الحج و العمرة و معرفة الحرمين الشريفين

اشارة

سرشناسه : افتخاري گلپايگاني علي عنوان و نام پديدآور : الحج و العمره و معرفه الحرمين الشريفين علي الافتخاري الگلبايگاني مراجعه محسن الاسدي مشخصات نشر : [تهران : مشعر، [1417ق = ]1375.

مشخصات ظاهري : ص 280

شابك : 964-6293-05-07000ريال ؛ 964-6293-05-07000ريال يادداشت : عربي يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس موضوع : حج موضوع : حج عمره موضوع : زيارتگاههاي اسلامي -- عربستان سعودي -- مكه موضوع : زيارتگاههاي اسلامي -- عربستان سعودي -- مدينه شناسه افزوده : اسدي محسن مصحح رده بندي كنگره : BP188/8/الف 7ح 36 1375

رده بندي ديويي : 297/36

شماره كتابشناسي ملي : م 80-8452

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المقدمة

ص: 5

إن مما لا يختلف فيه اثنان أن الكتابة أو الحديث عن الحرمين الشريفين له من جلال الشأن وعلو القدر، وكل منهما يدعو إلى مزيد من البحث والاهتمام الدقيق والتقصي لكل شؤون الحرمين، وما فيهما من اخلاق وحكم وآداب و زيادة في الإطلاع على الدين ومعالمه وآثاره، وكلّ هذا وغيره ينفع- ولاشك به- المسلمين في دينهم ودنياهم.

وهذا ما دعانا إلى أن نساهم بقدر- وإن كان متواضعاً- في هذا المضمار على ما فيه من هنات.

ففي ذلك الوادي الذي وصفه اللَّه تعالى بأنّه «غير ذي زرع» كان بيت اللَّه الحرام- هذا الذي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل قد وضع ليحيي الأرض ومَن عليها، وليجعل من ذلك الوادي مكان أمن واستقرار وبركة، تهوي إليه القلوب، وتحنّ وتميل نحوه النفوس، وتطيب به الأرواح، ويحلو فيه اللقاء، وتسمو فيه قلوب الناس وأرواحهم وهي تجوب معالمه، معالم الإيمان الشاخصة، وآيات اللَّه الواضحة،

ص: 6

وتؤدي مناسك الحج والعمرة ..

فكانت هذه البقعة- حقّاً- بلداً آمناً، لايضره ما فعله الظلمة وما تجرأ عليه المجرمون .. ينبغي أن يبقى بلداً كما تريده السماء، لايسفك فيه دم، ولايظلم فيه أحد، ولايصاد فيه طير، ولايقطع فيه شجر ..

ولئن كان الحرم المكي قد تضافرت عليه جهود أنبياء ثلاثة (إبراهيم وإسماعيل ومن ثم رسول اللَّه محمّد صلى الله عليه و آله و سلم)، حتى صار بالصورة التي استحق بها أن يكون «حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كلّ شي ء» كما أراده اللَّه تعالى فإن الحرم المدني كان مديناً لرسول اللَّه محمد وحده، الذي ما إن وطأت قدماه المباركتان تراب يثرب، وما إن ضمّ ترابها جسدَه الشريف حتى صارت حرماً ثانياً تهفوا إليه القلوب والأرواح، وتتسابق إلى زيارته كل الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فلا ترى حاجاً لمكة أو معتمراً إلا وقد أكمل حجّه أو عمرته بزيارة المدينة المنوّرة حيث المرقد الطاهر المبارك لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وحيث المراقد الطاهرة الأخرى لأهل البيت وللصحابة والشهداء، وحيث المعالم المباركة وآثار الرسالة الخالدة.

وهذا ما سنراه في كتابنا الذي بين أيديكم سائلًا المولى أن يكون ذخراً لي ولوالديّ يوم الدين. والحمد للَّه ربّ العالمين.

ص: 7

من آيات الحجّ في القرآن الكريم

قال تعالى «إنَّ أوّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكّةَ مُبارَكاً وهُدًى للعالَمين فيهِ آياتٌ بيّناتٌ مقامُ إبراهيمَ ومَن دخله كان آمناً وللَّهِ على النّاس حِجُّ البيتِ مَنِ استطاع إليه سبيلًا ومَن كفر فإنّ اللَّه غنيٌّ عن العالمين» (1).

وقال تعالى «جعل اللَّهُ الكعبةَ البيتَ الحرامَ قياماً للنّاس» (2).

الحجّ من طريق أهل البيت عليهم السلام

قال الإمام الصادق عليه السلام: من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لايطيق فيه الحجّ، أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً (3).

وعن أبي بصير سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «ومَن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلُّ سبيلًا» فقال: ذلك الذي يسوّف نفسه الحجّ (يعني حجة الإسلام) حتى يأتيه الموت (4).

وعنه قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: مَن مات وهو صحيح موسر لم يحج، فهو ممّن قال اللَّه عزّوجلّ: «ونحشرُهُ يومَ القيامةِ أعمى - قال: قلت: سبحان اللَّه أعمى ! قال: نعم، إنّ اللَّه- عزّوجلّ- أعماه عن طريق الحقّ (5).

أمير المؤمنين عليه السلام: لاتتركوا حجّ بيت ربّكم فتهلكوا (6).


1- 1 آل عمران/ 96 و 97.
2- 2 المائدة/ 97.
3- 3 الكافي/ ج 4 ص 268.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 269.
5- 5. المصدر نفسه/ ص 269.
6- 6 البحار/ ج 99 ص 19.

ص: 8

وعنه عليه السلام: مَن ترك الحجّ لحاجة من حوائج الدنيا لم تقض حتى ينظر إلى المحلّقين (1).

الإمام الصادق عليه السلام: لو عطّل الناسُ الحجّ لوجب على الإمام أن يُجبرهم على الحجّ إن شاءوا وإن أبوا؛ لأن هذا البيت وضع للحجّ (2).

الحجّ من طريق العامّة

التاج الجامع للاصول: عن ابن عدي: مَن مات ولم يحج حجّة الإسلام في غير مرض حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أيّ الميتتين شاء إمّا يهودياً أو نصرانياً.

وعن عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: من ملك زاداً أو راحلةً تُبلغُهُ إلى بيت اللَّه ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً وذلك لقول اللَّه في كتابه: «وللَّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا» (3).

الحج في نظر الفقيه- قال السيد في العروة: الحجّ أحد أركان الدين، ومن أوكد فرائض المسلمين، وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط بالكتاب والسنّة والإجماع من جميع المسلمين بل بالضرورة.

علّة وجوب الحج

الإمام أبو الحسن الرضا عليه السلام: إنّ علّة الحجّ الوفادة إلى اللَّه عزّوجلّ، وطلب الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف، وليكون تائباً مما مضى مستأنفاً لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال وتعب الأبدان، وحظرها عن الشهوات واللّذات والتقرّب في العبادة إلى اللَّه. والخضوع والاستكانة والذلّ، شاخصاً في الحرّ والبرد، والامن والخوف، دائباً في ذلك دايماً .. وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى اللَّه عزّ وجلّ.


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 التاج الجامع للأُصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم/ ج 2 ص 109 وهامشها.

ص: 9

ومنه ترك قساوة القلب، وخساسة الأنفس، ونسيان الذكر، وانقطاع الرجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظر الأنفس عن الفساد، ومنفعة مَن في المشرق والمغرب، ومَن في البرّ والبحر ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ؛ مِن تاجر وجالب وبايع ومشترٍ وكاسب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الاطراف، والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها، كذلك «ليشهدوا منافع لهم» (1).

وعنه عليه السلام في علّة الطواف بالبيت: أنّ اللَّه تبارك وتعالى قال للملائكة: «إنّي جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء» فردّوا على اللَّه هذا الجواب، فعلموا أنّهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش فاستغفروا. فأحبّ اللَّه أن يتعبّد بمثل ذلك العباد، فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يُسمّى الضُراح، ثم وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمّى (البيت المعمور) ثم أمر آدم فطاف به، فتاب اللَّه عليه، وجرى ذلك في ولده الى يوم القيامة (2).

اختبار الخلق بالكعبة المقدّسة

في الخطبة القاصعة من نهج البلاغة، قال الإمام عليّ عليه السلام: .. ولكنّ اللَّه- سبحانه- أراد أن يكون الاتّباع لرسله، والتّصديق بكتبه، والخشوع لوجهه، والاستكانة لأمره، والاستسلام لطاعته، أموراً له خاصّةً لا تشوبُها من غيرها شائبة. وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل.

ألا ترون أنّ اللَّه- سبحانه- اختبر الأوّلين من لدن آدم- صلوات اللَّه عليه- إلى الآخرين من هذا العالم؛ بأحجار لاتضرّ ولا تنفع، ولاتبصر ولاتسمع، فجعلها بيته الحرام «الذي جعله للنّاس قياماً». ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقلّ نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الاودية قطراً. بين جبال خشنة، ورمال دَمِثَة، وعيون وشلة، وقرًى منقطعة، لايزكو بها خفٌ ولا حافر ولا ظلف. ثم أمر آدم عليه السلام


1- 1 العلل/ ج 2 ص 90.
2- 2 العلل/ ج 2 ص 92.

ص: 10

وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الإفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتّى يهزّوا مناكبهم ذللًا يُهلّلون للَّه حوله، ويرملون على أقدامهم شُعثاً غُبراً له، قد نبذوا السّرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاءً عظيماً وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله اللَّه سبباً لرحمته، ووصلة الى جنّته. ولو أراد- سبحانه- أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنّات وأنهار، وسهل وقرار جمّ الاشجار، داني الثمار، ملتفّ البنى متّصل القرى بين بُرّة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء. ولو كان الإساس المحمول عليها، والاحجار المرفوع بها، بين زمرّدةٍ خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفّف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من النّاس، ولكن اللَّه يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحاً إلى فضله، وأسباباً ذُلُلًا لعفوه (1).

الامام الصادق عليه السلام سئل عليه السلام عن علّة الحج، فقال: إنّ اللَّه خلق الخلق، وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب؛ ليتعارفوا، ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد الى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمّال، ولتعرف آثار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وتعرف أخباره، ويذكر ولاينسى ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا، وخربت البلاد، وسقطت الجلب والارباح وعميت الاخبار، ولم تقفوا على ذلك، فذلك علّة الحجّ (2).


1- 1 نهج البلاغة/ طبع بيروت، سنة 1387 ص 292- 294.
2- 2 الوسائل/ ج 8 ص 8.

ص: 11

القسم الأوّل الحرم المكي فيه ثمانية أبواب وخاتمة

الباب الأول: في فضل الحج والعمرة وفيه أمور

1- «واتمّوا الحج والعمرة للَّه»

ص: 12

القسم الأوّل الحرم المكي فيه ثمانية أبواب وخاتمة

ص: 13

الباب الأول: في فضل الحج والعمرة وفيه أمور

ص: 14

ص: 15

1- «واتمّوا الحج والعمرة للَّه» (1)

فضلهما في روايات العترة

أقول: كفى في فضلهما واجباً ومندوباً ما وردت عن العترة الطاهرة عليهم السلام من وفود العبد على سيّده، ونزوله في بيته، ومحل ضيافته وأمنه، فعن الصادق عليه السلام: الحاج والمعتمر وفد اللَّه، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن شفعوا شفعهم، وإن سكتوا ابتدأهم- ويعوّضون بالدرهم ألف درهم (2)

وفي حديث، مَن أمّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمره اللَّه به، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمناً في الدنيا والآخرة (3).

وعن علي أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من أراد دنياً وآخرة فليؤم هذا البيت، ما أتاه عبد فسأل اللَّه دُنياً إلّاأعطاه منها، أو سأله آخرة إلّاذخر له منها (4).

وعنه عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: أيّها الناس عليكم بالحج والعمرة. فتابعوا بينهما فإنّهما


1- 1 البقرة/ 196
2- 2 الوسائل/ ج 8 ص 68.
3- 3 المصدر نفسه.
4- 4 المستدرك/ ج 2 ص 8.

ص: 16

يغسلان الذنوب، كما يغسل الماء الدرن، وينفيان الفقر كما ينفي النار خبث الحديد (1).

وعنه، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: العمرة إلى العمرة كفّارة ما بينهما، والحجّة المتقبّلة ثوابها الجنّة، ومن الذنوب ذنوب لاتغفر إلّابعرفات (2).

الإمام الباقر عليه السلام، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في غدير خم: معاشر الناس! حجّوا البيت فما ورده أهل بيت إلّااستغنوا، ولاتخلّفوا إلّاافتقروا. معاشر الناس! ما وقف بالموقف مؤمن، إلّاغفر اللَّه له ما سلف من ذنبه الى وقته (3).

فضلهما في روايات أهل السنّة

البخاري عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: العمرة الى العمرة كفّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلّاالجنّة (4).

أسرار الحجّ للغزالي؛ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها، وحجة مبرورة ليس لها جزاء الّا الجنة.

وقال صلى الله عليه و آله و سلم: مَن حجّ البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه.

وفي التاج الجامع للاصول: من أراد الحج فليتعجّل، فإنّه قد يمرض المريض وتضلّ الراحلة وتعرض الحاجة (5).

2- الحجّ وما يترتب عليه

الإمام الصادق عليه السلام: مَن حجّ حجّة الإسلام فقد حلّ عقدة من النار من عنقه، ومَن حجّ حجّتين لم يزل في خير حتى يموت، ومَن حجّ ثلاث حجج متوالية، ثم حجّ


1- 1 البحار/ ج 99 ص 50.
2- 2 المستدرك/ ج 2 ص 7.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 9.
4- 4 الجزء 3، باب العمرة.
5- 5 ج 2 ص 109.

ص: 17

أو لم يحج فهو بمنزلة مدمن الحجّ (1).

3- قصر العمر في ترك الحج

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: مَن خرج من مكّة وهو لايريد العود إليها اقترب أجله ودنا عذابه (2).

4- طول العمر مع نيّة العود

الإمام الصادق عليه السلام، عبد اللَّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللَّه يقول: مَن رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره (3).

5- الحاج في ضمان اللَّه تعالى

الإمام الصادق عليه السلام: الحاج والمعتمر في ضمان اللَّه، إن مات متوجهاً غفر اللَّه له ذنوبه، وإن مات محرماً بعثه اللَّه ملبّياً، وإن مات بأحد الحرمين بعثه اللَّه من الآمنين، وإن مات منصرفاً غفر اللَّه له جميع ذنوبه (4).

6- أقل ما يرجع به الحاج

الإمام الصادق عليه السلام: إنّ أدنى ما يرجع به الحاج الذي لايقبل منه، أن يحفظ في أهله وماله. قال الراوي: قلت: بأي شي ء يحفظ فيهم؟ قال عليه السلام: لايحدث فيهم إلّاما كان يحدث فيهم وهو مقيم معهم (5).


1- 1 الفقيه/ ص 208 الوافي/ ج 8 ص 241 طجديدة.
2- 2 الفقيه/ ص 209.
3- 3 الوافي/ ج 8 ص 238.
4- 4 الوسائل/ ج 8 ص 68- الوافي/ ج 8 ص 221.
5- 5 الوافي/ ج 8 ص 215.

ص: 18

7- الحاج ثلاثة

عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الحاج ثلاثة: فأفضلهم نصيباً رجل غفر له ذنبه؛ ما تقدّم منه وما تأخّر، ووقاه عذاب القبر، وأمّا الذي يليه فرجل غفر له ذنبه؛ ما تقدّم منه، ويستأنف العمل فيما بقي من عمره، وأمّا الذي يليه فرجل حفظ في أهله وماله (1).

8- الحجّ في كلّ سنة

عيسى بن أبي منصور: قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: يا عيسى إنّي أحبّ أن يراك اللَّه- عزّ وجلّ- فيما بين الحجّ إلى الحج وأنت تتهيّأ للحجّ (2).

عذافر عن الصادق عليه السلام: ما يمنعك من الحجّ كلّ سنة؟ قلت: جعلت فداك العيال، فقال عليه السلام: إذا متّ فمَن لعيالك؟ أطعم عيالك الخلّ والزيت، وحجّ بهم كلّ سنة (3).

9- إدمان الحج

الإمام الصادق عليه السلام: عليكم بحجّ هذا البيت فأدمنوه، فإنّ في إدمانكم الحجّ دفع مكاره الدنيا عنكم، وأهوال يوم القيامة (4).

10- من كان من شأنه الحج

الإمام الصادق عليه السلام: إذا كان الرجل من شأنه الحجّ كلّ سنة، ثم تخلّف سنةً فلم يخرج، قالت الملائكة الذين على الأرض للّذين على الجبال: لقد فقدنا صوت فلان،


1- 1 المصدر ص 214.
2- 2 مرآة العقول/ ج 17 ص 171 والوافي/ ج 8 ص 239.
3- 3 المرآة والوافي/ ص 127 وص 221 على الترتيب.
4- 4 المستدرك/ ج 2 ص 10.

ص: 19

فيقولون: أطلبوه فيطلبوه فلا يصيبونه، فيقولون: اللّهم إن كان حبسه دين فأدّ عنه، أو مرض فأشفه، أو فقر فأغنه، أو حبس ففرّج عنه، أو فعل فافعل به، والنّاس يدعون لانفسهم وهم يدعون لمن تخلّف (1).

11- كرامة الحاج عند اللَّه تعالى

الإمام الصادق عليه السلام: إن اللَّه- عزّ وجلّ- ليغفر للحاج ولأهل بيت الحاج ولعشيرة الحاج، ولمن يستغفر له الحاج بقيّة ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من ربيع الآخر (2).

وفي الوسائل ج 8 ص 67 في ضمن الخبر التاسع- فإذا قضى نسكه غفر اللَّه له ذنوبه وكأن ذا الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الاول اربعة أشهر تكتب له الحسنات، ولاتكتب عليه السيئات، إلّاأن يأتي بموجبةٍ فإذا مضت الأربعة الاشهر خلط بالناس (3). وفي خبر آخر: إلّاأن يأتي بكبيرة (4).

12- لِمَ لاتكتب عليه الذنوب؟

ابن خالد قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: لأيّ شي ء صار الحاج لاتكتب عليه الذنوب أربعة أشهر؟ فقال عليه السلام: إنّ اللَّه أباح للمشركين الحرم في أربعة أشهر، إذ يقول: «فسيحوا في الأرض أربعة أشهر» ثم وهب- لمن حجّ من المؤمنين البيت- الذنوب أربعة أشهر. وفي رواية الصدوق من يوم حلق رأسه (5).

13- الحجّ المندوب وسائر المندوبات

ابن عمّار، لمّا أفاض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم تلقّاه اعرابي بالابطح. فقال يارسول اللَّه:


1- 1 المراة/ ج 17 ص 138.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 21- الوسائل/ ج 8 ص 71.
3- 3 وفي خبر آخر: إلّاأن يأتي كبيرة. الوسائل/ ج 8 خبر 38.
4- 4 الوسائل/ ج 8، خبر 38.
5- 5 الوسائل/ ج 8 ص 67.

ص: 20

إني خرجت أريد الحجّ ففاتني، وأنا رجل مميّل (يعني كثير المال) فمرني أصنع في مالي ما ابلغ به ما يبلغ به الحاج. فالتفت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الى أبي قبيس، فقال: لو أنّ أبا قبيس لك زنته ذهبة حمراء انفقته في سبيل اللَّه، ما بلغت به ما بلغ الحاج (1).

أقول: ذكر الفيض قدس سره في الوافي، فقرات أخرى للحديث غير ما ذكرنا، بها يكشف الستر عن وجه الحديث (لو أنفقت كذا ما بلغت كذا) (2).

وفي بيانه قدس سره للذنوب انواع مختلفة في التأثير والتكدير، ومراتب متفاوتة في الصغر والكبر فلعلّه بكلّ فعل وموقف يخرج من نوع أو مرتبة منها الى أن يطهر منها جميعاً.

14- التحذير عن منع الحج

إسحاق بن عمار: قال: قلت للصادق عليه السلام: إنّ رجلًا استشارني في الحج، وكان ضعيف الحال، فأشرت اليه أن لايحج، فقال عليه السلام: ما اخلقك أن تمرض سنة قال:

فمرضت سنة (3). أي ما اليق بك وأجدر.

وعنه عليه السلام: ليحذر أحدكم أن يعوّق أخاه عن الحج فتصيبه فتنةٌ في دنياه مع ما يدّخر له في الآخرة (4).

15- طهور المال للحج

الامام الكاظم عليه السلام: نحن أهل بيت، حجّ صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا (5).


1- 1 الوسائل/ ج 8 ص 81.
2- 2 ج 12 ص 228.
3- 3 الوسائل/ ج 8 ص 97.
4- 4 المصدر نفسه.
5- 5 الوسائل/ ج 8 ص 102.

ص: 21

16- الانصراف عن الحجّ مع التوبة

الطبرسي في الاحتجاج، عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: معاشر الناس، حجّوا البيت بكمال الدين والتفقّه، ولاتنصرفوا عن المشاهد، الّا بتوبة واقلاع (1).

17- لابدّ للحجاج من ثلاث

الامام الصادق عليه السلام: ما يعبوء بمن يؤّم هذا البيت اذا لم يكن فيه ثلاث خصال:

ورع يحجزه عن محارم اللَّه، وحلم يملك غضبه، وحسن الصحابة لمن صحبه (2).


1- 1 المستدرك/ ج 2 ص 9.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 121.

ص: 22

الباب الثاني

الفصل الأول: في آداب السفر وأخباره

اشارة

ص: 23

الباب الثاني

في آداب السفر وآداب سفر الحجّ

فيه فصلان

ص: 24

ص: 25

الفصل الأول: في آداب السفر وأخباره

نشير في هذا الفصل الى خلاصة ما في نجاة العباد لصاحب الجواهر قدس سره ثم نذكر بعض ما ورد عن العترة الطاهرة.

قال رحمه الله: يستحب لمن أراد السفر إلى الحج والعمرة أو غيرهما أن يراعي الامور التالية:

الاول: الغسل.

الثاني: الاستخارة من اللَّه تعالى وهي أن يقول بعد صلاة ركعتين (مأة مرّة) وهو ساجد: اللّهم إنّي استخيرك في هذا السفر برحمتك خيرة في عافية.

الثالث: الوصيّة.

الرابع: قطع العلايق بينه وبين مَن له علقة.

الخامس: الصدقة قائلًا: اللّهم إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة ما معي، اللّهم احفظني واحفظ ما معي وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل.

السادس: صلاة ركعتين: يقول: اللّهم إني استودعك نفسي وأهلي ومالي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي.

السابع: يقول حين يخرج من البيت: باللَّه أخرج وباللَّه أدخل وعلى اللَّه أتوكّل؛ ثلاثاً.

ص: 26

وينبغي اختيار السبت أو الثلاثاء أو الخميس (كما ينبغي) له استصحاب شي ء من طين قبر الحسين عليه الصلوة والسلام الذي هو شفاء من كلّ داء، وأمان من كلّ خوف، (وينبغي) استصحاب خاتم من عقيق وخاتم من فيروزج (1).

الأخبار

1- الصدقة قبل السفر:

الإمام الصادق عليه السلام: تصدّق واخرج أيّ يوم شئت (2).

الامام الباقر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا اراد الخروج إلى بعض امواله اشترى السّلامة من اللَّه بما تيسّر له، ويكون ذلك إذا وضع رجله في الركاب، واذا سلّمه اللَّه فانصرف حمد اللَّه عزّ وجلّ وشكره وتصدّق بما تيسّر له (3).

2- الاستخلاف عند السفر

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: ما استخلف رجل على أهله بخلافةٍ أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج الى سفر، ويقول: (اللّهم إني استودعك نفسي وأهلي ومالي وذرّيتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي)

فما قال ذلك أحدٌ إلّاأعطاه اللَّه عزّ وجلّ (4).


1- 1 انتهى ما اردنا ذكره.
2- 2 الوسائل/ ج 8 ص 272.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 273.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 275.

ص: 27

3- الوصيّة عند السفر

الإمام الصادق عليه السلام قال: من ركب راحلته فليوص (1).

4- اعلام السفر

الإمام الصادق عليه السلام: عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: حقّ على المسلم إذا اراد سفراً أن يعلم اخوانه، وحقّ على اخوانه إذا قدم أن يأتوه (2).

5- الدعاء عند الخروج من المنزل

الإمام السجاد عليه السلام: إن العبد إذا خرج من منزله عرض له الشيطان، فإذا قال:

(بسم اللَّه)، قال له الملكان: كفيت، فإذا قال: (آمنت باللَّه) قالا: هديت، فإذا قال:

(توكلت على اللَّه) قالا: وقيت (3).

أبو الحسن الرضا عليه السلام: قال: كان أبي يقول إذا خرج من منزله: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، خرجت بحول اللَّه وقوّته بلا حول منّي ولاقوّة بل بحولك وقوّتك يا ربّ، متعرّضاً لرزقك، فأتني به في عافية (4).

الإمام الباقر عليه السلام: لوكان شي ء يسبق القدر لقلت قارئ إنا انزلناه حين يسافر أو يخرج من منزله سيرجع (5).

وعنه عليه السلام في حديث:

فإذا وضعت رجلك في الركاب، فقل: بسم اللَّه وباللَّه وفي سبيل اللَّه وعلى ملّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فإذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك، فقل: الحمد للَّه


1- 1 الوسائل/ ج 8 ص 267.
2- 2 الوافي/ طجديدة ج 8 ص 351.
3- 3 الوسائل/ ج 8 ص 278.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 281.
5- 5 المصدر نفسه/ ص 289.

ص: 28

الذي هدانا الى الإسلام، ومنّ علينا بالايمان، وعلّمنا القرآن، ومنّ علينا بمحمّد، «سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنّا الى ربّنا لمنقلبون» والحمد للَّه ربّ العالمين (1).

6- الرفيق في السفر

إسماعيل بن جابر، قال: كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام بمكّة إذ جاء رجل من المدينة، فقال عليه السلام: مَن صحبك؟ فقال: ما صحبت أحداً، فقال عليه السلام: أما لو كنت تقدّمت إليك لأحسنت أدبك، ثم قال عليه السلام: واحد شيطان، واثنان شيطانان، وثلاثة صحب، وأربعة رفقاء (2).

وعن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: أحبّ الصحابة إلى اللَّه عزّوجلّ أربعة .. (3)

7- يوم السبت أو الثلاثاء أو الخميس

الامام الصادق عليه السلام: مَن أراد سفراً فليسافر يوم السبت، فلو أنّ حجراً ازال عن جبل في يوم السبت لردّه اللَّه الى مكانه، ومن تعذّرت عليه الحوائج فيلتمس طلبها يوم الثلاثاء، فإنّه اليوم الذي ألانَ اللَّه فيه الحديد لداود عليه السلام (4).

الإمام الباقر عليه السلام: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يسافر يوم الخميس (5).


1- 1 البحار/ ج 99 ص 120.
2- 2 الوسائل/ ج 8 ص 301.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 304.
4- 4 الوافي/ طجديدة ج 8 ص 352.
5- 5 الوسائل/ ج 8 ص 259.

ص: 29

8- إذا خاف على دينه في السفر

عن علي أمير المؤمنين عليه السلام، قال: لايخرج الرجل في سفر يخاف منه على دينه وصلاته (1).

9- إذا خاف من مدخل

الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا دخلت مدخلًا تخافه فاقرأ هذه الآية: «ربّ أدخلني مُدخلَ صدق وأخرجني مُخرجَ صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً» فإذا عانيت الذي تخافه فاقرأ آية الكرسي (2).

10- الاعتصام من الشوم في السفر

الامام الكاظم عليه السلام في حديث: فمن اوجس في نفسه شيئاً من الشوم فليقل:

اعتصمت بك ياربّ من شرّ ما اجد في نفسي، فاعصمني من ذلك، قال عليه السلام: فيعصم من ذلك (3).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إذا تطيّرت فامض وإذا ظننت فلا تقض (4).

11- التهليل والتكبير في السفر

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: والذي نفس أبي القاسم بيده ما هلّل مهلّل، ولا كبّر مكبّر على شرف من الاشراف، إلّاهلّل اللَّه ما خلفه، وكبّر ما بين يديه بتهليله وتكبيره حتّى يبلغ مقطع التراب (5).


1- 1 المصدر نفسه/ ص 249.
2- 2 الوسائل/ ج 8 ص 287.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 263.
4- 4 المصدر نفسه.
5- 5 المصدر نفسه/ ص 285.

ص: 30

وعن احدهما (يعني الإمام الباقر عليه السلام، أو الإمام الصادق عليه السلام): إذا كنت في سفر فقل: الّلهم اجعل مسيري عبراً، وصمتي تفكّراً، وكلامي ذكراً (1).

12- دعاء الفرج عند سفر الحجّ

الإمام الصادق عليه السلام قال: إذا خرجت من بيتك تريد الحجّ والعمرة- إن شاء اللَّه- فادع دعاء الفرج وهو: لا إله إلّااللَّه الحليم الكريم، لا إله إلّااللَّه العلي العظيم، سبحان اللَّه ربّ السموات السبع، وربّ الأرضين السبع، وربّ العرش العظيم، والحمد للَّه ربّ العالمين (2).


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 الوسائل/ ج 8 ص 278.

ص: 31

الفصل الثاني: الوصايا

1- وصايا الإمام الصادق عليه السلام لمن يريد الحجّ

قال عليه السلام: إذا أردت الحج فجرّد قلبك للَّه من كل شاغل، وفوّض امورك كلّها إلى خالقك، وتوّكل عليه في جميع ما تظهر من حركاتك وسكناتك، وسلم لقضائه وحكمه وقدره، وودّع الدنيا والراحة والخلق، واخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين، ولاتعتمد على زادك وراحلتك واصحابك وقوّتك وشبابك ومالك، مخافة أن تصير ذلك عدوّاً ووبالًا، فإنّ من ادّعى رضاء اللَّه واعتمد على ما سواه صيّره عليه وبالًا؛ ليعلم انّه ليس له قوّة ولاحيلة إلّابعصمة اللَّه وتوفيقه. فاستعدّ استعداد من لايرجو الرجوع، واحسن الصحبة، وراع اوقات الفرائض وسنن نبيّه عليه السلام وما يجب عليك من الآداب والصبر والشفقة والسخاوة وايثار الزاد، ثم اغسل بماء التوبة ذنوبك، والبس كسوة الصدق والصفا والخضوع والخشوع، واحرم من كل شي ء يمنعك عن ذكر اللَّه، (ولَبّ) بمعنى إجابة صادقة خالصةٍ للَّه، وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين حول البيت، وهرول هرولة من هواك. وتبرأ من حولك وقوّتك، واخرج من غفلتك وزلّاتك بخروجك الى منى ولاتتمنّ ما لايحل لك ولا تستحقّه، واعترف بالخطايا بعرفات، واتّقه بمزدلفة، واصعد بروحك الى الملإ الأعلى بصعودك على الجبل، واذبح حنجرة الهوى

ص: 32

والطمع عند الذبيحة، وارم الشهوات والخساسة والدناءَة والذميمة عند رمي الجمرات، واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك، وادخل في امان اللَّه وكنفه وستره بدخولك الحرم، ودُر حول البيت متحقّقاً لتعظيم صاحب البيت ومعرفة جلاله وسلطانه، واستلم الحجر رضاً بقسمته وخضوعاً لعزّته، وودّع ما سواه بطواف الوداع، واصف روحك وسرّك للقائه يوم تلقاه بوقوفك على الصفا، وكن بمراى من اللَّه نقياً اوصافك عند المروة، واستقم على شرط حجّتك هذه وفاء عهدك الذي عاهدت مع ربّك واوجبته له الى يوم القيامة، واعلم أنّ في مناسك الحج اشارة الى الموت والقبر والبعث والقيامة لأولي الألباب وأولي النهى (1).

2- وصايا لقمان عليه السلام لولده

قال لقمان لابنه: يا بنيّ إذا سافرت مع قوم فاكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم، وأكثر التبسّم في وجوههم، وكن كريماً على زادك بينهم، إذا دعوك فأجبهم، وإن استعانوا بك فاعنهم، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، واذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، واذا تصدّقوا واعطوا قرضاً فأعط معهم، واسمع لمن هو اكبر منك سناً، وإذا سألوك شيئاً فقل: نعم، ولاتقل: لا، فإنّ (لا) عيّ ولوم، وإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشي ء صلّها واسترح منها فإنّها دين، وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ (2).

وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس، وإذا ارتحلت فصلّ ركعتين، ثم ودّع الارض التي حللت بها وسلّم عليها وعلى أهلها، فإنّ لكلّ بقعة أهلًا من الملائكة، وأن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتى تبدأ فتصدق منه فافعل، وعليك بقراءة كتاب


1- 1 المحجّة البيضاء/ ج 2 ص 207.
2- 2 الزج بالضم الحديدة في اسفل الرمح وقد يستعمل في الرمح.

ص: 33

اللَّه ما دمت راكباً، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملًا عملًا، وعليك بالدعاء مادمت خالياً (1).

3- دقائق الآداب

ذكر صاحب المحجّة البيضاء ج 2 ص 189 آداباً دقيقة:

الأول: أن تكون النفقة حلالًا، وتكون اليد خالياً عن تجارة تشغل القلب، ففي الخبر من طرق أهل البيت: إذا كان آخر الزمان خرج الناس للحج أربعة أصناف، سلاطينهم للنزهة وأغنياؤهم للتجارة، وفقراؤهم للمسألة، وقراؤهم للسُّمعة.

الثاني: التوسيع في الزاد وطيب النفس بالبذل والانفاق في غير تقتير ولاإسراف.

ففي الفقيه ص 227 عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر.

وكان علي بن الحسين عليه السلام إذا سافر الى مكة للحجّ أو العمرة تزود من أطيب الزاد.

الثالث: ترك الرفث والفسوق والجدال كما نطق به القرآن ففي الحديث عنه صلى الله عليه و آله و سلم: الحجّ المبرور ليس له جزاء إلّاالجنّة، فقيل يا رسول اللَّه: ما برّ الحج؟

قال عليه السلام: طيب الكلام واطعام الطعام، فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه وعلى صحبه، ويلزم حسن الخلق، وليس حسن الخلق كفّ الاذى بل احتمال الأذى وقيل سمّي السفر سفراً لأنّه يسفر عن اخلاق الرجال.

الرابع: أن يحج ماشياً ان قدر عليه فذلك أفضل، وفي مكّة إلى الموقف وإلى منى آكد منه في الطريق.

ففي التهذيب ص 448 عن الصادق عليه السلام أنّه قال: ما عبداللَّه بشي ء أشدّ من المشي ولا أفضل.

الخامس: أن يكون رثّ الهيئة، أشعث اغبر، غير مستكثر من الزينة. ففي الخبر:


1- 1 المحجّة/ ج 4 ص 74.

ص: 34

إنّما الحاج الشعث الغبر التّفث، يقول اللَّه عزّ وجلّ: انظروا الى زوّار بيتي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فجّ عميق، فقد أمر الإمام عليه السلام بالشعث والاحتفاء.

وفي تعليقة المحجّة ج 2 ص 193 اخرج ابن ماجة تحت رقم 2939 عن ابن عبّاس قال: كانت الانبياء تدخل الحرم مشاة حفاة، ويطوفون بالبيت ويقضون المناسك حفاة مشاة.

السادس: أن يتقرّب بإراقة دم وإن لم يكن واجباً، ويجتهد أن يكون من سمين الغنم ونفيسه، وليترك المكاس في شرائه، وليس المقصود تكثير اللحم، إنّما المقصود تزكية النّفس و تطهيرها من صفة البخل و تزيينها بجمال التعظيم للَّه، «لن ينالَ اللَّهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم» وذلك يحصل بمراعاة النفاسة في القيمة.

وسئل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم مابرّ الحجّ؟ فقال: العجّ والثجّ، والعجّ هو رفع الصوت بالتلبية، والثجّ هو نحر البدن.

وعنه صلى الله عليه و آله و سلم: ما عمل آدميٌّ يوم النحر عملًا أحبّ الى اللَّه تعالى من اهراقه دماً.

السابع: أن يكون طيب النفس بما انفقه، من نفقة وبما اصابه من خسران ومصيبة في مال وبدن إن أصابه ذلك، فإنّ ذلك من دلائل قبول حجّه، فإنّ المصيبة في طريق الحج تعدل النفقة في سبيل اللَّه، الدرهم بسبعمائة درهم وهو بمثابة الشدائد في طريق الجهاد. أقول اقتصرنا في دقائق الآداب على هذه السبعة.

4- توديع المسافر

كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا ودّع المؤمنين، قال: زوّدكم اللَّه التقوى ووجّهكم إلى كلّ خير، وقضى لكم كلّ حاجة، وسلّم لكم دينكم ودنياكم، وردّكم سالمين إلى سالمين (1).

الباب الثالث: في المواقيت

1- معنى الميقات


1- 1 الوسائل/ ج 8 ص 297.

ص: 35

الباب الثالث: في المواقيت

ص: 36

ص: 37

1- معنى الميقات

القرآن الكريم:

«يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للنّاس والحجّ» (1)

«الحجّ أشهر معلومات» (2) «واذكروا اللَّه في أيام معدودات» (3) «ويذكروا اسم اللَّه في ايام معلومات» (4).

لسان العرب: الوقت مقدار من الزمان، وكلّ شي ء قدرّت له حيناً فهو موقّت.

واستعمل سيبويه لفظ الوقت في المكان تشبيهاً بالوقت في الزمان؛ لأنّه مقدار مثله، والميقات الوقت المضروب للفعل والموضع، يقال هذا ميقات أهل الشام للموضع الذي يحرمون منه.

وفي الحديث أنّه وقّت لاهل المدينة ذا الحليفة.

وفي المستند المواقيت جمع الميقات والمراد منه الامكنة المعيّنة شرعاً للاحرام، وبيانه أنّ الاحرام الذي هو أوّل افعال الحج والعمرة يجب ايقاعه في


1- 1 بقرة/ 189
2- 2 بقرة/ 197.
3- 3 بقرة/ 203.
4- 4 الحج/ 28.

ص: 38

موضع معيّن، وقد قرّر الشارع لكلّ طائفة موضعاً خاصاً يجب عليه احرامه منه، وباعتبار تعدّد تلك الطوائف تكثرت المواقيت.

2- تعداد المواقيت

قال في المستند: من الفقهاء من جعلها خمسة. ومنهم من قال: إنّها ستّة. ومنهم من حصرها في سبعة، ومنهم في عشرة، ولكلّ منها نكتة في تعيين العدد بحسب نظره. وقال: مجموع المواقيت التي يتحقق فيها الاحرام عشرة:

الأوّل: العقيق وهو: ميقات العراقيّين والنجديّين ومَن والاهم.

الثاني: مسجد الشجرة وهو: ميقات أهل المدينة.

الثالث: الجحفة وهو: ميقات أهل الشام، وهو أيضاً ميقات أهل مصر ومغرب.

الرابع: يلملم وهو: ميقات أهل اليمن: ويقال الملم ويرمرم جبل على مرحلتين من مكة.

الخامس: قرن المنازل بفتح القاف وسكون الراء وهو: ميقات أهل الطائف.

السادس: مكة وهو: ميقات حجّ التمتّع.

السابع: دويرة الاهل، ميقات مَن كان منزله أقرب من المواقيت الخمسة الى مكة، فإنّ ميقاته دويرة أهله أي منزله بلا خلاف يعرف.

الثامن: محاذاة الميقات وهو: ميقات مَن حجّ على طريق لايفضي الى أحد المواقيت.

التاسع: ادنى الحل و هو: ميقات العمرة المفردة الواقعة بعد حج الافراد والقران.

العاشر: فخّ وهو: ميقات الصبيان في الجملة.

ص: 39

لزوم الاحرام من الميقات

الإمام الصادق عليه السلام: من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لاتجاوزها إلّاوأنت محرم (1).

وفي الحدائق: يجب الإحرام من المواقيت المتقدّمة على كلّ مَن دخل مكّة، فلا يجوز لأحد دخولها بغير إحرام إلّاما استثني.

محمد بن مسلم: سألت أبا جعفر عليه السلام هل يدخل الرجل مكّة بغير إحرام؟ فقال:

لا، إلّاأن يكون مريضاً أو به بطن.

وفي صحيح آخر عن عاصم بن حميد: قلت لابي عبد اللَّه عليه السلام أيدخل أحد الحرم الّا محرماً؟ قال: لا، إلّامريض أو مبطون (2).

كيف ينبغي أن يكون العمل في الميقات

في الحديث المنسوب إلى الإمام السجاد قال عليه السلام للشبلي: هل نزلت الميقات وتجرّدت عن مخيط الثياب واغتسلت؟ قال نعم. قال الإمام عليه السلام: فحين نزلت الميقات نويت أنّك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟ قال: لا. قال عليه السلام فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك نويت أنك تجردت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟ قال: لا. قال عليه السلام: فحين اغتسلت نويت أنك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟ قال: لا. قال عليه السلام: فما نزلت الميقات ولاتجرّدت عن مخيط الثياب ولااغتسلت (3).

أقول: القرائن المختلفة في الخبر تشهد بأنّ الإمام عليه السلام أراد فوت كمال الحج لا صورة الحج وأفعاله.


1- 1 الوسائل/ ابواب المواقيت.
2- 2 ق ج 15 ص 123.
3- 3 مستدرك الوسائل/ ج 2 ص 186.

ص: 40

3- أحكام المواقيت

- أن يكون الاحرام من الميقات سواء كان نسك حجّ أم عمرة.

- أن لا يتجاوز المواقيت بغير إحرام، فإن تعمّد التجاوز وجب العود الى ميقاته، فإن تعذّر بطل النسك، وإن كان ناسياً أو جاهلًا وتعذّر العود رجع الى حيث أمكن وإلّا أحرم من موضعه.

- عدم جواز تقديم الاحرام على الميقات إلّالمن نذر الإحرام قبله.

- أنّه لو سلك طريقاً بين ميقاتين احرم عند محاذاة الميقات (محاذاة أوّل الميقاتين).

- انّه لو لم يحاذ ميقاتاً ففي إحرامه من أدنى الحل، أو من مساواة اقرب المواقيت الى مكّة وجهان.

- انّه لو منع مانع من الاحرام من الميقات جاز تأخيره عنه، قاله الشيخ رحمه الله.

- انّه لوجنّ في الميقات او اغمي عليه احرم عنه وليّه وجنّبه ما يتجنّب عنه المحرم الى غير ذلك من الأحكام.

- انّ الصبيان يحرمون من فخّ يصنع بهم ما يصنع بالمحرم (1).

الباب الرابع: في العمرة

حج سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم

اشارة

1- 1 الدروس/ ص 95.

ص: 41

الباب الرابع: في العمرة

ص: 42

ص: 43

وقبل الورود في بيان كيفية العمرة والحجّ نتبرّك بحديث حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم الذي علّم الناس فيه شرايع الحجّ.

حج سيدنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم

الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج. ثم أنزل اللَّه عزّوجلّ «وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالًا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق».

فأمر المؤذنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يحجّ في عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والاعراب، فاجتمعوا لحج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وإنّما كانوا تابعين ينظرون مايؤمرون به فيتّبعونه أو يصنع شيئاً فيصنعونه.

فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في اربع بقين من ذي القعدة، فلمّا انتهى الى ذي الحليفة، فزالت الشمس اغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر، ثم عزم على الحج مفرداً، وخرج حتى انتهى الى البيداء عند الميل الاول، فصفّ له سماطان، فلبّى بالحجّ مفرداً وساق الهدى ستاً وستين أو أربعاً وستين حتى انتهى الى مكّة في سلخ أربع من ذي الحجّة، فطاف بالبيت سبعة اشواط. ثم صلّى

ص: 44

ركعتين خلف مقام ابراهيم، ثم عاد الى الحجر فاستلمه، وقد كان استلمه في أوّل طوافه.

ثم قال: إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه، فابدأ بما بدأ اللَّه عزّوجلّ به. وإنّ المسلمين كانوا يظنّون أنّ السعي بين الصّفا والمروة شي ء صنعه المشركون، فأنزل اللَّه عزّوجلّ: «إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطوّف بهما» ثم أتى الصفا فصعد عليه واستقبل الركن اليماني فحمد اللَّه وأثنى عليه، ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسّلًا، ثم انحدر الى المروة حتى فرغ من سعيه.

فلمّا فرغ من سعيه وهو على المروة اقبل على النّاس بوجهه فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إنّ هذا جبرئيل عليه السلام وأومى بيده الى خلفه يأمرني ان آمر من لم يسق منكم هدياً أن يحلّ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما امرتكم، ولكنّي سقت الهديَ ولا ينبغي لسائق الهديِ أن يحلّ حتى يبلغ الهديُ محلّه. قال:

فقال رجل من القوم: لنخرجنّ حجّاجاً وشعورنا تقطر. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: أمّا إنّك لن تؤمن بهذا أبداً. فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني: يا رسول اللَّه علّمنا ديننا كأنّا خلقنا اليوم، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل؟ فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: بل هو للأبد الى يوم القيامة، ثم شبك أصابعه، وقال: دخلت العمرة في الحج هكذا الى يوم القيامة (1).

اقول: اكتفينا بهذا المقدار من الحديث في هذا المقام، ومَن أراد كلّه فليرجع الى التهذيب وساير المآخذ المعتبرة، ونحن نذكر باقي افعاله في المقامات المناسبة.

ويقرب مما ذكرنا من حديث حجّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم ما ذكره البخاري في صحيحه بعبارات متعددة في المجلد الأول، في الجزء الثاني ص 174 في ستة ابواب فراجع.

وإذا عرفت ذلك فلنرجع الى ما وعدنا به من بيان واجبات العمرة.


1- 1 الوافي/ ج 13 ص 169 عن التهذيب.

ص: 45

الفصل الأول: آداب الاحرام من الميقات ستة
اشارة

في الإحرام من الميقات وهو الواجب الأوّل من أفعال العمرة

قال الفيض في المحجّة: (أمّا الاحرام والتلبية بالميقات) فليعلم أنّ معناه إجابة نداء اللَّه- تعالى فارج أن يكون مقبولًا واخش أن يقال: لك لا لبيك ولا سعديك- فكن بين الرجاء والخوف متردّداً- وعن حولك وقوّتك متبرّئاً، وعلى فضل اللَّه وكرمه متّكلًا، فإنّ وقت التلبية هو بداية الامر وهو محل الخطر.

قال سفيان بن عيينة: حجّ علي بن الحسين عليه السلام فلمّا احرم واستوت به راحلته اصفر لونه، ووقع عليه الرعدة، ولم يستطع ان يلبّي، فقيل له: لم لا تلبّي؟ فقال:

أخشى أن يقول ربّي: لا لبيك ولا سعديك. فليتذكّر الملبّي عند رفع الاصوات بالتلبية في الميقات إجابة لنداء اللَّه تعالى نداء الخلق بنفخ الصور، وحشرهم من القبور، وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبين لنداء اللَّه ومنقسمين الى مقربين وممقوتين ومقبولين ومردودين (1).

الأوّل: أن يغتسل وينوي به غسل الاحرام، ويتّم غسله بالتنظيف والاطلاء، وتقليم الاظفار وقصّ الشارب والسواك، وينبغي أن يوفّر شعر رأسه من أوّل ذي القعدة. الثاني: أن يفارق الثياب االمخيطة ويلبس ثوبي الاحرام طاهرين نظيفين أبيضين ممّا يجوز الصلاة فيه. الثالث: أن يحرم عقيب فريضة: فإن لم يتّفق صلّى ركعتين، وافضل الساعات للإحرام عند زوال الشمس.

الرابع: أن يدعو عقيب الصلاة ويتلفّظ بما يعزم عليه، ويشترط أن يحلّه اللَّه حيث حسبه، وإن لم تكن حجة فعمرة، ففي صحيحة ابن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام:


1- 1 المحجّة/ ص 200.

ص: 46

فإذا انفتلت من الصلوة فاحمد اللَّه- عزّوجلّ- وأثن عليه، وصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم الى قوله اللّهم فتمّم لي حجّتي، الّلهم إنّي أريد التمتّع بالعمرة الى الحج على كتابك وسنّة نبيّك- صلواتك عليه وآله- فإن عرض لي عارض يحبسني فحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليّ، الّلهم ان لم تكن حجّة فعمرة- أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخّي وعصبي من النساء والثياب والطيب ابتغى بذلك وجهك والدار الآخرة.

وفي صحيحة حمّاد بن عثمان عنه عليه السلام قال: قلت: إنّي اريد أن اتمتّع بالعمرة الى الحجّ، فكيف اقول؟ قال عليه السلام: تقول: الّلهم إنّي أريد أن اتمتع بالعمرة الى الحجّ على كتابك وسنّة نبيك، وإن شئت اضمرت الذي تريد.

الخامس: الإتيان بالتلبية بعد التهيّؤ والعزم (والنية) وصورة التلبية:

لبيك اللّهم لبيك- لبيك لا شريك لك لبيك- إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

والقارن، بالخيار بين أن يعقد إحرامه بالتلبية او الاشعار او التقليد وبأيّها بدأ كان الآخر مستحباً، والاشعار أن يطعن في سنامه من الجانب الايمن قيل ويلطّخ صفحته بدمه- والتقليد أن يقلّد في رقبته نعلًا خلقاً.

السادس: أن يكثر من التلبية ويكرّرها في دوام الاحرام، خصوصاً قوله (لبيك ذا المعارج لبيك) (1).

وفي العروة: واجبات الاحرام ثلاثة 1- (النية) بمعنى القصد اليه 2- (التلبيات الأربع) وصورتها على القول القويّ لبيك اللّهم لبيك- لبيك لا شريك لك لبيك، كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمّار والزوائد مستحبّة 3- (ولبس الثوبين) بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه- والاقوى عدم كون لبسهما شرطاً في تحقق الاحرام بل كونه واجباً تعبّدياً.


1- 1 المحجة/ ج 2 ص 166.

