لجنة التحریر في طریق الحق
عنوان و نام پديدآور : الامام الثاني: الامام الحسن/ المولف [و مترجم] لجنه التحرير في طريق الحق
مشخصات نشر : قم: موسسة في طريق الحق، 1409ق. = 1367.
مشخصات ظاهری : ص 24
شابك : بها:50ريال
وضعيت فهرست نويسی : فهرستنويسی قبلی
يادداشت : عنوان اصلی: پيشوای دوم: حضرت امام حسن(ع).
يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس
موضوع : حسن بن علی(ع)، امام دوم، ق 50 - 3
شناسه افزوده : موسسه در راه حق
رده بندی كنگره : BP40/پ 9043 1367
رده بندی ديويی : 297/952
شماره كتابشناسی ملی : م 68-3655
بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام الحسن بن علي عليه السّلام
سبط النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأول ولد لأمير المؤمنين وفاطمة عليهما السّلام، ولد في النصف من شهر رمضان، في السنة الثالثة من الهجرة. (1)وقدم النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى بيت عليّ عليه السّلام ليهنئه، وسماه «الحسن» من قبل الله (2).
أمضى السبط مع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ما يناهز سبعة سنوات من حياته، وكان يحبّه الجدّ حبّاً جماً شديداً، وكثيراً ما كان
ص: 1
يحمله على كتفيه ويقول: «اللّهمَّ إني أحبُّه فأحِبَّه»(1). «من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضها فقد أبغضني»(2). ويقول صلى الله عليه وآله وسلّم أيضاً «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة»(3). ويقول صلّىّ الله عليه وآله وسلّم أيضاً عنها عليها السّلام «إبناي هذان إمامان، قاما أوقعدا»(4). ولما يملكه الإمام الحسن عليه السّلام من سموّ في التفكير، وشموخ روح، كان النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يتّخّذه شاهداً على بعض عهوده، بالرغم من صغر سنه، وقد ذكر الواقدي، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عقد عهداً مع ثقيف، وقد كتبه خالد بن سعيد، واتخذ الإمام الحسن والحسين عليهما السّلام شاهدين عليه(5) . وجائت روایات كثيرة ناطقة بان آية التطهير نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام(6).
ص: 2
صحب الإمام الحسن عليه السّلام أباه عليه السّلام وعاونه في شؤونه ، معترضاً على الجائرين ومدافعاً عن المحرومين والمظلومين. وحين أبعد أبوذر إلى الربذة أمر عثمان بأن لا يودعه أحد، ولكنّ الإمام الحسن وأخوه الكريم عليهما السّلام مع أبيهم الماجد عليه السّلام ودعوا بحرارة هذا الإنسان المتحرّر المشرّد، وحين ، وداعه إستنكروا حكم عثمان، وأظهروا إستياءهم منه، وحرّضوا أباذر على الثّبات والصّمود(1) . في سنة 36 هجرية، إصطحب أباه من المدينة الى البصرة، ليخمد نار حرب الجمل التي أشعلتها عائشة وطلحة والزبير. وقبل الدخول للبصرة، ذهب إلى الكوفة، بأمر من الإمام عليّ عليه السّلام مع عمّار، الصحابي الكبير الظاهر، لتعبئة الناس هناك وبعد ذلك عاد الى البصرة، مع النّاس لنصرة الإمام عليه السّلام (2). وبخطاباته القوية والرائعة كشف النقاب عن أكاذيب عبدالله بن الزبير الذي نسب للإمام علي عليه السّلام زوراً قتل عثمان وكانت له مساهماته في المعركة، الى أن عادوا منتصرين(3). وكان مع أبيه أيضاً في معركة صفّين، وسطر ملاحم وبطولات فيها. وفي هذه المعركة، بعث معاوية عبيد الله بن عمر إليه، فقال للإمام
ص: 3
