَ لاَ أُقْتَلُ إِلاَّ عَلَى يَدَيْ أَشْقَاهَا كَمَا عَقَرَ قاقَةَ اللَّهِ أَشْقَى ثَمُودَ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَقَالَ: أَيْنَ طَلْحَةُ لِيَخْرُجَ فَخَرَجَ طَلْحَةُ.
فَقَالَ عليه السلام: نَشَدْتُكُمَا بِاللَّهِ أَ تَعْلَمَان وَ أُولُو الْعِلْمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ وَأَهْلَ النَّهْرَوَانِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانٍ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَ قَدْ خَابَ مَنِ اِفْتَرى؟
فَقَالَ الزُّبَيْرُ: كَيْفَ نَكُونُ مَلْعُونِينَ وَ نَحْنُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟
فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ لَمَا اسْتَحْلَلْتُ قِتَالَكُمْ.
فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَ مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: أُوجِبَ طَلْحَةَ الْجَنَّةُ وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ حَيّاً فَلْيَنْظُرْ
ص: 471
إِلَى طَلْحَةَ أَ وَ مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ عَشَرَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْجَنَّةِ؟
فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: فَسَمِّهِمْ.
قَالَ: فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً فِيهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.
فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: عَدَدْتَ تِسْعَةً فَمَن الْعَاشِرُ؟ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنْتَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَقْرَرْتَ أَنِّي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَمَّا مَا ادَّعَيْتَ لِنَفْسِكَ وَ أَصْحَابِكَ فَإِنِّى بِهِ لَمِنَ الْجَاحِدِينَ.
وَ اللَّهِ إِنَّ بَعْضَ مَنْ سَمَّيْتَ لَفِي تَابُوتٍ فِي جُبٍّ فِي أَسْفَلِ دَرْكِ مِنْ جَهَنَّمَ عَلَى ذَلِكَ الْجُبِّ صَخْرَةٌ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُسَعِّرَ جَهَنَّمَ رَفَعَ تِلْكَ الصَّخْرَةَ فَأُسْعِرَتْ جَهَنَّمُ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ إِلاَّ فَأَظْفَرَكَ اللَّهُ بِي وَ سَفَكَ دَمِي بِيَدِكَ وَإِلاَّ فَأَظْفَرَنِيَ اللَّهُ بِكَ وَ بِأَصْحَابِكَ. فَرَجَعَ الزُّبَيْرُ إِلَى أَصْحَابِهِ وَ هُوَ يَبْكِي.
ثُمَّ أَقْبَلَ عليه السلام عَلَى طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا طَلْحَةُ مَعَكُمَا نِسَاؤُكُمَا؟
قَالَ: لاَ.
ص: 472
قَالَ عَمَدْتُمَا إِلَى امْرَأَةٍ مَوْضِعُهَا فِي كِتَابِ اللهِ الْقُعُودُ فِي بَيْتِهَا فَأَبْرَزْتُمَاهَا وَ صُنْتُمَا حَلاَئِلَكُمَا فِي الْخِيَامِ وَالْحِجَالِ مَا أَنْصَفْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ أَنْفُسِكُمْ حَيْثُ أَجْلَسْتُمَا نِسَاءَ كُمَا فِي الْبُيُوتِ وَ أَخْرَجْتُمَا زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ لاَ يُكَلَّمْنَ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.
أَخْبِرْنِي عَنْ صَلاَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِكُمَا أَمَا يَرْضَى أَحَدُكُمَا بِصَاحِبِهِ أَخْبِرْنِي عَنْ دُعَائِكُمَا الْأَعْرَابَ إِلَى قِتَالِي مَا يَحْمِلُكَمَا عَلَى ذَلِكَ؟
فَقَالَ طَلْحَةُ: يَا هَذَا كُنَّا فِي اَلشُّورَى سِتَّةً مَاتَ مِنَّا وَاحِدٌ وَ قُتِلَ آخَرُ فَنَحْنُ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ كُلُّنَا لَكَ كَارِهُ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيَّ قَدْ كُنَّا فِي الشُورَى وَ الْأَمْرُ فِي يَدِ غَيْرِنَا وَ هُوَ الْيَوْمَ فِي يَدِي أَ رَأَيْتَ لَوْ أَرَدْتُ بَعْدَ مَا بَايَعْتُ عُثْمَانَ أَنْ أَرُدَّ هَذَا الْأَمْرَ شُورَى أَ كَانَ ذَلِكَ لِي؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: وَ لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّكَ بَايَعْتَ طَائِعاً.
فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: وَ كَيْفَ ذَلِكَ وَالْأَنْصَارُ مَعَهُمُ السُّيُوفُ مُخْتَرَطَةٌ يَقُولُونَ لَئِنْ فَرَغْتُمْ وَ بَايَعْتُمْ وَاحِداً مِنْكُمْ وَإِلاَّ ضَرَبْنَا
ص: 473
أَعْنَاقَكُمْ أَجْمَعِينَ فَهَلْ قَالَ لَكَ وَ لِأَصْحَابِكَ أَحَدٌ شَيْئاً مِنْ هَذَا حَيْثُ بَايَعْتُمَانِي وَ حُجَّتِي فِي الاِسْتِكْرَاهِ فِي الْبَيْعَةِ أَوْضَحُ مِنْ حُجَّتِكَ وَقَدْ بَايَعْتَنِي أَنْتَ وَ صَاحِبُكَ طَائِعَيْنِ غَيْرَ مُكْرَهَيْن وَكُنْتُمَا أَوَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ لَتُبَايِعَانِ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكُمَا؟ فَانْصَرَفَ طَلْحَةُ وَنَشِبَ الْقِتَالُ فَقُتِلَ طَلْحَةُ وَانْهَزَمَ الزُّبَيْرُ(1).
سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ يَقُولُ... وَ قَدْ سَمِعْتُ عَلِيّاً عليه السلام يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَ هُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: إِنَّ التَّقِيَّةَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَ لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ تَقِيَّةَ لَهُ. وَ اللَّهِ لَوْ لاَ التَّقِيَّةُ مَا عُبِدَ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فِي دَوْلَةِ إِبْلِيسَ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَ مَا دَوْلَةُ إِبْلِيسَ؟
قالَ عليه السلام: إِذَا وَلِيَ النَّاسَ إِمَامُ ضَلاَلَةٍ فَهِيَ دَوْلَةُ إِبْلِيسَ عَلَى آدَمَ، وَإِذَا وَلِيَهُمْ إِمَامُ هُدًى فَهِيَ دَوْلَةُ آدَمَ عَلَى إِبْلِيسَ.
ص: 474
ثُمَّ هَمَسَ إِلَى عَمَّارٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هَمْسَةً وَأَنَا أَسْمَعُ، فَقَالَ: مَا زِلْتُمْ مُنْذُ قُبِضَ نَبِيُّكُمْ فِي دَوْلَةِ إِبْلِيسَ بِتَرْكِكُمْ إِيَّايَ وَإِتِّبَاعِكُمْ غَيْرِي.
...
ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ مَهْرَةَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِجَنْبِهِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام - وَأَنَا أَسْمَعُ: يَا أَخَا مَهْرَةَ، أَجِئْتَ لِتُبَايِعَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: تُبَايِعُنِي عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله قُبِضَ وَ الْأَمْرُ لِي، فَانْتَزَى عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ظُلْماً وَ عُدْوَاناً، ثُمَّ انْتَرَى عَلَيْنَا بَعْدَهُ عُمَرُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَبَايَعَهُ عَلَى ذَلِكَ طَائِعاً غَيْرَ مَكْرَهٍ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ: أَ فَبَايَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: لاَ، إِنَّمَا بَايَعَ مَنْ أَمِنَ وَ وَثِقَ بِهِ عَلَى هَذَا .....(1)
ص: 475
وَ عَنْ سُلَيْمٍ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب عليه السلام: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا الْأَمْرُ اللاّزِمُ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ وَالْأَمْرُ الَّذِي إِذَا أَخَذْتُ بِهِ وَسِعَنِي الشَّكُّ فِيمَا سِوَاهُ؟
فَقَالَ عليه السلام: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَ أَقَرَّ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَ صِيَامٍ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ حِجِّ الْبَيْتِ وَالْوَلاَيَةِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ عَدُوِّنَا وَ اجْتَنَبَ كُلَّ مُسْكِرٍ.
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، الْإقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِكُمْ جُمْلَةً أَوْ مُفَسَّراً؟
قَالَ: لاَ، بَلْ جُمْلَةً. ...
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا قُلْتَ إِلاَّ وَقَدْ صَحَّ غَيْرَ الْوَلاَيَةِ، أَ عَامَّةٌ لِجَمِيعِ بَنِي هَاشِمٍ أَوْ خَاصَّةٌ لِفُقَهَائِكُمْ وَ عُلَمَائِكُمْ الْبَرَاءَةُ مِنْ عَدُوِّكُمْ، مَنْ عَادَى جَمِيعَكُمْ أَوْ مَنْ عَادَى رَجُلاً مِنْكُمْ؟
ص: 476
فَقَالَ عليه السلام: لَقَدْ سَأَلْتَ - يَا أَخَا بَنِي هِلاَلٍ فَافْهَمْ. إِذَا أَتَيْتَ بِوَلاَيَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي الْجُمْلَةِ وَ بَرِئْتَ مِنْ أَعْدَائِنَا فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ أَجْزَأَكَ.
فَإِنْ عَرَّفَكَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ مِنَا الْأَوْصِيَاءَ الْعُلَمَاءَ الْفُقَهَاءَ، فَعَرَفْتَهُمْ وَأَقْرَرْتَ لَهُمْ بِالطَّاعَةِ وَأَطَعْتَهُمْ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَأَنْتَ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
وَإِنْ وَحَّدْتَ اللَّهَ وَ شَهِدْتَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَأَخَذْتَ بِمَا لَيْسَ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِيهِ اخْتِلاَفٌ - مِمَّا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ بِهِ وَ نَهَى عَنْهُ وَ أَشْكَلَ عَلَيْكَ مَوْضِعُ الْإِمَامَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْعِلْمِ وَ الْفِقْهِ فَرَدَدْتَ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَ لَمْ تُعَادِهِمْ وَ لَمْ تَبَرَّأُ مِنْهُمْ وَ لَمْ تَنْصِبْ لَهُمُ الْعَدَاوَةَ، فَأَنْتَ جَاهِلٌ بِمَا جَهِلْتَ ضَالُّ عَمَّا اهْتَدَى إِلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالْوَلاَيَةِ، لِلَّهِ فِيكَ الْمَشِيَّةُ، إِنْ عَذَّبَكَ فَبِذَنْبكَ وَإِنْ تَجَاوَزَ عَنْكَ فَبِرَحْمَتِهِ.
وَ أَمَّا النَّاصِبُ لَنَا وَ الْمُعَادِي لَنَا فَمُشْرِكٌ كَافِرُ عَدُوٌّ لِلَّهِ، وَالْعَارِفُونَ بِحَقِّنَا الْمُؤْمِنُونَ بِنَا مُؤْمِنُونَ مُسَلِّمُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ(1).
ص: 477
قال اميرالمومنين عليه السلام: يَا مَعْشَرَ شِيعَتِنَا وَ الْمُنْتَحِلِينَ مَوَدَّتَنَا إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْي، فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، تَفَلَّتَتْ مِنْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا وَ أَعْيَتْهُمُ السُّنَّةُ أَنْ يَعُوهَا، فَاتَّخَذُوا عِبَادَ اللَّهِ خَوَلاً، وَ مَالَهُ دُوَلاً، فَذَلَّتْ لَهُمُ الرِّقَابُ وَأَطَاعَهُمُ الْخَلْقُ أَشْبَاهُ الْكِلاَبِ، وَ نَازَعُوا الْحَقَّ أَهْلَهُ، وَتَمَثَّلُوا بِالْأَئِمَّةِ الصَّادِقِينَ وَهُمْ مِنَ الْجُهَّالِ وَ الْكُفَّارِ وَ الْمَلاعِين، فَسُئِلُوا عَمَّا لاَ يَعْلَمُونَ، فَأَنِفُوا أَنْ يَعْتَرفُوا بِأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ، فَعَارَضُوا الدِّينَ بِآرَائِهِمْ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. أَمَّا لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالْقِيَاسِ لَكَانَ بَاطِنُ الرِّجْلَيْنِ أَوْلَى بِالْمَسْحَ مِنْ ظَاهِرِهِمَا(1)
عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ: بَيْنَمَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عليه السلام فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يُجَهِّرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَ
ص: 478
يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى قِتَالِهِ إِذِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلاَن فَعَلاَ صَوْتُ أَحَدِهِمَا فِي الْكَلاَمِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، وَقَالَ لَهُ: «اِخْسَأ» فَإِذَا رَأْسُهُ رَأْسُ كَلْبٍ، فَبُهِتَ الَّذِينَ حَوْلَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ بِأَصَابِعِهِ وَ تَضَرَّعَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ، أَقِلْهُ عَثْرَتَهُ. فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَعَادَ كَمَا كَانَ.
فَوَثَبَ أَصْحَابُهُ وَ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اَلْقُدْرَةُ تُمْكِنُكَ عَلَى مَا تُرِيدُ، وَ أَنْتَ تُجَهِّزُ إِلَى مُعَاوِيَةَ؟!
فَأَطْرَقَ هُنَيْهَةً وَ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: «وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أُطَوِّلَ بِرِجْلِي هَذِهِ الْقَصِيرَةِ فِي طُولِ هَذِهِ الْفَيَافِي الَّتِي تَسِيرُونَهَا، وَ هَذِهِ الْجِبَالِ وَ الْأَوْدِيَةِ حَتَّى أَضْربَ بِهَا صَدْرَ مُعَاوِيَةَ لَفَعَلْتُ، وَ لَوْ أَقْسَمْتُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أُؤْتَى بِهِ قَبْلَ أَنْ أَقُومَ مِنْ مَجْلِسِى هَذَا، وَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَى أَحَدِكُمُ الطَّرْفُ لَفَعَلَ، وَ لَكن عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ(1).
ص: 479
نقلها عن كتاب صوارم الحاسمة في تاريخ الزهراء فاطمة سلام الله عليها للعالم المحدث الآغا فتح الله الكمالي الاسترآبادي والكتاب في المكتبة الشوشترية في النجف الأشرف من موقوفات الشيخ على محمد النجف آبادي وهو كتاب مخطوط بقطع الصغير الثلثي قد نقلها فيه عن كتاب كشف اللئالي لابن العرندس قال قال لما أوقف عليه السلام تكلّم:
فقال عليه السلام: أَيَّتُهَا الْغَدَرَةُ الْفَجَرَةُ، وَ النَّطْفَةُ القَذَرَةُ المَذَرَةُ، وَ الْبَهِيمَةُ السَّآئِمَةُ، نَهَضْتُمْ عَلى أقْدامِكُمْ، وَ شَمَّرْتُمْ لِلضَّلالِ عَنْ ساعِدِكُمْ، تَبْغُونَ بِذلِكَ النِّفاقَ، وَتُحِبّونَ مُراقَبَةَ الْجَهْلِ وَ الشِّقاقِ أَفَظَنَنْتُمْ أَنَّ سُيُوفَكُمْ ماضِيَةٌ، ونُفوسَكُمْ واعِيَةٌ، اَلا سآءَ ما قَدَّمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ آيَتُهَا الْأَوَقَةُ الْمُتَشَتِّتَةُ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا، وَالْمُلْحِدَة بَعْدَ انْتِقاعِها، وَ أَنْتُمْ غَيْرُ مُراقِبينَ، وَ لا مِنَ اللَّهِ بخآئِفِينَ، أَجَلْ وَاللهِ ذلِكَ اَمْرٌ أَبْرَزَتْهُ ضَمَآئِرُكُمْ، وَ أَضْرَبَتْ عَنْ مَحْضِهِ خُبْثُ سَرَآئِرِكُمْ فَاسْتَبْقوُا أَنْتُمْ الْجَذَلُ بِالباطِل فَتَنْدِمُوا، وَنَسْتَبْقى نَحْنُ الْحَقَّ فَيَهْدينا رَبُّنَا سَوآءَ السَّبِيلِ، وَيُنْجِزُ لَنا ما وَعَدَنا عَلىَ الصَّبْرِ الْجَمِيلِ وَ ما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ
ص: 480
لِلْعَبِيدِ، فَدَحْضاً دَحْضاً، وَ شَوْهَةً شَوْهَةً، لِنُفُوسِكُمُ الَّتى رَغِبَتْ بِدُنْيا طالَ ما حَذَّرَكُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و آله عَنْهَا، فَعَلِقْتُمْ بِأَطْرافِ قطيعَتِها، وَرَجَعْتُمْ مُتَسالِمِينَ دُونَ جَديعَتِها، زَهِدَتْ نُفوسُكُمُ الْأَمَارَةُ فیِ الْآخِرَةِ الْباقِيَةِ، وَ رَغِبَتْ نُفوسُنا فيها زَهِدْتُمْ فِيهِ، وَ الْمَوْعِدُ قَرِيبٌ، وَ الرَّبُّ نِعْمَ الْحَاكِمُ.
اَوَ تُضْرَبُ الزَّهْرَآءُ نَهْراً، وَيُؤْخَذُ مِنَّا حَقُّنا قَهْراً وَ جَبْراً فَلا نَصِيرَ وَ لا مُجِيرَ، وَلا مُسْعِدَ وَ لا مُنْجِدَ، فَلَيْتَ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ مَاتَ قَبْلَ يَوْمِهِ فَلا يَرَى الْكَفَرَةَ الْفَجَرَةَ قَدِ ازْدَحَموُا عَلى ظُلْمِ الطَّاهِرَةِ الْبَرَةِ فَتَبّاً تَبّاً و سُحْقاً سُحْقاً، ذلِكَ أَمْرُ إِلىَ اللَّهِ مَرْجِعُهُ، وَ إِلى رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله مَدْفَعُهُ، فَقَدْ عَزَّ عَلىَ ابْنِ اَبیطالِبٍ أَنْ يُسَوَّدَ مَتْنُ فَاطِمَةَ ضَرْباً، وَ قَدْ عُرِفَ مَقامُهُ، وَ شُوهِدَتْ آيَامُهُ، فَلا يَئُورُ إِلى عَقِيلَتِهِ، وَ لا يُصِرُّ دُونَ حَليلَتِهِ، فَالصَّبْرِ أَيْمَنُ وَأَجْمَلُ، وَ الرِّضا بما رَضِيَ اللَّهُ بهِ أَفْضَلُ، لِكَيْلا يَزوُلَ الْحَقُّ عَنْ وَقْرِهِ، وَ يَظْهَرَ الْباطِلُ مِنْ وَكْرِهِ، حَتَّى الْقَى رَبّى فَأَشْكُو إِلَيْهِ مَا ارْتَكَبْتُمْ مِنْ غَصْبكُمْ حَقّى وَ تَماطُلِكُمْ صَدْرى، وَ هُوَ
ص: 481
خَيْرُ الْحاكِمِينَ، وَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ، وَ سَيَجْزىِ اللهُ الشَّاكِرِينَ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ(1).
وَ رَوَى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عَامِرٍ الْأَسَدِيِّ: أَنَّ عَلِيّاً كَتَبَ بِفَتْحِ الْبَصْرَةِ مَعَ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْأَرْحَبِيِّ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ:
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَ مَنْ قِبَلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكُمُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا لَقِينَا الْقَوْمَ النَّاكِثِينَ لِبَيْعَتِنَا الْمُفَرِّقِينَ لِجَمَاعَتِنَا الْبَاغِينَ عَلَيْنَا مِنْ أُمَّتِنَا فَحَاجَجْنَاهُمْ إلَى اللَّهِ فَنَصَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَتَلَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَقَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمَا بِالْمَعْذِرَةِ وَاسْتَشْهَدْتُ عَلَيْهِمَا صُلَحَاءَ الْأُمَّةِ وَنَكْثِهِمَا بِالْبَيْعَةِ فَمَا أَطَاعَا الْمُرْشِدِينَ وَلاَ أَجَابَا النَّاصِحِينَ.
ص: 482
وَ لاَذَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِعَائِشَةَ فَقُتِلَ حَوْلَهَا عَالَمٌ جَمٌّ لاَ يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ وَجْهَ بَقِيَّتِهِمْ فَأَدْبَرُوا فَمَا كَانَتْ نَاقَةُ الْحِجْرِ بِأَشْأَمَ مِنْهَا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمِصْرِ مَعَ مَا جَاءَتْ بِهِ مِنَ الْحُوبِ الْكَبِيرِ فِي مَعْصِيَتِهَا لِرَبِّهَا وَ نَبِيِّهَا وَ اِغْتِرَارِ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا وَ مَا صَنَعَتْهُ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِلاَ بَيِّنَةٍ وَ لاَ مَعْذِرَةٍ وَلاَ حُجَّةٍ لَهَا.
فَلَمَّا هَزَمَهُمُ اللَّهُ أَمَرْتُ أَنْ لاَ يُقْتَلَ مُدْبِرٌ وَ لاَ يُجْهَزَ عَلَى جَرِيحٍ وَلاَ يُكْشَفَ عَوْرَةٌ وَ لاَ يُهْتَكَ سِتْرٌ وَ لاَ يُدْخَلَ دَارٌ إِلاَّ بِإِذْنِ أَهْلِهَا وَقَدْ آمَنْتُ النَّاسَ وَ قَدِ اسْتُشْهِدَ مِنَّا رِجَالٌ صَالِحُونَ ضَاعَفَ اللَّهُ لَهُمُ الْحَسَنَاتِ وَ رَفَعَ دَرَجَاتِهِمْ وَأَثَابَهُمْ ثَوَابَ الصَّابِرِينَ وَ جَزَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِمْ أَحْسَنَ مَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِطَاعَتِهِ وَ الشَّاكِرِينَ لِنِعْمَتِهِ فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ وَ دُعِيتُمْ فَأَجَبْتُمْ فَنِعْمَ الْإِخْوَانُ وَالْأَعْوَانُ عَلَى الْحَقِّ أَنْتُمْ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ كَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَ ثَلَاَثِينَ(1).
ص: 483
1 - أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ اِسْتَأْذَنَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرَدَّهُ قَنْبَرُ فَأَدْمَى أَنْفَهُ فَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ مَا لِي وَ لَكَ يَا أَشْعَثُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ بِعَبْدِ ثَقِيفٍ تَمَرَّسْتَ لَأَقْشَعَرَّتْ شُعَيْرَاتُ اِسْتِكَ.
قَالَ: وَ مَنْ غُلاَمُ ثَقِيفٍ؟
قَالَ: غُلاَمٌ يَلِيهِمْ لاَ يُبْقِي بَيْتاً مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ الذُّلَّ.
قَالَ كَمْ يَلِي؟ قَالَ: عِشْرِينَ إِنْ بَلَغَهَا.
قَالَ الرَّاوِي فَوُلِّيَ الْحَجَّاجُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ(1).
2 - أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَكَّارُ بْنُ كَرْدَمٍ وَ عِيسَى بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْنَاهُ وَ هُوَ يَقُولُ:
ص: 484
جَاءَتِ امْرَأَةٌ شَنِيعَةٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَ قَدْ قَتَلَ أَبَاهَا وَ أَخَاهَا فَقَالَتْ: هَذَا قَاتِلُ الْأَحِبَّةِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: يَا سَلْفَعُ يَا جَرِيئَةُ يَا بَذِيَّةُ يَا مُذَكَّرَةُ يَا أَلَّتِي لاَ تَحِيضُ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ يَا اَلَّتِي عَلَى هَنِهَا شَيْءٌ بَيِّنُ مُدَلٍّى.
قَالَ: فَمَضَتْ وَ تَبِعَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ كَانَ عُثمَانِيّاً فَقَالَ لَهَا: أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ مَا يَزَالُ يُسْمِعُنَا ابْنُ أَبِي طَالِبِ الْعَجَائِبَ فَمَا نَدْرِي حَقَّهَا مِنْ بَاطِلِهَا وَ هَذِهِ دَارِي فَادْخُلِي فَإِنَّ لِي أُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ حَتَّى يَنْظُرْنَ حَقّاً أَمْ بَاطِلاً وَ أَهَبَ لَكِ شَيْئاً.
قَالَ: فَدَخَلَتْ فَأَمَرَ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ فَنَظَرْنَ فَإِذَا شَيْءٌ عَلَى رَكَبِهَا مُدَلًّى فَقَالَتْ يَا وَيْلَهَا إِطَّلَعَ مِنْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إِلاَّ أُمِّي أَوْ قَابِلَتِي.
قَالَ فَوَهَبَ لَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ لَعَنَهُ اللَّهُ شَيْئاً.(1)
3 - مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْخَزَّازِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ:
ص: 485
بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ إِذْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي عَلَى زَوْجِهَا فَقَضَى لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا فَغَضِبَتْ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا الْحَقُّ فِيمَا قَضَيْتَ وَ مَا تَقْضِي بالسَّوِيَّةِ وَ لاَ تَعْدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ وَلاَ قَضِيَّتُكَ عِنْدَ اللَّهِ بِالْمَرْضِيَّةِ.
فَنَظَرَ إِلَيْهَا مَلِيّاً ثُمَّ قَالَ لَهَا: كَذَبْتِ يَا جَرِيئَةُ يَا بَذِيَّةُ يَا سَلْفَعُ يَا سَلَقْلَقِيَّةُ يَا اَلَّتِي لاَ تَحْمِلُ مِنْ حَيْثُ تَحْمِلُ النِّسَاءُ.
قَالَ: فَوَلَّتِ الْمَرْأَةُ هَارِبَةً مُوَلْوِلَةً وَ تَقُولُ وَيْلِي وَيْلِي وَيْلِي لَقَدْ هَتَكْتَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ سِتْراً كَانَ مَسْتُوراً.
قَالَ: فَلَحِقَهَا عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ فَقَالَ: يَا أَمَةَ اللَّهِ لَقَدِ اسْتَقْبَلْتِ عَلِيّاً بِكَلاَمٍ سَرَرْتِنِي بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ نَزَعَ لَكِ بِكَلاَمٍ فَوَلَّيْتِ هَارِبَةً تُوَلْوِلِينَ.
فَقَالَتْ: إِنَّ عَلِيّاً وَ اللَّهِ أَخْبَرَنِي بِالْحَقِّ وَ بِمَا أَكْتُمُهُ مِنْ زَوْجِي مُنْذُ وَلِيَ عِصْمَتِي وَ مِنْ أَبَوَيَّ.
فَعَادَ عَمْرٌو إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ وَ قَالَ لَهُ فِيمَا يَقُولُ مَا أَعْرَفَكَ بِالْكِهَانَةِ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام: وَيْلَكَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِالْكِهَانَةِ مِنِّي وَ لَكِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَيْ عَامٍ فَلَمَّا رَكَّبَ الْأَرْوَاحَ فِي
ص: 486
أَبْدَانِهَا كَتَبَ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ كَافِرٌ وَ مُؤْمِنٌ وَمَا هُمْ مُبْتَلَيْنَ وَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئِ عَمَلِهِمْ وَ حُسْنِهِ فِي قَدْرِ أُذُنِ الْفَأْرَةِ ثُمَّ أَنْزَلَ بِذَلِكَ قُرْآناً عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله فَقَال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله الْمُتَوَسِّمَ ثُمَّ أَنَا مِنْ بَعْدِهِ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِي هُمُ الْمُتَوَسِّمُونَ فَلَمَّا تَأَمَّلْتُهَا عَرَفْتُ مَا فِيهَا وَ مَا هِيَ عَلَيْهِ بِسِيمَائِهَا(1).
4 - وَ مِنْهَا: مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الصَّيْرَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُرَادٍ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً عَلَى رَأْسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْمَ الْبَصْرَةِ إِذْ أَتَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدَ الْقِتَالِ فَقَالَ: إِنَّ لِي حَاجَةً.
فَقَالَ عليه السلام: مَا أَعْرَفَنِي بِالْحَاجَةِ الَّتِي جِئْتَ فِيهَا تَطْلُبُ الْأَمَانَ لاِبْنِ الْحَكَمِ. قَالَ: مَا جِئْتُ إِلاَّ لِتُؤْمِنَهُ.
قَالَ: قَدْ آمَنْتُهُ وَ لَكِن اِذْهَبْ وَ جِئْنِي بِهِ وَ لاَ تَجِئْنِي بِهِ إِلاَّ رَدِيفاً فَإِنَّهُ أَذَلُّ لَهُ. فَجَاءَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ مُرْدَفاً خَلْفَهُ كَأَنَّهُ قِرْدٌ.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : تُبَايِعُ
ص: 487
قَالَ: نَعَمْ وَ فِي النَّفْسِ مَا فِيهَا قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي الْقُلُوبِ.
فَلَمَّا بَسَطَ يَدَهُ لِيُبَايِعَهُ أَخَذَ كَفَّهُ عَنْ كَفِّ مَرْوَانَ فَنَتَرَهَا فَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ عِشْرِينَ مَرَّةً لَنَكَثَ بِاسْتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: هِيهِ يَا ابْنَ الْحَكَمِ خِفْتَ عَلَى رَأْسِكَ أَنْ يَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَعْمَعَةِ كَلاَّ وَاللَّهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ صُلْبِكَ فُلاَنٌ وفُلاَنٌ يَسُومُونَ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَسْفاً وَيَسْقُونَهُمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً.(1)
5 - الصدوق قال أَبِي عَنِ الْكُمَيْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ اِبْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ السَّمِينِ عَنِ ابْنِ طَرِيفٍ عَنِ ابْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَخْطُبُ النَّاسَ وَ هُوَ يَقُولُ: سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَوَ اللَّهِ لاَ تَسْأَلُونِّي عَنْ شَيْءٍ مَضَى وَ لاَ عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمْ بِهِ.
فَقَامَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي كَمْ فِي رَأْسِي وَ لِحْيَتِي مِنْ شَعْرَةٍ؟
ص: 488
فَقَالَ لَهُ: أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ حَدَّثَنِي خَلِيلِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَنَّكَ سَتَسْأَلُنِي عَنْهَا وَ مَا فِي رَأْسِكَ وَ لِحْيَتِكَ مِنْ شَعْرَةٍ إِلاَّ وَ فِي أَصْلِهَا شَيْطانٌ جَالِسٌ.
وَ إِنَّ فِي بَيْتِكَ لَسَخْلاً يَقْتُلُ الْحُسَيْنَ اِبْنِي وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ يَوْمَئِذٍ يَدْرُجُ بَيْنَ يَدَيْهِ.(1)
وَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيُّ عليه السلام قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: مَنْ قَوَّى مِسْكِيناً فِي دِينِهِ ضَعِيفاً فِي مَعْرِفَتِهِ عَلَى نَاصِبٍ مُخَالِفٍ فَأَفْحَمَهُ لَقَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ يُدْلَى فِي قَبْرِهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ رَبِّي وَ مُحَمَّدٌ نَبِيِّي وَعَلِيٌّ وَلِيِّي وَالْكَعْبَةُ قِبْلَتِي وَ اَلْقُرْآنُ بَهْجَتِي وَ عُدَّتِي وَ الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَانِي.
فَيَقُولُ اللَّهُ: أَدْلَيْتَ بِالْحُجَّةِ فَوَجَبَتْ لَكَ أَعَالِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَحَوَّلُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ أَنْزَهَ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.(2)
ص: 489
ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام: نَقِيقُ الدِّيكِ: أذْكُرُوا اللهَ يَا غَافِلِينَ.
وَ صَهِيلُ الْفَرَسِ: اَللَّهُمَّ انْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى عِبَادِكَ الْكَافِرِينَ.
وَ نَهِيقُ الْحِمَارِ: أَنْ يَلْعَنَ الْعَشَّارِينَ وَيَنْهَقَ فِي عَيْنِ الشَّيْطَانِ.
وَ نَقِيقُ الضِّفْدِع: سُبْحَانَ رَبِّي الْمَعْبُودِ الْمُسَبَّحَ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ.
وَأَنِيقُ الْقُبَّرَةِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي آلِ مُحَمَّدِ(1).
کلام امیرالمومنین علیه السلام: لو لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَمَّدِيِّ عَنْ أَبِي رَوْحٍ فَرَجِ بْنِ قُرَّةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه
ص: 490
السلام بِالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ ثُمَّ قَالَ:...
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْمُنْتَحِلِينَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَثِيرٌ وَ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرٍّ الْحَقِّ وَ لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَتَشَجَّعْ عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ وَ لَمْ يَقُومَنَّ قَوِيٌّ عَلَيْكُمْ عَلَى هَضْمِ الطَّاعَةِ وَ إِزْوَائِهَا عَنْ أَهْلِهَا لَكِنْ تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى عَهْدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ.
وَ لَعَمْرِي لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُمُ التِّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَ لَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ مِنْ بَعْدِي مُدَّةَ سُلْطَانٍ بَنِي أُمَيَّةَ لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى سُلْطَانِ الدَّاعِي إِلَى الضَّلاَلَةِ وَأَحْيَيْتُمُ الْبَاطِلَ وَخَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَ قَطَعْتُمُ الْأَدْنَى مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَ وَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.
وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدْ ذَابَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ لَدَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ وَ قَرُبَ الْوَعْدُ وَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَ بَدَا لَكُمُ النَّجْمُ ذُو الذَّنَبِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَلاَحَ لَكُمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اِتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرِقِ سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ اَلْعَمَى وَ اَلصَّمَمِ وَ اَلْبَكَمِ وَ كُفِيتُمْ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَ
ص: 491
اَلتَّعَسُّفِ وَ نَبَذْتُمُ التَّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ وَ لَا يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلاَّ مَنْ أَبَى وَ ظَلَمَ وَاعْتَسَفَ وَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(1).
حَدَّثَنَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقِ النَّهْدِيِّ عَنْ اَلْحُسَیْنِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ ظَرِيفٍ عَنِ الْأَصْبَعْ بْن نُبَاتَةَ: قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ:
أَنَا خَيْرُ الْوَصِيِّينَ وَ وَصِيُّ سَيْدِ النَّبِيِّينَ أَنَا إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ وَقَائِدُ الْمُتَّقِينَ وَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ زَوْجُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَنَا الْمُتَخَتِّمُ بِالْيَمِينِ وَالْمُعَفِّرُ لِلْجَبِينِ أَنَا الَّذِي هَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ وَ بَايَعْتُ الْبَيْعَتَيْنِ أَنَا صَاحِبُ بَدْرٍ وَ حُنَيْنِ أَنَا الضَّارِبُ بِالسَّيْفَيْنِ وَ الْحَامِلُ
ص: 492
عَلَى فَرَسَيْنِ أَنَا وَارِثُ عِلْمِ الْأَوَّلِينَ وَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى اَلْعَالَمِينَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ.
أَهْلُ مُوَالاَتِي مَرْحُومُونَ وَأَهْلُ عَدَاوَتِي مَلْعُونُونَ وَ لَقَدْ كَانَ حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله كَثِيراً مَا يَقُولُ لِي: حُبُّكَ تَقْوَى وَ إيمَانٌ وَبُعْضُكَ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَأَنَا بَيْتُ الْحِكْمَةِ وَأَنْتَ مِفْتَاحُهُ وَكَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي وَ يُبْغِضُكَ(1).
اِبْنُ الْمُتَوَكِّلِ، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ قُدَّامَ مِنْبَرِكُمْ هَذَا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ
ص: 493
مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسِ الْكِنْدِيُّ وَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْبَجَلِيُّ.
ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى أَنَسِ بْن مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا أَنَسُ! إِنْ كُنتَ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ»، ثُمَّ لَمْ تَشْهَدْ لِيَ الْيَوْمَ بِالْوَلاَيَةِ فَلاَ أَمَاتَكَ اللَّهُ حَتَّى يَبْتَلِيَكَ بِبَرَصٍ لاَ تُغَطِّيهِ الْعِمَامَةُ.
وَأَمَّا أَنْتَ يَا أَشْعَثُ فَإِنْ كُنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ هُوَ يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ» ثُمَّ لَمْ تَشْهَدْ لِيَ الْيَوْمَ بِالْوَلاَيَةِ فَلاَ أَمَاتَكَ اللَّهُ حَتَّى يَذْهَبَ بِكَرِيمَتَيْكَ.
وَ أَمَّا أَنْتَ يَا خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ إِنْ كُنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ» ثُمَّ لَمْ تَشْهَدْ لِيَ الْيَوْمَ بِالْوَلاَيَةِ فَلاَ أَمَاتَكَ اللَّهُ إلاَّ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.
وَأَمَّا أَنْتَ يَا بَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ إِنْ كُنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلاَهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ
ص: 494
وَالاَهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ» ثُمَّ لَمْ تَشْهَدْ لِيَ الْيَوْمَ بِالْوَلاَيَةِ فَلاَ أَمَاتَكَ اللَّهُ إِلاَّ حَيْثُ هَاجَرْتَ مِنْهُ.
قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ: وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَ قَدِ ابْتُلِيَ بِبَرَصٍ يُغَطِّيهِ بِالْعِمَامَةِ فَمَا تَسْتُرُهُ.
وَ لَقَدْ رَأَيْتُ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ وَ قَدْ ذَهَبَتْ كَرِيمَتَاهُ وَ هُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ دُعَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام بِالْعَمَى فِي الدُّنْيَا وَ لَمْ يَدْعُ عَلَيَّ بِالْعَذَابِ فِي الآخِرَةِ فَأُعَذَّبَ.
وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ فَإِنَّهُ مَاتَ فَأَرَادَ أَهْلُهُ أَنْ يَدْفِنُوهُ، وَ حُفِرَ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدُفِنَ، فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ کِنْدَةُ فَجَاءَتْ بِالْخَيْلِ وَالْإِبِل فَعَقَرَتْهَا عَلَى بَاب مَنْزِلِهِ، فَمَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.
وَأَمَّا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فَإِنَّهُ وَلاَّهُ مُعَاوِيَةُ الْيَمَنَ فَمَاتَ بِهَا وَ مِنْهَا كَانَ هَاجَرَ(1).
ص: 495
عَنْ نَوْفِ الْبِكَالِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ هُوَ فِي رَحْبَةِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فَقُلْتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقَالَ وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا نَوْفُ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِظْنِي.
ثُمَّ قَالَ: ... وَ كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ وُلِدَ مِنْ حَلاَلِ وَهُوَ يُبْغِضُنِي وَ يُبْغِضُ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِي.
... يَا نَوْفُ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلاَ تَكُنْ لِلظَّالِمِينَ مُعِيناً. يَا نَوْفُ مَنْ أَحَبَّنَا كَانَ مَعَنَا وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اَللَّهُ مَعَهُ. يَا نَوْفُ إِيَّاكَ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِلنَّاسِ وَ تُبَارِزَ اللَّهَ بِالْمَعَاصِي فَتَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاكَ وَ هُوَ عَلَيْكَ غَضْبَانُ يَا نَوْفُ احْفَظْ عَنِّى مَا أَقُولُ لَكَ وَهُوَ تَنَلْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ(1)
ص: 496
ابْنُ قُوَلَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلَوِيَّةَ، عَنِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الرَّازِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَن بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ:
لَمَّا بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام مَسِيرُ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ وَ عَائِشَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْبَصْرَةِ نَادَى الصَّلاَةَ جَامِعَةً، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّهُ صلی الله علیه وآله قُلْنَا: نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِهِ وَ عَصَبَتُهُ وَ وَرَثَتُهُ وَ أَوْلِيَاؤُهُ وَ أَحَقُّ خَلاَئِقِ اللَّهِ بِهِ، لاَ نُنَازَعُ حَقَّهُ وَ سُلْطَانَهُ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ إِذْ نَفَرَ الْمُنَافِقُونَ فَانْتَزَعُوا سُلْطَانَ نَبِيِّنَا صلی الله علیه وآله مِنَّا وَ وَلَّوْهُ غَيْرَنَا، فَبَكَتْ لِذَلِكَ وَاللَّهِ الْعُيُونُ وَالْقُلُوبُ مِنَّا جَمِيعاً، وَ خَشُنَتْ وَ اللَّهِ الصُّدُورُ.
وَ اَيْمُ اللَّهِ لَوْ لاَ مَخَافَةُ الْفُرْقَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعُودُوا إِلَى الْكُفْرِ، وَ يَعُودَ الدِّينُ، لَكُنَّا قَدْ غَيَّرْنَا ذَلِكَ مَا اسْتَطَعْنَا.
وَ قَدْ وَلِيَ ذَلِكَ وَلاَةٌ وَ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ وَ رَدَّ اللهُ الأَمْرَ إلَيَّ وَ قَدْ بَايَعَانِي وَ قَدْ نَهَضَا إِلَى الْبَصْرَةِ لِيُفَرِّقَا جَمَاعَتَكُمْ، وَيُلْقِيَا بَأْسَكُمْ بَيْنَكُمْ.
ص: 497
اَللَّهُمَّ فَخُذْهُمَا لِغِشِّهِمَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَسُوءِ نَظَرِهِمَا لِلْعَامَّةِ(1).
1 - وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي الْحَوَارِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فَارِسِ بْنِ مَا هَوَيْهِ عَنْ إِسَماعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ النَّهْرَوَانِيِّ عَنْ مَاهَانَ الْأَبُلِّيِّ عَنِ الْمُفَضَّل بن عُمَرَ الْجُعْفِيِّ عَن الصَّادِقِ عليه السلام: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَانَ حَوْلَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَنْبَارِ فِي بَنِي مَخْزُومٍ، وَ أَنَّ إِنْسَاناً مِنْهُمْ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا خَالِي إِنَّ صَاحِبِي وَتِرْبِي مَاتَ ضَالاًّ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَحَزِينٌ.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَ تُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
ص: 498
قَالَ فَلَبِسَ بُرْدَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى أَنْ أتَى إِلَى قَبْرٍ، فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ الْقَبْرَ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ قَبْرِهِ وَ هُوَ يَقُولُ:
ويله وبيه سلان.
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ الْمَخْزُومِيُّ: أَ وَ لَمْ تَمُتْ وَأَنْتَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ؟
قَالَ: كُنَّا عَلَى سُنَّةِ أَبِي بَكْرِ وَ عُمَرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَ نَحْنُ الْيَوْمَ عَلَى سُنَّةِ الْفُرْسِ فَلَيْسَتْ أَلْسِنَتُنَا عَلَى دِينِ اللَّهِ بِالْعَرَبِيَّةِ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: ارْجِعْ إِلَى مَضْجَعِكَ وَانْصَرَفَ الْمَخْزُومِيُّ مَعَهُ(1).
2 - رُوِيَ عَنِ الْإِمَام عَلِيٍّ عليه السلام: أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ قَوْماً مِنَ الْخَوَارِجِ فَلَمَّا بَلَغَ الْمَوْضِعَ الْمَعْرُوفَ الْيَوْمَ بِسَابَاطَ وَ كَانَ هُوَ وَ مَنْ تَابَعَهُ مِنَ الْخَوَارِجِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَعَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِهِ وَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا لَكَ شِيعَةٌ وَ مُحِبُّ وَلِي أخٌ وَ كُنْتُ شَفِيقاً عَلَيْهِ فَبَعَثَهُ عُمَرُ فِي جُنُودِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى
ص: 499
قِتَالِ أَهْلِ اَلْمَدَائِنِ فَقُتِلَ هُنَاكَ وَ كَانَ مِنْ وَقْتِ مَقْتَلِهِ إِلَى اَلْيَوْمِ سِنِينَ كَثِيرَةً.
فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: فَمَا اَلَّذِي تُرِيدُ مِنْهُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُحْيِيَهُ لِي.
قَالَ عَلِيُّ عليه السلام: لاَ فَائِدَةَ لَكَ فِي حَيَاتِهِ.
قَالَ: لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ لَهُ: إِذَا أَبَيْتَ إِلاَّ ذَلِكَ فَأَرِنِي قَبْرَهُ وَ مَقْتَلَهُ فَأَرَاهُ إِيَّاهُ
فَمَدَّ اَلرُّمْحَ وَ هُوَ رَاكِبُ بَغْلَتِهِ اَلشَّهْبَاءِ فَرَكَزَ اَلْقَبْرَ بِأَسْفَلِ اَلرُّمْحِ فَخَرَجَ رَجُلُ أَسْمَرُ طَوِيلُ يَتَكَلَّمُ بِالْعُجْمَةِ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: لِمَ تَتَكَلَّمُ بِالْعُجْمَةِ وَأَنْتَ رَجُلُ مِنَ اَلْعَرَبِ؟
فَقَالَ: بَلَى وَلَكِنْ بُغْضُكَ فِي قَلْبِي وَ مَحَبَّةُ أَعْدَائِكَ فِي قَلْبِي فَانْقَلَبَ لِسَانِي فِي اَلنَّارِ.
ص: 500
فَقَالَ اَلرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ رُدَّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: اِرْجِعْ فَرَجَعَ إِلَى الْقَبْرِ(1).
أَخْبَرَنَا اَلشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلطُّوسِيُّ بِمَشْهَدِ مَوْلاَنَا أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَ خَمْسِمِائَةٍ عَنْ أَبِيهِ أَبِي جَعْفَرِ اَلطُّوسِيِّ رَضِي اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى اَلْفَحَّامُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عُمَرُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عُبْدُوسِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَهَارِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى عَنْ جَابِرِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: أَتَيْتُ
ص: 501
اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وَ عِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ فَجَلَسْتُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا وَجَدْتَ غَيْرَ فَخِذِي وَ فَخِذِ رَسُولِ اَللَّهِ؟
فَقَالَ صلى الله عليه و آله: مَهْ يَا عَائِشَةُ لاَ تُؤْذِينِي فِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ أَخِي فِي اَلدُّنْيَا وَ أَخِي فِي اَلْآخِرَةِ وَ هُوَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ يُجْلِسُهُ اَللَّهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى اَلصَّرَاطِ فَيَدْخُلُ أَوْلِيَاءَهُ اَلْجَنَّةَ وَأَعْدَاءَهُ النَّارَ(1).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَا جِيلَوَيْهِ عَنْ عَمَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي اَلْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبَان بْن تَغْلِبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن ابْن عَبَّاسِ قَالَ: ذُكِرَتِ اَلْخِلاَفَةُ عِنْدَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ:
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ أَخُو تَيْمٍ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنّي اَلسَّيْلُ وَلاَ يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ
ص: 502
فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كشحها [ كَشْحاً] وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَشِيبُ فِيهَا اَلصَّغِيرُ وَ يَهْرَمُ فِيهَا اَلْكَبِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ اَلصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي اَلْعَيْنِ قَذًى وَفِي اَلْحَلْقِ شَجًى أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا لِأَخِي عَدِيًّ بَعْدَهُ فَيَا عَجَبَا بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لَآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَخْشُنُ مَسُّهَا وَيَغْلُظُ كَلمُهَا وَيَكْثُرُ اَلْعِثَارُ فِيهَا وَاَلاِعْتِذَارُ مِنْهَا فَصَاحِبُهَا كَرَاكِب اَلصَّعْبَةِ إِنْ عَنَفَ بِهَا حَرَنَ وَ إِنْ أَسْلَسَ بِهَا غَسَقَ فَمُنِيِ اَلنَّاسُ بِتَلَوُّنٍ وَ اِعْتِرَاضٍ وَ بَلْوَى وَ هُوَ مَعَ هَنٍ وَ هَنِ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ اَلْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ اَلْمِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي مِنْهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَلِلشُّورَى مَتَى اِعْتَرَضَ اَلرَّيْبُ فِيَّ مَعَ اَلْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إلَى هَذِهِ اَلنَّظائِرِ فَمَالَ رَجُلٌ لِضِغْنِهِ وَ أَصْغَى آخَرُ لِصِهْرِهِ وَ قَامَ ثَالِثُ اَلْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اَللَّهِ خَضْمَ اَلْإِبل نَبْتَ اَلرَّبِيعِ حَتَّى أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَ كَبَتْ بِهِ مَطِيَّتُهُ فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَ اَلنَّاسُ إِلَيَّ كَعُرْفِ اَلضَّبُعِ قَدِ اِنْثَالُوا عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبِ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ حَتَّى إِذَا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ
ص: 503
فَسَقَتْ أُخْرَى وَ مَرَقَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ تِلْكَ اَلدَّارُ اَلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بَلَى وَ اَللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا لَكِنَّهُمْ اِحْلَوْلَتِ اَلدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زَبْرجُهَا أَمَا وَاَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ لاَ حُضُورُ اَلْحَاضِر و قِيَامُ اَلْحُجَّةِ بِوُجُودِ اَلنَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقِرُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسٍ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ عِنْدِي أَزْهَدَ مِنْ عَفْطَةِ عَنْزِ.
قَالَ: وَ نَاوَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلسَّوَادِ كِتَاباً فَقَطَعَ كَلَامَهُ وَ تَنَاوَلَ اَلْكِتَابَ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ: لَوْ أَطْرَدْتَ مَقَالَتَكَ إِلَى حَيْثُ بَلَغْتَ. فَقَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ.
قَالَ إِبْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا أَسَفْتُ عَلَى كَلاَمٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى كَلاَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذْ لَمْ يَبْلُعْ بِهِ حَيْثُ أَرَادَ(1).
ص: 504
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ سَلاَمِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَأَبُو عَلِيٍّ اَلْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ جَمِيعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ سَلاَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اَلْهَاشِمِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام قَالَ:
بَعَثَ طَلْحَةُ وَ اَلزُّبَيْرُ رَجُلاً مِنْ عَبْدِ اَلْقَيْسِ يُقَالُ لَهُ خِدَاشٌ إِلَى أَمِير اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ قَالَا لَهُ: إِنَّا نَبْعَثُكَ إِلَى رَجُلٍ طَالَ مَا كُنَّا نَعْرِفُهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ بِالسِّحْرِ وَ اَلْكِهَانَةِ وَ أَنْتَ أَوْثَقُ مَنْ بِحَضْرَتِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا مِنْ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَ أَنْ تُحَاجَّهُ لَنَا حَتَّى تَقِفَهُ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَاِعْلَمْ أَنَّهُ أَعْظَمُ النَّاسِ دَعْوَى فَلاَ يَكْسِرَنَّكَ ذَلِكَ عَنْهُ وَ مِنَ اَلْأَبْوَابِ اَلَّتِي يَخْدَعُ اَلنَّاسَ بِهَا اَلطَّعَامُ وَ اَلشَّرَابُ وَ اَلْعَسَلُ وَاَلدُّهْنُ وَأَنْ يُخَالِيِ اَلرَّجُلَ فَلاَ تَأْكُلْ لَهُ طَعَاماً وَ لاَ تَشْرَبْ لَهُ شَرَاباً وَ لاَ تَمَسَّ لَهُ عَسَلاً وَ لاَ دُهْناً وَلاَ تَخْلُ مَعَهُ وَاِحْذَرْ هَذَا كُلَّهُ مِنْهُ وَ انْطَلِقُ عَلَى بَرَكَةِ اَللَّهِ فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَاقْرَأْ آيَةَ اَلسُّخْرَةِ وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ كَيْدِهِ وَ كَيْدِ اَلشَّيْطَانِ فَإِذَا جَلَسْتَ إِلَيْهِ فَلاَ تُمَكِّنْهُ مِنْ بَصَرِكَ كُلُّهِ وَ لاَ تَسْتَأْنِسٌ بِهِ ثُمَّ قُلْ لَهُ: إِنَّ
ص: 505
أَخَوَيْكَ فِي اَلدِّينِ وَاِبْنَيْ عَمِّكَ فِي اَلْقَرَابَةِ يُنَاشِدَانِكَ اَلْقَطِيعَةَ وَ يَقُولاَنِ لَكَ: ... وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ إِنْتِهَاكُ لَنَا وَ دُعَاءُ عَلَيْنَا فَمَا اَلَّذِي يَحْمِلُكَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ كُنَّا نَرَى أَنَّكَ أَشْجَعُ فُرْسَانِ اَلْعَرَبِ أَتَتَّخِذُ اَللَّعْنَ لَنَا دِيناً وَ تَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَكْسِرُنَا عَنْكَ ؟
فَقَالَ عليه السلام: قُلْ لَهُمَا كَفَى بِمَنْطِقِكُمَا حُجَّةً عَلَيْكُمَا وَ لَكِنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ زَعَمْتُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي اَلدِّينِ وَإِبْنَا عَمِّي فِي اَلنَّسَبِ فَأَمَّا اَلنَّسَبُ فَلاَ أُنْكِرُهُ وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ مَقْطُوعاً إِلاَّ مَا وَصَلَهُ اللَّهُ بِالْإِسْلاَمِ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمَا إِنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي اَلدِّينِ فَإِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ فَقَدْ فَارَقْتُمَا كِتَابَ اَللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَصَيْتُمَا أَمْرَهُ بِأَفْعَالِكُمَا فِي أَخِيكُمَا فِي اَلدِّينِ وإِلاَّ فَقَدْ كَذَبْتُمَا وَاِفْتَرَيْتُمَا بِادِّعَائِكُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي اَلدِّينِ.
وَأَمَّا مُفَارَقَتُكُمَا اَلنَّاسَ مُنْذُ قَبَضَ اَللَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله فَإِنْ كُنْتُمَا فَارَقْتُمَاهُمْ بِحَقٍّ فَقَدْ نَقَضْتُمَا ذَلِكَ اَلْحَقَّ بِفِرَاقِكُمَا إِيَّايَ أَخِيراً وَ إِنْ فَارَقْتُمَاهُمْ بِبَاطِلِ فَقَدْ وَقَعَ إِثْمُ ذَلِكَ اَلْبَاطِلِ عَلَيْكُمَا مَعَ اَلْحَدَثِ اَلَّذِي أَحْدَثْتُمَا مَعَ أَنَّ صَفْقَتَكُمَا بِمُفَارَقَتِكُمَا اَلنَّاسَ لَمْ تَكُنْ
ص: 506
إِلاَّ لِطَمَع اَلدُّنْيَا زَعَمْتُمَا وَذَلِكَ قَوْلُكُمَا فَقَطَعْتَ رَجَاءَنَا لاَ تَعِيبَانِ بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ دِينِي شَيْئاً.
وَأَمَّا اَلَّذِي صَرَفَنِي عَنْ صِلَتِكُمَا فَالَّذِي صَرَفَكُمَا عَنِ اَلْحَقِّ وَ حَمَلَكُمَا عَلَى خَلْعِهِ مِنْ رِقَابِكُمَا كَمَا يَخْلَعُ اَلْحَرُونُ لِجَامَهُ وَ هُوَ اَلله رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً فَلَا تَقُولَا أَقَلَّ نَفْعاً وَأَضْعَفَ دَفْعاً فَتَسْتَحِقَّا اِسْمَ اَلشَّرْكِ مَعَ النّفَاقِ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمَا: إِنِّي أَشْجَعُ فُرْسَانِ اَلْعَرَبِ وَ هَرْبُكُمَا مِنْ لَعْنِي وَ دُعَائِي فَإِنَّ لِكُلِّ مَوْقِفٍ عَمَلاً إِذَا اِخْتَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ وَ مَاجَتْ لُبُودُ اَلْخَيْل وَ مَلَأَ سَحْرَاكُمَا أَجْوَافَكُمَا فَثَمَّ يَكْفِينِيَ اللَّهُ بِكَمَالِ اَلْقَلْبِ وَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمَا بِأَنِّي أَدْعُو اَللَّهَ فَلَا تَجْزَعَا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْكُمَا رَجُلٌ سَاحِرُ مِنْ قَوْمٍ سَحَرَةٍ زَعَمْتُمَا.
اَللَّهُمَّ أَقْعِصِ اَلزُّبَيْرَ بِشَرِّ قِتْلَةٍ وَإِسْفِكْ دَمَهُ عَلَى ضَلَالَةٍ وَعَرِّفْ طلْحَةَ الْمَذَلَّةَ وَ اِدْخِرْ لَهُمَا فِي اَلآخِرَةِ شَرّاً مِنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَا ظَلَمَانِي وَ اِفْتَرَيَا عَلَيَّ وَ كَتَمَا شَهَادَتَهُمَا وَ عَصَيَاكَ وَعَصَيَا رَسُولَكَ فِيَّ قُلْ آمِينَ قَالَ خِدَاشُ: آمين.
ص: 507
ثُمَّ قَالَ خِدَاشُ لِنَفْسِهِ وَ اَللَّهِ مَا رَأَيْتُ لِحْيَةً قَطُّ أَبْيَنَ خَطَأً مِنْكَ حَامِلَ حُجَّةٍ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضاً لَمْ يَجْعَلِ اَللَّهُ لَهَا مِسَاكاً أَنَا أَبْرَأُ إِلَى اَللَّهِ مِنْهُمَا .
قَالَ عَلِيُّ عليه السلام: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا وَأَعْلِمْهُمَا مَا قُلْتُ.
قَالَ: لاَ وَاَللَّهِ حَتَّى تَسْأَلَ اَللَّهَ أَنْ يَرُدَّنِي إِلَيْكَ عَاجِلاً وَ أَنْ يُوَفِّقَنِي لِرِضَاهُ فِيكَ فَفَعَلَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ اِنْصَرَفَ وَ قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ اَلْجَمَلِ رَحِمَهُ اَللَّهُ(1).
عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه قال: كان علي يخطب فقام إليه رجل فَقَالَ: ... يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنَا عَلَى مَا قَاتَلْتَ طَلْحَةَ والزُّبَيْرَ؟
ص: 508
قَالَ عليه السلام: قَاتَلْتُهُمْ عَلَى نَقْضِهِمْ بَيْعَتِي وَقَتْلِهِمْ شِيعَتِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، حَكِيمُ بَنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِيُّ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَالسَّائِحَةُ والأَسَاوِرَةُ بِلَا حَقٍّ اسْتَوْجَبُوهُ مِنْهُمَا، وَلَا كَانَ ذَلِكَ لَهُمَا دُونَ الأَمَامِ.
وَلَوْ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَقَاتَلَاهُمَا، ولقد علم مَنْ ههنا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه و آله أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَرْضَيَا مِمَّن امْتَنَع مِنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى بَايَعَ وَهُوَ كَارِهُ، وَلَمْ يَكُونُوا بَايَعُوهُ بَعْدُ الأَنْصَارُ.
فَمَا بَالِي وَقَدْ بَايَعَانِي طَائِعَينِ غَيْرَ مُكْرَهَينِ وَلَكِنَّهُمَا طَمِعَا مِنِّي فِي وِلَايَةِ الْبَصْرَةِ وَالْيَمَنِ، فَلَمَّا لَمْ أُوَلِّهما وَجَاءَهُمَا الَّذِي غَلَبَ مِنْ حُبِّهِمَا لِلدُّنْيَا وَحِرْصِهِمَا عَلَيْهَا خِفْتُ أَنْ يَتَّخِذَا عِبَادَ الله خولا وَمَالَ الْمُسْلِمِينَ لأَنْفُسِهِمَا، فَلَمَّا زَوَيْتُ ذَلكَ عَنْهُمَا وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جَرَّبْتُهُمَا وَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِمَا(1).
ص: 509
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ اَلْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَ لاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً وَ لاَ وَحْياً فَقَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ يَسُوقُهُمْ إِلَى مَنْجَاتِهِمْ وَ يُبَادِرُ بِهِمُ اَلسَّاعَةَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ يَحْسِرُ اَلْحَسِيرُ وَ يَقِفُ اَلْكَسِيرُ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحِقَهُ غَايَتَهُ إِلاَّ هَالِكاً لاَ خَيْرَ فِيهِ حَتَّى أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ وَ بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ وَ اِسْتَقَامَتْ قَناتُهُمْ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا وَ اِسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا مَا ضَعُفْتُ وَ لاَ جَبُنْتُ وَلاَ خُنْتُ ولاَ وَهَنْتُ.
وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَأَبْقُرَنَّ اَلْبَاطِلَ حَتَّى أُخْرِجَ اَلْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ(1).
ص: 510
أَخْبَرَنَا اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْبَقَاءِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلْبَصْرِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي اَلْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَ خَمْسِمِائَةٍ بِمَشْهَدِ مَوْلاَنَا أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام عَنْ أَبِي طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبَانَ اَلدُّبَيْلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ كَثِيرٍ اَلْعَسْكَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ اَلْفَضْلِ اَلْأَصْفَهَانِيِّ عَنْ أَبِي رَاشِدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ وَائِلِ اَلْقُرَشِيِّ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ حَفْصِ اَلْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ: لَقِيتُ كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ فَضْلِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِوَصِيَّةٍ أَوْصَانِي بِهَا يَوْماً هِيَ خَيْرُ لَكَ مِنَ اَلدُّنْيَا بِمَا فِيهَا فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ: أَوْصَانِي يَوْماً فَقَالَ لِي...
يَا كُمَيْلُ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا حَمَلَ قَوْماً عَلَى اَلْفَوَاحِشِ مِثْلِ اَلزَّنَى وَ شُرْبِ اَلْخَمْرِ
ص: 511
وَ اَلرَّبَا وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ اَلْخَنَى وَاَلْمَأْثَمِ حَبَّبَ إِلَيْهِمُ اَلْعِبَادَةَ اَلشَّدِيدَةَ وَ اَلْخُشُوعَ وَاَلرُّكُوعَ وَ اَلْخُضُوعَ وَاَلسُّجُودَ ثُمَّ حَمَلَهُمْ عَلَى وَلاَيَةِ اَلْأَئِمَّةِ اَلَّذِينَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ لاَ يُنْصَرُونَ(1).
1 - بَعَثَ عَلِيُّ عليه السلام بِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، يُحَاجُهُمْ فَقَالُوا: نَقَمْنَا يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ عَلَى صَاحِبِكَ خِصَالاً كُلُّهَا مُكَفِّرَةُ مُوبِقَةُ، تَدْعُو إِلَى النَّارِ !.
أَمَّا اَلْأُولَى:... فَقَالَ إِبْنُ عَبَّاسٍ : قَدْ سَمِعْتَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ مَقَالَةَ اَلْقَوْم، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِالْجَوَابِ.
فَقَالَ عليه السلام: يَا ابْنَ عَبَّاسِ : قُلْ لَهُمْ:...
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: كُنْتُ وَصِيّاً فَضَيَّعْتُ اَلْوِصَايَةَ، فَأَنْتُمْ كَفَرْتُمْ وَ قَدَّمْتُمْ عَلَيَّ غَيْرِي وَأَزَلْتُمُ اَلْأَمْرَ عَنِّي ، وَ لَمْ أَكُ كَفَرْتُ بِكُمْ، وَلَيْسَ عَلَى اَلْأَوْصِيَاءِ اَلدُّعَاءُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّمَا تَدْعُوا اَلْأَنْبِيَاءُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ.
ص: 512
وَ الْوَصِيُّ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ مُسْتَغْنِ عَنِ اَلدُّعَاءِ إِلَى نَفْسِهِ، ذَلِكَ لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ قَدْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا».
فَلَوْ تَرَكَ اَلنَّاسُ اَلْحَجَّ لَمْ يَكُنِ اَلْبَيْتُ لِيَكْفُرَ بِتَرْكِهِ إِيَّاهُ، وَ لَكِنْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِتَرْكِهِ، لِأَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ نَصَبَهُ لَهُمْ عَلَماً .
وَ كَذَلِكَ نَصَبَنِي عَلَماً، حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله: « يَا عَلِيُّ أَنْتَ بِمَنْزِلَةِ اَلْكَعْبَةِ يُؤْتَى إِلَيْهَا وَلاَ تَأْتِي ...(1)»
2 - وقَالَ عليه السلام فِي مَقَامِ آخَرَ: لَقَدِ اِسْتَكْبَرَ أَقْوَامُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ أَضْمَرُوا لِعَلِيٍّ اَلْغِلَّ اَلْمَدْفُونَ وَ مِنْ بَعْدِهِ مَا قَعَدُوا لِلثَّقَلِ اَلْأَكْبَرِ بِالْمَرْصَدِ، حَتَّى أَدْخَلُوا فِيهِ اَلْإِلْحَادَ وَقَعَدُوا لِلثَّقَلِ اَلْأَصْغَرِ بِالاِضْطِهَادِ، وَ لَقَدْ أَسَرُّوا فِي رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله اَلنَّجْوَى وَصَدَّقَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَتَعَارَضُوا عَلَيْهِ اَلْحَسَدَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ.
وَ اَللَّهِ لَقَدِ اِرْتَدَّ بَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ أَقْوَامٌ، اِرْتَدُّوا عَلَى اَلْأَعْقَابِ وَغَالَتْهُمُ اَلسُّبُلُ، وَ اِتَّكَلُوا عَلَى اَلْوَلائِج ، وَ هَجَرُوا اَلسَّبَبَ اَلَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ،
ص: 513
أَصَابُوا بِالْأَمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَ نَقَلُوا اَلْبِنَاءَ مِنْ غُرُوسِ أَسَاسِهِ، وَ بَنَوْهُ فى غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
فَتِلْكَ لَعَمْرِي، أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ، فَتَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بَابَ اَلْبَلاَءِ، وَأَغْلَقُوا بَابَ اَلْعَافِيَةِ، وَ تَرَكُوا اَلرَّخَاءَ، وَاِخْتَارُوا اَلْبَلَاءَ، فَصَارُوا فِي غَمْرَةٍ تَغْشَى أَبْصَارَ اَلنَّاظِرِينَ، وَ رَيْبٍ بَنَتْهُ لَهَا عُقُولُ اَلطَّامِعِينَ، مِنْهَا يُشَعِّثُ اَلْبُنْيَانَ، وَاِتَّبَعُوا مِلَّةَ مَنْ شَكَّ وَ ظَلَمَ وَ حَسَدَ، وَ رَكَنَ إِلَى اَلدُّنْيَا، وَ هُوَ اَلْقَائِلُ لِأَشْبَاهِهِ فِي اَلْإِسْلاَمِ مُضَاهِياً لِلسَّامِرِيِّ، فِي قَوْلِهِ مُقْتَدِياً بِهِ فِي أَفْعَالِهِ، جَاهِلاً لِحَقِّ اَلْقَرَابَةِ مُسْتَكْبِراً عَن اَلْحَقِّ، مُلْقِياً بيَدَيْهِ إِلَى اَلتَّهْلُكَةِ بَعْدَ اَلْبَيَانِ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ اَلْحُجَجِ اَلَّتِي تَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضاً، مُعْتَدِياً عَلَى اَلْقَرَابَةِ كَمَا اِعْتَدَى فِى اَلسَّبْتِ أَهْلُهُ.
أَلاَ وَ إِنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثَائِرُ، وَ إِنَّ اَلثَّائِرَ يُرِيدُ دِمَاءَنَا، وَ اَلْحَاكِمَ فِي حَقِّ ذِي اَلْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَاَلْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ اَلسَّبِيلِ اَللَّهُ اَلَّذِي لاَ يَفُوتُهُ مَطْلُوبُ يُوثَرُ حَذْوَ اَلنَّعْلِ بِالنَّعْلِ، مَأْكَلاً بِمَأْكَلِ وَ مَشْرَباً بِمَشْرَبٍ، أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ، وَ كَمَا هُوَ آتِ قَرِيبُ، وَيَحْسَبُكُمْ مَا تَزَوَّدْتُمْ، وَ حَمَلْتُمْ عَلَى ظُهُورِكُمْ مِنْ مَطَايَا اَلْخَطَايَا، مَعَ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا.
ص: 514
ثُمَّ أَقْبَلَ عليه السلام عَلَى اَلْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَا زَالَ أَبُوكَ مَدْفُوعاً عَنْ حَقَّهِ، مُسْتَأْثَراً عَلَيْهِ مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله علیه و آله حَتَّى يَوْمِ اَلنَّاسِ هَذَا وَسَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(1)
3 - أَخْبَرَنَا اَلْفَقِيهُ أَبُو عَلِيٍّ اَلْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلطُّوسِيُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ بِالْمَوْضِعِ وَ اَلتَّارِيخِ اَلْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُمَا قَالَ: أَخْبَرَنَا اَلشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَان قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ بِلَالٍ اَلْمُهَلَّبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ رَبِيعٍ اَلْبَلْخِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ اَلرَّبِيعِ اَلنَّهْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ اَلْمِنْقَرِيُّ قَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ بِلاَلٍ وَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ أَسَدٍ اَلْمَنْصُورُ اَلْأَصْفَهَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِلاَلِ اَلثَّقَفِي قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى اَلْأَسْلَمِيِّ عَنْ عَلِي بْنِ حَزَوَّرٍ عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ:
ص: 515
جَاءَ رَجُلُ إِلَى عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ هَؤُلاَءِ اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ نُقَاتِلُهُمُ اَلدَّعْوَةُ وَاحِدَةُ وَاَلرَّسُولُ وَاحِدٌ وَاَلصَّلاَةُ وَاحِدُ اَلْحَجُّ وَاحِدٌ فَبِمَ نُسَمِّيهِمْ؟
قَالَ عليه السلام: سَمَّهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اَللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ»
فَلَمَّا وَقَعَ اَلاِخْتِلاَفُ كُنَّا نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ بِالنَّبيِّ صلى الله عليه و آله وَ بِالْكِتَابِ وَ بِالْحَقِّ فَنَحْنُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هُمُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ شَاءَ اَللَّهُ قِتَالَهُمْ بِمَشِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ(1).
ص: 516
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ اَلْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلدِّينَوَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْكُوفِيُّ عَنْ عَمِيرَةَ بِنْتِ أَوْسٍ قَالَتْ حَدَّثَنِي جَدِّي اَلْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّهِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام : أَنَّهُ قَالَ يَوْماً لِحُذَيْفَةَ بْنِ اَلْيَمَانِ:...
يَا ابْنَ اَلْيَمَانِ ! إِنَّ قُرَيْشاً لاَ تَنْشَرِحُ صُدُورُهَا وَ لاَ تَرْضَى قُلُوبُهَا وَلاَ تَجْرِي أَلْسِنَتُهَا بِبَيْعَةِ عَلِيٍّ وَ مُوَالاَتِهِ إِلاَّ عَلَى اَلْكُرْهِ وَ اَلْعَمَى وَاَلصَّغَارِ.
يَا ابْنُ الْيَمَانِ! سَتُبَايِعُ قُرَيْشُ عَلِيّاً ثُمَّ تَنْكُثُ عَلَيْهِ وَ تُحَارِبُهُ وَ تُنَاضِلُهُ وَ تَرْمِيهِ بِالْعَظَائِمِ.
