نام كتاب: الإمام الباقر و أثره في التفسير
نويسنده: حكمت عبيد الخفاجى
موضوع: مفسر پژوهى
تاريخ وفات مؤلف: معاصر
زبان: عربى
تعداد جلد: 1
ناشر: موسسة البلاغ
مكان چاپ: بيروت
سال چاپ: 1426 / 2005î
نوبت چاپ: اوّل
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
بسم اللّه الرّحمن إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
صدق اللّه العلي العظيم
آل عمران33/-34
*****
ص: 5
ص: 6
بسم اللّه الرّحمن الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين حبيب اللّه و حبيب قلوب المؤمنين رسول اللّه محمد بن عبد اللّه و على آله الطيبين الطاهرين،و على صحبه الميامين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فان من عناية اللّه تعالى و لطفه أن يقيض للقرآن الكريم من يخدمه، لما في ذلك من استمرارية نشر النور الإسلامي الساطع و الأجر الرائع،و لما ينطوي عليه من نفع للمسلمين.
و لهذا هبّ علماء الأمة الإسلامية من أول نزول القرآن يحاولون فهمه، و الوصول إلى مراد اللّه تعالى من خلاله،فكان الصحابة الكرام(رضي اللّه عنهم)يعقدون مجالسهم لمدارسته و العمل به،فإن أشكل عليهم معنى أو غمض عليهم تركيب،لجؤوا إلى معلمهم الأكرم و مفسرهم الأقدم رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يسألونه و يستوضحونه لسابق علمهم بأن هذا النبي الكريم كان من إحدى أهم وظائفه بيان كتاب اللّه،قال تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (1)فيجدون عنده ضالتهم و يروون من سلسبيله ظمأهم،فما التحق رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)بالرفيق الأعلى حيث المقامات السامية و جنة الخلد العالية حتى شمرّ صحابته الكرام(رضي اللّه عنهم)عن ساعد السعي الحثيث و الجد الدءوب في تعليم القرآن الكريم
********
(1) النحل44/.
ص: 7
درسا و قراءة و حفظا و عملا و سار على نهجهم جهد الميامين من التابعين و تابعي التابعين يأخذون عنهم و ينقلون ما أخذوه إلى الناس و ذلك للحاجة الشديدة إلى هذا الأخذ و النقل،بعد أن اتسعت الرقعة الإسلامية بما منّ اللّه تعالى على المسلمين بفتح البلدان و الأمصار ليستضيئوا بنور الإسلام و يستنيروا بهديه،فاختلطت ثقافات أجنبية بالثقافة الإسلامية و ظهرت مشاكل فكرية ما كانت لتظهر لو لا هذا الاختلاط و ذاك الاتساع.
فانبرى التابعون يذودون عن حياض الإسلام و يحمون بيضته من أن تتسلل إليه أفكار خارجة عن حدوده و أطره الفكرية،و الاجتماعية، و السياسية،و العلمية.
و أحس التابعون أنهم لا يستطيعون الوقوف بوجه التيارات المضادة إلا بمعرفة معاني القرآن و الغوص في تفسيره للتوصل إلى فهم مراد اللّه تعالى،مدركين بأن في القرآن الكريم جميع الحلول و كل عرى المنظومة الفكرية الإسلامية بما ينظّم كل مجالات الحياة دنيوية أو أخروية،فأقبلوا عليه موصلين الليل بالنهار تعلما،و دراسة،و قراءة،و حفظا،و تدبرا، فكان لهم ما يريدون.
و كان الإمام الباقر(عليه السّلام)من جملتهم،بيد أن صفة الفقيه ظلت تلازمه،حتى أن علماء الرجال و التراجم و الطبقات عدوّه من فقهاء المدينة المنورة البارزين،فأردت التحقق من ذلك فبحثت في ثنايا المصادر من كتب حديث و تفسير ففوجئت بأن الإمام مفسر بارز للقرآن الكريم، و من الطراز الأول،من خلال ما عرض أمامي و تجمع لدي من روايات له في التفسير هذا من جهة،و من خلال ما تلمست من أثر له في معاصريه و في من جاء بعده من جهة أخرى.
و من هذا المنطلق رأيت أن يكون موضوع دراستي هو(الإمام الباقر(عليه السّلام)و أثره في التفسير)لما عرف عنه من دور كبير في علم التفسير و العلوم الأخرى التي خدمت القرآن الكريم،و لما له من مقام معروف بين
ص: 8
التابعين و أثر واضح في غيره من المفسرين،فقد عرف الإمام الباقر(عليه السّلام) بشخصيته المتميزة بين الناس و بين الأوساط العلمية في عصره،فكما عرفناه حفيدا لرسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،مترعرعا فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ (1)عرفناه قارئا للقرآن،و إماما مفتيا،و ناصحا أمينا،و مفسرا بارعا، و عالما كبيرا،حتى غدا قرين العلم،لا يذكر العلم في مناسبة أو مكان إلا و ذكر معه،فكان باقر علوم الأولين و الآخرين بلا منازع،فتوجهت أنظار المسلمين إليه،ليأخذوا منه العلم كما يأخذون منه تفسير القرآن الكريم، كاشفا لهم عن معضلات العلم و موضحا لهم غامض المسائل،فصار مرجع الخاصة و العامة على السواء.
و لقد استهدفت من دراستي هذه أمورا منها:الكشف عن الخطوة الثانية-بعد الصحابة-التي خطاها علم التفسير و تشخيص تطوره و إبراز ما تميز به فيها و بيان مصادره و أهدافه،و مدى مشاركة و إسهام الإمام الباقر(عليه السّلام)في إرساء بعض دعائمه و تأصيل بعض قواعده،ليكون ذلك الكشف نورا يستهدي به فيما بعد المفسرون لكتاب اللّه تعالى.
و منها:معرفة الثابت الصحيح عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في التفسير لأهميته و ضرورته لكل من يريد الفهم السليم لكتاب اللّه و ذلك بالتحري في أقوال المفسرين-صحابة و تابعين-و بيان الصحيحة منها و التثبت فيها،و معرفة الضعيف و الموضوع منها.
و من المعلوم أن أقوال أئمة آل البيت عامة و الإمام الباقر(عليه السّلام)خاصة قد خالطها الكثير من المنسوب إليه مما لا يصح ثبوته عنه،فعزف بعض المفسرين عن الاعتماد على تلك الأقوال،خشية عدم ثبوت بعض منها،و تمادى آخرون في عزوفهم حتى أنهم ضعفوا كلّ ما ورد عنه جملة و تفصيلا،غير ناظرين إلى سند تلك الأقوال،و اشتط آخرون في الجانب المقابل و عدوا كل
********
(1) النور36/.
ص: 9
ما وصل سنده إلى الإمام صحيحا و ثابتا و إن كان في السند ما يضعفه أو يشين به،فكان لنا موقف إزاء الموقفين،فتحرينا عن سند تلك الأقوال و تثبتنا من رجالها،و فرزنا ما كان صحيحا منها أو ضعيفا أو مكذوبا عليه،فكان نتيجة ذلك أن الروايات التفسيرية المنقولة عنه لم تكن كلها خالية من الكذب و لا معصومة كما يجب،بل فيها ما يرد و فيها ما يعتمد في الإطار العام للفهم الشمولي للإسلام.
و أظن أن الباحثين لم يسبقوني لمثل هذه الدراسة-في حدود ما اطلعت عليه-بحثا أكاديميا كان أو تأليفا سوى أحد الباحثين المعاصرين و هو الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه«حياة الإمام الباقر(عليه السّلام)»غير أن هذا لم يكن دراسة وافية و لا فيه تحليل علمي دقيق بقدر ما كان تعريفا بالإمام و عصره و الظروف التي نشأ و عاش فيها،و لم يكن هذا قصورا من المؤلف-حاشا للّه-و لكنها طريقة لإيصال المعلومات إلى أكثر عدد من الناس،و تبقى له فضيلة السبق فقد أفدت منه إفادات كثيرة جدا فجزاه اللّه عني خير الجزاء.
و منهجنا في هذه الرسالة قائم على سلوك البحث العلمي المتجرد عن التعصب و الهوى استقراء و استقصاء،مبرزا بشكل خاص ما للإمام الباقر(عليه السّلام)من جهد واضح في علوم القرآن و التفسير دون التجني على جهود الآخرين لعلمنا بأنهم جميعا كانوا يشتركون و يجتمعون على هدف واحد،هو خدمة كتاب اللّه تعالى و بيان مراميه بإخلاص و تفان قل نظيرهما في التراث الإنساني.
و قد اقتضت طبيعة الرسالة أن تقسم على:مقدمة و بابين و خاتمة.
أما الباب الأول:فخصصته لدراسة حياة الإمام الباقر(عليه السّلام)و ما يتعلق بها و جعلته على أربعة فصول:
الفصل الأول:عقدته لحياته الشخصية،فعرفت باسمه و نسبه و ولادته و وفاته و بينت الراجح في الأخيرتين،و ذكرت مكان دفنه و كنيته
ص: 10
و رجحت رأيا في ألقابه،كما تكلمت على أسرته،و سردت نبذة عن أخلاقه و صفاته و عبادته،و ختمت الفصل ببعض وصاياه و مواعظه و أقواله الخالدة.
الفصل الثاني:تحدثت فيه عن شيء من سيرته العلمية،فبينت فيه حثه على طلب العلم مسجلا بعض أقواله في العلم و العلماء،و تحدثت بشيء من الاقتضاب عن علومه و معارفه و ما برع فيه من حديث و فقه و أصول فقه و علم بالسيرة الشريفة،ثم كشفت النقاب عن مشاركته الفعالة في تعريب العملة في دار الإسلام بعد أن ذكرت الأقوال في ذلك فرجحت أحدها،ثم عرجت على ذكر مناظراته مع الخوارج و المعتزلة و غلاة الشيعة و بعض الفقهاء و المفسرين و بينت هناك تسليم العلماء له بالمكانة الرفيعة،و كان ختام هذا الفصل مخصصا للحديث عن مكانته و أقوال العلماء فيه.
الفصل الثالث:ترجمت فيه للذين روى عنهم الإمام الباقر(عليه السّلام) و قسمتهم قسمين:الأول:آباؤه الكرام،و الثاني:الصحابة العظام (رضي اللّه عنهم)،و بعد ذلك ترجمت لتلامذته و رواة علمه و عرضت كل واحد منهم على معايير نقد الرجال،مستوضحا آراء علماء الجرح و التعديل من الفريقين.
الفصل الرابع:عرفت فيه بمصادر الإمام الباقر(عليه السّلام)في التفسير،و تنوع هذه المصادر من كتاب و سنة و اجتهاد صحيح،أسهم من خلالها في إغناء هذا العلم و ترصين بعض قواعده،و عرضت فيه لكل واحد من تلك المصادر المعتمدة عند الإمام ببعض النماذج لتؤيد ما اختاره من مصادره.
و أما الباب الثاني:فقد درست فيه أثر الإمام الباقر(عليه السّلام)في التفسير من خلال عرض جهوده،و قسمته خمسة فصول:
الفصل الأول:خصصته للكلام على آرائه و أثرها في علوم القرآن مبينا آراءه في الناسخ و المنسوخ و موضحا موقفه منه،كما وضحت جهوده في علم أسباب النزول و توجيهه لها،قبل أن أعرج على إسهاماته
ص: 11
في القراءات القرآنية و موقفه من حديث الأحرف السبعة،مختتما ذلك ببعض التطبيقات لقراءاته.ثم بينت جهوده في فضائل القرآن الكريم فوجدت أن معظمها قد استلهم فيها أحاديث جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) و أقوال الصحابة(رضي اللّه عنهم)،و ختمت هذا الفصل في إبراز جهده المتعلق بتنقية تفسير القصص القرآني التي لا تكاد رواياته التفسيرية أن تخلو من الأفكار الإسرائيلية.
و قبل أن أعرج على الفصل الثاني قسمت المضامين القرآنية على ثلاثة:
الأول:عقائدي و الثاني:تشريعي و الثالث:تربوي أخلاقي،و بعدها تكلمت في الفصل الثاني على آرائه و أثرها في تفسير آيات العقائد فكانت مباحثه متمثلة بالتوحيد و نفي الصفات و النبوة و الوحي و الإمامة و المعاد و الشفاعة،و عرضت لآرائه في ذلك كله ثم عرضت ما يوافقها أو يخالفها من أقوال الصحابة أو التابعين مقارنا و مرجحا في أغلب الأحيان.
و الفصل الثالث:اتسعت صفحاته للحديث عن جهود الإمام الباقر(عليه السّلام)و أثرها في تفسير آيات الأحكام و قد قدمت له بتمهيد،ثم قسمت تلك الجهود على أبواب الفقه فكانت هناك أقوال له في تفسير بعض آيات العبادات:من صلاة و زكاة و صوم و حج و غير ذلك، و بعضها الآخر انتظم تحت مبحث المعاملات من المكاسب و النكاح و الطلاق و الرهن و الدين و غير ذلك،و بعضها الثالث كان من حصة الحدود و الجنايات و القضاء.فكان منهجي فيه أن أستعرض أقوال المفسرين إلى جانب قول الإمام،و أحيانا أعرض أقوال أئمة المذاهب الإسلامية الأخرى،غير أني رجحت في بعض الأحيان بعض ما أراه راجحا حتى تبقى هذه الرسالة في حدود ما قدر لها أن تكون أي محصورة(في علوم القرآن و التفسير).
و الفصل الرابع:عقدناه لإبراز الجانب التربوي و الأخلاقي في فكر الإمام الباقر(عليه السّلام)بصورة عامة،و في تفسيره بصورة خاصة،و تحدثنا فيه
ص: 12
عن تفسير الإمام للآيات المتعلقة بالحلم و كظم الغيظ،و الحث على الصدقة و الترهيب عن منع الزكاة و الرياء،و الأمانة و القناعة و غير ذلك من التفريعات الجزئية للمباحث التربوية و الأخلاقية.
و كان منهج الدراسة في الفصل الخامس،رصدا لقيمة أقواله و تقصيا لإبراز خصائص و سمات تفسيره غير غافلين عن توضيح مكانة ذلك التفسير،مبينين أثره في معاصريه و في الذين جاءوا بعده.
و ما كان لهذه الرسالة أن تبلغ نهاية مطافها دون خاتمة موجزة أذكر فيها أهم ما توصلت إليه من نتائج مستحصلة من الدراسة،و هو ما فعلناه،مردفين إياها بقائمة لمصادر البحث و مراجعه.
هذا و ما لقيته من صعوبات في أيام إعداد هذه الرسالة قد ذللها اللّه تبارك و تعالى-و الحمد للّه-إذ ألهمني صبرا فائقا على تحملها لإنجاز هذا البحث،فله الحمد أولا و أخيرا.
أما المصادر التي عدت إليها فقد زادت على(أربعمائة كتاب)كانت في التفسير و علوم القرآن و الحديث و الفقه و أصول الفقه و الفلسفة و علم الكلام و الأخلاق و التصوف و التاريخ و التراجم و الرجال و كتب اللغة و الأدب و أمثال ذلك ما بين مخطوط و مطبوع.
و أخيرا،فإن كان بحثي هذا لم يرق إلى مستوى ما يتطلع إليه الباحثون،فلعل عذري أني بحثت و ثابرت،و واصلت الليل بالنهار في سبيل استقصاء و تتبع جل أقوال الإمام و آرائه في التفسير و في العلوم الأخرى على حد سواء،فهذا جهدي أقدمه بين يدي القارئ فإن رأى فيه نقصا أو تقصيرا فلا يبخل علي بإرشاد أو توجيه فتلك طبيعة البشر و ذاك الكمال الإلهي المطلق.
و بعد...فأقدم جزيل شكري و امتناني إلى أستاذي المشرف الأستاذ الدكتور خالد رشيد الجميلي لما منحني من ثقته ما دفعني إلى أن
ص: 13
أسعى لأكون عند حسن ظنه و ظن الآخرين بالبحث و صاحبه،و لما أولانيه من رعاية أبوية،و عناية بالغة و متابعته هذا البحث حرفا حرفا و كلمة كلمة،ناصحا و مرشدا و موجها،حتى خرج هذا البحث بهذه الصورة،سائلا المولى سبحانه و تعالى أن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهة الكريم،ضارعا إليه أن يدخلني في زمرة خدمة كلامه العزيز ليكون شفيعا يوم لا ينفع مال و لا بنون.
و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين
الدكتور حكمت عبيد حسين الخفاجي العراق-الحلة الفيحاء عشر بقين من ذي الحجة 1417 ه
ص: 14
الفصل الأول سيرة الإمام الباقر(عليه السلام)الشخصية
الفصل الثاني من سيرته العلمية
الفصل الثالث رواته و من روى عنهم
الفصل الرابع مصادر الإمام الباقر(عليه السلام)في التفسير
ص: 15
ص: 16
سيرة الإمام الباقر(عليه السلام) الشخصية
و يتضمن:
*المبحث الأول:اسمه،و نسبه،و ولادته،و وفاته،و مدفنه.
*المبحث الثاني:كنيته،و ألقابه،و نقش خاتمه.
*المبحث الثالث:أسرته،جده،أبوه،أمه،أخوته،أبناءه و بناته.
*المبحث الرابع:صفاته و تكامل شخصيته.
*المبحث الخامس:وصاياه و مواعظه و بعض أقواله الخالدة.
ص: 17
ص: 18
اسمه:هو محمد بن علي (1)بن الحسين (2)بن علي (3)بن أبي طالب، القرشي،الهاشمي (4)،العلوي (5)،المدني (6).
نسبه:جده الرابع هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد...
و يستمر نسبه حتى إسماعيل بن إبراهيم (7)(عليهما السّلام)،فهو يلتقي إذن مع جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)عند جده عبد المطلب.
و أما من جهة أمهات الآباء،فأم جده الحسين الشهيد هي فاطمة الزهراء بنت المصطفى(صلى الله عليه و آله)،و أمه بنت عم أبيه فاطمة بنت الحسن التي سنتكلم على بعض شئونها في الصفحات الآتية و لهذا امتاز نسب الإمام الباقر(عليه السّلام)بخير الناس
********
(1) ستأتي ترجمته في ص 81 من الرسالة و انظر مصادرها.
(2) ستأتي ترجمته في ص 80 من الرسالة و انظر مصادرها.
(3) ستأتي ترجمته في ص 80 من الرسالة و انظر مصادرها.
(4) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج 51 رقم الورقة 37+تذكرة الحفاظ،الذهبي، 124/1+تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،350/9+الجمع بين كتابي أبي نصر الكلاباذي و أبي بكر الأصفهاني،ابن القيسراني،446/2.
(5) تذكرة الحفاظ،الذهبي،124/1+تهذيب الأسماء و اللغات،النووي،87/1+تاريخ الإسلام،الذهبي،299/4+البداية و النهاية،بن كثير الدمشقي،309/9.
(6) التاريخ الكبير،البخاري،ق 183/1/1+الوافي بالوفيات،الصفدي،102/4+الإرشاد، الشيخ المفيد،293+مخطوطة الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم،ابن حاتم الشامي،رقم الورقة 185.
(7) تاريخ الأمم و الملوك،الطبري،172/2-191+دلائل النبوة،البيهقي،118/1+زاد المعاد، ابن قيم الجوزية،15/1+السيرة النبوية،ابن هشام،102/1+الكامل في التاريخ،ابن الأثير،9/2-21+بحر الأنساب،ركن الدين الموصلي،63.
ص: 19
على امتداد العصور،فآباؤه الكرام كلهم سادات ما منهم إلا من هو سيد قومه في عصره،فيحق لمفتخر أن يفتخر بهذا النسب الشريف.
ولادته:كانت ولادته بالمدينة المنورة (1)و نشأ بين ربوعها،و في آل بيت النبي(صلى الله عليه و آله)في كنف والده الإمام زين العابدين علي بن الحسين (2)و رعايته،و من البديهي أن يؤثر المحيط الذي نشأ فيه في بناء شخصيته كثيرا مما يجعله يتربى-كما سنرى-تلك التربية الإسلامية و يتسم بسمات أهل البيت الطاهرين من العقل الثاقب و العلم الزاخر و الخلق الباهر و قد تجلت هذه الآثار الروحية على مسيرة حياته كلها،و امتاز بالزهد و الورع و العلم و التعمق في كثير من علوم الإسلام و صلابة في الحق و جهاد في سبيله.
و قد اختلف العلماء في سنة ولادته،اختلافا شديدا و تباينت أقوالهم تباينا كبيرا و لم يجمعوا فيها على وجه التدقيق،و أذهلني شدّة ذلك الاختلاف لأنني لم أجد اثنين منهم قد اتفقا على قول واحد من خلال عملية البحث و الاستقصاء في كتب التاريخ و التراجم و السير على كل شيء،فإنه مثلا إذا وجدنا اثنين قد اتفقا على سنة الولادة نجدهما قد اختلفا في اليوم و الشهر-إلا أننا لا نعير إلى معرفة اليوم و الشهر اهتماما-فهو خلاف لا يؤثر على معرفتنا بسيرته الشخصية و العلمية (3)بل ما يهمنا هو سنة الولادة،و بعد إمعان النظر و التدبر أمكننا الوصول إلى بعض النتائج المتعدّدة للولادة و سنة الوفاة من خلال جمع الأقوال و تقسيمها إلى الفقرات الآتية:
أولا:قال بعض العلماء:إن ولادته كانت سنة ست و خمسين من الهجرة (4).
********
(1) أعلام الورى لأعلام الهدى،الطبرسي،264+عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب،ابن عنبة الأصفر،184+صفوة ابن الجوزي،60/2.
(2) لقد عاش الإمام الباقر في كنف أبيه تسع و ثلاثين سنة.انظر:أعلام الورى،الطبرسي،65 +كشف الغمة،ابن أبي الفتح الأربلي،329/2.
(3) إن ما عليه أكثر أقوال العلماء إنه توفي في يوم 7 ذي الحجة،بينما كانت ولادته 3 صفر.
(4) غاية النهاية في طبقات القراء،ابن الجزري،202/2+التاريخ الكبير،البخاري،ق 183/1/1+ تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،351/9+الوافي بالوفيات،الصفدي،102/4+شذرات الذهب،ابن العماد الحنبلي،149/1+دائرة معارف القرن العشرين،محمد فريد و جدي،563/3.
ص: 20
ثانيا:و قال بعضهم:إنها كانت سنة سبع و خمسين من الهجرة (1).
ثالثا:و منهم من قال:كانت ولادته(عليه السّلام)سنة تسع و خمسين من الهجرة (2).
و لا نستطيع أن نحدد أو نرجح قولا ما،دون أن نذكر أقوالهم في سنة وفاته و عمره الشريف للترابط الكبير بينهما و التلازم الحاصل في جمع الأدلة للوصول إلى رأي راجح في المسألة.
وفاته:توفي الإمام الباقر(عليه السّلام)بالحميمة (3)،و نقل جثمانه الطاهر إلى المدينة المنورة بإجماع العلماء (4)،أما بالنسبة لسنة وفاته فقد كان اختلاف العلماء في هذه المسألة أشد و تضارب نصوصهم أكثر،فاتبعنا نفس المنهج في حصر أقوالهم فتراوحت سنيهم بين ثلاث عشرة و مائة و بين ثماني عشرة و مائة للهجرة الشريفة على وفق النتائج الآتية:
أولا:قال بعض العلماء:إنه توفي سنة ثلاث عشرة و مائة للهجرة (5).
ثانيا:و قال بعضهم:إنه توفي سنة أربع عشرة و مائة للهجرة (6).
ثالثا:و قال بعضهم:إنه توفي سنة خمس عشرة و مائة للهجرة (7).
********
(1) أعلام الورى،الطبرسي،265+المشرع الروي،ابن أبي بكر الشلي،36/1+غاية الاختصار، ابن زهرة الحسيني،103+جامع كرامات الأولياء،النبهاني،97/1+نزهة الجليس، العباس بن علي المكي،35/2.
(2) سر السلسلة العلوية،أبي نصر البخاري،32+عمدة الطالب،ابن عنبة الأصفر،184+ تهذيب الأسماء،النووي،87/1.
(3) معجم البلدان،ياقوت الحموي،54/3.
(4) المعارف،ابن قتيبة،215+الإرشاد،الشيخ المفيد،294+الكواكب الدرية،عبد الرءوف المناوي،164/1+مروج الذهب،المسعودي،232/3.
(5) وفيات الأعيان،ابن خلكان،314/3+الشذرات الذهبية،ابن طولون،81+نزهة الجليس، العباس بن علي المكي،36/2+دائرة معارف القرن العشرين،محمد فريد و جدي،562/3.
(6) الطبقات الكبرى ابن سعد،324/5+التاريخ الكبير،البخاري،ق 183/1/1+تذكرة الحفاظ،الذهبي،124/1-125+مشاهير علماء الأمصار،البستي،63+الإكمال في رفع الارتياب،ابن ماكولا،173+اعلام الورى،الطبرسي،264+عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،184+غاية الاختصار،ابن زهرة الحسيني،105+كفاية الطالب،الكنجي الشافعي،455.
(7) الكامل في التاريخ،ابن الأثير،217/4.
ص: 21
رابعا:و قال بعضهم:إنه توفي سنة ست عشرة و مائة للهجرة (1).
خامسا:و منهم من قال:إنه توفي سنة سبع عشرة و مائة للهجرة (2).
و أما بالنسبة لعمره الشريف فقد اختلفوا فيه أيضا لاختلافهم في سنة ولادته و سنة وفاته،فكان عمره يتراوح بين ست و خمسين سنة و ثلاث و سبعين على أبعد قول،و إليك تلك الأقوال:
أولا:قال بعض العلماء:إن عمره كان ستا و خمسين سنة (3).
ثانيا:قال بعض العلماء:إن عمره كان سبعا و خمسين سنة (4).
ثالثا:و قال أكثرهم:إن عمره كان ثمانيا و خمسين سنة (5).
رابعا:و قال بعض العلماء:إن عمره كان ثلاثا و ستين سنة (6).
خامسا:و منهم من قال:إن عمره كان ثلاثا و سبعين سنة (7).
القول الراجح:يجدر بنا قبل أن نرجح أحد هذه الأقوال أن ننبه على المنهج الذي اتبعناه في تحصيلها ثم في ترتيبها على تلك المحصلات الثلاث،و هو إننا قمنا بترتيب أقوالهم حسب أقدمية العالم صاحب القول معتمدين في ذلك على سنة
********
(1) تاريخ ابن الوردي،ابن الوردي،248/1.
(2) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+الطبقات الكبرى الشعراني،28/1+جامع كرامات الأولياء النبهاني،97/1+ينابيع المودة القندوزي الحنفي،433+كشف الغمة،الأربلي، 329/2+تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،320/2+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،202.
(3) تاريخ الأئمة،ابن أبي الثلج البغدادي،5+تذكرة الخواص،سبط ابن الجوزي،192+ مرآة الجنان،اليافعي،247/1.
(4) سر السلسلة العلوية،أبي نصر البخاري،32+كفاية الطالب،الكنج الحنفي،450+ دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،94+مروج الذهب،المسعودي،232/3+الإرشاد، الشيخ المفيد،293.
(5) الإكمال،ابن ماكولا،173+الجمع،ابن القيسراني،446/2+تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،251/9+التاريخ الكبير،البخاري،ق 183/1/1+تهذيب الأسماء،النووي، 87/1+ينابيع المودة،القندوزي الحنفي،432+تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،320/2+ الفصول المهمة ابن الصباغ المالكي،202+الصواعق المحرقة،ابن حجر الهيثمي،123.
(6) مشاهير علماء الأمصار،البستي،62+طبقات الفقهاء،الشيرازي،36+نور الأبصار، الشبلنجي الشافعي،213.
(7) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+الطبقات الكبرى الشعراني،28/1+تاريخ ابن الوردي،248/1+تذكرة الخواص،سبط ابن الجوزي،192+الكواكب الدرية، المناوي،165/1+الكامل في التاريخ،ابن الأثير،217/4.
ص: 22
وفاته،فكان الترتيب الأقدم فالأقدم و هكذا،مما سهل علينا مهمة ترجيح أحد تلك الأقوال،و قمنا بعد ذلك في البحث عن الأدلة التي تدعم الراجح عندنا- و الحمد للّه-أن نمسك ببعضها،و من البديهي إننا إذا استدللنا على الراجح فستكون الحاجة منتفية إلى تفنيد بقية الأقوال لتداعي حججها و انتفائها في موضوع المناقشة مقابل قوة الأدلة التي سنوردها.
فالذي يترجح عندنا-و اللّه اعلم-إن ولادة الإمام الباقر(عليه السّلام)كانت سنة ست و خمسين للهجرة،و سنة وفاته سنة أربع عشرة و مائة لها (1).فيكون بذلك عمره هو ثمان و خمسون سنة،و إليك الأدلة على ذلك:
1-روى البخاري و نقل عنه ابن القيسراني و النووي و العسقلاني:عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق قال:مات أبي و هو ابن ثمان و خمسون (2).
2-نقل ابن حجر العسقلاني عن البخاري قوله:حدثنا عبد اللّه بن محمد عن ابن عيينة عن جعفر بن محمد قال:مات أبي سنة أربع عشرة و مائة (3)،و في رواية ابن عساكر بسنده عن هارون بن محمد عن علي بن جعفر بن محمد قال:
توفي أبو جعفر محمد سنة أربع عشرة و مائة في أمر هشام (4).
3-روى اليعقوبي و غيره:أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قال:قتل جدي الحسين ولي أربع سنين و إني لأذكر مقتله و ما نالنا في ذلك الوقت (5).
4-روى ابن سعد و غيره قال:أخبرنا عبد الرحمن بن يونس عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد قال:سمعت محمد بن علي يذاكر
********
(1) ظ:التاريخ الكبير،البخاري،ق 183/1/1+تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،351/9+ الإرشاد،الشيخ المفيد،293+مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج 51 رقم الورقة 40.
(2) التاريخ الكبير،البخاري،ق 183/1/1+الجمع،ابن القيسراني،446/2+تهذيب الأسماء،النووي،87/1+تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،251/9.
(3) تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،251/9.
(4) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج 51 رقم الورقة 46.
(5) تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،320/2+تذكرة الخواص،سبط ابن الجوزي،192+عيون الأخبار،ابن قتيبة،212/1+الإرشاد،الشيخ المفيد،295.
ص: 23
فاطمة بنت الحسين شيئا من صدقة النبي(صلى الله عليه و آله)فقال:هذه توفي لي ثمانيا و خمسين...و مات لها (1).
5-ما رواه أبو نعيم في الحلية عن سفيان بن عيينة أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:قتل علي(عليه السّلام)و هو ابن ثمان و خمسين سنة و قتل الحسين و هو ابن ثمان و خمسين سنة و مات علي بن الحسين و هو ابن ثمان و خمسين و أنا اليوم ابن ثمان و خمسين سنة،فتوفى لها (2).
و إذا ما أردنا أن نناقش هذه الأدلة فلا تقوم الحجة إلى الطعن بها لأن أجلة العلماء قد دونوها في كتبهم،أولهم الإمام البخاري و الحافظ ابن حجر و ابن سعد و اليعقوبي و الحافظ أبو نعيم و غيرهم من العلماء المحققين،فنكون في هذا الترجيح قد أيدنا ما رجحه هؤلاء العلماء و المحدثين بأدلة مرجحة لذلك،و لا تحتاج هذه الأدلة إلى مزيد توضيح و تبيين بقدر أن أي عملية حسابية بسيطة ستبين صحة ما ذهبنا إليه في هذه الدراسة،و تبقى مسألة تحويل سنة ولادة الإمام إلى التاريخ الميلادي و كذلك وفاته من المسائل التي يكتمل فيها هذا المطلب و قمنا بذلك من خلال الحاسبة الإلكترونية فاستطعنا أن نتوصل إليهما فكانت سنة ولادته هي ثلاث و سبعين و ستمائة للميلاد،و أما وفاته فكانت في سنة إحدى و ثلاثين و سبعمائة للميلاد.
مدفنه:و أما بالنسبة لمدفنه فلم يختلف العلماء في تعيينه فقد دفن في البقيع مع أبيه و عم أبيه الحسن بن علي في قبة العباس(رضي اللّه عنهم جميعا) (3).
قال المسعودي:وجدت رخامة فيها إشارة إلى قبر محمد الباقر(عليه السّلام) مكتوب عليها ما نصه(الحمد للّه مبيد الأمم و محيي الرمم،هذا قبر فاطمة بنت
********
(1) الطبقات الكبرى،ابن سعد،324/5+البداية و النهاية،ابن كثير،309/9+تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،351/9.
(2) حلية الأولياء،أبو نعيم الأصفهاني،189/3+كشف الغمة،الأربلي،332/2-333.
(3) عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،183+غاية الاختصار،ابن زهرة الحسيني،105+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+وفيات الأعيان،ابن خلكان،314/3+مرآة الحرمين، إبراهيم رفعت،426/1 و غيرها.
ص: 24
رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،سيدة نساء العالمين،و الحسن بن علي بن أبي طالب و علي بن الحسين بن علي،و محمد بن علي الباقر،و جعفر بن محمد(رضوان اللّه عليهم أجمعين) (1).
و أخيرا فقد أوصى الإمام الباقر(عليه السّلام)عند موته بوصايا كثيرة منها أن يدفن في قميصه الذي كان يصلي فيه (2).
كنيته و ألقابه و نقش خاتمه
كنيته:و كنيته(أبو جعفر) (3)و لا كنية له غيرها،و أحيانا يكنى بأبي جعفر الأول (4)،و قد كني بولده الإمام جعفر الصادق(عليه السّلام)الذي ملأ الخافقين علما و فقها و ورعا و زهدا.
ألقابه:و أما ألقاب الإمام أبي جعفر(عليه السّلام)فقد دلت على ملامح شخصيته العظيمة و سماته الرفيعة،لأن الأمة الإسلامية آنذاك لا تطلق الألقاب جزافا بل تطلقها و هي تحمل في طياتها بعض الجوانب من شخصية الملقب بها،و تمثل انعكاسات اجتماعية و دينية تركزت في تمثيله(عليه السّلام)للزعامة الروحية،و كانت ألقابه كثيرة و هي:
1-الشبيه:لأنه كان يشبه جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في شمائله و صفاته (5).
********
(1) الأشراف و التنبيه،المسعودي،260.
(2) الطبقات الكبرى،الشعراني،28/1+المشرع الروي،الشلي،37/1+تاريخ ابن الوردي، 48/1+الوافي بالوفيات،الصفدي،403/1.
(3) تاريخ الإسلام،الذهبي،264/2+تذكرة الخواص،سبط ابن الجوزي،189+الفصول المهمة،ابن الصباغ،193+تاريخ الأئمة،ابن أبي الثلج،5+شذرات الذهب،ابن العماد الحنبلي،149/1...و غيرها.
(4) الأمالي،الشيخ الصدوق،32+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،95+الإرشاد،الشيخ المفيد،293+إثبات الهداة،الحر العاملي،277/5+سيرة الأئمة الاثني عشر،هاشم معروف الحسني،201/2+الإمام الصادق و المذاهب الاربعة،أسد حيدر،433/2+أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 4/4/2.
(5) مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم الشامي،ورقة 185+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،94.
ص: 25
2-الشاكر:لأن مترجميه و واصفيه قالوا:بأنه كان يكثر من شكره للّه تبارك و تعالى و حمده في السراء و الضراء حتى تميز بذلك على الناس (1).
3-الهادي:لأنه كثيرا ما كان يهتدي على يديه الكثير من الناس للدخول إلى الإسلام أو لتثبيت الإيمان في قلوب المؤمنين و المسلمين و يتبين ذلك من خلال مناظراته مع بعض النصارى و غيرهم مما ستقف عليه قريبا (2).
4-الصابر:لصبره و تحمله للنوائب و الشدائد التي أحاطت به و شاهدها عيانا منذ نعومة أظافره و أبان مرحلة الصبا و ظلت لوعتها مرافقة له طيلة حياته (3).
5-الباقر:و هذا اللقب من أكثر ألقابه ذيوعا و انتشارا،و لم يعرف غيره في رجال الأمة من تابعين و أتباعهم و علماء من لقب بهذا اللقب،و لم يطلقه العلماء على غيره لاختصاصه به من دون سائر الناس (4).
اختلف العلماء في سبب شهرته بهذا اللقب،و يمكن حصر هذا الاختلاف في ثلاثة أقوال و هي:
القول الأول:إنما لقب بالباقر،لأنه بقر العلم و عرف أصله و استنبط فرعه، نظر أولئك العلماء إلى ما أثر عنه من علوم و معارف في شتى المجالات تناقلتها الناس في الآفاق الإسلامية و سجلها العلماء في مصنفاتهم كل حسب تخصصه.
********
(1) مخطوطة مرآة الزمان،سبط ابن الجوزي،ج /5الورقة 78+حلية الأولياء،الأصفهاني، 180/3+كشف الغمة،الأربلي،329/2+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،193+نور الأبصار الشبلنجي الشافعي،130.
(2) مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم الشامي،ورقة 185+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،94+كشف الغمة،الأربلي،329/2+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،193+ تذكرة الخواص،سبط ابن الجوزي،190+نور الأبصار،الشبلنجي الشافعي،193.
(3) حلية الأولياء،الأصفهاني،180/3+جامع كرامات الأولياء،النبهاني،97/1.
(4) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج 5،الورقة 37+تقريب التهذيب،العسقلاني،/2 192+التاريخ الكبير،البخاري،ق 18/1/1+طبقات الحفاظ،السيوطي،56+الكاشف، الذهبي،79/3+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،108/2-112+سير أعلام النبلاء، الذهبي،100/2،126/3 و غيرها.
ص: 26
دليلهم:و استدلوا على ما ذهبوا إليه بكثرة ما ورد عنه من علوم إسلامية تمثلت في الفقه و الحديث و الكلام و التفسير و غير ذلك،و عزز بعض العلماء رأيهم هذا بجملة من الروايات أثبتوها عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)تؤيد ما ذهبوا إليه،و إليك تلك الروايات:
أولا:ما رواه محمد بن يعقوب الكليني(ت:328 ه)و الشيخ المفيد(ت:
413 ه)بأسانيد صحيحة عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد(عليه السّلام)قال:إن جابر عبد اللّه الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و كان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت،و كان يقعد في مجلس رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و هو معتجر بعمامة سوداء،و كان ينادي:يا باقر العلم،يا باقر العلم،فكان أهل المدينة يقولون:جابر يهجر،فكان يقول:و اللّه ما أهجر،و لكني سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يقول:إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي و شمائله شمائلي يبقر العلم بقرا،فذاك الذي دعاني إلى ما أقول،قال:فبينما جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق و في ذاك الطريق كتّاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال:يا غلام أقبل،فأقبل،ثم قال له:أدبر،فأدبر،ثم قال:شمائل رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و الذي نفسي بيده،يا غلام ما اسمك؟قال:محمد بن علي بن الحسين،فجعل يقبل رأسه و يقول:بأبي أنت و أمي،أبوك رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) يقرؤك السلام...قال:فرجع محمد بن علي إلى أبيه و هو ذعر فأخبره الخبر، فقال له:يا بني قد فعلها جابر؟!قال:نعم،قال:ألزم بيتك يا بني... (1).
و يمكن أن نستشف من هذه الرواية عدة أمور منها:
1-أن شمائل الإمام الباقر(عليه السّلام)و ملامحه و صفاته تشبه شمائل و ملامح جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله).
2-أن النبي(صلى الله عليه و آله)هو الذي سمى سبطه بمحمد،و أضفى عليه لقب الباقر، و أنه يبقر العلم بقرا.
********
(1) أصول الكافي،الكليني،469/1-470+الإرشاد،الشيخ المفيد،294.
ص: 27
3-أن والده زين العابدين علي بن الحسين قد خاف على ولده بما أخبر به جابر(رضي اللّه عنه)عن النبي(صلى الله عليه و آله)و أمره بلزوم بيته (1).
ثانيا:روى أبو نصر البخاري(كان حيا في سنة 341 ه)عن سبب تسميته بالباقر(عليه السّلام)قال:سماه رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)الباقر(عليه السّلام)و أهدى إليه سلامه على لسان جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:يا جابر إنك ستعيش حتى تدرك رجلا من أولادي اسمه اسمي يبقر العلم بقرا فإذا رأيته فاقرأه مني السلام،ففعل ذلك جابر(رضي اللّه عنه) (2).
ثالثا:روى اليعقوبي في تاريخه قال:قال جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال لي رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)إنك ستبقى حتى ترى رجلا من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي،إذا رأيته لم يخل عليك،فاقرأه مني السلام،فلما كبرت سن جابر و خاف الموت جعل يقول:يا باقر،يا باقر أين أنت؟حتى رآه فوقع عليه يقبل يديه و رجليه و يقول:بأبي و أمي شبيه أبيه رسول اللّه!إن أباك يقرؤك السلام (3).
و قد ذكر ابن تيمية هذه الرواية بعينها،و لكنه فندها و عدّها من مبتدعات الشيعة،و لم يصححها (4).
رابعا:روى تاج الدين بن محمد بن حمزة بن زهرة الحسيني(ت:753 ه) بسنده إلى يحيى بن الحسن قال:أخبرني ابن أبي بزة أخبرنا عبد اللّه بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه قال:دخلت على جابر بن عبد اللّه الأنصاري، فسلمت عليه فرد عليّ السلام ثم قال لي:من أنت؟-و ذلك بعد ما كف بصره- فقلت:محمد بن علي بن الحسين،فقال لي:بأبي أنت و أمي،ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم أهوى إلى رجلي فاجتذبتها منه ثم قال:إن رسول اللّه يقرؤك السلام،فقلت:و على رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)السلام و رحمة اللّه و بركاته،و كيف ذلك يا جابر؟قال:كنت معه ذات يوم فقال لي:يا جابر لعلك تبقى حتى تلقى
********
(1) ظ:حياة الإمام الباقر:القرشي،24/1.
(2) سر السلسلة العلوية،أبو نصر البخاري،32.
(3) تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،320/2.
(4) منهاج السنة،ابن تيمية،728.
ص: 28
رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب اللّه له النور و الحكمة فاقرأه مني السلام (1).
خامسا:ما ذكره صلاح الدين الصفدي قال:و كان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة و قد عمي آخر عمره،فكان يمشي بالمدينة و يقول:يا باقر،يا باقر،متى ألقاك؟فمر يوما في بعض سكك المدينة فناولته جارية صبيا في حجرها فقال لها:من هذا؟فقالت:محمد بن علي بن الحسين؟فضمه إلى صدره و قبل رأسه و يديه و قال:يا بني جدك رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يقرؤك السلام (2).
سادسا:و روى ابن قتيبة الدينوري(ت:276 ه):أن النبي(صلى الله عليه و آله)قال لجابر:يا جابر إنك مستعمر بعدي حتى يولد مولود اسمه اسمي يبقر العلم بقرا فإذا لقيته فاقرأه عني السلام (3).
سابعا:و روى ابن عنبة الأصغر(ت:828 ه)و ابن الصباغ المالكي(ت:
855 ه)عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قالا:روى جابر بن عبد اللّه قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قال:يا جابر يوشك أن تلتحق بولد من ولد الحسين اسمه كاسمي يبقر العلم بقرا فإذا رأيته فاقرأه مني السلام،قال جابر:فأخر اللّه تعالى مدتي حتى رأيت الباقر(عليه السّلام)فأقرأته السلام عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) (4).
و قد ذكر العلماء محاورة جرت بين زيد الشهيد و بين هشام بن عبد الملك عند ما وفد عليه الأول إلى الشام فيها تصريح من الإمام زيد(رضي اللّه عنه)بأنّ لقب الباقر(عليه السّلام)إنما أطلق على أخيه الإمام محمد بن علي بن الحسين برواية عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) (5).
********
(1) غاية الاختصار،ابن زهرة الحسيني،104.
(2) الوافي بالوفيات،الصفدي،2/4+حياة الإمام الباقر،القرشي،25/1.
(3) عيون الأخبار،ابن قتيبة،212/1.
(4) عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،183+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،193.
(5) تقول الرواية:وفد زيد بن علي(رضي اللّه عنه)على هشام بن عبد الملك،فقال له هشام:ما فعل أخوك البقرة؟فقال زيد لشد ما خالفت رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)سماه رسول اللّه الباقر و تسميه البقرة، لتخالفنه في يوم القيامة.انظر:سر السلسلة العلوية،أبو نصر البخاري،33+عمدة الطالب،ابن عنبة،183.
ص: 29
ثامنا:روى الحافظ نور الدين الهيثمي(ت:807 ه)عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال أتاني جابر بن عبد اللّه الأنصاري و أنا في الكتّاب فقال:اكشف عن بطنك،فكشفت عن بطني فقبله ثم قال:إن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) أمرني أن أقرأ عليك السلام.و قد علّق عليها الهيثمي بالقول:رواه الطبراني في الأوسط،و فيه المفضل بن صالح و هو ضعيف (1).
و هناك روايات أخرى ذكرها العلماء عن المدائني و الطبراني عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ينقل فيها تحيات الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)إلى ابنه الباقر(عليه السّلام)و لكنها لم تصرح في ذكر لقبه(عليه السّلام)و لهذا السبب لم نذكرها خوفا من الإطالة و حرصا على الاختصار في ذكر أدلة أصحاب هذا القول (2).
و يمكننا القول أن هذه الرواية باختلاف ألفاظها قد انفرد علماء الشيعة الإمامية بتصحيحها و اللّه أعلم بمدى صحتها.
و قد أصر أيضا علماء اللغة على أنه إنما لقب بالباقر(عليه السّلام)لتبقره في العلم و شقه له و إليك بعض أقوالهم:
فقد قال الأزهري(ت:370 ه):و كان يقال لمحمد بن علي بن الحسين:
الباقر،لأنه بقر العلم و عرف أصله و استنبط فرعه،و أصل البقر:الشق و الفتح، و كذلك التوسع و التفتح (3).
و قال ابن منظور(ت:711 ه):و التبقر:التوسع في العلم و المال،و كان يقال لمحمد بن علي بن الحسين(رضوان اللّه عليهم)الباقر،لأنه بقر العلم و عرف أصله و استنبط فرعه و تبقر فيه (4).
********
(1) مجمع الزوائد،الهيثمي،22/10.ضعفه النجاشي في رجاله،في ترجمة جابر بن يزيد، و قال ابن الغضائري:ضعيف،كذاب،يضع الحديث و ضعفه أيضا الخوئي في معجمه ظ: 330/18 و انظر مصادره.
(2) ظ:ينابيع المودة،القندوزي الحنفي،433+كشف الغمة،الأربلي،331/2+تاريخ الأئمة، ابن أبي الثلج،5+تذكرة الخواص،سبط ابن الجوزي،190+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،95+نور الأبصار،الشيلنجي الشافعي،130+الكواكب الدرية،المناوي،165/1 +أعلام الورى،الطبرسي،268+الصواعق المحرقة،ابن حجر الهيثمي،123.
(3) تهذيب اللغة/الأزهري،136/9.
(4) لسان العرب،ابن منظور،140/5.
ص: 30
و قال الفيروزآبادي(ت:817 ه)بقره:شقه و وسعه،و الباقر محمد بن علي بن الحسين(رضي اللّه تعالى عنهم)لتبحره في العلم (1).
و قال الدميري(ت:808 ه)بقر مأخوذة من الشق،و منه قيل لمحمد بن علي الباقر،لأنه بقر العلم أي شقه و دخل فيه مدخلا عظيما (2).
و كذلك بالنسبة لعلماء من صنوف شتى،رواة و مؤرخين و علماء رجال و إليك بعض الأمثلة:
1-روى الطالقاني عن الجلودي عن المغيرة بن محمد عن رجاء بن سلمة عن عمرو بن شمر قال:سألت جابرا الجعفي فقلت له:و لم سمي باقرا؟قال:
لأنه بقر العلم بقرا أي شقه و أظهره إظهارا (3).
2-و قال الذهبي(ت:748 ه):و كان سيد بني هاشم في زمانه اشتهر بالباقر(عليه السّلام)من قولهم بقر العلم يعني شقه فعلم أصله و خفيه (4).
3-و قال الحافظ أبو الفداء الدمشقي(ت:774 ه):و قيل له الباقر(عليه السّلام) لتبقره في العلم أي توسعه فيه (5).
القول الثاني:إنما سمي بالباقر،لأن السجود بقر جبهته و شقها،و هؤلاء العلماء نظروا إلى كثرة عبادته و صلاته.
دليلهم:ما روي عن غير واحد من العلماء:أن الإمام الباقر(عليه السّلام)كان يصلي في اليوم و الليلة مائة و خمسين ركعة (6).
القول الثالث:إنما لقب بالباقر،لأنه بقر الباطل و شقه و أظهر منه الحق و عمل به.
********
(1) القاموس المحيط، الفيروزآبادي،375/1-376.
(2) حياة الحيوان،الدميري،147/1.
(3) معاني الأخبار،الشيخ الصدوق،65+بحار الأنوار،محمد باقر المجلسي،221/46+ الميراث عند الجعفرية،محمد أبو زهرة،35.
(4) تذكرة الحفاظ،الذهبي 124/1+تاريخ الإسلام،264/2،228/8.
(5) البداية و النهاية،أبو الفداء الدمشقي،309/9.
(6) مخطوطة مرآة الزمان،سبط ابن الجوزي،ج /5الورقة 78+تذكرة الحافظ الذهبي،/1 125+تاريخ ابن الوردي،248/1+تذكرة الخواص،ابن الجوزي،190.
ص: 31
دليلهم:ما روي عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه قال:استصرخني الحق و قد حواه الباطل في جوفه فبقرت عن خاصرته و اطلعت الحق من جنبه حتى ظهر و انتشر بعد ما خفي و استتر (1).
القول الراجح:إن الراجح في سبب تلقيب الإمام محمد بن علي بن الحسين بالباقر هو القول الأول،أي إنه بقر العلم فعرف أصله و استنبط فرعه حتى غدا قرينا له،لا يذكر في مناسبة أو مكان إلا ذكر معه و ما رجحناه إلا لوجود أدلة كثيرة أوجبت ترجيحه و التسليم به منها:
1-لقول أغلب العلماء في ترجيح هذا القول حتى أنه هناك شبه إجماع بينهم.
2-الروايات الصحيحة الواردة عن الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)بما رواه الثقاة- و لو عن طريق الإمامية فقط-عن الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري (رضي اللّه عنه)و جعفر بن محمد الصادق،و إن اختلفت ألفاظ تلك الروايات باختلاف المناسبات إلا أنها اتفقت على أن النبي(صلى الله عليه و آله)و هو الذي أطلق عليه هذا اللقب قائلا:سيبقر العلم بقرا.
3-من المعروف في التاريخ العربي الإسلامي أن كثيرا من الصحابة و التابعين قد انقطعوا لعبادة اللّه تبارك و تعالى و انشغلوا بالصلاة دون سواها حتى وصل الأمر ببعضهم أن يصلي أكثر من ثلاثمائة ركعة في اليوم و الليلة و لم يذكر أن أحدا منهم قد شق السجود جبهته و وسعها،هذا إذا ما علمنا أن صلاة الإمام الباقر(عليه السّلام)بنوافلها و تطوعها لم تصل إلى أكثر من مائة و خمسين ركعة في اليوم و الليلة هذا من جهة،و إن واصفيه لم يذكروا عنه أنه كان هناك شق ظاهر في جبهته و لو كان شيئا موجودا من هذا القبيل ما أغفلوه من جهة أخرى.
4-أما بالنسبة لبقره خاصرة الباطل الذي حوى الحق و استخراجه منه،فإن هذه الرواية قد نسبها سبط ابن الجوزي إلى القيل،و إذا سلمنا بصحة نسبتها إلى الإمام الباقر(عليه السّلام)لا نسلم بأن المسلمين إذا رأوا من هو شديد في الحق حريص
********
(1) مخطوطة مرآة الزمان،سبط ابن الجوزي،ج /5الورقة 78+تذكرة الخواص،ابن الجوزي،190.
ص: 32
عليه يلقب بالباقر(عليه السّلام)و الدليل على ذاك واضح جدا من خلال الاستقراء التاريخي لرجال الأمة و قادتها من صحابة و تابعين و علماء.
و لهذه الأسباب مجتمعة قد رجحنا القول الأول لتميز الإمام الباقر(عليه السّلام)بين التابعين بغزارة علمه وسعة معارفه و انتشار ذلك عنه في الآفاق الإسلامية و هجرة طلاب العلم إليه لتلقي العلوم و المعارف على يديه،و على الرغم من ذلك فلا يمنع هذا من الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة فلا خير أن يكون سبب شهرة الإمام محمد بن علي بن الحسين بلقب الباقر(عليه السّلام)أن تكون تلك الأقوال و أدلتها مجتمعة فيه،فلا شرف يدانيه شرف العلم و العبادة و إظهار الحق للترابط الحاصل بين هذه الحيثيات في شخص الإمام أبي جعفر الباقر،فأيها كان كانت معه المنزلة الرفيعة و المكان المميز لشخصيته الفريدة،و صدق الشاعر فيه حين قال:
يا باقر العلم لأهل التقى و خير من لبّى على الأجبل (1)
وردت روايات و أقوال عديدة في الكلمات التي كانت منقوشة على خاتم الإمام أبي جعفر الباقر،دلّت على شدّة انقطاعه للّه تعالى و تعلّقه به،لأن نقش الخاتم عادة يكشف لنا بعض الجوانب من شخصية حامله،و إليك تلك الأقوال و الروايات في نقش خاتمه:
1-روى الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام علي بن موسى الرضا قال:كان نقش خاتم الحسين إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ و كان علي بن الحسين يتختم بخاتم أبيه الحسين و كان محمد بن علي يتختم بخاتم الحسين (2).
إذن نقش خاتم الإمام الباقر(عليه السّلام)في هذه الرواية هو إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ .
********
(1) وفيات الأعيان،ابن خلكان،314/3 بدون نسبة+الشذرات الذهبية،ابن طولون،81 أيضا+مرآة الجنان،اليافعي،248/1 أيضا+عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،183 أيضا+أمل الآمل،ابن أبي الفتح،196/2 أيضا+المشرع الروي الشلي،136/1 أيضا+دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد و جدي،563/3 أيضا+غاية الاختصار،ابن زهرة الحسيني،105 نسبه إلى القرطبي+سر السلسلة العلوية،أبو نصر البخاري،133 أيضا+كشف الغمة،الأربلي،336/2 أيضا+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،193 نسبه إلى القرظي.
(2) عيون أخبار الرضا،الشيخ الصدوق،124.
ص: 33
2-روى ابن الصباغ المالكي و الشبلنجي الشافعي:أن نقش خاتم الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)هو رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً (1)و روى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا أيضا عن أبيه عن جعفر بن محمد مثله (2)،و قالا:و نقل الثعلبي في تفسيره أن الباقر(عليه السّلام)كان قد نقش على خاتمه هذه(ظني باللّه حسن و بالنبي المؤتمن و بالوصي ذي المنن و بالحسين و الحسن) (3).
3-و روى الحافظ أبو نعيم(ت:430 ه)بسنده عن جعفر بن محمد قال:
كان في خاتم أبي(القوة للّه جميعا) (4).
4-و ذكر غير واحد من العلماء بأسانيدهم عن جعفر بن محمد قال:كان نقش خاتم أبي جعفر(العزة للّه) (5).
و يتبين من مجموع هذه الروايات أنه كان للإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)عدة خواتيم على كل واحد منها نقش غير ما على الآخر،فكل واحد من هذه الأقوال محتمل الصحة من خلال الجمع بينها.
نشأ الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)في بيت الرسالة و مهبط الوحي و مصدر العلم و الإشعاع،في المدينة المنورة و في البيت الهاشمي،و كان جده الإمام الحسين الشهيد و أبوه الإمام زين العابدين يغذيانه بالأخلاق الكريمة و يفيضان عليه ما استقر في نفسيهما من الصفات الحميدة،و يعلمانه السلوك النير و يأخذان بيده في الاتجاه السليم ليكون بعد حين قدوة لهذه الأمة و نبراسا يقتدى به للخير و الصلاح.
********
(1) الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،193+نور الأبصار،الشبلنجي الشافعي،131.
(2) عيون الأخبار،الشيخ الصدوق،116.
(3) ظ:الفصول المهمة،ابن الصباغ،194+نور الأبصار،131.
(4) حلية الأولياء،الأصفهاني،186/3.
(5) تاريخ الخلفاء،السيوطي،180+كشف الغمة،الأربلي،331+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،95.
ص: 34
هو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب،و قد اهتم الإمام السبط في تربية حفيده و أولاه من العناية ما كان يفيض معها من روحه الشريفة على روحه و ينزع من خلقه الكريم الذي رباه عليه جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)ليضعه في سجاياه،فكان الإمام الباقر(عليه السّلام)مزيجا كريما و تفاعلا فاضلا بين ما اكتسبه الإمام الحسين و تعلمه من تجاربه و حياته و بين ما كان يحمله من بعض سجايا و أخلاق رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)-و كان فيما يرويه المؤرخون-يجلس الإمام الباقر(عليه السّلام)في حجره، قال الإمام الباقر:أجلسني جدي الحسين في حجره،و قال لي:رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) يقرئك السلام (1).
و في هذا العمل كان ينقش الجد في ذهن حفيده الصبي أنه سيكون له دور قيادي ينتظره لتحمل أعبائه عند ما يكبر و ليكن هذا الدور هو إشاعة العلم في الأمة و إذاعة صنوفه و أنواعه.
و قد شهد الإمام الباقر(عليه السّلام)معركة الطف(سنة 61 ه)و عاش محنتها الكبرى و هو لم يتجاوز الرابعة من عمره حيث يقول:قتل جدي الحسين و لي أربع سنين،و إني لأذكر مقتله و ما نالنا في ذلك الوقت (2).
و قد روى الكثير من وقائعها برواية معاوية بن عمارة الدهني عنه (3)و روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري(ت:310 ه)بسنده عنه بعض صورها و أحداثها (4).
و على أية حال فإن تلك المأساة قد تركت-من دون شك-في نفسه أعظم اللوعة و الحزن و ظلت مأساتها و أشجانها ملازمة له طوال حياته.
********
(1) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 38+سير أعلام النبلاء،الذهبي، 404/4+حياة الإمام الباقر،القرشي،31/1.
(2) تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،320/2+عيون الأخبار،ابن قتيبة،212/1+الإرشاد،الشيخ المفيد،295+تذكرة الخواص،ابن الجوزي،192.
(3) تاريخ الأمم و الملوك،الطبري،347/5-349-389-390.
(4) المصدر نفسه و الصفحة.
ص: 35
عاش الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)في كنف أبيه زين العابدين علي بن الحسين بن علي ما يزيد على تسع و ثلاثين عاما و قد لازمه طوال هذه المدة فلم يفارقه (1)،و قد تأثر الإمام الباقر(عليه السّلام)بأخلاق أبيه و سجاياه و ما طبع عليه هذا الإمام من تقوى و ورع و زهد و شدة انقطاع للّه و عبادة له،و انطبع كل ذلك في قرارة نفس الإمام الباقر(عليه السّلام)كيف لا،و قد شهد لأبيه رجال الفكر و العلم آنذاك على تعظيمه و إكباره و تقديره،و إليك بعض كلماتهم في حقه لترى مدى تأثر أولئك العلماء بهذا الإمام الجليل ناهيك عن تأثر ابنه الإمام الباقر(عليه السّلام)به:
قال سعيد بن المسيب(ت:94 ه):ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين،و ما رأيته إلا مقت نفسي،ما رأيته يوما ضاحكا (2).
و قال محمد بن شهاب الزهري:ما رأيت قرشيا أفضل منه (3)،و قال أيضا:
ما رأيت أفقه من علي بن الحسين (4).
و قال زيد بن أسلم(ت:130 ه)ما رأيت مثل علي بن الحسين (5).
و قال الخليفة عمر بن عبد العزيز(ت:101 ه)لما أتاه نعي الإمام:ذهب سراج الدنيا،و جمال الإسلام،و زين العابدين (6).
ما تقدم هو بعض كلمات رجال الفكر و العلم من الأعلام التي عكست انطباعاتهم عن الإمام زين العابدين فقد أقروا جميعا على تقديمه بالفضل و العلم على غيره من علماء عصره و مصره.
********
(1) كشف الغمة،الأربلي،331+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،94+تاريخ الأئمة،ابن أبي الثلج،5.
(2) تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،46/2+البداية و النهاية،أبو الفداء الدمشقي،104/9+ حياة الإمام الباقر،القرشي،33/1.
(3) تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،305/7.
(4) حلية الأولياء،الأصفهاني،309/3+حياة الإمام الباقر،القرشي،33/1.
(5) طبقات الفقهاء،الشيرازي،34.
(6) تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،48/2.
ص: 36
أما سمو أخلاقه و حبه للعلم و العلماء و حثه على طلب العلم و عبادته و تقواه و صدقاته و بره و علمه و فضله فقد أكثر المؤرخون في الكلام عليها و التمثيل لها بنماذج فريدة من بعض صور حياته اليومية و مفرداتها (1).
مما جعلت لديه خزينا فكريا رائعا تجمعت جزئياته و تفصيلاته من تجاربه و تجارب الآخرين و قد حاول أن يصب ذلك الخزين في فكر ولده الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)فجعله على شكل وصايا يوصيه بها بين الحين و الآخر مطمئنا بأن أولى الناس بالاقتداء بها و السير على هديها هو ابنه الباقر(عليه السّلام)لما رباه عليه من التقى و الورع و العمل الصالح لوجه اللّه تعالى،و من بعض وصاياه له:
قال الإمام زين العابدين لولده الباقر:افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان أهلا فقد أصبت موضعه و إن لم يكن بأهل كنت أنت أهله،و إن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك و اعتذر إليك فاقبل عذره (2).
حفلت هذه الوصية بمكارم الأخلاق التي طبعت عليها نفوس أهل البيت، فإن الحث على فعل الخير،و الصفح عن المسيء و مقابلة الإساءة بالإحسان كل ذلك كان من ذاتياتهم و من أبرز ما عرفوا به.
و قال الإمام الباقر(عليه السّلام)كان أبي علي بن الحسين يقول لولده:اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل لأن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير (3).
لقد ربى الإمام علي بن الحسين ولده على محاسن الأعمال و غرس في نفوسهم معالي الأخلاق،و نهاهم عن كل ما يوجب الانحطاط في سلوكية الإنسان بوضع منهج مميز يسيرون عليه في حياتهم على مرضاة اللّه سبحانه و تعالى و قربه و إلى مجد تليد تشهد به الأجيال جيلا بعد جيل على مر العصور و الأيام.
********
(1) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،51/2+مكارم الأخلاق،الطبرسي،143+بحار الأنوار، المجلسي،83/2+حلية الأولياء،الأصفهاني،136/3+مناقب الطالبيين،ابن شهرآشوب،148/4.
(2) تحف العقول،ابن شعبة الحراني،282.
(3) وسائل الشيعة،الحر العاملي،232/3+كفاية الأثر،الخزاز،319.
ص: 37
و تسلم الإمام الباقر(عليه السّلام)بعد وفاة أبيه القيادة الروحية و المرجعية العامة للأمة الإسلامية و قد انتقلت إليه الإمامة و الزعامة الدينية عند-الشيعة الإمامية- فهو الإمام الخامس من اثني عشر إماما (1)،و قد قام الإمام الباقر(عليه السّلام)بأداء مهمته على أحسن وجه فنشر العلم و ألقى على طلابه من العلماء و الفقهاء الدروس الخاصة في شئون الشريعة الإسلامية و أحكام الدين.
و قلنا فيما تقدم أن الإمام الباقر(عليه السّلام)عاش في كنف أبيه تسعا و ثلاثين على ما ذكره أكثر المؤرخين (2)غير أن بعض المستشرقين ذكر أن إقامته مع أبيه دامت تسع عشرة سنة فقط (3).و هذا القول غير صحيح لأنه ناشئ من قلة التتبع و عدم التثبت في شئون التاريخ الإسلامي.
و هي السيدة الطاهرة فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب (4)،و ذكر بعض العلماء أن اسمها زينب بنت الحسن بن علي (5)،و قال بعضهم هي بنت الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (6)،و هذا غير صحيح إطلاقا لوضوح الاشتباه في ذلك،و كانت تكنى بأم عبد اللّه ولدها (7)،و أحيانا بأم الحسن و كانت من سيدات نساء بني هاشم،و كان زوجها الإمام زين العابدين يلقبها
********
(1) ظ:الألفين،العلامة الحلي،20-22+الدين و الإسلام،محمد حسين آل كاشف الغطاء، 35/1+أصل الشيعة و أصولها،آل كاشف الغطاء،102+الاستنصار،الكراجكي،17+ نظرية الإمامة،د.محمود صبحي،147.
(2) دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،94+كشف الغمة،الأربلي،331.
(3) عقيدة الشيعة،روايت.م.رونلدس،123.
(4) أعلام الورى،الطبرسي،264+عمدة الطالب،ابن عنبة،183+كشف الغمة،الأربلي،/2 349+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،95.
(5) غاية الاختصار،بأن زهرة الحسيني،104.
(6) تذكرة الخواص،سبط ابن الجوزي،190+الشذرات الذهبية،ابن طولون،81+وفيات الأعيان،ابن خلكان،314/3+مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم الشامي،الورقة 185+ دائرة معارف القرن العشرين،محمد فريد و جدي،562/3.
(7) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 39+تذكرة الحفاظ،الذهبي،125/1 +تهذيب الأسماء النووي،87/1+الطبقات الكبرى،ابن سعد،320/5+المحبر،ابن أمية البغدادي،57+نزهة الجليس،ابن مكي،36/2.
ص: 38
بالصديقة (1)،و يروى من كراماتها أنها كانت عند جدار فتصدع الجدار فقالت:
لا و حق المصطفى ما أذن اللّه لك في السقوط،فوقف معلقا حتى جازت-أي مرت-فتصدق عنها علي بن الحسين بمائة دينار (2).
و يقول عنها حفيدها الإمام جعفر الصادق:كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها (3)،و تربى الإمام الباقر(عليه السّلام)في حجرها الطاهر و فاضت عليه من نور أشعة روحها الزكية و غذته بمثلها الكريمة حتى صارت من خصائصه و مميزاته.
و لم تتوفر لدينا أية معلومات في المصادر التي استقريناها في دراسة حياة الإمام الباقر(عليه السّلام)عن المدة التي عاشها الإمام مع أمه،فقد أهملت المصادر ذلك كما لم تتوفر لدينا أية معلومات عن سائر شئونها سوى رواية واحدة عثرنا عليها في طبقات ابن سعد و لم تكن تلك الرواية بذات بال (4)و بهذا يعدّ الإمام الباقر(عليه السّلام)أول علوي من علويين و أول هاشمي من هاشميين.
و البحث عن إخوة الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)هو مما تكتمل فيه جوانب من حياة هذا الإمام العالم،أو مما يضيء بعض الصور من شخصيته و يكشف عن الجو العائلي الذي كان يعيش فيه و الذي طالما راح الباحثون المعاصرون يعنون بهذا الجانب لتستكمل لديهم تفصيلات الموضوع المراد بحثه لاعتقادهم أن للجو الأسري إسهاما فعالا في تكوين خزين فكري و اعتقادي لدى الفرد و الجماعات حتى يظهر ذلك على سلوكهم اليومي و تصرفاتهم الحياتية.
فعلاقة الإمام الباقر(عليه السّلام)بإخوته كانت علاقة وثيقة للغاية لا يشوبها شيء من النفرة و الصدود و كان إخوته يهابونه و يبجلونه لمعرفتهم بمكانته و اعترافهم بفضله و سيادته،أما هو(عليه السّلام)فإنه حدد لنا جوانب تلك العلاقة بإجابته عن
********
(1) مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم الشامي،الورقة 185+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،95.
(2) المصدر نفسه و الصفحة+المصدر نفسه و الصفحة.
(3) البداية و النهاية،أبو الفداء الدمشقي،309/9+أصول الكافي الكليني،469/1.
(4) ظ:الطبقات الكبرى،ابن سعد،321/5.
ص: 39
سؤال وجه إليه:أي إخوانك أحب إليك؟فأجاب الإمام بأنه لا يفرق بينهم،و أنه يكنّ لهم جميعا أعظم المودة و الإخلاص قائلا:أما عبد اللّه فيدي التي أبطش بها،و أما عمر فبصري الذي أبصر به،و أما زيد فلساني الذي انطق به،و أما الحسين فحليم يمشي على الأرض هونا،و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (1).
فبهذه الإجابة قد حدد الإمام معالم الصورة لعلاقته بإخوانه الأربعة فكانت واضحة جلية،ناهيك عن أنهم كانوا أئمة في الورع و التقوى و الصلاح مما كان عاملا مساعدا آخر في تقريب الإمام لهم و صلته و حنوه عليهم،فقد روت سلمى مولاة أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)فقالت:كان يدخل إليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام و يكسوهم الثياب الحسنة و يهب لهم الدراهم، قالت:فأقول له بعض ما تصنع؟فيقول:يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف و الإخوان (2).
فهو بهذه المحادثة مع مولاته يقطع الطريق أمام من يريد أن يعكر صفو علاقته بإخوته الكرام،و سنتكلم عليهم بشيء من الاختصار و هم:
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (3)،أبو الحسين،مدني،تابعي (4)،ولد زيد الشهيد سنة ثمان و سبعين للهجرة (5)و قيل سنة خمس و سبعين (6)،روى عن أبيه و أخيه محمد الباقر(عليه السّلام)و روى عنه الزهري و الأعمش و إسماعيل السدي و غيرهم (7).
********
(1) سفينة البحار،عباس القمي،273/2+معجم رجال الحديث،الخوئي،350/7+حياة الإمام الباقر،القرشي،61/1.
(2) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+كشف الغمة،الأربلي،33/2+المشرع الروي،الشلي،36/1
(3) الطبقات الكبرى،ابن سعد،325/5+مشاهير علماء الأمصار،البستي،3
(4) تهذيب التهذيب،العسقلاني،420/3+المحبر،البغدادي،483.
(5) تاريخ دمشق،ابن عساكر،18/6.
(6) مشاهير علماء الأمصار،البستي،4.
(7) تهذيب التهذيب،العسقلاني،325/5.