الحسن عليه السّلام يمنيه بالخلافة إن أباك قد وتر قريشاً أولاً وآخراً، وقد شنئوه فهل لك أن تخلعه ونوليك هذا الأمر؟)، نعم إنّ الإمام قد وترهم ولكن في سبيل الإسلام، فقد حاولوا لف لوائه، فناجزهم الإمام فقتل جبابرتهم وأباد طغاتهم وهزم ،جموعهم، وهم من أجل ذلك يحملون له حقداً وعداءاً. ومن هنا قال له الإمام الحسن كلا والله لا يكون ذلك »(1). وفي هذه المعركة لم يتوقف ابداً عن نصرة أبيه، وحتى النهاية، كان معه، وحين انتخب شخصان من قبل المعسكرين (معسكر الإمام علي عليه السّلام، ومعاوية)، ليقوموا بمهمة الحكمين في مصير الأمة، وكان حكمهم ظالماً، خطب الإمام الحسن عليه السلام بأمر أبيه خطابة ملتهبة : «أيها الناس، قد أكثرتم في هذين الرجلين، وإنما بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى، فحكما بالهوى على الكتاب ومن كان هكذا لم يسم حكماً ولكنه محكوم عليه » (2).وحين حضرت أمير المؤمنين عليه السّلام الوفاة، عين الإمام الحسن عليه السّلام محله بوصيّة مسبقة من النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأشهد على ذلك، سائر أبنائه الكرام، وكبار الشيعة (3).
ص: 4
1 - الورع :
كان له توجّه خاص الله ، وكان يظهر هذا التوجه أحياناً على ملامح وجهه، أثناء وضوئه، وحين يتوضأ ، كان يتغيّر لونه ويرتجف، وحين كان يسأل عن سبب ارتعاد فرائصه، كان يجيب عليه السلام، إنه واقف أمام الله جل جلاله، فحق للإنسان أن يرتجف، وترتعد فرائصه. روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان أعبد النّاس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان اذا حج حج ما شياً وربّما مشي حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكي، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها .... (1)وقد حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشياً، وربما بدون نعل (2).
الكرم والعطاء :
سمع عليه السّلام رجلاً الى جنبه في المسجد الحرام يسأل الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم فانصرف الى بيته وبعث اليه بعشرة آلاف
ص: 5
وحيت جارية للحسن عليه السّلام بطاقة ريحان، فقال لها: ؟ أنت حرّة لوجه الله فقيل له في ذلك ، فقال : أدبنا الله تعالى فقال «وإذا
حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ، وكان أحسن منها إعتاقها » (1). وقد قسم كلّ ما يملكه ،نصفين ثلاث مرات في حياته، وحتى نعله ثمّ وزّعه في سبيل الله كما يقول عنه الرّواي مخاطباً إياه «وقد قاسمت ربّك مالك ثلاث مرّات حتى النّعل والنّعل (2).
«رويأنّ شاميّاً رأى الإمام الحسن عليه السلام راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ ، فلما فرغ أقبل الحسن عليه السّلام فسلّم عليه وضحك فقال: أيها الشيخ أظنّك غريباً ولعلك شبهت، فلواستعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استر شدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك كان أعود عليك ؛ لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً. سمع الرّجل كلامه بكى، ثمّ قال: أشهد أنك خليفة الله في
فلمّا
ص: 6
أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته » (1). ومروان بن الحكم الذي لم يتوقف لحظة عن إلحاق الأذى بالإمام عليه السّلام ، لما مات ،الحسن بكى مروان في جنازته، فقال له الحسين، أتبكيه وقد كنت تُجرعه ما تُجرعه ؟ فقال : إنّي كنت أفعل ذلك الى أحلم من هذا، وأشار بيده الى الجبل (2) .