وَ بَعْدَ عَلِيٍّ يَلِي اَلْحَسَنُ وَ سَيُنْكَثُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ يَلِي اَلْحُسَيْنُ فَتَقْتُلُهُ أُمَّةُ جَدِّهِ فَلْعِنَتْ أُمَّةٌ تَقْتُلُ إِبْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا وَلَا تَعِزُّ مِنْ أُمَّةٍ وَ ِلُعِنَ اَلْقَائِدُ لَهَا وَاَلْمُرَتِّبُ لِفَاسِقِهَا.
ص: 517
فَوَ اَلَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ لاَ تَزَالُ هَذِهِ اَلْأُمَّةُ بَعْدَ قَتْلِ اَلْحُسَيْنِ اِبْنِي فِي ضَلَالٍ وَ ظُلْمٍ وَعَسْفٍ وَ جَوْرٍ وَ اِخْتِلاَفِ فِي اَلدِّينِ وَ تَغْيِيرِ وَ تَبْدِيلِ لِمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَ إِظْهَارِ اَلْبِدَع وَإِبْطَالِ اَلسُّنَنِ وَاِخْتِلاَلِ وَ قِيَاسِ مُشْتَبِهَاتٍ وَ تَرْكِ مُحْكَمَاتٍ حَتَّى تَنْسَلِخَ مِنَ اَلْإِسْلاَمِ وَ تَدْخُلَ فِي اَلْعَمَى وَاَلتَّلَدُّهِ وَ اَلتَّسَكُّعِ.
مَا لَكِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ لاَ هُدِيتِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ وَ مَا لَكِ يَا بَنِي اَلْعَبَّاسِ لَكِ اَلْإِنْعَاسُ فَمَا فِي بَنِي أُمَيَّةَ إِلاَّ ظَالِمُ وَلَا فِي بَنِي اَلْعَبَّاسِ إِلَّا مُعْتَدٍ مُتَمَرِّدٌ عَلَى اَللَّهِ بِالْمَعَاصِي قَتَالٌ لِوَلَدِي هَتَّاكُ لِسِتْرِي وَ حُرْمَتِي.
فَلاَ تَزَالُ هَذِهِ اَلْأُمَّهُ جَبَّارِينَ يَتَكَالَبُونَ عَلَى حَرَامِ اَلدُّنْيَا مُنْغَمِسِينَ فِي بِحَارِ اَلْهَلَكَاتِ وَ فِي أَوْدِيَةِ اَلدَّمَاءِ حَتَّى إِذَا غَابَ اَلْمُتَغَيَّبُ مِنْ وُلْدِي عَنْ عُيُونِ اَلنَّاسِ وَ مَاجَ اَلنَّاسُ بِفَقْدِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ اِطَّلَعَتِ اَلْفِتْنَةُ وَ نَزَلَتِ اَلْبَلِيَّةُ وَاِلْتَحَمَتْ اَلْعَصَبِيَّةُ وَ غَلَاَ اَلنَّاسُ فِي دِينِهِمْ وَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اَلْحُجَّةَ ذَاهِبَةُ وَ اَلْإِمَامَةَ بَاطِلَةٌ وَ يَحُجُ حَجِيجُ اَلنَّاسِ فِي تِلْكَ اَلسَّنَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَ نَوَاصِبِهِ لِلتَّحَسُّسِ وَ اَلتَّجَسُّسِ عَنْ خَلَفِ اَلْخَلَفِ فَلاَ يُرَى لَهُ أَثَرُ وَ لاَ يُعْرَفُ لَهُ خَبَرُ وَ لاَ خَلَفُ فَعِنْدَ ذَلِكَ سُبَّتْ شِيعَةُ عَلِىٍّ سَبَّهَا أَعْدَاؤُهَا وَ ظَهَرَتْ عَلَيْهَا اَلْأَشْرَارُ وَاَلْفُسَّاقُ
ص: 518
بِاحْتِجَاجِهَا حَتَّى إِذَا بَقِيَتِ اَلْأُمَّةُ حَيَارَى وَتَدَلَّهَتْ وَأَكْثَرَتْ فِي قَوْلِهَا إِنَّ اَلْحُجَّةَ هَالِكَةُ وَاَلْإِمَامَةَ بَاطِلَةُ.
فَوَ رَبِّ عَلِيٍّ إِنَّ حُجَّتَهَا عَلَيْهَا قَائِمَةُ مَاشِيَةٌ فِي طُرُقِهَا دَاخِلَةٌ فِي دُورِهَا وَقُصُورِهَا جَوَّالَةُ فِي شَرْقِ هَذِهِ اَلْأَرْضِ وَغَرْبِهَا تَسْمَعُ اَلْكَلاَمَ وَتُسَلَّمَ عَلَى اَلْجَمَاعَةِ تَرَى وَ لاَ تُرَى إِلَى اَلْوَقْتِ وَاَلْوَعْدِ وَنِدَاءِ اَلْمُنَادِي مِنَ اَلسَّمَاءِ أَلاَ ذَلِكَ يَوْمُ فِيهِ سُرُورُ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ شِيعَتِهِ(1).
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ اَلْمُنْذِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ [وَ رَوَاهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ هَذَا اَلْإِسْنَادِ وَ ذَكَرَ أَنَّهُ خَطَبَ بِذِي قَارٍ] فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ...
ثُمَّ إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ اَلْحَقِّ وَ لاَ أَظْهَرَ مِنَ اَلْبَاطِل وَ لَا أَكْثَرَ مِنَ اَلْكَذِبِ عَلَى اَللَّهِ تَعَالَى وَ رَسُولِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لَيْسَ عِنْدَ أَهْل ذَلِكَ اَلزَّمَانِ
ص: 519
سِلْعَةُ أَبْوَرَ مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ وَلاَ سِلْعَةُ أَنْفَقَ بَيْعاً وَ لاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لَيْسَ فِي اَلْعِبَادِ وَ لَا فِي اَلْبِلاَدِ شَيْءٌ هُوَ أَنْكَرَ مِنَ اَلْمَعْرُوفِ وَ لاَ أَعْرَفَ مِنَ اَلْمُنْكَرِ وَ لَيْسَ فِيهَا فَاحِشَةُ أَنْكَرَ وَ لاَ عُقُوبَةُ أَنْكَى مِنَ اَلْهُدَى عِنْدَ اَلضَّلاَلِ.
فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ فَقَدْ نَبَذَ اَلْكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَ تَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ حَتَّى تَمَالَتْ بِهِمُ اَلْأَهْوَاءُ وَ تَوَارَثُوا ذَلِكَ مِنَ اَلآبَاءِ وَ عَمِلُوا بِتَحْرِيفِ اَلْكِتَابِ كَذِباً وَ تَكْذِيباً فَبَاعُوهُ بِالْبَخْسِ «وَ كَانُوا فِيهِ مِنَ اَلزَّاهِدِينَ»، - فَالْكِتَابُ وَأَهْلُ اَلْكِتَابِ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ وَ صَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقِ وَاحِدٍ لاَ يَأْوِيهِمَا مُؤْوِ فَحَبَّذَا ذَائِكَ اَلصَّاحِبَان وَاهاً لَهُمَا وَ لِمَا يَعْمَلاَنِ لَهُ فَالْكِتَابُ وَ أَهْلُ اَلْكِتَابِ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ فِي اَلنَّاسِ وَلَيْسُوا فِيهِمْ وَ مَعَهُمْ وَ لَيْسُوا مَعَهُمْ وَ ذَلِكَ لِأَنَّ اَلضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ اَلْهُدَى وَ إِن اِجْتَمَعَا وَ قَدِ اِجْتَمَعَ اَلْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وَاِفْتَرَقُوا عَنِ اَلْجَمَاعَةِ.
قَدْ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ وَ أَمْرَ دِينِهِمْ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَكْرِ وَاَلْمُنْكَرِ وَ اَلرَّشَا وَ اَلْقَتْلِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْكِتَابِ وَ لَيْسَ اَلْكِتَابُ إِمَامَهُمْ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنَ اَلْحَقِّ إِلاَّ اِسْمُهُ وَ لَمْ يَعْرِفُوا مِنَ اَلْكِتَابِ إِلاَّ خَطَّهُ وَزَبْرَهُ يَدْخُلُ اَلدَّاخِلُ لِمَا يَسْمَعُ مِنْ حِكَمِ اَلْقُرْآنِ فَلاَ يَطْمَئِنُّ جَالِسًا حَتَّى يَخْرُجَ
ص: 520
مِنَ اَلدِّينِ يَنْتَقِلُ مِنْ دِينِ مَلِكٍ إِلَى دِينِ مَلِكٍ وَ مِنْ وَلَايَةِ مَلِكٍ إِلَى وَلاَيَةِ مَلِكٍ وَ مِنْ طَاعَةِ مَلِكٍ إِلَى طَاعَةِ مَلِكٍ وَ مِنْ عُهُودِ مَلِكٍ إِلَى عُهُودِ مَلِكٍ فَاسْتَدْرَجَهُمُ اَللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَإِنَّ كَيْدَهُ مَتِينٌ بِالْأَمَل وَ اَلرَّجَاءِ حَتَّى تَوَالَدُوا فِي اَلْمَعْصِيَةِ وَدَانُوا بِالْجَوْرِ وَ اَلْكِتَابُ لَمْ يَضْرِبْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ صَفْحاً ضُلاَّلاً تَائِهِينَ قَدْ دَانُوا بِغَيْرِ دِينِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَأَدَانُوا لِغَيْرِ اَللَّهِ.
مَسَاجِدُهُمْ فِي ذَلِكَ اَلزَّمَانِ عَامِرَةٌ مِنَ اَلضَّلاَلَةِ خَرِبَةٌ مِنَ اَلْهُدَى قَدْ بُدِّلَ فِيهَا مِنَ اَلْهُدَى فَقُرَّاؤُهَا وَعُمَّارُهَا أَخَائِبُ خَلْقِ اَللَّهِ وَ خَلِيقَتِهِ مِنْ عِنْدِهِمْ جَرَتِ اَلضَّلاَلَةُ وَ إِلَيْهِمْ تَعُودُ فَحُضُورُ مَسَاجِدِهِمْ وَاَلْمَشْيُ إِلَيْهَا كُفْرُ بِاللَّهِ اَلْعَظِيمِ إِلاَّ مَنْ مَشَى إِلَيْهَا وَ هُوَ عَارِفٌ بِضَلالِهِمْ فَصَارَتْ مَسَاجِدُهُمْ مِنْ فِعَالِهِمْ عَلَى ذَلِكَ اَلنَّحْوِ خَرِبَةً مِنَ اَلْهُدَى عَامِرَةً مِنَ اَلضَّلاَلَةِ.
قَدْ بُدِّلَتْ سُنَّةُ اَللَّهِ وَ تُعَدِّيَتْ حُدُودُهُ وَلاَ يَدْعُونَ إِلَى اَلْهُدَى وَلاَ يَقْسِمُونَ اَلْفَيْءَ وَلاَ يُوفُونَ بِذِمَّةٍ يَدْعُونَ اَلْقَتِيلَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ شَهِيداً قَدْ أَتَوُا اَللَّهَ بِالاِفْتِرَاءِ وَاَلْجُحُودِ وَاسْتَغْنَوْا بِالْجَهْلِ عَنِ اَلْعِلْمِ وَ مِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ وَ سَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اَللَّهِ فِرْيَةً وَ جَعَلُوا فِي اَلْحَسَنَةِ اَلْعُقُوبَةَ اَلسَّيِّئَةَ «وَقَدْ بَعَثَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْكُمْ
ص: 521
رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزُ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمُ» صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَاباً عَزيزاً «لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» «قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ» «لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ اَلْقَوْلُ عَلَى اَلْكَافِرِينَ» فَلاَ يُلْهِيَنَّكُمُ اَلْأَمَلُ وَلاَ يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ اَلْأَجَلُ.
فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَدُ أَمَلِهِمْ وَ تَغْطِيَةُ اَلآجَالِ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ اَلْمَوْعُودُ اَلَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ اَلْمَعْذِرَةُ وَتُرْفَعُ عَنْهُ اَلتَّوْبَةُ وَتَحُلُّ مَعَهُ اَلْقَارِعَةُ وَ اَلنَّقِمَةُ وَ قَدْ أَبْلَغَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْكُمْ بِالْوَعْدِ وَ فَصَّلَ لَكُمُ اَلْقَوْلَ وَ عَلَّمَكُمُ اَلسُّنَّةَ وَ شَرَحَ لَكُمُ اَلْمَنَاهِجَ لِيُزِيحَ اَلْعِلَّةَ وَ حَتَّ عَلَى اَلذِّكْرِ وَ دَلَّ عَلَى اَلنَّجَاةِ وَ إِنَّهُ مَنِ اِنْتَصَحَ لِلَّهِ وَ اِتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً هَدَاهُ «لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» وَ وَفَّقَهُ لِلرَّشَادِ وَ سَدَّدَهُ وَ يَسَّرَهُ لِلْحُسْنَى فَإِنَّ جَارَ اَللَّهِ آمِنٌ مَحْفُوظٌ وَ عَدُوَّهُ خَائِفٌ مَغْرُورٌ فَاحْتَرِسُوا مِنَ اَللهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِكَثْرَةِ اَلذِّكْرِ وَ إِخْشَوْا مِنْهُ بِالتُّقَى وَ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» فَاسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ آمِنُوا بِهِ وَ عَظِّمُوا اَللَّهَ اَلَّذِي لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اَللَّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَةُ اَللَّهِ
ص: 522
أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ وَ عِزَّ اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا جَلاَلُ اَللَّهِ أَنْ يَذِلُّوا لَهُ وَ سَلاَمَةَ اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَةُ اَللَّهِ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ فَلاَ يُنْكِرُونَ أَنْفُسَهُمْ بَعْدَ حَدِّ اَلْمَعْرِفَةِ وَ لاَ يَضِلُّونَ بَعْدَ اَلْهُدَى فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ اَلْحَقِّ نِفَارَ اَلصَّحِيح مِنَ اَلْأَجْرَبِ وَ اَلْبَارِئِ مِنْ ذِي اَلسُّقْم.
وَاِعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا اَلرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا اَلَّذِي تَرَكَهُ وَ لَمْ تَأْخُذُوا بمِيثَاق اَلْكِتَاب حَتَّى تَعْرِفُوا اَلَّذِي نَقَضَهُ وَ لَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا اَلَّذِي نَبَذَهُ وَ لَنْ تَتْلُوا اَلْكِتَابَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا اَلَّذِي حَرَّفَهُ وَ لَنْ تَعْرِفُوا اَلضَّلاَلَةَ حَتَّى تَعْرِفُوا اَلْهُدَى وَلَنْ تَعْرِفُوا اَلتَّقْوَى حَتَّى تَعْرِفُوا اَلَّذِي تَعَدَّى فَإِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ عَرَفْتُمُ اَلْبِدَعَ وَاَلتَّكَلَّفَ وَ رَأَيْتُمُ اَلْفِرْيَةَ عَلَى اَللَّهِ وَ عَلَى رَسُولِهِ وَ اَلتَّحْرِيفَ لِكِتَابِهِ وَ رَأَيْتُمْ كَيْفَ هَدَى اَللَّهُ مَنْ هَدَى فَلاَ يُجْهِلَنَّكُمُ اَلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ.
إِنَّ عِلْمَ الْقُرْآنِ لَيْسَ يَعْلَمُ مَا هُوَ إِلاَّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَهُ فَعُلَّمَ بِالْعِلْمِ جَهْلَهُ وَ بُصَّرَ بِهِ عَمَاهُ وَ سُمَّعَ بِهِ صَمَمَهُ وَ أَدْرَكَ بِهِ عِلْمَ مَا فَاتَ وَ حَيِيِ بِهِ بَعْدَ إِذْ مَاتَ وَأَثْبَتَ عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ اَلْحَسَنَاتِ وَ مَحَا بِهِ اَلسَّيِّئَاتِ وَ أَدْرَكَ بِهِ ِرضْوَاناً مِنَ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَاطْلُبُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ خَاصَّةً فَإِنَّهُمْ خَاصَّةً نُورُ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَ أَئِمَّةُ يُقْتَدَى بِهِمْ وَهُمْ عَيْشُ اَلْعِلْمِ وَ مَوْتُ اَلْجَهْلِ هُمُ اَلَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ
ص: 523
صَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ لاَ يُخَالِفُونَ اَلدِّينَ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقُ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ فَهُمْ مِنْ شَأْنِهِمْ شُهَدَاءُ بِالْحَقِّ وَ مُخْبِرُ صَادِقٌ لاَ يُخَالِفُونَ اَلْحَقَّ وَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ قَدْ خَلَتْ لَهُمْ مِنَ اَللَّهِ اَلسَّابِقَةُ وَ مَضَى فِيهِمْ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمُ صَادِقُ وَ فِي ذَلِكَ «ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ» فَاعْقِلُوا اَلْحَقَّ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ وَلاَ تَعْقِلُوهُ عَقْلَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ اَلْكِتَابِ كَثِيرُ وَ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ وَاَللهُ اَلْمُسْتَعَانُ(1)
1 - وَ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانِ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ جَاءَهُ رِجَالُ مِنْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ مَا اَلسَّبَبُ اَلَّذِي دَعَا عَائِشَةَ بِالْمُظَاهَرَةِ عَلَيْكَ حَتَّى بَلَغَتْ مِنْ خِلاَفِكَ وَ شِقَاقِكَ مَا بَلَغَتْ وَهِيَ اِمْرَأَةُ مِنَ اَلنِّسَاءِ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهَا اَلْقِتَالُ وَلاَ فُرِضَ عَلَيْهَا اَلْجِهَادُ وَلاَ أَرْخِصَ لَهَا فِي اَلْخُرُوج مِنْ بَيْتِهَا وَ لاَ اَلتَّبَرُّجِ بَيْنَ اَلرِّجَالِ وَ لَيْسَتْ مِمَّنْ تَوَلَّتْهُ فِي شَيْءٍ عَلَى حَالٍ .
ص: 524
فَقَالَ عليه السلام: سَأَذْكُرُ لَكُمْ أَشْيَاءَ مِمَّا حَقَدَتْهَا عَلَى لَيْسَ لِي فِي وَاحِدٍ مِنْهَا ذَنْبُ إِلَيْهَا وَ لَكِنَّهَا تَجَرَّمَتْ بِهَا عَلَيَّ.
أَحَدُهَا: تَفْضِيلُ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله لِي عَلَى أَبِيهَا وَ تَقْدِيمُهُ إِيَّايَ فِي مَوَاطِنِ اَلْخَيْرِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ تَضْطَغِنُ ذَلِكَ عَلَيَّ فَتَعْرِفُهُ مِنْهُ فَتَتْبَعُ رَأْيَهُ فِيهِ.
وَ ثَانِيهَا: لَمَّا آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ آخَى بَيْنَ أَبِيهَا وَ بَيْنَ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ وَاخْتَصَّنِي بِأُخُوَّتِهِ فَغَلُظَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَ حَسَدَتْنِي مِنْهُ .
ثَالِثُهَا: وَأَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ صلى الله عليه و آله بِسَدِّ أَبْوَابٍ كَانَتْ فِي اَلْمَسْجِدِ لِجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إِلَّا بَابِي فَلَمَّا سَدَّ بَابَ أَبِيهَا وَ صَاحِبِهِ وَ تَرَكَ بَابِي مَفْتُوحاً فِي اَلْمَسْجِدِ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِهِ فَقَالَ: صلى الله عليه و آله: مَا أَنَا سَدَدْتُ أَبْوَابَكُمْ وَ فَتَحْتُ بَابَ عَلِيٍّ بَل اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ سَدَّ أَبْوَابَكُمْ وَ فَتَحَ بَابَهُ. فَغَضِبَ لِذَلِكَ أَبُو بَكْر وَ عَظُمَ عَلَيْهِ وَ تَكَلَّمَ فِي أَهْلِهِ بِشَيْءٍ سَمِعَتْهُ مِنْهُ إِبْنَتُهُ فَاضْطَغَنَتْهُ عَلَيَّ.
رَابِعُهَا: وَ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله أَعْطَى أَبَاهَا اَلرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ حَتَّى يَفْتَحَ أَوْ يُقْتَلَ فَلَمْ يَلْبَثْ لِذَلِكَ وَاِنْهَزَمَ فَأَعْطَاهَا فِي اَلْغَدِ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ وَ أَمَرَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ صَاحِبَهُ فَانْهَزَمَ
ص: 525
وَ لَمْ يَثْبُتْ فَسَاءَ ذَلِكَ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ: لَهُمْ ظَاهِراً مُعْلِناً لَأُعْطِيَنَّ اَلرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ كَرَّاراً غَيْرَ فَرَّارٍ لاَ يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اَللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ. فَأَعْطَانِي اَلرَّايَةَ فَصَبَرْتُ حَتَّى فَتَحَ اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيَّ فَغَمَّ ذَلِكَ أَبَاهَا وَ أَحْزَنَهُ فَاضْطَغَنَتْهُ عَلَىَّ وَ مَا لِي إِلَيْهَا مِنْ ذَنْبٍ فِي ذَلِكَ فَحَقَدَتْ لِحِقْدِ أَبِيهَا .
خَامِسُهَا: وَ بَعَثَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله أَبَاهَا بِسُورَةِ بَرَاءَةَ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْبذَ اَلْعَهْدَ لِلْمُشْرِكِينَ وَيُنَادِيَ فِيهِمْ فَمَضَى حَتَّى اِنْحَرَفَ فَأَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ يَرُدَّهُ وَ يَأْخُذَ اَلآيَاتِ فَيُسَلِّمَهَا إِلَيَّ فَسَلَّمَهَا إِلَيَّ فَصَرَفَ أَبَاهَا بِإِذْنِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ كَانَ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ اَللَّهُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ عَنْكَ إِلاَّ رَجُلُ مِنْكَ وَ كُنْتُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ وَ كَانَ مِنِّي فَاضْطَغَنَ لِذَلِكَ عَلَىَّ أَيْضاً وَاِتَّبَعَتْهُ اِبْنَتُهُ عَائِشَةُ فِى رَأْيِهِ.
سَادِسُهَا: وَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَمْقُتُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَ تَشْنَؤُهَا شَنَآنَ اَلضَّرَائِرِ وَ كَانَتْ تَعْرِفُ مَكَانَهَا مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله فَيَنْقُلُ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَتَعَدَّى مَقْتُهَا إِلَى اِبْنَتِهَا فَاطِمَةَ فَتَمْقُتُنِي وَتَمْقُتُ فَاطِمَةَ وَ خَدِيجَةَ وَهَذَا مَعْرُوفُ فِي اَلضَّرَائِرِ.
ص: 526
سَابِعُهَا: وَ لَقَدْ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ اَلْحِجَابَ عَلَى أَزْوَاجِهِ وَ كَانَتْ عَائِشَةُ بِقُرْبِ رَسُولِ اَللَّهِ فَلَمَّا رَآنِي رَحَّبَ بِي وَ قَالَ: «اُدْنُ مِنِّي يَا عَلِيُّ وَ لَمْ يَزَلْ يُدْنِينِي حَتَّى أَجْلَسَنِي بَيْنَهُ وَ بَيْنَهَا فَغَلُظَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَأَقْبَلَتْ إِلَيَّ وَ قَالَتْ بِسُوءِ رَأْي اَلنِّسَاءِ وَ تَسَرُّعِهِنَّ إِلَى اَلْخِطَابِ: مَا وَجَدْتَ لاِسْتِكَ يَا عَلِيُّ مَوْضِعاً غَيْرَ مَوْضِع فَخِذِي؟!
فَزَجَرَهَا اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَ قَالَ لَهَا: أَلِعَلِيٍّ تَقُولِينَ هَذَا ؟ إِنَّهُ وَ اَللَّهِ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي وَ صَدَّقَنِي وَأَوَّلُ اَلْخَلْقِ وُرُوداً عَلَيَّ اَلْحَوْضَ وَ هُوَ أَحَقُّ اَلنَّاسِ عَهْداً إِلَيَّ. لاَ يُبْغِضُهُ أَحَدُ إِلاَّ أَكَبَّهُ اَللَّهُ عَلَى مَنْخِرِهِ فِي اَلنَّارِ فَازْدَادَتْ بِذَلِكَ غَيْضاً عَلَيَّ.
ثَامِنُهَا: وَ لَمَّا رُمِيَتْ بِمَا رُمِيَتْ اِشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى اَلنَّبيِّ صلى الله عليه و آله وَ اِسْتَشَارَنِي فِي أَمْرِهَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ سَلْ جَارِيَتَهَا بَرِيرَةَ وَ اِسْتَبْرِئُ حَالَهَا مِنْهَا فَإِنْ وَجَدْتَ عَلَيْهَا شَيْئاً فَخَلِّ سَبِيلَهَا فَإِنَّ اَلنِّسَاءَ كَثِيرَةُ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اَللَّهِ أَنْ أَتَوَلَّى مَسْأَلَةَ بَرِيرَةَ وَ أَسْتَبْرِئَ اَلْحَالَ مِنْهَا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَحَقَدَتْ عَلَيَّ وَ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهَا سُوءٍ لَكِنِّي نَصَحْتُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.
ص: 527
فَإِنْ شِئْتُمْ فَاسْأَلُوهَا مَا اَلَّذِي نَقَمَتْ عَلَيَّ حَتَّى خَرَجَتْ مَعَ اَلنَّاكِثِينَ لِبَيْعَتِي وَ سَفْكِ دِمَاءِ شِيعَتِي وَ اَلتَّظَاهُرِ بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ بِعَدَاوَتِي لِلْبَغْيَ وَاَلشِّقَاقِ وَ اَلْمَقْتِ لِي بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ فِي اَلدِّينِ وَ اَللهُ اَلْمُسْتَعَانُ.
فَقَالَ اَلْقَوْمُ: اَلْقَوْلُ وَ اَللَّهِ مَا قُلْتَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلَقَدْ كَشَفْتَ اَلْغُمَّةَ وَ لَقَدْ نَشْهَدُ أَنَّكَ أَوْلَى بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله مِمَّنْ عَادَاكَ.
2 - تفسير فرات بن إبراهيم ، عُبَيْدُ بْنُ كَثِيرٍ مُعَنْعَناً عَنْ أَصْبَغَ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: لَمَّا هَزَمْنَا أَهْلَ اَلْبَصْرَةِ جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام حَتَّى اِسْتَنَدَ إِلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ اَلْبَصْرَةِ فَاجْتَمَعْنَا حَوْلَهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَاكِبُ وَ اَلنَّاسُ نُزُولٌ فَيَدْعُو اَلرَّجُلَ بِاسْمِهِ فَيَأْتِيهِ ثُمَّ يَدْعُو اَلرَّجُلَ بِاسْمِهِ فَيَأْتِيهِ ثُمَّ يَدْعُو اَلرَّجُلَ بِاسْمِهِ فَيَأْتِيهِ حَتَّى وَافَاهُ مِنَّا سِتُونَ شَيْخاً كُلُّهُمْ قَدْ صَغَّرُوا اَللِّحَى وَعَقَصُوهَا وَأَكْثَرُهُمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ هَمْدَانَ فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ اَلْبَصْرَةِ وَنَحْنُ مَعَهُ وَ عَلَيْنَا اَلدِّرْعُ وَاَلْمَغَافِرُ مُتَقَلِّدِي اَلسُّيُوفِ مُتَنَكِّبِي اَلْأَتْرِسَةِ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى دَارٍ قَوْرَاءَ فَدَخَلْنَا فَإِذَا فِيهَا نِسْوَةٌ يَبْكِينَ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ صِحْنَ صَيْحَةً
ص: 528
وَاحِدَةً وَ قُلْنَ هَذَا قَاتِلُ اَلْأَحِبَّةِ فَأَمْسَكَ عَنْهُنَّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ مَنْزِلُ عَائِشَةَ ؟
فَأَوْمَأْنَ إِلَى حُجْرَةٍ فِي اَلدَّارِ فَحَمَلْنَا عَلِيّاً عَنْ دَابَّتِهِ فَأَنْزَلْنَاهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ شَيْئاً إِلاَّ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتِ امْرَأَةً عَالِيَةَ اَلصَّوْتِ فَسَمِعْنَا قَوْلَهَا كَهَيْئَةِ اَلْمَعَاذِيرِ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ.
ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَعَارَضَتْهُ اِمْرَأَةٌ مِنْ قِبَلِ اَلدَّارِ فَقَالَ أَيْنَ صَفِيَّةُ ؟
قَالَتْ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: أَلاَ تَكُفِّينَ عَنِّي هَؤُلاَءِ اَلْكَلَبَاتِ اَلَّتِي يَزْعُمْنَ أَنِّي قَاتِلُ اَلْأَحِبَّةِ؟
لَوْ قَتَلْتُ اَلْأَحِبَّةَ لَقَتَلْتُ مَنْ فِي تِلْكِ اَلدَّارِ وَ أَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى ثَلاَثِ حُجَرٍ فِي اَلدَّار.
قَالَ: فَضَرَبْنَا بِأَيْدِينَا عَلَى قَوَائِمِ اَلسُّيُوفِ وَ ضَرَبْنَا بِأَبْصَارِنَا إِلَى اَلْحُجَرِ اَلَّتِي أَوْمَى إِلَيْهَا فَوَ اَللَّهِ مَا بَقِيَتْ فِي اَلدَّارِ بَاكِيَةٌ إِلاَّ سَكَنَتْ وَ لاَ قَائِمَةٌ إِلاَّ جَلَسَتْ قُلْتُ: يَا أَبَا اَلْقَاسِمِ فَمَنْ كَانَ فِي تِلْكَ اَلثَّلاَثِ حُجَرٍ ؟
ص: 529
قَالَ: أَمَّا وَاحِدَةُ: فَكَانَ فِيهَا مَرْوَانُ بْنُ اَلْحَكَمِ جَرِيحاً وَ مَعَهُ شَبَابُ قُرَيْشٍ جَرْحَى.
وَأَمَّا اَلثَّانِيَةُ: فَكَانَ فِيهَا عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلزُّبَيْرِ وَ مَعَهُ آلُ اَلزُّبَيْرِ جَرْحَى
وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ: فَكَانَ فِيهَا رَئِيسُ أَهْلِ اَلْبَصْرَةِ يَدُورُ مَعَ عَائِشَةَ أَيْنَ مَا دَارَتْ...(1)
3 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ:
أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ لَمَّا أَبَتِ اَلْخُرُوجَ فَقَالَ لَهَا: يَا شُعَيْرَاءُ اِرْتَحِلِي وَإِلاَّ تَكَلَّمْتُ بِمَا تَعْلَمِينَهُ.
فَقَالَتْ: نَعَمْ أَرْتَحِلُ فَجَهَّزَهَا وَ أَرْسَلَها وَ مَعَهَا أَرْبَعِينَ اِمْرَأَةً مِنْ عَبْدِ اَلْقَيْسِ اَلْحَدِيثَ بِطُولِهِ.(2)
ص: 530
وَ كَتَبَ عَلِيُّ عليه السلام إِلَى عَائِشَةَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكِ خَرَجْتِ مِنْ بَيْتِكِ عَاصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله تَطْلُبِينَ أَمْراً كَانَ عَنْكِ مَوْضُوعاً ثُمَّ تَزْعُمِينَ أَنَّكِ تُريدِينَ اَلْإِصْلاَحَ بَيْنَ اَلنَّاسِ فَخَبْرِينِي مَا لِلنِّسَاءِ وَقُوَّةِ اَلْعَسَاكِر؟
وَ زَعَمْتِ أَنَّكِ طَالِبَةٌ بِدَمٍ عُثْمَانَ وَ عُثْمَانُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ أَنْتِ اِمْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ وَ لَعَمْرِي إِنَّ اَلَّذِي عَرَضَكِ لِلْبَلاَءِ وَ حَمَلَكِ عَلَى اَلْمَعْصِيَةِ لَأَعْظَمُ إِلَيْكِ ذَنْباً مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَمَا غَضِبْتِ حَتَّى أَغْضِبْتِ وَلاَ هِجْتِ حَتَّى هُيِّجْتِ فَاتَّقِي اَللَّهَ يَا عَائِشَةُ وَارْجِعِي إِلَى مَنْزِلِكِ وَ أَسْبِلِي عَلَيْكِ سِتْرَكِ وَ اَلسَّلاَمُ.(1)
رُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام بَلَغَهُ عَنْ عُمَرَ ذِكْرُ شِيعَتِهِ، فَاسْتَقْبَلَهُ فِي بَعْضِ طُرُقَاتِ بَسَاتِينِ اَلْمَدِينَةِ ، وَ فِي يَدِ عَلِيٍّ
ص: 531
السلام قَوْسُ عَرَبِيَّةُ. فَقَالَ: يَا عُمَرُ، بَلَغَنِي عَنْكَ ذِكْرُكَ لِشِيعَتِي. فَقَالَ: اِرْبَعْ عَلَى ظَلْعِكَ.
فَقَالَ عليه السلام: إِنَّكَ لَهَاهُنَا، ثُمَّ رَمَى بِالْقَوْسِ عَلَى اَلْأَرْضِ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ كَالْبَعِيرِ فَاغِرٌ فَاهُ وَ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَ عُمَرَ لِيَبْتَلِعَهُ. فَصَاحَ عُمَرُ: اَللَّهَ اَللَّهَ يَا أَبَا اَلْحَسَن، لاَ عُدْتُ بَعْدَهَا فِي شَيْءٍ، وَجَعَلَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، فَضَرَبَ يَدَهُ إِلَى اَلثُّعْبَانِ، فَعَادَتِ اَلْقَوْسُ كَمَا كَانَتْ، فَمَرَّ عُمَرُ إِلَى بَيْتِهِ مَرْعُوباً.
قَالَ سَلْمَانُ: فَلَمَّا كَانَ فِي اَللَّيْلِ دَعَانِي عَلِيُّ عليه السلام فَقَالَ: صِرْ إِلَى عُمَرَ، فَإِنَّهُ حُمِلَ إِلَيْهِ مَالٌ مِنْ نَاحِيَةِ اَلْمَشْرِقِ وَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ، وَ قَدْ عَزَمَ أَنْ يَحْتَبِسَهُ، فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ عَلِيُّ: أُخْرِجَ إِلَيْكَ مَالٌ مِنْ نَاحِيَةِ اَلْمَشْرِقِ، فَفَرِّقْهُ عَلَى مَنْ جُعِلَ لَهُمْ، وَ لاَ تَحْبِسْهُ فَأَفْضَحَكَ.
قَالَ سَلْمَانُ: فَأَدَّيْتُ إِلَيْهِ اَلرِّسَالَةَ. فَقَالَ: حَيَّرَنِي أَمْرُ صَاحِبِكَ، مِنْ أَيْنَ عَلِمَ بِهِ ؟
فَقُلْتُ: وَ هَلْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا؟
فَقَالَ لِسَلْمَانَ: اِقْبَلْ مِنّي أَقُولُ لَكَ، مَا عَلِيٌّ إِلاَّ سَاحِرٌ، وَ إِنِّي لَمُشْفِقٌ عَلَيْكَ مِنْهُ، وَاَلصَّوَاب أَنْ تُفَارِقَهُ وَ تَصِيرَ فِي جُمْلَتِنَا.
ص: 532
قُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، لَكِنَّ عَلِيّاً وَرِثَ مِنْ أَسْرَارِ اَلنُّبُوَّةِ مَا قَدْ رَأَيْتَ مِنْهُ وَ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ. قَالَ: اِرْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: اَلسَّمْعَ وَاَلطَّاعَةَ لِأَمْرِكَ.
