نام كتاب: بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات و كثرة الطرق و الروايات
نويسنده: ابو العباس احمد بن عمار المهدوى / حاتم صالح الضامن
موضوع: قرائت
تاريخ وفات مؤلف: 440 ق
زبان: عربى
تعداد جلد: 1
ناشر: عالم الكتب
مكان چاپ: بيروت
سال چاپ: 1418 / 1998
نوبت چاپ: اوّل
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و بعد فهذه أربعة كتب في علوم القرآن الكريم، هي:
1- بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات و كثرة الطرق و الروايات: للمهدوي المتوفّى نحو 440 ه.
2- مسائل منثورة في التفسير و العربية و المعاني: لابن بريّ المتوفّى سنة 582 ه.
3- المجيد في إعراب القرآن المجيد: للسّفاقسيّ المتوفّى سنة 742 ه.
4- شرح أبيات الداني الأربعة في أصول ظاءات القرآن: لمؤلف مجهول.
أرجو أن يفيد منها الباحثون في دراساتهم.
و اللّه أسأل أن يكون عملي خالصا لوجهه، إنّه نعم المولى و نعم النصير.
ص: 6
ص: 7
كتاب بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات و كثرة الطرق و الروايات
لأبي العباس أحمد بن عمّار المهدويّ المتوفى نحو 440 ه تحقيق الدكتور حاتم صالح الضامن
ص: 8
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه رب العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف خلقه النبي العربي الأمين.
المقدمة
كانت اللغة العربية- و ما زالت- موضع عناية العلماء على مرّ الأزمان و تتابع القرون لأنّها لغة القرآن الكريم.
و قد نصّت أكثر من آية على عربية القرآن، قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) (يوسف 2)، و قال عزّ و جلّ: وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (طه 113)، و قال تعالى: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل:
103)، و قال جلّ شأنه: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) (الدخان 58).
و لسان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم هو العربية عامة و لهجة قريش خاصة. لذا فقد أنزل القرآن بلغة قريش، و يؤيد هذا الرأي قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (إبراهيم 4).
و يؤيد ذلك و يؤكده ما ورد من آثار في هذا الأمر. فقد روي أن عمر بن الخطاب، رضي اللّه عنه، كتب إلى عبد اللّه بن مسعود، و هو في الكوفة: (أمّا بعد، فإنّ اللّه أنزل القرآن
ص: 9
بلغة قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش، و لا تقرئهم بلغة هذيل).
و عن عثمان بن عفان، رضي اللّه عنه، أنه أوصى الجماعة التي كلّفت بكتابة القرآن الكريم: (إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شي ء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم).
و كان للقبائل الأخرى لهجاتها كهذيل و تميم و قيس و طيّئ و أسد، فصعب على قسم منهم نطق القرآن نطقا مطابقا للهجة قريش لأن ألسنتهم اعتادت النطق بلهجات قبائلهم.
قال ابن قتيبة في كتابه تأويل مشكل القرآن 39- 40: (و لو أنّ كل فريق من هؤلاء، أمر أن يزول عن لغته، و ما جرى عليه اعتياده طفلا و ناشئا و كهلا لاشتد ذلك عليه، و عظمت المحنة فيه، و لم يمكنه إلّا بعد رياضة للنفس طويلة، و تذليل للسان، و قطع للعادة. فأراد اللّه، برحمته و لطفه، أن يجعل لهم متسعا في اللغات، و متصرّفا في الحركات).
و حديث الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم: (إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا بما تيسر منه)
هو المتسع الذي أشار إليه العلماء، و هو موضوع كتابنا هذا الذي نقوم بنشره أول مرة.
مؤلف الكتاب
أبو العباس أحمد بن عمّار بن أبي العباس المهدويّ المقرئ و المهدوي نسبة إلى المهدية بالقيروان.
لم تذكر المصادر شيئا عن نشأته، و لكنها اتفقت على أنّه مفسر نحوي عالم بالقراءات و العربية، و أنّه اشتهر برحلاته لطلب العلم، فقد ذكروا دخوله الأندلس. قال ابن بشكوال في ترجمته: (و دخل الأندلس في حدود الثلاثين و الأربعمائة أو نحوها، و كان عالما بالقراءات و الآداب متقدما فيهما، و ألّف كتبا كثيرة النفع ..).
أمّا شيوخه فقد ذكرت المصادر منهم:
أبا الحسن القابسي، وجده مهدي بن إبراهيم، و محمد بن سفيان الفقيه المالكي، و أحمد بن محمد القنطري، و أبا بكر أحمد بن محمد البراثي، و محمد بن سليمان الأبي الأندلسي.
و من تلاميذه:
أبو الوليد غانم بن وليد المالقي، و أبو عبد اللّه الطرفي المقرئ، و موسى بن سليمان
ص: 10
اللخمي، و يحيى بن إبراهيم البياز، و محمد بن إبراهيم بن إلياس، و محمد بن عيسى بن فرج، و علي بن أحمد بن أشج، و عبد الوهاب بن حكم.
أما سنة وفاته فقد ذكر الصفدي و السيوطي أنها في حدود سنة 440 ه و أشارت المصادر الأخرى إلى أنها بعد سنة 430 ه (1).
و من المفيد أن نذكر هنا الأبيات التي نظمها المهدويّ في ظاءات القرآن و التي رواها الحميدي، و عنه ياقوت الحموي:
ظنّت عظيمة ظلمنا من حظّها فظللت أوقظها لتكظم غيظها
و ظعنت أنظر في الظلام و ظلّه ظمئان أنتظر الظّهور لوعظها
ظهري و ظفري ثمّ عظمي في لظى لأظاهرنّ لحظّها و لحفظها
لفظي شواظّ أو كشمس ظهيرة ظفر لدى غلظ القلوب و فظّها
آثاره:
ترك المهدويّ مؤلفات نافعة تتعلق بعلوم القرآن الكريم، و كان للقراءات حظ وافر فيها، و كانت هذه المؤلفات منهلا ثرّا لكثير من المؤلفين الذين جاءوا بعده.
و من اللافت للنظر أن المصادر التي ذكرت مؤلفاته اختلفت في تسمية قسم منها.