خطب الإمام الحسن بن علي عليه السّلام في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين عليه السّلام فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوجهه برايته ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه. وما خلف صفراء ولا بيضاء - إشارة للذهب والفضة - إلا سبع مأة درهم، فضلت عن عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله. ثم خنقته العبرة، فبكى وبكى الناس معه. ومن أجل أن لا تنحرف الإمامه عن مسارها الصحيح الأصيل، اضاف بعد ذلك : أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن الداعي الى الله
ص: 7
بإذنه أنا ابن السراج المنير أنا من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، أنا من أهل بيت فرض الله مودتهم في كتابه فقال تعالى قل لا أسئلكم عليه اجراً إلّا المودة في القربى ومن يفترف حسنة مزد له فيها حسنا »(1)، فالحسنة مودتنا أهل البيت.
ثم جلس، فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال: «معاشر الناس هذا - إشارة للإمام الحسن عليه السّلام - إبن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه . فاستجاب له النّاس وقالوا ما أحبّه الينا وأوجب حقه علينا وبادروا الى البيعة له بالخلافة (2). فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام وبيعة الناس إبنه الحسن عليه السّلام د رجلاً من حمير الى الكوفة ورجلاً بني القين الى البصرة، ليكتبا اليه بالأخبار، ويفسدا على الحسن عليه السّلام الأمور. فعرف ذلك الحسن عليه السّلام فأمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة فأخرج وأمر بضرب عنقه، وكتب الى البصرة باستخراج القيني من بني سليم فأخرج وضربت عنقه، وكتب الحسن عليه السّلام الى معاوية : «أما بعد: فإنّك دسست الرّجال للأحتيال والإعتيال وأرصدت العيون كأنّك تحبّ اللقاء، وما أوشك ذلك ، فتوقعه، إنشاء الله
ص: 8
تعالى».
ومن الرّسائل التي بعثها الإمام عليه السّلام لمعاوية، والتي نقلها ابن أبي الحديد، هذه الرسالة :
«... فلما توفى - رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - تنازعت سلطان العرب فقالت قريش نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، فأنعمت وسلّمت إليهم ، ثمّ حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، فلما صرنا أهل بيت محمّد وأولياءه الى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا واستولوا بالإجماع على ظلمنا ومراغمتنا والعنت منهم لنا، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمونه ،به، أو يكون لهم بذلك سبب الى ما أرادوا من إفساده.
فاليوم فليتعجب المتعجب من توتبك يا معاوية على أمر لست من أهله ، لا بفضل في الدين معروف ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ،ولكتابه، والله حسيبك ، فسترد فتعلم لمن عقبى الدار، وبالك لتلقين عن قليل رَبَّك ، ثم ليجزينك بما قدمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد، إنّ عليّاً لما مضى لسبيله، ولأني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله ألّا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامة. وانما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني وبين الله عزّوجل في
ص: 9
أمرك ، ولك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التّمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه النّاس من بيعتي، ، فإنك تعلم أنّى أحق بهذا الأمر منك عند الله ، وعند كل أواب حفيظ وله قلب منيب، واتق الله ودع البغي واحقن دماء المسلمين، فوالله مالك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه فيه، وإن أنت أبيت إلّا التمادي في غيّك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك ، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين».
فكتب معاوية اليه - « ... والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، فلو علمت أنك أضبط منّي للرّعية، وأحوط على هذه الأمة وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدو، لأجبتك الى ما دعوتني إليه، ورأيتك لذلك أهلاً ولكن قد علمت أنّى أطول منك ولاية، وأقدم منك بهذه الأمة تجربة، وأكبر منك سناً، فأنت أحق أن تجيبني الى هذه المنزلة التي سألتني فادخل في طاعتي، ولك الأمر من بعدي ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغاً ما بلغ تحمله الى حيث أحببت، ولك خراج أي كور العراق شئت ... والسلام»(1). إنّ معاوية قد تمسّك في عدم بيعته للإمام الحسن بنفس الحجج الواهية التي تشبثت بها قريش حين أعرضت عن بيعة أمير المؤمنين عليه السّلام .