فَرَجَعْتُ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ عليه السلام: أَحَدِّثُكَ بِمَا جَرَى بَيْنَكُمَا؟ فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي.
فَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا جَرَى بَيْنَنَا ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رُعْبَ اَلثُّعْبَانِ فِي قَلْبِهِ إِلَى أَنْ يَمُوتُ.(1)
1 - قال المجلسي : رَأَيْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ اَلْمَنَاقِبِ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ، قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ: إِنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَلَغَهُ عَنْ بَعْضٍ شَيْءٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سَلْمَانَ اَلْفَارِسِيَّ فَقَالَ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ كَيْتَ وَ كَيْتَ وَ كَرِهْتُ أَنْ أَفْضَحَكَ، وَ جَعَلْتُ كَفَّارَةَ ذَلِكَ فَكَّ رَقَبَتِكَ مِنَ اَلْمَالِ اَلَّذِي حُمِلَ إِلَيْكَ مِنْ خُرَاسَانَ اَلَّذِي خُنْتَ فِيهِ اَللَّهَ وَاَلْمُؤْمِنِينَ.
ص: 533
قَالَ سَلْمَانُ: فَلَمَّا قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَ اِرْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ وَ أُسْقِطَ فِي يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بِلِسَانٍ كَلِيلٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! أَمَّا اَلْكَلاَمُ فَلَعَمْرِي قَدْ جَرَى بَيْنِي وَ بَيْنَ أَهْلِي وَ وُلْدِي وَ مَا كَانُوا بِالَّذِي يُفْشُونَ عَلَيَّ، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ؟
وَ أَمَّا اَلْمَالُ اَلَّذِي وَرَدَ عَلَيَّ فَوَ اَللَّهِ مَا عَلِمَ بِهِ إِلاَّ اَلرَّسُولُ اَلَّذِي أَتَى بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ هَدِيَّةُ، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ؟
يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ وَ اَللَّهِ ثُمَّ وَ اَللَّهِ - ثَلاَثاً - إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ سَاحِرٌ عَلِيمٌ.
قَالَ سَلْمَانُ: قُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا عَبْدَ اَللَّهِ؟.
فَقَالَ: وَيْحَكَ ! اِقْبَلْ مِنِّي مَا أَقُولُهُ فَوَ اَللَّهِ مَا عَلِمَ أَحَدُ بِهَذَا اَلْكَلاَمِ وَلاَ أَحَدٌ عَرَفَ خَبَرَ هَذَا اَلْمَالِ غَيْرِي، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ؟ وَمَا عَلِمَ هُوَ إِلاَّ مِنَ اَلسِّحْرِ، وَ قَدْ ظَهَرَ لِي مِنْ سِحْرِهِ غَيْرُ هَذَا؟.
قَالَ سَلْمَانُ: فَتَجَاهَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: باللَّهِ ظَهَرَ لَكَ مِنْهُ غَيْرُ هَذَا؟.
قَالَ: إِي وَ اَللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ؟.
قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي بِبَعْضِهِ.
ص: 534
قَالَ: إِذاً وَ اَللَّهِ أَصْدُقُكَ وَ لاَ أُحَرِّفُ قَلِيلاً وَ لاَ كَثِيراً مِمَّا رَأَيْتُهُ مِنْهُ، لأَنِّي أُحِبُّ أَنْ أَطَّلِعَكَ عَلَى سِحْرِ صَاحِبِكَ حَتَّى تَجْتَنِبَهُ وَ تُفَارِقَهُ، فَوَ اَللَّهِ مَا فِي شَرْقِهَا وَ غَرْبِهَا أَحَدٌ أَسْحَرَ مِنْهُ، ثُمَّ اِحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَ قَامَ وَ قَعَدَ، وَ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ! إِنِّي لَمُشْفِقُ عَلَيْكَ وَ مُحِبُّ لَكَ، عَلَى أَنَّكَ قَدِ اِعْتَزَلْتَنَا وَ لَزِمْتَ اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَلَوْ مِلْتَ إِلَيْنَا وَ كُنْتَ فِي جَمَاعَتِنَا لَآثَرْنَاكَ وَ شَارَكْنَاكَ فِي هَذِهِ اَلْأَمْوَالِ، فَاحْذَرِ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ لاَ يَغُرَّنَّكَ مَا تَرَى مِنْ سِحْرِهِ!
فَقُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي بِبَعْضِهِ.
قَالَ: نَعَمْ، خَلَوْتُ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَا وَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام في شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اَلْخُمُسِ، فَقَطَعَ حَدِيثِي وَ قَالَ لِي: مَكَانَكَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ، فَقَدْ عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ، فَخَرَجَ، فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ أَن اِنْصَرَفَ وَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَ ثِيَابِهِ غُبَارُ كَثِيرَةٌ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟.
قَالَ: أَقْبَلْتُ عَلَى عَسَاكِرَ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَ فِيهِمْ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله علیه و آله يُرِيدُونَ بِالْمَشْرِقِ مَدِينَةً يُقَالُ لَهَا: صَحُورُ، فَخَرَجْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ اَلْغَبَرَةُ مِنْ ذَلِكَ، فَضَحِكْتُ تَعَجُّباً مِنْ قَوْلِهِ، وَ قُلْتُ: يَا أَبَا
ص: 535
الْحَسَنِ ! رَجُلٌ قَدْ بَلِيَ فِي قَبْرِهِ وَ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَقِيتَهُ اَلسَّاعَةَ وَ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ، هَذَا مَا لاَ يَكُونُ أَبَداً.
فَغَضِبَ مِنْ قَوْلِي، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: أَ تُكَذِّبُنِي؟!.
قُلْتُ: لاَ تَغْضَبْ فَإِنَّ هَذَا مَا لاَ يَكُونُ.
قَالَ: فَإِنْ عَرَضْتُهُ عَلَيْكَ حَتَّى لاَ تُنْكِرَ مِنْهُ شَيْئاً تُحْدِثُ لِلَّهِ تَوْبَةً مِمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ؟. قُلْتُ: لَعَمْرُ اَللَّهِ. فَاعْرِضْهُ عَلَيَّ.
فَقَالَ: قُمْ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ اَلْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي: يَا شَاكُّ غَمِّضْ عَيْنَيْكَ، فَغَمَّضْتُهَا فَمَسَحَهُمَا ثُمَّ قَالَ: يَا غَافِلُ اِفْتَحْهُمَا، فَفَتَحْتُهُمَا فَإِذَا أَنَا وَ اَللَّهِ - يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ - بِرَسُولِ اَللهِ صلى الله عليه و آله مَعَ اَلْمَلاَئِكَةِ لَمْ أُنْكِرْ مِنْهُ شَيْئاً، فَبَقِيتُ وَاَللَّهِ مُتَعَجِّباً أَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ، فَلَمَّا أَطَلْتُ اَلنَّظَرَ إِلَيْهِ فَعَضَّ اَلْأَنَامِلَ بِالْأَسْنَانِ وَ قَالَ لِي: يَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ!
أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَاكَ رَجُلاً ، قَالَ: فَسَقَطْتُ مَغْشِيّاً عَلَى اَلْأَرْضِ، فَلَمَّا أَفَقْتُ قَالَ لِي: هَلْ رَأَيْتَهُ وَ سَمِعْتَ كَلاَمَهُ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَنْظُرْ إِلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا لاَ عَيْنَ وَ لاَ أَثَرَ وَ لاَ خَبَرَ مِنَ اَلرَّسُولِ صلى الله عليه و وَلاَ آله وَ لَا مِنْ تِلْكَ اَلْخُيُولِ.
ص: 536
فَقَالَ لِي: يَا مِسْكِينُ فَأَحْدِثْ تَوْبَةً مِنْ سَاعَتِكَ هَذِهِ.
فَاسْتَقَرَّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ أَنَّهُ أَسْحَرُ أَهْل اَلْأَرْضِ، وَبِاللَّهِ لَقَدْ خِفْتُهُ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْم وَ هَالَنِي أَمْرُهُ، وَ لَوْ لاَ أَنِّي وَقَفْتُ - يَا سَلْمَانُ - عَلَى أَنَّكَ تُفَارِقُهُ مَا أَخْبَرْتُكَ، فَاكْتُمْ هَذَا وَ كُنْ مَعَنَا لِتَكُونَ مِنَّا وَإِلَيْنَا حَتَّى أُوَلِّيَكَ اَلْمَدَائِنَ وَ فَارِسَ ، فَصِرْ إِلَيْهِمَا وَلاَ تُخْبِرِ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام بِشَيْءٍ مِمَّا جَرَى بَيْنَنَا، فَإِنِّي لاَ آمَنُهُ أَنْ يَفْعَلَ لِي مِنْ كَيْدِهِ شَيْئاً.
قَالَ: فَضَحِكْتُ وَ قُلْتُ: إِنَّكَ لَتَخَافُهُ ؟.
قَالَ: إِي وَ اَللَّهِ خَوْفاً لاَ أَخَافُ شَيْئاً مِثْلَهُ.
قَالَ سَلْمَانُ: فَنَشَطْتُ مُتَجَاهِلاً بِمَا حَدَّثَنِي وَ قُلْتُ: يَا عَبْدَ اَللَّهِ! أَخْبِرْنِي عَنْ غَيْرِهِ فَوَ اَللَّهِ إِنَّكَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ أَعْجُوبَةٍ؟.
قَالَ: إِذاً أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا مِمَّا عَايَنْتُهُ أَنَا بِعَيْنِي.
قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي.
ص: 537
قَالَ: نَعَمْ، إنَّهُ أَتَانِى يَوْماً مُغْضَباً وفي يَدِهِ قَوْسُهُ فَقَالَ لِي: يَا فَلاَنُ! عَلَيْكَ بِشِيعَتِكَ اَلطَّغَاةِ وَ لاَ تَتَعَرَّضْ لِشِيعَتِي، فَإِنِّي خَلِيقُ أَنْ أُنَكِّلَ بِكَ.
فَغَضِبْتُ أَنَا أَيْضاً - وَلَمْ أَكُنْ وقَفْتُ عَلَى سِحْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ -، فَقُلْتُ: يَا اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ ! مَهْ، مَا هَذَا اَلْغَضَبُ وَ اَلسَّلْطَنَةُ؟ أَتَعْرِفُنِي حَقَّ اَلْمَعْرِفَةِ؟.
قَالَ: نَعَمْ، فَوَ اَللَّهِ لَأَعْرِفَنَّ قَدْرَكَ، ثُمَّ رَمَى بِقَوْسِهِ اَلْأَرْضَ، وَ قَالَ: خُذِيهِ، فَصَارَتْ ثُعْبَاناً عَظِيماً مِثْلَ ثُعْبَانِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَفَغَرَ فَاهُ فَأَقْبَلَ نَحْوِي لِيَبْلَعَنَي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ طَارَ رُوحِي فَرَقاً وَ خَوْفاً وَ صِحْتُ وَ قُلْتُ: اَللَّهَ! اَللَّهَ! اَلْأَمَانَ اَلْأَمَانَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ، أَذْكُرْ مَا كَانَ فِي خِلاَفَةِ اَلْأَوَّلِ مِنِّي حِينَ وَثَبَ إِلَيْكَ، وَ بَعْدُ فَاذْكُرْ مَا كَانَ مِنِّي إِلَى خَالِدِ بْن اَلْوَلِيدِ اَلْفَاسِقِ بْن اَلْفَاسِقِ حِينَ أَمَرَهُ اَلْخَلِيفَةُ بِقَتْلِكَ، وَ بِاللَّهِ مَا شَاوَرَنِي فِي ذَلِكَ فَكَانَ مِنِّي مَا كَانَ حَتَّى شَكَانِي وَ وَقَعَ بَيْنَنَا اَلْعَدَاوَةُ، وَ أَذْكُرْ - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ - مَا كَانَ مِنِّي فِي مَقَامِي حِينَ قُلْتُ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ، فَارْتَابَ اَلنَّاسُ وَصَاحُوا وَ قَالُوا: طَعَنَ عَلَى صَاحِبِهِ، قَدْ عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ، وَ بِاللَّهِ إِنَّ شِيعَتَكَ يُؤْذُونَنِي وَيُشَنِّعُونَ عَلَىَّ، وَ لَوْ لاَ مَكَانُكَ - يَا أَمِيرَ
ص: 538
اَلْمُؤْمِنِينَ - لَكُنْتُ نَكَلْتُ بِهِمْ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَتَعَرَّضُ لَهُمْ مِنْ أَجْلِكَ وَكَرَامَتِكَ، فَاكْفُفْ عَنِّى هَذَا اَلشُّعْبَانَ فَإِنَّهُ يَبْلَعُنِي.
فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا اَلْمَقَالَ مِنِّي قَالَ: أَيُّهَا اَلْمِسْكِينُ لَطُفْتَ فِي اَلْكَلاَمِ، وَ إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ نَشْكُرُ اَلْقَلِيلَ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى اَلثُّعْبَانِ وَ قَالَ: مَا تَقُولُ؟.
قُلْتُ: اَلْأَمَانَ! اَلْأَمَانَ ! قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي لَمْ أَقُلْ إِلاَّ حَقَّاً، فَإِذَا قَوْسُهُ فِي يَدِهِ وَ لَيْسَ هُنَاكَ ثُعْبَانُ وَ لاَ شَيْءُ، فَلَمْ أَزَلْ أَحْذَرُهُ وَ أَخَافُهُ إِلَى يَوْمِي هَذَا.
قَالَ سَلْمَانُ: فَضَحِكْتُ وَقُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ هَذِهِ اَلْأَعْجُوبَاتِ.
قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ! هَذَا مَا رَأَيْتُهُ أَنَا بِعَيْنَيَّ هَاتَيْنِ، وَلَوْ لاَ أَنِّي قَدْ رَفَعْتُ اَلْحِشْمَةَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَا كُنْتُ بِالَّذِي أُخْبرُكَ بِهَذَا.
قَالَ سَلْمَانُ: فَتَجَاهَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ مِنْهُ سِحْراً غَيْرَ مَا أَخْبَرْتَنِي بِهِ؟. قَالَ: نَعَمْ، لَوْ حَدَّثْتُكَ لَبَقِيتَ مِنْهُ مُتَحَيِّراً، وَ لاَ تَقُلْ - يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ - إِنَّ هَذَا اَلسِّحْرَ هُوَ اَلَّذِي أَظْهَرَهُ، لاَ وَاَللَّهِ وَلَكِنْ هُوَ وِرَاثَةٌ يَرِثُونَهَا.
ص: 539
قُلْتُ: كَيْفَ؟.
قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ رَأَى مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ وَ مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ سِحْراً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَ ذَكَرَ أَبِي أَنَّ أَبَاهُ نُفَيْلاً أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى مِنْ عَبْدِ اَلْمُطَّلِب سِحْراً لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
قَالَ سَلْمَانُ: فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي بِمَا أَخْبَرَكَ بِهِ أَبُوكَ؟.
قَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فِي سَفَرٍ يُرِيدُونَ اَلشَّامَ مَعَ تُجَّارِ قُرَيْشٍ تَخْرُجُ مِنَ اَلسَّنَةِ إِلَى اَلسَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَجْمَعُونَ أَمْوَالاً كَثِيرَةً، وَ لَمْ يَكُنْ فِي اَلْعَرَبِ أَتْجَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ اَلطَّرُقِ إِذَا قَوْمُ مِنَ اَلْأَعْرَابِ قُطَّاعُ شَاكُونَ فِي اَلسِّلاَحِ لاَ يُرَى مِنْهُمْ إِلاَّ اَلْحَدَقُ.
فَلَمَّا ظَهَرُوا لَنَا هَالَنَا أَمْرُهُمْ وَفَزِعْنَا وَ وَقَعَ اَلصِّيَاحُ فِي اَلْقَافِلَةِ، وَ اِشْتَغَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِنَفْسِهِ يُرِيدُ أَنْ يَنْجُوَ بِنَفْسِهِ فَقَط، وَ دَهِمَنَا أَمْرٌ جَلِيلٌ، وَاِجْتَمَعْنَا وَ عَزَمْنَا عَلَى اَلْهَرَبِ، فَمَرَرْنَا بِأَبِي طَالِبٍ وَهُوَ جَالِسٌ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا طَالِبٍ ! مَا لَكَ ؟ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ دَهِمَنَا فَانْجُ بِنَفْسِكَ مَعَنَا؟.
فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ نَهْرُبُ فِي هَذِهِ اَلْبَرَارِي؟.
ص: 540
قُلْنَا: فَمَا اَلْحِيلَةُ؟.
قَالَ اَلْحِيلَةُ أَنْ نَدْخُلَ هَذِهِ اَلْجَزِيرَةَ فَنُقِيمَ فِيهَا وَنَجْمَعَ أَمْتِعَتَنَا وَ دَوَابَّنَا وَأَمْوَالَنَا فِيهَا.
قَالَ: فَبَقِينَا مُتَعَجِّبِينَ، وَ قُلْنَا: لَعَلَّهُ جُنَّ وَ فَزِعَ مِمَّا نَزَلَ بِهِ، فَقُلْنَا: وَيْحَكَ! وَ لَنَا هُنَا جَزيرَةٌ؟!
قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: أَيْنَ هِيَ؟.
قَالَ: اُنْظُرُوا أَمَامَكُمْ.
قَالَ: فَنَظَرْنَا إِذَا وَ اَللَّهِ جَزِيرَةُ عَظِيمَةٌ لَمْ يَرَ اَلنَّاسُ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْصَنَ مِنْهَا، فَارْتَحَلْنَا وَحَمَلْنَا أَمْتِعَتَنَا، فَلَمَّا قَربْنَا مِنْهَا إِذَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَهَا وَادٍ عَظِيمٌ مِنْ مَاءٍ لاَ يُمْكِنُ أَحَداً أَنْ يَسْلُكَهُ.
فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! أَلاَ تَرَوْنَ هَذَا اَلطَّرِيقَ اَلْيَابِسَ اَلَّذِي فِي وَسَطِهِ؟
قُلْنَا: لاَ.
قَالَ: فَانْظُرُوا أَمَامَكُمْ وَ عَنْ يَمِينِكُمْ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا وَ اَللَّهِ طَرِيقٌ يَابِسٌ سَهْلُ اَلْمَسْلَكِ فَفَرِحْنَا، وَ قُلْنَا: لَقَدْ مَنَّ اَللَّهُ عَلَيْنَا بِأَبِي طَالِبٍ، فَسَلَكَ وَ سَلَكْنَا خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلْنَا اَلْجَزِيرَةَ فَحَطَطْنَا، فَقَامَ أَبُو طَالِبٍ فَخَطَّ
ص: 541
خَطّاً عَلَى جَمِيعِ اَلْقَافِلَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا قَوْمُ! أَبْشِرُوا فَإِنَّ اَلْقَوْمَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكُمْ وَلاَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِسُوءٍ.
قَالَ: وَأَقْبَلَتِ اَلْأَعْرَابُ يَتَرَاكَضُونَ خَلْفَنَا، فَلَمَّا اِنْتَهَوْا إِلَى اَلْوَادِي إِذَا بَحْرٌ عَظِيمٌ قَدْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَنَا فَبَقُوا مُتَعَجِّبِينَ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقَالُوا: يَا قَوْمُ! هَلْ رَأَيْتُمْ قَطُّ هَاهُنَا جَزيرَةً أَوْ بَحْراً؟.
قَالُوا: لاَ. فَلَمَّا كَثُرَ تَعَجُبُهُمْ قَالَ شَيْخٌ مِنْهُمْ - قَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِ اَلتَّجَارِبُ -: يَا قَوْمُ! أَنَا أَطَّلِعُكُمْ عَلَى بَيَان هَذَا اَلْأَمْرِ اَلسَّاعَةَ.
قَالُوا هَاتِ - يَا شَيْخُ - فَإِنَّكَ أَقْدَمُنَا وَ أَكْبَرُنَا سِنَّاً وَ أَكْثَرُنَا تجاربا [تَجَارِبَ]. قَالَ: نَادُوا اَلْقَوْمَ، فَنَادَوْهُمْ، فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ؟.
قَالَ اَلشَّيْخُ: قُولُوا لَهُمْ: أَ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ؟
فَنَادَوْهُمْ، فَقَالُوا: نَعَمْ، فِينَا أَبُو طَالِبِ بْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ.
قَالَ اَلشَّيْخُ: يَا قَوْمُ!، قَالُوا: لَبَّيْكَ. قَالَ: لاَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَصِلَ إِلَيْهِمْ بِسُوءٍ أَصْلاً، فَانْصَرِفُوا وَ لاَ تَشْتَغِلُوا بِهِمْ، فَوَ اَللَّهِ مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْهُمْ قَلِيلٌ وَ لاَ كَثِيرٌ.
ص: 542
فَقَالُوا: قَدْ خَرِفْتَ أَيُّهَا اَلشَّيْخُ، أَتَنْصَرِفُ عَنْهُمْ وَتَتْرُكُ هَذِهِ اَلْأَمْوَالَ اَلْكَثِيرَةَ وَاَلْأَمْتِعَةَ اَلنَّفِيسَةَ مَعَهُمْ؟!، لاَ وَاللَّهِ وَلَكِنْ نُحَاصِرُهُمْ أَوْ يَخْرُجُونَ إِلَيْنَا فَنَسْلُبُهُمْ. قَالَ اَلشَّيْخُ قَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ اَلنَّاصِحِينَ، فَاتْرُكُوا نُصْحَكُمْ وَذَرُوا.
قَالُوا: أَسْكُتْ يَا جَاهِلُ! فَحَطُّوا رَوَاحِلَهُمْ لِيُحَاصِرُوهُمْ فَلَمَّا حَطُّوا أَبْصَرَ بَعْضُهُمْ بِالطَّرِيقِ اَلْيَابِسِ، فَصَاحَ: يَا قَوْمُ! هَاهُنَا طَرِيقٌ يَابِسٌ، فَأَبْصَرَ اَلْقَوْمُ كُلُّهُمُ اَلطَّرِيقَ اَلْيَابِسَ، وَ فَرِحُوا وَ قَالُوا: نَسْتَرِيحُ سَاعَةً وَ نَعْلِفُ دَوَابَّنَا ثُمَّ تَرْتَحِلُ إِلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ لاَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّصُوا، فَفَعَلُوا.
فَلَمَّا أَرَادُوا اَلاِرْتِحَالَ تَقَدَّمَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى اَلطَّريقِ اَلْيَابِسِ فَلَمَّا تَوَسَّطُوا غَرِقُوا وَ بَقِيَ اَلآخَرُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ فَأَمْسَكُوا وَنَدِمُوا فَاجْتَمَعُوا إِلَى اَلشَّيْخِ، وَقَالُوا: وَيْحَكَ يَا شَيْخُ! أَلاَّ أَخْبَرْتَنَا أَمْرَ هَذَا اَلطَّرِيقِ فَإِنَّهُ قَدْ أُغْرِقَ فِيهِ خَلْقُ كَثِيرٌ. قَالَ اَلشَّيْخُ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَخَالَفْتُمُونِي وَ عَصَيْتُمْ أَمْرِي حَتَّى هَلَكَ مِنْكُمْ مَنْ هَلَكَ.
قَالُوا لَهُ: وَ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَاكَ يَا شَيْخُ؟.
ص: 543
قَالَ: وَيْحَكُمْ! إِنَّا خَرَجْنَا مَرَّةً قَبْلَ هَذَا نُرِيدُ اَلْغَارَةَ عَلَى تِجَارَةِ قُرَيْشٍ، فَوَقَعْنَا عَلَى اَلْقَافِلَةِ فَإِذَا فِيهَا مِنَ اَلْأَمْوَالِ وَاَلْأَمْتِعَةِ مَا لاَ يُحْصَى كَثْرَةً، فَقُلْنَا قَدْ جَاءَ اَلْغِنَى آخِرَ اَلْأَبَدِ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِنَا - وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ إِلاَّ قَدْرُ مِيل - قَامَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِب يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اَللَّهِ ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ اَلْقَافِلَةِ! مَا تَرَوْنَ؟. قَالُوا: مَا تَرَى، قَدْ دَهِمَنَا هَذَا اَلْخَيْلُ اَلْكَثِيرُ، فَسَلُوهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنَّا أَمْوَالَنَا وَ يُخَلُّوا سِرْبَنَا فَإِنَّا إِنْ نَجَوْنَا بأَنْفُسِنَا فَقَدْ فُزْنَا.
فَقَالَ عَبْدُ اَللَّهِ: قُومُوا وَاِرْتَحِلُوا فَلاَ بَأْسَ عَلَيْكُمْ.
فَقُلْنَا: وَيْحَكَ! وَقَدْ قَرُبَ اَلْقَوْمُ وَ إِنِ اِرْتَحَلْنَا وَضَعُوا عَلَيْنَا اَلسُّيُوفَ.
فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! إِنَّ لَنَا رَبّاً يَمْنَعُنَا مِنْهُمْ، وَ هُوَ رَبُّ اَلْبَيْتِ اَلْحَرَامِ وَاَلرُّكْنِ وَ اَلْمَقَامِ، وَ مَا اِسْتَجَرْنَا بِهِ قَطُّ إِلَّا أَجَارَنَا، فَقُومُوا وَ بَادِرُوا.
قَالَ: فَقَامَ اَلْقَوْمُ وَاِرْتَحَلُوا، فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ سَيْراً رُوَيْداً، وَ نَحْنُ نَتَّبِعُهُمْ بِالرَّكْضِ اَلْحَثِيثِ وَاَلسَّيْرِ اَلشَّدِيدِ فَلاَ نَلْحَقُهُمْ، وَكَثُرَ تَعَجُّبُنَا مِنْ ذَلِكَ، وَ نَظَرَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ وَ قُلْنَا: يَا قَوْمُ! هَلْ رَأَيْتُمْ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا؟!
ص: 544
إِنَّهُمْ يَسِيرُونَ سَيْراً رُوَيْداً وَ نَحْنُ نَتَرَاكَضُ فَلاَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَلْحَقَهُمْ، فَمَا زَالَ ذَلِكَ دَأْبَنَا وَ دَأْبَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا، كُلَّ يَوْمٍ يَخْطُونَ فَيَقُومُ عَبْدُ اَللَّهِ فَيَخُطُّ خَطّاً حَوْلَ اَلْقَافِلَةِ وَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: لاَ تَخْرُجُوا مِنَ اَلْخَطِّ فَإِنَّهُمْ لاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمْ فَتَنْتَهِي إِلَى اَلْخَطِّ فَلاَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَجَاوَزَهُ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ - كُلَّ يَوْمٍ يَسِيرُونَ سَيْراً رُوَيْداً وَ نَحْنُ نَتَرَاكَضُ أَشْرَفْنَا عَلَى هَلاَكِ أَنْفُسِنَا وَ عَطِبَتْ دَوَابُّنَا وَ بَقِينَا لاَ حَرَكَةَ بِنَا وَلاَ نُهُوضَ، فَقُلْنَا: يَا قَوْمُ! هَذَا وَ اَللَّهِ اَلْعَطَبُ وَاَلْهَلَاكُ، فَمَا تَرَوْنَ؟.
قَالُوا: اَلرَّأْيُ اَلإِنْصِرَافُ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ سَحَرَةٌ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنْ كَانُوا سَحَرَةً فَالرَّأْيُ أَنْ نَغِيبَ عَنْ أَبْصَارِهِمْ وَ نُوهِمَهُمْ أَنَّا قَدِ اِنْصَرَفْنَا عَنْهُمْ، فَإِذَا ارْتَحَلُوا كَرَرْنَا عَلَيْهِمْ كَرَّةً وَ هَجَمْنَا عَلَيْهِمْ فِي مَضِيقٍ. قَالُوا نِعْمَ اَلرَّأْيُ هَذَا، فَانْصَرَفْنَا عَنْهُمْ وَأَوْهَمْنَاهُمْ أَنَّا قَدْ يَئِسْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ اِرْتَحَلُوا وَ مَضَوْا فَتَرَكْنَاهُمْ حَتَّى اِسْتَبْطَنُوا وَادِياً فَقُمْنَا فَأَسْرَجْنَا وَ رَكِبْنَا حَتَّى لَحِقْنَاهُمْ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِنَا فَرْعُوا إِلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ، وَقَالُوا: قَدْ لَحِقُونَا.
ص: 545
فَقَالَ: لاَ بَأْسَ عَلَيْكُمْ، اِمْضُوا رُوَيْداً. قَالَ: فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ سَيْراً رُوَيْداً، وَ نَحْنُ نَتَرَاكَضُ وَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا وَ دَوَابَّنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى اَلْمَوْتِ مَعَ دَوَابِّنَا، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اَلنَّهَارِ قَالَ عَبْدُ اَللَّهِ لِأَصْحَابِهِ: حُطُّوا رَوَاحِلَكُمْ، وَقَامَ فَخَطَّ خَطّاً وَ قَالَ: لاَ تَخْرُجُوا مِنَ اَلْخَطِّ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَصلُوا إِلَيْكُمْ بمَكْرُوهٍ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى اَلْخَطِّ فَوَ اَللَّهِ مَا أَمْكَنَنَا أَنْ نَتَجَاوَزَهُ.
فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: وَ اَللَّهِ مَا بَقِيَ إِلاَّ اَلْهَلَاكُ أَوِ اَلاِنْصِرَافُ عَنْهُمْ عَلَى أَنْ لاَ نَعُودَ إِلَيْهِمْ. قَالَ: فَانْصَرَفْنَا عَنْهُمْ فَقَدْ عَطِبَتْ دَوَابُّنَا وَ هَلَكَتْ، وَ كَانَتْ سَفْرَةً مَشُومَةً عَلَيْنَا، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ اَلشَّيْخ قَالُوا: أَلاَّ أَخْبَرْتَنَا بِهَذَا اَلْحَدِيثِ فَكُنَّا نَنْصَرِفُ عَنْهُمْ وَ لَمْ يَغْرَقْ مِنَّا مَنْ غَرِقَ؟.
قَالَ اَلشَّيْخُ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ وَ نَصَحْتُ لَكُمْ، وَقُلْتُ لَكُمُ: اِنْصَرِفُوا عَنْهُمْ فَلَيْسَ لَكُمُ اَلْوُصُولُ إِلَيْهِمْ، وَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ، وَ قُلْتُمْ: إِنِّي قَدْ خَرِفْتُ وَ ذَهَبَ عَقْلِي، فَلَمَّا سَمِعَ أَبِي هَذَا اَلْكَلاَمَ مِنَ اَلشَّيْخ وَ هُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ عَلَى رَأْسِ اَلْخُطَّةِ نَظَرَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: وَيْحَكَ! أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ اَلشَّيْخُ؟.
ص: 546
قَالَ: بَلَى يَا خَطَّابُ ! أَنَا وَاَللَّهِ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ مَعَ عَبْدِ اَللَّهِ فِي اَلْقَافِلَةِ ! وَأَنَا غُلاَمٌ صَغِيرٌ، وَ كَانَ هَذَا اَلشَّيْخُ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، وَ كَانَ شَائِكاً لاَ يُرَى مِنْهُ إِلاَّ حَدَقَتُهُ، وَ كَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ قَدْ أَرْحَاهَا عَنْ يَمِينِهِ وَ شِمَالِهِ.
فَقَالَ اَلشَّيْخُ: صَدَقَ وَ اَللَّهِ كُنْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى قَعُودٍ عَلَيَّ ذُؤَابَتَانِ قَدْ أَرْسَلْتُهُمَا عَنْ يَمِينِي وَ شِمَالِي. قَالَ اَلْخَطَّابُ : فَانْصَرِفُوا عَنَّا. فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: ارْتَحِلُوا. فَارْتَحَلْنَا، فَإِذَا لاَ جَزِيرَةَ وَ لاَ بَحْرَ وَ لاَ مَاءَ، وَإِذَا نَحْنُ عَلَى اَلْجَادَّةِ وَاَلطَّرِيقِ اَلَّذِي لَمْ نَزَلَ نَسْلُكُهُ فَسِرْنَا وَ تَخَلَّصْنَا بِسِحْرِ أبِي طَالِبٍ حَتَّى وَرَدْنَا اَلشَّامَ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ، وَحَلَفَ اَلْخَطَّابُ أَنَّهُ مَرَّ بَعْدُ بِذَلِكَ اَلْمَوْضِع بِعَيْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً إِلَى اَلشَّامِ فَلَمْ يَرَ جَزِيرَةً وَ لاَ بَحْراً وَ لاَ مَاءَ، وَ حَلَفَتْ قُرَيْشُ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ هَذَا - يَا سَلْمَانُ - إِلأاَّ سِحْرُ مُسْتَمِرُّ ؟.
قَالَ سَلْمَانُ : قُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ إِلاَّ أَنَّكَ تُورِدُ عَلَيَّ عَجَائِبَ مِنْ أَمْرِ بَنِي هَاشِمٍ.
قَالَ: نَعَمْ، يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ ! هُمْ أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُونَ اَلسَّحْرَ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ!.
ص: 547
قَالَ سَلْمَانُ : فَقُلْتُ - وَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَقْطَعَ اَلْحَدِيثَ -: مَا أَرَى أَنَّ هَذَا سِحْرٌ. قَالَ: سُبْحَانَ اَللَّهِ! يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ ! تَرَى كَذَبَ اَلْخَطَّابُ وَ أَصْحَابُهُ، أَتَرَاكَ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ مِمَّا عَايَنْتُهُ أَنَا بِعَيْنِي كَذِباً؟.
قَالَ سَلْمَانُ : فَضَحِكْتُ، فَقُلْتُ: وَيْلَكَ! إِنَّكَ لَمْ تَكْذِبْ وَلَا كَذَبَ اَلْخَطَّابُ وَأَصْحَابُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ صِدْقٌ وَ حَقٌّ.
فَقَالَ: وَاَللَّهِ لاَ تُفْلِحْ أَبَداً، وَ كَيْفَ تُفْلِحُ وَقَدْ سَحَرَكَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ؟.
قُلْتُ: فَاتْرُكْ هَذَا مَا تَقُولُ فِي فَكِّ اَلرَّقَبَةِ وَ اَلْمَالِ اَلَّذِي وَافَاكَ مِنْ خُرَاسَانَ؟ قَالَ: وَيْحَكَ! يُمْكِنُنِي أَنْ أَعْصِيَ هَذَا اَلسَّاحِرَ فِي شَيْءٍ يَأْمُرُنِي بِهِ؟ نَعَمْ أَفُكُّهَا عَلَى رَغْمٍ مِنِّي وَأَوْجَهَ بِالْمَالِ إِلَيْهِ.
قَالَ سَلْمَانُ: فَانْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: يَا سَلْمَانُ ! طَالَ حَدِيثُكُما.
قُلْتُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَنِي بِالْعَجَائِبِ مِنْ أَمْرِ اَلْخَطَّابِ وَأَبِي طَالِبٍ.
قَالَ: نَعَمْ - يَا سَلْمَانُ - قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ وَ سَمِعْتُ جَمِيعَ مَا جَرَى بَيْنَكُمَا، وَ مَا قَالَ لَكَ أَيْضاً إِنَّكَ لاَ تُفْلِحُ.