ص: 40
نشأ زيد الشهيد في بيوت النبوة و الإمامة و تعاهده أبوه علي بن الحسين بالرعاية و التربية فتأثر بسلوكه و انطبعت في نفسه خصائص الورع و الزهد و التقوى و التحرج في الدين،و بعد وفاة أبيه لازم أخاه الإمام الباقر(عليه السّلام)صبيا ثم شابا يافعا فكان من البدهي أن يكون لهذه الصحبة أثر عظيم في سلوكه و تكوين شخصيته (1).
و قد أخلص الإمام زيد في العبادة و الإنابة إلى اللّه،فكان من أبرز المتقين في عصره،يقول عاصم بن عبيد العامري:رأيته و هو شاب في المدينة يذكر اللّه فيغشى عليه،حتى يقول القائل ما يرجع إلى الدنيا (2)
و كان يعرف عند أهل المدينة بحليف القرآن،و قد ترك السجود أثره في وجهه لكثرة صلاته طوال الليل (3).
فكان بذلك من عداد كبار العابدين في التاريخ العربي الإسلامي.
أما علمه فقد كان زيد من علماء عصره البارزين في الحديث و الفقه و التفسير،و خير ما نستدل به على قولنا هذا هو ما شهد به الإمام الباقر(عليه السّلام) نفسه لزيد بالعلم و الإيمان أبان حياته،فقد روي أن جابر بن يزيد الجعفي سأل الإمام الباقر(عليه السّلام)عن زيد فأجابه:سألتني عن رجل مليء إيمانا و علما من أطراف شعره إلى قدمه (4)و في رواية أخرى قال:إنّ زيدا أعطى من العلم بسطة (5)و قد تحدث زيد بن علي عن سعة علومه و معارفه حينما أعد نفسه للثورة على الحكم الأموي فقال:و اللّه ما خرجت و لا قمت مقامي هذا،حتى قرأت القرآن و أتقنت الفرائض و أحكمت السنة و الآداب،و عرفت التأويل كما عرفت التنزيل،و فهمت الناسخ و المنسوخ،و المحكم و المتشابه،و الخاص و العام،و ما تحتاج إليه الأمة في دينها مما لا بد لها منه و لا غنى عنه و إني لعلى بينة من ربي (6).
********
(1) حياة الإمام الباقر،القرشي،63/1 و ما بعدها.
(2) مقاتل الطالبيين،أبي الفرج الأصفهاني،128.
(3) الخرائج و الجرائح،قطب الدين الراوندي،328+مقاتل الطالبيين،أبي الفرج الأصفهاني،128.
(4) مقدمة مسند الإمام زيد،8.
(5) المصدر نفسه،7.
(6) الخطط و الآثار،المقريزي،440/2+حياة الإمام الباقر،القرشي،64/1.
ص: 41
و قد كان زيد من أعلام الفقهاء و كبار رواة الحديث و قد أخذ علومه من أبيه الإمام زيد العابدين و أخيه الإمام الباقر(عليه السّلام)و غذياه بأنواعها و أخذ عنهما الأصول و الفروع،و قد أكد ذلك الشيخ محمد أبو زهرة في معرض ردّه على من قال بأن زيدا تتلمذ لواصل بن عطاء المعتزلي (1).
و كان الإمام الباقر(عليه السّلام)يجل أخاه زيدا و يكبره،و يحمل له في نفسه أعمق الود و خالص الحب لأنه توسم فيه أن يكون من أفذاذ العلماء و كبرائهم،و كان هذا الإكبار يتجلى بصور عديدة حفظها لنا المؤرخون و الرواة و إليك بعضا منها:
-روي أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قال له:لقد أنجبت أم ولدتك يا زيد،اللهم اشدد أزري بزيد (2).
-روى سدير الصيرفي قال:كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السّلام)فجاء زيد بن علي و هو عرق فقال له أبو جعفر:اذهب فديتك،فادخل بيتك و انزع ثيابك، وصب عليك الماء ثم تعال فحدثني،ففعل ثم جاء زيد فجعل يقول:قلت كذا، و قال كذا،حتى رؤي البشر في وجه أبي جعفر(عليه السّلام)و ضرب على كتف زيد،ثم قال:هذا سيد بني هاشم فإذا دعاكم فأجيبوه و إذا استنصركم فانصروه (3).
بينت هذه الرواية مدى اهتمام الإمام الباقر(عليه السّلام)بأخيه زيد و رعايته له بكل حنو و عطف و احترام،و من جهة أخرى تحمل في طياتها دعوة الإمام الباقر(عليه السّلام) إلى نصرته و الذب عنه و الحكم بمشروعية ثورته.
قال الشيخ المفيد:و كان زيد بن علي بن الحسين(عليهم السّلام)عين إخوته بعد أبي جعفر(عليه السّلام)و أفضلهم و كان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا،و ظهر بالسيف يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يطلب بثارات الحسين(عليه السّلام)...و كان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة اثنتين و عشرين و مائة و كان عمره يومئذ اثنتين و أربعين سنة (4).
********
(1) ظ:الإمام زيد،محمد أبو زهرة،225+حياة الإمام الباقر،القرشي،65/1-66.
(2) عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،127/2+غاية الاختصار،ابن زهرة،30.
(3) غاية الاختصار،ابن زهرة،129-130.
(4) الإرشاد،الشيخ المفيد،300+كشف الغمة،الأربلي،340/2.
ص: 42
و مما يجدر الإشارة إليه أن بعض المؤرخين الكبار ذكر أن زيدا شاور أخاه الإمام أبا جعفر الباقر(عليه السّلام)في الخروج إلى العراق لإعلان الثورة على الأمويين، فأشار عليه الإمام بأن لا يركن لأهل الكوفة لسابقة الغدر فيهم فأبى زيد إلا ما عزم عليه من المطالبة بالحق،فقال له الإمام الباقر:أخاف أن تكون غدا المصلوب بكناسة الكوفة،و ودعه أبو جعفر و أعلمه أنهما لا يلتقيان (1).
و هذا الكلام غير صحيح تاريخيا لأنه ثبت فيما تقدم أن وفاة الإمام الباقر(عليه السّلام)على أرجح الأقوال كانت سنة أربع عشرة و مائة و استشهد زيد على أصح الروايات سنة اثنتين و عشرين و مائة،أما إذا أريد من هذا الكلام أنه كان يحدث نفسه بالثورة أيام حياة الإمام الباقر(عليه السّلام)فان هذا لا يستبعد أبدا و مهما يكن من أمر فان تفاصيل تلك الثورة و حيثياتها ليس لها علاقة بموضوع رسالتنا فمن أراد الاطلاع عليها فليراجعها في مظانها.
هو الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السّلام)يكنى أبا عبد اللّه (2)،تابعي،مدني (3)،أمه أم ولد (4).
كان من مفاخر الأسرة الهاشمية،و كان من العلماء البارزين في عصره، روى حديثا كثيرا عن أبيه،و عمته فاطمة بنت الحسين و أخيه الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام) (5)،و كان حليما وقورا تمثلت فيه هيبة المتقين الصالحين.
و وصفه الإمام الباقر(عليه السّلام)فيما تقدم بقوله:و أما الحسين فحليم يمشي على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.و كان ورعا،تقيا شديد الخوف من اللّه تعالى يقول سعيد صاحب الحسين بن صالح:لم أر أحدا أخوف
********
(1) مروج الذهب،المسعودي،139/3+تاريخ ابن الأثير،217/4.
(2) الرجال،الطوسي،54+معجم رجال الحديث،الخوئي،43/4-44.
(3) الإرشاد،الشيخ المفيد،299.
(4) عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،29/2.
(5) الطبقات الكبرى،ابن سعد،324/5+الإرشاد،الشيخ المفيد،300+كشف الغمة،الأربلي، 342/2+غاية الاختصار،ابن زهرة،152.
ص: 43
من اللّه من الحسين بن صالح حتى قدمت المدينة فرأيت الحسين بن علي بن الحسين فلم أر أشد خوفا منه كأنما أدخل النار ثم أخرج منها من شدّة خوفه (1).
و روى أحمد بن عيسى عن أبيه قال:كنت أرى الحسين بن علي يدعو فكنت أقول:لا يضع يده حتى يستجاب له في الخلق جميعا (2).
فكان كأبيه في إقباله على اللّه،و زهده في الحياة الدنيا،و تحرجه في الدين، توفي(رحمه اللّه)في المدينة المنورة سنة سبع و خمسين و مائة للهجرة و دفن بالبقيع عن عمر يناهز الرابعة و السبعين مجاورا لأبيه زين العابدين و أخيه الإمام الباقر (3).
هو عبد اللّه بن علي بن الحسين بن أبي طالب (4)،و هو أخو الإمام الباقر(عليه السّلام)لأمه و أبيه و هو من مفاخر أبناء الهاشميين في علمه و ورعه و تقواه، لقب بالباهر لجماله و حسنه يقول المؤرخون:إنه ما جلس مجلسا إلا بهر جماله، و ما رآه أحد إلا هابه و أكبره (5).
كان من العلماء البارزين فقد عنى بتربيته أبوه الإمام زين العابدين فغذاه بعلومه و فضله و تأثر بأخيه الإمام الباقر،يقول الشيخ المفيد:إنه كان من فقهاء أهل البيت و روى عن آبائه عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أخبارا كثيرة،و حدث الناس و حملوا عنه الآثار (6).
و يقول ابن حجر العسقلاني:روى مرسلا عن جده علي بن أبي طالب و عن جده لأمه الحسن بن علي و روى عنه عمارة بن غزية و موسى بن عقبة و عيسى بن دينار و يزيد بن أبي زياد،و ذكره ابن حبان في الثقاة و صحح الترمذي حديثه و الحاكم (7).
********
(1) الإرشاد،الشيخ المفيد،302+معجم رجال الحديث،الخوئي،44/6.
(2) عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،29/2.
(3) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،44/6.
(4) الطبقات الكبرى،ابن سعد،324/5+كشف الغمة،الأربلي،340/2+الإرشاد،الشيخ المفيد،300.
(5) عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،27/2.
(6) الإرشاد،الشيخ المفيد،300.
(7) تهذيب التهذيب،العسقلاني،324/5.
ص: 44
تولى عبد اللّه الباهر بالنيابة عن إخوانه صدقات النبي(صلى الله عليه و آله)و صدقات الإمام أمير المؤمنين و توزيع وارداتهما (1).توفي و له من العمر سبع و خمسون سنة (2).
و لم تعين لنا المصادر تاريخ وفاته و المكان الذي دفن فيه.
هو عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (3)،و أمه هي أم ولد أولدت لعلي بن الحسين عمرا و زيدا و عليا،و كان يكنى أبا علي،و قيل أبا جعفر (4)،و قال الشيخ الطوسي:يكنى أبا حفص (5)،لقب بالأشرف تمييزا له من عم أبيه عمر الأطرف،و ذلك لما ناله من شرف و فضيلة بالنسبة لولادة جده الحسين بن علي بن أبي طالب من سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء خلافا لعمر الأطرف فانه نال الشرف من طرف أبيه الإمام علي،يقول الخوئي:أقول:و هو أشرف من الأطرف بحسبه و فضله و ورعه أيضا (6).
قال الشيخ المفيد:و كان عمر بن علي بن الحسين فاضلا،جليلا و ولي صدقات رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و صدقات أمير المؤمنين و كان ورعا، سخيا،فعن الحسين بن زيد قال:رأيت عمي عمر بن علي بن الحسين يشترط على من ابتاع صدقات عليّ أن يثلم في الحائط كذا و كذا ثلمة و لا يمنع من دخله ليأكل منه (7).
هو علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السّلام)و هو آخر إخوان الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)و قد ذكره صاحب عمدة الطالب فقط و ذكر إنه توفي
********
(1) الإرشاد،الشيخ المفيد،300.
(2) الرجال،الطوسي،449+معجم رجال الحديث،الخوئي،53/2-54.
(3) الطبقات الكبرى،ابن سعد،325/5+غاية الاختصار،ابن زهرة،130.
(4) الإرشاد،الشيخ المفيد،300.
(5) الرجال،الطوسي،342.
(6) معجم رجال الحديث،الخوئي،54/13.
(7) الإرشاد،الشيخ المفيد،300.
ص: 45
بينبع (1)و دفن بها و له من العمر ثلاثون سنة (2).غير أنني لم أجد له ترجمة تذكر في حدود ما اطلعت عليه من المصادر.و به ينتهي البحث عن إخوة الإمام الباقر.
كان أبناء الإمام الباقر(عليه السّلام)خير من يجسد تربية الأب و رعايته قولا و فعلا، لأن الإمام رباهم على مكارم الأخلاق و غرس في نفوسهم قيمه و مثله العليا المتمثلة بتقوى اللّه تبارك و تعالى فكانوا امتدادا مشرفا لذاته التي طبقت الدنيا أخبارها و مآثرها و كانوا من مفاخر أبناء المسلمين في هديهم و صلاحهم و ابتعادهم عن دنس الحياة الدنيا و ادرانها،و ذريته من الذكور هم:
-إبراهيم و عبيد اللّه:و أمهما أم حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الاخنس الثقفي،توفيا في حياة أبيهما (3)،و لم أعثر على معلومات عنهما.
-الإمام جعفر بن محمد الصادق(ت:148 ه)،و أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق(رضي اللّه عنه) (4)،و هو سيد ولد أبيه،و وصيه و الإمام القائم من بعده-عند الشيعة الإمامية-لأنه سادس أئمتهم الاثني عشر،و الكلام عليه يستدعي التطويل و الاستفاضة فقد ألف العلماء المعاصرون مؤلفات خاصة عن حياته و أثره في العلوم فمن أراد الاطلاع فليراجع مصادر ترجمته (5).
********
(1) ينبع:يقع عن يمين رضوى لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر،و هي لبني الحسن فيها عيون عذاب غزيرة،و قال بعضهم:إنه حصن به نخيل،و ماء و زروع،و بها وقوف للإمام علي يتولاه ولده.ظ:معجم البلدان،ياقوت الحموي،450/5.
(2) شذرات الذهب،ابن العماد الحنبلي،220/1+دائرة المعارف الإسلامية الشيعية،محسن الأمين،73/21.
(3) مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم،رقم الورقة 19+مخطوطة مرآة الزمان،سبط ابن الجوزي،ج /5الورقة 79+أعلام الورى،الطبرسي،270+الطبقات الكبرى،ابن سعد،/5 320+الإرشاد،الشيخ المفيد 303.
(4) تهذيب الكمال،المزي،75+الكافي،الكليني،472/1+دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، محسن الأمين،71/21.
(5) راجع في ترجمته:تهذيب التهذيب،العسقلاني،103/2+شذرات الذهب،ابن العماد،220/1 +وفيات الأعيان،ابن خلكان،291/1+اللباب ابن الأثير،44/2+النجوم الزاهرة،ابن تغرى بردى،8/1+العبر،الذهبي،209/1+العفو و الاقتدار،العبدي،568/2+جعفر بن محمد الصادق،عبد العزيز السيد الأهل،40+الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،412/1-433.
ص: 46
-عبد اللّه بن محمد الباقر،و أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و هو أخ الإمام الصادق لأمه و أبيه (1).
قام أبوه بتربيته و عنى في تأديبه فكان من أفاضل العلويين و أنبههم غير إننا لم نقف على ترجمته في المصادر سوى وقوفنا عن كيفية موته فقال المؤرخون:إنه دخل عليه رجل من بني أمية فأوجس منه عبد اللّه خيفة و قال له:لا تقتلني أكن للّه عليك عينا،و أكن لك على اللّه عونا (2).فلم يأبه بذلك هذا الأموي و أجبره على تناول السم،فلما سقي تقطعت أمعاؤه و لم يلبث إلا قليلا حتى فارق الحياة (3).
-علي بن محمد الباقر:عاش في كنف أبيه،و تربى على هديه و سلوكه فنشأ مثالا للفضل و العلم،و لم تنقل لنا المصادر التي بأيدينا شيئا غير أنه لقب بالطاهر لطهارة نفسه و عظيم شأنه و قال العلماء:مشهد الطاهر يقع في قرية من أعمال الخالص قريبة من بغداد و ظهر فيها قبر قديم عليه صخرة مكتوب فيها:بسم اللّه الرحمن الرحيم،هذا ضريح الطاهر علي بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و قد انقطع باقي الصخرة فبنى عليه قبة من لبن ثم عمّره شيخ من الكتّاب يقال له علي بن نعيم كان يتولى كتاب الديوان الخالص،فزوقه و زخرفه،و علّق فيه قناديل من الصفر،و بنى حوله رحبة واسعة و صار من المشاهد التي تزار (4).و هو آخر أبناء الإمام الباقر.
و ما أهمل أصحاب التراجم و السير ذكر أحوال أبناء الإمام الباقر(عليه السّلام)عن عمد و قصد بل لأنهم قد انشغلوا بتسجيل مآثر ولده الإمام جعفر الصادق(عليه السّلام) و علومه لأنهم عدوّه من حسنات الإمام الباقر(عليه السّلام)التي أحسن بها على المسلمين و الإنسانية جمعاء.
********
(1) الطبقات الكبرى،ابن سعد،320/5+الإرشاد،الشيخ المفيد،303.
(2) معنى قوله:و أكن لك على اللّه عونا:أي أكن لك شفيعا عند اللّه،ظ:حياة الإمام الباقر، القرشي،92/1.
(3) غاية الاختصار،ابن زهرة،64+سفينة البحار،عباس القمي،309/1+الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي،202+ذخائر العقبى،محب الدين الطبري،52.
(4) غاية الاختصار،ابن زهرة،63+الإرشاد،الشيخ المفيد،303+حياة الإمام الباقر، القرشي،93/1.
ص: 47
و أما السيدات من بنات الإمام الباقر(عليه السّلام)فهن:السيدة زينب و أمها أم ولد،و السيدة أم سلمة و أمها أم ولد أيضا (1)،و قيل أن بناته هن زينب الكبرى و زينب الصغرى و أم كلثوم (2).إلا أن الراجح بين العلماء هو القول الأول لقول أغلب العلماء.
و قد نقل أن ابنته أم سلمة مرض أحد ولدها فهرعت إلى الإمام فزعة فأمرها أن تصعد فوق سطح البيت و تصلي ركعتين و تدعو بهذا الدعاء:اللهم إنك وهبته لي،و لم يكن شيئا،اللهم و إني أستوهبكه فاعرنيه،ففعلت ذلك فعافاه اللّه (3).
و أخيرا انتهى البحث عن أسرة الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)،و كان فيه من الإيجاز ما لم يخل به أو يجعله فاقدا لمعلومة ما و الذي دعانا لهذا الإيجاز هو ما قلناه في المقدمة هو أن بعض الباحثين قد استوفوا حياته الشخصية فلا نزيد على ما كتبوه في ذلك بل نكتفي بما تقدم.
ذكر بعض المترجمين للإمام الباقر(عليه السّلام)أوصافه الجسدية و الخلقية،غير أنها لم تكن بالكافية في بابها مما اضطرنا إلى ذكر نصوص أخرى عن لباسه من جبة و عمامة و غير ذلك لكي نستطيع أن نقرب صورة الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)
********
(1) الطبقات الكبرى،ابن سعد،230/5+مخطوطة مرآة الزمان،سبط ابن الجوزي،/5 الورقة 87.
(2) صفوة الصفوة،62/2+الطبقات الكبرى،ابن سعد،298/5.
(3) سفينة البحار،عباس القمي،309/1+بصائر الدرجات،ابن الصفار،92.
ص: 48
من الأذهان قدر المستطاع لما فيه من فائدة لا تخفى في مجال الحديث عن معظم أو كل الجوانب و التفصيلات في حياة هذا الإمام،و الذي ظفرنا به في بطون أمهات المصادر التي استقصيناها بحثا عن شذرات مضيئة في حياته-هو نصان فقط:
الأول:إنه(عليه السّلام)كان ربع القامة،رقيق البشرة،جعد الشعر،أسمر،له خال على خده،و خال آخر على جسده،ضامر الكشح،حسن الصوت، مطرق الرأس (1).
الثاني:إنه كان أسمرا معتدلا (2).
و نستطيع أن نستخرج وصفا خلقيا آخر للإمام و لكنه إجمالي من خلال المحاورة التي كانت بينه و بين محمد بن المنكدر و التي قال قبلها ابن المنكدر ما نصه (...و كان رجلا بادنا...) (3)غير أن هذا كان في أخريات أيامه،و إذا ما ربطنا بين صفته و أحد ألقابه استطعنا أن نضع صورة تقريبية للإمام الباقر(عليه السّلام)و هي أنه لقب بالشبيه (4)للشبه الكبير الذي بينه و بين جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،و قد يرد أنه إنما شبه بصفاته الأخلاقية و ليس الخلقية،هذا صحيح،و لكن أيا كان الأمر فإنه يشبه جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في كلتا الصفتين أو هو قريب من أن يكون يشبهه(صلى الله عليه و آله) و كان على جبهة الإمام الباقر(عليه السّلام)و أنفه أثر السجود،و ذكر ابن سعد بسنده عن هارون بن عبد اللّه بن الوليد المعيصي قال:رأيت محمد بن علي على جبهته و أنفه أثر السجود و ليس بالكثير (5).و روي عن ثوير بن فاختة أنه قال:قال أبو جعفر:يا أبا الجهم بما تخضب؟قلت:بالحناء و الكثم قال:هذا خضابنا أهل البيت (6)،و هناك نصوص بمضمونه (7).
********
(1) المناقب:ابن شهرآشوب،36/2+أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 471/4/1.
(2) أخبار الدول،الذهبي،111+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،193+نور الأبصار، الشبلنجي الشافعي،131.
(3) أعلام الورى،الطبرسي،269.
(4) مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم،ورقة 185+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،94
(5) الطبقات الكبرى،ابن سعد،321/5.
(6) المصدر نفسه و الصفحة.
(7) ظ:المصدر نفسه و الصفحة.
ص: 49
كان الإمام الباقر(عليه السّلام)يفضل اللون الأصفر في لباسه تيمنا بما ذكره القرآن الكريم عن هذا اللون،فقد روي عنه أنه قال انتعل بنعال أصفر،لأنه سينظر إليك بسرور ما دمت منتعلة لقوله تعالى: صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِينَ (1)(2).و روى أبو نعيم الأصفهاني بسنده عن عبد اللّه بن يحيى قال:
رأيت على أبي جعفر محمد بن علي إزارا أصفر (3).
و كان(عليه السّلام)لا يرى بأسا في العلم بالثوب الذي لا يخرجه عن حد التواضع و الخشونة فقد روي أنه كان يلبس الخز المعصفر و يقول:لا بأس بالإصبع أو الإصبعين من العلم بالبريسم على الثوب (4).و سئل يوما عن ملبسه برواية جابر الجعفي عنه قال:إنا آل محمد نلبس الخز (5)و المعصفر (6)و الممصر (7)و اليمنة (8).
و في رواية أخرى عن جابر عنه قال:إنا آل محمد نلبس الخز و اليمنة و المعصفرات و الممصرات (9)و روي عن إسرائيل عن عبد الأعلى قال:إنه رأى محمد بن علي يرسل عمامته خلفه (10).هذه بعض أوصاف الإمام الباقر(عليه السّلام)حول خلقه و لباسه و التي بحثنا عنها جاهدين في كتب التراجم و السير فكانت اقل مما نتصور و لكنها أفضل بكثير من عدم العثور على شيء في شأن هذه الأوصاف.
********
(1) البقرة69/.
(2) الكافي،الكليني،26/2+تفسير نور الثقلين،العرويس الحويزي،76/1.
(3) حلية الأولياء،الأصفهاني،281/3.
(4) الطبقات الكبرى،ابن سعد،321/5+مخطوطة مرآة الزمان،سبط ابن الجوزي،/5الورقة79/.
(5) الخز:معروف من الثياب،مشتق منه،عربي صحيح،و هو من الجواهر الموصوف بها و الجمع خزوز.ظ:لسان العرب،345/15.
(6) المعصفر:العصفر نبات سلافته الجريال و هي معربة،و العصفر هذا الذي يصبغ به،منه ريفي و منه بري،و كلاهما نبت بأرض العرب،و قد عصفرت الثوب فتعصفر،ظ:لسان العرب،مادة عصفرة،347/15.
(7) الممصر:ثوب ممصر:مصبوغ بالطين الأحمر.لسان العرب،مادة مصر،406/15.
(8) اليمنة:ضرب من برود اليمن:قال:و اليمنة المعصب.ظ:لسان العرب،مادة يمن.
(9) الطبقات الكبرى،ابن سعد،321/5+الكافي،الكليني،206/2+وسائل الشيعة،الحر العاملي،263/2.
(10) الطبقات الكبرى،ابن سعد،321/5.
ص: 50
كان الإمام الباقر(عليه السّلام)من أئمة المتقين و كبار العابدين في زمانه،عرف اللّه تبارك و تعالى معرفة استوعبت نفسه و سيطرت على أعماق وجدانه فكان من أبرز العارفين،أقبل على ربه بقلب منيب و أخلص في طاعته أعظم ما يكون الإخلاص،متوجها في سرائه و ضرائه إلى بارئه(عز و جل)،متوكلا عليه في كل أعماله،شأنه في ذلك شأن كل من أخلص لعبادة ربه و أظهر خالص وده و حبه للّه تعالى لا تشوبه شائبة من طمع في جاه أو مال،و كيف لا يكون كذلك و هو ابن علي بن الحسين الذي عدّ من أعاظم الزهاد و العباد حتى لقب بزين العابدين، الذي كانت كل ذرة من جسده تنطق بتوحيد اللّه و تنزيهه و تسبيحه و تقديسه،و قد تربى الإمام الباقر(عليه السّلام)في حجر هذا العابد الزاهد فكان نتاجا من نوع خاص، فقد روى المؤرخون:أن الإمام أبا جعفر الباقر(عليه السّلام)كان إذا أقبل على الصلاة أو وقف يصلي ارتعدت فرائصه و اصفر لونه (1).من خشيته للّه تعالى و تعظيمه له و تلك هي ميزة العارف لما تكشف له من قدرة الباري(عزّ و جلّ)و قوته من جانب،و من جانب آخر إمعانا منه في إظهار شكره للّه تعالى خالق الأكوان و مبدعها و منظم الحياة و موهبها،فكانت عبادة الإمام الباقر(عليه السّلام)هي عبادة المتقين و المنيبين في أروع صورها و أنقاها،و كانت الصلاة هي خير ما يترجم الإمام بها تلك العبادة و الإنابة.
فقد روى المؤرخون:أن الإمام أبا جعفر الباقر(عليه السّلام)كان يصلي مائة و خمسين ركعة في اليوم و الليلة (2)لا تشغله عنها مشاغل الحياة،و لا الشئون العامة من الاهتمام بأمور المسلمين و من إلقائه لدروسه في المسجد النبوي الشريف
********
(1) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 44+الصواعق المحرقة،ابن حجر الهيثمي،123.
(2) تذكرة الخواص،ابن الجوزي،190+تاريخ ابن الوردي،548/1+تذكرة الحفاظ، الذهبي،125/1+حلية الأولياء،الأصفهاني،182/3+تاريخ الإسلام،الذهبي،300/2.
ص: 51
على طلابه و تلامذته و لا الشئون الخاصة التي كان يديرها الإمام بنفسه،لأنه كان يكد على عياله و يباشر أعماله بيديه و بالرغم من ذلك كله فقد أثر عنه أيضا أدعية غاية في إظهار العبودية للّه سبحانه و تعالى و الافتقار إليه و خاصة تلك التي كان يدعو بها الإمام أثناء سجوده،و من المعروف للجميع أن العبد أقرب ما يكون إلى ربه أثناء سجوده،فكان(عليه السّلام)في سجوده ينقطع عن الدنيا و ما فيها و ينشغل بقلبه و عقله بمناجاته لربه مظهرا له كامل الانقطاع و الإخلاص فقد ورد عنه في هذا المجال أدعية كثيرة كلها تظهر مدى انقطاعه للّه و مدى خضوعه و تقواه إلا أننا سنختار بعض النماذج منها للاستدلال على ما قلناه:
-روي بسند صحيح عن اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السّلام) قال:كنت أمهد لأبي فراشه فأنتظره حتى يأتي،فإذا أوى إلى فراشه و نام قمت إلى فراشي،و قد أبطأ عليّ ذات ليلة فأتيت المسجد في طلبه و ذلك بعد ما هدأ الناس،فإذا هو في المسجد ساجد و ليس في المسجد غيره فسمعت حنينه و هو يقول:سبحانك اللهم أنت ربي حقا حقا،سجدت لك يا ربي تعبدا و رقا، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي..اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك و تب عليّ إنك أنت التواب الرحيم (1)
-و روي أيضا بسند صحيح عن أبي عبيده الحذاء في دعاء الإمام الباقر(عليه السّلام) أثناء سجوده في إحدى صلواته الرباعية قال:سمعت أبا جعفر يقول و هو ساجد:أسألك بحق حبيبك محمد(صلى الله عليه و آله)إلا بدلت سيئاتي حسنات و حاسبني حسابا يسيرا.في السجدة الأولى،ثم قال في السجدة الثانية:أسألك بحق حبيبك محمد(صلى الله عليه و آله)إلا ما كفيتني مؤنة الدنيا،و كل هول دون الجنة،ثم قال في السجدة الثالثة:أسألك بحق حبيبك محمد(صلى الله عليه و آله)لما أدخلتني الجنة،و جعلتني من سكانها،و لما نجيتني من سفعات النار برحمتك،و صلى اللّه على محمد و آله (2).
********
(1) الكافي،الكليني،323/3.
(2) الكافي:الكليني،323/3.
ص: 52
و يمكن أن نستفيد من هذه الأدعية في سجود الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه يتضرع إلى اللّه تعالى بشفاعة جده المصطفى(صلى الله عليه و آله)،و أنه كان لا يقتصر على دعاء واحد بل ينوع بأدعيته و إن كان العمل العبادي واحدا و ما ذاك إلا توضيح منه لشدة تعلقه باللّه و عظيم إنابته إليه.
و أما الحديث عن أدعيته أثناء قنوته في صلواته فقد كانت تستلهم ما في القرآن الكريم من تعابير بلاغية،فأثرت عنه مجموعة لا بأس بها من هذه الأدعية لعلمه أن أفضل العبادة الدعاء فقد روي عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قوله في شأن الدعاء:...ما من شيء أحب إلى اللّه(عزّ و جلّ)من أن يسأل و ما يدفع القضاء إلا الدعاء (1).
بهذه العقلية التعبدية كان ينظر الإمام الباقر(عليه السّلام)لمفهوم الدعاء و إليك بعض النماذج من أدعيته المباركة:
-يقول الإمام الباقر:اللهم إن عدوي قد استسن في غلوائه و استمر في عدوانه، و أمن بما شمله من الحلم عاقبة جرأته عليك،و تمرد في مباينتك،و لك اللهم لحظات سخط بياتا و هم نائمون،و نهارا و هم غافلون،و جهرة و هم يلعبون،و بغتة و هم ساهون،و إن الخناق قد اشتد،و الوفاق قد احتد،و القلوب قد محيت و العقول قد تنكرت و الصبر قد أودى و كادت تنقطع حبائله،فإنك لبالمرصاد من الظالم و مشاهدة الكاظم،لا يعجلك فوت درك،و لا يعجزك احتجاز محتجز،و إنما مهل استثباتا، حجتك على الأحوال البالغة الدامغة،و بعبيدك ضعف البشرية و عجز الإنسانية و لك سلطان الإلهية و ملك البرية،و بطشة الأنات،و عقوبة التأبيد... (2).
يتبين من هذا الدعاء أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد سلم أمره للّه تعالى و شكا إليه قلة حيلته في مضايقة بعض الناس له مع إظهاره للحلم و الأناة و الصبر على البلاء و قد كان همه ما يشغل المسلمين دون الدعاء لنفسه مبينا بعض الجوانب السلبية في
********
(1) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+حلية الأولياء،الأصفهاني،188/3+المشرع الروي، الشلي،37/1+كشف الغمة،الأربلي،329/2.
(2) مهج الدعوات،ابن طاوس،51.
ص: 53
ابتعاد الناس عن اللّه و انغماس بعضهم في ملاذ الحياة الدنيا طالبا من اللّه تعالى هدايتهم،و كذلك وضح الإمام في هذا الدعاء بعض الأمور السياسية آنذاك.
و إليك لونا آخر من أدعية الإمام يتوجه به إلى اللّه تعالى خاضعا،خاشعا، طالبا لغفرانه،راجيا قبول توبته.
-فيقول:اللهم يا صريخ المكروبين و يا مجيب دعوة المضطرين،يا كشف الكرب العظيم،يا أرحم الراحمين اكشف كربي و همي فإنه لا يكشف الكرب إلا أنت فقد تعرف حالي و حاجتي و فقري و فاقتي فاكفني ما أهمني و ما غمني من أمر الدنيا و الآخرة بجودك و كرمك،اللهم بنورك اهتديت و بفضلك استغنيت و في نعمتك أصبحت و أمسيت و ذنوبي بين يديك أستغفرك و أتوب إليك،اللهم إني أسألك من حلمك لجهلي و من فضلك لفاقتي و من مغفرتك لخطاياي،اللهم إني أسألك الصبر عند البلاء و الشكر عند الرجاء،اللهم اجعلني أخشاك إلى يوم ألقاك،حتى كأنني أراك،اللهم أوزعني أن أذكرك كي لا أنساك ليلا و لا نهارا و لا صباحا و لا مساء آمين يا رب العالمين (1).
-و يقول في دعاء آخر:اللهم إني عبدك و ابن أمتك،ناصيتي بيدك،ماض في حكمك،عدل في قضاؤك،مجزل في فضلك و عطائك،اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تصلي على محمد و آل محمد،و أن تجعل القرآن ربيع قلبي و نور بصري و جلاء حزني،و ذهاب همي،اللهم إني أسألك يا أكبر من كل كبير،يا من لا شريك له و لا وزير،يا خالق الشمس و القمر المنير،يا عصمة الخائفين و جار المستجيرين و يا مغيث المظلوم الحقير و يا رازق الطفل الصغير و يا مغني البائس الفقير،يا جابر العظم الكسير،يا مطلق المكبل الأسير، يا قاصم كل جبار عنيد اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا و يسرا و ارزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب إنك سميع الدعاء يا ذا الجلال و الإكرام (2).
********
(1) مهج الدعوات،ابن طاوس،52.
(2) المصدر نفسه و الصفحة.
ص: 54
و كان الإمام الباقر(عليه السّلام)يردد بين أصحابه و تلامذته عبارة تنم عن مدى تعلقه بمحبة اللّه سبحانه و تعالى و انقطاعه إليه،فقد روي أنه قال:إذا بلغ الرجل أربعين سنة نادى مناد من السماء:دنا الرحيل فأعد زادا (1).
و ما الزاد الذي أراده الإمام غير تقوى اللّه و الابتعاد عن نواهيه و الامتثال لأوامره،فخير الزاد التقوى.
و كان كثيرا ما يناجي ربه في جوف الليل و يتضرع إليه مظهرا أرقى معاني العبودية للّه تعالى،فقد روى عنه ابنه الإمام جعفر الصادق(عليه السّلام)قال:كان أبي يتضرع للّه سبحانه و تعالى في جوف الليل و يقول في تضرعه:أمرتني فلم أأتمر، و زجرتني فلم أنزجر،ها أنا ذا عبدك بين يديك و لا أعتذر (2).
و ما هذه المناجاة إلا صورة رفيعة من صور الاعتذار و الإنابة لأن الاعتراف بالتقصير إزاء نعم اللّه سبحانه و تعالى ما هو إلا اعتراف بذنب ثم لتوبة عنده(عز و جل).
أما عن حجه فإنني لم أظفر-في حدود ما اطلعت عليه-سوى على ثلاثة نصوص،اثنان منها بينت بعض محاورات الإمام الباقر(عليه السّلام)مع هشام بن عبد الملك (3)،و الآخر مع بعض الحجاج الذين يستغلون فرصة وجود الإمام للسؤال و الاستفسار (4)،و النص الثالث هو الوحيد الذي أعطانا بعض الجوانب مع حج الإمام الباقر(عليه السّلام)و نراه يكفي ليوضح لنا مدى انقطاعه للّه مظهرا أثار الخشوع و الطاعة عليه،فقد روي عن أفلح مولاه قال:خرجت مع محمد بن علي حاجا فلما دخل المسجد الحرام نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته،فقلت:بأبي أنت و أمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بنفسك قليلا،فلم يعن به الإمام و راح
********
(1) ربيع الأبرار،الزمخشري،425/2.
(2) حلية الأولياء،الأصفهاني،182/3+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+نور الأبصار، الشبلنجي الشافعي،130.
(3) ظ:مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم،الورقة 185+المشرع الروي،الشلي،338/2+ الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،196.
(4) البداية و النهاية،أبي الفداء الدمشقي،311/9+دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري،104 +الإرشاد،الشيخ المفيد،296.
ص: 55
يقول له:ويحك يا أفلح لم لا أرفع صوتي بالبكاء لعل اللّه ينظر إلي برحمة فأفوز بها عنده غدا،قال:ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه (1).
بهذا النص توضح لدينا أنه(عليه السّلام)كان غاية في الورع و التقوى و شدة الخشية للّه تعالى حتى كأن ذنوب العالم-حاشا للّه-قد ركبت ظهره و أثقلت كاهله لجرمه و جريرته و لكنه التأدب مع اللّه سبحانه و تعالى و زيادة الإيمان به و المعرفة له لأن العبد كلما أصبح قريبا منه تبارك و تعالى ازداد و جلا و خشية و تضرعا من جهة و إنه أراد أن يؤدب طلابه و تلامذته و مريديه و المسلمين جميعا و يعلمهم كيفية الوقوف بين يدي الباري(عز و جل)من جهة أخرى،فكان بذلك نبراسا و هاجا يضيء ظلمة القلوب و الجوارح.
أما عن ذكره للّه سبحانه و تعالى فيقول مؤرخو سيرته إنه كان دائم الذكر للّه، و كان لسانه يلهج بذكر اللّه في أكثر أوقاته فكان يمشي و يذكر اللّه،و يحدث القوم و ما يشغله ذلك عن ذكره سبحانه،و كان يجمع ولده و يأمرهم بذكر اللّه حتى تطلع الشمس كما كان يأمرهم بقراءة القرآن،و من لا يقرأ منهم أمره بذكر اللّه (2).
تميز الإمام الباقر(عليه السّلام)بصفات أهلته بأن يكون موئل العلماء و مقصد الناس جميعا في كل طبقاتهم و شرائعهم و معتقداتهم،و هذه الصفات أكثر ما كانت تدور عليه هي تلك الأخلاق الرفيعة التي سمت به عن كل ما يشوب شخصيته المتميزة فكان يعدّ بحق من أجل الناس قدرا بشهادة العلماء و الفضلاء من أقرانه و معاصريه و كذلك ممن جاء بعدهم و يمكن أن نحصر تلك الصفات إجمالا بما يأتي:
********
(1) ظ:مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 44+مخطوطة مرآة الزمان، سبط ابن الجوزي،ج /5الورقة 79+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+نور الأبصار، الشبلنجي الشافعي،130.
(2) أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 471/4/1.
ص: 56
كان الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)منذ حداثته متميزا بالنبوغ و الذكاء مشهورا به بين العلماء،فقد روى بعض المؤرخين أن الصحابي جابر بن عبد اللّه الأنصاري على شيخوخته-كان في بعض الأحيان-يختلف إلى مجلسه و يسمع منه و قد بهر جابر من سعة علوم الإمام و معارفه و طفق يقول:يا باقر لقد أوتيت الحكم صبيا (1).
و قد عرف بقايا الصحابة ما يتمتع به منذ نعومة أظافره من العلم و الفضل من العلم و الفضل فكانوا يرشدون المسلمين إليه،على الرغم من صغر سنه ليبينوا لهم فضل أهل البيت،فقد روي أن رجلا سأل عبد اللّه بن عمر(رضي اللّه عنه) عن مسألة فقال للرجل:اذهب إلى ذلك الغلام-و أشار إلى الإمام الباقر(عليه السّلام)- فاسأله،و أعلمني بما يجيبك فبادر نحوه و سأله فأجاب الإمام الباقر(عليه السّلام)عن مسألته و خف الرجل إلى ابن عمر فأخبره بجواب الإمام و راح ابن عمر يبدي إعجابه بالإمام قائلا:إنهم أهل بيت مفهمون (2).
و روى المؤرخون أن الإمام الباقر(عليه السّلام)كان عمره تسع سنين،و قد سئل عن بعض أدق المسائل فأجاب عنها بكل تمكن،و إذا ينمّ ذلك عن شيء فإنما ينمّ عن ذكائه المبكر الذي تميز به،و قد روى الإمام الباقر(عليه السّلام)عن جابر و ابن عمر و غيرهما مما ذكر في محله من هذه الرسالة.
و بدت على ملامح الإمام الباقر(عليه السّلام)هيبة العلماء و الفضلاء و وقارهم،فما جلس معه أحد إلا هابه و أكبره لما كان يتسم به من الصفات التي أهلته لذلك،فقد روي عن أبي حمزة الثمالي في خبر قال فيه:لما كانت السنة التي حج فيها أبو جعفر محمد بن علي و لقيه
********
(1) علل الشرائع،الشيخ الصدوق،234+حياة الإمام الباقر،باقر القرشي،27/1.
(2) المناقب،ابن شهرآشوب،147/4.
ص: 57
هشام بن عبد الملك،أقبل الناس ينثالون على الإمام ليسألوه عن أمور دينهم،و كان عكرمة البربري (1)من الحجاج فلما رآه قال:من هذا الذي عليه سيماء زهرة العلم،لأجربنه.فلما مثل بين يديه ارتعدت فرائصه و أسقط،في يده و قال:يا بن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس و غيره فما أدركني ما أدركني آنفا،فأجابه الإمام بما يطيب خاطره و يخفف من روعه و ارتباكه (2).
و كذلك ما جرى بينه و بين قتادة بن دعامة فقيه أهل البصرة عند ما تشرف في مقابلته على ما رواه العلماء (3).
و روى عبد اللّه بن عطاء المكي فقال:ما رأيت العلماء قط أصغر منهم عند أبي جعفر (4).
فهذه الرواية توضح لنا جانبا آخر من جوانب هيبة الإمام و وقاره،و مما رواه أكثر المؤرخين أن الإمام الباقر(عليه السّلام)لم ير ضاحكا و إذا ضحك كان يقول اللهم لا تمقتني (5).
باعتبار أن الضحك و كثرته مما ينافي الوقار و سمو الشخصية فكان الإمام مبتعدا عنه متجنبا له منشغلا بذكر اللّه عما سواه.
********
(1) عكرمة بن عبد اللّه البربري المدني،أبو عبد اللّه،مولى عبد اللّه بن عباس،تابعي،كان من أعلم الناس بالتفسير و المغازي،طاف البلدان،و روى عنه زهاء ثلاثمائة رجل،منهم أكثر من سبعين تابعي،و ذهب إلى نجدة الحروري فأقام عنده ستة أشهر ثم كان يحدث برأي نجدة،و خرج إلى بلاد المغرب فأخذ عنه أهلها رأي(الصفرية)و عاد إلى المدينة فطلبه أميرها فتغيب عنه حتى مات سنة(105 ه)و كانت وفاته بالمدينة هو و كثير عزة في يوم واحد،فقيل،مات أعلم الناس و أشعر الناس،و كانت ولادته سنة(25 ه)،انظر مصادر ترجمته في:وفيات الأعيان،ابن خلكان،319/1+تهذيب التهذيب،العسقلاني،263/7 +حلية الأولياء،الأصفهاني،326/3+ميزان الاعتدال،الذهبي،258/2+المعارف،ابن قتيبة،201.
(2) إثبات الهداة،الحر العاملي،176/5.
(3) الكافي،الكليني،126/4+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،171/2.
(4) حلية الأولياء الأصفهاني،186/3+عيون الأخبار،ابن قتيبة،14+تهذيب التهذيب، العسقلاني،133/2+شذرات الذهب،ابن العماد،145/1.
(5) حلية الأولياء،الأصفهاني،189/3+صفوة الصفوة،62/2.
ص: 58
أما الحلم فقد كان من أهم صفاته التي تميز بها،فقد أجمع المؤرخون أنه لم يسئ إلى من ظلمه و اعتدى عليه قط و إنما كان على العكس من ذلك فهو يقابل المسيء بالصفح و الإحسان و الظالم له بالإغداق عليه من بره و معروفه،و روى المؤرخون صورا كثيرة من عظيم حلمه و صبره نذكر منها:
-أن رجلا كتابيا هاجم الإمام الباقر(عليه السّلام)و اعتدى عليه،و خاطبه بمر القول و أفحشه قائلا له:أنت بقر،فلطف به الإمام و قابله ببسمات فياضة بالبشر قائلا له:لا،أنا باقر،فراح الكتابي يهاجم الإمام قائلا:أنت ابن الطباخة،فتبسم الإمام و لم يثره هذا الاعتداء و قال له:ذاك حرفتها!و لم ينته الكتابي عن غيه بل تمادى فيه إلى أقصى حد،و راح يهاجم الإمام ثانية قائلا:أنت ابن السوداء، الزنجية،البذية!-و ما أفحشه من قول-و لم يغضب الإمام من هذا و لم يستفزه بل قابله باللطف قائلا:إن كنت صدقت غفر اللّه لها،و إن كنت كذبت غفر اللّه لك.و بهت الكتابي و بهر من معالي أخلاق الإمام التي هي أخلاق الأصفياء و المخلصين للّه تعالى فأعلن إسلامه (1)و رجع إلى الحق و ترك الباطل.
و أترك هذه الصورة بدون تعليق أو إبداء رأي لتتحدث عن نفسها و ترسم في ذهن القارئ المنهج الذي سار عليه الإمام الباقر(عليه السّلام)في حياته و في معاملته لأهل الذمة و المسلمين جميعا.
-و من تلك الصور الرائعة المدهشة من حلمه:أن شاميا كان يختلف إلى مجلسه في المسجد النبوي الشريف،و يستمع إلى محاضراته و دروسه و قد أعجب بها أشد الإعجاب،فاقبل يوما يشتد نحو الإمام الباقر(عليه السّلام)و قال له:يا محمد،إنما أغشى مجلسك لا حبا مني إليك و لا أقول إن أحدا أبغض إلي منكم أهل البيت و أعلم أن طاعة اللّه و طاعة أمير المؤمنين في بغضكم-هكذا كان يتوهم-و لكني أراك رجلا فصيحا،لك أدب و حسن لفظ فإنما أختلف إليك
********
(1) المناقب،ابن شهرآشوب،142/4+أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 504/4/1+حياة الإمام الباقر،القرشي،120/1-121.
ص: 59
لحسن أدبك،فنظر إليه الإمام بعطف و حنان و أخذ يغدق عليه من برّه و معروفه حتى استقام الرجل و تبين له الحق فتبدلت حالته من البغض إلى الولاء و ظل ملازما للإمام حتى حضرته الوفاة فأوصى أن يصلي عليه الإمام الباقر(عليه السّلام) (1).
حاكى الإمام بهذه الأخلاق الرفيعة جده الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)الذي استطاع بخلقه العظيم أن يؤلف بين القلوب و يوحد بين المشاعر و يجمع الناس على كلمة التوحيد مصداقا لقوله تعالى وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (2).
و أما الصبر فقد كان من الصفات الذاتية للإمام الباقر،فقد صبر على مكاره الدهر و نوائب الأيام،و صبر على تجرع الخطوب التي تعجز عنها أمة،فقد رأى جده الحسين الشهيد و ما صنع به و بأفراد عائلته يوم كان صبيا صغيرا،فكان الصبر رائده لم تنل من عزيمته خطوب الأيام و محنها،و قد سجل المؤرخون الصور الكثيرة من صبره و تحمله نذكر منها:
-روى المؤرخون عن عظيم صبره:أنه كان جالسا مع أصحابه إذ سمع صيحة عالية في داره،و أسرع إليه بعض مواليه فأسره فقال الإمام:الحمد للّه على ما أعطى و له ما أخذ،انههم عن البكاء،و خذوا في جهازه،و اطلبوا السكينة، و قولوا لتلك الجارية لا ضير عليك أنت حرة لوجه اللّه لما تداخلك من الروع...
و رجع إلى حديثه،فتهيب القوم سؤاله،ثم أقبل غلامه فقال له:قد جهزناه، فأمر أصحابه بالقيام معه للصلاة على ولده و دفنه،و اخبر أصحابه بشأنه فقال لهم:إنه قد سقط من جارية كانت تحمله فمات (3).
بهذه الأخلاق تشرفت الإنسانية لما تحمله في داخلها من الديمومة و الخلود على الرغم من فناء الحضارات و تدهور الأمم،فإن التعامل مع هذه المفردات الخلقية يكسبها قيما ترتفع بها إلى مصافي الخلود و البقاء.
********
(1) الأمالي،الشيخ الصدوق،72+بحار الأنوار،محمد باقر المجلسي،66/11+حياة الإمام الباقر،القرشي،121/1.
(2) آل عمران159/.
(3) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 52+عيون الأخبار،ابن قتيبة،57/3.
ص: 60
-و من صور حلمه و صبره أيضا،ما نقله المؤرخون:إنه كان للإمام الباقر(عليه السّلام)ولد،و كان أثيرا عليه فمرض،فخشي على الإمام لشدة حبه له، و توفي الولد فسكن صبر الإمام،فقيل له:خشينا عليك يا بن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) فأجاب بالاطمئنان و الرضا بقضاء اللّه قائلا:إنا ندعو اللّه فيما نحب،فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما يحب (1).
قد تسلح الإمام الباقر(عليه السّلام)بالصبر و واجه نوائب الدنيا و مصائب الدهر بإرادة صلبة،و إيمان راسخ،و تحمل الخطوب في غير ضجر و لا سأم محتسبا في ذلك الأجر عند اللّه،هذه هي بعض الصور التي حفلت بها حياة الإمام الباقر(عليه السّلام)و أمثالها سجلنا بعضا منها لكي تتوضح ملامح الحلم و الصبر المرتسمة في شخصية هذا الإمام الصابر الحليم.
كان الإمام الباقر(عليه السّلام)زاهدا في دنياه،راغبا في آخرته،لا يأبه بزخارف الدنيا و لا يلتفت إليها،بل كان شديد الحذر منها،هاربا من إقبالها،منذرا من خطر الاستشراف إليها،فهو لم يتخذ الرياش في داره و إنما كان يفرش في مجلسه حصيرا (2).
و كان يواسي الفقراء مرة بماله و أخرى بأقواله،مصبرا لنفسه عليه زهدا و تقربا إلى اللّه تعالى،و مما يروى عنه بأسانيد صحيحة في تفسيره لقوله تعالى أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا (3)قال:على الفقر في دار الدنيا،و في تفسيره لقوله تعالى: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً (4)قال:بما صبروا على الفقر و مصائب الدنيا (5).
********
(1) المصدر نفسه و الصفحة+المصدر نفسه و الصفحة.
(2) أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 472/4/1.
(3) الفرقان75/.
(4) الإنسان12/.
(5) حلية الأولياء،الأصفهاني،182/3+الطبقات الكبرى،الشعراني،28/1+شرف الأسباط،القاسمي،7+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،330/3+الدر المنثور، السيوطي،81/5+الاختصاص،الشيخ المفيد،123+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،205/2.
ص: 61
و في هذا القول كان يحث الإمام على التعفف و الصبر و الزهد بما في الحياة الدنيا من مباهج و ملاذ و احتساب ذلك عند اللّه سبحانه و تعالى.
و كان يحذر من الركون إلى القراء الذين يقفون على أبواب الأغنياء و أصحاب السلطان بما رواه عن الخليفة عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه) لأن الوقوف على أمثال هؤلاء ما هو إلا الركون إلى الدنيا و ملاذها بأجلى صوره و إن انطوت على بسطاء الناس،فانظر إليه يطلقها كلمة تكشف القناع عن وجوه أولئك الذين جرفتهم الحياة الدنيا و انغمسوا في ملاذها قائلا:إذا رأيتم القارئ يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا و إذا رأيتموه يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص (1).
و دأب الإمام الباقر(عليه السّلام)كدأب آبائه الكرام على تصغير الدنيا و تحقيرها حتى جعلها لا تساوي شيئا سوى أنها محل ابتلاء للفرد المسلم و الجماعة بصيغ متعددة منها أنه كان يقول:كان لي أخ في عيني عظيم و كان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه (2).
حاثا في هذا على الزهد و التسليم لأمر اللّه في السراء و الضراء،و من أحسن الصور التي رسمها الإمام للدنيا بعد أن تعمق و تبصر في جميع شئونها فزهد فيها و حث المسلمين على ذلك الزهد،ما رواه جابر الجعفي عنه أنه قال:يا جابر ما الدنيا،و ما عسى أن تكون،هل هي إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أحببتها،يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها،و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ففازوا بثواب الأبرار،إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة إن نسيت ذكّروك، و إن ذكرت أعانوك،قوالين بحق اللّه،قوامين بأمر اللّه،يا جابر انزل الدنيا كمنزل نزلت به و ارتحلت عنه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت
********
(1) حلية الأولياء،الأصفهاني،183/3+البداية و النهاية،ابن الكثير الدمشقي،310/9.
(2) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،62/2+حلية الأولياء،الأصفهاني،188/3+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،195.
ص: 62
و ليس معك منه شيء إنما هي مع أهل اللب و العالمين باللّه تعالى كفيء الظلال (1).
نستطيع أن نسمي هذه الوصية القيمة للإمام الباقر(عليه السّلام)-بالوصية الزهدية-لما حملت بين طياتها من التحذير من غرور الدنيا و آثامها،و الحث على الزهد لأنه في نظر العارفين باللّه تعالى هو أسلم طريق للوصول إلى مرضاته و محبته لأن فيه كل ما يمكن أن يوصل إلى الفضيلة و من ثم إلى المجتمع الفاضل الذي ارتضاه اللّه لعباده الصالحين.
كان الإمام الباقر(عليه السّلام)رحيما بالفقراء عطوفا عليهم،فقد كان يرفع من شأنهم لئلا يرى عليهم ذل الحاجة و المسكنة،و أنه عهد إلى أهله إذا قصدهم سائل أن لا يقولوا له يا سائل خذ هذا،و إنما يقولون له:يا عبد اللّه بورك فيك (2)،و كان يقول سموهم بأحسن أسمائهم (3).
يقصد بذلك الفقراء و المحتاجين لأنه كان يعتبر التصدق عليهم صلة واجبة بين المؤمنين.
و كذلك عدّ الإمام الباقر(عليه السّلام)عتق العبيد و إنقاذهم من رق العبودية نوعا آخر من أنواع البر و المعروف فقد نقلت عنه المصادر أنه أعتق أحد عشر مملوكا في يوم واحد كلهم من أسرة واحدة (4)و روي أنه أعتق عند حضور وفاته ثلث عبيده (5).و كان يكثر البر و المعروف على فقراء المدينة فقد أحصيت صدقاته فبلغت ثمانية آلاف دينار (6).و هذا المبلغ ضخم جدا و كان يشكل ثروة هائلة فلم
********
(1) مخطوطة مرآة الزمان سبط ابن الجوزي،ج /5الورقة 78+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،61/2+حلية الأولياء،الأصفهاني،182/3+كشف الغمة،الأربلي،333/2+ مطالب السئول،ابن طلحة الشافعي،80.
(2) عيون الأخبار،ابن قتيبة،208/3+مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 53.
(3) أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 472/4/1.
(4) شرح شافية أبي فراس،176/2+ظ:حياة الإمام الباقر،باقر القرشي،96/1/.
(5) المصدر نفسه و الصفحة+المصدر نفسه و الصفحة.
(6) أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 471/4/1.
ص: 63
يعبأ به الإمام الباقر(عليه السّلام)بل تصدق بجميعه على الفقراء و المحتاجين،و كان كثيرا ما يكتم الصدقة فلا يظهرها لئلا يفسدها الرياء.
و قد روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السّلام)أنه قال:
كان أبي أقل أهل بيته مالا و أعظمهم مئونة،و كان يتصدق كل جمعة بدينار و كان يقول:الصدقة يوم الجمعة تضاعف كفضل يوم الجمعة على غيره من الأيام (1).
لقد جبل الإمام الباقر(عليه السّلام)على الخير و محبة الناس و صلتهم و إدخال السرور على الذين التقوا به من ذوي الحاجة و المسألة،و كانت تلك الصفة من أهم عناصر شخصيته مضافة إلى العلم و الفضل و الإمامة و غيرها من الصفات التي تميز بها فكان من طليعة أعلام زمانه الذين ما زال التاريخ يحفظ لهم مواقفهم الكريمة،و لم أجد في حدود ما اطلعت عليه من مصادر ترجمته من لم يصرح باتصاف الإمام بهذه الصفة فقد قال غير واحد منهم كان محمد بن علي بن الحسين مع ما هو عليه من العلم و الفضل و الرئاسة و الإمامة،ظاهر الجود في الخاصة و العامة،مشهورا بالكرم في الكافة،معروفا بالفضل و الإحسان مع كثرة عياله و توسط حاله (2).
و على الرغم من أنه كان من أقل أهل بيته مالا و أعظمهم مئونة إلا أن ذلك لم يكن حائلا دون كرمه وجوده و لأن من المعروف لدى الجميع أن الكرم لا يقاس بكثرة العطية أو قلتها بل بما يؤثر به الكريم غيره على نفسه و عياله، و كذلك كان الإمام الباقر.
و نقلت إلينا نماذج كثيرة دلت على جوده و كرمه غير أننا سنقتصر على ذكر مختارات منها دون التعرض إلى الكل لعلمنا أن هذه المختارات ستكون وافية للاستدلال على ما قلناه:
********
(1) الأمالي،الشيخ الصدوق،282+أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 472/4/1.
(2) الوافي بالوفيات،الصفدي،102/4+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،227.
ص: 64
1-عن الحسن بن كثير قال:شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي الحاجة و جفاء الإخوان فقال:بئس الأخ أخا يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم و قال:استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني (1).
2-و روي عن عمرو بن دينار و عبد اللّه بن عبيد بن عمير أنهما قالا:ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي إلا حمل إلينا النفقة و الصلة و الكسوة و يقول:هذه معدة لكم قبل أن تلقوني (2).
3-و روي عن سليمان بن دمدم قال:كان أبو جعفر محمد بن علي يجيزنا بالخمسمائة درهم إلى الستمائة إلى الألف درهم،و كان لا يمل من صلة إخوانه و قاصديه و مؤمليه و راجيه (3).
4-و روي عن سلمى مولاته قالت كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب و يلبسهم الثياب الحسنة و يهب لهم الدراهم، فأقول له في بعض ما يصنع فيقول:يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف و الإخوان (4).
و في رواية أخرى:فأقول له في ذلك ليقلل منه فيقول:يا سلمى ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الأخوان و المعارف (5)
و كان الإمام الباقر(عليه السّلام)يعد الجود و الكرم و صلة الإخوان نوعا من أنواع التكافل الاجتماعي الذي حث عليه القرآن الكريم في كثير من آياته و أكده الرسول العظيم(صلى الله عليه و آله)في الكثير من أحاديثه،و كذلك كان يعتبره تأسيا بين
********
(1) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج 51 الورقة 55+المشرع الروي،الشلي،38/1.
(2) عيون الأخبار،ابن قتيبة،217+الإرشاد،الشيخ المفيد،299+الكنى و الأسماء،الدولابي، 135/1 في حب عمرو بن دينار.
(3) الإرشاد،الشيخ المفيد،299+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،228.
(4) مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم،الورقة 190+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+ كشف الغمة،الأربلي،333/2.
(5) الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،197+مطالب السئول،ابن طلحة الشافعي،81+ نور الأبصار،الشبلنجي الشافعي،131+الكواكب الدرية،المناوي،165/1.
ص: 65
الإخوان المؤمنين،فقد ورد في حلية الأولياء بسنده عن عبيد اللّه بن الوليد قال:
قال لنا أبو جعفر محمد بن علي:أ يدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ ما يريد؟قلنا:لا.قال:فلستم بإخوان كما تزعمون (1).
و روى غير واحد من العلماء هذا الخبر المتقدم عن الحجاج بن أرطأة قال:
قال أبو جعفر محمد بن علي:يا حجاج كيف تواسيكم؟قلت:صالح يا أبا جعفر،قال:يدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إليه؟ قلت:أما هذا فلا،فقال:أما لو فعلتم ما احتجتم (2).
و كان كثيرا ما يتعوذ من البخل،و من بوائقه لأنه من حبائل الشيطان و دسائسه،و كان يوصي الناس أيضا بالتعوذ من هذه الصفة الرذيلة التي تبعد العبد عن ربه و تجعله كالبهيمة أو هو أضل سبيلا.
لقد كانت للإمام الباقر(عليه السّلام)رغبة أكيدة و استعداد نفسي واضح للوعظ و الإرشاد و تعليم الناس طرق الهداية،و تحذيرهم من طرق الغواية،فكان دائما ينذر و يحذر و يدعو و يرشد،و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر،يخاف على الناس مثل ما يخاف على نفسه من الغفلة و ترك السنة،فيقف واعظا الخاصة و العامة،يوصي الناس حاكمين و محكومين،و إذا ما أزمة ألمت هرع إليه الكثير يريدون رأيه و نصحه و يستطلعون موقفه و يطلبون توجيهه.
و قد كانت وصاياه و مواعظه حافلة بالقيم الكريمة،زاخرة بالمثل العليا، متوفرة على جملة من آداب السلوك و التوجيه الصحيح الذي يحمي الناس من الانحراف و الوقوع في مزالق الغواية و الضلالة.
********
(1) حلية الأولياء،الأصفهاني،187/3+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2.
(2) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 54+كشف الغمة،الأربلي،333/2+ الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،197.
ص: 66
نستطيع أن نقسم وصايا الإمام الباقر(عليه السّلام)إلى ما أوصى به ابناه،و ما أوصى به بعض الخلفاء في عصره،و إلى ما أوصى به بعض العلماء و تلامذته.
قد زود الإمام الباقر(عليه السّلام)ولده جعفر الصادق بجملة من الوصايا القيمة نختار واحدة منها للتمثيل و الاستدلال،و لما زخرت به من روائع الحكم و جمعت من مقومات الآداب و السلوك،فقد قال الإمام أبو جعفر لولده:يا بني إن اللّه خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء:خبأ رضاه في طاعته،فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعل رضاءه فيه،و خبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه،و خبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعله ذلك الولي (1).
حفلت هذه الوصية بجملة من الأمور منها:الترغيب في طاعة اللّه و الحث عليها، و التحذير من المعصية و التشديد فيها،و الحث على عدم الاستهانة بالناس أيا كان موضعهم و مهما كانت طبقتهم بل فيها أمر بتكريمهم و إظهار معالم الاحترام لهم.
و في وصية أخرى له يوصي بها بعض ولده فيقول:يا بني إذا أنعم اللّه عليك نعمة فقل:الحمد للّه و إذا أحزنك أمر فقل:لا حول و لا قوة إلا باللّه،و إذا أبطأ عنك رزقك فقل:أستغفر اللّه (2).
في هذه الوصية أوجز الإمام الباقر(عليه السّلام)كل معالم التقوى و أركان الصبر و الإنابة من الذنب في كلمات قليلة كانت خير نبراس لمن أراد الالتزام بها و اتخاذها منهجا حياتيا،و هي صالحة لكل زمان و مكان لتخطيها حدودهما،فكان الإمام الباقر(عليه السّلام) يريد أن يقول يجب على العبد أن ينقطع للّه تبارك و تعالى مهما كانت حالة ذلك العبد من الشكر على النعمة و الصبر على المكروه و التوكل على اللّه.
********
(1) الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،129.
(2) الموفقيات،الزبير بن بكار،399+البيان و التبيين،الجاحظ،208/3.
ص: 67
أما وصاياه المتعلقة بسياسة الملك،فهذه وصيته للخليفة عمر بن العزيز حينما طلب من الإمام أن يوصيه بما ينتفع منه في سياسة دولة الإسلام عند ما ولي الخلافة بعد أن أرسل إليه في جملة من أرسل إليهم،فقال له الإمام أبو جعفر الباقر:أوصيك بتقوى اللّه،و أن تتخذ صغير المسلمين ولدا،و أوسطهم أخا، و كبيرهم أبا،فارحم ولدك،و صل أخاك،و إذا صنعت معروفا فربه.
فأعجب الخليفة عمر بن عبد العزيز بهذه الوصية الجامعة و راح يبدي إعجابه قائلا:جمعت و اللّه ما أن أخذنا به،و أعاننا اللّه عليه استقام لنا الخير إن شاء اللّه (1).
احتوت هذه الوصية جملة من الأمور منها:يجب على الخليفة أن لا يغتر بملك و لا يؤخذ بإقبال الدنيا عليه فإن أهم من ذلك كله تقوى اللّه،و أن يسوس رعيته بسياسة العدل و الإنصاف باتخاذ أبناء المسلمين أبناء له لا ينفكون عنه بل هم من أفراد أسرته،و كذلك صلة الرحم بصلة إخوانه المسلمين فإذا كان الخليفة كذلك يسعد هو و يسعد معه المسلمون،و تكون مدة حكمه خالية من الاضطرابات و الفتن،و يكون قد حقق أهم ما نادى به الإسلام للوهلة الأولى من العدالة و المساواة.
و قد حكى الإمام الصادق(عليه السّلام)إحدى وصايا أبيه لسفيان الثوري عند ما أراد منه الأخير أن يوصيه فقال:يا سفيان،أمرني أبي بثلاث،و نهاني عن ثلاث،فكان فيما قال لي:من يصحب صاحب السوء لا يسلم،و من يدخل مداخل السوء يتهم،و من لا يملك لسانه يندم،ثم انشد لي:
عود لسانك قول الخير تحظ به أن اللسان لما عودت يعتاد
موكل بتقاضي ما سننت له في الخير و الشر فانظر كيف تعتاد (2)
********
(1) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 38+تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،74/5.
(2) الخصال،الشيخ الصدوق،157.
ص: 68
حدد الإمام في هذه الوصية المحكية عن أبيه زين العابدين الإطار النظري للقيم الأخلاقية بتأسيس قواعد كلية عامة للمناهج السلوكية المرضية عند اللّه تبارك و تعالى و عند عامة الناس أيضا و قد وفق أشد التوفيق في ذلك التحديد و هذا العرض و من خلال التطبيق الفعلي في حياته اليومية لما يوصي به سفيان الثوري و غيره.
زود الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)تلميذه جابر الجعفي بوصية خالدة،مميزة على كل وصاياه و على كل ما أوصى به موص على طول التاريخ العربي الإسلامي،حفلت بجميع القيم الأخلاقية الرفيعة و المثل الإنسانية السامية،التي لو طبقها الإنسان بجزئياتها و جعلها منهجا حياتيا له بكل تفصيلاتها لسمت به سموا جعله من الخالدين،و سنورد هذه الوصية الرائعة ليتبين لنا أن هذا الإمام كان يحمل كنوزا معرفية جلت عن الوصف.
قال الإمام لجابر الجعفي:أوصيك بخمس،إن ظلمت فلا تظلم،و إن خانوك فلا تخن،و إن كذبت فلا تغضب،و إن مدحت فلا تفرح،و إن ذممت فلا تجزع،و فكر فيما قيل فيك،فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين اللّه(عز و جل)عند غضبك من الحق أعظم مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس و إن كنت على خلاف ما قيل فيك فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.
و اعلم بأنك لن تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك و قالوا:
إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك،و لو قالوا إنك رجل صالح،لم يسرك ذلك، و لكن اعرض نفسك على كتاب اللّه فإن كنت سالكا سبيله،زاهدا في تزهيده، راغبا في ترغيبه،خائفا من تخويفه،فاثبت و ابشر،فإنه لا يضرك ما قيل فيك، و إن كنت مباينا للقرآن فما ذا الذي يغرك من نفسك،إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها و يخالف هواها في محبة اللّه،و مرة تصرعه نفسه فيتبع هواه فينعشه اللّه فينتعش و يقيل اللّه عثرته فيتذكر و يفزع إلى
ص: 69
التوبة و المخافة فيزداد بصيرة و معرفة بما زيد فيه من الخوف،و ذلك بأن اللّه يقول:
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (1) .
يا جابر استكثر لنفسك من اللّه قليل الرزق تخلصا إلى الشكر،و استقلل من نفسك كثير الطاعة للّه إزراء على النفس و تعرضا للعفو،و ادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم،و استعمل حاضر العلم بخالص العمل،و تحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ،و استجلب شدة التيقظ بصدق الخوف،و احذر خفي التزين بحاضر الحياة،و توق مجازفة الهوى بدلالة العقل وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم،و استبق خالص الأعمال ليوم الجزاء و انزل ساحة القناعة باتقاء الحرص،و ادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة،و استجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل،و اقطع أسباب الطمع ببرد اليأس،و سد سبيل العجب بمعرفة النفس، و تخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض،و اطلب راحة البدن بإجمام القلب، و تخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ،و تعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات،و استجلب نور القلب بدوام الحزن،و تحرز من إبليس بالخوف الصادق، و إياك و الرجاء الكاذب فإنه يوقعك بالخوف الصادق،و تزين للّه(عز و جل)بالصدق في الأعمال،و تحبب إليه بتعجيل الانتقال،و إياك و التسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكى،و إياك و الغفلة ففيها تكون قساوة القلب،و إياك و التواني فيما لا عذر لك فيه فإليه يلجأ النادمون،و استرجع سالف الذنوب بشدة الندم و كثرة الاستغفار، و تعرض للرحمة و عفو اللّه بحسن المراجعة،و استعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء و المناجاة في الظلم،و تخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق و استقلال كثير الطاعة،و استجلب زيادة النعم بعظيم الشكر،و التوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم،و اطلب بقاء العز بإماتة الطمع،و ادفع ذل الطمع بعز اليأس،و استجلب عز اليأس ببعد الهمة،و تزود من الدنيا بقصر الأمل،و بادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة و لا إمكان كالأيام الخالية مع صحة الأبدان،و إياك و الثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء.
********
(1) الأعراف201/.
