سرشناسه : فضلی عبدالهادی - 1934
عنوان و نام پديدآور : فی انتظار الامام : یعالج قضیه الامام المنتظر علیه السلام و مساله الحکم الاسلامی الیوم عبدالهادی الفضلی
مشخصات نشر : دار الاندلس 1979 = 1358.
مشخصات ظاهری : ص 141
وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی
یادداشت : کتابنامه ص 138 - 135
موضوع : مهدویت
موضوع : محمدبن حسن عج ، امام دوازدهم 255ق - .
موضوع : ولایت فقیه
رده بندی کنگره : BP224/4/ف 6ف 9
رده بندی دیویی : 297/462
شماره کتابشناسی ملی : م 63-1521
ص: 1
ص: 2
حقوق الطبع محفوظه الطبعه الاولی آب ( اغطس) 1979
ص: 3
عبدالهادی الفضایی
فی انتظار الامام یعالج قضیه الامام المنتظر (علیه السلام) ومساله الحکم الاسلامی الیوم
دار الاندلس للطباعه والنشر والتوزیع
ص: 4
ص: 5
بسم الله الرحمن الرحیم
«ولقد کتبنا فی الزبور من بعد الذکران الارض یرثها عبادی الصالحون»
(قرآن کریم)
ص: 6
ص: 7
ص: 8
بسم الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفی ...
في الكتاب : مسائل تاريخية ... وأخرى فقهية ...
حاولت أن أبلور الأولى من خلال بحوث السابقين ، وعلى ضوئها ، غير تغيير يسير في منهجة البحث وقولبته ، وتغيير يسير في جلوة الموضوع ، وإيضاح الفكرة .
وحاولت أن أكون من أوائل الرواد في بحث الثانية ، من خلال بحوث وعروض مبعثرة ، هنا وهناك ، لا تعدو كونها مسائل متفرقة ، وآراء شاردة .
كان أهمها : مسألة الحكم في عصر الغيبة ، ومسألة الحاكم الأعلى للمسلمين بعد الإمام ، ومسألة الدعوة إلى إقامة الحكم الإسلامي اليوم .
ولست أدري مدى توفيقي فيها ، وهي فکر معمقة ومتشابكة .
والذي أدريه : هو أني وضعت بين يدي القارىء والباحث ، الخطوط العريضة ، ورؤوس الخيوط ، مما يمهد للبحث فيها بشكل أعمق وأوسع .
ص: 9
وقد أعود ثانية إلى الموضوع ، إذا تفضل قارئي الكريم ، بإبداء ملاحظات ذات أهمية ، وبنقد نزيه بناء .
والله تعالى ولي التوفيق
النجف الأشرف 1/ 5/ 1384
عبد الهادي الفضلي
ص: 10
ونحن اذا اعدنا النظر فی تصمیم الاسلام الجواهری، نجده منسجما فی جمیع مصادره، فلا نجد فرقا بین الشعیه والسنه فی جوامع الاراء المدونه فی کتبهم.
(صدر الدین شرف الدین)
ص: 11
ص: 12
إن كثيراً من قضايانا العقائدية صبغت بطابع مذهبي أو طائفي، بسبب عوامل معينة، طرأت عليها، فقولبتها في إطار ذلك المذهب، أو نطاق تلك الطائفة.. مما أفقدها طابعها العام، بصفتها عقيدة إسلامية عامة.
وراحت تتغلغل في تمذهبها نتيجة دفع كثير من الدراسات والبحوث، غير المقارنة، أو غير الموضوعية، التي تدور حول القضية على اعتبار أنها من عقائد مذهب معين، أو طائفة معينة.
وقضيتنا هذه (قضية المهدي المنتظر)، إحدى تلكم القضايا التي حولتها العوامل الطارئة، إلى قضية خاصة، فقولبتها في إطار مذهب الشيعة، وقوقعتها في نطاق هذه الطائفة من طوائف المسلمين.
القضية إسلامية عامة:
في حين أن دراسة هذه القضية أو بحثها بشيء من الوعي والموضوعية، ينهي بنا حتماً إلى أنها قضية إسلامية، قبل أن تكون مذهبية، شيعية أو غيرها.
وقد رأيت - في حدود مراجعاتي حول القضية - أن باحثي موضوع المهدي المنتظر، من سنة وشيعة، يمتدون بجذور المسألة إلى أحاديث صادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. ثبتت صحة صدورها، إما لأنها متواترة - كما سيأتي - أو لأنها أخبار آحاد توفرت على شرائط الصحة.
ص: 13
وإذا كانت المسألة التي ينتهي بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم - والجميع يؤمنون بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته المقدسة هو عدل القرآن الكريم في الإرشاد إلى العقيدة الحقة، وفي تشريع الأحكام - لا تعد مسألة إسلامية... فإذن ما هي المسألة الإسلامية؟!...
ورأيتنا أننا متى أبعدنا من حسابنا الانفعال العاطفي، والرواسب الفرقية التي خلفتها وعمقتها أفاعيل الحكام المنحرفين من المسلمين، والحكام المستعمرين من الكافرين،.. ودخلنا المسألة بذهنية العالم الموضوعي، الذي ينشد معرفة الواقع، مستمداً من مصادره الإسلامية الأصيلة، وعلى ضوء المقاييس الإسلامية المعتبرة... وقفنا أمام مسألة إسلامية حتى فيما نعتقده أو نخاله مذهبياً منها.
و ذلك أن الأحاديث في المسألة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قد قال بتواترها غير واحد من العلماء...
وهي - في حدود ما وقفت عليه - على طوائف ثلاث هي:
1- القول بتواترها عند المسلمين.
2- القول بتواترها عند أهل السنة.
3- القول بتواترها عند الشيعة.(1)
ص: 14
والقول بالتواتر لدى طائفتي المسلمين - في واقعه - قول بالتواتر عند المسلمين عامة.
وقال بصحة صدورها من لم يصرح بتواترها من العلماء، أمثال: أبي الأعلى المودودي .. قال: (غير أن من الصعب - على كل حال - القول بأن الروايات لا حقيقة لها أصلاً، فإننا إذا صرفنا النظر عما أدخل فيها الناس من تلقاء أنفسهم، فإنها تحمل حقيقة أساسية، هي القدر المشترك فيها، وهي: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أنه سيظهر في آخر الزمان زعيم، عامل بالسنة، يملأ الأرض عدلاً، ويمحو عن وجهها أسباب الظلم والعدوان، ويعلي فيها كلمة الإسلام، ويعمم الرفاه في خلق الله).(1)
وبغية الانتهاء إلى النتيجة التي أشرت إليها آنفاً:لا بدلنا من دراسة الأحاديث المشار إليها، دراسة مقارنة وموضوعية، ولو بشيء من الإيجاز:
إن الأحاديث في المسألة على طوائف هي:
1- ما لم يصرح فيها بذكر المهدي.
2- ما صرح فيها بذكر المهدي.
وقد حمل العلماء القسم الأول من الأحاديث (وهي التي لم يصرح فيها بذكر المهدي) لأنها مطلقة، على القسم الثاني (و هي التي صرح فيها بذكر المهدي) لأنها مقيدة.
يقول المودودي: (قد ذكرنا في هذا الباب نوعين من
ص: 15
الأحاديث: أحاديث ذكر فيها المهدي بالصراحة، وأحاديث إنما أخبر فيها بظهور خليفة عادل بدون تصريح بالمهدي.
ولما كانت هذه الأحاديث من النوع الثاني تشابه الأحاديث من النوع الأول في موضوعها، فقد ذهب المحدثون إلى أن المراد بالخليفة العادل فيها هو المهدي).(1)
وتنقسم الطائفة الأخيرة منهما إلى طوائف أيضاً هي:
أ- ما صرح فيها بأن المهدي من الأمة.
ب - المهدي من العرب.
ج - المهدي من كنانة.
د - من قريش.
ه- - من بني هاشم.
و - من أولاد عبد المطلب.
و إلى هنا يحمل المطلق منها على المقيد، نظراً إلى عدم وجود ما يمنع من ذلك، فتكون النتيجة هي: ما تصرح به الطائفة الأخيرة - رقم و- (المهدي من أولاد عبد المطلب).
وهي تنقسم إلى طائفتين أيضاً هما:
1- ما صرح فيها بأن المهدي من أولاد أبي طالب.
2- ما صرح فيها بأن المهدي من أولاد العباس.
وهنا نظراً لتكافؤ الاحتمالين وهما: احتمال حمل المطلق المتقدم (وهو ما تضمن أن المهدي من أولاد عبد المطلب)، على القسم الأول (وهو ما تضمن أن المهدي من أولاد أبي طالب)،.. واحتمال
ص: 16
حمله على القسم الثاني (وهو ما تضمن أن المهدي من أولاد العباس)،.. لا يستطاع تقييده بأحدهما إلا مع ثبوت المرجح.
وحيث قد ثبت أن الأحاديث التي تضمنت أن المهدي من أولاد العباس موضوعة - كما سيأتي بيانه مفصلاً في البحث عن عوامل الغيبة الصغرى - تبقى الأحاديث من القسم الأول (وهي التي تضمنت أن المهدي من أولاد أبي طالب) غير معارضة، فيقيد بها إطلاق ما قبلها، فيحمل عليها.. فتكون النتيجة: هي أن المهدي من أولاد أبي طالب.
وهي - أعني الأحاديث المتضمنة أن المهدي من أولاد أبي طالب - تنقسم إلى طوائف أيضاً هي:
1- المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله و سلم .
2- من العترة عليهم السلام.
3- من أهل البيت عليهم السلام.
4- من ذوي القربى عليهم السلام.
5- من الذرية.
6- من أولاد علي عليه السلام.
7- من أولاد فاطمة (عليها السلام).
و الأخيرة - في هذا السياق - تقيد ما قبلها فتحمل عليها.
وهي تنقسم إلى طائفتين هما:
أ - المهدي من أولاد الإمام الحسن عليه السلام.
ب - المهدي من أولاد الإمام الحسين عليه السلام.
وهنا نعود فنقول: نظراً لتكافؤ الاحتمالين (احتمال حمل المطلق على القسم الأول، واحتمال حمله على القسم الثاني)، لا يمكن حمل
فی انتظار الامام (2)
ص: 17
المطلق المتقدم على أحدهما من غير ومرجح.
ولما كانت الأحاديث المتضمنة أن المهدي من أولاد الحسن موضوعة، لما يشابه العوامل السياسية التي حملت بني العباس على وضع أحاديث المهدي من أولاد العباس، يحمل المطلق المتقدم على القسم الثاني، فيقيد بها.. فتكون النتيجة: المهدي من أولاد الإمام الحسين عليه السلام.
ولا أقل من أن أحاديث القسم الأول لضعفها وقلتها، لا تقوى على مناهضة أحاديث القسم الثاني لصحتها وكثرتها.
وتنقسم الطائفة الأخيرة منهما إلى طوائف هي:
1- المهدي من أولاد الإمام الصادق عليه السلام.
2- من أولاد الإمام الرضا عليه السلام.
3- من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام.(1)
وشأن هذه الطوائف الأربع الأخيرة، في حمل المطلق منها على المقيد، شأن ما تقدمها من طوائف.
النتيجة:
وفي النهاية تكون النتيجة الأخيرة هي:
المهدي المنتظر، هو: (ابن الإمام الحسن العسكري) عليهما السلام.
ص: 18
وهذا اللون من المحاولة في الدراسة والبحث لإرجاع المسألة إلى واقعها العام، والخروج بها عن الأطر المذهبية الضيقة، أمثال: اعتبارها شيعية خاصة - كما يذهب البعض - أو اعتبارها سنية - كما يذهب الشيخ ناصف في كتابه (غاية المأمول) فيما نقل عنه -.(1)
أقول: إن هذا اللون من المحاولة يتطلب منا الرجوع إلى أصول عامة في بحث الحديث، توفر للعالم الأجواء الكافية للدراسة المقارنة والبحث الموضوعي.
أمثال: أن نعتبر الشرط الأساسي في توثيق الراوي هو: كونه مسلماً صادقاً معاصراً لن ينقل عنه بلا واسطة، قادراً على الاتصال به، مشافهة، أو تحريراً مع توفر شروط الأمانة في التدوين والنقل.
و إلى هنا ... ربما يتساءل عن العوامل التي حوّلت قضية المهدي المنتظر إلى قضية طائفية؟!...
إن الذي يبدو لي: أن العوامل التي ساعدت على ذلك نوعان هما:
ويتمثل في استغلال العباسيين القضية لصالح ملكهم الخاص - كما سيأتي بيانه مفصلاً في موضوع عوامل الغيبة الصغرى -، وفي استغلال الحسنيين القضية أيضاً، بغية التوصل إلى الحكم، كما مرت الإشارة إليه -.
ص: 19
ويتمثل في لون من الصراع المذهبي بين الشيعة والسنة، وهو الذي كان يقوم على أساس غير موضوعي، وإنما على الرواسب والنزعات الطائفية، وفي إطار الانفعالات العاطفية، التي وسعت فجوة الخلاف بين الطائفتين، فحولت كثيراً من المسائل العامة إلى قضايا خاصة.
وعليه:
فالبحث حول المسألة - في واقعه - ليس بحثاً ترفياً، أو حول مسألة تجريدية قليلة الجدوى.. وإنما هو بحث عن العقيدة الإسلامية.. وفي الصميم.
ص: 20
ابني محمد هو الإمام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه، مات ميتة جاهلية.
(الإمام العسكري)
ص: 21
ص: 22
هو: محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
ولد الإمام المنتظر عليه السلام بسامراء من مدن العراق، ليلة النصف من شهر شعبان عام (255 ه-) خمسة وخمسين ومائتين للهجرة.
وكان الولد الوحيد لأبيه عليهما السلام.
ولي أمر الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام عام (260 ه-)، وهو ابن خمس سنين.
وهنا.. ربما يتساءل استغراباً:
كيف يجعل إماماً وهو في هذه السن من الطفولة المبكرة؟!
ويرتفع هذا النوع من الاستغراب حينما نعلم أن الإمامة هبة يمنحها الله تعالى من يشاء من عباده، ممن تتوافر فيه عناصر الإمامة وشروطها، شأنها في ذلك شأن النبوة.. وهو ما برهن عليه في مجاله من مدونات وكتب الإمامة عند الشيعة بما يربو على التوفية.
يقول السيد صدر الدين الصدر: (إن المهدي المنتظر قام بالإمامة، وحاز هذا المنصب الجليل، وهو ابن خمس سنين، طفل لم
ص: 23
يبلغ الحلم.. فهل يجوز ذلك؟! أم لابد في النبي والرسول والخليفة أن يكون بالغاً مبلغ الرجال؟!
هذه مسألة كلامية، ليس هنا محل تفصيلها، ولكن على وجه الإجمال، نقول: - بناء على ما هو الحق من أن أمر الرسالة والإمامة والنبوة والخلافة بيد الله سبحانه وتعالى، وليس لأحد من الناس فيها اختيار - يجوز ذلك عقلاً، ولا مانع منه مع دلالة الدليل عليه، لأن الله سبحانه وتعالى قادر أن يجمع في الصبي جميع شرائط الرسالة والإمامة).(1)
على أن إمامة الإمام المنتظر عليه السلاملم تكن الحدث الوحيد من نوعها، فقد أوتي النبي يحيى عليه السلام الحكم صبياً: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة، وآتيناه الحكم صبياً)(2) ، وجعل عيسى بن مريم عليه السلام نبياً وهو في المهد رضيعاً: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً)(3).. كما هو صريح القرآن الكريم.
وكان جده الإمام محمد الجواد عليه السلام، وجده الإمام علي الهادي عليه السلام، ولي كل منهما الإمامة وهو ابن ثماني سنوات،.. وكان أبوه الإمام الحسن العسكري عليه السلام وليها وهو ابن عشرين عاماً.
وواقع هؤلاء الأئمة عليهم السلام في علمهم بالشريعة، وتطبيقهم لأحكامها، في سلوكهم، ومختلف مجالات حياتهم الذي
ص: 24
سجله التاريخ بإكبار - بالإضافة إلى الدليل العقائدي الذي أشرت إليه - يكفينا في رفع ذلكم النوع من الاستغراب... وبخاصة حينما نعلم أن الأئمة عليهم السلام كانوا (مصحرين بأفكارهم وسلوكهم وواقعهم تجاه السلطة وغيرها من خصومهم في الفكر.. والتاريخ حافل بمواقف السلطة منهم ومحاربتها لأفكارهم، وتعريضهم لمختلف وسائل الإغراء والاختيار، ومع ذلك فقد حفل التاريخ بنتائج اختباراتهم المشرفة وسجلها بإكبار.
ولقد حدث المؤرخون عن كثير من هذه المواقف المحرجة، وبخاصة مع الإمام الجواد، مستغلين صغر سنّه عند تولي الإمامة.
وحتى لو افترضنا سكوت التاريخ عن هذه الظاهرة، فان من غير الطبيعي أن لا يحدث أكثر من مرة تبعاً لتكرار الحاجة إليها، وبخاصة وأن المعارضة كانت على أشدها في العصور العباسية.
وطريقة إعلان فضيحة الشيعة بإحراج أئمتهم فيما يدعونه من علم أو استقامة سلوك، وإبراز سخفهم لاحتضانهم أئمة بهذا السن وهذا المستوى - لو أمكن ذلك - أيسر بكثير من تعريض الأمة إلى حروب قد يكون الخليفة من ضحاياها أو تعريض هؤلاء الأئمة إلى السجون والمراقبة، والمجاملة أحياناً).(1)
ولعل من روائع ما سجله التاريخ في هذا المجال: شهادة أحمد ابن عبيد الله بن خاقان، عامل المعتمد العباسي على الخراج والضياع بكورة (قم)،.. وكان معروفاً بانحرافه عن أهل البيت عليهم السلام، في معرض حديثه مع جماعة حضروا مجلسه في شهر شعبان من سنة (278 ه-)، بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه
ص: 25
السلام بثماني عشرة سنة، وقد جرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسامراء، ومذاهبهم، وصلاحهم، وأقدارهم عند السلطان.(1)
يقول: (ما رأيت ولا أعرف بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن على بن محمد بن الرضا، في هديه، وسكونه، وعفافه، ونبله، وكرمه عند أهل بيته والسلطان وبني هاشم كافة، وتقديمهم إيّاه على ذوي السن منهم والخطر،.. وكذلك حاله عند القواد والوزراء والكتاب وعامة الناس.