ص: 548
قَالَ سَلْمَانُ : وَاَللَّهِ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا حَضَرَ اَلْكَلَامَ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، فَأَخْبَرَنِي مَوْلاَيَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِجَمِيعِ مَا جَرَى بَيْنِي وَ بَيْنَهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا سَلْمَانُ ! عُدْ إِلَيْهِ فَخُذْ مِنْهُ اَلْمَالَ وَأَحْضِرْ فُقَرَاءَ اَلْمُهَاجِرِينَ اَلْأَنْصَارِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ فَرَّقْهُ إِلَيْهِمْ .(1)
2 - رُوِيَ عَنِ اَلصَّادِقِ عليه السلام : أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَلَغَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ اَلْخَطَّابِ أَمْرٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سَلْمَانَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَ قَالَ: قُلْ لَهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ كَيْتَ وَ كَيْتَ وَ كَرِهْتُ أَنْ أَعْتَبَ عَلَيْكَ فِي وَجْهِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يُقَالَ فِيَّ إِلاَّ اَلْحَقُّ فَقَدْ غُصِبْتُ حَقِّي عَلَى اَلْقَذَى وَصَبَرْتُ حَتَّى تَبْلُغَ اَلْكِتَابُ أَجَلَهُ.
فَنَهَضَ سَلْمَانُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَ بَلَغَهُ ذَلِكَ وَ عَاتَبَهُ وَ ذَكَرَ مَنَاقِبَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ ذَكَرَ فَضَائِلَهُ وَ بَرَاهِينَهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: عِنْدِي اَلْكَثِيرُ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ عليه السلام وَلَسْتُ بِمُنْكِرِ فَضْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ يَتَنَفَّسُ اَلصُّعَدَاءَ وَيُظْهِرُ اَلْبَغْضَاءَ.
ص: 549
فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ: حَدَّثْنِي بِشَيْءٍ مِمَّا رَأَيْتَهُ مِنْهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ نَعَمْ خَلَوْتُ بِهِ ذَاتَ يَوْمٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اَلْجَيْشِ فَقَطَعَ حَدِيثِي وَقَامَ مِنْ عِنْدِي وَ قَالَ: مَكَانَكَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ فَقَدْ عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ فَمَا كَانَ أَسْرَعَ أَنْ رَجَعَ عَلِيٌّ ثَانِيَةً وَ عَلَى ثِيَابِهِ وَ عِمَامَتِهِ غُبَارٌ كَثِيرٌ.
فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟
فَقَالَ: أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَ فِيهِمْ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله يُرِيدُونَ مَدِينَةً بِالْمَشْرِقِ يُرِيدُونَ مَدِينَةَ جَيْحُونَ فَخَرَجْتُ لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَ هَذِهِ اَلْغَبْرَةُ رَكِبَتْنِي مِنْ سُرْعَةِ اَلْمَشْيَ.
فَقَالَ عُمَرُ: فَضَحِكْتُ مُتَعَجِّباً حَتَّى اِسْتَلْقَيْتُ عَلَى قَفَائِي وَ قُلْتُ لَهُ: اَلنَّبيُّ صلى الله عليه و آله قَدْ مَاتَ وَ بَلِيَ وَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لَقِيتَهُ اَلسَّاعَةَ وَ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ فَهَذَا مِنَ اَلْعَجَائِبِ وَ مِمَّا لاَ يَكُونُ.
فَغَضِبَ عَلِيٌّ عليه السلام وَ نَظَرَ إِلَيَّ وَ قَالَ: تُكَذِّبُنِي يَا ابْنَ اَلْخَطَّابِ؟ فَقُلْتُ: لاَ تَغْضَبْ وَعُدْ إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لاَ يَكُونُ أَبَداً.
ص: 550
قَالَ: فَإِنْ أَنْتَ رَأَيْتَهُ حَتَّى لاَ تُنْكِرَ مِنْهُ شَيْئاً اِسْتَغْفَرْتَ اَللَّهَ مِمَّا قُلْتَ وَ أَضْمَرْتَ وَأَحْدَثْتَ تَوْبَةً مِمَّا أَنْتَ فِيهِ وَتَرَكْتَ حَقّاً لِي.
فَقُلْتُ: نَعَمْ .
فقالَ: قُمْ. فَقُمْتُ مَعَهُ فَخَرَجْنَا إِلَى طَرَفِ اَلْمَدِينَةِ وَ قَالَ لِي: غَمِّضْ عَيْنَيْكَ فَغَمَّضْتُهُمَا فَقَالَ: اِفْتَحْهُمَا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله مَعَهُ نَفَرٌ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ فَلَمَّا أَطَلْتُ اَلنَّظَرَ قَالَ لِي: هَلْ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: غَمِّضْ عَيْنَيْكَ فَغَمَّضْتُهُمَا ثُمَّ قَالَ: اِفْتَحْهُمَا فَإِذَا لاَ عَيْنٌ وَلاَ أَثَرٌ.
فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام غَيْرَ ذَلِكَ ؟
قَالَ: نَعَمْ. إِنَّهُ اِسْتَقْبَلَنِي يَوْماً وَ أَخَذَ بِيَدِي وَ مَضَى بِي إِلَى اَلْجَبَّانَةِ وَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ فِي اَلطَّرِيقِ وَ كَانَ بِيَدِهِ قَوْسٌ فَلَمَّا صِرْنَا فِي اَلْجَبَّانَةِ رَمَى بِقَوْسِهِ مِنْ يَدِهِ فَصَارَ ثُعْبَاناً عَظِيماً مِثْلَ ثُعْبَانِ مُوسَى عليه السلام وَ فَتَحَ فَاهُ وَ أَقْبَلَ لِيَبْتَلِعَنِي.
فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ طَارَ قَلْبِي مِنَ اَلْخَوْفِ وَتَنَحَّيْتُ وَضَحِكْتُ فِي وَجْهِ عَلِيٍّ عليه السلام وَ قُلْتُ: اَلْأَمَانَ يَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَذْكُرُ مَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ مِنَ اَلْجَمِيلِ فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا اَلْقَوْلَ افْتَرَّ ضَاحِكاً وَ قَالَ:
ص: 551
لَطْفْتَ فِي اَلْكَلاَمِ وَ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ نَشْكُرُ اَلْقَلِيلَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى اَلثُّعْبَان وَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَإِذَا هُوَ قَوْسُهُ اَلَّذِي كَانَ بِيَدِهِ.
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا سَلْمَانُ إِنِّي كَتَمْتُ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ وَ أَخْبَرْتُكَ بِهِ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُونَ هَذِهِ اَلْأُعْجُوبَةَ كَابِرٌ عَنْ كَابِرٍ وَ لَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَأْتِي بِمِثْلِ ذَلِكَ وَ كَانَ أَبُو طَالِبٍ وَ عَبْدُ اَللَّهِ يَأْتِيَانِ بِمِثْل ذَلِكَ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ وَ أَنَا لاَ أُنْكِرُ فَضْلَ عَلِيٍّ عليه السلام وَ سَابِقَتَهُ وَ نَجْدَتَهُ وَ كَثْرَةَ عِلْمِهِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ وَ اِعْتَذِرْ عَنِّي إِلَيْهِ وَ أَثْنِ عَنِّي عَلَيْهِ بِالْجَمِيلِ .(1)
عَنِ اَلزَّعْفَرَانِيِّ، عَنِ اَلثَّقَفِيِّ، عَنِ اَلْمَسْعُودِيِّ ، عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ حَمَّادٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَزِينٍ بَيَّاعِ اَلْأَنْمَاطِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: سَمِعْتُ
ص: 552
أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَخْطُبُ اَلنَّاسَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ:
وَ اَللَّهِ لَقَدْ بَايَعَ اَلنَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَأَنَا أَوْلَى اَلنَّاسِ بِهِمْ مِنِّي بِقَمِيصِي هَذَا، فَكَظَمْتُ غَيْظِي، وَاِنْتَظَرْتُ أَمْرَ رَبِّي، وَأَلْصَفْتُ كَلْكَلِي بِالْأَرْضِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرِ هَلَكَ وَاِسْتَخْلَفَ عُمَرَ ، وَ قَدْ عَلِمَ - وَ اَللَّهِ - أَنِّي أَوْلَى اَلنَّاسِ بِهِمْ مِنِّي بِقَمِيصِي هَذَا، فَكَظَمْتُ غَيْظِي، وَاِنْتَظَرْتُ أَمْرَ رَبِّي.
ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ هَلَكَ وَ قَدْ جَعَلَهَا شُورَى، فَجَعَلَنِي سَادِسَ سِتَّةٍ، كَسَهْم اَلْجَدَّةِ وَقَالَ: اُقْتُلُوا اَلْأَقَلَّ. وَ مَا أَرَادَ غَيْرِي، فَكَظَمْتُ غَيْظِي، وَاِنْتَظَرْتُ أَمْرَ رَبِّي، وَأَلْصَقْتُ كَلْكَلِي بِالْأَرْضِ.
ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِ اَلْقَوْم بَعْدَ بَيْعَتِهِمْ لِي مَا كَانَ، ثُمَّ لَمْ أَجِدْ إِلاَّ قِتَالَهُمْ أَوِ اَلْكُفْرَ بِاللَّهِ.(1)
ص: 553
اَلْكَاتِبُ ، عَنِ اَلزَّعْفَرَانِيِّ، عَنِ اَلثَّقَفِيِّ، عَنِ اَلْمَسْعُودِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ اَلْقَطَّانِ ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ اَلْهَمْدَانِيِّ: أَنَّ عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَامَ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ! إِنِّي سَائِلُكَ لآخُذَ عَنْكَ، وَ قَدِ اِنْتَظَرْنَا أَنْ تَقُولَ مِنْ أَمْرِكَ شَيْئاً فَلَمْ تَقُلْهُ.
أَلاَ تُحَدِّثُنَا عَنْ أَمْرِكَ هَذَا أَ كَانَ بِعَهْدِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله أَوْ شَيْءٌ رَأَيْتَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ أَكْثَرْنَا فِيكَ اَلْأَقَاوِيلَ وَأَوْثَقَهُ عِنْدَنَا مَا قَبِلْنَاهُ عَنْكَ وَ سَمِعْنَاهُ مِنْ فِيكَ، إِنَّا كُنَّا نَقُولُ لَوْ رَجَعَتْ إِلَيْكُمْ بَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله لَمْ يُنَازِعَكُمْ فِيهَا أَحَدٌ، وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي إِذَا سُئِلْتُ مَا أَقُولُ ؟
أَزْعَمُ أَنَّ اَلْقَوْمَ كَانُوا أَوْلَى بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْكَ؟
فَإِنْ قُلْتَ ذَلِكَ فَعَلاَمَ نَصَبَكَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله بَعْدَ حَجَّةِ اَلْوَدَاع ، فَقَالَ: « أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيُّ مَوْلاَهُ »؟!.
ص: 554
وَ إِنْ تَكُ أَوْلَى مِنْهُمْ بِمَا كَانُوا فِيهِ فَعَلاَمَ نَتَوَلاَّهُمْ؟.
فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا عَبْدَ اَلرَّحْمَنِ ! إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَبَضَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله وَ أَنَا يَوْمَ قَبَضَهُ أَوْلَى بِالنَّاسِ مِنِّي بِقَمِيصِي هَذَا، وَ قَدْ كَانَ مِنْ نَبِيِّ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله إِلَيَّ عَهْدٌ لَوْ خَزَمْتُمُونِي بِأَنْفِي لَأَقْرَرْتُ سَمْعاً لِلَّهِ وَ طَاعَةً.
وَ إِنَّ أَوَّلَ مَا اِنْتَقَصْنَاهُ بَعْدَهُ إِبْطَالُ حَقِّنَا فِي اَلْخُمُسِ، فَلَمَّا رَقَّ أَمْرُنَا طَمِعَتْ رِعْيَانُ اَلْبُهَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِينَا، وَ قَدْ كَانَ لِي عَلَى اَلنَّاسِ حَقٌّ لَوْ رَدُّوهُ إِلَيَّ عَفْواً قَبِلْتُهُ وَ قُمْتُ بِهِ، فَكَانَ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
وَ كُنْتُ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَى اَلنَّاسِ حَقٌّ إِلَى أَجَلٍ، فَإِنْ عَجَّلُوا لَهُ مَالَهُ أَخَذَهُ وَ حَمِدَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَّرُوهُ أَخَذَهُ غَيْرَ مَحْمُودٍ ، وَ كُنْتُ كَرَجُلٍ يَأْخُذُ اَلسُّهُولَةَ وَهُوَ عِنْدَ اَلنَّاسِ مَحْزُونٌ، وَ إِنَّمَا يُعْرَفُ اَلْهُدَى بِقِلَّةِ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنَ اَلنَّاسِ، فَإِذَا سَكَتُّ فَأَعْفُونِي، فَإِنَّهُ لَوْ جَاءَ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى اَلْجَوَابِ أَجَبْتُكُمْ، فَكُفُّوا عَنِّي مَا كَفَفْتُ عَنْكُمْ...(1)
ص: 555
أَبُو عَلِيٍّ اَلْأَشْعَرِيُّ وَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ:
أَتَى أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ رَجُلٌ بِالْبَصْرَةِ بِصَحِيفَةٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْظُرْ إِلَى هَذِهِ اَلصَّحِيفَةِ فَإِنَّ فِيهَا نَصِيحَةً.
فَنَظَرَ فِيهَا ثُمَّ نَظَرَ إِلَى وَجْهِ اَلرَّجُل فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً كَافَيْنَاكَ وَإنْ كُنْتَ كَاذِباً عَاقَبْنَاكَ وَ إِنْ شِئْتَ أَنْ نُقِيلَكَ أَقَلْنَاكَ.
فَقَالَ: بَلْ تُقِيلُنِي يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
فَلَمَّا أَدْبَرَ اَلرَّجُلُ قَالَ: أَيَّتُهَا اَلْأُمَّةُ اَلْمُتَحَيِّرَةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ قَدَّمْتُمْ مَنْ قَدَّمَ اَللَّهُ وَأَخَّرْتُمْ مَنْ أَخَّرَ اَللَّهُ وَجَعَلْتُمُ اَلْوِلايَةَ وَاَلْوِرَاثَةَ حَيْثُ جَعَلَهَا اَللَّهُ مَا عَالَ وَلِىُّ اَللَّهِ وَلاَ طَاشَ سَهْمٌ مِنْ فَرَائِضِ اَللَّهِ وَ لاَ اِخْتَلَفَ إِثْنَانِ فِي حُكْمِ اَللَّهِ وَ لاَ تَنَازَعَتِ اَلْأُمَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ اَللّهِ إِلاَّ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَنَا مِنْ كِتَابِ اَللَّهِ.
ص: 556
فَذُوقُوا وَبَالَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ «وَ مَا اَللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» « وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(1).
قَالَ عَبْدُ اَلْحَمِيدِ بْنُ أَبِي اَلْحَدِيدِ :...
قَالَ: وَ دَعَا عَلِيٌّ عليه السلام عَلَى بُسْرٍ فَقَالَ: اَللَّهُمَّ إِنَّ بُسْراً بَاعَ دِينَهُ بالدُّنْيَا، وَاِنْتَهَكَ مَحَارِمَكَ، وَ كَانَتْ طَاعَةُ مَخْلُوقٍ فَاجِرٍ، آثَرَ عِنْدَهُ مِنْ طَاعَتِكَ، اَللَّهُمَّ فَلاَ تُمِتْهُ حَتَّى تَسْلُبَهُ عَقْلَهُ، وَ لَا تُوجِبْ لَهُ رَحْمَتَكَ، وَ لاَ سَاعَةً مِنَ اَلنَّهَارِ.
اَللَّهُمَّ اِلْعَنْ بُسْراً وَ عَمْراً وَ مُعَاوِيَةَ ، وَ لْيَحُلَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُكَ، وَ لتَنْزِل بِهِمْ نَقِمَتُكَ، وَلْيُصِبْهُمْ بَأْسُكَ وَ رِجْزُكَ اَلَّذِي لاَ تَرُدُّهُ عَنِ اَلْقَوْمِ اَلْمُجْرِمِينَ..
فَلَمْ يَلْبَثْ بُسْرٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ يَسِيراً، حَتَّى وَسْوَسَ وَ ذَهَبَ عَقْلَهُ، وَ كَانَ يَهْذِي بِالسَّيْفِ وَيَقُولُ: أَعْطُونِي سَيْفاً أَقْتُلْ بِهِ. لاَ يَزَالُ يُرَدَّدُ ذَلِكَ
ص: 557
حَتَّى اِتَّخَذَ لَهُ سَيْفاً مِنْ خَشَبٍ، وَ كَانُوا يُدْنُونَ مِنْهُ اَلْمِرْفَقَةَ، فَلاَ يَزَالُ يَضْرِبُهَا حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ، فَلَبِثَ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ .(1)
أَبِي رَحِمَهُ اَللَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادِهِ ، رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ، قَالَ: لَمَّا كَتَبَ عُمَرُ كِتَابَ اَلشُّورَى بَدَأَ بِعُثْمَانَ فِي أَوَّلِ اَلصَّحِيفَةِ وَ أَخَّرَ عَلِيّاً أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَجَعَلَهُ فِي آخِرِ اَلْقَوْمِ.
فَقَالَ اَلْعَبَّاسُ : يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ! يَا أَبَا اَلْحَسَنِ ! أَشَرْتُ عَلَيْكَ فِي يَوْمَ قُبِضَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنْ تَمُدَّ يَدَكَ فَنُبَايِعَكَ فَإِنَّ هَذَا اَلْأَمْرَ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ، فَعَصَيْتَنِي حَتَّى بُويعَ أَبُو بَكْرٍ ، وَأَنَا أُشِيرُ عَلَيْكَ اَلْيَوْمَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ كَتَبَ اِسْمَكَ فِي اَلشُّورَى وَ جَعَلَكَ آخِرَ اَلْقَوْمِ وَهُمْ يُخْرِجُونَكَ مِنْهَا، فَأَطِعْنِي وَلاَ تَدْخُلْ فِي اَلشُّورَى، فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ.
ص: 558
فَلَمَّا بُويعَ عُثْمَانُ قَالَ لَهُ اَلْعَبَّاسُ : أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ؟.
قَالَ لَهُ: يَا عَمِّ! إِنَّهُ قَدْ خَفِيَ عَلَيْكَ أَمْرٌ، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ عَلَى اَلْمِنْبَرِ: مَا كَانَ اَللَّهُ لِيَجْمَعَ لِأَهْلِ هَذَا اَلْبَيْتِ اَلْخِلاَفَةَ وَاَلنُّبُوَّةَ؟ فَأَرَدْتُ أَنَّ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ بِلِسَانِهِ فَيَعْلَمَ اَلنَّاسُ أَنَّ قَوْلَهُ بِالْأَمْسِ كَانَ كَذِباً بَاطِلاً، وَأَنَّا نَصْلُحُ لِلْخِلاَفَةِ. فَسَكَتَ اَلْعَبَّاسُ .(1)
بِحَذْفِ اَلْإِسْنَادِ مَرْفُوعاً إِلَى جَابِرٍ قَالَ: قَلَّدَ أَبُو بَكْرِ اَلصَّدَقَاتِ بِقُرَى اَلْمَدِينَةِ وَ ضِيَاع فَدَكَ رَجُلاً مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ: أَشْجَعُ بْنُ مُزَاحِمٍ اَلثَّقَفِيُّ وَ كَانَ شُجَاعاً وَ كَانَ لَهُ أَخٌ قَتَلَهُ اِبْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي وَقْعَةِ هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ.
فَلَمَّا خَرَجَ اَلرَّجُلُ مِنَ اَلْمَدِينَةِ جَعَلَ أَوَّلَ قَصْدِهِ ضَيْعَةً مِنْ ضِيَاعِ أَهْلِ اَلْبَيْتِ تُعْرَفُ بِبَانِقْيَا فَجَاءَ بَغْتَةً وَ اِحْتَوَى عَلَيْهَا وَ عَلَى صَدَقَاتٍ كَانَتْ
ص: 559
لِعَلِيٍّ عليه السلام فَوُكِّلَ بِهَا وَ تَغَطْرَسَ عَلَى أَهْلِهَا وَ كَانَ اَلرَّجُلُ زندِيقاً مُنَافِقاً.
فَابْتَدَرَ أَهْلُ اَلْقَرْيَةِ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِرَسُولٍ يُعْلِمُونَهُ مِمَّا فُرِّطَ مِنَ اَلرَّجُلِ فَدَعَا عَلِيٌّ عليه السلام بِدَابَّةٍ لَهُ تُسَمَّى اَلسَّابِحَ وَ كَانَ أَهْدَاهُ إِلَيْهِ اِبْنُ عَمَّ لِسَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ، وَ تَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَ تَقَلَّدَ بِسَيْفَيْنِ وَ أَجْلَبَ إِلَى دَابَّتِهِ اَلْمُرْتَجِزَ وَأَصْحَبَ مَعَهُ اَلْحُسَيْنَ عليه السلام وَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرِ وَ اَلْفَضْلَ بْنَ اَلْعَبَّاسِ وَعَبْدَ اَللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ وَعَبْدَ اَللَّهِ بْنَ اَلْعَبَّاسِ حَتَّى وَافَى اَلْقَرْيَةَ فَأَنْزَلَهُ عَظِيمُ اَلْقَرْيَةِ فِي مَسْجِدِ يُعْرَفُ بِمَسْجِدِ اَلْقَضَاءِ.
ثُمَّ وَجَّهَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالْحُسَيْنِ عليه السلام يَسْأَلُهُ اَلْمَسِيرَ إِلَيْهِ فَصَارَ إِلَيْهِ اَلْحُسَيْنُ عليه السلام فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: وَ مَنْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: عَلِيٌّ عليه السلام .
فَقَالَ: أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ أَبُو بَكْرٍ خَلَّفْتُهُ بِالْمَدِينَةِ.
فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ عليه السلام: فَأَجِبْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام.
ص: 560
قَالَ: أَنَا سُلْطَانُ وَ هُوَ مِنَ اَلْعَوَامِّ وَ اَلْحَاجَةُ لَهُ فَلْيَصِرْ هُوَ إِلَيَّ.
فَقَالَ لَهُ اَلْحُسَيْنُ عليه السلام : وَيْلَكَ أَ يَكُونُ مِثْلُ وَالِدِي مِنَ اَلْعَوَامِّ و مِثْلُكَ يَكُونُ سُلْطَاناً ؟
قَالَ: أَجَلْ. لِأَنَّ وَالِدَكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ إِلاَّ كَرْهاً وَ نَحْنُ بَايَعْنَاهُ طَائِعِينَ وَ كُنَّا لَهُ غَيْرَ كَارِهِينَ.
فَصَارَ اَلْحُسَيْنُ عليه السلام إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَأَعْلَمَهُ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِ اَلرَّجُلِ فَالْتَفَتَ إِلَى عَمَّارٍ وَ قَالَ: يَا أَبَا اَلْيَقْطَانِ سِرْ إِلَيْهِ وَ اُلْطُفْ لَهُ فِي اَلْقَوْلِ وَإِسْأَلْهُ أَنْ يَصِيرَ إِلَيَّ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلضَّلاَلَةِ وَ نَحْنُ مِثْلُ بَيْتِ اَللَّهِ يُؤْتَى وَلاَ يَأْتِي.
فَصَارَ إِلَيْهِ وَ قَالَ لَهُ: مَرْحَباً يَا أَخَا ثَقِيفٍ مَا اَلَّذِي أَقْدَمَكَ عَلَى مِثْل أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ فِي حِيَازَتِهِ وَ حَمَلَكَ عَلَى اَلدُّخُولِ فِي مَسَاءَتِهِ سِرْ إِلَيْهِ وَأَفْصِحْ عَنْ حُجَّتِكَ.
فَانْتَهَرَهُ عَمَّارُ وَ أَفْحَشَ لَهُ فِي اَلْكَلَامَ - وَ كَانَ عَمَّارُ شَدِيدَ اَلْغَضَبِ - فَوَضَعَ حَمَائِلَ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ وَ مَدَّ يَدَهُ إِلَى اَلسَّيْفِ.
فَقِيلَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: اِلْحَقِّ عَمَّاراً فِي اَلسَّاعَةِ يَقْطَعُونَهُ.
ص: 561
فَوَجَّهَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالْجَمْعِ وَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَهَابُوهُ وَ صَيِّرُوا بِهِ إِلَيَّ وَ كَانَ مَعَ اَلرَّجُلِ ثَلاَثُونَ رَجُلاً مِنْ جِيَادِ قَوْمِهِ فَقَالُوا لَهُ: وَيْلَكَ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَتْلُكَ وَاللَّهِ وَ قَتْلُ أَصْحَابِكَ عِنْدَهُ دُونَ اَلنُّقْطَة.
فَسَكَتَ اَلْقَوْمُ خَوْفاً مِنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَسُحِبَ اَلْأَشْجَعُ عَلَى وَجْهِهِ سَحْباً إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عليه السلام : دَعُوهُ وَ لاَ تَعْجَلُوا فَإِنَّ فِي اَلْعَجَلَةِ لاَ تَقُومُ حُجَجُ اَللَّهِ وَ بَرَاهِينُهُ.
ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِلْأَشْجَع: وَيْلَكَ بِمَ اِسْتَحْلَلْتَ أَخْذَ أَمْوَالِ أَهْلِ اَلْبَيْتِ وَ مَا حُجَّتُكَ فِي ذَلِكَ؟
فَقَالَ لَهُ: وَ أَنْتَ فِيمَ اِسْتَحْلَلْتَ قَتْلَ هَذَا اَلْخَلْقِ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَ إِنَّ مَرْضَاةَ صَاحِبِي لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَابِعَ مُوَافَقَتَكَ.
فَقَالَ عليه السلام: إيهاً عَلَيْكَ مَا أَعْرِفُ فِي نَفْسِي إِلَيْكَ ذَنْباً إِلاَّ قَتْلَ أَخِيكَ يَوْمَ هَوَازِنَ وَ لَيْسَ بِمِثْلِ هَذَا اَلْفِعْلِ تَطْلُبُ اَلثَّأْرَ فَقَبَّحَكَ اَللَّهُ وَ تَرَّحَكَ.
ص: 562
فَقَالَ لَهُ اَلْأَشْجَعُ : بَلْ قَبَّحَكَ وَ بَتَرَ عُمُرَكَ أَوْ قَالَ: تَرَّحَكَ فَإِنَّ حَسَدَكَ اَلْخُلَفَاءَ لاَ يَزَالُ بِكَ حَتَّى يُورِدَكَ مَوَارِدَ اَلْهَلَكَةِ وَ اَلْمَعَاطِبِ وَ بَغْيُكَ عَلَيْهِمْ يَقْصُرُ عَنْ مُرَادِكَ.
فَغَضِبَ اَلْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ تَمَطَّى عَلَيْهِ بِسَيْفِهِ فَحَلَّ عَنْهُ وَ رَمَاهُ عَنْ جَسَدِهِ بِسَاعِدِهِ اَلْيُمْنَى فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ عَلَى اَلْفَضْلِ وَ سَلَّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام سَيْفَهُ ذَا اَلْفَقَارِ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى بَرِيقِ عَيْنَيَ اَلْإِمَامِ وَ لَمَعَانِ ذِي اَلْفَقَارِ فِي يَدِهِ رَمَوْا سِلاَحَهُمْ وَ قَالُوا: اَلطَّاعَةَ.
فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أُفٍّ لَكُمْ اِنْصَرِفُوا بِرَأْسِ صَاحِبِكُمْ هَذَا اَلْأَصْغَرِ إِلَى صَاحِبِكُمْ اَلْأَكْبَرِ فَمَا بِمِثْلِ قَتْلِكُمْ يُطْلَبُ اَلثَّأْرُ وَ لاَ تَنْقَضِي اَلْأَوْتَارُ.
فَانْصَرَفُوا وَ مَعَهُمْ رَأْسُ صَاحِبِهِمْ حَتَّى أَلْقَوْهُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ فَجَمَعَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَاَلْأَنْصَارَ وَ قَالَ: مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ إِنَّ أَخَاكُمُ اَلثَّقَفِيَّ أَطَاعَ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ فَقَلَّدْتُهُ صَدَقَاتِ اَلْمَدِينَةِ وَ مَا يَلِيهَا فَاعْتَرَضَهُ اِبْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَتَلَهُ أَشْنَعَ قَتْلَةٍ وَ مَثَّلَ بِهِ أَعْظَمَ مُثْلَةٍ وَقَدْ خَرَجَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى قُرَى اَلْحِجَازِ فَلْيَخْرُجْ إِلَيْهِ مِنْ شُجْعَانِكُمْ مَنْ يَرُدُّهُ عَنْ سَنَنِهِ وَ اِسْتَعِدُّوا لَهُ مِنْ رِبَاطِ اَلْخَيْلِ وَ اَلسِّلاَحِ
ص: 563
وَ مَا تَهَيَّأُ لَكُمْ وَ هُوَ مَنْ تَعْرِفُونَهُ أَنَّهُ اَلدَّاءُ اَلَّذِي لاَ دَوَاءَ لَهُ وَ اَلْفَارِسُ اَلَّذِي لاَ نَظِيرَ لَهُ.
قَالَ: فَسَكَتَ اَلْقَوْمُ مَلِيّاً كَأَنَّ اَلطَّيْرَ عَلَى رُءُوسِهِمْ.
فَقَالَ: أَخُرْسُ أَنْتُمْ أَمْ ذَوُو أَلْسُنِ؟
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَعْرَابِ يُقَالُ لَهُ اَلْحَجَّاجُ بْنُ صَخْرَةَ وَ قَالَ: لَهُ إنْ سِرْتَ أَنْتَ إِلَيْهِ سِرْنَا مَعَكَ أَمَّا لَوْ صَارَ إِلَيْهِ جَيْشُكَ هَذَا لَيَنْحَرَنَّهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ كَنَحْرِ اَلْبُدْنِ.
ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَ تَعْلَمُ إِلَى مَنْ تُوَجِّهُنَا؟ إِنَّكَ تُوَجِّهُنَا إِلَى اَلْجَزَّارِ اَلْأَعْظَمِ اَلَّذِي يَخْطَفُ اَلْأَرْوَاحَ بِسَيْفِهِ خَطْفاً وَ اَللَّهِ إِنَّ لِقَاءَ مَلَكِ اَلْمَوْتِ أَسْهَلُ وَأَهْوَنُ عَلَيْنَا مِنْ لِقَاءِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ.
فَقَالَ اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ: لاَ جُزِيتُمْ مِنْ قَوْمٍ عَنْ إِمَامِهِمْ خَيْراً. إِذَا ذُكِرَ لَكُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ فِي وُجُوهِكُمْ فَأَخَذَتْكُمْ سَكَرَاتُ اَلْمَوْتِ أَهَكَذَا يُقَالُ لِمِثْلِي؟
قَالَ: فَالْتَفَتَ عُمَرُ بْنُ اَلْخَطَّابِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ قَالَ لَهُ: لَيْسَ لِعَلِيٍّ إِلاَّ خَالِدُ بْنُ اَلْوَلِيدِ.
ص: 564
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ أَنْتَ اَلْيَوْمَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اَللَّهِ وَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ وَ حَتْفُ اَللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَ قَدْ شَقَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَصَا هَذِهِ اَلْأُمَّةِ وَأَتَى فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى ضِيَاعَ اَلْحِجَازِ وَ قَدْ قَتَلَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيْثاً صَئُولاً وَ كَهْفاً مَنِيعاً فَصِرْ إِلَيْهِ فِي كَثِيفٍ مِنْ قَوْمِكَ وَ إسْأَلْهُ أَنْ يَدْخُلَ اَلْحَضْرَةَ فَقَدْ عَفَوْنَا عَنْهُ وَ إِنْ نَابَذَكَ اَلْحَرْبَ فَجِئْنَا بِهِ أَسِيراً.
فَخَرَجَ خَالِدٌ وَ مَعَهُ خَمْسُمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَبْطَالِ قَوْمِهِ وَ قَدْ أُثْقِلُوا بِالسِّلاَحَ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: فَنَظَرَ اَلْفَضْلُ بْنُ اَلْعَبَّاسِ إِلَى غَبْرَةِ اَلْخَيْلِ مِنْ بُعْدٍ وَ قَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اِبْنَ أَبِي قُحَافَةَ قَدْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بِقَسْطَلٍ يَدُقُّونَ اَلْأَرْضَ بِحَوَافِرِ اَلْخَيْلِ دَقّاً.
فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ يَا اِبْنَ اَلْعَبَّاسِ وَ اَللَّهِ لَوْ كَانُوا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ وَ قَبَائِلَ حُنَيْنٍ وَ فُرْسَانَ هَوَازِنَ لَمَا اِسْتَوْحَشْتُ إِلاَّ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ.
ثُمَّ قَامَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَشَدَّ عَلَى دَابَّتِهِ وَاِسْتَلْقَى تَهَاوُناً حَتَّى وَافَوْهُ وَ اِنْتَبَهَ بِصَهِيلِ اَلْخَيْلِ.
فَقَالَ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ مَا اَلَّذِي أَتَى بِكَ إِلَيَّ؟
ص: 565
قَالَ: أَتَى بِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي يَا أَبَا اَلْحَسَنِ أَنْتَ فَهِمُ غَيْرُ مَفْهُومٍ وَ عَالِمٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَمَا هَذِهِ اَللَّوْثَةُ اَلَّتِي بَدَرَتْ مِنْكَ وَ اَلنَّبْوَةُ اَلَّتِي قَدْ ظَهَرَتْ فِيكَ؟ إِنْ كَرِهْتَ هَذَا اَلرَّجُلَ فَلَيْسَ يَكْرَهُكَ فَلاَ تَكُنْ وِلاَيَتُهُ ثِقْلاً عَلَى كَاهِلِكَ وَ لاَ شَجًى فِي حَلْقِكَ فَلَيْسَ بَعْدَ اَلْهَجْرَةِ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ خِلاَفٌ فَدَعِ اَلنَّاسَ وَ مَا تَوَلَّوْهُ ضَلَّ مَنْ ضَلَّ وَ هُدِيَ مَنْ هُدِيَ وَ لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَ كَلِمَةٍ مُجْتَمِعَةٍ وَ لاَ تُضْرمْ نَاراً بَعْدَ خُمُودِهَا فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ وَجَدْتَ غُبَّةً غَيْرَ مَحْمُودٍ .
قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أ تُهَدِّدُنِي بِنَفْسِكَ يَا خَالِدُ وَ بِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ؟ فَمَا بِمِثْلِكَ وَ بِمِثْلِهِ تَهْدِيدٌ فَدَعْ عَنْكَ تُرَّهَاتِكَ اَلَّتِي أَعْرِفُهَا مِنْكَ وَاِقْصِدْ نَحْوَ مَا وَجَّهَكَ لَهُ.
قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَىَّ أَنَّكَ إِنْ رَجَعْتَ عَنْ سُنَّتِكَ كُنْتَ مَخْصُوصاً بالْكَرَامَةِ وَاَلْحُبُور وَ إِنْ أَقَمْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ اَلْحَقِّ حَمَلْتُكَ إِلَيْهِ أَسِيراً.
قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يَا اِبْنَ اَللَّخْنَاءِ أَتَعْرِفُ اَلْحَقَّ مِنَ اَلْبَاطِل وَهَلْ مِثْلُكَ مَنْ يَحْمِلُ مِثْلِي أَسِيراً ؟ يَا اِبْنَ اَلرَّادَّةِ عَنِ اَلْإِسْلاَمِ وَيْلَكَ أَ تَحْسَبُنِي مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ اَلَّذِي قَتَلْتَهُ وَ نَكَحْتَ اِمْرَأَتَهُ؟
ص: 566
يَا خَالِدُ جِئْتَنِي بِرِقَّةِ عَقْلِكَ وَ اِكْفِهْرَارٍ وَجْهِكَ وَ شُمُوخِ أَنْفِكَ وَاَللَّهِ لَئِنْ تَمَطَّيْتُ بِسَيْفِي هَذَا عَلَيْكَ وَ عَلَى أَوْغَادِكَ لَأُشْبِعَنَّ مِنْ لُحُومِكُمْ جُوعَ اَلضِّبَاعِ وَ طَلَسَ اَلذَّئَابِ.