ص: 47

فائدة الاشتراط
اشارة

قال المجلسي طاب ثراه عند التعرّض لحديث الاشتراط (قال أو لم يقل):

أجمع علماؤنا واكثر العامّة على أنّه يستحب لمن اراد الاحرام بالحج أو العمرة، أن يشترط على ربّه عند عقد إحرامه أن يحلّه حيث حبسه واختلف في فائدته على أقوال.

أحدها: أنّ فائدته سقوط الهدي مع الاحصار والتحلل بمجرد النيّة.

ثانيها: ما ذكره المحقق من أنّ فائدته جواز التحلّل عند الاحصار من غير تربص الى أن يبلغ الهدي محلّه.

ثالثها: أنّ فائدته سقوط الحج في القابل عمّن فاته الموقفان، ذكره الشيخ في التهذيب واستشكل فيه العلّامة.

رابعها: فائدته استحقاق الثواب بذكره في عقد الاحرام كما هو ظاهر هذا الخبر (قال أو لم يقل).

وقال في المدارك: الذي يقتضيه النظر أنّ فائدته سقوط التربّص عن المحصر، كما يستفاد من قوله: وحلّني حيث حبستني (1). وسقوط الهدي عن المصدود بل لا يبعد سقوطه موضع الحصر أيضاً.

علة التلبية

الحلبي، عن الإمام الصادق عليه السلام: سألته لم جعلت التلبية؟ فقال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أوحى إلى إبراهيم «وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالًا» فنادى فأجيب من كلّ فجّ عميق يلبّون (2).

سليمان بن جعفر، عن الامام أبي الحسن عليه السلام سألته عن التلبية وعلّتها، فقال:


1- 1 المرآة/ ج 17 ص 261.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 184.

ص: 48

إنّ الناس إذا احرموا ناداهم اللَّه- تبارك وتعالى فقال: يا عبادي وإمائي لأحرمنّكم على النار كما أحرمتم لي فيقولون: لبيك اللّهم لبيك إجابةً للَّه- عزّوجلّ- على ندائه إياهم (1).

العجّ والثجّ

الإمام الصادق عليه السلام: نزل جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا محمد مر أصحابك بالعجّ والثجّ، فالعجّ رفع الصوت بالتلبية، والثجّ نحر البدن (2).

مالك بن أنس فقيه المدينة: حججت مع الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام سنةً فلمّا استوت به راحلته عند الاحرام، كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ من راحلته، فقلت: يابن رسول اللَّه! ولابدّ لك من أن تقول، فقال: يابن أبى عامر كيف اجسر أن اقول: لبيك اللّهم لبيك، وأخشى ان يقول عزّوجلّ لي: لا لبيك ولا سعديك (3).

محرمات الاحرام
اشارة

يحرم على المحرم أربعة وعشرون أمراً:

1- صيد الحيوان البرّي.

2- النساء وطءاً وتقبيلًا ونظراً بشهوة وكلّ لذّة منها.

3- عقد النساء لنفسه أو لغيره.

4- الاستمناء.

5- استعمال الطيب والرائحة الطيّبة.

6- لبس المخيط للرجال.


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 187.
3- 3 البحار/ ج 99 ص 182.

ص: 49

7- الاكتحال بالسواد إن كان فيه زينة.

8- النظر في المرآة.

9- لبس ما يستر جميع ظهر القدم للرجال.

10- الفسوق.

11- الجدال.

12- قتل هوامّ الجسد.

13- لبس الخاتم للزينة.

14- لبس المرأة للحلي.

15- تدهين البدن.

16- إزالة الشعر عن بدنه أو بدن غيره.

17- تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطيه.

18- تغطية المرأة وجهها.

19- التظليل فوق الرأس للرجال حال السير.

20- إخراج الدم من البدن.

21- تقليم الاظفار.

22- قلع الضرس.

23- قلع الشجر والنبات من الحرم.

24- حمل السلاح.

أقول: أوصل بعض المراجع المحرمات الى ثلاثين.

تكملة

في مناسك السيد الگلبايگاني 1: تجب الكفّارة في خمسة عشر من المحرّمات المذكورة، وفي بعضها يكون الوجوب احتياطياً.

ص: 50

وهي الصيد والعقد بشرط الدخول- والاستمناء- والوطي- والتقبيل واستعمال الطيب والمخيط للرجال، والجدال، وإزالة شعر الرأس وتغطية الرأس للرجال، وتغطية الوجه للنساء، والتظليل حال السير للرجال، وإخراج الدم من جسده، وتقليم الأظفار، وقلع الضرس، وقلع شجر الحرم.

تذنيب

لا كفّارة على الناسي والجاهل وإن كان مقصراً فيما عدا الصيد.

محل الكفارات

ما يلزم المحرم في احرام حجّه ينحره أو يذبحه بمنى وإن كان معتمراً فبمكّة إن تمكّن من ذلك، وإلّا ففي بلده.

مصرف الكفّارة

منية السائل للخوئي 1: يعطي جميعه للفقراء.

أقول: أشرنا الى بحث الكفارات استطراداً للمناسبة فليطلب تفصيل أحكامها من المآخذ المعدّة لذلك.

دائرة الحرم

مرآت الحرمين ج 1 ص 224

قال تعالى «أوَ لم يروا أنّا جعلنا حرماً آمناً ويُتخطّف النّاس من حولهم» (1).

اعلم أنّه يحيط بالكعبة ثلاث دوائر:


1- 1 العنكبوت/ 66.

ص: 51

الأولى دائرة المسجد، والثانية: دائرة الحرم. والثالثة: دائرة المواقيت، فلا يعدو امرءٌ الدائرة الثالثة قاصداً دخول مكّة إلّاإذا أحرم- لبس ثياب الاحرام وأهلّ بالتلبية فحرمت بذلك عليه محرمات الإحرام- وهي ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، وقرن لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن، وذات عرق للعراقيين.

أقول: وقد ذكرنا المواقيت في الفصل السابق.

وذو الحليفة على عشر مراحل من مكّة، والجحفة على ثلاث .. وذات عرق على مرحلتين، وكذلك قرن المنازل ويلملم.

والدائرة الثانية: دائرة الحرم، وقد نصبت عليها اعلام في جهاتها الأربع، وقد ذكر المسافات بينها وبين المسجد الحرام التقي الفاسي في كتابه شفاء الغرام، ونحن نذكرها نقلًا عنه مبيّنين مقدارها بالأمتار.

حدود الحرم

فحدّ الحرم من جهة الطائف على طريق عرفة من بطن عُرَنَة 3721027 ذراع بذراع اليد أي 18333 متراً وذلك من جُدُر باب بني شيبة إلى العلمين اللذين هما علامة لحدّ الحرم من جهة عرفة.

وحدّه من جهة العراق من جدر باب بني شيبة إلى العلمين اللذين هما علامة لحد الحرم في طريق العراق، واللذين هما بجادّة وادي نخلة 27252 ذراعاً بذراع اليد وتعادل 5/ 13353 متر.

وحدّه من جهة التنعيم وهي طريق المدينة وما يليها 12420 ذراعاً بذراع اليد أي 6148 متراً وذلك من جدر باب العمرة الى اعلام الحرم التي في الأرض من هذه الجهة، لا التي على الجبل.

وحد الحرم من جهة اليمن من جدر باب إبراهيم عليه السلام الى علامة حدّ الحرم في هذه الجهة 2450947 الذراع بذراع اليد وتعادل ذلك 75/ 12009 متر.

ص: 52

وعلى حدّ الحرم من جهة الجنوب مكان يقال له (أضاة).

ومن الغرب بميل قليل الى الشمال قرية (الحديبية) وهي التي تمّت بها بيعة الرضوان.

ومن الشرق على طريق الطائف مكان يقال له (الجعرانة) أحرم منه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مرجعه من الطائف بعد فتح مكة (وهذه الدائرة جعلها اللَّه مثابة للناس وأمناً، بل أمن فيه الحيوان والنبات فحرّم التعرّض لصيدها ومنع أن يُختلى خلالها (حشيشها) أو يعضد شوكها).

وأول من نصب علامات على حدود الحرم، ابراهيم عليه السلام بإرشاد جبريل تعظيماً للبيت وتشريفاً .. انتهى موضع الحاجة من مرآة الحرمين.

أقول: وإليك بعض ما ورد من الأئمة المعصومين عليهم السلام في حرمة الحرم وحدّه.

علّة الحرم

البزنطي، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الحرم واعلامه، كيف صار بعضها اقرب من بعض وبعضها ابعد من بعض؟ فقال عليه السلام: إنّ اللَّه- عزّوجلّ- لمّا هبط آدم من الجنّة اهبطه على أبي قبيس فشكى الى ربّه- عزّوجلّ- الوحشة، وأنه لايسمع ما كان يسمع في الجنّة، فاهبط اللَّه- عزّوجلّ- عليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت، فكان يطوف بها آدم عليه السلام وكان ضوءها يبلغ موضع الأعلام، فعلّمت الاعلام على ضوئها فجعله اللَّه عزّ وجلّ حرماً (1).

الأمن في الحرم

ابن سنان، قال سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قوله تعالى «ومَن دخله كان آمناً» البيت عنى أم الحرم؟ قال عليه السلام: مَن دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمن من


1- 1 الوسائل/ ج 9 ص 334- مرآة العقول/ ج 17 ص 18.

ص: 53

سخط اللَّه، ومَن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم (1).

وعنه عليه السلام: إذا احدث العبد في غير الحرم لم يسع لاحد أن يأخذه فى الحرم، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم، فإنّه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج ويؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم؛ لأنّه لم يدع للحرم حرمته (2).

صيد الحرم

قال عزّ من قائل: «غير محلي الصيد وأنتم حُرم» (3).

الإمام الصادق عليه السلام: لا تستحلنّ شيئاً من الصيد وأنت حرام، ولا أنت حلال في الحرم، ولا تدلنّ عليه محلًا ومحرماً فيصطاده، ولا تشر اليه فيستحلّ من أجلك، فإنّ فيه فداء لمن تعمّده.

الامام الصادق عليه السلام سئل عليه السلام عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم وهو حيّ، فقال: إذا أدخله الحرم فقد حرم عليه أكله وإمساكه، فلا تشترينّ في الحرم إلّا مذبوحاً قد ذبح في الحلّ، ثم جي ء به الى الحرم مذبوحاً فلا بأس به للحلال (4).

الخضوع للحرم

أبان بن تغلب كنت مع أبي عبداللَّه عليه السلام مزامله بين مكة والمدنية، فلمّا انتهى الى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه، ثم دخل الحرم حافياً، فصنعت مثل ما صنع، فقال: يا أبان مَن صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعاً للَّه، محا اللَّه عنه مئة ألف


1- 1 المرآة/ ج 17 ص 70.
2- 2 المرآة/ ج 17 ص 71.
3- 3 المائدة: 1.
4- 4 الوافي/ ج 8 ص 103.

ص: 54

سيئة، وكتب له مئة الف حسنة، وبنى اللَّه له مئة الف درجة، وقضى له مئة الف حاجة (1).

الغسل للحرم

أبو عبيدة الحذّاء قال: زاملت أبا جعفر عليه السلام فيما بين مكّة والمدينة فلمّا انتهى الى الحرم اغتسل، وأخذ نعليه بيديه، ثم مشى في الحرم ساعةً (2).

الدفن في الحرم

الإمام الصادق عليه السلام قال: مَن دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر، فقلت له: مِن برّ الناس وفاجرهم، قال: مِن برّ الناس وفاجرهم (3).

وعنه عليه السلام: من مات في أحد الحرمين بعثه اللَّه من الآمنين، ومن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان، ومن دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر (4).

اللعب في الحرم

زيد الشحام قال: سألت الصادق عليه السلام عن قول اللَّه عزّ وجلّ «ومن عاد فينتقم اللَّه منه» (5)

قال عليه السلام: إنّ رجلًا انطلق وهو محرم فأخذ ثعلباً، فجعل يقرّب النّار الى وجهه، وجعل الثعلب يصيح، ويحدث من استه، وجعل اصحابه ينهونه عمّا يصنع، ثم أرسله بعد ذلك، فبينما الرجل نائم إذ جاءته حيّة، فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلت عنه (6).


1- 1 المرآة/ ج 18 ص 1.
2- 2 الحدائق/ ج 16 ص 76.
3- 3 الوافي/ 12 ص 43.
4- 4 المصدر نفسه.
5- 5 المائدة/ 95.
6- 6 المرآة/ ج 17 ص 395.

ص: 55

الجناية في الحرم

الامام الصادق عليه السلام في حديث: وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم؛ لأنّه لم يرع للحرم حرمة (1).

الإلحاد في الحرم

قوله تعالى «ومَن يُرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» (2).

قيل للصادق عليه السلام: إنّ سبُعاً من سباع الطير على الكعبة ليس يمرّ به شي ء من حمام الحرم إلّاضربه، فقال: انصبوا له واقتلوه فإنّه قد ألحد (3).

لقطة الحرم

اللقطة إن كانت قيمتها درهماً أو أزيد وجب عليه تعريفها، والفحص عن صاحبها، فإن لم يظفر به، فإن كانت لقطة الحرم تخيّر بين أمرين التصدّق بها مع الضمان كاللقطة في غير الحرم. أو إبقاؤها وحفظها لمالكها فلا ضمان عليه، وليس له تملّكها، وإن كانت لقطة غير الحرم تخيّر بين امور ثلاثة: تملّكها والتصدّق بها مع الضمان فيها، وابقاؤها أمانة بيده من غير ضمان (4).

وفي اللمعة: ما كان منه في الحرم حَرمَ أخذه بنيّة التملّك مطلقاً قليلًا كان أم كثيراً لقوله تعالى «أوَ لم يروا أنّا جعلنا حرماً آمناً» (5).

وقال الشارح، وللأخبار الدالّة على النهي عنه مطلقاً، وفي بعضها عن


1- 1 البحار/ ج 99 ص 74.
2- 2 الحج/ 25.
3- 3 الوافي/ ج 12 ص 85.
4- 4 التحرير/ ج 2 ص 225.
5- 5 العنكبوت/ 67.

ص: 56

الكاظم عليه السلام: لقطة الحرم لا تمس بيد ولا رجل، ولو أنّ الناس تركوها لجاء صاحبها وأخذها. وذهب بعضهم الى الكراهة مطلقاً استضعافاً لدليل التحريم، امّا في الآية فمن حيث الدلالة، واما في الخبر فمن جهة السند.

حصاة الحرم

ومن فضائل الحرم تحريم إخراج احجاره وترابه الى الحلّ سواء قل أو كثر (1).

حشرات الحرم

الامام الباقر عليه السلام قال: أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بقتل الفأرة في الحرم والأفعى والعقرب والغراب الأبقع ترميه فإن أصبته فأبعده اللَّه، وكان صلى الله عليه و آله و سلم يسمّي الفأرة (الفويسقة) وقال: إنّها توهي السقاء وتضرم البيت على أهله (2).

وفي منهاج الأحرام ص 259: ان الاقوى عدم جواز قتل شي ء من سباع الطير كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك مع عدم ايذائهن في الحرم، ويجوز قتل السباع إذا ارادته، وسباع الطير مع ايذائهن حمام الحرم مثلًا، بالإجماع والنصّ.

وقال: يجوز قتل هوامّ الأرض في الحرم إذا ارادته، واذا لم ترده فالأحوط بل الأقوى عدم الجواز (3).

وقال: الأحوط للمحرم الاجتناب عن قتل كلّ دابّة وغيرها ممّا لا يسمى لصغره وحقارته، ولا يطلق عليه الصيد لعدم امتناعه، من هوامّ جسد الانسان أو الحيوان أو ما تولّد في غيرهما كالمتولّد في التمر والفواكه والمياه والأطعمة المنتنة، وغير المتولّد كالذباب والبعوض والخنفساء والدود والدباء وجميع حيوانات الصغار (4).


1- 1 الجامع اللطيف ص 171.
2- 2 الوافي/ ج 8 ص 126 «الايهاء» الخرق.
3- 3 المصدر نفسه.
4- 4 المصدر نفسه.

ص: 57

مكّة المكرمة
اشارة

قال تعالى «وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً آمناً» (1).

وقال تعالى «وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام» (2).

مكة المكرمة هي البلد الذي لم يكن له نظير في العالم، وهو من أشهر مدن العالم كلّه، وهي عاصمة بلاد العرب، وفيها البيت العتيق الذي يحجّ اليه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها.

أسماء مكّة

لهذا البلد أسماء متعددة، و نحن نقتصر على بعض ما ورد منها في المصحف الشريف.

1- البلد الأمين: وقد أقسم اللَّه به في قوله: «والتّين والزيتون* وطور سينين* وهذا البلد الأمين» (3)

2- مكّة قال اللَّه تعالى «وهو الذي كفّ ايديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم» (4)

سمّيت بذلك لقلّة مائها أخذاً من قولهم (امتكّ الفصيل ضرع أمّه) اذا امتصّه- وقيل لأنّها تحكّ الذنوب أي تذهب بها.

3- بكّة بالباء الموحّدة قال اللَّه تعالى «إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً وهدًى للعالمين» (5).


1- 1 البقرة/ 126.
2- 2 ابراهيم/ 35.
3- 3 التين/ 1- 3.
4- 4 الفتح/ 24.
5- 5 آل عمران/ 96.

ص: 58

4- أم القرى قال اللَّه تعالى «ولتنذر أمّ القرى ومَن حولها» (1).

الامام الصادق عليه السلام: إنما سميت مكّة بكّة؛ لأن الناس يتباكون فيها.

وعن الامام الباقر عليه السلام انمّا سميت مكّة بكّة لأنّه؛ يبكّ الرجال والنساء، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك إنمّا يكره في سائر البلدان (2).

فضل مكّة المكرمة
اشارة

من فضلها: دعاء ابراهيم عليه السلام لها ولأهلها، قال اللَّه- تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلام: «ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلّهم يشكرون» (3).

إتمام الصلوة فيها وفي المدينة المنورة

فعن علي بن مهزيار، قال: كتبت الى أبي جعفر عليه السلام أنّ الرواية قد اختلفت من آبائك في الإتمام والتقصير في الحرمين، الى أن قال: فكتب بخطّه قد علمت يرحمك اللَّه فضل الصلوة في الحرمين على غيرهما فإنّي احبّ لك اذا دخلتهما ان لاتقصّر وتكثر فيهما الصلوة. فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: إني كتبت اليك بكذا واجبتني بكذا. فقال: نعم. فقلت: أي شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: مكّة والمدينة (4).

أنها أحبّ الأراضي

الامام الصادق عليه السلام: أحبّ الأراضي الى اللَّه- عزّ وجلّ- مكّة. وما تربةٌ أحبّ الى اللَّه من تربتها، ولا حجر أحبّ الى اللَّه من حجرها، ولا شجر أحبّ الى اللَّه من شجرها، ولا جبال احبّ الى اللَّه من جبالها، ولا ماء أحبّ الى اللَّه من مائها (5).


1- 1 الانعام/ 92.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 78.
3- 3 ابراهيم/ 37.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 221.
5- 5 الفقيه/ ص 215.

ص: 59

لزوم حرمتها

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، يوم فتح مكّة: انّ اللَّه تبارك وتعالى حرّم مكّة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام الى أن تقوم الساعة لم تحلّ لأحد من قبلي. ولا تحلّ لاحد من بعدي. ولم تحل لي الّا ساعة من النّهار (وفي خبر آخر) ثم جعلها حراماً ما دامت السموات والأرض (1).

مضاعفة الثواب

الامام السجاد عليه السلام: تسبيحة بمكّة افضل من خراج العراقين ينفق في سبيل اللَّه.

وقال عليه السلام: من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتى يرى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ويرى منزله في الجنة (2).

الإمام الباقر عليه السلام: الساجد بمكّة كالمتشحط بدمه في سبيل اللَّه (3).

الموت في طريق مكة

الامام الصادق عليه السلام: من مات في طريق مكّة ذاهباً أو جائياً أمن من الفزع الأكبر يوم القيمة (4).

الدخول في مكّة المكرّمة

يونس بن يعقوب قال: قلت لابي عبد اللَّه عليه السلام: من أين ادخل مكّة وقد جئت


1- 1 الفقيه/ ص 216.
2- 2 الوافي/ ج 12 ص 44.
3- 3 البحار/ ج 99 ص 82.
4- 4 المرآة/ ج 17 ص 137.

ص: 60

من المدينة؟ فقال عليه السلام: ادخل من أعلى مكّة وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكّة (1).

قال المجلسي (قدّس سرّه): الظاهر أنّ استحباب الدخول من الأعلى والخروج من الأسفل عام.

وفي المنهاج: يستحب لمن دخل مكّة من اعلاها ويخرج من اسفلها ص 291.

وفي البخاري ج 1 ص 178: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يدخل من الثنيّة العليا ويخرج من الثنية السفلى (2).

استحباب الدخول مع الطهارة

ففي المصحف الشريف: «وعهدنا الى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والرّكع السجود» (3).

«وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود» (4).

وعن العترة الطاهرة:

قال الإمام الصادق عليه السلام: ينبغي للعبد أن لايدخل مكة إلّاوهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهّر.

وفي الدروس: واذا أتى مكّة يستحب له أمور (أحدها): الغسل لدخولها ودخول مسجدها، والدخول من باب بني شيبة. (ثانيها): دخول الكعبة وخصوصاً الصرورة (ثالثها): اتيان الحطيم وهو ما بين الباب والحجر الاسود، وهو أشرف البقاع والصلاة عنده والدعاء، والتعلق بأستار الكعبة (رابعها) الشرب من ماء زمزم (خامسها) الاكثار من الطواف (سادسها) ختم القرآن بمكّة فقد روي عن السجّاد عليه السلام: مَن ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ويرى منزله في الجنة (سابعها) إذا جلس في المسجد، جلس قبالة الميزاب مستقبلًا


1- 1 المرآة/ ج 18 ص 8.
2- 2 ص 36.
3- 3 البقرة/ 125.
4- 4 الحج/ 26.

ص: 61

للبيت (ثامنها) الصلاة في موضع المقام قديماً وخلف المقام الآن (تاسعها) زيارة المواضع الشريفة بمكّة.

كراهة المجاورة بمكة المكرمة

الامام الصادق عليه السلام: انه كره المقام بمكة؛ وذلك أنّ رسول اللَّه اخرج عنها، والمقيم بها يقسو قلبه حتى يأتي فيها ما يأتي (به) في غيرها (1).

وعنه عليه السلام: إذا قضى احدكم نسكه فليركب راحلته وليلتحق باهله فإنّ المقام بمكة يقسي القلب (2).

وفي الدروس: مكّة افضل بقاع الأرض ما عدا موضع قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وروي في كربلاء على ساكنها السلام مرجّحات، والاقرب انّ مواضع قبور الأئمة عليهم السلام كذلك، أمّا البلدان التي هم بها فمكّة افضل منها حتى من المدينة.

واختلفت الرواية في كراهية المجاورة بها واستحبابها، والمشهور الكراهية، إمّا لخوف الملالة وقلّة الاحترام، وإمّا لخوف ملابسة الذنوب فإنّ الذنب بها أعظم.

قال الصادق عليه السلام: كلّ الظلم فيها إلحاد حتى ضرب الخادم.

ولذلك كره الفقهاء سكنى مكّة، وامّا ليدوم شوقه اليها اذا اسرع خروجه منها، ولهذا ينبغي الخروج منها عند قضاء المناسك.

وروي أنّ المقام بها يقسي القلب.

والأصح استحباب المجاورة للواثق من نفسه بعدم هذه المحذورات (3).

اقول: مما يدلّ على الاستحباب، ما رواه في المستدرك عن عوالي اللئالي عن النبّي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال في مكّة: ما اطيبك من بلد وأحبّك إليّ ولولا أنّ قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك.

وفي تفسير الامام عليه السلام: لولا أنّ اهلك اخرجوني عنك ما آثرت عليك بلداً


1- 1 البحار/ ج 99 ص 80.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 81.
3- 3 الدروس/ ص 139.

ص: 62

ولا ابتغيت عنك بدلًا (1).

سواء العاكف فيه والباد

الامام الصادق عليه السلام، ذكر عنده الآية المباركة «سواء العاكف فيه والباد» (2)

قال عليه السلام: كانت مكة ليس على شي ء منها باب، وكان اوّل من علّق على بابه المصراعين معوية بن ابي سفيان، وليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاج شيئاً من الدور ومنازلها (3).

عن علي عليه السلام: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أهل مكّة أن يؤاجروا دورهم، وأن يعلّقوا عليها أبواباً وقال: «سواء العاكف فيه والباد» قال: وفعل ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام حتى كان في زمن معاوية (4).

وعن طريق أهل السنّة

انّ عمر بن الخطّاب قال:

يا أهل مكّة لا تتخذوا لدوركم أبواباً؛ لينزل البادي حيث شاء، ونهى عن اجارة بيوت مكّة وبيع رباعها (5).

خطبة النّبي صلى الله عليه و آله و سلم يوم فتح مكة

عن أبي جعفر عليه السلام: لمّا كان يوم فتح مكّة قام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خطيباً فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب أن اللَّه قد أذهب عنكم بالاسلام


1- 1 الوسائل/ باب 11 من ابواب مقدمات الطواف.
2- 2 الحج/ 25.
3- 3 البحار/ ج 99 ص 100.
4- 4 الحج في القرآن/ ص 470.
5- 5 الخبر نقلًا عن مصنف عبد الرزاق/ ج 5 ص 147، وتفسير ابن كثير ج 3 ص 224.

ص: 63

نخوة الجاهلية والتفاخر بآبائها وعشائرها. أيها الناس إنّكم من آدم وآدم من الطين، ألا وأنّ خيركم عند اللَّه وأكرمكم عليه اليوم أتقاكم وأطوعكم له (1).

حدود مكة

التاج الجامع للاصول ج 2 ص 127 عن ابن عمر أنّ النبّي صلى الله عليه و آله و سلم دخل من كداء من الثنيّة العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى (2).

كداء كسماء وبالصرف وعدمه، الثنية هي العقبة في الطريق. ومكّة بين ثنيّتين عليا وهي التي في طريق المقابر الآتي من منى شرقي مكّة، وسفلى وهي التي غربي مكّة نحو جدّة، فكان النبّي صلى الله عليه و آله و سلم يدخل مكّة من علياها ويخرج من سفلاها.

اقول: لا يبعد أن تكون الثنيّة العليا عقبة الحجون وعقبة الابطح التي سطّحت في عصرنا وصارت الأخيرة بمنزلة الميدان المعروف بالمعابدة، وقد نصبت العلامة من جانب البلديّة في الميدان (طرق الابطح).

والذي يقوى في ظني أنّ عقبة الحجون في عهد النبّي صلى الله عليه و آله و سلم كانت خارج مكّة، وكان حدّ مكّة الحجون، ويمكن ان يستشعر ذلك من الخبر المنقول في اصول الكافي ج 1 ص 449 فراجع.

ويؤيّد التحديد المذكور مانقل عن الدروس: يستحب دخول مكّة من اعلاها من عقبة المدنيّين، والخروج من اسفلها من ذي طوى داعياً حافياً بسكينة ووقار.

وقد يعبّر عنه بدخوله من ثنيّة كداء بالفتح والمدّ وهي التي ينحدر منها الى الحجون مقبرة مكّة، وبخروجه من ثنيّة كُدا بالضم والقصر منوناً وهي اسفل مكّة (3).

ويؤيد ذلك أيضاً ما في تاريخ الازرقي الجزء الثاني ص 200: ومسجد


1- 1 السفينة/ خطب.
2- 2 رواه الخمسة.
3- 3 المرآة/ ج 18 ص 8.

ص: 64

بأعلى مكّة يقال له مسجد الجنّ، وهو الذي يسمّيه أهل مكّة مسجد الحرس، وإنّما سمي مسجد الحرس، أنّ صاحب الحرس كان يطوف بمكّة حتى اذا انتهى اليه وقف عنده ولم يجزه حتى يتوافى عنده عرفاؤه وحرسه يأتونه من شعب بني عامر ومن ثنيّة المدنيين، فإذا توافوا رجع منحدراً الى مكّة.

وفي تاريخ الفاكهي/ ج 4 ص 179 عن عطا قال: إنّ النبّي صلى الله عليه و آله و سلم دخل عام حجّة الوداع من اعلى مكّة من ثنيّة المقبرة، الحديث.

والتحقيق أنّ ثنية المدنيين هي التي تسمى اليوم ثنية الحجون.

وعلى هذا تكون المعلاة وما والاها خارجاً عن مكّة في زمن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فلو افتى فقيه بوجوب الإحرام لحجّ التمتع من مكّة القديمة كما قد يظهر ذلك من مناسك السيد الخوئي (قدّس سرّه) فلا يصح الاحرام في غير هذين الحدّين واللَّه أعلم.

دائرة المسجد الحرام

قال اللَّه تعالى «لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء اللَّه آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين» (1).

وقال تعالى «إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام» (2).

المسجد الحرام: موقعه وسط مكّة المكرّمة تقريباً، وفي عصرنا شكله مستطيل بعد ما كان قبل ذلك مربعاً، وفي وسط المسجد الكعبة المقدّسة.

فضل المسجد الحرام

ونشير الى بعض ما ورد في فضل هذا المسجد الشريف:

فعن النبّي صلى الله عليه و آله و سلم: صلاة في مسجدي تعدل عند اللَّه عشرة آلاف صلاة في غيره


1- 1 الفتح/ 27.
2- 2 التوبة/ 28.

ص: 65

من المساجد إلّاالمسجد الحرام فإنّ الصلوة فيه تعدل مئة ألف صلاة (1).

وعن علي عليه السلام: لا تشدّ الرّحال إلّاإلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ومسجد الكوفة (2).

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة الف صلاة في غيره من المساجد (3).

وعن النبّي صلى الله عليه و آله و سلم: لا تشدّ الرّحال إلّالثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم والمسجد الأقصى (4).

آداب الدخول في المسجد الحرام

الإمام الصادق عليه السلام في حديث: فإذا انتهيت الى باب المسجد فقم وقل: «السلام عليك أيّها النبّي ورحمة اللَّه وبركاته، بسم اللَّه وباللَّه ومن اللَّه وما شاء اللَّه، والسّلام على أنبياء اللَّه ورسله، والسلام على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم والسّلام على إبراهيم، والحمد للَّه ربّ العالمين» فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت، وقل «اللهم إني اسألك في مقامي هذا وفي أوّل مناسكي أن تقبل توبتي، وان تجاوز عن خطيئتي، وتضع عني وزري، الحمد للَّه الذي بلغني بيته الحرام، اللهم إني أشهد انّ هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمناً مباركاً وهدًى للعالمين» (5).

المستحبات قبل الشروع في الطواف

* الغسل لدخول المسجد الحرام


1- 1 البحار/ ج 99 ص 241.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 241.
3- 3 المصدر نفسه.
4- 4 صحيح البخاري/ ج 1 ص 76.
5- 5 المرآة/ ج 18 ص 12.

ص: 66

* دخول المسجد من باب بني شيبة التي صارت الآن في نفس المسجد، فقد ورد فيه عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث المأزمين وأنّه موضع عبدت فيه الأصنام، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمى به عليّ من ظهر الكعبة لمّا كان على ظهر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فأمر به فدفن عند باب بني شيبة، فصار الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك (1).

* الوقوف عند محل باب بني شيبة، أو عند باب المسجد الآن على سكينة ووقار وخشوع، والسّلام على النبّي صلى الله عليه و آله و سلم والدعاء بالمأثور (على ما كتب في الأدعية)

* إذا دخل المسجد يستحب له أن لا يتشاغل بشي ء حتى يطوف، نعم إذا دخل المسجد والامام مشتغل بالفريضة صلّى معه، فإذا فرغ من صلاته اشتغل بالطواف، وكذا إذا قربت إقامة الصلاة (2).

وعن فقه الرضا عليه السلام: ادخل المسجد من باب بني شيبة فقل: بسم اللَّه وباللَّه وعلى ملّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم (3).

ما تشاهده في المسجد الحرام
الكعبة المقدسة
اشارة

قال تعالى «وإذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وأمناً» (4).

«وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت» (5).

«جعل اللَّه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس» (6).


1- 1 الوسائل/ ج 9 ص 323.
2- 2 المنهاج/ ص 299.
3- 3 المستدرك ...
4- 4 البقرة/ 125.
5- 5 البقرة/ 127.
6- 6 المائدة/ 97.

ص: 67

الإمام الصادق عليه السلام في حديث: فاذا دخلت المسجد فارفع يديك، واستقبل البيت، وقل «الّلهم إني أسألك في مقامي هذا وفي أوّل مناسكي ان تقبل توبتي وان تتجاوز عن خطيئتي، وتضع عنّي وزري، الحمد للَّه الذي بلغني بيته الحرام، الّلهم إنّي أشهد أنّ هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمناً ومباركاً وهدىً للعالمين، الّلهم إنّي عبدك والبلد بلدك، والبيت بيتك جئت اطلب رحمتك وأؤمّ طاعتك، مطيعاً لامرك، راضياً بقدرك، اسألك مسألة المضطرّ اليك الخائف لعقوبتك، اللّهم افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني بطاعتك ومرضاتك» (1).

وعن فقه الرضا عليه السلام: إذا نظرت الى البيت فقل: «اللّهم انت السّلام ومنك السّلام، فحيّنا ربّنا بالسلام اللّهم هذا بيتك الذي شرفت وعظمت وكرّمت، اللّهم زد له تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبرّاً ومهابة» (2).

وعن الفقيه: إذا دخلت المسجد فانظر الى الكعبة، وقل: «الحمد للَّه الذي عظّمك وشرّفك وكرّمك وجعلك مثابةً للناس وأمناً وهدًى للعالمين» (3).

النظر الى الكعبة

عن رسول اللَّه عليه السلام: النظر الى الكعبة حيالها يهدم الخطايا هدماً (4).

الصدوق (قدّس سرّه): روي أنّ النظر الى الكعبة عبادة (5) ...

الحكمة في النظر

1- 1 الجامع/ ج 11 ص 273.
2- 2 المصدر/ ص 272.
3- 3 الجامع/ ج 11 ص 275.
4- 4 البحار/ ج 99 ص 61.
5- 5 الوسائل/ ج 9 ص 364.

ص: 68

في المحجّة ج 2 ص 201: وأمّا وقوع البصر على البيت فينبغي أن تحضر عنده عظمة البيت في القلب وتقدّر كأنك مشاهد لربّ البيت، وأرج ان يرزقك لقاءَه كما رزقك لقاء البيت، واشكر اللَّه على تبليغه إياك هذه الرتبة، وإلحاقه اياك بزمرة الوافدين اليه، واذكر عند ذلك انقسام الناس الى مأذونين في الدخول في الجنّة، ومصروفين عنه انقسام الحاج الى مقبولين ومردودين.

بناء الكعبة

قال الأزرقي في تأريخه (1):

أول من بناها الملائكة، ثم آدم عليه السلام ثم شيث ثم ابراهيم ثم العمالقة ثم جرهم، ثم قصي بن كلاب الجدّ الرابع للنبّي صلى الله عليه و آله و سلم ثم قريش، ثم عبداللَّه بن زبير، ثم الحجّاج بن يوسف في عصر مروان بن الحكم سنة 73 هجريّة وهو البناء الموجود الآن.

وجه التسمية بالبيت الحرام

قال حنّان: قلت للإمام الصادق عليه السلام: لِمَ سمي بيت اللَّه الحرام؟ قال عليه السلام: لأنه حرم على المشركين أن يدخلوه (2).

وجه التسمية بالكعبة

عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في جواب سؤال اليهودي: سميت الكعبة لأنّها وسط الدنيا (3).

وعن الصادق عليه السلام: سمّيت الكعبة كعبة لأنها مربّعة، قيل له: ولم صارت مربّعة؟

قال: لأنّها بحذاء البيت المعمور وهو مربع، فقيل له: ولم صار البيت المعمور مربعاً؟

قال: لأنّه بحذاء العرش وهو مربّع، فقيل له: ولم صار العرش مربعاً؟ قال: لأنّ الكلمات التي بني عليها الاسلام أربع وهي: سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله الّا اللَّه


1- 1 ص 6.
2- 2 العلل/ باب 138.
3- 3 المصدر نفسه.

ص: 69

واللَّه أكبر (1).

وجه التسمية بالبيت العتيق

الإمام الصادق عليه السلام: وانّما سمّي البيت العتيق لأنّه عتيق من الغرق (2).

الإمام الباقر عليه السلام: لأنّه بيت حرّ عتيق من النّاس ولم يملكه أحد (3).

وعنه عليه السلام: ليس من بيت وصفه اللَّه على وجه الأرض إلّاله ربّ وسكّان يسكنونه غير هذا البيت فإنّه لا يسكنه احد، ولا ربّ له إلّااللَّه وهو الحرم (4).

الدخول في الكعبة المقدسة

أبوجعفر الباقر عليه السلام قال: الدخول فيها في رحمة اللَّه والخروج منها خروج من الذنوب، معصوم فيما بقي من عمره مغفور له ما سلف من ذنوبه (5).

ابو الحسن الرضا عليه السلام قال: دخل النبّي صلى الله عليه و آله و سلم الكعبة فصلّى في زواياها الأربع؛ صلّى في كلّ زاوية ركعتين (6).

الامام الصادق عليه السلام قال في حديث: فاذا دخلته فادخله بسكينة ووقار، ثم ائت كلّ زاوية من زواياه ثم قل: اللّهم إنّك قلت «ومَن دخله كان آمناً» فآمني من عذاب يوم القيمة، وصلّ بين العمودين، الى أن قال: وان كثر الناس فاستقبل كلّ زاوية في مقامك حيث صلّيت، وادع اللَّه تبارك وتعالى واسأله (7).

تراب الكعبة وحصاتها

ابن عمّار قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: اخذت سكاً من سكّ المقام، وتراباً من


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 العلل/ باب 138.
3- 3 العلل/ باب 138.
4- 4 العلل/ باب 138.
5- 5 المرآة/ ج 18 ص 325.
6- 6 المصدر ص 227.
7- 7 المصدر ص 226.

ص: 70

تراب البيت، وسبع حصيات. فقال: بئسما صنعت أمّا التراب والحصاة فردّه (1).

ابن مسلم عن ابي عبداللَّه عليه السلام: لا ينبغي لاحد ان يأخذ من تربة ما حول البيت وان اخذ من ذلك شيئاً فردّه (2).

حذيفة بن منصور قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّ عمّي كنس الكعبة فأخذ من ترابها فنحن نتداوى به فقال: ردّه إليها (3).

ثياب الكعبة

عبد الملك بن عتبة قال: سألتُ الصادق عليه السلام عمّا يصل الينا من ثياب الكعبة، هل يصلح لنا أن نلبس شيئاً منها؟ فقال: يصلح للصبيان والمصاحف والمخدّة يبتغى بذلك البركة إن شاء اللَّه (4).

حلي الكعبة

عن المناقب: همّ عمر أن يأخذ حلى الكعبة، فقال عليّ عليه السلام: إنّ القرآن انزل على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم (والأموال أربعة): اموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في الفرائض، والفي ء فقسّمه على مستحقه، والخمس فوضعه حيث وضعه اللَّه، والصدقات فجعلها حيث جعلها اللَّه، وكان حلي الكعبة يومئذ فتركه على حاله، ولم يتركه نسياناً، ولم يخف عليه مكانه، فأقرّه حيث أقرّه اللَّه ورسوله. فقال عمر: لولاك لافتضحنا وترك الحلي بمكانه (5).

عن النجار عن أبي وائل، قال: جلست مع شيبة بن عثمان على الكرسي


1- 1 الفقيه/ ص 218.
2- 2 الفقيه/ ص 218.
3- 3 المصدر نفسه.
4- 4 الفقيه/ ص 218.
5- 5 البحار/ ج 99 ص 69.

ص: 71

في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر، ثم قال: هممت أن لا ادع فيها صفراء ولا بيضاء إلّاقسمته، قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، قال عمر: إنّي اقتدي بهما (1).

هدايا الكعبة

في البحار أوصى رجل بجاريته هدياً للكعبة، فقدم الوصي الى مكّة، ودخل المسجد الحرام، فسأل عن (حكم) الجارية، فقيل له: ادفعها الى بني شيبة، وقيل له غير ذلك، فاختلف عليه القول، فقال له رجل من أهل المسجد: ألا ارشدك الى من يرشدك الى الحق؟ قال: بلى فاشار الى شيخ جالس في المسجد، فاذا هو جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فسأله وقصّ عليه القصّة، فقال عليه السلام: إنّ الكعبة لا تأكل ولا تشرب، وما أهدي لها فهو لزوارها، بع الجارية وقم على الحِجر فناد هل من منقطع له وهل من محتاج من زوارها؟ فإذا اتوك فاسأل عنهم واعطهم، واقسم فيهم ثمنها، فقال له الرجل: إنّ بعض من سألته امرني بدفعها الى بني شيبة. فقال عليه السلام: اما ان قائمنا لو قد قام (لقد) اخذهم وقطع ايديهم وطاف بهم، وقال: هؤلاء سراق اللَّه (2).

الكعبة المقدسة

نضر بن كثير قال: دخلت انا وسفيان الثوري على جعفر بن محمد، فقلت: إنّي أريد البيت الحرام فعلّمني ما ادعو به، فقال: إذا بلغت الحرم فضع يدك على الحائط، وقل: يا سابق الفوت، ويا سامع الصوت، ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت افعل بي ما انت أهله ولا تفعل بي ما انا اهله (3).


1- 1 الجامع اللطيف/ ص 93.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 66.
3- 3 الجامع/ ج 11 ص 276.

ص: 72

الحجر الأسود
اشارة

عن المقنع: ثم انظر الى الحجر الأسود وارفع يديك، واحمد اللَّه واثن عليه، وصل على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وآله.

وفي الحدائق يستحب الوقوف عند الحجر الأسود وحمد اللَّه تعالى والصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ورفع اليدين بالدعاء، واستلام الحجر وتقبيله، فإن لم يمكن مسح عليه بيده، وإن لم يمكن اشار اليه والدعاء عنده.

الامام الصادق عليه السلام: إذا دنوت من الحجر الأسود، فارفع يديك واحمد اللَّه واثن عليه، وصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم واسأل اللَّه أن يتقبل منك، ثم استلم الحجر وقبّله، فان لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك، وإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فاشر اليه وقل:

اللّهم أمانتي ادّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة (1).

علّة الاستلام

عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: سألته لِمَ يستلم الحجر؟ قال عليه السلام: لأنّ مواثيق الخلايق فيه (2).

وعن ابي الحسن الرضا عليه السلام: علّة استلام الحجر أنّ اللَّه تبارك وتعالى لمّا اخذ مواثيق بني آدم ألقمها الحجر، فمن ثمّ كلّف الناس بمعاهدة ذلك الميثاق، ومن ثمّ يقال عند الحجر امانتي ادّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة (3).

عن الصادقين عليهما السلام: سئل احدهما عن تقبيل الحجر، فقال: إنّ الحجر كان درّة بيضاء في الجنّة، وكان آدم يراها، فلمّا انزلها اللَّه- عزّ وجلّ- الى الأرض، نزل آدم عليه السلام


1- 1 الوافي/ ج 13 ص 815.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 219.
3- 3 المصدر نفسه.

ص: 73

فبادر فقبّلها، فأجرى اللَّه- تبارك وتعالى بذلك السنّة (1).

كان أشدّ بياضاً من اللبن

الامام الصادق عليه السلام قال: كان الحجر الأسود أشدّ بياضاً من اللبن فلولا ما مسّه من ارجاس الجاهلية ما مسّه ذوعاهة الّا برء. وفي خبر آخر اشد بياضاً من القراطيس فاسودّ من خطايا بني آدم (2).

وفي الجامع اللطيف عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنّة (وفي رواية) ولولا ما مسّهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب، وما مسّهما من ذي عاهة ولا سقم إلّاشفي (3).

وقيل: إنّ شدة سواده ان الحريق اصابه مرّتين في الجاهلية والاسلام (4)

الخطاء في مسألتين

الأولى عن الصادقين عليهما السلام قالا: حج عمر اوّل سنة حج وهو خليفة، فحج تلك السنة المهاجرون والأنصار، وكان علي عليه السلام قد حج تلك السنة بالحسن والحسين وبعبداللَّه بن جعفر، قال: فلمّا احرم عبد اللَّه لبس ازاراً ورداء ممشقين مصبوغين بطين المشق، ثم اتى ونظر اليه عمر، وهو يلبّي وعليه الازار والرداء، وهو يسير الى جنب علي عليه السلام، فقال عمر من خلفهم: ما هذه البدعة في الحرم؟ فالتفت اليه علي عليه السلام فقال: يا عمر لا ينبغي لاحد ان يعلّمنا السنّة، فقال عمر: صدقت يا ابا الحسن لا واللَّه ما علمت انّكم هم (5).

قال (عبيد اللَّه الحلبي): فكانت تلك واحدة في سفرتهم تلك.


1- 1 المصدر نفسه/ ص 225.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 221.
3- 3 ص 33
4- 4 المصدر/ ص 37.
5- 5 البحار/ ج 99، ص 227.

ص: 74

الثانية: فلمّا دخلوا مكّة طافوا بالبيت فاستلم عمر الحجر، وقال: اما واللَّه إنّي اعلم انّك حجر لا تضرّ ولاتنفع، ولولا انّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم استلمك ما استلمتك.

فقال علي عليه السلام: (مه) يا ابا حفص لا تفعل فإن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لا يستلم إلّالأِمر قد علمه، ولو قرأت القرآن فعلمت من تأويله ما علم غيرك لعَلِمتَ انّه يضرّ وينفع، له عينان وشفتان ولسان ذلق. يشهد لمن وافاه بالموافاة، وقال: فقال له عمر:

فاوجدني ذلك من كتاب اللَّه يا ابا الحسن؟ فقال علي عليه السلام: قوله- تبارك وتعالى «وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا» فلمّا اقرّوا بالطاعة بانّه الرّب وهم العباد، اخذ عليهم الميثاق بالحجّ الى بيته الحرام، ثم خلق اللَّه رقّاً ارقّ من الماء، وقال للقلم: اكتب موافاة خلقي ببيتي الحرام، فكتب القلم موافاة بني آدم في الرّق، ثم قال للحجر: افتح فاك، قال ففتحه فالقيه الرّق، ثم قال للحجر: احفظ واشهد لعبادي بالموافاة فهبط الحجر مطيعاً للَّه. يا عمر أوليس اذا استلمت الحجر قلت: امانتي ادّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة؟ فقال عمر: اللّهم نعم. فقال له علي عليه السلام: آمن ذلك (1) وفي الجامع اللطيف ص 35 فقال عمر: لاخير في عيش قوم لست فيهم يا ابا الحسن، وفي رواية: لا احياني اللَّه لمعضلة لا يكون فيها ابن ابي طالب.

اعتراض الثوري على الصادق عليه السلام

دخل سفيان الثوري على أبي عبداللَّه، فقال: اصلحك اللَّه بلغني أنّك لم تستلم الحجر في طواف الفريضة. وقد استلمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال عليه السلام: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يفرج له وانا لايفرج لي (2).

وفي الوسائل قال لابي عبد اللَّه رجل من موالي بني أميّة وهو في الطواف: ما تقول في استلام الحجر؟ فقال عليه السلام: استلمه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: ما اراك استلمته؟

قال: اكره أن أؤذي ضعيفاً أو أتأذى قال الرجل: قد زعمت أنّ رسول اللَّه استلمه.


1- 1 المصدر نفسه/ ص 227.
2- 2 ملخص الخبر المستدرك/ ج 2 ص 149.

ص: 75

قال: نعم، ولكن كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا رأوه عرفوا له حقه وأنا فلا يعرفون لي حقي (1).

صاحب الفريضة أحق

الامام الصادق عليه السلام قال: أوّل ما يظهر القائم من العدل ان ينادي مناديه ان يسلّم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف (2).

وفي المحجة ج 2 ص 96: أما استلام الحجر فاعتقد عنده انّك مبايع للَّه- تعالى على طاعته. فصمّم عزيمتك على الوفاء ببيعتك. فمن غدر في المبايعة استحق المقت، وقد روى ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم انّه قال: الحجر الأسود يمين اللَّه في الأرض يصافح بها خلقه كما يصافح الرجل أخاه.

استلام الحجر

عبد الأعلى قال: رأيت ام فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكّرة، فاستلمت الحجر بيدها اليسرى فقال لها رجل ممن يطوف: يا أمة اللَّه اخطأت السنّة، فقالت:

إنا لأغنياء عن علمك (3).

وفي المناقب: حجّ هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام، فنصب له منبر وجلس عليه، واطاف به اهل الشام، فبينما هو كذلك إذ اقبل علي بن الحسين عليهما السلام وعليه ازار ورداء، من احسن الناس وجهاً واطيبهم رائحة، بين عينيه سجّادة كأنّها ركبة عنز، فجعل يطوف، فإذا بلغ موضع الحجر تنحّى الناس حتى يستلمه هيبة له (4).


1- 1 الوسائل/ ج 9 ص 411.
2- 2 الوسائل/ ج 9 ص 412.
3- 3 مرآة العقول/ ج 18 ص 58.
4- 4 الجامع ج 11 ص 302.

ص: 76

صاحب الأمر عليه السلام عند الحجر

عبد اللَّه بن صالح قال: رأيته- يعني صاحب الأمر عليه السلام- عند الحجر الأسود، والناس يتجاذبون عليه، وهو يقول: ما بهذا أمروا (1).

الجامع اللطيف ص 33: الحجر الأسود يمين اللَّه في الأرض يشهد لمن استلمه بحق، وأنّه من الجنّة، وروي عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: ما من أحد يدعو عند هذا الركن الأسود إلّااستجاب اللَّه له.

الحجر من الآيات البيّنات

من آياته أنّه أزيل عن مكانه غير مرّة، ثم اعاده اللَّه اليه، ووقع ذلك من جرهم واباد والعمالقة وخزاعة والقرامطة، وآخر من ازاله منهم أبو طاهر القرمطي في الموسم سنة سبع عشر وثلاثمائة.