ص: 11
و من هذه الآثار التي ذكرتها المصادر، مرتبة على حروف الهجاء:
أولا: التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل:
ذكره ابن خير في فهرسته 44 و القفطي في الإنباه: 1/ 92 و ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة و اللغويين 186.
و ما زال الكتاب مخطوطا، فمنه نسخة في الأسكوريال رقمها 1272، و أخرى ناقصة في جستربتي رقمها 5449، و ثالثة ناقصة في تركيا- نيكده رقمها 1304، و نسختان في دار الكتب الظاهرية رقمهما 504 و 505.
(ينظر: فهرس المخطوطات و المصورات 2/ 48، نوادر المخطوطات العربية في تركيا 1/ 251، فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (علوم القرآن) 169.
ثانيا: التفصيل الجامع لعلوم التنزيل:
ذكره القفطي في الإنباه: 1/ 91. و ذكرته أكثر الكتب التي ترجمت له باسم (كتاب التفسير).
و من الكتاب أجزاء مخطوطة في الكتبخانه الخديوية. (ينظر: فهرس الكتبخانه الخديوية 1/ 136- 137).
ثالثا: شرح الهداية إلى مذاهب القراء السبعة:
ذكره ابن خير في فهرسته 31، و الفيروزآبادي في البلغة 27، و ابن الجزري في غاية النهاية 1/ 92، و ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة و اللغويين 186، و اسمه في قسم من هذه المصادر: شرح الهداية في مذاهب القراء السبعة.
رابعا: الكفاية في شرح مقارئ الهداية:
انفرد بذكره ابن خير في فهرسته 43.
خامسا: الموضح في تعليل وجوه القراءات:
و منه نسخة مخطوطة في الخزانة العامة بالرباط رقمها 139 ق، و منها صورة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. (فهرس المخطوطات و المصورات 1/ 168).
و قد ذكر الكتاب القفطي باسم (تعليل القراءات السبع): الإنباه: 1/ 92. و ربما كان كتابا آخر.
ص: 12
سادسا: الهداية إلى مذاهب القراء السبعة:
ذكره ابن خير في فهرسته 31، و ابن الجزري في غاية النهاية 1/ 12، و النشر 1/ 69، و الداودي في طبقات المفسرين 1/ 56، و طاشكبري زاده في مفتاح السعادة 2/ 85، و اسم الكتاب في المصادر الأربعة الأخيرة: الهداية في القراءات السبع.
و ثمة كتابان آخران وصلا إلينا و أغفلت ذكرهما المصادر و هما:
1- بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات و كثرة الطرق و الروايات: و هو هذا الكتاب الذي نقوم بنشره أول مرة، و سيأتي الحديث عنه.
2- هجاء مصاحف الأمصار:
نشره محيي الدين عبد الرحمن رمضان في مجلة معهد المخطوطات العربية م 19 ج 1، القاهرة 1973، عن نسخة فريدة تحتفظ بها دار الكتب المصرية، و منها صورة في معهد المخطوطات. (فهرس المخطوطات المصورة 16).
و لا بد من الإشارة إلى أن البغدادي نسب في كتابه هدية العارفين 1/ 75 إلى المهدوي كتابين هما:
1- التيسير في القراءات.
2- ري العاطش.
و عزا البغدادي ذلك إلى كتاب الصلة.
أقول: و هم البغدادي إذ ليس في كتاب الصلة لابن بشكوال ما ذكر. (ينظر كتاب الصلة 1/ 86).
و الكتاب الأوّل هو لأبي عمرو الداني، أما الكتاب الثاني فقد نسبه حاجي خليفة في كشف الظنون 940 إلى وحيد الدين منصور بن سليمان الإسكندري الشافعي المتوفى سنة 673 ه.
الكتاب
خصّ المهدوي كتابه (بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات و كثرة الطرق و الروايات) بالحديث عن
الحديث الشريف الذي يروى عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: (إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا بما تيسّر منه)
، فذكر اختلاف الناس في معناه، ثم ذكر الروايات
ص: 13
المختلفة فيه، و تحدث عن جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، ثم عن القراءات المختلفة، و انتهى إلى القول: (فالراءة المستعملة التي لا يجوز ردّها ما اجتمع فيها ثلاثة أشياء: أحدها: موافقة خط المصحف، و الآخر: كونها غير خارجة عن لسان العرب، و الثالث: ثبوتها بالنقل الصحيح. فما ورد من القرآن على هذا الترتيب وجب قبوله، و لم يسع أحدا من المسلمين ردّه. و ما عدم أحد الأشياء الثلاثة لم يجز استعماله).
و لا بد من الإشارة إلى أنّ أصحاب التراجم و الطبقات لم يذكروا هذا الكتاب ضمن كتب المهدويّ، و لم تشر إليه كتب القراءات.
و قد ثبت أن الكتاب للمهدوي إذ إن ابن الجزري نقل عنه في موضعين من كتابه:
النشر في القراءات العشر، فقد جاء في 1/ 36: (قال الإمام أبو العباس أحمد بن عمّار المهدويّ: فأما اقتصار أهل الامصار في الأغلب على نافع و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي، فذهب إليه بعض المتأخرين اختصارا و اختيارا، فجعله عامة الناس كالفرض المحتوم حتى إذا سمع ما يخالفها خطّأ أو كفّر، و ربما كانت أظهر و أشهر، ثم اقتصر من قلّت عنايته على راويين لكل إمام منهم، فصار إذا سمع قراءة راو عنه غيرهما أبطلها، و ربما كانت أشهر. و لقد فعل مسبع هؤلاء السبعة ما لا ينبغي له أن يفعله، و أشكل على العامة حتى جهلوا ما لم يسعهم جهله، و أوهم كلّ من قلّ نظره أن هذه هي المذكورة في الخبر النبوي لا غير، و أكّد و هم اللاحق السابق، وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل هذه الشبهة). و هذا النص مذكور في كتاب المهدوي (ق 121 ب)، و قد تصرف ابن الجزري في النص.
و جاء في النشر 1/ 37 بعد النص السابق: و قال أيضا: (القراءة المستعملة التي لا يجوز ردّها ما اجتمع فيها ثلاثة شروط، فما جمع ذلك وجب قبوله و لم يسع أحدا من المسلمين ردّه سواء كانت عن أحد من الأئمة السبعة المقتصر عليهم في الأغلب أو غيرهم). و هذا النص مذكور أيضا في كتاب المهدويّ (ق 120 ب) مع خلاف بسيط.