كنت يوماً قائماً على رأس أبي - وهو يوم مجلسه للناس - إذ دخل حجابه، فقالوا: أبو محمد بن الرضا بالباب.
فقال - بصوت عال -: ائذنوا له.
فتعجبت منه، ومنهم، من جسارتهم أن يكنّوا رجلاً بحضرة أبي، ولم يكنّ عنده إلاّ خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنّى.
فدخل رجل أسمر، أعين، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، حديث السن، له جلالة وهيئة حسنة.
فلما نظر إليه أبي، قام فمشى إليه خطوات.. ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد و أولياء العهد.
فلما دنا منه عانقه، وقبّل وجهه وصدره ومنكبيه، وأخذ بيده، وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه، مقبلاً عليه بوجهه... وجعل يكلمه، ويفديه بنفسه وأبويه، وأنا متعجب مما
ص: 26
أرى منه، إذ دخل الحاجب، فقال: جاء الموفق - وهو أخو المعتمد الخليفة العباسي -.
وكان الموفق إذا دخل على أبى تقدمه حجابه، وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين الدار سماطين، إلى أن يدخل ويخرج.
فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد، يحدثه، حتى نظر إلى غلمان الموفق، فقال له - حينئذ -: إذا شئت - جعلني الله فداك - أبا محمد...
ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطين، لا يراه هذا (يعني الموفق).
فقام، وقام أبي، فعانقه، ومضى.
فقلت لحجاب أبي وغلمانه: ويحكم.. من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي، وفعل به أبي هذا الفعل؟!...
فقالوا: هذا علوي، يقال له: الحسن بن علي، يعرف بابن الرضا.
فازددت تعجباً، ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره، وأمر أبي، وما رأيته، منه، حتى كان الليل، وكانت عادته أن يصلي العتمة، ثم يجلس، فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات، وما يدفعه إلى السلطان.
فلما صلى وجلس، جئت فجلست بين يديه، فقال: ألك حاجة؟
قلت: نعم.. فان أذنت سألتك عنها..
قال: قد أذنت..
ص: 27
قلت: من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة، وفديته بنفسك وأبويك؟!
فقال: يا بني.. ذاك إمام الرافضة، الحسن بن علي، المعروف بابن الرضا..
و سكت ساعة..
ثم قال: لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس، ما استحقها أحد من بني هاشم غيره، لفضله، وعفافه، وصيانته، وزهده، وعبادته، وجميل أخلاقه، وصلاحه.. ولو رأيت أباه، رأيت رجلاً جزلاً، نبيلاً، فاضلاً.
فازددت قلقاً، وتفكراً، وغيظاً على أبي، وما سمعته منه فيه، ورأيته من فعله به.
فلم تكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره، والبحث عن أمره.
فما سألت أحداً من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس، إلا وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام، والمحل الرفيع، والقول الجميل، والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه..
فعظم قدره عندي، إذ لم أر له ولياً ولا عدواً، إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه).(1)
وكان الإمام المنتظر عليه السلام خاتم الأئمة الاثني عشر، أوصياء نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ص: 28
للإمام المنتظر عليه السلام غيبتان: صغرى وكبرى.. رأيت أن استعرضهما بشيء من الإيجاز، موضحاً أهم عواملهما، وأبرز ملابساتهما، في حدود ما يرتبط بموضوعنا (في انتظار الإمام) وبالمقدار الذي يمهد له.
بدأت الغيبة الصغرى بولادة الإمام المنتظر عليه السلام عام (255 ه-).
وانتهت بوفاة سفيره الرابع والأخير علي بن محمد السمري - ده - سنة 328 ه- أو 329 ه-).
فامتدت أربعاً وسبعين سنة.
وكان الإمام المنتظر)عليه السلام) خلال الفترة المشار إليها يتصل بأتباعه وشيعته اتصالاً سرياً، دقيقاً في سريته، وعاماً لجميع حلقات ووسائل الاتصال، وعن طريق المخلصين كل الإخلاص من أصحابه، والذين يدعون ب-(السفراء) وهم:
1- عثمان بن سعيد العمري الأسدي، المتوفى ببغداد، والذي كان قبل سفارته عن الإمام المنتظر عليه السلام، وكيلاً عن جده الإمام علي الهادي عليه السلام، ثم عن أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
2- محمد بن عثمان بن سعيد العمري، المتوفى عام (305 ه- أو 304 ه-) ببغداد.
ص: 29
3- الحسين بن روح النوبختي المتوفى عام (320 ه-) ببغداد.
4- علي بن محمد السمري المتوفى عام (328 ه- أو 329 ه-) ببغداد.
فيما أخاله أن أهم عامل في غيبة الإمام المنتظر عليه السلام، وفي اختفائه منذ الولادة، هو موقف الحكام العباسيين الموقف المعادي منه،.. ويتلخص بالآتي:
اعتقاد وإيمان الشيعة - آنذاك - بأن الإمام المنتظر الذي بشرت جميع الأديان الإلهية بفكرته الإصلاحية(1)، وبشرت بدولته العالمية، والقاضية على كل حكم قائم آن انبثاقها، هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام.
وشيوع الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تجسيد فكرة المصلح المنتظر بالإمام محمد بن الحسن عليه السلام، وتطبيق شخصية المصلح المنتظر عليه، بين علماء المسلمين في حينه: عقيديين وفقهاء ومحدثين، بما تضمنته من دلائل وإشارات، وبما احتوته من تصريحات باسمه وأوصافه الخاصة المميزة.
وربما كان أهمها: الروايات الحاصرة للأئمة في اثني عشر خليفة كلهم من قريش، والتي تدور على ألسنة المحدثين والمؤرخين آنذاك.
كالتي رواها البخاري - المعاصر للإمام الحسن العسكري -:
ص: 30
عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يكون اثنا عشر أميراً.. فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش).(1)
وفي رواية الإمام أحمد بن حنبل: (أن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يكون لهذه الأمة اثنا عشر خليفة).(2)
وكالتي رواها مسلم (عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يزال الدين قائماً، حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).(3)
وكالتي رواها الحمويني الشافعي في فرائد السمطين عن (ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وان أوصيائي بعدي اثنا عشر: أولهم علي ابن أبي طالب، وآخرهم القائم المهدي).(4)
وعنه أيضاً (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن خلفائي وأوصيائي حجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر).(5)
وقد تواتر مضمون الخبرين (الأولين) في كتب الخاصة والعامة، أما بهذا اللفظ أو قريب منه، وقد جمع بعض المعاصرين هذه الأخبار فكانت 271، وقد رواها أكابر حفاظ أهل السنة).(6)
ص: 31
متى أضفنا إليها: أن العباسيين كانوا يعلمون أن الإمام الذي يخلف الإمام الحسن العسكري عليه السلام هو الإمام الثاني عشر الذي يملاً الأرض قسطاً وعدلاً، لعلمهم بأن الإمام العسكري عليه السلام هو الإمام الحادي عشر.
وربما كانت هذه الروايات وأمثالها من الأحاديث المثيرة لقلق الحكام واضطرابهم باعثاً إلى أبعد من هذا، وهو تتبع أل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل الإمام المنتظر عليه السلام.
وإننا لنلمس هذا المعنى في بعض ما ورد عن الأئمة عليهم السلام.. ففي حديث للإمام الصادق عليه السلام يقول فيه: (.. أما مولد موسى عليه السلام، فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده، أمر بإحضار الكهنة، فدلوه على نسبه، وأنه يكون من بني اسرائيل، حتي قتل في طلبه نيفاً وعشرين ألف مولد، وتعذر إليه الوصول إلى قتل موسى عليه السلام بحفظ الله تبارك وتعالى إياه، كذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل أل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى القائم، ويأبى الله - عز وجل أن يكشف أمره لواحد من الظلمة (إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون).(1)
وفي حديث أخر عن الإمام الرضا عليه السلام: (قد وضع بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين:
ص: 32
إحداهما: أنهم كانوا يعلمون ليس لهم في الخلافة حق، فيخافون من ادعائنا إيٌاها، وتستقر في مركزها.
وثانيتهما: انهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة، على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولد القائم عليه السلام، أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، (إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون).(1)
كل ذلكم وأمثاله، كان يربك الحكومة العباسية حول مستقبلها عند ظهور الإمام محمد بن الحسن عليه السلام، إذ ربما تمثلت فيه عقيدة الشيعة، وصدقت فيه أحاديث جده النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما روي عنه فيه.
فكانت تعد ما في إمكانياتها من العدة للعثور عليه، والوقوف على أمره، لتطمئن على مستقبلها السياسي، وبخاصة وان حركات الشيعة أيام جده الإمام علي الهادي عليه السلام، وأبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ضد الحكومة العباسية، كانت في زيادة مدها النضالي، ووفرة نشاطها السياسي، لقلب نظام الحكم العباسي والإطاحة به، بما كان يقلق الحكومة العباسية، ويتعبها إلى حد، في إخمادها، أو إيقافها على الأقل.
فعلى الأقل: ربما تمخضت الحركة الشيعية عن الثورة المبيدة للحكم العباسي علي يد الإمام محمد بن الحسن عليه السلام.
فوضع الحكام العباسيون - فيما يحدث المؤرخون - مختلف العيون
ص: 33
والجواسيس أيام حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام بغية معرفة الإمام من بعده، وبخاصة ابنه الذي نوٌهت به وأشارت إليه تعريفات المصلح المنتظر.
يقول السيد الأمين: (وقد تضافرت الروايات على أن السلطان طلبه - يعني الإمام المنتظر - وفتش عليه أشد الطلب والتفتيش ليقتله، لما شاع من قول الإمامة فيه، وانتظارهم له، ولما سبق من آبائه من وصية السابق إلى اللاحق).(1)
وقال الصدوق: (وبعث السلطان إلى داره (أي دار الإمام العسكري) من يفتشها، وختم على جميع ما فيها، وطلبوا أثر ولده، وجاءوا بنساء لهن معرفة بالحبل، فدخلن على جواريه، فنظر إليهن، فذكر بعضهن: أن هناك جارية بها حمل، فأمر بها فجعلت في حجرة، ووكل (نحرير) الخادم وأصحابه ونسوة معهم..
ثم قال: فلما دفن (أي الإمام العسكري)، وتفرق الناس، اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده، وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه.
ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهّموا فيها الحبل ملازمين لها سنتين أو أكثر، حتى تبين لهم بطلان الحبل.. فقسم ميراثه بين أمه وأخيه،.. وادعت أمه وصيته، وثبت ذلك عند القاضي..
والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده،.. وهو لا يجد إلى ذلك سبيلاً).(2)
ص: 34
وقال الشيخ المفيد: (وخلّف (يعني الإمام العسكري) ابنه المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفى مولده، وستر أمره، لصعوبة الوقت، وشدة طلب سلطان الزمان له، واجتهاده في البحث عن أمره، ولما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه، وعرف من انتظارهم له، فلم يظهر ولده عليه السلام في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته، وتولى جعفر بن علي - أخو أبي محمد - أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبي محمد عليه السلام، واعتقال حلائله، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده، والقول بإمامته، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم.
وجرى على مخلفي أبي محمد عليه السلام بسبب ذلك كل عظيمة، من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذل.. ولم يظفر السلطان منهم بطائل.
وحاز جعفر - ظاهراً تركة أبي محمد عليه السلام، واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه، ولم يقبل أحد منهم ذلك، ولا اعتقده فيه).(1)
وهذا النص الأخير - وهو لكبير من أعلام علماء الشيعة - يلمسنا واقع الغيبة، في أنها بدأت بولادة الإمام المنتظر عليه السلام، حيث أخفي خبر الولادة عن الجمهور، وستر أمر الإمام المنتظر عليه السلام إلا على المخلصين من أصحاب أبيه عليه السلام للعامل السياسي الذي أشرت إليه.
وحينما يكون هذا هو واقع الغيبة، يجدر بنا أن نسائل أولئكم الحانقين والمغفلين عن موقع السرداب المزعوم من حوادث القصة!!..
ص: 35
وأبعد من هذا.. فقد وضع الحكام العباسيون على ألسنة بعض المحدثين أحاديث نسبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضمّنوها: أن المهدي المنتظر من أل العباس، بغية صرف العامة عن انتظاره في أل علي: أمثال:
1- المهدي من ولد العباس عمي.(1)
2- يا عباس، إن الله فتح هذا الأمر بي، وسيختمه بغلام من ولدك، يملؤها عدلاً، كما ملئت جوراً، وهو الذي يصلي بعيسى.(2)
3- ألا أبشرك يا أبا الفضل، إن الله - عز وجل - افتتح بي هذا الأمر، وبذريتك يختمه.(3)
4- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان، فأتوها، فان فيها خليفة الله المهدي.(4)
ولكي نقف على قيمة هذه الأحاديث، وعلى واقعها، وهو أنها موضوعة، علينا أن نقرأ ما يقوله علماء الحديث والناقدون حولها:
فحول الحديث الأول، يقول الدار قطني: (غريب، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم).(5)
ويعلق عليه الألباني - بعد عده الحديث في سلسلة الموضوعات -
ص: 36
بقوله: (قلت: وهو (يعني محمد بن الوليد) متهم بالكذب. قال ابن عدي: (كان يضع الحديث)، وقال أبو عروبة: (كذاب)، وبهذا أعلّه المناوي في (الفيض)، نقلاً عن ابن الجوزي، وبه تبين خطاْ السيوطي في إيراده لهذا الحديث في (الجامع الصغير)..
قلت: ومما يدل على كذب هذا الحديث انه مخالف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).. أخرجه أبو داود (2/207 - 208)، وابن ماجة (2/519)، والحاكم (4/557)، وأبو عمر والداني في (السنن الواردة في الفتن) (99 - 100)، وكذا العقيلي (139 و300) من طريق زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة مرفوعاً.
وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات، وله شواهد كثيرة، فهو دليل واضح على رد حديث (المهدي من ولد العباس).(1)
وحول الحديث الثاني يقول الألباني - بعد أن عده في الموضوعات أيضاً-: (أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (4/117) في ترجمة أحمد بن الحجاج بن الصلت قال: حدثنا سعيد ابن سليمان حدثنا خلف بن خليفة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عمار بن ياسر مرفوعاً.
قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات، معروفون، من رجال مسلم، غير أحمد بن الحجاج هذا، ولم يذكر فيه الخطيب جرحاً ولا تعديلاً وقد اتهمه الذهبي بهذا الحديث فقال: (رواه بإسناد الصحاح مرفوعاً، فهو أفته!.. والعجيب أن الخطيب ذكره في تاريخه
ص: 37
ولم يضعفه، وكأنه سكت عنه لانتهاك حاله)، ووافقه الحافظ في (لسان الميزان).
والحديث أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) من حديث ابن عباس ونحوه، وقال: (موضوع. المتهم به الغلابي).(1)
ويقول - أعني الألباني - حول الحديث الثالث - (موضوع. أخرجه أبو نعيم في (الحلية) (1/135) من طريق لاهز بن جعفر التيمي.. وقال: (تفرد به لاهز بن جعفر، وهو حديث عزيز).
قلت: وهو متهم، قال فيه ابن عدي: (بغدادي، مجهول، يحدث عن الثقات بالمناكر).(2)
ويقول أيضاً - تعليقاً على الحديثين الأخيرين -: (إذا علمت حال هذا الحديث والذي قبله، فلا يليق نصب الخلاف بينهما وبين الحديث الصحيح المتقدم قريباً: (المهدي من ولد فاطمة) لصحته وشدة ضعف مخالفه).(3)
وحول الحديث الرابع يقول المودودي: (ذكر الرايات السود من قبل خراسان، مما يدل دلالة واضحة على أن العباسيين ادخلوا في هذه الرواية من عند أنفسهم، ما يوافق أهواءهم وسياستهم، لأن اللون الأسود كان شعاراً للعباسيين، وكان أبو مسلم الخراساني هو الذي مهد الأرض للدولة العباسية).(4)
ص: 38
بدأت الغيبة الكبرى بوفاة السفير السمري - ره - سنة (328 ه-) أو (329 ه-).
وستبقى مستمرة حتى يأذن الله تعالى.
وربما كان نهاية أمدها هو حينما تتمخض الظروف الاجتماعية عن الأجواء الملائمة لثورة الإمام المنتظر عليه السلام.. التي حددتها جملة من الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام والتي نستطيع أن نصنفها إلى طائفتين:
1- الطائفة التي حددت خروج الإمام المنتظر عليه السلام بعد ملء الأرض ظلماً وجوراً. أمثال: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
2- الطائفة التي أشارت إلى أن الإمام المنتظر عليه السلام سيأتي بأمر جديد، بعد اندثار معالم الإسلام، وابتعاده عن الواقع الاجتماعي والواقع الفكري وانحساره عن مجالهما.
أمثال ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام:
أ- قال: إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور،..وإنما سمي القائم مهدياً، لأنه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق.(1)
ص: 39
ب - قال: إذا قام القائم جاء بأمر جديد، كما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بدو الإسلام إلى أمر جديد.(1)
ولعلنا بهذا أيضاً نستطيع أن نوجه أو نفسر عدم ظهور الإمام المنتظر عليه السلام قبل هذا الآن الذي أشارت إليه الأحاديث المذكورة وأمثالها،.. وذلك بعدم تحقق ظروف ثورته عليه السلام والأجواء الملائمة لها.
وهنا.. ربما يفهم مما تقدم: أن قيام الإمام المنتظر عليه السلام بالدعوة الإسلامية لابد وأن يسبق بشمول الباطل والكفر لكل أطراف الحياة، وانحسار الحق والإسلام من كل مجالاتها..!