ص: 70
و اعلم أنه لا علم كطلب السلامة،و لا سلامة كسلامة القلب،و لا عقل كمخالفة الهوى،و لا خوف كخوف عاجز،و لا رجاء كرجاء معين،و لا فقر كفقر القلب،و لا غنى كغنى النفس،و لا قوة كغلبة الهوى،و لا نور كنور اليقين،و لا يقين كاستصغارك للدنيا،و لا معرفة كمعرفتك بنفسك،و لا نعمة كالعافية،و لا عافية كمساعدة التوفيق،و لا شرف كبعد الهمة،و لا زهد كقصر الأمل و لا حرص كالمنافسة في الدرجات،و لا عدل كالإنصاف،و لا تعدي كالجور،و لا جور كموافقة الهوى،و لا طاعة كأداء الفرائض،و لا خوف كالحزن،و لا مصيبة كعدم العقل، و لا عدم العقل كقلة اليقين،و لا قلة يقين كفقد الخوف،و لا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف،و لا مصيبة كاستهانتك بالذنب و رضاك بالحالة التي أنت عليها، و لا فضيلة كالجهاد،و لا جهاد كمجاهدة الهوى،و لا قوة كرد الغضب،و لا معصية كحب البقاء،و لا ذل كذل الطمع،و إياك و التفريط عند إمكان الفرصة فإنه ميدان يجر لأهله الخسران (1).
حفلت هذه الوصية بجواهر الحكم و أضاءت جوانب كثيرة من مواهب الإمام الباقر(عليه السّلام)و علمه،و يحق لقائل أن يقول:لو لم تكن له غير هذه الوصية لكانت كافية في الاستدلال على ما يملكه الإمام أبو جعفر من طاقات علمية لا توصف،فهو نظر إلى أعماق النفس الإنسانية و سبر أغوارها و حلل أبعادها و عرف ما ابتلي به الإنسان من الأمراض النفسية و الأخلاقية من جهل و كبرياء و غرور و طمع و بعد أمل مما يدفعه إلى الإغراق في المعاصي و اجتراح الآثام و سلوك طرق الضلالة،و درس الإمام الباقر(عليه السّلام)كل ذلك فوضع لكل واحد من تلك الأمراض و الآفات علاجا مناسبا و وصف لكل منها دواء فاعلا يستطيع الإنسان بواسطته القضاء على تلك الأمراض إذا ما أخذ بهذه المجموعة المتراصة و المتكاملة من الوصايا التي صبت في قالب واحد و وصية واحدة و عمل بها فإنه سيعود إنسانا مثاليا مهذبا قد صان نفسه و اتصل بخالقه تبارك و تعالى.
********
(1) تحف العقول،ابن شعبة الحراني،284-286.
ص: 71
و من وصاياه القصار فقد وفد عليه رجل من المسلمين و طلب منه أن يوصيه بوصية يسير على ضوئها و يهتدي بهديها،فقال له الإمام الباقر:هيئ جهازك و قدم زادك،و كن وصي نفسك (1).
صورت هذه الوصية على قصرها ما يحتاجه الإنسان ليسلم على دينه و يكون ضامنا للفوز بآخرته يوم لا ينفع مال و لا بنون،بالقربة من اللّه زلفى بامتثال أوامره و اجتناب نواهيه بأن يهيئ أعماله الصالحات ليقدمها بين يدي ربه، و أن يحاسب نفسه و يجعلها رقيبة عليه.
كان الإمام الباقر(عليه السّلام)في مواعظه يحذر من الدنيا و الركون إليها،و ينذر من الاغترار بها و العيش من أجلها،و يدعو الناس إلى التفكر و التبصر فيما يصيرون إليه من مفارقة الدنيا إلى القبور المظلمة و اللحود الموحشة التي لا ينفع فيها إلا ما ادخره الإنسان من الباقيات الصالحات.
فمن بعض مواعظه في هذا الباب قوله:أيها الناس إنكم في هذه الدنيا أغراض تنتقل فيكم المنايا،لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله،فأية أكلة ليس فيها غصص؟أم أي شربة ليس فيها شرق؟استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه،فإن اليوم غنيمة و غدا لا تدري لمن هو،أهل الدنيا في سفر يحلون عقد رحالهم في غيرها،قد خلت منا أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد أصله.
أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم و أبعد آمالا؟أتاك يا بن آدم ما لم ترده، و ذهب عنك ما لا يعود،فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا،ما لك منه إلا لذة تزدلف بها إلى حمامك،و تقربك من أجلك،فكأنك قد صرت الحبيب المفقود و السواد المخترم،فعليك بذات نفسك و دع ما سواها و استعن باللّه يعنك (2).
********
(1) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 38+ربيع الأبرار،الزمخشري،38/1.
(2) تحف العقول،ابن شعبه الحراني،299+الكامل في الادب،المبرد،127/1.
ص: 72
و كان الإمام الباقر(عليه السّلام)كثيرا ما ينتهز الفرصة عند تفسيره لبعض الآيات القرآنية،مستغلا الموقف في استماع الناس لما سيقول في تفسير هذه الآية أو تلك فيجعل من تفسيره على شكل موعظة تفيد الناس في حياتهم،ففي تفسيره لقوله تعالى: وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ (1).
قال:ما اغرورقت عين بمائها من خشية اللّه إلا و حرم اللّه وجه صاحبها على النار،فإن سالت على الخدين دموعه لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة،و ما من شيء إلا و له جزاء إلا الدمعة فإن اللّه تعالى يكفر بها بحور الخطايا (2).
لقد دعا الإمام الناس إلى البكاء من خشية اللّه فإنه من علامة الإيمان الصحيح الكاشف عن اتصال العبد بربه و خالقه.
و سئل الإمام يوما عن أشد الناس زهدا؟فقال:من لا يبالي الدنيا في يد من كانت،فقيل له:من أخسر الناس صفقة؟فأجاب:من باع الباقي بالفاني،فقيل له:من أعظم الناس قدرا؟فقال:من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا (3).
و وعظ الإمام يوما بعض أصحابه فقال لهم:إن اللّه تعالى يقول:يا بن آدم تطولت عليك بثلاث؛سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما داروك،و أوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا،و جعلت لك نظرة في ثلثك فلم تقدم خيرا (4).
و هكذا نرى الإمام الباقر(عليه السّلام)يستنطق النصوص القرآنية في وصاياه و مواعظه فيجعل تلك الآيات القرآنية رائدا له في كل ما يعظ به الناس،و لو أردنا استعراض كل ما أوصى و وعظ به الإمام لما وسعت هذه الصفحات هذا المطلب فآثرنا ذكر بعض النماذج منها و التي ساقها لمعالجة النفوس و تهذيبها،و كانت هذه الظاهرة التربوية من أبرز القيم في تعاليم هذا الإمام الجليل.
********
(1) يونس26/.
(2) البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،312/9+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،94+ صفوة الصفوة،ابن الجوزي،61/2+مجمع البيان،الطبرسي،104/5+بحار الأنوار، المجلسي،47/19.
(3) البيان و التبيين،الجاحظ،161/3-تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،321/2.
(4) الخصال،الشيخ الصدوق،131.
ص: 73
أما بالنسبة لقصار المعاني التي أثرت عن الإمام الباقر(عليه السّلام)و تحمل في طياتها من المغزى الأخلاقي و التربوي العظيم ما لا تتسع لها تلك الأقوال لو صبت في قالب آخر عن غير الإمام الباقر،فقد وردت عنه مجموعة كبيرة جدا من تلك المعاني تجاذبها العلماء من الأمة الإسلامية و دوّنوها في تصانيفهم.
و سنعرض هنا لجملة من تلك الأقوال المأثورة عنه،و التي أودعها الإمام روائع الحكم القصار الحافلة بالقيم الكبيرة و الحكم الصائبة و التجارب النافعة، و إليك بعضها:
1-قال الإمام أبو جعفر الباقر:ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم (1).
2-و قال:من لم يجعل اللّه له من نفسه واعظا فإن مواعظا الناس لن تغني عنه شيئا (2).
3-و قال:من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه (3).
4-و قال:أربع من كنوز البر:كتمان الحاجة،و كتمان الصدقة،و كتمان الوجع،و كتمان المصيبة (4).
5-و قال:من صدق لسانه زكا عمله،و من حسنت نيته زيد في رزقه،و من حسن برّه في أهله زيد في عمره (5).
6-و قال:إن المؤمن أخو المؤمن،لا يشتمه،و لا يحرمه،و لا يسيء الظن به (6).
7-و قال:أفضل العبادة عفة البطن و الفرج (7).
8-و قال:لكل شيء آفة،و آفة العلم النسيان (8).
********
(1) تحف العقول،ابن شعبة الحراني،292+جامع كرامات الأولياء النبهاني،97/1.
(2) إثبات الهداة،الحر العاملي،266/5+تحف العقول،ابن شعبة الحراني،293.
(3) تحف العقول،ابن شعبة الحراني،293.
(4) المصدر نفسه و الصفحة.
(5) المصدر نفسه و الصفحة.
(6) المصدر نفسه و الصفحة.
(7) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،62/2-63+المشرع الروي،الشلي،37/1.
(8) حلية الأولياء،الأصفهاني،183/3+البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،310/9.
ص: 74
9-و قال:اللهم أعنّي على الدنيا بالغنى،و على الآخرة بالتقوى (1).
10-و قال:لا يزال الرجل يزداد في رأيه ما نصح لمن استشاره (2).
11-و قال:سلاح اللئام قبيح الكلام (3).
12-و قال:الصواعق تصيب المؤمن و غير المؤمن و لا تصيب الذاكر (4).
13-و قال:أشد الأعمال ثلاثة:ذكر اللّه على كل حال،و إنصافك من نفسك،و مواساة الأخ في المال (5).
14-و قال:لا يكون المعروف معروفا إلا باستصغاره و تعجيله و كتمانه (6).
15-و قال:ما أحسن الحسنات بعد السيئات،و ما أقبح السيئات بعد الحسنات (7).
16-و قال:من أصاب مالا من أربع لم يقبل منه في أربع:من أصاب مالا من غلول أو ربا أو خيانة أو سرقة،لم يقبل منه في زكاة،و لا في صدقة،و لا في حج،و لا في عمرة (8).
17-و قال:إن الكذب حراب الإيمان (9).
18-و قال:شر الأدباء من دعاه البر إلى الإفراط،و شر الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق (10).
19-و قال:إن اللّه قضى قضاء حتما..ألاّ ينعم على العبد نعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة (11).
********
(1) البيان و التبيين،الجاحظ،222/3.
(2) عيون الأخبار،ابن قتيبة،300/1.
(3) طبقات الشعراني،28/1+ينابيع المودة،القندوزي الحنفي،433.
(4) سير أعلام النبلاء،الذهبي،242/4+حلية الأولياء،الأصفهاني،181/3+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،60/2.
(5) حلية الأولياء الأصفهاني،183/3.
(6) الأخبار الموفقيات،الزبير بن بكار،400.
(7) الأمالي،الشيخ الصدوق،224.
(8) المصدر نفسه،296.
(9) أصول الكافي،الكليني،339/2.
(10) تاريخ اليعقوبي،اليعقوبي،53/2+أصول الكافي،الكليني،273/2.
(11) المصدر نفسه و الصفحة.
ص: 75
20-و قال:لو صمت النهار لا أفطر و صليت الليل لا أفتر،و أنفقت مالي في سبيل اللّه علقا علقا،ثم لم تكن في قلبي محبة لأوليائه و لا بغضة لأعدائه ما نفعني ذلك شيئا (1).
21-و قال:اصبر للنوائب،و لا تتعرض للحقوق،و لا تعطي أحدا من نفسك ما ضره عليك أكثر من نفعه (2).
22-و قال بئس الأخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا (3).
23-و قال:ليس في الدنيا شيء أعون من الإحسان إلى الإخوان (4).
24-و قال:من أعطى الخلق و الرفق فقد أعطى الخير و الراحة،و حسن حاله في دنياه و آخرته،و من حرمهما كان ذلك سبيلا إلى كل شر و بلية إلا من عصمه اللّه (5).
25-و قال:ما يضر من عرّفه اللّه الحق أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الأرض حتى يأتيه الموت (6).
26-و قال:إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك،فإن كان يحب أهل طاعة اللّه(عز و جل)و يبغض أهل معصيته ففيك خير،و اللّه يحبك، و إن كان يبغض أهل طاعة اللّه و يحب أهل معصيته فليس فيك خير و اللّه يبغضك،و المرء مع من أحب (7).
27-و قال:ما من شيء أبغض إلى اللّه من بطن مملوء (8).
28-و قال:إني لأكره أن يكون مقدار لسان الرجل فاضلا على مقدار علمه كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله (9).
********
(1) المصدر نفسه و الصفحة.
(2) المصدر نفسه و الصفحة.
(3) طبقات الشعراني،28/1+صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+المشرع الروي،الشلي،38/1.
(4) صفوة الصفوة،ابن الجوزي،63/2+كشف الغمة،الأربلي،330/2.
(5) البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،311/9.
(6) التحصين،أحمد بن فهد الحلي،225.
(7) علل الشرائع،الشيخ الصدوق،117.
(8) جامع السعادات،النراقي،5/2.
(9) شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد،92/7.
ص: 76
من سيرته العلمية
و يتضمن:
*المبحث الأول:حثه على طلب العلم و أقواله في العلم و العلماء
*المبحث الثاني:علومه و معارفه
*المبحث الثالث:مناظراته و أجوبته
*المبحث الرابع:مكانته و أقوال العلماء فيه
ص: 77
ص: 78
حثه على طلب العلم و أقواله في العلم و العلماء
كانت حياة الإمام الباقر(عليه السّلام)حافلة بأعمال جليلة و مآثر عظيمة،فقد فتحت في عصره معاهد العلم و عقدت فيه مجالس البحث لدراسة الفقه و الحديث و الفلسفة و التفسير و سائر العلوم الأخرى،و كانت حلقة دراسة تنعقد في المسجد النبوي الشريف و تضم كبار التابعين و أعيان الفقهاء في المدينة المنورة، و كان له فضل لا يستهان به مع جهود العلماء الآخرين في إنارة مجالس البحث و حلقات الدرس.
و قد اهتم الإمام الباقر(عليه السّلام)في تبيين ما للعلم و العلماء من فضل،و ما في طلب العلم و آداب العلم من فضيلة لأنه بات واضحا أن العلم هو الدعامة الأولى الذي ترتكز عليه الأمم و الشعوب في رقيها و تقدمها الحضاري،و تلك ميزة تضاف إلى مزايا الإمام الباقر(عليه السّلام)بوصفه أحد مصادر الوعي و التوجيه للأمة الإسلامية آنذاك.
نراه أولا يبين فضل العلم و مكانته السامية عند اللّه سبحانه و تعالى و عند العقلاء إذ روي عنه أنه قال:تعلموا العلم فإن تعلمه جنة،و طلبه عبادة،و مذاكرته تسبيح، و البحث عنه جهاد،و تعليمه صدقة،و بذله لأهله قربة،و العلم منار الجنة،و أنس الوحشة،و صاحب في الغربة،و رفيق في الخلوة،و دليل على السراء،و عون على الضراء،و زين عند الأخلاء،و سلاح على الأعداء،يرفع اللّه به قوما ليجعلهم في الخير أئمة يقتدى بفعالهم،و تقتص آثارهم،و يصلي عليهم كل رطب و يابس و حيتان البحر و هوامه،و سباع البر و أنعامه (1).
********
(1) تذكرة ابن حمدون،26+معالم العلماء،ابن الشهيد الثاني،16.
ص: 79
جمعت هذه الكلمة كل ما قد يقال في تمجيد العلم و بيان فضله،و أحاطت بثمراته و فوائده،و بينت قيمة أهله و طالبيه،و رغبت في طلبه أشد ما يكون الترغيب لأنها رفعت العلم إلى أعلى درجات السمو و جعلته هو و العبادة صنوان لا يفترقان،و إذا لم تكن للإمام الباقر(عليه السّلام)سوى هذه الكلمة في العلم و العلماء لكانت كافية في أن تؤسس الخطوط العريضة للمنهج العلمي للحركة العلمية و الفكرية التي أوجدها الإمام الباقر(عليه السّلام)في عصره،و التفاف طلاب العلم و رواد الحقيقة حوله على الرغم من كل الصعوبات و العقبات التي كانت تواجهه و تواجه تلامذته و طلابه.
أما ما أثر عنه في الإشادة بفضل العالم و توضيحه لمكانته الاجتماعية المرموقة و التي يجب أن يتبوأها العلماء و ما أعدّه اللّه(عزّ و جلّ)لهم من جزيل الأجر و الثواب فهي كلمات كثيرة،و الحق لا يخلو واحد من مصادر التراث العربي الإسلامي قد جعل من أبوابه بابا للعلم إلا و ذكر كلمة للإمام،و لذلك سنختار بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر و هي:
1-قال الإمام أبو جعفر الباقر:عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد (1)،و في رواية أفضل من ألف عابد (2).
2-و قال:و اللّه لموت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا (3).
3-و قال:من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به و لا ينقص أولئك من أجورهم شيئا،و من علم باب ضلالة كان عليه مثل وزر من عمل به و لا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا (4).
4-و قال:ما من عبد يغدو في طلب العلم و يروح إلا خاض الرحمة خوضا (5).
********
(1) جامع بيان العلم و فضله،ابن عبد البر،32/1+جامع السعادات،النراقي،104/1.
(2) حلية الأولياء الأصفهاني،183/3.
(3) المصدر نفسه،82/3+البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،312/9.
(4) أصول الكافي،الكليني،34/1.
(5) ناسخ التواريخ،محمد تقي الكاشاني،205/2.
ص: 80
يتبين من هذه النصوص أن الإمام الباقر(عليه السّلام)كان يستنطق النص القرآني و السنة النبوية،و يستشعر هديهما إذ أن أكثر ما روي عنه كان متضمنا في الغالب لمعنى مباشر من القرآن الكريم أو معنى غير مباشر من السنة الشريفة و ذلك دأبه حتى عند ما يلقي دروسه في العرفان و الأخلاق و هذا ما ستبينه المباحث الآتية من هذه الدراسة.
حدد الإمام الباقر(عليه السّلام)بنظرة ثاقبة ما يصيب العلم من داء إذا استفحل أضاعه و أنهاه ألا و هو النسيان،فقد روي أنه قال لكل شيء آفة و آفة العلم النسيان (1).
لم يعين الإمام هذه الآفة من دون أن يضع لها علاجا،أو عدة أنواع من العلاج يمكن أن يكون في أول الأمر وقاية من هذا الداء الذي يعد في نظر العلماء من أفتك الأمراض التي تصيب العلم.
و من تلك العلاجات التي وضعها الإمام هي مجالسة العلماء و الأتقياء في قوله:لمجلس أجلسه إلى من أثق به أوثق في نفسي من عمل سنة (2).
و هل يوصي الإمام بغير مجالسة العلماء في هذا النص إذ لا يمكن أن يتصور أنه يثق بغير هذه الشريحة الاجتماعية المرموقة من جهة و تلك المجالسات هي من أنفع العلاجات لمرض النسيان من جهة أخرى.
و دعا الإمام إلى المذاكرة في العلوم بوصفها علاجا آخر لهذا المرض الخطير لأنها تفتح آفاقا واسعة في ميدان المعارف و العلوم فتراه يقول:تذاكر العلم دراسة و الدراسة صلاة (3).
و لا بد للذي يروم تحصيل العلم بالتردد على مجالس العلماء أن يتأدب بآداب علمية خاصة يستطيع من خلالها أن يحصل على أكبر قدر ممكن من المعارف و المعلومات،فوضع الإمام الباقر(عليه السّلام)برنامجا عمليا لآداب المتعلمين
********
(1) حلية الأولياء،أبو نعيم الأصفهاني،183/3.
(2) أصول الكافي،الكليني،34/1.
(3) المصدر نفسه،41/1.
ص: 81
في قوله:إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، و تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول و لا تقطع على أحد حديثه (1).
إذن لا بد لطالب العلم من حسن الإنصات لما يسمع من شيخه أو معلمه و إلا فاته الكثير و لم يظفر إلا بالقليل.
و لكن الإمام الباقر(عليه السّلام)لم يجعل حسن الاستماع هو كل ما يجب أن يفعله المتعلم إزاء العالم بل حث على السؤال من أهل العلم،ليقينه بأن إثارة الأسئلة في حلقة الدرس يعني الكثير من المناقشة و بالتالي بعني الإفادة للسائل و المسئول في أن واحد،و هذه المسائل لا تحتاج إلى مزيد توضيح فنراه يقول:العلم خزائن و المفاتيح السؤال،فاسألوا يرحمكم اللّه،فإنه يؤجر في العلم أربعة:السائل و المتكلم و المستمع و المحب لهما (2).
و حذر الإمام الباقر(عليه السّلام)من إضاعة العلم بالمعنى المحسوس،و أحد أوجه أضاعته عنده هو كثرة الضحك،و ما كثرته إلا مذهبة لوقار العالم و هيبته فإذا سلب العالم وقاره ذهب علمه فقد قال بهذا الصدد:إياكم و كثرة الضحك،فإنه يمج العلم مجا (3).
إذا اكتملت في طالب العلم آدابه و قطع أشواطا في تحصيله وجب عليه بذله، فدعا الإمام الباقر(عليه السّلام)إلى بذل العلم و إشاعته بين الناس حتى لا يبقى جاهل في المجتمع قدر الإمكان،فيوجههم إلى هذا المعنى في قوله:إن الذي تعلم العلم منكم له أجر مثل الذي يعلمه،و له الفضل عليه،تعلّموا العلم من حملة العلم، و علموه إخوانكم كما علمكم العلماء (4).
********
(1) ناسخ التواريخ،محمد تقي الكاشاني،205/2.
(2) المصدر نفسه و الصفحة.
(3) الطبقات الكبرى ابن سعد،322/5.
(4) ناسخ التواريخ،محمد تقي الكاشاني،205/2.
ص: 82
يحدد الإمام الباقر(عليه السّلام)الطريق الذي يجب على طالب العلم أن يسير عليه في حياته العلمية،فيرى الإمام أن التفقه في الدين و معرفة الحلال و الحرام هو العلم المطلوب معرفته و تحصيله،لأن ما من كمال يصل إليه الإنسان إلا به،فنراه يوجه أنظار طلابه إليه فيقول:الكمال كل الكمال،التفقه في الدين،و الصبر على النائبة،و تقدير المعيشة (1).
و ذلك لأن التفقه في الدين مما يحفظ توازن الإنسان و يقوم سلوكه و يبعده عن اقتراف أي انحراف عن الدين،و لأن المحصلة النهائية لكل ما يتعلمه الإنسان أن يربطه بحياته العملية لئلا يكون مذموما بين الناس إذا خالف سلوكه علمه أو العكس، فنجد الإمام الباقر(عليه السّلام)يوجه أنظار المتعلمين إلى وجوب تطبيق ما تعلموه و علموا على واقع حياتهم العملية فيقول:إذا سمعتم العلم فاستعملوه،و لتتسع قلوبكم، فان العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر الشيطان عليه،فإذا خاصمكم الشيطان فاقبلوا عليه بما تعرفون،فان كيد الشيطان كان ضعيفا،فقال له ابن أبي ليلى:و ما الذي نعرفه؟فقال الإمام خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه(عزّ و جلّ) (2).
و يقترن دائما قبول العمل بالمعرفة،فمن يعمل من دون معرفة اللّه و التسليم لأمره و لا للواجب الذي يؤديه فلا أثر أو نفع لعمله،فقد قال الإمام الباقر(عليه السّلام) في هذا الصدد:لا يقبل عمل إلا بمعرفة،و لا معرفة إلا بعمل و من عرف دلته معرفته على العمل،و من لا يعرف فلا عمل له (3).
يطالعنا الإمام الباقر(عليه السّلام)في نص آخر محذرا أشد ما يكون التحذير من المباهاة في طلب العلم،يحث فيه أهل العلم أن يجهدوا أنفسهم على التقرب به إلى اللّه تعالى،و أن يلتمسوا به الدار الآخرة.فطلب العلم عنده ليس للتباهي
********
(1) الخصال،الشيخ الصدوق،223.
(2) جامع السعادات،النراقي،106/1+أصول الكافي،الكليني،45/1.
(3) تحف العقول،ابن شعبة الحراني،294.
ص: 83
و لا للمماراة و لا ليعرف به الطبقات العليا في المجتمع فالعلم من اللّه تبارك و تعالى و إليه،فقد روي عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه قال في هذا المجال:من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يعرف به وجوه الناس،فليتبوأ مقعده من النار،إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها (1).
إذن درجة العلماء عند الإمام الباقر(عليه السّلام)هي رئاسة على الناس،فإن كانت كذلك،فيجب على الرئيس أن يتحلى بأخلاق و صفات يبز بها باقي الناس و بها يتفوق عليهم فتكون له فيهم الكلمة المسموعة و الأمر المطاع و القدرة الحسنة،و لهذا السبب و غيره أثرت عن الإمام مجموعة من الروايات تنهي عن الفتيا بغير علم،منع فيها من دخول الدخلاء في زمر العلماء لتنصيب بعض الناس أنفسهم بدراية منهم أو لجهل في منصب الافتاء و تلك درجة خطيرة حذر الإمام الباقر(عليه السّلام)من استغلالها من قبل غير المستحقين لها،و إليك بعض ما أثر عنه من نصوص:
1-قال الإمام أبو جعفر الباقر:من أفتى الناس بغير علم و لا هدى،لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه (2).
2-و قال:ما علمتم فقولوا،و ما لم تعلموا فقولوا اللّه أعلم،إن الرجل ينتزع آية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء و الأرض (3).
3-و قال:للعالم إذا سئل عن شيء و هو لا يعلمه أن يقول:اللّه أعلم، و ليس لغير العالم أن يقول ذلك (4).
يصف الإمام الباقر(عليه السّلام)العلماء و يحدد أبرز ما يميز شخصية العالم عن غيره،موضحا الأطر العامة لتلك الصفات و الشمائل التي يجب أن يتحلى بها العلماء،في مجموعة من النصوص منها:
********
(1) جامع السعادات،النراقي،106/1+أصول الكافي،الكليني،47/1.
(2) المصدر نفسه و الصفحة.
(3) جامع السعادات،النراقي،107/1.
(4) تحف العقول،ابن شعبة الحراني،297.
ص: 84
1-قال الإمام أبو جعفر الباقر:لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا لما فوقه،و لا محقرا لما دونه (1).
و تلك لعمري من أعظم الآفات و أفتك الأمراض،فما أن يكون الإنسان حاسدا حتى يلقى الناس منه شرورا و آثاما،فكيف بالعالم العارف فيجب عليه إذا أن يتواضع للناس محتقرا لنفسه بجنب عظمة اللّه سبحانه و تعالى.
2-روى الإمام الباقر(عليه السّلام)عن الخليفة عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه) قوله:إذا رأيتم القارئ-أي العالم-يحب الأغنياء فهو صاحب دنيا،و إذا رأيتموه يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص (2).
إن حب العالم للأغنياء إنما هو الطمع في أموالهم و ما يستفيد منهم،و هذا ليس من أخلاق العلماء الذين أمروا أن يرجو ما عند اللّه و يتقربوا إليه،و لا يتقربون أو يرجون غيره.أما ملازمة السلطان أو الوقوف على أبوابهم من غير حاجة فينم عن تملق ذلك العالم فيجر على نفسه الويلات و هو في غنى عنها،و خير ما قيل في هذا الصدد:إذا وقف العلماء على أبواب السلاطين فبئس العلماء و بئس السلاطين،و إذا وقف السلاطين على أبواب العلماء فنعم العلماء و نعم السلاطين.
و من هذه الطائفة المتقدمة من أقوال الإمام الباقر(عليه السّلام)يتضح لنا ما كان يكنه لهم من التبجيل و الاحترام على اختلاف مقاصدهم و تباين فروعهم،فهم عنده سواسية لا يميز واحدا منهم على الآخر،لا لتشيعه و لا لأي مقصد آخر،فنراه مثلا يقول لأبان بن تغلب:اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك (3).
و نراه في الوقت نفسه يقول:يزيدني حبا لقدومي مكة لقاء عمرو بن دينار (4)(5).
********
(1) الأخبار الموفقيات،الزبير بن بكار،400+تحف العقول،ابن شعبة الحراني،298.
(2) البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،310/9+الإمام الصادق،الشيخ محمد أبو زهرة،24.
(3) ظ:ص 136 من الفصل الثالث من الباب الأول من هذه الرسالة.
(4) الكنى و الأسماء،الدولابي،135/1.
(5) هو عمرو بن دينار،أبو محمد الجمحي،مولاهم،اليمني،صنعاني،المكي،أحد الأعلام و من الرواة الستة،و قد وثقه جمهور العلماء مات أول سنة(126 ه).انظر:بعض مصادر ترجمته:الطبقات الكبرى،ابن سعد،353/5+التاريخ الكبير،البخاري،ق 8/2/3+ شذرات الذهب،ابن العماد الحنبلي،171/1.
ص: 85
فتلك هي إمامة العلم و رئاسته،فاستحق بهذا الإمام الباقر(عليه السّلام)أن يكون مقصد أئمة الفقه و الحديث،فما زار أحد منهم المدينة إلا عرج على بيت محمد الباقر(عليه السّلام)يأخذ عنه (1).
منهم سفيان الثوري و سفيان بن عيينة محدث مكة و أبو حنيفة فقيه العراق.
و كان الإمام الباقر(عليه السّلام)يرشد كل من يجيء إليه و يبين له الحق الذي لا عوج فيه،فمثلا جرت مناقشة بينه و بين أبي حنيفة،و كان أبو حنيفة قد اشتهر بالقياس في الفقه حتى تناولته الألسن في الملام و إليك بعض ما جرى بينهم:
قال الإمام الباقر:أنت الذي حولت دين جدي و أحاديثه بالقياس؟
قال أبو حنيفة:اجلس مكانك كما يحق لي،فإن لك عندي حرمة كحرمة جدك(صلى الله عليه و آله)في حياته على أصحابه.فجلس،ثم جثا أبو حنيفة بين يديه ثم قال:
إني سائلك عن ثلاث كلمات فأجبني الرجل أضعف أم المرأة؟
قال الإمام الباقر:المرأة أضعف.
قال أبو حنيفة:كم سهم المرأة في الميراث؟
قال الإمام الباقر:للرجل سهمان و للمرأة سهم.
قال أبو حنيفة:هذا علم جدك،و لو حولت دين جدك لكان ينبغي في القياس أن يكون للرجل سهم و للمرأة سهمان،لأن المرأة أضعف من الرجل،ثم الصلاة أفضل أم الصوم؟
قال الإمام الباقر:الصلاة أفضل.
قال أبو حنيفة:هذا قول جدك،و لو حولت قول جدك لكان أن المرأة إذا طهرت من الحيض أمرتها أن تقضي الصلاة و لا تقضي الصوم،ثم البول أنجس أم النطفة؟
قال الإمام الباقر:البول أنجس.
********
(1) الإمام الصادق،محمد أبو زهرة،22.
ص: 86
قال أبو حنيفة:لو كنت حولت دين جدك بالقياس لكنت أمرت أن يغتسل من البول،و يتوضأ من النطفة،و لكن معاذ اللّه أن أحول دين جدك بالقياس.
فقام الإمام الباقر(عليه السّلام)و عانقه و قبل وجهه (1).
و علّق الشيخ أبو زهرة على هذه المناقشة بالقول من هذا الخبر تتبين إمامة الباقر(عليه السّلام)للعلماء،يحضرهم إليه و يحاسبهم على ما يبلغه عنهم أو يبدر منهم،و كأنه الرئيس يحاكم مرءوسيه ليحملهم على الجادة،و هم يقبلون طائعين تلك الرئاسة (2).
و بهذا ينتهي بنا الحديث عما أثر عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في فضل العلم و تكريم حملته و ما ينبغي أن يتصفوا به من معالي الأخلاق ليكونوا قدوة للأمة، و عن احترامه و حبه الشديد للعلم و العلماء دون سواهم.
علومه و معارفه
اتجه الإمام الباقر(عليه السّلام)لخدمة الإسلام في نشر تعاليمه و أحكامه و بسط علومه و ما يتفرع منها،و تكلم على جميع معارفه،و ألقى دروسه على تلاميذه و رواته في كل جزئيات العلوم الإسلامية فلا يكاد يعرف علما من العلوم إلا و للإمام الباقر(عليه السّلام)فيه رأي أو قول أو رواية.
و انهال عليه رجال العلم من التابعين يغترفون من علومه و معارفه،فحفظ أولئك العلماء للإمام الباقر(عليه السّلام)منزلته و عرفوا مقامه و ما وهبه اللّه تعالى من علوم هم أحوج ما يكونون إليها.
و يمكننا أن ندرك مدى سعة علوم هذا الإمام الجليل من خلال معرفة جملة ممن تتلمذ عليه أو أخذ عنه أو روى له،فقد أحصينا في الفصل الثالث من هذا الباب من روى عنه في علوم القرآن و التفسير فقط يقارب عددهم الستين بين من
********
(1) الإمام الصادق،محمد أبو زهرة،23.
(2) المصدر نفسه الصفحة.
ص: 87
روى بالواسطة أو مباشرة،و أكثرهم من أئمة العلماء و كبار التابعين أمثال:
أبان بن تغلب و زرارة و حمران ابني أعين و محمد بن مسلم الطائفي و غيرهم.
و هنا نذكر جملة أخرى من الأعلام الذين أخذوا عنه،لما ذكره العلماء الذين ترجموا للإمام الباقر،و منهم:
1-عمرو بن دينار..الجمحي،مولاهم،أبو محمد الكوفي الأثرم (1).
2-عبد الرحمن..ابن عمرو الاوزاعي المتوفى سنة(157 ه)،أحد رؤساء المذاهب البائدة،و ممن احتج به أصحاب الكتب الستة (2).
3-عبد الملك..ابن عبد العزيز بن جريج الأموي،مولاهم،أبو الوليد، المتوفى سنة(150 ه)،روى عنه ابن سعيد الأنصاري و السفيانان،و هو أحد الأعلام،و احتج بحديثه أصحاب الكتب الستة،و قال عنه أحمد:كان من أوعية العلم (3).
4-يحيى بن كثير..أبو نصر الطائي،مولاهم،اليمامي،المتوفى سنة (129 ه)،قال شعبة:هو أحسن من الزهري،و قال أبو حاتم:ثقة لا يروي إلا عن ثقة (4)،و هو من رجال الكتب الستة،و من الأعلام المشهورين.
5-ربيعة الرأي..أبو عثمان،ربيعة بن عبد الرحمن بن فروخ التيمي، المتوفى سنة(136 ه)،احتج به أصحاب الصحاح،و هو من كبار شيوخ مالك بن أنس،و من تلامذة الإمام الباقر(عليه السّلام) (5).
و روى عنه الأوزاعي و الثوري و سليمان بن بلال و غيرهم.
6-عبد اللّه بن أبي بكر..ابن عمر بن حزم الأنصاري،المدني،المتوفى سنة(135 ه)من رجال الكتب الستة،و من شيوخ مالك،و هشام بن عروة
********
(1) راجع ترجمته و مصادره في ص 49 في هذا الفصل.
(2) الطبقات الكبرى،ابن سعد،175/7+الكنى و الأسماء،الدولابي،43/2+تهذيب التهذيب،العسقلاني،238/6+الأعلام،الزركلي،94/4.
(3) التاريخ الكبير،البخاري،ق 422/1/3+معرفة علوم الحديث،الحاكم النيسابوري،241 +تهذيب الأسماء،النووي،787.
(4) طبقات الحفاظ،الذهبي،131/1.
(5) تاريخ الإسلام،الذهبي،299/4.
ص: 88
و السفيانيين و غيرهم.قال النسائي:ثقة،ثبت،و قال مالك بن أنس:إنه رجل صدق،كثير الحديث.و قال ابن سعد:ثقة،كثير الحديث (1).
7-حجاج..ابن ارطاة شراحيل،النخعي،الكوفي،القاضي،المتوفى سنة (145 ه)،روى عنه شعبة و هشيم و الحمادان و الثوري و يزيد بن هارون، و أخرج له مسلم في صحيحه،و البخاري في الأدب المفرد،و الأربعة.
قال ابن عينة:سمعت ابن أبي نجيح يقول:ما جاءنا منكم مثله.و قال الثوري:عليكم به فإنه ما بقي أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه.و قال العجلي:كان فقيها و كان أحد مفتي الكوفي (2).
و غيرهم كثير أمثال:أبي حنيفة النعمان المتوفى(150 ه)و قد جاءت رواياته عن الإمام الباقر(عليه السّلام)و ولده الإمام الصادق في كتب مناقبه و جامع مسانيده، و منهم أسلم المنقري المتوفى سنة(142 ه)و محمد بن إسحاق بن يسار المتوفى سنة(151 ه)صاحب المغازي (3).
و ما أخذ هذه الثلة المباركة من العلماء عن الإمام الباقر(عليه السّلام)الأخير دليل على اعترافهم بفضله و سعة علومه من جهة و إن الإمام كان معتزلا عن المعترك السياسي لا يخوض فيه من قريب أو بعيد من جهة أخرى،فوجه كل طاقاته و جهوده نحو العلم وحده متفرغا له،فرفع مناره و أقام صرحه و(عاش مكرما متفرغا للعلم في عزلته بالمدينة و كان الناس يأتونه فيسألونه عما يشاءون) (4).
و قد تناول الإمام الباقر(عليه السّلام)عدة علوم في بحوثه التي ألقاها على تلامذته و العلماء الذين يقصدونه من الأمصار الإسلامية الأخرى في المسجد النبوي الشريف غالبا أو فناء داره نادرا،و من تلك العلوم التي اهتم بها الإمام الباقر(عليه السّلام).
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،164/5+تاريخ الإسلام،الذهبي،364/5.
(2) المصدر نفسه،196/2.
(3) تذكرة الحفاظ،الذهبي،163/1.
(4) عقيدة الشيعة،روايت م.رونلدس،123.
ص: 89
أولى الإمام الباقر(عليه السّلام)المزيد من اهتمامه في الحديث الوارد عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و عن آبائه الطاهرين،فهو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم و له من الأهمية البالغة في الشريعة الإسلامية فهو يتولى تخصيص عمومات الكتاب أو تقييد مطلقاته و بيان ناسخه من منسوخه،كما يعرض لأحكام فقهية في العبادات و المعاملات و إعطاء القواعد الكلية التي يتمسك بها الفقهاء لاستنباطهم للحكم الشرعي،فلذلك عنى به الإمام الباقر(عليه السّلام)و تبناه بصورة إيجابية،و قد حمل عنه الرواة تلك الأحاديث.
و اهتم الإمام الباقر(عليه السّلام)بفهم الحديث الشريف و الوقوف على معطياته،و جعل المقياس في فضل الراوي هو فهمه و معرفته لمضامينه،فقد روى عنه الإمام الصادق(عليه السّلام)إنه قال:اعرف منازل الشيعة على قدر رواياتهم و معرفتهم،فإن المعرفة هي الدراية للحديث،و بالدراية للرواية يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان (1).
و يكاد لا يخلو مصدر من المصادر الحديثية عند الفريقين من روايات للإمام الباقر(عليه السّلام)،فقد احتج به و صحح حديثه البخاري (2)،و مسلم (3)،و أصحاب السنن،و البيهقي (4)و الطبراني (5)،ناهيك عن المصادر الحديثية عند الإمامية فقد زخرت بمروياته.
و قد عرضنا في الفصل الثالث من هذا الباب بشيء من التفصيل لموقف العلماء من روايات الإمام الباقر(عليه السّلام)المرسلة عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و كذلك بالنسبة لرواياته عن بعض الصحابة،و قدمنا ما رأيناه معالجة-و اللّه أعلم-لتلك المواقف و التقريب بينها في شأن تلك المرويات.
********
(1) ناسخ التواريخ،محمد تقي الكاشاني،219/2.
(2) ظ:للتفاصيل:الصحيح،البخاري،55/1،72/1 باب الغسل بالصاع و نحوه،73/1،137/3،213/3، 173/5 و غيرها كنماذج.
(3) ظ:للتفاصيل:الصحيح،الإمام مسلم،2/1،233/5،147/6،153،166،133/8،194/8،9/9 و غيرها كنماذج.
(4) ظ:للتفاصيل:السنن الكبرى،البيهقي،410/3،411 كتاب الجنائز،37/6،89،90،140، 183،139/7 باب الوكالة في النكاح،346/7،351،26/8،302/9،304 و غيرها كنماذج.
(5) ظ:للتفاصيل:المعجم الكبير،الطبراني،371/10،322،409/23 و غيرها كنماذج.
ص: 90
يمثل فقه الإمام الباقر(عليه السّلام)امتدادا طبيعيا لفقه جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السّلام)و كل الذي أخذ عن الإمام الباقر(عليه السّلام)و ابنه الإمام الصادق من بعده كونه في محصلته النهائية فقها أثرى عالم التشريع الإسلامي سمي فيما بعد بفقه آل البيت.
و لقد تهيأت الظروف للإمام الباقر(عليه السّلام)بما لم تتهيأ لغيره من أئمة آل البيت و ذلك ما رافق في سنيه من بوادر النقمة على الحكم الأموي و ظهور النواة لثورة العباسيين عليهم مما جعل أولئك الحكام لم يعيروا اهتماما لما يقوم به الإمام الباقر(عليه السّلام)من نشر فقه أهل البيت بعد أن مضى على المسلمين أكثر من قرن من الزمن لا عهد لهم بفقه يختص بآل البيت.
و نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن مميزات هذا الفقه أو نشوئه و بداياته أو مقارنته مع فقه باقي العلماء بقدر حديثنا عن جهود الإمام الباقر(عليه السّلام)في هذا الباب.
فقد جهد الإمام الباقر(عليه السّلام)و ولده الصادق على نشر الفقه الإسلامي كغيرهم من أعلام هذه الأمة في وقت كان المجتمع الإسلامي غارقا في الأحداث السياسية، فقام الإمام الباقر(عليه السّلام)بالدور البناء في نشر الفقه الإسلامي و بيان أحكام الشريعة التي قدم من خلالها هذا الإمام الجليل خدمة عظيمة للإسلام و المسلمين،فحفلت موسوعات الفقه الإمامي خاصة مثل الحدائق الناظرة و جواهر الكلام و مستمسك العروة الوثقى و غيرها بالروايات الكثيرة التي أثرت عنه،و إليها يرجع فقهاء الإمامية في استنباطهم للأحكام الشرعية و في إصدارهم للفتوى.
و ليس من المستطاع لي أو لغيري تدوين كل ما أثر عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)من المسائل الفقهية،فإن ذلك يتطلب كتابة بحث أكاديمي منفرد، فلذلك آثرت أن أعقد مبحثا مستقلا عن تفسيره لآيات الأحكام ما دام تفسيرها يتعلق ببعض ما سجل للإمام الباقر(عليه السّلام)من فقه امتاز به عن غيره من الفقهاء في عصره و العصور التي تلته،و كذلك بالنسبة لعلم الكلام و جهود الإمام فيه بتوجيه أنظار الأمة الإسلامية إلى خطر الخوض بهذه القضايا على الرغم من أنه لم يترك مبحثا من مباحثه إلا و خاض فيه كما بيناه في مبحث مستقل أيضا.
ص: 91
إن علماء الإسلام عنوا عناية خاصة بعلم أصول الفقه،و خاضوا غمار أبحاثه و أجهدوا قرائحهم في فسيح مجالاته إلى أن حددوا معالمه،و سوروه بما يميزه من غيره،و جعلوه أمرا قائما بذاته،و غرضهم في ذلك الوصول إلى مقاصد المشرع الحكيم،و مرامي شريعته الغراء،و أوجه دلالة ألفاظ الكتاب الكريم و سنة النبي(صلى الله عليه و آله)على المعاني المقصودة (1).لأن الاجتهاد عندهم يتوقف عليه فإنه لا يكون المجتهد قد حصل على ملكة الاجتهاد حتى يجتهد في بحوث هذا العلم (2).
و كان أول من ألف في هذا العلم-و وصلنا تأليفه-هو الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي المتوفى(204 ه)حيث ألف رسالته فيه (3)،و ذلك استجابة لطلب الحافظ عبد الرحمن بن المهدي البصري المتوفى سنة (198 ه) (4).
و عن بدايات هذا العلم يقول عبد الوهاب خلاف:بدأ صغيرا كما يوجد كل مولود أول نشأته ثم تدرج في النمو...بدأ منثورا مفرقا في خلال أحكام الفقه، لأن كل مجتهد من الأئمة الأربعة و غيرهم كان يشير إلى دليل حكمه و وجه استدلاله به (5).
و نحن نتكلم هنا على مشاركة الإمام الباقر(عليه السّلام)فيمن شارك من العلماء آنذاك في جعل ولادة هذا العلم ولادة طبيعية ناجحة،فقد أرسى الإمام بعض قواعده من خلال الأحكام الفقهية التي أفتى بها و تنطوي على كثير من الأحكام الأصولية التي عرفت فيما بعد بالقواعد،يقول أحد الباحثين المحدثين:إن أول من فتح بابه-أي باب علم الأصول-و فتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو
********
(1) ظ:التعارض و الترجيح،عبد اللطيف البرزنجي،6.
(2) كفاية الأصول،الخراساني،126/2.
(3) أصول الفقه،محمد الخضري بك،46+مقدمة الرسالة،الشافعي،5-14.
(4) هو الحافظ،الإمام،العلم،المقدم في الحديث و الفقه،قال الشافعي:ما رأيت له نظيرا في الدنيا،ولد سنة(135 ه)و مات سنة(198 ه).ظ:الأعلام،الزركلي،115/4+ مقدمتي الرسالة و الأحكام،الإمام الشافعي،5-14.
(5) علم أصول الفقه،عبد الوهاب خلاف،17.
ص: 92
جعفر محمد بن علي و بعده ابنه أبو عبد اللّه الصادق و قد أمليا فيه على جماعة من تلامذتهما قواعده و مسائله (1).
و الحق أن تلك الاملاءات لم تصل إلينا و لكن المتأخرين من علماء الإمامية لملموا أشتاتها و رتبوها على مباحثه على شكل روايات موثقة،مسندة متصلة الإسناد بأئمة آل البيت.
و فيما يلي بعض القواعد الأصولية التي أثرت عن الإمام الباقر(عليه السّلام)و شارك في تأسيسها أو نقلها عن آبائه الطاهرين و التي يرجع إليه الفقهاء عند عدم النص على الحكم الشرعي،و إن كان الكثير منها قواعد فقهية غير أن علماء الأصول ذكروها في مؤلفاتهم توضيحا لبعض قواعد هذا العلم.
يعد الاستصحاب أحد الأصول الأربعة التي يرجع إليها الشاك في مقام،و هو في اللغة بمعنى طلب الصحبة،و الصحبة بمعنى المعاشرة يقال:استصحبه،أي دعاه إلى الصحبة،و هو يفيد أيضا معنى الملازمة يقال:استصحبه أي لازمه (2)،و يقال:
استصحبت في سفر الكتاب أو الرفيق،أي جعلته مصاحبا لي (3).
و في مصطلح الأصوليين عرف الاستصحاب بتعريفات كثيرة،نشأت كثرتها من محاولة بعضهم تعريف الاستصحاب وفق مبناه في اعتباره أمارة كاشفة عن الواقع،أو اعتباره أصلا عمليا،دون أن يكون له دور الكشف عن الواقع (4).
و لذلك كله فقد عرف بتعريفات كثيرة (5)،أهمها-نسبيا-هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه (6).
********
(1) الشيعة و فنون الإسلام،حسن الصدر،95.
(2) ظ:القاموس المحيط، الفيروزآبادي،91/1+لسان العرب،ابن منظور،8/2.
(3) مصادر التشريع الإسلامي،عبد الوهاب خلاف،127.
(4) مصباح الأصول،محمد سرور البهبودي،5-6.
(5) ظ:إرشاد الفحول،الشوكاني،20+كشف الأسرار،عبد العزيز البخاري،377/3+أصول الفقه،الشيخ المظفر،277/3-278+مفتاح الوصول،أحمد البهادلي،217/1.
(6) كفاية الأصول،الخراساني،273/2.
ص: 93
و قد اختلف العلماء في حجيته على أقوال،هي عند-الإمامية-فقط بلغت حدا يصعب حصره،فكيف لو أضفنا إليها أقوال غيرهم (1)،و لذلك سأقتصر على ذكر ثلاثة أقوال فقط:
1-و هو القول بحجية الاستصحاب مطلقا،أي التمسك في حالة الشك ببقاء ما يتعلق به اليقين،و قد ذهب إلى هذا الرأي-كما يقول ابن الحاجب-أكثر العلماء،و منهم المالكية و الحنابلة و الشافعية (2).
كما ذهب إليه-كما يقول صاحب المعالم-أكثر الإمامية (3).
و ذهب إليه أيضا-فيما يقول أبو الحسين البصري-قوم من أهل الظاهر و غيرهم (4)،و قد صرح بذلك منهم ابن حزم الأندلسي (5).
2-عدم حجية الاستصحاب مطلقا،و ينسب هذا الرأي إلى أكثر الحنفية و المتكلمين (6)،و قد صرح به أبو الحسين البصري (7)،كما نسب إلى السيد المرتضى من الإمامية (8).
3-إن الاستصحاب حجة دافعة لا حجة ثابتة،أي إنه حجة لدفع ما يخالف الأمر الثابت بالاستصحاب،و ليس هو حجة على إثبات أمر لم يقم دليل على ثبوته،و هذا التفصيل منسوب لأكثر المتأخرين من علماء الحنفية (9).
و قد استدل أصحاب كل قول إلى ما ذهبوا إليه بأدلة يرى كل منهم بأنها وجيهة في معناها صحيحة في مبناها،غير إننا لا نذكرها،بل الذي يهمنا أن نذكر مشاركة الإمام الباقر(عليه السّلام)فيما ورد عنهم في تدعيم أدلة أصحاب القول الأول
********
(1) ظ:أصول الفقه،الشيخ المظفر،4/3.
(2) ظ:شرح المختصر،القاضي العضد الإيجي،284/2+إرشاد الفحول،الشوكاني،22.
(3) معالم الدين،ابن الشهيد الثاني،18.
(4) المعتمد،أبو الحسين المعتزلي،884/1.
(5) الأحكام في أصول الأحكام،ابن حزم،2/5.
(6) الأحكام في أصول الأحكام،الآمدي،181/3+إرشاد الفحول،الشوكاني،237.
(7) المعتمد،أبو الحسين البصري،884/1-885.
(8) معالم الدين،ابن الشهيد الثاني،218.
(9) ظ:سلم الوصول،الشيخ عمر عبد اللّه،307+كشف الأسرار،عبد العزيز البخاري، 378/3+التلويح على التوضيح،التفتازاني،102/2.
ص: 94
و هو حجية الاستصحاب مطلقا،بعد ما استدلوا بأدلة من العقل و الإجماع و وجوب العمل بالظن و بتلك الأخبار التي وردت عن الإمام الباقر(عليه السّلام)، و إليك بعضا منها:
1-ما رواه زرارة بن أعين في الصحيح (1)أنه قال:قلت له-أي للإمام الباقر(عليه السّلام)-الرجل ينام و هو على وضوء،أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟فقال:يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الأذن،فإذا نامت العين و الأذن و القلب وجب الوضوء.قلت:فإن حرك في(على)جنبه شيء و هو لا (لم)يعلم به؟قال:لا،حتى يستيقن أنه قد نام،حتى يجيء من ذلك أثر بين، و إلا فإنه على يقين من وضوئه،و لا ينقض(تنقض)اليقين أبدا بالشك،و لكن (و إنما)ينقضه(تنقضه)بيقين آخر (2).
2-رواية زرارة أيضا المتضمنة أحكام شكوك الصلاة قال:سألت الإمام أبا جعفر الباقر(عليه السّلام):من لم يدر في أربع هو أو في اثنتين و قد أحرز الاثنتين؟قال:
يركع بركعتين و أربع سجدات-و هو قائم-بفاتحة الكتاب و يتشهد،و لا شيء عليه،و إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع و قد أحرز الثلاث،قام فأضاف إليها أخرى و لا شيء عليه،و لا ينقض اليقين بالشك،و لا يدخل الشك باليقين،و لا يخلط أحدهما بالآخر،و لكنه ينقض الشك باليقين،و يتم على القين فيبني عليه و لا يعتد بالشك في حال من الحالات (3).
و هناك أخبار كثيرة عن الإمام الباقر(عليه السّلام)ذكرت في أبواب الشك في الصلاة،مذكورة في الموسوعات الفقهية الإمامية تلتقي مع هذين الخبرين في أعلاه بمجموعها على مدلول هو(عدم نقض اليقين بالشك)،فإن عدم دلالة
********
(1) كفاية الأصول،الخراساني،282/2+أصول الفقه،الشيخ المظفر،296/3+فرائد الأصول،الشيخ مرتضى الأنصاري،329.
(2) التهذيب،الشيخ الطوسي،117/1+الاستبصار،الشيخ الطوسي،16/1+وسائل الشيعة،الحر العاملي،174/1.
(3) الخصال،الشيخ الصدوق،160/1+وسائل الشيعة،الحر العاملي،175/1-176+أصول الفقه،الشيخ المظفر،307/3-308.
ص: 95
بعضها بصراحة على الاستصحاب غير ضائرة بعد أن كان البعض الآخر صريحا بالدلالة عليه لتعاضد هذه الأخبار المروية عن الإمام الباقر(عليه السّلام)،فيكون بهذا قد أرسى قواعد هذا الأصل العملي و كانت الروايات المنقولة عنه أدلة استفادها بعض القائلين بحجية الاستصحاب مطلقا.
التعارض لغة:كالتجاذب و التقاتل و التشاور و أمثالها من صيغ التفاعل التي لا تتحقق بطرف واحد (1).
و من المعاني الاستعمالية للتعارض:التمانع بين شيئين أو أكثر،أصله الاعتراض بمعنى المنع،يقال:اعترض البناء في الطريق،إذا منع السابلة من سلوكه (2).
أما عند الأصوليين فقد عرف ب:التمانع بين الأدلة الشرعية مطلقا،بحيث يقتضي أحدهما عدم ما يقتضيه الآخر (3).
و وضع الأصوليون عند جميع المذاهب الإسلامية شروطا للتعارض و أركانا، و المجال الذي يمكن جعله من المتعارض و كيفية رفعه إن وجد مما هو مفصل في محله من مؤلفاتهم.و قد درس الأستاذ عبد اللطيف البرزنجي(رحمه اللّه)التعارض و الترجيح بين الأدلة الشرعية برسالة مستقلة استوفى فيها جميع جوانب الموضوع، موضحا موقف العلماء جميعا من هذا المبحث الأصولي المهم (4).
و ما تطرقنا لهذا الموضوع الأصولي إلا بالقدر الذي نستوضح فيه جهود الإمام الباقر(عليه السّلام)و مدى مشاركته بل تأسيسه للمفهوم الأصولي مدار
********
(1) مفتاح الوصول،أحمد البهادلي،296/2.
(2) القاموس المحيط، الفيروزآبادي،335/2،و قلت:من معانية الاستعمالية،لأن هذا المعنى مما لحق بالأصل كما يبدو من تتبع موارد هذه الكلمة،انظرها في القاموس،333/2-336.
(3) ظ:التقرير و التحبير،محمد بن محمد أمير الحاج،276/3+التلويح على التوضيح التفتازاني،102/2+المعتمد،أبو الحسين البصري،856/2+القوانين المحكمة،الميرزا أبو القاسم القمي،276/2.
(4) التعارض و الترجيح بين الأدلة الشرعية،عبد اللطيف عبد العزيز البرزنجي،ط 1، مطبعة العاني،بغداد،1397 ه-1977 م.
ص: 96
البحث،و أيّا كان فقد وردت كثير من الروايات و النصوص التي توهم التعارض سواء كانت عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أو عن أئمة آل البيت(عليهم السّلام)، فوضع الإمام الباقر(عليه السّلام)بعض المرجحات مما يعد برنامجا عمليا للأصوليين في هذا المجال،و هي:
أي كثرة رواة أحد المتعارضين دون الآخر،بحيث يحصل من كثرتهم اشتهار الرواية بينهم،فمع اشتهار أحد المتعارضين يرجح على فاقد الشهرة،إذ العدد الأكثر أبعد عن الخطأ من الأقل (1)،فيؤخذ بالمشهور و يطرح الشاذ النادر.
فقد روى زرارة بن أعين قال:سألت أبا جعفر الباقر(عليه السّلام):فقلت:جعلت فداك،يأتي عنكم الخبران و الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟فقال الإمام أبو جعفر:يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر (2).
و يعضد هذه الرواية ما روي عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السّلام)قال:ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكمنا به،المجمع عليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمهما،و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك،فإن المجمع عليه لا ريب فيه دائما (3).
و لهذا فإن الشهرة في الرواية-و التي أرسى قواعدها الإمام الباقر(عليه السّلام)-قد قام الإجماع على الترجيح بها (4).
قد عمم بعض الأصوليين الترجيح بصفات الرواة ليشمل كل وصف يغلب معه ظن الصدق(كالثقة و الفطنة و الورع و العلم و الضبط)بل رجح بعضهم
********
(1) معالم الدين،ابن الشهيد الثاني،243+المستصفى،أبو حامد الغزالي،392/2+فرائد الأصول،الشيخ الأنصاري،443.
(2) غوالي اللئالي،أبو جمهور الاحسائي 263.
(3) التهذيب،الشيخ الطوسي،301/2+من لا يحضره الفقيه،الشيخ الصدوق،5/3+ الاحتجاج،الطبرسي،194/2+وسائل الشيعة،الحر العاملي،75/18-76.
(4) أصول الفقه،الشيخ المظفر،255/4.
ص: 97
بالضابط و الأضبط و العالم و الأعلم (1)و ناقش بعضهم الترجيح بالأعلمية و الأفقهية،و خص الترجيح بهما بالقضاء و الفتيا (2)و يبدو أن الترجيح بصفات الرواة-في الجملة-مما اتفقت عليه أقوال الأصوليين (3)و أثر في الترجيح بصفات الراوي عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)ما رواه زرارة بن أعين أيضا بعد افتراض تساوي الخبرين بالشهرة أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قال:خذ بما يقول أعدلهما عندك و أوثقهما في نفسك (4).
دلّت هذه الرواية على أن عدالة الراوي و وثاقته من موجبات الترجيح لأحد الخبرين المتعارضين على الآخر.
و يقصد بهذا موافقة دلالة أحد المتعارضين لدلالة القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة دون الآخر (5)،و قد وردت عدة روايات عن الإمام الباقر(عليه السّلام) جعل المقياس فيها لعلاج التعارض هو عرض الخبرين المتعارضين على الكتاب و السنة فإن اتفق أحدهما مع منطوقهما يؤخذ به و يطرح الآخر،و إليك بعضا من تلك الروايات:
1-قال الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)لبعض أصحابه:لا تصدّقن علينا إلا ما وافق كتاب اللّه و سنة نبيه (6).
2-و قال أيضا:إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا من كتاب اللّه فخذوا به،و إلا فقفوا عنده،ثم ردّوه إلينا حتى يستبين لكم (7).
********
(1) معالم الدين،ابن الشهيد الثاني،243.
(2) علم أصول الفقه،محمد جواد مغنية،443+أصول الأحكام،حمد عبيد الكبيسي،351 +مسلم الثبوت،البهاري،204/2.
(3) علم أصول الفقه،محمد جواد مغنية،443+أصول الأحكام،حمد عبيد الكبيسي،351 +مسلم الثبوت،البهاري،204/2.
(4) تهذيب التهذيب،الطوسي،301/2+من لا يحضره الفقيه،الشيخ الصدوق،5/3+ وسائل الشيعة،الحر العاملي،76/18+أصول الفقه،الشيخ المظفر،241/4.
(5) مفتاح الأصول،أحمد البهادلي،316/2.
(6) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،9/1+الكافي الكليني،89/1.
(7) الكافي،الكليني،222/2+وسائل الشيعة الحر العاملي،80/18.
ص: 98
و نكتفي بهذا القدر للاستدلال على ما قدمناه من أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد شارك مشاركة فاعلة في تأسيس علم أصول الفقه و إرساء بعض قواعده ليتبين مدى سعة العلوم التي اضطلع بحملها و نشرها هذا الإمام الجليل.
لم يكن الإمام الباقر(عليه السّلام)ليترك هذا العلم و هو البحث في سيرة جده رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)بدون أن يخوض غماره و يدلو بدلوه فيه،و يكفيه مشاركة أن محمد بن إسحاق بن يسار الذي كتب عنه ابن هشام السيرة النبوية كان من تلامذة الإمام الباقر(عليه السّلام)و رواته،يقول ابن قتيبة(ت:276 ه):كان محمد-يعني ابن إسحاق- أتى أبا جعفر محمد بن علي فكتب له المغازي فسمع منه أهل الكوفة ذلك (1).
و يكفي من أراد أن يكشف عن مدى اهتمام الإمام الباقر(عليه السّلام)بالسيرة أن يطلع على كتاب السيرة النبوية لابن هشام (2)،و كتاب السير و المغازي للواقدي (3)،ليطلع على ما كان للإمام الباقر(عليه السّلام)من أثر في تدوين السيرة النبوية و روايتها.
من المفاخر العربية الإسلامية التي اضطلع بها رجال هذه الأمة تحريرهم للنقد العربي الإسلامي من التبعية الأجنبية،و لعلها أكبر مفخرة سجلها لهم التاريخ،فقد كان العرب يتعاملون بالنقود الرومية و الفارسية حتى ظهر الإسلام،و افتتحوا البلدان و أسسوا الدولة الإسلامية المترامية الأطراف،ففطن بعض الخلفاء إلى وجوب التمدن الحضاري و كان من أولى موجباته و أسسه التحرر بالعملة الإسلامية من التبعية،و جعلها مستقلة بذاتها تماما و كانت هناك محاولات لعل أقدمها محاولة الخليفة عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه)في سنة
********
(1) المعارف،ابن قتيبة،215.
(2) ظ:للتفاصيل:السيرة النبوية،ابن هشام،238/1،332/2،140/4،190،313 و غيرها كنماذج.
(3) ظ:للتفاصيل:السير و المغازي،الواقدي،108/2،109،245/5،249 و غيرها كنماذج.
ص: 99
(18 ه)فقد زاد على نقش الكسروية للدراهم(الحمد للّه،محمد رسول اللّه) و في بعضها(لا إله إلا هو)و تلتها محاولات أخرى ذكرت في كتب التاريخ (1).
غير أن هذه المسكوكات لم تكن تعتبر رسمية في الدولة الإسلامية،أي باعتبار منع التداول بغيرها منعا باتا بل ظل الأمر هكذا،جريا في التعامل بالمسكوكات و العملات الرومية و الفارسية،و بعد مجيء الدولة الأموية و اتساع الرقعة الإسلامية اتساعا مطردا و ظهور ثقافات و اقتصاديات غير إسلامية حاولت التغلغل في الحياة الإسلامية،انتبه لذلك الخلفاء الأمويون و خاصة عبد الملك بن مروان(ت:86 ه)فقاد حركة تعريبية واسعة،ساعده فيها خالد بن يزيد بن معاوية(ت:90 ه) (2)و اكتشفنا ذلك من خلال ترجمة حياته،فأراد عبد الملك تغيير طراز القراطيس من الرومية إلى العربية و من ثم تحرير النقد العربي الإسلامي فتم له ذلك سنة(76 ه).
و قد اختلفت أقوال العلماء فيمن أشار عليه على ثلاث روايات و هي:
الرواية الأولى:
روى الكسائي(ت:189 ه) (3)ما ملخصه:أن هارون الرشيد حدثه:
أن عبد الملك بن مروان أراد تغيير الطراز من الرومية إلى العربية فشق ذلك
********
(1) تاريخ التمدن الإسلامي،جرجي زيدان،111/1.
(2) هو خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي،كان صغيرا حين توفي اخوه معاوية بن يزيد فتولى الخلافة مروان بن الحكم،و تزوج أم خالد ليخمله،و يقال:إنه أحب صنعة الكيمياء فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونان ممن كان ينزل مصر،و قد تفصح بالعربية و أمرهم بنقل الكتب من اللسان القبطي و اليوناني إلى العربي،قال الجاحظ: خالد بن يزيد خطيب،شاعر،و فصيح جامع،جيد الرأي،و هو أول من ترجم كتب النجوم و الطب و الكيمياء،(ت:90 ه).انظر مصادر ترجمته:الفهرست،ابن النديم،242 +البيان و التبيين،الجاحظ،178/1+وفيات الأعيان،ابن خلكان،168/1+تاريخ دمشق،ابن عساكر،16/5+تاريخ ابن الوردي،179/1.
(3) هو علي بن حمزة بن عبد اللّه الاسدي بن الولاء الكوفي،أبو الحسن الكسائي،ولد في إحدى قرى الكوفة،و تعلم في الكوفة و تنقل في البادية ثم سكن بغداد و اتصل بالرشيد و كان يؤدب ولديه الأمين و المأمون،و كان اثيرا عند الرشيد حتى أخرجه من طبقة المؤدبين إلى طبقة الجلساء و المؤانسين(ت:189 ه)له تصانيف.انظر مصادر ترجمته:تاريخ بغداد،الخطيب البغدادي،403/11+وفيات الأعيان،ابن خلكان،330/1+غاية النهاية،ابن الجزري،350/1.
ص: 100
على ملك الروم فبعث إليه يهدده بأن ينقش على دنانيره شتم النبي(صلى الله عليه و آله) فعظم هذا الأمر على عبد الملك فجمع إليه كبار المسلمين و استشارهم، فأشار عليه روح بن زنباع (1)فقال:عليك بالباقر(عليه السّلام)من أهل بيت النبي(صلى الله عليه و آله)،فقال:صدقت،و لكنه ارتج الرأي فيه،و كتب إلى عامله بالمدينة أن أشخص إلي محمد بن علي بن الحسين مكرما،و متعه بمائة ألف درهم لجهازه و بثلاثمائة ألف لنفقته و أرح عليه في جهازه و جهاز من يخرج معه من أصحابه و حبس عبد الملك رسول ملك الروم إلى موافاة محمد بن علي الباقر(عليه السّلام)،فلما وافاه أخبره الخبر،فقال له محمد الباقر(عليه السّلام):لا يعظم عليك،فإنه ليس بشيء من جهتين:إحداهما:أن اللّه(عزّ و جلّ)لم يكن ليطلق ما تهدد به صاحب الروم في رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و الثاني:وجود الحيلة فيه.فقال عبد الملك:و ما هي؟قال الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام):ادع هذه الساعة صناعا فيضربون بين يديك سككا للدراهم و الدنانير،و تجعل النقش عليها سورة التوحيد و ذكر رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،أحدهما:في وجه الدرهم أو الدينار و الآخر في الوجه الثاني،و تجعل في مدار الدرهم و الدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه،و السنة التي تضرب فيها تلك الدراهم و الدنانير.و أخذ الإمام الباقر(عليه السّلام)يحدد له أوزانها كل على حدة،ففعل ذلك عبد الملك من فوره و بعث نقوده إلى جميع البلدان الإسلامية،و تقدم إلى الناس في التعامل بها-بإشارة من الإمام الباقر(عليه السّلام)أيضا-و هدد بقتل من يتعامل بغير هذه السكة من الدراهم و الدنانير و أن تبطل تلك و ترد إلى مواضع العمل حتى تعاد إلى السكة الإسلامية،و كان ذلك كله سنة(76 ه) (2).
********
(1) هو روح بن زنباع بن سلامة الجذامي،أبو زرعة،كان أحد ولاة فلسطين أيام يزيد بن معاوية،كان سيد اليمانية في الشام و قائدها و خطيبها،قيل له صحبة و كان عبد الملك بن مروان يقول فيه:جمع روح طاعة أهل الشام،و دهاء أهل العراق،و فقه أهل الحجاز. انظر مصادر ترجمته:الإصابة العسقلاني،216/2+البيان و التبيين،الجاحظ،346/1 +تاريخ دمشق،ابن عساكر،337/5+البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،54/9.
(2) المحاسن و المساوئ،إبراهيم بن محمد البيهقي،233/2-236+حياة الحيوان الدميري، 55/2+شذور العقود،المقريزي،7.
ص: 101
الرواية الثانية:
ذكر ابن كثير الدمشقي:أن عبد الملك بن مروان استقدم مرة الإمام زين العابدين علي بن الحسين و استشاره في جواب ملك الروم عن بعض ما كتب إليه فيه من أمر السكة و طراز القراطيس (1).
الرواية الثالثة:
ذكر ابن الأثير أن الذي استشاره عبد الملك بن مروان هو خالد بن يزيد بن معاوية فأشار عليه بتحريم دنانير الروم و ضرب سكة للناس فيها ذكر اللّه تعالى (2)
القول الراجح:لعل من الواضح جدا أن القول الراجح هو الرواية الأولى و التي قام فيها الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)باسمى خدمة للعالم الإسلامي بتحريره للنقد العربي الإسلامي من التبعية إلى الإمبراطورية فقد جعله الإمام مستقلا بنفسه يحمل الشعار الإسلامي و قطع الصلة بينه و بين الروم،و ما رجحنا ذلك إلا للأسباب الآتية:
1-إن الرواية الثانية لم تذكر تفاصيل دقيقة عن هذه القضية الخطيرة و جاءت بدون سند يذكر،علاوة على أنها سكتت عن جواب الإمام زين العابدين و لم تذكر شيئا سلبا أو إيجابا.
2-تتبعت المصادر التاريخية و الرجالية عن حياة الإمام زين العابدين،فلم أظفر بما ورد في الرواية الثانية بشيء عن هذه القضية و لو تلميحا،و ليس من المعقول أن تغفل كل تلك المصادر ما ذكره ابن كثير الدمشقي و انفرد فيه.
3-لعل ابن كثير الدمشقي قد نقل هذه الرواية-أقصد الثانية-عن مصدر آخر لم يصل إلينا.
4-أما الرواية الثالثة،فقد تفرد ابن الأثير بذكرها،و تقدم أيضا عند ترجمة خالد بن يزيد ما يضعف هذا القول خصوصا إذا ما علمنا أن تلك المصادر لم تشر إلى ما أشار إليه ابن الأثير.