و نقل ابن الجزري نصا آخر عن المهدويّ في كتابه (منجد المقرئين و مرشد الطالبين) ص 54- 55. و النص مذكور في كتابنا هذا (ق 120 ب) مع خلاف قليل.
كل هذا يدل على صحة نسبة الكتاب إلى المهدويّ.
و يبقى أمر مهم هو أن المهدويّ ذكر في مواضع من كتابه هذا ما يؤكد أن هذا الكتاب هو فصل من أحد كتبه.
قال المهدويّ: (و قد ذكرت جميعها عند ذكر خط المصحف).
ص: 14
و قال في موضع آخر: (و قد ذكرت عند ذكري حروف الاختلاف جميع ما وصل إلي من القراءات، و ما روي عن هؤلاء السبعة من الطرق و الروايات).
و قال أيضا: (و لست فيما قدمته في هذا الفصل ...).
من كل هذا نخلص إلى أن هذا الكتاب هو فصل من كتابه الكبير (الهداية)، الذي كان من مصادر ابن الجزري في النشر، و تقريب النشر، و منجد المقرئين. و ما النقول التي أوردها ابن الجزري للمهدويّ إلّا من كتاب الهداية، و اللّه سبحانه أعلم بالصواب.
مخطوطتا الكتاب:
اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسختين هما:
أولا- نسخة جستربتي: (3653):
و تقع هذه النسخة ضمن مجموع فيه الكتب و الرسائل الآتية:
1- منجد المقرئين: لابن الجزري.
2- المرشد الوجيز: لأبي شامة المقدسي.
3- شرح حديث (أنزل القرآن على سبعة أحرف): لابن تيمية.
4- الدر النضيد في معرفة التجويد: لنجم الدين المارديني.
5- شرح الواضحة في تجويد الفاتحة: للمرادي.
6- شرح درة القاري: لمجهول.
7- المفيد في شرح عمدة المجيد: للمرادي.
8- بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات و كثرة الطرق و الروايات: للمهدوي.
9- رسالة في أسباب حدوث الحروف: لابن سينا.
10- شرح القصيدة الخاقانية: للداني.
11- الموجز في تجويد القراءة و تحقيق ألفاظ التلاوة: لمكي بن أبي طالب.
13- التمهيد في علم التجويد: لابن الجزري.
14- طيبة النشر: لابن الجزرى.
و عدد أوراق المجموع 245 ورقة، و كتاب المهدوي فيه في الأوراق 119- 122.
ص: 15
و في كل صفحة 27 سطرا. أما تاريخ النسخ فهو سنة 859 ه. و قد جعلت هذه النسخة أصلا لنفاستها.
(تنظر مجلة المورد م 2 ع 2 1973: ذخائر التراث العربي في مكتبة جستربتي ص 197).
ثانيا- نسخة المدرسة الإسلامية في الموصل: (5/ 20)
و تقع أيضا ضمن مجموع فيه الكتب و الرسائل الآتية:
1- خبرة الفقهاء: لشرف الدين بن أسد الفرغاني.
2- تمييز الطيب من الخبيث مما يدور على ألسنة الناس من الحديث: لابن الديبع الشيباني.
3- مزيل اللبس عن حديث رد الشمس: لشمس الدين أبي عبد اللّه الدمشقي.
4- رسالة في علم الحديث في معرفة من روى عن أبيه عن جده عن النبي (صلّى اللّه عليه و سلّم):
لشمس الدين أبي عبد اللّه الدمشقي.
5- الدر الموصوف (المرصوف) في وصف مخارج الحروف: لأبي المعالي محمد بن أبي الفرج الموصلي.
6- بيان السبب الموجب لاختلاف القراءات و كثرة الطرق و الروايات: لأبي العباس المهدوي.
7- أسباب حدوث الحروف: لابن سينا.
8- مقدمة في معرفة الوقف التام و الكافي و القبيح: لتقي الدين يعقوب القاهري.
9- طبقات الحنفية: لابن قطلوبغا.
و عدد أوراق المجموع 244 ورقة، و كتاب المهدويّ فيه في الأوراق 184- 190.
و في كل صفحة 17 سطرا. و لم يذكر الناسخ و هو محمد بن موسى بن عمران سنة نسخ كتاب المهدوي. و لكن تاريخ نسخ الكتاب الذي سبقه في هذا المجموع، و هو (الدر الموصوف)، سنة 847 ه بقلم الناسخ نفسه.
ثمة أمر آخر هو أن مؤلف كتابنا هذا ذكر في فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل 2/ 83 باسم (أبو العباس أحمد بن القاسم محمد المغربي الهروي المتوفى سنة 1013 ه).
و أحال مؤلف الكتاب على هدية العارفين 1/ 152. و هذا خطأ فاضح، لأن اسم
ص: 16
المهدوي مذكور في صفحة العنوان (ق 184 أ) كما هو واضح في الصور المرفقة في نشرتنا هذه.
و قد رمزنا لها بالحرف (م).
و لا بد من الإشارة إلى أن الفضل في نشر هذا الكتاب يرجع إلى الأخ الكريم الأستاذ غانم قدوري حمد الذي قدّم صورة للنسختين هدية لي فجزاه اللّه تعالى عن العلم و أهله خير الجزاء.
و الحمد للّه الذي هدانا لهذا، و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، و ما توفيقي إلّا باللّه، عليه توكلت و إليه أنيب.
ص: 17
ص: 18
ص: 19
ص: 20
ص: 21
ص: 22
ص: 23
ص: 24
(119 ب) بسم اللّه الرحمن الرّحيم [رب يسر و أعن بفضلك
القول في السبب الموجب لاختلاف القراءات و كثرة الطرق و الروايات
إن قال قائل: ما سبب هذا الاختلاف الذي كثر بين القراء في ألفاظ القرآن؟ قيل له:
سببه تفضيل اللّه عزّ و جلّ القرآن على سائر الكتب المنزلة فيما سلف من الأزمان، كما فضل المرسل به بالخوض في الشفاعة و الإرسال إلى الجماعة مما كان على عهده من العرب و العجم و من بعدهم من الأمم، و إظهار دينه على الدين كلّه، و الأعلام الدالة على شرفه على سائر الأنبياء و فضله و إضافته ذكره في الأذان و غيره، إلى ذكره و قسمه عزّ و جلّ بعمره (1)، و غير ذلك من الفضائل التي خصّه بها دون غيره.