غير أن ما يفاد من النصوص في هذا المجال هو بقاء الإسلام مستمراً لدى طائفة من الأمة حتى ظهور الإمام المنتظر عليه السلام، كما سنقف عليه في المواضيع الآتية(2)، وكما يشير إليه أمثال الحديث الآتي:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم الدجال.(3)
(وفي رواية: عصابة من أمتي).(4)
ص: 40
المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، تكون له غيبة وحيرة، تضل فيه الأمم، ثم قبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ص: 41
ص: 42
إن منهجة البحث حول موضوع وجود الإمام المنتظر عليه السلام، وحول محاولة الإجابة على السؤال التالي
كيف يعيش الإمام المنتظر عليه السلام هذه المدة الطويلة من السنين؟!..:.
تتطلب منا - عادة - البحث أولاً عن إمكان مسألة بقاء الإنسان حياً مدة طويلة من السنين تتجاوز الحدود الاعتيادية لعمر الإنسان.. فالبحث ثانياً عن وقوع المسألة، و بقاء الإمام المنتظر عليه السلام حياً هذه المدة الطويلة من السنين:
فيما أخاله: أن مسألة إثبات إمكان بقاء الإنسان حياً عمراً طويلاً من السنين تقتضينا الحديث عنها على الصعيدين الفلسفي والعلمي تمشياً مع مناهج البحث حول المسألة قديماً وحديثاً:
من المعلوم أن الاستحالة ما لم ترجع إلى البداهة لا تعد استحالة.
وبتعبير فلسفي: إن الاستحالة إذا لم ترجع بالنهاية إلى اجتماع النقيضين لا تعد استحالة.
وهنا في مسألتنا: من البداهة بمكان أن بقاء إنسان ما حياً آلاف السنين يتمتع بعمر فوق الاعتيادي؛ وكون أناس آخرين لا يتمتعون
ص: 43
بعمر فوق الاعتيادي لا يلزم منه اجتماع النقيضين، وذلك لاختلاف موضوع كل من القضيتين..
فمثلاً: اعتبار خالد في هذا الآن غير موجود، واعتبار محمد في الآن نفسه موجوداً، لا يلزم منه اجتماع الوجود وعدمه في إنسان واحد، وذلك لاختلاف ومغايرة موضوع القضية الأولى وهو خالد لموضوع القضية الثانية وهو محمد..
ومن المعلوم بالضرورة أن من أوليات شروط التناقض وحدة موضوع كل من القضيتين.
ومن المعلوم أيضاً أن العلم يستند - عادة - في إعطاء نتائجه حول قضية ما إلى التجربة.
والتجربة حينما تجري على موضوع معين في ظروف وملابسات معينة، لا يصح تعميم نتائجها إلى نفس الموضوع، حينما يكون في ظروف وملابسات أخرى غير تلكم الظروف والملابسات التي اكتنفته حين التجربة..
وهو - أعني عدم صحة التعميم في أمثال هذه القضايا - من الأصول المسلمة والشروط البديهية لدى العلماء.
فمثلاً: حينما تجري التجربة على (خالد) - بصفته إنساناً - وهو في ظروفه الاعتيادية لمعرفة مدي بقائه حياً، ومدى مقاومته لعوادي الطبيعة التي من شأنها القضاء عليه، فتنهينا التجربة إلى أنه ليس باستطاعة مثل هذا الإنسان أن يعيش أكثر من -120- سنة، لا يصح
ص: 44
أن تعمم نتيجة هذه التجربة لكل إنسان حتى من يكون في غير الظروف الاعتيادية التي أحاطته حالة التجربة، إذ من الجائز أن يبقى إنسان آخر، أو خالد نفسه، حياً أطول بكثير من المدة المذكورة، إذا كان في ظروف أخرى غير ظروفه الاعتيادية. كما سنرى ذلك واضحاً في نتائج تجارب الدكتور كارل فيما يأتي.
فالنتيجة - على ضوء ما تقدم - هي:
إن مسألة بقاء الإنسان حياً مدة طويلة من السنين ليست مستحيلة، لا فلسفياً ولا علمياً، وإنما هي من المسائل الممكنة.
وأعني به النصوص الواردة في الموضوع ، وهي على طوائف ، أهمها ما يأتي :
أ- ما يدور منها حول عدم خلو الأرض من حجة ، أمثال : « لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله ، اما ظاهر مشهور ، واما خائف مغمور ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته .
ب - ما يدور منها حول حصر الامامة في اثني عشر إماما كلهم من قريش ، أمثال : « إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيه اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .
ص: 45
ح. ما يدور منها حول تعيين الأمام المنتظر باسمه وصفاته ، أمثال : « المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وکنیته کنيتي ، أشبه الناس بي خلقا وخلقا ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيه الأمم ، ثم يقبل کالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلا وقسطأ ، کما ملئت ظلما وجورة».
د - ما يدور منها حول عدم قيام الساعة حتى ينهض الامام المتظر ( عليه السلام ) ، أمثال : «لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلم وجورة وعدوانا ، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطأ وعدلا ، کما ملئت ظلما وعدوانا »
ه . ما يدور منها حول وجود إمام في كل زمان ، أمثال : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ».
ومتى حاولنا التوفيق بين الطوائف المشار اليها وأمثالها ، نتهي حتما الى أن الإمام المنتظر هو محمد بن الحسن ( عليه السلام ) .
وفي عقيدتي : أن التوفيق بينها حيث ينهي الى النتيجة المذكورة في مجال من الوضوح يغنينا عن تفصيل البيان .
وهذه « الأخبار في أن المهدي هو ابن الحسن العسكري ، وأنه حي موجود ، يظهر في آخر الزمان ، متواترة من طرق أصحابنا عن النبي اي وأهل بيته ( عليهم السلام ) »(1)
على أن مسألة حياة الامام المنتظر ( عليه السلام ) ، بعد إثبات إمكانها ، نستطيع أن ندرجها ضمن قائمة المسائل الغيبية في الشريعة الإسلامية ، التي لا تقتضينا في مجال الاعتقاد بها أكثر من إثبات إمكانها
ص: 46
عن طريق العقل ، وإثبات وقوعها عن طريق النقل ، کمسألة ( المعاد ) ونظائرها.
ولا أخال أن هذه الوفرة من النقول الواردة عن النبي ة بمختلف طرقها وأسانيدها شيعية وسنية غير كافية ،.. أو أن هناك من لا يراها كافية ، وبخاصة حينما يثبت تواترها ، كما أشرت اليه .
ويتلخص في أن التاريخ يثبت وجود نظائر للامام المنتظر ( عليه السلام ) في طول العمر ، أمثال : النبي نوح ( عليه السلام ) الذي عاش ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه « ولقد أرسلنا نوحا الى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامأ فأخذهم الطوفان وهم ظالمون(1)، كما يؤرخ القرآن الكريم لهذه الفترة من حياته .(2)
وخلاصته : إن إرادة الله تعالى وقدرته، التي أعدته ليومه الموعود ، هي التي تعطيه البقاء وتمنحه العمر الطويل .
من أوليات خصائص الدعوة الإسلامية انها دعوة عالمية .
ومن أوليات التشريع الإسلامي وجوب حمل رسالة الإسلام إلى العالم كله على رئيس الدولة المعصوم عن طريق الجهاد أو غيره ،..
ص: 47
لأن الإسلام نظام اجتماعي ثوری ، جاء لإذابة واستئصال جميع النظم الاجتماعية القائمة .
ومن الوضوح بمكان أن عملية الهدم والبناء في عالم الثورة ، تتطلب فترة طويلة من الزمن، ينطلق فيها الثوار مندفعين بكل إمكانياتهم إلى اقتلاع رواسب النظم الاجتماعية المطاح بها، من نفسيات أبناء الجيل الذي عاشها متجاوبة معها ، والى إنشاء جيل جديد ، خال من رواسب الماضي ، ومنصهر كل الانصهار بفكرة النظام الجديد.
ومن الوضوح بمكان : أن من أهم ما يشترط في القائمين على تطبيق النظام الجديد ، خلوهم من أية راسبة تعاكس مفاهيم وأحكام النظام الجديد ، وانصهارهم بالنظام الجديد انصهارة من أقرب معطياته صياغة شخصياتهم في جميع خصائصها ، ومختلف جوانبها وفق النظام الجديد.
ونحن نعلم أن النبي محمدأ و لم تمتد به الأيام إلى إنهاء عملية الهدم والبناء فالتطبيق الكامل.
ونعلم - أيضأ - أن ليس في المسلمين من يتوفر فيه الشرط المذكور غير الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
ولعل إلى هذا المعنى بشير المعنيون ببحوث الامامة، حينا يستدلون على خلافة الإمام علي ( عليه السلام ) بعد النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ، بالآية الكريمة : وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال : إني جاعلك للناس إمامة . قال : ومن رايتي ؟ .. قال : لا ينال عهدي الظالمين».(1)
ص: 48
ونعلم - أيضأ - أن الإمام علي ( عليه السلام ) كذلك هو الآخر لم ينه العملية للملابسات والظروف السياسية التي سبقت خلافته أو رافقتها .
وإن أبناءه المعصومين هم الأخرون لم يستطيعوا القيام بمهمة إنهاء تلكم العملية للعوامل والظروف السياسية والاجتماعية التي واكبت أيامهم .
وإن النوبة قد انتهت إلى الإمام المنتظر ( عليه السلام ) ، فلا بد من إنهائها على يديه ، لأنه خاتمة المعصومين ( عليه السلام ) ، فيحقق ما أخبر به القرآن الكريم بقوله : « هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله »(1). وربما اليه كان يشير مفسرو الآية الكريمة بالإمام المنتظر ( عليه السلام) - وهو شيء يتطلب استمرار حياته لهذه الغاية النبيلة .
وربما على ضوئه نستطيع أن نستدل على لزوم وجوده معاصرة لأبيه الامام العسكري ( عليه السلام ) ، واستمراره بعده ، منطلقين من البدء ، وكأنا لم نفترض المفر وغية من إثبات ولادته ، بما حاصله :
وهو اننا إن لم نلتزم بمعاصرة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) لأبيه العسكري ( عليه السلام ) ، وتلقيه ما تتطلبه مهمته كمشرع ومطبق ، لا بد أن نلتزم بأحد أمرين :. 1. اما بتلقيه ذلك عن طريق الوحي .
2- واما بادراکه الأحكام عن طريق الاجتهاد المعروف .
ص: 49
والالتزام بأي من الأمرين المذكورين يصادم عقيدتنا ، وذلك لأن الالتزام منا بتلقي الإمام ( عليه السلام ) الأحكام عن طريق الوحي يصادم عقيدتنا باختتام الوحي بالنبي محمد وغه .
والالتزام بإدراكه ( عليه السلام ) الأحكام عن طريق الاجتهاد يصادم عقیدتنا في علم الإمام ، وإدراكه الأحكام الواقعية جميعها وبواقعها ،. والاجتهاد قاصر. عادة - عن إدراك الكثير من الأحكام الواقعية كما هو معلوم .
وعند بطلان هذين لا بد من القول بمعاصرة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) لأبيه ( عليه السلام ) واستمرار حياته منتظر تمخض الظروف عن ساعة خروجه وثورته المباركة .
وموجزه : إن جماعة من العلماء المحدثين أمثال : الدكتور الکسیس کارل ، والدكتور جاك لوب ، والدكتور ورن لويسي وزوجته ، وغيرهم ، قاموا باجراء عدة تجارب في معهد ( روكفلر ) بنيويورك على أجزاء لأنواع مختلفة من النبات والحيوان والإنسان .
وكان من بين تلكم التجارب ما أجري على قطع من أعصاب الإنسان وعضلاته وقلبه وجلده وكليتيه .. فرؤي : أن هذه الأجزاء وتبقى حية نامية ما دام الغذاء اللازم موفورة لها ، وما دامت لم يعرض لها عارض خارجي ، وإن خلاياها تنمو وتتكاثر وفق ما يقدم لها من غذاء .
واليك نتائج تجارب الدكتور کارل التي شرع فيها بكانون الثانيسنة 1912م :
ص: 50
1- « إن هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية ما لم يعرض لها عارض يميتها إما من قلة الغذاء ، أو من دخول بعض المكروبات .
2. إنها لا تكتفي بالبقاء حية بل تنمو خلاياها ، وتتكاثر ، كما لو كانت باقية في جسم الحيوان .
3- إنه يمكن قياس نموها وتكاثرها ، ومعرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها .
4- أنه لا تأثير للزمن .. أي انها لا تشيخ ولا تضعف بمرور الزمن ، بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة ، بل تنمو وتتكاثر هذه السنة ، كما لو كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية وما قبلها من السنين .
وتدل الظواهر كلها على أنها ستبقى حية نامية ، ما دام الباحثون صابرين على مراقبتها وتقديم الغذاء الكافي لها (1).
ويقول الأستاذ ديمند وبرل من أساتذة جامعة جونس هبكنس ، تعليقا على نتائج الدكتور کارل : « إن كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الانسان ، قد ثبت إما أن خلودها بالقوة صار أمرا مثبتة بالامتحان ، أو مرجحأ ترجیحأ تامة لطول ما عاشته حتی الأن (2) .
و أكد تقرير نشرته الشركة الوطنية الجيوغرافية : أن الإنسان يستطيع أن يعيش (1600) سنة ، إذا ما خدر مثل بعض الحيوانات لينام طيلة فصل الشتاء .
ص: 51
ويقول التقرير الأنف الذكر : « إن التخدير أثناء فصل الشتاء يطيل حياة الحيوان الذي يتعرض للتخدير عشرين ضعفأ بالنسبة لحياة الحيوانات المماثلة التي تبقى ناشطة طيلة فصول السنة »(1).
ولعل من الواضح : أن أمثال هذه التجارب العلمية ، التي يحاول العلماء عن طريقها معرفة ما يمد في عمر الإنسان إلى أكثر من العمر الاعتيادي ، تنهينا إلى النتيجة التالية :
وهي : ليس هناك تحديد يقرر - في نظر العلم - حدأ طبيعية لعمر الانسان ... وما التحديدات التقريبية التي يفيدها الإنسان من مشاهداته وملاحظاته إلا تحدیدات للعمر الاعتيادي .
ولعل امتداد عمر الإنسان إلى ما فوق سني الأعمار الاعتيادية له - كالذي مررنا به في الدليل التاريخي من أمثال عمر النبي نوح ( عليه السلام ) - بدعم ما انتهي إليه من عدم وجود حد طبيعي لعمر الانسان .
وبخاصة وأن العلم - اليوم - قطع مراحل هامة في إعطائه نتائج كبرى حول المسألة .. من أهمها : أن الأخذ بالتعاليم الصحية والالتزام بها يوفر للانسان جو ملائية للمحافظة على حياته ولاستمرار عوامل بقائها .
وما قلة انتشار الأمراض السارية - الأن - وانخفاض نسبة الوفيات ، فيكثير من المجتمعات المتمدنة ، والأخذة في طريقها إلى التحضري إلا أوضح شاهد على ذلك.
ومتى أضفنا إلى هذه النتيجة نتيجة أخرى هي : أن عامل
ص: 52
الموت هور الأجل ) ، وليس الأمراض أو الطوارىء الأخرى - كما هو رأی بعض علماء الشريعة - ترتبط مسألة امتداد العمر ارتباطا وثيقا ، بتوفر الجو الصحي الملائم ، وبتأخر الأجل .
وتوفر الجو الصحي الملائم يعود الى الانسان نفسه ،.. ومن أرعى من الأمام ( عليه السلام ) لذلك ، وهو يعلم أنه معد لمهمته الإلهية الكبرى ..
وتأخر الأجل يعود الى الله تعالى ، ومتى اقتضت إرادته ذلك كما تقدم في الدليل العقائدي - توفرت شرائط البقاء والعمر الطويل .
ص: 53
ص: 54
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لیستخلفهم في الأرض کا استخلف الذين من قبلهم ، ولمن هم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليائهم من بعد خوفهم امنأ ، يعبدوني لا يشترون بي شيئا .
قرآن کریم »
ص: 55
ص: 56
لماذا الحديث؟:
قد يثير هذا العنوان ( دولة الإمام ) شيئا من التساؤل حول التطرق لموضوعه ، وبخاصة وأن دولة الامام المنتظر ( عليه السلام ) بعد لما تقع ، ولما تعش الواقع التاريخي ..
فلماذا الحديث حول الموضوع اذن؟!
بيد أن طبيعة مخطط الموضوع ( في انتظار الامام ) حسبما رسمته منهجة البحث ، تتطلب ذلك بالنظر إلى النتيجة التي سأنتهي اليها في حديثي الأتي حول ( انتظار الامام ) وهي : الإلزام بمسؤولية التمهيد الدولة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) .
ومن الواضح : أن التمهيد للدولة يتطلب - طبيعيا - التعرف عليها ولو مجملا : دولة الامام هي دولة الاسلام :
إن دولة الامام المنتظر ( عليه السلام ) هي دولة الإسلام.. تلك الدولة التي تتجسد في واقعها الموضوعي تطبيقات التشريع الإسلامي كاملة عادلة ، وفي مختلف مجالات الحياة : لدى الفرد ، وفي الأسرة ، وفي المجتمع ، وفي الدولة...
والتي تمثلت في حكم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حينا أقام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة .
وهنا .. قد يتساءل : أن الظروف - زمان ومكانة - التي عاشتها
ص: 57
دولة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحاطت بها ، ولا بستها ، ربما اختلفت وظروف دولة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) ، ألا يستدعي هذا النوع من الاختلاف ، شيئا من الاختلاف بين الدولتين؟...
وهو تساؤل ينطوي على كبير من الوجاهة ، وبخاصة وأن التشريع الإسلامي المدون لم يحتو في الكثير من أنظمته التفاصيل الوافية في بيان وسائل وأساليب التطبيقات للأحكام التشريعية في مجال الدولة .. ولم يتضمن في كثير من مواده - دستورية ونظامية - إلا الأحكام الكلية والخطوط العامة .
وإن الحياة قد قفزت في تطوراتها المدنية ، قفزات هائلة وبعيدة ، عادت معها تلكم الوسائل والأساليب للقرون السالفة غير ذات أهمية ونفع .
أقول: إنه تساؤل وجيه لما تقدم .. غير أننا متى أدركنا أن للامام وظيفة التشريع كما هي للنبي ، وليست المسألة لديه مسألة اجتهاد قد يصيب الواقع وقد يخطيء ... وإنما هي مسألة إدراك الأحكام الشرعية بواقعها(1).