********
(1) البداية و النهاية:ابن كثير الدمشقي،104/9.
(2) الكامل في التاريخ،ابن الأثير،53/4.
ص: 102
5-و يقوّي ما رجحناه ما تقدم من أن جملة من العلماء قد قالوا به،القدامى منهم و المحدثين (1).
غير أن هناك تساؤلا قد يثار هو:أن الرواية التي رجّحناها و التي بينت بأن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد شارك في تحرير النقد العربي تنص على أن تاريخ ذلك التحرير يعود لسنة (76 ه)و الباقر(عليه السّلام)يوم ذاك كان في العشرين من عمره على ما أثبتناه في ولادته،و أن والده الإمام زين العابدين لا يزال حيا و عاش إلى سنة(95 ه)و ذلك بعد وفاة عبد الملك بن مروان بتسع سنين،فعلى هذا المبنى يكون من غير الجائز أن يرسل عبد الملك في طلب الإمام الباقر(عليه السّلام)و يترك أباه الذي كان معروفا في الأوساط العلمية آنذاك.
نقول:ما المانع من ذلك إذ ليس ببعيد أن يكون الإمام الباقر(عليه السّلام)معروفا في الأوساط العلمية كأبيه أيضا،و لعلم عبد الملك بتعذر سفر والده زين العابدين من جهة أخرى،و لأن المؤهلات العلمية لا تقاس عادة بالسنين خاصة بالنسبة لتلك الشريحة الطاهرة من آل بيت الرسول(صلى الله عليه و آله)كما يبدو ذلك من خلال تتبع تاريخهم و مآثرهم الخالدة.
و على أية حال،فالإمام الباقر(عليه السّلام)كان من أعلم أهل زمانه و سيد الهاشميين و أفضلهم في عصره،و لم يكن ليحيا حياة العزلة أو ينضم في زاوية الخمول بل كانت له شهرة،و لمدرسته العلمية أثر في توجيه الفكر تخرج منها جملة من أعلام هذه الأمة،فكانوا بحق مفخرة الزمن...فتلك ومضة سريعة،أردنا من خلالها أن نلمح و لو بشكل خاطف عن بعض ما جادت به قريحة هذا الإمام الجليل من علوم و معارف،لأن الوقوف على الكل يتطلب توسعا أيما توسع،لم يبخل بها على تلامذته و رواته بل على المسلمين جميعا.فكان بحق خير عالم،و خير داعية،لم يأل جهدا كلما سنحت له الفرصة و أمكن له الظرف في سبيل نشر تعاليم الإسلام و بسط علومه،فسلام عليه يوم ولد،و يوم مات،و يوم يبعث حيا.
********
(1) تاريخ التمدن الإسلامي،جرجي زيدان،111/1-112+أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق /4/2 13-14+سيرة الأئمة،هاشم معروف الحسني،221-223+الإمام الصادق و المذاهب الأربعة، أسد حيدر،458/2-459+حياة الإمام الباقر،باقر شريف القرشي،36/2-39 و انظر مصادره.
ص: 103
مناظراته و أجوبته
لم يكن دور الإمام الباقر(عليه السّلام)مقتصرا على الفقه و أصوله،و الحديث و قواعده، و تفسير القرآن و علومه،بل كان يناظر أصول الدين الإسلامي و يحاول تركيزها في النفوس حتى لا تتعرض لما أثير في ذلك العصر من الجدل و النزاع في أصول العقائد،فقد كان عصره من أدق العصور الإسلامية و أكثرها حساسية،فقد نشأت فيه الكثير من الفرق الإسلامية التي كانت من أخطر الظواهر الفكرية و الاجتماعية في ذلك العصر.
فكانت وفود العلماء تقصده إلى المدينة المنورة و هي ما زالت المركز الإسلامي الأول،يأخذون عنه الأحكام،و كان علما يشار إليه بالبنان في إرشاد الناس و تحذيرهم من الزيغ و الضلال و يرجعون إليه في معضلات المسائل،فيحل لهم عقالها و يوضح لهم ما أشكل عليهم فهمه من أحكام الدين،و قد تنوعت أجوبة الإمام الباقر(عليه السّلام)و مناظراته بتنوع الوافدين عليه،فقد وفد عليه قادة بعض الفرق الإسلامية مثل الخوارج و المعتزلة و كذلك بعض الفقهاء و المفسرين و العلماء أمثال قتادة بن دعامة و طاوس اليماني و بعض الزهاد،فكل واحد من هؤلاء قد أخذ من الإمام الباقر(عليه السّلام)مبتغاه،إن كان سائلا على سبيل الاستفسار و الاستفهام،أو على سبيل الاختبار و الإفحام،و إليك بعض تلك الأجوبة و المناظرات:
المناظرة الأولى:مع طاوس اليماني(ت 106 ه) (1)جاء في رواية أبي بصير:أن الإمام الباقر(عليه السّلام)جلس يوما في الحرم،معه جماعة من أصحابه فأقبل طاوس اليماني في جماعة من الناس،و قال لأبي جعفر:أ تأذن لي
********
(1) هو أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني،الهمداني،اليماني-أحد أئمة العلماء-و من رواة الستة، وثّقه ابن معين و أبو زرعة و العجلي،و ذكره ابن حبان في الثقاة..و قال:كان من عباد أهل اليمن و فقهائهم و من سادات التابعين،مات بمكة سنة(106 ه)انظر مصادر ترجمته:الطبقات الكبرى لابن سعد،361/5 +الجمع للقيسراني 235+الأنساب للسمعاني،137+طبقات المدلسين للعسقلاني 5(1)ص 77.
ص: 104
في السؤال؟فقال الإمام:قد أذنت لك،فسل عما تريد.قال طاوس:أخبرني متى هلك ثلث الناس؟قال الإمام:لعلك و همت يا شيخ و أردت أن تقول ربع الناس، فقال طاوس:نعم لقد أردت ذلك يا ابن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فقال الإمام:لقد هلك ربع الناس يوم قتل قابيل هابيل،ذلك أنه لم يكن على وجه الأرض غير آدم و حواء و قابيل و هابيل،فهلك ربعهم بموت هابيل.فقال طاوس:فأيهما كان أبا للناس القاتل أو المقتول؟فقال الإمام:لا هذا و لا ذاك،بل شيت بن آدم.فقال طاوس:فلم سمي آدم آدم؟قال الإمام:لأن طينته رفعت من أديم الأرض السفلي.فقال طاوس لم سميت زوجته حواء؟فقال الإمام:لأنها خلقت من ضلع حي.قال طاوس:فلم سمي إبليس بهذا الاسم؟قال الإمام:لأنه أبلس من رحمة اللّه(عزّ و جلّ)فلا يرجوها.قال طاوس:فلم سمي الجن جنا؟قال الإمام:لأنهم استجنوا فلم يروا.
قال طاوس:فأخبرني عن أول كذبة كذبت من صاحبها؟قال الإمام:كذبة إبليس حين قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (1).
قال طاوس:فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحق و كانوا كاذبين؟قال الإمام:المنافقون حين قالوا لرسول اللّه(صلى الله عليه و آله)نشهد إنك لرسول اللّه،فأنزل اللّه (عزّ و جلّ) إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (2).قال طاوس:فأخبرني عن طائر طار مرة و لم يطر قبلها و لا بعدها،ذكره اللّه(عزّ و جلّ)في القرآن ما هو؟ قال الإمام:طور سيناء،أطاره اللّه(عزّ و جلّ)على بني إسرائيل حين أظلهم بجناح منه،فيه ألوان العذاب،حتى قبلوا التوراة و ذلك قوله(عزّ و جلّ) وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ... (3).قال طاوس:
فأخبرني عن رسول بعثه اللّه تعالى ليس من الجن و لا من الإنس و لا من الملائكة، ذكره اللّه تعالى في كتابه؟قال الإمام:هو الغراب،حين بعثه اللّه(عزّ و جلّ)ليري
********
(1) ص76/.
(2) المنافقون1/.
(3) الأعراف171/.
ص: 105
قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله،و ذلك قول اللّه(عزّ و جلّ) فَبَعَثَ اللّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ (1).
قال طاوس:فأخبرني عمن أنذر قومه و هو ليس من الجن و لا من الإنس و لا من الملائكة،قد ذكره اللّه في كتابه؟فقال الإمام:هو النملة حين قالت يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ (2).
قال طاوس:فأخبرني عمن كذب عليه ليس من الجن و لا من الإنس و لا من الملائكة:ذكره اللّه(عزّ و جلّ)في كتابه؟قال الإمام:الذئب،الذي كذب عليه اخوة يوسف(عليه السّلام).قال طاوس:فأخبرني عن شيء قليله حلال و كثيره حرام،و ذكره اللّه(عزّ و جلّ)في كتابه؟قال الإمام:نهر طالوت،قال اللّه(عزّ و جلّ) ..إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ (3).قال طاوس:فأخبرني عن صلاة فريضة تصلى بغير وضوء،و عن صوم لا يحجز عن أكل و شرب؟قال الإمام:
أما الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبي و آله عليه و عليهم الصلاة و السلام، و أما الصوم فقد حكاه اللّه سبحانه و تعالى عن مريم(عليها السّلام)بقوله إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (4)،و بعد أن انتهى طاوس اليماني من مسائله لم يخف إعجابه و إكباره بالإمام الباقر(عليه السّلام)،و ذلك بقوله ...اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (5)(6).
و قد رأينا في هذه المناظرة المنعقدة في الحرم أمام الناس أن الإمام الباقر(عليه السّلام) يجيب سائله بآيات من القرآن الكريم مستنطقا نصوصه،لا يخرج في الجواب عن حدود كتاب اللّه تعالى،و كانت تلك المسائل التي وجهها طاوس اليماني مما يعدّ
********
(1) المائدة31/.
(2) النمل18/.
(3) البقرة249/.
(4) مريم26/.
(5) الأنعام124/.
(6) الاحتجاج،الطبرسي،64/2-67+الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،453/2+سيرة الأئمة،هاشم معروف الحسني،216.
ص: 106
من أدق المسائل لأن المجيب عليها يجب أن يكون لديه ذهنية متوقدة و بديهة حاضرة للشرط الذي وضعه من أن الإجابة يجب أن تكون من القرآن الكريم،فكانت إجابات الإمام الباقر(عليه السّلام)على وفق ذلك الشرط لعلمه الجم بآيات القرآن و سوره و من ثم علمه بتفسير تلك الآيات و ما تدل عليه من سياقها،و قد سلّم طاوس على الرغم من علو منزلته بين العلماء بمكانة الإمام الباقر(عليه السّلام)عند ما أظهر إكباره له و احترامه لأجوبته عن تلك المسائل التي دارت هذه المناظرة حولها.
المناظرة الثانية:مع الحسن البصري(ت 110 ه) (1)
وفد الحسن البصري إلى المدينة المنورة فعرج على الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)و جرت بينهما مناظرة طويلة أفحم الإمام فيها الحسن البصري،غير أن المصادر التي ذكرتها قد أهملت ذكر السنة التي التقيا فيها و أغلب الظن أن مثل هذه المناظرات التي جرت في المدينة المنورة هو أن هؤلاء الأعلام كانوا يؤدون مناسك الحج فيقصدون المدينة لزيارة قبر رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فيصادف أن يلتقوا بالإمام الباقر(عليه السّلام)من جهة و أن المدينة المنورة في عصر الإمام الباقر(عليه السّلام)كانت مركز الإشعاع الفكري الإسلامي الأصيل فكان يقصدها العلماء و طلاب العلم من مختلف الأمصار الإسلامية من جهة ثانية.
روي أن الحسن البصري دخل على الإمام الباقر(عليه السّلام)فقال له:جئت لأسألك عن أشياء من كتاب اللّه،فقال له الإمام أ لست فقيه أهل البصرة؟قال الحسن:قد يقال ذلك،قال له الإمام:هل بالبصرة أحد تأخذ منه؟قال الحسن:
لا،قال الإمام:فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟قال الحسن:نعم،قال له الإمام:لقد تقلدت عظيما من الأمر،بلغني عنك أمر فما أدري أ كذاك أنت أم
********
(1) هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الفقيه،الفاضل،المشهور،روى عن أنس و غيره،و روى عنه حميد الطويل و خلائق.وثقه غير واحد من العلماء.قال ابن سعد:كان جامعا،عالما،رفيعا،فقيها،ثقة،مأمونا،عابدا،ناسكا،كثير العلم،فصيحا، جميلا،و سيما.و قال العجلي،تابعي،ثقة،و رجل صالح،صاحب سنة.و ذكره ابن حبان في الثقاة مات سنة(110 ه).انظر بعض مصادر ترجمته:الطبقات الكبرى،ابن سعد، 114/1/7+التاريخ الكبير،البخاري،87/2/1+المعارف،ابن قتيبة،195+معرفة الحديث،الحاكم النيسابوري،200+عمدة القاري،العيني،245/1 و غيرها.
ص: 107
يكذب عليك،قال الحسن:ما هو؟قال الإمام:زعموا أنك تقول أن اللّه خلق العباد ففوض إليهم أمورهم،فاطرق الحسن برأسه إلى الأرض و حار في الجواب،فبادره الإمام قائلا:أ رأيت من قال له اللّه في كتابه إنك آمن هل عليه خوف بعد القول منه؟قال الحسن:لا.قال له الإمام:إني أعرض عليك آية و أنهي إليك خطابا،و لا أحسبك إلا و قد فسرته على غير وجهه،فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت و أهلكت.قال الحسن:ما هو؟قال الإمام:أ رأيت حيث يقول اللّه وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (1).
بلغني أنك أفتيت الناس فقلت:هي مكة.قال الحسن البصري:بلى،فأخذ الإمام يستدل على ما ذهب إليه في تفسير الآية بأنها غير ما قيل فيها حتى بهت الحسن البصري و حار في الجواب و لم ننقله هنا لطوله (2)،ثم نهاه عن القول بالتفويض و بين فساده بقوله:و إياك أن تقول بالتفويض فإن اللّه(عزّ و جلّ)لم يفوض الأمر إلى خلقه،و هنا منه و ضعفا،و لا أجبرهم على معاصيه ظلما (3).
المناظرة الثالثة:مع قتادة بن دعامة السدوسي(ت:118 ه) (4)
روى الكليني و غيره بسنده عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت جالسا في مسجد رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)إذ أقبل رجل فسلم فقال:من أنت يا عبد اللّه؟قلت رجل من أهل الكوفة،فما حاجتك؟قال:أ تعرف أبا جعفر محمد بن علي؟ قلت:نعم،فما حاجتك إليه؟فقال لي:إذا رأيت أبا جعفر فأخبرني،فما انقطع كلامه حتى أقبل أبو جعفر و حوله أهل خراسان و غيرهم يسألونه عن
********
(1) سبأ18/.
(2) الاحتجاج،الطبرسي،62/2-63+حياة الإمام الباقر،القرشي،81/2-82.
(3) المصدر نفسه و الصفحة-المصدر نفسه و الصفحة.
(4) هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز،أبو الخطاب السدوسي،البصري،مفسر حافظ،ضرير اكمه،قيل انه احفظ أهل البصرة،و كان مع علمه في الحديث رأسا في العربية و مفردات اللغة، و ايام العرب و كان يرى القدر،و يدلس في الحديث،مات بواسط في الطاعون سنة(118 ه)،و ولد سنة(61 ه).انظر مصادر ترجمته:تذكرة الحافظ،الذهبي،115/1+طبقات المدلسين، العسقلاني،12+ميزان الاعتدال،الذهبي،345/2+تهذيب التهذيب،العسقلاني،351/8-356.
ص: 108
مناسك الحج،فمضى حتى جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه،جلست حيث أسمع الكلام،و حوله عالم من الناس فلما قضى حوائجهم و انصرفوا، التفت إلى الرجل قال له:من أنت؟قال له:أنا قتادة بن دعامة البصري.فقال له الإمام أبو جعفر:أنت فقيه أهل البصرة؟قال:نعم.فأمره الإمام أن يأخذ العلم ممن هو أعلم منه،فسكت قتادة طويلا ثم قال:أصلحك اللّه،و اللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء و قدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم و اضطرب قدامك،فقال له أبو جعفر:أ تدرى أين أنت؟أنت بين يدي بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال،رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة،فأنت ثم و نحن أولئك فقال له قتادة:
صدقت و اللّه،جعلني اللّه فداك،ما هي بيوت حجارة و لا طين،فأخبرني عن الجبن؟ فتبسم أبو جعفر و قال:رجعت مسائلك إلى هذا.قال:ضلت عني.فقال الإمام لا بأس به فقال قتادة:إنه ربما جعلت فيه أنفحة الميت.قال الإمام:ليس بها بأس،إن الأنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم،إنما تخرج من بين فرث و دم،ثم قال:و إنما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة،فهل تأكل البيضة؟قال قتادة:لا،و لا آمر بأكلها،فقال له أبو جعفر الباقر(عليه السّلام):و لم؟قال:لأنها من الميتة.قال له الإمام:فإن حضنت تلك البيضة و خرجت منها دجاجة أ تأكلها؟قال قتادة:نعم،فقال له الإمام:فما حرم عليك البيضة و أحل لك الدجاجة.ثم قال:
فكذلك الأنفحة مثل البيضة فاشتر من أسواق المسلمين من أيدي المصلين و لا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه (1).
بهذه الطريقة من السؤال و الجواب العلميين أقنع الإمام الباقر(عليه السّلام)سائله، مقررا قاعدة أصولية مفادها(الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل على خلاف ذلك)،و كان قتادة يستقبل ردود الإمام بروح علمية رصينة لعلمه المسبق بأن الإمام الباقر(عليه السّلام)لا يصدر عن فراغ بل يصدر عن أوعية ملئت علما و فقها،
********
(1) الكافي،الكليني،76/2+أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 10/4/2-11+سيرة الأئمة، هاشم معروف الحسني،212-213.
ص: 109
فيسلم لقوله و قد استدرجه الإمام لهذه الحقيقة الفقهية الأخيرة بعد أن كان شاكا بها أو بمفهومها و قد وضّحها له و فهّمه إياها،و كذلك هي مناظرات العلماء الأعلام على مر الزمن تحمل في طياتها الموضوعية و البحث العلمي الرصين.
المناظرة الرابعة:مع هشام بن عبد الملك(ت:125 ه) (1)
كان الإمام الباقر(عليه السّلام)إذا دخل مكة المكرمة انثال عليه الناس يستفتون عن أهم مسائل الحلال و الحرام و يستفتحون أبواب مشاكل العلوم و يغتنمون فرصة الاجتماع به ليزودهم بعلومه،و إذا أقام بمكة عقدت له حلقة ينضم إليه طلاب العلم فروي أن هشام بن عبد الملك حج فنظر إلى اجتماع الناس حوله و حضور العلماء عنده فثقل عليه ذلك،فأرسل رجلا من أصحابه و قال له:قل له يقول لك أمير المؤمنين:ما الذي يأكله الناس و يشربه في المحشر إلى أن يفصل اللّه بينهم يوم القيامة؟فلما سأله الرجل،قال له الإمام الباقر(عليه السّلام):يحشر الناس على مثل قرص النقى فيها أشجار و أنهار،يأكلون و يشربون منها حتى يفرغوا من الحساب،فقال هشام للرسول:اذهب إليه فقل له يقول:ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟فقال الإمام الباقر(عليه السّلام):هم في النار أشغل،و لم يشتغلوا على أن قالوا أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ (2).
فسكت هشام و لم يظفر بما أراد من سؤاله للإمام فإنه سؤال امتحان لا استفادة (3).
و قد جرت بينهما مناظرة أخرى أيضا حينما أرسل إليه هشام ليأتيه إلى الشام و قد رواها الإمام الصادق لم نذكرها هنا لطولها (4)،فاكتفينا بهذه المناظرة.
********
(1) هو هشام بن عبد الملك بن مروان من خلفاء بني أمية في الشام،ولد في دمشق سنة (71 ه)،و بويع له بعد وفاة أخيه يزيد سنة(105 ه)و خرج عليه زيد بن علي(رضي اللّه عنه)بالكوفة فوجه إليه من قتله،توفي سنة(125 ه)و كان أحول،أخباره في كتب التاريخ عامة كالطبري و ابن الأثير و المسعودي و غيرها.
(2) الأعراف50/.
(3) ظ:مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم:الورقة 185+مرآة الجنان،اليافعي،261/1-262.
(4) ظ:تذكرة الخواص،سبط ابن الجوزي،191+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،196 +المشرع الروي،الشلي،37/1.
ص: 110
المناظرة الخامسة:مع محمد بن المنكدر(ت:130 ه) (1)
روى الشيخ المفيد و غيره بسنده عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السّلام)قال:إن محمد بن المنكدر كان يقول:ما كنت أرى مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضله و غزارة علمه و حلمه حتى رأيت ابنه محمد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني، خرجت يوما إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي و كان رجلا بادنا و هو متكئ على غلامين له.فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا!و اللّه لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه،فسلم عليّ بنهر،و قد تصبب عرقا.فقلت:أصلحك اللّه،شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا،و لو جاء الموت و أنت على هذه الحال.
فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند و قال:لو جاءني و اللّه الموت و أنا في هذه الحال،جاءني و أنا في طاعة من طاعات اللّه أكف بها نفسي عنك و عن الناس،و إنما كنت أخاف الموت لو جاءني و أنا على معصية من معاصي اللّه، فقلت:يرحمك اللّه،أردت أن أعظك فوعظتني (2).
و معنى قوله(أردت أن أعظك فوعظتني)أن ابن المنكدر كان من كبار الزهاد،و كان يصرف أوقاته في العبادة و التقوى،فأراد أن يعظ الإمام الباقر(عليه السّلام)بأنه لا ينبغي له أن يخرج في مثل ذلك الوقت في طلب الدنيا فأجابه بأن خروجه في طلب المعاش ليكف نفسه عن الناس من أفضل العبادات،و كان هذا الكلام فيه موعظة لابن المنكدر بأن لا يترك الكسب مهما كان السبب وجيها في ذلك حتى و لو كان عبادة.
********
(1) هو محمد بن المنكدر بن عبد اللّه بن الهدير،المدني،زاهد،من رجال الحديث،أدرك بعض الصحابة،و روى عنهم قال عنه ابن عيينة:ابن المنكدر من معادن الصدق.انظر بعض مصادر ترجمته:تاريخ الإسلام،الذهبي،155/5-158+تهذيب التهذيب، العسقلاني،473/9+الأعلام،الزركلي،333/7.
(2) الإرشاد،الشيخ المفيد،292+أعلام الورى،الطبرسي،269+كشف الغمة الأربلي،337/2 +الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،195+تهذيب التهذيب،العسقلاني،252/9.
ص: 111
المناظرة السادسة:مع عبد اللّه بن نافع بن الأزرق (1)
جاء في الكافي بسنده:أن عبد اللّه بن نافع بن الأزرق كان يقول:لو أني علمت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني أن عليا قتل أهل النهروان و هو لهم غير ظالم لرحلت إليه،فقيل له:و لا ولده؟فقال:أ في ولده عالم؟فقيل له:هذا أول جهلك،و هل يخلون من عالم في كل عصر؟فقال:من عالمهم اليوم؟قيل له:
محمد بن علي بن الحسين بن علي،فرحل إليه في جمع من أصحابه حتى أتى المدينة،فاستأذن على أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)فقيل له:هذا عبد اللّه بن نافع،فقال الإمام:و ما يصنع بي و هو يبرئ مني و من آبائي طرفي النهار.فقال له أبو بصير الكوفي،جعلت فداك،إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحدا تبلغه المطايا إليه يخصمه أن عليا قتل أهل النهروان و هو لهم غير ظالم لرحل إليه،فقال له الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام):أ تراه جاءني مناظرا؟قال:نعم،فقال:يا غلام، اخرج فحط رحله و قل له إذا كان الغد فأتنا،فلما أصبح ابن نافع الأرزق غدا مع أصحابه،و بعث أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)إلى جميع أبناء المهاجرين و الأنصار فجمعهم،ثم خرج إلى الناس،و أقبل عليهم فخطب،فحمد اللّه و أثنى عليه و صلى على رسوله(صلى الله عليه و آله)ثم قال:الحمد للّه الذي أكرمنا بنبوته و اختصنا بولايته،يا معشر أبناء المهاجرين و الأنصار من كانت عنده منقبة لعلي بن أبي طالب فليقم و ليتحدث، فقام الناس فسردوا تلك المناقب،فقال عبد اللّه الأزرق:أنا أروي لهذه المناقب من هؤلاء،و إنما أحدث علي الكفر بعد تحكيمه الحكمين؛حتى انتهوا إلى حديث خيبر:
لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه.فقال أبو جعفر:ما تقول في هذا الحديث؟قال:هو حق لا شك فيه، و لكن أحدث الكفر بعده!فقال له أبو جعفر:أخبرني عن اللّه(عزّ و جلّ)أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه و هو يعلم أنه يقتل أهل النهروان،أم لم يعلم،فإن قلت لا،كفرت.فقال:قد علم،قال الإمام:فأحبه اللّه على أن يعمل بطاعته أو على أن
********
(1) تنسب إلى أبيه الازارقة من الخوارج،ظ:تاريخ الفرق الإسلامية،على مصطفى الغرابي،277.
ص: 112
يعمل بمعصيته؟فأجابه عبد اللّه الأزرق:على أن يعمل بطاعته فقال له أبو جعفر قم مخصوما،فقام عبد اللّه الأزرق و هو يقول: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (1)و ...اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (2)(3).
لو قال عبد اللّه بن نافع بن الأزرق في هذه المناظرة إن اللّه لا يعلم-حاشا للّه-فقد نسب إليه الجهل و إن قال بأنه يعلم،فإذا لم يكونوا مستحقين للقتل يكون علي بن أبي طالب قد ارتكب خطأ كبيرا و ظلما فاحشا بقتلهم،فكيف أحبه اللّه و هو ظالم لعباده و اللّه لا يحب الظالمين المجرمين،و لا مفر له من الاعتراف باستحقاقهم للقتل، فخرج هذا الخارجي و أصحابه من مجلس الإمام الباقر(عليه السّلام)مخصومين مدحورين.
يروى أنه دخل عليه رجل من الخوارج،فقال له:يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟فقال الإمام:اللّه،قال الرجل:أ رأيته؟قال الإمام:بلى،لم تره العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان،لا يعرف بالقياس،و لا يدرك بالحواس،و لا يشبه بالناس،موصوف بالآيات،معروف بالدلالات،لا يجور في حكمه،ذلك اللّه لا إله إلا هو.فخرج الرجل و هو يقول: ...اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (4)(5).
المناظرة الثامنة:مع عمرو بن عبيد (6)
كان عمرو بن عبيد(ت:142 ه)من شيوخ المعتزلة و مؤسسيها،و قد حظي بإكبار الخليفة أبي جعفر المنصور له عند ما مر الأخير على قبره فرثاه بأبيات و دعا له (7).
********
(1) البقرة187/.
(2) الانعام123/.
(3) روضة الكافي،الكليني،349/8-350+أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 36/4/2-37.
(4) الانعام124/.
(5) البدء و التاريخ،المقدسي،74/1+التوحيد،الشيخ الصدوق،232+الاحتجاج،الطبرسي، 54/2+الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،أسد حيدر،453/2.
(6) هو أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب،كان أبوه من سبي سجستان،شيخ المعتزلة،و زعيمها الروحي.مات سنة(142 ه)و قيل غير ذلك.انظر بعض مصادر ترجمته:تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي،166/12+وفيات الأعيان،ابن خلكان،535/1+المعارف،ابن قتيبة،212.
(7) المنية و الأمل،ابن المرتضى،24+وفيات الأعيان،ابن خلكان،548/1.
ص: 113
و قد التقى بالإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)و كان قد قصد امتحانه و اختباره فوجه للإمام السؤال الآتي:جعلت فداك،ما معنى قول تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما . (1).قال الإمام الباقر(عليه السّلام):كانت السماء رتقا لا تنزل المطر و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات،فأفحم عمرو و لم يطق جوابا فخرج من مجلس الإمام ثم عاد إليه و قال:جعلت فداك أخبرني عن قوله تعالى: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (2).
ما معنى غضب اللّه؟قال الإمام:غضب اللّه عقابه،و من قال إن اللّه يغيره شيء فقد كفر (3).
و أفاض الرازي في ذكر الأقوال في معنى الرتق و الفتق فذكر ستة أقوال، السادس هو قول الإمام الباقر(عليه السّلام)في أعلاه و قال:و أكثر المفسرين اختاروا هذا القول و احتجوا على ترجيحه على سائر الأقوال بقوله تعالى عقيبة وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ (4).
و بعد ذلك ذكر الشبهات التي ترد على هذا التفسير و ردّ تلك الشبهات و أضاف تفسيرا آخرا إلى ما اختاره هو من تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام) (5).
فيكون جواب الإمام الباقر(عليه السّلام)لعمرو بن عبيد في معنى الآية الأولى هو الراجح على بقية الأقوال مما جعله لا يطيق ردا لما تقدم به الإمام في تفسير الرتق و الفتق في تلك الآية.
لم تجر بين الإمام الباقر(عليه السّلام)و غلاة الشيعة أي مناظرة تذكر،و كذلك لم يسجل لنا التاريخ أن واحدا من هؤلاء الغلاة قد التقى بالإمام الباقر(عليه السّلام)غير إننا وجدنا من الأمانة العلمية أن نسجل هنا موقفه من هؤلاء.
********
(1) الانبياء30/.
(2) طه81/.
(3) الإرشاد،الشيخ المفيد،297+كشف الغمة الأربلي،338/2-339+الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،196+مطالب السئول،ابن طلحة الشافعي،80.
(4) الأنبياء30/.
(5) أسرار التنزيل و أنوار التأويل،فخر الرازي،153-162.
ص: 114
امتحن الإمام بجماعة من الخونة و المارقين الذين أخذوا يفتعلون الأحاديث على لسانه و يكذبون عليه و من بينهم.
1-بيان بن سمعان التميمي (1)،كان تبانا يتبن التبن بالكوفة (2)،و لا تعرف سنة ولادته و لا نشأته الأولى و ثقافته،و من هم أشهر أتباعه،و ما هو دوره الفكري و الاجتماعي و السياسي في الكوفة،و تنسب إليه البيانية،و هي فرقة تدعي أن الإله على صورة الإنسان و أن له أعضاء كأعضاء الإنسان و أنه يفنى كله إلا وجهه (3).
و قد لاقى بيان مصرعه على يد خالد القسري،و قتل مع المغيرة بن سعيد في يوم واحد مع خمسة عشر رجلا من أصحابه و ذلك(119 ه) (4).
و يذكر النوبختي أن سبب قتله هو ادعاؤه النبوة و كتابته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين يدعوه إلى نفسه و يقول له:أسلم،تسلم،و ترتق في سلم،و تنج و تغنم،فإنك لا تدري أين يجعل اللّه النبوة و الرسالة و ما على الرسول إلا البلاغ،و قد أعذر من أنذر،فأمر الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)رسول بيان فأكل قرطاسه الذي جاء به و قتل بعد ذلك بيان و صلب (5).
و هو كذاب مفتر على اللّه و رسوله،طلب الإمام أبو جعفر و ولده الإمام الصادق من الشيعة التبري منه لأنه كان يكذب على الأئمة (6).
روى زرارة عن أبي جعفر انه قال:لعن اللّه بنانا أو بيانا و إنه(لعنه اللّه)كان يكذب على أبي،أشهد أن أبي علي بن الحسين كان عبدا صالحا (7).
********
(1) التبصير في الدين،الأسفراييني،35،119+مقالات الإسلاميين،الأشعري،66/1+ الفرق بين الفرق،البغدادي،145+الفصل بين الملل،الشهرستاني،185/4+ميزان الاعتدال،الذهبي،66/1+لسان الميزان،العسقلاني،69/2.
(2) فرق الشيعة،النوبختي،51+المقالات و الفرق،عباس القمي،33+عيون الأخبار،ابن قتيبة،148/2.
(3) الفرق بين الفرق،البغدادي،145+مقالات الإسلاميين،الاشعري،66/1.
(4) تاريخ الأمم و الرسل،الطبري،620/2+الفصل بين الملل و النحل،الشهرستاني،185/4 +الفرق بين الفرق،البغدادي،146.
(5) فرق الشيعة،النوبختي،50+المقالات و الفرق،القمي،33.
(6) الرجال،الكشي،223+حياة الإمام الباقر،القرشي،159/2-160.
(7) معجم رجال الحديث،الخوئي،364/3.
ص: 115
2-حمزة البربري حمزة بن عمارة البربري،كان يكذب على الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)، و قد أعلن الإمام براءته منه،و كان حمزة زنديقا كافرا فمن كفره أنه نكح ابنته و أحل جميع المحارم و قال:من عرف الإمام فليصنع ما شاء فلا أثم عليه،و ادعى أشياء ما أنزل اللّه بها من سلطان،فلعنه أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)و كذبه،ثم إنه ادعى أن محمد بن علي الباقر(عليه السّلام)أوصى إليه،و أخذه خالد القسري مع خمسة عشر من أصحابه فشدهم في أطناب القصب،و صب عليهم النفط في مسجد الكوفة،و ألهب فيهم النار-لعنهم اللّه جميعا- (1).
3-المغيرة بن سعيد العجلي (2)كان المغيرة بن سعيد صاحب بدع و منكرات،و من بدعه:
-أنه كان يرى التجسيم فكان يقول:إن اللّه على صورة رجل،على رأسه تاج،و إن أعضاءه على عدد حروف الهجاء و اليه تنسب المغيرية (3).
-كان مشعوذا،و قد نقل ابن الأثير طرفا من شعوذته (4).
-إنه كان ماهرا في دس الأخبار و وضعها في كتب أهل البيت،فكان يدس الغلو في كتب الإمام محمد الباقر(عليه السّلام) (5).
و كان من الطبيعي أن يعلن الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)براءته من هذا الإنسان الكافر الذي لم يؤمن باللّه و تجرد عن جميع القيم الإنسانية،فقد روي أن الإمام الباقر(عليه السّلام)كان يقول:برئ اللّه و رسوله من المغيرة بن سعيد و بيان بن سمعان فإنهما كذبا علينا أهل البيت (6).
********
(1) فرق الشيعة،النوبختي،25+حياة الإمام الباقر،القرشي،160/2-161.
(2) انظر عن المغيرة بن سعيد:لسان الميزان،العسقلاني،75/6+فرق الشيعة،النوبختي،63 +الأعلاق النفيسة،ابن رستة،218+معرفة الرجال،الكشي،146.
(3) تاريخ ابن الأثير،230/4+تاريخ الفرق الإسلامية،الغرابي،298.
(4) فرق الشيعة،النوبختي،64+تاريخ ابن الأثير،330/4.
(5) عيون الأخبار،ابن قتيبة،151/2+معرفة الرجال،الكشي،224.
(6) فرق الشيعة،النوبختي،64+لسان الميزان،العسقلاني،76/6.
ص: 116
كما و أعلن الإمام أبو عبد اللّه الصادق نقمته و سخطه على المغيرة قائلا:لعن اللّه المغيرة بن سعيد و لعن اللّه يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر و الشعبذة و المخاريق،أن المغيرة كذب على أبي فسلبه اللّه الإيمان،و إن قوما كذبوا علي ما لهم أذاقهم اللّه حر الحديد،فو اللّه ما نحن إلا عبيد خلقنا و اصطفانا،ما نقدر على ضر و لا نفع،إن رحمنا فبرحمته،و إن عذبنا فبذنوبنا، و اللّه ما بنا على اللّه حجة،و لا معنا من اللّه براءة،و إنا لميتون و مقبورون و منشورون و مبعوثون و موقوفون و مسئولون ما لهم لعنهم اللّه فلقد آذوا اللّه و آذوا رسول اللّه في قبره و أمير المؤمنين و الحسن و الحسين (1).
و ترى مدى تأثر الإمام الباقر(عليه السّلام)من هؤلاء الكذابين الغلاة الذين مرقوا من الدين و تلاعبوا في كتاب اللّه و اتخذوا آياته هزوا.
و أخيرا رأينا أن الإمام الباقر(عليه السّلام)كان مقصد العلماء للسؤال و كشف الحقائق كعمرو بن عبيد و طاوس و الحسن و غيرهم،و قد ناظر أهل الفرق و خاصمهم و بين فساد آرائهم و سوء معتقداتهم،و كان يزود الوافدين عليه بتعاليم قيمة و يدعو إلى اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة رائده في ذلك القربة لوجهه الكريم لتكون له باقيات صالحات عند مليك مقتدر.
مكانته و أقوال العلماء فيه
لسنا من المغالين إذا قلنا إن الإمام أبا جعفر الباقر(عليه السّلام)كان فريد عصره، لا يدانيه أحد فيما اختص به من مميزات تقدم ذكرها أهلته لأن يكون مرجعا للعلماء و مقصدا لطلاب العلم،فاحتل بذلك تلك المكانة المرموقة بين علماء عصره و العصور التي تلت،فقد أجمع رجال الفكر و العلم على عظيم منزلته و مكانته،و الاعتراف له بالفضل و التفوق العلمي،فاتفقت كلماتهم على أنه من
********
(1) فرق الشيعة،النوبختي،66+معرفة الرجال،الكشي،225.
ص: 117
أسمى الشخصيات العلمية التي عرفها العالم العربي و الإسلامي آنذاك،و إليك بعضا من كلماتهم تحمل في طياتها انطباعات أولئك العلماء الإجلاء عنه:
1-قال محمد بن المنكدر(ت:130 ه):ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضله و غزارة علمه و حلمه حتى رأيت ابنه محمدا (1).
2-قال الإمام أبو عبد اللّه الصادق(ت:148 ه):حدثني أبي و كان خير محمدي يومئذ على وجه الأرض (2).
3-قال سديف المكي(ت:146 ه):ما رأيت محمديا قط يعدله (3).
4-قال هشام بن عبد الملك(ت:125 ه):يا محمد لا تزال العرب و العجم تسودها قريش ما دام فيها مثلك (4).
5-قال عبد اللّه بن عطاء المكي:ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي لتواضعهم له،و معرفتهم بحقه و علمه،و اقتباسهم منه،و لقد رأيت الحكم بن عتيبة على جلالته و سنه و هو بين يديه يتعلم منه، و يأخذ عنه،كالصبي بين يدي معلمه (5).
6-كان جابر بن يزيد الجعفي إذا حدث عن الإمام الباقر(عليه السّلام)يقول:
حدثني وصي الأوصياء،و وارث علم الأنبياء (6).
7-قال فيه عمر بن عبد العزيز(ت:101 ه):إن أهل هذا البيت لا يخليهم اللّه من فضله (7).
8-قال ابن سعد:كان ثقة كثير العلم و الحديث (8).
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،352/9+الإرشاد،الشيخ المفيد،292.
(2) البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،309/9.
(3) الأمالي،الشيخ الصدوق،297.
(4) مخطوطة الدر النظيم،ابن حاتم،الورقة 185.
(5) حلية الأولياء،الأصفهاني،186/3+مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 43+مرآة الجنان،اليافعي،248/1.
(6) مناقب آل أبي طالب،ابن شهرآشوب،180/4.
(7) مخطوطة تاريخ دمشق،ابن عساكر،ج /51الورقة 46+تاريخ اليعقوبي،305/2.
(8) الطبقات الكبرى،ابن سعد،138/5.
ص: 118
9-قال أبو زرعة:إن أبا جعفر لمن أكبر العلماء (1).
10-قال أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالشيخ المفيد(ت:
413 ه):كان الباقر(عليه السّلام)محمد بن علي بن الحسين من بين إخوته خليفة أبيه و وصيه...و برز على جماعتهم بالفضل في العلم و الزهد و السؤدد،و كان أنبههم ذكرا،و أجلّهم في العامة و الخاصة،و أعظمهم قدرا،و لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين من علم الدين و الآثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الآداب،ما ظهر عن أبي جعفر،و روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة، و وجوه التابعين،و رؤساء فقهاء المسلمين،و صار بالفضل به علما لأهله (2).
11-قال الحافظ أحمد بن عبد اللّه المعروف بأبي نعيم الأصفهاني(ت:
430 ه):و منهم الحاضر الذاكر،الخاشع الصابر،أبو جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السّلام)،كان من سلالة النبوة،و ممن جمع حسب الدين و الأبوة،تكلم في العوارض و الخطرات،و سفح الدموع و العبرات،و نهى عن المراء و الخصومات (3).
12-قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي-من علماء القرن السادس الهجري-:قد اشتهر الباقر(عليه السّلام)في العالم لتبرزه على الخلق في العلم و الزهد و الشرف ما لم يؤثر عن أحد من أولاد الرسول(صلى الله عليه و آله)من علوم القرآن و الآثار و السنن (4).
13-قال الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي(ت:654 ه):هو باقر العلم و جامعه،و شاهر علمه و رافعه،و متوافق دره و راصعه،صفا قلبه،و زكا عمله،و طهرت نفسه،و شرفت أخلاقه،و عمرت بطاعة اللّه أوقاته،و رسخت في مقام التقوى قدمه،و ظهرت عليه سيماء الازدلاف،و طهارة الاجتباء (5).
********
(1) أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 485/4/1.
(2) الإرشاد،الشيخ المفيد،293.
(3) حلية الأولياء،الأصفهاني،182/3.
(4) أعلام الورى،الطبرسي،268.
(5) مطالب السئول،ابن طلحة الشافعي،50/2.
ص: 119
14-قال الحافظ أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي(ت:676 ه):
هو تابعي جليل،و إمام بارع،مجمع على جلالته،معدود في فقهاء المدينة و أئمتهم..و عد من روى عنه فقال:و خلائق آخرون من التابعين و كبار الأئمة، و روى له البخاري و مسلم (1).
15-قال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد المعروف بابن خلكان (ت:681 ه):كان الباقر عالما،سيدا كبيرا،و إنما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم:أي توسع (2).
16-قال أبو عبد اللّه شمس الدين الذهبي(ت:748 ه):كان الباقر سيد بني هاشم في زمانه،اشتهر بالباقر من قولهم بقر العلم:يعني شقه فعلم أصله و خفيه (3).
و قال أيضا:كان الباقر أحد من جمع بين العلم و العمل و السؤدد و الشرف و الثقة و الرزانة،و كان أهلا للخلافة (4).
17-قال تاج الدين بن محمد بن حمزة المعروف بنقيب حلب(ت:753 ه):أبو جعفر،باقر العلم هو أول من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين،كان واسع العلم،وافر الحلم،روي عنه حديث كثير،و نقل عنه علم جم (5).
18-قال الإمام أبو محمد عبد اللّه بن أسعد بن علي اليافعي اليمني (ت:768 ه):أبو جعفر الباقر محمد بن زيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(رضوان اللّه عليهم)،أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الإمامية و هو والد جعفر الصادق،لقب بالباقر(عليه السّلام)لأنه بقر العلم أي شقه و توسع فيه (6).
********
(1) تهذيب الأسماء و اللغات،النووي،87/1.
(2) وفيات الأعيان،ابن خلكان،314/3.
(3) تذكرة الحفاظ،الذهبي،124/1.
(4) سير أعلام النبلاء،الذهبي،402/4.
(5) غاية الاختصار:ابن حمزة،104.
(6) مرآة الجنان،اليافعي،247/1.
ص: 120
19-قال الحافظ المفسر المؤرخ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير(ت:774 ه):هو تابعي جليل،كبير القدر،أحد أعلام هذه الأمة علما و عملا و سيادة و شرفا...سمي الباقر لبقره العلوم و استنباطه الحكم (1).
20-قال الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي(ت:974 ه):أبو جعفر محمد الباقر،سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها و أثار مخبآتها و مكامنها،فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف،و حقائق الأحكام و الحكم و اللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة،أو فاسد الطوية و السريرة (2).
21-قال جمال الدين أحمد بن علي بن عنبة الأصغر(ت:828 ه):
كان محمد الباقر واسع العلم،وافر الحلم،و جلالة قدره أشهر من أن ينبه عليها (3).
22-قال محمد بن محمد الجزري(ت:833 ه):محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،أبو جعفر الباقر،لأنه بقر العلم أي شقه و عرف ظاهره و خفيه،و كان سيد بني هاشم علما و فضلا و سنة (4).
23-و نقل شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(ت:
852 ه)أقوال العلماء فيه و منها:قال العجلي:مدني تابعي،ثقة.و قال ابن البرقي:كان فقيها فاضلا.و ذكره النسائي في فقهاء أهل المدينة من التابعين (5).
24-قال الإمام علي بن محمد بن أحمد المالكي الشهير بابن الصباغ(ت:
855 ه):هو باقر العلم و جامعه و شاهره و رافعه و متفوق دره و راصعه،صفا قلبه،و زكا عمله،و طهرت نفسه،و شرفت أخلاقه (6).
********
(1) البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،309/9.
(2) الصواعق المحرقة،الهيثمي،120.
(3) عمدة الطالب،ابن عنبة الأصغر،184.
(4) غاية النهاية،ابن الجزري،202/2.
(5) تهذيب التهذيب،العسقلاني،350/9-351.
(6) الفصول المهمة،ابن الصباغ المالكي،192.
ص: 121
25-قال مؤرخ دمشق شمس الدين محمد بن طولون(ت:953 ه):كان الباقر عالما،سيدا كبيرا،و إنما قيل له الباقر لأنه بقر العلم أي توسع فيه (1).
26-قال العالم عبد الرءوف المناوي(ت:1022 ه):محمد الباقر بن علي بن الحسين،سمي به لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله و خفيه،و له من الرسوخ في مقام العارفين ما تكل عنه ألسن الواصفين،و له كلمات كثيرة في السلوك و المعارف يعجز عن حكايتها الواصف (2).
27-قال المؤرخ الأديب أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي(ت:1089 ه):أبو جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،كان من فقهاء أهل المدينة،و قيل له الباقر لأنه بقر العلم أي شقه و عرف أصله و توسع فيه، و هو أحد الأئمة الاثني العشر على اعتقاد الإمامية،قال عبد اللّه بن عطاء:ما رأيت العلماء أصغر منهم علما عنده،و له كلام نافع في الحكم و المواعظ (3).
28-قال الشيخ محمد باقر المجلسي(ت:1111 ه):لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين من العلوم ما ظهر منه في التفسير و الكلام و الفتيا و الحلال و الحرام...و قد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين،فمن الصحابة:جابر بن عبد اللّه الأنصاري،و من التابعين نحو:جابر بن يزيد الجعفي و كيسان السختياني صاحب الصوفية،و من الفقهاء نحو:ابن المبارك،و الزهري،و الأوزاعي،و أبو حنيفة...و من المصنفين نحو:الطبري،و البلاذري،و الخطيب في تواريخهم،و في الموطأ و شرف المصطفى و حلية الأولياء،و سنن أبي داود،و مسند أبي حنيفة،و ترغيب الأصفهاني،و بسيط الواحدي و تفسير العياشي،و الزمخشري،و معرفة أصول السمعاني و كانوا يقولون:محمد بن علي،و ربما قالوا:محمد الباقر (4).
********
(1) الشذرات الذهبية،ابن طولون،81.
(2) الكواكب الدرية،المناوي،164/1.
(3) شذرات الذهب،ابن العماد الحنبلي،149/1.
(4) بحار الأنوار،المجلسي،84/11.
ص: 122
29-قال الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي(ت:1294 ه):
أظهر مكنونات كنوز المعارف و حقائق الأحكام و اللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية و السريرة،و هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه بصفاء قلبه و ذكاء نفسه و طهر نسبه و شرف خلقه (1).
30-قال صلاح الدين بن خليل بن أيبك الصفدي:كان أحد من جمع العلم و الفقه و الديانة و الثقة و السؤدد،و كان يصلح للخلافة،و هو أحد الأئمة الاثني عشر (2).
31-قال محمد بن حبان البستي:محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،والد جعفر بن محمد الصادق،من أفاضل أهل البيت و قرائهم (3).
32-قال عبد القادر الشيخاني:محمد الباقر كان أشهر أهل زمانه، و أكملهم فضلا،و أعظمهم نبلا،و لم يظهر في زمنه عند أحد من علم الدين و السنن و علم القرآن و التفسير و فنون الآداب مثل ما ظهر منه (4).
33-قال التلمساني:محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، و هو والد جعفر الصادق يقال له الباقر،سمي باقرا،لتبحره في العلم،و هو الشق و التوسعة،تابعي،عدل،ثقة،و إمام مشهور (5).
34-قال الأستاذ محمد فريد و جدي:كان الباقر عالما نبيلا،و سيدا جليلا، و سمي الباقر لأنه بقر العلم أي توسع فيه (6).
35-قال الأستاذ خير الدين الزركلي:أبو جعفر الباقر خامس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية،كان ناسكا عابدا،له في العلم و التفسير آراء و أقوال،ولد بالمدينة و توفي بالحميمة (7).
********
(1) ينابيع المودة،القندوزي الحنفي،433.
(2) الوافي بالوفيات،الصفدي،102/4.
(3) مشاهير علماء الأمصار،البستي،62.
(4) الصراط السوي،الشيخاني،194.
(5) شرح الشفا،الخفاجي،292/1.
(6) دائرة معارف القرن العشرين،محمد فريد و جدي،563/3.
(7) الأعلام،الزركلي،932/3.
ص: 123
36-قال الشيخ محمد أبو زهرة:و كان محمد ابنه-أي ابن زين العابدين- وريثه في إمامة العلم،و نبل الهداية،و لذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية و ما زار أحد المدينة إلا عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه (1).
37-قال الشيخ أحمد فهمي:الإمام الباقر،هو خامس الأئمة عند الإمامية و كان(رضي اللّه عنه)أصدق الناس،و أحسنهم بهجة،و أبدعهم لهجة (2).
اكتفينا بذكر هذه الأقوال لما فيها من كفاية في توضيح مكانة الإمام الباقر(عليه السّلام)،و ما قال العلماء في حقه،فهم سجلوا إكبارهم و تقديرهم لشخصيته الفذة بما كشفوه من بعض الجوانب المضيئة من حياته،و يمكن أن نستخلص مما تقدم ما يلي:
أولا:كان من الرواد الأوائل للحركة العلمية في عصره.
ثانيا:كان على درجة عالية من الورع و الحرج في الدين،و من العارفين،مما جعله إمام المتقين و المنيبين (3).
ثالثا:لم يكن هناك من يضاهيه في الفضل و العلم لتقدمه على علماء عصره، و أنه كان يفوق إخوته في الفضل و العلم و أبناء عمومته و سائر المنتمين إلى الشجرة العلوية،كما ورد في الفقرة العاشرة من الشهادات السالفة.
رابعا:سعة علوم الإمام و معارفه في الفقه و الكلام و التفسير و التاريخ و الحكم و الآداب،لهذا قال ما قال عنه عمر بن عبد العزيز في الفقرة السابعة من الشهادات السالفة.
***
********
(1) الإمام الصادق،محمد أبو زهرة،22.
(2) الإمام زين العابدين،أحمد فهمي أبو سنة،18.
(3) حياة الإمام الباقر،باقر شريف القرشي،112/1.
ص: 124
رواته و من روى عنهم
و يتضمن:
*المبحث الأول:من روى عنهم
*المصدر الأول:آباؤه(عليهم السلام)
*المصدر الثاني:الصحابة(رضي الله عنهم)
*المبحث الثاني:رواة الإمام الباقر(عليه السلام)
ص: 125
ص: 126
من روى عنهم الإمام
قبل أن نتكلم على من روى عنهم الإمام الباقر(عليه السّلام)،يجب أن نوضح مسألة مهمة ترتكز عليها الفصول الآتية من هذه الدراسة،و هي أن الروايات التي نستدل بها على ما نريد التوصل إليه من حقائق علمية أو نناقشها مدحضين أو مرجحين،كلها روايات تفسيرية متعلقة بآيات الذكر الحكيم.
و تنقسم روايات الإمام الباقر(عليه السّلام)عمن روى عنهم إلى قسمين رئيسين:
أولهما:روايته عن النبي(صلى الله عليه و آله)من طريق آبائه(عليهم السّلام).
ثانيهما:روايته عن بعض الصحابة؛أمثال جابر بن عبد اللّه الأنصاري،و عمر بن الخطاب،و ابن عباس،و زيد بن أرقم،و أبو ذر الغفاري،و أم سلمة(رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين).
و كل ما روي عن الإمام الباقر(عليه السّلام)من روايات التي أثرت عنه في عالم التشريع و الأحكام و تفسير القرآن هي لا تحكي آراءه الخاصة و إنما هي امتداد لقول الرسول(صلى الله عليه و آله)و فعله،و لذا ألحقت بالسنة الشريفة-عند الإمامية-فيكاد يكون من قبيل المسلمات عندهم إذا صح السند و قد انفرد الإمامية بهذا المنهج الروائي.و إن الإمام الباقر(عليه السّلام)و كما تدل عليه سيرة حياته تتلمذ على آبائه من آل البيت فقد عاش مع جده الحسين و مع أبيه الإمام زين العابدين و لم تعرف له مشيخة غير هذا الذي قلناه، و لذلك فإن ما آثر عنه من أقوال-و كما يصر الإمامية على ذلك أيضا- فهي عن آبائه عن النبي(صلى الله عليه و آله)،و يدل على ذلك مجموعة من الأحاديث نوردها هنا بأسانيدها:
ص: 127
1-في حديث للإمام الباقر(عليه السّلام)مع جابر بن يزيد الجعفي قال لجابر:إنا لو كنا نحدثكم برأينا لكنا من الهالكين،و لكن نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)كما يكنز هؤلاء ذهبهم و فضتهم (1).
2-و سئل الإمام الباقر(عليه السّلام)مرة عن سنده في ذلك فقال:إذا حدثت بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي زين العابدين عن أبيه الحسين الشهيد عن أبيه علي بن أبي طالب عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) (2).
3-و ورد بهذا اللفظ أيضا عن الإمام الصادق،فقد روى محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن هشام بن سالم و حماد بن عثمان قالوا:سمعنا أبا عبد اللّه يقول:
حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث الحسين و حديث الحسين حديث الحسن و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين و حديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و حديث رسول اللّه قول اللّه(عزّ و جلّ) (3).
و في تفسير هذين الحديثين رأيان:
الأول:إن حديث كل إمام من الأئمة هو حديث من سبقه من جهة اللفظ و خصوصيته و بذلك تكون أحاديثهم مسندة غير مرسلة.
و الثاني:إن الاتحاد من جهة العلم المندرج فيه من حيث إن علومهم متحدة لأنها من منبع واحد،و بذلك يكون حكم حديثهم من جهة الإسناد مسندا،و من جهة المتن كالرواية بالمعنى.
و قد روي عن محمد بن عيسى بسند صحيح:أن رجلا سأل الإمام الباقر(عليه السّلام)عن مسألة فأجابه ثم قال له:ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) (4).
********
(1) ناسخ التواريخ،محمد تقي الكاشاني،217/2.
(2) أعلام الورى،الطبرسي،270.
(3) معرفة علوم الحديث،الحاكم النيسابوري،55+الشافي،عبد الحسين المظفر،103/2+ أصول الكافي،الكليني،43/1 و قريب منه في حلية الأولياء،الأصفهاني،203/3-204.
(4) الشافي في شرح أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،128/2.
ص: 128
و ورد عن علي بن إبراهيم عن النوفلي عن السكوني أن الصادق قال:ما وافق كتاب اللّه فخذوه،و ما خالف كتاب اللّه فدعوه (1).
و قد ظهر في بعض الكتابات:أن روايات الإمام الباقر(عليه السّلام)عن جده أمير المؤمنين و جده الحسن و بعض الصحابة و الصحابيات عند بعض العلماء من المراسيل لما ورد عن ابن أبي حاتم:محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،أبو جعفر،أنبأنا محمد بن حموية بن الحسن قال:سمعت أبا طالب- يعني أحمد بن حميد-يقول:سألت أحمد بن حنبل عن محمد بن علي سمع من أم سلمة؟قال:لا يصح أنه سمع،قلت:سمع من عائشة؟فقال:لا، ماتت عائشة قبل أم سلمة،سمعت أبي يقول:أبو جعفر محمد بن علي لم يلق أم سلمة،قال أبو زرعة:محمد بن علي بن الحسين عن عمر مرسل،قال أبو زرعة:محمد بن علي الحسين عن علي مرسل،سمعت أبا زرعة يقول:
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(رضي اللّه عنهم)لم يدرك عمر و لا أباه عليا (2).
و هذا مناقش بأن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد كشف عن أسانيد حديثه،و الحديث المكشوف عن أسانيده و المنحصر فيها لا يمكن أن يكون من المراسيل لأن جمهور المحدثين يرون أن المرسل هو ما رفعه التابعي إلى النبي(صلى الله عليه و آله)من قول أو فعل سواء كان التابعي صغيرا أو كبيرا (3).
و الحال أن روايات الإمام الباقر(عليه السّلام)ليست مرفوعة هكذا لما تقدم من الروايات الدالة على سند أقوال الإمام التي تتصل بالنبي(صلى الله عليه و آله)،هذا إضافة إلى أن مرسل الإمام الباقر(عليه السّلام)-لو سلمنا-لا يقل عن مرسل سعيد بن المسيب، و لا يقل عن مراسيل الحسن البصري،فقد روي عن يحيى القطان قوله:ما قال الحسن في حديثه قال رسول اللّه إلا وجدنا له أصلا،و كذلك قول ابن عدي (4).
********
(1) المصدر نفسه،153/2.
(2) المراسيل،ابن أبي حاتم الرازي،115+تهذيب التهذيب،العسقلاني،351/9.
(3) البداية في علم الدراية،الشهيد الثاني،47+المستصفى،الغزالي،169/1-170.
(4) علل الترمذي،ابن رجب الحنبلي،222.
ص: 129
و ما قاله علي بن المديني:أن مرسلات الحسن صحاح ما قل ما يسقط منها (1).
و لقد كشفت المسألة،فقد روى محمد بن موسى الخرشي عن محارب عن يونس قال سألت الحسن:يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول اللّه و لم تدركه؟ قال:كل شيء سمعتني أقول قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فهو عن علي(عليه السّلام)،غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا (2).
و هذا يدل على أن مراسيل الحسن أكثرها عن الصحابة.
أما عن مراسيل سعيد بن المسيب،فقد روى الفضل بن زياد عن أحمد:
مراسيل سعيد بن المسيب أصح المراسيل (3).
و قيل إن مراسيله حجة عند الإمام الشافعي،فقد روى يونس بن عبد الأعلى قال:قال لي الشافعي:ليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب (4).
و مراده أن يعتبر بمرسل سعيد بن المسيب.
و لقد كان يحتج العلماء بالمرسل بناء على قصر الأسانيد،فقد احتج بها سفيان و مالك و الأوزاعي،أما الفقهاء فعندهم إذا عضد المرسل قرائن تدل على أن له أصلا قوي الظن فيحتج به لما أحتف به من القرائن (5).
و قال الشافعي أيضا في كتاب الرهن الصغير،و قد قيل له:كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا و لم تقبلوا من غيره؟قال:لا يحفظ لابن المسيب منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده و لا أثره عن أحد فيما عرفنا عنه إلا عن ثقة معروف، فمن كان بمثل حاله قبلنا منقطعه (6).
إذن فكيف يكون الأمر بالنسبة لمرويات الإمام الباقر(عليه السّلام)إذا سلمنا بفرض انقطاعها،إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للحسن البصري أو عامر الشعبي أو سعيد بن
********
(1) المصدر نفسه227/.
(2) المصدر نفسه و الصفحة.
(3) علل الترمذي،ابن رجب الحنبلي،228.
(4) المراسيل،ابن أبي حاتم،115.
(5) ظ:التقريب،النووي،160/1.
(6) الأم،الشافعي،167/3.
ص: 130
المسيب و هم مع جلالة قدرهم و عظيم منزلتهم قد شهدوا قبل غيرهم بفضل و علم آل البيت(عليهم السّلام).
هذا بالنسبة لمعالجة روايات الإمام عن آبائه و عن النبي(صلى الله عليه و آله)،أما بالنسبة لمعالجة رواياته عن بعض الصحابة فإننا نستطيع أن نقول مطمئنين:إن روايته عن بعض الصحابة داخلة في هذا السند فهو مثلا إذا أرسل عن أم سلمة أو عائشة أو عمر(رضي اللّه عنه)فإنما طريقه إلى ذلك هو أحد آبائه الكرام.
أما أحاديث الإمام الباقر(عليه السّلام)و رواياته التي يذكر سنده فيها عن آبائه عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فلا داعي لمعالجتها فهي حجة عند الفريقين إن صح طريق سندها إليه.
و لذلك صارت روايات آل البيت عند الشيعة الإمامية امتدادا للسنّة النبوية الشريفة.
و ورد عن الإمام الباقر(عليه السّلام)حول كيفية الأخذ بالحديث الوارد عنهم آل البيت قوله عند تفسيره لقوله تعالى: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (1)،فقد روى جعفر بن محمد الفزاري بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال الإمام الباقر(عليه السّلام):يا جابر،إن ورد عليكم حديث من آل محمد فعرفتموه فلانت له قلوبكم فتمسكوا به فإنه الحق المبين،و ما ثقل عليكم فلم تحملوه فردوا علينا أ لم تسمع قوله تعالى: وَ لَوْ رَدُّوهُ... (2).
و يوجه هذا الحديث بأن الذي يعمل بأحاديث آل البيت يجب عليه التروي في ذلك و التثبت عند نقل مروياتهم أو عند العمل بها.
و مهما يكن من أمر،فإن روايات الإمام الباقر(عليه السّلام)من حيث الإرسال-إذا سلمنا به-أو الإسناد فهي حجة بلا خلاف على مبنى الإمامية إن صح طريق سندها إليه،و إلا فتعامل معاملة بقية الأخبار التي فيها الضعيف و الموثق و الحسن.
و على مبنى جمهور العلماء فأرجو أن تعامل روايات الإمام الباقر(عليه السّلام)التي لا يذكر سنده فيها مثل روايات سعيد بن المسيب و الحسن البصري و بهذا ينقسم من روى عنهم الإمام أو مصادر الرواية عنده إلى مصدرين رئيسيين:
********
(1) النساء83/.
(2) تفسير القرآن الكريم،فرات الكوفي،35.
ص: 131
1-علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الهاشمي،ابن عم رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و صهره على ابنته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين،و أبو السبطين،و هو أول هاشمي ولد بين هاشميين،و أول خليفة من بني هاشم، و هو أول الناس إسلاما في قول كثير من العلماء،و شهد جميع المشاهد مع رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)إلا تبوك فإن رسول اللّه خلفه على أهله و على المدينة،و إن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)كلما آخى بين المهاجرين،و بين المهاجرين و الأنصار يقول لعلي في كل واحدة منهما:أنت أخي في الدنيا و الآخرة،و أخباره و مناقبه لا تحصى،استشهد على يد أحد الخوارج في مسجد الكوفة لإحدى عشرة بقيت من شهر رمضان من سنة 40 للهجرة (1).
2-الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي،أبو محمد،سبط النبي(صلى الله عليه و آله)و أمه فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه سيدة نساء العالمين،و هو سيد شباب أهل الجنة و ريحانة النبي(صلى الله عليه و آله)و شبيهه و هو رابع أهل الكساء،ولد في النصف من رمضان سنة ثلاث للهجرة،و سماه جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و أخويه الحسين و محسن،و قال(صلى الله عليه و آله):الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة،و حج الحسن عدة حجات ماشيا و قاسم اللّه ماله ثلاث مرات و خرج من ماله كله مرتين،و كان من المبادرين إلى نصرة عثمان بن عفان(رضي اللّه عنه)،و ولي الخلافة بعد قتل أبيه و بقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق و ما وراءه من خراسان و الحجاز و اليمن،ثم سار إليه معاوية إلى الشام و سار هو إلى معاوية و بعد ذلك أمضى معه الصلح.
********
(1) انظر مصادر ترجمته:أسد الغابة في معرفة الصحابة،ابن الأثير،16/4-41+شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد،4/1-13+الإصابة في تمييز الصحابة،العسقلاني،360/2 و غيرها.
ص: 132
توفي بالمدينة سنة إحدى و خمسين للهجرة،و كان سبب موته أو وفاته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس سقته السم،و لم ترض بنو أمية أن يدفن مع جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فدفن في بقيع الغرقد (1).
3-الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي،أبو عبد اللّه ريحانة النبي(صلى الله عليه و آله)و شبيهه من الصدر إلى أسفل، و لما ولد أذن النبي(صلى الله عليه و آله)في أذنه،و هو سيد شباب أهل الجنة و خامس أهل الكساء،و سيد الشهداء،أمه فاطمة الزهراء،ولد سنة ست للهجرة،روى عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فقد تقدم في ذكر أخيه الإمام الحسن أحاديث مشتركة بينهما فلا حاجة إلى إعادة متونها،و قصة ثورته على الحكم الأموي و استشهاده في معركة الطف مشهور.
و كان الإمام الحسين(عليه السّلام)فاضلا،كثير الصوم و الصلاة و الحج و الصدقة و أفعال الخير جميعها،و مناقبه و فضائله لا تحصى،و قد استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى و ستين هجرية،و عن يوم استشهاده و ما حصل فيه راجع تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني و ما أورده من روايات عن الثقاة في ذلك (2).
4-علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي،أبو محمد،روى ابن سعد (3)عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه كان يكنى أبا الحسين،و أمه شهربانويه بنت يزد جرد و هو آخر ملوك فارس و اسمها سلافة (4)،هو و القاسم بن محمد بن أبي بكر(رضي اللّه عنه)ابنا خالة.
ولد الإمام الراهب الساجد،الراغب،قدوة الزاهدين في المدينة لتسع خلون من شعبان سنة ثمان و ثلاثين و قيل سبعة و ثلاثين و قيل ستة و ثلاثين للهجرة،و هو الإمام الرابع عند الإمامية الاثني عشرية،و قد أجمع العلماء على فضله و علمه و عبادته فهو
********
(1) انظر مصادر ترجمته:أسد الغابة،ابن الأثير،9/2-15+تهذيب الكمال،المزي،443/5+ تهذيب التهذيب،العسقلاني،295/2-300+الأعلام،الزركلي،95/2 و غيرها.
(2) انظر مصادر ترجمته:أسد الغابة،ابن الأثير،18/2-23+تهذيب التهذيب العسقلاني، 345/2-356+الإصابة العسقلاني،300/1 و غيرها.
(3) الطبقات الكبرى،ابن سعد،210/3.
(4) وفيات الأعيان،ابن خلكان،121/4+الكامل في الأدب،المبرد،161/2.
ص: 133
نهاره صائم،و ليله قائم،أعبد أهل زمانه و أزهدهم،و كان إذا قام للصلاة تغير لونه،و إذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا،توفي مسموما في ملك الوليد بن عبد الملك و كان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها منهم،و كانت وفاته في المدينة يوم السبت إحدى عشرة بقيت من المحرم سنة 94 للهجرة (1).
5-محمد بن الحنفية المدني،أبو القاسم،محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي،ولد سنة إحدى و عشرين للهجرة،و توفي سنة ثلاث و سبعين لها،من أفاضل أهل البيت،ثقة،عالم،من الثانية،أخرج له أصحاب الكتب الستة (2).
1-أبو ذر الغفاري،جندب بن جنادة،و قيل جندب بن السكن،و قيل بريد بن جنادة من أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و فيه قال رسول اللّه:ما أظلت الخضراء و ما أقلت الغبراء على ذي لهجة اصدق من أبي ذر،و هو سادس أو سابع من اسلم في مكة،و هاجر إلى المدينة،و قصة نفيه إلى الربذة مشهورة توفي (رضي اللّه عنه)سنة اثنتين و ثلاثين للهجرة،روى له الستة (3).
2-أبو سعيد الخدري،سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي(ت:74 ه)،من أعلام أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و من الحفاظ المكثرين،روى له الستة (4).
3-أم سلمة،أم المؤمنين،بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم،القريشية،المخزومية،من المهاجرات إلى الحبشة،و هي آخر من مات من نساء النبي(صلى الله عليه و آله)،ماتت زمن يزيد (5).
********
(1) تهذيب التهذيب العسقلاني،232/12+بصائر الدرجات،الصفار،132/2.
(2) انظر مصادر ترجمته:تهذيب التهذيب العسقلاني،354/9-355+مشاهير علماء الأمصار،البستي،62+الأعلام الزركلي،270/6 و غيرها.
(3) انظر مصادر ترجمته:حلية الأولياء،الأصفهاني،156/1+صفوة الصفوة،ابن الجوزي، 38/1+تهذيب التهذيب العسقلاني،90/12+الخلاصة،العلامة الحلي،36.
(4) انظر مصادر ترجمته:تهذيب التهذيب العسقلاني،479/3-480+أسد الغابة،ابن الأثير،289/2+المعجم الكبير،الطبراني،177/13.
(5) انظر مصادر ترجمتها:أسد الغابة،ابن الأثير،588/5+سفينة البحار،عباس القمي،642/1-643.
ص: 134
4-أنس بن مالك بن النضر،النجاري،الخزرجي،أبو حمزة الأنصاري (ت:92 ه)صاحب رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و خادمه،و من المكثرين من الرواية عنه، روى له الستة،و هو آخر من مات من الصحابة في البصرة (1).
5-جابر بن عبد اللّه بن عمرو الأنصاري،الخزرجي،شهد العقبة مع أبيه، و شهد تسع عشرة غزوة مع النبي(صلى الله عليه و آله)،و كان أحد المكثرين في الرواية عن النبي(صلى الله عليه و آله)،و له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم،مات سنة(73 ه) و قيل غيرها،توفي و له من العمر 93 سنة (2).
6-عائشة بنت أبي بكر الصديق،زوج رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،و من أمهات المؤمنين المكثرات في الرواية عن النبي(صلى الله عليه و آله)،روى لها الستة (3).
7-عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب(ت:68 ه)،ابن عم رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و صحبه،ولد قبل الهجرة و دعا له النبي(صلى الله عليه و آله)بالعلم و الحكمة،و كان يلقب بحبر الأمة و ترجمان القرآن،غزا إفريقيا و ولاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب البصرة،مات بالطائف و عمره سبعون سنة (4).