فكان من فضائله عليه السّلام ما خصّه به من هذا الكتاب البديع النظام، الواسع اللغات، المنصرف بوجوه القراءات.
و لست فيما قدّمته في هذا الفصل بمعتقد تفضيل بعض كلام اللّه تعالى على بعض في الذات، إذ كان ذلك إنّما يجوز في المخلوقات، لكن لمّا كان الأجر يزيد بزيادة القراءات و اتساع اللغات، أطلقنا التفضيل في الأجر لا في الذات.
و ثبت عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، من طرق كثيرة صحيحة: أنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف (2).
ص: 25
و اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا كثيرا، فأكثرهم على أنّ معناه في الألفاظ المسموعة لا في المعاني المفهومة.
و الدليل على صحة ذلك ما رويناه من طرق، منها:
ما أخبرنا به محمد بن السماك (1) بمكة عن أبي زيد محمد بن أحمد المروزيّ (2) عن محمد بن يوسف الفربريّ (3) عن محمد بن إسماعيل البخاري (4) عن سعيد [بن كثير] بن عفير (5) عن اللّيث (6) عن عقيل (7) عن ابن شهاب (8).
و أخبرني به جدي مهدي بن إبراهيم عن أحمد بن أبي الموت المكي عن عليّ بن عبد العزيز البغوي (9) عن القعنبيّ (10) عن مالك (11) عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير (12) عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ (13).ف.
ص: 26
و
في إسناد البخاريّ (1) عن مسور بن مخرمة (2) و عبد الرحمن بن عبد القاريّ أنّهما سمعا عمر بن الخطاب، رضي اللّه عنه، يقول: سمعت هشام بن حكيم (3) يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فاستمعت لقوله فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فكدت أساوره (4) في الصّلاة، فتصبرت حتى سلّم، فلبّبته (5) بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ فقال: أقرأنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقلت:
كذبت فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقلت: إنّ هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:
أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول اللّه، صلّى اللّه (120 أ) عليه و سلّم: كذلك أنزلت. ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا بما تيسّر منه.
هذا لفظ رواية البخاري، فأمّا لفظ
رواية القعنبيّ عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ فإنّه قال:
(سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، قال: و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد أقرأني إياها على حروف أخرى، فكدت أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه، فجئت به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقلت: يا رسول الله إني سمعه هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت. إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسّر منه).
فهذا الحديث ينبئ (6) أنّ الحروف التي نزل عليها القرآن في المسموع لا في المفهوم كما روي من قول من تأوّله في المعاني، كالحلال و الحرام و ضرب الأمثال و غير ذلك من المعاني التي ذكروها، إذ لو كانت الحروف السبعة في المفهوم دون المسموع لم
ن.
ص: 27
يذكر عمر قراءة هشام، و لم يأمرهما النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بالقراءة، و يصوّب قراءة كلّ واحد منهما.
ثم اختلف الناس بعد في كيفية الحروف السبعة: هل يشتمل عليها المصحف التي اجتمعت عليه الأمّة أو على بعضها؟
فأشبه ما قيل في ذلك و أصحّه قولان:
أحدهما: أنّ المصحف قد اشتمل على جميع الحروف المنزل عليها القرآن، و أنّ خطّه محتمل لجميعها، و أنّ جميع ما روي من القراءات المخالفة للخطّ محمول على وجه التفسير، و حمله الرواة على أنّه من التلاوة.
و هذا (1) تأويل ما ثبت به النقل، و أسقطوا من ذلك ما ضعف النقل فيه، و قالوا: إنّ هذا (2) القرآن إنّما هو منقول نقل الكافّة عن الكافّة، فلا يجوز أن يعارض بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم. و قالوا: لا يجوز أن يمنع الصحابة الذين جمعوا المصحف من (3) قراءة شي ء قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و هو يقرأ، و يجمعوا مصحفا موافقا لبعض الحروف التي نزل القرآن عليها مخالفا لبعضها.
و قالوا: إنّما نسخ عثمان، رضي اللّه عنه، الصحف التي كانت عند حفصة، التي جمعها أبو بكر، رضي اللّه عنه، لم يزد فيها و لا نقص منها.
فهذا مذهب حسن يعضده النظر و توافقه الأصول.
و ذهب كثير من أهل العلم إلى أنّ المصحف غير مشتمل على جميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، و إنّما اشتمل على بعضها، و ذلك البعض جزء من جملتها غير محدود بحرف أو حرفين أو ثلاثة أو أكثر منها. و أن هذا المصحف المجمع عليه قد منع من القراءة بكل ما لا يحتمله خطّه لما رأى الصحابة في جمعه، و الاقتصار عليه من الصلاح للأمّة حين وقع على عهد عثمان، رضي اللّه عنه، ما وقع في الاختلاف (120 ب) في القرآن، و قدم عليه حذيفة بن اليمان (4) بالأخبار بذلك من أذربيجان.
و جمع عثمان الصحابة فاجتمع رأيهم على أن أخذوا الصحف التي كان أبو بكر، رضي اللّه عنه، جمعها، و كانت بعد وفاته عند عمر رضي اللّه عنه، ثم عند حفصة بنت).
ص: 28
عمر زوج النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فأخذوا الصحف و أمروا زيد بن ثابت (1) و عبد اللّه بن الزبير (2) و سعيد بن العاص (3) و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (4)، فكتبوا المصحف، و جعل نسخا خمسا، و قيل سبعا، أي خمس نسخ أو سبع نسخ، و بعث إلى كلّ مصر نسخة، و ردّ الصحف إلى حفصة، و أمر بالمصاحف المخالفة لها، فيما روي، فألقيت في ماء حارّ.
و كان سبب جمع أبي بكر، رضي اللّه عنه، كثرة القتل في قرّاء القرآن في الغزوات، فخاف أن يذهب بعض القرآن، و كلّمه في ذلك عمر، رضي اللّه عنه، فأمر زيد بن ثابت فجمعه من صدور الرجال و الرقاع و السعف و اللخاف.