ولعله إلى هذا تشير الأحاديث المتضمنة دعوة الإمام المنتظر ( عليه السلام)الناس إلى الإسلام جديدة ، وهديهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور(2).
إننا حينا ندرك ذلك لا يبقى لدينا أي مجال الأمثال هذا التساؤل ...
على أن الوسائل والأساليب خاصة، هي موضوعات ،
ص: 58
والموضوعات تختلف تبعا لتطور الحضارة والمدنية ، فتتغير أحكامها وفقا التغيرها .. وتغير الحكم تبعا لتغير الموضوع شيء طبيعي في كل تشریع ، إسلامي أو غير إسلامي .
نعم .. هناك فرق واحد بين دولة النبي ودولة حفيده الإمام المنتظر ( عليه السلام )، يرجع إلى طبيعة الظروف أيضأ ، ومساعدتها في إعداد الأجواء الكافية للتطبيق ، وهو في اتساع نفوذ الدولة السياسي ..
ففي دولة النبي ة لم يتسع نفوذها السياسي اتساعة يشمل كل العالم ، وإن كانت دولة النبي صلى الله عليه وسلم عالمية في أهم خصائصها ، إلا أن الأجواء الاجتماعية والسياسية آنذاك لم تواتها ظروفها لتحقيق عالميتها .
أما في دولة الامام المنتظر ( عليه السلام ) ، فالذي نقرؤه في الأحاديث التنبؤية عن المعصومين ( عليهم السلام): إنها سيشمل نفوذها السياسي العالم كله ، تحقيقا لوعد الله تعالى بعالمية الإسلام ، في أمثال الآية الكريمة التالية :
1- ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون .
2- وعد الله الذين آمنوا منگم وعملوا الصالحات لیستخلفنهم في الأرض ويمكن لهم دين الذي ارتضى لهم ولیبد گنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوني لا يشركون بي شيئا .
ص: 59
3- هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وگو كره المشركون .
ففي المروي عن الإمامين زین العابدين والباقر ( عليها السلام ) : ( إن الإسلام قد يظهره الله على جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام».
وفي المروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام) عن أبيه الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ولم يجيء تأويل هذه الآية ( يعني قوله تعالى : وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) ولو قد قام قائمنا سیری من پدرکه ما يكون تأويل هذه الآية ، وليبلغن دین محمد و ما بلغ الليل .
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أيضا : إذا قام القائم المهدي لا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . .وليست عالمية النفوذ السياسي هي وحدها أبرز معالم دولة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) فهناك من خصائصها ومعالمها البارزة ، غير هذا ، مما نقرؤه في النصوص التنبؤية الواردة عن المعصومين (عليهم السلام ) .
وربما كان أهمها ما يأتي :
1- عالمية العقيدة الإسلامية ( عقيدة التوحيد ) ، وعمومها لكل فرد من البشر، وتطهير الأرض من كل عقائد الشرك والكفر والضلال والنفاق .
فما بر وی في هذا المجال :
ص: 60
أ- ما عن محمد بن مسلم : قال : قلت للباقر ( عليه السلام ) :
ما تأويل قوله تعالى في الأنفال « وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله »؟.. قال : لم يجيء تأويل هذه الآية ، فاذا جاء تأويلها يقتل المشركون ، حتى يوحدوا الله - عز وجل - وحتى لا يكون شرك ، وذلك في قيام قائمنا .
ب - وما عن رفاعة بن موسى : قال : سمعت جعفر الصادق ( عليه السلام ) يقول في قوله تعالى « وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها .. قال : إذا قام القائم المهدي لا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة : ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ح- ما عن عمران بن میثم عن عباية : أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلام - يقول : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) .. أظهر بعد ذلك ؟ .. قالوا : نعم ... قال : كلا .. فوالذي نفسي بيده ، حتى لا تبقى قرية إلا وينادي فيها بشهادة : ألا إله إلا الله ، بكرة وعشية .
2- عموم العدل والأمن والرخاء .
ومن النصوص المشيرة اليه ما يلي :
أ- إذا قام القائم ( عليه السلام ) حكم بالعدل ، وارتفع في أيامه الجور ، وآمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركاتها ، ورد كل حق الى أهله ، ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ، ويعترفوا بالإيمان ..
ص: 61
أما سمعت الله - سبحانه- يقول : ( وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها واليه ترجعون )..
وحكم بين الناس بحكم داود ( عليه السلام ) وحكم محمد (صلی الله علیه وآله)
فحينئذ تظهر الأرض كنوزها ، وتبدي بركاتها ، ولا يجد الرجل منكم يومئذ موضعأ لصدقته ، ولا بره ، لشمول الغني جميع المؤمنين .
ب ۔ يقاتلون حتى يوحد الله ، ولا يشرك به شيئا ، وتخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا يؤذيها أحد، ويخرج الله من الأرض نباتها ، وينزل من السماء قطرها.
ح. إذا قام قائمنا قسم بالسوية ، وعدل في الرعية ، فمن أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله .
3- انتشار الثقافة والعلم .
وما يشير اليه من النصوص :
ما روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام) في حديث له : وتؤتون الحكمة في زمانه ، حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله » .
وما تقوله النصوص في هذا المجال : وحدة سيرة الإمام المنتظر ( عليه السلام) في دعوته ، وسيرة جده الرسول الأعظم ولا في
ص: 62
دعوته ، بسبب تشابه ظروف الدعوتين الاجتماعية ، في طريق التمهيد التأسيس الدولة ...
ومن تلكم النصوص ما يأتي :
أ. عن عبد الله بن عطاء المكي عن شيخ من الفقهاء ( يعني أبا عبد الله الصادق - عليه السلام - ):
قال : سألته عن سيرة المهدي : كيف سيرته ؟..
فقال : يصنع كما صنع رسول الله لا يهدم ما كان قبله، کا هدم رسول الله أمر الجاهلية ، ويستأنف الإسلام جديدة .
ب - عن عبد الله بن عطاء : قال : سألت أبا جعفر الباقر(عليه السلام ) فقلت : إذا قام القائم بأي سيرة يسير في الناس؟..
فقال : يهدم ما قبله كما صنع رسول الله لا ويستأنف الإسلام جديدة .
ح. وعن أبي بصير : قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليهاالسلام يقول : في صاحب هذا الأمر شبه من أربعة أنبياء : شبه من موسى ، وشبه من عيسى ، وشبه من يوسف ، وشبه من محمد
فقلت : ما شبه موسی؟...
قال : خائف ، يترقب ..
قلت : وما شبه عیسی ؟..
فقال : يقال فيه ما قيل في عیسی ..
قلت : فا شبه يوسف ؟..
قال : السجن والغيبة ..
قلت : وما شبه محمد صلى الله عليه وسلم ؟..
ص: 63
قال : إذا قام سار بسيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله - إلا أنه يبين آثار محمد.
د. وفي حديث عبد الله بن عطا مع الامام الباقر ( عليه السلام ) : قلت : ما يسير؟..
فقال : ما سار به رسول الله - صلى الله عليه وآله - هدر ما قبله واستقبل .
ص: 64
یا ایها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .
«قرآن کریم»
في انتظار الإمام
ص: 65
ص: 66
في ضوء ما تعطيه اللغة لمعنى ( الانتظار ) حين تحدده بالترقب والتوقع ... قد يتوهم : أن علينا أن نعيش في فترة الغيبة مترقبين لليوم الموعود الذي يبلؤه الامام المنتظر ( عليه السلام) بالقضاء على الكفر ، وبالقيام بتطبيق الإسلام لتعيش الحياة تحت ظلاله في دعة وأمان ، غير متوفرين على القيام بمسؤولية تحكيم الإسلام في حياتنا وفي كل مجالاتها ، وبخاصة مجالها السياسي بدافع من إيماننا بأن مسؤولية تحكيم الإسلام في كل مجالات الحياة هي وظيفة الإمام المنتظر ( عليه السلام ) ، فلسنا بمكلفين بها الآن.
وقد يتوهم بأنها من عقيدة الشيعة ، فتحول عقيدتنا بالإمام المنتظر فكرة تخدير عن القيام بالمسؤولية المذكورة بسبب هذا التوهم .
إلا أننا متى حاولنا تجلية واقع الأمر بما يرفع أمثال هذه الألوان من التوهم ، نجد أن منشأ هذه المفارقة هو محاولة عدم الفهم ، أو سوء الفهم في الواقع .
وذلك لأن ما يفاد من الانتظار في إطار واقعه کلازم من لوازم الاعتقاد بالإمام المنتظر ( عليه السلام ) يتنافي وهذه الألوان من التوهم تمام المنافاة ، لأنه يتنافي وواقع العقيدة الإسلامية التي تضم عقيدة الإمامة كجزء مهم من أجزائها .
يقول الشيخ المظفر: « ومما يجدر أن نعرفه في هذا الصدد : ليس معنیانتظار هذا المصلح المنقذ ( المهدي ) ، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيا يعود إلى الحق من دينهم ، وما يجب عليهم من
ص: 67
نصرته ، والجهاد في سبيله ، والأخذ بأحكامه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،...
بل المسلم أبدأ مكلف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية ، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة اليها حقيقة ، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف و نهی عن المنكر ، ما تمكن من ذلك وبلغت اليه قدرته ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ).
ولا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرد الانتظار للمصلح المهدی والمبشر الهادي ، فان هذا لا يسقط تکليفة ، ولا يؤجل عملا ، ولا يجعل الناس هم السوائم(1).
ويقول الصافي الكلبايكاني : « وليعلم أن معنى الانتظار ليس تخلية سبيل الكفار والأشرار ، وتسليم الأمور اليهم ، والمراهنة معهم ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والاقدامات الإصلاحية .
فانه كيف يجوز إيكال الأمور إلى الأشرار مع التمكن من دفعهم عن ذلك ، والمراهنة معهم ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغيرها من المعاصي التي دل عليها العقل والنقل وإجماع المسلمين ..
ولم يقل أحد من العلماء وغيرهم باسقاط التكاليف قبل ظهوره ( يعني الإمام المنتظر )، ولا يرى منه عين ولا أثر في الأخبار ...
نعم .. تدل الآيات والأحاديث الكثيرة على خلاف ذلك ، بل تدل على تأكد الواجبات والتكاليف والترغيب الى مزبد الاهتمام في
ص: 68
العمل بالوظائف الدينية كلها في عصر الغيبة .
فهذا توهم لا يتوهمه إلا من لم يكن له قليل من البصيرة والعلم بالأحاديث والروايات (1)
إن الذي يفاد من الروايات في هذا المجال ، هو أن المراد من الانتظار هو : وجوب التمهيد والتوطئة لظهور الإمام المنتظر ( عليه السلام ) .
أمثال :
1- ما روي عن النبي : « يخرج رجل يوطىء ( أو قال : يمكن ) لآل محمد ، کیا مگنت قریش لرسول الله ، وجب على كل مؤمن نصره ( أو قال : إجابته ) ...
2. ما روي عن النبي و أيضأ : « يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي ».
3- ما روي عنه و أيضا : « يأتي قوم من قبل المشرق ، ومعهم رايات سود ، فيسألون الخير فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوه ، فلا يقبلونه حتى يدفعوها الى رجل من أهل بيتي، فيملاها قسطأ ، کہا ملأوهاجورة ، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ؛ ولو حبوا على الثلج (2)
ص: 69
والروايتان : الأولى والثالثة ، صريحتان في ذلك حيث تفیدانه منطوقها .. أما الثانية ، فالذي يبدو لي : إننا نستطيع استفادة ذلك منها من مدح النبي ة للموطئين للامام المنتظر ( عليه السلام ) .
ويستفاد من الرواية الثالثة أيضا : إن التوطئة لظهور الإمام المنتظر ( عليه السلام ) تكون بالعمل السياسي ، عن طريق إثارة الوعي السياسي ، والقيام بالثورة المسلحة .
ولا أظن أن التوطئة لظهور إمام مصلح يؤسس مجتمعة جديدة ، ويقيم دولة جديدة ، تفيد معنى غير العمل السياسي ، اما بإثارة الوعي السياسي وحده ، حيث لا يقدر على الثورة المسلحة ، .. واما مع الثورة حين يكون مجالها .
وعلى أساس ما تقدم ننتهي إلى النتيجة التالية وهي :
ان الانتظار ليس هو التسليم ..
وإنما هو واجب آخر يضاف الى قائمة الواجبات الإسلامية .
وهنا .. قد يثار تساؤل وجيه ، هو :
في ضوء عقيدتنا بأن الامام المعصوم هو الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية ، وهو الآن غائب .
وفي ضوء ما انتهينا اليه من نتيجة وهي أن الواجبات لا تزال قائمة زمن الغيبة ، ولانزال مكلفين بها :
فمن هو الحاكم الأعلى ، نيابة عن الإمام المعصوم (عليه السلام ) ؟..
وما هو شكل حكومته ؟.
ص: 70
ضرورية الحكم الإسلامي زمن الغيبة :
وقبل أن أجيب على هذين السؤالين ، أود أن أشير الى مفارقة منهجية في بعض البحوث التي دونت حول موضوع الحكم زمن الغيبة ،.. وهي محاولة الاستدلال على وجوب قيام حكومة إسلامية زمن الغيبة ، وبخاصة عند المحدثين - كما في بحث العلامة الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي - .
في الوقت الذي يعتبر وجوب قيام حكم إسلامي زمن الغيبة من ضروریات الدين التي لا تحتاج إلى محاولة إثبات أو تجشم استدلال .
يقول الفيض الكاشاني : « فوجوب الجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى ، والافتاء ، والحكم بين الناس بالحق ، وإقامة الحدود والتعزیرات ، وسائر السياسات الدينية ، من ضروريات الدين ، وهو القطب الأعظم في الدين ، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين ، ولو تركت لعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمت الفتنة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، نعوذ بالله من ذلك »(1).
ويقول الشيخ صاحب الجوهر : « وبالجملة .. فالمسألة من الواضحات التي لا تحتاج الى أدلة »(2).
ويقول السيد البرو جردي : « اتفق الخاصة والعامة على أن يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدير أمور المسلمين ، بل هو من ضروريات الإسلام(3).
ص: 71
ولعل ما يترتب على ترك امتثال هذا الوجوب من محاذير شرعية، يكفي في لفت النظر الى ضروريته الدينية .
وربما كان أهمها ما يلي :
1- تعطيل التشريع الإسلامي في أهم جوانبه، وهو الجانب السياسي ..
وحرمته من الوضوح بمكان ؛ نظرا إلى أنه تشریع عطل ؛ والى ما ينجم عن تعطيله من ارتكاب المحارم ، وانتشار الجرائم ، وشيوع الموبقات وأمثالها ..
يقول العلامة ، في تعطيل الحدود - وهي فرع من فروع التشريع السياسي - : « إن تعطيل الحدود يفضي إلى : ارتكاب المحارم ، وانتشار المفاسد ؛ وذلك مطلوب الترك في نظر الشرع(1).
ويقول الشهيد الثاني : « فان إقامة الحدود ضرب من الحكم ، وفيه مصلحة كلية ، ولطف في ترك المحارم ، وحسم لانتشار المفاسد ،(2).
2 - الخضوع للحكم الكافر ...
وهو ما ينجم عن تعطيل التشريع السياسي الإسلامي أيضأ، وأفردته بالذكر هنا نظرا لأهميته ولوضوحه - ؛
لأنه ليس وراء عدم الخضوع للحكم الإسلامي ممن يعيش في
ص: 72
بقعة جغرافية سياسية ، إلا الخضوع للحكم الكافر ، لأنه لا ثالث للإسلام والكفر ؛ إذ الحكم حكمان : حكم الله وحكم الجاهلية .
والذي يبدو لي : أن اتخاذ القدامى من فقهائنا هذا المنهج من الاستدلال ، إنما هو لما حكي عما يستظهر من السيد ابن زهرة الحلبي ، والشيخ ابن إدريس الحلي ، من ذهابها إلى عدم وجوب إقامة الحدود زمن الغيبة .
والتحقيق في الوقوف على وجهة نظر هذين العلمين حول المسألة - حسبما حرره الفقيه صاحب الجواهر - هو خلاف ما حكي عن ظاهرهما .
يقول - قدس سره - : «لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكي عن ظاهر ابني زهرة وادريس ، ولم نتحققه ، بل لعل المتحقق خلافه ، إذ قد سمعت سابقأ معقد إجماع الثاني منهما ( يعني به ابن إدريس ) الذي يمكن اندراج الفقيه في الحكام عنهم ( يعني الأئمة المعصومين - عليهم السلام -)، فيكون حينئذ إجماعه عليه ، لا على خلافه(1)
والذي يشير اليه - هنا - بقوله « إذ قد سمعت سابقأ ، هو ما يحكيه عن كتاب ( الغنية ) للسيد ابن زهرة ، وكتاب ( السرائر ) للشيخ ابن ادریس ، في موضوع عدم جواز إقامة الحدود إلا من قبل الإمام ، أو من نصبه ،.. .
قال - قدس سره - : « وعلى كل حال : فلا خلاف أجده في الحكم - هنا۔ بل عن الغنية والسرائر : « الإجماع عليه ، بل في المحكي عن الثاني ( يعني السرائر ): دعواه من المسلمين ، قال ( يعني ابن
ص: 73
إدريس ) : والإجماع حاصل منعقد من أصحابنا ، ومن المسلمين جميعا : إنه لا يجوز إقامة الحدود ، ولا المخاطب بها إلا الأئمة ، والحكام القائمون باذنهم في ذلك(1)
توجيه : :
والذي أخاله - في ضوء ما تقدم - : إن من يتوهم ذهابه من الفقهاء إلى إنكار الوجوب ، إنما هو نتيجة سوء فهم لما يريده ، إذ ربما كان ذلك الفقيه يقصد سقوط امتثال الوجوب لا إنكار الوجوب ، وذلك لعدم القدرة على القيام بامتثاله بسبب وجود موانع سیاسية أو غيرها .
على أنه لا يحتمل ذهاب فقيه الى القول بانکار الوجوب ؛ لأنه قول بما يخالف الضرورة من الدين ، ولاستلزامه جواز الخضوع للحكم الكافر ، وهو محرم بالضرورة أيضا .