وَيْلَكَ لَسْتُ مِمَّنْ تَقْتُلُنِي أَنْتَ وَ لاَ صَاحِبُكَ وَإِنِّي لَأَعْرِفُ قَاتِلِي وَ أَطْلُبُ مَنِيَّتِي صَبَاحاً وَ مَسَاءً وَ مَا يَحْمِلُ مِثْلُكَ مِثْلِي أَسِيراً وَ لَوْ أَرَدْتَ ذَلِكَ لَقَتَلْتُكَ فِي فِنَاءِ هَذَا اَلْمَسْجِدِ .
فَغَضِبَ خَالِدٌ وَ تَوَعَّدَ وَعِيدَ اَلْأَسَدِ وَ تَرَوَّغَ رَوَغَانَ اَلثَّعْلَبِ وَ قَالَ: مَا أَعْدَاكَ فِي اَلْمَقَالِ وَ مَا مِثْلُكَ إِلاَّ مَنِ اِتَّبَعَ قَوْلُهُ بِفِعْلِهِ عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : لِخَالِدٍ إِذَا كَانَ هَذَا قَوْلُكَ فَشَأْنَكَ وَ سَلَّ عَلَيْهِ سَيْفَهُ ذَا اَلْفَقَارِ فَلَمَّا نَظَرَ خَالِدٌ إِلَى بَرِيقِ عَيْنَيَ اَلْإِمَامِ وَ لَمَعَانِ ذِي اَلْفَقَارِ فِي يَدِهِ نَظَرَ إِلَى اَلْمَوْتِ عَيَاناً فَاسْتَخْفَى وَ قَالَ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ لَمْ نُرِدْ هَذَا فَضَرَبَهُ اَلْإِمَامُ عليه السلام بِقَفَا ذِي اَلْفَقَارِ عَلَى ظَهْرِهِ فَنَكَّسَهُ عَنْ دَابَّتِهِ وَ لَمْ يَكُنْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِيَرُدَّ يَدَهُ إذَا رَفَعَهَا لِئَلاً يُنْسَبَ إِلَيْهِ اَلْجُبْنُ .
وَ لَحِقَ أَصْحَابَ خَالِدٍ مِنْ فِعْل أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام هَوْلٌ عَجِيبٌ وَ رُعْبُ عَنِيفٌ فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ لاَ تُكَافِحُونَ عَنْ سَيِّدِكُمْ؟ وَ
ص: 567
اَللَّهِ لَوْ كَانَ أَمْرُكُمْ إِلَيَّ لَتَرَكْتُ رُءُوسَكُمْ وَهُوَ أَخَفُّ عَلَى يَدِي مِنْ جَنْبَي اَلْهَبِيدِ عَلَى أَيْدِي اَلْعَبِيدِ وَ عَلَى هَذَا اَلسَّبِيلِ تَقْضُونَ مَالَ اَلْفَيْءِ أُفٍّ لَكُمْ.
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلُ مِنَ الْقَوْمِ يُقَالُ لَهُ الْمُثَنَّى بْنُ اَلصَّبَّاحِ وَ كَانَ عَاقِلًا فَقَالَ: و اَللَّهِ مَا جِئْنَاكَ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَلاَ عَنْ غَيْر مَعْرفَةٍ بِكَ وَإِنَّا لَنَعْرِفُكَ كَبِيراً وَ صَغِيراً وَ أَنْتَ أَسَدُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ سَيْفُ نَقِمَتِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَ مَا مِثْلُنَا مَنْ جَهِلَ مِثْلَكَ وَ نَحْنُ أَتْبَاعُ مَأْمُورُونَ وَأَطْوَاعُ غَيْرُ مُخَالِفِينَ فَتَبّاً لِمَنْ وَجَّهَنَا إِلَيْكَ أَمَا كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِيَوْمَ بَدْرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَيْنٍ.
فَاسْتَحَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ قَوْلِ اَلرَّجُلِ وَتَرَكَ اَلْجَمِيعَ.
وَ جَعَلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُمَازِحُ خَالِداً اَلَّذِي كَانَ سَاكِتاً لاَ يَنْطِقُ بِكَلِمَةٍ مِنْ أَلَمِ اَلضَّرْبَةِ قَائِلاً لَهُ: وَيْلَكَ يَا خَالِدُ مَا أَطْوَعَكَ لِلْخَائِنِينَ اَلنَّاكِثِينَ أَمَا كَانَ لَكَ بِيَوْمِ اَلْغَدِيرِ مَقْنَعٌ إِذْ بَدَرَ إِلَيْكَ صَاحِبُكَ فِي اَلْمَسْجِدِ حَتَّى كَانَ مِنْكَ مَا كَانَ فَوَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ كَانَ مِمَّا رُمْتَهُ أَنْتَ وَ صَاحِبَاكَ اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ اِبْنُ صُهَاكَ شَيْءٌ لَكَانَا هُمَا أَوَّلَ مَقْتُولِينَ بِسَيْفِي هَذَا وَأَنْتَ مَعَهُمَا وَ
ص: 568
يَفْعَلُ اَللهُ مَا يَشَاءُ وَلاَ يَزَالُ يَحْمِلُكَ عَلَى إِفْسَادِ حَالَتِكَ عِنْدِي فَقَدْ تَرَكْتَ اَلْحَقَّ عَلَى مَعْرِفَةِ وَ جِئْتَنِي تَجُوبُ مَفَاوِزَ اَلْبَسَابِسِ لِتَحْمِلَنِي إلَى إِبْن أَبِي قُحَافَةَ أَسِيراً بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ أَنِّي قَاتِلُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ وَ مَرْحَبٍ وَ قَالِعُ بَابِ خَيْبَرَ وَ أَنِّي لَمُسْتَحِي مِنْكُمْ وَ مِنْ قِلَّةِ عُقُولِكُمْ.
أَوَ تَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ خَفِيَ عَلَي مَا تَقَدَّمَ بِهِ إِلَيْكَ صَاحِبُكَ حِينَ اِسْتَخْرَجَكَ إِلَيَّ وَ أَنْتَ تَذْكُرُهُ مَا كَانَ مِنِّي إِلَى عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ وَإِلَى أُسَيْدِ بْن سَلَمَةَ اَلْمَخْرُومِيِّ فَقَالَ لَكَ اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ: لاَ تَزَالُ تَذْكُرُ لَهُ ذَلِكَ إِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ دُعَاءِ اَلنَّبيِّ صلى الله عليه و آله وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَ هُوَ اَلآنَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا خَالِدُ فَلَوْ لاَ مَا تَقَدَّمَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ لَكَانَ لَهُمَا مِنِّي مَا هُمَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ يَا خَالِدُ أَيْنَ كَانَ اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ أَنْتَ تَخُوضُ مَعِي اَلْمَنَايَا فِي لُجَجِ اَلْمَوْتِ خَوْضِاً وَ قَوْمُكَ بَادِرُونَ فِي اَلاِنْصِرَافِ كَالنَّعْجَةِ اَلْقَوْدَاءِ وَ كَالدِّيكِ اَلنَّافِشِ فَاتَّقِ اَللَّهَ يَا خَالِدُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ رَفِيقاً وَ لاَ لِلظَّالِمِينَ ظَهيراً.
فَقَالَ: يَا أَبَا اَلْحَسَن إِنِّى أَعْرِفُ مَا تَقُولُ وَ مَا عَدَلَتِ اَلْعَرَبُ وَ اَلْجَمَاهِيرُ عَنْكَ إِلاَّ طَلَبَ دخول آبَائِهِمْ قَدِيماً وَ تَنَكُّلَ رُءُوسِهِمْ قَرِيباً فَرَاغَتْ عَنْكَ رَوَغَانَ اَلتَّعَالِبِ فِيمَا بَيْنَ اَلْفِجَاجِ وَاَلدَّكَادِكِ وَ صُعُوبَةَ إِخْرَاجِ اَلْمُلْكِ مِنْ يَدِكَ وَهَرْباً مِنْ سَيْفِكَ وَ مَا دَعَاهُمْ إِلَى بَيْعَةِ أَبِي
ص: 569
بَكْرٍ إِلاَّ اِسْتِلاَنَةُ جَانِبِهِ وَ لِينُ عَرِيكَتِهِ وَ أَخْذُهُمُ اَلْأَمْوَالَ مِنْ فَوْقِ اِسْتِحْقَاقِهِمْ وَ لَقَلَّ اَلْيَوْمَ مَنْ يَمِيلُ إِلَى اَلْحَقِّ وَأَنتَ قَدْ بِعْتَ اَلآخِرَةَ بِالدُّنْيَا وَ لَوِ اجْتَمَعَتْ أَخْلاقُكَ إِلَى أَخْلاَقِهِمْ لَمَا خَالَفَكَ خَالِدٌ.
فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: وَ اَللَّهِ مَا أُوتِيَ خَالِدٌ إِلاَّ مِنْ قِبَلِ هَذَا اَلْخَئُونِ اَلظُّلُومِ اَلْمُفَتِّنِ اِبْنِ صُهَاكَ فَإِنَّهُ لاَ يَزَالُ يُؤَلِّبُ عَلَى اَلْقَبَائِلِ وَ يُفْزِعُهُمْ مِنِّي وَ يُوَاسِيهِمْ مِنْ عَطَايَاهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ مَا أَنْسَاهُمُ اَلدَّهْرُ وَ سَيَعْلَمُ غِبَّ أَمْرِهِ إِذَا فَاضَتْ نَفْسُهُ.
فَقَالَ خَالِدٌ: يَا أَبَا اَلْحَسَن بحَقِّ أَخِيكَ لَمَّا قَطَعْتَ هَذَا مِنْ نَفْسِكَ وَ صِرْتَ إِلَى مَنْزِلِكَ مُكَرَّماً إِذَا كَانَ اَلْقَوْمُ رَضُوا بِالْكَفَافِ مِنْكَ.
فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : لاَ جَزَاهُمُ اَللَّهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ عَنِ اَلْمُسْلِمِينَ خَيْراً قَالَ: ثُمَّ دَعَا عليه السلام بِدَابَّتِهِ فَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَ خَالِدٌ يُحَدِّثُهُ وَ يُضَاحِكُهُ حَتَّى دَخَلَ اَلْمَدِينَةَ فَبَادَرَ خَالِدٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَحَدَّثَهُ بمَا كَانَ مِنْهُ فَصَارَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِلَى قَبْرِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ صَارَ إِلَى اَلرَّوْضَةِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَ دَعَا وَ قَامَ يُرِيدُ اَلاِنْصِرَافَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ جَالِساً فِي اَلْمَسْجِدِ وَ
ص: 570
اَلْعَبَّاسُ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرِ عَلَى اَلْعَبَّاسِ فَقَالَ: يَا أَبَا اَلْفَضْلِ أَدْعُ لِيَ اِبْنَ أَخِيكَ عَلِيّاً لِأُعَاتِبَهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ إِلَى اَلْأَشْجَعِ.
فَقَالَ أَبُو اَلْفَضْلِ: أَ وَ لَيْسَ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْكَ صَاحِبُكَ خَالِدٌ بِتَرْكِ مُعَاتَبَتِهِ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ إِذَا عَاتَبْتَهُ أَلاَّ تَنْتَصِرَ مِنْهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرَاكَ يَا أَبَا اَلْفَضْلِ تُخَوِّفُنِي مِنْهُ دَعْنِي وَإِيَّاهُ فَأَمَّا مَا كَلَّمَنِي خَالِدٌ بِتَرْكِ مُعَاتَبَتِهِ فَقَدْ رَأَيْتُهُ يُكَلِّمُنِي بِكَلاَمٍ خِلَافَ اَلَّذِي خَرَجَ بِهِ إِلَيْهِ وَ لاَ شَكَّ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ أَفْزَعَهُ.
فَقَالَ اَلْعَبَّاسُ: أَنْتَ وَذَاكَ يَا اِبْنَ أَبِي قُحَافَةَ.
فَدَعَاهُ اَلْعَبَّاسُ فَجَاءَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ اَلْعَبَّاسِ فَقَالَ لَهُ اَلْعَبَّاسُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ اِسْتَبْطَأَكَ وَ هُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَكَ بِمَا جَرَى.
فَقَالَ: يَا عَمِّ لَوْ دَعَانِى هُوَ لَمَا أَتَيْتُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ مَا أَرْضَى لِمِثْلِكَ هَذَا اَلْفِعْلَ؟
قَالَ: وَ أيَّ فِعْلٍ؟
ص: 571
قَالَ: قَتْلَكَ مُسْلِماً بِغَيْرِ حَقٍّ فَمَا تَمَلُّ مِنَ اَلْقَتْلِ قَدْ جَعَلْتَهُ شِعَارَكَ وَ دِثَارَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ: أَمَّا عِتَابُكَ عَلَيَّ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ فَمَعَاذَ اَللَّهِ أَنْ أَقْتُلَ مُسْلِماً بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ اَلْقَتْلُ رُفِعَ عَنْهُ اِسْمُ اَلْإِسْلاَمِ.
وَ أَمَّا قَتْلِيَ اَلْأَشْجَعَ فَإِنْ كَانَ إِسْلاَمُكَ كَإِسْلاَمِهِ فَقَدْ فُزْتُ فَوْراً عَظِيماً أَقُولُ وَ مَا عُذْرِي إِلاَّ مِنَ اَللَّهِ مَا قُلْتُهُ إِلاَّ عَنْ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِالْحَلَالِ وَ اَلْحَرَامِ مِنِّي وَ مَا كَانَ اَلرَّجُلُ إِلاَّ زِنْدِيقاً مُنَافِقاً وَ إِنَّ فِي مَنْزِلِهِ صَنَماً مِنْ رُخَامٍ يَتَمَسَّحُ بِهِ ثُمَّ يَصِيرُ إِلَيْكَ وَ مَا كَانَ مِنْ عَدْلِ اَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُؤَاخِذَنِي بِقَتْلِ عَبَدَةِ اَلْأَوْثَانِ وَ اَلزَّنَادِقَةِ .
فَافْتَتَحَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالْكَلَامِ فَحَجَزَ بَيْنَهُمَا اَلْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ أَقْسَمُوا عَلَى عَلِيٍّ فَسَكَتَ وَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَمْسَكَ.
ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى اَلْفَضْلِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ وَ قَالَ لَوْ قَيَّدْتُكَ بِالْأَشْجَعِ لَمَا فَعَلْتَ مِثْلَهَا ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ أَقَيِّدُكَ بِمِثْلِهِ وَأَنْتَ اِبْنُ عَمِّ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله وَغَاسِلُهُ.
ص: 572
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ اَلْعَبَّاسُ فَقَالَ: دَعُونَا وَنَحْنُ حُكَمَاءُ بَلَغَ مِنْ شَأْنِكَ أَنَّكَ تَتَعَرَّضُ لِوَلَدِي وَ اِبْنِ أَخِي وَأَنْتَ اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ مُرَّةَ وَنَحْنُ بَنُو عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ أَهْلُ بَيْتِ اَلنُّبُوَّةِ وَأُولُو اَلْخِلاَفَةِ قَدْ تَسَمَّيْتُمْ بِأَسْمَائِنَا وَ وَثَبْتُمْ عَلَيْنَا فِي سُلْطَانِنَا وَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَنَا وَ مَنَعْتُمْ مِيرَاثَنَا ثُمَّ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنْ لاَ إِرْثَ لَنَا وَأَنْتُمْ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِهَذَا اَلْأَمْرِ مِنَّا فَبُعْداً وَ سُحْقاً لَكُمْ أَنَّى تُؤْفَكُونَ ثُمَّ اِنْصَرَفَ اَلْقَوْمُ.
وَأَخَذَ اَلْعَبَّاسُ بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام وَ جَعَلَ عَلِيُّ يَقُولُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا عَمِّ أَنْ لاَ تَتَكَلَّمَ وَ إِنْ تَكَلَّمْتَ فَلاَ تَتَكَلَّمْ إِلاَّ بِمَا يَسُرُّهُ وَ لَيْسَ لَهُمْ عِنْدِي إِلاَّ اَلصَّبْرُ كَمَا أَمَرَنِي نَبِيُّ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله دَعْهُمْ مَا كَانَ لَهُمْ يَا عَمِّ بِيَوْمِ اَلْغَدِيرِ مَقْنَعٌ دَعْهُمْ يَسْتَضْعِفُونَّا جُهْدَهُمْ فَإِنَّ اَللَّهَ مَوْلاَنَا وَهُوَ خَيْرُ اَلْحَاكِمِينَ.
فَقَالَ لَهُ اَلْعَبَّاسُ: يَا ابْنَ أَخِي أَ لَيْسَ قَدْ كَفَيْتُكَ وَ إِنْ شِئْتَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْهِ فَأُعَرِّفَهُ مَكَانَهُ وَ أَنْزِعَ عَنْهُ سُلْطَانَهُ فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ فَأَسْكَتَهُ.(1)
ص: 573
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحَكَمِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَادٍّ اَلْقَلاَنِسِيِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ اَلطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام قَالَ: لَمَّا اِسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدِ اِسْتَخْلَفَ ؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : فَمَنْ جَعَلَهُ كَذَلِكَ؟
قَالَ: اَلْمُسْلِمُونَ رَضُوا بِذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : وَ اَللَّهِ لَأَسْرَعَ مَا خَالَفُوا رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله وَ نَقَضُوا عَهْدَهُ وَ لَقَدْ سَمَّوْهُ بِغَيْرِ اِسْمِهِ وَ اَللَّهِ مَا اِسْتَخْلَفَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله.
فَقَالَ عُمَرُ: مَا تَزَالُ تَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اَللهِ صلى الله عليه و آله فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
ص: 574
فَقَالَ لَهُ: اِنْطَلِقْ بِنَا يَا عُمَرُ لِتَعْلَمَ أَيُّنَا اَلْكَذَّابُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه و آله فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ مَوْتِهِ .
فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى أَتَى اَلْقَبْرَ إِذَا كَفٌّ فِيهَا مَكْتُوبٌ: أَكَفَرْتَ يَا عُمَرُ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّٰاكَ رَجُلاً .
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام أَرَضِيتَ ؟ وَ اَللَّهِ لَقَدْ فَضَحَكَ اَللَّهُ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ مَوْتِهِ.(1)
وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِم قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وآله يَوْماً كَئِيباً حَزيناً، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : مَا لِي أَرَاكَ كَئِيباً حَزِيناً ؟
ص: 575
فَقَالَ صلى الله عليه و آله : وَ كَيْفَ لاَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَ قَدْ رَأَيْتُ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ أَنَّ بَنِي تَيْمٍ وَ بَنِي عَدِيٍّ وَ بَنِي أُمَيَّةَ يَصْعَدُونَ مِنْبَرِي هَذَا يَرُدُّونَ اَلنَّاسَ عَنِ اَلْإِسْلاَمِ اَلْقَهْقَرَى فَقُلْتُ: يَا رَبِّ فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي ؟ فَقَالَ: بَعْدَ مَوْتِكَ .(1)
حَدَّثَنَا أَبِي وَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالاَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بْن سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلنَّوْفَلِيُّ عَنْ يَعْقُوبَ بْن يَزِيدَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْكُوفِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي اَلْمِقْدَامِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ اَلْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ وَ عَمْرُو بْنُ أَبِي اَلْمِقْدَامِ عَنْ جَابِرٍ اَلْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: أَتَى رَأْسُ اَلْيَهُودِ عَلِيَّ
ص: 576
بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ عَنْ وَقْعَةِ اَلنَّهْرَوَان وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَسْجِدِ اَلْكُوفَةِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ أَشْيَاء لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ
قَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ يَا أَخَا اَلْيَهُودِ.
قَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِي اَلْكِتَابِ أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا بَعَثَ نَبِيّاً أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِ أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَيْهِمْ فِيهِ عَهْداً يَحْتَذِي عَلَيْهِ وَ يَعْمَلُ بِهِ فِي أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَمْتَحِنُ اَلْأَوْصِيَاءَ فِي حَيَاةِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَيَمْتَحِنُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ فَأَخْبِرْنِي كُمْ يَمْتَحِنُ اَللَّهُ اَلْأَوْصِيَاءَ فِي حَيَاةِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ كَمْ يَمْتَحِنُهُمُ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ مِنْ مَرَّةٍ وَ إِلَى مَا يَصِيرُ آخِرُ أَمْرِ اَلْأَوْصِيَاءِ إِذَا رَضِيَ مِحْنَتَهُمْ؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ: وَاَللَّهِ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَ أَنْزَلَ اَلتَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَئِنْ أَخْبَرْتُكَ يحَقٍّ عَمَّا تَسْأَلُ عَنْهُ لَتُقِرَّنَّ بِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَاَلَّذِي فَلَقَ اَلْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَ أَنْزَلَ اَلتَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَئِنْ أَجَبْتُكَ لَتُسْلِمَنَّ؟
ص: 577
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْتَحِنُ اَلْأَوْصِيَاءَ فِي حَيَاةِ اَلْأَنْبِيَاءِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ لِيَبْتَلِيَ طَاعَتَهُمْ. فَإِذَا رَضِيَ طَاعَتَهُمْ وَ مِحْنَتَهُمْ أَمَرَ اَلْأَنْبِيَاءَ أَنْ يَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ فِي حَيَاتِهِمْ وَأَوْصِيَاءَ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ وَ يَصِيرَ طَاعَةُ اَلْأَوْصِيَاء فِي أَعْنَاقِ اَلْأُمَمِ مِمَّنْ يَقُولُ بِطَاعَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ.
ثُمَّ يمْتَحِنُ اَلْأَوْصِيَاءَ بَعْدَ وَفَاةِ اَلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ لِيَبْلُوَ صَبْرَهُمْ فَإِذَا رَضِي مِحْنَتَهُمْ خَتَمَ لَهُمْ بِالسَّعَادَةِ لِيُلْحِقَهُمْ بالْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ أَكْمَلَ لَهُمُ اَلسَّعَادَةَ.
قَالَ لَهُ رَأْسُ اَلْيَهُودِ: صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبِرْنِي كَمِ اِمْتَحَنَكَ اَللَّهُ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ مِنْ مَرَّةٍ وَ كَمِ اِمْتَحَنَكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ مَرَّةٍ وَ إِلَى مَا يَصِيرُ آخِرُ أَمْرِكَ؟
فَأَخَذَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِيَدِهِ وَ قَالَ: اِنْهَضْ بِنَا أُنَبِّئُكَ بِذَلِكَ.
فَقَامَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئْنَا بِذَلِكَ مَعَهُ.
فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ تَحْتَمِلَهُ قُلُوبُكُمْ.
ص: 578
قَالُوا: وَ لِمَ ذَاكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: لِأُمُورٍ بَدَتْ لِي مِنْ كَثِيرٍ مِنْكُمْ.
فَقَامَ إِلَيْهِ اَلْأَشْتَرُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئْنَا بِذَلِكَ فَوَ اَللَّهِ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّهُ مَا عَلَى ظَهْرِ اَلْأَرْضِ وَصِيُّ نَبِيٍّ سِوَاكَ وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ اَللَّهَ لاَ يَبْعَثُ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَبِیّاً سِوَاهُ وَ أَنَّ طَاعَتَكَ لَفِي أَعْنَاقِنَا مَوْصُولَةٌ بِطَاعَةِ نَبِيِّنَا.
فَجَلَسَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَقْبَلَ عَلَى اَلْيَهُودِيِّ فَقَالَ: يَا أَخَا اَلْيَهُودِ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اِمْتَحَنَنِي فِي حَيَاةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فَوَجَدَنِي فِيهِنَّ مِنْ غَيْرِ تَزْكِيَةِ لِنَفْسِي بِنِعْمَةِ اَللَّهِ لَهُ مُطِيعاً.
قَالَ: وَ فِيمَ وَ فِيمَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ؟
قَالَ: أَمَّا أَوَّلُهُنَّ فَإِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ حَمَّلَهُ اَلرِّسَالَةَ وَ أَنَا أَحْدَثُ أَهْلِ بَيْتِي سِنّاً أَخْدُمُهُ فِي بَيْتِهِ وَ أَسْعَى فِي قَضَاءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَمْرِهِ فَدَعَا صَغِيرَ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَ كَبِيرَهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّهُ رَسُولُ اَللَّهِ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَ هَجَرُوهُ وَ نَابَذُوهُ وَ اِعْتَزَلُوهُ وَ اِجْتَنَبُوهُ وَ سَائِرَ اَلنَّاسِ
ص: 579
مُقْصِينَ لَهُ وَ مُخَالِفِينَ عَلَيْهِ قَدِ اِسْتَعْظَمُوا مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا لَمْ تَحْتَمِلْهُ قُلُوبُهُمْ وَتُدْرِكْهُ عُقُولُهُمْ.
فَأَجَبْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَحْدِي إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ مُسْرِعاً مُطِيعاً مُوقِناً لَمْ يَتَخَالَجْنِي فِى ذَلِكَ شَكٌّ فَمَكَثْنَا بِذَلِكَ ثَلاَثَ حِجَجٍ وَ مَا عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ خَلْقٌ يُصَلِّي أَوْ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَا آتَاهُ اَللَّهُ غَيْرِي وَ غَيْرُ اِبْنَةِ خُوَيْلِدٍ رَحِمَهَا اَللَّهُ وَ قَدْ فَعَلَ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا اَلثَّانِيَةُ يَا أَخَا اَلْيَهُودِ فَإِنَّ قُرَيْشاً لَمْ تَزَلْ تَخَيَّلَ اَلآوَاءَ وَ تَعَمَّلَ اَلْحِيَلَ فِي قَتْلِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ مَا اِجْتَمَعَتْ فِي ذَلِكَ يَوْمَ اَلدَّارِ دَارَ اَلنَّدْوَةِ وَإِبْلِيسُ اَلْمَلْعُونُ حَاضِرٌ فِي صُورَةِ أَعْوَرِ ثَقِيفٍ فَلَمْ تَزَلْ تَضْرِبُ أَمْرَهَا ظَهْرَ اَلْبَطْنِ حَتَّى اِجْتَمَعَتْ آرَاؤُهَا عَلَى أَنْ يَنْتَدِبَ مِنْ كُلِّ فَخِذِ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ ثُمَّ يَأْخُذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَيْفَهُ ثُمَّ يَأْتِيَ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَهُوَ
ص: 580
نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَضْرِبُوهُ جَمِيعاً بِأَسْيَافِهِمْ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُوهُ وَإِذَا قَتَلُوهُ مَنَعَتْ قُرَيْشٌ رِجَالَهَا وَ لَمْ تُسَلِّمْهَا فَيَمْضِيَ دَمُهُ هَدَراً.
فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَأَنْبَأَهُ بِذَلِكَ وَ أَخْبَرَهُ بِاللَّيْلَةِ اَلَّتِي يَجْتَمِعُونَ فِيهَا وَ اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي يَأْتُونَ فِرَاشَهُ فِيهَا وَأَمَرَهُ بِالْخُرُوج فِي اَلْوَقْتِ اَلَّذِي خَرَجَ فِيهِ إِلَى اَلْغَارِ.
فَأَخْبَرَنِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالْخَبَرِ وَ أَمَرَنِي أَنْ أَضْطَجِعَ فِي مَضْجَعِهِ وَ أَقِيَهُ بِنَفْسِي فَأَسْرَعْتُ إِلَى ذَلِكَ مُطِيعاً لَهُ مَسْرُوراً لِنَفْسِي بِأَنْ أُقْتَلَ دُونَهُ فَمَضَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِوَجْهِهِ وَ اِضْطَجَعْتُ فِي مَضْجَعِهِ وَ أَقْبَلَتْ رِجَالاَتُ قُرَيْشٍ مُوقِنَةً فِي أَنْفُسِهَا أَنْ تَقْتُلَ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمَّا اِسْتَوَى بِي وَ بِهِمُ اَلْبَيْتُ اَلَّذِي أَنَا فِيهِ نَاهَضْتُهُمْ بِسَيْفِي فَدَفَعْتُهُمْ عَنْ نَفْسِي بِمَا قَدْ عَلِمَهُ اَللَّهُ وَ اَلنَّاسُ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَمَّا اَلثَّالِثَةُ يَا أَخَا اَلْيَهُودِ فَإِنَّ إِبْنَيْ رَبِيعَةَ وَ اِبْنَ عُتْبَةَ كَانُوا فُرْسَانَ قُرَيْشٍ دَعَوْا إِلَى اَلْبِرَازِ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَبْرُزْ لَهُمْ خَلْقٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَنْهَضَنِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَعَ صَاحِبَيَّ رَضِيَ
ص: 581
اَللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ فَعَلَ وَأَنَا أَحْدَثُ أَصْحَابِي سِنّاً وَأَقَلُّهُمْ لِلْحَرْبِ تَجْرِبَةً فَقَتَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِيَدِي وَلِيداً وَ شَيْبَةَ سِوَى مَنْ قَتَلْتُ مِنْ جَحَاجِحَةِ قُرَيْشٍ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ وَ سِوَى مَنْ أَسَرْتُ وَ كَانَ مِنِّي أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِي وَ اُسْتُشْهِدَ اِبْنُ عَمِّي فِي ذَلِكَ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ.
ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا اَلرَّابِعَةُ يَا أَخَا اَلْيَهُودِ فَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ أَقْبَلُوا إِلَيْنَا عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهِمْ قَدِ اِسْتَحَاشُوا مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ قَبَائِلِ اَلْعَرَبِ وَ قُرَيْشٍ طَالِبِينَ بِثَأْرِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ فِي يَوْمٍ بَدْرٍ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَأَنْبَأَهُ بِذَلِكَ فَذَهَبَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عَسْكَرَ بِأَصْحَابِهِ فِي سَدِّ أُحُدٍ وَأَقْبَلَ اَلْمُشْرِكُونَ إِلَيْنَا فَحَمَلُوا إِلَيْنَا حَمْلَةَ رَجُل وَاحِدٍ وَ اُسْتُشْهِدَ مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ مَنِ اُسْتُشْهِدَ وَ كَانَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنَ اَلْهَزِيمَةِ وَ بَقِيتُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَضَى اَلْمُهَاجِرُونَ وَاَلْأَنْصَارُ إِلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ اَلْمَدِينَةِ كُلٌّ يَقُولُ قُتِلَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ ضَرَبَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وُجُوهَ اَلْمُشْرِكِينَ وَ قَدْ جُرِحْتُ بَيْنَ
ص: 582
يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَيِّفاً وَ سَبْعِينَ جَرْحَةً مِنْهَا هَذِهِ وَ هَذِهِ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ رِدَاءَهُ وَ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى جِرَاحَاتِهِ وَ كَانَ مِنّي فِي ذَلِكَ مَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَوَابُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ الْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا الْخَامِسَةُ يَا أَخَا اَلْيَهُودِ فَإِنَّ قُرَيْشاً وَ الْعَرَبَ تَجَمَّعَتْ وَعَقَدَتْ بَيْنَهَا عَقْداً وَ مِيثَاقاً لاَ تَرْجِعُ مِنْ وَجْهِهَا حَتَّى تَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ وَ تَقْتُلَنَا مَعَهُ مَعَاشِرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ بِحَدِّهَا وَ حَدِيدِهَا حَتَّى أَنَاخَتْ عَلَيْنَا بِالْمَدِينَةِ وَاثِقَةً بِأَنْفُسِهَا فِيمَا تَوَجَّهَتْ لَهُ، فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَأَنْبَأَهُ بِذَلِكَ فَخَنْدَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ فَقَدِمَتْ قُرَيْشٌ فَأَقَامَتْ عَلَى الْخَنْدَقِ مُحَاصِرَةً لَنَا تَرَى فِي أَنْفُسِهَا الْقُوَّةَ وَ فِينَا الضَّعْفَ تُرْعِدُ وَ تُبْرقُ وَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَدْعُوهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَيُنَاشِدُهَا بِالْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ فَتَأْبَى وَلاَ يَزِيدُهَا ذَلِكَ إِلاَّ عُتُوّاً وَ فَارِسُهَا وَ فَارِسُ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ يَهْدِرُ كَالْبَعِيرِ الْمُغْتَلِمٍ يَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ وَ يَرْتَجِزُ وَ يَخْطُرُ بِرُمْحِهِ مَرَّةً
ص: 583
وَ بِسَيْفِهِ مَرَّةً لاَ يُقْدِمُ عَلَيْهِ مُقْدِمُ وَ لاَ يَطْمَعُ فِيهِ طَامِعٌ وَلاَ حَمِيَّةٌ تُهَيِّجُهُ وَ لاَ بَصِيرَةٌ تُشَجِّعُهُ.
فَأَنْهَضَنِي إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ عَمَّمَنِي بِيَدِهِ وَ أَعْطَانِي سَيْفَهُ هَذَا وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى ذِي الْفَقَارِ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَ نِسَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَوَاكٍ إِشْفَاقاً عَلَيَّ مِنِ اِبْنِ عَبْدِ وُدٍّ فَقَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِيَدِي وَ الْعَرَبُ لاَ تَعْدِلُهَا فَارِساً غَيْرَهُ وَ ضَرَبَنِي هَذِهِ الضَّرْبَةَ. وَأَوْمَأَ بيَدِهِ إِلَى هَامَتِهِ فَهَزَمَ اللَّهُ قُرَيْشاً وَ الْعَرَبَ بِذَلِكَ وَ بِمَا كَانَ مِنِّي فِيهِمْ مِنَ النِّكَايَةِ.
ثُمَّ الْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا السَّادِسَةُ يَا أَخَا الْيَهُودِ فَإِنَّا وَرَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَدِينَةَ أَصْحَابِكَ خَيْبَرَ عَلَى رِجَالٍ مِنَ الْيَهُودِ وَ فُرْسَانِهَا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا، فَتَلَقَّوْنَا بِأَمْثَالِ الْجِبَالِ مِنَ الْخَيْلِ وَ الرِّجَالِ وَ السَّلاَحِ وَ هُمْ فِي أَمْنَعِ دَارٍ وَ أَكْثَرِ عَدَدٍ. كُلٌّ يُنَادِي وَ يَدْعُو وَ يُبَادِرُ إِلَى الْقِتَالِ فَلَمْ يَبْرُزُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَصْحَابِي أَحَدُ إِلاَّ قَتَلُوهُ حَتَّى إِذَا
ص: 584
اِحْمَرَّتِ الْحَدَقُ وَ دُعِيتُ إِلَى النَّزَالِ وَ أَهَمَّتْ كُلُّ امْرِئٍ نَفْسَهُ وَ الْتَفَتَ بَعْضُ أَصْحَابِي إِلَى بَعْضٍ وَكُلُّ يَقُولُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ انْهَضْ.
فَأَنْهَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى دَارِهِمْ فَلَمْ يَبْرُزْ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ قَتَلْتُهُ وَ لاَ يَثْبُتُ لِي فَارِسٌ إِلاَّ طَحَنْتُهُ. ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهِمْ شِدَّةَ اللَّيْثِ عَلَى فَرِيسَتِهِ حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ جَوْفَ مَدِينَتِهِمْ مُسَدِّداً عَلَيْهِمْ فَاقْتَلَعْتُ بَابَ حِصْنِهِمْ بِيَدِي حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ مَدِينَتَهُمْ وَحْدِي أَقْتُلُ مَنْ يَظْهَرُ فِيهَا مِنْ رِجَالِهَا وَ أَسْبِي مَنْ أَجِدُ مِنْ نِسَائِهَا حَتَّى افْتَتَحْتُهَا وَحْدِي وَ لَمْ يَكُنْ لِي فِيهَا مُعَاوِنٌ إِلاَّ اللَّهَ وَحْدَهُ.
ثُمَّ الْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا السَّابِعَةُ يَا أَخَا الْيَهُودِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمَّا تَوَجَّهَ لِفَتْحِ مَكَّةَ أَحَبَّ أَنْ يُعْذِرَ إِلَيْهِمْ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ آخِراً كَمَا دَعَاهُمْ أَوَّلاً. فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ كِتَاباً يُحَذِّرُهُمْ فِيهِ وَيُنْذِرُهُمْ عَذَابَ اللَّهِ وَيَعِدُهُمُ الصَّفْحَ وَيُمَنِّيهِمْ مَغْفِرَةَ رَبِّهِمْ وَ نَسَخَ لَهُمْ فِي آخِرِهِ سُورَةَ بَرَاءَةَ لِيَقْرَأَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَى جَمِيع أَصْحَابِهِ الْمُضِيَّ بِهِ فَكُلُّهُمْ يَرَى التَّثَاقُلَ فِيهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَدَبَ مِنْهُمْ
ص: 585
رَجُلاً فَوَجَّهَهُ بِهِ فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لاَ يُؤَدِّي عَنْكَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ رَجُلٌ مِنْكَ.
فَأَنْبَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِذَلِكَ وَ وَجَّهَنِي بِكِتَابِهِ وَ رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ. فَأَتَيْتُ مَكَّةَ وَ أَهْلُهَا مَنْ قَدْ عَرَفْتُمْ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ وَ لَوْ قَدَرَ أَنْ يَضَعَ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنِّي إِرْباً لَفَعَلَ، وَ لَوْ أَنْ يَبْذُلَ فِي ذَلِكَ نَفْسَهُ وَ أَهْلَهُ وَ وُلْدَهُ وَ مَالَهُ فَبَلَّغْتُهُمْ رِسَالَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ كِتَابَهُ فَكُلُّهُمْ يَلْقَانِي بِالتَّهَدُّدِ وَ الْوَعِيدِ وَ يُبْدِي لِيَ الْبَغْضَاءَ وَيُظْهِرُ الشَّحْنَاءَ مِنْ رِجَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَكَانَ مِنِّي فِي ذَلِكَ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا أَخَا الْيَهُودِ هَذِهِ الْمَوَاطِنُ الَّتِي امْتَحَنَنِي فِيهِ رَبِّي عَزَّ وَ جَلَّ مَعَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَوَجَدَنِي فِيهَا كُلِّهَا بِمَنِّهِ مُطِيعاً لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا مِثْلُ الَّذِي لِي وَ لَوْ شِئْتُ لَوَصَفْتُ ذَلِكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ نَهَى عَن التَّزْكِيَةِ.
ص: 586
فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَدَقْتَ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ اَلْفَضِيلَةَ بِالْقَرَابَةِ مِنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَسْعَدَكَ بِأَنْ جَعَلَكَ أَخَاهُ تَنْزِلُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَفَضَّلَكَ بِالْمَوَاقِفِ الَّتِي بَاشَرْتَهَا وَ الْأَهْوَالِ الَّتِي رَكِبْتَهَا وَ ذَخَرَ لَكَ الَّذِي ذَكَرْتَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ مِمَّا لَمْ تَذْكُرْهُ وَ مِمَّا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُ يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ شَهِدَكَ مِنَّا مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَنْ شَهِدَكَ بَعْدَهُ.
فَأَخْبِرْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا امْتَحَنَكَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَاحْتَمَلْتَهُ وَ صَبَرْتَ؟ فَلَوْ شِئْنَا أَنْ نَصِفَ ذَلِكَ لَوَصَفْنَاهُ عِلْماً مِنَّا بِهِ وَ ظُهُوراً مِنَّا عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّا نُحِبُّ أَنْ نَسْمَعَ مِنْكَ ذَلِكَ كَمَا سَمِعْنَا مِنْكَ مَا امْتَحَنَكَ اللَّهُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ فَأَطَعْتَهُ فِيهِ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا أَخَا أَلْيَهُودِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ امْتَحَنَنِي بَعْدَ وَفَاةِ نَبيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فَوَجَدَنِي فِيهِنَّ مِنْ غَيْرِ تَزْكِيَةٍ لِنَفْسِي بِمَنِّهِ وَ نِعْمَتِهِ صَبُوراً.
وَ أَمَّا أَوَّلُهُنَّ: يَا أَخَا اَلْيَهُودِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِي خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً أَحَدٌ آنَسُ بهِ أَوْ أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَوْ أَسْتَنِيمُ إِلَيْهِ أَوْ أَتَقَرَّبُ بِهِ غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هُوَ رَبَّانِي صَغِيراً وَ بَوَّأَنِي كَبِيراً وَ كَفَانِي الْعَيْلَةَ وَ
ص: 587
جَبَرَنِي مِنَ الْيُتْمِ وَ أَغْنَانِي عَنِ الطَّلَبِ وَ وَقَانِيَ الْمَكْسَبَ وَ عَالَ لِيَ اَلنَّفْسَ وَالْوَلَدَ وَالْأَهْلَ هَذَا فِي تَصَارِيفِ أَمْرِ الدُّنْيَا مَعَ مَا خَصَّنِي بِهِ مِنَ الدَّرَجَاتِ الَّتِي قَادَتْنِي إِلَى مَعَالِي الْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَنَزَلَ بِي مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ الْجِبَالَ لَوْ حَمَلَتْهُ عَنْوَةً كَانَتْ تَنْهَضُ بِهِ فَرَأَيْتُ النَّاسَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَا بَيْنَ جَازعٍ لاَ يَمْلِكُ جَزَعَهُ وَ لاَ يَضْبِطُ نَفْسَهُ وَلاَ يَقْوَى عَلَى حَمْلٍ فَادِحِ مَا نَزَلَ بِهِ قَدْ أَذْهَبَ الْجَزَعُ صَبْرَهُ وَ أَذْهَلَ عَقْلَهُ وَ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَهْمِ وَالْإِفْهَام وَ الْقَوْلِ وَالْإِسْمَاع وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَيْنَ مُعَزٍّ يَأْمُرُ بِالصَّبْرِ وَ بَيْنَ مُسَاعِدٍ بَاكٍ لِبُكَائِهِمْ جَازِعِ لِجَزَعِهِمْ وَ حَمَلْتُ نَفْسِي عَلَى الصَّبْرِ عِنْدَ وَفَاتِهِ بِلُزُومِ الصَّمْتِ وَ الاِشْتِغَالِ بِمَا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ تَجْهِيزِهِ وَ تَغْسِيلِهِ وَ تَحْنِيطِهِ وَ تَكْفِينِهِ وَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ وَ وَضْعِهِ فِي حُفْرَتِهِ وَ جَمْعِ كِتَابِ اللَّهِ وَ عَهْدِهِ إِلَى خَلْقِهِ، لاَ يَشْغَلُنِي عَنْ ذَلِكَ بَادِرُ دَمْعَةٍ وَ لاَ هَائِجُ زَفْرَةٍ وَ لاَ لاَذِعُ حُرْقَةٍ وَلاَ جَزِيلُ مُصِيبَةٍ حَتَّى أَدَّيْتُ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ الْوَاجبَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَيَّ وَ بَلَّغْتُ مِنْهُ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ وَ احْتَمَلْتُهُ صَابِراً مُحْتَسِباً.
ثُمَّ الْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
ص: 588
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ يَا أَخَا الْيَهُودِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمَّرَنِي فِي حَيَاتِهِ عَلَى جَمِيعِ أُمَّتِهِ وَ أَخَذَ عَلَى جَمِيعِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْهُمُ الْبَيْعَةَ وَ السَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ لِأَمْرِي وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ اَلْغَائِبَ ذَلِكَ فَكُنْتُ الْمُؤَدِّيَ إِلَيْهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمْرَهُ إِذَا حَضَرْتُهُ وَ الْأَمِيرَ عَلَى مَنْ حَضَرَنِي مِنْهُمْ إِذَا فَارَقْتُهُ لاَ تَخْتَلِجُ فِي نَفْسِي مُنَازَعَةُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ لِي فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ لاَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِتَوْجِيهِ الْجَيْشِ الَّذِي وَجَّهَهُ مَعَ أَسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ الَّذِي أَحْدَثَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَرَضِ الَّذِي تَوَفَّاهُ فِيهِ فَلَمْ يَدَع النَّبِيُّ أَحَداً مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ وَلاَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَ غَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ مِمَّنْ يَخَافُ عَلَى نَقْضِهِ وَ مُنَازَعَتِهِ وَ لاَ أَحَداً مِمَّنْ يَرَانِي بِعَيْنِ الْبَغْضَاءِ مِمَّنْ قَدْ وَتَرْتُهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ حَمِيمِهِ، إِلاَّ وَجَّهَهُ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ وَلاَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَ الْمُسْلِمِينَ وَ غَيْرِهِمْ وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ الْمُنَافِقِينَ لِتَصْفُوَ قُلُوبُ مَنْ يَبْقَى مَعِي بِحَضْرَتِهِ وَ لِئَلاَّ يَقُولَ قَائِلٌ شَيْئاً مِمَّا أَكْرَهُهُ وَ لاَ يَدْفَعُنِي دَافِعٌ مِنَ الْوِلاَيَةِ وَ الْقِيَامِ بِأَمْرِ رَعِيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ
ص: 589
فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِهِ أَنْ يَمْضِيَ جَيْشُ أَسَامَةَ وَ لاَ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ أُنْهِضَ مَعَهُ وَ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ التَّقَدُّمِ وَ أَوْعَزَ فِيهِ أَبْلَغَ الْإِيعَازِ وَ أَكَّدَ فِيهِ أَكْثَرَ التَّأْكِيدِ.
فَلَمْ أَشْعُرُ بَعْدَ أَنْ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلاَّ بِرِجَالٍ مِنْ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَ أَهْلِ عَسْكَرِهِ قَدْ تَرَكُوا مَرَاكِزَهُمْ وَأَخَلُّوا مَوَاضِعَهُمْ وَ خَالَفُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ فِيمَا أَنْهَضَهُمْ لَهُ وَأَمَرَهُمْ بِهِ وَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ مِنْ مُلاَزَمَةِ أَمِيرِهِمْ وَ السَّيْرِ مَعَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ حَتَّى يُنْفَذَ لِوَجْهِهِ اَلَّذِي أَنْفَذَهُ إِلَيْهِ فَخَلَّفُوا أَمِيرَهُمْ مُقِيماً فِي عَسْكَرِهِ وَ أَقْبَلُوا يَتَبَادَرُونَ عَلَى الْخَيْلِ رَكْضاً إِلَى حَلِّ عُقْدَةٍ عَقَدَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِي وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ فِي أَعْنَاقِهِمْ فَحَلُّوهَا وَ عَهْدٍ عَاهَدُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَنَكَثُوهُ وَعَقَدُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَقْداً ضَجَّتْ بِهِ أَصْوَاتُهُمْ وَاِخْتَصَّتْ بِهِ آرَاؤُهُمْ مِنْ غَيْر مُنَاظَرَةِ لِأَحَدٍ مِنَّا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ مُشَارَكَةٍ فِي رَأْيِ أَوْ إِسْتِقَالَةٍ لِمَا فِي أَعْنَاقِهِمْ مِنْ بَيْعَتِي.
فَعَلُوا ذَلِكَ وَ أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَشْغُولٌ وَ بِتَجْهِيزِهِ عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ مَصْدُودٌ فَإِنَّهُ كَانَ أَهَمَّهَا وَ أَحَقَّ مَا بُدِئَ بِهِ مِنْهَا فَكَانَ هَذَا يَا أَخَا الْيَهُودِ أَقْرَحُ مَا وَرَدَ عَلَى قَلْبِي مَعَ الَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ عَظِيمٍ
ص: 590
الرَّزِيَّةِ وَ فَاجِعِ الْمُصِيبَةِ وَ فَقْدِ مَنْ لاَ خَلَفَ مِنْهُ إِلاَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَصَبَرْتُ عَلَيْهَا إِذَا أَتَتْ بَعْدَ أُخْتِهَا عَلَى تَقَارُبِهَا وَ سُرْعَةِ إِتِّصَالِهَا.
ثُمَّ الْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا الثَّالِثَةُ يَا أَخَا َالْيَهُودِ فَإِنَّ الْقَائِمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ يَلْقَانِي مُعْتَذِراً فِي كُلِّ أَيَّامِهِ وَ يَلُومُ غَيْرَهُ مَا اِرْتَكَبَهُ مِنْ أَخْذِ حَقِّي وَنَقْضِ بَيْعَتِي وَيَسْأَلُنِي تَحْلِيلَهُ.
فَكُنْتُ أَقُولُ تَنْقَضِي أَيَّامُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيَّ حَقَّيَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِي عَفْواً هَنِيئاً مِنْ غَيْرِ أَنْ أُحْدِثَ فِي الْإِسْلاَم مَعَ حُدُوثِهِ وَ قُرْبِ عَهْدِهِ بِالْجَاهِلِيَّةِ حَدَثاً فِي طَلَبِ حَقِّي بِمُنَازَعَةٍ لَعَلَّ فُلاَناً يَقُولُ فِيهَا نَعَمْ وَ فُلاَناً يَقُولُ لاَ فَيَئُولُ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ إِلَى الْفِعْلِ وَ جَمَاعَةٍ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَعْرِفُهُمْ بِالنُّصْحَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَ لِكِتَابِهِ وَ دِينِهِ الْإِسْلاَمِ يَأْتُونِّي عَوْداً وَ بَدْءاً وَ عَلاَنِيَةً وَ سِرّاً فَيَدْعُونِّي إِلَى أَخْذِ حَقِّي وَيَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي نُصْرَتِي لِيُؤَدُّوا إِلَيَّ بِذَلِكَ بَيْعَتِي فِي أَعْنَاقِهِمْ فَأَقُولُ رُوَيْداً وَ صَبْراً قَلِيلاً لَعَلَّ اللَّهَ يَأْتِينِي بِذَلِكَ عَفْواً بِلاَ مُنَازَعَةٍ وَ لاَ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ.
ص: 591
فَقَدِ ارْتَابَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ طَمِعَ فِي الْأَمْرِ بَعْدَهُ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِأَهْلِ فَقَالَ كُلُّ قَوْمٍ مِنَّا أَمِيرٌ وَ مَا طَمِعَ الْقَائِلُونَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ لِتَنَاوُلِ غَيْرِيَ الْأَمْرَ.
فَلَمَّا دَنَتْ وَفَاةُ الْقَائِم وَ انْقَضَتْ أَيَّامُهُ صَيَّرَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ لِصَاحِبِهِ فَكَانَتْ هَذِهِ أُخْتَ أُخْتِهَا وَ مَحَلُّهَا مِنِّي مِثْلَ مَحَلِّهَا وَأَخَذَ مِنِّي مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِي فَاجْتَمَعَ إِلَيَّ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِمَّنْ مَضَى وَ مِمَّنْ بَقِيَ مِمَّنْ أَخَّرَهُ اللَّهُ مَنِ اجْتَمَعَ فَقَالُوا لِي: فِيهَا مِثْلَ الَّذِي قَالُوا فِي أُخْتِهَا فَلَمْ يَعْدُ قَوْلِيَ الثَّانِي قَوْلِيَ الْأَوَّلَ صَبْراً وَ اِحْتِسَاباً وَ يَقِيناً وَإِشْفَاقاً مِنْ أَنْ تَفْنَى عُصْبَةٌ تَأَلَّفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِاللِّينِ مَرَّةً وَ بِالشِّدَّةِ أُخْرَى وَ بِالنُّذُرِ مَرَّةً وَ بِالسَّيْفِ أُخْرَى حَتَّى لَقَدْ كَانَ مِنْ تَأَلُّفِهِ لَهُمْ أَنْ كَانَ النَّاسُ فِي الْكَرِّ وَ الْفِرَارِ وَ الشِّبَع وَ الرَّيِّ وَ اللِّبَاسِ وَالْوِطَاءِ وَالدِّثَارِ وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لاَ سُقُوفَ لِبُيُوتِنَا وَلاَ أَبْوَابَ وَلاَ سُتُورَ إِلاَّ الْجَرَائِدُ وَ مَا أَشْبَهَهَا وَلاَ وطَاءَ لَنَا وَلاَ دِثَارَ عَلَيْنَا يَتَدَاوَلُ الثَّوْبَ اَلْوَاحِدَ فِي الصَّلاَةِ أَكْثَرُنَا وَ نَطْوِي اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامَ عَامَّتُنَا وَ رُبَّمَا أَتَانَا اَلشَّيْءُ مِمَّا أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ صَيَّرَهُ لَنَا خَاصَّةً دُونَ غَيْرِنَا وَ نَحْنُ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ حَالِنَا فَيُؤْثِرُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ أَرْبَابَ
ص: 592
النَّعَمِ وَالْأَمْوَالِ تَأَلُّفاً مِنْهُ لَهُمْ فَكُنْتُ أَحَقَّ مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ هَذِهِ الْعُصْبَةَ الَّتِي أَلَّفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى الْخَطَّةِ الَّتِي لاَ خَلاَصَ لَهَا مِنْهَا دُونَ بُلُوغِهَا أَوْ فَنَاءِ آجَالِهَا لِأَنِّي لَوْ نَصَبْتُ نَفْسِي فَدَعَوْتُهُمْ إِلَى نُصْرَتِي كَانُوا مِنِّي وَ فِي أَمْرِي عَلَى إِحْدَى مَنْزِلَتَيْنِ إِمَّا مُتَّبِعِ مُقَاتِلٍ وَ إِمَّا مَقْتُولٍ إِنْ لَمْ يَتَّبِعِ الْجَمِيعَ وَإِمَّا خَاذِلٍ يَكْفُرُ بِخِذْلاَنِهِ إِنْ قَصَّرَ فِي نُصْرَتِي أَوْ أَمْسَكَ عَنْ طَاعَتِي وَ قَدْ عَلِمَ اللهُ أَنِّي مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى يَحُلُّ بِهِ فِي مُخَالَفَتِي وَ الْإِمْسَاكِ عَنْ نُصْرَتِي مَا أَحَلَّ قَوْمُ مُوسَى بِأَنْفُسِهِمْ فِي مُخَالَفَةِ هَارُونَ وَ تَرْكِ طَاعَتِهِ وَ رَأَيْتُ تَجَرُّعَ الْغُصَصِ وَرَدَّ أَنْفَاسِ الصُّعَدَاءِ وَ لُزُومَ الصَّبْرِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ أَوْ يَقْضِيَ بِمَا أَحَبَّ أَزْيَدَ لِي فِي حَظِّي وَ أَرْفَقَ بِالْعِصَابَةِ الَّتِي وَصَفْتُ أَمْرَهُمْ وَ كَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً وَ لَوْ لَمْ أَتَّقِ هَذِهِ الْحَالَةَ يَا أَخَا اَلْيَهُودِ ثُمَّ طَلَبْتُ حَقِّي لَكُنْتُ أَوْلَى مِمَّنْ طَلَبَهُ لِعِلْمٍ مَنْ مَضَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَنْ بِحَضْرَتِكَ مِنْهُمْ بِأَنِّي كُنْتُ أَكْثَرَ عَدَداً وَ أَعَزَّ عَشِيرَةً وَ أَمْنَعَ رِجَالاً وَ أَطْوَعَ أَمْراً وَ أَوْضَحَ حُجَّةً وَ أَكْثَرَ فِي هَذَا الدِّينِ مَنَاقِبَ وَآثَاراً لِسَوَابِقِي وَ قَرَابَتِي وَ وِرَاثَتِي فَضْلاً عَنِ اسْتِحْقَاقِي ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِلْعِبَادِ مِنْهَا وَالْبَيْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَعْنَاقِهِمْ مِمَّنْ تَنَاوَلَهَا وَقَدْ قُبِضَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
ص: 593
وَ آلِهِ وَ إِنَّ وِلاَيَةَ الْأُمَّةِ فِي يَدِهِ وَ فِي بَيْتِهِ لاَ فِي يَدِ الْأُولَى تَنَاوَلُوهَا وَ لاَ فِي بُيُوتِهِمْ وَ لَأَهْلُ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً أَوْلَى بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِهِ فِي جَمِيعِ الْخِصَالِ.
ثُمَّ اِلْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا الرَّابِعَةُ يَا أَخَا اَلْيَهُودِ فَإِنَّ الْقَائِمَ بَعْدَ صَاحِبِهِ كَانَ يُشَاوِرُنِي فِي مَوَارِدِ الْأُمُورِ فَيُصْدِرُهَا عَنْ أَمْرِي وَ يُنَاظِرُنِي فِي غَوَامِضِهَا فَيُمْضِيهَا عَنْ رَأْيِي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً وَ لاَ يَعْلَمُهُ أَصْحَابِي يُنَاظِرُهُ فِي ذَلِكَ غَيْرِي وَلاَ يَطْمَعُ فِي الْأَمْرِ بَعْدَهُ سِوَايَ.
فَلَمَّا أَنْ أَتَتْهُ مَنِيَّتُهُ عَلَى فَجْأَةٍ بِلاَ مَرَضٍ كَانَ قَبْلَهُ وَلاَ أَمْرٍ كَانَ أَمْضَاهُ فِي صِحَّةٍ مِنْ بَدَنِهِ لَمْ أَشُكَ أَنِّي قَدِ اسْتُرْجِعْتُ حَقِّى فِي عَافِيَةٍ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي كُنْتُ أَطْلُبُهَا وَ الْعَاقِبَةِ الَّتِي كُنْتُ أَلْتَمِسُهَا وَ أَنَّ اللَّهَ سَيَأْتِي بِذَلِكَ عَلَى أَحْسَنِ مَا رَجَوْتُ وَأَفْضَل مَا أَمَّلْتُ.
وَ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ أَنْ خَتَمَ أَمْرَهُ بِأَنْ سَمَّى قَوْماً أَنَا سَادِسُهُمْ وَ لَمْ يَسْتَوِنِي بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَ لاَ ذَكَرَ لِي حَالاً فِي وِرَاثَةِ الرَّسُولِ وَ لاَ قَرَابَةٍ وَلاَ صِهْرٍ وَلاَ نَسَبٍ وَ لاَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ سَابِقَةٍ مِنْ سَوَابِقِي وَ لاَ أَثَرٍ مِنْ
ص: 594
آثَارِي وَصَيَّرَهَا شُورَى بَيْنَنَا وَصَيَّرَ ابْنَهُ فِيهَا حَاكِماً عَلَيْنَا وَ أَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَ النَّفَرِ السِّتَّةِ الَّذِينَ صَيَّرَ الْأَمْرَ فِيهِمْ إِنْ لَمْ يُنْفِذُوا أَمْرَهُ.
وَ كَفَى بِالصَّبْرِ عَلَى هَذَا يَا أَخَا اَلْيَهُودِ صَبْراً فَمَكَثَ الْقَوْمُ أَيَّامَهُمْ كُلَّهَا كُلٌّ يَخْطُبُ لِنَفْسِهِ وَ أَنَا مُمْسِكٌ عَنْ أَنْ سَأَلُونِي عَنْ أَمْرِي فَنَاظَرْتُهُمْ فِي أَيَّامِي وَأَيَّامِهِمْ وَ آثَارِي وَ آثَارِهِمْ وَ أَوْضَحْتُ لَهُمْ مَا لَمْ يَجْهَلُوهُ مِنْ وُجُوهِ اِسْتِحْقَاقِي لَهَا دُونَهُمْ وَ ذَكَرْتُهُمْ عَهْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَيْهِمْ وَ تَأْكِيدَ مَا أَكَّدَهُ مِنَ الْبَيْعَةِ لِي فِي أَعْنَاقِهِمْ، دَعَاهُمْ حُبُّ الْإِمَارَةِ وَ بَسْطُ الْأَيْدِي وَ الْأَلْسُنِ فِي اَلْأَمْرِ وَ النَّهْيَ وَ الرُّكُونِ إِلَى الدُّنْيَا وَالاِقْتِدَاءِ بِالْمَاضِينَ قَبْلَهُمْ إِلَى تَنَاوُل مَا لَمْ يَجْعَل اللَّهُ لَهُمْ.
فَإِذَا خَلَوْتُ بِالْوَاحِدِ ذَكَّرْتُهُ أَيَّامَ اللَّهِ وَ حَذَّرْتُهُ مَا هُوَ قَادِمٌ عَلَيْهِ وَصَائِرٌ إِلَيْهِ الْتَمَسَ مِنِّي شَرْطاً أَنْ أُصَيِّرَهَا لَهُ بَعْدِي فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا عِنْدِي إِلاَّ الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ وَ الْحَمْلَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ وَصِيَّةِ الرَّسُولِ إِعْطَاءَ كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَ مَنْعَهُ مَا لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ.
أَزَالَهَا عَنِّي إِلَى ابْنِ عَفَّانَ طَمَعاً فِي الشَّحِيح مَعَهُ فِيهَا وَابْنُ عَفَّانَ رَجُلٌ لَمْ يَسْتَوِ بِهِ وَ بِوَاحِدٍ مِمَّنْ حَضَرَهُ حَالٌ قَطُّ فَضْلاً عَمَّنْ دُونَهُمْ لاَ بِبَدْرٍ الَّتِي هِيَ سَنَامُ فَخْرِهِمْ وَ لاَ غَيْرِهَا مِنَ الْمَآثِرِ الَّتِي أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا
ص: 595
رَسُولَهُ وَ مَنِ اِخْتَصَّهُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ثُمَّ لَمْ أَعْلَمِ الْقَوْمَ أَمْسَوْا مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَتْ نَدَامَتُهُمْ وَ نَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَ أَحَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كُلٌّ يَلُومُ نَفْسَهُ وَ يَلُومُ أَصْحَابَهُ ثُمَّ لَمْ تَطُلِ الْأَيَّامُ بِالْمُسْتَبِدِّ بِالْأَمْرِ ابْنِ عَفَّانَ حَتَّى أَكْفَرُوهُ وَ تَبَرَّءُوا مِنْهُ وَ مَشَى إِلَى أَصْحَابِهِ خَاصَّةً وَ سَائِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَامَّةً يَسْتَقِيلُهُمْ مِنْ بَيْعَتِهِ وَ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ فَلْتَتِهِ فَكَانَتْ هَذِهِ يَا أَخَا الْيَهُودِ أَكْبَرَ مِنْ أُخْتِهَا وَأَفْظَعَ وَأَحْرَى أَنْ لاَ يُصْبَرَ عَلَيْهَا فَنَالَنِي مِنْهَا الَّذِي لاَ يَبْلُغُ وَصْفُهُ وَ لاَ يُحَدُّ وَقْتُهُ وَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي فِيهَا إِلاَّ الصَّبْرُ عَلَى مَا أَمَضُّ وَ أَبْلَعُ مِنْهَا وَ لَقَدْ أَتَانِي الْبَاقُونَ مِنَ السِّتَّةِ مِنْ يَوْمِهِمْ كُلٌّ رَاجِعُ عَمَّا كَانَ رَكِبَ مِنِّي يَسْأَلُنِي خَلْعَ اِبْنِ عَفَّانَ وَالْوُثُوبَ عَلَيْهِ وَأَخْذَ حَقِّي وَ يُؤْتِينِي صَفْقَتَهُ وَ بَيْعَتَهُ عَلَى الْمَوْتِ تَحْتَ رَايَتِي أَوْ يَرُدَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَىَّ حَقِّي.
فَوَ اللَّهِ يَا أَخَا الْيَهُودِ مَا مَنَعَنِي مِنْهَا إِلاَّ الَّذِي مَنَعَنِي مِنْ أُخْتَيْهَا قَبْلَهَا وَ رَأَيْتُ الْإِبْقَاءَ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الطَّائِفَةِ أَبْهَجَ لِي وَ آنَسَ لِقَلْبِي مِنْ فَنَائِهَا وَ عَلِمْتُ أَنِّي إِنْ حَمَلْتُهَا عَلَى دَعْوَةِ الْمَوْتِ رَكِبْتُهُ فَأَمَّا نَفْسِي فَقَدْ عَلِمَ مَنْ حَضَرَ مِمَّنْ تَرَى وَ مَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى
ص: 596
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّ الْمَوْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الشَّرْبَةِ الْبَارِدَةِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْحَرِّ مِنْ ذِي الْعَطَشِ الصَّدَى.
وَ لَقَدْ كُنْتُ عَاهَدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَا وَ عَمِّي حَمْزَةُ وَ أَخِي جَعْفَرٌ وَ ابْنُ عَمِّي عُبَيْدَةُ عَلَى أَمْرٍ وَفَيْنَا بِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ فَتَقَدَّمَنِي أَصْحَابِي وَ تَخَلَّفْتُ بَعْدَهُمْ لِمَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ وَ عُبَيْدَةُ وَأَنَا وَاللَّهِ الْمُنتَظِرُ يَا أَخَا الْيَهُودِ وَمَا بَدَّلْتُ تبْدِيلاً.
وَ مَا سَكَّتَنِي عَنِ ابْنِ عَفَّانَ وَ حَثَّنِي عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنْهُ إِلاَّ أَنِّي عَرَفْتُ مِنْ أَخْلاَقِهِ فِيمَا اخْتَبَرْتُ مِنْهُ بِمَا لَنْ يَدَعَهُ حَتَّى يَسْتَدْعِيَ الْأَبَاعِدَ إِلَى قَتْلِهِ وَ خَلْعِهِ، فَضْلاً عَنِ الْأَقَارِبِ وَ أَنَا فِي عُزْلَةٍ. فَصَبَرْتُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَنْطِقْ فِيهِ بِحَرْفٍ مِنْ لاَ وَ لاَ نَعَمْ. ثُمَّ أَتَانِي الْقَوْمُ وَ أَنَا عَلِمَ اللَّهُ كَارِهٌ لِمَعْرِفَتِي بِمَا تَطَاعَمُوا بِهِ مِنِ اعْتِقَالِ الْأَمْوَالِ وَ الْمَرَحِ فِي الْأَرْضِ وَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ لَهُمْ عِنْدِي وَ شَدِيدُ عَادَةٍ مُنْتَزَعَةٌ فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا عِنْدِي تَعَلَّلُوا الْأَعَالِيلَ.
ص: 597
ثُمَّ الْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
فَقَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا الْخَامِسَةُ يَا أَخَا اَلْيَهُودِ فَإِنَّ الْمُتَابِعِينَ لِي لَمَّا لَمْ يَطْمَعُوا فِي تِلْكَ مِنِّي وَثَبُوا بِالْمَرْأَةِ عَلَيَّ وَ أَنَا وَلِيُّ أَمْرِهَا وَ الْوَصِيُّ عَلَيْهَا فَحَمَلُوهَا عَلَى الْجَمَلِ وَ شَدُّوهَا عَلَى الرَّحَالِ وَأَقْبَلُوا بِهَا تَخْبِطُ الْفَيَافِيَ وَتَقْطَعُ الْبَرَارِيَ وَ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلاَبُ الْحَوْأَبِ وَ تَظْهَرُ لَهُمْ عَلاَمَاتُ النَّدَمِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَعِنْدَ كُلِّ حَالٍ فِي عُصْبَةٍ قَدْ بَايَعُونِي ثَانِيَةً بَعْدَ بَيْعَتِهِمُ الْأُولَى فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى أَتَتْ أَهْلَ بَلْدَةٍ قَصِيرَةٍ أَيْدِيهِمْ طَوِيلَةٍ لِحَاهُمْ قَلِيلَةٍ عُقُولُهُمْ عَازِبَةٍ آرَاؤُهُمْ وَ هُمْ جِيرَانُ بَدْرٍ وَ وُرَّادُ بَحْرٍ فَأَخْرَجَتْهُمْ يَخْبِطُونَ بِسُيُوفِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَ يَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ بِغَيْرِ فَهُم فَوَقَفْتُ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا فِي مَحَلِّهِ الْمَكْرُوهِ مِمَّنْ إِنْ كَفَفْتُ لَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يَعْقِلْ وَإِنْ أَقَمْتُ كُنْتُ قَدْ صِرْتُ إِلَى الَّتِي كَرِهْتُ فَقَدَّمْتُ الْحُجَّةَ بِالْإِعْذَارِ وَ الْإِنْدَارِ.
وَ دَعَوْتُ الْمَرْأَةَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى بَيْتِهَا وَ الْقَوْمَ الَّذِينَ حَمَلُوهَا عَلَى الْوَفَاءِ بِبَيْعَتِهِمْ لِي وَ التَّرْكِ لِنَقْضِهِمْ عَهْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِيَّ وَ أَعْطَيْتُهُمْ
ص: 598
مِنْ نَفْسِي كُلَّ الَّذِي قَدَرْتُ عَلَيْهِ وَ نَاظَرْتُ بَعْضَهُمْ فَرَجَعَ وَ ذَكَرْتُ فَذَكَرَ ثُمَّ أَقْبَلْتُ عَلَى النَّاسِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَلَمْ يَزْدَادُوا إِلاَّ جَهْلاً وَ تَمَادِياً وَ غَيّاً فَلَمَّا أَبَوْا إِلاَّ هِيَ رَكِبْتُهَا مِنْهُمْ فَكَانَتْ عَلَيْهِمُ الدَّبْرَةُ وَبِهِمُ الْهَزِيمَةُ وَ لَهُمُ الْحَسْرَةُ وَ فِيهِمُ الْفَنَاءُ وَ الْقَتْلُ وَ حَمَلْتُ نَفْسِي عَلَى الَّتِي لَمْ أَجِدْ مِنْهَا بُدّاً وَ لَمْ يَسَعْنِي إِذْ فَعَلْتُ ذَلِكَ وَأَظْهَرْتُهُ آخِراً مِثْلَ الَّذِي وَسِعَنِي مِنْهُ أَوَّلاً مِنَ الْإِغْضَاءِ وَ الْإِمْسَاكِ وَرَأَيْتُنِي إِنْ أَمْسَكْتُ كُنْتُ مُعِيناً لَهُمْ عَلَيَّ بِإِمْسَاكِي عَلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ وَ طَمِعُوا فِيهِ مِنْ تَنَاوُلِ الْأَطْرَافِ وَ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَ قَتْلِ الرَّعِيَّةِ وَ تَحْكِيمِ النِّسَاءِ النَّوَاقِصِ الْعُقُولِ وَالْحُظُوظِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَعَادَةِ بَنِي الْأَصْفَرِ وَ مَنْ مَضَى مِنْ مُلُوكِ سَبَإٍ وَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ.