ص: 10
ولكنّ معاوية كان يعلم في نفسه بأنّ الإمام أصلح منه، ولكنّ حبّ الرئاسة: والدنيا منعه من إتباع الحقيقة، وذلك ، لأنه كان يعلم جيداً بأنّ صغر السّن في أمثال عيسى ويحيى، لم يكن مانعاً عن النبوّة، وكذلك الأمر في الإمام خليفة النّبي . ولم يتخلّف معاوية فحسب عن بيعة الإمام عليه السّلام، بل إنّه سعى للإطاحة بالإمام عليه السّلام، وقد أمر البعض سراً باغتيال الإمام،ومن هنا كان الإمام متدرّعاً خلف ثيابه بدرع، وكان لا يذهب لإقامة الصلاة بدون درع (1). ومعاوية هذا الذي يتعلّل بصغر عمر الإمام، ويحتج به لعدم البيعة ، قد نسي هذه الحجّة، حين عيّن يزيد ولياً للعهد من بعده، وعهد الى ولده الشاب بالخلافة، وطالب الناس بالبيعة له. وقد كتب معاوية لعماله - متعلّلاً بالعمل لتوحيد الامة الإسلامية ومواجهة النّزاعات والفوضى - بأن يقبلوا إليه بعدتهم وعديدهم، وقد عمل أولئك بما قال. وقد عبى معاوية هؤلاء، وبعث بهم لمحاربة الإمام عليه السّلام في العراق. وأمر الإمام حجر بن عدي أن يهيّأ القادة والنّاس للحرب. وعلى الطريقة المألوفة آنذاك ، أخذ المنادي يدور في أزقة الكوفة وهو يهتف «الصلاة»، واندفع النّاس للمجسد، وارتقى الإمام المنبر وقال : - بلغنى أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرّك
ص: 11
لذلك ، أخرجوا رحمكم الله الى معسكركم بالتخيلة ... فسكت الجميع. ونهض عدي بن حاتم الطائي حين رأى سكوت الناس فقال: أنا ابن حاتم، سبحان الله ما أقبح هذا المقام، ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم ... أما تخافون مقت الله ولا عيبها ولا عارها.
وقام قيس بن سعد بن عبادة، ومعقل بن قيس، وزيادة بن صعصعة، فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم، وخرج الناس فعسكروا ونشطوا
للخروج (1). اجتمعت حشود النّاس في المعسكر كانت تشكل عدة تيارات
وجماعات، سوى الشيعة، وهي :
1 - الخوارج الذين جاؤا فحسب لمحارة معاوية لالدعم الإمام : عليه السّلام، وتقبلهم له.
2- أصحاب المطامع الذين خرجوا طمعاً بغنائم الحرب.
3 - أولئك الذين شاركوا في الحرب، إطاعة لرؤساء عشائرهم، وليس لهم باعث ديني(2). وأرسل الإمام عليه السّلام جماعة من هؤلاء الجنود، إلى مدينة الأنبار بقيادة الحكم ، فانضم إلى صفوف معاوية، وهكذا فعل القائد الآخر، فقد ذهب الإمام بنفسه إلى المدائن، ومن هناك بعث بإثني عشر ألف شخصاً، كمقدمة الجيش بقيادة عبيد الله بن عباس، لمقاتلة معاوية وجعل قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري معاوناً له، فإذا قتل عبيدالله،
ص: 12
يحل محله قيس في القيادة.