فكان في مصحف ابن مسعود (5) و غيره خلاف كثير لهذا المصحف المجمع عليه، و كلّ ذلك من جملة الحروف التي نزل عليها القرآن، فلمّا اجتمع رأي الصحابة على الاقتصار على هذا المصحف لما رأوا في ذلك من الصلاح، و أنفذوا النسخ منه إلى الأمصار، و الناس حينئذ يقرءون كما أقرئوا، قرأ كلّ مصر من القراءات التي كانوا عليها ما وافق رسم مصحفهم، و تركوا القراءة بما خالفه.
فإن احتمل رسم كلمة أن تقرأ على وجوه، و الخطّ محتمل لها، كالوجوه المروية في: أرجئه (6) و بِعَذابٍ بَئِيسٍ (7) و وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ (8)، و أما أشبه ذلك، قرءوا بجميعها، إذ هي غير خارجة عن الرسم.
و إن وجدوا قراءة مخالفة تركوها لإجماع الأمة على ذلك، و الإجماع حجة و أصل من أصول الشرع، و لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، لمّا ذكر الحروف التي نزل عليها القرآن قال: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ، فأباح الاقتصار على بعضها، و لم يلزمنا القراءة بجميعها.
فصارت القراءة المستعملة بعد جمع الصحف إلى يومنا هذا، على هذا القول بعض
).
ص: 29
الحروف التي نزل عليها القرآن دون كلّها.
و استدلوا على ذلك بالأخبار الصحيحة المروية في القراءات المخالفة لمرسوم المصحف، نحو: فطلقوهن لقبل عدتهن (1) و صراط من أنعمت عليهم (2)، و جاءت سكرة الحق بالموت (3)، و ما أشبه ذلك، و هو كثير قد ثبتت به الرواية، إلّا أنّها أخبار آحاد، و القرآن منقول بنقل الكافة عن الكافة.
فالقراءة المستعملة التي لا يجوز ردّها ما اجتمع فيها ثلاثة أشياء:
أحدها: موافقة خطّ المصحف.
و الآخر: كونها غير خارجة عن لسان العرب.
و الثالث: ثبوتها بالنقل الصحيح.
فما ورد من القرآن على هذا الترتيب وجب قبوله، و لم يسع أحدا من المسلمين ردّه. و ما عدم أحد الأشياء الثلاثة لم يجز استعماله.
و وجوه الاختلاف في الحروف التي نزل عليها القرآن على مذهب أصحاب هذا القول يقع على ضروب، فمنها:
ما تختلف (4) فيه الألفاظ و معانيه متفقة، و اختلاف الألفاظ يقع على ضروب:
(121 أ) منها التقديم و التأخير، نحو ما روي ممّا تقدّم ذكره من قراءة من قرأ: (و جاءت سكرة الحق بالموت).
و منها ما يكون بزيادة، نحو: (فطلقوهن لقبل عدتهن) و (حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى صلاة العصر) (5).
و منها ما يكون بنقصان، نحو قراءة من قرأ: (حم سق) (6)، بغير عين.8.
ص: 30
و منها ما يكون بإبدال كلمة مكان أخرى، نحو قراءة من قرأ.
(إن كان إلا زقية واحدة) (1)، و قراءة من قرأ: (كالصوف المنفوش) (2).
فهذا و نظيره مما هو بدل باتفاق المعنى.
و قد تبدل كلمة مكان أخرى، و المعنى مختلف، نحو قراءة من قرأ: الم (1) تنزيل الكتب (3): الم* ذلِكَ الْكِتابُ.
فجميع هذه الضروب المتقدم ذكرها لا يقرأ بشي ء منها لمخالفتها رسم المصحف المجمع عليه.
و قد يكون الاختلاف عن وجوه تجوز القراءة بها إذا ثبتت و وافقت لغة قريش (4).
فمن ذلك أن يقع تبديل حروف الكلمة و الخطّ واحد: (ننشرها) و نُنْشِزُها (5)، بالراء و الزاي. و يَقُصُّ الْحَقَّ (6) و (يقض الحق)، بالصاد و الضاد، على أن تكون الياء من (تقضي) حذفت من الخطّ كما حذفت من اللفظ، لالتقاء الساكنين. و له في القرآن نظائر، نحو: وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ (7) و سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) (8). و قد ذكرت جميعها عند ذكر خط المصحف.
و من الاختلاف ما يكون في إعراب الكلمة و حركات بنائها مع تغيير المعنى، نحو:
(و ادكر بعد أمه) و بَعْدَ أُمَّةٍ (9).4.
ص: 31
و منه ما لا يتغير فيه المعنى، نحو: (البخل) و بِالْبُخْلِ (1)، و مَيْسَرَةٍ و (ميسرة) (2) و ما أشبه ذلك.
و يدخل في هذا وجوه الاختلاف في أصول القراءات من الإظهار و الإدغام و الفتح و الإمالة، و ما أشبه ذلك.
فهذه الوجوه المذكورة و ما أشبهها تجوز القراءة بها ما كانت موافقة للغة العرب ثابتة بالنقل الصحيح، لموافقتها المصحف المجمع عليه، و هي التي أذكرها في هذا الكتاب دون ما خالفه مرسوم المصحف إلّا ما ذكرته مما يخالف الخطّ على وجه الاستشهاد به على ما وافق الخطّ و التقوية له، لا على سبيل الرواية، و أنّه مما يستعمل في القرآن.
و ربّما ذكرت قريبا كان من موافقة المرسوم إذ كان فيه تأويل يرجع به إلى موافقته الخطّ، و سواء كان المروي من القراءات من قراءات قرّاء الأمصار السبعة الذين اقتصر عليهم الناس في أغلب الأمر أم من غيرها إذا كان موافقا للمرسوم و غير خارج عن اللغة، فإني أذكر جميع ما وصل إليّ من ذلك مما أخذته قراءة و رواية، و ربّما وقع في بعضه ما يضعف إسناده و يقلّ استعماله، فأذكره ليعرفه قارئ هذا الكتاب إذا سمعه أنّه مما قرأ به قارئ من المتقدمين، و إن لم يكن في القوّة كقراءة الجمهور، ليشتمل الكتاب على ما وصل إلينا من القراءات المشهورات و غير المشهورات سوى ما خالف المرسوم و ما لا وجه له في لغة العرب.