حصل منه في يوم التروية أذًى، وذلك أنّه نهب الحاج وسفك الدماء حتى سال بها الوادي، ثم رمى ببعض القتلى في بئر زمزم، حتى امتلأت، واصعد رجلًا على أعلى البيت؛ ليقلع الميزاب فتردّى على رأسه ومات. ثم انصرف ومعه الحجر الاسود، فعلّقه على الاسطوانة السابعة من جامع الكوفة لاعتقاده الفاسد، وزعم أنّ الحج ينتقل اليها، فاستمر عنده الى أن اشتراه منه المطيع للَّه ابو القاسم وقيل ابو العباس بثلاثين الف دينار، ثم اعيد الى مكانه سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وكانت مدّة مكثه عندهم اثنين وعشرين سنة إلّاشهراً.

ولما ذهب به هلك تحته أربعون جملًا ولمّا اعيد الى مكّة حمل على قعود اعجف فسمن تحته (2).


1- 1 الوسائل/ ج 5 ص 411.
2- 2 الجامع اللطيف/ ص 37.

ص: 77

وفي المنهاج ص 627: الحجر الأسود هو عَلَم للناس يبتدئون منه الطواف، وهو واسطة بين اللَّه وبين عباده في النيل والوصول والتحبّب والرّضا كاليمين حين مصافحة السيّد مع عبده، وهو موضع مواثيق العباد، وليس إلّارمزاً لعظمة الرب تعالى شأنه، ولمسه وتقبيله بمنزلة تقبيل يده- جلّ جلاله- وقد علا واعتلا وتقدس- تعالى عن الجوارح كلّها، وكأنّها قد تنزّلت وتنزّلت الى حيث يصل اليها كلّ ذي حاجة، فيمسها ويصافحها بلا احتشام وسماجة سواء كان ملكاً أو سوقة أو غنياً أو فقيراً أسود أو أبيض، فأعطى كل أحد حقّه من التعرّف الى باب ربّه، والتزلّف لديه من اي جنس كان، وفي أي طبقة تكون، فانّ رحمته تعالى تشمل كل شريف ووضيع واسود واحمر.

وإنما اختار اللَّه تعالى هذا الحجر الأسود العادي الساذج في الغاية، والفاقد للقيمة رمزاً؛ لاظهار العبودية لئلّا يتوهم الناس أن له موضوعية، وفيه بخصوصه سرّ مكنون، فيؤدي ذلك الى تأليهه وعبادته، فجعله وشرّفه خلواً من النحت والتنقير والصنعة بعيداً عن جميع ذلك، فرقاً بينه وبين الاصنام، بل جعله اسود، وحجمه متوسطاً عارياً لئلّا تلتفت اليه الأنظار باعتبار لونه او صغره أو كبره.

فلو جعل- جلّ شأنه- مكان هذا الحجر العادي الملموس ذهباً أو فضّة او حجراً ذا قيمة نفيساً، تسابق الأشراف وذوو الثروة والمترفهون الى اقتناء ذلك الجوهر الكريم أو الحجر ذي القيمة، وجعلوه وسيلةً الى الأثرة والامتياز، وهذا ينافي ما ندب اليه الحج الإسلامي من إلقاء الامتيازات والخصائص، والسوق الى الوحدة والعبودية، والحجر الاسود محترم لا لذاته بل لكونه شعاراً لربوبيته ورمزاً لسلطانه يعرض عليه المسلمون فيستلمونه ويقبّلونه بكل ادب واحتشام الخ.

الحطيم
أفضل مواضع المسجد

ابو الحسن الرضا عليه السلام سأله حسن بن الجهم عن افضل موضع في المسجد

ص: 78

يصلى فيه، قال عليه السلام: الحطيم ما بين الحجر الأسود وباب البيت. قلت: والذي يلي ذلك في الفضل، فذكر انّه عند مقام ابراهيم عليه السلام. قلت: ثم الذي يلي في الفضل، قال: في الحِجر، قلت: ثم الذي يلي ذلك، قال: كلّ ما دنى من البيت (1).

وعن الامام الصادق عليه السلام قال: كلّ ما انتهيت الى باب الكعبة فصل على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم (2).

وعن الفقيه: فاذا بلغت باب البيت فقل: سائلك فقيرك مسكينك ببابك:

فتصدّق عليه بالجنّة، اللّهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك المستجير بك من النار، فاعتقني ووالديّ وأهلي وولدي واخواني المؤمنين والمؤمنات من النار يا جواد ياكريم (3).

لِمَ سمّي بالحطيم؟

ابن عمّار: قال: سألت ابا عبد اللَّه عليه السلام عن الحطيم، فقال: هو ما بين الحجر الأسود وباب البيت، قال: قلت له: لم سمّي الحطيم؟ قال عليه السلام: لأنّ الناس يحطم بعضهم بعضاً (4).

أفضل بقعة!

عن ميسر قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام، فقال: أتدرون أي البقاع افضل عند اللَّه منزلة؟ فقال: ذاك مكّة الحرام التي رضيها لنفسه حرماً وجعل بيته فيها، ثم قال:

أتدرون أي البقاع افضل فيها عند اللَّه حرمةً؟ فقال: ذاك المسجد الحرام، ثم قال:

أتدرون أيّ بقعة في المسجد الحرام افضل عند اللَّه حرمة؟ فقال: ذاك بين الركن


1- 1 الوافي/ ج 12 ص 46.
2- 2 الجامع/ ج 11 ص 288.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 289.
4- 4 البحار/ ج 99 ص 229.

ص: 79

والمقام وباب الكعبة، وذلك حطيم اسماعيل عليه السلام، ذاك الذي كان يدور فيه غنيماته ويصلّي فيه، واللَّه لو ان عبداً صفّ قدميه في ذلك المكان قام الليل مصليّاً حتى يجيئه النهار، وصام النهار حتى يجيئه الليل، ولم يعرف حقّنا وحرمتنا اهل البيت لم يقبل اللَّه منه شيئاً أبداً (1).

الجبعي عن الصادق عليه السلام: إن تهيّأ لك أن تصلّي صلواتك كلّها الفرائض وغيرها عند الحطيم فإنّه افضل بقعة على وجه الأرض، وهو ما بين باب البيت والحجر الأسود، وهو الموضع الذي تاب اللَّه فيه على آدم، وبعده الصلاة في الحجر افضل، وبعد الحجر ما بين الركن العراقي وباب البيت، وهو الموضع الذي كان فيه المقام وبعده خلف المقام حيث هو الساعة (2).

اركان البيت
اشارة

1- الركن الشرقي- (مرآة الحرمين) ج 1 ص 264: في الركن الجنوبي الشرقي الحجر الأسود الذي هو مبدأ الطواف، ويواجه هذا الركن من البلاد الجزء الجنوبي من بلاد الحجاز الى عدن واستراليا وجنوب الهند والصين،

2- الركن الشمالي- وركن الكعبة الشمالي الشرقي يسمى بالركن الشامي والعراقي، ويواجه من البلاد الجزء الاكبر من بلاد الحجاز والعجم وتركستان والعراق وشمال الهند والسند والصين وسيبريا،

3- الركن الغربي- وركن الكعبة الشمالي الغربي، ويسمى بالركن الغربي يسامته من الجهات غرب روسيا وجميع اوروبا والاستانة وبلاد المغرب ومصر الى الشلال.

4- الركن اليماني- وركن الكعبة الغربي الجنوبي، ويسمّى بالركن اليماني


1- 1 البحار/ ج 99 ص 230، وقيل: إنّ الحجر محلّ غنيماته.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 231.

ص: 80

يسامته من البلاد الجزء الجنوبي من افريقيا من سواكن على البحر الأحمر والرأس الأخضر على المحيط الاطلسي- فكل جهة تستتقبل ركنها.

أقول: يظهر من صاحب الجواهر انّ الركن العراقي، هو الذي فيه الحجر الأسود، قال رحمه الله: ومن مستحبات السعي ان يستقبل الركن العراقي ذي الحجر حال كونه على الصفا، الى قوله: كل ذلك لقول الصادق عليه السلام فاصعد على الصفا حتى تنظر البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود (1).

ويستظهر من خبر الجبعي ان العراقي بعد ركن الحجر الأسود.

الدعاء بين الركنين

الامام الصادق عليه السلام: وكلّما انتهيت الى باب الكعبة فصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (2).

الركن اليماني، عن سعيد بن سعد، كنت مع ابي الحسن الرضا عليه السلام في الطواف، فلمّا صرنا بحذاء الركن اليماني، قام عليه السلام فرفع يده الى السماء ثم قال: «يا اللَّه يا وليّ العافية وخالق العافية ورازق العافية والمنعم بالعافية والمنّان بالعافية والمتفضّل بالعافية عليّ وعلى جميع خلقك، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما صلّ على محمد وآل محمد، وارزقنا العافية ودوام العافية وتمام العافية وشكر العافية في الدنيا والآخرة يا ارحم الراحمين (3).

الركن اليماني: عن العلاء، قال: سمعت ابا عبد اللَّه عليه السلام يقول: انّ ملكاً موكّلًا بالركن اليماني منذ خلق اللَّه السموات والأرض، ليس له هجّير إلّاالتأمين على دعائكم فلينظر عبد بما يدعو، فقلت له: ما الهجّير؟ فقال: من كلام العرب (أي ليس


1- 1 جواهر الكلام/ ج 19 ص 415.
2- 2 الجامع/ ج 11 ص 288.
3- 3 الجامع/ ج 11 ص 294.

ص: 81

له عمل) وفي رواية اخرى ليس له عمل غير ذلك (1).

الركن اليماني: عن أبي الفرج السندي قال: كنت اطوف مع الصادق عليه السلام فقال:

أيّ هذا اعظم حرمةً؟ فقلت: جعلت فداك انت اعلم منّي، فأعاد عليّ، فقلت له:

داخل البيت، فقال عليه السلام: الركن اليماني باب من ابواب الجنّة مفتوح لشيعة آل محمد مسدود عن غيرهم، وما من مؤمن يدعو عنده إلّاصعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش، ما بينه وبين اللَّه حجاب (2).

الركن اليماني

الامام الصادق عليه السلام في حديث قال: فالركن الأسود باب الرحمة الى الركن الشامي فهو باب الإنابة، وباب الركن الشامي باب التوسل، وباب الركن اليماني باب التوبة وهو باب آل محمد عليهم السلام وشيعتهم الى الحجر (3).

الركن الشامي عن فقه الرضا عليه السلام: فاذا انتهيت الى الركن الشامي، فقل: «اللّهم اجعله حجّة مقبولة وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً وعملًا متقبلًا. تقبّل مني كما تقبّلت من ابراهيم خليلك وموسى كليمك وعيسى روحك ومحمد حبيبك» (4).

الركن العراقي فقه الرضا عليه السلام: فإذا انتهيت الى ركن العراقي فقل: «اللّهم إنّي اعوذ بك من الشك والشرك والشقاق والنفاق ودرك الشقاء ومخافة العدى وسوء المنقلب واعوذ بك من الفقر والفاقة والحرمان والمنى والفتق وغلبة الدين، آمنت بك وبرسولك ووليّك، رضيت باللَّه ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد نبياً وبعليّ ولياً وبالمؤمنين اخواناً» (5).


1- 1 الجامع/ ج 11 ص 297.
2- 2 الجامع/ ج 11 ص 297.
3- 3 البحار/ ج 99 ص 63 حديث 39.
4- 4 الجامع/ ج 11 ص 292.
5- 5 المستدرك/ ج 2 ص 149.

ص: 82

الركن اليماني عن الإمام الصادق عليه السلام: كنت مع أبي في الطواف، وكان إذا انتهى الى الحجر مسحه وقبّله، وإذا انتهى الى الركن اليماني إلتزمه فقلت: جعلت فداك تمسح الحجر بيدك وتلتزم اليماني، فقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: ما اتيت الركن اليماني إلّا وجدت جبرئيل عليه السلام قد سبقني اليه يلتزمه (1).

الأركان الأربعة

جميل بن صالح قال: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام يستلم الأركان كلّها (2).

ابن أبي محمود قلت للرضا عليه السلام: استلم اليماني والعراقي والمغربي، قال: نعم (3).

وفي الحدائق: من الآداب ان يلتزم الأركان كلّها، وإن تأكّد الذي فيه الحجر والركن اليماني على المشهور.

اليماني، الإمام الصادق عليه السلام قال: الركن اليماني بابنا الذي ندخل منه الجنّة (4).

اليماني، الإمام الصادق عليه السلام قال: بينما أنا اطوف إذا رجل يقول: ما بال هذين يمسحان يعني الحجر والركن اليماني، وهذين لا يمسحان؟ قال: فقلت: ان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يمسح هذين ولم يمسح هذين، فلا تعرّض بشي لم يتعرض له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم (5).

الركن الغربي، الإمام الصادق عليه السلام: لمّا انتهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الى الركن الغربي، قال له الركن: يا رسول اللَّه أَلست قعيداً من قواعد بيت ربك فمالي لا استلم؟ فدنا منه النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: اسكن عليك السلام غير مهجور (6).


1- 1 الكافى/ ج 4 ص 408 الوسائل ج 9 ص 419.
2- 2 الوسائل/ ج 9 ص 418.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 423.
4- 4 الوسائل/ ج 9 ص 419.
5- 5 المصدر نفسه أقول: قال الشيخ ره بعد نقل الخبر: هذا و امثاله محمول على نفى تأكد الاستحباب أو على التقية.
6- 6 المصدر نفسه/ ص 421.

ص: 83

الملتزم والمستجار والمتعوّذ والمدّعى والحطيم
اشارة

في الجامع اللطيف لابن ظهيرة ص 45:

أما الملتزم، فهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة كما ثبت عن ابن عباس.

وأمّا المستجار، فهو ما بين الركن اليماني والباب المسدود في دبر الكعبة والدعاء عنده مستجاب.

أما الحطيم، والحطيم عندنا هو الحجر بكسر الحاء وسكون الجيم وهو الموضع الذي نصب فيه ميزاب البيت، وإنّما سمي بالحطيم، لأنّه حطم من البيت أي كسر.

كذا في كتبنا (1).

واما المتعوّذ والمدعى فروي عن ابن عباس ان الملتزم والمتعوّذ والمدعى، ما بين الحجر الأسود والباب، ومثل هذا ما رواه الأزرقي في تاريخه عن ابن عبّاس (ره) (2).

قيل: انّ الحسن بن علي عليهما السلام التزم الركن فقال: «إلهي انعمت عليّ فلم تجدني شاكراً، وابتليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر، ولا أنت ادمت الشدّة بترك الصبر، إلهي ما يكون من الكريم إلّاالكرم» (3).

اقول: المستفاد من بعض الروايات ان المستجار و الملتزم والمتعوّذ والمدعى اسم لمكان واحد وهو دبر الكعبة حذاء الباب.

آدم عليه السلام عند الملتزم

الامام الصادق عليه السلام قال: إنّ آدم عليه السلام لمّا طاف بالبيت، فانتهى الى الملتزم، فقال


1- 1 اقول: وقد تقدّم صدر المقال قبل ذلك.
2- 2 ج 1 ص 347.
3- 3 البحار/ ج 99 ص 197.

ص: 84

جبرئيل: اقرّ لربك بذنوبك في هذا المكان، فوقف آدم فقال: يا رب إنّ لكل عامل أجراً، ولقد عملت، فما أجري؟ فاوحى اللَّه تعالى يا آدم مَن جاء من ذرّيتك الى هذا المكان فأقرّ فيه بذنوبه غفرت له (1).

امير المؤمنين علي عليه السلام قال: اقرّوا عند الملتزم بما حفظتم من ذنوبكم وما لم تحفظوا فقولوا: «وما حفظته علينا حفظتك ونسيناه فاغفرلنا» فإنه من أقرّ بذنوبه في ذلك الموضع وعدّها وذكرها واستغفر اللَّه منها كان حقاً على اللَّه عزّ وجلّ ان يغفر له (2).

الإمام الصادق عند الملتزم

عن ابن عمّار: كان الصادق عليه السلام إذا انتهى الى الملتزم. قال لمواليه: اميطوا عني حتّى اقرّ لربي بذنوبي في هذا المكان، فإنّ هذا المكان لم يقرّ عبد لربّه بذنوبه ثم استغفر إلّاغفر اللَّه له (3).

قوله: اميطوا عني، أي تنحّوا عنّي أو نحّوا الناس عنّي فإنه جاء لازماً ومتعدياً، والوجه في الإماطة إما لعدم سماعهم أو لفراغ البال واللَّه اعلم (4).

الإمامان السجاد والباقر عليهما السلام عند الملتزم

قال الصادق عليه السلام: إنّ علي بن الحسين إذا أتى الملتزم قال: اللّهم إنّ عندي أفواجاً من ذنوب، وأفواجاً من خطايا، وعندك افواجٌ من رحمة وافواجٌ من مغفرة. يا من استجاب لأبغض خلقه اليه إذ قال: «انظرني الى يوم يبعثون» استجب لي وافعل بي كذا وكذا (5).

الأزرقي في تاريخه ص 348 قال ابو الوليد: ذرع الملتزم وهو مابين باب


1- 1 الجامع/ ج 11 ص 295.
2- 2 الجامع/ ج 11 ص 296.
3- 3 المصدر نفسه.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 28.
5- 5 البحار/ ج 99 ص 196.

ص: 85

الكعبة وحد الركن الاسود اربعة اذرع.

الامام الباقر عليه السلام عند الملتزم قالت حبابة الوالبية: رايت رجلًا بمكة اصيلًا في الملتزم، وقد صاعد كفّه وطرفه نحو السماء ويدعو، فلمّا انثال الناس عنه يستفتونه عن المعضلات- فلم يرم حتى افتاهم في الف مسألة ثم نهض يريد رحله ومنادٍ ينادي هذا محمد بن علي الباقر عليه السلام عَلَم العِلم- والناطق عن الفهم باقر علم الرسل ومبيّن السبل (1).

المستجار

الامام الصادق عليه السلام قال: فإذا انتهيت الى مؤخر الكعبة وهو المستجار دون الركن اليمانى بقليلٍ في الشوط السابع، فابسط يديك على الأرض (البيت) والصق خدّك وبطنك على البيت، ثم قل: «اللّهم البيت بيتك والعبد عبدك، وهذا مكان العائذ بك من النّار» ثمّ اقرّ لربّك بما عملت من الذنوب فإنّه ليس عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلّاغفر اللَّه له (2) وتقول: «اللّهم من قبلك الروح والفرج والعافية، اللّهم إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطّلعت عليه منّي وخفي على خلقك» ثم تستجير باللَّه من النار.

وعن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: فإذا كنت في السابع من طوافك فائت المستجار عند الركن اليماني الى مؤخّر الكعبة بمقدار ذراعين أو ثلثه، وإن شئت الى الملتزم الصق بطنك بالبيت، وتعلّق بأستار الكعبة ووجهك الصق به وجسدك كلّها بالكعبة، وقمت وقلت: «الحمد للَّه الذي اكرمك وعظّمك وشرّفك وجعلك مثابة للناس وأمناً، اللّهم إنّ البيت بيتك والعبد عبدك والامن امنك والحرم حرمك هذا مقام العائذ بك من النار استجير بك من النار» (3).


1- 1 البحار/ ج 46 ص 259.
2- 2 الجامع/ ج 11 ص 288.
3- 3 الجامع/ ج 11 ص 296.

ص: 86

أقول: الظاهر من هذا الخبر أنّ الملتزم غير المستجار فتأمل.

الحجّة صلوات اللَّه عليه عند المستجار

محمد بن عثمان قال: رأيته صلوات اللَّه عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللّهم انتقم لي من اعدائك (اعدائي) (1).

المستجار والمتعوّذ

الامام الصادق عليه السلام قال: إذا كنت في الطواف السابع فأيت المتعوذ، وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب فقل: اللّهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار (2).

اقول: الظاهر من هذا الخبر أنّ المتعوذ هو المستجار وهما عنوانان لمقام واحد.

وعن الصدوق في المقنع: فإذا كنت في الشوط السابع فقم بالمستجار وتعلّق بأستار الكعبة، وهو مؤخر الكعبة، ممّا يلي الركن اليماني بحذاء باب الكعبة، وابسط يديك على البيت والصق خدّك وبطنك بالبيت ثم قل: اللّهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار (3).

الشاذروان

في الجواهر ج 19 ص 299: وكيف كان فلو مشى الطائف في طوافه على اساس البيت الذي هو القدر الباقي من اساس الحائط بعد عمارته المسمّى (بالشاذروان) لم يجزه بلا خلاف ولا اشكال؛ لعدم صدق الطواف بالبيت (اذ هو) من الكعبة فيما قطع


1- 1 الوسائل/ ج 9 ص 360.
2- 2 المرآة/ ج 18 ص 27.
3- 3 المستدرك/ ج 2 ص 151.

ص: 87

به الأصحاب على ما في المدارك الخ.

وفي منهاج الاحرام للإمامي الخوانساري ص 612: وأمّا الشاذروان المحيط بالكعبة فالظاهر أنّه من اثر عمارة الحجّاج او ابن الزبير صنعه لِيَقيَ جدارها به من تأثير الأمطار والسيول التي كانت تنزل الى المطاف، كما يدلّ عليه (لفظ الفارسي) الذي لابدّ ان يكون من وضع اهل الفرس استحضرهم في عمارتها.

وفي الوسائل ج 9 ص 431: روى جماعة من فقهائنا منهم العلّامة في التذكرة حديثاً مرسلًا مضمونه انّ الشاذروان من الكعبة.

الميزاب
اشارة

عن الرضا عليه السلام: فاذا انتهيت الى تحت الميزاب فقل: اللّهم اظلني تحت ظلّ عرشك يوم لاظلّ الّا ظلّك، آمني روعة القيامة، واعتقني من النار، واوسع عليّ رزقي من الحلال وادرء عني شر فسقة الجنّ والانس، وشر فتنة العرب والعجم واغفرلي وتب علي، إنك انت التوّاب الرحيم (1).

عن جعفر بن محمد عن ابيه: أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا حاذى ميزاب الكعبة وهو في الطواف يقول: اللّهم انّي اسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.

الإمام الصادق عليه السلام تحت الميزاب

بيّاع السابري قال: رأيت أبا عبد اللَّه عليه السلام في الحجر تحت الميزاب مقبلًا بوجهه على البيت باسطاً يديه وهو يقول: اللّهم ارحم ضعفي وقلّة حيلتي، اللّهم انزل عليّ كفلين من رحمتك، وادرر علي من رزقك الواسع، وادرأ عنّي شر فتنة الجن والانس وشر فتنة العرب والعجم، اللّهم اوسع عليّ من الرزق ولا تقتر عليّ، اللّهم ارحمني ولا تعذّبني، ارض عنّي ولا تسخط عليّ، إنك سميع الدعاء قريب مجيب (2).


1- 1 المستدرك/ ج 2 ص 149.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 199.

ص: 88

الامام السّجاد عليه السلام تحت الميزاب

قال طاووس: رأيت رجلًا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه، فجئته حين فرغ من الصلوة فاذا هو علي بن الحسين عليه السلام فقلت له، يابن رسول اللَّه رأيتك على حالة كذا ولك ثلاثة ارجو ان تؤمنك الخوف (احدها) انّك ابن رسول اللَّه (الثاني) شفاعة جدك (الثالث) رحمة اللَّه. فقال: يا طاووس أما انّي ابن رسول اللَّه فلا يؤمنني، وقد سمعت اللَّه يقول: «فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءَلون»- وأمّا شفاعة جدي فلا تؤمنني، لأنّ اللَّه تعالى يقول: «ولايشفعون إلّا لمن ارتضى وامّا رحمة اللَّه فإنّ اللَّه يقول: إنّها «قريب من المحسنين» ولا اعلم أني محسن (1).

الامام السجاد عليه السلام ينظر الى الميزاب

الامام الصادق عليه السلام: قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا بلغ الحجر قبل ان يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول: اللّهم ادخلني الجنّة برحمتك. وهو ينظر الى الميزاب، واجرني برحمتك من النار وعافني من السقم، واوسع عليّ من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم (2).

الحجة صلوات اللَّه عليه تحت الميزاب

عن أبي نعيم الأنصاري، قال: كان صلوات اللَّه عليه يقول في سجوده في هذا الموضع، وأشار بيده الى الحجر تحت الميزاب (عبيدك بفنائك سائلك بفنائك يسألك


1- 1 كشف الغمّة/ ج 2 ص 320.
2- 2 الكافي/ ج 4 ص 407.

ص: 89

ما لا يقدر عليه غيرك) (1).

قول ابن عباس في الميزاب

تاريخ الأزرقي ص 318: عن ابن عباس رحمه الله قال: صلّوا في مصلّى الاخيار، واشربوا من شراب الابرار، قيل لابن عباس: ما مصلّى الاخيار؟ قال تحت الميزاب. قيل: وماشراب الابرار؟ قال: ماء زمزم (2).

حجر اسماعيل عليه السلام
اشارة

ومّما تشاهد في المسجد الحرام (حجر اسماعيل عليه السلام) يقع الكلام فيه من جهتين:

الاولى هي أنّه من البيت أولا.

الثانية: في فضل هذه البقعة الشريفة.

أما الجهة الأولى ففي تاريخ الازرقي عن عائشة أنها قالت: كنت أحبّ أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بيدي فأدخلني الحجر فقال: صلّي في الحجر اذا اردت دخول البيت، فانّما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت (3).

وفي الجواهر ج 19 ص 285: ومن الواجبات في الطواف أن يدخل الحجر في الطواف بلا خلاف اجده، ولا فرق في الحكم المزبور بين القول بخروجه من البيت ودخوله فيه الذي قد تشعر به النصوص المزبورة.

بل في الدروس المشهور كونه منه- بل في التذكرة والمنتهى أن جميعه منه.

أما الجهة الثانية:

فقد تقدم في خبر ابي الحسن الرضا عليه السلام: أن افضل مواضع المسجد بعد الحطيم


1- 1 البحار/ ج 99 ص 195.
2- 2 الكافي/ ج 4، ص 407.
3- 3 ص 321.

ص: 90

والمقام حجر اسماعيل عليه السلام، فراجع.

وعن الطاووس قال: رأيت في الحجر زين العابدين عليه السلام يصلّي ويدعو: «عبيدك ببابك، اسيرك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك ببابك، يشكو اليك ما لايخفى عليك» وفي خبر: لا تردّني عن بابك (1).

النبيّ في حجر اسماعيل عليه السلام

قال ابن عباس: سمعت ابي يقول: كان عبد المطلب اطول الناس قامة واحسن الناس وجهاً، مارآه شي ء قط إلّااحبّه، وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه غيره، ولا يجلس معه عليه احد، وكان الندي من قريش حرب بن أميّة فمن دونه يجلسون حوله دون المفرش، فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهو غلام يدرج ليجلس على المفرش فجذبوه فبكى فقال عبد المطلب:- وذلك بعد ما حجب بصره- ما لابني يبكي؟ قالوا له: انه اراد ان يجلس على المفرش فمنعوه. فقال عبد المطلب: دعوا ابني فإنّه يحسّ بشرف، ارجوا ان يبلغ من الشرف ما لم يبلغ عربي قط، وتوفّي عبد المطّلب والنبي صلى الله عليه و آله و سلم ابن ثمان سنين، وكان خلف جنازته يبكي حتى دفن بالحجون (2).

الامام الجواد عليه السلام في الحجر

اميّة بن علي، قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام بمكّة- في السنة التي حجّ فيها، ثم سار الى خراسان- ومعه ابو جعفر عليه السلام وابو الحسن يودّع البيت، فلمّا قضى طوافه عَدَلَ الى المقام فصلى عنده فصار ابو جعفر عليه السلام على عنق موفق يطوف به، فصار أبو جعفر الى الحجر فجلس فيه فأطال، فقال له موفق: قم جعلت فداك. فقال: ما أريد أن أبرح من مكاني هذا، الّا أن يشاء اللَّه، واستبان في وجهه الغمّ فاتى موفق أبا الحسن عليه السلام، فقال: جعلت فداك قد جلس ابو جعفر في الحجر وهو يأبى أن يقوم،


1- 1 البحار/ ج 99 ص 197.
2- 2 تاريخ الأزرقي/ ص 314.

ص: 91

فقام ابو الحسن عليه السلام فاتى أبا جعفر عليه السلام، فقال له: قم يا حبيبي. فقال: ما أريد أن أبرح من مكاني هذا. قال: بلى يا حبيبي. ثم قال: كيف اقوم وقد ودعت البيت وداعاً لا ترجع اليه، فقال: قم يا حبيبي فقام معه (1).

الدعاء في الحجر

اللّهم انت ربّي لا إله الّا انت خلقتني، وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت، اعوذ بك من شر ما صنعت، ابوء لك بنعمتك عليّ، وابوء بذنبي فاغفر لي فإنّه لايغفر الذنوب إلّاانت، اللّهم إنّي أسألك من خير ما سألك به عبادك الصالحون، اللّهم بجاه نبيّك المصطفى ورسولك المرتضى طهّر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ومحبّتك، وامتنا على السنّة والجماعة، والشوق الى لقائك، ياذا الجلال والاكرام، اللّهم نوّر بالعلم قلبي واستعمل بطاعتك بدني وخلّص من الفتن سرّي، واشغل بالاعتبار فكري، وقني شر وساس الشيطان واجرني منه يا رحمن حتى لا يكون له عليّ سبيل ربّنا انّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (2).

استار الكعبة
اشارة

عن الأصمعي، قال: كنت اطوف حول الكعبة ليلة فإذا شابّ ظريف الشمايل وعليه ذوابتان وهو متعلقٌ باستار الكعبة، وهو يقول: نامت العيون وغارت النجوم، وانت الملك الحيّ القيوم غلّقت الملوك ابوابها. واقامت عليها حرّاسها، وبابك مفتوح للسائلين جئتك لتنظر اليّ برحمتك يا ارحم الراحمين ثم أنشأ يقول:

يا من يجيب دعاء المضطرّ في الظّلم يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقم

قد نام وفدك حول البيت قاطبة وانت وحدك يا قيوم لم تنم


1- 1 البحار/ ج 49 ص 120.
2- 2 اسرار الحج للنراقي/ ص 111.

ص: 92

ادعوك ربّ دعاء قد امرت به فارحم بكائي بحق البيت والحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف فمن يجود على العاصين بالنعم

قال: فاقتفيته فاذا هو زين العابدين عليه السلام (1).

في الإحياء: أمّا السرّ في التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم ان يكون نيتك في الالتزام طلب القرب اليه- تعالى وشوقاً للبيت وربّ البيت ورجاءً للتحصن عن النار، في كلّ جزء لاقى البيت، وليكن نيتك في التعلق بالاستار الإلحاح بالاستار، الالحاح في طلب المغفرة، وسؤال الآمال كالمذنب المتعلّق بثياب من اذنب اليه حتى يعفو عنه وانّه لا يلجاء منه الّا اليه.

التعلق بالاستار مع الدعاء

المناقب ج 2 ص 247 محمد بن يحيى قال: بينا عليّ يطوف بالكعبة إذا رجل متعلق بالاستار وهو يقول: (يا من لايشغله سمع عن سمع، يا من لا يغلّطه السائلون، يا من لا يتبرم بالحاح الملحين، اذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك) فقال علي عليه السلام: يا عبد اللَّه دعاؤك هذا؟ قال: نعم. قال عليه السلام: فادع به في دبر كل صلاة، فوالذي نفس الخضر بيده لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء وقطرها، وحصاء الارض وترابها، لغفرلك اسرع من طرفة عين.

الحجّة- صلوات اللَّه عليه- متعلق بأستار الكعبة

محمد بن عثمان العمري رضى الله عنه قال: رايته- صلوات اللَّه عليه- متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهم انتقم لي من اعدائك (2).

ابن جعفر الحميري انّه قال: سألت محمد بن عثمان العمري، هل رأيت صاحب


1- 1 البحار/ ج 99 ص 197.
2- 2 الفقيه/ ص 279.

ص: 93

الأمر عليه السلام؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت اللَّه الحرام وهو يقول: اللهم انجز لي ما وعدتني (1).

وفي خبر آخر أنّه قال: واللَّه إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه (2).

مقام ابراهيم عليه السلام
اشارة

في الجامع اللطيف ص 30: اعلم انّ لهذا البيت المعظّم- زاده اللَّه تشريفاً وتعظيماً- آيات كثيرة، وعجائب غزيرة تدلّ على شرفه وفضله (منها) مقام ابراهيم عليه السلام وهو لغةً موضع قدم القائم، ومقام ابراهيم هو الحجر الذي وقف عليه الخليل، وفي سبب وقوفه عليه اقوال: (الأول) انّه وقف عليه لبناء البيت (الثاني) انّه وقف عليه لتغسيل رجله، وهذا القول المنسوب الى ابن عباس وابن مسعود، (الثالث) انّه وقف عليه للأذان للحج.

علة المقام ومحلّه

الامام الصادق عليه السلام: لمّا أوحى اللَّه- عزّ وجلّ- الى ابراهيم عليه السلام أن أذّن في الناس بالحج، اخذ الحجر الذي فيه اثر قدميه وهو المقام، فوضعه بحذاء البيت لاصقاً بالبيت بحيال الموضع الذي هو فيه اليوم، ثم قام عليه فنادى بأعلا صوته بما امره اللَّه- عزّ وجلّ- به، فلمّا تكلّم بالكلام لم يتحمله الحجر فغرقت رجلاه فيه. فقلع ابراهيم عليه السلام رجليه من الحجر قلعاً، فلمّا كثر الناس وصاروا الى الشر والبلاء ازدحموا عليه فرأوا ان يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه اليوم ليخلو المطاف لمن يطوف بالبيت، فلمّا بعث اللّه تعالى محمّداً صلى الله عليه و آله و سلم ردّه الى الموضع الذي وضعه ابراهيم عليه السلام


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.

ص: 94

فما زال فيه حتى قبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وفي زمن ابي بكر واوّل ولاية عمر، ثم قال عمر: قد ازدحم الناس على هذا المقام فأيكم يعرف موضعه في الجاهلية؟ فقال رجل: انا اخذت قدره بقدر. قال: والقدر عندك؟ قال: نعم. قال: فأت به فجاء به فأمر بالمقام فحمل وردّ الى الموضع الذي هو فيه الساعة (1).

الآيات البينات

عن تفسير العياشي، عن ابن سنان قال: سألت ابا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ «فيه آيات بينات» فما هذه الآيات البيّنات؟ قال: مقام ابراهيم عليه السلام حين قام عليه، فأثّرت قدماه فيه، و الحجر، ومنزل اسماعيل عليه السلام.

في الوافي ج 12 ص 7: اما كون المقام آية فقد ذكر (اشارة الى ما ذكر في باب 4 من التحولات على المقام وهو باق على حاله)

وامّا كون الحجر الأسود آية فلما سبق في باب بدء الحجر وفضله، وانّه محل ميثاق العباد. وامّا كون منزل اسماعيل آية فلأنّه انزل به من غير أن يكون به ماء، وانّما خصّ المقام بالذكر في القرآن؛ لانّه اظهر آياته للنّاس اليوم ولاشتماله على عدّة آيات: (منها) قوّة الدلالة على قدرة اللَّه ونبوّة ابراهيم عليه السلام من تأثير قدميه في حجر صلد. (ومنها) حفظه من المشركين مع كثرة اعدائه. وابقاؤه الى مدّة من السنين مدى الدهر (2).

فضل الصلاة عند المقام

داود الحضرمي قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن الصلاة بمكّة في أي موضع أفضل؟ قال: عند مقام ابراهيم الاوّل فإنّه مقام ابراهيم واسماعيل ومحمد صلى الله عليه و آله و سلم (3).


1- 1 العلل/ ج 2 ص 108.
2- 2 الجامع ...
3- 3 البحار/ ج 99 ص 231.

ص: 95

وعنه عليه السلام: ان اللَّه فضّل الكعبة وجعل بعضها افضل من بعض فقال تعالى

«واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى (1).

ماجاء في المقام وفضله

عن ابن عباس قال: ليس في الأرض من الجنة الا الركن الاسود والمقام، فإنّهما جوهرتان من جوهر الجنّة، ولولا ما مسّهما من اهل الشرك، مامسّهما ذو عاهة إلّا شفاه اللَّه (2).

الآيات البيّنات

(منها) دوام بناء البيت في قرون تبلغ الى نحو خمسة وعشرين قرناً، وقد اختلفت بتداولها الايدي وتقلّبت بشؤونها الاحوال، وتوفّرت دواعي الحسد لإسماعيل ومجده، واستفحل ضلال الوثينة في محو اثار الرسالة ودين التوحيد، ودوامه في تلك القرون بين الأقوام الوثنية والوحشية اكبر آية تدل على كرامة اللَّه لهذا البيت وكرامة بانيه عنده.

(منها) دوام حرمة البيت واحترامه بين عموم العرب ذوي النخوة والجبروت والتخريب والانتقام وليس هذا الاحترام الدائم إلّابعناية اللَّه تعالى

(منها) مقام ابراهيم عليه السلام وهو صخرة كان يقف عليها لبناء البيت، وعليها اثر قدميه غائصاً في تلك الصخرة، وخصّه اللَّه بالذكر؛ لاشتماله على عدّة آيات تدلّ على قدرة اللَّه تعالى ونبوة ابراهيم؛ لأنّ ألانَةَ بعض الصخرة دون بعض آية، وبقاء الصخرة والاثر على مرور الاحقاب على رغم الملحدين آية (3).


1- 1 المصدر نفسه/ ص 241.
2- 2 تاريخ الأزرقى/ ج 2 ص 29.
3- 3 منهاج الاحرام/ ص 612.

ص: 96

بئر زمزم
اشارة

اقول: بئر زمزم ينسب الى سيدنا إسماعيل وأمّه هاجر- سلام اللَّه عليهما- يأتي بعض الكلام في شرحه إن شاء اللَّه.

زمزم

الجامع اللطيف ص 254 قال ابن ظهيرة: اعلم انّ بئر زمزم تنسب الى سيدنا اسماعيل صلوات اللَّه عليه.

وسببه ان سيدنا ابراهيم عليه السلام لمّا هاجر باسماعيل وأمّه من الشام الى مكّة شرّفها اللَّه تعالى (وسبب هجرته باسماعيل وهاجر من الشام الى مكّة غضب سارة على هاجر فحلفت ان لا تساكنها في بلد واحد، وامرت ابراهيم ان يعزلها عنها، فأوحى اللَّه تعالى الى ابراهيم أن يأتي بهاجر وابنها الى مكّة فذهب بها حتى قدم مكة، وكانت ترضعه، وضعهما تحت دوحة وهي شجرة كبيرة) وليس معهما الّا شنة فيها قليل ماء، ولم يكن بمكّة يومئذ احد ولابها ماء، ووضع عندهما جراباً فيه تمر، ثم ذهب راجعاً الى الشام، فتتبعته ام اسماعيل، فقالت له: يا ابراهيم الى اين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به انيس؟ وجعلت تردّد ذلك مراراً وابراهيم لايلتفت اليها، وفي رواية قال: الى اللَّه عزّ وجلّ. قالت: قد رضيت باللَّه إذاً لا يضيعنا. ثم رجعت عنه فانطلق ابراهيم عليه السلام حتى اذا غاب عن البصر، ووقف واستقبل البيت ورفع يديه ودعا بالآيات «ربّنا انّي اسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم» (1).

ثم مضى سائراً وجعلت ام اسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء الى أن نفد


1- 1 ابراهيم/ 37.

ص: 97

فعطشت وعطش ابنها، وجدت الصفا اقرب جبل يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي وتنظر هل ترى بالوادي احداً فلم تر، ثم نظرت الى المروة ثم قامت عليها ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرّات، فكان سبب السعي بين الصفا والمروة، فلمّا اشرفت على المروة آخراً، ولم يكن في الوادي غيرها، سمعت صوتاً فإذا هي بالملك، يعني جبرئيل عليه السلام عند موضع زمزم فبحث بعقبه او بجناحه حتى ظهر الماء، فصارت تحوطه بالتراب من خوفها أن لا يسيل، وتغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ان تغرف.

قال ابن عباس رضى الله عنه: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يرحم اللَّه أم اسماعيل لو تركت زمزم ولم تغرف من الماء لكانت عيناً معيناً فقال لها جبرئيل: لا تخافي الضيعة فإنّ هيهنا بيت اللَّه يبنيه هذا الغلام وأبوه ابراهيم، وانّ اللَّه لا يضيع أهله- كذا في صحيح البخاري- اخذنا مورد الحاجة وهو قريب بما ذكر في كتب الإمامية رضوان اللَّه تعالى عليهم.

الحج في القرآن ص 447: كان الماء سائلًا فزمّته بما جعلته حوله فلذلك سميت بزمزم.

فضل ماء زمزم

الامام الصادق عليه السلام قال: انّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم كان يستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة (1).

عنه عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ماء زمزم دواء لما شرب له. وفي خبر آخر شفاء لما شرب له.

وعن فقه الرضا عليه السلام: ماء زمزم شفاء من كل داء وسقم، وأمان من كل خوف وحزن (2).

وعن الهداية: وان قدرت أن تشرب من ماء زمزم من قبل ان تخرج الى الصفا فافعل، وتقول حين تشرب: اللّهم اجعله علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء وسقم (3).

وعن ابن عباس: صلّوا في مصلّى الاخيار، واشربوا من شراب الأبرار، فقيل


1- البحار/ ج 99 ص 244.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.

ص: 98

له: ما مصلّى الأخيار وما شراب الأبرار؟ فقال: تحت الميزاب وماء زمزم (1).

مفتاح البيت

الجامع اللطيف ص 49: وممّا يعدّ من الآيات اثر مفتاح البيت.

ذكر الفاكهي في كتاب شفاء الغرام: أنّ مفتاح باب الكعبة إذا وضع في فم الصغير الذي ثقل لسانه عن الكلام تكلّم سريعاً.


1- الجامع اللطيف/ ص 139.

ص: 99

الفصل الثاني: في الطواف
اشارة

الطواف وهو الواجب الثاني من أفعال العمرة:

واجبات الطواف

قال تعالى: «وليطّوفوا بالبيت العتيق».

في دليل الناسك ص 137 مع التلخيص ويشترط في صحة الطواف أمور:

(الأوّل) الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر (الثاني) طهارة بدنه ولباسه عن كل نجاسة (الثالث) الختان للرجال بل والصبيان ايضاً (الرابع) ستر العورة (الخامس) النّية.

و يعتبر في حقيقة الطواف ايضاً أمور: (الأول) الابتداء بالحجر الأسود والاختتام به (الثاني) جعل البيت على اليسار (الثالث) ادخال حجر اسماعيل عليه السلام في الطواف (الرابع) خروجه عن البيت وما يحسب منه (الخامس) ان يكون طوافه بين البيت والصخرة التي هي المقام (السادس) العدد وهو سبعة اشواط بلا زيادة ولا نقيصة.

مستحبات الطواف

(منها) أن يطوف حافياً مقصراً في خطوته مشغولًا بالذكر والدعاء- وقراءة

ص: 100

القرآن تاركاً كل ما يكره في الصلاة وكل لغو وعبث. و (منها) ان يستلم الحجر ويقبّله في كل شوط من دون ان يؤذي أحداً ويؤخّره عنه (1).

اوّل ما يبدأ به في المسجد (الطواف) وهو الواجب الثاني (من افعال العمرة قال الإمامي قدس سره في منهاجه): اذا دخل المسجد يستحب له ان لا يتشاغل بشي ء حتى يطوف، ولو دخل والامام مشتغل بالفريضة صلّى معه فإذا فرغ من صلاته اشتغل بالطواف (2).

وقال السيد الحكيم قدّس سرّه: يجب الطواف في العمرة المتمتع بها مرّة، وفي حجّه وحجّ الافراد والقران وعمرتهما والعمرة المفردة مرّتين، ثانيهما طواف النساء وليس هو من الأركان (3).

فضل الطواف

الامام الصادق عليه السلام قال: كان ابي يقول: مَن طاف بهذا البيت اسبوعاً وصلّى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب اللَّه له ستّة آلاف حسنة، ومحى عنه ستة آلاف سيّئة، ورفع له ستة آلاف درجة، وقضى له ستّة آلاف حاجة، فما عجّل منها فبرحمة اللَّه، وما أخّر منها فشوقاً الى دعائه (4).

حدّ الطواف

الحلبي قال: سألت ابا عبد اللَّه عليه السلام عن الطواف خلف المقام، قال عليه السلام: ما احبّ ذلك وما ارى به بأساً فلا تفعله الّا ان لا تجد بداً (5).


1- 1 المصدر/ ص 139.
2- 2 ص 301.
3- 3 دليل الناسك ص 123.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 29.
5- 5 الوافي/ ج 2- الحج ص 129.

ص: 101

القران بين الطوافين

دليل الناسك ص 136: ويحرم القران بين الطوافين بمعنى عدم الفصل بينهما بالصلاة في الفريضة، ويكره في النافلة.

الامام الصادق عليه السلام: إنّما يكره ان يجمع الرجل بين الاسبوعين والطوافين في الفريضة فامّا في النافلة فلا بأس (1).

وفيه، عن علي بن ابي حمزة قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن الرجل يقرن بين اسبوعين، فقال: إن شئت رويت لك عن اهل مكّة. قال: فقلت: لا واللَّه مالي في ذلك من حاجة جعلت فداك، ولكن ارو لي ما ادين اللَّه به. فقال: لا تقرن بين اسبوعين كلّما طفت اسبوعاً فصلّ ركعتين، وامّا انا فربّما قرنت الثلاثة والاربعة. فنظرت اليه فقال: انّي مع هؤلاء (2).

اخبار الطواف

الامام الباقر عليه السلام قال: امر اللَّه تعالى ملكاً من الملائكة ان يجعل له بيتاً في السماء السادسة يسمى الضراح بازاء عرشه، فصيّره لاهل السماء يطوف به سبعون الف ملك في كلّ يوم لا يعودون ويستغفرون. فلمّا ان هبط آدم الى السماء الدنيا امره بمرمّة هذا البيت وهو بازاء ذلك فصيّره لآدم وذرّيته كما صيّر ذلك لأهل السماء (3).

أقول: وفي خبر عن ابي الحسن الرضا عليه السلام وضع البيت في السماء الرابعة.

الامام الصادق عليه السلام قال: انّ للكعبة للحظة في كل يوم يغفر لمن طاف بها او حنّ قلبه اليها او حبسه عنه عذر (4).


1- 1 المراة/ ج 18 ص 42.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 الوسائل/ ج 9 ص 386.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 393.

ص: 102

الامام الصادق عليه السلام قال: الطواف لغير اهل مكّة افضل من الصلاة، والصلاة لاهل مكّة والقاطنين بها أفضل من الطواف (1).

خدمة الحاج والطواف

اسماعيل الخثعمي قال: قلت: لابي عبد اللَّه عليه السلام انّا اذا قدمنا مكة، ذهب اصحابي يطوفون ويتركوني احفظ متاعهم قال: انت اعظمهم اجراً (2).

مرازم بن حكيم قال: زاملت محمد بن مصادف فلمّا دخلنا المدينة: اعتللت، وكان يمضي الى المسجد ويدعني وحدي، فشكوت ذلك الى مصادف، فأخبربه ابا عبد اللَّه عليه السلام فارسل اليه: قعودك عنده افضل من صلاتك في المسجد (3).

الطواف سبعة أشواط

في وصيّة النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي انّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن، واجراها اللَّه عزّوجل في الاسلام، حرم نساء الآباء على الأبناء، الى أن قال: ولم يكن للطواف عدد عند قريش، فسنّ لهم عبد المطلب سبعة أشواط، فأجرى اللَّه عزوجل ذلك في الاسلام (4).

الصلاة على محمد وآله في الطواف

عبد الرحمن بن نعيم قال: قلت لابي عبد اللَّه عليه السلام: دخلت الطواف فلم يفتح لي شي ء من الدعاء الّا الصلوة على محمد وآل محمد. وسعيت فكان ذلك، فقال: ما أعطي احد ممّن سأل أفضل مما أعطيت (5).


1- 1 المصدر نفسه/ ص 398.
2- 2 الوسائل/ ج 9 ص 399.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 400- المرآة 18 ص 252.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 414.
5- 5 المصدر نفسه/ ص 417.

ص: 103

قطع الطواف لقضاء حاجة المؤمن

أبان بن تغلب قال: كنت مع ابي عبد اللَّه في الطواف، فجاء رجل من اخواني، فسألني أن امشي معه في حاجة. ففطن بي أبو عبد اللَّه عليه السلام. فقال يا ابان: من هذا الرجل؟ قلت: رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجته، قال: يا ابان اقطع طوافك، وانطلق معه في حاجته فاقضها له، فقلت: انّي لم اتمّ طوافي، قال: إحص ما طفت، وانطلق معه في حاجته، فقلت: وان كان طواف فريضة؟ فقال: نعم وإن كان طواف فريضة الى أن قال: لقضاء حاجة مؤمن خير من طواف وطواف حتى عدّ عشرة اسابيع. فقلت: جعلت فداك فريضة أم نافلة؟ فقال: يا أبان إنمّا يسأل اللَّه العباد عن الفرائض لا عن النوافل (1).

أقول: الظاهر من عبارة المحقق في الشرائع حمل هذا الخبر، وما يشابه على التجاوز عن النصف. قال في الشرائع: (السادسة) من نقص من طوافه، فإن جاوز النصف رجع فأتمّ، ولوعاد الى أهله، امر من يطوف عنه. وإن كان دون ذلك استأنف. وكذا من قطع الفريضة لدخول البيت او بالسعي في حاجته الخ وتفصيل الكلام موكول الى محلّه.

قطع الطواف لصلاة الفريضة

الامام الصادق عليه السلام انّه قال في رجل كان في طواف الفريضة فادركته صلوة فريضة، قال عليه السلام: يقطع الطواف ويصلّي الفريضة ثم يعود، فيتمّ ما بقي عليه من طوافه (2).


1- 1 الوسائل/ ج 9 ص 448.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 451.

ص: 104

جواز الاستراحة

على بن رئاب قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يعيى في الطواف، أله ان يستريح؟ قال نعم يستريح، ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة او غيرها، ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه (1).