وسيقف القاريء الكريم - فيما بعد - على محاولة عرض معالجةأمثال هذه الموانع - متى تثبت - کمشكلة من مشاكل تطبيق النظام .
وأود أن أنبه إلى شيء آخر أيضأ ، وهو : إننا ربما عدنا - من ناحية منهجية - بسبب ما تعانيه اليوم من انتشار الذهنية الغربية التي تؤمن بفصل الدين عن السياسة لدى الكثير من أبناء أمتنا .
أقول : ربما عدنا ملزمين بأن نشير في مداخل بحوثنا حول الحكم الإسلامي إلى ما في هذه النظرة من مفارقة تبعدنا تماما عن واقع
ص: 74
الإسلام الذي لا يعترف بفصل الدين عن السياسة ، وإنما يعتبر السياسة جزء من الدين ، والذي يعد ذلك من ضرورياته التي لا تحتاج - بطبيعتها - الى أكثر من الالتفات والتنبه اليها .
ولعل ما نلمسه من واقع ذلك باستقراء التشريع الإسلامي ، وبقراءة تاريخ الحكومات الإسلامية كاف في لفت النظر اليه ، وفي التنبه عليه .
على أن فقهاءنا - وبخاصة المعاصرين منهم - أكدوا كثيرا على جانبي :اشتمال الإسلام على النظم الكاملة التي منها النظام السياسي ، ولزوم القيام بتطبيقها كاملة .
ولعله لما يرونه من شيوع هذه الذهنية الغربية لدى أبناء المسلمين ..
يقول السيد الحكيم جوابأ للسؤال التالي الذي وجه لجملة من مراجع التقليد بتاريخ (29/ 3/ 1379 ه ) حينما حاول أعداء الإسلام إثارة الغبار حول توفر الإسلام على نظام كامل للحياة ، مستغلين فرصة عدم تطبيقه ، وعدم فهم الأمة له نتيجة فصله عن الدولة ، وإبعاده عن مناهج التربية والتعليم ..
والسؤال هو :
هل في الإسلام نظام متكامل شامل ، يتناول جميع مظاهر الحياة بالتنظيم ، وجميع مشاكل الإنسان بالحل الصحيح الناجع ، ويعني بشؤون الفرد والمجتمع عناية تامة في مختلف وشتى مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع وغيرها ؟ » « وهل الدعوة إلى تطبيق هذا النظام الإسلامي واجبة على المسلمين ؟.. »(1)يقول - دام ظله العالي
ص: 75
: «نعم.. في الإسلام النظام الكامل على النهج المذكور في السؤال ، ويتضح ذلك بالسبر والنظر في الأوضاع التي كان عليها المسلمون في العصور الأولى ».
« وتجب الدعوة إلى هذا التطبيق(1)
ويقول السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي جوابا للسؤال المتقدم : « لا ريب في أن دين الإسلام هر النظام الأتم الأكمل ، لما فيه الحل الصحيح لجميع مشاكل الانسان في جميع الأعمار والأدوار ».
ويجب الدعوة إلى تطبيقه »(2)
ويقول السيد ميرزا مهدي الشيرازي جوابأ للسؤال المتقدم أيضا : «نعم .. الإسلام نظام متكامل شامل لجميع مظاهر الحياة ، ويحل جميع مشاكل الإنسان ، بأفضل حل ، لم يسبقه في ذلك سابق ، ولا يلحقه فيه لاحق ، صالح للتطبيق في جميع الأزمنة والأمكنة ، قال الله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت علیکم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) .
« والدعوة إلى تطبيق الإسلام واجبة على جميع المسلمين ، قال الله تعالى : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
ويقول السيد البروجردي : «لا يبقى شك لمن تتبع قوانين الإسلام وضوابطه ، في أنه دین سیاسی اجتماعي ، وليست أحكامه مقصورة على العباديات المحضة المشروعة لتكميل الأفراد ، وتأمين
ص: 76
السعادة في الآخرة ، بل يكون أكثر أحكامه مربوطة بسياسة المدن ، وتنظيم الاجتماع ، وتأمين سعادة هذه النشأة ، أو جامعة الحسينين ، ومرتبطة بالنشأتين ، وذلك كأحكام المعاملات والسياسات من الحدود والقصاص والديات والأحكام القضائية المشروعة لفصل الخصومات ، والأحكام الكثيرة الواردة لتأمين الماليات التي يتوقف عليها حفظ دولة الإسلام کالأخماس والزكوات ونحوها .. ولأجل ذلك اتفق الخاصة والعامة على أنه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدبر أمور المسلمين ، بل هو من ضروريات الإسلام(1)
ويقول - قدس سره - أيضا : ولا يخفى أن سياسة المدن وتأمين الجهات الاجتماعية في دين الإسلام لم تكن منحازة عن الجهات الروحانية ، والشؤون المربوطة بتبليغ الأحكام و إرشاد المسلمين ، بل كانت السياسة فيه من الصدر الأول مختلطة بالديانة ومن شؤونها ،...
فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله ) بنفسه يدبر أمور المسلمين ، ويسوسهم ، ويرجع اليه في فصل الخصومات ، وينصب الحكام للولايات ، ويطلب منهم الأخماس والزكوات ونحوهما من الماليات .
وهكذا كانت سيرة الخلفاء من بعده من الراشدين وغيرهم ، حتى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فانه بعدما تصدى للخلافة الظاهرية ، كان يقوم بأمر المسلمين ، وينصب الحكام والقضاة اللولايات .
وكانوا في باديء الأمر يعملون بوظائف السياسة في مراكز الإرشاد والهداية كالمساجد ، فكان إمام المسجد بنفسه أميرة لهم ،...
ص: 77
وبعد ذلك كانوا يبنون المسجد الجامع قرب دار الإمارة ، وكان الخلفاء والأمراء بأنفسهم يقيمون الجمعات والأعياد ، بل ويدبرون أمر الحج أيضا ، حيث أن العبادات الثلاث مع كونها عبادات قد احتوت على فوائد سياسية ، لا يوجد نظيرها في غيرها كما لا يخفى على من تدبر .
وهذا النحو من الخلط بين الجهات الروحية والفوائد السياسية من خصائص دین الاسلام و امتیازاته »(1).
ص: 78
إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به.
« الإمام أمير المؤمنين »
ص: 79
ص: 80
وهنا .. وبعد أن انتهيت من الحديث حول المفارقة المنهجية التي أشرت اليها ، يأتي دور الاجابة على أول السؤالين المتقدمين ، التعرف على الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية ، الذي يقوم بوظيفة النيابة عن الإمام المنتظر ( عليه السلام ) ، في فترة الغيبة :
منى حاولت أن أبحث المسألة بحثا موضوعية لأعطي الجواب صورة تامة المعالم والملامح ، أراني ملزمة من ناحية منهجية بعرض جميع الأقوال في المسألة ، فالاشارة الى دليل كل منها ، محاولا المقارنة بينها ..
ربما كانت الأقوال في النيابة عن الإمام ، أو في الحاكم الأعلى عصر الغيبة ، ترجع إلى ما يلي :
1- من يعينه المسلمون .
2 - الفقيه العادل .
3- الأعلم .
في انتظار الإمام
ص: 81
1- الحاكم الأعلى هو من يعينه المسلمون
1- إن الدليل المذكور - على تقدير تماميته - لا يؤخذ بما أنهي اليه إلا عند عدم ثبوت نيابة الفقيه العادل عن الإمام ( عليه السلام )- وهو القول الثاني - أو ثبوت حكومة الأعلم - وهو القول الثالث ..
أما عند ثبوت نيابة الفقيه العادل عن الإمام ( عليه السلام ) ، أو حكومة الأعلم ، حيث يسد مجال التكليف بقيامه بمسؤولية الحكم ، فيؤخذ بما أنهي اليه الدليل المذكور عند عدم وجود الفقيه العادل أو الأعلم فقط ، كما هو الأمر في النبي ة ، والإمام ( عليه السلام ) .. فيلتقي هنا . في الواقع - مع ما يفيده دليل ( الحسبة) حيث يلزم بقيام عدول المؤمنين بتطبيق النظام .. .
ص: 82
وعلى أقل تقدير فيما يفيده : هو قيامهم بتطبيقه في المجالات التي يتوقف عليها تقویم وحفظ كيان المجتمع الإسلامي ، والذي يقطع بغضب الله تعالى وسخطه عند تعطيله فيها .
2- إن الدليل المذكور . على تقدير تماميته - يرد عليه : إن الطريقة التي يتبعها المسلمون في تعيين الحاكم الأعلى لم تبين بلسان الشرع.
وفي مثله . عادة - يرجع إلى العقل وما يحكم به .
والذي يبدو : إن طريقة تعيين الحاكم الأعلى من قبل المسلمين هنا منحصرة في الانتخاب.
وهو ( أعني الانتخاب ) على نحو الاتفاق الكامل من جميع المسلمين متعذر .
والعقل - هنا - لا يستطيع أن يرجح أي لون من ألوانالانتخاب المحتملة ، أمثال :
- احتمال الأخذ برأي الأكثرية.
- احتال الأخذ برأي الأقلية..
- احتمال إشراك النساء ..
- احتمال عدم إشراكهن ..
وما شاكل.
وذلك لتكافؤ الاحتمالات ، وعدم وجود قدر متيقن في البين، غير الاتفاق الكامل ، وهو متعذر هنا - كما أشرت إليه-.
ص: 83
2- الحاكم الأعلى هو الفقيه العادل
وحصيلة الاستدلال على هذا القول بما يلي :
إن الآيات القرآنية الكريمة التي تضمنت الأوامر الإلهية بتطبيق
النظام الإسلامي ، تعمم الخطاب إلى المسلمين كافة ، أمثال :
1- أقيموا الصلاة .. ( النساء 79)
2 - وأنفقوا في سبيل الله .. ( البقرة 195 )
3 - كتب عليكم الصيام .. ( البقرة 183)
4 - ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. ( آل عمران 104).
5- وجاهدوا في سبيله .. ( المائدة 30 )
6- وجاهدوا في الله حق جهاده ..( الحج 78)
7- الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما .. ( النور 2)
8- السارق والسارقة فاقطعوا أيديها .. ( المائدة 38)
9- ولكم في القصاص حياة .. ( البقرة 179)
10- وأقيموا الشهادة لله .. ( الطلاق 2)
11. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. . ( آل عمران 103)
12- أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .. ( الشورى 13 )
13- وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل
ص: 84
انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ، وسيجزي الله الشاكرين .. ( آل عمران 144 ).
يضاف اليه :
ان المستفاد من جميع الأيات المذكورة أعلاه : « إن الدين صبغة اجتماعية ، حمله الله على الناس ، ولا يرضى لعباده الكفر ، ولم يرد إقامته إلا منهم بأجمعهم »(1).
وفي زمان النبي و حيث أنيطت المسؤولية الأولى لتطبيق النظام به ، وامتثل هذا التكليف من قبله ، وتحققت الغاية من تشریعه ، سد مجال التكليف(2).
وكذلك في زمان حضور الإمام المعصوم ، وبخاصة عند توليه السلطة .
وفي زماننا ( زمن الغيبة ) حيث لم يسد مجال التكليف من قبل الإمام المعصوم المنصوص عليه ، وهو الإمام المنتظر ( عليه السلام ) ، وذلك لغيبته ، يبقى الامتثال مفروضأ على عامة المكلفين .
يقول السيد الطباطبائي : « أمر الحكومة الإسلامية بعد النبي ة ، وبعد غيبة الامام - كما في زماننا الحاضر الى المسلمين من غير إشكال ..
والذي يمكن أن يستفاد من الكتاب في ذلك : إن عليهم تعيين الحاكم في المجتمع على سيرة رسول الله ، وهي سنة الإمامة ،
ص: 85
دون الملوكية والامبراطورية ، والسير فيهم بحفاظة الأحكام من غير تغيير ، والتولي بالشورى في غير الأحكام من حوادث الوقت والمحل - كما تقدم -.
والدليل على ذلك كله : جميع ما تقدم من الأيات في ولاية النبي (صلی الله علیه وآله)(1) .. مضافة إلى قوله تعالى : « ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .. الأحزاب 21»(2)
منهج الفقهاء - رضوان الله عليهم - البحث حول موضوع الحكم الإسلامي في عصر الغيبة الى جانبين هما :.
أ - البحث حول أصل مسألة الحكم الإسلامي زمن الغيبة .
ب - والبحث حول نيابة الفقيه العادل عن الإمام المنتظر ( عليه السلام ) صاحب الحق الشرعي في رئاسة الدولة .
وربما كان ذلك تمشيأ على ضوء طريقتهم المنهجية المتبعة في البحث الفقهي الاستدلالي وهي : الاستدلال - أولا - على أصل المسألة ، فالبحث - ثانية - عن تفريعاتها.
وربما كانت في مقابل من يتوهم منه الانكار لأصل المسألة كما ألمحت اليه ..
وأيا كانت دواعيهم - رضوان الله عليهم -، فالذي أراه مناسبا هو استعراض المسالة على ضوء منهجهم .. وإن كانت المنهجة الأصيلة تأبى ذلك ، وتعتبره مفارقة منهجية ، بعد ثبوت المسألة بالضرورة من الدين - كما أشرت اليه في مدخل البحث-.
غير أني سأحاول إدخالها في قائمة الأدلة على الجانب الثاني من البحث ، وهو نیابة الفقيه العادل ، لصلاحيتها للاستدلال بها على ذلك ، ولأجل المحافظة على أصالة المنهج..
ص: 86
أدلته :
وهي كما يلي :
ا- (الدليل الاجتماعي التاريخي) :
وهو الدليل الذي استدل به على لزوم قيام حكومة إسلامية في مجتمع المسلمين زمن الحضور..
وخلاصته :
إن الحكومة ظاهرة اجتماعية ، فرضتها حاجة المجتمع إلى الأمن وحفظ الحقوق وإشاعة العدالة.
وإن المجتمع الإسلامي ليس بدعة من المجتمعات البشرية في طبيعة ما يستلزمه تنظيم علاقاته من تشريع نظام اجتماعي بغية تحقيق الأمن وحفظ الحقوق وإشاعة العدالة بين أفراده ، وقيام حكومة تقوم على تنفيذ ذلك النظام لتحقيق الغاية من تشريعه .
ولو كان مجتمع المسلمين يختلف عنها في طبيعة حاجته إلى ذلك ، لكان النبي ة أو الإمام ( عليه السلام ) أولى وألزم ببيان ذلك والتنبيه عليه .
وحيث لم ينبها على ذلك ، فهو إذن - أعني مجتمع المسلمين - كبقية المجتمعات البشرية في لزوم قيام حكومة فيه .
بهذا الدليل نفسه يستدل على وجوب إقامة دولة إسلامية زمن الغيبة ، على اعتبار أن مجتمع المسلمين زمن الغيبة هو الأخر لا يختلف عن المجتمعات البشرية في طبيعة حاجته الى النظام ، والى الحكومة ، لتقوم على تنفيذه لتحقيق الغاية من تشريعه .
ص: 87
يقول السيد البروجردي : « إن في الاجتماع أمور لا تكون من وظائف الأفراد ولا ترتبط بهم ، بل تكون من الأمور العامة الاجتماعية التي يتوقف عليها حفظ نظام الاجتماع ، مثل : القضاء ، و ولاية الغيب والقصر، وبيان مصرف اللقطة والمجهول المالك ، وحفظ الانتظامات الداخلية ، وسد الثغور، والأمر بالجهاد والدفاع عند هجوم الأعداء ، ونحو ذلك مما يرتبط بسياسة المدن .
فليست هذه الأمور مما يتصدى لها كل أحد، بل تكون من وظائف قيم الاجتماع ، ومن بيده أزمة الأمور الاجتماعية ، وعليه أعباء الرياسة والخلافة »(1)
ويضاف إليه :
إن العقل يحكم - بعد تسليم هذه المقدمة المذكورة لثبوتها بما برهن عليه في محله - بدوران الأمر - بسبب لزوم حاجة المجتمع المسلم إلى الحكومة - بين: قيام حكومة إسلامية أو قيام حكومة كافرة لأنه لا ثالث للكفروالإسلام .
فيتفرع عليه : وجوب قيام حكومة إسلامية لحرمة الخضوع للحكم الكافر - کما سيأتي ..
كذلك يحكم العقل - هنا - بدوران الأمر - بعد ثبوت وجوب قیام حكومة إسلامية - بين اعتبار الحاكم هو من تختاره الأمة مطلقة ، وبين الفقيه العادل .
ولما كان اعتبار الفقيه العادل حاکم ثابت . کما سيأتي - واعتبار من تختاره الأمة حاكما موضع شك .. يتعين اعتبار الفقيه العادلكما .
ص: 88
2 - ( الدليل العقائدي ):
ويتلخص :
بأن العقيدة الإسلامية تملي على المسلم وجوب القيام بتطبيق الإسلام في حياته . .
والإسلام - كما هو واقعه - وكا يستفاد من استقراء أحكامه وتشريعاته - نظام کامل محتو على جميع التشريعات التي تتطلبها الحياة في مختلف مجالاتها : فردية وجماعية .. اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها.
ومن البديهي أن نسأ من هذه التشريعات أمثال : التشريعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، لا يتم تطبيقها إلا عن طريق السلطة الحاكمة. وعليه .. فلا بد من قيام دولة إسلامية عصر الغيبة.
ومن هنا عادت الحكومة الإسلامية من ضروريات الدين أيضا..
وهنا .. نقول أيضا : إن المسألة تدور بين أن يعود أمر الحكومة الإسلامية : إلى الأمة والى اختيارها..
أو الى الفقيه العادل نيابة عن الإمام المنتظر ( عليه السلام)صاحب الحق الشرعي في رئاسة الدولة.
وحيث قد ثبت الثاني - كما سيأتي - يكون هو المتعين.
3- ( الدليل العقلي ):
وموجزه :
ص: 89
إن العقل الحاكم بلزوم نصب الإمام حاكمة للدولة الإسلامية والرئاسة العامة بعد النبي ; لأجل حفظ الإسلام بصفته مبدأ ، ورعاية شؤون المسلمين بصفتهم أمة ..
إنه نفسه يحكم بلزوم نصب من يقوم مقامه حال غيبة للغاية نفسها .. وليس هو إلا الفقيه العادل لثبوت نیابته عن الإمام کها سيأتي..