فوّجه معاوية الى قيس بألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه فأرسل إليه بالمال، وقال: تخد عني عن دينى (1) ولكنّ القائد الأوّل للجيش، وهو عبيد الله بن العباس، إغتر بوعوده بالأموال وانسلّ ليلاً مع جماعة من خواصة لمعاوية، وبقي الجيش، في الصباح، بلاقائد، فصلى بهم قيس وتولى القيادة، وأرسل الى الإمام رسالة تنبئه بما حدث. (2). وكان قيس يقاتل ببطولة، وحين فشلت أساليب معاوية الخادعة وإغرائاته في قيس أرسل معاوية جواسيس ليندسوا في صفوف جيش الإمام، ليشيعوا كذباً وزوراً ، نبأ مصالحة قيس مع معاوية، وجماعة أخرى من الجواسيس، ليقوموا بإشاعة أخرى، بأنّ الإمام الحسن عليه السّلام صالح معاوية (3). وهذه الطريقة، انطلت الخدعة على الخوارج، وأولئك الذين كانوا يرفضون الصلح، وفجأة هجموا بغضب على خيمة الإمام عليه السّلام، وانتهبوها، وحتى بساطه سرقوه، وقد أصيب الإمام في فخذه بطعنة، وحمل الحسن (علیه السلام) الى المدائن وقد نزف نزفاً شديداً واشتدت به العلة (4). وحمله أصحابه إلى المدائن فأنزل بها على سعد بن مسعود الثقفي –
ص: 13
وكان عامل أمير المؤمنين بالمدائن وأقره الإمام الحسن عليه السّلام --- وبقي في دار الثقفى للمعالجة، وفي خلال ذلك قالوا له بأنّ بعض رؤساء القبائل الذين لم يملكوا الدافع الديني، أو أنهم كانوا يحملون العداء للإمام، قد كتبوا الى معاوية سرّاً، وقد بعث معاوية تلك الرسائل بنفسها الى الإمام وطلب منه الصلح متعهداً له بأنه يقبل كل شروط الإمام(1) . وكان الإمام يعاني المرض بشدّة، وقد تفرّق أصحابه عنه كل الى جهة، ولم يكن الجنود متوحّدين في الهدف والمبدأ وكلّ واحد منهم كان يسلك طريقاً معيناً، ولم تكن مواصلة الحرب في صالح الشيعة بل حتى الإسلام، وذلك ، لأن معاوية لو كان ينتصر في الحرب رسمياً، لبدد أساس الإسلام، ولقضى على جميع الشيعة المسلمين الحقيقيين تماماً، واستأصلهم من الوجود.
لذلك اضطرّ الإمام لتقبّل الصلح بشروط كثيرة وصعبة (2).
ومن هذه الشروط : -
1 - إحترام دماء الشيعة، والحفاظ عليها، وعدم تضييع حقوقهم وسحقها .
2- الكف عن سبّ الإمام علي عليه السّلام (3).
3- أن يقسم معاوية مليون درهماً على يتامى معركة الجمل
ص: 14
4 - لم يلقب الإمام عليه السلام معاوية ب- ( أمير المؤمنين) (1).
5- على معاوية العمل على أساس كتاب الله وسنّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
6 - يلزم على معاوية أن لا يعيّن بعد موته أحداً للخلافة (2) . وقد وافق معاوية على هذه الشروط وشروط أخرى، كلها تستهدف الحافظ على الإسلام وخاصة الشيعة، وانتهت الحرب.
لم يكن تسامحاً : -
لا يفكر بعض المستشرقين في دراساتهم وبحوثهم بعمق حول القضايا، ولا يحيطون بكل أبعادها، ويتوصلون من مقدمات ضعيفة الى نتائج يعتقدون أنها متينة قوية - في رأيهم، ويعتمدون على تذوقهم في تفسيرها .
والبعض من هؤلاء، ونتيجة لقراءاته السطحية، وعدم إطلاعه إعتقد بأن الإمام الحسن عليه السّلام قد إنهار وضعف في حربه مع ،معاوية، وإلا فانّه كان يمكنه إحراز النصر.
ولكن لو كان هؤلاء يدرسون بعمق، النصوص الأصلية التي تتحدث عن تاريخ تلك المرحلة مع ملاحظة كل جوانب القضية وابعادها، فمن المحتم أنهم لا يصلون لمثل هذه النتيجة والحكم، وذلك .
ص: 15
لأنّ الإمام عليه السّلام، بشهادة التاريخ، أمضى أيام حياه مع أبيه، ،ثابتاً شجاعاً، وشارك معركة الجمل وصفّين، وخاض لهيب الحرب ضدّ العدوّ ، وضرب بالسيف متقدّماً جريئاً، وعاد منتصراً. ،إذن، فالإمام الحسن عليه السّلام لم يرهب الحرب والقتال وهو نفسه كان يحرّض الناس على الحرب ضدّ معاوية ... ولكن كان يرى الصلح ضرورياً آنذاك ، في تلك الظروف الخاصة المعينة، بالإضافة، الى العوامل السّياسيّة الدّاخليّة، والحفاظ على الشيعة، والمصالح الداخلية للإسلام، وحتى بالنسبة للسياسة الإسلامية الخارجية، كان الصلح هو الرأي الأعمق، ومثيراً للدهشة والحيرة (1).