الطواف عن والدي رسول اللَّه وعبد المطلب جدّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم

داود الرّقي، قال: دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السلام ولي على رجل مال قد خفت تواه، فشكوت اليه ذلك، فقال لي: اذا صرت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافاً وصلّ ركعتين عنه. وفي الفقيه ص 279: (وطف عن ابي طالب طوافاً وصلّ عنه ركعتين) وطف عن عبد اللَّه طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتين، وطف عن فاطمة بنت اسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثم ادع اللَّه أن يردّ عليك مالك. قال: ففعلت ذلك، ثم خرجت من باب الصفا فإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال فاقبض مالك (2).

الطواف عن الصبي ونفسه

حفص بن البختري عن ابي عبد اللَّه عليه السلام في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به، هل يجزي ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال: نعم (3).

الدعاء في الطواف

قال المجلسي قدس سره: روينا عن اهل البيت من وجوه الدعاء في الطواف كثيراً، وليس منه شي ء موقت غير أنّهم رغّبوا في الدعاء فيه، فافضل ذلك اذا صار الطائف بين الركن الاسود والباب (4).


1- 1 المصدر نفسه/ ص 454.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 461.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 460.
4- 4 البحار/ ج 99 ص 209.

ص: 105

الدعاء في الطواف بالمأثور

الامام الصادق عليه السلام وتقول في الطواف: اللّهم انّي اسألك باسمك الذي يمشى به على ظلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض، واسألك باسمك الذي يهتزّ له عرشك، واسألك باسمك الذي تهتزّ له اقدام ملائكتك، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له والقيت عليه محبّة منك، واسألك باسمك الذي غفرت به لمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم ما تقدّم من ذنبه وما تأخر واتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا وكذا (1).

الدعاء عند الحجر الأسود

قال أبو عبداللَّه عليه السلام: إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك، واحمد اللَّه، وأثن عليه، وصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم واسأل اللَّه ان يتقبل منك .. وقل: اللّهم امانتي ادّيتها، وميثاقي تعاهدته؛ لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقاً بكتابك، وعلى سنّة نبيك ..

اللّهم اليك بسطت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل مسحتي، واغفر لي وارحمني، اللّهم انّي اعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة.

الدعاء المأثور من الحجر الى الحجر

الفقيه/ ص 283: انظر الحجر الأسود واستقبله بوجهك، وقل: الحمد للَّه الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه، سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله الا اللَّه واللَّه اكبر، يا لا إله الا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو الحي الذي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شى ء قدير، اللّهم صلّ على محمد وآل محمد،


1- 1 الفقيه/ ص 283.

ص: 106

وبارك على محمد وآل محمد؛ كأفضل ما صلّيت وباركت وترحمت على ابراهيم وآل ابراهيم، انّك حميد مجيد، وسلام على جميع النبيين والمرسلين، والحمد للَّه ربّ العالمين، اللّهم انّي اؤمن بوعدك واصدق رسلك واتّبع كتابك.

الدعاء المأثور عند الباب

فإذا بلغت باب البيت، فقل: سائلك فقيرك مسكينك ببابك، فتصدّق عليه بالجنّة، اللّهم البيت بيتك والحرم حرمك والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، فاعتقني ووالدي واهلي وولدي واخواني المؤمنين والمؤمنات من النار يا جواد يا كريم.

الدعاء المأثور عند الركن الشامي

فإذا انتهيت الى الركن الشامي، فقل: اللّهم اجعله حجّة مقبولة وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً وعملًا متقبلًا، تقبّل مني كما تقبلت من ابراهيم خليلك وموسى كليمك وعيسى روحك ومحمّد حبيبك.

الدعاء المأثور قبل الميزاب

ارفع رأسك وانظر الى الميزاب، وقل: اللّهم أدخلني الجنّة برحمتك، واجرني برحمتك من النار، وعافني من الغم، واوسع عليّ من الرزق الحلال، وادرأ عنّي شر فسقة الجنّ والانس وشر فسقة العرب والعجم. في المرآة/ ج 18 ص 22: كان هذا دعاء علي بن الحسين عليه السلام اذا بلغ الحجر.

الدعاء المأثور حذاء الميزاب

فاذا بلغت مقابل الميزاب فقل: اللّهم اعتق رقبتي من النّار، ووسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم وشر فسقة الجن والانس، وتقول وانت تجوز: اللّهم انّي اليك فقير، وانّي منك خائف ومستجير فلا تبدّل اسمي ولا تغيّر جسمي (1).


1- 1 الفقيه/ ص 283.

ص: 107

الدعاء المأثور ظهر الكعبة

واذا انتهيت الى ظهر الكعبة حين تجوز الحجر فقل: (يا ذا المن والطول والجود والكرم، إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي وتقبّله منّي، انّك انت السميع العليم) (1).

وامّا ابو الحسن الرضا عليه السلام: رفع يده الى السماء وقال: يا اللَّه يا ولّي العافية وخالق العافية، ورازق العافية والمنعم بالعافية، والمنّان بالعافية والمتفضّل بالعافية عليّ وعلى جميع خلقك، يا رحمن الدنيا والاخرة ورحيمها صل على محمد وآل محمد، وارزقنا العافية ودوام العافية، وتمام العافية وشكر العافية في الدنيا والآخرة يا ارحم الراحمين (2).

الدعاء المأثور عند المستجار

عن الصادق عليه السلام: قف بالمستجار وقل: اللّهم البيت بيتك والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النّار، اللّهم انّي حللت بفنائك، فاجعل قراى مغفرتك، وهب لي ما بيني وبينك، واستوهبني من خلقك، اللّهم من قبلك الروح والراحة والفرج والعافية، اللّهم انّ عملي ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه منّي وخفي على خلقك، استجير باللَّه من النار (3).

الدعاء المأثور عند الركن اليماني

1- 1 هذا دعاء الصادق عليه السلام
2- 2 الجامع ج 11 ص 294.
3- 3 الفقيه ص 284.

ص: 108

كان ابو جعفر الباقر عليه السلام لا يمرّ في طواف من طوافه بالركن اليماني إلّااستلمه ثم يقول: اللّهم تب عليّ حتى اتوب واعصمني حتى لا اعود (1).

الدعاء المأثور بين اليماني والحجر

الامام الصادق عليه السلام: وتقول بين الركن اليماني والحجر الاسود: ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وقل في الطواف: اللّهم انّي اليك فقير وانّي خائف مستجير، فلا تغيّر جسمي ولا تبدّل اسمي (2).

وفي التعليقة قوله عليه السلام: ولا تغيّر جسمي اي لا تبتليّن في الدنيا أو في الآخرة ببلاء يشوه خلقي، وامّا تبديل الاسم بان يكتبه من الاشقياء، او يسمى كافراً بعدما كان مؤمناً، وفاسقاً بعد ما كان مؤمناً، وقيل له وجه آخر.

اقول: قد عرفت مما ذكرنا من الأدعية المأثورة انّك تقدر على الدعاء المأثور من الحجر الى الحجر في جميع جوانب البيت. وارجو من القارئ المكرم ان لا ينساني من صالح دعائه.


1- 1 المرآة/ ج 18 ص 25.
2- 2 المرآة/ ج 18 ص 21.

ص: 109

الفصل الثالث: في صلاة الطواف
اشارة

وهو الواجب الثالث من أفعال العمرة:

قال اللَّه تعالى في كتابه: «واتخذوا من مقام ابراهيم مصلّى (1).

أقول: كفى في فضل المقام انّه يشترط في ركعتي الفريضة كونهما خلف المقام.

ففي تفسير نور الثقلين ج 1 ص 103 عن الصادق عليه السلام: ليس لاحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة الّا خلف المقام؛ لقول اللَّه عزّ وجلّ: «واتّخذوا من مقام ابراهيم مصلّى فان صلّيتهما في غيره فعليك اعادة الصلاة.

وفيه عن ابى جعفر الباقر عليه السلام: نزلت ثلاثة احجار من الجنّة: مقام ابراهيم، وحجر بني اسرائيل والحجر الأسود.

وفي الحدائق: المشهور بين الاصحاب انّ محلّ ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، ولايجوز في غيره، ويدلّ على المشهور صحيح صفوان عن الصادق عليه السلام.

اقول: والصحيح هو الذي ذكرنا آنفاً.

زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: لاينبغي ان تصلّي ركعتي طواف الفريضة الّا عند مقام ابراهيم عليه السلام، فامّا التطوّع فحيث شئت من المسجد (2).


1- 1 البقرة 125.
2- 2 الوافي/ الحج ص 136.

ص: 110

الدعاء بعد ركعتي الفريضة

عن الفقيه: ثم صلّ ركعتي الطواف فإذا فرغت من الركعتين فقل: الحمد للَّه بمحامده كلّها على نعمائه كلّها، حتى ينتهي الحمد الى ما يحبّ ربّي ويرضى، اللّهم صل على محمد وآل محمد، وتقبّل مني وطهّر قلبي وزكّ عملي (1).

دعاء آخر

ابن عمّار عن الصادق عليه السلام قال: تدعو بهذا الدعاء دبر ركعتي طواف الفريضة، تقول بعد التشهد: اللّهم ارحمني بطواعيتي اياك وطواعيتي رسولك صلى الله عليه و آله و سلم اللّهم جنّبني ان اتعدّى حدودك، واجعلني ممّن يحبّك ويحب رسولك وملائكتك وعبادك الصالحين (2).

دعاء الصادق عليه السلام في السجدة

بكر بن محمد خرجت اطوف، وانا الى جنب ابي عبد اللَّه الصادق عليه السلام حتى فرغ من طوافه، ثم قام فصلّى ركعتين، فسمعته يقول ساجداً: سجد وجهي لك تعبداً ورقاً لاإله إلا أنت حقّاً حقّاً، الاولّ قبل كل شي ء، والآخر بعد كل شي ء، وها اناذا بين يديك ناصيتي بيدك، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فاغفر لي فإنّي مقر بذنوبي على نفسي، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك. ثم رفع رأسه، ووجهه من البكاء كأنّما غمس في الماء (3).


1- 1 المستدرك/ ص 155.
2- 2 الوافي/ الحج ص 136.
3- 3 الوسائل/ ج 9 ص 490.

ص: 111

أسرار الحجّ للنراقي قدس سره

يقرأ هذا الدعاء في المقام: اللّهم إنّك تعلم سرّي وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فاعطني سؤالي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي. اللّهم إنّي اسألك ايماناً تباشر به قلبي، ويقيناً صادقاً حتى اعلم انّه لا يصيبني الّا ما كتبت لي، ورضاً منك بما قسمت لي انت ولييّ في الدنيا والآخرة، توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين.

اللّهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً الّا غفرته ولا همّاً الّا فرجته، ولا حاجة الّا قضيتها ويسّرتها، فسيّر امورنا واشرح صدورنا، ونوّر قلوبنا، واختم بالصالحات اعمالنا. اللّهم توفّنا مسلمين واحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولامفتونين.

ص: 112

الفصل الرابع: في السعى
اشارة

وهو الواجب الرابع من أفعال العمرة:

قال اللَّه تعالى في كتابه: «إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطّوف بهما ومَن تطوّع خيراً فإنّ اللَّه شاكر عليم» (1).

عن العلل: سمّي الصفا صفا لأنّ المصطفى آدم عليه السلام هبط عليه فقُطع للجبل اسم من اسم آدم، يقول اللَّه تعالى «إن اللَّه اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين»

وهبطت حوّاء على المروة، وانّما سميت المروة مروة؛ لأنّ المرأة هبطت عليها فقُطع للجبل اسم من اسم المرأة (2).

وفي مرآة الحرمين

الصفا الصفا الذي هو مبدأ السعي في أصل جبل ابي قبيس جنوبي المسجد الحرام.

المروة والمروة في الشمال الشرقي للمسجد الحرام على بعد منه، وهي منتهى


1- 1 البقرة/ 158.
2- 2 نور الثقلين ج 1 ص 122.

ص: 113

السعي في أصل جبل قعيقعان.

المسعى والشارع الذي بين الصفا والمروة هو المسعى وطوله (405) متر، وعرضه تارة عشرة امتار وتارة اثنا عشر متراً.

والصفا في الأصل العريض من الحجارة الملس. والمروة واحد المرو وهي الحجارة البيض تقتدح بها النار ولا تكون سوداء ولا حمراء (1).

اقول: الواجب في السعي استيعاب تمام المسافة الواقعة بين الجبلين، ويتحقق ذلك بالشروع من أوّل جزء من الصفا والختم باوّل جزء من المروة، ولا يجب الصعود عليهما.

الأخبار

الامام الصادق عليه السلام في حديث قال: السعي بين الصفا والمروة فريضة (2).

عنه عليه السلام: ما من بقعة أحبّ الى اللَّه من المسعى لأنّه يذّل فيها كلّ جبّار (3).

وعنه عليه السلام قال: جعل السعي بين الصفا والمروة مذلة للجبارين (4).

وعنه عليه السلام: إن ابراهيم عليه السلام لمّا خلّف اسماعيل بمكّة، عطش الصبي، وكان فيما بين الصفا والمروة شجر، فخرجت أمّه حتى قامت على الصفا، فقالت: هل بالوادي من انيس؟ فلم يجبها احد، فمضت حتى انتهت الى المروة، فقالت: هل بالوادي من انيس؟ فلم تجب، ثم رجعت الى الصفا، فقالت: كذلك، حتى صنعت ذلك سبعاً، فأجرى اللَّه ذلك سنّة- الحديث (5).

الامام السجاد عليه السلام قال: الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة فتشفع فيه


1- 1 ج 1 ص 320.
2- 2 الوسائل/ ج 9 ص 511.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 513.
4- 4 المصدر نفسه/ 511.
5- 5 المصدر نفسه/ ص 512.

ص: 114

بالايجاب (1).

دعاء عليّ عليه السلام على الصفا

علي بن نعمان قال: كان امير المؤمنين اذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه، ثم يقول: اللّهم اغفر لي كل ذنب اذنبته قط فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة فإنّك انت الغفور الرّحيم. اللّهم افعل بي ما انت اهله، فإنك ان تفعل بي ما انت اهله ترحمني، وإن تعذّبني فانت غني عن عذابي، وانا محتاج الى رحمتك فيا من انا محتاج الى رحمته ارحمني. اللّهم لا تفعل بي ما انا اهله فإنك ان تفعل بي ما انا اهله تعذبني ولن تظلمني، اصبحت اتقي عدلك، ولا اخاف جورك فيامن هو عدل لا يجور ارحمني (2).

دعاء الكاظم عليه السلام على الصفا والمروة

بعض الأصحاب قال: كنت في ظهر ابي الحسن موسى عليه السلام على الصفا والمروة، وهو لا يزيد على حرفين اللّهم إنّي اسألك حسن الظنّ بك في كل حال، وصدق النيّة في التوكّل عليك (3).

الدعاء على الصفا

عن الفقيه: ثم اخرج الى الصفا وقم عليه حتى تنظر الى البيت، وتستقبل الركن الذي فيه الحجر، واحمد اللَّه واثن عليه، ثم قل: لا إله الّا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شي ء قدير ثلاث مرات ..

وتقول: اللّهم انّي أسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة ثلاث مرات


1- 1 الجامع/ ج 11 ص 399.
2- 2 الوسائل/ ج 9 ص 518.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 520.

ص: 115

وتقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ثلاث مرات وتقول: يامن لا يخيب سائله، ولا ينفد نائله، صل على محمد وآل محمد، واعذني من النار برحمتك وقل: اللّهم انّي اعوذ بك من عذاب القبر وفتنته وغربته ووحشته وظلمته وضيقه وضنكه. اللّهم اظلني في ظل عرشك يوم لا ظلّ الا ظلّك، وتقول: كلًا من التحميد والتكبير والتسبيح والتهليل والاستغفار والصلاة على محمد وآله (1)، مئة مرة (2).

الدعاء الأخير على الصفا والمروة

وليكن آخر دعائك على الصفا: اللهم استعملني بسنّة نبيك، وتوفّني على ملّته، واعذني من مضلّات الفتن.

وعلى المروة: اللهم اختم بخير واجعل عاقبتي الى خير. اللّهم فقني من الذنب، واعصمني فيما بقي من عمري حتى لا اعود بعدها أبداً إنّك انت العاصم المانع.

وتقول في السعي

يا من امر بالعفو، يا من هو أولى بالعفو، يا من يحبّ العفو، يا من يثيب على العفو، العفو العفو العفو يا جواد يا كريم، يا قريب يا بعيد أردد عليّ نعمتك، واستعملني بطاعتك ومرضاتك.

وتقول

لا إله الا اللَّه وحده وحده، انجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، اللّهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت. اللّهم انّي اعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته.

اللّهم اظلني تحت عرشك يوم لا ظلّ الّا ظلك.


1- 1 الجامع/ ج 11 ص 414.
2- 2 الجامع/ ج 11، ص 415.

ص: 116

وتقول

استودع اللَّه الرحمن الرحيم الذي لا تضيع ودايعه، ديني ونفسي واهلي ومالي وولدي. اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك، وتوفّني على ملّته، واعذني من مضلّات الفتن (1).

ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت واصنع عليها كما صنعت على الصفا (2).

جواز السعي على غير طهارة

الامام الصادق عليه السلام قال: لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء، إلّا الطواف فإنّ فيه صلاة والوضوء افضل (3).

النكتة في قوله تعالى: «فلا جناح عليه أن يطوّف بهما»

الامام الصادق عليه السلام قال: إنّه كان على الصفا والمروة اصنام، فلمّا ان حجّ الناس لم يدروا كيف يصنعون، فأنزل اللَّه هذه الآية: «إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما» فكان الناس يسعون والأصنام عليهما فلمّا حج النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم رمى بها (4).

مقدار الوقوف على الصفا والمروة

ويكون قيامك على الصفا والمروة مقدار ما يقرأ مئة آية من القرآن واقلّها خمس وعشرون آية (5).


1- 1 الجامع/ ج 11 ص 415- البحار/ ج 99 ص 238.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 403.
3- 3 الوسائل/ ج 9/ ص 530.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 538.
5- 5 الجامع/ ج 11 ص 416.

ص: 117

وفي حج النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «انّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه» فابدأ بما بدأ اللَّه تعالى به، ثم اتى الصفا فصعد عليه، واستقبل الركن اليماني فحمد اللَّه واثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسّلًا، ثم انحدر الى المروة، فوقف عليها كما وقف على الصفا حتى فرغ من سعيه (1).


1- الحديث- المرآة/ ج 17 ص 112.

ص: 118

الفصل الخامس: في التقصير
اشارة

وهو الواجب الخامس من أفعال العمرة:

قال تبارك وتعالى «لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللَّه آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين» (1)

قال في المستند: إذا فرغ المعتمر بعمرة التمتع عن السعي يقصّر راجحاً بلا خلاف يعرف، بل بالإجماعين، ويدل عليه المستفيضة من الأخبار كصحيحة ابن عمّار: اذا فرغت من سعيك وانت متمتع فقصّر من شعر رأسك من جوانبه ولحيتك، وخذ من شاربك، وألق اظفارك، وابق منها لحجّك، فإذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شي ء يحلّ منه المحرم (2).

وقال قدس سره: يكفي المسمى في التقصير لإطلاق الاخبار، والمشهور كفايته من الشعر او الظفر (3).

وفي المبسوط: فإذا فرغ من السعي قصّر فإذا قصّر فقد احل من كل شي ء احرم منه.


1- 1 الفتح/ 27.
2- 2 الحج، فصل التقصير.
3- 3 المصدر نفسه.

ص: 119

وفي الحدائق: لا خلاف في أنه يجب على المعتمر المتمتع بعد السعي التقصير، وبه يحلّ من كل شي ء إلّاالصيد؛ لكونه في الحرم فلو خرج من الحرم حلّ له.

وعن الحسين بن اسلم قال: لمّا اراد ابو جعفر يعني ابن الرضا عليه السلام أن يقصّر من شعره للعمرة اراد الحجّام ان يأخذ من جوانب الرأس، فقال له: إبدأ بالناصية فبدأ بها (1).

وقال في المنتهى وادنى التقصير أن يقصّ شيئاً من شعره ولو كان يسيراً، واقله ثلاث شعرات وقال: لو قصّ الشعر بأي شي ء كان أجزأه، وكذا لو نتفه، او ازاله بالنورة؛ لأن القصد الازالة والامر ورد مطلقاً (2).

وفي الحدائق ايضاً: المشهور بين الاصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- انّه يلزم التقصير في العمرة، ولا يجوز حلق الرأس، ولو حلقه فعليه دم، ويدلّ على القول المشهور ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن ابن عمار عن الامام الصادق عليه السلام في حديث قال: وليس في المتعة الا التقصير.

وعن ابي بصير قال: سألت ابا عبد اللَّه عليه السلام عن المتمتع، اراد ان يقصّر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق (3).

التشبه بالمحرمين بعد التحلل

الامام الصادق عليه السلام: ينبغي للمتمتّع بالعمرة الى الحج إذا احلّ أن لا يلبس قميصاً، وليتشبّه بالمحرمين. وقال عليه السلام: لا ينبغي لاهل مكّة ان يلبسوا القميص، وان يتشبّهوا بالمحرمين شعثاً غبراً، وقال: ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك (4).


1- 1 .../ ج 16 ص 296.
2- 2 المصدر/ ص 297 و 8. أقول: في التعليل المذكور نظر.
3- 3 ص 299.
4- 4 الحدائق/ ج 16 ص 304.

ص: 120

لم يجب طواف النساء في عمرة التمتع

وقال أيضاً صاحب الحدائق: المشهور بين الاصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- بل ادّعى العلّامة في المنتهى انّه لا يعرف فيه خلافاً هو عدم وجوب طواف النساء في عمرة المتمتع.

الامام الصادق عليه السلام: على المتمتع بالعمرة الى الحج ثلاثة اطواف بالبيت، وسعيان بين الصفا والمروة، وعليه اذا قدم مكّة طواف بالبيت وركعتان عند مقام ابراهيم عليه السلام، وسعى بين الصفا والمروة، ثم يقصّر وقد احلّ هذا للعمرة، وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة (1).

وفي الرياض ص 420: ففي الصحيح عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها طواف النساء، وعن التي يتمتّع بها الى الحج؟ فكتب: اما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، وامّا التي يتمتع بها الى الحج فليس على صاحبها طواف النساء.

المتمتع والمعتمر

ابن عمّار قال: قلت لابي عبد اللَّه عليه السلام: من اين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال عليه السلام:

إنّ المتمتع مرتبط بالحج، والمعتمر اذا فرغ منها ذهب حيث شاء (2).

وقال في الجواهر: ولا يجوز للمتمتّع الخروج من مكّة حتى يأتي بالحج وفاقاً للمشهور على مافي المدارك؛ لانّه صار مرتبطاً به.

اقول: ويؤيد القول المذكور مرسل الصدوق قدس سره عن الصادق عليه السلام: أذا اراد المتمتّع


1- 1 المصدر نفسه/ ص 305.
2- 2 المصدر ص 308.

ص: 121

الخروج من مكّة الى بعض المواضع فليس له ذلك؛ لأنّه مرتبط بالحج حتى يقضيه، إلّا أن يعلم انّه لا يفوته الحج (1).

اقول: هذا تمام الكلام في عمرة التمتع.

العمرة المفردة

أما العمرة المفردة فافعالها ثمانية: النية، ثم الاحرام من احد المواقيت مع مروره عليه وإلّا من دويرة اهله إن كان خارج الحرم، وإلّا فمن ادنى الحل. ثم الطواف وركعتاه، ثم السعي، ثم الحلق او التقصير، ثم طواف النساء وركعتاه (2).


1- 1 ج 18 ص 24 وتفصيل المطلب موكول الى محلّه.
2- 2 دليل الناسك. السيد محسن الحكيم.

ص: 122

ص: 123

الباب الخامس: في الحجّ واقسامه
اشارة

ص: 124

ص: 125

وأقسام الحج ثلاثة:

1- حج التمتع: فصورته على الاجمال: أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتع بها الى الحج على نحو ما مضى في الباب الثالث، ثم ينش ء احراماً للحج من مكّة يوم التروية على الأفضل، والّا بقدر ما يعلم انّه يدرك الوقوف بعرفة، ثم يمضي الى عرفات فيقف بها من الزوال الى الغروب، ثم يفيض ويمضي منها الى المشعر فيبيت فيه، ويقف به بعد طلوع الفجر، ثم يمضي الى منى فيرمي أولًا جمرة العقبة، ثم ينحر او يذبح هديه، ثم يحلق او يقصّر. ثم يحلّ من كل شي ء إلا النساء والطيب.

ثم إن شاء اتى مكّة ليومه بل هو الأفضل والأحوط ويطوف طواف الحج ويصلّي ركعتيه، ويسعى سعيه، فيحل له الطيب، ثم اذا طاف طواف النساء وصلّى ركعتيه حلّت له النساء. ثم يعود الى منى لرمي الجمار الثلاث، ويبيت بها ليالي التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر في بعض الفروض، ويرمي في ايّامها الجمار الثلاث، وإن شاء يقيم بمنى فاذا فرغ من المبيت، ورمي الجمار ينفر يوم الثاني عشر بعد الزوال اذا كان قد اتقى النساء والصيد، ويعود الى مكّة للطوافين والسعي ولا اثم عليه في شي ء من ذلك.

2- حج الافراد: فصورته صورة حج التمتع غير أنّه لايجب فيه الهدي، ويكون

ص: 126

ميقاته احد المواقيت المقرّرة، واذا فرغ من الحج يأتي بعمرة مفردة ان كانت قد وجبت عليه، والأقوى جواز تقديم العمرة المفردة على من وجبت عليه مع الحج، وان كان الأحوط تأخيرها عن الحج.

3- حج القران: فأفعاله وشروطه كالافراد على الأصح غير أنّه يتميّز عنه بسياق الهدي عند احرامه، ويتخيّر القارن في عقد احرامه بين التلبية وبين الاشعار والتقليد. وقد مضى الاشعار والتقليد في باب الاحرام، مع التلخيص.

وحيث كان المقصود بالبحث معرفة حج التمتع وافعاله وشروطه نتكلم فيها واحداً بعد واحد واليك تفصيلها:

واوّل افعال الحج الاحرام من مكّة المكرّمة.

(1) الإحرام

قال في المستند: افعال حج التمتع قد عرفت انّها ثلاثة عشر فعلًا.

الاحرام- الوقوف بعرفات- والوقوف بمشعر- وثلاثة افعال منى قبل النفر الى مكة (وهي رمي جمرة العقبة والذبح والحلق) وخمسة افعال مكّة بعده (وهي طواف الحج وصلاة ركعتين والسعي وطواف النساء وركعتاه) وفعلان بعد العود الى منى وهما (البيتوتة ورمي الجمرات الثلاث).

ثم قال: اعلم انّه اذا فرغ المتمتّع من العمرة واحلّ منها، وجب عليه الاحرام بالحج اجماعاً قطعياً منصوصاً عليه في الاخبار العديدة، ويجب كون ذلك الاحرام من بطن مكّة، ويترجّح ان يكون ذلك الاحرام يوم التروية بلا خلاف.

وفي حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم:

فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس امر الناس ان يغتسلوا ويهلّوا بالحج، وهو قول اللَّه عزّوجلّ الذي انزل على نبيّه «فاتبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً»

ص: 127

اقول: قد مرّ في الواجب الأول من افعال العمرة حقيقة الاحرام وواجباته وكيفيته، وهنا اشير الى بعض ما يناسب المقام من الآداب.

عن التهذيب عن الصادق عليه السلام: اذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صلّ ركعتين خلف المقام، ثم أهلّ بالحج فإن كنت ماشياً فلبّ عند المقام، وان كنت راكباً فإذا نهض بك بعيرك، وصلّ الظهر ان قدرت بمنى واعلم انّه واسع لك ان تحرم في دبر فريضة او دبر نافلة او ليل أو نهار (1).

وعنه عليه السلام في حديث: إذا كان يوم التروية فاغتسل ثم البس ثوبيك، وادخل المسجد حافياً، وعليك السكينة والوقار، ثم صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السلام او في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس، فصلّ المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين احرمت بالشجرة فاحرم بالحج ثم امض، وعليك السكينة والوقار (2).

وفي حديث الرضا عليه السلام: واعقد احرامك دبر العصر، وان شئت دبر الظهر بالحج مفرداً تقول: اللّهم اني اريد ما امرت به من الحج على كتابك وسنة نبيك صلوات اللَّه عليه، فإن عرض لي عارض حبستني، فحلّني أنت حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ، ولبّ مثل ما لبيت في العمرة (3).

وفي الجواهر: يستحب للمتمتع وغيره ان يخرج الى عرفات يوم التروية على معنى خروجه الى منى

(الامام الصادق عليه السلام قال: اذا انتهيت الى منى فقل: اللّهم هذه منى وهي مما مننت بها علينا من المناسك، فأسألك ان تمنّ علينا بما مننت به على انبيائك، فإنّما انا عبدك وفي قبضتك) (4) ثم الى عرفات يوم عرفة بلا خلاف اجده فيه. وقد عرفت سابقاً انّ له الاحرام بالحج عند الفراغ من متعته الى ان يتضيّق عليه وقوف عرفات نعم عن


1- 1 الجامع/ ج 11 ص 449.
2- 2 الحديث المصدر نفسه/ ص 446.
3- 3 البحار/ ج 99 ص 246.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 116.

ص: 128

ابن حمزة وجوب كونه يوم التروية اذا امكنه (1).

(2) الوقوف بعرفات
اشارة

قال تعالى «فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا اللَّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم» (2)

«ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا اللَّه إن اللَّه غفور رحيم» (3)

في المجمع: عرفات اسم للبقعة المعروفة، يجب الوقوف بها في الحج، ويوم عرفة يوم الوقوف بها.

قال في المستند: (المقام الأول) في واجباته وهي امور: الأول: النية. الثاني:

الوقوف بعرفات وهو واجب اجماعاً بل ضرورة دينية. الثالث: أن يكون الوقوف بعد زوال الشمس من يوم عرفة. الرابع: ان يكون قبل الغروب. الخامس: ان يكون وقوفه فيها منتهياً الى الغروب. فلا يجوز الافاضة قبل الغروب. السادس: ان يكون ابتداء وقوفه اول الزوال (4).

وجه تسميتها بعرفات

في المجمع: واختلف في سبب تسميتها بعرفات، فقيل لان إبراهيم عليه السلام عرفها بما تقدّم له من النعت بها والوصف؛ روي ذلك عن عليّ وابن عباس. وقيل: انّها سمّيت بذلك لأنّ آدم وحواء اجتمعا فيها فتعارفا بعد ان كانا افترقا (عن الضحاك والسدي) ورواه اصحابنا أيضاً. وقيل سميت بذلك لعلوّها وارتفاعها ومنه عرف الديك. وقيل سمّيت بذلك لأنّ ابراهيم عليه السلام كان يريه جبرائيل المناسك فيقول عرفت


1- 1 ج 19 ص 2.
2- 2 البقرة/ 198.
3- 3 البقرة/ 199.
4- 4 الحج البحث الثاني.

ص: 129

عرفت عن عطاء. وروي عن ابن عباس ان ابراهيم رأى في المنام انّه يذبح ابنه فاصبح يروّي يومه اجمع أي يفكّر أهو من أمر من اللَّه أم لا فسُمي بذلك يوم التروية، ثم رأى في الليلة الثانية فلما اصبح عرف انّه من اللَّه فسُمي يوم عرفة.

وروي أن جبريل قال لآدم هناك: اعترف بذنبك واعرف مناسكك فقال: «ربنا ظلمنا أنفسنا» الآية فلذلك سميت عرفة (1).

وفي العلل على ما في البحار: قال ابن عمّار: سألت ابا عبداللَّه عليه السلام عن عرفات، لم سمّيت عرفات؟ فقال: إن جبرئيل خرج بإبراهيم- صلوات اللَّه عليه- يوم عرفة، فلما زالت الشمس، قال له جبرئيل: اعترف بذنبك واعرف مناسكك، فسميت عرفات؛ لقول جبرئيل له: اعترف؛ فاعترف (2).

وفي حديث حج النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: فلما زالت الشمس خرج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ومعه قريش، وقد اغتسل، وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس وامرهم ونهاهم، ثم صلى الظهر والعصر باذان وإقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به، فجعل الناس يبتدرون اخفاف ناقته يقفون الى جانبها، فنحاها ففعلوا مثل ذلك، فقال: ايها الناس ليس موضع اخفاف ناقتي بالموقف، ولكن هذا كلّه موقف، وأومأ بيده الى الموقف، فتفرّق الناس، وفعل مثل ذلك بالمزدلفة (3).

المرجع في معرفة عرفات

قال في المستند: المرجع في معرفة عرفات الى أهل الخبرة القاطنين في تلك الحدود، وكذا المشعر وساير المواضع ووجهه ظاهر، الى أن قال: ومع التشكيك في بعض الحدود يجب القصر على المتيقّن لاشتغال الذمة اليقيني، ولا يكفي الوقوف بحدودها الخارجة عنها.


1- 1 مجمع البحرين/ ج 1 ص 295.
2- 2 علل الشرايع/ ص 253.
3- 3 الحديث.

ص: 130

فلا يجزي الوقوف بنمرة بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء وهي الجبل الذي عليه انصاب الحرم.

وكذا لا يجوز الوقوف (بعُرَنَة) بضم العين المهملة وفتح الراء والنون كهمزة وادٍ بعرفات.

ولا بثَوِيّة بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المثناة تحتها.

ولا بذي المجاز، قيل: هو سوق كانت على فرسخ من عرفة (لا بالاراك) كسحاب موضع قريب بنمرة. فإنّ كلّ هذه المواضع الخمسة من حدود عرفات، أي تنتهي عرفات اليها، فلا يجزي الوقوف بها بالإجماعين والاخبار (1).

الامام الصادق عليه السلام قال: عرفات كلّها موقف وافضل الموقف سفح الجبل (2).

وعنه عليه السلام: وحدّ عرفات من المأزمين الى اقصى المواقف. وقال عليه السلام: حدّ عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة وذي المجاز وخلف الجبل موقف الى وراء الجبل (3).

إذا ضاق الموقف

عن سماعة قال: قلت: لأبي عبد اللَّه عليه السلام إذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال:

يرتفعون الى الجبل (4).

وعنه ايضاً قلت: لأبي عبد اللَّه عليه السلام اذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم، كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون الى وادي محسّر. قلت: فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون الى المأزمين. قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا فضاق عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون الى الجبل، وقف في ميسرة الجبل فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقف بعرفات فجعل الناس يبتدرون اخفاف ناقته يقفون الى


1- 1 الحج، الوقوف.
2- 2 الجامع/ ج 11 ص 474.
3- 3 المصدر نفسه.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 475.

ص: 131

جانبه، فنحاها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ففعلوا مثل ذلك. فقال: أيّها الناس إنّه ليس موضع اخفاف ناقتي بالموقف، ولكن هذا كلّه موقف، واشار بيده الى الموقف (1).

يوم عرفة يوم الدعاء

الامام الصادق عليه السلام في الحديث: اذا وقفت بعرفات فاحمد اللَّه وهلّله ومجده واثن عليه وكبّره مئة تكبيرة، واقرأ: «قل هو اللَّه احد» مئة مرة، واجتهد فإنّه يوم دعاء ومسألة، وتعوذ باللَّه من الشيطان، فإنّ الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحبّ اليه من ان يذهلك في ذلك الموطن، وإياك ان تشتغل بالنظر الى الناس، واقبل قبل نفسك.

دعاء خاص

وليكن فيما تقول: اللّهم ربّ المشاعر كلّها فكّ رقبتي من النار ووسع عليّ من رزق الحلال، وادرأ عني شرفسقة الجن والانس. اللهم لا تمكر بي ولا تخدعني ولا تستدرجني يا اسمع السامعين، ويا ابصر الناظرين، ويا اسرع الحاسبين، ويا ارحم الراحمين! أسألك ان تصلي على محمد وآل محمد، وان تفعل بي كذا وكذا (2).

الدعاء المأثور

في الحدائق ج 16 ص 384 عن الامام الصادق عليه السلام: وليكن فيما تقول: اللّهم اجعلني ممّن رضيت عمله، واطلت عمره، واحييته بعد الموت حياة طيبة. وتقول:

اللّهم إنّي عبدك، فلا تجعلني من اخيب وفدك، وارحم مسيري اليك من الفجّ العميق. اللّهم إنّي أسألك بحولك وكرمك ومنّك وفضلك يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين!


1- 1 المصدر نفسه/ ص 475.
2- 2 الجامع/ ج 11 ص 482.

ص: 132

دعاء الانبياء عليه السلام

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لعليّ عليه السلام: ألا أعلمك دعاء يوم عرفة، وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء عليهم السلام فقال علي عليه السلام: بلى يا رسول اللَّه! فقال: تقول: لا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شي ء قدير. اللّهم لك الحمد كالذي تقول وخيراً ممّا نقول، وفوق ما يقول القائلون.

اللّهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، ولك براءتي وبك حولي ومنك قوّتي. اللّهم انّي أعوذ بك من الفقر، ومن وساوس الصدور، ومن شتات الأمر، ومن عذاب القبر. اللّهم إني أسألك خير الرياح، واعوذ بك من شر ما تجي ء به الرياح، وأسألك خير الليل والنهار. اللّهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي وبصري نوراً، وفي لحمي ودمي وعظامي وعروقي، ومقعدي ومقامي، ومدخلي ومخرجي نوراً، واعظم لي نوراً يا ربّ- يوم القاك انّك على كل شي ء قدير (1).

اقول: قال الصدوق- رضوان اللَّه تعالى عليه- بعد نقل هذا الدعاء: (هذا الدعاء تامّ كاف لموقف عرفة).

دعاء رسول اللَّه قبل الغروب

الامام الصادق عليه السلام قال: إن رسول اللَّه وقف بعرفات فلمّا همت الشمس أن تغيب قبل ان تندفع، قال: اللّهم انّي اعوذ بك من الفقر، ومن تشتت الأمر، ومن شر ما يحدث بالليل والنهار، أمسى ظلمي مستجيراً بعفوك، وأمسى خوفي مستجيراً بأمانك، وأمسى ذلّي مستجيراً بعزك، وأمسى وجهي الفاني مستجيراً بوجهك الباقي، ياخير من سئل ويا أجود من اعطى جلّلني برحمتك، وألبسني عافيتك واصرف عني شر جميع خلقك (2).


1- 1 الفقيه/ ص 287. الحدائق/ ج 16 ص 386.
2- 2 المرآة/ ج 18 ص 122.

ص: 133

الدعاء اذا غربت الشمس

اللّهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، وارزقنيه من قابل ابدا ما ابقيتني، واقلبني اليوم مفلحاً منجحاً مستجاباً لي مرحوماً لي بافضل ما ينقلب به اليوم احد من وفدك عليك، واعطني افضل ما اعطيت أحداً منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لي فيما ارجع اليه من اهل او مال او قليل او كثير وبارك لهم فيّ (1).

دعاء ابي بصير

أسألك يا اللَّه يا رحمان بكلّ اسم هو لك، وأسألك بقوتك وقدرتك وعزّتك وبجميع ما احاط به علمك، وبجمعك واركانك كلّها، وبحق رسولك، وباسمك الاكبر، الاكبر وباسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقّاً عليك ان لا تردّه، وان تعطيه ما سأل ان تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك فيّ (2).

من دعاء المفيد- عطر اللَّه مرقده- في الموقف

في المقنعة- الطبعة الجديدة- ص 411 قال: ثم يدعو دعاء الموقف الذي منه:

اللّهم انّك تجيب المضطر اذا دعاك وتكشف السوء، وتغيث المكروب، وتشفي السقيم وتغني الفقير، وتجبر الكسير، وترحم الصغير وتعين الكبير، وليس فوقك امير، انت العليّ الكبير يا مطلق المكبّل الاسير، ويا رازق الطفل الصغير، يا عصمة الخائف المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير. اللّهم انّك اقرب من دعي واسرع من


1- 1 الحدائق/ ج 16 ص 389.
2- 2 الوافي/ ج الحج ص 155. الحدائق/ ج 16 ص 388.

ص: 134

اجاب، واكرم من عفا، وخير من اعطى واوسع من سئل يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما. ليس كمثلك شي ء، مسؤول ولا معط، دعوتك فاجبتني، وسألتك فاعطيتني، وفزعت اليك فرحمتني، وأسلمت لك نفسي فاغفر لي ولوالدي ولاهلي وولدي، ولكلّ سبب ونسب في الإسلام لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم إني اسألك بعظيم ما سألك به احد من خلقك من كريم أسمائك وجميل ثنائك وخاصّة آلائك، أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تجعل عشيّتي هذه اعظم عشية مرّت عليّ منذ أنزلتني الى الدنيا بركة في عصمة ديني وخاصة نفسي وقضاء حاجتي، وتشفيعي في مسائلي واتمام النعمة عليّ، وصرف السوء عني، وإلباسِي العافية. وان تجعلني ممن نظرت اليه في هذه العشية برحمتك إنّك جواد كريم. اللّهم صل على محمد وال محمد، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد مني حتى تُبلغنيها من قابل مع حجاج بيتك الحرام، والزوار لقبر نبيّك عليه وآله السلام، في اعفى عافيتك، واتم نعمتك، واوسع رحمتك، واجزل قسمك، واسبغ رزقك وافضل الرجاء إنّك سميع الدعاء.

اللهم صل على محمد وآل محمد واسمع دعائي، وارحم تضرّعي وتذلّلي واستكانتي وتوكلي عليك فأنا لك سلم لاارجو نجاحاً ولا معافاة ولا تشريفاً الّا بك ومنك، فامنن عليّ بتبليغي هذه العشية من قابل وأنا معافى من كل مكروه ومحذور من جميع البوائق، وأعنّي على طاعتك وطاعة اوليائك الذين اصطفيتهم من خلقك لخلقك.

اللهم صل على محمد وآل محمد وسلّمني في ديني وامدد لي فى اجلي، واصحّ لي جسمي، يامن رحمني واعطاني سؤلي فاغفر لي ذنبي انكّ على كل شي ء قدير. اللهم صلّ على محمد، وآل محمد، وتمّم عليّ نعمتك فيما بقي من اجلي حتى تتوفاني وانت عنّي راض. اللهم صل على محمد وآل محمد وعلّمني ما ينفعني، واملأ قلبي علماً وخوفاً من سطوتك ونقمتك. اللهم إني اسألك مسألة المضطر اليك المشفق من عذابك الخائف من عقوبتك ان تغفر لي وتعيذني بعفوك، وتحنن عليّ برحمتك وتجود عليّ بمغفرتك، وتؤدي عنّي فريضتك، وتغنيني بفضلك عن سؤال احد من خلقك،

ص: 135

وان تجيرني من النار برحمتك ..

اللهم صل على محمد وآل محمد، واظهر حجّته بوليك وأحي سنته بظهوره حتى يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك، ولا يستخفي احد بشي ء من الحق مخافة احد من الخلق، اللهم انّي ارغب اليك في دولته الشريفة الكريمة التي تعزّ بها الاسلام واهله. وتذل بها الشرك واهله.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والعابرين في سبيلك وارزقنا فيها كرامة الدنيا والاخرة، اللهم ما انكرنا من الحق فعرّفناه وما قصرنا عنه فبلّغناه. اللهم صل على محمد وآل محمد واستجب لنا جميع ما دعوناك وسألناك، واجعلنا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى واعطني اللّهم سؤلي في الدنيا والآخرة انك على كل شي ء قدير.

الدعاء للاخوان

ابن ابي عمير قال: كان عيسى بن اعين اذا حج فصار الى الموقف، اقبل على الدعاء لاخوانه حتى يفيض الناس، قال: فقلت له: تنفق مالك وتتعب بدنك حتى اذا صرت الى الموقف الذي تبث فيه الحوائج الى اللَّه عزّ وجلّ، اقبلت على الدعاء لاخوانك وتركت نفسك؟ قال: انّي على ثقة من دعوة الملك لي، وفي شك من الدعاء لنفسي (1).

دعاء الصادق عليه السلام حين الإفاضة

هارون بن خارجة قال: سمعت اباعبد اللَّه عليه السلام يقول في آخر كلامه حين أفاض:

اللهم انّي اعوذ بك ان اظلم او اظلم او اقطع رحماً او أوُذي جاراً (2).


1- 1 المرآة/ ج 18 ص 123.
2- 2 المرآة/ ج 18 ص 125.

ص: 136

بشارة رسول اللَّه حين الإفاضة

عن السجاد عليه السلام: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لبلال حين همت الشمس ان تغرب: يا بلال قل: للناس فلينصتوا، فلما انصتوا، قال صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ ربكم تطوّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم، وشفّع محسنكم في مسيئكم، فافيضوا مغفوراً لكم.

وفي نقل آخر بعد هذا الكلام (إلّا أهل التبعات) يعني حقوق الناس (1). فإنّ اللَّه عدل يأخذ للضعيف من القوي.

بشارة أخرى

الامام امير المؤمنين عليه السلام قال: لمّا وقف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعرفة اقبل على الناس بوجهه، وقال: مرحباً بوفد اللَّه ثلاث مرات الذين إن سألوا اعطوا وتخلف نفقاتهم، ويجعل لهم في الآخرة لكلّ درهم الفاً من الحسنات (2).

عرفات موقف الغفران

الامام الصادق عليه السلام قال: ما من رجل اهل كورة (البلد) وقف بعرفة من المؤمنين، الّا غفر اللَّه لأهل تلك الكورة من المؤمنين، وما من رجل وقف بعرفة من أهل بيت من المؤمنين الّا غفر اللَّه لأهل ذلك البيت من المؤمنين (3).

وعن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: اعظم اهل عرفات جرماً من انصرف وهو يظنّ انّه لم يغفر له (4).

وعنه صلى الله عليه و آله و سلم: من الذنوب لا تغفر الّا بعرفات (5).


1- 1 الوافى/ ج 12 ص 226.
2- 2 المستدرك/ ج 2 ص 7.
3- 3 الوافى/ ج 8 222.
4- 4 المستدرك/ ج 2 ص 165.
5- 5 المصدر نفسه.

ص: 137

عن القطب الراوندي، في لب الألباب عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: اذا كان عشية عرفة، يقول اللَّه لملائكته: انظروا الى عبادي وإمائي شعثاً غبراً جاؤوني من كل فج عميق، لم يروا رحمتي ولا عذابي- يعني الجنة والنار- اشهدكم ملائكتي انّي قد غفرت لهم الحاج وغير الحاج، فلم ير يوماً اكثر عتاقاً من النار من يوم عرفة وليلتها (1).

وعنه قال صلى الله عليه و آله و سلم في حديث: والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إنّ للَّه بابا في السماء يقال له باب الرحمة وباب التوبة وباب الحاجات وباب التفضّل وباب الاحسان وباب الجود وباب الكرم وباب العفو ولا تجمع بعرفات احد الّا استاهل من اللَّه في ذلك الوقت هذه الخصال (2).

عرفات موقف الإجابة

عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: كان ابو جعفر عليه السلام يقول: ما من برّ ولا فاجر يقف بجبال عرفات فيدعو اللَّه الّا استجاب اللَّه، له امّا البرّ ففي حوائج الدنيا والآخرة. وامّا الفاجر ففي الدنيا (3).

لا تسأل يوم عرفة إلّامن اللَّه تعالى

الامام الباقر عليه السلام قال: لقد نظر علي بن الحسين عليه السلام يوم عرفة الى قوم يسألون الناس، فقال ويحكم اغير اللَّه تسألون في مثل هذا اليوم، انّه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى ان يكون سعيداً؟ (4).

وكان ابو الحسن عليه السلام اذا كان يوم عرفة لم يردّ سائلًا (5).


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 249 حديث 1.
3- 3 البحار/ ج 99 ص 251.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 252.
5- 5 المصدر نفسه/ ص 254.

ص: 138

نداء الامام الصادق عليه السلام في عرفات

الكافي عن عمر بن ابي المقدام، قال: رأيت ابا عبد اللَّه عليه السلام يوم عرفة بالموقف، وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس إن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان الامام، ثم كان علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي، ثم (هَه) فينادي ثلاث مّرات لمن بين يديه وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه اثنا عشر صوتاً، وقال عمر: فلمّا اتيت مني سألت اصحاب العربية عن تفسير (هه) فقالوا: هه لغة بني فلان (انا فاسألوني) قال: ثم سألت غيرهم أيضا من اصحاب العربية فقالوا:

مثل ذلك (1).

اقول: اعمال يوم عرفة اكثر من هذا فلتطلب من المطوّلات.

ومن ادعية يوم عرفة دعاء مولانا الحسين بن علي عليهما السلام واوّله: الحمد للَّه الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانع. ومن الأدعية دعاء علي بن الحسين عليهما السلام للموقف، وأوله قوله: اللهم انت اللَّه ربّ العالمين وهو السابع والأربعون من أدعية الصحيفة السجادية. ومنها دعاء الامام الصادق عليه السلام وقد اشرنا الى بعضه.

ومن الأعمال التي لا ينبغي تركها زيارة مولانا أبي عبداللَّه الحسين عليه الصلاة والسلام، فقد روينا أن اللَّه تعالى ينظر برحمته الى زوار الحسين عليه السلام اولًا، ثم الى من وقف بعرفة. جعلنا اللَّه واياكم من زوّاره وشيعته ومحبيه إن شاء اللَّه تعالى.

وله عليه الصلوة والسّلام زيارة مخصوصة ليوم عرفة. وزيارات مشتركة مثل زيارة امين اللَّه والزيارة الجامعة فلتطلب من كتب الزيارات.

الحكمة في خروج عرفات من الحرم

1- الكافي/ ج 4 ص 466.