يقول صاحب الجواهر في الاستدلال على وجوب إقامة الحدود من قبل الفقهاء : « إن المقتضي لإقامة الحد قائم في صورتي حضور الإمام وغيبته ، وليست الحكمة عائدة إلى مقيمه ( يعني به الإمام - عليه السلام - ) قطعأ ، فتكون عائدة إلى مستحقه ، والى نوع المكلفين (يعني الأمة)..
وعلى التقديرين لا بد من إقامته مطلقا...
وثبوت النيابة لهم ( يعني الفقهاء ) في كثير من المواضع على وجه يظهر منه عدم الفرق بين مناصب الإمام أجمع..
بل يمكن دعوى المفر وغية منه بين الأصحاب ؛ فان كتبهم مملوة بالرجوع إلى الحاكم ، المراد به نائب الغيبة في سائر المواضع ...
قال الكركي - في المحكي من رسالته التي ألفها في صلاة الجمعة - :
اتفق أصحابنا على أن الفقيه العادل الأمين الجامع الشرائط الفتوى - المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية - نائب من قبل أئمة الهدى في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل(1)
ص: 90
على أننا - فيما يبدو لي - إذا لم نلتزم بثبوت حكم العقل بلزوم نصب حاكم عام للدولة الإسلامية زمن الغيبة ، يكون الدليل المشار اليه قاصرة عن إثبات الإمامة ..
ويترتب عليه ما يلي :
1- انحصار دليل الإمامة بالنص ( النقل ) .
2 - صحة الرأي الأول - على تقدير تمامية دليله - القائل برجوع أمر الحكومة في غير موارد النص - كما في زمن الغيبة الى المسلمين .
3- أو نقول : إن الغاية من نصيب الإمام بعد النبيو عقلا ، هي : قيام الإمام بمهمة إتمام عملية التغيير الاجتماعي الشامل الذي استهدفه الإسلام بصفته حركة اجتماعية ثورية ؛ وذلك لانهاء فترة الانتقال حيث تتم فيها عملية التغيير الاجتماعي الشامل إن تم دليل هذا الرأي . .
وفي ضوئه :
يعود أمر تشریع قضية الحكومة إلى الإمام الذي ستنتهي على يديه فترة الانتقال بانهاء عملية التغيير الاجتماعي الشامل .
إلا أنه حيث لم توات الظروف التاريخية الأئمة ( عليهم السلام ) للقيام بمهمة إنهاء فترة الانتقال يعود الأمر إلى التماس الحكم من النصوص إن كانت ،.. وإلا فمن العقل .(1)
ولما كان الدليل العقلي المشار إليه ثابتة . كما هو مبرهن عليه في محله - فلا بد من الأخذ بما ينهي إليه ، وهو : حكم العقل بلزوم نصب
ص: 91
حاكم عام للمسلمين زمن الغيبة ؛ وليس هو إلا الفقيه العادل .
وذلك لدوران الأمر بين عدم النصب أونصب الفقيه العادل .
حيث ثبت بطلان الأول ( وهو عدم النصب ) بالدليل العقلي المشار اليه، يتعين الثاني ( وهو نصب الفقيه العادل ).
4 - ( الدليل النقلي ):
استدل بنصوص من الكتاب والسنة .. أهمها ما يلي:
أ- ( من الكتاب ):
استدل بأن الخطابات القرآنية الواردة في أمثال قوله تعالى : ( فاجلدوا ) - في آية حد الزنی -(1) ، وقوله تعالى : ( فاقطعوا ) - في آية حد السرقة(2)، مطلقة تشمل زماني الحضور والغيبة .(3)
ولم يرد ما يدل على تقييدها بزمن الحضور ..
فاذن على عامة المسلمين امتثالها ..
إلا أنه مع صدور الإذن من الأئمة (عليهم السلام ) للفقهاء بتطبيق كثير من جوانب النظام الاجتماعي العام - التي هي من وظائف وصلاحيات الحاكم العام(4). الذي يفاد منه الإذن بالجميع ؛ وذلك للقطع الذي يستفاد من سيرة الأئمة ( عليهم السلام ) ، وحرصهم
ص: 92
الشديد على القيام بأداء مسؤوليتهم من تبليغ الأحكام وتطبيقها .. يكون علىالفقهاء القيام بامتثالها .
فيتعين - على ضوئه - نصب الفقيه العادل حاكمة عامة للمسلمين من قبل الأئمة ( عليهم السلام ) .
يقول الفيض الكاشاني : « وكذا إقامة الحدود والتعزیرات وسائر السياسات الدينية ، فان للفقهاء المؤمنين إقامتها في الغيبة بحق النيابة عنه - عليه السلام ....
لأنهم مأذونون من قبلهم - عليهم السلام - في أمثالها كالقضا والإفتاء وغيرهما ..
ولاطلاق أدلة وجوبها ..
وعدم دليل على توقفه على حضوره عليه السلام(1)
ويقول السيد البروجردي : « إنه لما كان هذه الأمور والحوائج الاجتماعية مما يبتلى بها الجميع مدة عمرهم غالبأ ، ولم يكن الشيعة في عصر الأئمة متمكنين من الرجوع اليهم - عليهم السلام - في جميع الحالات ، كما يشهد بذلك مضافأ الى تفرقهم في البلدان - عدم كون الأئمة مبسوطي اليد ، بحيث يرجع إليهم في كل وقت ، لأي حجة اتفقت ، فلا محالة يحصل لنا القطع بأن أمثال : زرارة ، ومحمد بن مسلم ، وغيرهما من خواص الأئمة ، سألوهم عمن يرجع اليه في مثل تلك الأمور العامة البلوى ، التي لا يرضى الشارع بإهاها ، بل نصبوا لها من يرجع اليه شيعتهم إذا لم يتمكنوا منهم (عليهم السلام ) ، ولا سبا مع علمهم (عليهم السلام ) بعدم تمكن أغلب الشيعة من الرجوع اليهم ، بل عدم تمكن الجميع في عصر غيبتهم التي كانوا يخبرون عنها
ص: 93
غالبأ ، ويهيئون شیعتهم لها..
وهل لأحد أن يحتمل أنهم (عليهم السلام ) نهوا شيعتهم عن الرجوع الى الطواغيت وقضاة الجور ، ومع ذلك أهملوا لهم هذه الأمور ، ولم يعينوا من يرجع اليه الشيعة في فصل الخصومات ، والتصرف في أموال الغيب والقصر، والدفاع عن حوزة الإسلام ، ونحو ذلك من الأمور المهمة ، التي لا يرضى الشارع باهيا لها ؟..
وكيف كان .. فنحن نقطع بأن صحابة الأئمة ( عليهم السلام )
سألوهم عمن يرجع اليه الشيعة في تلك الأمور مع عدم التمكن ( عليهم السلام)، وإن الأئمة (عليهم السلام ) أيضا أجابوهم بذلك ، ونصبوا للشيعة مع عدم التمكن منهم ( عليهم السلام ) أشخاصة يتمكنون منهم إذا احتاجوا..
غاية الأمر سقوط تلك الأسئلة والأجوبة من الجوامع التي بأيدينا ، ولم يصل الينا إلا ما رواه عمر بن حنظلة وأبو خديجة .
و إذا ثبت بهذا البيان النصب من قبلهم (عليهم السلام)، وانهم لم يهملوا هذه الأمور المهمة ، التي لا يرضى الشارع باهمالها - ولا سيا مع إحاطتهم بحوائج شيعتهم في عصر الغيبة - فلا محالة يتعين الفقيه لذلك إذا لم يقل أحد بنصب غيره .
فالأمر يدور :
بين عدم النصب ..
وبين نصب الفقيه العادل .
وإذا ثبت بطلان الأول - ما ذكرنا - صار نصب الفقيه مقطوعا به
ويصير مقبولة ابن حنظلة من شواهد ذلك ..
ص: 94
وإن شئت ترتيب ذلك على النظم القياسي ، فصورته هكذا : إما أنه لم ينصب الأئمة (عليهم السلام) أحدة لهذه الأمور العامة البلوي ..
وإما أن نصبوا الفقيه لها ..
لكن الأول باطل ، فثبت الثاني ..
فهذا قياس استثنائي مؤلف من قضية منفصلة حقيقية ، وحملية دلت على رفع المقدم ، فينتج وضع التالي .. وهو المطلوب »(1)
ويناقش بما خلاصته :
بأن الإذن من الأئمة (عليهم السلام) للفقهاء ببعض التصرفات العامة لا يستلزم الإذن بالجمعي ،. لما سيأتي في مناقشة هذا الرأي بصورة عامة ، من أن العقل - هنا - يستبعد نصب كل فقيه عادل الرئاسة الدولة لما يترتب عليه من محاذير.
ب - ( من السنة ):
استدل بروايات عدة ، وعلى طوائف مختلفة ..
وربما كان أهمها ما يلي :
1- مقبولة عمر بن حنظلة ، وهي : « قال : سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو میراث ، فتحاكيا إلى السلطان أو الى القضاة ، أيحل ذلك ؟ ..
فقال : من تحاكم الى الطاغوت فحكم له ، فانما يأخذ سحتأ ، وإن كان حقه ثابتأ ؛ لأنه أخذ بحكم الطاغوت ، وقد أمر الله - عز
ص: 95
وجل - أن يكفر به ...
قلت : كيف يصنعان؟ ...
قال : انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فارضوا به حك ، فاني قد جعلته عليكم حاكأ ، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ، فانما بحكم الله استخف ، وعلينا رد ، والراد علينا راد على الله ، وهو على حد الشرك بالله»(1)
إن قوله ( عليه السلام ) : « فإني قد جعلته عليكم حاكم » ظاهر في إعطاء الولاية العامة للفقيه العادل ، وذلك أن قوله ( عليه السلام ) : « جعلته » يفيد نصب الفقيه العادل من قبل الإمام (عليه السلام)...
وإن قوله ( عليه السلام): « حاكأ ، ظاهر في إفادة الولاية العامة لمختلف المجالات والشؤون الاجتماعية العامة ، حيث أن الحاكم . فيا يفهم من مدلول الكلمة - : « هو الذي يرجع اليه في جميع الأمور العامة الاجتماعية التي لا تكون من وظائف الأفراد ، ولا يرضى الشارع - أيضأ - باهمالها ، ولو في عصر الغيبة ، وعدم التمكن من الأئمة عليهم السلام(2).
ص: 96
( أولا ) : إن الرواية واردة في القضاء ، كما هو ظاهر السؤال حيث أنه يدور حول المنازعة في دين أو ميراث ، فتعميم مدلولها إلى القضاء وسائر شؤون الحكم يفتقر الى دليل ؛ وبخاصة وأن الرواية في ملابساتها التاريخية واردة في نوع من القضايا التي تقع زمن الحضور من الأمور التي يستطيع الشيعة أن يستقلوا بها عن الرجوع إلى القضاة الرسميين والحكام آنذاك.
وفي ضوئه : فالتفكير من قبل الشيعة بأن يستقلوا بحكومة خاصة يرأسها الفقيه العادل بعيد جدا .
ولعوامل أخر منها :
وجود الإمام ...
ولما يبدو من الملابسات التاريخية للسؤال ، حيث أنهم ( أعني الشيعة ) أمام أمر واقع من نفوذ سلطان الحكومات القائمة آنذاك ، الشيء الذي يدعوهم إلى محاولة التخلص والخروج من عهدة التكليف ولو بهذه الصورة التجزيئية من التطبيق.
بأن التشريع الإسلامي لا يفصل بين السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) فقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ، ورأينا خلفاءه أمثال : الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام) يجمعون بين السلطات الثلاث ، كما يثبت التاريخ ذلك ، وكما هو ظاهرا من بعض الأخبار أنه كان شغل القضاء ملازم عرفة لتصدي سائر الأمور العامة البلوى ، كما في خبر اسماعيل بن سعد عن الرضا عليه السلام
في انتظار الإمام (7)
ص: 97
-: وعن الرجل يموت بغير وصية وله ورثة صغار وكبار ،.. أيحل شراء خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك ؟..»(1)
فحمل الرواية على إرادة القضاء ، وحده يتطلب إثبات استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ، وذلك بعيد جدا..
إلا أنه رد :
بأن التشريع الإسلامي لا يفصل بين السلطات في منصب الخلافة ، على اعتبار أن الجمع بين السلطات من حق الخليفة بصفته خليفة ..
أما القاضي أو الفقيه العادل الذي نحاول إثبات نیابته العامة بأمثال هذه الرواية لا نستطيع الذهاب إلى أن التشريع الإسلامي لا يفصل بين السلطات في منصبه على اعتبار أنها من حقوقه بصفته قاضية أو فقيها ؛ لأنه لا دليل علىذلك .
بل لعل ما يفيده التاريخ الإسلامي هو استقلال القاضي بوظيفة القضاء وحده ، أو بها وببعض الأمور التنفيذية التي ترتبط إلى حد كبير بالقضاء - وهي التي أشير اليها في خبر اسماعيل المتقدم - كما هو ظاهر سيرة القضاة المنصوبين من قبل الخلفاء .
و( ثانية ) : بأن الظاهر من الحاكم هو « من له وظيفة الحكم بين الناس ، فيختص بفصل الخصومة ، أو مطلقة فيشمل الفتوى ، كما يناسبه العدول عن التعبير بالحكم الى التعبير بالحاكم ، حيث قال عليه السلام : فليرضوا به حکم ، فاني قد جعلته عليكم حاكما(1).(2)
ص: 98
وبخاصة وأن كلمة ( حاكم ) لم يثبت استعمالها بمدلولها الواسع زمن صدور الرواية . .
2- مقبولة أو مشهورة أبي خديجة .. وهي : «قال : قال لي أبو عبد الله - عليه السلام - اياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا ، فاجعلوه بينكم ، فاني قد جعلته قاضية فتحاكموا اليه »(1)
واستدل بها على نصب الفقيه العادل حاکيأ عاما من قبل الإمام ( عليه السلام ) بما تضمنته من تحذير الامام ( عليه السلام ) ونهيه أن يتحاكم الى أهل الجور ، ومن أمره ( عليه السلام ) بالرجوع إلى الفقيه ، وبتصريحه بجعله قاضيا ليتحاكم اليه ، ولا فصل بين القضاء وبقية شؤون الحكم الأخرى في التشريع الإسلامي - كما تقدم- .
وفي ضوئه : فنصبه ( عليه السلام ) الفقيه قاضية لا يعني إرادةالقضاء وحده، بعد علمنا بعدم الفصل بين سلطتي القضاء والتنفيذ .
بأن الجمع بين السلطات من حقوق الخليفة ، وليس من حقوق القاضي - كما مر في مناقشة الرواية قبلها - ، فجعل الفقيه قاضيا « إنما يقتضي أن يكون له وظيفة القضاة من فصل الخصومة فقط ، أو ما يعمه وبعض الأمور الأخر، مثل الولاية على أخذ الحق من المماطل ، وحبسه ، وبيع ماله ، والتصرف في مال القصير ، ونصب القيم عليه،
ص: 99
ونحو ذلك مما ثبت كونه من وظائف القضاة في عصر صدور الرواية المذكورة(1)
3- التوقيع الشريف الصادر من الامام المنتظر ( عليه السلام ) الى الشيخ المفيد .. وهو : ( واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله تعالى(2)
إن الرواية ظاهرة في إرادة كون الفقيه حجة فيما فيه الإمام ( عليه السلام ) حجة الله على المسلمين ، ومنها - كما هو بديهي - تولي شؤون الحكم العامة.(3)
هذا على المشهور من متن الرواية المتضمن عبارة ( حجتي ) ...
أما على ما في بعض الكتب حيث تضمنت الرواية عبارة ( خليفتي ) بدل ( حجتي )، (4) تكون « أشد ظهورة، ضرورة معلومية كون المراد من الخليفة عموم الولاية عرفة ، نحو قوله تعالى : ( يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق )..(5).
ص: 100
ونوقش :
بأن « إجمال الحوادث المسؤول عنها مانع من التمسك به ، إذ من المحتمل أن يكون المراد منها الحوادث المجهولة الحكم(1)
والذي يؤخذ على هذا القول بصورة عامة :
هو أن الاطلاقات القرآنية التي استدل بها - هنا - لا تدل على أكثر من وجوب تطبيق النظام من قبل عامة المسلمين .
وان النصوص التي استدل بها على نصب الفقيه العادل لتكون مقيدة لاطلاقات القرآن غير وافية بذلك .
يضاف اليه :
إن نصوص السنة - على تقدير تمامية دلالتها على نصب الفقيه العادل - تدل على نصب مطلق الفقيه العادل ،... فتكون رئاسة الدولة - على ضوئه - من حق كل فقيه ..
وهو أمر أقل ما ينجم عنه الفوضى في إشغال المنصب والقيام بالتطبيق کا سالح اليه ..
وكذلك الأدلة الأخرى ( العقلي والعقائدي والاجتماعي التاريخي ) لا تدل على أكثر من لزوم وجود حكومة إسلامية زمن الغيبة ، لما فيها من إطلاق يشمل زماني الحضور والغيبة ،..
وذلك لأن اعتبار الفقيه العادل حاكما موقوف على تنامية دلالة ما استدل به من نصوص السنة على ذلك ، لتكون مفيدة لذلك
ص: 101
الإطلاق ، وهي غير ناهضة : لقصور ظهورها في إعطاء الولاية العامة للفقيه العادل ..
ولما يرد عليها من محذور - إن تمت دلالتها - كما أشرت اليه ..
فاذن ... لا بد من التماس مقيد لتلكم الاطلاقات ينهض بتعيين الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية،.. وهو ما سنقف عليه في القول الأتي .
ص: 102
3- الحاكم الأعلى هو الأعلم
يعني بالأعلم - هنا - الأعلم المطلق ، وهو ( الأفقه ) .
ويشترط فيه : توفره على العدالة .. لأنها شرط أساسي في أمثال منصب الرئاسة العامة .