فَأَصِيرُ إِلَى مَا كَرِهْتُ أَوَّلاً وآخراً وَقَدْ أَعْمَلْتُ الْمَرْأَةَ وَ جُنْدَهَا يَفْعَلُونَ مَا وَصَفْتُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ النَّاسِ وَ لَمْ أَهْجِمْ عَلَى الْأَمْرِ إِلاَّ بَعْدَ مَا قَدَّمْتُ وَ أَخَّرْتُ وَ تَأَنَّيْتُ وَ رَاجَعْتُ وَأَرْسَلْتُ وَ سَافَرْتُ وَ أَعْذَرْتُ وَأَنْذَرْتُ وَأَعْطَيْتُ الْقَوْمَ كُلَّ شَيْءٍ يَلْتَمِسُوهُ بَعْدَ أَنْ عَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَلْتَمِسُوهُ فَلَمَّا أَبَوْا إِلاَّ تِلْكَ أَقْدَمْتُ عَلَيْهَا فَبَلَغَ اللَّهُ بِي وَ بِهِمْ مَا أَرَادَ وَ كَانَ لِي عَلَيْهِمْ بِمَا كَانَ مِنِّي إِلَيْهِمْ شَهِيداً.
ثُمَّ الْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
ص: 599
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا السَّادِسَةُ يَا أَخَا الْيَهُودِ فَتَحْكِيمُهُمُ الْحَكَمَيْنِ وَ مُحَارَبَةُ ابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ وَ هُوَ طَلِيقٌ مُعَانِدٌ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ وَ اَلْمُؤْمِنِينَ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ عَنْوَةً فَأَخَذْتُ بَيْعَتَهُ وَ بَيْعَةَ أَبِيهِ لِي مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ بَعْدَهُ وَ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ أَوَّلُ مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَ جَعَلَ يَحُثُّنِي عَلَى النُّهُوضِ فِي أَخْذِ حَقِّي مِنَ الْمَاضِينَ قَبْلِي، وَ يُجَدِّدُ لِي بَيْعَتَهُ كُلَّمَا أَتَانِي.
وَأَعْجَبُ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ رَدَّ إِلَىَّ حَقِّي وَ أَقَرَّ فِي مَعْدِنِهِ وَ انْقَطَعَ طَمَعُهُ أَنْ يَصِيرَ فِي دِينِ اللَّهِ رَابِعاً وَ فِي أَمَانَةٍ حُمِّلْنَاهَا حَاكِماً كَرَّ عَلَى الْعَاصِي بْنِ الْعَاصِ فَاسْتَمَالَهُ فَمَالَ إِلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَطْمَعَهُ مِصْرَ وَ حَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْفَيْءِ دُونَ قِسْمِهِ دِرْهَماً وَ حَرَامٌ عَلَى الرَّاعِي إِيصَالُ دِرْهَمٍ إِلَيْهِ فَوْقَ حَقِّهِ فَأَقْبَلَ يَخْبِطُ الْبِلاَدَ بِالظُّلْمِ وَيَطَؤُهَا بِالْغَشْمِ فَمَنْ بَايَعَهُ أَرْضَاهُ وَ مَنْ خَالَفَهُ نَاوَاهُ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَيَّ نَاكِثاً عَلَيْنَا مُغِيراً فِي الْبِلاَدِ شَرْقاً وَ غَرْباً وَ يَمِيناً وَ شِمَالاً وَالْأَنْبَاءُ تَأْتِينِي وَالْأَخْبَارُ تَرِدُ عَلَيَّ بِذَلِكَ.
ص: 600
فَأَتَانِي أَعْوَرُ ثَقِيفٍ فَأَشَارَ عَلَيَّ أَنْ أُوَلِّيَهُ اَلْبِلَادَ اَلَّتِي هُوَ بِهَا لِأُدَارِيَهُ بِمَا أُوَلِّيهِ مِنْهَا وَ فِي اَلَّذِي أَشَارَ بِهِ اَلرَّأْيُ فِي أَمْرِ اَلدُّنْيَا لَوْ وَجَدْتُ عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي تَوْلِيَتِهِ لِي مَخْرَجاً وَ أَصَبْتُ لِنَفْسِي فِي ذَلِكَ عُذْراً فَأَعْلَمْتُ اَلرَّأْيَ فِي ذَلِكَ وَ شَاوَرْتُ مَنْ أَثِقُ بِنَصِيحَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ فَكَانَ رَأْيُهُ فِي اِبْنِ آكِلَةِ اَلْأَكْبَادِ كَرَأْيِي يَنْهَانِي عَنْ تَوْلِيَتِهِ وَيُحَذِّرُنِي أَنْ أُدْخِلَ فِي أَمْرِ اَلْمُسْلِمِينَ يَدَهُ وَ لَمْ يَكُنِ اَللَّهُ لِيَرَانِي أَتَّخِذُ اَلْمُضِلَّينَ عَضُداً فَوَجَّهْتُ إِلَيْهِ أَخَا بَجِيلَةَ مَرَّةً وَ أَخَا اَلْأَشْعَرِيِّينَ مَرَّةً كِلاَهُمَا رَكَنَ إِلَى الدُّنْيَا وَ تَابَعَ هَوَاهُ فِيمَا أَرْضَاهُ فَلَمَّا لَمْ أَرَهُ أَنْ يَزْدَادَ فِيمَا اِنْتَهَكَ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ إلاَّ تَمَادِياً شَاوَرْتُ مَنْ مَعِى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ اَلْبَدْرِيَّينَ وَاَلَّذِينَ ارْتَضَى اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَمْرَهُمْ وَرَضِيِ عَنْهُمْ بَعْدَ بَيْعَتِهِمْ وَغَيْرَهُمْ مِنْ صُلَحَاءِ اَلْمُسْلِمِينَ وَاَلتَّابِعِينَ فَكُلُّ يُوَافِقُ رَأيُهُ رَأْیِي فِي غَزْوِهِ وَ مُحَارَبَتِهِ وَ مَنْعِهِ مِمَّا نَالَتْ يَدُهُ.
وَ إِنِّي نَهَضْتُ إِلَيْهِ بِأَصْحَابِي أُنْفِذُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَوْضِعِ كُتُبِي وَأُوَجِّهُ إِلَيْهِ رُسُلِي أَدْعُوهُ إِلَى اَلرُّجُوعِ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَاَلدُّخُولِ فِيمَا فِيهِ اَلنَّاسُ مَعِي فَكَتَبَ يَتَحَكَّمُ عَلَيَّ وَ يَتَمَنَّى عَلَيَّ اَلْأَمَانِيَّ وَ يَشْتَرِطُ عَلَيَّ شُرُوطاً لاَ يَرْضَاهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَ رَسُولُهُ وَلاَ اَلْمُسْلِمُونَ وَيَشْتَرِطُ
ص: 601
فِي بَعْضِهَا أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْهِ أَقْوَاماً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَبْرَاراً فِيهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ أَيْنَ مِثْلُ عَمَّارٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ مَا يُعَدُّ مِنَّا خَمْسَةُ إِلاَّ كَانَ سَادِسَهُمْ وَلاَ أَرْبَعَةُ إِلَّا كَانَ خَامِسَهُمْ اِشْتَرَطَ دَفْعَهُمْ إِلَيْهِ لِيَقْتُلَهُمْ وَيُصَلُّبَهُمْ وَإِنْتَحَلَ دَمَ عُثْمَانَ.
وَ لَعَمْرُو اَللَّهِ مَا أَلَّبَ عَلَى عُثْمَانَ وَلاَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قَتْلِهِ إِلاَّ هُوَ وَأَشْبَاهُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَغْصَانِ اَلشَّجَرَةِ اَلْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ. فَلَمَّا لَمْ أَجِبْ إِلَى مَا اِشْتَرَطَ مِنْ ذَلِكَ كَرَّ مُسْتَعْلياً فِي نَفْسِهِ بِطُغْيَانِهِ وَ بَغْيِهِ بِحَمِيرٍ لاَ عُقُولَ لَهُمْ وَ لاَ بَصَائِرَ فَمَوَّهَ لَهُمْ أَمْراً فَاتَّبَعُوهُ وَأَعْطَاهُمْ مِنَ اَلدُّنْيَا مَا أَمَالَهُمْ بِهِ إِلَيْهِ فَنَاجَزْنَاهُمْ وَ حَاكَمْنَاهُمْ إِلَى اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بَعْدَ اَلْإِعْذَارِ وَ اَلْإِنْذَارِ فَلَمَّا لَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ إِلاَّ تَمَادِياً وَ بَغْياً لَقِينَاهُ بعَادَةِ اللَّهِ الَّتِي عَوَّدَنَاهُ مِنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَانِهِ وَعَدُوِّنَا وَ رَايَةُ رَسُول اَللَّهِ صَلَّى للَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِأَيْدِينَا لَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَفُلُّ حِزْبَ اَلشَّيْطَانِ بِهَا حَتَّى يَقْضِيِ اَلْمَوْتَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُعَلِّمُ رَايَاتِ أَبِيهِ اَلَّتِي لَمْ أَزَلْ أُقَاتِلُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي كُلِّ اَلْمَوَاطِنِ فَلَمْ يَجِدْ مِنَ اَلْمَوْتِ مَنْجًى إِلاَّ اَلْهَرَبَ فَرَكِبَ فَرَسَهُ وَ قَلَّبَ رَايَتَهُ لاَ يَدْرِي كَيْفَ يَحْتَالُ.
ص: 602
فَاسْتَعَانَ بِرَأْيِ اِبْنِ الْعَاصِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِظْهَارِ اَلْمَصَاحِفِ وَرَفْعِهَا عَلَى اَلْأَعْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى مَا فِيهَا وَ قَالَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ حِزْبَهُ أَهْلُ بَصَائِرَ وَ رَحْمَةٍ وَ تُقْياً وَ قَدْ دَعَوْكَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ أَوَّلاً وَهُمْ مُجِيبُوكَ إِلَيْهِ آخِراً فَأَطَاعَهُ فِيمَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ إِذْ رَأَى أَنَّهُ لاَ مَنْجَى لَهُ مِنَ اَلْقَتْلِ أَوْ الْهَرَب غَيْرُهُ فَرَفَعَ الْمَصَاحِفَ يَدْعُو إِلَى مَا فِيهَا بِزَعْمِهِ فَمَالَتْ إِلَى الْمَصَاحِفِ قُلُوبُ مَنْ بَقِيِ مِنْ أَصْحَابِي بَعْدَ فَنَاءِ أَخْيَارِهِمْ وَ جَهْدِهِمْ فِي جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ أَعْدَائِهِمْ عَلَى بَصَائِرِهِمْ وَ ظَنُّوا أَنَّ ابْنَ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ لَهُ الْوَفَاء بِمَا دَعَا إِلَيْهِ فَأَصْغَوْا إِلَى دَعْوَتِهِ وَ أَقْبَلُوا بِأَجْمَعِهِمْ فِي إِجَابَتِهِ فَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مَكْرُ وَ مِنِ ابْنِ اَلْعَاصِ مَعَهُ وَ أَنَّهُمَا إِلَى اَلنَّكْثِ أَقْرَبُ مِنْهُمَا إِلَى اَلْوَفَاءِ فَلَمْ يَقْبَلُوا قَوْلِي وَ لَمْ يُطِيعُوا أَمْرِي وَ أَبَوْا إِلَّا إِجَابَتَهُ كَرِهْتُ أَمْ هَوِيتُ شِئْتُ أَوْ أَبيتُ حَتَّى أَخَذَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَلْحِقُوهُ بِابْن عَفَّانَ أَوْ اِدْفَعُوهُ إِلَى إِبْنِ هِنْدِ بِرُمَّتِهِ فَجَهَدْتُ عَلِمَ اَللَّهُ جَهْدِي وَ لَمْ أَدَعْ غَلَّةً فِي نَفْسِي إِلاَّ بَلَّغْتُهَا فِي أَنْ يُخَلُّونِي وَ رَأْيِي فَلَمْ يَفْعَلُوا وَ رَاوَدْتُهُمْ عَلَى اَلصَّبْرِ عَلَى مِقْدَارِ فَوَاقِ اَلنَّاقَةِ أَوْ رَكْضَةِ اَلْفَرَسِ فَلَمْ يُجِيبُوا مَا خَلاَ هَذَا اَلشَّيْخَ وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى اَلْأَشْتَرِ وَ عُصْبَةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَوَ اللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَمْضِيِ عَلَى بَصِيرَتِي إِلاَّ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ هَذَانِ وَ أَوْمَأَ
ص: 603
بِيَدِهِ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَيَنْقَطِعَ نَسْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ ذُرِّيَّتُهُ مِنْ أُمَّتِهِ وَ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ هَذَا وَ هَذَا وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنِّي أَعْلَمُ لَوْ لاَ مَكَانِي لَمْ يَقِفَا ذَلِكَ الْمَوْقِفَ.
فَلِذَلِكَ صَبَرْتُ عَلَى مَا أَرَادَ الْقَوْمُ مَعَ مَا سَبَقَ فِيهِ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَمَّا رَفَعْنَا عَنِ اَلْقَوْمِ سُيُوفَنَا تَحَكِّمُوا فِي اَلْأُمُورِ وَ تَخَيَّرُوا اَلْأَحْكَامَ وَاَلآوَاءَ وَتَرَكُوا الْمَصَاحِفَ وَ مَا دَعَوْا إِلَيْهِ مِنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ وَ مَا كُنْتُ أُحَكِّمُ فِي دِينِ اللَّهِ أَحَداً إِذْ كَانَ التَّحْكِيمُ فِي ذَلِكَ الْخَطَأَ اَلَّذِي لاَ شَكٍّ فِيهِ وَ لاَ اِمْتِرَاءَ فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا ذَلِكَ أَرَدْتُ أَنْ أُحَكِّمَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ أَرْضَى رَأْيَهُ وَ عَقْلَهُ وَ أَثِقُ بِنَصِيحَتِهِ وَ مَوَدَّتِهِ وَ دِينِهِ وَ أَقْبَلْتُ لاَ أُسَمِّي أَحَداً إِلاَّ اِمْتَنَعَ مِنْهُ ابْنُ هِنْدٍ وَ لاَ أَدْعُوهُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ اَلْحَقِّ إِلَّا أَدْبَرَ عَنْهُ وَ أَقْبَلَ ابْنُ هِنْدٍ يَسُومُنَا عَسْفاً وَ مَا ذَاكَ إِلَّا بِاتَّبَاعِ أَصْحَابِي لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا أَبَوْا إِلاَّ غَلَبَتِي عَلَى اَلتَّحَكُم تَبَرَّأتُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ وَفَوَّضْتُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ فَقَلَّدُوهُ اِمْرَأَ فَخَدَعَهُ إِبْنُ الْعَاصِ خَدِيعَةً ظَهَرَتْ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا وَ أَظْهَرَ الْمَخْدُوعُ عَلَيْهَا نَدَماً.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
ص: 604
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَ أَمَّا اَلسَّابِعَةُ يَا أَخَا الْيَهُودِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ أَنْ أُقَاتِلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ أَيَّامِي قَوْماً مِنْ أَصْحَابِي يَصُومُونَ اَلنَّهَارَ وَ يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيَتْلُونَ اَلْكِتَابَ يَمْرُقُونَ بخِلاَفِهِمْ عَلَىَّ وَ مُحَارَبَتِهِمْ إِيَّايَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ اَلسَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ فِيهِمْ ذُو اَلثُّدَيَّةِ يُخْتَمُ لِي بِقَتْلِهِمْ بِالسَّعَادَةِ.
فَلَمَّا انْصَرَفْتُ إِلَى مَوْضِعِي هَذَا يَعْنِي بَعْدَ اَلْحَكَمَيْنِ أَقْبَلَ بَعْضُ اَلْقَوْمِ عَلَى بَعْضٍ بِاللاَّئِمَةِ فِيمَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنْ تَحْكِيمِ اَلْحَكَمَيْنِ فَلَمْ يَجِدُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَخْرَجاً إِلاَّ أَنْ قَالُوا: كَانَ يَنْبَغِي لِأَمِيرِنَا أَنْ لَا يُبَايِعَ مَنْ أَخْطَأَ وَ أَنْ يَقْضِيِ بِحَقِيقَةِ رَأْيِهِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ وَ قَتْلِ مَنْ خَالَفَهُ مِنَّا فَقَدْ كَفَرَ بِمُتَابَعَتِهِ إِيَّانَا وَ طَاعَتِهِ لَنَا فِي الْخَطَإِ وَأَحَلَّ لَنَا بِذَلِكَ قَتْلَهُ وَ سَفْكَ دَمِهِ فَتَجَمَّعُوا عَلَى ذَلِكَ وَخَرَجُوا رَاكِبِينَ رُءُوسُهُمْ يُنَادُونَ بِأعْلَى أَصْوَاتِهِمْ لاَ حُكْمَ إِلاَّ لِلَّهِ ثُمَّ تَفَرَّقُوا فِرْقَةُ بِالنُّخَيْلَةِ وَ أُخْرَى بِحَرُورَاء وَ أُخْرَى رَاكِبَةُ رَأْسُهَا تَخْبِطُ اَلْأَرْضَ شَرْقاً حَتَّى عَبَرَتْ دِجْلَةَ فَلَمْ تَمُرَّ بِمُسْلِمٍ إِلاَّ اِمْتَحَنَتْهُ فَمَنْ تَابَعَهَا اسْتَحْيَتْهُ وَ مَنْ خَالَفَهَا قَتَلَتْهُ.
ص: 605
فَخَرَجْتُ إِلَى الْأُولَيَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى أَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ. فَأَبَيَا إِلاَّ السَّيْفَ لَا يَقْنَعُهُمَا غَيْرُ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَعْيَتِ اَلْحِيلَةُ فِيهِمَا حَاكَمْتُهُمَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَتَلَ اللَّهُ هَذِهِ وَ هَذِهِ وَ كَانُوا يَا أَخَا الْيَهُودِ لَوْ لاَ مَا فَعَلُوا لَكَانُوا رُكْناً قويّاً وَ سَدّاً مَنِيعاً فَأَبَى اَللَّهُ إِلاَّ مَا صَارُوا إِلَيْهِ ثُمَّ كَتَبْتُ إِلَى اَلْفِرْقَةِ اَلثَّالِثَةِ وَ وَجَّهْتُ رُسُلِي تَتْرَى وَ كَانُوا مِنْ جِلَّةِ أَصْحَابِي وَ أَهْلِ اَلتَّعَبُّدِ مِنْهُمْ وَاَلزُّهْدِ فِي اَلدُّنْيَا فَأَبَتْ إِلَّا إِتَّبَاعَ أُخْتَيْهَا وَاَلاحْتِذَاءَ عَلَى مِثَالِهِمَا وَ أَسْرَعَتْ فِي قَتْلِ مَنْ خَالَفَهَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَتَتَابَعَتْ إِلَيَّ اَلْأَخْبَارُ بِفِعْلِهِمْ فَخَرَجْتُ حَتَّى قَطَعْتُ إِلَيْهِمْ دِجْلَةَ أُوَجِّهُ اَلسُّفَرَاءَ وَ النُّصَحَاءَ وَأَطْلُبُ اَلْعُتْبَى بِجَهْدِي بِهَذَا مَرَّةً وَ بِهَذَا مَرَّةً وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَشْتَرِ وَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ الْأَرْحَبِيِّ وَاَلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسِ الْكِنْدِيِّ.
فَلَمَّا أَبَوْا إِلاَّ تِلْكَ رَكِبْتُهَا مِنْهُمْ فَقَتَلَهُمُ اَللَّهُ يَا أَخَا الْيَهُودِ عَنْ آخِرِهِمْ وَ هُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ أَوْ يَزِيدُونَ حَتَّى لَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ مُخْبِرُ فَاسْتَخْرَجْتُ ذَا الثُّدَيَّةِ مِنْ قَتْلَاهُمْ بِحَضْرَةِ مَنْ تَرَى لَهُ ثَدْيُ كَثَدْي اَلْمَرْأَةِ.
ثُمَّ اِلْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ لَيْسَ كَذَلِكَ؟
قَالُوا: بَلَى يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.
ص: 606
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: قَدْ وَفَيْتُ سَبْعاً وَ سَبْعاً يَا أَخَا اَلْيَهُودِ وَبَقِيَتِ اَلْأُخْرَى وَأُوشِكُ بِهَا فَكَانَ قَدْ.
فَبَكَى أَصْحَابُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ بَكَى رَأْسُ الْيَهُودِ وَ قَالُوا: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنَا بِالْأُخْرَى.
فَقَالَ: اَلْأُخْرَى أَنْ تُخْضَبَ هَذِهِ وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ مِنْ هَذِهِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى هَامَتِهِ.
قَالَ: وَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ اَلنَّاسِ فِي اَلْمَسْجِدِ اَلْجَامِعِ بِالضَّجَّةِ وَ اَلْبُكَاءِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِالْكُوفَةِ دَارُ إِلاَّ خَرَجَ أَهْلُهَا فَزِعاً.
وَأَسْلَمَ رَأْسُ اَلْيَهُودِ عَلَى يَدَيْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ سَاعَتِهِ وَ لَمْ يَزَلْ مُقِيماً حَتَّى قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أُخِذَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَأَقْبَلَ رَأْسُ اَلْيَهُودِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَقْتُلْهُ قَتَلَهُ اللَّهُ فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ
ص: 607
هَذَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ جُرْماً مِنِ اِبْنِ آدَمَ قَاتِلِ أَخِيهِ وَ مِنَ الْقُدَارِ عَاقِرِ نَاقَةِ ثَمُودَ.(1)
لَعَن حسن بن على علیه السلام عمرَ بن الخطاب بمحضر اميرالمومنين علیه السلام دفاعاً عن أخيه الحسين علیه السلام
رُويَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَخْطُبُ اَلنَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ: أَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ: اِنْزِلْ أَيُّهَا الْكَذَّابُ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، لَا مِنْبَرِ أَبِيكَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَمِنْبَرُ أَبِيكَ لَعَمْرِي يَا حُسَيْنُ ! لَا مِنْبَرُ أَبِي، مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا؟ أَبُوكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟.
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: إِنْ أُطِعْ أَبِي فِيمَا أَمَرَنِي فَلَعَمْرِي إِنَّهُ لَهَادٍ وَ أَنَا مُهْتَدٍ بِهِ، وَ لَهُ فِي رِقَابِ اَلنَّاسِ اَلْبَيْعَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُنْكِرُهَا أَحَدُ إِلاَّ جَاحِدُ بِالْكِتَابِ، قَدْ عَرَفَهَا اَلنَّاسُ بِقُلُوبِهِمْ وَ أَنْكَرُوهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَ وَيْلٌ لِلْمُنْكِرِينَ حَقَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، مَا ذَا يَلْقَاهُمْ بِهِ
ص: 608
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ إِدَامَةِ الْغَضَبِ وَشِدَّةِ الْعَذَابِ؟!.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا حُسَيْنُ! مَنْ أَنْكَرَ حَقَّ أَبِيكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ! أَمَّرَنَا اَلنَّاسُ فَتَأَمَّرْنَا، وَلَوْ أَمَّرُوا أَبَاكَ لَأَطَعْنَا.
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا ابْنَ الْخَطَابِ! فَأَيُّ النَّاسِ أَمَّرَكَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ تُؤَمِّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى نَفْسِكَ لِيُؤَمِّرَكَ عَلَى النَّاسِ بِلاَ حُجَّةٍ مِنْ نَبِيٍّ وَ لاَ رِضًى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ؟! فَرِضَاكُمْ كَانَ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلاَمُ رضّى، أَوْ رَضَى أَهْلِهِ كَانَ لَهُ سَخَطاً؟!
أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَنْ لِلَّسَان مَقَالاً يَطُولُ تَصْدِيقُهُ، وَ فِعْلاً يُعِينُهُ اَلْمُؤْمِنُونَ لَمَا تَخَطَّيْتَ رِقَابَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، تَرْقَى مِنْبَرَهُمْ وَ صِرْتَ الْحَاكِمَ عَلَيْهِمْ بِكِتَابٍ نَزَلَ فِيهِمْ، لاَ تَعْرِفُ مُعْجَمَهُ، وَ لَا تَدْرِي تَأْوِيلَهُ إِلاَّ سَمَاعَ الآذَانِ، الْمُخْطِئُ وَالْمُصِيبُ عِنْدَكَ سَوَاءُ، فَجَزَاكَ اَللَّهُ جَزَاكَ، وَ سَأَلَكَ عَمَّا أَحْدَثْتَ سُؤَالاً حَفِيّاً.
قَالَ: فَنَزَلَ عُمَرُ مُغْضَباً وَ مَشَى مَعَهُ أَنَاسُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى بَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا لَقِيتُ مِن ابْنِكَ الْحُسَيْنِ ؟! يُجْهِرُنَا بِصَوْتٍ فِي
ص: 609
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ يُحَرِّضُ عَلَيَّ اَلطَّعَامَ وَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ؟!.
فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مِثْلُ الْحُسَيْنِ اِبْنِ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَسْتَحِثُ بِمَنْ لاَ حُكْمَ لَهُ، أَوْ يَقُولُ بِالطَّعَامِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ؟
أَمَا وَاللَّهِ مَا نِلْتَ مَا نِلْتَ إِلاَّ بِالطَّعَامِ، فَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّضَ الطَّعَامَ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَهْلاً يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! فَإِنَّكَ لَنْ تَكُونَ قَرِيبَ الْغَضَبِ، وَ لاَ لَئِيمَ الْحَسَبِ، وَلاَ فِيكَ عُرُوقُ مِنَ السُّودَانِ، اِسْمَعْ كَلاَمِي، وَلاَ تَعْجَلْ بِالْكَلاَم.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّهُمَا لَيَهُمَّانِ فِي أَنْفُسِهِمَا بِمَا لاَ يُرَى بِغَيْر الْخِلافَة.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هُمَا أَقْرَبُ نَسَباً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ أَبِيهِمَا أَمَا فَأَرْضِهِمَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ بِحَقِّهِمَا يَرْضَ عَنْكَ مَنْ بَعْدَهُمَا.
قَالَ: وَ مَا رِضَاهُمَا يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟
قَالَ: رِضَاهُمَا الرَّجْعَةُ عَن الْخَطِيئَةِ، وَ التَّقِيَّةُ عَن الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ.
ص: 610
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَدَّبْ يَا أَبَا الْحَسَن اِبْنَكَ أَنْ لاَ يَتَعَاطَى اَلسَّلاَطِينَ الَّذِينَ هُمُ الْحُكَمَاءُ فِي الْأَرْضِ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ علیه السلام: أَنَا أُؤَدِّبُ أَهْلَ الْمَعَاصِي عَلَى مَعَاصِيهِمْ، وَ مَنْ أَخَافُ عَلَيْهِ الزَّلَّةَ وَ الْهَلَكَةَ، فَأَمَّا مَنْ وَلَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لاَ يَحُلُّ أَدَبُهُ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى أَدَبٍ خَيْرٍ لَهُ مِنْهُ، أَمَا فَأَرْضِهِمَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ.
قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ فَاسْتَقْبَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا أَبَا حَفْصٍ! مَا صَنَعْتَ وَ قَدْ طَالَتْ بِكُمَا الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَ هَلْ حُجَّةً مَعَ اِبْن أَبِي طَالِب وَ شِبْلَيْهِ؟!.
فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! هُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافِ الْأَسْمَنُونَ وَ النَّاسُ عِجَافٌ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَعْدُّ مَا صِرْتَ إِلَيْهِ فَخْراً فَخَرْتَ بهِ، أَ بِحُمْقِكَ؟. فَقَبَضَ عُثْمَانُ عَلَى مَجَامِعِ ثِيَابِهِ ثُمَّ جَذَبَهُ وَ رَدَّهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ
ص: 611
الْخَطَّاب! كَأَنَّكَ تُنْكِرُ مَا أَقُولُ. فَدَخَلَ بَيْنَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَافْتَرَقَ الْقَوْمُ(1).
وَ رِوي أن يوماً مِنَ الأيَام قَالَ عُثْمَانُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِنَّكَ إِنْ تَرَبَّصْتَ بِي فَقَدْ تَرَبَّصْتُ بِمَنْ هُوَ خَيْرُ مِنِّي وَ مِنْكَ.
قَالَ عليه السلام: وَمَنْ هُوَ خَيْرُ مِنِّي؟
قَالَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
فَقَالَ عليه السلام: كَذَبْتَ أَنَا خَيْرُ مِنْكَ وَ مِنْهُمَا عَبَدْتُ اللَّهَ قَبْلَكُمْ وَ عَبَدتُهُ بَعْدَكُمْ(2).
ص: 612
ابن أبي الحديد، في شرح نهج البلاغه عن عيسى بن دأب، عن صالح بن کیسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، عن أبي عبيدة بن الجراح من المراسلة بين أبي بكر وعمر وبين علي علیه السلام، ومن المحاورات والمكالمات الواقعة بينهم. ...
قال علي علیه السلام في جواب أبي عبيدة رسول أبي بكر وعمر إلى علي علیه السلام، بعد كلام: على أني أعلم أن التظاهر علي واقع، ولي عن الحق الذي سيق إلي دافع.
ثم قال علیه السلام بعد كلام: وفي النفس كلام لولا سابق قول، وسالف عهد، لشفيت غيظي بخنصري وبنصري، وخضت لجته بأخمصي ومفرقي، ولكني ملجم إلى أن ألقى الله تعالى وعنده أحتسب ما نزل بي....
وقال علي علیه السلام لعمر: يا أبا حفص والله ما قَعَدتُ عَن صاحِبِكَ جزعاً على ما صار إليه، ولا أتيتُه خائفاً منه، إلى قوله: ولكني تخلّفتُ
ص: 613
إعذاراً إلى الله، والى من يعلم الأمر الذي جعله لي رسول الله صلى الله عليه وآله، وأتيتُ وبايعتُ حفظاً للّدين، وخوفاً من إنتشار أمر الله.
وقال عمر لعلي علیه السلام: وزعمتَ أن التّظاهر عليك واقعُ، أيّ تَظاهرٍ وَقَع عليك؟ وأيّ حقٍّ إستؤثر به دونك؟ لقد علمت ما قالت الأنصار أمس سراً وجهراً، وما تقلبت عليه ظهراً وبطناً، فهل ذكرتك أو أشارت بك، أو طلبت رضاها من عندك، وهؤلاء المهاجرون من الذي قال منهم أنّك صاحب هذا الأمر وأومأ إليك أو همّهم بك في نفسه؟ أتظن أن الناس ضلّوا من أجلك، أو عادوا كفاراً زهداً فيك، أو باعوا الله تعالى بهواهم بغضاً لك.
ولقد جاءني قوم من الأنصار، فقالوا: إن عليّاً يَنتظر الإمامة، ويَزعم أنه أولى بها من أبي بكر، فأنكرتُ عليهم، ورددتُ القول في نحورهم، حتى قالوا: انه ينتظر الوحي، ويتوكف مناجاة الملك، فقلت: ذلك أمر طواه الله بعد محمد صَلَّى الله علیه وآله.
ومن أعجب قولك (لولا سابق قول لشفيت غيظي بخنصري وبنصري) وهل ترك الدين لأحدٍ أن يَشفي غَيظَهُ بِيِده ولسانه؟
ص: 614
إلى قوله: وأما ما تزعمه من الأمر الذي جعله رسول الله لك، فتخلفت اعذارا إلى الله، والى العارفة به من المسلمين، فلو عرفه المسلمون لجنحوا إليه، وأصفقوا عليه، وما كان الله ليجمعهم على العمى، ولا ليضربهم بالضلال بعد الهدى، ولو كان لرسول الله صلى الله عليه وآله فيك رأي وعليك عزم، ثم بعثه الله، فرأى إجتماع أمته على أبي بكر، لما سفه آراءهم، ولا آثرك عليهم، ولا أرضاك بسخطهم، ولأمرك باتباعهم والدخول معهم فيما ارتضوه لدينهم.
فقال علي علیه السلام: مهلاً، ثم قال بعد كلام: ان أخسر الناس صفقة عند الله من إستبطن النفاق، وإحتضن الشقاق، وفي الله خلف عن كل فائت، وعوض عن كل ذاهب، وسلوة عن كل حادث، وعليه التوكل في جميع الحوادث. إرجع يا أبا حفص إلى مَجلسك ناقعُ القلب، مَبرودُ الغليل، فصيح اللسان، رحب الصدر، متهلل الوجه، فليس وراء ما سمعته مني الا ما يَشدّ الأزر، ويجمع الألفة، ويرفع الكلفة انشاء الله. فانصرف عمر إلى مجلسه(1)
ص: 615
عن ابن ابى الحديد قال: قال عوانة: فحدثني يزيد بن جرير، عن الشعبي، عن شقيق بن مسلمة، أنّ عليِ بن أبي طالب، علیه السلام لمّا إنصَرَف إلى رَحلِه، قال لِبَني أبيه: يا بَنى عَبْدُ المطلب إِنّ قَومَكُم عادُوكُم بَعد وَفاةِ النبي صلى الله عليه وآله كَعِداوتهم النبي صلى الله عليه وآله في حياته، وإن يطع قَومكم لا تؤمروا أبداً، و والله لا يَنيبُ هؤلاء إلى الحق إلا بالسّيف.
قال: وعبد الله بن عمر بن الخطاب، داخلُ إليهم، قَدْ سَمِعَ الكلام كُلّه، فَدَخَل، وقال: يا أبا الحسن، أتُريدُ أن تَضربَ بَعضُهم بِبَعض!؟ فقال علیه السلام: أسكُت وَيحك! فوالله لَولا أبوك وَما رَكب منّى قَديماً وَحَديثاً، ما نازَعَني إبنُ عفّان ولا إبنُ عَوف. فقام عَبدُ الله فَخَرَجَ.(1)
ص: 616
عن إبْن أبي الحديد قال: قال الشَعبي: فحدثني مَن لا أَتّهِمُه مِن الأنصار وقال أحمد بن عبد العزيز الجوهري: هو سهل بن سعد الأنصاري قال: مَشيتُ وراءَ عَليّ بن أبي طالب علیه السلام حَيثُ إنصَرَفَ من عِنْد عُمَر و العبّاس بن عبد المطلب يَمْشي في جانبه، فَسَمِعْتُه يَقول لِلْعَبّاس: ذَهَبَتْ مِنا والله.
فقال: كَيْفَ عَلِمْتَ؟
قَال: ألا تَسْمَعُهُ يَقول: كُونوا في الجَانِب الّذي فيه عَبد الرحمن؟ لأنّه إبْنُ عَمّه وعَبْدُ الرَّحْمِن نَظيرُ عُثمان و هُو صَهْرُهُ، فإذا إجتمع هؤلاء فَلَو أنّ الرّجُلين الباقيين كانا معي، لم يُغْنيا عَنّي شَيْئاً، مع أنّي لَستُ أرجو إلاَّأحَدُهُما.
و مَعَ ذَلِكْ فَقَدْ أَحَبّ عُمَر أَنْ يُعْلِمَنا أنّ لِعَبد الرَّحْمِن عِنْدَهُ فَضْلاً عَلَيْنا. لَعَمْرُ الله مَا جَعَلَ اللهُ ذَلك لَهُمْ عَليْنا كَما لَم يَجْعَلْهُ لأولادِهِمْ عَلى أوْلادِنا.
ص: 617
أما وَالله لَئِن عُمَر لَم يَمُتْ لَأذكرْتُه ما أتى إلينا قديماً ولأعلَمْتُه سُوء رَأيهِ فينا وَما أتِي إِلَينا حَدِيثاً وَلَئِن مات - ولَيَمُوتن - لَيَجْتَمِعَنَ هؤلاء القوم عَلى أنْ يَصْرِفُوا هَذا الأمر عَنَا وَلَئِنْ فَعَلُوها - وَ لَيَفعَلُن - لَيروننِي حَيْثُ يَكْرَهُون و الله ما بي رغبة في السلطان ولا حُبّ الدّنيا و لكن لإظهار العَدل و القيام بالكتاب و السُنّة.(1)
ص: 618