ص: 139

سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الوقوف بالجبل لِمَ لم يكن في الحرم؟ فقال: لأنّ الكعبة بيته والحرم بابه فلمّا قصدوه وافدين، وقّفهم بالباب يتضرّعون. قيل له:

فالمشعر الحرام لِمَ صار في الحرم؟ قال: لأنّه لما اذن لهم بالدّخول وقّفهم بالحجاب الثاني، فلمّا طال تضرّعهم بها اذن لهم لتقريب قربانهم فلمّا قضوا تفثهم (أي وسخهم من قص شارب وتقليم ظفر) تطهّروا من الذنوب التي كانت حجاباً بينهم وبينه، أذن لهم بالزيارة على الطهارة، قيل له: فَلِمَ حرّم الصيام ايام التشريق؟ قال لأن القوم زوّار اللَّه وهم في ضيافته ولا يجمل بمضيف ان يصوّم اضيافه، قيل: فالتعلق باستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: مثل رجل له عند آخر جناية وذنب فهو يتعلّق بثوبه يتضرّع اليه ويخضع له ان يتجافى عن ذنبه (1).

(3) الوقوف بالمشعر الحرام
اشارة

قال تعالى «فإذا افضتم من عرفات فاذكروا اللَّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وان كنتم من قبله لمن الضالين» (2)

«ثم أفيضوا من حيث افاض الناس واستغفروا اللَّه انّ اللَّه غفور رحيم» (3)

في المجمع: الافاضة مأخوذة من فيض الاناء عن امتلائه، فمعنى افضتم دفعتم من عرفات الى المزدلفة عن اجتماع وكثرة.

والمشعر الحرام هو المزدلفة سمّيت مشعراً لأنّه مَعلَمٌ للحج، والصلاة والمقام والمبيت به والدعاء عنده من اعمال الحجّ، وانّما سمي المشعر الحرام مزدلفة؛ لأن جبرئيل قال لإبراهيم بعرفات: ازدلف الى المشعر الحرام فسمّي مزدلفة.

وسمّي جمعاً لأنّه يجمع به بين المغرب والعشاء الآخرة باذان وأحد وإقامتين (4).

وقال في الشرائع: الواجب في المشعر النّية والوقوف، وحدّه ما بين المأزمين


1- 1 الكافي/ ج 4 ص 224.
2- 2 البقرة/ 198.
3- 3 البقرة/ 199.
4- 4 مجمع البحرين/ ج 1 ص 295.

ص: 140

الى الحياض الى وادي محسر. ووقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، وللمضطرّ الى زوال الشمس.

وفي الدروس ص 123 طبعة جديدة: الوقوف بالمشعر ركن اعظم من عرفة، فلو تعمّد تركه بطل حجه.

وفي الجواهر: الظاهر المراد بالمشعر الحرام هو المسجد الموجود الآن، فيمكن أن يكون من المشترك بين الكلّ والبعض، أو من باب تسمية الكل باسم الجزء.

جواز الصعود على الجبال

سماعة قال: قلت لأبي عبد اللَّه: اذا كثر الناس بجمع، وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون الى المأزمين (1).

وفي المرآة بعد نقل الخبر؛ قال: الحديث موثق ويدلّ على جواز الصعود الى الجبال عند الضرورة.

وقال في المدارك: جواز الارتفاع الى الجبل مع الاضطرار مقطوع به في كلام الاصحاب. وجوّز الشهيدان وجماعة ذلك اختياراً وهو مشكل. وقال في الدروس: والظاهر أنّ ما اقبل من الجبال من المشعر دون ما ادبر (2).

ترك الوقوف جهلا

في المرآة: عن ابي بصير قال: قلت لابي عبد اللَّه عليه السلام: جعلت فداك انّ صاحبي هذين جهلا ان يقفا بالمزدلفة، فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة، قلت:

فإنه لم يخبرهما احد حتى كان اليوم، وقد نفر الناس، قال: فنكس رأسه ساعة، ثم قال: أليس صليّا الغداة بالمزدلفة؟ قلت: بلى فقال: أليس قد قنتا في صلاتهما؟ قلت:


1- 1 الكافي/ ج 4 ص 471 والمرآة/ ج 18 ص 132.
2- 2 المرآة/ ج 18 ص 132.

ص: 141

بلى فقال: تمّ حجهما، ثم قال: المشعر من المزدلفة، والمزدلفة من المشعر وإنّما يكفيهما اليسر من الدعاء (1).

وأمّا فضل هذه البقعة

في الحدائق: وممّا روي في فضل هذا المكان ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: قال ابوعبداللَّه عليه السلام: ما للَّه عزّ وجلّ منسك أحب الى اللَّه- تعالى من موضع المشعر، وذلك انّه يذلّ فيه كلّ جبار عنيد (2).

الإمام الصادق عليه السلام سأله رجل في مسجد الحرام: مَن أعظم الناس وزراً؟ فقال:

من يقف بهذين الموقفين عرفة ومزدلفة، وسعي بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت، وصلى خلف مقام ابراهيم، ثم قال: و ظن في نفسه انّ اللَّه لم يغفر له فهو من اعظم الناس وزراً (3).

الدعاء في المشعر الحرام

الامام الصادق عليه السلام قال في حديث: إذا وقفت فاحمد اللَّه واثن عليه، واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت، وصلّ على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وليكن من قولك:

(اللهم ربّ المشعر الحرام، فكّ رقبتي من النار، واوسع عليّ من رزقك الحلال، وادرأ عنّي شرّ فسقة الجن والانس. اللهم انت خير مطلوب اليه، وخير مدعو، وخير مسؤول ولكلّ وافد جائزة، فاجعل جائزتي في موطني هذا، أن تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي، وان تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي) (4).


1- 1 ج 18 ص 133.
2- 2 ج 16 ص 419.
3- 3 الوافي/ ج 8 ط جديدة ص 224.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 129.

ص: 142

الدعاء في طريق المشعر الحرام

فإذا انتهيت الى الكثيب الاحمر (التلّ) عن يمين الطريق فقل: اللهم ارحم موقفي، وزكّ عملي، وسلّم لي ديني وتقبّل مناسكي (1).

استحباب الوقوف على المشعر الحرام

في الجواهر: يستحبّ ايضاً أن يطأ الصرورة المشعر برجليه. وقد سمعت منّا سابقاً: من كون الظاهر اشتراكه (المشعر) بين المكان المخصوص المحدود بالحدود التي عرفتها، الداخل فيها قزح، وبين الجبل المخصوص الذي قد فسّر به المشعر الحرام في محكي المبسوط والوسيلة والكشّاف وغيرها، بل لعلّه ظاهر (عند) في الآية الشريفة «عند المشعر الحرام» بل وقول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي:

وانزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريباً من المشعر (2).

وفي الحدائق: بعد نقل قول المدارك في اختلاف الأصحاب في تفسير المشعر، قال: لا ريب ان المشعر يطلق على مجموع هذا المحدود باعتبار كونه احد المشاعر التي هي عبارة عن مواضع العبادة مجازاً، وأمّا التسمية الحقيقية، فهي مخصوصة للجبل أو المكان الذي عليه المسجد الان، والظاهر هو الأول لما عرفت. وايضاً فإنّ الأخبار الدالّة على استحباب وطء الصرورة المشعر لا تلائم هذا القول الذي توهّمه من الوادي المتّسع، ونحوها رواية الحلبي التي اشار اليها (3).

الدعاء بعد صلاة الفجر حين الوقوف

1- 1 البحار/ ج 99 ص 268.
2- 2 ج 19 ص 82.
3- 3 ج 16 ص 431.

ص: 143

اللهم اهدني من الضلالة، وانقذني من الجهالة، واجمع لي خير الدنيا والاخرة، وخذ بناصيتي الى هداك، وانقلني الى رضاك. فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته، وذلّ لك فأكرمته، وجعلته علماً للناس، فبلّغني فيه مناي، نيل رجائي. اللهم إني أسألك بحق المشعر الحرام ان تحرّم شعري وبشري على النار، وان ترزقني حياة في طاعتك، وبصيرة في دينك، وعملًا بفرائضك واتباعاً لاوامرك، وخير الدارين جامعاً، وان تحفظني في نفسي ووالدي وولدي واهلي واخواني وجيراني برحمتك (1).

حجّ الجاهلية

منهاج الاحرام ص 614: ان الناس في الجاهلية كانوا يحجّون الى الكعبة من جميع أنحاء بلاد العرب وغيرها، وكانوا يعتقدون انّها بيت اللَّه، ويعتقدون انّ هذا الحجر منزل من السماء، وكان العرب يطوفون حول الكعبة حفاة عراة رجالًا ونساء يصفرون ويصفقون، وكانوا يخلعون ثيابهم للتعري من الذنوب والاثام، وكانوا يطوفون بها كلما سافروا أو عادوا من السفر، وكانوا يحلفون بها ويتحالفون عندها، ويلجأون الى حماها، ويستشفعون بها، ومازال الحج عند العرب في الجاهلية على ملّة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام ومشاعره كلّها محترمة عندهم حتى اذا عظمت قريش بعد وقعة الفيل، وقال الناس فيهم: انّهم اهل اللَّه يدفع عنهم، شمخوا بأنوفهم على العرب، وقالوا: نحن ولاة البيت، وليس لأحد من العرب مثل منزلتنا، فتركوا الوقوف بعرفة والافاضة منها؛ لأنّها في خارج الحرم مع علمهم أنّها من المشاعر الحرام، وانّها مكان الحج من زمن ابراهيم عليه السلام وقالوا: لا ينبغي لأحد ان يطوف بالبيت الّا في ثياب الحُمس، وهم قريش وسمّوا بذلك لتحمّسهم في دينهم، فإن لم يجدوا طافوا بالبيت عراة. وقد كان السعي بين الصفا والمروة من لوازم الحج في الجاهلية، وكان لهم صنم على الصفا يسمى (اساف) وآخر على المروة يسمى (نائلة) وكان للعرب فيهما اعتقاد سخيف كغيره من الاعتقادات السخيفة، ولمّا


1- الجواهر/ ج 19 ص 80.

ص: 144

طلعت شمس الاسلام واشرقت، غيّرت الخرافات، وجعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم الافاضة من عرفات، ونزل في ذلك قوله تعالى «ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس» وقال:

الحجّ عرفة، ومنعهم عن الطواف عراة، ونزل قوله تعالى «ما كان صلاتهم عند البيت إلّامكاء وتصدية» ونزل قوله تعالى «إن الصفا والمروة من شعائر اللَّه فمَن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يتطّوف بهما» الآية. مع التلخيص

تكملة حول الإفاضة من عرفات الى المشعر

قوله تعالى «ثم أفيضوا من حيث افاض الناس واستغفروا اللَّه إن اللَّه غفور رحيم» (1).

في المجمع: قيل فيه قولان: أحدهما ان المراد به الافاضة من عرفات، وانّه امر لقريش وحلفائهم وهم الحُمس، لأنهم كانوا لا يقفون بعرفة، ولا يفيضون منها، ويقولون: نحن أهل حرم اللَّه فلا نخرج منه، وكانوا يقفون بالمزدلفة ويفيضون منها فأمرهم بالوقوف بعرفة والافاضة منها. كما يفعل الناس، والمراد بالناس سائر العرب.

الحُمس على ما في مجمع البحرين ما ملخّصه، الحُمس بضم حاء وسكون ميم جمع احمس، وهم قريش لأنّهم تحمّسوا في دينهم أي تشددوا، وكانوا يقفون بمزدلفة لا بعرفة. ويقولون: نحن اهل اللَّه فلا نخرج من الحرم، والتحميس التفاخر والاحمس الشديد الصلب في الدين.

أقول: فالظاهر من عنوان الحُمس، أنّهم كانوا اهل التفاخر والتعصّب والشدّة في عقيدتهم انهم اهل اللَّه واهل حرم اللَّه، والآية الشريفة أمرتهم بترك هذه الطريقة.

القول الثاني: ان المراد به، الافاضة من المزدلفة الى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس للرمي والنحر، والآية تدلّ عليه؛ لانّه قال: «فاذا افضتم من عرفات» ثم


1- البقرة/ 199.

ص: 145

قال: «ثم افيضوا» فوجب أن تكون افاضة ثانية. والمراد بالناس ابراهيم عليه السلام كما انّه في قوله: «الذين قال لهم الناس» عن نعيم بن مسعود بن الاشجعي وقيل: ان الناس ابراهيم واسماعيل واسحاق ومن بعدهم من الأنبياء عليهم السلام.

وقيل: اراد بالناس آدم عليه السلام وقيل: هم اهل اليمن، وقيل: هم العلماء الذين يعلمون الدين ويعلّمونه الناس.

أقول: تفسير الاخير لا يخلو من دقّة والاصح (يتعلّمون).

هوام المزدلفة

عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال: انّ المزدلفة اكثر بلاد اللَّه هواماً، فإذا كانت ليلة التروية نادى مناد من عند اللَّه: يا معشر الهوام ارحلن عن وفداء اللَّه. قال: فتخرج في الجبال فتسعها حيث لا ترى فإذا انصرف الحاج عادت (1).

وجه تسمية المزدلفة

الامام الصادق عليه السلام: إنما سميت مزدلفة لأنّهم ازدلفوا اليها من عرفات (2).

وقد مضى في بيان معنى الإفاضة من المجمع أن جبرئيل عليه السلام قال لابراهيم عليه السلام بعرفات: ازدلف الى المشعر الحرام فسمي مزدلفة.

من أسرار المشعر

في مخاطبة السجّاد عليه السلام مع الشبلي قال: مشيت بمزدلفة، ولقطت منها الحصى ومررت بالمشعر الحرام، قال: نعم. قال عليه السلام: فعندما مشيت بمزدلفة ولقطت منها الحصى نويت انّك رفعت كل معصية وجهل، وثبّت كل علم وعمل؟ قال: لا.


1- الكافي/ ج 4 ص 224.
2- البحار/ ج 99 ص 266.

ص: 146

قال عليه السلام: فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت انك اشعرت قلبك اشعار اهل التقوى والخوف للَّه عزّ وجلّ؟ قال: لا. قال عليه السلام: لا مشيت بالمزدلفة ولا رفعت منها الحصى ولا مررت بالمشعر الحرام (1).

يستحب التقاط حصى الجمار من المشعر

ابن عمار قال: خذ حصى الجمار من جمع، وان اخذته من رحلك بمنى أجزاك عنه (2).

وعن الصادق عليه السلام يجوز اخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلّامن المسجد الحرام ومسجد الخيف (3).

عن ابي الحسن عليه السلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء، خذها كحليّة منقطة تخذفهن خذفاً، وتضعها على الابهام، وتدفعها بظفر السبّابة، وارمها من بطن الوادي (4).

عن الصحاح الخذف رمي بأطراف الاصابع.

قال في الدروس: يستحب التقاط حصى الجمار من الجمع، وهو سبعون حصاة، فإن أخذ زائداً احتياطاً فحسن، ويجوز من الحرم بأسره إلّاالمساجد مطلقاً على الأشبه، والقدماء لم يذكروا غير المسجد الحرام والخيف.

الافاضة من المشعر الحرام والسعي في وادي محسّر

في حديث الافاضة قال: فإذا مررت بوادي محسّر وهو واد عظيم بين جمع ومنى وهو الى منى اقرب فاسع فيه حتى تجاوزه، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حرك ناقته،


1- 1 المستدرك/ ج 2 ص 178 اقول: لابد من ان يحمل كلام الامام في هذا الموضع وما شابهه على نفي الكمال.
2- 2 الوسائل/ جزء 10 ص 52.
3- 3 المصدر ص 53.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 142.

ص: 147

وقال: اللّهم سلّم لي عهدي، واقبل توبتي، واجب دعوتي، واخلفني بخير فيمن تركت بعدي (1).

وفي خبر آخر: فاسع فيه فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم سعى فيه (2).

الامام الصادق عليه السلام قال لبعض ولده: هل سعيت في وادي محسّر؟ فقال: لا.

فأمره ان يرجع حتى يسعى قال: فقال له ابنه: لا اعرفه. فقال سل الناس (3).

(4) الافاضة من المشعر الحرام الى منى
اشارة

في المستند: مقدمات نزول منى امور وكلّها مستحبّة الا اثنين، احدهما:

الافاضة من المشعر يوم النحر، والثاني: نزول منى لتوقف الافعال الواجبة في ذلك اليوم في منى عليهما.

وجه تسمية منى

قال في الجواهر: سمّيت بذلك لما يمنى بها من الدماء أي يراق ولما عن ابن عباس، أنّ جبرئيل عليه السلام لما اراد ان يفارق آدم عليه السلام، قال له: تمنّ، قال: اتمنّى الجنة فسميت بذلك لأمنية آدم عليه السلام.

وفي خبر ابن سنان المروي عن العلل عن الرضا عليه السلام، لمّا سئل عن ذلك، قال:

لأنّ جبرئيل عليه السلام قال هناك لابراهيم عليه السلام: تمنّ على ربّك ما شئت، فتمنّى ان يجعل اللَّه مكان ولده اسماعيل كبشاً يأمره بذبحه فداء له فأعطاه اللَّه مناه.

اقول: يؤيد معنى الثاني قول الصادق عليه السلام، واخرج من غفلتك وزلاتك بخروجك الى منى ولا تتمن ما لايحل لك ولا تستحقّه (4).


1- 1 الوسائل/ ج 10 ص 46.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 47.
4- 4 المحجّة/ ج 2 ص 207.

ص: 148

ويظهر من نصيحة الامام السجاد عليه السلام للشبلي وجهٌ ثالث قال عليه السلام للشبلي:

خرجت الى منى؟ قال: نعم. قال: نويت انّك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟

قال: لا. قال عليه السلام: فما خرجت الى منى فان الظاهر انّه بمعنى الأمن (1).

المغفرة في منى

الامام الصادق عليه السلام: اذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى منادٍ: يا منى قد جاء اهلك فاتّسعي في فجاجك، واترعي في مائك، وينادي مناد لو تدرون بمن حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة (2).

قوله: اترعي أي: امتلأي واكثري، والنداء بذلك كناية عن حصول البركة من اللَّه- تعالى لها في المكان والماء.

الامام الصادق في منى يبشّر الحجّاج

سعيد بن يسار قال لي ابو عبد اللَّه عليه السلام عشيّة من العشيّات ونحن بمنى وهو يحثني على الحج ويرغبني فيه، يا سعيد أيما عبد رزقه اللَّه رزقاً من رزقه فأخذ ذلك الرزق، فانفقه على نفسه وعلى عياله، ثم اخرجهم قد ضحاهم بالشمس حتى يقدم بهم عشيّة عرفة الى الموقف الى قوله:

يقول اللَّه- تبارك وتعالى لا شريك له، عبدي رزقته من رزقي فأخذ ذلك الرزق فانفقه فضحّى به نفسه وعياله، ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة التماس مغفرتي، اغفر له ذنبه واكفيه ما اهمّه وارزقه (3). الشعب الرتق والجمع


1- 1 المستدرك/ ج 5 ص 187.
2- 2 الوافي/ ج 8 ط جديدة ص 223.
3- 3 الكافي/ ج 4 ص 263.

ص: 149

والاصلاح يعني عمّر تلك المواضع بعبادته و عبادة اهل بيته وملأها به وبهم وسدّها.

المناسك في منى

اعلم أنّ مناسك منى يوم النحر ثلاثة: رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق.

الأول: الرمي
اشارة

الأول: رمي جمرة العقبة وهو الواجب الرابع من افعال الحج، ويجب فيه امور احدها النية، ثانيها العدد وهو سبع حصيات، ثالثها ايصالها بما يسمى رمياً، رابعها اصابة الجمرة بها بفعله، خامسها ان يرميها متفرقة متلاحقة، سادسها وقوع الرمي في وقته وهو من طلوع الشمس الى غروبها، سابعها مباشرة الرمي بنفسه (1).

الدعاء في الرمي

اقول: ويستحب الدعاء في الرمي، تقول والحصى في يدك: اللهم هؤلاء حصياتى فاحصهن لي وارفعهن في عملي. ثم ترمي وتكبّر مع كلّ حصاة، وتقول اللهم ادحر عنّي الشيطان، الّلهم تصديقاً بكتابك وعلى سنّة نبيّك، الّلهم اجعله حجاً مبروراً وعملًا مقبولًا وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً (2).

الدعاء بعد ما رجعت الى رحلك

اللهم بك وثقت وعليك توكّلت فنعم الربّ ونعم المولى ونعم النصير (3).

الثاني: الذبح
اشارة

القرآن الكريم: «ويذكروا اسم اللَّه في أيام معلومات على مارزقهم من بهيمة


1- 1 الحدائق/ ج 17 ص 10.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 المصدر نفسه.

ص: 150

الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير» (1).

في المستند: يجب الهدي على المتمتع بالاجماعين والكتاب والسنّة، قال اللَّه تعالى «فمَن تمتّع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي فمَن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام» (2).

ويجب كونها من النعم، وافضلها البدن ثم الغنم، ويجب ان يكون تاماً، ويجب على كل متمتع هدي واحد فلا تجزي الواحدة عن اكثر من واحد، ويجب مراعاة شروط الذبيحة من المكان والزمان والكيفية.

أمّا مكانها منى وأما زمانها يوم النحر اعني يوم الاضحى واما كيفيّة الصرف يجب صرفها في الصدقة والاهداء والاكل (3).

وفي التحرير: يعتبر في الهدي امور الأول السن، الثاني: الصحة والسلامة، الثالث: أن لا يكون كبيراً جداً الرابع: ان يكون تام الاجزاء، الخامس: ان لا يكون مهزولًا.

المكاس في شراء الهدي

قال سوادة: كنّا جماعة بمنى فعزّت الاضاحي فنظرنا، فإذا ابو عبداللَّه عليه السلام واقف على قطيع يساوم بغنم ويماكسهم مكاساً شديداً. فوقفنا ننتظر فلمّا فرغ اقبل علينا فقال: اظنّكم قد تعجّبتم من مِكاسي؟ فقلنا: نعم. فقال: إن المغبون لا محمود ولا مأجور (4).

في التعليقة يمكن أن يكون مكاسه لبيان جوازه، أو لكونه غير الهدي، أو


1- 1 الحج/ 28.
2- 2 البقرة: 196.
3- 3 الدروس ط جديدة/ ص 127.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 176.

ص: 151

لكونهم مخالفين فلا ينافي ما ورد من عدم المكاس في ثمن الهدي، ففي البحار عنه صلى الله عليه و آله و سلم أوصى علياً عليه السلام يا علي لا تماكس في اربعة اشياء: في شراء الاضحية- والكفن- والنسمة- والكراء الى مكّة (1).

يستحب أن يتولّى الذبح بنفسه

في حديث عن الصادق عليه السلام: فان كانت امرأة فلتذبح لنفسها (2).

وفي حديث اخر كان علي بن الحسين عليهما السلام يضع السكين في يد الصبي، ثم يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح (3).

وفي الحديث الثالث نحر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بيده ثلاثاً وستين، ونحر علي عليه السلام أماعز قلت: سبعاً وثلاثين؟ قال: نعم (4).

وفي الحديث الرابع قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة: اشهدي ذبح ذبيحتك فإنّ اوّل قطرة منها يغفر اللَّه بها كلّ ذنب عليك، وكل خطيئة عليك الى أن قال: وهذا للمسلمين عامّة (5) وفي البحار سمع ذلك بعض المسلمين فقال: يا رسول اللَّه هذا لاهل بيتك خاصة ام للمسلمين عامّة؟ قال صلى الله عليه و آله و سلم: انّ اللَّه وعدني في عترتي ان لا يطعم النار أحداً منهم وهذا للناس عامّة (6).

التسمية واستقبال القبلة

الامام الصادق عليه السلام: اذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة وانحره او اذبحه، وقل: وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً، وما انا من المشركين-


1- 1 البحار/ ج 99 ص 294.
2- 2 الوسائل/ ج 10 ص 136.
3- 3 المرآة/ ج 18 ص 178.
4- 4 الوسائل/ ج 10 ص 136.
5- 5 المصدر نفسه.
6- 6 ج 99 ص 289.

ص: 152

ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للَّه ربّ العالمين لاشريك له، وبذلك امرت وانا من المسلمين. اللهم منك ولك بسم اللَّه واللَّه اكبر. اللّهم تقبل مني (1).

يوم العجّ والثج

عن علي عليه السلام قال: نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا محمد مر اصحابك بالعجّ والثجّ فالعجّ رفع الصوت بالتلبية والثجّ نحر البدن (2).

عليك بالهدي الفاره

عن ابي الحسن موسى عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: استفرهوا ضحاياكم فإنّها مطاياكم على الصراط (3).

وعنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: صدقة رغيف خير من نسك مهزولة (4).

امير المؤمنين علي عليه السلام قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخطب يوم النحر وهو يقول: هذا يوم الثجّ والعجّ، فالثج ما تهرقون فيه من الدماء. فمن صدقت نيّته كان اوّل قطرة له كفارة لكلّ ذنب، والعجّ الدعاء فعجّوا الى اللَّه، فوالذي نفس محمد بيده لا ينصرف من هذا الموضع أحدٌ الّا مغفوراً له. الّا صاحب كبيرة مصرّ عليها لا يحدث نفسه بالاقلاع عنها (5).

فضل الأضحية

عن علي عليه السلام قال: لو علم الناس ما في الاضحية لاستدانوا وضحّوا، إنّه يغفر


1- 1 المرآة/ ج 18 ص 179.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 286.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 297.
4- 4 الكافي/ ج 4 ص 491.
5- 5 البحار/ ج 99 ص 301.

ص: 153

لصاحب الاضحية عند اوّل قطرة تقطر من دمها (1).

وقال صلى الله عليه و آله و سلم لأمّ سلمة وقد قالت له: يارسول اللَّه يحضر الأضحى وليس عندي ما أضحّي به فاستقرض واضحّي، قال صلى الله عليه و آله و سلم قاستقرضي فإنّه دين مقضي (2).

عنه صلى الله عليه و آله و سلم: إنما جعل اللَّه هذا الاضحى ليشبع مساكينكم من اللحم فاطعموهم (3).

افضل العمل يوم النحر

عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال: ما من عمل افضل يوم النحر من دم مسفوك، ومشي في برّ الوالدين أوذي رحم قاطع يأخذ عليه بالفضل ويبدأ بالسلام، او رجل اطعم من صالح نسكه، ثم دعا الى بقيّتها جيرانه من اليتامى واهل المسكنة والمملوك، وتعاهد الاسراء (4).

الثالث: الحلق او التقصير
اشارة

قوله تعالى «ولا تحلقوا رءُوسكم حتى يبلغ الهدي محله» (5).

قال في الجواهر: فاذا فرغ من الذبح، فهو يخيّر إن شاء حلق وإن شاء قصّر، والحلق افضل الفردين الواجبين.

وقال في الدروس: يجب الحلق بعد الذبح، وفي التبيان: الحلق أو التقصير مستحبّ وهو نادر.

وقال في الحدائق: المشهور بين الاصحاب- رضوان اللَّه تعالى عليهم- انّ


1- 1 البحار/ ج 99 ص 297.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 298.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 301
5- 5 البقرة/ 196.

ص: 154

الحاج اذا فرغ من الذبح تخيّر إن شاء حلق وإن شاء قصّر والحلق أفضل، وتاكّد في حق الصرورة، وقال المفيد قدس سره: لا يجزي الصرورة غير الحلق، ومن لم يكن صرورة اجزأه التقصير، والحلق افضل.

وفي مناسك الاستاذ قدس سره: والحلق يتعيّن على الأحوط على كل حاج في اوّل حجّته، وهي المسماة بين الفقهاء (الصرورة) اي الحجة الاولى (1).

محل الحلق والتقصير

في الجواهر: يجب ان يحلق او يقصّر بمنى فلو أخلّ عالماً أو جاهلًا أو ناسياً رجع فحلق أو قصّر بها وجوباً بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك (الى قوله) فإن لم يتمكن من الرجوع- وإن كان قد تعمّد ذلك- حلق أو قصّر مكانه وجوباً بلاخلاف ولا اشكال (2).

الدعاء وقت الحلق

عن الدروس: ويستحب استقبال القبلة والبدء بالقرن الأيمن من ناصيته، وتسمية المحلوق والدعاء، بمثل قوله: اللهم أعطني بكلّ شعرة نوراً يوم القيامة (3).

الترتيب في مناسك منى

وقال قدس سره: ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، الى قوله: خلافاً للمحكي عن الخلاف والسرائر والكافي من عدم الوجوب.


1- 1 ص 186.
2- 2 ج 19 ص 242.
3- 3 الحدائق/ ج 17.

ص: 155

على الصرورة الحلق

الامام الصادق عليه السلام قال: على الصرورة ان يحلق رأسه ولا يقصّر، وانمّا التقصير لمن حج حجة الاسلام (1).

عنه عليه السلام: إنّ المؤمن اذا حلق رأسه بمنى ثم دفنه جاء يوم القيامة وكّل شعرة لها لسان طلق تلبي باسم صاحبها (2).

الاحلال بعد الحلق

عبد الرحمن بن الحجّاج قال: ولد لابي الحسن عليه السلام مولود بمنى فأرسل الينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران، وكنّا قد حلقنا، قال عبد الرحمن: فاكلت انا، وأبى الكاهلي ومرازم ان يأكلا وقالا: لم نزر البيت. فسمع ابو الحسن عليه السلام كلامنا فقال لمصادف- وكان هو الرسول الذي جاءنا به- في أي شي ء كانوا يتكلّمون؟ قال: أكل عبد الرحمن وأبى الآخران، وقالا: لم نزر بعد فقال عليه السلام: اصاب عبد الرحمن، ثم قال اما يذكر حين اوتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت انا منه وأبى اخي عبداللَّه أن يأكل منه، فلمّا جاء ابي حرّشه علي فقال: يا ابه انّ موسى اكل خبيصاً فيه زعفران، ولم يزر بعد، فقال أبي: هو افقه منك أليس قد حلقتم رُءُوسكم؟ (3).

بدل الهدي

قيل لابي الحسن الرضا عليه السلام: رجل تمتع بالعمرة الى الحج، في عيبته ثياب له، يبيع من ثيابه ويشتري هديه؟ قال: لا، هذا يتزيّن به المؤمن يصوم ولا يأخذ شيئاً من ثيابه (4).


1- 1 المرآة/ ج 18 ص 186.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 المصدر ص 192. التحريش: الاغراء بين القوم.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 196.

ص: 156

المعلومات والمعدودات

حماد بن عيسى عن ابي عبد اللَّه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام في قول اللَّه- عزّوجلّ- «ويذكروا اسم اللَّه في ايام معلومات» قال: ايام العشر. المعدودات ايام التشريق (1).

قوله تعالى «واذكروا اللَّه في ايام معدودات» (2)

.- وقوله تعالى «ويذكروا اسم اللَّه في ايام معلومات» (3).

التكبير

عن تفسير الامام العسكري عليه السلام قال الامام عليه السلام: اذكروا اللَّه في ايام معدودات وهي الأيام الثلاثة التي هي ايام التشريق بعد يوم النحر، وهذا الذكر هو التكبير بعد الصلوات المكتوبات، يبتدأ من صلاة الظهر يوم النحر الى صلاة الظهر من آخر ايام التشريق.

اللَّه اكبر- اللَّه اكبر- لا إله إلا اللَّه- واللَّه اكبر- اللَّه اكبر وللَّه الحمد (4).

خطبة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في منى

خطبته يوم منى في مسجد الخيف: نَضَّرَ اللَّه عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلّغها من لم يسمعها. فكم من حامل فقه غير فقيه! وكم من حامل فقه الى من هو افقه


1- 1 البحار/ ج 99 ص 309.
2- 2 البقرة/ 203.
3- 3 الحج/ 28.
4- 4 البحار/ ج 99 ص 311.

ص: 157

منه! ثلاث لا يغلّ عليهن قلب عبد مسلم، اخلاص العمل للَّه والنصحية لأئمّة المسلمين واللزوم لجماعتهم فانّ دعوتهم محيطة من ورائهم. المؤمنون اخوة تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمّتهم ادناهم (السفينة/ خطب)

خطبة علي عليه السلام يوم النحر: خطب علي عليه السلام بالناس واخترط سيفه وقال: لا يطوفنّ بالبيت عريان، ولا يحجّن بالبيت مشرك ولامشركة، ومن كانت له مدة فهو الى مدته، ومن لم يكن له مدّة فمدّته اربعة اشهر «فسيحوا في الارض أربعة أشهر» «1»(1).

علي بن الحسين عليه السلام: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم امير المؤمنين عليه السلام وكان علي واللَّه المؤذن فأذّن بأذان اللَّه ورسوله يوم الحج الاكبر من المواقف كلّها، فكان مانادى به ان لا يطوف بعد هذا العام عريان ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك (2).

حفص بن غياث سألت الصادق عليه السلام عن معنى هذه اللفظة (يوم الحج الاكبر) قال: إنّما سمي الاكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحج المشركون بعد تلك السنة (3). وعنه عليه السلام: يوم الحج الاكبر هو يوم النحر والحج الاصغر العمرة- وفي خبر آخر: الحج الاكبر يوم عرفة وجمع ورمي الجمار والحج الاصغر العمرة (4).

خطبة أخرى منه صلى الله عليه و آله و سلم

من خطبته صلى الله عليه و آله و سلم: أتدرون أي يوم هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله اعلم، قال: هذا وسط ايام التشريق هل تدرون أي بلد هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله اعلم، قال صلى الله عليه و آله و سلم: هذا المشعر الحرام، ثم قال: إنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد هذا، الا وانّ دماءَكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا حتى تلقوا ربّكم، فيسألكم عن اعماكم الا فليبلغ ادناكم اقصاكم (5).


1- 1 الحجّ في القرآن/ ص 417.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 416.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 418.
4- 4 المصدر نفسه.
5- 5 مرآة الحرمين/ ج 1 ص 93.

ص: 158

الامام الباقر عليه السلام في منى

في الدروس ص 149: روى البزنطي عن ثعلبة بن ميسر، قال: كنّا عند أبي جعفر عليه السلام في الفسطاط (منى نحواً من خمسين رجلًا، فقال لنا: أتدرون أيّ البقاع افضل عند اللَّه منزلة؟ فلم يتكلّم احد، فكان هو الرادّ على نفسه، فقال: تلك مكّة الحرام الذي رضيها اللَّه لنفسه حرماً، وجعل بيته فيها.

ثم قال: أتدرون أي بقعة في مكّة افضل حرمة؟ فلم يتكلم احد، فكان هو الرادّ على نفسه، فقال: ذلك المسجد الحرام.

ثم قال: أتدرون أي بقعة في المسجد اعظم عند اللَّه حرمة؟ فلم يتكلم احد، فكان هو الراد على نفسه. فقال: ذلك بين الركن (الحجر) الاسود الى باب الكعبة، ذلك حطيم اسماعيل عليه السلام الذي كان يذود فيه غنيمته ويصلّي فيه.

فواللَّه لو أنّ عبداً صفّ قدميه في ذلك المقام، قائماً بالليل مصلياً حتى يجنّه النهار، وقائماً النهار حتى يجنّه الليل، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت، لم يقبل اللَّه منه شيئاً أبداً!

الا إن ابانا إبراهيم عليه السلام كان مما اشترط على ربّه أن قال: «فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم» اما انّه لم يعن الناس كلّهم، فأنتم أولئك رحمكم اللَّه ونظراؤكم، وإنّما مثلكم في الناس مثل الشعرة السوداء في الثور الانور.

وصية الباقر عليه السلام، قال الصادق عليه السلام: قال لي أبو جعفر اوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى ايام منى (سفينة البحار/ وصي).

خصلة تتعلق بمنى

في الجامع اللطيف ص 176: من الخصال التي تتعلق بمنى (اتساعها للحجيج)

ص: 159

روى أبو الدرداء عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: قلنا: يا رسول اللَّه انّ امر منى لعجيب هي ضيّقة، فإذا نزلها الناس اتّسعت، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: إنما مثل منى كالرحم اذا حملت وسعها اللَّه تعالى

حدّ منى

مرآة الحرمين: وحدّ هذا الموضع (منى من جهة مكّة جمرة العقبة التي بايع الانصار عندها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ومن جهة المزدلفة وادي محسّر. وظاهر كلام الشافعي والنووي أنّ العقبة ليست من منى وغيرهما يقول هي منها، اما عرضه فعرض الوادي المحصور بين الجبال الشاهقة وذلك 637 متراً استخراجاً من مقاس الفاسي.

جملة من مستحبات منى

1- يستحب الإقامة بمنى ايام التشريق أي بياض النهار زائداً على القدر الواجب للرمي.

2- ويستحب التكبير عقيب خمس عشرة صلاة اوّلها ظهر يوم النحر وقد تقدم ذكره.

3- يستحب ايضاً للمقيم بمنى ان يوقع صلواته كلّها في مسجد الخيف فرضها ونفلها، وافضله في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم منه وهو واقع في وسط المسجد، فعن الصادق عليه السلام: صلّ في مسجد الخيف وهو مسجد بمنى وكان مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد.

4- ويستحب ايضاً التسبيح والتهليل والتحميد مئة والصلوة مئة ركعة فيه، فعن أبي جعفر عليه السلام قال: من صلّى في مسجد الخيف بمنى مئة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاماً. ومن سبّح للَّه فيه مئة تسبيحة كتب اللَّه له كأجر عتق رقبة. ومن هلّل اللَّه فيه مئة تهليلة اجر احياء نسمة، ومن حمد اللَّه فيه مئة تحميدة

ص: 160

عدلت اجر خراج العراقيين يتصدّق به في سبيل اللَّه عزوجل.

5- ويستحب ايضاً صلاة ست ركعات في اصل الصومعة (1).

المناسك في مكة

في الدروس: إذا قضى الحاج مناسكه بمنى وجب عليه العود الى مكّة، ويستحب ليومه؛ ليأتي بطواف الحج وركعتيه وسعيه بعده، ثم يأتي بطواف النساء وركعتيه على هذا الترتيب- وكيفيّتها في الواجب والمستحب كما تقدّم في العمرة غير انّه ينوي مميزاتها عن غيرها- وليس طواف النساء مخصوصاً بمن يغشي النساء اجماعاً فيجب على الخصي والمرأة ومن لا اربة له في النساء. ويحرم بتركه النساء وطياً وتقبيلًا وملاعبة ونظراً بشهوة وعقداً وشهادة، وكل ما كان قد حرّمه الاحرام منهنّ. ويلزم الصبي المميز ويطوف الولي بغير المميّز، فلو تركاه وجب قضاؤه كما يجب على غيرهما، ويحرم عليهما النساء بعد البلوغ (2).

آداب دخول مكّة لطواف الزيارة

يستحب امام دخول مكّة ما تقدم في مبحث العمرة من الغسل لدخولها، ويزيد هنا استحباب تقليم الاظفار واخذ الشارب، والدعاء اذا وقف على باب المسجد ففي صحيح ابن عمار ص 145:

فإذا انتهيت الى البيت يوم النحر، فقمت على باب المسجد، قلت: اللّهم اعني على نسكك، وسلّمني له وسلّمه لي اسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه، أن تغفر لي ذنوبي، وأن ترجعني بحاجتي. اللهم انّي عبدك والبلد بلدك، والبيت بيتك.

جئت اطلب رحمتك، وأوم طاعتك، متبعاً لامرك راضياً بقدرك، اسئلك مسألة


1- 1 منهاج الاحرام/ ص 440.
2- 2 ص 134 طبعة جديدة.

ص: 161

المضطرّ اليك، المطيع لأمرك المشفق من عذابك، الخائف لعقوبتك، أن تبلغني عفوك وان تجيرني من النار برحمتك (1).

ثم أئت الحجر الاسود وقبّله، وان لم تستطع فاستلمه، وان تستطع فاستقبله وكبر، وقل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكّة، ثم تأتي بالطواف والسعي وقد عرفت احكامها في العمرة.

نعم بقي الكلام في طواف النساء اقول: طواف النساء واجب في الحج بأنواعه الثلاثة التمتّع والافراد والقران وفي العمرة المفردة، وقال في الحدائق: لاخلاف بين اصحابنا في وجوبه على جميع افراد الحاج من الرجال والنساء والصبيان والخصيان، وادّعى عليه الاجماع في المنتهى ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن علي بن يقطين، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلّهم.

وقال الصادق عليه السلام في خصوص المتمتع: على المتمتع بالعمرة الى الحج ثلاثة اطواف بالبيت، وسعيان بين الصفا والمروة فعليه اذا قدم مكّة طواف بالبيت وركعتان عندمقام ابراهيم عليه السلام وسعي بين الصفا والمروة، ثم يقصّر وقد أحلّ (هذا للعمرة) وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة، ويصلي عن كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السلام.

الواجب الثاني عشر والثالث عشر من واجبات الحج المبيت بمنى في ليالي التشريق ورمي الجمار في أيّامها وفي اليوم الأخير في بعض الصور.

المبيت بمنى

في دليل الناسك: يجب المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر على كل ناسك غير معذور. وقال: القدر الواجب من المبيت في كل ليلة هو أن تغرب عليه


1- الحدائق/ ج 17 ص 280.

ص: 162

الشمس فيها، ويبقى بها الى ان ينتصف الليل، ويجوز له الخروج بعد ذلك، ويجب ان يكون في المبيت بمنى ناوياً له نحو ما تقدّم في سائر المناسك مقارناً بها لاولّ جزئه عند الغروب، والأولى أن يقدّمها في جزء من النّهار ويقول أبيت هذه الليلة بمنى لحج التمتع لوجوبه قربةً الى اللَّه تعالى (1). ويجب رمى الجمار الثلاث على الترتيب يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إن أقام ليلته في منى.

الإقامة بمنى ايام التشريق

من المستحبات، الاقامة بمنى ايام التشريق زائداً على قدر الواجب للرمي، فعن ليث المرادي: سألت ابا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يأتي مكّة ايّام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت اسبوعاً، فقال عليه السلام: المقام بمنى افضل وأحبّ إليّ (2).

عنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: ما من ايام العمل الصالح فيها احبّ الى اللَّه- عزّوجل- من أيام العشر يعني عشر ذي الحجة، قالوا: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟

قال صلى الله عليه و آله و سلم: ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلّارجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشي ء من ذلك (3).

الباب السادس
اشارة

1- 1 ص 228.
2- 2 الوسائل/ ج 5 ص 312.
3- 3 الوسائل/ ج 9 ط جديدة ص 221.

ص: 163

الباب السادس

في أحكام المصدود والمحصور

ص: 164

ص: 165

قال تعالى «إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللَّه والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد» (1).

وقال تعالى «فإن احصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رُءُوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه» (2).

المصدود

المصدود: هو الممنوع بعد احرامه بحج او عمرة، امّا عن الموقفين او عن دخول مكّة، بحيث لا يمكنه الطواف والسعي آخر وقتهما ولو بالاستنابة. فيتحلّل عن احرامه بالهدي امّا يذبحه او ينحره في محل الصّد، أو يبعثه بنيّة التحلّل، فإن ذبحه في محلّ الصّد فالاحوط ان يكون في يوم النحر واحوط منه ضمّ الحلق او التقصير ايضاً اليه، ولكن ينوي التحلّل عند الذبح او النحر. ويجزي عنه هدى السياق، وله ان يبقى على احرامه. والتحلّل بعمرة مفردة. ولا يسقط عنه الحج بذلك مع استقراره او بقاء الاستطاعة الى القابل (3).


1- 1 الحج/ 25.
2- 2 البقرة/ 196.
3- 3 دليل الناسك/ ص 250.

ص: 166

المحصور

المحصور: هو الممنوع بالمرض بعد إحرامه بأحد النسكين عن أحد ما تقدّم، فيبعث هدياً إن لم يكن قد ساق، وإلّا أجزأه هدي السياق، فإن كان قد شرط في احرامه ان يحلّه حيث حبسه، جاز ان يتحلل بنفس بعثه، وإلّا يبقى على احرامه الى أن يبلغ الهدي محلّه وهو منى إن كان حاجاً، وفناء الكعبة إن كان معتمراً، فإذا بلغ ومضى زمان ذبحه او نحره قصّر وحلّ له كلّ شي ء إلا النساء حتى يحج في القابل، اذا كان احصاره عن واجب مستقر. ولو عجز عن الرجوع بنفسه جاز ان يستنيب على الاقوى ولو كان ندباً أو واجباً غير مستقر أو كان نائباً عن الغير بتبرّع او بإجارة أجزأه ان يطاف عنه طواف النساء على الأقوى ولو زال الحصر إلتحق فإن ادرك الموقفين فقد ادرك الحج، وإلّا فلا، ولو حصر عن مناسك يوم النحر وما بعده فينيب فيما لا يمكنه ويسقط المبيت (1).

النفر من منى

قوله تعالى «فمَن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لِمن اتقى (2).

في المرآة: لاخلاف في انّه إذا نفر في الأول لم يجز الّا بعد الزوال، وفي الثاني يجوز قبله ولافي انّه اذا غابت الشمس في اليوم الثاني عشر وهو في منى لا يجوز له ان ينفر بالليل ويتعيّن عليه النفر الثاني (3).

ويدلّ عليه الاخبار، منها مافي الصحيح عن ابي ايوب قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام:


1- 1 المصدر نفسه/ 255.
2- 2 البقرة/ 203.
3- 3 ج 18 ص 212.

ص: 167

إنّا نريد ان نتعجّل السير وكانت ليلة النفر فأي ساعة ننفر؟ فقال لي: أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس. واما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة اللَّه فإن اللَّه- جلّ ثناؤه- يقول «فمَن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومَن تأخر فلا اثم عليه»، فلو سكت لم يبق احد الّا تعجّل ولكنه قال: «ومن تأخّر فلا اثم عليه» (1).

وسئل الصادق عليه السلام عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: «فمن تعجّل في يومين فلا اثم عليه ومَن تأخر فلا اثم عليه» قال عليه السلام: يرجع مغفوراً لا ذنب له (2).


1- 1 المصدر نفسه/ ص 213.
2- 2 الوسائل/ ج 5 ص 223.

ص: 168

الباب السابع: في بعض المستحبات
استحباب الطواف عن الاخوان

ص: 169

الباب السابع: في بعض المستحبات

ص: 170

ص: 171

استحباب الطواف عن الاخوان

الحضرمي عن ابيه قال: رجعت من مكّة فأتيت ابا الحسن موسى عليه السلام في المسجد وهو قاعد فيما بين القبر والمنبر، فقلت له: يابن رسول اللَّه، إنّي إذا خرجت الى مكّة ربّما قال لي الرجل: طف عنّي أسبوعاً، وصلّ عني ركعتين، فربّما شغلت عن ذلك، فاذا رجعت لم ادر ما اقول له.

قال عليه السلام: اذا اتيت مكّة فقضيت نسكك فطف اسبوعاً وصل ركعتين وقل: اللهم ان هذا الطواف وهاتين الركعتين عن ابي وامّي وعن زوجتي وعن ولدي وعن خاصّتي، وعن جميع اهل بلدي، حرّهم وعبدهم وابيضهم واسودهم، فلا بأس أن تقول للرجل: «انّي قد طفت عنك وصليت عنك ركعتين» الا كنت صادقاً (1).

وفي الدروس: ويستحب الطواف عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم والأئمة عليهم السلام وعن الأبوين والاهل والاخوان.

وداع الكعبة

الامام الصادق عليه السلام قال: اذا اردت ان تخرج من مكّة فتأتي اهلك، فودّع البيت


1- الوسائل/ ج 5 ص 223.

ص: 172

وطف أسبوعاً، وان استطعت ان تستلم الحجر الاسود والركن اليماني في كل شوط فافعل، وإلّا فافتح به واختم، وان لم تستطع فموسع عليك، ثم تأتي المستجار فتصنع عنده مثل ما صنعت يوم قدمت مكّة الى قوله ثم قل: اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك ونبيّك وأمينك وحبيبك ونجيبك وخيرتك من خلقك. اللهم كما بلّغ رسالتك وجاهد في سبيلك وصدع بأمرك، وأوذي فيك وفي جنبك حتى أتاه اليقين.

اللهم اقلبني مفلحاً منجحاً مستجاباً لي بافضل ما يرجع به احد من وفدك من المغفرة والبركة والرضوان والعافية. اللهم ان أمتني فاغفر لي، وان احييتني فأرزقنيه من قابل. اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك. اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن امتك، حملتني على دابتك وسيرتني في بلادك حتى ادخلتني حرمك وأمنك، وقد كان في حسن ظنّي بك ان تغفر لي ذنوبي، فان كنتَ قد غفرت لي ذنوبي فازدد عني رضاً، وقرّبني اليك زلفى، ولا تباعدني، وإن كنت لم تغفر لي فمن الان فاغفر لي قبل ان تنأى عن بيتك داري، وهذا أوان انصرافي ان كنت اذنت لي غير راغب عنك، ولا عن بيتك، ولا مستبدل بك ولا به. اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتّى تبلغني اهلي، واكفني مؤونة عبادك وعيالي، فإنّك وليّ ذلك من خلقك ومنّي (1).

وداع ابي الحسن عليه السلام استطرادا

ابن ابي محمود قال: رأيت ابا الحسن عليه السلام ودّع البيت، فلمّا اراد ان يخرج من باب المسجد خرّ ساجداً، ثم قام فاستقبل الكعبة فقال: اللهم اني انقلب على أن لا إله إلّاأنت (2).


1- الوافي/ ج 2 ص 190. والوسائل/ ج 10 ص 231.
2- الوسائل/ ج 10 ص 232.

ص: 173

وداع ابي جعفر الجواد عليه السلام

عن الحسن بن علي الكوفي، قال: رأيت ابا جعفر الثاني عليه السلام في سنة خمس عشرة ومائتين، ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده. ثم مسح وجهه بيده. ثم اتى المقام فصلّى خلفه ركعتين، ثم خرج الى دبر الكعبة الى الملتزم، فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه، ثم وقف عليه طويلًا يدعو، ثم خرج من باب الحنّاطين .. (1).

الصدقة عند الخروج من مكّة

الامام الصادق عليه السلام: ينبغي للحاج اذا قضى نسكه، وأراد ان يخرج ان يبتاع تمراً يتصدق به فيكون كفارة لما لعلّه دخل عليه في حجّه من حكّ او قمّلة سقطت او نحو ذلك (2).