وخلاصة ما استدل به لهذا القول :
إن إطلاق الأدلة الأربعة المتقدمة في القول الثاني ( الاجتماعي التاريخي ، والعقائدي ، والعقلي ، والاطلاقات القرآنية ) - التي مر ثبوت تمامية دلالتها على إلزام المسلمين بإيجاد حكومة إسلامية زمن الغيبة -
إن إطلاقها يقيد بالنص الوارد عن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والذي يفيد تعيين ( الأعلم ) المطلق حاك عاما ، وهو :
إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به »(1)
ونوقش :
بأن الأولوية في النص مجملة فلا يستطاع الأخذ بها .
وردت :
بأن الأولوية . هنا ظاهرة في قيام الأعلم مقام الأنبياء في منصب رئاسة الأمة ، لمناسبة الحكم للموضوع.
ص: 103
على أنه إذا لم يتوقف على نص خاص يوضح للمسلمين كيفية امتثال هذا التكليف ، يرجع في أمثاله . عادة - الى حكم العقل ..
والصور التي يراها العقل محتملة - هنا - هي ما يلي :
1- أن يراد الامتثال من الجميع .
2- أن يراد الامتثال من كل فرد من أفراد المسلمين .
وبعبارة أوضح : أن يجعل الامتثال - هنا - من حق كل فرد من المسلمين .
3- أن يراد الامتثال من البعض فقط.
وهذه الصورة الأخيرة تتفرع الى ما يلي :.
أ- أن يسند الامتثال من يختاره المسلمون عامة ؛ لأن الخطاب بالامتثال موجه اليهم جميعا .. ( وهو القول الأول).
ب- أن يسند الامتثال إلى الفقيه العادل لثبوت نیابته عن الإمام (عليه السلام) في الجملة .. (وهو القول الثاني).
د. أن يسند الامتثال إلى الأعلم، لأنه القدر المتيقن - هنا ... ( وهوالقول الثالث ).
وفي الصورة الأولى : لا يتحقق الامتثال ، إما لاستحالته من الجميع، أو لعسره على أقل تقدير.
وفي الصورة الثانية : إن أقل ما ينجم عن الامتثال من محذور يمنع من تحققه هو شيوع الفوضى، .. وهو واضح.
وفي الفرع الأول من الصورة الثالثة: يؤخذ عليه ما تقدم في المناقشة حوله عند الحديث عن القول الأول.. صفحة (84)...
ص: 104
وفي الفرع الثاني من الصورة الثالثة: يؤخذ عليه ما سلف في المناقشة حوله عند الحديث عن القول الثاني .. صفحة (96)
فيتعين الفرع الثالث لبطلان ما عداه ، وانحصار الامتثل به، بوصفه قدرة متيقنة في البين.
ويدعمه الدليل العقلي الذي يلزم بتقليد الأعلم للاطمئنان بتوفر المؤمن والمعذر بالرجوع اليه.
ص: 105
ص: 106
وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق : حق الوالي على الرعية ، وحق الرعية على الوالي ، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل ، فجعلها نظام لالفتهم ، وعزأ لدينهم .
فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية ، فاذا أدت الرعية الى الوالي حقه ، وأدى الوالي اليها حقها ، عز الحق بينهم ، وقامت مناهج الدين ، واعتدلت معالم العدل ، وجرت على إذلالها السنن ، فصلح بذلك الزمان ، وطمع في بقاء الدولة ، ويئست مطامع الأعداء .
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
ص: 107
ص: 108
تشكيلات الحكومة في التشريع:
إن الذي أعنيه - هنا - بكلمة ( دولة ) هو ( الحكومة )، وهو الذي سيدور حوله الحديث عن ( تكوين الدولة )..
والمعنى هذا هو أحد معني الكلمة .. وربما تطرقت عابرة في خاتمة الحديث إلى معناها الآخر، وهو ( الأرض والأمة والحكومة ) :
ربما انتظرنا من التشريع الإسلامي - هنا - أن يزودنا بتفاصيل
وافية عن تشكيلات الحكومة في عصر الغيبة ..
إلا أننا حينا نفهم أن التشكيلات - هنا - تعني الوسائل والأساليب التي تتخذ وتتبع في إدارة ورعاية شؤون الأمة .. نفهم أنها موضوع وليست بحكم .
وذلك ، أن الأساليب أنواع من سلوك الإنسان وأعماله ..
ومن الواضح : أن سلوك الإنسان وأعماله هي موضوعات توجه إليها الأحكام ، لتوجيه السلوك الإنساني في الوجهة التي ينبغي أن يسير عليها .. .
وان الوسائل وسائط في تحقيق الامتثالات ..
ومن الواضح أيضا : أن الوسائط. هنا - موضوعات لا أحكام ، لأنها لا تختلف في مجال تحقيق الامتثال عن الأساليب ، إلا بما يتنوع به السلوك من صدوره عن الإنسان بلا مساعد ومباشرة ، ومن صدوره مساعد ومن غير مباشرة ..
ص: 109
فهي - أعني الوسائل هنا - جزء متمم لما يحقق الامتثال في المجال الذي يفتقر فيه إلى الواسطة .
وفي ضوئه :
الا ينتظر من التشريع أن يحدد لنا تشكيلات الحكومة ، فيعين الوسائل والأساليب ، وذلك أن تحديد الموضوعات لا يعود اليه - عادة - وإنما وظيفته . بصفته تشريعا. وضع الأحكام المناسبة للموضوعات بما يحقق المصلحة للناس ، ويبعد المفسدة عنهم .. .
يضاف اليه :
إن خضوع الموضوعات للتغيرات الزمانية والمكانية، وللتطورات الحضارية والمدنية ، مما يقف دون إعطاء تحديد ثابت لها .
الخط العام للحكومة :
نعم .. هناك شيء ينتظر من التشريع أن يقوله ، لأنه يتمشى مع طبيعة الموضوعات في مختلف تطوراتها وتغيراتها .. وهو : إعطاء حكم يحدد نوعية الوسائل والأساليب هنا ..
وبعبارة ألصق بالحديث :
وضع خط عام للحكومة في تشكيلاتها .
وهذا اللون من الحكم لا نعدمه في التشريع الإسلامي ، فقد فرض على المسلم - بصفته فردا - ، وعلى المسلمين - بصفتهم مجتمعة ودولة - أن يتخذوا الوسائل ويتهجوا الأساليب في إطار الأحكام الإسلامية العامة .
أعني : إنه فرض عليهم تحديد الموضوع أولا - وسيلة كان أو
ص: 110
أسلوبا - والناس حكمه الشرعي ثانيا.
فمتى ما حدد الموضوع والتمس حكمه المسوغ لاتخاذه أو اتباعه ، عد وسيلة إسلامية أو أسلوبا إسلاميا..
ويعرف ذلك بالبداهة والعكس بالعكس من طبيعة التشريع الإسلامي.
وعلى هدیه :
يلاحظ دائمأ في وضع تشكيلات الحكومة متطلبات الظروف والملابسات المحيطة بالدولة - أمة وحكومة - في مجال ما يحقق لها المصلحة العامة ، وفي إطار الأحكام الإسلامية العامة .
فقط .. استشي التشريع الإسلامي بعض الوسائل والأساليب فحددها بصورة خاصة .
أمثال :
1- تعيين المسؤول العام للدولة من قبل التشريع - كما لمسناه في موضوع رئيس الدولة . حيث أعطى التشريع الإسلامي كلمته فيه ، وأناط به المسؤولية الكبرى في مجال الحكم .
2- تقييد الدولة بدستور موضوع.
3- تقييد تعيين الحكام بتوفر شروط معينة فيهم ، أمثال : الكفاة والعدالة ، (1) وغيرهما من إمكانيات الحكم وضماناته .
وذلك لأن طبيعة الاحتياط فيا يجعل التشكيلات الحكومية تحقق
ص: 111
للأمة والحكومة مصلحتها العامة تفرض ذلك فرضأ .
ومنه نستطيع أن ندرك مدى اهتمام التشريع الإسلامي للمسألة ، حيث حسب للتطور كل الحساب ، وأخذه بنظر الاعتبار التام ، فلم يضع التفاصيل لئلا تصطدم بالتطور ، ولم يهمل وضع التعاميم احتیاطأ عن انحراف القضية .
السلطات الثلاث :
وفي ضوء ما انتهينا اليه من اعتبار الفقيه الأعلم حاكما عامأ للمسلمين ، ورئيسة أكبر للدولة الإسلامية .. ومن أن التشكيلات الحكومية تعود الى طبيعة متطلبات الظروف ومقتضيات الأحوال المحيطة بالأمة والحكومة والملابسة لهما يكون توزيع السلطات الثلاث ، بالشكل الذي يعطي المخطط العام للحكومة كما يلي :
أ- السلطة التشريعية :
تعود إلى الفقهاء العدول ، تحت إشراف الفقيه الأعلم ( رئيس الدولة ) ..
فتشكل اللجان والهيئات التشريعية منهم وباشرافه ..
ووظيفتها تتلخص بما يأتي :
1- بیان الأحكام ..
والأحكام : هي التي شرعت بنص خاص من الكتاب والسنة أو
ص: 112
ثبتت بالضرورة من الدين ، أمثال : وجوب الزكاة والخمس وتعيين مصارفها ، وإعداد القوة قدر المستطاع لارهاب عدو الله ...
ونستطيع أن نصطلح عليها ب ( الدستور ) .
2- وضع التعاليم ..
والتعاليم : هي الأحكام التي لم تشرع بنص خاص ، وإنما أوكل أمر استنباطها إلى اجتهاد الفقهاء داخل إطار الأحكام الإسلامية العامة ، نظرا لتطورها ، تبعا لتغير الظروف والأحوال ، مثل : وجوب التدريب العسكري في هذا العصر، نظرا لتطور وسائله وأساليبه إلى ما يفرض ذلك من باب المقدمة للدفاع الواجب .. ومثل : تحديد مقدار ضريبة الخراج والجزية وما شاكل .
ونستطيع أن نصطلح عليها ب ( النظام ).
ب - السلطة التنفيذية :
تعود الى الأمناء من أبناء الأمة ، ممن تتوفر فيهم إمكانيات القيام مسؤولية التنفيذ وضماناته الشرعية .
ويرجع أمر تعيينهم الى رئيس الدولة ، واللجان التي أعدها وشكلها لذلك ، ممن تتوفر فيهم الخبرة الكافية للقيام بمثل هذا العمل .
ووظيفتها تلخص بما يأتي :
1- القيام بتطبيق الدستور والأنظمة .
2- تشكيل لجان وهيئات علمية ، تختار أفرادها من مختلف
في انتظار الإمام (8)
ص: 113
الاختصاصيين : سياسيين واقتصاديين وعسكريين وتربويين واجتماعيين .. الخ .
ممن تتوفر فيهم الضمانات الشرعية..
توكل اليهم مهمة القيام بدراسة مجالات التطبيق ، ومعرفتها معرفة كاملة بشتی ظروفها وملابساتها وأحوالها وجميع علاقاتها ،... وبتقديم نتائج الدراسة الى السلطة التشريعية ، لتقوم هي بدورها بتزويد السلطة التنفيذية بالأحكام الخاصة لهذه الموضوعات .
أمثال : تكوين علاقات سياسية مع دولة أخرى ، أو عقد اتفاقية تجارية ، أو فتح مشاريع زراعية وصناعية وثقافية وصحية واجتماعية وما شاكلها .
لتقوم هي - أعني السلطة التنفيذية - بعد أخذ أحكامها من السلطة التشريعية - بدورها في تطبيقها .
ح. السلطة القضائية :
وتعود الى الفقهاء أيضأ . ويرجع أمر تعيينهم إلى رئاسة الدولة . ووظيفتها :
القضاء بين المواطنين ، وحل الخصومات ، سواء كانت قائمة في نطاق ما يسمى اليوم ب ( الأحوال الشخصية ) ، أو في غيره من نطاقات الحياة المختلفة..
وذلك لأن الإسلام لا يحتوي نوعين من القضاء : مدنية وشرعية ، وما كل القضايا من وجهة نظره ، سواء كانت من نوع ما يسمى - اليوم
ص: 114
- بالقضايا المدنية أو القضايا الشرعية ، يعود أمر حلها إلى القانون الإسلامي ووفق أحكامه .
لأن القوانين المدنية من وجهة نظر الإسلام لا تعتبر قوانین للتطبيق ، ولا يسوغ بحال من الأحوال الأخذ بها .
ونستطيع بعده أن نخلص إلى أن شكل الحكومة الإسلامية زمن الغيبة هو أنها : حكومة دستورية ، يرأسها الفقيه الأعلم العادل ، وتدار من قبل أجهزة كافية من الاختصاصيين العدول ، وباشراف الرئاسة العادلة .
وهنا .. أود أن أشير الى مفارقة وقع فيها بعض الكتاب حول الموضوع ، وهي اعتبارهم أمثال هذا الحكم من نوع ( الحق الإلهي )..
وفي عقيدتي : أن منشأ المفارقة هو عدم التفرقة بين الحق الإلهي ، الفكرة المعروفة في التاريخ ، والتي تمثلت في حكم الفراعنة مصر القديمة ، وفي حكم الملوك في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوربا ، وخاصة في فرنسا(1) .. وبين الحق الإلهي الذي يتبناه التشريع الإسلامي .
ذلك أن الأولى تؤمن بالحق الإلهي تكوينا ..
ص: 115
ومعناه : أن الحاكم إن لم يكن إلهأ كالفراعنة يتصرف بمربوبيه كيف يشاء .. فالله تعالى سلطه على الناس بالشكل الذي لا يسوغ لهم بحال من الأحوالمحاسبته أو معارضته ، لأن تسلطه شيء لا بد وأن يقع ،...
ولعلنا ندرك ذلك أيضأ من تسميته ب ( التفويض الإلهي ) أيضا .
وإن الإسلام يؤمن بالحق الإلهي تشريعأ ..
ومعناه : أن الله تعالى - بصفته مشرعة للدستور - منح الحاكم نبيا أو إمامة أو غيرهما ممن تتوفر فيه شروط الحاكم المسلم حق الحكم بين الناس قانونية و التحكم بين الناس بما أراك الل(1).
ومن فرض التشريع الإسلامي على الأمة مراقبة الحاكم المراقبة التامة ، ومحاسبته المحاسبة الشديدة ، وعزله حين المخالفة والإصرار عليها ، يفهم بذلك بوضوح . والتاريخ الإسلامي مملوء بوفرة من شواهد محاسبة الأمة للحكام المسلمين .(2)
أما دور الأمة في مراقبة الحكومة ومحاسبتها وعزلها ، فنستطيع أن نوجزه بما يأتي :
هو أن على الأمة - كل الأمة - ملاحظة الجهاز الحاكم في مجالات التشريع والتنفيذ والقضاء ، الملاحظة المستوعبة والدقيقة ، فمحاسبته
ص: 116
عند وقوع أي خطأ تشريعيأ كان أو تنفيذية أو قضائيأ .. «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته(1)... والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر »(2)0
والأسلوب الذي تتبعه الأمة في المحاسبة والعزل هو :
أولا - أن تتبع الأساليب اللاعنفية ، ومعالجة القضية بالطرق السلمية .
وثانية - عند عدم الجدوى تتبع الأساليب العنفية ، وتعالج القضية بالطرق الثورية .
ويراعى في اتباع الطرق الثورية الاحتياط التام في وقوع الضرر الأقل ، ومقدار ما تقتضيه الضرورة . الدولة في مجالها الواسع :
وفي ختام الحديث - هنا - أعود لأفي بما وعدته من التطرق عابرة الى الدولة في مجالها الواسع ، وهو :
1- الأرض ، والتي تعني ( الوطن ) .
2- والأمة ، والتي يريدون بها ( المواطنين ) .
3- والحكومة ، والتي يقصدون منها ( السلطة ) .
فالأرض أو الوطن الإسلامي - اليوم - هو : كل بقعة من الأرض كانت خاضعة سياسية إلى حكم إسلامي ، سواء بقيت بأيدي المسلمين ، أو سلبت منهم كفلسطين واسبانيا .
ص: 117
ويعني هذا : أن على الدولة الإسلامية . عند قيامها في أي بقعة من الأرض كانت . استرجاع ذلك الوطن الإسلامي ، بقسميه : الباقي بأيدي المسلمين ، والمسلوب منهم ، وإخضاعه للنفوذ السياسي الإسلامي .
والمراد بالأمة أو المواطنين : كل من توفرت فيه شروط المواطنة،وفق تعليات التشريع الإسلامي في المجال السياسي .
أما الحكومة أو السلطة .. فقد مر الحديث عنها.
ص: 118
من واجب حقوق الله على العباد : النصيحة بمبلغ جهدهم ، والتعاون على إقامة الحق بينهم..
الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
ص: 119
ص: 120
إن وجوب الدعوة إلى إقامة دولة إسلامية - الآن - على المسلمين من الوضوح بالموضع الذي لا يحتاج إلى مزيد بيان .
ونحن إذا عدنا نقرأ مرة ثانية ما سبق من الحديث عن ذلك في موضوع ( انتظار الإمام ) ألفيتنا غير مفتقرين - من ناحية منهجية - الى العودة إلى استعراض المسألة مرة أخرى .
أما أسلوب الدعوة أو أسلوب العمل من أجل إقامة دولة إسلامية الآن .. فيتنوع - شأنه شأن أي أسلوب آخر يهدف من ورائه الى إقامة دولة - الى نوعين هما :.
1- الثورة(1) : ويعنى بها الثورة المسلحة ، وهي : استعمال القوة في القضاء على الحكم الكافر في الوطن الإسلامي واستبداله بالحكم الإسلامي .
والثورة - هنا - مشروطة - شرعية - بتوفر شروطها وتهيؤ أجوائها ومجالاتها .
2- التدرج(2): ويعنی به اتباع الطرق السلمية ، أمثال : القيام بتوعية الأمة سياسية ، وتثقيفها فردية وجماعية ، خاصة وعامة، فنقوم :
ص: 121
1- بفتح المدارس في مختلف مراحلها : الروضة والابتدائية والثانوية والعالية ، وللجنسين ، شريطة أن تكون مناهجها وكتبها إسلامية خالصة ، تستمد من حضارتنا الأصيلة النقية ، هادفين منها إلى تغذية أبنائنا بالثقافة الإسلامية البناءة التي تحول من المسلم حركية فعالة في طريق تكوين المجتمع الإسلامي ، وأن يكون القائمون على الإدارة والتربية فيها مسلمين مبدئيين .