لم يكن تنازلاً :
والأعجب من إعتقاد الجماعة الأولى، إعتقاد جماعة أخرى من الكتاب، حيث يقولون: إنّ الإمام عليه السلام كان يرى معاوية أصلح
منه، لذلك تراجع الإمام لصالح معاوية، وسلّمه الخلافة، وبايعه. مع أننا نعلم : وكما يظهر من رسائله قبل الصلح أو بعده، إنّه كان يرى نفسه أصلح من معاوية في تولّي الخلافة، وحين جاء معاوية الى الكوفة، وصعد المنبر وقال: «إنّ الحسن بن علي رآني للخلافة أهلاً، ولم يز نفسه لها أهلاً فلما فرغ من كلامه قام الحسن عليه السلام وقال : ... وبعد أن ذكر فضائل اهل البيت عليهم السلام وحديث المباهلة
ص: 16
قال: وإنّ معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلاً، فكذب معاوية، نحن أولى بالنّاس في كتاب الله ولسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم(1). «الخبر» مع أنّ الإمام كما ذكرنا في قرارات صحيفة الصلح، لم يعتبره أمير المؤمنين، إذن فكيف نقول بأنه قد بايعه؟ وعلى تقدير أنه قد بايعه، لكان يلزم عليه العمل وفق أوامر ،معاوية، مع أنّ التاريخ يشهد بأنه لم يخضع لأي أمر من أوامره، فحين تمرد الخوارج، أمر معاوية أن يزحف الإمام لقتالهم، ولكن لم يهتم الإمام بهذا الأمر أبداً وقال عليه السلام: «لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك ....» (2). فمن هنا نرى بأنّ الإعتقاد الباطل لبعض الكتاب الذين يفتقدون الوجدان العلمي، ومعرفة التاريخ، لم يكن إلا افتراثاً ووهماً كبيراً، ولم يكن صلح الإمام عليه السّلام إلا وفق المصالح الإسلامية الكبرى، لا أنه عليه السّلام كان يرى معاوية أصلح منه
إعتراض باطل :
ويتسائل البعض: يجب على القائد أن يستجيب في أعماله لمتطلبات المجتمع، إذن فلماذا لم يهتم الإمام عليه السّلام برغبة الشيعة في
ص: 17
ونجيب: لأنّ مواصلة الحرب، لم تكن في صالح الإسلام والمسلمين فلا يصلح للإمام عليه السّلام أن يستجيب لرغباتهم ومتطلباتهم . وأساساً، فإنّ قيادة الإمام في المعتقد الشيعي، قيادة إلهية، نظير قيادة الأنبياء، وذلك لأنّ الإمام ، مرتبط بالله، ويحدد مصالح المجتمع هذا الأساس، وما يحدّده هو الحق.
ومتطلباته على وكثيراً ما كان يعمل النَّبي صلى الله عليه وآله وسلّم أو الإمام عليه السّلام عملاً، ولكنّ النّاس حين ممارسة العمل، لا يدركون المصلحة فيه، وبعد مرور الأيام يكتشفون عمق المصلحة فيه، ولزوم ممارسته. فقد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من المدينة قاصداً زيارة بيت الله الحرام مع المسلمين، وحين بلغ الحديبية منعته قريش من الدخول لمكة، وذلك لأنّ دخول النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ومن معه، بدون إذنهم المسبق، كان يعد جرحاً لكرامتهم، وتحدياً سافراً لهم . واستمرّت اللقاءات والمذاكرات بينهم ، وأخيراً توصلوا الى عقد الصلح بين المسلمين وقريش لمدة ثلاث سنوات، والإلتزام بهذه البنود:
1 - أن تضع قريش في السنة القادمة بيت الله لمدة ثلاثة أيام تحت تصرّف المسلمين واختيارهم، حتّى يمكن للمسلمين ممارسة أعمالهم ومناسكهم بكلّ حرّيَّة.