و ربّما ذكرت من ذلك ما ظاهره في لغة العرب أنّه غلط إذ كان له وجه من النظر و التحيل بردّه إلى اللغة إيثارا لنصرة الأئمة، و تحسينا للظن بسلف الأمّة.
فأمّا اقتصار (121 ب) أهل الأمصار في أغلب أمورهم على القرّاء السبعة الذين هم: نافع (3) و ابن كثير (4) و أبو عمرو (5) و عاصم (6) .......).
ص: 32
و حمزة (1) و الكسائي (2) و ابن عامر (3)، فإنّ ذلك [إنّما هو] على سبيل الاختصار عند ما رواه من أكثر القراءة بسبب اتساع الاختيارات، فذهب إلى ذلك بعض المتأخرين على وجه الاختيار و الاختصار، فجعله عامة الناس كالفرض المحتوم و الشرع المعيّن المعلوم حتى صار بعضهم إذا سمع قراءة تخالف شيئا مما بلغه من الحروف السبعة خطّأ قارئها، و ربّما كفّره، مع كون تلك القراءة التي أنكرها أشهر في القراءات، و أظهر في الروايات، و أقوى في اللغات.
و انضاف إلى ذلك أنّ من قلّت عنايته من المتأخرين اقتصر من طريق هذه القراءات السبع، التي اختارها لاقتصار عليها من سبقه من المتأخرين على أربع عشرة (4) رواية، فرأى حين اشتهروا عنده و عند أكثر الإقليم الذي هو فيه أنّ كلّ رواية جاءت من هؤلاء السبعة سواها باطل، و مع كون ذلك الذي عنده شاذّ أشهر و أجلّ من الذي اعتمد عليه.
فإنّ أحدا من العلماء بالرجال لا يشكّ أنّ إسماعيل بن جعفر (5) أجلّ قدرا من ورش عثمان بن سعيد (6)، و من قالون عيسى بن مينا (7)، و أنّ أبان بن يزيد العطار (8) أوثق و أشهر من حفص بن سليمان البزاز (9)، و كذلك كثير منهم.
و لقد فعل مسبّع هؤلاء السبعة ما لم يكن ينبغي أن يفعله، و أشكل على العامة حتى
ف.
ص: 33
جهلوا ما لم يسعهم جهله. و ذلك أنّه قد اشتهر عند الكافّة
قول النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)
، ثمّ عمد هذا المسبّع إلى قوم اختار كلّ رجل منهم لنفسه قراءة من جملة القراءات التي رواها، و كانوا لعمري أهلا للاختيار لثقتهم و أمانتهم و علمهم و فصاحتهم، فأطلق عليهم التسمية بالقراءات فأوهم بذلك كلّ من قلّ نظره، و ضعفت عنايته، أنّ هذه القراءات السبع هي التي
قال فيها النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)
، و أكّد وهمه ما يراه من اجتماع أهل الأمصار عليها و اطّراحهم ما سواها.
و ذلك لعمري موضع إشكال على الجهّال، و ليته إذ ذهب إلى الاقتصار على بعض قرّاء الأمصار، و اجتهد في الاختيار، جعلهم أقلّ من سبعة أو أكثر، فكان يزيل بذلك بعض الشبهة الداخلة على الأغمار.
نرغب إلى اللّه، عزّ و جلّ، التجاوز عن فعله الذي اعتمده، و حسن المجازاة على ما قصده، فإنّه لم يرد إلّا الخير و الفضل، لكن خفي عليه ما يدخل بذلك على أهل الضعف و الجهل، و اللّه المستعان.
و قد ذكرت عند ذكري حروف الاختلاف جميع ما وصل إليّ من القراءات، و ما روي عن هؤلاء السبعة من الطرق و الروايات.
فإن كان الحرف ممّا فيه رواية عن هؤلاء السبعة بدأت بذكرهم لشدّة حاجة الناس إلى استعمال قراءتهم و تعويلهم (1) عليهم. ثمّ ذكرت من وافقهم على ما قرءوا به من غيرهم ممن تقدّمهم أو (122 أ) اشتهر بالاختيار من أهل وقتهم و ما يليه، بعد أن أذكر الواردة عن القرّاء السبعة، على اختلاف طرقها.
و إن كان الحرف، مما لم يرو فيه هؤلاء السبعة، فيه شي ء، ذكرته و ذكرت ما به فيه إن شاء اللّه.
و لست أشترط تقصي كلّ قراءة رويت، شذّت أو اشتهرت، لكنني أذكر ما كان في روايتي، و هو الأكثر، بل لا يستدعيه إلّا اليسير، لأنّ أكثر معولي فيه على جامع ابن مجاهد (2) الكبير، فإنني رويته من طرق، و كثيرا ما أدخل حروفا من غيره، إذا كانت مما رويته، فأمّا ما وجدته في كتب المؤلفين و مسائل النحويين، مما لا رواية لي فيه، فإنّي لا أدخله في القراءات، إذ كان ذلك أمر لا ينبغي أن يقدم إلّا برواية.).
ص: 34
و لقد تأصّلت ما خرج عن روايتي في ذلك و تتبعته في الكتب، فوجدته يسيرا جدّا، إذ كان أبو بكر بن مجاهد- رحمه اللّه- قد احتفل في كتابه الجامع، فلم يشذّ عنه من القراءات إلّا اليسير، ثمّ أضفت أنا إليه ما رويته من سواه، و حذفت مما ذكره أيضا من القراءات و ما رويته عن غيره، و كلّ ما خالف مرسوم المصحف، لإجماع الأمة على رفضه.
فهذا الذي قدمناه أحسن ما تأوّله العلماء في معنى
قول النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف)
، و وجوه الاختلاف و المرويّ في حروف القرآن.
على أنني تركت أقوالا لم تقو، ليذهب من ذهب إلى أن الاختلاف في [الحروف (1) التي نزل عليها القرآن في المفهوم دون المسموع، كقولنا: حلال و حرام، و خبر ما كان، و خبر ما يكون، و ما أشبه ذلك من المعاني.