استحباب العمرة

مجمع الفائدة ج 7 ص 393: ويستحب العمرة المفردة في كل شهر، اشترط بعض في جواز العمرة ثانية مضي شهر من العمرة الاولى وبعض: السنة، وبعض:

عشرة ايام، وقال بعض: لاحدّ له فيجوز العمرة في كل زمان ما لم يمنعه مانع مثل ان يزاحم واجباً.

اما ادلة المذاهب: فلعلّ دليل الاخير هو عموم الاخبار الواردة في الترغيب


1- الوسائل/ ج 10 ص 232.
2- المرآة/ ج 18 ص 231.

ص: 174

بالعمرة مثل ما في صحيحة ابن عمّار عن الصادق عليه السلام: المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء- وهي أعم من مرة بعد أخرى بلا فصل وغيره- وانّها مشروعة فلا اختصاص لها بوقت دون اخرى.

اقول: وممّن اختار هذا المذهب السيد الگلپايگاني في مناسكه فإنّه قال:

يستحب تكرار العمرة كالحج، والاقوى عدم اعتبار الفصل بين العمرتين بشي ء، وإن قيل باعتباره بشهر كما عن بعض او بعشرة ايام عن آخر، فيجوز الاتيان بها في كل يوم (1).

ثم إنّ المحقق الأردبيلي ذكر بعد ذلك ادلّة ساير المذاهب الى ان قال: وبالجملة القول بالسنة بعيد نادر ينافيه الاخبار في الجملة، والعشر ضعيف يردّه الاعتبار والاخبار، والشهر لا يخلو من قرب، وعدم التحديد محتمل فيه للعموم مثل ما ورد عنهم عليهم السلام: العمرة الى العمرة كفّارة لما بينهما فتأمل فيه، وعدم صريح في التحديد لإمكان تأويل ما ورد في ذلك فتأمل.

افعال العمرة

دليل الناسك ص 245: اما العمرة المفردة فأفعالها ثمانية: النية ثم الإحرام من احد المواقيت مع مروره عليه، وإلّا فمن دويرة اهله ان كان خارج الحرم، وإلّا فمن ادنى الحل. ثم الطواف وركعتاه ثم السعي ثم الحلق او التقصير، ثم طواف النساء وركعتاه.

امّا ما يستفاد منه الندب من الاخبار فماروي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: الحجّة ثوابها الجنّة، والعمرة كفّارة لكلّ ذنب، وافضل العمرة عمرة رجب (2).

وعن ابي الحسن الرضا عليه السلام: العمرة الى العمرة كفّارة لما بينهما (3).

وعن علي بن جعفر قال: خرجنا مع اخي موسى عليه السلام في اربع عُمَر يمشي فيها الى مكّة بأهله وعياله- واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوماً، وأخرى خمسة


1- 1 ص 65.
2- 2 الوسائل/ ج 9.
3- 3 المصدر نفسه.

ص: 175

وعشرين يوماً، وأخرى اربعة وعشرين واخرى واحداً وعشرين يوماً (1).

الاكثار في الطواف

يستحب ان يطوف مدّة مقامه بمكّة ثلاثمئة وستين طوافاً، كل طواف سبعة أشواط، فإن لم يتمكن فله أن يطوف ثلاثمئة واربعة وستين شوطاً؛ اثنين وخمسين اسبوعاً، فإن لم يستطع فبما يقدر عليه، فإنّه كالصلاة إن شاء استقل وإن شاء استكثر.

ختم القرآن بمكّة

ويستحب ان يختم القرآن مدّة إقامته بها؛ لا اقل مرّة، ففي الخبر: مَن ختم القرآن بمكّة لم يمت حتى يرى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ويرى منزله من الجنّة (2).

زيارة مولد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم

يستحب زيارة مولد سيّدنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهو بمكّة المكرّمة في المكان المعروف بسوق الليل، وهو مشهور بمولد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم.

اقول: وفي زماننا صار المولد بصورة بناء مربع مسقّف قدّام الصفا مسدود الباب غالباً، وإنّي صلّيت في تلك الغرفة- صلى اللَّه على مولودها- وفي اعلى جدارها المقابل للصفا مكتوب (مكتبة مكة المكرّمة).

مولد الزهراء سلام اللَّه عليها

مولد السيدة فاطمة بنت رسول اللَّه، وهو في دار أمّها خديجة- رضي اللَّه عنها


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 البحار/ ج 99 ص 82.

ص: 176

بمكّة في الزقاق المعروف بزقاق الحجر، وسماها الطبري دار خزيمة. قال الأزرقي:

وهذه الدار كان يسكنها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم مع خديجة وفيها ابتنى بها، وولدت جميع اولادها وتوفّيت بها، ولم يزل النبي صلى الله عليه و آله و سلم ساكناً بها حتى هاجر الى المدينة، وغالب هذه الدار الآن على صفة المسجد، وبها قبة يقال لها: قبّة الوحي. ودار خديجة هذه افضل موضع بمكة بعد المسجد الحرام (1).

اقول: إنّي زرت هذه الدار على صفة المسجد قبل ثلاثين سنة، وقد نصب في جدار الزقاق معرق أو مَعلم منقوش عليه (شارع فاطمة الزهراء عليها السلام) في السوق الذي يسمى بسوق الذهب ملاصقاً (لسوق أبي سفيان) وفي السنوات الاخيرة ما رأيت الدار على تلك الصفة، وقد تبدّلت وانطمست كما تبدّلت وانطمست كثير من الاثار القيّمة من الدور والمساجد والاماكن المقدّسة والمزارات الشريفة.

إتيان غار حراء

اوّل ما نزل الوحي على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نزل عليه وهو في غار حراء في جبل يسمى بجبل النور، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كثيراً ما يجاور فيه ويتعبد اللَّه فيه منعزلًا عن الناس، وهو معروف مشهور يأثره الخلف عن السلف ويقصده الناس بالزيارة (2).

السرّ في ملازمة هذا الغار

قال في الجامع اللطيف: لعلّ الوجه ان الغار الذي في جبل النور مستقبل الكعبة من غير انحراف، وليس غيره كذلك، فترى من هذا مكانة (غار حراء) وانّه كان متعبداً للرسول صلى الله عليه و آله و سلم قبل البعثة، وان به نزلت اول سورة من القرآن الذي هو


1- 1 الجامع اللطيف/ ص 327.
2- 2 الجامع اللطيف/ ص 341.

ص: 177

نور وهدى للناس وفيه شفاء لما في الصدور.

وفي مرآة الحرمين: هذا الغار عبارة عن فجوة بابها نحو الشمال تسع نحو خمسة اشخاص جلوساً، وارتفاعه قامة متوسّطة، والواقف على قنّة هذا الجبل يرى مكّة وأبنيتها العظيمة كما يرى جبل ثور.

كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخلو بغار حرا، فيتحنّث فيه وهو التعبّد حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرا، قال: ما انا بقاري، قال: فاخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني، فقال اقرأه قلت: ما انا بقارئ، فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم ارسلني، فقال: اقرأ قلت: ما انا بقارئ. فاخذني فغطّني الثالثة، ثم ارسلني فقال: «اقرأ باسم ربّك الذي خلق* خلق الانسان من علق* اقرأ وربّك الأكرم* الذي علّم بالقلم* علم الانسان ما لم يعلم» فرجع بها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال صلى الله عليه و آله و سلم لخديجة واخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة عليها السلام: كلّا واللَّه لا يخزيك اللَّه أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (1).

اتيان غار ثور

قوله تعالى «.. ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللَّه معنا» (2)

وقع هذا الغار في الجبل الذي يقال له جبل ثور؛ لنزول ثور بن مناف فيه، وقد صحّ أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم وأبا بكر اختفيا في غاره الذي ذكره اللَّه في كتابه «ثاني اثنين اذ هما في الغار» وروي ان النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لمّا دخل الغار امر اللَّه العنكبوت فنسجت على


1- 1 ج 1 ص 57.
2- 2 التوبة/ 40.

ص: 178

بابه، وشجرة فنبتت، والحمامتين فعشتا على بابه. ويقال إنّ هذا الحمام الذي بمكّه من نسلهما، وكان مكثه في الغار المذكور ثلاثاً كما في صحيح البخاري (1).

في البحار، عن الغزالي في كتاب الاحياء: انّ ليلة بات علي بن أبي طالب على فراش رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أوحى اللَّه تعالى الى جبرئيل وميكائيل أنّي آخيت بينكما، وجعلت عمر احدكما اطول من الآخر فأيّكما يؤثر صاحبه بحياته، فاختار كل منهما الحيوة وأحباها فاوحى اللَّه تعالى اليهما، افلا كنتما مثل علي بن أبي طالب عليه السلام آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه و آله و سلم فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا الى الأرض فاحفظاه من عدوه، فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يابن ابي طالب يباهي اللَّه بك الملائكة فأنزل اللَّه عزّوجلّ: «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللَّه واللَّه رَءُوف بالعباد» (2).

وفي ص 51: فلمّا اصبحت قريش، وثبوا الى الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي في وجوههم، فقال عليه السلام: ما شأنكم؟ قالوا له: أين محمد، قال ألستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم؟ فتفرّقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة، يقال له ابوكرز يقفو الاثار، فقالوا: يا ابا كرز اليوم اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقال هذه قدم محمد واللَّه إنها لاخت القدم التي في المقام، وهذه قدم ابي قحافة او ابنه فما زال بهم حتى اوقفهم على باب الغار، ثم قال: ما جازوا هذا المكان امّا يكونوا صعدوا الى السماء، او دخلوا تحت الأرض، فلمّا رأوا على باب الغار نسج العنكبوت انصرفوا، وتفرّقوا في الشعاب وصرفهم اللَّه عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.

قال المجلسي رحمه اللَّه في ص 40، ج 99: كان ابو جهل قد امر منادياً ينادي


1- 1 الجامع اللطيف/ ص 343.
2- 2 البقرة 207. البحار/ ج 99 ص 39.

ص: 179

بأعلى مكّة واسفلها: مَن جاء بمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم أو دلّ عليه فله مئة بعير، او جاء بابن قحافةاو دلّ عليه فله مئة بعير؟! فلمّا رأوا الحمامتين ونسج العنكبوت على فم الغار انصرفوا، فدعا النبي صلى الله عليه و آله و سلم للحمام وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم، ونهى عن قتل العنكبوت وقال: هي جند من جنود اللَّه تعالى

اتيان محل انشقاق القمر

قوله تعالى «اقتربت الساعة وانشق القمر* وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر» (1).

وقعت هذه الاية العظيمة في جبل ابي قبيس، وهذا الجبل مشرف على الصفا، وهو مشهور. قيل: إنّ قبر آدم عليه السلام في هذا الجبل (2).

في المجمع: قال ابن عبّاس: اجتمع المشركون الى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فقالوا: إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين. فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم. إن فعلت تؤمنون.

قالوا: نعم. وكانت ليلة بدر، فسأل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ربّه أن يعطيه ما قالوا، فانشق القمر فرقتين ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا، وقد روى حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة وعليه جماعة من المفسّرين.

وفي تفسير الميزان: قد استفاضت الروايات على ذلك، واتّفق اهل الحديث والمفسرون على قبولها كما قيل ولم يخالف فيه منهم الّا الحسن وعطا والبلخي، وقولهم مزيّف مدفوع، بدلالة الآية التالية «وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر» فإنّ سياقها اوضح شاهد على أن قوله (آية) مطلق شامل لانشقاق القمر (3). مع التلخيص، وقال في البحث الروائي: ورد انشقاق القمر لرسول للَّه صلى الله عليه و آله و سلم في روايات الشيعة عن أئمة اهل البيت عليهم السلام كثيراً، وقد تسلّمه محدثوهم والعلماء من


1- 1 القمر 1 و 2.
2- 2 الجامع اللطيف.
3- 3 ج 19 ص 61.

ص: 180

غير توقّف وكذلك من العامة.

ومن الاخبار التي تنقل عن طريق العامة عن الدر المنثور ما اخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق مسروق عن ابن مسعود، قال: انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقالت قريش: هذا سحر ابن ابي كبشة، فقالوا: انتظروا ما يأتيكم به السفار فإن محمداً لا يستطيع ان يسحر الناس كلهم. فجاء السفار فسألوهم، فقالوا: نعم قد رأيناه فأنزل اللَّه (اقتربت الساعة وانشق القمر).

ومنها ما اخرجه جمع عن ابي عبد الرحمان السلمي قال: خطبنا حذيفة اليمان بالمدائن فحمد اللَّه واثنى عليه، ثم قال: اقتربت الساعة وانشق القمر، ألا وان الساعة قد اقتربت، ألا وان القمر قد انشق على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ألا وان الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وان اليوم المضمار وغداً السباق.

وقال السيد الطباطبائي ايضاً في بحث آخر: الكتاب والسنّة يدلّان على هذه الاية، وانشقاق كرة من الكرات الجوّية ممكن في نفسه لا دليل على استحالته العقلية، ووقوع الحوادث الخارقة للعادة، ومنها الآيات المعجزات جائز امكاناً ووقوعاً، ومن اوضح الشواهد عليه القرآن الكريم، فمن الواجب قبول هذه الاية، وإن لم يكن من ضروريات الدين (1).


1- المصدر ص 67.

ص: 181

ص: 182

الباب الثامن
(1) المساجد في مكة

ص: 183

1- المسجد الحرام: هو المسجد الذي ليس له نظير في العالم، وهو أشرف المساجد وتُعدّ الصلاة فيه بمئة الف صلاة، وقد نقدم بعض الكلام فيه، وفقنا اللَّه وإياكم لإقامة الصلاة فيه.

2- مسجد الراية: هذا المسجد يقع بأعلى مكّة عند الردم (الردم، الحاجز للسيل)، وقد امر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بنصب راية النصر في هذا المكان، ثم أُسس في موضعه مسجد سمي بمسجد الراية، وهذا المسجد الان وقع في طريق المعابدة وقبل ان تدخل ميدان المعابدة.

3- مسجد الجن: يقع بالقرب من مقبرة الحجون، وهو محل نزول سورة الجن على الرسول الأكرم، ويسمّيه اهل مكّة مسجد الحرس، لأنّ صاحب الحرس كان يطوف بمكة حتى اذا انتهى اليه وقف حتى يتوافى عنده حرسه وعرفاؤه، فإذا توافوا رجع منحدراً الى مكة.

4- مسجد المختبى هو مسجد بسوق الليل بالقرب من مولد النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقال: كان رسول اللَّه يختبي فيه من الكفّار.

5- مسجد الإجابة: هذا المسجد يقع الان في ميدان المعابدة على يسار الذاهب

ص: 184

الى منى يقال: إنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم صلى فيه.

6- مسجد النوق: سمي بذلك لأن ناقة النبي صلى الله عليه و آله و سلم بركت في هذا المكان، وهو ايضاً واقع في المعابدة على يمين الذاهب الى منى وعرفات (1).

(2) المساجد حوالى مكّة

منها، مسجد التنعيم: الذي اعتمرت منه عائشة واشتهر في عصرنا بمسجد العمرة، وقيل في وجه التسمية بالتنعيم، لأنّ على يمينه جبلًا يقال له نعيم، وعن يساره جبلًا يقال له ناعم، والوادي بينهما نعمان.

منها، مسجد الجعرانة: وهو الذي احرم منه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بعمرة، مرجعه من الطائف بعد فتح مكّة. قيل: احرم من هذا المسجد ثلاثمئة نبيّ. ونقل عن الفاكهي أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم غرز رمحه الميمون في ذلك المحل فنبع الماء، فشرب منه النبي صلى الله عليه و آله و سلم وسقى الناس، وقيل في وجه التسمية: إن جعرانة اسم امرأة من قريش، وعن ابن عباس إنّما هي التي نزل فيها قوله تعالى «ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً» أقول: مساجد كثيرة في مكة واطرافها ذكرها الازرقي، ولم تعرف اليوم، ولم نقف على شي ء من خبرها.

(3) المساجد في منى

1- مسجد الخيف: هذا المسجد بمنى في الجهة الجنوبية، وهو مسجد وسيع، وفي صحن المسجد قبّة عظيمة اقيمت على ثمانية عقود، وبها محراب، وهي موضع خيمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في حجّة الوداع، وقد صلى النبيّ بمكانها الاوقات الخمسة (2).

اقول: الحمد للَّه وله الشكر اني زرت المسجد مراراً وصليت في موضع تلك


1- 1 التلخيص من تاريخ الازرقي والجامع.
2- 2 تاريخ الازرقي/ ص 322.

ص: 185

القبّة مع بقاء البناء ومن الاسف الشديد محوا هذا البنيان الشريف في عصرنا هذا ولم يكتفوا بطمس هذا الاثر بل قلّبوا بنيان المسجد من اصله وبنوا بنياناً جديداً وصار المسجد كلّه مسقفاً، ولم يبق من الاثار شي ء وهذا هو المسجد الذي صلى فيه سبعمأة نبي، وفي بعض الاخبار دفن في هذه الارض جم غفير من الانبياء عليهم السلام (1).

2- مسجد البيعة وهي التي بايع فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الأنصار بحضرة عمه العباس، وهو بقرب العقبة التي هي حد منى من جهة مكة.

3- مسجد النحر الذي وقع بين الجمرتين، الاولى والوسطى يقال: نحر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم هديه عنده وقد يقال: ان هذا هو المسجد الكبش، والمراد بالكبش هو الذي فدى به الذبيح اسماعيل، ويؤيد ذلك بما رواه ابن عبّاس بانّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم نحر هديه في منحر الخليل عليه السلام الذي نحر فيه الكبش المفدي به (2).

(4) المقابر
اشارة

في مرآة الحرمين ج 1 ص 30:

المعلاة مقبرة اهل مكة، ويشقها الطريق شقّين عن اليمين والشمال، وبها قبور كثير من الصحابة، وبالشقّ الايسر قبّة شاهقة على قبر السيدة خديجة أمّ المؤمنين- رضي اللَّه عنها- وبه ايضاً جملة قباب، قيل لنا: مقابر عبد مناف وعبد المطلب وهاشم اجداد النبي صلى الله عليه و آله و سلم، وكذلك قبة على قبر عمّه ابي طالب.

وفي تاريخ الوجدي ج 9: المعلى مقبرة مكّة، وفيها ضريح السيّدة خديجة زوج النبي صلى الله عليه و آله و سلم وهو داخل قبّة تجدّدت، وقبالة قبّة السيدة خديجة الى الجنوب قبّة السيدة آمنة بنت وهب والدة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وفي شمالها قبّة ابي طالب عم النبي صلى الله عليه و آله و سلم وبجوارها قبّة جدّه عبد المطلب. وفيها قبر ابي جعفر المنصور، وكان قد حضر مكّة


1- 1 الجامع اللطيف/ ص 334.
2- 2 المصدر نفسه.

ص: 186

حاجاً في سنة 158 فمات ودفن بالمعلى ولا يعرف مكانه- وفيها غير ذلك من الصحابة والتابعين والصالحين.

وتسمى أيضاً مقبرة الحجون (1).

وفي لسان العرب ج 13 ص 109 (التأسف على الحجون) يتأسف الحرث الجرهمي على الحجون والبيت:

كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا أنيس ولم يسمر بمكّة سائرٌ

بلى نحن كنّا اهلها فابادنا صروف الليالي والجدود العواثر

مِن المدفونين في الحجون

1- شارح الاستبصار الفقيه المحدث الشيخ محمد شارح الاستبصار ابن المحقق صاحب المعالم ابن الشهيد الثاني، مما اشتهر في حقه انه كان طائفاً فجاءه رجل واعطاه ورداً ليست في تلك البلاد، ولا في ذلك الاوان فقال له: من اين اتيت به؟

فقال: من هذه الخرابات، ثم اراد ان يراه بعد ذلك السؤال فلم يره، جاور مكّة المشرّفة وتوفّي بها وله من العمر ثلاث وخمسون سنة، ودفن في المعلاة قريباً من مزار خديجة الكبرى عليها السلام.

2- ولد الشيخ المرحوم الشيخ زين الدين بن محمد، كان جليل القدر عظيم المنزلة، لانظير له في زمانه، كما ذكره صاحب الامل، جاور مكّة وتوفّي بها ودفن في المعلاة قريباً من والده.

3- الميرزا محمد الاسترآبادي صاحب الرجال الكبير كان من عبّاد هذه الطائفة، وجاور بيت اللَّه الحرام، توفّي بمكة ودفن في المعلاة- ذكر العلّامة المجلسي في 13 البحار في باب من تشرف بلقاء الحجة عليه السلام انه اخبرني جماعة عن السيد السند الاسترآبادي نوّر اللَّه مرقده قال: إنّي كنت ذات ليلة أطوف حول بيت اللَّه الحرام إذ


1- مرآة الحرمين/ ج 1 ص 32 الهامش.

ص: 187

أتى شاب حسن الوجه، فأخذ في الطواف، فلمّا قرب منّي اعطاني طاقة من ورد حمراء في غير أوانه، فأخذت منه وشممت، وقلت له: من اين يا سيدي؟ فقال: من الخرابات ثم غاب عني فلم أره.

4- المولى محمد امين بن محمد شريف الاسترآبادي جاور المدينة المنورة ومكّة المشرفة، وتوفّي بمكة ودفن في المعلاة.

5- السيد نور الدين الموسوي العاملي الجبعي ثم المكّي اخو صاحب المدارك لابيه، واخوه صاحب العلم لأمّه سكن بمكّة اكثر من عشرين سنة وتوفّي بها.

6- السيد الامير محمد مؤمن الاسترآبادي، المجاور لمكّة المعظّمة، الشهيد بالحرم الشريف الإلهي.

7- الفاضل مجتهد زمانه الشريف الشهيد الامير زين العابدين القامساني، وقد قتل لأجل تشيعه في مكّة المعظمة بأيدي اهل الخلاف، ودفن في القبر الذي هيّأه لنفسه في حال حياته عند مقابر عبد المطلب، وابي طالب عليهما السلام وقد امتاز السيد- رضوان اللَّه عليه- بفضيلة كبيرة وهي انّه كان من موسّس بيت اللَّه الحرام، وهي من فضل اللَّه تعالى عليه، وقد ذكر قصّته النوري في دار السلام.

المدفونون في حوالى مكّة

1- ميمونة بنت الحارث زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقبرها في مقابر سرف على بعد فرسخين من مكّة.

2- آمنة بنت وهب والدة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقبرها في ابواء وهي قرية بين مكّة والمدينة.

3- عبد اللَّه بن عباس بن عبد المطّلب وقبره في الطائف.

4- السيد الطاهر والسيد الطيب ابنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم دفنا في الطائف.

5- عبد اللَّه بن اسماعيل بن بزيغ من اصحاب الباقر والصادق والكاظم

ص: 188

والرضا عليهم السلام وقبره في فيل قرية قرب مكّة.

6- الشهيد حسين بن علي الحسني في ارض فخ مع من استشهد معه. وعن الامام الجواد عليه السلام انّه قال: لم يكن لنا بعد الطف مصرع اعظم من فخ. ومشهده وقع في طريق التنعيم والحال داخل في مكّة (1).


1- منهاج الاحرام/ ص 628.

ص: 189

الخاتمة
سيد البطحاء أبو طالب

ولولا ابو طالب وابنه لما مثل الدين شخصاً فقاما

فذاك بمكّة آوى وحامى وهذا بيثرب جس الحماما (1)

شعر أبي طالب في مدح النبيّ عليه السلام

واللَّه لن يصلوا اليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفيناً

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقرّ منك عيوناً

ودعوتني وعلمت أنّك ناصح ولقد صدقت وكنت قبل اميناً

ولقد علمت بأنّ دين محمد من خير اديان البرية ديناً

أقول: إنشاء هذه الاشعار في المسجد الحرام في الوقعة التالية التي ذكرها أبو البكر الشيرازي في تفسيره، وملخّصها: أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان قائماً في المسجد فأتى عليّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهو قائم يصلي في المسجد، فقام عن يمينه يصلي معه، فاجتاز ابو طالب بهما يصلّيان، فقال: يا محمد ما تصنع؟ قال: أعبد إله السموات والارض ومعي اخي علي يعبد ما اعبد، وانا ادعوك الى عبادة الواحد القهّار، فضحك


1- ابن ابي الحديد في شرحه/ ج 3، ص 317.

ص: 190

أبو طالب حتى بدت نواجذه وأنشأ يقول:

واللَّه لن يصلوا اليك بجمعهم حتى أغيّب في التراب دفينا (1).

وقال الاميني قدس سره في الغدير ج 1 ص 341: قال: العلّامة الاوحد ابن شهر آشوب في كتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالى «ولينصرن اللَّه من ينصره» (2)

: إن اشعار أبي طالب الدالّة على إيمانه تزيد على ثلاثة الاف بيت يكاشف فيها من يكاشف النبي صلى الله عليه و آله و سلم ويصحّح نبوّته.

شفاعة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لأبي طالب رضى الله عنه

الرازي في فوائده بإسناده عن عبد اللَّه بن عمر، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: اذا كان يوم القيامة شفعت لابي وامّي وعمي ابي طالب واخ لي كان في الجاهلية (3).

وعن ابن ابي الحديد في شرحه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: قال لي جبرئيل: انّ اللَّه مشفّعك في ستة، بطن حملتك آمنة بنت وهب وصلب انزلك عبد اللَّه بن عبد المطلب، وحجر كفّلك ابو طالب، وبيت آواك عبد المطلب، واخ كان لك في الجاهلية (4).

رثاء عليّ عليه السلام على والده

ابا طالب عصمة المستجير وغيث المحول ونور الظلم

لقد هدّ فقدك اهل الحفاظ فصلّى عليك ولي النعم

ولقّاك ربك رضوانه فقد كنت للطّهر من خير عم (5)


1- 1 الغدير/ ج 7 ص 357.
2- 2 سورة الحج/ 40.
3- 3 الغدير ج 7 ص 378.
4- 4 ج 3 ص 311 عن المصدر وفي خبر حجر كفلك ابو طالب وفاطمة بنت اسد.
5- 5 المصدر نفسه.

ص: 191

كلمة الامام الباقر عليه السلام في حق ابيطالب عليه السلام

سئل عليه السلام عمّا يقوله النّاس انّ اباطالب في ضحضاح من نار، فقال: لو وضع ايمان أبي طالب في كفة ميزان، وايمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح ايمانه، ثم قال: الم تعلموا أن امير المؤمنين عليه السلام كان يأمر ان يحج عن عبد اللَّه وابنه وابي طالب في حياته، ثم اوصى في وصيته بالحج عنهم؟ (1).

كلمة الامام الصادق عليه السلام

عنه عليه السلام: ان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: ان اصحاب الكهف اسّروا الايمان، واظهروا الكفر، فاتاهم اللَّه اجرهم مرّتين، وانّ اباطالب اسرّ الايمان واظهر الشرك فاتاه اللَّه اجره مرتين (2).

كلام الإمام الموصلي الحنفي

ذكر الامام احمد بن الحسين الموصلي الحنفي المشهور بابن وحشي في شرحه على كتاب شهاب الاخبار للعلّامة القضاعي: انّ بغض ابي طالب كفر، ونصّ على ذلك ايضاً من أئمة المالكية العلّامة الاجهوري في فتاواه والتلمساني في حاشيته على الشفا، فقال عند ذكر ابي طالب: لاينبغي ان يذكر إلّابحماية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لانّه حماه ونصره بقوله وفعله، وفي ذكره بمكروه أذيّة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وموذي النبي صلى الله عليه و آله و سلم كافر والكافر يقتل، وقال ابو طاهر: من ابغض ابا طالب فهو كافر (3).

عبد المطلب رحمه اللَّه

في السفينة: كان عبد المطلب ذا جلالة ظاهرة ومناقب وافرة وآيات باهرة،


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.

ص: 192

ويظهر ذلك من إنحناء سرير ابرهة له، ومن انفجار الماء تحت خف راحلته في مفازة لا ماء فيها، وتظهر جلالته وكثرة إيقانه من قصّة اصحاب الفيل واحترام الفيلة له، وقوله لبعض ولده: اعل ابا قبيس فانظر ماذا يأتي من قبل البحر، فيظهر انّه كان عالماً بانّه يأتي الطير لاستئصال اصحاب ابرهة، وتظهر أيضاً جلالته من حفره زمزم، وتظهر ايضاً من دخوله على سيف بن ذي يزن ملك اليمن، لمّا ظفر بالحبشة، وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه و آله و سلم اتاه عبد المطلب وافداً مع سبعة وعشرين رجلًا من قريش للتهنئة فأكرمه الملك واخبره بانّه يكون جدّ النبي المبعوث من تهامة، واشهده على نفسه انه مؤمن به وبما يأتي من عند ربه، وكان يتمنى ان يراه وينصره ثم دعا بفرسه العقاب وبغلته الشهباء وناقته العضباء، وسلّمها الى عبد المطلب ليسلّمها الى محمد صلى الله عليه و آله و سلم اذا بلغ مبلغ الرجال.

كلمة امير المؤمنين عليه السلام في حقّه

قال امير المؤمنين عليه السلام: واللَّه ما عبد ابي ولا جدّي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط، قيل: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلّون الى البيت على دين ابراهيم عليه السلام متمسكين به (1).

عن الصادق عليه السلام: يحشر عبد المطّلب يوم القيمة أمّة واحدة عليه سيماء الانبياء وهيبة الملوك، وقال: إنّ عبد المطلب حجّة وابو طالب وصيّه (2).

وفاته عليه السلام

توفّي عبد المطلب وللنبي ثمان سنين، وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون، ويعرف هذا الموضع بالمعلاة، وفيها ايضاً قبر أبي طالب


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.

ص: 193

وعبد مناف وخديجة رضي اللَّه عنهم اجمعين (1).

اقول: وقد تشرفت بزيارتهم مكرراً. والسلام عليهم وعلى عباد اللَّه الصالحين، ورزقنا زيارتهم غير مرّة.

أمّ المؤمنين خديجة عليها السلام

في السفينة: عن ابن عباس قال: أوّل من آمن برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من الرجال عليّ عليه السلام، ومن النساء خديجة.

ابو سعيد الخدري عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن جبرئيل قال لي ليلة اسري بي حين رجعت، وقلت يا جبرئيل هل لك من حاجة؟ قال: حاجتي ان تقرأ على خديجة من اللَّه ومني السلام، فلما لقيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال لها الذي قال جبرئيل، فقالت: إنّ اللَّه هو السلام ومنه السلام واليه يعود السلام وعلى جبرئيل السلام.

هذا آخر الكلام في القسم الاوّل من الكتاب، ويتلوه القسم الثاني وهو الحرم المدني.


1- المصدر نفسه.

ص: 194

القسم الثاني: الحرم المدني

فيه اثناعشر فصلًا وخاتمة

الفصل الأول في الأسماء

ص: 195

القسم الثاني: الحرم المدني

فيه اثناعشر فصلًا وخاتمة

ص: 196

ص: 197

الفصل الأول في الأسماء

ذكر السمهودي في تاريخه، الوفاء الى دار أخبار المصطفى أسماءً لهذه البلدة الشريفة، وقد استقصاها الى اربعة وتسعين اسماً، ونحن نقتصر على المشهور منها.

1- ارض اللَّه، قال اللَّه تعالى «ألم تكن أرض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها» (1)

قالوا: المراد بها المدينة، وفي هذه الإضافة من مزيد التعظيم ما لا يخفى (2).

2- ارض الهجرة كما في حديث (المدينة قبّة الاسلام) (3).

3- الايمان قال اللَّه تعالى مثنياً على الانصار: «والذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر اليهم» (4).

قال البيضاوي في تفسيره، قيل: سمّى اللَّه المدينة بالإيمان؛ لأنّها مظهره و مصيره.

وفي الحديث: الايمان يأرِز الى المدينة كما تأرِز الحيّة الى جحرها (5).

4- البلد، قال تعالى «لا اقسم بهذا البلد» (6)

- عن عياض: أي يحلف لك بهذا البلد الذي شرّفته بمكانك فيه حيّاً وببركتك ميّتاً، يعني المدينة- وقيل: إنّه من أسماء


1- 1 النساء/ 97.
2- 2 ج 1 ص 10
3- 3 المصدر.
4- 4 الحشر/ 9.
5- 5 ص 11.
6- 6 البلد/ 1.

ص: 198

مكّة المكرّمة (1).

5- حرم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم؛ لأنه الذي حرّمها، وفي الحديث: مَن أخاف اهل حرمي أخافه اللَّه (2).

6- طيّبة: سمّيت بذلك إمّا من الطّيب بتشديد المثناة، وهو الطاهر لطهارتها من ادناس الشرك او لِحلول الطيّب بها- وإمّا من الطيب بسكون المثناة لطيب امورها وطيب رائحتها، ووجود ريح الطيب بها. قال ابن بطّال: مَن سكنها يجد من تربتها وحيطانها رائحة حسنة، وقال الاشبيلي: لتربة المدينة نفحة ليس طيبها كما عهد من الطيب، بل هو عجب من الاعاجيب. وقال ياقوت: من خصائصها طيب ريحها، وللمطر فيها رائحة لا توجد في غيرها. وما أحسن قول أبي عبد اللَّه العطّار:

لطيب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم طاب نسيمهافما المسك ما الكافور ما المندل الرطبُ! (3) 7- المباركة: لأنّ اللَّه تعالى بارك فيها بدعائه صلى الله عليه و آله و سلم، لحديث (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكّة من البركة) وغيره من الاحاديث الصحيحة وآثار تلك الدعوات من الأمور الظاهرات (4).

8- المدينة ومدينة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم والمدينة وإن اطلق على اماكن كثيرة فهو علم مدينة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و هجر كونه علماً في غيرها بحيث إن اطلق لا يتبادر الى الفهم غيرها، ولا يستعمل فيها الّا معرفة (5).

9- مضجع الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لما في قوله صلى الله عليه و آله و سلم: المدينة مُهاجري ومضجعي في الأرض (6).


1- 1 ص 12.
2- 2 ص 13.
3- 3 ص 16.
4- 4 ص 20.
5- 5 ص 22.
6- 6 ص 24.

ص: 199

10- يثرب قيل فيه اقاويل مختلفة، ولاشك في اطلاق يثرب على المدينة نفسها، وقيل: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن اطلاق يثرب على المدينة، وما وقع في القرآن من تسميتها به إنّما هو حكاية عن قول المنافقين (1)، ومن اراد التفصيل فليراجع الاصل.


1- ص 11- 8.

ص: 200

الفصل الثاني هل المدينة أفضل أم مكّة؟

اشارة

قد انعقد الإجماع على تفضيل ما ضمّ الاعضاء الشريفة حتى على الكعبة نفسها، واجمعوا بعد ذلك على تفضيل مكّة والمدينة على سائر البلاد، واختلفوا أيهما افضل.

وقال الفاكهي: قالوا: لا خلاف في أن البقعة التي ضمّت الاعضاء الشريفة افضل بقاع الأرض على الاطلاق، وأنا اقول افضل بقاع السموات أيضاً.

ونقل السمهودي عن شيخه المحقق في تفسير سورة الصف، أنه قال: الحق ان مواضع الأنبياء وارواحهم اشرف من كل ما سواها من الأرض والسماء (1).

وقال السبكي: قد يكون تفضيل البلد لخصوصيّة فيه دون ساير البلدان، وهو القبر الشريف ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة، ولساكنه ما تقصر عن ادراكه العقول، وليس ذلك لمكان آخر. قال السمهودي: وهذا من النفاسة بمكان، على انّي اقول: الرحمات والبركات النازلة بذلك المحل يعمّ فيضها الأمّة وهي غير متناهية، ولذا كانت الأمّة خير أمّة بسبب كون نبيّها خير الأنبياء.

وقد ورد في الحديث: وفاتي خير لكم، وجاء بيان ذلك: بأنّ اعمالكم تعرض عليّ فإن رأيت خيراً حمدت اللَّه، وإن رأيت غير ذلك استغفرت لكم، وفي رواية


1- ج 1، ص 28.

ص: 201

استوهبت اللَّه ذنوبكم، ومما يشهد بذلك قوله تعالى «ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللَّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللَّه تواباً رحيماً» (1).

قال الحافظ ابن حجر: لا نزاع في كون تربته افضل الترب، وإنّما النزاع هل يلزم من ذلك أن تكون المدينة افضل من مكّة أم لا؟ (2).

اقول: يظهر من روايات أئمة اهل البيت افضلية المدينة المنورة على مكّة المعظمة، منها: ما رواه الحسن بن الجهم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام أيّهما أفضل المقام بمكّة او بالمدينة: فقال: أي شي ء تقول انت؟ قال: فقلت وما قولي مع قولك، قال عليه السلام:

إنّ قولك يردّ الى قولي، قال: فقلت له: امّا انا فأزعم أن المقام بالمدينة افضل من الإقامة بمكة، فقال عليه السلام: امّا لئن قلت ذلك، لقد قال ابو عبد اللَّه عليه السلام ذلك يوم فطر، جاء الى قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فسلّم عليه (في المسجد) ثم قال: لقد فضّلنا الناس اليوم بسلامنا على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم (3).

ومنه أيضاً: قال: قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام أيّهما أفضل رجل يأتي مكة ولا يأتي بالمدينة او رجل يأتي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ولا يأتي مكّة؟ فقال لي: أي شي ء تقولون انتم؟ فقلت: نحن نقول في الحسين عليه السلام فكيف في النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: اما لئن قلت ذلك لقد شهد ابو عبداللَّه عيداً بالمدينة فدخل على النبي صلى الله عليه و آله و سلم فسلّم عليه، ثم قال لمن يحضره: لقد فضّلنا اهل البلدان كلّهم مكّة فما دونها لسلامنا على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم (4)

ارض كربلاء وعلوّ رتبتها

الامام الصادق عليه السلام قال: إن ارض الكعبة قالت: مَن مثلي وقد بُنيَ بيت اللَّه على ظهري، يأتيني الناس من كلّ فج عميق، وجعلت حرم اللَّه وامنه؟! فأوحى اللَّه تعالى


1- 1 النساء 64.
2- 2 ص 38.
3- 3 الوسائل/ ج 10، ص 272.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 273.

ص: 202

اليها: أن كفّي وقرّي، ما فضل ما فضّلت به فيما اعطيت ارض كربلاء إلّابمنزلة الابرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك ولولا من تضمّنته ارض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت. والى هذا الخبر اشار العلّامة الطباطبائي بقوله:

ومن حديث كربلا والكعبة لكربلا بان علو الرتبة (1)

ولمّا مرّ امير المؤمنين عليه السلام

بكربلاء في مسيره الى صفّين نزل فيها وأومأ بيده الى موضع منها: ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم، ثم اشار الى موضع آخر، وقال:

ههنا مهراق دمائهم؛ ثقل لآل محمد، ثم قال: واهاً لك ياتربة ليحشرنّ منك اقوام يدخلون الجنة بغير حساب (2) وارسل عبرته وبكى من معه لبكائه، واعلَمَ الخواص من صحبه بأنّ ولده الحسين يقتل ههنا في عصابة من اهل بيته وصحبه هم سادة الشهداء، لا يسبقهم سابق ولا يلحقهم لاحق (3).

اقول: نرجع الى موضوع البحث من حديث مكّة والمدينة، وانّ الحكمة في وجوب الحج والطواف التشرف بحضرة سيد المرسلين والأئمة عليهم السلام، وعرض الولاية عليهم. وعليك بالتأمّل في الأخبار التالية:

الامام الباقر عليه السلام: إنّما امر الناس أن يأتوا هذه الاحجار فيطوفوا بها، ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم، ويعرضوا علينا نصرهم (4).

وعنه عليه السلام: تمام الحج لقاء الامام (5).

وعن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام- قال: اتمّوا برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا خرجتم الى بيت اللَّه الحرام، فإنّ تركه جفأ وبذلك امرتم (6).


1- 1 السفينة، ج 2، ص 475.
2- 2 كتاب صفين لنصر بن مزاحم.
3- 3 كامل الزيارات.
4- 4 المرآة/ ج 18 ص 258.
5- 5 المصدر نفسه.
6- 6 الوسايل/ ج 10، 255.

ص: 203

الامام الصادق عليه السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم- أنّه قال: مَن اتى مكّة ولم يزرني الى المدينة جفوته يوم القيامة، ومَن اتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة (1).

البدئة بأيّ الحرمين؟

علي بن يقطين، سألت ابا الحسن عليه السلام عن الممرّ بالمدينة في البدأة افضل أو في الرجعة، قال: لابأس بذلك أية كان (2).

زيارة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم

صفوان بن سليمان عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: من زارني في حياتي وبعد موتي كان في جواري يوم القيامة (3).

الامام الصادق عليه السلام قال: إنّ زيارة قبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم تعدل حجّة مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم مبرورة (4).

وعنه صلى الله عليه و آله و سلم: مَن زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر اليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا اليّ السلام فإنه يبلغني (5).


1- 1 المراة/ ج 18، ص 225.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 251.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 262.
4- 4 المصدر نفسه/ ص 263.
5- 5 المصدر نفسه.

ص: 204

الفصل الثالث: في آداب دخول المدينة

اشارة

الامام الصادق عليه السلام: اذا دخلت المدينة فاغتسل قبل ان تدخلها او حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم ثم تقدّم فتسلّم على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم (1)

دخول المسجد

الامام الصادق عليه السلام: اذا دخلت المسجد النبويّ صلى الله عليه و آله و سلم فصلّ على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، واذا خرجت فاصنع مثل ذلك، واكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم (2).

الصلاة في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم

الامام الصادق عليه السلام: صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه و آله و سلم تعدل بعشرة آلاف صلاة (3).

حدّ المسجد النبويّ صلى الله عليه و آله و سلم

محمد بن مسلم قال: سألته عن حدّ مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: الاسطوانة التي


1- 1 المرآة/ ج 18، ص 260.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 256.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 269.

ص: 205

عند رأس القبر الى الاسطوانتين من وراء المنبر عن يمين القبلة (1).

وعن مولى آل سام، قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: كم كان مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم؟

قال: كان ثلاثة آلاف وستمائة ذراع مكسراً (2).

الروضة الشريفة

عن مرازم، سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عمّا يقول الناس في الروضة؟ فقال: قال:

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فيما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنّة، ومنبري على ترعة من ترع الجنّة، فقلت له: جعلت فداك فما حدّ الروضة، فقال: بعد أربع اساطين من المنبر الى الظلال (3).

مقام جبرئيل عليه السلام

الامام الصادق عليه السلام، قال: ائت مقام جبرئيل وهو تحت الميزاب، فإنّه كان مقامه إذا استأذن على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقل: أي جواد أي كريم أي قريب أي بعيد! اسألك أن تصلّي على محمد وأهل بيته واسألك أن تردّ عليّ نعمتك (4).

تحريم المدينة

عنه صلى الله عليه و آله و سلم: انّ مكّة حرم اللَّه حرّمها ابراهيم عليه السلام، وانّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم، لايعضد شجرها وهو ما بين ظل عائر الى ظل وعير، وليس صيدها كصيد مكّة يؤكل هذا ولا يؤكل ذلك وهو بريد (5).


1- 1 مرآة العقول/ ج 18، ص 266.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 267.
3- 3 المصدر نفسه/ ص 267.
4- 4 الحديث ص 269.
5- 5 المصدر نفسه/ ص 280.

ص: 206

وعن علي امير المؤمنين عليه السلام، قال: مكّة حرم اللَّه والمدينة حرم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم والكوفة حرمي، لايريدها جبّار بحادثةٍ الّا قصمه اللَّه (1).

رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: مَن احدث بالمدينة حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللَّه.

قلت (الراوي): وما الحدث؟ قال: القتل (2).

وعن صحيح مسلم، من حديث جابر في تحريم المدينة، ولا يريد احد اهل المدينة بسوء إلّااذابه اللَّه في النار ذوب الرصاص او ذوب الملح في الماء (3).

وعن الصحيحين، ان ابراهيم عليه السلام حرّم مكّة ودعا لاهلها، وانّي حرمت المدينة كما حرّم ابراهيم عليه السلام مكّة.

وعن صحيح مسلم، انّ ابراهيم حرّم مكّة وانّي حرمت المدينة مابين لا بتيها لاتقطع عضاهها ولا يصاد صيدها. قال السمهودي في توضيح الحديث: (مابين لابيتها) اي حرّتيها الشرقية والغربية والمدينة بينهما (4).

اقول: وتفصيل الأحكام موكول الى محلّه.


1- 1 الوسائل/ ج 10، ص 282.
2- 2 المراة/ ج 10، ص 280 وفي الوفاء/ ج 1، ص 46.
3- 3 وفاء الوفاء/ ج 1، ص 43.
4- 4 الوفاء/ ج 1، ص 90.

ص: 207

الفصل الرابع: في جملة من خصائص المدينة

1- خلقة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من تربة المدينة المنورة.

2- اشتمالها على البقعة التي انعقد الإجماع على تفضيلها على سائر البقاع وهي بقعة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.

3- انّها محفوفة بأفضل الشهداء الذين بذلوا نفوسهم في ذات اللَّه بين يدي نبيّه صلوات اللَّه عليه (1).

اقول: أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب وأئمة البقيع صلوات اللَّه عليهم اجمعين.

4- انّ سائر البلاد فتحت بالسيف، وافتتحت هي بالقرآن كما هو مروي عن مالك.

5- اضافتها الى اللَّه تعالى في قوله: «الم تكن ارض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها» (2).

6- أقسم اللَّه تعالى بها في قوله: «لا اقسم بهذا البلد» على قول.

7- تحريمها على لسان أفضل الأنبياء صلوات اللَّه عليه إكراماً له.


1- الوفاء/ ج 1، ص 73.
2- النساء/ 97.

ص: 208

8- تأسيس مسجدها الشريف على يده صلى الله عليه و آله و سلم وعمله فيه بنفسه، ومعه خير الأمّة المهاجرون والانصار.

9- اختصاصها بالمسجد الذي أنزل اللَّه فيه «لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه» (1).

10- كون ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنّة.

11- كون منبره الشريف على ترعة من ترع الجنّة.

12- ان اتيان مسجد قبا تعدل عمرة.

13- اختصاصه بمزيد الادب وخفض الصوت؛ لكونه بحضرة سيد المرسلين، يشير الى ذلك قوله تعالى «لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض» (2).

14- انّه لا يجتهد في محرابه لأنّه صواب قطعاً، فلا مجال للاجتهاد فيه حتى باليمنة واليسرة، بخلاف محاريب المسلمين والمراد مكان مصلّاه صلى الله عليه و آله و سلم (قال الرافعي):

وفي معناه سائر البقاع التي صلّى فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا ضبط المحراب.

15- وجوب شفاعته صلى الله عليه و آله و سلم لمن زاره بها.

16- استجابة الدعاء بها عند القبر الشريف.

17- الاستشفاء بترابها وثمارها.

18- كثرة بركاتها، ولهذا قيل لمالك: ايّما أحب اليك المقام هنا يعني المدينة أو بمكّة؟ فقال: ههنا، وكيف لا اختار المدينة وما بها طريق إلّاسلك عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وجبرئيل عليه السلام ينزل عليه من عند ربّ العالمين في أقل من ساعة.

19- تخصيص اهلها بأبعد المواقيت وافضلها وهو مسجد الشجرة.

20- تحريم نقل احجار حرمها وترابه (3).


1- 1 وفاء الوفاء/ ج 1/ ص 76، التوبة/ 108.
2- 2 الحجرات/ 2.
3- 3 وفاء الوفاء/ ج 1/ ص 76.

ص: 209

21- جواز نقل ترابها للتداوي.

22- قوله صلى الله عليه و آله و سلم فيها: ولا تلتقط لقطته إلّالمن اشاد بها.

23- دعاؤه صلى الله عليه و آله و سلم بالبركة في سوقها (1).


1- المصدر نفسه.

ص: 210

الفصل الخامس: في هجرة النبيّ من مكّة الى المدينة

قيل: إنه عليه السلام هاجر في أوّل ليلة من شهر ربيع الأوّل الى المدينة سنة 13 من مبعثه، وفيها كان مبيت علي عليه السلام على فراشه، وكانت ليلة الخميس، وفي ليلة الرابع منه كان خروجه من الغار متوجّهاً الى المدينة، وخلّف علياً عليه السلام لقضاء ديونه وردّ الودايع التي كانت عنده، ودخل المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول مع زوال الشمس، فنزل بقبا واقام عندهم بضعة عشر يوماً وكان ينتظر علياً عليه السلام، وكتب اليه كتاباً يأمره فيه بالمسير اليه، ولما وصل اليه الكتاب تهيأ للخروج والهجرة، وخرج عليه السلام بفاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وأمّه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وابو واقد رسولُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فساروا منزلًا بعد منزل حتى قدموا المدينة، ونزلوا على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وبقي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعد قدوم علي عليه السلام يوماً أو يومين ثم عزم على الذهاب الى المدينة (1).

علّة الهجرة

عن الطبرسي رضى الله عنه في قوله تعالى «وإذ يمكربك الذين كفروا لِيثبتوك أو


1- السفينة هجر- الوفاء/ ج 1، الفصل التاسع.

ص: 211

يقتلوك أو يخرجوك» (1)

انها نزلت في قصّة دار الندوة، وذلك انّ نفراً من قريش اجتمعوا فيها وتشاوروا في امر النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأظهر كلّ رأيه، فقال ابوجهل: ما هذا برأي، ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه باسيافهم ضربة رجل واحد، فترضى حينئذ بنو هاشم بالدية، فصوّب ابليس هذا الرأي، ودخل معهم في ذلك ابو لهب، عمّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم فاتفقوا على هذا الرأي، واعدوا الرجال والسلاح، وجاء جبرئيل فأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فخرج الى الغار، وأمر علياً فبات على فراشه (2)، وفيه نزلت الآية: «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللَّه» (3)، وفي الوفاء للسمهودي الشافعي ما يقرب منه ج 1، ص 238.

قصة الغار

قوله تعالى «ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللَّه معنا» (4)

اراد بالغار هنا غار ثور وهو جبل بمكّة (قال الزهري): لمّا دخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وابو بكر الغار ارسل اللَّه زوجاً من الحمام حتى باضا في اسفل الثقب والعنكبوت حتى نسج بيتاً.