8-عبد اللّه بن عمر بن الخطاب القرشي،العدوي،ابن الخليفة الراشد الثاني،و شارك بالخندق و ما بعدها،و كان من المكثرين للرواية عن الرسول(صلى الله عليه و آله)،و كان مكثرا للعبادة زاهدا،متتبعا لآثار النبي(صلى الله عليه و آله)مات سنة (72 ه)و قيل(74 ه) (5).
9-عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح القرشي العدوي،أبو حفص،الخليفة الثاني،كان من اشراف قريش،و كان إسلامه عزا ظهر به
********
(1) انظر مصادر ترجمته:الإصابة،العسقلاني،71/1-72+الاستيعاب،ابن عبد البر،/1 71+تهذيب التهذيب العسقلاني،73/1+الأعلام الزركلي،24/2-25.
(2) انظر مصادر ترجمته:تهذيب الكمال،المزي،443/4+تهذيب التهذيب،العسقلاني،/2 43+تنقيح المقال،المامقاني،199/1-200+معجم رجال الحديث،الخوئي،15/4.
(3) انظر مصادر ترجمتها:أسد الغابة،ابن الأثير،113/5+تهذيب التهذيب العسقلاني،232/12.
(4) انظر مصادر ترجمته:الإصابة العسقلاني،330/2+تهذيب الكمال،المزي،154/15+ الجرح و التعديل،ابن أبي حاتم،196/5+الأعلام،الزركلي،95/4.
(5) انظر مصادر ترجمته:تهذيب الكمال،المزي،232/15+تذكرة الحفاظ،الذهبي،37/1+ الإصابة،العسقلاني،437/2+الأعلام،الزركلي،180/4.
ص: 135
الإسلام،سار بالناس في خلافته سيرة حسنة،و فتح اللّه له الفتوح،و كان قويا في دين اللّه،و أخباره و مناقبه لا تحصى،استشهد سنة(22 ه) (1).
أن ثمرة هذا البحث قدمناها لاعتمد من كان أغلب أئمة العلم في الجرح و التعديل على توثيقه و اعامل رواياته على هذا الاساس،أما المختلف فيه فالاحظ الاغلب و إلا فمن اجمع العلماء على تضعيفه أو كان الاغلب على ذلك من الفريقين اخضعت روايته لمعايير نقد المتن،و لقد أخذ عن الإمام الباقر(عليه السّلام) و روى عنه عدد كبير من التابعين و اتباعهم،و قد اوصل أحد الباحثين المعصارين من روى عنه إلى(482)رجل في مختلف العلوم القرآنية و التفسيرية و الحديثية و الفقهية (2).و قد اخترت منهم من روى عنه فقط في علوم القرآن و التفسير دون من روى فيما هو غير ذلك و هم:
ابن رباح،أبو سعيد البكري،الجريري،مولى بني جرير بن عبادة بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكاشة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل (3).
ولد بالكوفة،و كان من ابرز علماء عصره،روى عن الإمام علي بن الحسين و أبي جعفر الباقر و أبي عبد اللّه الصادق،قال له الإمام الباقر:اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فإني أحب أن أرى في شيعتي مثلك (4).
********
(1) انظر مصادر ترجمته:الاستيعاب،ابن عبد البر،258/2+تذكرة الحفاظ،الذهبي،5/1 +الإصابة العسقلاني،518/2.
(2) ظ:حياة الإمام الباقر(عليه السلام)باقر شريف القرشي،191/2-382.
(3) الطبقات الكبرى،ابن سعد،360/6+الفهرست،الشيخ الطوسي،17+الخلاصة، العلامة الحلي،21.
(4) معجم الأدباء،ياقوت الحموي،108/1+شعب المقال،النراقي،31+معجم رجال الحديث،الخوئي،21/1-22.
ص: 136
و كان أبان مقدما في كل فن من العلوم،في القرآن و الفقه و الحديث و الأدب و اللغة و النحو و له قراءة مفردة (1).
أما عن وثاقته،فقد قال العجلي:ثقة (2)،و قال الذهبي:وثقه أحمد و يحيى و أبو حاتم و النسائي و ابن عدي ابن عجلان و الحاكم و ابن سعد و غيرهم من العلماء،و قال الذهبي أيضا:شيعي جلد،و لكنه صدوق (3).
و له مصنفات كثيرة (4)،و ذكر ابن حجر العسقلاني إلى أن سنة وفاته كانت (241 ه) (5)،و فيه نظر لما اجمع العلماء عليه من أن وفاته كانت سنة(141 ه) (6).
فيروز،أبو إسماعيل،مولى عبد القيس (7)،البصري،عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام السجاد و الباقر و الصادق و وصفه بأنه تابعي،روى عن أنس بن مالك (8).
أما عن وثاقته،فقد ضعفه جمع من العلماء،قال ابن الغضائري:أبان بن أبي عياش ضعيف لا يلتفت إليه (9)،و قال يزيد بن هارون:قال شعبة:ردائي و حماري في المساكين صدقة أن لم يكن ابن أبي عياش يكذب في الحديث (10)،و قال شعبة أيضا:لأن اشرب من بول حماري أحب الي من أن أقول حدثني أبان (11).
********
(1) ميزان الاعتدال،الذهبي،5/1+تنقيح المقال،المامقاني،3/1.
(2) تهذيب الكمال،المزي 112/1+تهذيب التهذيب،العسقلاني،93/1+غاية النهاية،ابن الجزري،4/1.
(3) ميزان الاعتدال،الذهبي،5/1.
(4) الفهرست،ابن النديم،276+معجم رجال الحديث،الخوئي،23/1.
(5) تهذيب التهذيب،العسقلاني،93/1.
(6) تهذيب الكمال،المزي،62/1+ميزان الاعتدال،الذهبي،5/1.
(7) الطبقات الكبرى،ابن سعد،360/6+الفهرست الطوسي،18+شذرات الذهب،ابن العماد الحنبلي،210/1+تنقيح المقال،المامقاني،3/1.
(8) الرجال،الطوسي،106.
(9) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،17/1.
(10) تهذيب الكمال،المزي،96/1+تهذيب التهذيب،ابن حجر العسقلاني،99/1
(11) تهذيب التهذيب،العسقلاني،99/1.
ص: 137
و كذلك ضعفه الشيخ الطوسي و الخوئي (1)،فهو إذن ضعيف لاجماع العلماء على تضعيفه،فلا يعتد برواياته،توفي سنة(138 ه)و قيل غير ذلك (2).
و اسم أبي البلاد يحيى بن سليم الغطفاني (3)،أبو إسماعيل (4)،و قيل مولى ابن سليمان من بني عبد اللّه بن غطفان (5)،روى عن عدّة من أئمة آل البيت، و هم الإمام الباقر و الصادق و الكاظم و الرضا و عمر دهرا (6).
أما عن وثاقته،فللإمام الرضا رسالة أثنى فيها عليه،و قال العلامة الحلي:
ثقة،اعمل على روايته (7)و قال ابن حجر العسقلاني:كان ثقة،قارئ،فقيها و عمر دهرا طويلا.كاتبه علي بن موسى الرضا برسالة،روى عنه ابناه يحيى و محمد و محمد بن سهل بن اليسع و آخرون (8)،فهو ثقة،لقول أغلب العلماء بتوثيقه،و يعتد بروايته.
اليماني،الصنعاني،روى عن الإمام الباقر و الإمام أبي عبد اللّه الصادق(عليهم السّلام) (9).
أما عن وثاقته،فقد وثقه العلماء،فقال النجاشي:إنه شيخ من أصحابنا ثقة (10)،و قال العلامة الحلي:و الأرجح عندي قبول روايته (11)،و وثقه كذلك الخوئي في معجمه بقوله:الرجل يعتمد على روايته لتوثيق النجاشي له و لوقوعه
********
(1) الرجال،الطوسي،106+معجم رجال الحديث،الخوئي،17/1.
(2) ميزان الاعتدال،الذهبي،14/1.
(3) لسان الميزان،العسقلاني،41/1+الخلاصة،العلامة الحلي،3.
(4) المصدر نفسه و الصفحة،+الرجال البرقي،18.
(5) الرجال النجاشي،18+الخلاصة،العلامة الحلي،4.
(6) لسان الميزان،العسقلاني،41/1.
(7) الخلاصة،العلامة الحلي،4+معجم رجال الحديث،الخوئي،58/1.
(8) غاية النهاية،ابن الجزري،373/2+لسان الميزان،العسقلاني،41/1.
(9) الرجال،النجاشي،16+الرجال،الطوسي،103+معالم العلماء،ابن شهرآشوب،5.
(10) الرجال،النجاشي،16.
(11) الخلاصة،العلامة الحلي،6.
ص: 138
في إسناد تفسير القمي (1)،و وثقه كذلك المامقاني في قوله:...إنّ من تتبع كلمات العلامة في الخلاصة و غيره،و النجاشي ظهر له أنهما يقبلان قوله و يعتمدان عليه (2)،و ضعفه ابن الغضائري و نقل تضعيفه الخوئي (3)،و هذا التضعيف لا يلتفت إليه لأمرين ظاهرين:
الأول:عدم العثور على طريق صحيح للكتاب و هو رجال ابن الغضائري.
الثاني:لكثرة ما فيه من تضعيف للرجال و هذا غير مقبول من جهة و إذا وثق النجاشي-عند علماء الرجال من الإمامية-فكفى،و أكد و لا تفحص،و يأتي بالمرحلة الثانية توثيق الشيخ الطوسي من جهة أخرى.
و لم أجد له ترجمة في حدود ما اطلعت عليه من كتب الرجال و علماء الجرح و التعديل عند الجمهور،و له كتاب ذكره ابن النديم (4)،إذن الرجل ثقة،لأن أغلب العلماء قالوا بوثاقته.
الكناني،يكنى بأبي الصباح،من أعلام أصحاب الإمام الباقر (5)،أما عن وثاقته،فقد روى الكشي:أن الإمام الباقر قال له:أنت ميزان،فقال له:جعلت فداك،أن الميزان ربما كان فيه عين،قال:أنت ميزان لا عين فيه (6).
و قال الشيخ المفيد:إنه من الفقهاء و الأعلام و الرؤساء،المأخوذ عنهم الحلال و الحرام،الذين لا مطعن عليهم و لا طريق لذمهم (7).
و لم أجد له ترجمة في كتب الرجال-في حدود ما اطلعت عليه-عند الجمهور،فلذلك اعتمد في توثيقه و تعديله على توثيق و تعديل علماء الرجال من الإمامية.
********
(1) معجم رجال الحديث،الخوئي،128/1.
(2) تنقيح المقال،المامقاني،28/1.
(3) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،128/1.
(4) الفهرست،ابن النديم،275.
(5) معرفة الرجال،الكشي،224+الرجال الطوسي،102+الخلاصة،العلامة الحلي،270.
(6) معرفة الرجال،الكشي،225.
(7) الرسالة العددية،الشيخ المفيد،56.
ص: 139
قال النجاشي:إن إسماعيل بن جابر الجعفي روى عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه(عليهما السّلام)،و هو الذي روى حديث الآذان (1).
و هو ابن جابر بن يزيد الجعفي (2)،له كتاب (3).
أما عن وثاقته،فقد وثقه الشيخ الطوسي قائلا:إسماعيل بن جابر الكوفي، ثقة،ممدوح،له أصول رواها عنه صفوان بن يحيى (4)،و وثقه كذلك العلامة الحلي بقوله:إسماعيل بن جابر الجعفي،ثقة،ممدوح،و حديثه اعتمد عليه (5)و كذلك وثقه ابن حجر بقوله:و قال علي بن الحكم عنه من نجباء أصحاب الإمام الباقر،و روى عن الصادق و الكاظم(رضي اللّه عنهما) (6)و وثقه أيضا المحقق الخوئي للأدلة المرجحة لوثاقته المذكورة في كتب الرجال (7)،فهو ثقة يعتد بروايته لإجماع علماء الرجال و أئمة الجرح و التعديل على ذلك،أما روايته عن الإمام الباقر و الصادق(عليهم السّلام)فقد بلغت مائة رواية (8).
ابن أبي كريمة السدي،نسبة إلى سدة مسجد الكوفة،لبيعه المقانع و الخمر فيها،سميت سدة لبقائها من الطاق المسدود (9).
و هو تارة من أصحاب السجاد و أخرى من أصحاب الباقر و ثالثة من أصحاب الصادق،المعروف بأبي محمد القرشي،المفسر،الكوفي (10).
********
(1) الرجال،النجاشي،26.
(2) لسان الميزان،العسقلاني،197/1.
(3) الفهرست،ابن النديم،276.
(4) الرجال،الطوسي،105+تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال،الموحد الابطحي،120/1.
(5) الخلاصة،العلامة الحلي،8.
(6) لسان الميزان،العسقلاني،397/1.
(7) معجم رجال الحديث،الخوئي،131/3.
(8) ظ:المصدر نفسه و الصفحة.
(9) الرجال،الطوسي،104.
(10) تنقيح المقال،المامقاني،136/1.
ص: 140
أما عن وثاقته،فقد وثقه الشيخ الطوسي (1)و كذلك العلامة الحلي (2)، و وثقه أيضا ابن حجر العسقلاني بقوله:ابن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، أبو محمد الكوفي،صدوق (3)،و قال في مكان آخر:إسماعيل السيد،صدوق و لا بأس به (4)،و قال يحيى القطان لا بأس به،و قال أحمد:ثقة،و قال ابن عدي:هو عندي صدوق (5).توفي سنة(127 ه) (6).
فهو إذن ثقة و نعتد بروايته لتوثيق و تعديل علماء الجرح و التعديل من الفريقين له.
الجعفي،الكوفي،تابعي،سمع أبا الطفيل عامر بن واثلة،روى عن الإمام أبي جعفر و أبي عبد اللّه (7)،و مات في حياة الإمام الصادق(عليه السّلام)و كان فقيها.
أما عن وثاقته،فقد قال النجاشي:و إسماعيل كان وجيها من أصحابنا، و أبوه و عمومته،و كان أوجههم إسماعيل،و هم بيت من الكوفة من جعف يقال لهم بنو أبي سبرة (8).
و الوجيه في اصطلاح القدامى هو الثقة،و وثقه كذلك الشيخ الطوسي (9)،إلا أن الخوئي عند تعليقه على توثيق النجاشي قال:إنّه كان وجيها في الرواية،و هو إن لم يدل على وثاقته،فلا أقل من دلالته على حسنه (10)و عند ردّه أيضا على رواية وردت في الاختصاص للشيخ المفيد
********
(1) الرجال،الطوسي،104.
(2) الخلاصة،العلامة الحلي،8.
(3) التقريب،العسقلاني،64/1.
(4) تهذيب التهذيب،العسقلاني،175/1.
(5) ميزان الاعتدال،الذهبي،237/1.
(6) المصدر نفسه و الصفحة.
(7) الخلاصة،العلامة الحلي،12.
(8) الرجال،النجاشي،22+تنقيح المقال،المامقاني،133/1+معجم رجال الحديث، الخوئي،165/3.
(9) الرجال،الطوسي،105.
(10) معجم رجال الحديث،الخوئي،164/3.
ص: 141
عن ابن عقدة بسنده في ترحم الإمام الصادق عليه قال الخوئي:قد استدل بعضهم بهذه الرواية على حسن الرجل،إلا إنك قد عرفت أن ترحم الإمام(عليه السّلام)لا دلالة فيه على الحسن،مع أن في سند الرواية عدة مجاهيل (1)،-و توقف الخوئي-نستطيع أن نتلمس الطريق إلى تجاوزه:
أن توثيق النجاشي و قدماء علماء الرجال عند الإمامية له يكفي في توثيقه،و إن رواية ابن عقدة لا تزيد شيئا و إن صحت،و لذلك فإن الطعن بسندها لا يخل بموثوقية الرجل.
العجلي،أبو القاسم،عربي (2)،و ذكر ابن عقدة عن علي بن الحسن بن فضال:إنه مات سنة خمسين و مائة (3).
و قال ابن حجر العسقلاني:بريد بن معاوية بن أبي حكيم و اسمه حاتم العجلي و يكنى أبا القاسم (4).
أما عن وثاقته،فقد قال النجاشي:روى عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه(عليهما السّلام)،و مات في حياة الإمام الصادق،وجه من وجوه أصحابنا،و فقيه أيضا،له محل عند الأئمة (5)،و نقل قول أحمد بن الحسين الغضائري أنه رأى له كتابا يرويه عنه علي بن عقبة بن خالد الأسدي (6)،و لم يطعن به الغضائري على الرغم من كثرة من طعن بهم،و روى الكشي بسنده عن داود بن سرحان قال:سمعت أبا عبد اللّه(عليه السّلام)يقول:أني لا حدث الرجل بالحديث و أنهاه عن القياس فيخرج من عندي فيتأول حديثي على غير تأويله،أني أمرت قوما أن يتكلموا و نهيت قوما فكل يتأول لنفسه يريد
********
(1) المصدر نفسه و الصفحة.
(2) الخلاصة،العلامة الحلي،26.
(3) لسان الميزان،العسقلاني،10/2
(4) المصدر نفسه و الصفحة.
(5) الرجال،النجاشي،87.
(6) المصدر نفسه.33.
ص: 142
المعصية للّه و لرسوله و لو سمعوا و أطاعوا لأودعتهم ما أودع أبي لاصحابه، إن أصحاب أبي كانوا زينا إحياء و أمواتا،اعني زرارة و محمد بن مسلم و منهم ليث المرادي و بريد العجلي،هؤلاء القوامون بالقسط،هؤلاء السابقون أولئك المقربون (1).
و روى ابن حجر العسقلاني عن سعد بن عبد اللّه القمي بسند له إلى جعفر الصادق(عليه السّلام)إنه قال:أوتاد الأرض أربعة،فذكره منهم (2)،إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت في الإشادة بالرجل و بيان عظيم منزلته عند أئمة أهل البيت (3)،و التي تدل كلها على وجاهته و وثاقته عند علماء الجرح و التعديل من الإمامية و الجمهور،و لهذا كله أخذنا برواياته التي رواها عن الإمام الباقر و اعتبرنا سنده فيها عنه صحيحا.
الاحمسي (4)،البجلي،الكوفي،روى عن الإمام الباقر و الصادق،و كنيته أبو مريم (5)،روى عنه منصور بن حازم (6)،لم يتعرض العلماء لوثاقته أو عدمها من الإمامية و الجمهور بل اقتصروا على ذكر اسمه و كنيته فمثلا قال ابن حجر العسقلاني:بكير بن حبيب الأحمسي،البجلي،الكوفي،يكنى أبا مريم (7)،أي إنهم عرفوا به فقط،و أظن أن السبب هو لقلة ما ورد عنه من روايات عن الإمام الباقر(عليه السّلام)فمن خلال استقصائنا الشامل لما روي عن الإمام الباقر و رواته وجدنا لهذا الرجل رواية واحدة في التفسير.
********
(1) معرفة الرجال،الكشي،206.
(2) لسان الميزان،العسقلاني،10/2.
(3) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،307/3-315.
(4) الاحمسي:نسبة إلى بني أحمس حي من بني أنمار بن أرش من القحطانية،غلب على بنيه اسمه فقيل لهم الأحمس،و الاحمس في اللغة الشديد،و يطلق على الرجل الشجاع،جاء ذلك في:تنقيح المقال،المامقاني،177/1.
(5) الرجال الطوسي،109.
(6) معجم رجال الحديث،الخوئي،365/3.
(7) لسان الميزان،العسقلاني،49/2.
ص: 143
ابن سنسن (1)،الشيباني،الكوفي،و يكنى أبا عبد اللّه،و يقال له أبو الجهم (2)،و كان من عيون علماء الإمامية و ثقاتهم،و هو من بيت عرف بالانقطاع لآل البيت(عليهم السّلام)و زرارة كذلك و حمران أخواه.
أما عن وثاقته،فقد قال العلامة الحلي:بكير بن أعين،مشكور،مات على الاستقامة (3).
فهو ثقة،ثبت بما ورد في مدحه و الثناء عليه من روايات من قبل أئمة أهل البيت(عليهم السّلام)،و بما ورد في توثيقه و تعديله من أقوال وردت عن علماء الرجال و أئمة الجرح و التعديل من الفريقين (4).
يكنى أبا حمزة الثمالي (5)،و كنية دينار أبو صفية (6)،و عدّه الشيخ الطوسي في رجاله تارة من أصحاب السجاد و أخرى من أصحاب الباقر و ثالثة من أصحاب الكاظم (7).
أما عن وثاقته،فقد قال علماء الرجال من الإمامية إنه ثقة (8)،فقال النجاشي:إنه كوفي ثقة (9)،و كذلك العلامة الحلي (10)،و كذلك صاحب
********
(1) كان سنسن أو سنسب راهبا من بلد الروم و كان ابنه أعين عبدا روميا لرجل من بني شيبان، تعلم القرآن،ثم أعتقه،و عرض عليه أن يدخل في نسبه.ظ:الفهرست،ابن النديم،276.
(2) الفهرست،ابن النديم،276+معجم رجال الحديث،الخوئي،382/3.
(3) الخلاصة،العلامة الحلي،28.
(4) ظ:معرفة الرجال،الكشي،160+لسان الميزان،العسقلاني،61/2+معجم رجال الحديث،الخوئي،382/3-386.
(5) الثمالي:نسبة إلى ثمالة حسب ما يرى ابن خلكان في وفيات الأعيان،و هو لقب عوف بن اسلم بن حجر بن حارث بن كعب لأنه أطعم قومه و سقاهم لبنا بثمالته أي برغوته. انظر:تنقيح المقال،المامقاني،189/1+وفيات الأعيان،320/4.
(6) الفهرست،ابن النديم،36.
(7) الرجال،الطوسي،110.
(8) المصدر نفسه و الصفحة.
(9) الرجال،النجاشي،89.
(10) الخلاصة،العلامة الحلي،29.
ص: 144
الكنى و الألقاب و زاد بأنه من زهاد أهل الكوفة و مشايخها (1)،و ذكر ابن النديم إنه من النجباء (2)،و قد أورد الخوئي عدة روايات في توثيقه منها:ما روي عن أبي عبد اللّه الصادق أنه قال:أبو حمزة في زمانه مثل سليمان أو لقمان في زمانه (3).و له من الأولاد ثلاثة:نوح و منصور و حمزة قتلوا جميعا مع زيد بن علي (4).
و أما علماء الجرح و التعديل من الجمهور،فقد قال أحمد و ابن معين:إنه ليس بشيء،و قال أبو زرعة و أبو حاتم:ليّن الحديث،يكتب حديثه و لا يحتج به،و قال النسائي و ذكر ابن عدي عن الفلاس ليس بثقة،و قال ابن عدي و الدار قطني:إنه ضعيف،و ذكر ابن حبان:إنه كان كثير الوهم في الأخبار حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد،و اتهمه بالغلو في التشيع،و عدّه السليماني:في قوم من الرافضة (5).
الرأي الراجح:
إننا أمام قضيتين،الأولى:هي أنه قد حصل شبه إجماع بين علماء الجرح و التعديل عند الإمامية على وثقاته و تعديله.و الثانية:هي أن علماء الرجال من الجمهور قد اختلفت عباراتهم في تجريحه و تفاوتت أقوالهم بين مراتب ألفاظ الجرح،بين المرتبة الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة (6)،و إذا أردنا أن نبين السبب في تجريحه فقد تشعرنا عبارات ابن حبان و السليماني في اتهامه بالغلو في التشيع و الرفض بنوع من عدم الموضوعية و نحن هنا لا نريد أن نخوض في هذه المسألة،إلا أننا إذا ما أردنا أن نعمل على وثاقة الرجل و تعديله نستطيع أن نختار رأيا معتدلا بين الآراء التي قيلت بالأخذ في روايات
********
(1) الكنى و الألقاب،عباس القمي،118/1.
(2) الفهرست،ابن النديم،36.
(3) معجم رجال الحديث،الخوئي،411/3.
(4) المصدر نفسه،413/3-415.
(5) ميزان الاعتدال،الذهبي،363/1+تهذيب التهذيب العسقلاني،7/2-8.
(6) محاضرات في علوم الحديث،د.حارث سليمان الضاري،70-71.
ص: 145
المتهم بغلوه عند الجمهور،و هو الرأي القائل بالترخيص مطلقا،إلا فيمن يكذب و يضع (1)،و قد ثبت من خلال عرض أقوال العلماء في أبي حمزة الثمالي عدم اتهامه لا بالكذب و لا بالوضع و لهذا نستطيع أن نحفظ روايات كثيرة رواها أبو حمزة عن الإمام الباقر(عليه السّلام).
الكوفي،العجلي،الحداد،كنيته أبو المقدام،مولى بكر بن وائل (2)، قال النجاشي:روى نسخة عن علي(عليه السّلام)رواها عنه ابنه عمرو بن أبي المقدام (3)،و قال الطوسي:الفارسي،أبو المقدام العجلي،الحداد،مولى بني عجل و عدّه في رجاله من أصحاب السجاد و الباقر و الصادق(عليهم السّلام) (4)
أما عن وثاقته،فقد حصل شبه إجماع عند علماء الرجال من الإمامية على توثيقه للأدلة المرجحة لوثاقته (5)،إلا العلامة الحلي فقد وضعه في القسم الثاني من خلاصته الذي خصصه للضعفاء (6).و إنما نرد تضعيف العلامة لأن الرجاليين يعتمدون على ما سبق،و حيث أن الأقدمين أجمعوا على وثاقته بلا خوف بينهم و بلا تردد فلا وجه لتضعيف العلامة له على أنه لم يطعن به صراحة.
و أما علماء الرجال من الجمهور،فقد قال أحمد و ابن معين:ثقة،و قال أبو حاتم:صالح الحديث،و قال الآجري عن أبي داود:ثقة (7).و قد احتج به النسائي (8)،إذن الرجل ثقة يعتدّ بروايته لقول أغلب العلماء من الفريقين على تعديله و توثيقه.
********
(1) ميزان الاعتدال،الذهبي،27/1.
(2) تهذيب التهذيب،العسقلاني،16/2.
(3) الرجال،النجاشي،90.
(4) الرجال،الطوسي،110+تنقيح المقال،المامقاني،194/1.
(5) الرجال،النجاشي،90+الرجال الطوسي،110.
(6) الخلاصة،العلامة الحلي،209.
(7) تهذيب التهذيب،العسقلاني،16/2-17.
(8) ميزان الاعتدال،الذهبي،368/1.
ص: 146
الكوفي،يكنى أبو إسحاق (1)،مولى بني أسد ثم مولى بني سلامة (2)،و ذكر أنه مولى ابن قيس الأنصاري (3)،و هو من أصحاب الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السّلام) (4).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال النجاشي:كان وجها من أصحابنا،قارئ،نحويا،لغويا،راويا،و كان حسن العمل،كثير العبادة و الزهد (5).و قال الكشي:هو ثقة،خيّر،فاضل،مقدم معدود في العلماء و الفقهاء (6)،و قال العلامة الحلي:و كان فاضلا،متقدما،معدودا في العلماء و الفضلاء (7).و ترجم له ابن حجر العسقلاني فقال:إنه كان كثير العبادة،و قد صنف مختلف الرواية عن جعفر الصادق(عليه السّلام) (8).
إذن هو ثقة،لقول أغلب العلماء من الفريقين على وثاقته و تعديله،و كل رواياته عن الإمام الباقر(عليه السّلام)مباشرة بدون واسطة إلا رواية واحدة رواها عن ميسر عن أبي جعفر(عليه السّلام) (9).
أبو الجهم،الكوفي،مولى أم هاني بنت أبي طالب،و قيل مولى زوجها جعدة بن هبيرة (10)،و اسم أبي فاختة سعيد بن علاقة (11)،يروي عن أبيه (12)
********
(1) لسان الميزان،العسقلاني،82/2-83.
(2) الرجال،النجاشي،91.
(3) معرفة الرجال،الكشي،352.
(4) الرجال،الطوسي،161+معجم رجال الحديث،الخوئي،432/3.
(5) الرجال النجاشي،91.
(6) معرفة الرجال،الكشي،354.
(7) الخلاصة،العلامة الحلي،30.
(8) لسان الميزان،العسقلاني،83/2.
(9) ظ:البرهان في تفسير القرآن،على بن إبراهيم القمي،320/2+تفسير العياشي، محمد بن مسعود،233/2.
(10) ميزان الاعتدال،الذهبي،375/1.
(11) معجم رجال الحديث،الخوئي،438/3...
(12) أبو فاختة الكوفي،سعيد بن علاقة،مات في السبعين مشهور بكنيته،ثقة،من الثالثة،روى له الترمذي و ابن ماجة و غيرهم.ظ:التهذيب العسقلاني،70/4-71+جامع البيان،الطبري،13/4+المعجم الكبير،الطبراني،844/4.
ص: 147
و ابن عمر و زيد بن أرقم و غيرهم،و قد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله تارة من أصحاب السجاد و أخرى من أصحاب الباقر-و قال عنه تابعي (1).
أما عن وثاقته،فقد جرحه علماء الرجال من الإمامية،فقد ردّ الكشي رواياته (2)،و كذلك العلامة الحلي (3)،و توقف فيه الخوئي (4).
أما علماء الرجال من الجمهور،فقد ضعفوه أيضا،قال ابن معين:ليس بشيء، و قال أبو حاتم:ضعيف،و عن الثوري قال:ثوير ركن من أركان الكذب (5)فهو إذن ضعيف لا يعتدّ بروايته لإجماع علماء الرجال من الفريقين على ذلك.
ابن الحارث الكوفي (6)،قال النجاشي:جابر بن يزيد أبو عبد اللّه،قيل أبو محمد الجعفي،عربي قديم،نسبه لابن الحارث بن عبد يغوث بن كعب بن الحارث بن معاوية بن وائل بن مرار بن جعفي (7).
أما عن وثاقته،فقد وثقه جمع من علماء الجرح و التعديل عند الإمامية، فقال الشيخ الطوسي:جابر بن يزيد الجعفي له اصل و له كتاب في التفسير (8)، و عدّه ابن شهرآشوب من خواص أصحاب الإمام الصادق(عليه السّلام) (9)،و روى ابن عقدة بسنده:أن الإمام الصادق ترحم على جابر و قال أحمد بن الحسين الغضائري:إن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي،ثقة في نفسه (10)،و عدّه الشيخ المفيد في الرسالة العددية ممن لا مطعن فيهم و لا طريق لذم واحد منهم (11).
********
(1) الرجال،الطوسي،111.
(2) معرفة الرجال،الكشي،191.
(3) الخلاصة،العلامة الحلي،30.
(4) معجم رجال الحديث،الخوئي،444/3.
(5) ميزان الاعتدال،الذهبي،375/1.
(6) المصدر نفسه،379/1.
(7) الرجال،النجاشي،99.
(8) الرجال،الطوسي،112.
(9) معالم العلماء،ابن شهرآشوب،27.
(10) الخلاصة،العلامة الحلي،35.
(11) الرسالة العددية،الشيخ المفيد،168.
ص: 148
أما علماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه شعبة بقوله:كان جابر إذا قال:
حدثنا و سمعت فهو من أوثق الناس،و قال زهير بن معاوية:إنه من أصدق الناس (1)،و قال وكيع:مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابر ثقة،و قال سفيان الثوري لشعبة:لإن تكلمت في جابر لا تكلمن فيك (2)،و قال سفيان:ما رأيت في الحديث أورع من جابر الجعفي،و هو صدوق في الحديث (3).
إذن كان جابر من أعلام العلماء و من أجل الفقهاء،و كان منقطعا لأهل البيت،وفد على الإمام الباقر(عليه السّلام)و تلقى منه مزيدا من المعارف و العلوم، و تقول الروايات أن جابرا حدّث عن الإمام الباقر أكثر من سبعين ألف حديث (4).
أما عن وفاته فقد ذكر يحيى بن معين أنه مات سنة(132 ه) (5)،و ذكر الذهبي:أن سنة وفاته كانت سنة(167 ه) (6)،و هو اشتباه محض لأن معظم كتب التراجم و الرجال قد أجمعت على أن وفاته كانت سنة(128 ه)على ما ذكره ابن حنبل (7).
ابن عباد بن حنيف الأنصاري (8)،المدني (9)الأوسي (10)،روى عن الأئمة الطاهرين محمد بن علي الباقر و جعفر بن محمد الصادق(عليهم السّلام) (11).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الجرح و التعديل من الإمامية و خاصة الشيخ و العلامة الحلي (12)،إلا أنهم ذكروا أنه كان قليل الرواية عن الإمام الباقر(عليه السّلام).
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،47/2.
(2) المصدر نفسه و الصفحة.
(3) ميزان الاعتدال،الذهبي،382/1+معجم رجال الحديث،الخوئي،24/4.
(4) ميزان الاعتدال،الذهبي،383/1.
(5) الرجال،الطوسي،111+معجم رجال الحديث،الخوئي،132/4.
(6) ميزان الاعتدال،الذهبي،385/1.
(7) معرفة الرجال الكشي،+الفهرست،الطوسي،45+الخلاصة،العلامة الحلي،35.
(8) الخلاصة،العلامة الحلي،61+معجم رجال الحديث،الخوئي،231/4-233.
(9) ميزان الاعتدال،الذهبي،585/1.
(10) تهذيب التهذيب،العسقلاني،448/2.
(11) الرجال،الطوسي،114+معجم رجال الحديث،الخوئي،186/6.
(12) الخلاصة،العلامة الحلي،62+الرجال،الطوسي،114.
ص: 149
و وثقه أيضا علماء الجرح و التعديل من الجمهور،فقد قال العجلي:ثقة، و ذكره ابن حبان في الثقاة،و صحح له الترمذي و ابن خزيمة (1)،و قال الذهبي:
و قد قواه ابن حبان (2)،فهو إذن ثقة للأدلة المرجحة لوثاقته،و لقول أغلب العلماء من الفريقين على تعديله و توثيقه.
أبو محمد الكندي،الكوفي،و قيل أبو عبد اللّه،ولد سنة(50 ه)و توفي سنة (114 ه) (3)،أو سنة(115 ه) (4).
أما عن وثاقته،فقد ضعفه بعض علماء الرجال من الإمامية،منهم الشيخ الطوسي بعد أن أورد روايات عديدة في تضعيفه (5)،و كذلك ضعفه الكشي (6)، و قال الخوئي:لا شبهة في ذم الرجل،فهو لا يعتد بروايته (7)،غير أن الشيخ النوري حكم بوثاقته في النقل لرواية الأجلة عنه (8).
أما علماء الرجال من الجمهور،فقد وثقوه و ذكروا كلمات كثيرة في مدحه و الثناء عليه (9)،و إننا نميل إلى رأي الشيخ النوري في توثيقه و إلى توثيق علماء الجمهور،لأن كل الروايات التي رواها عن الإمام الباقر(عليه السّلام)كانت مطابقة و صحيحة لما ورد عن الثقاة الذين رووا عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام).
الكوفي:مولى بني شيبان (10)،يكنى أبا الحسن و قيل أبو حمزة،تابعي من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (11).
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،448/2.
(2) ميزان الاعتدال،الذهبي،585/1.
(3) تهذيب التهذيب،العسقلاني،434/2.
(4) تنقيح المقال،المامقاني،358/1.
(5) الرجال،الطوسي،114.
(6) معرفة الرجال،الكشي،85.
(7) معجم رجال الحديث،الخوئي،175/6.
(8) ظ:المصدر نفسه و الصفحة.
(9) تهذيب التهذيب،العسقلاني،434/2.
(10) المصدر نفسه،25/3.
(11) الرجال،الطوسي،117.
ص: 150
أما عن وثاقته،فقد وردت في مدحه و جلالته و عظيم محله أخبار كادت أن تبلغ حد التواتر عند علماء الرجال من الإمامية (1).
و أما علماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه أبو حاتم في قوله:شيخ صالح، و ذكره ابن حبان في الثقاة (2).فنحن نوثقه لتوثيق أجلة علماء الجرح و التعديل من الفريقين له.
و من الجدير بالذكر أن آل أعين أكبر بيت في الكوفة من شيعة آل البيت و أعظمهم شأنا و أكثرهم رجالا و أعيانا و أطولهم مدة و زمانا،أدرك أوائلهم السجاد و الباقر و الصادق و بقي أواخرهم إلى أوائل القرن الثالث و كان فيهم العلماء و الفقهاء و القراء و الأدباء و رواة الحديث،و إن من مشاهيرهم حمران بن أعين الشيباني (3).
أبو الربيع العنزي الشامي من أصحاب الباقر(عليه السّلام) (4)،روى عن الحسن بن محبوب كتابا (5)،و ذكر النجاشي:أن اسمه خليد بن أوفى (6)،و ذكر العلامة الحلي:أن اسمه الخليل بن أوفى (7).
أما عن وثاقته،فلم يرد في كتب الرجال من الإمامية قدح و لا مدح فيه،عدا الخوئي فإنه قال بجهالته (8)،و أما علماء الرجال من الجمهور-في حدود ما اطلعت عليه-من كتبهم لم أجد له ترجمة تذكر،إذن هو مجهول الحال،فإذا كان كذلك فيردّ أكثر المحدثين رواية المجاهيل مطلقا (9)،فهو مردود.
********
(1) معرفة الرجال،الكشي،157+الرجال،الطوسي،117+تنقيح المقال المامقاني،371/1+ رجال الحديث،السيد بحر العلوم،24/3+الفهرست،ابن النديم،276+معجم رجال الحديث،الخوئي،254/6-256.
(2) ميزان الاعتدال،الذهبي،604/1+تهذيب التهذيب،العسقلاني،25/3.
(3) الفهرست،ابن النديم،26/2+رجال الحديث،السيد بحر العلوم،222/1.
(4) الرجال،الطوسي،120.
(5) المصدر نفسه،66.
(6) الرجال،النجاشي،117.
(7) الخلاصة،العلامة الحلي،70.
(8) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،74/6.
(9) محاضرات في علوم الحديث،د.حارث سليمان الضاري،64.
ص: 151
و أبو خيثمة،اسمه عبد الرحمن فيما يقال أبو نصر البصري (1)،و قال النجاشي في ترجمة بسطام بن الحسين:إنه عم بسطام (2)،و عدّه الشيخ الطوسي مع تكنيته بأبي عبد الرحمن في أصحاب الباقر(عليه السّلام)،و بلا كنية في أصحاب الصادق(عليه السّلام) (3).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال النجاشي:إنه كان وجها من أصحابنا (4)،و ذكر العلامة الحلي:قال علي بن أحمد العقيقي:
إنه كان فاضلا (5).إلا أنه لم يوثقه بل توقف عن ذلك عند ردّه على قول علي بن أحمد المتقدم فقال:و هذا لا يقتضي التعديل و إن كان من المرجحات (6)،و ذكر الخوئي مرة أنه مجهول الحال،و أخرى أن روايته من الحسان (7).
أما علماء الرجال من الجمهور،فقد عده ابن حبان من الثقاة (8)،و لم يرد عن غيره قول آخر،و نحن نرجح وثاقته لتوثيق النجاشي له من جهة و لقول أغلب العلماء من الفريقين من جهة أخرى،فأما قول الخوئي بجهالته فهو قول.
الكندي،الكوفي (9)،من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (10)،و لم ترد في كتب الرجال عند الإمامية أية عبارات في مدحه أو ذمه و لم يعدله أو يضعفه أي من علمائهم،أما علماء الرجال من الجمهور،فقد قال الدوري عن ابن معين:
ضعيف،و قال ابن حبان:منكر الحديث جدا،و ينفرد عن الثقاة بما لا يشبه
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،178/3.
(2) الرجال،النجاشي،118.
(3) الرجال،الطوسي،120.
(4) الرجال،النجاشي،118.
(5) الخلاصة،العلامة الحلي،71-72.
(6) المصدر نفسه و الصفحة.
(7) معجم رجال الحديث،الخوئي،84/7-85.
(8) تهذيب التهذيب،العسقلاني،178/3.
(9) ميزان الاعتدال،الذهبي،28/2+تهذيب التهذيب،العسقلاني،212/3.
(10) الرجال،الطوسي،120.
ص: 152
حديث الإثبات (1)غير أن أبا داود قال:ليس به بأس (2)،و نحن نضعفه،و ذلك لقول أغلب أئمة الجرح و التعديل من الجمهور بتضعيفه من جهة و لأن قول أبي داود ليس به بأس،لا يكفي دليلا على تعديله من جهة أخرى،و السبب هو أن هناك قاعدة معروفة بين المحدثين أنه إذا تعارضت أقوال العلماء في تعديل أو تجريح راو،يقدم التجريح على التعديل (3).
ابن الجارود بن أبي سبرة الهذلي (4)،البصري (5)،كنيته أبو نعيم (6)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق و أبي بصير و بريد بن معاوية العجلي (7).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال النجاشي:أبو نعيم،بصري،ثقة (8).و قال الشيخ الطوسي:ربعي بن عبد اللّه الجارود،له أصل،ثقة،أخبرنا به الشيخ المفيد(رحمه اللّه) (9)،و قد ذكره الخوئي في الثقاة (10).
أما علماء الرجال من الجمهور،فقد قال ابن معين:صالح،و قال أبو حاتم:
صالح الحديث،و قال النسائي:ليس به بأس،و قال الدارقطني:لا بأس به، و ذكره ابن حبان في الثقاة (11).
فهو إذن ثقة،للأدلة المرجحة لوثاقته،و لإجماع أئمة الجرح و التعديل من الفريقين على توثيقه.
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،212/3.
(2) ميزان الاعتدال،الذهبي،28/2.
(3) الدراية في علم مصطلح الحديث،الشهيد الثاني،73.
(4) الرجال،النجاشي،223.
(5) تهذيب التهذيب،العسقلاني،238/3.
(6) الرجال،النجاشي،223.
(7) معجم رجال الحديث،الخوئي،162/7-167.
(8) الرجال،النجاشي،126.
(9) الفهرست،الطوسي،70.
(10) معجم رجال الحديث،الخوئي،162-167.
(11) تهذيب التهذيب،العسقلاني،238/3.
ص: 153
الكوفي (1)،و اسمه عبد ربه،و زرارة لقب له،يكنى أبا الحسن (2).
أما عن وثاقته،فقد تكاد تتفق كلمة علماء الجرح و التعديل من الإمامية على وثاقته و الثناء عليه و مدحه فقد قال النجاشي:شيخ أصحابنا في زمانه و متقدمهم،و كان قارئ،فقيها،متكلما،شاعرا،أديبا،و قد اجتمعت فيه خلال الفضل و الدين،صادق فيما يرويه (3).
و قال الكشي:اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب الإمام أبي جعفر و أصحاب أبي عبد اللّه(عليهما السّلام)و انقادوا لهم بالفقه،فقالوا:أفقه الأولين ستة:محمد بن مسلم الطائفي و ابن خربوذ و بريد و أبو بصير الاسدي و الفضيل بن يسار و قالوا:أفقه هؤلاء الستة زرارة (4).و وثقه كذلك الخوئي و أورد عشرين رواية صحيحة السند في مدحه و الثناء عليه (5).
أما علماء الرجال من الجمهور فلم يرد لهم فيه تعديل أو تجريح،غير أن العقيلي قال:إن زرارة في الضعفاء (6)،و هذا القول لا يستطيع أن ينهض بدعوى ضعف زرارة أمام جمهرة الروايات و أقوال العلماء في مدحه و تعديله.
و كان زرارة من أبرز تلامذة الإمام الباقر(عليه السّلام)و رواته،فقد روى عنه ألف و مائتين و ستة و ثلاثين موردا (7).
شملت جميع أبواب الفقه من عبادات و معاملات و لم تقتصر رواياته على باب واحد منها،و هي تحتل الصدارة عند العلماء و الفقهاء و إليها يرجعون عند استنباطهم للأحكام الشرعية،و أما ما يخص الروايات التفسيرية فيكاد لا يخلو مصنف تفسيري واحد عند الإمامية من الاستعانة بجملة من روايات زرارة عن الإمام الباقر(عليه السّلام).
********
(1) ميزان الاعتدال،الذهبي،69/2+تهذيب التهذيب،العسقلاني،473/2.
(2) الرجال،النجاشي،132+الرجال،الطوسي،123+الفهرست،ابن النديم،276.
(3) الرجال،النجاشي،132.
(4) معرفة الرجال،الكشي،121.
(5) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،223/7-231.
(6) ميزان الاعتدال،الذهبي،92/2+لسان الميزان العسقلاني،2،473.
(7) معجم رجال الحديث،الخوئي،،249/7 و ما بعدها.
ص: 154
و أبو الرجاء هو منذر (1)،أبو عبيدة الحذاء (2)،و قيل أبو حازم (3)،عدّه الشيخ الطوسي من رواة و أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (4).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فذكر النجاشي:
إنه كوفي ثقة (5)،و كذلك وثقه الشيخ الطوسي (6).و أما عند علماء الرجال من الجمهور،فقد ضعفه فقط أبو حاتم و لم يذكر ولده عبد الرحمن في كتابه (7).
و نحن نرجح وثاقته للأدلة المرجحة،و على الرغم من ذلك فهو من المقلين في الرواية عن الإمام.
أبو الجارود الهمداني،الثقفي،الأعمى،الكوفي (8)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السّلام) (9)،و له أصل،و له كتاب في التفسير (10).
أما عن وثاقته،فقد اختلف فيه العلماء كثيرا و تباينت عباراتهم في جرحه أو تعديله أشد تباينا،فقد ضعفه من علماء الإمامية الكشي في قوله:و كان أبو الجارود مكفوفا أعمى،أعمى القلب (11).و قال النجاشي:...و تغير لما خرج زيد بن علي (12).
********
(1) ميزان الاعتدال،الذهبي،94/2.
(2) الرجال الطوسي،122.
(3) ميزان الاعتدال،الذهبي،94/2.
(4) الرجال الطوسي،122.
(5) الرجال النجاشي،129.
(6) الرجال الطوسي،122..
(7) ميزان الاعتدال،الذهبي،92/2.
(8) ظ:ميزان الاعتدال،الذهبي،94/2+تهذيب التهذيب،العسقلاني،386/3-387+لسان الميزان العسقلاني،،22/7+معجم رجال الحديث،الخوئي،322/7-328.
(9) الرجال النجاشي،128.+الرجال الطوسي،122..
(10) الرجال الطوسي،122..
(11) معرفة الرجال،الكشي،199.
(12) الرجال النجاشي،128.
ص: 155
و ضعفه كذلك من أئمة الجرح و التعديل من الجمهور ابن معين فقال:
كذاب،و قال النسائي:ليس بثقة،و قال ابن حبان:يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و فضائل أهل البيت(عليهم السّلام) (1).
و لكن على الرغم من هذا التضعيف فقد أشعرت بعض كلمات علماء الجرح و التعديل بالتوقف فيه،منهم البخاري فقد قال:يتكلمون فيه،و قال ابن عدي:و أحاديثه عن من يروي عنه فيها نظر (2)و توقف فيه صراحة الشيخ الطوسي (3)،إلا أنه قد روى عنه الترمذي حديثا واحدا (4)،و أخرج له الطبري في تفسيره روايات عديدة عن الإمام الباقر(عليه السّلام)و لم يعلق على سندها.
و قد وثق بعض العلماء أبا الجارود،منهم الشيخ المفيد حيث قال:إنه من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام،و الفتيا و الأحكام،الذين لا يطعن عليهم و لا طريق لذم واحد منهم (5)،و قد نقل صاحب الكنى و الألقاب توثيق الحر العاملي له في قوله:زياد بن المنذر،قال شيخنا صاحب المستدرك في ترجمته:و أما أبو الجارود فالكلام فيه طويل و الذي يقتضيه النظر بعد التأمل فيما ورد في ما قالوا فيه:إنه كان ثقة في النقل،مقبول الرواية،معتمدا في الحديث (6).
و وثقه كذلك الخوئي في قوله:فالظاهر إنه ثقة،لا لأجل أن له أصلا،و لا لرواية الأجلة عنه بل لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات،و قد شهد جعفر بن محمد بن قولويه بوثاقة جميع رواته و لشهادة الشيخ المفيد-المتقدمة-و لشهادة علي بن إبراهيم القمي بوثاقة كل من وقع في إسناده (7).
فأصبحت أقوال العلماء فيه على ثلاثة آراء:
الأول:تجريحه،الثاني:التوقف،الثالث:تعديله.
********
(1) ميزان الاعتدال،الذهبي،94/2 تهذيب التهذيب،العسقلاني،386/3.
(2) تهذيب التهذيب،العسقلاني،387/3.
(3) الرجال الطوسي،122.
(4) تهذيب التهذيب،العسقلاني،387/3.
(5) الرسالة العددية،الشيخ المفيد،132.
(6) الكنى و الألقاب،عباس القمي،31/1.
(7) معجم رجال الحديث،الخوئي،327/7.
ص: 156
و سأعرض الروايات التي ترد عن طريقه على طرق أخرى فإن طابقتها عملنا بها،و إن عارضتها طرحنا روايات أبي الجارود،فإن ما ورد عن الشيخ المفيد ليس فيه ما يدل على توثيقه مع أن ما يدل على قدحه مقدم فيعارضه فيسقط بذلك الاعتبار.
زيد بن يونس،و قيل بن موسى،أبو أسامة (1)،مولى شديد بن عبد الرحمن بن نعيم الازدي،الغامدي،الكوفي،له كتاب يرويه عن جماعة (2)، و هو من رواة و أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (3).
أما عن وثاقته،فقد أجمع علماء الجرح و التعديل من الإمامية على توثيقه، فقال الشيخ المفيد:إنه من فقهاء المسلمين و من أصحاب الصادقين(عليهما السّلام)، الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام الذين لا مطعن عليهم (4)و وردت أخبار كثيرة في مدحه و الثناء عليه تبين مدى اتصاله و وثاقة علاقته بأئمة آل البيت (5)أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه ابن معين في قوله:إنه ثقة (6)فهو إذن ثقة لقول أغلب العلماء في توثيقه.
هو سالم بن عبد الرحمن،بياع المصاحف،من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (7)،روى عنه إبراهيم بن ميمون و عبد اللّه بن بكير و منصور بن حازم و غيرهم (8).
********
(1) ميزان الاعتدال،الذهبي،108/2.
(2) الرجال النجاشي،132+الفهرست ابن النديم 222.
(3) الرجال الطوسي،122.
(4) الرسالة العددية،الشيخ المفيد،132.
(5) الخلاصة،العلامة الحلي،73+تنقيح المقال،المامقاني،465/1-466+معجم رجال الحديث،الخوئي،364/7-367.
(6) ميزان الاعتدال،الذهبي،108/2.
(7) الرجال الطوسي،124.
(8) معجم رجال الحديث،الخوئي،12/8.
ص: 157
أما عن وثاقته فقد وثقه بعض علماء الجرح و التعديل من الإمامية،فذكره النجاشي في ابنه عبد الرحمن بن سالم و قال:إنه ثقة (1)،و كذلك ابن الغضائري فقال:إنه ثقة (2)،غير أن العلامة الحلي عدّه في المجاهيل بقوله:سالم من أصحاب الإمام الباقر مجهول (3).
أما علماء الرجال من الجمهور-في حدود ما اطلعت عليه-لم أجد له ترجمة و لا تجريحا و لا تعديلا،و نحن نوثقه لتوثيق النجاشي له و ابن الغضائري، لأن النجاشي مقدم في هذا الفن و ابن الغضائري قلما يوثق رجلا.
ابن صهيب الصيرفي،الكوفي (4)،يكنى أبا الفضل،من أصحاب السجاد و الباقر و الصادق(عليهم السّلام) (5)،و قد كان من المكثرين في الرواية عن الإمام الباقر(عليه السّلام).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال عنه الكشي:إنه ثقة (6)،و وصفه النجاشي من خواص أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (7)،و وثقه كذلك ابن شهرآشوب (8)و عدّه العلامة الحلي من الثقاة (9)،و قال الخوئي:...
لما عرفت من أنه ثقة (10).
أما بالنسبة لعلماء الجرح و التعديل من الجمهور،فقد قال الذهبي و ابن حجر العسقلاني إنه صالح الحديث (11)،و روى أحمد بن أبي مريم عن يحيى بن معين:إنه
********
(1) الرجال النجاشي،142.
(2) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،22/8 و انظر مصادره.
(3) الخلاصة،العلامة الحلي،227.
(4) ميزان الاعتدال،الذهبي،116/2+لسان الميزان العسقلاني،9/3.
(5) تنقيح المقال،المامقاني،8/1.
(6) معرفة الرجال،الكشي،183.
(7) الرجال النجاشي،143.
(8) معالم العلماء،ابن شهرآشوب،49
(9) الخلاصة،العلامة الحلي،85.
(10) معجم رجال الحديث،الخوئي،39/8.
(11) ميزان الاعتدال،الذهبي،116/2+لسان الميزان العسقلاني،9/3.
ص: 158
ثقة (1)،و قال البخاري إنه سمع أبا جعفر،و قال ابن عدي:له أحاديث قليلة و قد ذكر عنه افراط في التشيع أما في الحديث فأرجو أنه لا بأس به (2).
فالرجل إذن ثقة لقول أغلب العلماء من الفريقين بوثاقته.
الحنظلي،الإسكافي،مولى بني تميم،كوفي (3)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السّلام)و كذلك روى عن الأصبغ بن نباتة،و روى عنه أيوب بن عبد الرحمن و عمر بن أبي جميلة و غيرهم (4).
أما عن وثاقته،فقد اختلف فيه علماء الجرح و التعديل من الإمامية،فضعفه الكشي (5)،و توقف فيه النجاشي فقال:إنه يعرف و ينكر (6)،أي:لم يرتّب عليه أثر.و وثقه الشيخ الطوسي في قوله:إنه صحيح الحديث (7)،و كذلك الخوئي (8).
أما بالنسبة لعلماء الجرح و التعديل من الجمهور،فقد ضعفه النسائي في قوله:إنه متروك الحديث (9)،غير إننا نحكم بوثاقة هذا الرجل للأدلة المرجحة لوثاقته و التي أثبتها الخوئي في معجمه (10).
الجعفي،الكوفي (11)،عدّه الشيخ الطوسي تارة من أصحاب السجاد و أخرى من أصحاب الباقر و ثالثة من أصحاب الصادق(عليهم السّلام) (12)،و كان من
********
(1) المصدر نفسه و الصفحة+المصدر نفسه و الصفحة.
(2) لسان الميزان،العسقلاني،9/3.
(3) الرجال،النجاشي،135+معجم رجال الحديث،الخوئي 68/8.
(4) معجم رجال الحديث،الخوئي،75/8.
(5) معرفة الرجال،الكشي،178.
(6) الرجال،لنجاشي،135.
(7) الرجال،الطوسي،124.
(8) معجم رجال الحديث،الخوئي،73/8.
(9) لسان الميزان،العسقلاني،34/3.
(10) معجم رجال الحديث،الخوئي،70/8-72.
(11) المصدر نفسه،75/8.
(12) الرجال،الطوسي،125.
ص: 159
المقلين في الرواية عن الإمام الباقر(عليه السّلام)و لم يرد من علماء الرجال من الفريقين توثيق أو تجريح له،فهو من المجاهيل.
ابن دهمان،ابن نافلة مولى عفيف بن معدى كرب،أبو الربيع الابطح،خرج مع الإمام زيد،و لم يخرج معه من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام)غيره،فقطعت يده،له كتاب رواه عن عبد اللّه بن مسكان (1)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق و عن أبي بصير،و روى عنه جميل بن صالح و عبد الرحمن بن الحجاج و منصور و غيرهم (2).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية فقال الشيخ المفيد:
سليمان بن خالد من شيوخ أصحاب الإمام الباقر و خاصته و بطانته و ثقاة الفقهاء الصالحين (3)،و وثقه كذلك الشيخ الطوسي (4)،و الكشي (5)،و أورد الخوئي عدّة روايات و أخبار عن أئمة آل البيت تدلّ على توثيقه (6).
أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور-فلم أجد له في حدود ما اطلعت عليه- من ترجمة؛إذن الرجل ثقة لقول أغلب علماء الرجال من الإمامية على ذلك.
ابن معاوية الأسدي،الكوفي،روى عن الصادقين (7)،و روى عنه جميل بن دراج و مالك بن عطية و غيرهم (8).
أما بالنسبة لوثاقته،فقد توقف علماء الرجال من الإمامية فيه من جهة (9)،و لم أجد له ترجمة في حدود ما اطلعت عليه عند علماء الرجال من
********
(1) الخلاصة،العلامة الحلي،77.
(2) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،254/8.
(3) الإرشاد،الشيخ المفيد،292.
(4) الرجال،الطوسي،323.
(5) معرفة الرجال،الكشي،304.
(6) معجم رجال الحديث،الخوئي،247/8-254.
(7) معرفة الرجال،الكشي،322+الرجال الطوسي،125.
(8) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،283/8.
(9) ظ:معرفة الرجال الكشي،322+الرجال الطوسي،124.
ص: 160
الجمهور من جهة أخرى،فلذلك هو من المجاهيل الذين يجب التوقف في الأخذ برواياتهم.
الكوفي،عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الباقر(عليه السّلام)قائلا:
صالح بن ميثم مولاهم كوفي،تابعي (1)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق و روى عن أبي خالد التمار و عباية الأسدي (2).
أما عن وثاقته عند علماء الرجال من الإمامية،فقد أورد العلامة الحلي، رواية عن الإمام أبي جعفر الباقر تدل على توثيقه (3)،و وثقه كذلك الخوئي و لكن ليس من جهة توثيق العلامة الحلي بروايته عن الإمام الباقر و لكن من جهة شهادة ابن قولويه و شهادة علي بن إبراهيم القمي بوثاقته،فقد قال الخوئي:لا يمكن الاستدلال بها-يعني رواية الإمام الحلي-على وثاقته غير أنه ثقة من جهة شهادة ابن قولويه و علي بن إبراهيم القمي ففي هذا غنى و كفاية (4).
و لم نجد له ترجمة في حدود ما اطلعت عليه من كتب الرجال عند الجمهور، فلذلك نحكم بوثاقته لتوثيق بعض علماء الرجال من الإمامية له.
ابن أعين الشيباني،الكوفي،يكنى أبا عمارة (5)،قال الكشي:ضريس بن عبد الملك بن أعين الشيباني،حدثنا حمدويه و سمعت أشياخي يقولون:ضريس إنما سمي بالكناسي لأن تجارته بالكناسة،روى عن السجاد و الباقر و الصادق(عليهم السّلام)و عن حمزة بن حمران و روى عنه أبو جميلة و أبو خالد القماط و عبد اللّه بن مسكان و غيرهم (6).
********
(1) الرجال،الطوسي،126+معجم رجال الحديث،الخوئي،88/9.
(2) معجم رجال الحديث،الخوئي،89/9.
(3) الخلاصة،العلامة الحلي،88.
(4) معجم رجال الحديث،الخوئي،89/9.
(5) الرجال،الطوسي،126.
(6) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،152/9.
ص: 161
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال الكشي:هو خير،فاضل،ثقة (1)،و وثقه العلامة الحلي بقوله:هو فاضل،ثقة (2)،و وثقه كذلك الخوئي و أورد عدة أدلة ترجح وثاقته (3).
أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور فلم ترد له عندهم ترجمة تذكر فلذلك حكمنا بوثاقته لتوثيق علماء الرجال من الإمامية له.
أبو الخزرج النهدي (4)،الشامي (5)،قال الشيخ الطوسي:طلحة بن زيد له كتاب،و هو من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (6)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق و عن ثوير بن غيلان و الفضيل بن عثمان،و روى عنه محمد بن يحيى و محمد بن سنان و عبد اللّه بن المغيرة و غيرهم (7).
أما عن وثاقته فقد ضعفه علماء الرجال من الفريقين (8)،فهو إذن ضعيف لا تقبل روايته لتضعيف العلماء له.
يكنى أبا خيثمة،عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (9)، و عدّه البرقي أيضا من أصحاب الباقر قائلا:عبد الرحمن و هو أبو خيثمة (10).
و لم أعثر على توثيق أو تجريح لهذا الرجل في كتب الرجال عند الفريقين، فالظاهر إنه من المجاهيل الذين نتوقف في قبول روايتهم.
********
(1) معرفة الرجال،الكشي،265.
(2) الخلاصة،العلامة الحلي،90.
(3) معجم رجال الحديث،الخوئي،152/9-155.
(4) معرفة الرجال،الكشي،317.
(5) ميزان الاعتدال،الذهبي،338/2.
(6) الرجال،الطوسي،126.
(7) معجم رجال الحديث،الخوئي،170/9.
(8) ميزان الاعتدال،الذهبي،239/2+معرفة الرجال الكشي،317+معجم رجال الحديث، الخوئي،119/9.
(9) الرجال،الطوسي،129.
(10) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،301/9.
ص: 162
الأسدي،الكوفي،روى عن الإمامين الباقر و الصادق (1)،و روى عنه عبد اللّه بن مسكان (2).
أما عن وثاقته،فقد وثقه بعض علماء الرجال من الإمامية اعتمادا على روايتين أوردهما محمد بن يعقوب الكليني في الكافي قد ترحم فيهما الإمام الباقر على هذا الرجل،إلا أن الخوئي قد ضعف هاتين الروايتين و قال:و المتحصل أنه لم تثبت وثاقة عبد الرحيم بن روح و لا حسنه (3).
و لم أجد له ترجمة في كتب الرجال عند الجمهور،و لذلك نحكم بالتوقف في قبول روايته لتوقف الخوئي فيها و عدّه من المجاهيل.
ابن قيس بن قيس بن فهد(قهد)،أبو مريم الأنصاري،روى عن أبي جعفر و عن أبي عبد اللّه(عليهما السّلام) (4).
أما عن وثاقته،فقد اختلف فيه العلماء فالنجاشي من الإمامية قال عنه إنه ثقة (5)،و توقف فيه الشيخ الطوسي و العلامة الحلي و الخوئي (6).
أما بالنسبة لعلماء الجرح و التعديل من الجمهور فقد ضعفوه،فقال علي بن المديني:كان يضع الحديث،و روى عباس عن يحيى بن معين:ليس بشيء، و قال أبو حاتم النسائي:متروك الحديث،و عدّه الساجي و العقيلي و ابن الجارود من الضعفاء (7).
********
(1) الرجال،الطوسي،128.
(2) معجم رجال الحديث،الخوئي،10/10.
(3) المصدر نفسه و الصفحة.
(4) لسان الميزان،العسقلاني،24/4+الخلاصة،العلامة الحلي،117+معجم رجال الحديث،الخوئي،59/10.
(5) الرجال،النجاشي،179.
(6) الرجال،الطوسي،129+الخلاصة،العلامة الحلي،101+معجم رجال الحديث الخوئي،60/10.
(7) ميزان الاعتدال،الذهبي،640/2 لسان الميزان،العسقلاني،43/4.
ص: 163
و نحن نتوقف فيه،لأن هناك قاعدة معروفة بين المحدثين من الإمامية إن قول النجاشي مقدم على جميع الأقوال فلذلك لا نستطيع تضعيفه لتوثيقه له و لا نستطيع أن نوثقه لتضعيف علماء الجمهور له،لذلك حكمنا بالتوقف في قبول روايته.
السكوني،الكوفي (1)،عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) و كذلك الكشي (2)،و وصفه ابن شهرآشوب من خواص أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (3).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية (4)،و روى الكشي بسنده عن زرارة عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)أنه قال:رأيت،إني على رأس جبل و الناس يصعدون عليه من كل جانب حتى إذا كثروا عليه تطاول بهم في السماء و جعل الناس يتساقطون عنه من كل جانب حتى لم يبق عليه إلا عصابة يسيرة،يفعل ذلك خمس مرات،فكل ذلك يتساقط الناس عنه و تبقى تلك العصابة عليه أما أن ميسرة بن عبد العزيز و عبد اللّه بن عجلان في تلك العصابة (5)،و وثقه كذلك الخوئي و أورد عدّة روايات في مدحه و الثناء عليه منها الرواية المتقدمة نقلا عن الكشي (6)
و لهذا فهو ثقة لقول أغلب علماء الرجال من الإمامية في توثيقه خاصة إذا ما علمنا إننا لم نجد له ترجمة في حدود ما اطلعت عليه من كتب الرجال عند الجمهور.
المكي (7)،عدّه الشيخ الطوسي،تارة من أصحاب الباقر و أخرى في أصحاب الصادق (8).
********
(1) الخلاصة،العلامة الحلي،180+معجم رجال الحديث،الخوئي،265/10.
(2) الرجال،الطوسي،127+معرفة الرجال،الكشي،210.
(3) معالم العلماء،ابن شهرآشوب،67.
(4) ظ:الرجال،الطوسي،103+الخلاصة،العلامة الحلي،108.
(5) معرفة رجال الحديث،الكشي،149+معجم رجال الحديث،الخوئي،268/10.
(6) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،268/10.
(7) تهذيب التهذيب،العسقلاني،322/5+معجم رجال الحديث،الخوئي،268/10.
(8) الرجال،الطوسي،127-224+ظ:معجم رجال الحديث،268/10.
ص: 164
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فأورد الخوئي عدة روايات تخبر عن وثاقته (1)،و روى الصفار بسنده عنه أنه قال:اشتقت إلى أبي جعفر(عليه السّلام)،و أنا بمكة فقدمت المدينة و ما قدمت إلا شوقا إليه فأصابني تلك الليلة مطر و برد شديد فانتهيت إلى بابه نصف الليل فقلت:ما أطرقه هذه الساعة و أنتظر حتى أصبح و إني لمتفكر في ذلك إذ سمعته يقول:يا جارية،افتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه في هذه الليلة برد و أذى،قال:فجاءت،ففتحت الباب فدخلت عليه(عليه السّلام) (2).و وثقه العلامة الحلي فقال:هو و إخوته عبد الملك و عريفا نجباء من أصحاب الإمام أبي جعفر و الإمام أبي عبد اللّه(عليهما السّلام) (3).
أما علماء الرجال من الجمهور فقد وثقوه أيضا،فقال الذهبي:صدوق إن شاء اللّه (4)،و قال الترمذي:ثقة عند أهل الحديث،و قال الدوري عن ابن معين:
عبد اللّه بن عطاء و صاحب بن بريدة ثقة،و ذكره ابن حبان في الثقاة (5).إذن هو ثقة لإجماع علماء الجرح و التعديل من الفريقين على توثيقه.
روى عن الإمامين الباقر و الصادق،و روى عنه عثمان بن يوسف (6).
أما عن وثاقته فلم أجد عنه شيئا في كتب الرجال عند الإمامية سوى الخوئي فقد توقف فيه (7).
أما علماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه ابن داود و قال عنه:إنه ثبت، و ذكره ابن حبان في الثقاة (8)،و لم ترد لهذا الرجل سوى رواية تفسيرية واحدة عن الإمام الباقر(عليه السّلام)موجودة في تفسير القمي.
********
(1) معجم رجال الحديث،الخوئي،268/10.
(2) بصائر الدرجات،الصفار،152.
(3) الخلاصة،العلامة الحلي،107.
(4) ميزان الاعتدال،الذهبي،406/2.
(5) تهذيب التهذيب،العسقلاني،323/5.
(6) معجم رجال الحديث،الخوئي،302/10.
(7) المصدر نفسه،302/10-302.
(8) ميزان الاعتدال،الذهبي،474/2.
ص: 165
أبو بكر (1)،الحضرمي،سمع من أبي الطفيل،تابعي،روى عن الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السّلام) (2).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فعدّه ابن شهرآشوب من خواص أصحاب الإمام الصادق (3)و وثقه أيضا العلامة الحلي فقال:إنه ثقة (4)،و أورد الكشي عدّة روايات تدلّ على وثاقته (5)،و كذلك وثقه الخوئي بقوله:إنه كان جليلا،ثقة (6)...أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه أحمد فقال:أبو بكر صدوق،و قال يحيى بن معين:أبو بكر أعجب إلينا، و قال العجلي:ثقة،و قال أبو حاتم و ابن خراش:ثقة (7)،إذن الرجل ثقة و معتمد في رواياته لإجماع العلماء على توثيقه و تعديله.
الجعفي (8)،عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب السجاد و الباقر و الصادق(عليهم السّلام) (9)،و عدّه البرقي في أصحاب الباقر(عليه السّلام)فقط (10)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق،و روى عنه آدم بن إسحاق و صالح بن عقبة (11).
أما عن وثاقته،فقد ضعفه علماء الرجال من الإمامية و قالوا إنه ضعيف (12)،و لم أجد له ترجمة عند علماء الرجال من الجمهور،إذن الرجل ضعيف لا يعتدّ برواياته لتضعيف علماء الإمامية له.
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،3/6.
(2) الرجال،الطوسي،129+معجم رجال الحديث،الخوئي،310/10.
(3) معالم العلماء،ابن شهرآشوب،65.
(4) الخلاصة،العلامة الحلي،232.
(5) معرفة الرجال،الكشي،355-357.
(6) معجم رجال الحديث،الخوئي،313/10.
(7) تهذيب التهذيب،العسقلاني،3/6-4.
(8) الرجال،الطوسي،127.
(9) المصدر نفسه،79،127،229.
(10) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،329/10.
(11) المصدر نفسه،330/10.
(12) الخلاصة،العلامة الحلي،38+الرجال النجاشي،168+معجم رجال الحديث،الخوئي،329/10.
ص: 166
الماصر،ابن أبي مسلم الكوفي،أبو الصباح،مولى ثقيف (1)،من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (2).
أما عن وثاقته،فقد توقف فيه بعض علماء الرجال من الإمامية،منهم الكشي و الطوسي و الخوئي (3).
و أما علماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه ابن معين و أبو حاتم و قالا:إنه ثقة،و قال الآجري:سئل أبو داود عن عمر بن قيس فقال:من الثقاة،و ذكره ابن حبان في الثقاة و كذلك ابن شاهين (4).
و نحن نوثقه لقول الأعم الأغلب من علماء الرجال على توثيقه.
ابن هرمز،الحداد (5)،الكوفي يكنى أبا ثابت (6)،مولى بني عجل،روى عن السجاد و الباقر و الصادق(عليهم السّلام)،و له كتاب لطيف (7)،و روى عنه أبو سعيد العصفوري و ابن سنان و الحسن بن محبوب و غيرهم (8).