و كقول من ذهب إلى أنّ جميع ما يقرأ به من القراءات (2) الموافقة لخط المصحف إنّما هي (3) حرف واحد، و ذلك مذهب أبي جعفر الطبري (4) و غيره.
و أقوال غير ذلك تركتها و أوردت أقوى الأقاويل و أشبهها بالأصول، و باللّه التوفيق.
تمّ بحمد اللّه و عونه و حسن توفيقه في يوم الجمعة ثالث عشر شهر جمادى الآخرة من سنة تسع و خمسين و ثمانمائة على يد علي بن عبد اللّه بن محمد الغزي غفر اللّه له و لوالديه و لمشايخه و لجميع المسلمين أجمعين آمين (5).م.
ص: 35
فهرس المصادر و المراجع (1)
- المصحف الشريف.
- الإبانة عن معاني القراءات: مكي بن أبي طالب القيسي، ت 437 خ. تح د. محيي الدين رمضان، دمشق، 1979.
- إتحاف فضلاء البشر: الدمياطي، أحمد بن محمد، ت 1117 ه، مصر، 1359 ه.
- الإتقان في علوم القرآن: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، ت 911 ه، تح. أبي الفضل، مصر، 1967.
- أخبار النحويين البصريين: السيرافي، أبو سعيد الحسن بن عبد اللّه، ت 368 ه، تح.
الزيني و خفاجي، البابي الحلبي بمصر، 1955.
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ابن عبد البر القرطبي، يوسف بن عبد اللّه، ت 463 ه، تح. البجاوي، مط. نهضة مصر.
- أسد الغابة في معرفة الصحابة: ابن الأثير، عز الدين علي بن محمد، ت 630 ه، القاهرة، 1970- 1973.
- الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، ت 852 ه، تح.
البجاوي، مط. نهضة مصر، 1971.
- إعراب القرآن: النحاس، أبو جعفر أحمد بن محمد، ت 338 ه، تح. د. زهير غازي زاهد، بغداد، 1977- 1980.
ص: 36
- إنباه الرواة على أنباه النحاة: القفطي، جمال الدين علي بن يوسف، ت 646 ه، تح.
أبي الفضل إبراهيم، مط. دار الكتب، القاهرة، 1955- 1973.
- الأنساب: السمعاني، عبد الكريم بن محمد، ت 562 ه، حيدرآباد، الهند، 1962.
- البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي، أثير الدين محمد بن يوسف، ت 745، ه، مط السعادة بمصر، 1328 ه.
- البرهان في علوم القرآن: الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد اللّه، ت 794 ه، تح.
أبو الفضل إبراهيم، البابي الحلبي بمصر، 1957- 58.
- بصائر ذوي التمييز: الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، ت 817 ه. تح.
محمد علي النجار، القاهرة 1964- 1969.
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة: السيوطي، تح. أبو الفضل، الحلبي بمصر، 1965.
- البلغة في تاريخ أئمة اللغة: الفيروزآبادي، تح. محمد المصري، دمشق، 1972.
- تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، ت 463 ه، مط. السعادة بمصر، 1931.
- تاريخ القرآن: د. عبد الصبور شاهين، القاهرة، 1966.
- تأويل مشكل القرآن: ابن قتيبة، عبد اللّه بن مسلم، ت 276 ه، تح. سيد صقر، دار التراث، القاهرة، 1973.
- التبيان في إعراب القرآن: العكبري، أبو البقاء عبد اللّه بن الحسين، ت 616 ه، تح.
البجاوي، البابي الحلبي بمصر، 1976.
- تذكرة الحفاظ: الذهبي، شمس الدين، ت 748 ه، حيدرآباد- الدكن، 1376 ه.
- تفسير الطبري (جامع البيان): الطبري، أبو جعفر، محمد بن جرير، ت 310 ه، البابي الحلبي بمصر، 1954.
- تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن): القرطبي، محمد بن أحمد، ت 671 ه، القاهرة، 1967.
- تفسير الكشاف: الزمخشري، محمود بن عمر، ت 538 ه، مط. الحلبي بمصر، 1954.
- تقريب التهذيب: ابن حجر العسقلاني، تح. عبد الوهاب عبد اللطيف، بمصر.
ص: 37
- تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني، حيدرآباد، 1325 ه.
- التيسير في القراءات السبع: أبو عمرو الداني، عثمان بن سعيد، ت 444 ه، تح. أوتو برتزل، استانبول، 1930.
- جذوة المقتبس: الحميدي، محمد بن فتوح، ت 488 ه، تح. محمد بن تاويت الطنجي، مط. السعادة بمصر، 1952.
- الجرح و التعديل: ابن أبي حاتم الرازي، عبد الرحمن بن محمد، ت 327 ه، حيدرآباد.
- جمال القراء و كمال الإقراء: علم الدين السخاوي، علي بن محمد، ت 643 ه، مصورة غانم قدوري حمد عن نسخة دار الكتب الظاهرية بدمشق.
- الحجة في القراءات السبع: ابن خالويه، الحسين بن أحمد، ت 370 ه، تح. د.
عبد العال سالم مكرم، بيروت، 1977.
- حجة القراءات: أبو زرعة، عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة، ق 4 ه، تح. سعيد الأفغاني، منشورات جامعة بن غازي، 1974.
- السبعة في القراءات: ابن مجاهد، أبو بكر أحمد بن موسى، ت 324 ه، تح. د.
شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، 1972.
- سراج القارئ: ابن القاصح، علي بن عثمان، ت 801 ه، البابي الحلبي بمصر، 1954.
- شذرات الذهب: ابن العماد الحنبلي، عبد الحي، ت 1089 ه، مكتبة القدسي بمصر، 1350 ه.
- صحيح البخاري: البخاري، محمد بن إسماعيل، ت 256 ه، مط. محمد صبيح، القاهرة.
- صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج، ت 261 ه، تح. محمد فؤاد عبد الباقي، البابي الحلبي بمصر، 1955.
- الصلة: ابن بشكوال، خلف بن عبد الملك، ت 578 ه، الدار المصرية للتأليف و الترجمة، القاهرة، 1966.
- طبقات الشافعية: السبكي، تاج الدين، ت 771 ه، تح. الحلو و الطناحي، البابي الحلبي بمصر، 1964- 1976.