فلمّا جاء الذي يقفو الآثار- كما ذكرنا سابقاً- وقف بقريش على باب حجرة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقال: هذه قدم محمد، واللَّه إنها لاخت القدم التي في المقام، وهذه قدم أبي قحافة او ابنه، فما زال بهم حتى اوقفهم على باب الغار، ثم قال: ما جازوا هذا المكان، إمّا ان يكونوا صعدوا الى السماء أو دخلوا تحت الأرض، فلمّا نظروا الى بيض الحمام وبيت العنكبوت قالوا: لو دخله احد لانكسر البيض، وتفسّخ بيت


1- 1 الانفال/ 30.
2- 2 البحار/ ج 19، ص 28.
3- 3 البقرة/ 207.
4- 4 التوبة/ 40.

ص: 212

العنكبوت، فانصرفوا وجعلوا يضربون يميناً وشمالًا حول الغار، وصرفهم اللَّه عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، ثم اذن لنبيّه في الهجرة. وكان ابو جهل قد امر منادياً ينادي بأعلى مكّة واسفلها مَن جاء بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم او دلّ عليه فله مئة بعير او جاء بابن ابي قحافة او دلّ عليه مئة بعير، ثم انه صلى الله عليه و آله و سلم كان مقامه في الغار ثلاثاً حتى سكن عنه الطلب فخرج متوجّهاً الى المدينة، ونزل في قبا موضع قريب من المدينة في جهة الجنوب الغربي.

نزوله في قبا

قال السمهودي في تاريخه: وأقام عليّ- رضي اللَّه عنه- بعد مخرجه صلى الله عليه و آله و سلم اياماً حتى أدّى للناس ودائعَهم التي كانت عند النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وخلّفه ليردها، ثم خرج فلَحق رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بقبا، ونزل على كلثوم ابن الهدم (كما أن رسول كان نازلًا عليه) وكان لكلثوم بن الهدم مربدٌ، (والمربد الموضع الذي يبسط فيه التمر لييبس) فأخذه منه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فاسّسه وبناه مسجداً كما رواه ابن زبالة وغيره.

وفي الصحيح لبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، واسّس المسجد الذي اسس على التقوى «لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم أحقّ أن تقوم فيه فيه رجال يُحبّون أن يتطهروا» (1).

وفي الكبير للطبراني: عن الشّموس بنت نعمان، قالت: نظرت الى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حين أسّس هذا المسجد «مسجد قبا» فرايته يأخذ الحجر أو الصخرة حتى يصهره الحجر، وانظر الى بياض التراب على بطنه او سرّته، فيأتي الرجل من أصحابه ويقول: بأبي وأمّي يا رسول اللَّه أعطني أكفك، فيقول: لا، خذ مثله حتى أسسه، ويقول: إنّ جبرئيل عليه السلام هو يؤم الكعبة فكان يقال: انّه اقوم مسجد قبلةً.

وفي ص 251: قد اختلف في المراد بقوله تعالى «لمسجد اسس على التقوى


1- التوبة/ 108.

ص: 213

فالجمهور على أن المراد به مسجد قبا، ولا ينافيه قوله صلى الله عليه و آله و سلم هو مسجد المدينة، إذ كلّ منهما أسس على التقوى من اوّل يوم (1). وعن الحلبي، سألت أبا عبداللَّه عن المسجد الذي أسّس على التقوى فقال: مسجد قبا.

وفي الخبر عن سهل بن حنيف عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم «ما من مؤمن يخرج على طهر الى مسجد قبا، لا يريد غيره حتى يصلي فيه إلّاكان بمنزلة عمرة».

نسأله تعالى أن لايجعلنا من الغافلين عن فضيلة هذا المسجد وعن الصلاة والدعاء فيه.

خروجه من قبا الى المدينة

الوفاء ص 255: كان خروجه صلى الله عليه و آله و سلم من قبا يوم الجمعة ركب راحلته وتوجّه نحو المدينة فاجتمعت بنو عمرو بن عوف، فقالوا: يا رسول اللَّه اخرجت ملالًا لنا أم تريد داراً خيراً من دارنا؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: انّي امرت بقرية تأكل القرى فخلّوا الناقة فإنها مأمورة، فخرج من قبا فعرض له قبائل الانصار كلّهم يدعونه ويعدونه النصرة والمنعة، فيقول: خلوها فإنّها مأمورة حتى ادركته الجمعة في بني سالم فصلّى في بطن الوادي الجمعة، وكانت هذه اوّل جمعة صلاها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بالمدينة، وقيل: كان يصلّي الجمعة في مسجد قبا في إقامته هناك، ثم ركب راحلته والناس معه عن يمينه وعن شماله وخلفه، منهم الماشي والراكب فما يمرّ بدار من دورهم إلّاقالوا:

هلمّ يا رسول اللَّه الى العزّ والمنعة والثروة، فيقول لهم: خيراً، ويقول: انّها مأمورة خلوا سبيلها، ثم مرّ ببني عدي بن النجّار وهم أخواله فقاموا، فقالوا: يا رسول اللَّه نحن اخوالك، لا تجاوزنا الى غيرنا، ليس أحد من قومنا اولى لك منا لقرابتنا بك.

(وجه القرابة لأنهم أقاربه من جهة الامومة لأن سلمى بنت عمر و (احد بني عدي بن النجّار) كانت ام جدّه عبد المطّلب) فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: خلوا سبيلها فإنّها


1- وفي البحار/ ج 19، ص 121.

ص: 214

مأمورة، فجاءت الناقة حتى بركت بباب أبي ايوب الانصاري، وجاء ابو ايوب والقوم يكلّمونه في النزول عليهم، فاخذ رحله فأدخله بيته فنظر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الى رحله وقد حطّ فقال (المرء مع رحله) وبيته أقرب البيوت بمحل المسجد، فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في منزل أبي ايوب وقرّ قراره. (وفرح أهل المدينة) بمقدمه صلى الله عليه و آله و سلم اليهم فرحاً شديداً، ففي البخاري من حديث البراء: ما رأيت اهل المدينة فرحوا بشي ء فرحهم برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم! وصعدت ذوات الخدور على سطح المنازل يقلن:

طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعا للَّه داع

أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع

عن ابن ماجه: لمّا كان اليوم الذي دخل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم المدينة أضاء منها كلّ شي ء، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كلّ شي ء.

موعظته الاولى

عبد اللَّه بن سلام قال: أوّل شي ء سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حين قدومه، أنّه قال: أيها الناس افشوا السلام، واطعموا الطعام، وصلوا الارحام، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلون الجنّة بسلام (1).

في البحار ج 19 ص 121: عن سلمان الفارسي، قال: لمّا قدم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم المدينة تعلّق الناس بزمام الناقة، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يا قوم دعوا الناقة فهي مأمورة، فعلى باب من بركت فأنا عنده، فاطلقوا زمامها وهي تهفّ في السير، حتى دخلت المدينة، فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري، ولم يكن في المدينة أفقر منه، فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فنادى أبو أيوب يا أمّاه افتحي الباب فقد قدم سيدُ البشر واكرمُ ربيعة ومضر محمد المصطفى والرسول


1- المصدر/ فصل 11، ص 262.

ص: 215

المجتبى فخرجت وفتحت الباب و كانت عمياء فقالت: واحسرتاه ليت كانت لي عين ابصر بها وجه سيدي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فكان أوّل معجرة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في المدينة انّه وضع كفّه على وجه أم أبي أيوب ففتحت عيناها.

وفي المصدر: هاجر النبي صلى الله عليه و آله و سلم الى المدينة وأمر أصحابه بالهجرة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وكانت هجرته يوم الاثنين وصار ثلاثة ايام في الغار، ودخل المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول وهي السنة الأولى من الهجرة فردّ التاريخ إلى المحرّم.

ما قيل في طعامه عليه السلام

قيل لأم أبي أيوب: أيّ الطعام كان أحبّ الى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فانّكم عرفتم ذلك لمقامه عندكم؟ قالت: ما رأيته امر بطعام فصنع له بعينه، ولا رأيناه أتي بطعام قطّ فعابه (1).

وفي البحار ج 19 ص 85: خرج عليٌ عليه السلام الى المدينة ماشياً على رجليه، فتورمت قدماه، فلمّا قدم المدينة رآه النبي صلى الله عليه و آله و سلم فاعتنقه وبكى رحمة مما رأى بقدميه من الورم وإنّما يقطران دماً، فدعا له بالعافية ومسح رجليه فلم يشكهما بعد ذلك.


1- وفاء الوفاء/ ج 1- فصل 11.

ص: 216

الفصل السادس: في حوادث ينبغي التنبيه عليها

(1) الموآخاة بين المهاجرين والانصار

وفاء الوفاء ج 1 فصل 11: قال ابن اسحاق: آخى رسول اللَّه بين اصحابه من المهاجرين والانصار، فقال فيما بلغنا: تآخوا في اللَّه أخوين أخوين ثم اخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا اخي.

وقال ابن عبد البر: كانت الموآخاة مرّتين الأولى قبل الهجرة بمكّة بين المهاجرين فآخى بين أبي بكر وعمر، وهكذا حتى بقي عليّ رضى الله عنه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى يا رسول اللَّه، قال صلى الله عليه و آله و سلم: فأنت أخي في الدنيا والآخرة (1).

(2) بناء المسجد النبوي

في البحار عن الصدوق رحمه الله: وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يصلي في المربد بأصحابه، فقال لأسعد بن زرارة: اشتر هذا المربد من اصحابه فساوم اليتيمين عليه فقالا: هو لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: لا، إلّابثمن.

فاشتراه بعشرة دنانير، وأمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم ببناء المسجد، فكان رسول اللَّه بنفسه


1- ص 267.

ص: 217

ينقل الحجر، وعمل فيه المهاجرون والانصار وأخذ المسلمون يرتجزون- فقال بعضهم-

لئن قعدنا والنبيّ يعمل فذاك منا العمل المضلّل

ويقول النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم:

لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم ارحم الانصار والمهاجرة

وعلي عليه السلام يقول:

لا يستوي من يعمل المساجدا يدأب فيها قائماً وقاعدا

وابتنى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم منازله ومنازل اصحابه حول المسجد، وخطّ لأصحابه خططاً فبنوا فيه منازلهم، وكلّ شرع منه بابا الى المسجد، وخطّ لحمزة وشرع بابه الى المسجد، وخطّ لعلي مثل ما خطّ لهم، وكانوا يخرجون من منازلهم فيدخلون المسجد (1).

(3) تحويل القبلة

المصدر: وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي الى بيت المقدس مدة مقامه بمكّة. وفي هجرته حتى أتى له سبعة اشهر، ثم نزلت آية التحويل، ومحصله على ما في المجمع ج 1 ص 223 عن الصادق عليه السلام: تحولت القبلة بعدما صلّى النبي صلى الله عليه و آله و سلم بمكّة ثلاث عشرة سنة الى البيت المقدس، وبعد مهاجرته الى المدينة صلّى الى بيت المقدس سبعة اشهر، ثم وجّهه الى الكعبة، وذلك انّ اليهود كانوا يعيّرون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ويقولون له: انت تابع لنا تصلّي الى قبلتنا، فاغتمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من ذلك غماً شديداً وخرج في جوف الليل ينظر الى آفاق السماء ينتظر من اللَّه تعالى في ذلك أمراً، فلمّا أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظهر ركعتين، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه وحوّله الى الكعبة وانزل عليه: «قد


1- البحار، ج 19، ص 112.

ص: 218

نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولينَّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام» وكان صلّى ركعتين الى بيت المقدس وركعتين الى الكعبة.

اقول: قيل في وجه تقليب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وجهه في السماء، وفي وجه تحويل القبلة وجوه من أراد التفصيل فليرجع الى المجمع.

(4) إسلام سلمان عليه السلام

في البحار ج 19 ص 105 ماملخّصه: كان سلمان الفارسي عبداً لبعض اليهود، وقد كان خرج من بلاده من فارس يطلب الدين الحنيف الذي كان أهل الكتب يخبرونه، فوقع الى راهب من رهبان النصارى بالشام فسأله عن ذلك، فدلّه على مكّة والمدينة، فجاء الى المدينة فكان أجيراً لرجل يهودي يعمل في نخله، فاطّلع بقدوم النبي صلى الله عليه و آله و سلم في المدينة فحضر عنده وتشرّف بالإسلام- والتفصيل موكول الى محلّه.

(5) وفات براء بن معرور

وهو أول من تكلّم ليلة العقبة حين لقى رسول اللَّه بالنصرة والبيعة وهو أحد النقباء، توّفي قبل قدوم رسول اللَّه المدينة بشهر، فلمّا قدم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم انطلق بأصحابه فصلّى على قبره، وقال: اللهم اغفر له وارحمه وارض عنه، وقد فعلت (1).

(6) وفاة العبد الصالح عثمان بن مظعون

قال المحدث القمي رحمه الله: في رواية انّه لمّا مات عثمان بن مظعون كشف النبي صلى الله عليه و آله و سلم الثوب عن وجهه، ثم قبّل ما بين عينيه، ثم بكى طويلًا، فلما رفع السرير قال:

طوباك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها.


1- المصدر نفسه/ ص 132.

ص: 219

قال: هو العبد الصالح الزاهد العابد الذي اخبرت زوجته عنه انّه يصوم النهار ويقوم الليل.

توفّي في ذي الحجّة سنة 2 ودفن في البقيع، وقيل إنّه اوّل من دفن في البقيع، ولمّا مات ابراهيم بن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال صلى الله عليه و آله و سلم: الحق بسلفك الصالح عثمان بن مظعون، وقال صلى الله عليه و آله و سلم في وفاة رقية: (الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون) (1).

(7) هلاك وليد بن المغيرة بمكّة

عن الشعبي قال: لمّا حضر الوليد بن المغيرة جزع فقال له ابو جهل: يا عمّ ما يجزعك؟ قال: واللَّه مابي جزع من الموت، ولكني أخاف أن يظهر دين ابن أبي كبشة بمكّة. فقال ابو سفيان: لاتخف انا ضامن ان لايظهر (2).

(8) خبر الجذع

اشارة

عن ابي سعيد: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخطب الى جذع نخلةٍ فأتاه رجل رومي، فقال: اصنع لك منبراً تخطب عليه فصنع له، فلمّا قام عليه فخطب حنّ الجذع حنين الناقة الى ولدها فنزل اليه النبي صلى الله عليه و آله و سلم فضمّه فسكن، وامربه النبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يدفن ويحفر له (3).

شهرة الحديث

قال عياض: حديث حنين الجذع مشهور منتشر والخبر به متواتر، أخرجه اهل الصحيح ورواه من الصحابة بضعة عشر. وقال البيهقي: فيه دليل على أنّ الجمادات قد يخلق اللَّه لها إدراكاً كأشرف الحيوان. وقيل: خيّره رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بين


1- 1 السفينة ..
2- 2 المصدر، ص 133.
3- 3 وفاء الوفاء/ ج 1، ص 390.

ص: 220

أن يكون شجراً من أشجار الدنيا أو يكون شجراً باقياً من اشجار الجنة (1). فاختار البقاء على دار الفناء، فكان الحسن عليه السلام إذا حدّث بهذا بكى وقال: يا عباد اللَّه الخشبة تحنّ الى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم شوقاً اليه لمكانه، فأنتم أحقّ أن تشتاقوا الى لقائه (2).

أقول: يظهر من تاريخ السمهودي أنّ هذا الجذع كان عند المصلى الشريف، والذي وقع موقعه هو الاسطوان المعروف بالمخلّق الذي هو عَلم على المصلى

محراب المسجد النبوي

ان المسجد الشريف لم يكن له محراب في عهده صلى الله عليه و آله و سلم ولا في عهد الخلفاء بعده، وانّ اوّل من أحدثه عمر بن عبد العزيز في عمارة الوليد (3).


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.

ص: 221

الفصل السابع: في الاساطين المنيفة

اشارة

1- اسطوان المخلّق: وقد عرفت آنفاً، وهو الذي وقع موقع المصلّى الشريف.

2- اسطوان القرعة: ويعرف باسطوان المهاجرين، قيل: إنّ الدعاء عندها مستجاب، قال عتيق: وهي الاسطوانة التي هي واسطة بين القبر والمنبر، عن يمينها الى المنبر اسطوانتان وبينها وبين القبر اسطوانتان.

3- اسطوان التوبة: ويعرف باسطوان أبي لبابة سمّيت به؛ لأنّه ارتبط اليها حتى انزل اللَّه توبته، فربط نفسه في السارية، وحلف ان لايحلّ نفسه حتى يحلّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وكان سببه قضيّة بني قريظة واستشارتهم إياه، اقول: للصلاة عند هذه الاسطوانة والدعاء عندها آداب فلتطلب من محالّها.

4- اسطوان السرير: قال السمهودي في تاريخه: وهذه الاسطوانة هي اللاصقة بالشباك اليوم في شرقي اسطوان التوبة، وفيه انّه كان للنبي صلى الله عليه و آله و سلم سرير من جريد فيه سعفة يوضع هناك ويضطجع عليه.

5- اسطوان المحرس: ويسمّى اسطوان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قيل في وجه التسمية: إنّ هذه المحرس كان علي بن ابي طالب عليه السلام يجلس في صفحتها التي تلي القبر مما يلي باب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يحرس النبي صلى الله عليه و آله و سلم (1).


1- المصدر نفسه، ص 448.

ص: 222

6- اسطوان الوفود: هي خلف اسطوان المحرس من جهة الشمال، كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يجلس اليها لوفود العرب اذا جاءته، وكانت مما يلي رحبة المسجد.

7- اسطوان مربّعة القبر: ويقال له ايضاً: اسطوان مقام جبرئيل عليه السلام وكان باب بيت فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في المربعة التي في القبر، قال سليمان بن سالم:

قال لي مسلم بن ابي مريم: لاتنس حظّك من الصلاة اليها، فإنّها باب فاطمة الذي كان عليّ يدخل عليها منه.

فضل هذا الباب عن ابي الحمراء: شهدت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أربعين صباحاً يجي ء الى باب علي وفاطمة وحسن وحسين يأخذ بعضادتي الباب، ويقول: السلام عليكم أهل البيت، «انّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهّركم تطهيراً» وفي رواية اخرى سبعة اشهر، يقول: الصلاة الصلاة ثلاث مرات «انما يريد اللَّه ...».

وقد حرّم الناس الصلاة الى هذه الاسطوان لادارة الشباك الدائر على الحجرة الشريفة وغلّق ابوابها.

8- اسطوان التهجّد: وجه التسمية انّه كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يُخرج حصيراً كلّ ليلة إذا انصرف الناس الى منازلهم، فيطرح وراء بيت علي عليه السلام ثم يصلّي صلوة الليل.

وقال المطري في بيان موضع هذه الاسطوانة: هي خلف بيت فاطمة عليها السلام والواقف اليها يكون باب جبرئيل وقد كتب فيها بالرخام (هذا متهجّد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم) وقال ابن النجّار هذه الاسطوانة وراء بيت فاطمة عليها السلام من جهة الشمال وفيها محراب اذا توجّه المصلّي اليه كانت يساره الى باب جبرئيل (1).

(9) الصفّة وأهلها


1- وفاء الوفاء/ ج 10، ص 452.

ص: 223

قال الحافظ ابن حجر: الصفّة مكان في مؤخّر المسجد النبوي صلى الله عليه و آله و سلم مظلّل، أعدّ لنزول الغرباء فيه ممّن لا مأوى لهم ولا اهل، وكانوا يكثرون فيه ويقلّون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر.

عن فضالة: كنّا نصلّي مع رسول اللَّه فيخرّ قوم من قامتهم من الخصاصة حتى يقول الاعرابي: مجانين وهم اهل الصفّة، فإذا صلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم اتاهم فوقف عليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند اللَّه لأحببتم ان تزدادوا فقراً وحاجة، وكان يقول صلى الله عليه و آله و سلم: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام اربعة فليذهب بخامس (1).

في صحيح البخاري عن ابي هريرة قال: لقد رأيت سبعين من اهل الصفّة ما منهم رجل عليه رداء إمّا ازار وإمّا كساء، قد ربطوه، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها مايبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهيّة ان ترى عورته. وفي السفينة، عن الامام عليه السلام: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يأتي اهل الصفّة، وكان يسلّم عليهم بالغداة والعشي، فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف نعله، ومنهم من يرقع ثوبه. ومنهم من يتفلى (ينقي ثوبه او رأسه) وكان رسول اللَّه يرزقهم مداً مداً من تمر في كل يوم، فقام رجل منهم فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم التمر الذى ترزقنا قد أحرق بطوننا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: اما انّي لو استطعت أن اطعمكم الدنيا لاطعمتكم، ولكن من عاش منكم من بعدي يفدى عليه بالجفان، ويغدو أحدكم في خميصه ويروح في أخرى وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه انا الى ذلك الزمان بالاشواق فمتى هو؟ قال صلى الله عليه و آله و سلم: زمانكم هذا خير من ذلك الزمان، إنّكم إن ملأتم بطونكم من الحلال توشكون ان تملأوها من الحرام.

وقيل: فيهم نزلت الاية «ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه» (2).


1- 1 المصدر نفسه/ 7 ص 453.
2- 2 الأنعام/ 52.

ص: 224

في المجمع مرّ الملأ من قريش على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهو قاعد مع جمع من ضعفاء المؤمنين مثل بلال وصهيب وعمار وسلمان فحقّروهم، قالوا: يا رسول اللَّه لو نحيّت هؤلاء عنك حتى نخلو بك فإنّ وفود العرب تأتيك فنستحي ان يرونا مع هؤلاء الأعبد، فنزل جبرئيل بقوله: «ولا تطرد الذين يدعون ربّهم» الاية.

(10) حجرات النساء

تاريخ المدينة للسمهودي: لمّا تزوّج رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نساءَه بنى لهن حجراً وهي تسعة ابيات، قال أهل السير: ضرب النبي صلى الله عليه و آله و سلم الحجرات ما بينه وبين القبلة والشرق الى الشام ولم يضربها في غربيه، وكانت خارجة من المسجد مديرة به الّا من الغرب وكانت ابوابها شارعة في المسجد (1).

قال ابن زيد: رأيت بيت أمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وحجرتها من اللبن، فسألت ابنها، فقال: لمّا غزا رسول اللَّه دومة الجندل بنت حجرتها بلبن، فلمّا قدم النبي صلى الله عليه و آله و سلم نظر الى اللبن، فقال: ما هذا البناء؟ فقالت: اردت يا رسول اللَّه أن اكفّ أبصار الناس، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: يا أمّ سلمة ان من شرما ذهب فيه مال المسلم البنيان.

العطاء الخراساني: يقول: وهو فيما بين القبر والمنبر ادركت حجرات ازواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم من جريد على ابوابها المسوح من شعر اسود، فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ يأمرنا بهدم حجر ازواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم فما رأيت يوماً كان اكثر باكياً من ذلك اليوم.

وعن سعيد بن المسيب، يقول: واللَّه لوددت انّهم تركوها على حالها ينشأ ناشئ من المدينة، ويقدم قادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في حياته، ويكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر والتفاخر فيها. ومن الباكين على


1- وقيل غير ذلك.

ص: 225

تخريب الحجرات ابو امامة بن سهل، قال يومئذ: ليتها تركت حتى ينقص الناس من البنيان، ويروا ما رضي اللَّه لنبيّه صلى الله عليه و آله و سلم ومفاتيح خزائن الدنيا بيده (1).

(11) حجرة سيدة النساء فاطمة سلام اللَّه عليها

يظهر من كلمات ارباب التواريخ انّ بيت فاطمة- سلام اللَّه عليها- كان متصلًا ببيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وكانت في بيتها فتحة الى بيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم اذا قام الى المخرج اطّلع من الفتحة الى فاطمة، فعلم خبرهم، ولكن سدّت تلك الفتحة بمسألة الزهراء- سلام اللَّه عليها- لما وقع من تطلّع بعض النساء عليها.

وفي تاريخ السمهودي ص 429: وبيت فاطمة اليوم حوله مقصورة، وفيه محراب، وهو خلف حجرة النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

وفي المصدر: كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا قدم من سفر بدأ ببيت فاطمة، ثم يأتي بيوت نسائه، وأطال المكث عند فاطمة عليها السلام، فخرج مرة في سفرة، وصنعت فاطمة مسكتين من ورق وقلادة وقرطين، وسترت باب البيت لقدوم ابيها وزوجها، فلمّا قدم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ودخل عليها خرج، وقد عرف الغضب في وجهه، ففطنت فاطمة انّه فعل ذلك لما رأى من المسكتين والقلادة والستر، فنزعت قرطيها وقلادتها ونزعت الستر، وبعثت الى رسول اللَّه وقالت للرسول: قل له: تقرأ عليك ابنتك السّلام وتقول لك: اجعل هذا في سبيل اللَّه فلمّا اتاه، قال: قد فعلت فداها ابوها ثلاث مرات، ليست الدنيا من محمد وآل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه من الخير جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء.

وفيه، عن علي عليه السلام: زارنا رسول صلى الله عليه و آله و سلم فعملنا له خزيرة (نوع مرق) فأكل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وأكلنا معه، ثم وضّأت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ومسح رأسه وجبهته بيده، ثم استقبل القبلة فدعا بما شاء، ثم اكبّ الى الأرض بدموع غزيرة فتهيّبنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أن نسأله، فوثب الحسين على ظهر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وبكى فقال له: بأبي


1- المصدر، ص 461.

ص: 226

وأمّي ما يبكيك؟ قال: يا ابت رأيتك تصنع شيئاً ما رأيتك مثله، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني حبيبي جبرئيل عليه السلام واخبرني انّكم قتلى وأنّ مصارعكم شتى فأحزنني ذلك ودعوت اللَّه لكم بالخيرة (1).

(12) الأمر بسدّ الابواب

الحافظ ابن حجر: قد جاء في سدّ الابواب في حديث سعد بن ابي وقاص، قال:

أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بسدّ الابواب الشارعة في المسجد، وترك باب عليّ. أخرجه احمد والنسائي وإسناده قويّ، فقالوا: يا رسول اللَّه سددت أبوابنا فقال: ما انا سددتها ولكن اللَّه سدّها (2).

وفي طبقات ابن سعد، قال العباس بن عبد المطلب: يا رسول اللَّه ما بالك فتحت أبواب رجال في المسجد، وسددت ابواب رجال في المسجد؟ فقال صلى الله عليه و آله و سلم: يا عبّاس ما فتحت عن امري ولا سددت عن امري (3).

وقال صحابي آخر: بينما الناس جلوس في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، إذ خرج منادٍ فنادى أيها الناس سدّوا أبوابكم، فتحسس الناس لذلك ولم يقم أحد، ثم خرج ثانياً فقال: أيّها الناس سدوا ابوابكم فلم يقم أحد، فقال الناس: ما أراد بهذا؟ فقال:

أيها الناس سدوا ابوابكم قبل ان ينزل العذاب، فخرج الناس مبادرين، وخرج حمزة بن عبد المطّلب يجرّ كساءه، وعيناه تذرفان يبكي يقول: يا رسول اللَّه اخرجت عمّك واسكنت ابن عمك؟ فقال: ما انا اخرجتك، ولا انا اسكنته، ولكن اللَّه أسكنه. وفي خبر آخر: خرج اليهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعد ثالثة: فحمد اللَّه وأثنى عليه محمراً وجهه، وكان اذا غضب احمرّ عرق في وجهه، ثم قال: أمّا بعد ذلكم، فإنّي قد قدمت المدينة واتّخذت بها مسجداً، وما أردت التحوّل اليه حتى أُمرت، وما


1- 1 المصدر، ص 468.
2- 2 وفاء الوفاء/ ج 1، ص 474.
3- 3 ص 480.

ص: 227

اعلم إلّاما علّمت، وما اصنع إلّاما امرت، فخرجت على ناقتي، فلقيني الانصار يقولون: يا رسول اللَّه انزل علينا، فقلت: خلّوا الناقة فإنّها مأمورة حتى نزلت حيث بركت، واللَّه ما أنا سددت الابواب، وما أنا فتحتها، وما أنا أسكنت علياً ولكن اللَّه اسكنه (1).


1- ص 8 و ص 477.

ص: 228

الفصل الثامن: في مساجد أخرى

1- مسجد الجمعة- ويقال (المسجد الوادي) وقد تقدّم ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم لمّا خرج من قباء مقدمة المدينة ادركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلّاها في بطن الوادي (1).

اقول: قال بعض الشيوخ: ان المسجد الموجود في غرب مسجد النبي صلى الله عليه و آله و سلم هو مسجد الجمعة ويسمّى فعلًا بمسجد الغمامة، واللَّه اعلم.

2- مسجد الفضيخ- ويعرف اليوم بمسجد الشمس وهو شرقي مسجد قباء، فلمّا نزلت حرمة الخمر، خرج الخبر الى عدة من الانصار وهم يشربون فيه فضيخاً، فحلّوا وكاء السقاء، فهراقوه فيه، فبذلك سمّي الفضيخ (2).

3- مسجد الشمس- قال المجد: ولا يظنّ ظانّ انّه المكان الذي اعيدت الشمس فيه بعد الغروب لعليّ رضى الله عنه، لانّ ذلك انما كان بالصهباء من خيبر، قال عياض في الشفاء: كان رأس النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حجر علي رضى الله عنه وهو يوحى اليه، فغربت الشمس ولم يكن عليٌ صلى العصر، فقال النّبي صلى الله عليه و آله و سلم: أصليت يا علي؟ فقال: لا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: اللهم انّه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فأردد عليه الشمس. قالت


1- 1 ج 2 ص 820.
2- 2 المصدر، ص 821.

ص: 229

اسماء: فرأيتها طلعت بعدما غربت، ووقعت على الجبال والأرض وذلك بالصهباء في خيبر.

قال السمهودي: قال بعضهم: إنّ الحديث موضوع، ولكن صحّحه جمع كثير مثل الطحاوي، وقال: إن احمد بن صالح كان يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حفظ حديث أسماء؛ لأنّه من علامات النبوّة. ورواه الطبراني واخرجه ابن منده وابن شاهين وابن مردوية، وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري: وقد أخطأ ابن الجوزي بايراده له في الموضوعات (1).

4- مشربة ام ابراهيم عليه السلام- وانّما سمّيت مشربة أمّ ابراهيم عليه السلام لأنّ أمّ ابراهيم ولدت ابراهيم في تلك المشربة، وتعلّقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، فتلك الخشبة اليوم معروفة. وقال ابن النجّار: هذا الموضع بالعوالي من المدينة بين النخيل (والمشربة) البستان. وقال السمهودي: واظنّه انّه كان بستاناً لمارية القبطيّة ام ابراهيم بن النبي صلى الله عليه و آله و سلم (2).

اقول: انا زرت المشربة مرّات، وكانت هناك حجرة وبناء على شكل الاسطوانة، وعلى جوانبها قبور المؤمنين، وكانت المقبرة محصورة، ولكن رأيتها في سنة 1415 ه منهدمة خربة ليس فيها إلّاكتل تراب.

5- مسجد الاجابة- وهو مسجد وقع في شمالي البقيع- قيل في وجه التسمية:

انّه صلى فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ودعا طويلًا ثم انصرف، وقال لمن صحبه: سألت ربّي ثلاثاً فأعطاني اثنين ومنعني واحدة، سألته ان لا يهلك أمّتي بالسنّة فأعطاني، وسألته أن لا يهلك امّتي بالغرق فأعطاني، وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها، فهذا سبب تسمية هذا المسجد بمسجد الإجابة (3) فعليك فيه بالدعاء والمسألة فانّ فيه مظان الإجابة إن شاء اللَّه.


1- 1 المصدر، ص 822.
2- 2 المصدر.
3- 3 الوفاء/ ج 2 الفصل الثالث، ص 829.

ص: 230

6- مسجد الفتح- ويقال له مسجد الأحزاب أيضاً، وهذا المسجد واقع على قطعة من جبل سلع، وقيل في وجه التسمية بالفتح: إنّه نزل خبر الفتح على الأحزاب، ونزول النصر للمسلمين يوم الأربعاء، وبيانه انّه لمّا اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق، قام النبي صلى الله عليه و آله و سلم على موضع المسجد من التل في بعض الليالي ورفع يديه، ويقول: (يا صريخ المكروبين، ويا مجيب المضطرّين، ويا كاشف همّي وغمّي وكربي، فقد ترى حالي وحال أصحابي) فنزل جبرئيل، فقال:

إنّ اللَّه سمع دعوتك، وكفاك هول عدوّك بقتل عمرو بن عبد ود، وانهزام الأحزاب على يد امير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن ابي طالب عليه السلام فخرّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على ركبتيه، وأرخى عينيه، ويقول شكراً كما رحمتني.

فينبغي أن يدعى بذلك الدعاء في هذا المسجد فإنّه قال جابر: لم ينزل بي أمر مهمّ إلّاتوخّيت تلك الساعة، فأدعو فيها فأعرف الاجابة (1).

(اللهم يا صريخ المستصرخين والمكروبين، ويا غياث المستغيثين، ويا مفرّج كرب المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرّين، صل على محمد وآل محمد، واكشف عنّي كربي وغمّي وحزني وهمّي كما كشفت عن حبيبك ورسولك صلى الله عليه و آله و سلم حزنه وغمّه وهمّه في هذا المقام، وانا اتشفّع اليك به صلى الله عليه و آله و سلم في ذلك يا حنّان ويا منّان يا ذا الجود والإحسان (2).

اقول: وفي قبلة مسجد الفتح في سفح الجبل مسجد سلمان- رضوان اللَّه عليه- وفي قبلته على التلّ مسجد امير المؤمنين علي بن ابي طالب، وعن يمينه مسجد صغير يقال له: مسجد فاطمة سلام اللَّه عليها. ينبغي للزائر أن يصلّي في كلّ هذه المساجد صلاة التحية، ويدعو اللَّه- تعالى لقضاء الحوائج، وهناك مسجدان آخران يقال لهما: مسجد ابي بكر ومسجد عمر في العرصة.


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 المصدر نفسه/ ص 832.

ص: 231

7- مسجد القبلتين- هذا هو المسجد الذي وقع فيه تحويل القبلة على ما اختاره الواقدي، فقيل: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم صلّى صلاة الظهر بأصحابه في مسجد القبلتين، فلمّا أن صلّى ركعتين أمر أن يتوجه الى الكعبة فاستدار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الى الكعبة، واستقبل الميزاب، فهي القبلة التي قال اللَّه تعالى «فلنولينك قبلة ترضاها» فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين، وكان هذا في طائفة بني سلمة (1).

ووقع هذا المسجد في الجانب الغربي من مسجد الفتح.

اقول: شاهدنا قبل ذلك بسنوات اثر محرابين في هذا المسجد تجاه الكعبة وبيت المقدس، لكن في السنوات الأخيرة درست ومُحتت تلك الاثار، وبنيت بنية المسجد على محراب واحد، ووسّعت البنية وسعةً عظيمة. وعلى كل حال، يستحبّ الصلاة في هذا المسجد أعني ركعتي تحية المسجد، والأفضل قراءة الدعاء المأثور بعد الصلاة (2).

8- مسجد العسكر- عن المطري: أنه يقال: ان هذا المسجد مصرع حمزة رضى الله عنه وانّه مشى بطعنته من الموضع الأول الى هناك فصرع عليه السلام، وقد ورد أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وقف على حمزة وقد قتل ومثل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه، فقال:

رحمك اللَّه يا عم فلقد كنت وَصولًا للرحم فعولًا للخيرات.

9- مسجد أبي ذر الغفاري- مسجد صغير على يمين السالك الى أُحد بعد ما جاوز البقيع.

10- مسجد الشجرة- ويقال له مسجد ذي الحليفة ويعرف اليوم ببئر علي عليه السلام، قال السمهودي: قلت: المعني بذلك، موضع المسجد المذكور، فإنّه كان موضع نزوله صلى الله عليه و آله و سلم وبني في موضع الشجرة التي كانت هناك وبها سمي (مسجد الشجرة) وفي صحيح مسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان اذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي


1- 1 المصدر نفسه/ 7 ص 842.
2- 2 بعثة القائد/ ص 264.

ص: 232

الحليفة أهلّ، فقال: لبيك اللهم لبيك. وهذا المسجد ميقات اهل المدينة ومَن مرّ عليها (1). ويبعد عن المدينة المنورة سبع كيلومترات تقريباً.

11- مسجد غدير خم- قال الأسدي: مسجد غدير خم وقع على أربعة أميال من الجحفة (2).

وفي مسند أحمد، عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: كنّا عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم تحت شجرة فصلّى الظهر، وأخذ بيد علي، وقال: ألستم تعلمون انّي أولى الناس بالمؤمنين من انفسهم؟

قالوا: بلى قال: فأخذ بيد عليّ، وقال: اللهم مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال: هنيئاً يابن ابي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. وعن زيد بن ارقم مثله (3).


1- 1 ص 1002.
2- 2 فصل المساجد.
3- 3 المصدر/ ص 1018.

ص: 233

الفصل التاسع: في بقيع الغرقد

اشارة

مقبرة البقيع: عن ابي موهبة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: اهبّني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من جوف الليل، فقال: إنّي امرت ان استغفر لاهل البقيع فانطلق معي، فانطلقت معه، فلمّا وقف بين اظهرهم، قال: السلام عليكم يا اهل المقابر، ليهن لكم ما اصبحتم فيه مما اصبح النّاس فيه، اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ثم استغفر لهم طويلًا ورجع، ثم قال: يا ابا موهبة انّي قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي ثم الجنّة، قلت: بأبي وأمي خذ مفاتيح الدنيا والخلد ثم الجنّة، قال: لا، واللَّه يا ابا موهبة لقد اخترت لقاء ربّي ثم الجنّة، ثم رجع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فبدئ به وجعُه الذي قبض فيه (1).

المصدر: اتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم على بقيع الغرقد فقال: السلام عليكم يا اهل القبور ثلاثاً، لو تعلمون ما الذي نجّاكم اللَّه منه ممّا هو كائن بعدكم، ثم التفت فقال: هؤلاء خير منكم، قالوا يا رسول اللَّه: إنّما هم اخواننا آمنّا كما آمنوا وأنفقنا كما انفقوا، وجاهدنا كما جاهدوا، واتوا على أجَلهم ونحن ننتظر، فقال: هؤلاء قد مضوا لم يأكلوا من أجورهم شيئاً وقد اكلتم من أجوركم، ولا أدري كيف تصنعون بعدي؟!

وفيه، عن عائشة: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كلّما كانت ليلتي منه، يخرج من آخر


1- الوفاء/ ج 2، ص 885.

ص: 234

الليل الى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، واتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون وإنّا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، اللهم اغفر لاهل بقيع الغرقد.

الامام الصادق عليه السلام: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخرج في ملإ من الناس من اصحابه كل عشية خميس الى بقيع المدنيّين، فيقول: السلام عليكم يا أهل الديار، ثلاثاً، رحمكم اللَّه، ثلاثاً (1).

وفي ص 885 عن ابي هريرة: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خرج الى المقبرة، فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، وددت انّي قد رأيت اخواننا، قالوا: يا رسول اللَّه ألسنا اخوانك؟ قال صلى الله عليه و آله و سلم: انتم أصحابي، واخواننا الذين لم يأتوا بعد، وانا فرطهم على الحوض، قالوا: يا رسول اللَّه، كيف تعرف من يأتي بعدك من أمّتك؟ قال: أرايتم لو كان لرجل خيل غُرّ محجّلة في خيل دُهم بُهم ألا يعرف خيله؟

قالوا: بلى قال صلى الله عليه و آله و سلم: فإنّهم يأتون يوم القيامة غرّاً محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، وليُذادن رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضالّ، فأُناديهم ألا هَلُمَّ ألا هَلُمَّ ألا هَلُمَّ، فيقال: إنّهم قد بدّلوا، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً.

في المرآة ج 1، ص 425: البقيع محل مستطيل شرقي المدينة خارج عن سورها طوله 150 متراً في عرض 100 متر ويقال له: بقيع الغرقد؛ لانّ هذا النوع من الشجر كان كثيراً فيه ولكنه قطع، وهذا المكان به قبور كثيرة من الصحابة، ولا يعرف قبور كثير منهم الا افراد معدودة اقيمت على قبور بعضهم قباب.

من أولئك الافراد قبة ابراهيم ورقية وفاطمة اولاد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وفاطمة بنت اسد وعبداللَّه بن مسعود والحسن بن علي، وفي قبّة الحسن عليه السلام ابن اخيه زين العابدين وابو جعفر الباقر وجعفر الصادق. وممن علم قبره العباس بن عبد المطلب واخته صفيّة، وابو سفيان بن الحارث، وسعد بن معاذ، وابو سعيد الخدري، وزوجات الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلّاخديجة وميمونة، وبنات الرسول زينب ورقية وام


1- الوسائل/ ج 2، باب 55، ابواب الدفن.

ص: 235

كلثوم، واسماعيل بن جعفر الصادق، ومالك بن انس، ونافع شيخ القراء، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وقد هدمها الوهابيون. (اقول:

هذا التحديد متعلّق بسنة 1320 و 22 الهجري تقريباً).

فضل البقيع: عن الطبراني في الكبير، عن أمّ قيس أنّها خرجت مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم الى البقيع، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: يحشر من هذه المقبرة سبعون الفاً يدخلون الجنّة بغير حساب، وكأن وجوههم القمر ليلة البدر، فقام رجل، فقال: يا رسول اللَّه وانا، فقال:

وأنت، فقام آخر، فقال: يا رسول اللَّه وأنا، قال: سبقك بها عُكاشة، قال الراوي: قلت لها: لِم لم يقل للآخر؟ فقالت: أراه كان منافقاً (1).

القبور المعلومة من الصحابة وأهل البيت

1- ابراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم مات ابراهيم ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهو ابن ستة عشر شهراً، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: ادفنوه في البقيع فإنّ له مرضعة في الجنّة تتم رضاعه (2).

2- عثمان بن مظعون، وفيه- انّ اوّل من دفن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بالبقيع عثمان بن مظعون، فلمّا توفي ابنه ابراهيم، قالوا: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم اين نحفر له؟ فقال: عند فرطنا عثمان بن مظعون. وعن قدامة: دفن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ابراهيم ابنه الى جنب عثمان بن مظعون.

عن الطبقات: توفّي ابراهيم لستة عشر شهراً، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ادفنوه في البقيع فانّ له مرضعاً في الجنّة، وفي رواية، لمّا سوّى جدثه كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رأى كالحجر في جانب الجدث، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يسوّي باصبعه، ويقول: اذا عمل احدكم عملًا فليتقنه فإنّه ممّا يسلّي بنفس المصاب.


1- 1 الوفاء/ ج 2، ص 886.
2- 2 الوفاء/ ج 3، ص 891.

ص: 236

وفيه كان عثمان بن مظعون، اوّل من مات من المهاجرين، فقالوا: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أين ندفنه؟ قال صلى الله عليه و آله و سلم: بالبقيع، قال: فلحّد له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وفضل حجر من حجارة لحده، فحمله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فوضعه عند رجليه، وقال صلى الله عليه و آله و سلم: اتعلّم به قبر اخي وادفن اليه من مات من أهلي، فلمّا ولىّ مروان بن الحكم المدينة مرّ على ذلك الحجر، فأمر به فرُميَ به، وقال: واللَّه لا يكون على قبر عثمان بن مظعون حجر يعرف به، فاتته بنو اميّة فقالوا: بئس ما صنعت، عمدت الى حجر وضعه النبي صلى الله عليه و آله و سلم فرميت به، بئس ما عملت، فمر به فليرد، فقال: أما واللَّه إذا رميت به فلا يرد (1) وقيل: إنّه وضع ذلك الحجر على قبر عثمان بن عفّان، وقال: عثمان وعثمان.

3- بنات الرسول صلى الله عليه و آله و سلم زينب ورقيّة وأمّ كلثوم (2). وكانت عليهن قبّة، وقد هدمها الوهابيون، كما مرّت الإشارة اليه.

ومن القباب: قبة كبيرة لآل البيت، وبها قبر العباس بن عبد المطلب، والحسن بن علي، وعلي بن الحسين زين العابدين، وابو جعفر محمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق تجمعهم قبة واحدة هي أعلى القباب. وهناك قبة لزوجات النبي صلى الله عليه و آله و سلم، وكلّ زوجات الرسول صلى الله عليه و آله و سلم دفن بالمدينة إلّاخديجة فبمكّة وإلّا ميمونة فبسرف، وهناك قبّة ابراهيم ابن رسول اللَّه وقبّة اسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام، وقبة مالك بن انس، وقبّة نافع شيخ القراء، وهناك قبّة تسمى (قبّة الحزن) يقال:

إنها في البيت الذي آوت اليه فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و آله و سلم والتزمت الحزن فيه بعد وفاة أبيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وكان بالبقيع قباب كثيرة هُدمت.

كلمة في وفات رقية

في الوفاء: لمّا ماتت رقية بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إلحقي


1- 1 المصدر.
2- 2 المرآة/ ج 1، ص 425.

ص: 237

بسلفنا الخير عثمان بن مظعون، وبكى النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه، فأخذ النبي صلى الله عليه و آله و سلم بيده، وقال: دعهن يا عمر، وإياكنّ ونعيق الشيطان، فإنّه مهما يكن من العين والقلب فمن اللَّه ومن الرحمة، ومهما يكن من اللسان ومن اليد فمن الشيطان.

فبكت فاطمة عليها السلام على شفير القبر، فجعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم يمسح الدموع عن عينها بطرف ثوبه، ثم قال صاحب الوفاء: الظاهر انّهن جميعاً عند عثمان بن مظعون لما في قوله صلى الله عليه و آله و سلم عند دفن ابن مظعون ووضع الحجر على رأسه (أتعلم به قبر اخي وادفن اليه من مات من أهلي) (1).

4- قبر فاطمة بنت اسد، قيل: دفنت في موضع المسجد الذي يقال له اليوم:

قبر فاطمة، في اوّل مقابر بني هاشم التي في دار عقيل.

جابر بن عبد اللَّه الانصاري: بينا نحن جلوس مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، إذ اتاه آت فقال: يا رسول اللَّه إنّ أمّ علي وجعفر وعقيل قد ماتت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: قوموا الى أمّي (فاطمة) فقمنا، وكأنّ على رؤوس من معه الطير، فلمّا انتهينا الى الباب، نزع قميصه فقال: اذا غسلتموها فاشعروها إياه تحت اكفانها، فلمّا خرجوا بها جعل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يحمل، ومرة يتقدّم ومرة يتأخر، حتى انتهينا الى القبر فتمعّك في القبر، ثم خرج فقال: ادخلوها باسم اللَّه وعلى اسم اللَّه. فلمّا أن دفنوها، قام قائماً، فقال: جزاك اللَّه يا أم خيراً فنعم الام كنت لي فقيل له: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم صنعت شيئين ما رأيناك صنعت مثلهما قط، نزعك قميصك وتمعكك في اللحد. فقال صلى الله عليه و آله و سلم: أمّا قميصي، فأريد أن لا تمسّها النار ابداً إن شاء اللَّه، وأمّا تمعكي في اللحد فاردت ان يوسّع اللَّه عليها في قبرها. وفي رواية ابن عبّاس، قال صلى الله عليه و آله و سلم: إنّه لم يكن احد بعد ابي طالب ابرّ لي منها، وقال صلى الله عليه و آله و سلم: ما أعفي ضغطة القبر الّا فاطمة بنت اسد، قيل: يا رسول اللَّه ولا القاسم، قال: ولا ابراهيم، وكان ابراهيم اصغرهما (2).


1- 1 الجزء الثالث، ص 894.
2- 2 الوفاء/ الجزء الثالث/ ص 897.

ص: 238

5- قبر عبد اللَّه بن مسعود روي أن ابن مسعود قال: ادفنوني عند قبر عثمان بن مظعون (1).

ابن مسعود، هو الذي قال في حقّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من احبّ ان يسمع القرآن غضّاً فليسمعه من ابن مسعود (2)، وكان من الذين شهدوا جنازة ابي ذر رضى الله عنه وباشروا تجهيزه، وكان مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم ليلة الجن، توفي بالمدينة سنة 32 وصلّى عليه الزبير ودفن بالبقيع وكان له يوم مات نيّف وستّون سنة (3).

6- قبر فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، في الوفاء: انّ قبر فاطمة عليها السلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في زاوية دار عقيل في البقيع، وفيه عن جعفر بن محمد عليه السلام دفن علي فاطمةَ ليلًا في منزلها الذي دخل في المسجد، فقبرها عند باب المسجد الذي كان في شامي باب النساء في المشرق. وعن ابي غسّان: انّها دفنت في بيتها، وصنع بها ما صنع برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم انّها دفنت في موضع فراشها، وتحتجّ بأنّها دفنت ليلًا ولم يعلم بها كثير من الناس (4).

وفي ارشاد المفيد، ص 127، قال ابن بابويه: في الصحيح عندي انّها دفنت في بيتها فلمّا زاد بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد.

اقول: لي سؤال أضعه بين يدي القارئ المنصف لِمَ صار قبر فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم مجهولًا ومحلًاّ للخلاف، وهي سيدة نساء اهل الجنّة على ما في صحيح البخاري ج 5، ص 25 قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة سيدة نساء اهل الجنّة، وفيه ص 26 قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة بضعة مني فمن اغضبها اغضبني؟!

وعن عمّارة بن مهاجر عن أمّ جعفر أنّ فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، قالت


1- 1 المصدر، ص 900.
2- 2 سفينة البحار.
3- 3 السفينة- عبد
4- 4 الوفاء/ الجزء الثالث/ 1- 9.

ص: 239

لأسماء بنت عميس: يا أسماء إذا أنا متّ فاغسليني انت وعلي، ولا تدخلي عَلَيَّ أحداً.