2 - أن لا يكون هناك أي نزاع بين قريش والمسلمين لمدة ثلاث سنوات، وأن يسمح للمسلمين الدخول لمكة، أو الخروج منها، دون أن يتعرض إليهم ... (1)
ص: 18
3- أن يمكن للمسلمين القاطنين في مكة ممارسة أعمالهم و وظائفهم الدينية بصورة علنية.
4 -إنّما يلتزم بهذه البنود، بشرط واحد، وهو أن يرة المسلمين لمكة، كل شخص يفرّ من مكة من أجل اللجوء للمدينة، بينما لا يلزم على قريش أن يردّوا كل شخص يفرّ من المدينة الى مكّة (1). وقد أمضى الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، ب-ن-ود هذا الصلح، ولكن المسلمين أغاضهم البند الأخير، ولم يخضعوا للصلح، (2) وكان عمر أشدّ المعارضين، فقال رسول الله «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني »(3). " وهكذا كان، فقد انكشفت للجميع الفوائد والمصالح الكامنة في هذا الصلح، إذ أنه نتيجة لإخماد نار الحرب، والتقاء المسلمين بالمشركين واختلاطهم بهم ، أدى الى أن يتعرّف المشركون على حقيقة الإسلام، ونفوذ الإسلام الى قلوبهم، بحيث اعتنق الكثير منهم الإسلام، فلم يمر وقت طويل من عقد الصلح، حتى كان الإسلام هو الدين العام لأهل مكة(4) . يقول الزّهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك لأنّ المشركين إختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في
ص: 19
قلوهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام. وقال ابن هشام والدليل على قول الزهري أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم خرج الى الحديبية في ألف وأربع مئة ، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف (1). وقال الإمام الصادق عليه السّلام «ما كانت قضيّة أعظم بركة منها» (2)
إذن فالذين يؤمنون حقاً بإمامة الأئمة الطاهرين عليهم السلام عليهم أن لا يعترضوا على صلح الإمام الحسن عليه السلام، كما لم
يعترض على صلح النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم مع قريش. ولكنّ بعض الشيعة لقصورهم إعترضوا على الإمام عليه السّلام كما اعترض بعض المسلمين على النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وأجابهم الإمام عليه السلام، بأن لا يتدخلوا في شؤون الإمام عليه السّلام، لأنّ أعماله تجري وفق المصالح الحقيقية، وإن لم يفهم الآخرون أسرارها . عن أبي سعيد عقيصا قال قلت للحسن بن علي بن أبي طالب علیه السّلام يا ابن رسول الله ، لم داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أنّ الحق لك دونه، وأن معاوية ضال باغ؟
فقال: «يا أبا سعيد، ألستُ حجّة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماماً عليهم بعد أبي عليه السّلام قلت: بلى، قال ألست الذي قال
ص: 20
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت بلى، قال: فأنا إذن إمام لوقت، وأنا إمام إذا قعدت يا أبا سعيد علّة مصالحتي لمعاوية، علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لبني ضمرة، وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفّه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبساً. ألا ترى الخضر عليه السّلام لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى عليه السّلام فعله، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى سخطتم عليَّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أخبره فرضي، هكذا أنا هكذا أنا سخطتم أتيت لما ترك شيعتنا على وجه الأرض أحد إلّا قتل»(1).