ص: 38
- طبقات الفقهاء: الشيرازي، إبراهيم بن علي، ت 476 ه، تح. د. إحسان عباس، بيروت، 1970.
- الطبقات الكبرى: ابن سعد، محمد، 230 ه، بيروت، 1957.
- طبقات المفسرين: السيوطي، ليدن، 1839.
- طبقات المفسرين: الداودي، محمد بن علي، ت 945 ه، تح. علي محمد عمر، القاهرة 1972.
- طبقات النحاة و اللغويين: ابن قاضي شهبة، أبو بكر بن أحمد، ت 851 ه، مصورة عن نسخة دار الكتب الظاهرية بدمشق.
- العبر في خبر من غبر: الذهبي، تح. فؤاد السيد، الكويت، 1961.
- عمدة القارئ في صحيح البخاري: بدر الدين العيني، محمود بن أحمد، ت 855 ه، المطبعة المنيرية بمصر.
- غاية النهاية في طبقات القراء: ابن الجزري، محمد بن محمد، ت 833 ه، تح.
برجستراسر و برتزل، القاهرة، 1932- 1935.
- غريب الحديث: أبو عبيد، القاسم بن سلام، ت 224 ه، حيدرآباد، 1965- 1967.
- فتح الباري في شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني، مصر.
- فهرس الكتابخانه الخديوية: مط. الشيخ عثمان عبد الرازق، مصر، 1983.
- فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية (علوم القرآن): د. عزة حسن، دمشق، 1963.
- فهرس المخطوطات المصورة: فؤاد السيد، القاهرة، 1954.
- فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة في الموصل (المدرسة الإسلامية): سالم عبد الرزاق، بغداد، 1975.
- فهرس المخطوطات و المصورات (في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، السعودية، 1982.
- الفهرست: ابن النديم، محمد بن إسحاق، ت 380 ه، مط. الاستقامة، القاهرة.
- فهرسة ما رواه عن شيوخه: ابن خير الإشبيلي، محمد، ت 575 ه، بيروت، 1962.
- كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون: حاجي خليفة، ت 1067 ه، استانبول، 1941.
ص: 39
- الكشف عن وجوه القراءات السبع و عللها و حججها: مكي بن أبي طالب القيسي، تح.
د. محيي الدين رمضان، دمشق، 1974.
- لطائف الإشارات لفنون القراءات: القسطلاني، شهاب الدين، ت 923 ه، تح. عامر السيد عثمان، ود. عبد الصبور شاهين، القاهرة، 1972.
- مباحث في علوم القرآن: د. صبحي الصالح، بيروت، 1968.
- محاضرات في علوم القرآن: غانم قدوري حمد، بغداد، 1981.
- المحتسب في تبيين وجوه القراءات و الإيضاح عنها: ابن جنّي، أبو الفتح عثمان، ت 392 ه، تح. النجدي و النجار و شلبي، القاهرة، 1966- 69.
- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ابن عطية، عبد الحق، ت 541 ه، تح.
أحمد صادق الملاح، القاهرة، 1974.
- مختصر في شواذ القرآن: ابن خالويه، تح. برجستراسر، مط. الرحمانية بمصر، 1934.
- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز: أبو شامة المقدسي، شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل، ت 665 ه، تح. طيار آلتي قولاج، دار صادر، بيروت، 1975.
- مسند أحمد: أحمد بن حنبل، ت 241 ه، القاهرة، 1313 ه.
- مشاهير علماء الأمصار: ابن حبان البستي، محمد، ت 354 ه، تح فلايشهمر، القاهرة، 1959.
- مشكل إعراب القرآن: مكي بن أبي طالب، تح. حاتم صالح الضامن، بغداد، 1975.
- المصاحف: السجستاني، أبو بكر عبد اللّه بن أبي داود، ت 316 ه، تح. د. آرثر جفري، مط الرحمانية بمصر، 1936.
- المعارف: ابن قتيبة، تح. د. ثروة عكاشة، دار المعارف بمصر، 1969.
- معاني القرآن: الفراء، يحيى بن زياد، ت 207 ه، تح. النجار، الدار المصرية للتأليف و الترجمة، القاهرة.
- معجم الأدباء: ياقوت الحموي، ت 626 ه، مط. دار المأمون بمصر، 1936.
- معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة، مط. الترقي بدمشق، 1961.
- معرفة القراء الكبار على الطبقات و الأعصار: الذهبي، تح. محمد سيد جاد الحق، مط دار التأليف بمصر 1969.
ص: 40
- مفتاح السعادة و مصباح السيادة: طاش كبري زادة، ت 968 ه، تح. كامل بكري، و عبد الوهاب أبو النور، مصر.
- مفتاح الصحيحين (البخاري و مسلم): الحافظ محمد الشريف بن مصطفى التوقادي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1975.
- مقدمتان في علوم القرآن (مقدمة كتاب المباني لمجهول، و مقدمة ابن عطية): تح. آرثر جفري، مصر، 1954.
- منجد المقرئين و مرشد الطالبين: ابن الجزري، نشر مكتبة القدسي بمصر، 1350 ه.
- ميزان الاعتدال في نقد الرجال: الذهبي، تح. البجاوي، البابي الحلبي بمصر.
- النشر في القراءات العشر: ابن الجزري، تصحيح علي محمد الضباع، مط. مصطفى محمد بمصر.
- نكت الانتصار لنقل القرآن: الباقلاني، محمد بن الطيب، ت 403 ه، تح. د. محمد زغلول سلام، منشأة المعارف بالإسكندرية، 1971.
- نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا: د. رمضان ششن، بيروت، 1975.
- نور القبس من المقتبس: الحافظ اليغموري، يوسف بن أحمد، ت 673 ه، تح.
زلهايم، مط. الكاثوليكية، بيروت، 1964.
- هدية العارفين: إسماعيل باشا، ت 1339 ه، استانبول، 1964.
- الوافي بالوفيات: الصّفدي، خليل بن أيبك، ت 764 ه، تح. د. إحسان عباس، مطابع دار صادر، بيروت، 1969.
- وفيات الأعيان: ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد، ت 681 ه، تح. د.
إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت.
ص: 41