أما عن وثاقته،فقد وثقه من علماء الرجال عند الإمامية:العلامة الحلي (9)، و كذلك الخوئي (10)،و الشيخ الطوسي (11).أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه يحيى برواية رواها عنه معاوية بن صالح فقال:قال ابن
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،489/7.
(2) الرجال،الطوسي،131.
(3) ظ:معرفة الرجال،الكشي،383+الرجال،الطوسي،131+معجم رجال الحديث، الخوئي،136/13.
(4) تهذيب التهذيب،العسقلاني،449/7-450.
(5) معجم رجال الحديث،الخوئي،81/13.
(6) ميزان الاعتدال،الذهبي،249/3.
(7) الرجال،الطوسي،130.
(8) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،88/13.
(9) الخلاصة،العلامة الحلي،120.
(10) معجم رجال الحديث،الخوئي،82/13.
(11) الرجال،الطوسي،130.
ص: 167
معين:عمرو بن ثابت لا يكذب في حديثه (1)،فلذلك هو ثقة،لتوثيق هؤلاء العلماء له،و لعدم وجود جرح فيه.
الجعفي،الكوفي (2)يكنى بأبي عبد اللّه (3)،روى عن جابر الجعفي، و الأعمش و غيرهم (4)،و عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الباقر (5).
أما عن وثاقته،فقد ضعفه علماء الرجال من الإمامية فقال النجاشي:
ضعيف جدا،زيّد أحاديث في كتب جابر الجعفي (6)،و ضعفه أيضا الشيخ الطوسي (7)و الخوئي (8).
أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور،فقد ضعفه يحيى بن معين فقال:
ليس بشيء،و قال الجوز جاني:زائغ،كذاب.و قال البخاري:منكر الحديث (9).و هناك أقوال أخرى للعلماء في تضعيفه (10)لم نوردها لكفاية ما قلناه في ضعفه و وهنه فهو إذن ضعيف تردّ روايته.
أبو الهذيل،الكوفي (11)،الشاعر الأسدي (12)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السّلام)،و روى عن سعيد بن المسيب،و روى عنه حماد بن عثمان و محمد بن النعمان و غيرهم (13).
********
(1) ميزان الاعتدال،الذهبي،250/3.
(2) الخلاصة،العلامة الحلي،241+معجم رجال الحديث،الخوئي،118/13.
(3) ميزان الاعتدال،الذهبي،268/3+لسان الميزان،العسقلاني،366/4.
(4) لسان الميزان،العسقلاني،366/4.
(5) الرجال،الطوسي،130.
(6) الرجال النجاشي،220+معجم رجال الحديث،الخوئي،118/13 و انظر مصادره.
(7) الرجال،الطوسي،130.
(8) معجم رجال الحديث،الخوئي،119/13.
(9) ميزان الاعتدال،الذهبي،268/3+لسان الميزان،العسقلاني،366/4.
(10) ظ:لسان الميزان،العسقلاني،367/4.
(11) تهذيب التهذيب،العسقلاني،244/8.
(12) الرجال،الطوسي،132.
(13) معجم رجال الحديث،الخوئي،240/13-241.
ص: 168
أما عن وثاقته،فإنني لم أجد له توثيقا أو تجريحا في كتب الرجال عند الإمامية (1)،إلا أنه ليس فيه طعن،و وثقه بعض العلماء شفاها.
أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال:
لا بأس به،و ذكره ابن حبان في الثقاة،و قال ابن أبي مريم:ثقة (2).فهو إذن ثقة، لتوثيق جملة من العلماء الأجلاء له على الرغم من توقف علماء الإمامية فيه.
النهدي،أبو القاسم،عربي،بصري،صميم (3)،يكنى أبا سرور،مات في أيام الإمام الصادق(عليه السّلام) (4)،و له كتاب (5)،روى عن السجاد و الباقر و الصادق(عليهم السّلام)،و روى عنه عبد الواحد بن المختار الأنصاري،و روى عنه أبو إسماعيل البصري و ابن أذينة و علي بن رئاب و جمع كبير من الرواة (6).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال النجاشي،إنه ثقة (7)،و روى العلامة الحلي نقلا عن الكشي:إنه ثقة،عين،جليل القدر (8)، و قال الطوسي:إنه ثقة (9)،و عدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام و الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام (10)،و قد أورد الخوئي روايات كثيرة عن أئمة آل البيت في مدحه و الثناء عليه (11).
أما علماء الرجال من الجمهور فقد عثرنا على قول واحد و هو ما ذكره الذهبي و ابن حجر العسقلاني عن العقيلي من أنه قال:لا يتابع على حديثه (12).
********
(1) الرجال،الطوسي،130+معجم رجال الحديث،الخوئي،241.
(2) تهذيب التهذيب،العسقلاني،244/8.
(3) الرجال،النجاشي،238+معجم رجال الحديث،الخوئي،362/13.
(4) الخلاصة،العلامة الحلي،132.
(5) الرجال النجاشي،238.
(6) معجم رجال الحديث،الخوئي،266/13.
(7) الرجال النجاشي،238.
(8) الخلاصة،العلامة الحلي،123.
(9) الرجال،الطوسي،132.
(10) الرسالة العددية،الشيخ المفيد،134.
(11) معجم رجال الحديث،الخوئي،362/13.
(12) ميزان الاعتدال،الذهبي،310/3+لسان الميزان،العسقلاني،452/4.
ص: 169
و نحن نرجح وثاقته،لإجماع أغلب علماء الرجال من الإمامية على توثيقه من جهة،و لا يلتفت في الجرح و التعديل لقول مجرح واحد إذا تعارض الجرح و التعديل من جهة أخرى (1).
روى عن الإمامين الباقر و الصادق،و روى عنه أبان بن عثمان و غيره (2)، و عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام) (3).
أما بالنسبة لوثاقته،فقد وردت أخبار كثيرة في ذمه و تضعيفه من قبل علماء الرجال من الفريقين (4)،فهو إذن ضعيف لإجماع العلماء على تضعيفه.
اسمه وردان،القماط،الكوفي (5)،له كتاب (6)،روى عن الإمام الباقر و روى عنه ضريس و محمد بن سنان و غيرهما (7).
أما عن وثاقته،فقد وردت أخبار كثيرة في مدحه و الثناء عليه عن أئمة آل البيت ذكرها علماء الرجال من الإمامية في مصنفاتهم للدلالة على توثيقه و تعديله (8)و لم أجد-في حدود ما اطلعت عليه-ترجمة له في كتب الرجال عند الجمهور،و هو من المكثرين في الرواية عن الإمام الباقر(عليه السّلام).
المعروف بأبي بصير،المرادي،و قيل أبو بصير الأصغر،له كتاب يرويه جماعة عنه (9)،روى عن الإمام أبي جعفر و أبي عبد اللّه و روى عنه خلق
********
(1) ميزان الاعتدال،الذهبي،402/3.
(2) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،114/14-115 و انظر مصادره.
(3) الرجال،الطوسي،277.
(4) ظ:ميزان الاعتدال،الذهبي،402/3+معرفة الرجال،الكشي،208+الخلاصة،العلامة الحلي،249+معجم رجال الحديث،الخوئي،113/14-115.
(5) الرجال،الطوسي،277.
(6) المصدر نفسه و الصفحة.
(7) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،135/14.
(8) ظ:المصدر نفسه،138/14 و انظر مصادره.
(9) الرجال،النجاشي،245.
ص: 170
كثير (1)،عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الباقر قائلا:ليث بن البختري المرادي،يكنى أبا بصير الكوفي من أصحاب الباقر (2).
و قد وثقه علماء الرجال من الإمامية فقالوا:إنه ثقة (3)،غير إنني لم أجد له ترجمة في كتب الرجال عند الجمهور.
و هو من الثقاة و من أجل الرواة علما و فقها و حريجة في الدين،فقد كان من أعلام الفكر الإسلامي و من كبار العلماء الذين حافظوا على الثروات العلمية لأئمة آل البيت.
ابن يسار،أبو بكر المخرمي،مولاهم،المدني (4)،صاحب السّير مات سنة (151 ه)،روى عن الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السّلام) (5).
أما عن وثاقته،فقد توقف فيه علماء الرجال من الإمامية،غير أن علماء الرجال من الجمهور قد وثقوه فقال الذهبي:هو أحد الأئمة الأعلام و هو صالح الحديث،و قال أحمد بن حنبل:و هو حسن الحديث،و قال ابن معين:ثقة، و قال شعبة:إنه أمير المؤمنين في الحديث،و قال أيضا إنه صدوق (6).فهو إذن ثقة لتوثيق الأعم الأغلب من علماء الرجال من الجمهور له.
قال النجاشي في ترجمة حفص بن سوقة العموري،مولى عمر بن حريث المخزومي،أخواه زياد و محمد بن سوقة،كان من المكثرين في الرواية عن أبي جعفر و عن أبي عبد اللّه(عليهم السّلام) (7)،روى عنه أبو أيوب و أحمد بن محمد
********
(1) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،158/14.
(2) الرجال،الطوسي،134.
(3) ظ:معرفة الرجال،الكشي،51+الرجال،الطوسي،134+معالم العلماء،ابن شهرآشوب،83+معجم رجال الحديث،الخوئي،147/14.
(4) ميزان الاعتدال،الذهبي،468/3+معجم رجال الحديث،الخوئي،82/15.
(5) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،82/15-83.
(6) ميزان الاعتدال،الذهبي،468/3-469.
(7) الرجال،النجاشي،104.
ص: 171
و حماد بن عثمان (1)،أما بالنسبة لوثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية و خاصة النجاشي و الخوئي (2)،و لم أجد له ترجمة في كتب الرجال عند الجمهور،فلذلك هو ثقة لتوثيق النجاشي و الخوئي له.
ابن أبي شعبة،الحلبي (3)،له كتاب في التفسير و له كتاب مبوب في الحلال و الحرام (4)،و عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السّلام) (5)،روى عن الإمامين الصادقين و عن عبيد اللّه الحلبي،و روى عنه أبو جميلة المفضل بن صالح و عبد اللّه بن مسكان و أبان بن عثمان و غيرهم (6).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية و قالوا:إنه وجه أصحابنا و فقيههم و الثقة الذي لا مطعن عليه و إخوته عبيد اللّه و عمران و عبد الأعلى (7)،غير إنني لم أجد له ترجمة-في حدود ما اطلعت عليه-من كتب الرجال عند الجمهور،إلا أنه على الرغم من ذلك معتمد على روايته و وثاقته لإجماع علماء الرجال من الإمامية على ذلك.
الوالبي،الأسدي الكوفي (8)،يكنى أبو نصر (9)،روى عن الإمامين الصادقين و روى عنه أبو أيوب و ابن أبي عمير و ثعلبة بن ميمون و هشام بن سالم و غيرهم (10).
********
(1) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،183/16.
(2) الرجال،النجاشي،104+معجم رجال الحديث،الخوئي،183/16.
(3) معجم رجال الحديث،الخوئي،241/16.
(4) الرجال،النجاشي،248.
(5) الرجال،الطوسي،136.
(6) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،343/16،51/17.
(7) ظ:الرجال،الطوسي،136+الخلاصة،العلامة الحلي،143+معجم رجال الحديث، الخوئي،140/16-143.
(8) ميزان الاعتدال،الذهبي،16/4.
(9) الرجال،الطوسي،135.
(10) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،188/17.
ص: 172
أما عن وثاقته فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية قال الشيخ المفيد:هو من الأعلام و الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام الذين لا مطعن عليهم و لا طريق لذم واحد منهم (1)،و قال الطوسي:إنه ثقة،ثقة (2)،و وثقه أيضا الخوئي (3).
و لم أجد له ترجمة-في حدود ما اطلعت عليه-في كتب الرجال عند الجمهور،فلذلك حكمنا بوثاقته لإجماع علماء الإمامية على توثيقه و تعديله.
ابن رياح،أبو جعفر الأقوص الطحان،مولى ثقيف،صحب أبا جعفر و أبا عبد اللّه(عليهما السّلام)و روى عنهما،و له كتاب يسمى الأربعمائة مسألة في الحلال و الحرام (4)، و عدّه الشيخ الطوسي في رجاله تارة من أصحاب الباقر(عليه السّلام)و أخرى من أصحاب الصادق (5)،توفي سنة(150 ه)و له نحو من سبعين سنة.
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال النجاشي:كان من أوثق الناس (6)،و كذلك الطوسي (7)،و أورد الخوئي في مدحه و الثناء عليه عدة روايات نقلا عن الكشي الذي وثقه أيضا (8).
أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور،فقد وثقه يحيى بن معين و قال ابن عدي:لم أر له حديثا منكر،و قال معرف بن واصل:رأيت سفيان الثوري بين يدي محمد بن مسلم الطائفي يكتب،و ذكره عبد الرحمن بن مهدي و قال:كتبه صحاح،و استشهد به مسلم (9).
********
(1) الرسالة العددية،الشيخ المفيد،139.
(2) الرجال،الطوسي،135.
(3) معجم رجال الحديث،الخوئي،188/17.
(4) الرجال،النجاشي،247.
(5) الرجال،الطوسي،135.
(6) الرجال،النجاشي،247.
(7) الرجال،الطوسي،135.
(8) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،278/17-286.
(9) ميزان الاعتدال،الذهبي،40/4.
ص: 173
فإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على وثاقة هذا الرجل و إنه كان من أعلام الفكر و أحد أئمة العلم في الإسلام،و أحد الفقهاء العظام،و من أمناء اللّه على حلاله و حرامه فقد أثرت طائفة كبيرة من الأخبار عن أئمة آل البيت و هي تشيد به و تثني عليه عاطر الثناء.
العبدي،يكنى أبا محمد،و قيل يكنى أبا بشر (1)،عدّه الشيخ الطوسي في رجاله تارة من أصحاب الباقر و أخرى من أصحاب الصادق (2).
أما عن وثاقته،فقد توقف فيه علماء الرجال من الفريقين (3)،فلم يرد فيه توثيق أو تضعيف و نحن نتوقف أيضا لتوقف أولئك العلماء.
القرشي،مولاهم،مكي،كوفي (4)،روى عن الإمامين السجاد و الباقر و عن أبي الطفيل و روى عنه حنان بن سدير و عبد اللّه بن سنان و عمر بن يزيد و غيرهم (5).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال الكشي:
أجمعت العصابة على تصديق جملة من أصحاب أبي جعفر و عد منهم معروفا (6)و وثقه أيضا الشيخ الطوسي (7)و العلامة الحلي (8)و الخوئي (9).
أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور فقد وثقوه فقال الذهبي:صدوق، و قال أبو حاتم:يكتب حديثه،و قال الساجي:صدوق،و ذكره ابن حبان في الثقاة و روى له البخاري (10).
********
(1) الرجال،النجاشي،235.
(2) الرجال،الطوسي،137.
(3) ظ:الرجال،النجاشي،235+الرجال،الطوسي،137+معجم رجال الحديث،الخوئي، 290/17+ميزان الاعتدال،الذهبي،98/4+لسان الميزان،العسقلاني،22/6.
(4) ظ:الرجال،الطوسي،135+تهذيب التهذيب،العسقلاني،230/10.
(5) معجم رجال الحديث،الخوئي،265/18.
(6) معرفة الرجال،الكشي،184.
(7) الرجال،الطوسي،320.
(8) الخلاصة،العلامة الحلي،233.
(9) معجم رجال الحديث،الخوئي،263/18.
(10) ميزان الاعتدال،الذهبي،144/4+تهذيب التهذيب،العسقلاني،231/10.
ص: 174
فهو إذن ثقة،لإجماع العلماء من الفريقين على توثيقه،فهو من الفقهاء العظام و أحد أمناء اللّه على حلاله و حرامه و هو من أهل الإجماع عند الإمامية، و من العباد،الزهاد،و كان يطيل السجود في صلاته،و قد تتلمذ على يد الإمام أبي جعفر الباقر و أخذ عنه الكثير من العلوم و اهتدى في سلوكه بهديه و ورعه فكان من أفذاذ المتقين.
ابن سام،ابن موسى،الضبي،الكوفي (1)،روى عن الإمام الباقر و روى عنه وكيع و أبو أسامة و أبو نعيم (2).
و أما عن وثاقته،فقد وثقه من علماء الإمامية،الطوسي (3)و النجاشي (4)و الخوئي (5)،و أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور فقد وثقه أبو زرعة فقال:
إنه ثقة و ذكره ابن حبان في الثقاة و روى له البخاري (6).فهو إذن ثقة لإجماع العلماء من الفريقين و قبول روايته.
ابن أبي الأسود الليثي،الكوفي (7)،عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الباقر تارة و تارة أخرى من أصحاب الصادق و قال له كتاب (8)،روى عن أبي جعفر الباقر و عن أبي الربيع الشامي و أبان بن تغلب و طلحة بن زيد و كثير غيرهم،و روى عنه أبو المغراء و ابن أبي عمير و صفوان بن يحيى و خلق كثير (9).
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،249/10+معجم رجال الحديث،الخوئي،109/18.
(2) تهذيب التهذيب،العسقلاني،249/10.
(3) الرجال،الطوسي،315.
(4) الرجال،النجاشي،333.
(5) معجم رجال الحديث،الخوئي،310/18.
(6) تهذيب التهذيب،العسقلاني،249/10.
(7) المصدر نفسه،350/10.
(8) الرجال،الطوسي،138.
(9) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،391/18.
ص: 175
أما عن وثاقته،فقد أجمع علماء الرجال من الإمامية على توثيقه و تصحيح ما يصح عنه،فقال النجاشي:ثقة،عين،صدوق،من جملة أصحابنا و فقهائهم (1)،و أورد الكشي عدّة روايات في توثيقه و مدحه أيدها الخوئي (2).
أما بالنسبة لعلماء الرجال من الجمهور،فقد قال ابن معين:ثقة،مرة،و مرة أخرى:لا بأس به كان من الشيعة الكبار.و قال أبو حاتم:يكتب حديثه،و قال النسائي:ليس به بأس،و ذكره ابن حبان في الثقاة (3).
فهو إذن ثقة لإجماع العلماء على توثيقه و قبول روايته.
عدّه الشيخ الطوسي تارة من أصحاب الإمام الباقر(عليه السّلام)قائلا:ميسر بن عبد العزيز النخعي،المدائني،و أخرى من أصحاب الإمام الصادق قائلا:ميسر بن عبد العزيز،بياع الزطي،مات في حياة الإمام أبي عبد اللّه(عليه السّلام) (4).روى عن الإمامين الباقر و الصادق(عليهم السّلام)،و روى عنه الحسين بن خارجة و أيوب بن راشد و غيرهم (5).
أما عن وثاقته فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،فقال الكشي:إنه كوفي ثقة (6)،و وثقه أيضا العلامة الحلي بقوله:كان كوفيا و كان ثقة (7).
و لم أجد له ترجمة-في حدود ما اطلعت عليه-في كتب الرجال عند الجمهور، إلا أن الأخبار التي وردت في مدحه عن آل البيت ترجح القول بوثاقته (8).
عدّه الشيخ الطوسي في رجاله تارة في أصحاب السجاد و أخرى في أصحاب الإمام الباقر قائلا:ميمون القداح مولى بني مخزوم،مكي،و ثانية في أصحاب
********
(1) الرجال،النجاشي،323.
(2) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،391/18-392.
(3) تهذيب التهذيب،العسقلاني،305/10.
(4) الرجال،الطوسي،135.
(5) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،132/19-133.
(6) معرفة الرجال،الكشي،210.
(7) الخلاصة،العلامة الحلي،181.
(8) معجم رجال الحديث،الخوئي،128/19-132.
ص: 176
الصادق(عليه السّلام)قائلا:ميمون القداح،المكي،مولى بني هاشم (1)،روى عنه أبان بن عثمان و محمد بن عبد الجبار و معاوية بن وهب (2).
أما عن وثاقته،فقد وثقه علماء الرجال من الإمامية،و خاصة العلامة الحلي (3)و الخوئي (4)،غير إنني لم أجد له ترجمة-في حدود ما اطلعت عليه-في كتب الجمهور،فهو إذن ثقة للأدلة المرجحة لذلك.
و بعد أن ترجمنا لجملة من رواة علم الإمام الباقر(عليه السّلام)و خاصة في علوم القرآن و التفسير تبين لنا أنه يمكن تقسيمهم بأسمائهم في مدى قبول روايتهم إلى ما يأتي:
أولا:الثقاة الإثبات الذي لا نبحث في سند الرواية الواردة عنهم و المتصلة بالإمام الباقر(عليه السّلام)لإجماع علماء الرجال من الفريقين على توثيقهم أو لإجماع الأعم الأغلب من أحد الفريقين على ذلك التوثيق أو المختلف في توثيقهم و تعديلهم و هم:
1-أبان بن تغلب.
2-إبراهيم بن أبي البلاد.
3-إسماعيل بن جابر الجعفي.
4-إسماعيل بن عبد الرحمن السدي.
5-بريد بن معاوية.
6-بكير بن أعين.
7-ثابت بن هرمز.
8-ثعلبة بن ميمون.
9-جابر بن يزيد الجعفي.
********
(1) الرجال،الطوسي،135.
(2) ظ:معجم رجال الحديث،الخوئي،142/19.
(3) الخلاصة،العلامة الحلي،191.
(4) معجم رجال الحديث،الخوئي،141/19.
ص: 177
10-حكيم بن حكم الأنصاري.
11-ربعي بن عبد اللّه.
12-زيد بن يونس الشحام.
13-سدير بن حكيم الصيرفي.
14-عبد اللّه بن عطاء المكي.
15-عبد اللّه بن محمد.
16-عمرو بن ثابت.
17-محمد بن مسلم الطائفي.
18-معروف بن خربوذ.
19-معمر بن يحيى.
20-منصور بن حازم الليثي.
1-إبراهيم بن عمر الصنعاني.
2-إبراهيم بن نعيم.
3-إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي.
4-زرارة بن أعين.
5-سالم الاشل.
6-سليمان بن خالد.
7-صالح بن ميثم الكوفي.
8-ضريس بن عبد الملك الكناسي.
9-كنكر أبو خالد الكابلي.
10-عبد اللّه بن عجلان السكوني.
11-ليث بن البختري(أبو بصير).
12-محمد بن سوقة.
13-محمد بن علي الحلبي.
ص: 178
1-ثابت بن دينار.
2-الحكم بن عتيبة.
3-خيثمة بن أبي خيثمة.
4-زياد بن عيسى.
5-زياد بن المنذر.
6-سعد بن طريف.
7-عبد اللّه بن كيسان.
8-عمر بن قيس الماصر.
9-غالب بن الهذيل.
10-الفضيل بن يسار.
11-محمد بن إسحاق.
ثانيا:المتوقف في قبول روايتهم،و هذه الفئة من المجاهيل سوف نعرض رواياتهم على روايات مشابهة لها من طرق صحيحة أخرى وردت عن الثقاة الإثبات فإن طابقتها قبلناها و اعتمدناها في ثنايا هذه الدراسة و إلا فسنطرحها و نعدها روايات ضعيفة و هم:
1-بكير بن حبيب.
2-خالد بن أوفى.
3-سلام بن المستنير.
4-سورة بن كليب.
5-عبد الرحمن أبا خيثمة.
6-عبد الرحيم بن روح.
7-مسعدة بن صدقة.
ص: 179
1-سالم الأشل.
2-سليمان بن خالد.
ثالثا:الضعفاء،الذين أجمع العلماء من الفريقين على تضعيفهم ورد رواياتهم،أو قول أحد الفريقين بالأعم الأغلب من العلماء من أي الفريقين، فسنطرح روايات من ضعفوه و نردها،باعتبار أنها روايات موضوعة على الإمام الباقر(عليه السّلام)حتى نستطيع قدر الإمكان أن نسمو بهذه الدراسة على الاستدلال بروايات فيها أدنى شك من حيث السند أو المتن لكي تكون دراسة موضوعية علمية إن شاء اللّه تعالى،و الضعفاء عند الجميع هم:
1-أبان بن أبي عياش.
2-ثوير بن أبي فاختة.
3-دلهم بن صالح.
4-طلحة بن زيد النهدي.
5-أبو مريم الأنصاري.
6-عبد اللّه بن محمد الجعفي.
7-عمرو بن شمر الجعفي.
8-كثير بن إسماعيل النوى.
ص: 180
و يتضمن:
*المبحث الأول:تفسير القرآن بالقرآن
*المبحث الثاني:منهجه في تفسير القرآن بالسنة النبوية
*المبحث الثالث:رجوعه الى اللغة في التفسير
*المبحث الرابع:استنباط المعاني للآيات
ص: 181
ص: 182
إن القرآن الكريم بنيان إلهي متكامل،و نص سماوي مترابط يتوقف بعضه على بعض و يفسر بعضه بعضا،و إن ثلة من آياته قد لا يتوصل إلى فهمها فهما خالصا إلا بعد الوقوف في موضع آخر من نفس السورة أو في سورة أخرى على معناها باعتباره كتابا مقدسا،و لقد جاء في القرآن الكريم ما يشير إلى هذه الحقيقة كما في قوله تعالى: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (1)، و قوله تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ (2).
لذلك قال الشاطبي:إن القرآن كالسورة الواحدة (3)،و ورد عن ابن عباس (رضي اللّه عنه)إنه قال:القرآن يشبه بعضه بعضا و يرد بعضه على بعض (4)،إذن ففيه المجمل و المبين لذلك المجمل و فيه العام و مخصصه و فيه المطلق و مقيده و فيه الخاص الذي هو قطعي الدلالة غالبا و ما كان منه ظنيا فبيانه بالسنة الشريفة،فعند النظر للقرآن الكريم و التدبر في معانيه نجد أن بعضه يفسر بعضا كما قال العلماء (5)، فكان أول ما يجب أن ينتبه إليه المفسر للقرآن الكريم هو الرجوع إلى القرآن نفسه و التأسيس على آياته لكي يصل إلى المعنى المراد،و يكون قوله أقرب إلى مراد اللّه تعالى من كلامه فصار بذلك تفسير القرآن بالقرآن أصح الطرق و أنجحها،يقول الزمخشري:أسد المعاني ما دلّ عليه القرآن (6)،و قال ابن تيمية:إن أصح طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر
********
(1) النساء82/.
(2) الزمر23/.
(3) الموافقات،الشاطبي،254/3.
(4) جامع البيان،الطبري،210/3+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،76/4.
(5) ظ:الكشاف،الزمخشري،430/2+مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،93.
(6) الكشاف،الزمخشري،193/2.
ص: 183
و ما اختصر في مكان قد بسط في موضع آخر (1)،فالآية القرآنية تزداد دلالتها وضوحا و تبيانا بالاستعانة بآية أخرى و تظهر دلالتها على المعنى المراد في ربطها بآية تشابهها،فالقرآن يكاد يكون سلسلة تامة يأخذ بعضه برقاب بعض (2).
و هذا النوع من التفسير لا يجوز ردّه و يجب الأخذ به لأن اللّه تعالى أعلم بمراد نفسه من غيره و أصدق الحديث كتاب اللّه،و أن أول من نبّه على هذا النوع من التفسير هو الرسول الأعظم(صلى الله عليه و آله)عند تفسيره لقوله تعالى: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (3)و قد سار على هذا المنهج جملة من الصحابة أمثال الإمام علي بن أبي طالب و أبي بن كعب و عبد اللّه بن مسعود رضوان اللّه عليهم و غيرهم.
و قد كان للإمام الباقر معالم واضحة و دلالات بينة في سلوك هذا المنهج التفسيري الراقي،و كان اعتماده عليه بارزا في تفسيره للقرآن الكريم،حتى غدا أهم سمة لمنهجه في التفسير،و هذه خصيصة لا تتهيأ إلا لمن كان متبحرا بمقاصد الآيات و معانيها،و متميزا بفطنة واسعة في فهمها و إدراك أسبابها،و كيف لا يتأتى ذلك للإمام الباقر و قد نشأ و درج في آل البيت و معدن الرسالة و مهبط الوحي و فيما يأتي تطبيقات لهذا العرض من تفسيره و التي بلغت وفق المنهج الاستقرائي الذي أجريناه(186 شاهدا)،أذكر منها:
1-روي بسند صحيح عن سدير الصيرفي قال:سمعت حمران بن أعين سأل أبا جعفر(عليه السّلام)عن قول اللّه(عزّ و جلّ): ...بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (4)فقال أبو جعفر:إن اللّه(عزّ و جلّ)ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله،فابتدع السموات و الأرض و لم يكن قبلهن سماوات و أرضون،أما تسمع قولة تعالى: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ (5)(6).
********
(1) مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،93+التفسير الكبير،الرازي،231/2.
(2) ظ:القرآن المجيد،محمد عزت دروزة،209-210.
(3) الأنعام82/.
(4) البقرة117/.
(5) هود7/.
(6) الشافي في شرح أصول الكافي الشيخ عبد الحسين المظفر،227/7+تفسير القرآن،علي بن إبراهيم القمي،545/1+مجمع البيان الطبرسي،443/4+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،100/1.
ص: 184
فقد استطاع الإمام الباقر أن يوصل سائله إلى قناعة بأن اللّه سبحانه و تعالى قد خلق السموات و الأرض بدون مثال سبق مستدلا بآية أخرى من مكان آخر في القرآن الكريم.
2-روى محمد بن مسعود العياشي بسنده عن محمد بن مسلم الطائفي عن الإمام أبي جعفر الباقر في قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها (1)قال(عليه السّلام):ما حول و ما نسيها مثل الغيب الذي لم يكن بعد كقوله تعالى: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (2)،و قال(عليه السّلام):
و يفعل اللّه ما يشاء و يحول ما يشاء،مثل قوم يونس إذ بدا له فرحمهم،و مثل قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (3)،قال:فادركتهم رحمته (4).
3-روى الطبرسي في تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (5)،أن الإمام الباقر قال:إن أداء الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج من الأمانة،و يكون من جملتها الأمر لولاة الأمر بقسم الصدقات و الغنائم و غير ذلك مما يتعلق به حق الرعية،و قد عظم اللّه سبحانه أمر الأمانة بقوله: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ (6)،و قوله: لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ (7)، و قوله: وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (8)(9).
حيث فسّر الإمام الباقر أداء الأمانة بتعظيم جرم الخيانة و تهويله و ذكر لتوضيح ذلك آيتين من آيات الذكر الحكيم،و بين صفة حميدة من صفات بعض أهل الكتاب و هي أداء الأمانة،و عدّها فضيلة وثّق اللّه سبحانه و تعالى ذكرها في القرآن الكريم و تسجيلها لأصحابها في آية ثالثة.
********
(1) البقرة106/.
(2) الرعد39/.
(3) الذاريات54/.
(4) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،55/1.
(5) النساء58/.
(6) غافر19/.
(7) الانفال37/.
(8) آل عمران75/.
(9) مجمع البيان،الطبرسي،63/3+قلائد الدرر،الشيخ أحمد الجزائري،308/2.
ص: 185
4-روى محمد بن مسعود العياشي في تفسير قوله تعالى: ...فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (1)بسنده عن حريز قال:قال زرارة و محمد بن مسلم:
قلنا لأبي جعفر(عليه السّلام):ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي:قال:إن اللّه يقول:
وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر.قالا:قلنا:إنما قال: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ و لم يقل افعلوا فكيف أوجب اللّه ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟قال:أو ليس قد قال في الصفا و المروة: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (2)،أ لا ترى أن الطواف واجب مفروض لأن اللّه ذكرهما في كتابه و صنعهما نبيه(صلى الله عليه و آله)و كذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي(صلى الله عليه و آله)و ذكره اللّه في الكتاب (3).
سنتكلم على هذا الشاهد في مكان آخر من هذه الدراسة،و خاصة عند الحديث عن تفسير الإمام لبعض الآيات المتعلقة بفقه القرآن،غير أننا لا نعدم هنا أن نذكر أن الإمام الباقر قد وفق أشد التوفيق في تقريب الصورة من أذهان السائلين من أن هذه الآية مفسرة بآية أخرى تتعلق بوجوب الطواف بين الصفا و المروة فاستنبط هو وجوب التقصير بالسفر من خلال عرض أية التقصير على آية الطواف.
5-روى جلال الدين السيوطي في تفسيره،في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (4)اخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر محمد بن علي:أن رجلا سأل عليا عن الهدي ما هو؟قال:
من الثمانية الأزواج،فكأن الرجل شكّ،فقال علي:تقرأ القرآن؟فقال الرجل:
نعم،قال:فسمعت اللّه يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ (5)،قال:نعم،فقال علي:سمعته يقول: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ
********
(1) النساء101/.
(2) البقرة158/.
(3) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،71/1+تفسير القرآن،علي بن إبراهيم القمي،410/1+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،389/1+بحار الانوار،محمد باقر المجلسي،694/18.
(4) المائدة95/.
(5) المائدة1/.
ص: 186
فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ (1) و وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً (2)و ...مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها (3)قال:نعم،قال الإمام:
فسمعته يقول: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ (4)و وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ (5)،قال:نعم،قال:فسمعته يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ قال الرجل:نعم،فقال:إن قتلت ظبيا فما عليّ؟قال علي:هديا بالغ الكعبة،قال الرجل:نعم،فقال علي:قد سماه اللّه بالغ الكعبة كما تسمع (6).
6-روى العياشي بسنده في تفسير قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا (7)، عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر الباقر،قال،قلت له: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا قال(عليه السّلام):اخرج اللّه من ظهر أدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا و هم كالذر،فعرفهم نفسه،و أراهم نفسه،و لو لا ذلك ما عرف أحد ربه و ذلك قوله تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ (8)(9).
بين الإمام الباقر في تفسيره لهذه الآية أن اللّه سبحانه و تعالى قد أخذ ميثاقا من بني آدم بعبادته و عدم الاشراك به و هم ذر في الظهور-أي منذ الخلق الأول- بآية أخرى من القرآن الكريم و استطاع بذلك أن يفسر الآيتين الواحدة بالاخرى.
********
(1) الحج28/.
(2) الانعام142/.
(3) الحج28/.
(4) الانعام143/.
(5) الانعام144/.
(6) الدر المنثور،السيوطي،330/2.
(7) الاعراف172/.
(8) لقمان25/.
(9) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،40/2+تفسير القرآن علي بن إبراهيم القمي،50/2+ بحار الانوار،محمد باقر المجلسي،71/3.
ص: 187
7-روى علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ (1)عن زرارة بن أعين قال:سألت أبا جعفر(عليه السّلام)عن قوله تعالى:
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ قال الإمام:تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب،قال اللّه:
وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ (2) (3) .
حيث أقنع الإمام الباقر سائله عن تفسير هذه الآية بالآية الثانية،من أن الناس يوم الحساب تحتاج أجسادهم إلى الغذاء و لا يمنعهم من ذلك هول ذلك اليوم و رهبته.
و يؤيد هذا التفسير مناظرة جرت بين الإمام الباقر و الأبرش الكلبي أبي مجاشع بن الوليد من أنه قال للإمام:بلغني أنك قلت في تفسير قوله تعالى:
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ أنها تبدّل خبزة،فقال أبو جعفر(عليه السّلام):
صدقوا،تبدّل الأرض خبزة نقية في الموقف يأكلون منها فضحك الأبرش و قال:
أما لهم شغل بما هم فيه عن أكل الخبز؟فقال(عليه السّلام):ويحك،أي المنزلتين هم أشد شغلا و أسوأ حالا إذ هم في الموقف أو في النار يعذبون؟فقال:لا،في النار، فقال الإمام الباقر:ويحك،إن اللّه يقول: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (4)،قال:فسكت (5).
8-و نجد الإمام الباقر يقرن الآيات التي تتناول موضوعا واحدا مما يعد منهجا للتفسير الموضوعي للقرآن الكريم،روى العياشي باسناده عن ليث بن سليم عن
********
(1) إبراهيم48/.
(2) الانبياء8/.
(3) تفسير القرآن،علي بن إبراهيم القمي،223/2+الجامع لأحكام القرآن، القرطبي،382/9+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،237/2+بحار الأنوار،محمد باقر المجلسي،221/3.
(4) الواقعة52/-55.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،324/6+البرهان في تفسير القرآن،علي بن إبراهيم القمي، 323/2+بحار الانوار،محمد باقر المجلسي،221/3.و قد ذكرنا في مكان آخر أنه جرت مناظرة تشبهها مع هشام بن عبد الملك استدل الإمام فيها بآيات غيرها.
ص: 188
أبي جعفر(عليه السّلام)عند ما ذكرت قصة موسى عنده فقال:شكى موسى إلى ربه الجوع في ثلاثة مواضع،في قوله تعالى: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (1)،و في قوله تعالى: لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (2)،و في قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (3)(4).
9-روى محمد بن يعقوب الكليني باسناده عن زرارة و حمران ابني أعين في حديث للإمام الباقر يجمع فيه الآيات القرآنية ليصل إلى المعنى المراد منها،من ذلك قوله(عليه السّلام):و نزل بالمدينة وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (5)،قال:فبرأه اللّه مما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالايمان، قال اللّه(عزّ و جلّ): أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (6)، و جعله منافقا فقال اللّه إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (7)،و جعله اللّه من أولياء ابليس فقال: إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (8)و جعله ملعونا فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (9)،و ليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب،فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال اللّه(عزّ و جلّ): فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (10)(11).
********
(1) الكهف62/.
(2) الكهف77/.
(3) القصص24/.
(4) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،330/2+تفسير القرآن،القمي،476/2+بحار الأنوار،المجلسي،296/.
(5) النور4/.
(6) السجدة18/.
(7) التوبة67/.
(8) الكهف50/.
(9) النور 23-24.
(10) الاسراء71/.
(11) الشافي في شرح أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،122/6+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،155/2.
ص: 189
إن الإمام الباقر استنادا إلى آية ثم نظائرها اشتق و انتزع صفات من يرمي المحصنات،مكتشفا أنه ليس مؤمنا بآية و هو فاسق بآية أخرى و هو من أولياء ابليس بثالثة و هو ملعون بآية رابعة،و بذلك يتبين أن الإمام قد أسهم في إرساء أصول تفسير القرآن بالقرآن بجمع النظائر إلى بعضها للوصول إلى إكمال التصور القرآني الشامل حول موضوع واحد.
10-روى علي بن إبراهيم القمي بسنده عن زرارة و حمران أن الإمام الباقر قال في تفسير قوله تعالى: وَ لَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ (1)،قال:
ذكر اللّه لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه،أ لا ترى أنه يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (2)(3).
من هذه الشواهد المجتزئة مما أحصيناه يتبين أنّ الإمام الباقر قد وكد القوانين التفسيرية الآتية:
أ-إن الأصل الأول في تفسير القرآن بالقرآن يعتمد في الرجوع إلى آياته ذاتها.
ب-يجب جمع الآيات القرآنية إلى نظائرها و ضم بعضها إلى بعض حتى يتوصل إلى فهم دقيق للمراد القرآني.
ج-إذا أردنا الحصول على تصور قرآني شامل لموضوع معين يجب مراعاة التصور القرآني أولا و بعدها ضم المعاني القرآنية المشتملة على افراد الموضوع الواحد بعضها إلى بعض.
د-السير وفق هذا المنهج لهو أعلى يقينية من الموارد الاخرى.
و بذلك يكون الإمام الباقر قد شارك في وضع مجموعة من القواعد و التي كونت مع غيرها من الموارد أصولا للتفسير،سار عليها المتأخرون بعده ممن فسروا القرآن الكريم في الرجوع إلى القرآن ذاته.
********
(1) العنكبوت45/.
(2) البقرة152/.
(3) تفسير القرآن،القمي 147/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني 289/2..
ص: 190
اتفق علماء المسلمين-من مفسرين و غيرهم-على أن آيات التشريع الواردة في القرآن الكريم محصورة بنحو خمسمائة آية فيها المطلق الذي قيد في السنة أو المجمل الذي فصل بها مما يجعل معرفة جميع الأحكام الكثيرة من تلك الآيات القليلة أمرا ليس ميسورا،بل ممتنعا ما لم يكن بتوسط السنة (1)،و من وظائف تلك السنة هو التفسير،و من المؤكد أن للتفسير مكانة عظمى و لمكانته تلك كان من الضروري أن يقوم بمهمة تبليغه للناس الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)أمين اللّه على تبليغ كتابه و وحيه،و الذي كان أول من مارس التفسير و علّمه للناس (2)،و أدى وظيفته في بيان القرآن الكريم أتم أداء و اكمله،امتثالا لأمر اللّه سبحانه بقوله:
وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (3) ،فقام النبي(صلى الله عليه و آله)بهذا البيان بقوله و فعله و تقريره،يقول ابن ابي حاتم:فكان رسول اللّه هو المبين عن اللّه أمره،و عن كتابه معاني ما خوطب به الناس،و ما أراد اللّه(عزّ و جلّ)به و عنى فيه (4).
و لو استثنينا تفسير القرآن بالقرآن و تفسير القرآن بالسنة من المصادر المأثورة سنجد اتساع الخلاف بين المسلمين بشأن حجية ما جاء عن غير هذين المصدرين من التفسير،لذا كان لزاما على المفسر للقرآن الكريم أن ينطلق أولا من تفسير القرآن بالقرآن لأنه كما تقدم من أرقى أنواع التفسير،و بعد استفراغ جهده عليه أن ينتقل الى المأثور عن الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)فما جاء منه مفسرا للكتاب و بسند صحيح أخذ به لأنه أحق أن يتبع و لا مناص للعدول عنه،ذلك(لأن اللّه تعالى كما أنزل الكتاب على رسوله أمره بتوضيح المراد منه كي يتم التبليغ و تقوم الحجة
********
(1) قواعد الحديث،الغريفي،10.
(2) ظ:دراسات في التفسير و رجاله،أبو اليقظان الجبوري،75+من روائع القرآن،البوطي،85.
(3) النحل44/.
(4) تقدمة المعرفة،ابن أبي حاتم الرازي،2/1.
ص: 191
للّه تعالى على خلقه) (1)،و هناك الكثير من الآيات التي تثبت هذه الحقيقة و تؤكدها منها قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (2)،و قوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (3)،و قوله تعالى: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (4)،و كقوله تعالى: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (5)و غيرها من الآيات التي جاءت لتؤكد هذا المعنى و ترسي دعائمه،و قد أكد الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)هذا المعنى و أصله،فقد قال عليه الصلاة و السلام:ألا أني أوتيت القرآن و مثله معه (6)،و معناه كما قال أبو سليمان الخطابي:يحتمل وجهين من التأويل، أحدهما:أن معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثلما أوتي من الظاهر المتلو،و الثاني:أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى،و أوتي من البيان مثله،أي:أذن له أن يبين ما في الكتاب،فيعم و يخص،و يزيد عليه و يشرع ما ليس في الكتاب فيكون في وجوب العمل به و لزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن (7).
إذن لقد قام الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)بمهمة ما أنيط إليه من مسئولية التبيين المكلف بها وفق منطوق ما تقدم من آيات،و كان بيانه(صلى الله عليه و آله)مما فهمه من القرآن الكريم،قال سعيد بن جبير(ت:75 ه):ما بلغني حديث عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) على وجهه،ألا وجدت مصداقه في كتاب اللّه (8).
هذا و قد اختلف علماء المسلمين-بعد اتفاقهم على أن الرسول(صلى الله عليه و آله)بيّن القرآن الكريم-في مقدار هذا البيان،أ هو شامل لجميع ما ورد في سور القرآن
********
(1) علوم القرآن المنتقى،فرج توفيق الوليد و فاضل شاكر النعيمي،241.
(2) النحل44/.
(3) الشورى52/.
(4) الحشر7/.
(5) النجم3/-4.
(6) سنن أبي داود،210/4+سنن ابن ماجة،6/1.
(7) معالم السنن،الخطابي،7/7.
(8) توجيه النظر،الجزائري،411.
ص: 192
و آياته أم مقتصر على طائفة منها،و لهم في ذلك ثلاثة آراء سنعرضها بادلتها و نختار ما نراه راجحا من بينها أو من غيرها مع مبررات ذلك الاختيار من جهة و العدول عن باقي الآراء من جهة أخرى.
الرأي الأول:
يقول بعض العلماء:إن النبي(صلى الله عليه و آله)بيّن لأصحابه معاني القرآن الكريم كما بين لهم الفاظه،و مفاد هذا القول أن تفسير الرسول(صلى الله عليه و آله)شامل لسور القرآن و آياته جميعا،فقد قال ابن تيمية:يجب أن يعلم أن النبي(صلى الله عليه و آله)بيّن لأصحابه معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه فقوله تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ يتناول هذا و هذا- المعاني و الالفاظ- (1)،و قد استدلوا بادلة كثيرة نوجزها بما يلي:
قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (2)،قالوا:
و التبيين هنا يتناول معاني القرآن و الفاظه (3).
روي عن الصحابة أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي(صلى الله عليه و آله)عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم و العمل،فتعلموا القرآن و العلم و العمل جميعا (4).
و قالوا أيضا:إن العادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من الفنون كالطب و الحساب و لا يشرحونه،فكيف بكلام اللّه تعالى الذي هو عصمتهم و به غايتهم و سعادتهم و قيام دينهم و دنياهم (5).و غيرها من الأدلة (6).
الرأي الثاني:
و هو خلاف الأول،و مؤداه أن النبي(صلى الله عليه و آله)لم يبيّن لأصحابه إلا القليل من المعاني و الألفاظ القرآنية،و يمثل هذا الرأي بعض العلماء منهم الخوئي-على ما حكاه السيوطي-و السيوطي أيضا (7)،و من أدلتهم عليه ما يأتي:
********
(1) مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،35-36+الجامع لاحكام القرآن،القرطبي،39/1.
(2) النحل44/.
(3) مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،35+الاتقان،السيوطي،202/2.
(4) مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،35+الاتقان،السيوطي،202/2.
(5) مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،35+الاتقان،السيوطي،202/2.
(6) ظ:الرسالة،الشافعي،73+مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،35+رفع الملام،ابن تيمية،94.
(7) الاتقان،السيوطي،197/2.
ص: 193
1-روى الطبري بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضوان اللّه عليها أنها قالت:
ما كان النبي(صلى الله عليه و آله)يفسر شيئا من القرآن إلا آيا تعدّ علّمهنّ إياه جبرئيل (1).
2-إن اللّه تعالى لم يأمر النبي(صلى الله عليه و آله)بالتنصيص على مراده(عزّ و جلّ)في جميع الآيات،و ذلك لحكمة بالغة هي أن يتدبر المسلمون ما في هذا الآيات الكريمة و يتفكروا فيها (2).
تخصيص بعض الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم بدعاء الرسول(صلى الله عليه و آله)لهم بالفقه و العلم كدعائه لابن عباس رضي اللّه عنه بقوله:اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل (3)،يلزم عدم بيانه(صلى الله عليه و آله)كل معاني القرآن،و إلا تساوى الصحابة في معرفة معاني الكتاب العزيز،و لما كان لهذا التخصيص من فائدة (4).
الرأي الثالث:
لقد سلك أصحاب هذا الرأي حدا وسطا بين القولين السابقين مدعين أن الرسول(صلى الله عليه و آله)لم يبيّن كل المعاني القرآنية المباركة و لم يقتصر بيانه(صلى الله عليه و آله)على عدد قليل جدا من الآيات،و إنما فسّر الكثير منها،و يمثل أصحاب هذا الرأي جملة من المحدثين الذين كتبوا بعلم التفسير لعدم نهوض أدلة الرأيين السابقين لديهم (5).
نقد الادلة و مناقشتها:
و في مناقشة أدلة أصحاب الرأي الأول نقول:
مناقشة الدليل الأول:
المعروف عن الصحابة في ذلك العهد أنهم أئمة اللسان و أمة البيان،امتازوا بفصاحتهم و بلاغتهم و تذوقهم الأساليب اللغوية الرفيعة،فكانوا قادرين على فهم ما يتلى عليهم من الآيات البينات إلا ما أشكل عليهم فهمه،و قد ورد عن ابن عباس رضي اللّه عنه قوله:التفسير على أربعة أوجه،وجه تعرفه العرب من كلامها،
********
(1) جامع البيان،الطبري،37/1.
(2) الاتقان،السيوطي،197/2.
(3) مسند الإمام أحمد،شرح أحمد محمد شاكر،127/4.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،23/1+التفسير و المفسرون،الذهبي،51/1.
(5) التفسير و المفسرون،الذهبي،49/1-54.
ص: 194
و تفسير لا يعذر أحد بجهالته،و تفسير يعلمه العلماء،و تفسير لا يعلمه إلا اللّه (1).
و لكل من هذه الأوجه مصاديق كثيرة في آيات القرآن الكريم لذا كان من البديهي أن لا يتناول البيان المأمور به النبي(صلى الله عليه و آله)هذه الأوجه الأربعة،فمثلا في قوله تعالى:
أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) فمعنى الآية و أمثالها كثير مما لا يلتبس فهمه على أحد من الصحابة،بل لا يعذر أحد بجهالته لأنه معلوم بالضرورة،و كذلك الحال مع كثير من الأوامر و النواهي الواردة في القرآن الكريم كقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (3)أو كقوله تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (4)و غيرها،فمثل هذه الآيات مفهومة للجميع مما يخرجها عن البيان المراد من وظيفة رسول(صلى الله عليه و آله).
مناقشة الدليل الثاني:
أما ما روي عن الصحابة من أنهم تعلموا القرآن و العمل به جميعا من النبي(صلى الله عليه و آله) فيردّه اختلاف مناهجهم في التفسير أيضا،بل اختلافهم في تفسير النص الواحد (5).
و ليس كلهم ممن كان يسأل النبي(صلى الله عليه و آله)و يستفهمه عن معاني القرآن الكريم،روي أن الإمام علي بن أبي طالب قال:و ليس كل أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)كان يسأله عن الشيء فيفهم،و كان منهم من لا يسأله و لا يستفهمه حتى أنهم كانوا ليحبون أن يجيء الاعرابي و الطاري فيسأل رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)حتى يسمعوا (6).
مناقشة الدليل الثالث:
يكفي في ردّه أن عدم مساءلة النبي(صلى الله عليه و آله)لا تعني تهاون الصحابة رضي اللّه عنهم في حق القرآن الكريم،فمعاصرتهم لنزول الوحي و قربهم من الرسول
********
(1) جامع البيان،الطبري،34/1+مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،115.
(2) الفيل1/-2.
(3) البقرة183/.
(4) النساء11/.
(5) انظر مثلا:تفسير جامع البيان للطبري ستجد أنه أورد اختلافات كثيرة عن الصحابة في تفسير النص و هو منهج التزم به في تفسيره،و انظر كذلك غيره من التفاسير.
(6) أصول الكافي،محمد بن يعقوب الكليني،64/1.
ص: 195
الكريم(صلى الله عليه و آله)و تمكنهم من اللغة التي نزل فيها القرآن كل ذلك يستدعي معرفتهم باسباب النزول و ملابسات النص و اطلاعهم على قرائن الاحوال مما يمكن القول بأنهم-مع شغفهم-بالقرآن الكريم و تفانيهم من أجل اعلاء كلمة اللّه كانوا يقتصرون في السؤال على ما يشكل عليهم فهمه من معاني القرآن الكريم.
مناقشة أدلة الرأي الثاني:
مناقشة الدليل الأول:
و يمكن مناقشة هذا الدليل بأن الرواية الواردة عن أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها قد ضعف الطبري سندها فهي لا يعتد بها (1)،و الرواية نفسها معارضة بطرق صحيحة أخرى،فقد جاء عن الإمام علي بن أبي طالب قوله:سلوني،فو اللّه لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم،و سلوني عن كتاب اللّه و اللّه ما من آية إلا و أنا أعلم،بليل نزلت أم بنهار،و في سهل أم في جبل (2).ثم بين مصدر علمه فقال:
إن ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا مسئولا (3).و مقتضى ذلك أن يكون الإمام علي قد سأل الرسول(صلى الله عليه و آله)عن القرآن بأكثر مما ورد في الرواية المستدل بها.
مناقشة الدليل الثاني:
أما هذا الدليل المتكئ على حكمة التدبر و التفكر فهو لا يلزم منه البيان القليل من النبي(صلى الله عليه و آله)لأن الأمر محصور بالمشكل و الغريب و ما لا يفهم من القرآن،و لو كان القرآن كله على هذا النمط لبينه الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)قطعا، و ليس فيه على أن ما فسره و بينه الرسول(صلى الله عليه و آله)من التفسير كان قليلا جدا (4).
مناقشة الدليل الثالث:
أما دليل الدعاء لابن عباس فهو و إن دلّ على أن النبي(صلى الله عليه و آله)لم يفسر القرآن جميعا إلا أنه لا يدلّ على النبي(صلى الله عليه و آله)فسّر القليل منه (5).
********
(1) جامع البيان،الطبري،39/1.
(2) الطبقات الكبرى،ابن سعد،238/2+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،35/1+الاتقان، السيوطي،233/2.
(3) الطبقات الكبرى،ابن سعد،،232/2+حلية الأولياء،الاصفهاني،95/1.
(4) التفسير و المفسرون،الذهبي 53/1.
(5) المصدر نفسه و الصفحة.
ص: 196
الرأي الراجح:
و الراجح في المسألة هو أنه لو تصفحنا ما كتب و ما موجود في السنة النبوية المشرفة مستعرضين ما جاء من تفسير القرآن الكريم عن النبي(صلى الله عليه و آله)لوجدنا الكثير من ذلك،و لأيقنّا أن الذي فسره الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)و بينه ليس بنادر كما يظنه البعض،و في نفس الوقت لا نستطيع أن نقول بأنه قد فسر كل القرآن الكريم،بل أن الذي لم يرد له تفسير قد يكون هو الأكثر،أما أنه قد فسر جملة كبيرة من الآيات فهذه كتب الصحاح و السنن و المسانيد تشهد بذلك،فهي مشحونة بأحاديث مرفوعة الى النبي(صلى الله عليه و آله)أو ما في حكمها زيادة عما ورد من أحاديث كثيرة تبين ما ورد من عموم في آية أو أجمال في أخرى و إن لم تقترن مباشرة بتفسير الآيات.
فمثلا أورد البخاري في صحيحه أحاديث تفسيرية كثيرة قال ابن حجر بعد استقصائها:اشتمل كتاب التفسير على خمسمائة حديث و ثمانية و أربعين حديثا و البقية معلقة و في معناها المكرر من ذلك فيه و فيما مضى اربعمائة و ثمانية و أربعون حديثا (1)،و أورد السيوطي كذلك في آخر كتابه جملة من الأحاديث التفسيرية المرفوعة (2)،و قد بين ضعف بعضها.
أما لما ذا لم يفسر القرآن كله،و ترك بعضه بدون بيان،لأنه أمر طبيعي آنذاك لفهم العرب للغة القرآن و أسلوبه من جهة و إن سؤال الصحابة رضوان اللّه عليهم كان يتعلق فيما قد خفي عليهم من الأسباب التي ذكرناها من جهة أخرى و أما ما سوى ذلك فهو كتاب بلسان عربي مبين.
فهناك مئات من الآيات المتعلقة بقصص الأمم الماضية لم تفسر لكونها واضحة المعنى،بينة المقصد،و بما أن تلك القصص لما كانت غالبا لا تتعلق بالحلال و الحرام فلم يكن الصحابة ليشغلوا أنفسهم بها بل كانوا يأخذون موضع العبرة منها فقط،و لا يدققون في كل ما ورد فيها،بل كانت غايتهم موجهة لمعرفة
********
(1) فتح الباري،ابن حجر العسقلاني،604/1.
(2) الاتقان،السيوطي،191/2-205.
ص: 197
الحلال و الحرام،أي فيما ثبت أنه عملي،و واقعي و كما ثبت عنهم أنهم(كانوا يكرهون الكلام فيما ليس تحته عمل) (1).
و هناك أيضا مئات الآيات الكونية لم تفسر و لم يسأل عنها الصحابة لكونها واضحة المعنى و ذلك لأن(الآيات الكونية و الآفاقية مجال للنظر و التفكير و التدبر، و يختلف تناولها و الاستفادة منها بتغاير العقول و الفهوم،و تتطور بتطور الازمان و الاجيال،فمن ثم كان موقف القرآن منها موقف الداعي الى التفكير و التدبر و الملاحظة و التجربة،و الاستفادة بما أودعه اللّه فيها من أسرار و سنن) (2).
و ما جاء في القرآن الكريم من آيات متشابهات و بيان حكمة التشريعات القرآنية و بيان وجوه اعجاز القرآن و التعمق في أسرار الاسلوب القرآني لم يبين منها شيء (3)،فلهذا كله نستطيع أن نقول:أن بيان الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)المعاني القرآنية كان بحسب الحاجة في ذلك الوقت و لاولئك القوم،فلم يكونوا بحاجة الى تفسير ما يتلى عليهم مما هم بحقيقته عارفون،هذا من جهة و أن الصحابة أحيانا يسألون بعضهم بعضا عن المعاني القرآنية و كان فيهم فطاحلة التفسير و جهابذته كالإمام علي و أبي بن كعب و عبد اللّه بن عباس و غيرهم من جهة أخرى.
و قد التزم الإمام الباقر بتفسير القرآن الكريم بالسنة النبوية الصحيحة الصدور التزاما دقيقا،و كان متمسكا بسنة جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)اعتقادا و سلوكا،و كانت عنده لها من القدسية ما جعله معها مؤرخا مختصا بسيرة جده(صلى الله عليه و آله)،و يجدر بنا أن نذكر هنا من أن عدد ما روى الإمام الباقر من روايات تفسيرية في هذا المجال بعد أن أجرينا عليها استقراء شاملا من كتب الحديث و التفسير عند الفريقين وصلت إلى(128)رواية،سأعرض لنماذج منها مصنفا طرق اعتماده على السنة في تفسير القرآن على طريقين الأول:بالتصريح بأنها
********
(1) الشفا،القاضي عياض،435/4+روح المعاني،الآلوسي،47/3.
(2) اسرائيليات و الموضوعات في كتب التفسير،محمد أبو شهبة،71+ظ:تطور التفسير،د. محسن عبد الحميد،19.
(3) تطور التفسير،د.محسن عبد الحميد،18-20.
ص: 198
سنة قولية و الثاني اعتماده في تفسير القرآن الكريم على السيرة النبوية،و قد راعيت في كل ذلك تسلسل ورود السور و الآيات في المصحف.
و اليك نماذج منها:
1-أخرج السيوطي عن أبي عبد اللّه جعفر محمد عن أبيه أبي جعفر الباقر عن آبائه في تفسير قوله تعالى: وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ (1)،قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):إن اللّه لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهبا و لا فضة فلما أن أهبط آدم و حواء أنزل معهما ذهبا و فضة فسلكه ينابيع في الأرض منفعة لأولادهما من بعدهما و جعل ذلك صداق آدم حواء،فلا ينبغي لأحد أن يتزوج إلا بصداق (2).
و لم أجد عند تتبع هذه الرواية-في حدود ما استطعت تتبعه-ما يوافقها و لو بالمعنى من طريق الإمامية،و مقتضى قوله تعالى: وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ (3)،نحكم على هذه الرواية بالضعف لأن آدم لم يتزوجها في الأرض بل في الجنة قبل الهبوط.
2-أخرج العياشي بسند صحيح عن عبد اللّه بن عطاء المكي عن الإمام أبي جعفر الباقر عن آبائه عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في تفسير قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ... (4)،قال الإمام الباقر:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)إنما كان لبث آدم و حواء في الجنة حتى خرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أكلا من الشجرة فاهبطهما اللّه إلى الأرض من يومهما ذلك،قال:فحاج آدم ربه فقال:يا رب أ رأيتك أن تخلقني كنت قدّرت عليّ هذا الذنب و كلما صرت و أنا صائر إليه أو هذا الشيء فعلته أنا من قبل أن تقدّره عليّ،غلبت عليّ شقوتي،فكان ذلك
********
(1) البقرة36/.
(2) الدر المنثور،السيوطي،56/1.
(3) البقرة،35.
(4) البقرة،35.
ص: 199
مني و فعلي لا منك و لا من فعلك؟فقال له:يا آدم أنا خلقتك و علمتك إني أسكنك و زوجك الجنة بنعمتي و ما جعلت فيك من قوتي،قويت بجوارحك على معصيتي و لم تغب عن عيني،و لم يخل علمي من فعلك و لا مما أنت فاعله،قال آدم:يا رب الحجة لك عليّ،قال:فحين خلقتك و صورتك و نفخت فيك من روحي و أسجدت لك ملائكتي و نوهت باسمك في سمواتي و ابتدأتك بكرامتي و اسكنتك جنتي و لم أفعل ذلك إلا برضا مني عليك،ابتليتك بذلك من غير أن يكون عملت لي عملا تستوجب به عندي ما فعلت بك،قال آدم:
يا رب الخير منك و الشر مني،قال اللّه:يا آدم،أنا اللّه الكريم خلقت الخير قبل الشر، و خلقت رحمتي قبل غضبي،و قدمت بكرامتي قبل هواني،و قدمت باحتجاجي قبل عذابي،يا آدم أ لم أنهك من الشجرة و أخبرك أن الشيطان عدو لك و لزوجك؟ و احذر كما قبل أن تصيرا الى الجنة و اعلمكما أنكما إن أكلتما من الشجرة لكنتما ظالمين لأنفسكما،عاصين لي،يا آدم لا يجاورني في جنتي ظالم عاصي لي (1)
3-روى محمد بن يعقوب الكليني بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر في تفسير قوله تعالى: ...وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (2)،قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم أو ليزوي مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة و لوجهه ظلم مد البصر و في وجهه كدوح تعرفه الخلائق باسمه و نسبه (3).
4-روى محمد بن يعقوب أيضا بسنده عن سلام بن المستنير قال:قال أبو جعفر الباقر في تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (4):
أما أن أصحاب محمد(صلى الله عليه و آله)قالوا:يا رسول اللّه نخاف علينا من النفاق،
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،35/1-36+تفسير القرآن،علي بن إبراهيم القمي، 160/1+بحار الأنوار،المجلسي،72/7+الميزان في تفسير القرآن،محمد حسين الطباطبائي،147/1 فيه رواية الصدوق عن مشيخته عن الإمام الباقر.
(2) البقرة283/.
(3) فروع الكافي،محمد بن يعقوب الكليني،76/5+من لا يحضره الفقيه،الشيخ الصدوق، 56/2+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،250/1-251.
(4) البقرة222/.
ص: 200
فقال(صلى الله عليه و آله):و لم تخافون ذلك؟قالوا:إذا كنا عندك فذكرتنا و رغبتنا و جلنا و نسينا الدنيا و زهدنا حتى كنا نعاين الآخرة و الجنة و النار و نحن عندك،فاذا خرجنا من عندك و دخلنا هذه البيوت و شممنا الأولاد و رأينا العيال و الأهل يكاد أن نحول على الحالة التي كنا عليها عندك و حتى كأننا لم نكن على شيء، أ فنخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟فقال لهم رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):كلا،إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم بالدنيا،و اللّه لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة و مشيتم على الماء،و لو لا أنكم تذنبون فتستغفرون اللّه تعالى لخلق خلقا حتى يذنبوا فيستغفروا اللّه تعالى فيغفر لهم،إن المؤمن مفتن تواب،أما تسمعوا لقول اللّه(عزّ و جلّ): إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و قوله: وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (1)(2).
و معنى قوله(صلى الله عليه و آله):لو لا أنكم تذنبون فتستغفرون اللّه تعالى لخلق خلقا حتى يذنبوا فيستغفروا اللّه تعالى فيغفر لهم.إشارة إلى قاعدة أثبتها الفلاسفة الالهيون و العرفاء و هي أن جميع ما في هذا العالم مظهر من مظاهر اسمائه تعالى المقدسة، فلو لم يتحقق العفو و الغفران و التوبة بالنسبة إليه(عزّ و جلّ)،فمن لوازم هذه الأسماء المقدسة تحقق الذنب مع أنه بنفسه يوجب استكانة المذنب عند ربه و طلبه العفو و الغفران منه (3).
5-روى العياشي بسنده عن جابر الجعفي في تفسير قوله تعالى:
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (4) ،عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):إن الملك ينزل الصحيفة أول النهار و أول الليل يكتب فيها عمل ابن آدم،فاعملوا في أولها خيرا و في آخرها خيرا فان اللّه يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء اللّه،فان اللّه يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (5).
********
(1) هود90/.
(2) أصول الكافي،الكليني،130/4+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،179/1-180+ مواهب الرحمن في تفسير القرآن،السيد عبد الأعلى السبزواري،391/3-392.
(3) ظ:مواهب الرحمن،عبد الأعلى السبزواري،393/3.
(4) البقرة152/.
(5) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،67/1+مجمع البيان،الطبرسي،234/1.
ص: 201
6-روى الجزائري عن جابر الجعفي أيضا في تفسير قوله تعالى: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ (1)،قال:قال أبو جعفر الباقر:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):من طلب مرضاة الناس بما يسخط اللّه كان حامده من الناس ذاما، و من آثر طاعة اللّه(عزّ و جلّ)بما يغضب الناس كفاه اللّه عداوة كل عدو و حسد كل حاسد و بغي كل باغ و كان اللّه له ناصرا و ظهيرا (2).و في رواية أخرى عن الإمام الباقر بلفظ آخر أخرجها ابن مردويه بسنده عنه(عليه السّلام)قال قرأ رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ثم قال:الخير اتباع القرآن و سنتي (3).
7-أخرج محمد بن يعقوب بسنده عن أبي حمزة الثمالي في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً... (4)،عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):ثلاثة لا يكلمهم اللّه و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب عظيم:شيخ زان،و ملك جبار،و مقل مختال (5).
و في لفظ أخر عنه(عليه السّلام)قال:انزل في العهد إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و الخلاق النصيب،فمن لم يكن له نصيب ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة فبأي شيء يدخل الجنة (6).
إن هذا الحديث فيه دليل عقلي على عدم دخولهم الجنة بافرادهم الثلاثة في حديث النبي(صلى الله عليه و آله)و بهؤلاء الذين ذكر أوصافهم الإمام الباقر.
8-و أخرج العياشي بسنده عن زياد بن المنذر(أبو الجارود)في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً
********
(1) آل عمران104/.
(2) قلائد الدرر،الشيخ أحمد الجزائري،200/2.
(3) الدر المنثور،السيوطي،62/2.
(4) آل عمران77/.
(5) أصول الكافي،الكليني،87/2+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،256/1.
(6) الشافي في شرح أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،142/4.
ص: 202
وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (1) عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) يبعث أناس من قبورهم يوم القيامة تؤجج أفواههم نارا،فقيل له:يا رسول اللّه من هؤلاء؟قال:الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما (2).
و في رواية أخرى أخرجها الكليني بسنده عن الإمام الباقر:إن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة و النار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه، يعرفه أهل الجنة أنه آكل مال اليتيم (3).
9-أخرج الطبري بسنده عن الحكم بن عتيبة(عيينة)في تفسير قوله تعالى:
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ... (4) عن جعفر بن محمد عن أبيه الإمام الباقر قال:لم يصبه شيء من شرك في ولادته و قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):إني خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح (5).
10-روى الطبرسي عن الفضيل بن يسار في تفسير قوله تعالى: وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ (6)عن أبي جعفر الباقر قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):ما من عين ترقرقت بمائها إلا حرم اللّه ذلك الجسد عن النار،فان فاضت من خشية اللّه لم يرهق ذلك الوجه قتر و لا ذلة (7).
11-و أخرج الطبرسي أيضا عن أبي حمزة الثمالي في تفسير قوله تعالى: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ (8)عن الإمام الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر عن آبائه في حديث طويل عن علي(عليه السّلام)قال:سمعت حبيبي رسول اللّه يقول:أرجى آية في كتاب اللّه
********
(1) النساء10/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،225/1+مجمع البيان،الطبرسي،13/3+تفسير القرآن،القمي،347/1+بحار الأنوار،المجلسي،121/15.
(3) أصول الكافي،الكليني،202/2+مواهب الرحمن،السبزواري،318/7.
(4) التوبة128/.
(5) جامع البيان،الطبري،55/11-56.
(6) يونس26/.
(7) مجمع البيان،الطبرسي،115/5،و انظر:صفة الصفوة،ابن الحوزي،2،61+البداية و النهاية،ابن كثير الدمشقي،412/9.
(8) هود114/.
ص: 203
وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ و الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا إن أحدكم ليقوم من وضوئه فيتساقط عن جوارحه الذنوب،فاذا استقبل اللّه بوجهه و قلبه لم ينفتل و عليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه،فاذا أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك،حتى عدّ الصلوات الخمس،ثم قال:يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات أ كان يبقى في جسده درن؟فكذلك و اللّه الصلوات الخمس لأمتي (1).
12-روى العياشي،عن جابر بن يزيد في تفسير قوله تعالى: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ (2)عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن آبائه(عليهم السّلام) قال:بينما رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)جالس ذات يوم إذ دخلت عليه أم أيمن في ملحفتها شيء،فقال لها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):يا أم أيمن أي شيء في ملحفتك؟فقالت:يا رسول اللّه فلانة بنت فلان أملكوها فنثروا عليها فاخذت من نثارها شيئا،ثم إن أم أيمن بكت فقال لها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):ما يبكيك؟فقالت:فاطمة زوجتها فلم ينثر عليها شيء.فقال لها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):لا تبكي،فو الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا لقد شهد أملاك فاطمة جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل في ألوف من الملائكة،و لقد أمر اللّه طوبى فنثرت عليهم من حللها و سندسها و استبرقها و زمردها و ياقوتها و عطرها،فأخذوا منه حتى ما دروا ما يصنعوا به و لقد نحل اللّه طوبى في مهر فاطمة فهي في دار علي بن أبي طالب (3).
********
(1) مجمع البيان،الطبرسي،201/5+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،56/1.
(2) الرعد29/.
(3) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،211/2-212+تفسير القرآن،القمي،292/2+تفسير فرات،فرات بن إبراهيم الكوفي،72.
و ورد هذا التفسير بلفظ آخر عن الإمام الباقر،أخرجه القرطبي في تفسيره فقال:قال أبو جعفر محمد بن علي:سئل النبي(صلى الله عليه و آله)عن قوله تعالى: طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ فقال:شجرة أصلها في داري و فرعها في الجنة،ثم سئل مرة أخرى فقال:شجرة أصلها في داري و فرعها في الجنة،ثم سئل عنها ثالثة فقال:أصلها في دار علي و فرعها في الجنة،فقال النبي:إن داري و دار علي غدا في الجنة واحدة في مكان واحد.الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،317/9.