(وفي كشف الغمّة) قال عليٌّ عليه السلام عند دفن فاطمة كالمناجي بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم:

السلام عليك يا رسول اللَّه عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول اللَّه عن صفيّتك صبري، ورق لها تجلّدي، اما حزني فسرمد، واما ليلي فمسهد ... إلى اللَّه اشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك، على هضمها حقها فاحفها السؤال واستخبرها الحال، والسلام عليكما سلام مودّع لا قالٍ ولا سئمٍ، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعده اللَّه الصابرين (1).

جملة في دفن الحسن المجتبى عليه السلام

في الوفاء ص 908: فلمّا سمعت بنو أميّة بدفن الحسن عليه السلام بأن يدفن الى جنب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم استلأموا هم وبنو هاشم للقتال، وقالت بنو أمية: واللَّه لا يدفن فيه أبداً فبلغ ذلك الحسن عليه السلام، فقال عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلام: لعلّ القوم يمنعوك من الدفن الى جنب جدي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فإن فعلوا ذلك فلا تلاحهم في ذلك، وادفنّي في بقيع الغرقد، الى جنب أمّي فاطمة فدفن في المقبرة الى جنب فاطمة. فلمّا بلغ ذلك أبا هريرة قال: واللَّه ما هو إلّاظلم يمنع الحسن ان يدفن مع ابيه، واللَّه إنّه لابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم.

وفيه، أنّ مع الحسن في قبره ابن اخيه زين العابدين وأبا جعفر الباقر وجعفر الصادق رضوان اللَّه تعالى عليهم اجمعين.

وفي ارشاد المفيد ص 175: فبادر ابن عباس الى مروان، فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لكنّا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته، ثم نردّه الى جدّته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان اوصى بدفنه مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلمت أنّك اقصر باعاً من ردّنا عن ذلك، لكنه عليه السلام كان اعلم باللَّه ورسوله وبحرمة قبره. وقال الحسين عليه السلام: واللَّه لو لا عهد الحسن عليه السلام


1- ج 2، ص 130.

ص: 240

إليّ بحقن الدماء، وان لا اهريق في امره محجة دم؛ لعلمتم كيف تأخذ سيوف اللَّه منكم مأخذها، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم، وابطلتم ما اشترطنا عليكم لانفسنا.

ومضوا بالحسن عليه السلام فدفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف عليها السلام.

7- قبر عباس بن عبد المطلب، دفن العبّاس بن عبد المطلب عند قبر فاطمة بنت اسد في اوّل مقابر بني هاشم التي في دار عقيل (1).

(التوسّل الى العباس رضى الله عنه) نقل البخاري في صحيحه، ج 5، ص 25، عن أنس:

قال: إنّ عمر بن الخطاب كان اذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطلب، فقال:

اللهم إنا كنّا نتوسل اليك بنبيّنا صلى الله عليه و آله و سلم فتسقينا، وإنّا نتوسّل اليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، قال:

فيسقون.

8- قبر ابي سفيان بن عبد المطلّب؛ وهو الذي حفر قبره بنفسه قبل موته بثلاثة ايام، رآه عقيل بن ابي طالب يجول بين المقابر، فقال: يا ابن عم مالي أراك هنا؟ قال: اطلب موضع قبر، فأدخله داره وأمر بقبر فحفر، وقعد عليه ساعة، ثم انصرف فلم يلبث إلا يومين حتى دفن فيه، والظاهر انّه بالمشهد المنسوب الى عقيل اليوم، وفيه قبر ابن اخيه عبد اللَّه بن جعفر الطيار وهو الجواد المشهور، وهذه البقعة وقعت في اوّل البقيع (2).

وفي السفينة: انّه كان ابن عم رسول اللَّه وأخاه من الرضاعة ارضعتهما حليمة السعدية اياماً، وكان ترِبَ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يألفه الفاً شديداً قبل النبوة، فلمّا بُعث عاداه وهجاه وهجا أصحابه وكان شاعراً، واسلم عام الفتح، أسلم وحسن إسلامه، وقيل: إنّه ما رفع رأسه الى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حياءً منه، وكان يريد الدخول على رسول اللَّه، ولم يأذن له حتى عرّفه عليٌّ عليه السلام حيث قال: ائت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من قبل


1- الوفاء/ ص 910.
2- الوفاء/ ص 911.

ص: 241

وجهه، فقل له ما قال أخوة يوسف ليوسف «تاللَّه لقد آثرك اللَّه علينا وإن كنّا لخاطئين» فإنّه لايرضى ان يكون احد احسن قولًا منه، ففعل ذلك ابوسفيان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللَّه لكم وهو ارحم الراحمين» ثم انشأ اشعاراً في الاعتذار.

ومات في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين، ودفن بالبقيع في دار عقيل، وكان من فضلاء الصحابة.

9- عبد اللَّه بن جعفر الطيار: قد مرّ أنه دفن مع عمّه عقيل في قبّة اوّل البقيع، وذكر ابو اليقظان أنّ عبد اللَّه ابن جعفر كان أجود العرب (1).

روي أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم مرّ به وهو يصنع شيئاً من طين من لعب الصبيان، فقال: ما تصنع بهذا؟ قال: أبيعه، قال: ما تصنع بثمنه؟ قال: اشتري رطباً فآكله، فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اللّهم بارك له في صفقه يمينه، فكان يقال: ما اشترى شيئاً قط إلّاربح فيه، فصار امره الى أن يمثل به، وكان اهل المدينة يتداينون بعضهم من بعض الى أن يأتي عطاء عبد اللَّه بن جعفر.

قيل: إنّه كان ابن عَشر سنين حين قُبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم. وعن أسد الغابة أنّ عبد اللَّه بن جعفر أوّل مولود ولد في الاسلام بأرض الحبشة، وتوفّي رحمه اللَّه سنة ثمانين، حملت جنازته الى البقيع، حضر مراسمه امير المدينة، يحمل سريره وما فارقه حتى وضعه بالبقيع، ودموعه تسيل على خديه، وهو يقول: كنت واللَّه خيراً لا شر فيك، وكنت واللَّه شريفاً واصلًا برّاً.

10- قبر سعد بن معاذ في الوفاء ص 915: صلّى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ودفنه في طرف الزقاق المجاور لدار المقداد بن الاسود في اقصى البقيع.

مّما قيل في فضله (1) قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم بعد موت سعد بن معاذ: رحمك اللَّه يا سعد فلقد كنت شجّاً في حلوق الكافرين، لو بقيت لكففت العجل الذي يراد نصبه


1- الوفاء/ ص 911.

ص: 242

في بيضة الاسلام كعجل قوم موسى

(2) صلّى عليه رسول اللَّه مع تسعين الف ملك فيهم جبرئيل عليه السلام واستحق ذلك بقراءة «قل هو اللَّه احد» قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً وذاهباً وجائياً.

(3) وقوله صلى الله عليه و آله و سلم في آخر الخبر: ابشر (ياسعد) فإنّ اللَّه يختم لك بالشهادة، ويهلك بك أمّة من الكفر، ويهتزّ عرش الرحمن لموتك، ويدخل بشفاعتك الجنّة مثل عدد شعور حيوانات بني كلب (1).

(وفيه) ذكر المحدثون وارباب المغازي من الفريقين، أنّ سعداً هذا اصابته جراحة يوم الخندق ولم يمت من تلك الجراحة، لانّه كان قد دعا اللَّه في ذلك اليوم ان لا يميته حتى يقرّ عينه ببني قريظة؛ فاستجيبت دعوته حتى أن خذل اللَّه بني قريظة بيد المسلمين، وهمّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم بإجلائهم عن منازلهم فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي الذرية، فهبط جبرئيل على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخبره بأنّ سعداً قد حكم بحكم اللَّه من فوق سبعة ارقعة، فلمّا نفذ حكمه فيهم انفتق جرحه فمات، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: لقد اهتز العرش بموته، ومشى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم خلف جنازته حافياً بغير رداء، يأخذ على يمين السرير مرة، وعلى يساره اخرى

11- ابو سعيد الخدري- في الوفاء- عن ابنه عبد الرحمن، قال: قال لي ابي:

خذ بيدي فأخذت بيده حتى جئت الى البقيع، فجئت الى اقصى البقيع مكاناً لايدفن فيه، فقال: يا بني اذا مت فادفني ههنا، لا تبك علي باكية، ولا يضربن عليَّ فسطاط ولايمشي معي بنار، ولا توذين أحداً، فلما مات أبي يأتينني النّاس، ويقولون متى يخرج؟ فأكره أن أخبرهم لِما وصّى أبي، فأخرجته في صدر النهار فاتيت البقيع وقد ملأ ناساً (2).

في السفينة، كان ابو سعيد الخدري من السابقين الذين رجعوا الى امير


1- الضية.
2- ص 917.

ص: 243

المؤمنين عليه السلام، وكان من اصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، قيل: لم يكن أحد من أحداث الصحابة أفقه من أبي سعيد، حكي: أنّه استصغر بأحد فردّه، ثم شهد ما بعدها.

وروى الكثير أنّه مات بالمدينة سنة ستّين أو اربع وستين، ودفن في البقيع حسب ما عرفت من تاريخ المدينة في أقصى البقيع. أقول: زرت تلك البقعة التي في آخر البقيع والمنسوبة إلى سعد بن معاذ، وأبي سعيد الخدري- رضوان اللَّه عليهما- رزقنا اللَّه وإيّاكم زيارة البقيع.

قيل: إن رسول اللَّه احتجم فدفع الدم الى أبي سعيد، وقال غيّبه، فذهب فشربه، فقال صلى الله عليه و آله و سلم له: اياك ان تعود لمثل هذا، ثم اعلم أن اللَّه قد حرّم على النار لحمك ودمك لما اختلط بلحمي ودمي (1).

12- اسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام يقابل مشهده مشهد العباس في المغرب، يقال: إن عرصة هذا المشهد وما حوله من جهة الشمال كانت دار زين العابدين عليه السلام، وفي داره بئر يتداوى بها، ويقال: إنّ ابنه الباقر عليه السلام سقط بها وهو صغير وزين العابدين يصلي فلم يقطع صلاته (2)، أقول: كان مشهد اسماعيل عليه السلام خارج البقيع قبل عشر سنوات، ولكن في العصر الحاضر لم يبق من المشهد والمسجد أثر. يقال: نقلوا مشهده الى داخل البقيع قريباً من بقعة الحليمة السعدية رضوان اللَّه عليها.

بنات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم

في الوفاء، ص 918: روضتان وقعتا بغرب مشهد عقيل: روضة منسوبة الى أمّهات المؤمنين، وأخرى منسوبة الى بنات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وهما في غربي مشهد عقيل.

اقول: روضة بنات الرسول وقعت في عصرنا بين قبور أمهات المؤمنين وبقعة


1- السفينة.
2- الوفاء/ ص 920.

ص: 244

العباس والأئمة عليه السلام مقابل الباب الكبير، وهن زينب وأمّ كلثوم ورقية. رضوان اللَّه تعالى عليهنّ.

أما زينب كانت اكبر بناته وأوّل من تزوّجت منهنّ، تزوّجها ابن خالتها ابو العاص بن الربيع قبل النبوّة، فولدت له علياً وامامة، أمّا علي فمات في ولاية عمر، وأمّا امامة فماتت في سنة خمسين بالمدينة.

وأما رقيّة فقد نقل عن أسد الغابة انّه زوّجها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من عتبة بن ابي لهب فلمّا نزلت (سورة تبّت) أمره ابوه بان يطلّقها قبل ان يدخل بها، كرامةً من اللَّه تعالى وهواناً لابن ابي لهب، وهي التي استوهب النبي صلى الله عليه و آله و سلم من اللَّه أن يهبه ضمة قبرها بقوله، (اللهم هب لنا رقية من ضمة قبرها فوهبه اللَّه تعالى أقول: قد مضى قبل ذلك وفاتها ودفنها.

وأمّا أمّ كلثوم على ما نقل عن قرب الإسناد أنّه تزوّجها عثمان، ولم يدخل بها حتى ماتت، وتزوّج مكانها رقية.

وعن خصائص الفاطمية أنّ الذي يظهر من اخبار الفريقين أنّهن تشرفن بشرف الاسلام، وكن من النساء الطاهرات المؤمنات، ويشهد على ذلك عناية الرسول صلى الله عليه و آله و سلم والصديقة الطاهرة بهن، وعن كتاب الاستغاثة انّهن من اولاد (هالة) اخت خديجة سلام اللَّه عليها، واللَّه اعلم.

وفي أسد الغابة ج 5، ص 612: توفيت أم كلثوم سنة تسع، وصلّى عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وفي السفينة: غسّلتها أسماء بنت عميس وصفيّة بنت عبد المطلب.

ص: 245

الفصل العاشر: في مدفن أمهات المؤمنين في البقيع

اشارة

من الأمهات (أم سلمة) بنت عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وأنّها افضل امهات المؤمنين بعد خدجة الكبرى سلام اللَّه عليها، توفيت سنة اثنين وستين من الهجرة، ولها أربع وثمانون سنة، ودفنت في البقيع وعن العسقلاني في الإصابة: كانت أمّ سلمة موصوفة بالجمال البارع والعقل البارع والرأي الصائب، واشارتها على النبي صلى الله عليه و آله و سلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها، فإنّها رأت تأثر النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن تعلّل الاصحاب في ذبح الهدي والحلق في الحديبية، قالت له: يا رسول اللَّه فابدأ أنت بذبح هديك وحلق رأسك فإنّهم إذا رأوا ذلك يتأسون بك، ففعل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وتبعهم الأصحاب حينئذ.

يكفي في فضلها أنها كانت حاضنة لفاطمة بعد وفات خديجة سلام اللَّه عليهما، قالت: كنت ادئب فاطمة وهي ادئب مني، وهي التي حذّرت الحسين عليه السلام عن السفر الى العراق، وقالت له: ما سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ولكنّه عليه السلام قال لها: يا أمّ انّي اعلم بذلك كلّه.

من الأمهات (زينب بنت جحش) وصفها المامقاني في رجاله: أنّها كانت قديمة الاسلام، ومن المهاجرات، وكانت كثيرة الخير والصدقة كانت صنّاع اليد تعمل بيدها، وتتصدّق به في سبيل اللَّه.

ص: 246

أسد الغابة، ج 5، ص 46 عن عائشة: انها قالت: إنّ زينب اطولنا يداً، لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق، وما رأيت امرأة قط خيراً في الدين من زينب، واتقى للَّه وأصدق حديثاً واوصل للرحم، واعظم صدقة وأمانة.

وعن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم: أنّ زينب بنت جحش (اوّاهة) فقيل: يا رسول اللَّه وما اوّاهة؟ قال: الخاشع المتضرّع وان ابرهيم لحليم اوّاهٌ منيب.

وفي المصدر، ج 5، ص 464: كانت زينب بنت جحش تفخر على نساء النبي صلى الله عليه و آله و سلم، وتقول: زوّجني اللَّه من السماء وأولم عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بخبز ولحم، وقالت عائشة: لم يكن احد من نساء النبي صلى الله عليه و آله و سلم تساميني في حسن المنزلة عنده الّا زينب بنت جحش، وتوفيت سنة عشرين، وكانت اول نساء النبي صلى الله عليه و آله و سلم لحوقاً به كما اخبر به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ودفنت بالبقيع.

من الأمهات (مارية القبطية) وهي ام ولده ابراهيم بن النبي صلى الله عليه و آله و سلم، اهداها المقوقس صاحب الاسكندرية، واهدى معها اختها سيرين وخصّياً وبغلة شهباء وحلّة من حرير، وتوفّيت في المدينة سنة ست عشرة في خلافة عمر، ويجمع الناس بنفسه لشهود جنازتها وصلى عليها عمر (1).

من الامهات (صفيّة بنت حي) بن اخطب من بني اسرائيل من سبط لاوي بن يعقوب، وهي من سبايا خيبر، فقيل: إنّها سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلّالرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فاخذها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم واصطفاها وحجّبها واعتقها وزوّجها وقسّم لها، وكانت عاقلة من عقلاء النساء، وروي أنّها كانت رأت قبل ذلك أنّ قمراً وقع في حجرها، فذكرت ذلك لأبيها أو لزوجها فضرب وجهها ضربة اثرت في وجهها، وقال: أتريدين سلطان العرب؟ فلم يزل الاثر في وجهها حتى أتي بها لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فسألها فأخبرته الخبر، وتوفيت سنة ستّ وثلاثين من الهجرة (2). وفي


1- اسد الغابة/ ج 5، ص 544.
2- اسد الغابة/ ج 5، ص 490.

ص: 247

الرياحين: توفيت سنة خمسين بالمدينة.

وفي الاصابة: قدمت صفيّة وفي أذنها خوصة من ذهب، فوهبت منه لفاطمة ولنساء معها. (وفي اسد الغابة) كانت عايشة وحفصة تخاطبان صفيّة بخطاب يابنت اليهودية وساءها ذلك، فشكت الى رسول اللَّه فقال صلى الله عليه و آله و سلم لها: هلا قلت لهما، إنّ جدي هارون النبي وعمي موسى الكليم وزوجي محمد سيد الانبياء فأيّكما تكون خيراً مني؟ وقيل: نزل في حقّها قوله تعالى «يا ايها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم» الآية.

وفي اسد الغابة، لمّا فتح رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم حصن خيبر اتى بصفيّة بنت حيّ ومعها ابنة عم لها جاء بهما بلال، فمرّ بهما على قتلى يهود، فلمّا رأتهم صفيّة صكّت وجهها، وصاحت وحثت التراب على رأسها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لبلال: يا بلال انزعت منك الرحمة حتّى تمر بامرأتين على قتلاهما؟

ومن الامهات (سَودة) بنت زمعة بن قيس تزوّجها رسول اللَّه بمكّة بعد وفاة خديجة، وكانت امرأة ثقيلة ثبطة أسنت عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ولم تصب منه ولداً الى أن مات.

عن ابن عباس: خشيت سودة ان يطلقها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فقالت: لا تطلقني وامسكني واجعل يومي لعائشة، وإنّما اريد ان احشر في ازواجك (1).

(في الرياحين) كانت سودة عفيفة أشد العفاف، ومن عفافها أنه قيل لها لِمَ لَم تحجّن؟ فقالت: قد أديت الواجب، والواجب بعد ذلك القعود في البيت كما قال اللَّه تعالى «وقرن في بيوتكن» وانّي عزمت أن لا اخرج من حجرة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم حتى أموت، وكانت على هذا حتى ماتت في خلافة عمر في المدينة المنورة.

من الأمهات (جويرية) بنت الحارث الخزاعية سباها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في


1- اسد الغابة.

ص: 248

غزوة بني المصطلق، وكانت امرأة حلوة ملّاحة، لا يراها أحد الّا أخذت بنفسه، فأتت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم تستعينه في كتابتها قالت: يا رسول اللَّه انا جويريه بنت الحارث سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وقد كاتبت على نفسي، فأعني على كتابتي، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أو خير من ذلك، أودي عنك كتابك واتزوجك، فقالت: نعم، ففعل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فبلغ الناس انّه قد تزوّجها، فقالوا:

اصهار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فارسلوا ما كان في ايديهم من بني المصطلق، فلقد اعتق بها مئة اهل بيت من بني المصطلق، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: ما اعلم امرأة اعظم بركة منها على قومها! ومات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ولم يصب منها ولداً (1).

وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم مرّ عليها، وهي في مسجدها، ثم مرّ عليها قريباً من نصف النهار، فقال صلى الله عليه و آله و سلم لها: مازلت على حالك؟ قالت: نعم، قال: ألّااعلمك كلمات تقولينها: سبحان اللَّه عدد خلقه، سبحان اللَّه عدد خلقه، سبحان اللَّه عدد خلقه- سبحان اللَّه رضى نفسه، سبحان اللَّه رضى نفسه، سبحان اللَّه رضى نفسه- سبحان اللَّه زنة عرشه، سبحان اللَّه زنة عرشه، سبحان اللَّه زنة عرشه- سبحان اللَّه مداد كلماته، سبحان اللَّه مداد كلماته، سبحان اللَّه مداد كلماته (2).

من الامهات (أم حبيبة بنت أبي سفيان) بن حرب، خرجت من مكّة مهاجرة الى أرض الحبشة مع زوجها عبيد اللَّه بن جحش، فتنصّر ومات في الحبشة، وثبتت على الإسلام، وتزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعد موت زوجها، وكان لأم حبية- حين قدم بها المدينة- بضع وثلاثون سنة (3).

ومن طرائف حالها انّه دخل ابو سفيان على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش، فاهوت على الفراش فطوته، فقال: يا بنية ارغبتي بهذا الفراش عني؟

فقالت نعم، إنّ هذا فراش رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ما كنت لتجلس عليه، وانت رجس مشرك.


1- 1 اسد الغابة/ ج 2، ص 419.
2- 2 اسد الغابة/ ج 5، ص 420.
3- 3 سفينة البحار.

ص: 249

من الأمهات (عايشة بنت ابي بكر) عن صحيح البخاري: أن عايشة أوصت عبد اللَّه بن الزبير: لا تدفني معهم تعني النبي صلى الله عليه و آله و سلم وصاحبيه، وادفني مع صواحبي بالبقيع (1) تزوّجها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قبل الهجرة بسنتين وتوفيت سنة سبع وخمسين، سبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وأمرت أن تدفن بالبقيع، فدفنت وصلّى عليها ابو هريرة، ولما توفّي النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان عمرها ثمان عشرة سنة.

عن الاستيعاب في باب عائشة بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه لنسائه، ايّتكنّ صاحبة الجمل يقتل حولها قتلى كثير، وتنجو بعد ما كادت، قال ابن عبد البرّ: هذا من اعلام نبوته صلى الله عليه و آله و سلم، وتوفّيت في سنة سبع وخمسين للهجرة، وعمرها اربع وستون سنة ودفنت بالبقيع.

من الأمهات (حفصة) بنت عمر بن الخطاب، كانت حفصة من المهاجرات، فلمّا توفّي زوجها بالمدينة وانقضت عدّتها، خطبها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، لأنّ عمر عرضها على ابي بكر وعثمان فلم يقدما على التزويج، وتوفّيت حفصة سنة إحدى واربعين أو خمس واربعين (2).

عن الواحدي عن ابن عباس: كان رسول اللَّه جالساً مع حفصة فتشاجرا بينهما، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: هل لكِ أن اجعل بيني وبينك رجلًا؟ قالت: نعم، فأرسل الى عمر، فلّما أن دخل عليهما قال صلى الله عليه و آله و سلم: تكلّمي، قالت: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم تكلّم ولا تقل إلّا حقاً، فرفع عمر يده فوجي وجهها، ثم رفع يده فوجي وجهها، فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم كفّ يا عمر، فقال عمر: (يا عدوة اللَّه) النبي صلى الله عليه و آله و سلم لايقول إلّاحقاً، والذي بعثه بالحق لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي، فقام النبي صلى الله عليه و آله و سلم فصعد الى غرفته، فمكث فيها شهراً لا يقرب شيئاً من نسائه، يتغدى ويتعشى فيها فأنزل اللَّه تعالى «يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحيوة الدنيا» الآية (3).


1- 1 الوفاء/ ج 2، ص 912.
2- 2 اسد الغابة/ ج 2، ص 436.
3- 3 السفينة/ حفص.

ص: 250

مِن المدفونين في البقيع

(عثمان بن عفّان) في الوفاء للسمهودى الشافعي: حملوا جنازة عثمان الى البقيع فمنعهم من الدفن ابن بجره فانطلقوا به الى حش كوكب وهو (بستان بالمدينة) فصلّى عليه جبير ودفنوه هناك، وانصرفوا، وقيل: صلى عليه حكيم بن حزام وقيل آخر، فكان على هذا الحال حتّى استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة ادخل الحش في البقيع، وحمل المهراس فجعله على قبر عثمان (وقال عثمان وعثمان) فدفن الناس حول عثمان. والمهراس هو الحجر الذي جعل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على رأس عثمان بن مظعون علامة لقبره ليدفن أهله الى جنبه.

وفي الجامع لابن ظهيرة القرشي المخزومي الحنفي: اختلف أهل السير في سنّ عثمان فقيل: ثمانون سنة وقيل تسعون، وكان قتله يوم الاربعاء ودفنه يوم السبت، وروي انّه مكث مطروحاً يومه الى الليل وقيل: ثلاثة ايام.

اقول: بلديّة المدينة وسّعت البقيع في عصرنا هذا ولاسيما في سنة 1412 الهجرية، ووقع مدفن عثمان في البقيع في الجانب الشرقي.

(قبر صفية بنت عبد المطلب) في مرآة الحرمين من القباب (المنهدمة في البقيع) قبّة عمّتي الرسول صلى الله عليه و آله و سلم صفية وعاتكة.

* (اسد الغابة) صفيّة بنت عبد المطلب عمّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أم الزبير بن العوام، لم يختلف في اسلامها وتوفيت سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب ولها ثلاث، وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع، ولمّا قتل اخوها حمزة وجدت عليه وجداً شديداً، وصبرت صبراً عظيماً، وتأتي قصتها قريباً.

ومما روي عن صفية قالت: لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن أمّه فاطمة عليها السلام وكنت ولّيتها، قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يا عمّة هلمّي إليّ ابني، فقلت: يا رسول اللَّه إنّا لم ننظّفيه بعد، فقال يا عمّة أنت تنظّفيه؟ إنّ اللَّه قد نظفه وطهّره.

ص: 251

(عاتكة) بنت عبد المطلب القرشية الهاشمية عمّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رأت رؤيا، صدق اللَّه رؤياها. ذكر ابن الاثير رؤياها في أسد الغابة فراجع.

(أم البنين) المعروف أنّ ام البنين والدة ابي الفضل العباس عليه السلام مدفونة في البقعة المنسوبة الى صفية بنت عبد المطلب.

(مقاتل الطالبين) أم البنين بنت حزام والدة العباس بن علي وأخوته عبداللَّه وجعفر وعثمان وكلّهم قتلوا في كربلاء انتصاراً للحسين عليه السلام، كانت أمّ البنين تخرج الى البقيع فتندب بنيها بأشجى ندبة واحرقها، فيجتمع الناس اليها يسمعون منها، فكان مروان يجي ء «فيمن يجي ء» لذلك فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي.

(وفي العباس يقول الشاعر)

احق الناس أن يبكي عليه إذا بكي الحسين بكربلاء

اخوه وابن والده عليّ ابو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شي ء وجاد له على عطش بماء

(حليمة السعدية) وهي أمّ رسول اللَّه من الرضاعة، لها بقعة معروفة في اقصى البقيع.

في السفينة: جاء في الاخبار انّ حليمة جاءت الى مكة تلتمس الرضيع، فمّن اللَّه عليها بمحمد صلى الله عليه و آله و سلم فأخذته فحصل لها من بركته ما لا يحصى وقدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم بعد الاسلام فأسلمت هي وزوجها.

من أخبارها (على ما في أسد الغابة): أنّها قالت: قدمت في مكّة في نسوة من بني سعد نلتمس الرضعاء. في سنة شهباء، فقدمت على اتان قمراء كانت ادمت بالركب، ومعي صبّي لنا وشارف لنا، واللَّه ما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبياننا، ذاك ما يجد في ثديي ما يغنيه، ولا في شارفنا ما يغذيه، فقدمنا مكّة، فواللَّه ما علمت منّا امراة إلّا وقد عرض عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فإذا قيل يتيم تركناه، وقلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمّه؟ إنّما نرجو المعروف من أب الولد، فلمّا لم اجد غيره قلت لزوجي: إنّي لأكره ان ارجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، أنطلق الى ذلك اليتيم فلآخذنه، فقال:

ص: 252

لا عليك، فذهبت فأخذته، فما هو إلّاأن اخذته فجئت برحلي، فاقبل على ثدياي بما شاء من لبن، وشرب اخوه حتى روي، وقام صاحبي الى شارفي تلك فإذا بها حافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا، فبتنا بخير ليلة فقال لي صاحبي: يا حليمة واللَّه انّي لاراك اخذت نسمة مباركة.

قبور شهداء في الوفاء، ج 2، ص 900 من شهداء أحد: خنيس بن حذاقة نالته جراحة يوم احد، فمات بسببها بالمدينة ودفن بالبقيع عند عثمان بن مظعون وفيه قال ابن اسحاق: كان ناس من المسلمين قد احتملوا قتلاهم الى المدينة فدفنوهم بها، فنهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن ذلك، وقال: ادفنوهم حيث صرعوا اقول:

وقعت بقعة بين مدفن ابراهيم بن رسول اللَّه والحليمة السعدية يقال: إنها مدفن عدة من شهداء احد، حملوهم الى المدينة، ينبغي زيارتهم في تلك البقعة رجاء واكثر شهداء احد، مدفونون في أحد ويستحب زيارتهم هناك.

ص: 253

الفصل الحادي عشر: في المشاهد المعروفة خارج البقيع

أحدها، مشهد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ويأتي بعض أخباره.

ثانيها، المشهد المعروف بالنفس الزّكية وهو السيد الشريف محمّد الملقّب بالمهدي من أولاد عليّ بن أبي طالب عليه السلام قتل في أيام المنصور، وهذا المشهد شرقي جبل سَلع، وهو داخل مسجد كبير مهجور، وهذا المشهد معروف بين أهل المدينة.

خرج على المنصور بعد حبسه لأبيه وأقاربه، فبايعه كثير من الناس، فجهّز اليه المنصور عيسى بن منصور في أربعة آلاف، فقالوا له: يا محمد لك الأمان فصاح بهم (واللَّه ما تفوز والموت في عزّ خير من الحياة في ذلّ) فاغتسل هو ومن بقي من أصحابه وتحنّطوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر، وحملوا على عيسى وأصحابه فهزموا ثلاثاً، ثمّ تكاثروا عليهم فقتلوهم، وأتوا عيسى برأس محمد، ووارت أخته زينب وابنته فاطمة جسده بالبقيع على قول، وقد استفاض بين أهل المدينة أنّ مشهده شرقي جبل سلع كما قدّمنا ذكره.

ثالثها، مشهد مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري في غربي المدينة، قيل: إنّه ممّن استشهد في أُحد ونقل جسده الى هذا المكان (1).


1- الوفاء/ ج 2 ص 923.

ص: 254

الفصل الثاني عشر: في فضل أُحد والشهداء

اشارة

قال السمهودي في تاريخه: روينا في الصحيحين وغيرهما عن أنس أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال لأُحد لمّا بدا له: هذا جبل يحبّنا ونحبّه، انّ أُحداً هذا لعلى باب من أبواب الجنّة فإذا جئتموه فكلوا من شجره ولو من عضاهه.

وفي السفينة عن الساعدي قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة: قال هذه طابة وهذا جبل أحد يحبّنا ونحبّه.

وجه التسمية قيل: سمى أحداً لتوحّده وانقطاعه عن جبال أُخرى، وقيل: لما وقع من أهله من نصر التوحيد، وقيل إنّه على حذف مضاف أي أهل أُحد وهم الأنصار لأنّهم جيرانه- وقيل شي ء آخر.

وأمّا معنى المحبّة وإن اختلفت فيها الأقوال إلّاأنّ الأولى اجراء الحديث على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحبّ الأنبياء وأهل الطاعة كما حنّت الأسطوانة لمفارقته صلى الله عليه و آله و سلم حتى سمع القوم حنينها، فلا ينكر أن يكون جبل أُحد، وجميع أجزاء المدينة تحبّه وتحنّ الى لقائه (1).

شهادة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لشهداء أُحد


1- الوفاء/ ج 2، ص 925.

ص: 255

لمّا انكشف الناس يوم أُحد وقف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على مصعب بن عمير فقال:

«من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللَّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا».

(اللّهمّ إنّ عبدك ونبيّك يشهد أنّ هؤلاء شهداء) فأتوهم وسلّموا عليهم فلن يسلّم عليهم أحد ما قامت السموات والأرض إلّاردّوا عليه (1).

وفيه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يأتي قبور الشهداء بأُحد على رأس كلّ حول، فيقول: «سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» ويقول: فنعم أجر العاملين.

وعن ابن عمر، انّه قال مَن مرّ على هؤلاء الشهداء فسلّم عليهم، لم يزالوا يردّون عليه الى يوم القيامة.

البيهقي في الدلائل عن (العطاف) ما ملخّصه: زارت خالتي قبور الشهداء، قالت: جئت الى قبر حمزة فصلّيت ما شاء اللَّه ولا واللَّه ما في الوادي داع ولا مجيب يتحرّك، وغلامي قائم آخذ برأس دابتي، فلمّا فرغت من صلاتي قمت فقلت: السلام عليكم وأشرت بيدي، فسمعت ردّ السلام عليّ من تحت الأرض، أعرفه كما أعرف أنّ اللَّه خلقني، واقشعرّت كلّ شعرة منّي، فدعوت الغلام وركبت دابتي وذكر نظير ذلك عن هاشم بن محمد العمري.

وفيه: أنّ فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كانت تزور قبور الشهداء بين اليومين و الثلاثة، وزاد في خبر آخر: أنّها تصلّي هناك وتدعو وتبكي حتى ماتت، وروى الحاكم عن عليّ عليه السلام أنّ فاطمة كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة فتصلّي وتبكي عنده.

وفيه الّذين أكرمهم اللَّه بالشهادة يوم أحد سبعون رجلًا، وقيل: أكثر، وقيل:

أقل فمن المهاجرين حمزة بن عبد المطّلب، وعبد اللَّه بن جحش، ومصعب بن عمير، وشماس بن عثمان، والباقي من الأنصار.

أقول: من أراد أن يعرف الجميع بأسمائهم فليراجع الوفاء للسمهودي الشافعي ج 2 ص 933.


1- المصدر نفسه.

ص: 256

كيفية دفن الشهداء

عن جابر بن عبد اللَّه: انّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد في الثوب الواحد، ثمّ يقول: أيّهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير الى أحد قدّمه في اللحد، وأمر بدفنهم بدمائهم (1).

مشهد سيد الشهداء حمزة، أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بدفنه في الربوة التي هو بها اليوم، وكفّنه في بردة، وكفّن مصعب بن عمير في أخرى، ودفنهما في قبر واحد.

وقال عبد العزيز: والغالب عندنا انّ مصعب بن عمير، وعبد اللَّه بن جحش دفنا تحت المسجد الذي بني على قبر حمزة، وانّه ليس مع حمزة أحد في القبر. قال السمهودي: ينبغي أن يسلّم عليهما مع حمزة بمشهده؛ لأنّهما إن لم يكونا معه فبقربه، وينبغي أن يسلّم على باقي الشهداء عند قبر حمزة.

وفيه: أنّ عمرو بن الجموح وعبد اللَّه بن عمرو الأنصاريين كانا في قبر واحد، وكانا ممّن استشهد يوم أحد، وكان قبرهما ممّا يلي السيل، فحفر عنهما ليغيرا عن مكانهما، فوجدا لم يتغيّرا كأنّما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك، فاميطت يده عن جرحه، ثم ارسلت فرجعت كما كانت، وكان بين يوم احد ويوم حفر عنهما ست واربعون سنة (2).

جملة في فضل حمزة

في الخبر، يدفع يوم القيامة الى عليّ لواء الحمد، والى حمزة لواء التكبير، والى جعفر لواء التسبيح.

وفي خبر آخر: أنّه يؤتى يوم القيامة بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء اللَّه في الدنيا فيناوله إيّاه ويقول: يا عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ذر الجحيم عن أوليائك


1- 1 المصدر ص 935.
2- 2 الوفاء/ ج 2 ص 936.

ص: 257

برمحك (1).

وفي الوفاء: وقف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم على حمزة وقد مثل به، جدع أنفه وأُذناه وبقر بطنه عن كبده، فقال: لن أُصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً قط أغيظ اليّ من هذا.

اسد الغابة ج 5 ص 492: لمّا قتل حمزة وجدت عليه أُخته صفيّة وجداً شديداً، وصبرت صبراً عظيماً، أقبلت الى أحد لتنظر الى أخيها حمزة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لابنها الزبير: ألقها فارجعها لا ترى ما بأخيها، فلقيها الزبير، وقال: يا امّه انّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يأمرك أن ترجعي، قالت ولِمَ؟ فقد بلغني انّه مثّل بأخي وذاك في اللَّه لأصبرنّ ولأحتسبنّ إن شاء اللَّه، فلمّا جاء الزبير الى رسول اللَّه فأخبره قول صفيّة فقال صلى الله عليه و آله و سلم: خلّ سبيلها، فأتته فنظرت اليه واسترجعت واستغفرت له.

وممن ضرب حمزة عليه السلام ابو سفيان فإنّه ضرب في شدق حمزة بزج الرمح، قال المحدث القمي رحمه الله: لقد اقتدى بأبي سفيان حفيده يزيد في فعله، لمّا حضر الرأس (رأس الحسين عليه السلام) بين يديه جعل ينكث عليه بالخيزران ويقول:

ليت اشياخي ببدر شهدوا ...

مجي ء الصديقة فاطمة عليها السلام بأُحد

عن محمود بن لبيد: لمّا قبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كانت فاطمة تأتي قبور الشهداء، وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلمّا كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة فوجدتها تبكي هناك فأمهلتها حتى سكنت، فأتيتها وسلّمت عليها، وقلت: يا سيدة النسوان قد واللَّه قطعت أنياط قلبي من بكائك، فقالت: يا أبا عمرو يحقّ لي البكاء، فلقد أصبت بخير الآباء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وا شوقاه الى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ثمّ أنشأت:


1- السفينة.

ص: 258

اذا مات يوماً ميّت قل ذكره وذكر أبي مذمات واللَّه أكثر

وعن فخر المحققين في الرسالة الفخرية: يستحبّ زيارة حمزة بأُحد وباقي الشهداء لمّا روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم انّه قال: من زارني ولم يزر عمّي حمزة فقد جفاني.

مدفن أبوذر الغفاري

اسد الغابة ج 5 ص 186: أبوذر الغفاري كان من كبار الصحابة وفضلائهم قديم الإسلام، قيل: أسلم بعد الأربعة وكان خامساً، عن ابن عباس: لمّا بلغ أباذر مبعثُ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قدم مكّة فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه و آله و سلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل اضطجع في مكان، فرآه علي عليه السلام وعرف انّه غريب، فقال له: ألا تحدّثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهداً أو ميثاقاً ترشدني فعلت، فأعطاه العهد فأخبره، فقال: إنّه حق وانّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فإذا أصبحت فاتّبعني، فلمّا أصبح اتّبع علياً حتى دخل على النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فسمع من قوله صلى الله عليه و آله و سلم وأسلم مكانه، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ارجع الى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، قال: والذي نفسي بيده ولأصرخنّ بها بين ظهرانيهم، فخرج الى المسجد، فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا اله إلّااللَّه وأنّ محمداً عبده ورسوله، فقام القوم اليه فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكبّ عليه وقال: ويلكم ألستم تعلمون انّه من غفار، وانّه طريق تجارتكم الى الشام؟ فأنقذه منهم.

من أخباره: عن ابن مسعود، لمّا سار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم الى تبوك جعل لا يزال يتخلّف الرجل فيقولون: يا رسول اللَّه تخلّف فلان، فيقول: دعوه إن يكن فيه خير فسيلحقه اللَّه بكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه، حتى قيل: يا رسول اللَّه تخلّف أبوذر، فلمّا سمع أبوذر ذلك تلوّم على بعيره. فلمّا أبطأ عنه بعيره، أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثمّ خرج يتّبع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ماشياً، ونظر ناظر من المسلمين فقال: إنّ هذا الرجل يمشي على الطريق، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: كن أباذر فلمّا تأمّله القوم قالوا:

ص: 259

يا رسول اللَّه هو أبوذر فقال صلى الله عليه و آله و سلم: يرحم اللَّه أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويحشر وحده، فضرب الدهر من ضربه، وسير أبوذر الى الربذة وعاش هناك وحده ومات وحده.

وعنه صلى الله عليه و آله و سلم: أبوذر في أُمّتي على زهد عيسى بن مريم- وقال عليّ: وعى أبوذر علماً عجز الناس عنه، ثمّ أوكأ عليه فلم يخرج منه شيئاً.

الكنى والألقاب: وهو جندب بن جنادة وقيل جندب بن السكن. عن الباقر عليه السلام أنّه لم يرتدّ ومات في زمن عثمان بالربذة، له خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم، وقال فيه النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

عن الصادق عليه السلام: وقف أبوذر رحمه الله عند باب الكعبة فقال: انّ أحدكم لو أراد سفراً لاتّخذ من الزّاد ما يصلحه ولابدّ منه، فطريق يوم القيامة أحقّ ما تزودتم له، فقال رجل: فارشدنا يا أباذر، فقال: حج حجّة لعظام الأمور، وصم يوماً لزجرة النشور، وصلّ ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، وكلمة حقّ تقولها، وكلمة سوء تسكت عنها، صدقة منك على مسكين، فعلّك تنجو من يوم عسير. توفّي سنة 31 أو 32.

مدفن آمنة أمّ الرسول صلى الله عليه و آله و سلم

مجمع البحرين: أبواء مكان بين الحرمين سمّي بذلك لتبوّء السيل ونزوله فيه، وفيه قبة آمنة أمّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم وفي السفينة توفيت آمنة في الأبواء بين مكة والمدينة ورسول اللَّه ابن ست سنين، وكانت قدمت به الى المدينة على أخواله من بني النجار، ومعها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم وأُمّ أيمن حاضنة رسول اللَّه.

وليعلم أنّ والد رسول اللَّه وأجداده الى آدم لم يتلوّثوا بالشرك وكانوا موحّدين.

ص: 260

قال اللَّه تعالى: «وتقلّبك في الساجدين» وقال تعالى «وقل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً».

وقال سبحانه: «ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره» بينما كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يزور قبر أبويه؛ لأنه كان نوراً في أصلاب طاهرة وأرحام مطهّرة.

عن الصادق عليه السلام: لمّا ولد رسول اللَّه فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام فجاءَت فاطمة بنت أسد الى أبي طالب ضاحكة مستبشرة، فأعلمته ما قالت آمنة، فقال لها أبو طالب: وتتعجّبين من هذا انّك تحبلين وتلدين وصيّه ووزيره.

مدفن عبد اللَّه والد النبي صلى الله عليه و آله و سلم

كانت في جانب الغربي من الحرم النبوي صلى الله عليه و آله و سلم قبّة على قبر والد النبي صلى الله عليه و آله و سلم، وكانت حجرته الشريفة قريبة من السوق السابق، ولكن في التوسعة الأخيرة وقعت في عرصة المصلّى قريباً من باب السّلام ولم يبق منها أثر.

ص: 261

الخاتمة: في اللواحق

الأول: في حرمة المدينة

الإمام الصادق عليه السلام قال: مكة حرم اللَّه والمدينة حرم محمّد صلى الله عليه و آله و سلم والكوفة حرم علي بن أبي طالب عليه السلام (1).

عوالي اللئالي، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اللّهمّ انّهم أخرجوني من أحبّ البقاع إليّ، فاسكنّي أحبّ البقاع اليك فأسكنه المدينة (2).

وقال صلى الله عليه و آله و سلم: إنّ الايمان لنازل على المدينة كما تنزل الحيّة على حجرها (3).

الثاني: في فضل المقام بالمدينة المنورة

مرازم، قال: دخلت أنا وعمّار وجماعة على أبي عبد اللَّه بالمدينة، فقال: ما مقامكم؟ فقال عمّار: قد سرّحنا ظهرنا، وأمرنا أن نؤتي به الى خمسة عشر يوماً، فقال: أصبتم المقام في بلد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم والصلاة في مسجده، واعملوا لآخرتكم وأكثروا لأنفسكم إنّ الرجل قد يكون كيّساً في الدنيا فيقال ما أكيس فلاناً! وإنّما


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.

ص: 262

الكيّس كيّس الآخرة (1).

محمد بن عمرو الزيّات عن الصادق عليه السلام: مَن مات في المدينة بعثه اللَّه في الآمنين يوم القيمة (2).

الثالث: في زيارة النبي صلى الله عليه و آله و سلم

الامام الصادق عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: مَن أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة (3).

الحسين بن علي عليه السلام: قلت لجدّي رسول اللَّه: يا أبتاه ما لمن زارك؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: يا بني مَن زارني حيّاً أو ميّتاً، أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيمة وأخلّصه من ذنوبه (4).

أبو جعفر الباقر عليه السلام قال: إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثمّ يأتونا فيخبرونا بولايتهم، ويعرضوا علينا نصرهم (5) وقد سبق ذكر هذا الخبر في القسم الأول من الكتاب.

الرابع: في وداع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم

الامام الصادق عليه السلام: إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل، ثمّ ائت قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بعدما تفرغ من حوائجك، واصنع مثل ما صنعت عند دخولك، وقل:

اللّهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيّك، فإن توفّيتني قبل ذلك فإنّي أشهد في مماتي على ما شهدت في حياتي أن لا إله إلّاأنت، وأنّ محمداً عبدك ورسولك وفي


1- المصدر نفسه.
2- المصدر نفسه.
3- مرآة العقول/ ج 18 ص 257.
4- المصدر نفسه.
5- المصدر نفسه.

ص: 263

خبر آخر: تقول صلّى اللَّه عليك- السلام عليك، لا جعله اللَّه آخر تسليمي عليك (1).

الخامس: في زيارة الأئمة عليهم السلام

أبو الحسن الرضا عليه السلام قال: إنّ لكلّ امام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وانّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمّتهم شفعاءَهم يوم القيامة (2).

السادس: زيارة الصديقة الطاهرة عليها السلام عند قبرها

وأمّا موضع قبرها، فقد قال الصدوق رحمه الله في الفقيه: اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين فمنهم من روى أنّها دفنت في البقيع، ومنهم من روى أنّها دفنت بين القبر والمنبر، وانّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم إنّما قال: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة، لأنّ قبرها بين القبر والمنبر، ومنهم من روى أنّها دفنت في بيتها، فلمّا زادت بنو اميّة في المسجد صارت في المسجد، وهذا هو الصحيح عندي.

وقال الشيخ في التهذيب بعد أن نقل عن الشيخ المفيد الأمر بزيارتها في الروضة لأنّها مقبورة هناك: الأفضل أن يزورها الانسان في الموضعين البيت والروضة فانّه يحوز به أجراً عظيماً، فأمّا من قال انّها دفنت بالبقيع فبعيد عن الصواب أقول: قد تقدّم الكلام في مدفنها في طرق العامة (3).

السابع: في استحباب اتيان المشاهد كلّها

الامام الصادق عليه السلام قال: ومن المشاهد بالمدينة التي ينبغي أن يؤتى اليها، ويشاهد ويصلّى فيها ويتعاهد: مسجد قبا وهو المسجد الذي أسّس على التقوى،


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 الفقيه/ ص 297.
3- 3 الحدائق/ ج 17 أبواب الزيارات.

ص: 264

ومسجد الفتح، ومشربة أمّ ابراهيم، وقبر حمزة وقبور الشهداء (1).

الثامن: ابلاغ سلام الاخوان

عن أبي الحسن عليه السلام: فإذا أتيت قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقضيت ما يجب عليك فصلّ ركعتين، ثمّ قف عند رأس النبي صلى الله عليه و آله و سلم ثمّ قل: السّلام عليك يا نبيّ اللَّه من أبي وأمّي وولدي وخاصّتي، وجميع أهل بلدي حرّهم وعبدهم وأبيضهم وأسودهم، فلا تشاء أن تقول للرجل: قد أقرأت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عنك السّلام إلّاكنت صادقاً (2).

التاسع: استحباب زيارة قبور المؤمنين

صفوان بن يحيى قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: بلغني أنّ المؤمن اذا أتاه الزائر آنس به، فاذا انصرف عنه استوحش فقال عليه السلام: لا يستوحش (3).

وعن أبي المقدام: مررت على أبي جعفر بالبقيع، فمررنا بقبر رجل من أهل الكوفة من الشيعة، قال: فوقف عليه ثمّ قال: اللّهمّ ارحم غربته، وآنس وحشته واسكن اليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، وألحقه بمن كان يتولّاه، ثمّ قرأ: «انّا أنزلناه في ليلة القدر» سبع مرّات (4).

وعن علي عليه السلام: انّ من دخل المقابر وزارها أعطاه اللَّه ثواب عبادة خمسين سنة (5).

العاشر: استحباب الهدية

الامام الصادق عليه السلام: إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما تيسّر ولو


1- 1 المستدرك/ ج 2 ص 192.
2- 2 الوسائل/ ج 17 أبواب الزيارات.
3- 3 الوسائل/ ج 10 ص 462.
4- 4 المصدر نفسه.
5- 5 آداب الحرمين.

ص: 265

بحجر (1).

في المحجّة، عن أبي حامد: وكأنّ هذا مبالغة في الاستحثاث على هذه المكرمة؛ لأنّ الأعين تمتدّ الى القادم من السفر، والقلوب تفرح به فيتأكّد الاستحباب في تأكيد فرحهم، وإظهار التفات القلب في السفر الى ذكرهم بما يستصحبه في الطريق لهم (2).

الحادي عشر: استحباب الوليمة

عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: لا وليمة إلّافي الخمس في عرس أو خرس أو عذار أو ركاز أو وكار، فأمّا العرس التزويج، والخرس النفاس بالولد، والعذار الختان، والوكار الرجل يشتري الدار، والركاز الذي يقدم من مكّة (3).

الثاني عشر: حفظ نور الحج

بحار الانوار: لا يزال على الحاج نور الحج ما لم يذنب. أقول: قد سبق ذكر هذا الحديث في ختام الحج.

وختاماً أسأل اللَّه- سبحانه وتعالى أن يُلبس هذا الجهدَ ثوبَ الرضا والقبول، وأن ينفع به، ويمنّ علينا جميعاً بالأجر والثواب، والحمد للَّه ربّ العالمين.

علي الافتخاري الگلپايگاني

20 ج 2/ 1417 ميلاد الزهراء عليها السلام


1- 1 الوسائل/ ج 12 المحجة/ ج 4 ص 76.
2- 2 المصدر نفسه/ ج 4 ص 76.
3- 3 بحار الانوار/ ج 21 ص 91 طبعة قديمة.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.