2- باصدار المجلات والصحف بمختلف ألوانها : يومية وأسبوعية وشهرية وفصلية .. شعبية وخاصة ، شريطة أن تمون بالفکر الإسلامي الخلاق الهادف .
3- بنشر الكتب مفردة ومتسلسلة.. شعبية وخاصة ، ناشدين من ورائها تعميم الثقافة الإسلامية المبدعة الهادفة .
4 - بايجاد المكتبات بأقسامها المختلفة : المتجولة والثابتة ، والريفية والمدنية ، مزودة بجميع ما تتطلبه مستوياتها ومجالاتها من الكتب والمؤلفات الإسلامية.
5- بتأسيس النوادي : ثقافية ورياضية ، شريطة أن تكون جادة ، وفي صدد غرس الروح الإسلامية وتنميتها وإثارها .
6- بتكوين الجمعيات للخدمات الاجتماعية على ضوء ما يأمر به الإسلام من أعمال البر والإحسان والتكافل ، وما شاكلها .
7- التكتل السياسي ، شريطة أن تتبع الأساليب في إطار الأحكام الإسلامية.
8- وما يماثلها(1)».
ص: 122
وبعد أن تستيقظ الأمة ، وتدرك بسبب مفعول التثقيف أن مسؤوليتها أمام الله تعالى في أن تطبق الإسلام، وأن سعادتها في تطبيقه .. وهو أمر لا يتأتى إلا عن طريق إقامة الدولة الإسلامية، تحقق ذلك وبيسر.
شبهة :
وهنا أود أن أقف قليلا عند شبهة ، كثيرا ما تثار حول العمل عن طريق التكتل السياسي ، محاولا كشف المفارقة فيها، بغية إزالتها .
والشبهة تتلخص في أن الإسلام لا يقر العمل الحزبي ،... والتكتل السياسي - بطبيعته - لا يخرج عن كونه عملا حزبية ، سواء كان علنية أو سرية .
ومنشأ هذه الشبهة . فيما أعتقد - هو التخدير الاستعماري الذي لعب دوره الفعال في تعميق فكرة فصل الدين عن السياسة بأذهان أبناء أمتنا الإسلامية ، حتى عاد كل ما يتصل بالسياسة ليس من الإسلام(1).
إلا أننا متى حاولنا فهم معنى الحزب ، وما تعنيه الكلمة في لغة القانون والسياسة تتبين المفارقة فتزول الشبهة.
إن مفهوم حزب يعني : المنظمة السياسية التي تعمل وفق أيديولوجية معينه ، هادفة إلى تسلم السلطة، فتحقيق غاياتها المتوخاة عن وسيلنها .
ص: 123
وهذا المفهوم للحزب - بطبيعته - يعني أن الحزب ما هو إلا وسيلة أو أسلوب .
ومر أن أوضحت قبل هذا - أن الوسائل والأساليب موضوعات وليست بأحكام .
والموضوعات . وهو أمر بديهي - تختلف أحكامها باختلاف ظروفها وأحوالها ، وتتبدل بتغيرها ...
فقد يكون الحزب في ظرف معين أو حال معين محكومة بالحرمة، کا لوكان الحكم الإسلامي قائيأ وعادلا ، كما في عهد النبي (صلی الله علیه وآله) .
وقد يكون الحزب في ظرف معين آخر وحال معين كذلك محكومة بالوجوب ، كما لو كان مقدمة لواجب ، أمثال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الجاهل ، وإقامة الحكم الإسلامي .
وربما كانت الآية الكريمة «فإن حزب الله هم الغالبون(1)ترشد الى ذلك ، حيث تعطي أن حزب الله تعالى وهم الجماعة المناصرة الله في الغالبة ..
والغلبة - طبيعية - لا تتأتى إلا نتيجة صراع ، والصراع كما يكون حول قضايا نظرية ، وأخرى عملية ، من نوع غیر سیاسي ، يكون حول أمثالها من نوع سياسي ، ومنها قضية الحكم .
وليس الحزب . في واقعه - متى قام على أساس من أيديولوجية إسلامية إلا تلك الجماعة التي تشير اليها الآية الكريمة .
ص: 124
والخلاصة :
إن مسألة الحزب . فيما أفهمه . هي مسألة موضوع يرتبط بما ينهي نهاد المفتي من حكم : حرمة كان أو وجوبا أو غيرها ، منی مناه لديه .
وليست هي مسألة تهويلات المضللين من أتباع الأحزاب الكافرة ، وأذناب المستعمر الكافر ، ومن سار في ركابها شاعرة أو مخدوعة .
ويقيد جماعة من فقهائنا الدعوة إلى إقامة حكم إسلامي بالأمن من الخطر.
والذي أخاله : أن العمل وفق هذا الرأي يلزمناعادة بتحديد موضوع هذا القيد :
فيما يبدو لي : إن أمثال هذا التقييد لا يتأتى مع اتباع أسلوب الثورة ، وذلك لتوفر القوة الكافية التي تبعد وقوع الخطر الذي يشير اليه القيد ، والذي لا ينهي - عادة - الى تحقيق واجب آخر أهم من التضحية .
وكذلك لا يتأتى هذا التقييد مع اتباع أسلوب التدرج ، لا في مراحله الأولى ، لأن العمل - بطبيعة أيديولوجيته التنظيمية - لا يهدف الى صراع سياسي ولا يقوم به .. ولا في مراحله النهائية ، لأن العمل يبلغ فيها استکاله القوة الكافية اجتماعية وسياسية ، الى التوصل إلى تحقيق الواجب .
ص: 125
نعم .. يتأتي هذا التقييد في اتباع أسلوب الثورة قبل استجاع القوة الكافية ، وفي اتباع أسلوب التدرج حينها يقوم العمل بالمراع السياسي في المراحل الأولى .. إذا لم تكن الظروف. بطبيعتها - تتطلب التضحية كوسيلة نهائية حاسمة في الاحتجاج أمام الكفر والانحراف(1).
على أننا إذا لاحظنا : أن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ينقسم باعتبار ظروفه الى قسمين :.
1- في ظرف وجود حكم إسلامي عادل .
2- في ظرف وجود حكم كافر ، أو حكم إسلامي منحرف لا يقضى عليه إلا بالتضحية .
وأن هناك من فقهائنا الأعلام من يذهب إلى أن خوف الضرر الذي هو أحد شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقتصر اشتراطه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من نوع القسم الأول ،.. أما بالنسبة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من نوع القسم الثاني ، فيسقط هذا الشرط ، وتلزم التضحية بالنفس والمال للاطاحة بالحكم الكافر ، أو المنحرف ، وإقامة الحكم الإسلامي(2)شريطة أن تؤثر
ص: 126
التضحية ، ولو تأثيرة ضئيلا إذا كان مما يعند به .
أقول : إننا إذا لاحظنا ذلك يضيق مجال ذلكم التقييد كثيرة .
وفيا أظنه : أن من يشترط الأمن من الخطر من الفقهاء ، لا يلزم به من يقطع بأن أمثال هذه التضحيات تنهي إلى تحقيق الواجب .على أن المسألة . فيا أعتقد - لا تحتاج الى هذا ، بعد أن أثبت تاريخ الشهداء ، وتاريخ مختلف الأحزاب السياسية ، أن التضحيات في سبيل الاطاحة بحكم وإقامة حكم آخر على أنقاضه .
وهي شبهة تقتضيني منهجة البحث أن أقف عندها ولو قليلا ، كشف موضع المفارقة فيها ، محاولا رفع الالتباس ، لأنها تدور حول سقوط الدعوة :
ربما يبدو للبعض أن قضية الدعوة إلى إقامة دولة إسلامية ، تدور بين أمرين كل منهما مسقط لوجوب الدعوة .. وهما :
ص: 127
- اما أن تكون البشرية الآن ، على استعداد تام لتقبل الإسلام ...
ب - أو لا تكون على استعداد تام لتقبل الإسلام ...
فان كانت البشرية الآن على استعداد تام لتقبل الإسلام ، فلا بد حينئذ من ظهور الإمام المنتظر ( عليه السلام ) ، لأن مثل هذا الظرف بما فيه من استعداد تام يحتم عليه الظهور ، وعند ظهوره فأمر الدعوة يعود إليه .
وإن كانت البشرية ليست على استعداد تام لتقبل الإسلام ، فسيكون نصيب الدعوة إلى إقامة دولة إسلامية عدم النجاح ، فلا فائدة - إذن - بالدعوة .
والمفارقة في هذا الرأي تكمن في أنه ينطوي - في واقعه . على خلط بين الدولة التي أنيطت مسؤولية إيجادها بالإمام المنتظر ( عليه السلام ) ، وبين الدولة التي ألقيت مسؤولية العمل من أجل قيامها على عاتق المسلمين .
فان الأولى - أعني دولة الإمام - عالمية ،.. ولعلها من أبرز
خصائصها - كما تقدم ..
والثانية لا يشترط فيها أن تكون عالمية حيث لم يدل على ذلك
دليل من النصوص الشرعية ، ولا من العقل مع عدم القدرة .
فنحن متي التفتنا الى موضع المفارقة في هذا الرأي ، وهو ذلكم الخلط بين دولة الإمام ( عليه السلام ) التي من أوليات شروطها انها عالمية .. وبينالدولة التي يجب على المسلمين العمل من أجل إقامتها.
أقول : متى التفتنا إلى موضع المفارقة سهل علينا معرفة موقع
ص: 128
الالتباس في أمثال هذه الشبهة .
على أنه لا يحتمل أن فقيه ما ، لا يفتي بوجوب قيام دولة إسلامية في قطر ما ، إذا كان ذلك القطر مستعدأ ومهيئة لقيامها نتيجة الوعي السياسي الإسلامي الذي شمله .
ولست أدري ما يقول من يرسل مثل هذا الرأي ، لو قدر أن بلاد ما ، من بلدان المسلمين سادها الوعي السياسي الإسلامي ، وامتلك أهلها زمام أمورهم السياسية ، ورفعوا أمرهم إلى الفقيه المتوفر على شروط الحاكم المسلم ،يطلبون منه أن يحكمهم بالإسلام ، وكان الأمر في وضعية من الخطورة بحيث إذا لم يحكمهم ، ويوكل الموضوع اليهم أنفسهم ، يقعون في مخالفات شرعية كثيرة ، لجهلهم بالأحكام ومواضع التطبيق.
أيؤمن بشيء آخر غير إجابة الفقيه لهؤلاء ؟..
لا أحتمل أن أحدا ممن له أدنى معرفة بالتشريع الإسلامي يحتمل عدم جواز الإجابة .
يضاف اليه :
ان هناك من الأحاديث المروية - والتي سبق وأن استعرضتها - ما يشير الى قيام دولة إسلامية غير عالمية ، قبل ظهور الامام المنتظر ( عليه السلام ) يسلمها أصحابها إلى الإمام عند ظهوره ( عليه السلام) .
وهو ما يلقي الضوء على المسألة .. أمثال :
1. ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : « يأتي قوم من قبل المشرق ، ومعهم
في انتظار الإمام (9)
ص: 129
رايات سود . فيسألون الخير فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوه ، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملأها قسطا كيا ملاوها جورة ، فمن أدرك ذلك منکم فليأتهم ولو حبوا على الثلج .
2. وما روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام): « كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق ، يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثم يطلبونه فلا يعطونه ، فاذا رأوا ذلكوضعوا سيوفهم على عواتقهم ، فيعطون ما سألوا ، فلا يقبلونه حتى يقيموا ، ولا يدفعونها إلا الى صاحبكم ( يعني الإمام المنتظر- عليه السلام -) ، قتلاهم شهداء » .
وهنا .. قد يبدو للبعض أن قيام مثل هذه الدولة يكون مجالا الظهور الامام المنتظر ( عليه السلام ) .
قد يكون ذلك فيما إذا كانت الدولة متوفرة على شروط الظهور .
وقد لا يكون ، وهو فيما إذا كانت غير متوفرة .. فتسهم في هذه الحال بالتمهيد لخروجه - عليه السلام .. .
عجل الله تعالی فرجه ، ورزقنا نصرته ، والشهادة بين يديه ، إنه سميع مجيب .
ص: 130
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
قرآن کریم »
ص: 131
ص: 132
وفي الختام ...
أستودعك . قارئي العزيز -..
راجيا أن أجد في ملاحظاتك القيمة ، ما يساعدني على العودة إلى الحديث مرة ثانية ، وبلورته وتنقيحه ..
ورافعة كف الضراعة اليه تعالى ب :
« اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة ، تعز بها الإسلام وأهله ، وتذل بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة » .
أغفلت الإشارة إلى مصادر بعض الأحاديث في هامش الكتاب لأنها لا تخرج من المراجع المذكورة .
والحمد لله رب العالمين النجف الأشرف 1384/5/1ه عبد الهادي الفضلي
ص: 133
ص: 134
1- القرآن الكريم .
2- نهج البلاغة .. ( مصر: دار الكتب العربية الكبرى ) المجلد الرابع .
3 الألباني ، محمد ناصر الدين - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة ، ( دمشق : مطابع دار الفكر) ، المجلد الأول ، الجزء الأول .
4 - الأمين العاملي ، السيد محسن - أعيان الشيعة ( ...: مطبعة كرم 1373 ه ) الطبعة الثانية ، الجزء الثاني ، القسم الثالث.
5- بحر العلوم ، السيد محمد - بلغة الفقيه ( ایران : مطبعة عالیان مشهدی ، حجر، الأصفهاني 1329 ه ) .
6- بدوي ، دكتور محمد طه . ودكتور محمد طلعت الغنيمي - النظم السياسية والاجتماعية ، ( القاهرة : دار المعارف بمصر 1958 م)، الطبعة الأولى .
7 - البروجردي ، الحاج اقا حسين الطباطبائي - البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر و تقریرات بحثه بقلم تلميذه حسینعلي المنتظري النجف آبادی » ، ( قم : مطبعة الحكمة 1378 ه).
8- الحر العاملي ، محمد بن الحسن - وسائل الشيعة إلى تفصيل أحكامالشريعة ( ایران : الطبعة الحجرية 1288 ه) المجلد الثالث ، کتاب القضاء .
9- الحكيم ، السيد محسن الطباطبائي - « الإمام الحكيم يوضح مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» الأضواء ، 3/2 « ربيع الثاني 1382 ه. « فتوى ، ( النجف : مخطوطة لدى المؤلف ).
ص: 135
نهج الفقاهة ( النجف: المطبعة العلمية 1371 ه ) الجزء الأول.
10 - الحكيم ، محمد تقي - الأصول العامة للفقه المقارن ( بيروت : مطابع دار الأندلس 1963 م ) .
11- محاضرات في التاريخ الإسلامي على طلبة كلية الفقه ، ( مخطوطة ) .
11- جريدة : الثورة ، البغدادية « 25/ 12/ 1961 ، العدد 785 .
12 - زين الدين ، محمد أمين - مع الدكتور أحمد أمين في حديث المهدي والمهدوية ( النجف : مطبعة دار التأليف والنشر 1371ه»
13 - السبز واری ، المولى محمد باقر. كفاية المقتصد ( النجف : مخطوطة مكتبة كلية الفقه ) .
14 - الشهيد الثاني ، زين الدين العاملي - مسالك الأفهام إلى شرح شرائع الإسلام ( ایران : حجر، 1310 ه) كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
15 - الشيرازي ، السيد ميرزا عبد الهاديالحسيني « فتوی » ، ( النجف : مخطوطة لدى المؤلف ).
16 - الشيرازي ، السيد ميرزا مهدي الحسيني « فتوى » ، النجف : مخطوطة لدى المؤلف ).
17 - صاحب الجواهر، الشيخ محمد حسن النجفي - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ( ایران : حجر، الخونساري 1305 ه ) ، کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
18 - الصافي ، لطف الله الكلبايكاني - منتخب الأثر في الامام الثاني عشر ( عليه السلام ) ، ( طهران : مطبعة بوذر جمهري مصطفوی 1373 ه).
ص: 136
19 - الصدر ، السيد اسماعيل - محاضرات في تفسير القرآن الكريم ( النجف : مطابع النعمان ).
20 - الصدر ، السيد صدر الدين - المهدي ( طهران : مطبعة عالي ) .
21 - الطباطبائي ، السيد محمد حسين - الميزان في تفسير القرآن( طهران : دار الكتب الإسلامية 1376 ه. ) الجزء الرابع .
22 - العسكري ، نجم الدين الشريف - على والوصية ( النجف : مطبعة الآداب ).
23 - العلامة الحلي ، الحسن يوسف . مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ، ( ایران : حجر ) كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
24 - الفضلي ، عبد الهادي ، أهداف و وسائل ثورة الطف » الأضواء 3/ 5 «15 محرم الحرام 1380 ه» ثورة الحسين ( عليه السلام ) ، ( النجف : مطبعة النجف 1383 ه ) .
حضارتنا في ميدان الصراع ( النجف : مطبعة النعمان ) .
20 - الفيض الكاشاني ، محمد بن مرتضى المدعو محسن - مفاتیح الشرائع ، ( النجف : مخطوطة مكتبة كلية الفقه ) .
29 - مجلة، المقتطف ، المصرية ، المجلد التاسع والخمسون ، الجزء الثالث .
27 - المراغي ، السيد فتاح الحسيني - العناوين ( ایران : حجر، و الأر وجني 1297 ه).
28 - المظفر ، محمد رضا - عقائد الشيعة ( النجف : المطبعة الحيدرية 1381 ه ) .
ص: 137
29 - المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ( ایران : الكيلاني 1317 ه).
30 - المودودي ، أبو الأعلى - البيانات ( ذخائر الفكر الإسلامي ) تعريب : محمد عاصم الحداد .
31- النائيني ، محمد حسين الغروي - تنبيه الأمة وتنزيه الملة( النجف : خاصة مكتبة كلية الفقه ) « تايب» .
32 - النجف آبادي ، حسينعلي المنتظري ، البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر ... تقدم ،.
33 - نشرة ، الأضواء ، النجفية .. تقدم ، .
34 - النعاني ، محمد بن ابراهيم المعروف بابن أبي زينب - کتاب الغيبة ، ( تبریز : کتابفروشي صابري 1383 ه).
ص: 138
الصورة

ص: 139
الصورة

ص: 140
الصورة

ص: 141