ص: 204
13-روي عن عبد اللّه بن عطاء المكي في تفسير قوله تعالى: وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (1)عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الإمام الباقر عن آبائه عن علي ابن أبي طالب قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله): وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ هو الجدي لأنه نجم لا يزول و عليه بناء القبلة و به يهتدي أهل البر و البحر (2).
14-روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبي حمزة الثمالي في تفسير قوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (3)،عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):لا يزول قدم عبد يوم القيامة بين يدي اللّه(عزّ و جلّ)حتى يسأله عن أربع خصال:عمرك فيما أفنيته و جسدك فيما أبليته و مالك من أين كسبته و أين وضعته و عن حبنا أهل البيت (4).
15-روى ابن كثير الدمشقي بسنده عن جعفر بن محمد الصادق في تفسير قوله تعالى: عُرُباً أَتْراباً (5)عن أبيه الإمام الباقر عن آبائه قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):عربا،قال:كلامهن عربي (6).
تبين لنا من خلال هذه الأمثلة القليلة المجتزئة من الكثير مما استطعنا الوقوف عليه أن الإمام الباقر كان يعتمد في بيان آي الذكر الحكيم بعد العودة الى القرآن الكريم نفسه اتخاذ السنة القولية الصحيحة مرجعا لتفسير القرآن الكريم،و من الملاحظ،أن أسانيده فيها كان عن آبائه عن الإمام علي عن الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله).
سنورد هنا شواهد و أمثلة على ما استطعنا استقصاءه من روايات تفسيرية للإمام الباقر،كان اعتماده في تفسير بعض الآيات القرآنية فيها على السيرة
********
(1) النحل16/.
(2) تفسير القرآن،القمي،362/2+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،256/2+الصافي، الفيض الكاشاني،39/1.
(3) الاسراء36/.
(4) تفسير القرآن،القمي،19/2+مجمع البيان،الطبرسي،416/6.
(5) الواقعة37/.
(6) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،233/4+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي، 207/13.
ص: 205
النبوية الشريفة مستشهدا بها أو مستنبطا المعاني المنطوية تحت تلك اللمحات المضيئة من السيرة النبوية الشريفة في تفسير جملة من الآيات،و إليك بعض النماذج:
1-في قوله تعالى: فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)اختلف العلماء في مسألة نسخ هذه الآية،و قد أفاض الرازي في بيان الخلاف و أسبابه ثم خلص الى تبني قول الإمام الباقر حيث قال:إنه لم يؤمر رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)بقتال حتى نزل جبرئيل(عليه السّلام)بقوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا... (2)و قلده سيفا،فكان أول قتال قاتل أصحاب عبد اللّه بن جحش ببطن نخل و بعده غزوة بدر (3).
2-روي بسند صحيح عن حمران بن أعين في تفسير قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (4)عن الإمام الباقر قال:أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) حين صدّ بالحديبية قصر و أحل و نحر،ثم انصرف منها و لم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك،فأما المحصور فانما يكون عليه التقصير (5).
و هناك ما يؤيد هذه الرواية،فقد ورد عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادق قال:المحصور غير المصدود،و قال(عليه السّلام):المحصور هو المريض و المصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و إنه ليس من مرض،و المصدود يحل له النساء و المحصور لا يحل له النساء (6)،و نسب ذلك الى المشهور بين الفقهاء (7).
********
(1) البقرة109/.
(2) الحج39/.
(3) التفسير الكبير،الرازي،264/3.
(4) البقرة196/.
(5) أصول الكافي،الكليني،179/3+التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،158/2+ تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،153/1.
(6) تهذيب الأحكام،الشيخ الطوسي،132/2+أصول الكافي،الكليني،171/2+مواهب الرحمن،السبزواري،199/3.
(7) ظ:مواهب الرحمن،السبزواري،199/3-200.
ص: 206
3-روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن جابر الجعفي في تفسير قوله تعالى:
وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (1) ،عن أبي جعفر(عليه السّلام)قال:أتى رجل رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فقال:إني راغب نشيط في الجهاد، فقال النبي(صلى الله عليه و آله):فجاهد في سبيل اللّه،فإنك إن تقتل كنت حيا عند اللّه ترزق و إن مت فقد وقع أجرك على اللّه و إن رجعت خرجت من الذنوب إلى اللّه هذا تفسير:
وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (2) .
4-روى محمد بن يعقوب بسنده عن عبد اللّه بن كيسان في تفسير قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ (3)عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:أتى رجل من الأنصار رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فقال:هذه ابنة عمي و امرأتي لا أعلم منها إلا خيرا و قد أتتني بولد شديد السواد،منتشر المنخرين،جعد، قطط،أفطس الأنف لا أعرف شبهه في أخوالي و لا في أجدادي.فقال لامرأته:
ما تقولين؟قالت:لا و الذي بعثك بالحق نبيا،ما اقعدت مقعده مني منذ ملكني أحدا غيره،قال(عليه السّلام):فنكس رسول اللّه مليا،ثم رفع بصره إلى السماء،ثم أقبل على الرجل فقال:يا هذا،إنه ليس من أحد إلا بينه و بين آدم تسع و تسعون عرقا كلها تضرب في النسب فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق تسأل اللّه الشبه لها،فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك و لا أجداد أجدادك،خذي إليك ابنك،فقالت المرأة:فرجت عني يا رسول اللّه (4).
5-روى الطبرسي عن أبان بن عثمان في تفسير قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ (5)عن أبي جعفر الباقر:أنه
********
(1) آل عمران169/.
(2) تفسير القرآن،القمي،325/1+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،216/1+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،334/1+مواهب الرحمن،السبزواري،85/7-86.
(3) آل عمران6/.
(4) الشافي في شرح أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،95/3+تفسير نور الثقلين، العروسي الحويزي،159/1-160.
(5) آل عمران145/.
ص: 207
أصاب عليا(عليه السّلام)ستون جراحة و أن النبي(صلى الله عليه و آله)أمر أم سليم و أم عطية أن تداوياه فقالتا:إنا لا نعالج منه مكانا إلا انفتق مكان آخر و قد خفنا عليه فدخل رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و المسلمون يعودونه و هو قرحة واحدة فجعل يمسح بيده و يقول:
إن رجلا لقي هذا في اللّه فقد أبلى و اعذر و كان القرح الذي يمسه رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) يلتئم،فقال علي:الحمد للّه إذ لم أفر و لم أول الدبر،فشكر اللّه له ذلك في موضعين من القرآن و هو قوله: ...وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ (1)و قوله:
وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ (2) .
6-روى العياشي بسنده عن زرارة بن أعين في تفسير قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ (3)عن أبي جعفر الباقر قال:
أتى رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)عمار بن ياسر فقال:يا رسول اللّه،أجنبت الليلة و لم يكن معي ماء،فقال:كيف صنعت؟قال:طرحت ثيابي ثم قمت على الصعيد فتمعكت،فقال:هكذا يصنع الحمار،إنما قال اللّه: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً قال:فضرب بيديه الأرض ثم مسح إحداهما على الأخرى ثم مسح يديه بجبينه ثم مسح كفيه كل واحد منهما على الاخرى (4).
7-روى السيوري في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (5)عن الإمام الباقر قال:أن خيبرية من أشرافهم زنت فكرهوا رجمها فارسلوا الى النبي يستفتونه طمعا في رخصة تكون في دينه(صلى الله عليه و آله)، فقال رسول اللّه:أ ترضون بحكمي؟فقالوا:نعم،فافتاهم بالرجم،فأبوا أن يقبلوا،فقال جبرئيل للنبي(صلى الله عليه و آله):سلهم عن ابن صوريا و اجعله بينك و بينهم
********
(1) آل عمران144/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،515/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،120/3.
(3) المائدة6/.
(4) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،44/1+تفسير القرآن،القمي،372/1،و رواه البخاري و مسلم و النسائي و أبو داود على اختلاف يسير و أنه(صلى الله عليه و آله)علم عمار التيمم عملا،في باب التيمم ضربة،و طريق البخاري هو عن محمد بن سلام قال:اخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق و ذكر الحديث.96/1.
(5) المائدة41/.
ص: 208
حكما،فقال النبي(صلى الله عليه و آله)لهم:أ تعرفون ابن صوريا؟قالوا:نعم،و اثنوا عليه و عظموه،فارسل إليه فأتى فقال له النبي(صلى الله عليه و آله):أنشدك اللّه هل تجدون في كتابكم الذي جاء به موسى(عليه السّلام)الرجم على المحصن؟فقال:نعم،و لو لا مخافتي من رب التوراة أن كتمت لم اعترفت فنزلت يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (1)فقام ابن صوريا و سأله أن يذكر الكثير الذي أمر بالعفو عنه فاعرض عن ذلك،و اسلم ابن صوريا عبد اللّه و كان شابا أمرد،أعور،و كان أعلم يهودي في زمانه (2).
8-روى العياشي في تفسيره،في تفسير قوله تعالى: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (3)عن زرارة و حمران عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قد كان لقى من قومه بلاء شديدا حتى أتوه ذات يوم و هو ساجد حتى طرحوا عليه رحم شاة،فاتته ابنته و هو ساجد لم يرفع رأسه فرفعته عنه و مسحته ثم أراه اللّه بعد ذلك الذي يحب،أنه كان ببدر و ليس معه غير فارس واحد ثم كان معه يوم الفتح اثنا عشر ألفا حتى جعل اللّه أبو سفيان و المشركون يستغيثون (4).
9-روى الطبري و ابن كثير بسندهما عن محمد بن إسحاق عن حكيم بن حكم بن عباد في تفسير قوله تعالى: وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ (5)عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال:لما نزلت على رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و قد كان بعث أبا بكر ليقيم الحج للناس،فقيل يا رسول اللّه لو
********
(1) المائدة15/.
(2) كنز العرفان في فقه القرآن،المقداد السيوري 33/4+مقتنيات الدرر،سيد مير علي الحائري،96/5 و انظر:لباب النقول،السيوطي،90،روى هذا السبب في نزول قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ بلفظ قريب عن عكرمة.
(3) الانفال30/.
(4) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،54/2+تفسير القرآن،القمي،79/2+بحار الأنوار، المجلسي،55/2.و انظر:لباب النقول،السيوطي،106-107 ذكر سببين لنزول هذه الآية، الأول عن ابن عباس،و الثاني عن عبد المطلب بن أبي وداعة.
(5) التوبة3/.
ص: 209
بعثت إلى أبي بكر،فقال:لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي،ثم دعا عليا فقال:اذهب بهذه القصة من سورة براءة و اذّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى أنه لا يدخل الجنة كافر و لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف في البيت عريان فمن كان له عهد عند رسول اللّه فهو له إلى مدته فخرج علي رضي اللّه عنه على ناقة رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)العضباء حتى أدرك أبا بكر في الطريق فلما رآه أبو بكر رضي اللّه عنه قال:أمير أو مأمور؟فقال:بل مأمور،ثم مضيا،فأقام أبو بكر للناس إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج التي كانوا عليها في الجاهلية حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب فأذّن في الناس الذي أمره رسول اللّه فقال:
يا أيها الناس أنه لا يدخل الجنة كافر و لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان و من كان له عهد عند رسول اللّه فهو إلى مدته،فلم يحج بعد ذلك العام مشرك و لم يطف في البيت عريان ثم قدم على رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) (1).
10-روى علي بن إبراهيم بسنده عن زرارة و حمران بن أعين و محمد بن مسلم الطائفي في تفسير قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ (2)عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:حدث أبو سعيد الخدري أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قال:أن جبرئيل قال لي ليلة أسري بي و حين رجعت فقلت:يا جبرئيل هل لك حاجة؟فقال:حاجتي أن تقرأ على خديجة من اللّه و مني السلام،و حدثنا عن ذلك أنها قالت حين لقيها النبي(صلى الله عليه و آله)فقال الذي قال جبريل قالت:إن اللّه هو السلام و منه السلام و إليه السلام و على جبرئيل السلام (3).
11-روى الجزائري في تفسيره،في تفسير قوله تعالى: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها (4)عن الإمام الباقر قال:أمره اللّه تعالى أن يخص أهله
********
(1) جامع البيان،الطبري،47/10+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،333/2-334.
(2) الاسراء1/.
(3) تفسير القرآن،القمي،401/2+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،279/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،942/1.
(4) طه132/.
ص: 210
دون الناس ليعلم الناس أن لأهله منزلة ليست للناس فأمرهم مع الناس عامة ثم امرهم خاصة (1)،ثم قال:بعد نزول الآية كان رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي و فاطمة فيقول:السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،فيقول علي و فاطمة و الحسن و الحسين:و عليك السلام يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته،ثم يأخذ بعضادتي الباب فيقول:الصلاة،الصلاة، يرحمكم اللّه إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2)فلم يزل يفعل ذلك إذا شهد المدينة (3).
12-روى الطبرسي بسنده عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم في تفسير قوله تعالى: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ (4)عن الإمام الباقر قال:أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) كان يقوم من الليل ثلاث مرات فينظر في آفاق السماء و يقرأ الخمس من أواخر آل عمران إلى قوله: إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم يفتتح بصلاة الليل (5).
13-أخرج السيوطي في تفسير قوله تعالى: قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ (6)عن أبي جعفر محمد بن علي رضي اللّه عنه قال:دخل رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)على رجل من الأنصار يعوده فاذا ملك الموت(عليه السّلام)عند رأسه،فقال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):يا ملك الموت ارفق بصاحبي فانه مؤمن،فقال:ابشر يا محمد،فإني بكل مؤمن رفيق، و اعلم يا محمد أني لأقبض روح ابن آدم فيصرخ أهله فأقوم في جانب من الدار فأقول:و اللّه ما لي من ذنب و أن لي لعودة و عودة،الحذر الحذر و ما خلق اللّه من أهل بيت و لا مدر و لا شعر و لا بر و لا بحر إلا و أنا أتصفحهم في كل يوم و ليلة خمس مرات حتى أني لا أعرف بصغيرهم و كبيرهم منهم بأنفسهم،و اللّه يا محمد إني لا أقدر أن أقبض روح بعوضة حتى يكون اللّه تبارك و تعالى هو الذي يأمر بقبضه (7).
********
(1) ظ:البرهان في تفسير القرآن،القمي،32/2.
(2) الاحزاب33/.
(3) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،89/1+ظ:الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،263/11.
(4) الطور49/.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،170/9+كنز العرفان،المقداد السيوري،61/1+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،616/2-617+مقتضيات الدرر،مير سيد علي الحائري،255/10.
(6) السجدة11/.
(7) الدر المنثور،السيوطي،174/5.
ص: 211
اللغة هي الأساس في التعبير القرآني،و إن فهم القرآن الكريم يعتمد أساسا على اللغة فهي أداة التعبير و القرآن نزل بلسان عربي مبين،فمعرفة اللغة العربية شرط أساس في فهم القرآن (1)،و بدون الاستناد عليها في فهم القرآن يكون الفهم ناقصا و معيبا،كما حذر السلف من ذلك،يقول مالك بن أنس رضي اللّه عنه:
لا أوتي برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب اللّه إلا جعلته نكالا (2).
و لهذا فإنّ اللّغة لا يمكن الاستغناء عنها في أي منهج من مناهج التفسير،و هي لا تعد مصدرا مستقلا بل هي أساس كل المصادر (3)،فالتفسير لكي يكون مقبولا يجب أن يعتمد على اللغة ابتداء يقول الطبري في بيان أفضل الطرق لمعرفة كتاب اللّه و أوضحهم برهانا فيما ترجم و بين،مما كان مدركا علمه من جهة اللسان،أمّا بالشواهد من أشعارهم السائرة،و أما من منطقهم و لغاتهم المستفيضة المعروفة (4)،و لهذا كان السلف يحضون على تعلم اللغة العربية كثيرا، فقد قال الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي اللّه عنه:تعلموا العربية كما تعلمون حفظ القرآن (5)،و ما حثهم على ذلك إلاّ لإدراكهم لضرورة اعتماد اللغة في فهم القرآن الكريم و كان الإمام الباقر يوصي بالرجوع في كثير من الأحيان الى اللغة في بيان معاني و ألفاظ القرآن الكريم،و إليك بعض النماذج مما استقصيناه في رجوع الإمام الى اللغة في التفسير:
1-فسر الإمام الباقر(الدين)في قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (6)فقال:
الدين الحساب (7)
********
(1) ظ:القرآن:المعجزة الكبرى،محمد أبو زهرة،586.
(2) البرهان في علوم القرآن،الزركشي،160/2+ايضاح الوقف و الابتداء،الانباري،36/1.
(3) ظ:القرآن،المعجزة الكبرى،الشيخ محمد أبو زهرة،586.
(4) جامع البيان،الطبري،14/1.
(5) المصنف،ابن أبي شيبة،427/10.
(6) الفاتحة3/.
(7) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،36/1+مجمع البيان،الطبرسي،24/1.
ص: 212
2-و عند تفسيره لقوله تعالى: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ (1)قال الإمام الباقر:لا تأكلا منها (2).
3-و فسر الإمام الباقر لفظة(الفوم)في قوله تعالى: ...مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها وَ فُومِها (3)قال الإمام:إنه الحنطة (4).
4-في تفسير قوله تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (5)قال الإمام أبو جعفر الباقر:معنى العهد الأمانة (6).روى العياشي بسنده عن الإمام قال:أي:
لا يكون إماما ظالما (7).
5-روى القمي في تفسيره بسنده عن زرارة و حمران ابني أعين في تفسير قوله تعالى: صِبْغَةَ اللّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً (8)قال الإمام الباقر:الصبغة الاسلام (9).
6-فسر الإمام الباقر قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ (10)فقال:معنى كرسيه علمه (11).
7-و قال الإمام الباقر في تفسير قوله تعالى: وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ (12):القنطار هو ملء مسك ثور ذهبا (13).
********
(1) البقرة35/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،35/1+تفسير القرآن،القمي،45/1+مجمع البيان، الطبرسي،85/1.
(3) البقرة61/.
(4) التبيان في تفسير القرآن،الطوسي،275/1+مجمع البيان،الطبرسي،122/1.و انظر: معاني القرآن،الفراء،41/1 فانه قال:الفوم فيما ذكر لغة قديمة و هي الحنطة و الخبز.
(5) البقرة124/.
(6) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،448/1+مجمع البيان،الطبرسي،202/1.
(7) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،58/1 و انظر:معاني القرآن،الفراء،76/1.
(8) البقرة138/.
(9) تفسير القرآن،القمي،157/1+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،62/1+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،144/1.
(10) البقرة255/.
(11) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،309/2+مجمع البيان،الطبرسي،362/2.
(12) آل عمران14/.
(13) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،411/2+مجمع البيان،الطبرسي،417/2+ تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،262/1+و قال الفراء:واحد قناطير قنطار، و يقال:إنه ملء مسك ثور ذهبا أو فضة.معاني القرآن،الفراء،195/1.
ص: 213
8-و في تفسير قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً (1)قال الإمام الباقر:انما سميت مكة بكة لأنها يبتك بها الرجال و النساء أي يزدحمون (2).
9-و في تفسير قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ (3)قال الإمام الباقر:ربيون عشرة آلاف (4)
10-و في تفسير قوله تعالى: فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (5)قال الإمام الباقر:إن المراد بالثبات السرايا،و بالجميع العسكر (6).
11-و في تفسير لفظة(بهيمة)في قوله تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ (7)عن زرارة عن الإمام الباقر قال:هي الأجنة جمع جنين،التي في بطون الأمهات (8).
12-و في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ (9)عن بكير بن أعين قال:قلت:ما عنى بها؟قال الإمام الباقر:من النوم (10).
13-و في تفسير قوله تعالى: ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (11)عن زرارة عن الإمام الباقر قال:الحرج الضيق (12).
********
(1) آل عمران96/.
(2) تفسير القرآن،القمي،300/1+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،186/1+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،278/1+التفسير الكبير،الرازي،164/8+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،5/2+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،304/1+علل الشرائع،الشيخ الصدوق،397/2.قال الفراء:إنما سميت بكة لازدحام الناس بها يقال: بك الناس بعضهم بعضا:إذا ازدحموا.معاني القرآن،الفراء،227/1.
(3) آل عمران146/.
(4) مجمع البيان،الطبرسي،517/2+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،333/1.قال الفراء:و الربيون الالوف.معاني القرآن،الفراء،237/1.
(5) النساء71/.
(6) مجمع البيان،الطبرسي،73/3+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،409/1.و قال الفراء:يقول إذا دعيتم إلى السرايا،أو دعيتم جميعا،معاني القرآن،الفراء،275/1.
(7) المائدة1/.
(8) تفسير القرآن،القمي،432/1+مجمع البيان،الطبرسي،152/3.
(9) المائدة6/
(10) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،17/1+بحار الأنوار،المجلسي،53/18.
(11) المائدة6/.
(12) تفسير القرآن،القمي،454/1+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،302/1.
ص: 214
14-في تفسير قوله تعالى: وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (1)عن سفيان الثوري عن جابر عن الإمام الباقر قال:الغارمين المستدينين بغير فساد،و ابن السبيل المجتاز من أرض إلى أرض (2).
15-في تفسير قوله تعالى: نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ (3)عن جابر عن الإمام الباقر قال:تركوا طاعة اللّه فنسيهم أي تركهم (4).
16-في تفسير قوله تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ (5)عن جابر عن الإمام الباقر قال:مع النساء (6).
17-في تفسير قوله تعالى: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً (7)قال الإمام الباقر:مدخلا أسرابا في الأرض (8).
18-في تفسير قوله تعالى: نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ (9)عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر قال:صواع الملك،الطاس الذي يشرب فيه (10).
19-في تفسير قوله تعالى: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ (11)قال الإمام الباقر:إلهام (12)
********
(1) التوبة60/.
(2) تفسير القرآن الكريم،سفيان الثوري،85+جامع البيان،الطبري،100/10+الدر المنثور، السيوطي،252/3.قال الفراء:الغارمين:أصحاب الدين الذين ركبهم في غير افساد، و ابن السبيل:المنقطع به أو الضيف.معاني القرآن،الفراء،443/1-444.
(3) التوبة67/.
(4) تفسير القرآن،القمي،137/2+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،65/2-66.
(5) التوبة87/.
(6) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،103/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،720/1.
(7) التوبة57/.
(8) مجمع البيان،الطبرسي،40/5.و قال الفراء:(أو مدخلا)يريد:سربا في الأرض.معاني القرآن،الفراء،443/1.
(9) يوسف72/.
(10) تفسير القرآن،القمي،264/2+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،185/2+بحار الأنوار، المجلسي،186/5+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،849/1.قال الفراء: الصواع ذكر،و هو الإناء الذي كان الملك يشرب فيه،معاني القرآن،51/2.
(11) النحل68/.
(12) تفسير القرآن،القمي،375/2+تفسير العياشي،263/2+الصافي،الفيض الكاشاني،930/1+ بحار الأنوار،المجلسي،714/14+مقتنيات الدرر،مير سيد علي الحائري،151/6.و قال الفراء:و أوحى ربك إلى النحل،ألهمها و لم يأتها رسول،معاني القرآن،الفراء،109/2.
ص: 215
الاستنباط كما قال ابن قيم الجوزية:استنباط المعاني و العلل و نسبة بعضها إلى بعض،فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله و مشبهه و نظيره،و يلغى ما لا يصح،و الاستنباط كالاستخراج و معلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ (1)،و هذا الاستنباط هو ما يسمى بالتأويل في معناه العام،و دعا به النبي(صلى الله عليه و آله)لابن عباس في قوله:اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل (2)، و قد أشار اليه بعض العلماء بقوله:التفسير بالمقتضي من معنى الكلام و المقتضب من قوة الشرع (3)،غير أن الحديث عن الاستنباط أو التأويل بمعناه العام يجرنا إلى الحديث عن معنى التأويل و أنواعه و الفرق بينه و بين التفسير،و البحث في هذه المسألة ليس هنا محله،فلذلك نريد أن نقول:
إن استنباطات الإمام الباقر كثيرة لكثرة ما روي عنه في التفسير،فقد كان غواصا على المعاني،مقتنصا لشوارد المسائل،متلمسا وجه العلة و مناسبة الحكم و قد أورد له الشيخ الصدوق وحده في كتابه علل الشرائع أكثر من«93»مسألة في علل الأحكام و توجيهاتها،و سنورد هنا بعض النماذج على ما قررناه.
1-روى الطبرسي في تفسير قوله تعالى: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَ نِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4)عن الإمام الباقر قال:أي مثلهم في دعائك إياهم إلى الإيمان كمثل الناعق في دعائه و المنعوق به من البهائم التي لا تفهم و إنما تسمع الدعاء (5).
********
(1) اعلام الموقعين،ابن القيم،225/1+التبيان في أقسام القرآن،144.
(2) مسند الإمام أحمد،شرح أحمد محمد شاكر،127/4.
(3) البرهان في علوم القرآن،الزركشي،160/1+الاتقان،السيوطي،128/2.
(4) البقرة171/.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،255/1+مواهب الرحمن،السبزواري،326/2.
ص: 216
و عدّ الشيخ الطوسي هذا التفسير بأنه أكثر في باب الفائدة من أي وجه آخر من التفسير،و قد فسر به ابن عباس،و الحسن،و مجاهد،و قتادة،و اختاره عدد من العلماء كالفراء و الطبري و الرماني (1).
2-روى العياشي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي في تفسير قوله تعالى:
وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها (2) قال:قال الإمام الباقر:يعني أن يأتي الأمر من وجهه،أي الأمور كان (3).
و قد أورد الواحدي روايتين في سبب نزول هذه الآية (4)،غير أن ما فسره الإمام الباقر كان هو معنى الآية الشريفة على نحو المعنى الكلي فيكون ما أورده الواحدي في نزولها من باب ذكر بعض المصاديق.
3-روى الطبرسي في تفسيره،في تفسير قوله تعالى: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ (5)،قال الإمام الباقر:كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة اللّه لا مهتدين و لا ضلالا فبعث اللّه النبيين (6).
و اختلف المفسرون في معنى الأمة المعنية بهذه الآية:
-فقال ابن عباس و قتادة:هم الذين كانوا بين عاد و نوح.
-و قال مجاهد:المراد بالآية آدم،فبعث النبيين إلى ولده،و غير ذلك من الأقوال (7).
و تفسير الإمام الباقر لهذه الآية موافق للأمر التكويني لعدم تشعب الأفكار، بل كانوا على سذاجة الفطرة لا مهتدين بالهداية التشريعية و لا ضلالا بضلالة
********
(1) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،77/2.
(2) البقرة189/.
(3) تفسير العياشي،86/1+تفسير القرآن،القمي،190/1+الصافي في تفسير القرآن، الفيض الكاشاني،171/1.
(4) أسباب النزول،الواحدي،39-40.
(5) البقرة213/.
(6) مجمع البيان،الطبرسي،307/2.
(7) ظ:التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،197/2.
ص: 217
الكفر،لعدم إتمام الحجة بالرسل و عدم حدوثها بعد،فلما بعث اللّه الرسل و أتم الحجة بهم اختلفوا و تفرقوا (1).
4-روى الشيخ الصدوق في العلة التي من أجلها دعا نوح على قومه بسنده عن سدير الصيرفي قال:قلت لأبي جعفر(عليه السّلام):أ رأيت نوحا(عليه السّلام)حين دعا على قومه فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً (2)،قال الإمام:علم أنه لا ينجو من بينهم أحد،قال:قلت:و كيف علم ذلك؟قال:أوحى اللّه إليه أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ (3)فعند هذا دعا عليهم بهذا الدعاء (4).
5-سنورد هنا مثالا على طوله لنبين مدى استطاعة الإمام الباقر في استنباط المعاني للآيات القرآنية الكريمة،فقد روى محمد بن يعقوب الكليني بسنده عن حمران و زرارة ابني أعين و محمد بن مسلم الطائفي،في تفسير قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)،عن الإمام الباقر قال:إن اللّه إذا أراد أن يخلق النطفة التي هي مما أخذ عليه الميثاق من صلب آدم(عليه السّلام)أو مما يبدو له فيه و يجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع و أوحى إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي و قضائي النافذ و قدري، فتفتح بابها،فتصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما ثم تصير لحما فيه عروق متشابكة،ثم يبعث اللّه ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء اللّه،يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة،فيصلان إلى الرحم و فيها الروح القديمة في أصلاب الرجال و أرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة و البقاء،و يشقان له السمع و البصر و الجوارح و جميع ما في البطن بإذن اللّه تعالى،ثم يوحي اللّه إلى الملكين،اكتبا عليه قضائي و قدري
********
(1) ظ:مواهب الرحمن،السبزواري،290/3.
(2) نوح26/-27.
(3) هود36/.
(4) علل الشرائع،الشيخ الصدوق،31/1.
(5) آل عمران6/.
ص: 218
و نافذ أمري و اشترطا لي البداء فيما تكتبان فيقولان،يا رب ما نكتب؟فيوحي اللّه(عزّ و جلّ)إليهما:أن ارفعا رءوسكما إلى رأس أمه،فيرفعان رأسيهما فإذا اللوح يقرع جبهة أمه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته و زينته و أجله و ميثاقه سعيدا أو شقيا و جميع شأنه،فيملي أحدهما على صاحبه،فيكتبان جميع ما في اللوح و يشترطان البداء فيما يكتبان،ثم يختمان الكتاب و يجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن أمه،قال:فربما عتا فانقلب،و لا يكون ذلك إلا في كل عات أو ما رد و إذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام أوحى اللّه للرحم أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي و ينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال:فتفتح الرحم باب الولد فينقلب فتصير رجلاه فوق رأسه و رأسه في أسفل البطن ليسهل اللّه على المرأة و على الولد الخروج،فيبعث اللّه(عزّ و جلّ)ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فإذا احتبس زجره الملك زجرة أخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكيا فزعا من الزجرة (1).
في هذا الحديث يبين الإمام الباقر جملة وافرة من أسرار التكوين ببيان واضح جلي معتمدا على قوة استنباطه و غوصه على المعاني القرآنية من خلال الآيات، و الأمور التي ذكر فيها أسرارا معنوية و أسرارا تكوينية حقيقية لا تنافي الأسباب الطبيعية المعروفة،إذ يمكن أن يكون في شيء واحد أسباب جلية واضحة، و أسباب خفية معنوية لا يحيط بها إلا اللّه تعالى،و هما في الواقع يرجعان إلى منشأ واحد،و كل واحد منهما يكون من المقتضي لتحصيل المعلول،أو يكون كل واحد منهما علة تامة مترتبة كل سابقة علة للاحقتها،فيصير كل واحد علة تامة من جهة و مقتضيا من جهة أخرى.
و أما قوله(عليه السّلام):النطفة التي مما أخذ اللّه عليها الميثاق،فهو مطابق تمام الانطباق للقانون العقلي و هو انبعاث المعلول عن علته،و لا ريب في أن جميع الموجودات خصوصا النطفة التي لا يريد أن يجعلها بشرا سويا أتم خلق اللّه و أهمه،و ارتباطه تكوينا مع اللّه ثابت و يصح أن يعبر عن هذا الارتباط بالميثاق،
********
(1) الشافي في أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،34/1.
ص: 219
قال تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ (1).
6-روى علي بن إبراهيم في تفسيره،في تفسير قوله تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ (2)عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:شهد اللّه أنه لا إله إلا هو،فإن اللّه تبارك و تعالى يشهد بها لنفسه و هو كما قال،فأما قوله(و الملائكة)فإنه أكرم الملائكة بالتسليم لربهم و صدقوا و شهدوا كما شهد لنفسه،و أما قوله تعالى(و أولي العلم قائما بالقسط)فإنّ أولي العلم الأولياء و الأوصياء،و هم قيام بالقسط،و القسط هو العدل (3).
و بيان هذا الحديث الذي استطاع الإمام الباقر فيه أن يستنبط معناه من الآية الكريمة فهو إمّا جهة إكرام الملائكة لأنه تعالى ذكرهم بعد نفسه الأقدس،و إمّا التسليم لربهم فلا ريب في أن المجردات مطلقا خاضعة خضوعا تكوينيا للّه جل جلاله لذاته و لجميع صفاته خصوصا لوحدانيته تعالى،و أنه جلت عظمته يتجلى لهم بوحدانيته فتكون شهادة الملائكة بالتوحيد بتجليه تبارك و تعالى لهم بتلك الصفة،و لو لوحظ مراعاة الاصطلاح تكون شهادتهم من عين اليقين فضلا عن حق اليقين،و أما قوله(عليه السّلام)(و هم قيام بالقسط)فهو من ذكر المصدر من باب المبالغة في التعبير و الاختصاص للقيام بخصوص أولي العلم بل يشمل الملائكة أيضا (4).
7-روى العياشي في تفسيره،في تفسير قوله تعالى: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ (5)عن زرارة بن أعين قال:سألت أبا جعفر عن قوله
********
(1) الأعراف172/.
(2) آل عمران18/.
(3) تفسير القرآن،القمي،273/1+تفسير العياشي،165/1-166+الصافي في تفسير القرآن، الفيض الكاشاني،250/1.
(4) ظ:مواهب الرحمن،السبزواري،182/5.
(5) آل عمران158/.
ص: 220
تعالى: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ و قد قال تعالى كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (1)فقال أبو جعفر الباقر:قد فرق اللّه بينهما،ثم قال:أ كنت قاتل رجل لو قتل أخاك؟قلت:نعم،قال:فلو مات موتا أ كنت قاتلا به أحدا؟قلت:
لا،قال:أ لا ترى كيف فرق اللّه بينهما (2).
و لا ريب في اختلاف أصناف الموت و أنواعه و لا ربط لأحد الأصناف و الأنواع بالآخر،فذات الموت شيء و القتل شيء آخر و إن كان الأخير سببا له، و هو-أي الإمام الباقر-يبين منشأ الخلاف و السائل تمسك بذكر جنس الموت كما في قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (3).
و للإمام الباقر استنباطات كثيرة و خاصة في الأحكام الفقهية و غيرها تدل على عمق فهمه،و حسن استنباطه،و في أكثرها إجابة لتساؤلات من أصحابه و تلامذته أو من عامة الناس،فقد كان يرجع إليه الكثير من العلماء في مثل تلك الاستنباطات.
و أخيرا:إن المتتبع لأقواله و آرائه في التفسير يجد غوصه في المعاني و استنباطه الأحكام واضحا جليا،فهو يعلل و يقارن و يوجه و يستنبط من الآية ما تشير إليه من معان قد لا تدرك بسهولة و يسر إلا للمتبحرين من العلماء،و كيف لا يتأتى ذلك للإمام أبي جعفر الباقر و هو الذي لقب بباقر علوم الأولين و الآخرين و قد تحصل إجماع العلماء على ذلك.
***
********
(1) آل عمران185/.
(2) تفسير العياشي،202/1+تفسير القرآن،323/1+بحار الأنوار،المجلسي،70/9.
(3) ظ:المواهب الرحمن،السبزواري،235/6-236.
ص: 221
ص: 222
و يتضمن الفصل الأول جهود الإمام الباقر في علوم القرآن الفصل الثاني آراؤه و أثرها في تفسير آيات العقائد الفصل الثالث جهوده و أثرها في تفسير آيات الأحكام الفصل الرابع الجانب التربوي و الأخلاقي في تفسير الإمام الباقر الفصل الخامس قيمة تفسيره و خصائصه و أثره في غيره
ص: 223
ص: 224
و يتضمن:
*المبحث الأول:آراؤه في الناسخ و المنسوخ و موقفه منه
*المبحث الثاني:جهوده في علم أسباب النزول و توجيهه لها
*المبحث الثالث:جهوده في القراءات القرآنية
*المبحث الرابع:جهوده في فضائل القرآن الكريم
*المبحث الخامس:جهود الإمام الباقر في القصص القرآني و موقفه من الاسرائيليات
ص: 225
ص: 226
آراؤه في الناسخ و المنسوخ و موقفه منه
من المسائل المهمة في علوم القرآن هي معرفة الناسخ و المنسوخ بل و في التفسير أيضا،حتى أن العلماء قد نقلوا قول الإمام علي بن أبي طالب لقاض:أ تعرف الناسخ و المنسوخ؟قال:لا،قال الإمام:إذن هلكت و أهلكت (1)،و قال أئمة العلم كذلك لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب اللّه إلا بعد أن يعرف الناسخ و المنسوخ،و هو ما خلص اللّه به هذه الأمة لحكم منها:التيسير و تدرج الأحكام، و النسخ واقع بالقرآن و السنة و لكل منهما (2).
و الاعتراض على هذا القول يبدو في حكمة النسخ من تدرج الأحكام باعتبار أن التدرج في الحكم غير النسخ بالاصطلاح،فالتدرج كان لحكمة اقتضتها التربية الالهية التي أراد اللّه سبحانه و تعالى أن يربي بها خلقه،و أما النسخ في الاصطلاح:فهو رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه (3).و الفرق واضح بين التدرج و الرفع حتى في اللغة فلا يحتاج إلى مزيد توضيح.
و يبدو أن العلماء قد ولعوا ولوعا شديدا في هذه المسألة-و هو موقفهم من النسخ-حتى أنهم انقسموا إلى ثلاثة مذاهب مأخوذة من اثنتين و هي كما يأتي:
الأول:قال بعض العلماء بوقوع النسخ بشكل كبيرا جدا،حتى أنهم قطعوا أوصال الآية الواحدة،فزعموا أن أولها منسوخ و آخرها ناسخ،كقوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (4) فان آخر
********
(1) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،62/2+الاتقان،السيوطي،20/2+روح المعاني، الآلوسي،231/4+مناهل العرفان،الزرقاني،19/1.
(2) ظ:الناسخ و المنسوخ،هبة اللّه بن سلامة،4+الاتقان،السيوطي،20/2+معرفة الناسخ و المنسوخ+149/2+الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار،الحازمي،19.
(3) ظ:إرشاد الفحول،الشوكاني،171+مناهل العرفان،الزرقاني،72/2+علم أصول الفقه، عبد الوهاب خلاف،251+علوم القرآن و التفسير،د.محسن عبد الحميد،41.
(4) المائدة،105.
ص: 227
الآية يدعو إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،و هو بذلك ناسخ لأولها عند ابن العربي مثلا (1).
الثاني:ما مثله أبو مسلم الأصفهاني بإنكاره لوقوع النسخ في القرآن الكريم و سماها تخصيصا تجنبا منا-كما ظن-لإبطال حكم قرآني أنزله اللّه تعالى (2).
الثالث:و من العلماء من أقرّ بوقوع النسخ في القرآن الكريم،إلا أنهم قد اقتصروا على عدد قليل من الآيات (3).و من المحدثين من اقتصر به على آية واحدة فقط منهم المحقق الخوئي و أستاذنا الدكتور الجميلي (4)و اشترط العلماء للنسخ عدة شروط يجب تحققها في الناسخ و المنسوخ على حد سواء لكي يضيقوا من دائرته في القرآن الكريم (5).
غير أنه لا خلاف بينهم في وقوعه إجمالا في القرآن الكريم،فإن كثيرا من أحكام الشرائع السابقة نسخت بأحكام الشريعة الإسلامية و أن جملة من أحكام هذه الشريعة قد نسخت بأحكام أخرى من هذه الشريعة نفسها،فقد نص القرآن الكريم مثلا على نسخ التوجه في الصلاة إلى القبلة الأولى و هذا مما لا ريب فيه (6).
و للإمام الباقر جهود في الناسخ و المنسوخ بعد أن قرر في رواية صحيحة رواها عنه زرارة بن أعين قال:نزل القرآن ناسخا و منسوخا،و هذا يعني أن النسخ واقع في القرآن الكريم،و ليس التقييد بأن القرآن كله ناسخ و منسوخ إذ من غير المعقول أن يكون قول الإمام الباقر في أعلاه محمولا على هذا،و لم يرد عنه(عليه السّلام)سوى روايات قليلة جدا في الناسخ و المنسوخ لم تتجاوز(6)روايات في حدود ما استطعنا استقراءه،و إليك تلك الروايات:
أولا:في قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا
********
(1) أحكام القرآن،ابن العربي،205/1+ظ:مباحث في علوم القرآن،د.صبحي الصالح،264 و انظر مصادره.
(2) ظ:البرهان في علوم القرآن،الزركشي،33/2+مناهل العرفان،الزرقاني،81/2+مباحث في علوم القرآن،د.صبحي الصالح،262.
(3) ظ:الاتقان،السيوطي،20/2-24.
(4) ظ:البيان في تفسير القرآن،الخوئي،296-403+محاضرات استاذنا الدكتور الجميلي.
(5) ظ:أصول الفقه الإسلامي،محمد مصطفى شلبي،359+النسخ في القرآن الكريم، د.مصطفى زيد،180/1-204..
(6) ظ:البيان في تفسير القرآن،الخوئي،303.
ص: 228
وَ اصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) .قال ابن عباس:يأمره بالقتل و السبي لبني قريظة،و الجلاء لبني النضير.
و قال قتادة:يأمره بالقتال و قال:هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ (2)،و أيده الربيع و السدي.
و قيل:نسخت بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (3).
و بعد أن أفاض الرازي و الطبرسي في بيان ذلك الخلاف خلصا إلى قول الإمام الباقر:أنه لم يؤمر رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)بقتال حتى نزل جبرئيل(عليه السّلام)بقوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (4)و قلده سيفا،فكان أول قتال قاتل أصحاب عبد اللّه بن جحش ببطن نخل و بعده غزوة بدر (5).
ثانيا:و عد الإمام الباقر آية السيف ناسخة لقوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً (6)،عند ما قال:نزلت-هذه الآية-في أهل الذمة ثم نسخها قوله تعالى:
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ (7) (8) .
قال السيوطي:إن قوله تعالى: قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً خبر لا نسخ فيه لأنه حكاية عما أخذه اللّه من الميثاق على بني اسرائيل (9).
ثالثا:في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)،أخرج العلماء بأسانيد صحيحة عن أبي بصير
********
(1) البقرة109/.
(2) التوبة29/.
(3) التوبة5/.
(4) الحج39/.
(5) التفسير الكبير،الرازي،264/3+مجمع البيان،الطبرسي،185/1.
(6) البقرة83/.
(7) التوبة29/.
(8) تهذيب الأحكام،الشيخ الطوسي،127/6+تفسير العياشي،132/2+مقتنيات الدرر، علي الحائري،222/1.
(9) الاتقان،السيوطي،22/2.
(10) البقرة240/.
ص: 229
قال:سألت أبا جعفر عن هذه الآية فقال:هي منسوخة نسختها الآية: ...يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (1)،و نسختها آية الميراث (2).
و هو مما اتفق عليه العلماء،و يعضد هذه الرواية قول الإمام الصادق:كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا،ثم أخرجت بلا ميراث، ثم نسختها آية الربع و الثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها (3).
و قد نسب الطبرسي الرواية الأولى للإمام الصادق أيضا (4)،و هذا مخالف لما أجمع عليه علماء الإمامية من أنها رواية أبي بصير عن الإمام الباقر كما تقدم.
رابعا:في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (5)،
اختلفت أقوال العلماء في قوله تعالى: حَقَّ تُقاتِهِ على عدة وجوه منها:
1-عن ابن عباس و ابن مسعود و الحسن و قتادة أن معناه:أن يطاع و لا يعصى و يشكر فلا يكفر و يذكر فلا ينسى.
2-عن مجاهد:أنه المجاهدة في اللّه تعالى و أن لا تأخذه فيه لومة لائم،و أن يقام له بالقسط في الخوف و الأمن.
3-عن أبي علي الجبائي:أنه اتقاء جميع معاصيه (6).
4-أما الإمام الباقر فإنه قال:إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (7)(8).
المراد من المنسوخ هنا المرتبة الأخيرة في علم الأخلاق و التي تسمى بتقى أخص الخواص و هي لا يستطيع الوصول إليها غير الأنبياء و من بمنزلتهم.
********
(1) البقرة234/.
(2) تفسير القرآن،القمي،225/1-226+تفسير العياشي،122/1+بحار الأنوار،المجلسي، 137/23-138.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،345/2.
(4) ظ:المصدر نفسه و الصفحة.
(5) آل عمران102/.
(6) مجمع البيان،الطبرسي،482/2.
(7) التغابن16/.
(8) مجمع البيان،الطبرسي،482/2.
ص: 230
و المراد بالنسخ هنا على قول الإمام الباقر هو عدم وجوب مراعاتها-أي تقوى أخص الخواص-رفعا للعسر و الحرج و تسهيلا على الأمة،و أما لو راعاها أحد مع مراعاة القواعد الشرعية فلا محذور فيه إطلاقا (1).
خامسا:في قوله تعالى: وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً* وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللّهَ كانَ تَوّاباً رَحِيماً (2).
اختلفت أقوال علماء الأمة في حكم هاتين الآيتين على عدة وجوه و هي:
1-ذهب عكرمة و عبادة بن الصامت في رواية الحسن عن الرقاشي عنه،أن الآية الأولى منسوخة بالثانية،و الثانية منسوخة في البكر من الرجال و النساء إذا زنى بأن يجلد مائة جلدة و ينفى عاما،و في الثيب منهما أن يجلد مائة،و يرجم حتى الموت.
2-ذهب قتادة و محمد بن جابر إلى:أن الآية الأولى مخصوصة بالثيب و الثانية بالبكر و قد نسخت كلتاهما بحكم الجلد و الرجم.
3-ذهب ابن عباس و مجاهد و من تبعهما كأبي جعفر النحاس إلى:أن الآية الأولى مختصة بزناء النساء من ثيب أو بكر،و الآية الثانية مختصة بزناء الرجال ثيبا كان أو بكرا،و قد نسخت كلتاهما بحكم الرجم و الجلد (3).
و كيف كان هذا الاختلاف،فقد ذكر أبو بكر الجصاص أن الأمة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين (4)،و قد جاء عن الإمام الباقر في روايتين بطريقين مختلفين سندهما صحيح ما يلي:
الأولى:عن جابر بن يزيد الجعفي قال:سألته-يعني الإمام الباقر-عن قوله تعالى: وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ
********
(1) ظ:مواهب الرحمن،السبزواري،232/6.
(2) النساء15/-16.
(3) الناسخ و المنسوخ،أبو جعفر النحاس،98.
(4) أحكام القرآن،الجصاص،107/2.
ص: 231
فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً قال:منسوخة،و السبيل هو الحدود (1).
الثانية:عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر في حديث طويل قال فيه:
و سورة النور أنزلت بعد سورة النساء،و تصديق ذلك أن اللّه(عزّ و جلّ)أنزل في سورة النساء وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً و السبيل هو الذي قال اللّه(عزّ و جلّ): سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)(3).
و قال بعض المفسرين:أن هذا الحكم غير منسوخ لأن الحبس لم يكن مؤبدا بل كان مستندا إلى غاية فلا يكون بيان الغاية ناسخا له (4)،و هذا مردود لأن النسخ ما هو إلا رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر لارتفاع أمد الأول و زمانه،و كان بهذا تفسير الإمام الباقر مطابقا لما جاء عن ابن عباس و مجاهد و من تابعهما.
سادسا:في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)،فقد سئل الإمام الباقر عن هذه الآية فقال:قدم علي بن أبي طالب بين يدي نجواه صدقة،ثم نسخها قوله تعالى: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (6)(7).
********
(1) تفسير العياشي،227/1+تفسير القرآن،القمي،353/1+مقتنيات الدرر،الحائري،62/3.
(2) النور1/-2.
(3) الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،152/2+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،378/1.
(4) ظ:مجمع البيان،الطبرسي،21/4.
(5) المجادلة12/.
(6) المجادلة13/.
(7) تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،676/2.
ص: 232
و ذهب أكثر العلماء إلى ذلك،فقد استفاضت الروايات من الفريقين:أن الآية المباركة لما نزلت لم يعمل بها سوى علي بن أبي طالب فكان له دينار فباعه بعشرة دراهم فكان كلما ناجى الرسول(صلى الله عليه و آله)قدم درهما حتى ناجاه عشر مرات (1).
و بهذه الرواية نكون قد استقصينا و ذكرنا كل ما نقل في كتب التفسير عن الإمام الباقر من روايات في الناسخ و المنسوخ بينت ما له من جهد فيه على الرغم من قلته،غير أنه مثل من جهة أخرى انضمام الإمام الباقر للمذهب الثاني بشقه الأول من أن النسخ قد اقتصر على عدد قليل جدا من الآيات الكريمة،و هذا مما يجعلنا نميل إلى القول بقلة وقوع النسخ في القرآن الكريم.
جهوده في علم أسباب النزول و توجيهه لها
أن معرفة أسباب النزول يعين كثيرا على فهم المراد من الآية أو الآيات النازلة بأسبابها،فان العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب،و أنه لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها و بيان نزولها فبيان النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن (2).إذن مفهوم سبب النزول هو:ما نزلت الآية أو الآيات من أجله مجيبة عنه أو حاكية له أو مبينة لحكمه بقيد زمن وقوعه (3).
و قد جعل المفسرون علم أسباب النزول علما تطبيقيا،فهو يأخذ معناه العام باعتبار أن سبب النزول له علاقة بالآية القرآنية المراد تفسيرها،فسبب النزول عندهم هو لفهم المراد من الآية أو ما له علاقة باستنتاج الحكم.
و بالجملة يمكن تقسيم النزول عند العلماء إلى:
********
(1) جامع البيان،الطبري،15/28+أسباب النزول،الواحدي،294-295+فتح القدير، الشوكاني،186/5+مجمع البيان،الطبرسي،253/9+تفسير البرهان،سيد هاشم البحراني،1099/2.و قد تعرض لنقل جملة منها محمد باقر المجلسي في المجلد التاسع من بحار الأنوار صفحة 170.
(2) البرهان في علوم القرآن،الزركشي،22/1+مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،47+ الاتقان،السيوطي،108/1.
(3) مباحث في علوم القرآن،د.صبحي الصالح،132.
ص: 233
1-وقت النزول:أي مكي أو مدني،في سلم أو حرب،في ليل أو نهار.
2-مكان النزول:أي في مكة أو المدينة أو في مكان ليس في مكة أو المدينة.
3-موضوع الآية:و هو أهم أقسام النزول لارتباطه بالحكم الموجود في الآية،و ينقسم إلى:
أ-توضيح لرؤية تاريخية:فان بعض الآيات القرآنية نزلت لتوضيح بعض المسائل التاريخية التي تحتاج إلى توضيح.
ب-الحادثة التي وقعت و سبقت نزول الآيات النازلة بصددها.
ج-سؤال وجه إلى النبي(صلى الله عليه و آله)و لم يجب عليه انتظارا للوحي.
د-سلوك من النبي(صلى الله عليه و آله)يرد عليه القرآن الكريم و يوجهه.
و تعد هذه العناصر الأربعة هي مدار البحث عند الدارسين لعلم أسباب النزول، فإذا خرج موضوع الآية عن هذه العناصر محّصه العلماء و فتشوا عن صحيحه من سقيمه لأن التفاسير المتنوعة و لا سيما التي لا تمحص الروايات تمحيصا جيدا فيها أسباب كثيرة تذكر للآيات و هي ضعيفة السند أو باطلة في المعنى أو مخالفة للوقائع التاريخية (1)أما عن مصادر الرواية في أسباب النزول،فقد شدد العلماء على الأخذ بها باعتبار أنها ليس فيها رأي اجتهادي أو عقلي بل أن العملية كلها لا تعدو أن تكون عملية سماعية أي(نقل و رواية)فلذلك يمكن أن نقسم مصادر الرواية إلى:
الذين كانوا شهودا صادقين لأسباب النزول و هم المصدر الرئيس في قبول الرواية فيه،قال الواحدي:لا يحل القول في أسباب النزول،إلا بالرواية و السماع ممن شاهدوا الوحي و التنزيل،و وقفوا على الأسباب (2).
و قال محمد بن سيرين:سألت عبيدة عن آية في القرآن فقال:اتق اللّه و قل سدادا،ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن (3).
********
(1) المصدر نفسه،135+علوم القرآن و التفسير،د.محسن عبد الحميد،38.
(2) أسباب النزول،الواحدي،8.
(3) المصدر نفسه،9+لباب النقول،السيوطي،13+التبيان في علوم القرآن،محمد علي الصابوني،29.
ص: 234
و نقل السيوطي قول الحاكم في علوم الحديث:إذا أخبر الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فانه حديث مسند،و وافقه ابن الصلاح و غيره (1).
إذن يشترط أولا في الأخذ بأسباب النزول أن تؤخذ عن الصحابي و يجب أن يكون هذا الصحابي ممن شاهد الوحي و التنزيل أو سأل النبي(صلى الله عليه و آله)عن نزول الآية أو الآيات،و يجب أيضا أن لا يكون رأي اجتهادي في النقل.
لا يؤخذ بقول التابعي في هذا المجال إلا إذا اعتضدت روايته بمرسل آخر رواه أحد أئمة التفسير الذين ثبت أخذهم عن الصحابة كعكرمة و مجاهد و سعيد بن جبير و عطاء و الحسن البصري و سعيد بن المسيب و الضحاك (2).
و يمكن أن نجعل هذا على شكل شروط و هي كما يأتي:
1-يلزم التابعي أن يسند الأثر أو الرواية إلى الصحابة.
2-أن لا يكون للتابعي رأي فيه.
3-أن يعضد رواية التابعي مرسل عن تابعي آخر.
4-أن يكون الصحابي المسند إليه الحديث أو الرواية ممن شاهد الوحي و التنزيل.
5-مع مراعاة صفات الضبط و العدالة في التابعي.
الأصل فيهم أن لا يؤخذ إلا كما يؤخذ الحديث المسند مع شروط الإسناد عند الصحابة و التابعين،و ذلك لوجود فترة زمنية بعيدة جدا بينهم و بين أسباب النزول.
********
(1) لباب النقول،السيوطي،13-14+الاتقان،السيوطي،29/1-30+علوم القرآن و التفسير، د.محمد عبد الحميد،38.
(2) الاتقان،السيوطي،52/1-53.
ص: 235
قبل أن نستعرض ما أثر عن الإمام الباقر في أسباب النزول،نود أن نسجل مشاركته في إبداء رأي في تاريخ النزول،فقد روى عبد اللّه بن كيسان عن الإمام الباقر أنه قال:نزل جبرائيل(عليه السّلام)على محمد(صلى الله عليه و آله) فقال:يا محمد اقرأ،قال:ما أنا بقارئ،قال:اقرأ باسم ربك الذي خلق،و قال:أول ما نزل من القرآن بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و العلق أول سورة نزلت (1).
و بعد أن تقصينا أسباب النزول التي ذكرها الإمام الباقر في كتب التفسير كانت تربو على(156)سببا،نذكر منها نماذج مع تصحيحه لبعضها:
1-في سبب نزول قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (2).قال الإمام الباقر:كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين،إذا لقوا المسلمين حدثوهم بما في التوراة من صفة النبي محمد(صلى الله عليه و آله) فنهاهم كبراؤهم عن ذلك و قالوا:لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمد فيحاجوكم به،فنزلت الآية (3).
2-عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر قال:أما قوله تعالى:
وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (4) فانه نزل في علي بن أبي طالب حين بذل نفسه للّه و لرسوله ليلة اضطجع على فراش رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)لما طلبته كفار قريش (5).
********
(1) تفسير القرآن،القمي،430/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،833/2. و قارن بأسباب النزول،الواحدي،12.
(2) البقرة76/.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،142/1+مقتنيات الدرر،الحائري،208/1.و قارن بالتبيان، الشيخ الطوسي.315/1 أورد الرواية عن السدي قريبة مما رويناه و قال:و مثله ما روي عن أبي جعفر(عليه السلام).و قارن بتفسير ابن كثير،116/1 أورد رواية مشابهة لما أوردناه عن الحسن البصري،و قارن كذلك بما ورد في لباب النقول،السيوطي،20.
(4) البقرة207/.
(5) تفسير العياشي،101/1+تفسير القرآن،القمي،208/1+بحار الأنوار،المجلسي،123/7.
ص: 236
و روى الشيخ الطوسي عن الإمام الباقر أنه قال:نزلت في علي(عليه السّلام)حين بات على فراش رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)لما أرادت قريش قتله،حتى خرج رسول اللّه و فات المشركين أغراضهم،و به قال عمر بن شبة (1).
3-أخرج السيوطي باسناده عن عبد بن حميد عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي الباقر قال:لما أمر النبي(صلى الله عليه و آله)بصدقة الفطر جاء رجل بتمر رديء فأمر النبي(صلى الله عليه و آله)الذي يخرص النخل أن لا يجيزه،فأنزل اللّه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (2)(3).
4-في سبب نزول قوله تعالى: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (4)قال الإمام الباقر:نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة و هم نحو من أربعمائة رجل لم
********
(1) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،183/2،و رواه أيضا في اماليه بأسانيده عن زين العابدين و ابن عباس و أنس و عمرو بن العلاء و عن أبي اليقظان عمار عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،و رواه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بخمسة طرق،206/1-208،و رواه الطبرسي في مجمع البيان عن ابن عباس،301/2 و الثعلبي في الجزء الأول من تفسيره عن ابن عباس و عن جابر عن الباقر،و في تفسير آلاء الرحمن،محمد جواد البلاغي،/1 184،و في مواهب الرحمن،السبزواري،241/3.و رواه جمع غفير من علماء الحديث و التفسير من الفريقين.
و من الجدير بالذكر أن الطبري أخرج بسنده عن عكرمة في تفسيره،186/2-187 سببا آخرا لنزول هذه الآية الكريمة و قد تابعه ابن كثير في تفسيره،247/1 من أن الآية نزلت في صهيب الرومي أو أبي ذر و تابعهما الواحدي في أسباب النزول،46.و كذلك السيوطي في الدر المنثور،123/1 و لباب النقول،40-41.و يمكن الجمع بين هذه الأخبار المتعارضة فقد تتعدد الأسباب الصحيحة المتكافنة التي لا نستطيع أن نرجح سببا على آخر، فتتنزل بموجبها آية واحدة فتكون من باب تعدد الأسباب و النازل واحد.
(2) البقرة267/.
(3) الدر المنثور،السيوطي،325/1 و قال في لباب النقول ص 49 روى الحاكم و الترمذي و ابن ماجة عن البراء قال:نزلت هذه الآية فينا،و ساق نفس الرواية و كذلك رواها عن جابر، و أخرجها أيضا الطبري في تفسيره،55/3 عن البراء و الإمام علي،و ابن كثير في تفسيره، 320/1،و الواحدي في أسباب النزول ص 62 عن البراء،و رواه الطبرسي،380/3 عن الإمام علي و البراء و الحسن و قتادة،و الطوسي في تفسيره،344/3 و العياشي في تفسيره، 149/1 فقد أخرج عن زرارة بن أعين عن الإمام الباقر نفسها الرواية.
(4) البقرة273/.
ص: 237
يكن لهم مساكن بالمدينة و لا عشائر يأوون إليها فجعلوا أنفسهم في المسجد و قالوا نخرج في كل سرية يبعثها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فحث اللّه الناس عليهم و كان الرجل إذا أكل و عنده فضل أتاهم به إذا أمسى (1).
5-في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (2)قال الإمام الباقر:أن الوليد بن المغيرة كان يربي في الجاهلية و قد بقيت له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم،فنزلت الآية (3).
6-في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً (4)عن زياد بن المنذر عن الإمام الباقر قال:كان في الجاهلية في أول ما أسلموا من قبائل،إذا مات حميم الرجل و له امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها فورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها فكان يرث نكاحها كما يرث ماله، فلما مات أبو قيس بن الأسلت ألقى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه و هي كبيشة بنت معمر بن معبد فورث نكاحها ثم تركها لا يدخل بها و لا ينفق عليها فأتت رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فقالت:يا رسول اللّه مات أبو قيس بن الأسلت فورث ابنه محصن نكاحي فلا يدخل علي و لا ينفق علي و لا يخلي سبيلي فألحق بأهلي،فقال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):ارجعي إلى بيتك فإن يحدث اللّه في شأنك شيئا علمتك به،فنزل قوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلاً (5)فلحقت بأهلها و كانت نساء في
********
(1) مجمع البيان،الطبرسي،387/2+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،303/1.و لم يذكر هذا السبب و لا غيره كل من:الطبري في تفسيره،65/2 و ابن كثير في تفسيره،236/1 و الطوسي في تفسيره،355/3 و الواحدي في أسباب النزول،63 و السيوطي في لباب النقول،49.عند تفسيرهم لهذه الآية.
(2) البقرة278/.
(3) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،365/3+مجمع البيان،الطبرسي،392/2+ قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،246/2+مواهب الرحمن،السبزواري،473/4-474. و قارن بأسباب النزول،الواحدي،65+لباب النقول،السيوطي،50.
(4) النساء19/.
(5) النساء22/.
ص: 238
المدينة قد ورث نكاحهن كما ورث نكاح كبيشة غير أنه ورثهن من الأبناء فأنزل اللّه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً (1)(2).
و في أسباب الواحدي و لباب السيوطي عن عكرمة عن ابن عباس في الآية الشريفة قال:كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها،و إن شاءوا زوجوها و أن شاءوا لم يزوجوها و هم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية (3).
و كل هذه الروايات من الفريقين تنكر ما كان شائعا في الجاهلية من أنه يجرون على النساء حكم المتاع و العروض،بل يستفاد من الآية أنها كانت بزعمهم بمنزلة أي شيء آخر لا إرادة لها و لا اختيار و ذلك من إضافة الوراثة إلى النساء إلا أن وراثة النساء كانت وراثة خاصة لم تكن في عرض وراثة سائر الأموال.
فجاءت هذه الآية المباركة لكي تنهى عن تلك العادات التي لم ينزل بها سلطان،و تضمنت قوانين الهية و عقلية قررها الوحي المبين و هي أمور اجتماعية مما يسعد بها المجتمع و الحياة الزوجية.
7-في سبب نزول قوله تعالى: ...إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ (4)قال الطبرسي المروي عن أبي جعفر الباقر أنه قال:المراد بقوله: قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ هو هلال بن عويمر السلمي واثق عن قومه رسول اللّه فقال في موادعته على أن لا تحيف يا محمد من أتانا و لا نحيف من أتاك،فنهى اللّه أن يتعرض لأحد عهد إليهم و به قال السدي و ابن زيد (5).
********
(1) النساء19/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،22/3+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،82/3+تفسير القرآن،القمي، 134/1+الميزان في تفسير القرآن،محمد حسين الطباطبائي،258/4.
(3) أسباب النزول،الواحدي،102-103+لباب النقول،السيوطي،65.
(4) النساء90/.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،88/5.و روى هذا السبب بلفظ قريب الواحدي في أسباب النزول ص 117 عن مجاهد،و أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس باللفظ نفسه.انظر: لباب النقول،السيوطي،76،و ذكر ابن كثير سببا آخر لنزول هذه الآية،532/1.
ص: 239
و معنى الآية-و اللّه أعلم-يريد بهذا(جلّ و علا)أن من يلتجئ من أولئك المنافقين إلى قوم بينهم و بين المسلمين عهد في المهادنة و ترك القتال،أن هذا اللاجئ يترك لا يؤسر و لا يقتل،لأنه-و الحال هذه- يكون مسالما للمسلمين تماما كالذين التجأ إليهم فيعامل معاملتهم في عدم التعرض له،و من المفيد أن ننقل ما قاله الرازي هنا:أعلم أن ذلك يتضمن بشارة عظيمة لأهل الإيمان،لأنه تعالى لما رفع السيف عمن التجأ إلى المسلمين فان يرفع العذاب في الآخرة عمن التجأ إلى محبة اللّه و محبة رسوله كان أولى (1).
8-في قوله تعالى: ...سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها... (2).
اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية:
-عن ابن عباس و مجاهد:أنها نزلت في أناس كانوا يأتون النبي(صلّى اللّه عليه و آله) فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا قومهم و يأمنوا نبي اللّه فأبى اللّه ذلك عليهم (3).
-عن السدي:أنها نزلت في نعيم بن مسعود الاشجعي كان ينقل الحديث بين النبي و بين المشركين (4).
-و المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر:أنها نزلت في عيينة بن حصن الفزاري و ذلك أنه أجدبت بلادهم فجاء إلى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و وادعه على أن يقيم ببطن نخل و لا يتعرض له،و كان منافقا ملعونا و هو الذي سماه رسول اللّه الأحمق المطاع في قومه (5).
و مهما يكن من أمر في سبب نزول هذه الآية إلا أن اختبار الطبري هو المستفاد
********
(1) التفسير الكبير،الرازي،229/10.
(2) النساء،91.
(3) جامع البيان،الطبري،120/5+معاني القرآن،الفراء،282/1.
(4) جامع البيان،الطبري،127/5.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،88/5.
ص: 240
من تفسيرها لقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب و هو قوله:كلما ردوا إلى الاختبار ليرجعوا إلى الكفر و الشرك رجعوا إليه (1).
9-في سبب نزوله قوله تعالى: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2)قال الإمام الباقر:كانت بنت محمد بن سلمة عند رافع بن خديج و كانت قد دخلت في السنن و كانت عنده امرأة شابة سواها فطلقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها يسير قال:إن شئت راجعتك و صبرت على الأثرة و إن شئت تركتك،قالت:بل راجعني و اصبر على الأثرة،فراجعها،فذلك الصلح الذي بلغنا إن اللّه تعالى أنزل فيه هذه الآية (3).
و روي عن سعيد بن المسيب مثله (4)،و روي عن عكرمة عن ابن عباس سبب آخر هو:خشيت سودة أن يطلقها رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فقالت:يا رسول اللّه لا تطلقني و اجعل يومي لعائشة ففعل،فنزلت الآية.و بلفظ أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها مثله،غير أن ابن كثير نقل قول الترمذي عن الرواية الأولى بقوله:حسن غريب،و عن الثانية:غريب مرسل (5).
و لذلك يترجح عندنا،أن رواية الإمام الباقر و سعيد بن المسيب هي الأولى بالقبول.
10-في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلائِدَ وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً (6)،عن السدي عن الإمام الباقر قال:إنها نزلت في
********
(1) جامع البيان،الطبري،127/5.
(2) النساء128/.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،119/5-200+كنز العرفان،المقداد السيوري،79/3.
(4) جامع البيان،الطبري،198/5-199+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،/1 562+أسباب النزول،الواحدي،127+لباب النقول،السيوطي،84.
(5) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،562/1.
(6) المائدة2/.
ص: 241
الحطم بن هند البكري،أنه جاء إلى النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و دخل المدينة وحده خلف خيله خارج المدينة فقال:إلى ما تدعو؟-و قد كان النبي(صلّى اللّه عليه و آله)قال لأصحابه:يدخل عليكم اليوم رجل من بني ربيعة يتكلم بلسان شيطان-فلما أجابه النبي(صلّى اللّه عليه و آله) قال:انظرني لعلي أسلم و لي من أشاوره،فخرج من عنده فقال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله):لقد دخل بوجه كافر و خرج بعقب غادر.فمر بسرح من سروح المدينة فساقه و انطلق به و هو يرتجز و يقول:
قد لفها الليل بسواق حطم ليس براع ابل و لا غنم
و لا بجزار على ظهر و ضم بات نياما و ابن هند لم ينم
بات يقاسيها غلام كالزلم خدلج الساقين ممسوح القدم
ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلد هديا فأراد رسول اللّه أن يبعث إليه، فنزلت هذه الآية (1).
11-في سبب نزول قوله تعالى: وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (2)،عن زياد بن المنذر عن الإمام الباقر قال:كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)يحب إسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف فدعاه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)أن يسلم فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على رسول اللّه،فأنزل اللّه الآية (3)،
12-أخرج العياشي بسنده عن محمد بن مسلم في قوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (4)عن الإمام الباقر قال:
********
(1) مجمع البيان،الطبرسي،153/6-154+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،113/2.و قد روى هذا السبب أيضا كل من الطبري في تفسيره 35/6-36 عن السدي و عكرمة و ابن جريج و كذلك الواحدي في أسباب النزول،130 عن ابن عباس،و السيوطي في لباب النقول ص 86 عن عكرمة و السدي.
(2) الأنعام.35.
(3) تفسير القرآن،القمي،197/1.و ذكر الواحدي هذا السبب لآية أخرى و هي 33 من الأنعام عن مقاتل ص 149 فقارن.
(4) الأنعام141/.
ص: 242
لا يكون الحصاد و الجذاذ بالليل أن اللّه يقول: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ و قال:
كان فلان بن فلان الأنصاري-سماه-و كان له حرث و كان إذا جذه تصدق به و ظل هو و عياله بغير شيء،فجعل اللّه ذلك سرفا (1).
13-في سبب نزول قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشاقِقِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النّارِ (2)،قال الإمام الباقر:أن النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لما نظر إلى كثرة عدد المشركين و قلة عدد المسلمين استقبل القبلة و قال:اللهم أنجز لي ما وعدتني،اللهم أن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض،فما زال يهتف ربه مادا يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه،فأنزل اللّه تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ* وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَ مَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَ لِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشاقِقِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْكافِرِينَ
********
(1) تفسير العياشي،379/1+وسائل الشيعة،الحر العاملي،4/2+التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي،296/8.و انظر لباب النقول،السيوطي،104 فقد أخرج عن ابن جريج: أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جذ نخله فأطعم حتى أمسى و ليست له ثمرة.
(2) الأنفال9/-14.