معاوية ينقض العهد :
وقد كشف معاوية - بعد أن أمسك بمقدرات الأمور - عن وجهه الحقيقي البشع، فقد ذكر في خطاب له في التخيلة بعد الهدنة : إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء، وجميعها تحت
ص: 21
قدمي لا أفي بشي منها له. (1)ولكن عمليّاً، كان يلاحظ أحياناً جانب الإمام عليه السّلام لنفوذ شخصيّته بين المسلمين كما يذكر ذلك إبن أبي الحديد: «طلب زياد رجلاً من أصحاب الحسن عليه السّلام ممّن كان في كتاب الأمان، فكتب اليه الحسن: من الحسن بن عليّ الى زياد، أما بعد، فقد علمت ما كنا أخذنا من الأمان لأصحابنا، وقد ذكرلي فلان أنك تعرّضت له، فأحب ألا تعرضن له إلا بخير والسلام ولكنّ زياد لم يخضع لأمر الإمام عليه السّلام فكتب اليه : ... وايم الله لأطلبنّه بين جلدك ولحمك ... فلمّا قرأ الحسن عليه السّلام الكتاب بعث به الى معاوية، فلما قرأه غضب، وكتب : ... إنّ الحسن بن علي عليه السلام كتب إليّ بأنك عرضت لصاحبه، فلا تعرضن له فإنّي لم أجعل لك عليه سبيلاً (2).
العودة الى المدينة :
واستخدم معاوية شتّى الأساليب في أذى الإمام عليه السّلام، ومطاردة أتباعه ومراقبتهم ،بشدّة، وكان يستهين الإمام علياً عليه السلام وأبناءه البررة عليهم السّلام، وربّما شتم الإمام علي عليه السّلام في مجلس يحضره الامام الحسن عليه السّلام، 50 وإن كان الإمام عليه السّلام يجيب
ص: 22
على شتائمه على الفور جواباً حاسماً لاذعاً، ولكنّ بقاء الإمام عليه السّلام في الكوفة كان مؤلماً وموجعاً له، لذلك عاد الى المدينة، ولكنّ هذه العودة لم تؤثر شيئاً في تغيير الظروف السيئة التي يواجهها الإمام وأنصاره، وذلك ، لأنّ والي المدينة، كان من أبشع عمال معاوية وهو مروان، هذا الشخص الذي يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فيه: «هو الوزغ إبن الوزغ، المعلون إبن الملعون»، (1) فقد ضيق على الإمام عليه السّلام، وفرض عليه رقابة مشدّدة، وكذلك على أتباع الإمام عليه السّلام ،وأنصاره وحتى زياراتهم ولقاءاتهم بالإمام كانت محرجة لهم، ولذلك، وبالرغم من بقاء الإمام عليه السّلام في المدينة عشر سنوات ولكنّ التزوّد من نمير علومه ومعارفة كان قليلاً، لذلك كانت الرّوايت المروية عن الإمام الحسن عليه السّلام قليلة جداً. وكان مروان يحاول الإستهانة بالإمام علي عليه السلام أمام الإمام الحسن عليه السّلام و ربّما حرّض البعض على الإستهانة بالإمام الحسن نفسه(2). وبعد مروان أيضاً ، نهج سائر عمّال المدينة بنهج مروان في الاستهانة بالإمام وأذاه.
ص: 23
إنّ معاوية لم يكن مستعداً للتنازل عن الخلافة للإمام الحسن عليه السّلام، متذرعاً بصغر سنّ الإمام عليه السلام، ولكن هو نفسه، سعى جاهداً في تثبيت دعائم ولاية العهد لولده المجرم الفاجر يزيد، حتى لا تواجه خلافته المشاكل والتحدّيات بعد موته . وكان يرى في وجود الإمام الحسن عليه السلام عقبة كأداء في هذا السبيل، لأنّه كان يعتقد بأنّه بعد هلاكه، سيتجه النّاس للإمام عليه السّلام، لنفرتهم وإستيائهم من بني أميه وأبناء معاوية، ومن هنا إستخدم شتى الأساليب الجهنمية للقضاء على الإمام الحسن عليه السّلام وأخيراً، استشهد الإمام عليه السّلام في (28) صفر سنة (50) هجريّة، بسبب السم الذي دسّه إليه معاوية، ودفن في مقبرة البقيع في المدينة، سلام الله عليه (1).
ص: 24