ص: 243
عَذابَ النّارِ ،و هي رواية عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه و السدي و أبي صالح، و قال الإمام الباقر:و لما أمسى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و جنه الليل ألقى اللّه على أصحابه النعاس و كانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا يثبت فيه قدم فأنزل اللّه عليهم المطر رذاذا حتى لبد الأرض و ثبت أقدامهم،و كان المطر على قريش مثل الغزالي،و ألقى اللّه في قلوبهم الرعب كما قال اللّه تعالى: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (1)(2)
14-في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ أَنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (3)،قال الطبرسي:قال الكلبي و الزهري:نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري و ذلك أن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حاصر يهود قريظة إحدى و عشرين ليلة فسألوا النبي(صلّى اللّه عليه و آله)الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا إلى اذرعات و اريحاء من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فقالوا أرسل إلينا أبا لبابة و كان مناصحا لهم لأن عياله و ماله و ولده كانت عندهم فبعثه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)فأتاهم،فقالوا:ما ترى يا أبا لبابة أ ننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا،فأتى جبرئيل(عليه السّلام)لرسول اللّه فأخبره بذلك،و قال أبو لبابة:فو اللّه ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت اللّه و رسوله فنزلت الآية فيه،فلما نزلت شد نفسه إلى سارية من سواري المسجد و قال:و اللّه لا أذوق طعاما و لا شرابا حتى أموت أو يتوب اللّه علي،فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما و لا شرابا حتى خرّ مغشيا عليه ثم تاب اللّه عليه فقيل له:يا أبا لبابة قد تيب عليك،فقال:لا و اللّه لا أحل نفسي حتى يكون رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده،ثم قال أبو لبابة:
********
(1) الأنفال12/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،525/9 و انظر لباب النقول،السيوطي،107 فقد أخرج نقلا عن الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الخبر بعينه.
(3) الأنفال27/-28.
ص: 244
أن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب و أن أنخلع من مالي،فقال النبي(صلّى اللّه عليه و آله):يجزئك الثلث أن تصدق به،و هو المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر (1).
15-في سبب نزول قوله تعالى: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (2)،عن أبي بصير عن الإمام الباقر قال:نزلت في علي و الحمزة و العباس و شيبة،قال العباس:أنا أفضل لأن سقاية الحاج في يدي،و قال شيبة:أنا أفضل لأن حجاب البيت في يدي،و قال حمزة:أنا أفضل لأن عمارة البيت في يدي،و قال علي:أنا أفضل فإني آمنت قبلكم و هاجرت و جاهدت،فرضوا برسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)حكما،فأنزل اللّه الآية (3).
16-في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ* قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (4)،قال الإمام الباقر:أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى قريش يخبرهم بخبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله)لما أراد فتح مكة (5).
********
(1) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،436/9+مجمع البيان،الطبرسي،537/9 و انظر:أسباب النزول،الواحدي،162-163 ذكر الرواية بالنص بدون ذكر السند.
(2) التوبة19/.
(3) تفسير القرآن،القمي،193/2+مجمع البيان،الطبرسي،14/10-15 فقد أورد الرواية نفسها مرة عن الحسن و الشعبي و محمد بن كعب القرظي و ثانية عن ابن سيرين و مرة الهمذاني و أخرى عن ابن بريدة عن أبيه،و انظر:أسباب النزول،الواحدي،169 عن الحسن و الشعبي و القرظي مرة و عن ابن سيرين و مرة أخرى عن الهمذاني،و كذلك السيوطي في لباب النقول ص 116.
(4) التوبة23/-24.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،16/10.و انظر:أسباب النزول،الواحدي،169 فقد ذكر سببا آخر لنزول هذه الآيات عن الكلبي،و انظر:أسد الغابة في معرفة الصحابة،ابن الأثير،299/1-300 في ترجمة حاطب بن أبي بلتعة فانه روى السبب المروي عن الباقر مفصلا عن علي بن أبي طالب.
ص: 245
17-في سبب نزول قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (1)عن زياد بن المنذر عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:و ذلك أن أهل المدينة قبل أن يسلموا كان يعتزلون الأعمى و الأعرج و المريض لا يأكلون معهم و كانت الأنصار في نبل و تكرم معهم فقالوا:
أن الأعمى لا يبصر الطعام و الأعرج لا يستطيع الزحام و المريض لا يأكل كما يأكل الصحيح فعزلوا لهم طعامهم على ناحية و كانوا يرون في مؤاكلتهم جناحا و كان الأعرج و الأعمى و المريض يقولون لعلنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم فاعتزلوا مؤاكلتنا،فلما قدم النبي(صلّى اللّه عليه و آله)سألوه في ذلك،فأنزل اللّه هذه الآية (2).
18-في سبب نزول قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3)عن زرارة بن أعين و محمد بن مسلم الطائفي عن الإمام الباقر قال:نزلت هذه الآية في رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين(عليهم السّلام)و ذلك في بيت أم سلمة زوج رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)، فدعا رسول اللّه عليا و فاطمة و الحسن و الحسين ثم ألبسهم كساء خيبريا و دخل معهم ثم قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني،اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا (4).
و قد أخرج الطوسي و الطبرسي هذا السبب لنزول هذه الآية عن طريق أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك و واثلة بن الاسقع و عائشة و أم سلمة و جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي اللّه عنهم أجمعين (5).
********
(1) النور61/.
(2) تفسير القرآن،القمي،108/2-109+مقتنيات الدرر،الحائري،381/7.و انظر:أحكام القرآن،ابن العربي،1403/3 حيث أورد ثمانية أقوال في سبب نزول هذه الآية و جعل هذا السبب هو الأول و رواه عن ابن عباس و رجحه،و انظر:أسباب النزول،الواحدي،232 ذكر نفس الرواية عن ابن عباس و سعيد بن جبير و الضحاك،و كذلك انظر:لباب النقول، السيوطي،160.
(3) الأحزاب33/.
(4) تفسير القرآن،القمي،313/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،351/2-352.
(5) ظ:التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،338/22+مجمع البيان،الطبرسي،/12 356-357.
ص: 246
ثم أن الأخبار الصحيحة الواردة في أن عليا و فاطمة و الحسن و الحسين هم آل النبي(صلى الله عليه و آله)كثيرة جدا ذكرت في مواضع شتى في باب نزول آية التطهير (1).
19-أخرج السيوطي بسنده عن جعفر بن محمد رضي اللّه عنه في سبب نزول سورة الكوثر عن أبيه الإمام الباقر قال:توفي القاسم بن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) بمكة فمر رسول اللّه و هو آت من جنازته على العاص بن وائل و ابنه عمرو فقال حين رأى رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أني لاشنؤه،فقال العاص بن وائل لا جرم لقد أصبح أبتر،فأنزل اللّه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (2)(3).
و بهذا المثال نختتم هذا المبحث لاعتقادنا أننا قد بينا جهد الإمام الباقر و إسهامه في بيان أسباب النزول و توجيهه لبعض منها،و يمكننا أن نصل إلى نتائج نراها مهمة في توضيح ذلك الجهد،و هي:
أ-قد تبين لنا خلال البحث و الاستقصاء أنه قلما توجد آية قرآنية فيها سبب نزول و لم يذكره الإمام الباقر،حتى أنه ذكر أسبابا لنزول بعض الآيات فات العلماء أن يذكروها.
ب-و تبين أيضا من خلال الأمثلة التي قدمناها،أنه قد روى عن جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و عمر بن الخطاب و جابر بن عبد اللّه و ابن عباس و أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنهم،و عن غيرهم من الصحابة.
ج-أن كثيرا من التابعين قد أخذوا عنه بعض أسباب النزول.
د-أنه وافق كثيرا من الأقوال التي أثرت عن بعض الصحابة و التابعين،فلم تكن الأسباب التي ذكرها الإمام الباقر بخارجة عن نطاق ما يعرفه العلماء،أي أنه لم يكن له رأي اجتهادي أو عقلي فيها.
********
(1) ظ:مستدرك على الصحيحين،الحاكم النيسابوري،147/3+المسند،الإمام أحمد بن حنبل،296/6+ذخائر العقبى،محب الدين الطبري،21+جامع البيان،الطبري،/22 6-7 حيث أورد هذا السبب عن أربعة عشر طريقا عن الصحابة+أحكام القرآن،ابن العربي،1358/3+أسباب النزول،الواحدي،251-252،و غيرها كثير فراجع.
(2) الكوثر3/.
(3) الدر المنثور،السيوطي،404/6+أسرار التنزيل،البيضاوي،467.و أورده الطبرسي في تفسيره 550/10 عن مجاهد،و انظر:أسباب النزول،الواحدي 341+لباب النقول،السيوطي،235.
ص: 247
لقد اختلف العلماء من صحابة و تابعين في قضية حديث الأحرف السبعة، و كان للإمام الباقر رأي حازم في هذه المسألة،إلا أننا سنعرض أولا لبعض تلك الروايات المستفيضة في نزول القرآن على سبعة أحرف و من الجدير بالذكر أن هذه الروايات جاءت جميعا من طريق الجمهور و لم تأت من طريق الإمامية إطلاقا، و أهم هذه الروايات هي:
1-أخرج الطبري عن يونس و أبي كريب بإسنادهما عن ابن شهاب،بإسناده عن ابن عباس،حدثه أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قال:اقرأني جبرئيل على حرف فراجعته،فلم أزل أستزيده فيزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف (1)،و رواها مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس (2)،و رواها البخاري بسند آخر (3)، و روي مضمونها عن ابن البرقي بإسناده عن ابن عباس.
2-و أخرج الطبري أيضا عن أبي كريب،بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده عن أبي بن كعب قال:كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة انكرتها عليه،ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه،فدخلنا جميعا على رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قال:فقلت:يا رسول اللّه إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل هذا فقرأ قراءة غير قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فقرءا،فحسن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)شأنهما،فوقع في نفسي من التكذيب،و لا إذ كنت في الجاهلية،فلما رأى رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)ما غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا كأنما انظر إلى اللّه فرقا،فقال لي:يا
********
(1) جامع البيان،الطبري،12/1.
(2) صحيح مسلم،باب أن القرآن نزل على سبعة أحرف،202/2.
(3) صحيح البخاري،باب نزل القرآن على سبعة أحرف 100/6.
ص: 248
أبي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف،فرددت عليه أن هون على أمتي، فرد علي في الثانية أن أقرأ القرآن على حرف (1)،فرددت عليه أن هون على أمتي،فردّ عليّ في الثالثة أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف،و لك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها،فقلت:اللهم اغفر لأمتي،اللهم اغفر لأمتي، و أخرت الثالثة ليوم يرغب فيه إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم(عليه السّلام) (2).
3-و أخرج الطبري أيضا عن يونس بن عبد الأعلى،بإسناده عن عمر بن الخطاب قضية مع هشام بن حكيم تشبه هذه القضية،و روى البخاري و مسلم و الترمذي قصة عمر مع هشام بن حكيم بإسناد غير هذا،و اختلاف في ألفاظ الحديث (3).
4-و أخرج الطبري أيضا عن محمد بن المثنى،بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب أن النبي(صلى الله عليه و آله)كان عند إضاءة بني غفار قال:فأتاه جبرئيل فقال:
إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقال:أسأل اللّه معافاته و مغفرته،و أن أمتي لا تطيق ذلك،قال:ثم أتاه الثانية فقال:إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين فقال:أسأل اللّه معافاته و مغفرته،و إن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاء الثالثة فقال:إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك على ثلاثة أحرف فقال:أسأل اللّه معافاته و مغفرته،و أن أمتي لا تطيق ذلك،ثم جاء الرابعة فقال:إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف،فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا (4).
هذه نماذج من بعض الروايات التي نصت على حديث الأحرف السبعة،و إن اختلفت في بعض ألفاظها و قد نص على تواترها أبو عبيد
********
(1) و في صحيح مسلم على حرفين.
(2) جامع البيان،الطبري،3/1+المسند،الإمام أحمد بن حنبل،127/5+صحيح مسلم بشرح النووي،101/6-102+السنن،أبي داود،76/2+مجمع الزوائد،الهيثمي،128/5 بطرق أخرى.
(3) صحيح البخاري،90/3،100/6،53/8،215+صحيح مسلم،202/2+صحيح الترمذي بشرح ابن العربي،باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف،60/11.
(4) جامع البيان،الطبري،14/1.
ص: 249
القاسم بن سلام(ت:224 ه)فقد روى هذا الحديث أكثر من عشرين صحابيا عن النبي(صلى الله عليه و آله)و شاع بين الصحابة و التابعين (1).
و قد ورد من طريق الإمامية عن أهل البيت(عليهم السّلام)و خاصة الإمام الباقر ما يخالف ظاهرا هذه الروايات جميعا بيّن فيها موقفه من حديث الأحرف السبعة، و موقفه هذا هو موقف جميع أئمة آل البيت،و من جملة هذه الروايات التي نقلت بهذا الصدد،رواية وردت عن الإمام أبي جعفر الباقر و هي:
-روى محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد،عن الوشاء عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر الباقر قال:إن القرآن واحد نزل من عند الواحد،و لكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة (2).
و من المعروف عند الإمامية أن المرجع في أمور الدين بعد القرآن الكريم إنما هي السنة النبوية الشريفة و سنة آل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،فأقوالهم و أفعالهم و تقريراتهم هي امتداد طبيعي لأقوال و أفعال و تقريرات جدهم(صلى الله عليه و آله).
و هناك إشكالات عديدة حول مفهوم الأحرف السبعة و أن المسلمين إلى اليوم لم يصلوا إلى معناه،و لا يمكن أن يحتج بغير الواضح فما زال الخلاف قائما في معنى الحديث و ترجمته،على أنه معارض بحديث الإمام الباقر المتقدم في نزول القرآن على حرف واحد و على هذا لا دلالة في هذه الحروف السبعة على القراءات السبعة،و إذا كان القرآن قد أنزل على سبعة أحرف فالإنزال حينئذ يكون توقيفيا،و تعهد اللّه سبحانه و تعالى بحفظه و صيانته لأنه ذكر،و الذكر
********
(1) ظ:النشر في القراءات العشر،ابن الجزري،21/1+الاتقان،السيوطي،131/1.و هذه الروايات كلها موجودة في:المسند،الإمام أحمد،112/5،114،124،132+السنن،أبو داود،76/2+سنن الترمذي بشرح التحفة،63/8+السنن،النسائي،152/2،153+اليوم و الليلة،النسائي،461+جامع البيان،الطبري،12/1،15-20+الجامع لأحكام القرآن، القرطبي،43/1،و قد جمع الدكتور عبد الصبور شاهين هذه الروايات و ألحقها في كتابه، تاريخ القرآن،229-235 فلتراجع.
(2) أصول الكافي،محمد بن يعقوب الكليني،كتاب فضل القرآن-باب النوادر،الرواية 12،/2 630+الشافي في شرح أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،221/7+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،149/1+البيان في تفسير القرآن،الخوئي،193.
ص: 250
قرآن،و القرآن مصان لقوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ (1).
إذن فالإمام الباقر يقرر أن القرآن واحد أي على حرف واحد و ليس على سبعة أحرف إلا أنه لم ينكر القراءات القرآنية و لم ينف وجودها لأن في ذلك مخالفة لواقع الحال بل كان على العكس من ذلك فالمتتبع لقراءاته(عليه السّلام)يجد أن له باعا طويلا فيها،ناهيك عن تصريحه و تصريح غيره من أئمة أهل البيت من أن أصح قراءة عندهم هي قراءة أبي بن كعب(رضي اللّه عنه)كما ورد عنهم في بعض الروايات (2)،فلذلك نستطيع أن نقول:إن الإمام الباقر لم ينكر صحة صدور الحديث عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)بل أراد أن يوجه الحديث و جهة أخرى غير ما تعارف عليه بعض المسلمين آنذاك من أن المقصود بالأحرف السبعة هي القراءات السبع،و لعله كان يقصد بأن نزول القرآن الكريم على أحرف سبع هي اللهجات العربية في ذلك الوقت فمنهم من يلفظ(الحاء)(عينا)،و منهم من يلفظ (القاف)(كافا)و هكذا-و اللّه أعلم-.
يكاد ينعقد إجماع الإمامية كانعقاد إجماع المسلمين على حجية هذه القراءات و تواترها-سواء أ كان التواتر عن النبي(صلى الله عليه و آله)أو عن أصحابها-و على جواز القراءة بها في الصلاة و غيرها،و هذا استعراض لجملة من آراء علمائهم المحققين في هذه المسألة،نبدؤها برواية صحيحة رواها محمد بن يعقوب الكليني بسنده عن الإمام الصادق أنه قال:اقرءوا كما يقرأ الناس و اقرءوا كما علمتم (3).
أي أن الإمام الصادق يوصي أصحابه و أتباعه أن يقرءوا مثل قراءة الناس و ما شاع و اشتهر من القراءة بين ظهرانيهم و أن يقرءوا كما علموا من قبل القراء و غيرهم.
********
(1) الحجر9/.
(2) ظ:أصول الكافي،الكليني،633/2+الشافي في شرح أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،227/7 رقم الحديث 3596.
(3) أصول الكافي،الكليني،باب نوادر فضل القرآن 631/2.
ص: 251
و قال الشيخ الطوسي(ت:460 ه)و هو يتحدث عن رأي الإمامية في الموضوع:و اعلموا أن العرف في مذهب أصحابنا و الشائع من أخبارهم و روايتهم أن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء،و أن الانسان مخير بأي قراءة شاء قرأ،و كرهوا تجريد قراءة بعينها،بل أجازوا القراءة بالمجاز الذي يجوز بين القراء،و لم يبلغوا بذلك حد التحريم و الحضر (1).
و قد حكى الطبرسي(ت:548 ه)الإجماع عليه فقال:أعلم أن الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما تداوله القراء بينهم من القراءات،إلا أنهم اختاروا القراءة بما جاز بين القراء و كرهوا تجريد قراءة مفردة (2).
و ذهب الشهيد الأول(ت:786 ه)من الإمامية إلى أن القراءات متواترة، و مجمع على القراءة بها،و تابعه الخوانساري في ذلك و نفى الخلاف على حجية السبع منهم مطلقا،و الثلاث المكملة للعشر في الجملة،بل اعتبر تواترها بوجوهها السبعة عن رسول اللّه عند قاطبة أهل الاسلام (3).
و قد انتهى السيد العاملي إلى الإجماع على تواتر القراءات و نعتها به و حكاه عن المنتهى و التحرير و التذكرة و الذكرى و الموجز الحاوي و غيرها من أمهات كتب الإمامية مما يقطع به تواترها حرفا حرفا،و حركة حركة (4).
و قد فصل الخوئي في القول فذهب إلى عدم حجية هذه القراءات فلا يستند بها على الحكم الشرعي،إذ لم يتضح عنده كون القراءات رواية،فلعلها اجتهادات في القراءة و لكنه جوز الصلاة بها نظرا لتقرير المعصومين لها،و ذلك يشمل كل قراءة متعارفة زمن أهل البيت إلا الشاذة فلا يشملها التقرير (5).
********
(1) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،4/1.
(2) مجمع البيان في تفسير القرآن،الطبرسي،12/1.
(3) ظ:روضات الجنات،الخوانساري،263.
(4) مفتاح الكرامة،العاملي،290/2.
(5) ظ:البيان في تفسير القرآن،الخوئي،164-167.
ص: 252
و من هذا يتبين أن القراءات القرآنية قد انعقد اجماع الإمامية على حجتها و جواز الصلاة بها إلا ما شذ من رأي الخوئي من عدم الاستدلال بها على الحكم الشرعي،و كان ذلك رد فعل لما حكاه العاملي من تمسكه بأن القراءات القرآنية متواترة عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)غير أن توسط هذين الرأيين هو أن القراءات القرآنية حجة و أنها تجوز الصلاة بأيها كان عدا القراءة المفردة الشاذة كما تقدم.
بعد أن استقصينا قراءات الإمام الباقر في مصادر الحديث و التفسير وجدناها قليلة إذا ما قيست بما أثر عنه في العلوم القرآنية الأخرى كما رأينا و سنرى فهي لا تتجاوز ثلاثين رواية روتها عنه كتب التفسير أغلبها قد قرأ بها بعض الصحابة و التابعين فلذلك-في حدود ما اطلعت عليه-لم تكن للإمام الباقر قراءة مفردة بعينها و إليك بعض تلك القراءات:
1-قوله تعالى: ...وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ... (1)قرأها الإمام الباقر: ...وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ... .بفتح التاء و جزم اللام.قاله الفراء و الطوسي (2).
2-قوله تعالى: ...وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها... (3)قرأها الإمام الباقر:
...و لكلّ وجهة هو مولاّها... قاله الطوسي و الرازي و ابن كثير (4).
3-قوله تعالى: ...وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً... (5)قرأها الإمام الباقر برواية أبي القاسم البلخي عنه: ...وَ لا تَقُولُوا
********
(1) البقرة119/.
(2) معاني القرآن،الفراء،75/1+التبيان في تفسير القرآن،الطوسي،436/1+مجمع البيان،الطبرسي،196/1.و قرأ بها ابن عباس و نافع و يعقوب.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،107/1 و مصادره.
(3) البقرة148/.
(4) معاني القرآن،الفراء،90/1+التبيان في تفسير القرآن،الطوسي،23/2+مجمع البيان، الطبرسي،230/2+التفسير الكبير،الرازي،144/4+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،/1 194+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،127/1.و قرأ بها ابن عباس و ابن عامر و أبو بكر بن عاصم و أبو رجاء و شريح.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،126/1 و مصادره.
(5) النساء94/.
ص: 253
لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً... بفتح الميم الثانية.قاله الطوسي و الطبرسي (1).
4-قوله تعالى: ...يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ... (2)عن زرارة و محمد بن مسلم قرأ الإمام الباقر: ...يحكم به ذو عدل منكم... قاله الطبرسي و السيوري و غيرهما (3).
5-قوله تعالى: ...لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ... (4)قرأ الإمام الباقر: ...أو تتوب عليهم أو تعذّبهم...
بالتاء،قاله العياشي (5).
6-قوله تعالى: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... (6)
روى الشيخ الطوسي عن غالب بن الهذيل قال:سألت أبا جعفر(عليه السّلام)عن الآية على الخفض هي أم على النصب؟قال(عليه السّلام):بل هي على الخفض (7)يعني ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... .
********
(1) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،34/3+مجمع البيان،الطبرسي،94/3.و قرأ بها أبو جعفر الرؤاسي و علي و ابن عباس و عكرمة و أبو العالية و يحيى بن يعمر و عيسى بن وردان و ابن جماز.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،155/2 و مصادره.
(2) المائدة95/.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،242/2+كنز العرفان،المقداد السيوري،165/1+مقتنيات الدرر،سيد مير علي الحائري،98/4+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،83/2.و قرأ بها ابنه الإمام الصادق،انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،238/2 و مصادره.
(4) آل عمران128/.
(5) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،152/1+مقتنيات الدرر،سيد مير علي الحائري،/2 67.و لم نجد في معجم القراءات القرآنية من قرأ بهذه القراءة.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،65/2.
(6) المائدة6/.
(7) وسائل الشيعة،الحر العاملي،286/1+تفسير القرآن،القمي،454/1+تفسير العياشي، محمد بن مسعود،30/1+كنز العرفان،المقداد السيوري،19/1+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،23/1+معاني القرآن،الفراء،302/1.و قرأ بها ابن كثير،أبو عمرو،حمزة، أبو بكر،عكرمة،ابن عباس،الباقر،قتادة،علقمة،و غيرهم،ظ:معجم القراءات القرآنية،195/3.
ص: 254
7-قوله تعالى: ...يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ... (1)قرأ الإمام الباقر أبو جعفر الباقر: ...يسألونك الأنفال... قاله الطبرسي و الجزائري (2).
8-قوله تعالى: ...اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ... (3)قرأها الإمام الباقر: ...التّائبين العابدين الحامدين... و هي قراءة أبي و ابن مسعود قاله الفراء و الطبرسي (4).
9-قوله تعالى: ...أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ... (5)قرأها الإمام الباقر: ...ألا إنّهم تثنوني صدورهم... و هي قراءة يحيى بن يعمر و علي بن الحسين و زيد بن علي،قاله الطبرسي (6)،و هي قراءة ابن عباس عن الفراء (7).
10-قوله تعالى: وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ... (8)عن محمد بن مسلم قرأ الإمام الباقر وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ... و هي قراءة الإمام علي و عروة بن الزبير،عن جملة من المفسرين (9).
********
(1) الانفال1/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،516/4+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،330/1،و قد روى الطبرسي:أنها قراءة كل من:ابن مسعود و سعد بن أبي وقاص و زين العابدين علي بن الحسين و زيد بن علي و طلحة بن مصرف،516/4،و أضاف صاحب معجم القراءات القرآنية كلا من جعفر الصادق و عكرمة و عطاء و الضحاك.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،437/2.
(3) التوبة112/.
(4) معاني القرآن،الفراء،453/1+مجمع البيان،الطبرسي،74/5.و قرأ بها الأعمش، انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،47/3 و مصادره.
(5) هود5/.
(6) مجمع البيان،الطبرسي،142/5.
(7) معاني القرآن،الفراء،3/2.و قرأ بها:ابن عباس و علي بن الحسين و زيد بن علي و محمد بن علي و جعفر بن محمد و يحيى بن يعمر و نصر بن عاصم و عبد الرحمن بن ابزى و عاصم الجحدري و عبد اللّه بن إسحاق و أبو الأسود الدؤلي و أبو رزين و الضحاك.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،100/3 و مصادره.
(8) هود42/.
(9) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،148/2+تفسير القرآن،القمي،222/2+التفسير الكبير،الرازي،240/17+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،241/2+الدر المنثور، السيوطي،334/3+مقتنيات الدرر،سيد مير علي الحائري،315/5.و قرأ بها:علي بن الحسين و جعفر بن محمد،انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،/3 112-113 و مصادره.
ص: 255
11-قوله تعالى: ...قَدْ شَغَفَها حُبًّا... (1)قرأها الإمام الباقر: ...قد شعفها حبّا... بالعين،و هي قراءة الإمام علي و الحسن و علي بن الحسين و يحيى بن يعمر و قتادة و مجاهد بخلاف و ابن محيصن،قاله الطبرسي و غيره (2).
12-قوله تعالى: ...أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ... (3)قرأ الإمام الباقر:
...أَنْ نَتَّخِذَ... بضم النون و فتح الخاء،قاله الطبرسي (4).
13-قوله تعالى: ...يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً... (5)قرأ الإمام الباقر:
...يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا... و هي قراءة الإمام علي،قاله الطبرسي (6).و هي قراءة تفسيرية.
14-قوله تعالى: ...خِفْتُ الْمَوالِيَ... (7)قرأ الإمام الباقر: ...خفّت الموالي... بفتح الخاء و تشديد الفاء و كسر تاء التأنيث (8)،و هي قراءة عثمان بن عفان و ابن عباس و زيد بن ثابت و علي بن الحسين و سعيد بن جبير،قاله الطبرسي (9).
********
(1) يوسف30/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،228/5 و انظر:معاني القرآن،الفراء،42/2+جامع البيان، الطبري،111/12+التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،129/12+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،177/9+فتح القدير،الشوكاني،19/2.و قرأ بها جعفر بن محمد و الشعبي،و عوف،انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،164/3 و مصادره.
(3) الفرقان18/.
(4) مجمع البيان،الطبرسي،162/7+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،189/2. و قرأ بها ابن عامر و أبو الدرداء و زيد بن ثابت و أبو الرجاء و نصر بن علقمة و زيد بن علي و مكحول و حفص و إبراهيم النخعي و شيبة و مجاهد و الحسن و غيرهم.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،279/4 و مصادره.
(5) الكهف79/.
(6) مجمع البيان،الطبرسي،481/6.و قرأ بها:أبي و ابن مسعود و ابن عباس و سعيد بن جبير.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،7/4 و مصادره.
(7) مريم5/.
(8) روح المعاني،الآلوسي،16/16.
(9) مجمع البيان،الطبرسي،500/6+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،349/3+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،538/2.و قرأ بها سعيد بن العاص و زيد بن علي و شبيل بن عزرة و الوليد بن مسلم.انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،30/4 و مصادره.
ص: 256
15-قوله تعالى: ...عَلَيْها صَوافَّ... (1)قرأها الإمام الباقر: ...عليها صوافن... بالنون،و هي قراءة عبد اللّه بن مسعود و ابن عمر و ابن عباس و قتادة و عطاء و الضحاك،قاله الطبرسي و القرطبي (2).
16-قوله تعالى: ...تَصَدّى (3)و ...تَلَهّى (4)قرأ الإمام الباقر:
...تَصَدّى و ...تَلَهّى بضم التاء،قاله الطبرسي (5).
17-قوله تعالى: ...وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (6)قرأ الإمام الباقر:
و إذا المودّة سئلت ،و وضح الإمام الباقر الحجة في هذه القراءة بقوله:يعني قرابة رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و من قتل في جهاد.و قرأ بها جعفر بن محمد الصادق و عبد اللّه بن عباس،قاله الطبرسي و غيره (7)...و نص الآلوسي على أن هذه القراءة انفرد بها مجمع البيان،ثم قال-و العهدة عليه-و المراد بها:الرحم و القرابة،و عن أبي جعفر قرابة الرسول(صلى الله عليه و آله)،و يراد بقتلها:قطعها (8).
فضائل القرآن هو نوع من علوم القرآن،أفرد له المحققون بالتصنيف،و قد ساهم الإمام الباقر في هذا النوع ببعض الروايات اعتمدها بعض المصنفين في
********
(1) الحج36/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،185/7+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،62/12+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،82/2.و قرأ بها الكلبي و الأعمش و إبراهيم النخعي،انظر: معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،182/4 و مصادره.
(3) عبس6/.
(4) عبس10/.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،436/10+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،/2 787.و قرأ بكلتا القراءتين أبو جعفر الرؤاسي،انظر:معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،73/8-75 و مصادره.
(6) التكوير8/.
(7) مجمع البيان،الطبرسي،442/10+تفسير فرات،فرات بن إبراهيم الكوفي،203.
(8) روح المعاني،الآلوسي،53/30+معجم القراءات القرآنية،د.أحمد مختار عمر،82/8.
ص: 257
كتبهم نقل فيها الإمام أقوال جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)بما نقله عن آبائه الكرام، و إليك تلك الروايات:
1-أخرج العياشي بإسناده عن عمرو بن قيس عن الإمام الباقر قال:إن اللّه تبارك و تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه و بينه لرسوله(صلى الله عليه و آله)و جعل لكل شيء حدا،و جعل دليلا يدل عليه،و جعل على من تعدى ذلك الحد حدا (1).
2-و أخرج العياشي أيضا بإسناده عن سعد بن طريف قال:سمعت أبا جعفر الباقر يقول:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):أعطيت الطوال مكان التوراة،و أعطيت المئين مكان الانجيل،و أعطيت المثاني مكان الزبور،و فضلت بالمفصل سبع و ستين سورة (2).
3-و حث الإمام الباقر على تلاوة القرآن الكريم لأنه المنبع الفياض لهداية الناس و استقامتهم و هو مما يحيي القلوب،فقد روي بسند صحيح عن أبي بصير قال:روى الإمام الباقر عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في فضل تلاوته قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين،و من قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين،و من قرأ مائة كتب من القانتين،و من قرأ مائتين آية كتب من الخاشعين،و من قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين،و من قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين،و من قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر (3).
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،6/1+الشافي في شرح أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،218/6.
(2) المصدر نفسه،25/1.و عن واثلة بن الاسقع رضي اللّه عنه أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قال: أعطيت مكان التوراة السبع،و أعطيت مكان الزبور المئين،و أعطيت مكان الانجيل المثاني، و فضلت بالمفصل،رواه أحمد،و في إسناده عمران القطان،انظر:الترغيب و الترهيب، المنذري،368/2.
(3) التهذيب،الشيخ الطوسي،56/1+أصول الكافي،الكليني،370/1+بحار الأنوار،محمد باقر المجلسي،72/19-74.و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين.رواه الحاكم و قال:صحيح على شرط مسلم،و عنه رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين،و من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين،رواه ابن خزيمة في صحيحه و الحاكم، و اللفظ له،و قال:صحيح على شرطهما،انظر:الترغيب و الترهيب،المنذري،356/2.
ص: 258
4-و روى أبو بصير قال:قلت لأبي جعفر(عليه السّلام):إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال:إنما ترائي أهلك و الناس،فقال الإمام الباقر:يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين،تسمع أهلك،و رجع بالقرآن صوتك فان اللّه يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا (1).
1-أخرج السيوطي عن أبي جعفر بن علي قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):بسم اللّه الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب (2).
2-و أخرج السيوطي أيضا عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال:لم كتمتم بسم اللّه الرحمن الرحيم نعم الاسم و اللّه كتموا،فان رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)كان إذا دخل منزله اجتمعت قريش فيجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم و يرفع صوته بها فتولي قريش فرارا،فأنزل اللّه: وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (3)(4).
3-و أخرج محمد بن يعقوب بسند صحيح عن فرات بن الاحنف قال:
سمعت أبا جعفر الباقر يقول:أول كتاب نزل من السماء بسم اللّه الرحمن الرحيم،فإذا قرأت بسم اللّه الرحمن الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ،و إذا قرأت بسم اللّه الرحمن الرحيم سترك فيما بين السموات و الأرض (5).
4-أخرج الشيخ الطوسي بإسناد صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم أقرب إلى الاسم الأعظم من ناظر العين إلى بياضها (6).
********
(1) أصول الكافي،الكليني،372/1.
(2) الدر المنثور،السيوطي،10/1.
(3) الاسراء46/.
(4) الدر المنثور،السيوطي،187/4.
(5) أصول الكافي،الكليني،320/7+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،5/1.
(6) تهذيب الأحكام،الطوسي،12/2+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،8/1.و أخرج السيوطي عن ابن عباس:أن عثمان بن عفان(رضي اللّه عنه)سأل النبي(صلى الله عليه و آله)عن بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال:هو اسم من أسماء اللّه تعالى و ما بينه و بين اسم اللّه الأكبر إلا كما بين سواد العين و بياضها من القرب.الدر المنثور،السيوطي،8/1.
ص: 259
5-و أخرج محمد بن يعقوب بسنده عن سلمة بن محرز و محمد بن مسلم قالا:سمعنا أبا جعفر يقول:من لم يبرأه الحمد لم يبرأه شيء (1).
6-أخرج الطبرسي عن الإمام الباقر قال:لكل شيء ذروة و ذروة القرآن آية الكرسي،و في رواية أخرى قال:من قرأ آية الكرسي مرة صرف اللّه عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا،و ألف مكروه من مكاره الآخرة،أيسر مكروه الدنيا الفقر،و أيسر مكروه الآخرة عذاب القبر (2).
7-روي بسند صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر أنه قال:قال النبي(صلى الله عليه و آله):لما أراد اللّه أن ينزل فاتحة الكتاب و آية الكرسي،و شَهِدَ اللّهُ (3)و قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (4)،تعلقن بالعرش و ليس بينهن و بين اللّه حجاب و قلن:يا رب تهبطنا إلى دار الذنوب و إلى من يعصيك و نحن معلقات بالطهور و العرش،فقال:و عزتي و جلالي ما من عبد قرأكن في دبر كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حضيرة القدس على ما كان فيه و إلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة و إلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة و إلا أعذته من كل عدو و نصرته عليه،و لا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت (5).
********
(1) أصول الكافي،الكليني،96/2+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،14/1.و أخرج أحمد و البيهقي في شعب الإيمان بسند جيد عن عبد اللّه بن جابر أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) قال له:أ لا أخبرك بأخير سورة نزلت بالقرآن،قلت:بلى يا رسول اللّه،قال:فاتحة الكتاب و أحسبه قال:فيها شفاء من كل داء.و عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) قال:فاتحة الكتاب شفاء من السم.انظر:الدر المنثور،السيوطي،4/1-5.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،361/2+مقتنيات الدرر،سيد مير علي الحائري،112/2.و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:لكل شيء سنام و إن سنام القرآن سورة البقرة،و فيها أية هي سيدة آي القرآن،آية الكرسي.الترغيب و الترهيب،المنذري،375/2.
(3) آل عمران18/.
(4) آل عمران26/-27.
(5) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،165/1+تفسير القرآن،القمي،273/1+مجمع البيان،الطبرسي،426/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،250/1.و أخرج السيوطي عن الإمام علي نفس الحديث تقريبا،و قريبا منه عن أبي أيوب الأنصاري. انظر:الدر المنثور،السيوطي،12/2.
ص: 260
8-روي عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر(عليهما السلام)قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):أربع خصال من كن فيه كان في نور اللّه الأعظم،من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا اللّه و أني رسول اللّه و من إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (1)،و اذا أعطي شيئا قال الحمد للّه و إذا أذنب ذنبا قال:استغفر اللّه (2).
9-أخرج الطبرسي بسنده عن أبي جعفر الباقر قال:من قرأ سورة المائدة في كل يوم خميس لم يلبس إيمانه بظلم و لا يشرك أبدا (3).
10-و أخرج الطبرسي أيضا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر قال:
في سورة الأنفال جدع الأنوف (4)،و ذلك لاشتمالها على آية الخمس.
11-روي عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر الباقر قال:من قرأ سورة هود في كل جمعة بعثه اللّه يوم القيامة في زمرة المؤمنين و حوسب حسابا يسيرا و لم تعرف له خطيئة عملها يوم القيامة (5).
12-روي عن الإمام الباقر أنه قال:من وجد في قلبه قساوة فليكتب(يس) في جام (6)بزعفران ثم يشربه (7).
********
(1) البقرة156/.
(2) الخصال،الشيخ الصدوق،412+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،121/1.و قريب منه ما روي عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنه عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قال:أربع من كن فيه بنى اللّه له بيتا في الجنة:من كانت عصمة أمره لا إله إلا اللّه،و إذا أصابته مصيبة قال:إنا للّه و إنا إليه راجعون،و إذا أعطي شيئا قال:الحمد للّه،و إذا أذنب قال:استغفر اللّه.انظر:الدر المنثور،السيوطي،156/1.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،150/3+مقتنيات الدرر،سيد مير علي الحائري،236/3.و لم أجد في فضلها رواية عن صحابي أو تابعي في حدود ما اطلعت عليه من المصادر.
(4) مجمع البيان،الطبرسي،516/4.
(5) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،139/2+تفسير القرآن،القمي،206/2+مجمع البيان،الطبرسي،140/5+بحار الأنوار،المجلسي،70/19.و أخرج الدارمي و أبو داود و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان عن كعب رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):اقرءوا هود يوم الجمعة.انظر:الدر المنثور،السيوطي،319/3.
(6) الجام:يعني القدح الذي يشرب فيه الماء.
(7) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،31/11+الدر المنثور،السيوطي،257/5.في حديث حسان بن عطية عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و من كتبها ثم شربها أدخلت جوفه ألف دواء،و ألف نور،و ألف يقين،و ألف بركة،و ألف رحمة.انظر:الدر المنثور،السيوطي،256/5.
ص: 261
13-أخرج الطبرسي بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر قال:
من أدمن قراءة سورة الدخان في فرائضه و نوافله بعثه اللّه من الآمنين يوم القيامة و أظله تحت ظل عرشه و حاسبه حسابا يسيرا و أعطي كتابه بيمينه (1).
14-روي عن الإمام الباقر أنه قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):وددت أنها في قلب كل مؤمن:يعني تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ (2).
15-أخرج الطبرسي بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر قال:من أدمن في فرائضه و نوافله سورة(ق)وسع اللّه في رزقه و أعطاه كتابه في يمينه و حاسبه حسابا يسيرا (3).
16-أخرج الطبرسي أيضا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر قال:
من قرأ سورة الطور جمع اللّه له خير الدنيا و الآخرة (4).
17-روي عن زيد الشحام عن أبي جعفر الباقر قال:من قرأ سورة الواقعة قبل أن ينام لقي اللّه و وجهه كالقمر ليلة البدر (5).
18-أخرج الطبرسي بإسناده عن أبي بصير عن الإمام الباقر قال:من قرأ سورة الصف و أدمن قراءتها في فرائضه و نوافله صفه اللّه مع ملائكته و أنبيائه المرسلين (6).
19-و روي عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام الباقر أنه قال:أكثروا من قراءة(الحاقة)فان قراءتها في الفرائض و النوافل من الإيمان باللّه و رسوله و لم يسلب قارئوها دينه حتى يلقى اللّه (7).
********
(1) مجمع البيان،الطبرسي،60/9+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،546/2.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،269/2+مقتنيات الدرر،الحائري،122/9.و باللفظ نفسه ورد هذا الحديث عن ابن عباس،رواه الحاكم و صححه،انظر:الترغيب و الترهيب، المنذري،377/2.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،140/9+الصافي،الفيض الكاشاني،306/2+مقتنيات الدرر، الحائري،206/10،و وردت أحاديث كثيرة في فضلها في:الدر المنثور،السيوطي،101/6.
(4) مجمع البيان،الطبرسي،162/9.و أخرج البخاري و أبو داود عن أم سلمة قالت:شكوت إلى و رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أني أشتكي،فقال:طوفي من وراء الناس و أنت راكبة،فطفت و رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) يصلي إلى جنب البيت و يقرأ وَ الطُّورِ وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ انظر:الدر المنثور،السيوطي،109/6.
(5) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،406/2+مجمع البيان،الطبرسي،212/9+تفسير نور الثقلين، العروسي الحويزي،651/2.و قد أخرج السيوطي في الدر المنثور عدة روايات في فضلها،153/6.
(6) مجمع البيان،الطبرسي،229/9+مقتنيات الدرر،الحائري،40/11.
(7) المصدر نفسه،342/10.
ص: 262
20-و روي عن أبي عبد اللّه الصادق قال:كان أبي يقول: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ربع القرآن (1).
21-روى أبو عبيدة الحذاء عن أبي جعفر الباقر قال:من أوتر المعوذتين و قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ قيل له:يا عبد اللّه أبشر فقد قبل اللّه و ترك (2).
22-أخيرا،روى الفضيل بن يسار قال:سمعت أبا جعفر(عليه السّلام)يقول:أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)وجع وجعا شديدا فأتاه جبرئيل و ميكائيل(عليهما السّلام)،فقعد جبريل و ميكائيل عند رجليه،فعوذه جبرئيل ب قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و عوذه ميكائيل ب قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ (3).
إن القرآن الكريم يسعى في وضع القضايا الحياتية الكبرى بصورة محسوسة و ملموسة بين يدي الجميع،و يعلن للناس عامة عن حقائقهم و تعليماتهم و يفهمهم بها بما يتفق و صدق القرآن الكريم و إعجازه معتمدا على قضايا و أحداث حية و حساسة تخص تاريخ الشعوب السالفة،لهذا لا يريد القرآن من سرد قضية أو قصة تاريخية منح نفسه الطابع التاريخي على ما هو معروف بين مناهج المؤرخين في بسط القضايا التاريخية من دون توجه إلى الناحية التربوية فيها،و إنما
********
(1) المصدر نفسه،551/10.و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):إذا زلزلت تعدل نصف القرآن،و قل هو اللّه أحد تعدل ثلث القرآن،و قل يا أيّها الكافرون تعدل ربع القرآن.رواه الترمذي و الحاكم،قال الترمذي:حديث غريب،و قال الحاكم: صحيح الإسناد.انظر:الترغيب و الترهيب،المنذري،378/2-379.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،567/10+الصافي،الفيض الكاشاني،869/2.و قد أورد في فضلهما الكثير من الأحاديث انظر:الترغيب و الترهيب،المنذري،380/2-393.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،569/10+مقتنيات الدرر،الحائري،269/12.و أخرج ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:كان لرسول اللّه(صلى الله عليه و آله)غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم فلم تزل به يهود حتى سحر النبي(صلى الله عليه و آله)و كان النبي(صلى الله عليه و آله) يذوب و لا يدري ما وجعه فبينما رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه و الآخر عند رجليه فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه ما وجعه؟قال:مطبوب، قال:من طبه؟قال:لبيب بن أعصم،قال:بم طبه؟قال:بمشط و مشاطة...الحديث بطوله،و كذلك عن ابن عباس.انظر:الدر المنثور،السيوطي،417/6-418.
ص: 263
نجد القرآن الكريم في مباحثه التاريخية يتوخى المسائل التربوية و التعليمية و يفتش عن هذه الجوانب في طوايا التاريخ و صفحاته و هو الوجه الغالب عليه و يستخلص منها مضامين إيمانية و عبادية فيتخذها جسرا للصلة بين الهدف و المتلقي.
و على هذا يأخذ القرآن الكريم لب التاريخ و يحافظ عليه و يرمي بقشوره لأن مطلوبه هو الجوهر،فهو على خلاف المؤرخين و منهجهم في سرد الوقائع،إذ يبعث في المستمع و القارئ حس التحقيق و التدبر و التفكر،و دراسة النقاط التاريخية بأساليب مختلفة و تعابير متباينة ليودع فيهم الوعي و اليقظة (1).
فالقصة في القرآن الكريم أخذت حيزا كبيرا في البحوث القرآنية،و«يشكل القصص جزء كبيرا من القرآن الكريم،و ليس المراد من القصص في القرآن الإمتاع مجردا،و لكن لإلقاء الدروس النافعة كذلك،التي تكفل لمن وعاها و عمل بمقتضاها الاهتداء إلى صراط العزيز الحميد» (2)،فنستطيع أن نستنتج من هذا القول الغرض الكلي للقصص القرآني الذي هو الغرض الديني البحت (3)، و هو هداية البشرية لما فيه صلاحها و سعادتها،و تندرج تحت هذا الغرض الكلي أغراض جزئية أخرى نلخص بعضا منها بما يأتي:
1-أن القصة القرآنية سيقت لغرض العبرة و الاتعاظ،حيث يتعرف الناس على أحوال الأمم السالفة و ما حل بها و ما آلت إليه،حتى يعتبروا و يتعظ أولوا الألباب منهم (4)،و تصديق ذلك في قوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (5).
2-لتثبيت فؤاد الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)و ترسيخ صلابته في الدعوة إلى وحدانية اللّه تبارك و تعالى حيث يقف على أخبار إخوانه من الرسل،و علاقتهم
********
(1) ظ:محمد و القرآن،ناصر الدين الشيرازي،171.
(2) الوحدة الموضوعية في سورة يوسف،حسن باجودة،518.
(3) التصوير الفني في القرآن،سيد قطب،117.
(4) من روائع القرآن،محمد سعيد رمضان البوطي،177+دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني،د.أحمد جمال العمري،176.
(5) يوسف111/.
ص: 264
بأقوامهم،و كيف كان العاقبة للمتقين و الخزي و العذاب للمعاندين الكافرين (1)، قال تعالى: وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2).
3-دليل على صدق نبوة الرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)،إذ أنه أخبر عن الغيب،و ما اخباره ذاك إلا عن طريق الوحي المرسل من السماء،لأنه(صلى الله عليه و آله)رجل أمي لا عهد له بالقراءة و الكتابة و لا قومه إذ أنهم لم يكونوا يعرفون من ذلك القصص شيئا (3)،قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (4).
4-إن في القصص القرآني غرضا دينيا جليلا،هو بيان بعض الأحكام الشرعية الكلية التي لا تختص بها شريعة سماوية دون أخرى،بل هي موجودة في كل الشرائع السماوية و هي غير قابلة للنسخ و مؤكدة و ثابتة من ذلك قصة ابني آدم (5).و تثبت هذه القصة أن الغيرة و الحسد إذا تمكنا في النفس الإنسانية يؤديان بها إلى الاعتداء على الآخرين فلا دواء لهذا المرض إلا ببتر من استكن في قلبه، فذكر سبحانه و تعالى عقب تلك القصة مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً (6).
و هناك أغراض أخرى للقصة القرآنية غير ما ذكرنا (7)،لسنا بصددها تفصيلا و قد ظهرت آراء متعددة في مسألة فهم القصص القرآني الراجح منها:هو الوقوف عند ما ورد في القرآن الكريم مع الاحتفاظ بدلالة الألفاظ اللغوية على معانيها و إفادتها للواقع هي تعبير صحيح عنه،دون تزيد عليه بما لم يرد فيه اعتمادا على روايات لا سند لها كما صنع المفرطون،و دون تحيف لمعانيها باعتبار
********
(1) الأنبياء في القرآن،محمود الشرقاوي،102+التصوير الفني في القرآن الكريم،سيد قطب،122.
(2) هود120/.
(3) دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني،أحمد جمال العمري،177.
(4) هود49/.
(5) ظ:الآيات27/-31 من سورة المائدة.
(6) المائدة32/.
(7) أوصلها سيد قطب إلى عشرة أغراض،انظر للتفاصيل:التصوير الفني للقرآن،117-125.
ص: 265
أن الكلام تخييل لا يعبر عن واقع كما فعل المفرطون أيضا،و دون صرف للألفاظ عن معانيها الوضعية إلى معان أخرى من غير صارف يمنع إجراء الكلام على ظاهره،كما فعل أهل التأويل (1).
و أولى الإمام الباقر القصة القرآنية عنايته البالغة و اهتمامه الشديد،فإنك تشعر أن روايته القصصية تجعل المرء يعيش في أجواء الآيات القرآنية بانسيابية و هدوء دون أثر لدس اسرائيلي يشوه جمال النص القرآني أو يثلم كرامة الأنبياء(عليهم السّلام)و مكانتهم،كما هو الحاصل في روايات من أخذ عن أهل الكتاب بدون تمحيص أو فحص،و نجده أيضا يلتزم النهج النبوي في الاستشهاد بإخبار أهل الكتاب فيسمع ما لدى الناس من أخبارهم ثم يعرض ما سمعه على منهج الإسلام،فما وافق النصوص أو تماشى مع الآيات و الأحاديث من غير تضاد أو اضطراب حدث به أن كان يخدم النص القرآني،و يوضح الجوانب الأخرى من القصة و يربط بين خيوطها،و نلمس أيضا في رواياته تفرده بإظهار الجانب التربوي و الأخلاقي من القصة القرآنية و يركز عليه لمكان العظة و العبرة ملتزما في إسهاماته هذه بالمنهج القرآني و كيفية تعامله مع القصص.
و كان الإمام الباقر يميل هنا إلى تفسير القرآن بالقرآن و لا يميل إلى الإكثار من القصص المفصلة للقصص القرآني لأن أكثرها إسرائيلية،و مع ما ذكرناه من عدم ميله إلى الإكثار من تفسير القصة القرآنية بقصص أخرى فقد وجدنا له بعض التفسير القصصي،و إليك تلك الجهود:
أخرج العياشي و الطبرسي بإسناد صحيح عن محمد بن قيس قال:سمعت أبا جعفر الباقر و قد سأله عطاء و نحن بمكة عن هاروت و ماروت،فقال أبو جعفر:إن الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم و ليلة يحفظون أعمال أهل أوساط الأرض،فيكتبون أعمالهم و يعرجون بها إلى
********
(1) تفسير القرآن الكريم،الأجزاء العشرة الأولى،الشيخ محمود شلتوت،50.
ص: 266
السماء،قال:فضج أهل السماء من معاصي أهل الأرض مما يسمعون و يرون من افترائهم الكذب على اللّه و جرأتهم عليه،و نزهوا اللّه مما يقول فيه خلقه و يصفون،قال:فقالت طائفة من الملائكة:يا ربنا أما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك،مما يفترون عليك الكذب و يقولون الزور و يرتكبون المعاصي و قد نهيتهم عنها ثم أنت تحلم عنهم و هم في قبضتك و قدرتك و خلال عافيتك،قال أبو جعفر:و أحب اللّه أن يري الملائكة قدرته و نافذ أمره في جميع خلقه و يعرّف الملائكة ما منّ به عليهم مما عدلهم عنده من جميع خلقه و ما طبعهم عليه من الطاعة و عصمهم به من الذنوب،قال:فأوحى اللّه إلى الملائكة أن اندبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض ثم أجعل فيهما من طبائع المطعم و المشرب و الشهوة و الحرص و الأمل مثلما جعلت في ولد آدم ثم أختبرهما في الطاعة لي، قال:فندبوا لذلك هاروت و ماروت و كانوا من أشد الملائكة قولا في العيب على ولد آدم،قال:ثم أوحى اللّه إليهما انظرا ألا تشركا بي شيئا و لا تقتلا النفس التي حرّمت و لا تزنيا و لا تشربا الخمر،قال:ثم كشط عن السموات السبع ليريهما قدرته،ثم أهبطهما إلى الأرض في صورة بشر و لباسهم،فهبطا برحبة بابل فرفع لهما بناء مشرفا فأقبلا نحوه فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء مزينة،معطرة، مسفرة،مقبلة نحوهما،فلما نظرا إليها و ناطقاها و تأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموضع الشهوة التي جعلت فيهما،ثم أنهما ائتمرا بينهما و ذكرا ما نهيا عنه من الزنا فمضيا ثم حركتهما الشهوة التي جعلت فيهما فرجعا إليها رجوع فتنة و خذلان،فراوداها عن نفسها فقالت لهما:إن لي دينا أدين به و لست أقدر في ديني الذي أدين له على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلان في ديني الذي أدين به،فقالا لها:و ما دينك؟فقالت:لي إله من عبده و سجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى ما كان سألني،فقالا لها:و ما إلهك؟قالت:
إلهي،هذا الصنم.قال الإمام الباقر:فنظر أحدهما إلى صاحبه فقالا:هاتان الخصلتان مما نهينا عنهما الشرك و الزنا،لأنا إن سجدنا لهذا الصنم و عبدناه أشركنا باللّه و إنما نشرك باللّه لنصل إلى الزنا،و هو هذا ما نحن نطلبه فليس نعطاه
ص: 267
إلا بالشرك،قال:فأتمرا فيها فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما،فقالا لها:نجيبك إلى ما سألتي،قالت:فدونكما فاشربا هذه الخمر فإنه قربان لكما عنده،و به تصلان إلى ما تريدان،قال الإمام الباقر:فأتمرا بينهما،فقالا:هذه ثلاث خصال مما قد نهانا ربنا عنها:الشرك و الزنا و شرب الخمر،و إنما ندخل في شرب الخمر حتى نصل إلى الزنا،فأتمرا بينهما ثم قالا لها:ما أعظم البلية بك،قد أجبناك إلى ما سألتي،قالت فدونكما فاشربا من هذه الخمر و اعبدا الصنم و اسجدا،قال الإمام:فشربا الخمر و سجدا له،ثم راوداها عن نفسها فلما تهيأت لهما و تهيئا دخل عليهما سائل يسأل فلما أن رأياه ذعرا منه،فقال لهما:أنكما لمريبان،ذعران،قد خلوتما بهذه المرأة العطرة الحسناء،إنكما لرجلا سوء،فخرج عنهما،فقالت لهما:لا و إلهي ما أصل إلى أن تقرباني و قد اطلع هذا الرجل على حالكما و عرف مكانكما،خرج الآن فيخبر بخبر كما و لكن بادرا هذا الرجل فاقتلاه قبل أن يفضحكما و يفضحني،ثم دونكما فاقضيا حاجتكما و أنتما مطمئنان آمنان،قال الإمام الباقر:فقاما إلى الرجل فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها و بدت لهما سوأتهما و نزع عنهما رياشهما و أسقط في أيديهما،قال:فأوحى اللّه إليهما أنما أهبطتكما مع خلقي ساعة من نهار فعصيتماني بأربع معاصي كلها قد نهيتكما عنها و تقدمت إليكما فيها فلم تراقباني و لم تستحيا مني و قد كنتما أشد من ينقم على أهل الأرض من فعل المعاصي غضبي لما جعلت فيكم من صنع خلقي و عصمتي إياكم من المعاصي،فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما،اختارا عذاب الدنيا أم عذاب الآخرة؟فقال أحدهما:نتمتع من شهواتنا في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب الآخرة،و قال الآخر:إن عذاب الدنيا له مدة و انقطاع،و عذاب الآخرة دائم لا انقطاع له فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا الفاني المنقطع،قال الإمام الباقر:فاختارا عذاب الدنيا،فكانا يعلمان السحر بأرض بابل،ثم لما علم الناس السحر،رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة (1).
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،52/1-54+مجمع البيان،الطبرسي،172/1-176+ مقتنيات الدرر،الحائري،254/1-256.
ص: 268
و قد ذكر ابن كثير ما يقرب من تسع روايات عن الصحابة و التابعين صرح بضعف أكثرها من حيث السند و المتن و قال بغرابة بعضها الآخر (1).إلا أنه أخرج رواية عن ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس قريبة جدا من رواية الإمام الباقر المتقدمة و بتغيير طفيف بين ألفاظ الروايتين و لم يختارها ابن كثير أو يصححها بقوله:و قد رواه الحاكم في المستدرك مطولا عن أبي زكريا العنبري بسنده عن حكام بن سلم الرازي و كان ثقة،ثم قال:صحيح الإسناد،فهذا أقرب ما روي في شأن نزول الآية و اللّه أعلم (2).
و لكنه أخرج رواية أخرى عن معروف بن خربوذ المكي عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين يقول فيها:السجل ملك،و كان هاروت و ماروت من أعوانه و كان له في كل يوم ثلاث لمحات في أم الكتاب فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم و ما كان فيه من الأمور فأسر ذلك إلى هاروت و ماروت و كانا من أعوانه فلما قال تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ (3)قالا:ذلك استطالة على الملائكة (4).
و قد علق على هذا الخبر بقوله:هذا أثر غريب و بتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر فهو نقله عن أهل الكتاب و فيه نكارة توجب رده (5).
غير أنني تتبعت هذا الخبر في تفاسير الإمامية و كتب الحديث عندهم قديما و حديثا فلم أجد له أثرا هذا من جهة و أن هذا الخبر مقطوع ب(عمن سمع)من جهة أخرى.
أخرج القمي و العياشي بإسنادهما عن عبد اللّه بن عطاء المكي عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن آبائه عن الإمام علي عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قال:إنما كان لبث آدم و حواء في الجنة حتى خرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أكلا من
********
(1) ظ:تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،139/1-142.
(2) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،140/1.
(3) البقرة30/.
(4) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،71/1.
(5) المصر نفسه و الصفحة.
ص: 269
الشجرة فأهبطهما اللّه إلى الأرض من يومهما ذلك،قال:فحاج آدم ربه فقال:
يا رب،أرأيتك قبل أن تخلقني كنت قدرت عليّ هذا الذنب و كلما صرت و أنا صائر إليه أو هذا شيء فعلته أنا من قبل أن تقدره عليّ،غلبت عليّ شقوتي فكان ذلك مني و فعلي لا منك و لا فعلك؟قال له:يا آدم أنا خلقتك و علمتك أني أسكنك و زوجك الجنة بنعمتي و ما جعلت فيك من قوتي،قويت بجوارحك على معصيتي و لم تغب عن عيني و لم يخل علمي من فعلك و لا مما أنت فاعله، قال آدم:يا رب الحجة لك عليّ،قال:فحين خلقتك و صورتك و نفخت فيك من روحي و أسجدت لك ملائكتي و نوهت باسمك في سمواتي و ابتدأتك بكرامتي و أسكنتك جنتي و لم أفعل ذلك إلا برضا مني عليك،ابتليتك بذلك من غير أن يكون عملت لي عملا تستوجب به عندي ما فعلت بك،قال آدم:يا رب الخير منك و الشر مني،قال اللّه تعالى:يا آدم أنا اللّه الكريم خلقت الخير قبل الشر،و خلقت رحمتي قبل غضبي و قدمت بكرامتي قبل هواني و قدمت باحتجاجي قبل عذابي،يا آدم أ لم أنهك عن الشجرة و أخبرك أن الشيطان عدو لك و لزوجك،و أحذركما قبل أن تصيرا إلى الجنة،و أعلمكما أنكما إن أكلتما من الشجرة لكنتما ظالمين لأنفسكما عاصيين لي،يا آدم لا يجاورني في جنتي ظالم عاصي لي،قال الإمام الباقر:فقال آدم:بلى يا رب الحجة لك علينا، ظلمنا أنفسنا و عصينا و إلا تغفر لنا و ترحمنا نكن من الخاسرين،قال الإمام:فلما اقرا لربهما بذنبهما و أن الحجة من اللّه لهما،تداركتهما رحمة الرحمن الرحيم، فتاب عليهما ربهما أنه هو التواب الرحيم،قال اللّه تعالى:يا آدم اهبط أنت و زوجك إلى الأرض،فإذا أصلحتما أصلحتكما،و إن عملتما لي قويتكما و إن تعرضتما لرضاي تسارعت إلى رضاكما و إن خفتما مني آمنتكما من سخطي، قال الإمام:فبكيا عند ذلك و قالا:ربنا فأعنا على صلاح أنفسنا و على العمل بما يرضيك عنا،قال اللّه لهما:إذا عملتما سوء فتوبا إلي منه أتب عليكما و أنا اللّه التواب الرحيم،قالا:فاهبطنا برحمتك إلى أحب البقاع إليك،قال:فأوحى اللّه إلى جبرئيل أن أهبطهما إلى البلدة المباركة مكة فهبط بهما جبرئيل فألقى آدم على
ص: 270
الصفا و ألقى حواء على المروة،قال:فلما ألقيا قاما على أرجلهما و رفعا رءوسهما إلى السماء و ضجا بأصواتهما بالبكاء إلى اللّه تعالى و خضعا بأعناقهما،قال الإمام:فهتف اللّه بهما:ما يبكيكما بعد رضاي عنكما؟قال:
فقالا:ربنا أبكتنا خطيئتنا و هي أخرجتنا من جوار ربنا،و قد خفي عنا تقديس ملائكتك لك،ربنا و بدت لنا عوراتنا و اضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا و مطعمها و مشربها و دخلتنا وحشة شديدة لتفريقك بيننا،قال:فرحمهما الرحمن الرحيم عند ذلك،و أوحى إلى جبرئيل أنا اللّه الرحمن الرحيم و أني قد رحمت آدم و حواء لما شكيا إلي فاهبط عليهما بخيمة من خيام الجنة و عزهما عني بفراق الجنة،و أجمع بينهما في الخيمة على الترعة التي بين جبال مكة،قال الإمام:
و الترعة مكان البيت و قواعده التي رفعها الملائكة قبل ذلك،فهبط جبرئيل على آدم بالخيمة على مقدار أركان البيت و قواعده فنصبها،قال:و أنزل جبرئيل آدم من الصفا و أنزل حواء من المروة و جمع بينهما بالخيمة،قال الإمام:و كان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر فأضاء نوره و ضوؤه جبال مكة و ما حولها،قال:
و كلما امتد ضوء العمود فجعله اللّه حرما لحرمة الخيمة و العمود،لأنهن من الجنة و لذلك جعل اللّه الحسنات في الحرم مضاعفة و السيئات فيه مضاعفة،قال الإمام:و مدت اطناب الخيمة حولهما فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام، قال:و كانت أوتادها من غصون الجنة و أطنابها من ظفائر الأرجوان،قال:
فأوحى اللّه إلى جبرئيل أهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها من مردة الجن و يؤنسون آدم و حواء و يطوفون حول الخيمة تعظيما للبيت و الخيمة،قال:
فهبطت الملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين و العتاة، و يطوفون حول أركان البيت و الخيمة كل يوم و ليلة كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور،قال:ثم إن اللّه أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك أن اهبط إلى آدم و حواء فنحهما عن مواضع قواعد بيتي لأني أريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي فارفع أركان بيتي لملائكتي و لخلقي من ولد آدم،قال:فهبط جبرئيل على آدم و حواء فأخرجهما من الخيمة و نحاهما عن ترعة البيت الحرام
ص: 271
و نحى الخيمة عن موضع الترعة،قال:و وضع آدم على الصفا و وضع حواء على المروة و رفع الخيمة إلى السماء فقال آدم و حواء:يا جبرئيل أ بسخط من اللّه حولتنا و فرقت بيننا أم برضا تقدير من اللّه علينا؟فقال لهم:لم يكن ذلك سخطا من اللّه عليكما و لكن اللّه لا يسأل عما يفعل يا آدم إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم يريد أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور،فأوحى اللّه إلي أن أنحيك و حواء و أرفع الخيمة إلى السماء فقال آدم:رضينا بتقدير اللّه و نافذ أمره فينا،فكان آدم على الصفا و حواء على المروة،قال:فدخل آدم لفراق حواء وحشة شديدة و حزن،قال:فهبط من الصفا يريد المروة شوقا إلى حواء و ليسلم عليها و كان فيما بين الصفا و المروة وادي و كان آدم يرى المروة من فوق الصفا فلما انتهى إلى موضع الوادي غابت عنه المروة فسعى في الوادي حذرا لما لم ير المروة مخافة أن يكون قد ضل طريقه فلما أن جاز الوادي و ارتفع عنه نظر إلى المروة فمشى حتى انتهى إليها فصعد عليها فسلم على حواء ثم أقبلا بوجهيهما نحو موضع الترعة ينظران هل رفعت قواعد البيت و يسألان اللّه أن يردهما إلى مكانهما حتى هبط من المروة فرجع إلى الصفا فقام عليه و أقبل بوجهه نحو موضع الترعة فدعا اللّه ثم أنه اشتاق إلى حواء فهبط من الصفا يريد المروة ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى،ثم رجع إلى الصفا ففعل عليه مثل ما فعل في المرة الأولى ثم أنه هبط من الصفا إلى المروة ففعل مثلما فعل في المرتين الأوليتين ثم رجع إلى الصفا فقام عليه و دعا اللّه أن يجمع بينه و بين زوجته حواء،قال:فكان ذهاب آدم من الصفا إلى المروة ثلاث مرات و رجوعه ثلاث مرات فذلك ستة أشواط فلما أن دعيا اللّه و بكيا إليه و سألاه أن يجمع بينهما استجاب اللّه لهما من ساعتهما،من يومهما ذلك مع زوال الشمس،فأتاه جبرئيل و هو على الصفا واقف يدعو اللّه مقبلا بوجهه نحو الترعة فقال له جبرئيل:انزل يا آدم من الصفا و الحق بحواء فنزل آدم من الصفا إلى المروة ففعل مثلما فعل ثلاث مرات حتى انتهى من المروة فصعد عليها و أخبر حواء بما أخبره جبرئيل ففرحا بذلك فرحا شديدا و حمد اللّه و شكراه،فلذلك جرت
ص: 272
السنة بالسعي بين الصفا و المروة و لذلك قال اللّه تعالى: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما... (1)،قال:
ثم إن جبرئيل أتاهما فأنزلهما من المروة و أخبرهما أن الجبار تبارك و تعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا و حجر من المروة و حجر من طور سيناء و حجر من جبل السلام و هو بظاهر الكوفة،فأوحى اللّه إلى جبرئيل أن ابنه و أتمه،قال:فاقتلع جبرئيل الأحجار الأربعة بأمر من اللّه من مواضعهن بجناحيه فوضعهما حيث أمرهما اللّه في أركان البيت على قواعده التي قدرها الجبار و نصب أعلامها ثم أوحى إلى جبرئيل أن ابنه و أتمه بحجارة من أبي قبيس و اجعل له بابين، باب شرقي و باب غربي،قال:فأتمه جبرئيل فلما أن فرغ منه طافت الملائكة حوله فلما نظر آدم و حواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا في البيت سبعة أشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان و ذلك من يومهما الذي هبط بهما فيه (2).
و يبقى الإمام الباقر في أجواء هذه القصة القرآنية يبين للناس ما تنطوي من العظة و العبرة و الهدف،فهو يروي عن آبائه عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)ما يزين أنبياء اللّه و لا ينقص من قدرهم و مكانتهم و عصمتهم،مستلهما لما في النص القرآني من درس و مرمى،فيختتم قصة آدم و حواء بتوبتهما و الكلمات التي تلقياها ففي تفسير قوله تعالى: ...فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ (3)في أصح رواية أخرجها العياشي و الطبرسي عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر أنه قال:الكلمات هي اللهم لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين،اللهم لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك ربي إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين،اللهم لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك ربي إني ظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم (4).
********
(1) البقرة158/.
(2) تفسير القمي،45/1+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،35/1-39.
(3) البقرة37/.
(4) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،41/1+مجمع البيان،الطبرسي،89/1.و قد رواها الحافظ ابن كثير في تفسيره عن مجاهد،81/1 و كذلك الرازي عن ابن عباس،20/2،21، و هناك رواية أخرى أخرجها السيوطي عن الإمام الباقر في الدر المنثور،60/1 فراجع.
ص: 273
روى أبو حمزة الثمالي عن الإمام الباقر أنه قال:إن آدم أمر هابيل و قابيل أن يقربا قربانا و كان هابيل صاحب غنم و كان قابيل صاحب زرع فقرب هابيل كبشا من أفضل غنمه،و قرب قابيل من زرعه ما لم يكن ينفق كلما أدخل بيته،فتقبل قربان هابيل و لم يتقبل قربان قابيل و هو قول اللّه تعالى: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ... (1)و كان القربان تأكله النار فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتا و هو أول من بنى بيوت النار، فقال:لاعبدن هذه النار حتى يتقبل قرباني،ثم إن ابليس عدو اللّه أتاه و هو يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق فقال له:تقبل قربان هابيل و لم يتقبل قربانك و إنك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك و يقولون:نحن أبناء الذي تقبل قربانه و أنتم أبناء الذي ترك قربانه فاقتله لكي لا يكون له عقب يفتخرون على عقبك فقتله،فلما رجع قابيل إلى آدم قال له:يا قابيل أين هابيل؟فقال:اطلبه حيث قربنا القربان،فانطلق آدم فوجد هابيل قتيلا (2).
و روى الطبرسي بإسناده عن الإمام الباقر قال:فشدخ قابيل هابيل بحجر فقتله (3)،و قد ختم الإمام الباقر فصول هذه القصة ببعث نوح نبيا(عليه السّلام)،رابطا بين أجزائها،معبرا عنها أحسن تعبير.
روى أبو بصير قال:قلت له-يقصد الإمام الباقر-:أصلحك اللّه،أ كان رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يتعوذ من البخل؟قال:نعم يا أبا محمد في كل صباح و مساء، و نحن نعوذ باللّه من البخل،إن اللّه يقول في كتابه وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (4)و سأنبئك عن عاقبة البخل،إن قوم لوط كانوا أهل قرية
********
(1) المائدة27/.
(2) تفسير القرآن،القمي،462/1+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،309/1+بحار الأنوار،المجلسي،14/7+اثبات الهداة،العاملي،264/1.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،183/3+مقتنيات الدرر،الحائري،2/4.
(4) الحشر9/.
ص: 274
بخلاء أشحاء على الطعام فأعقبهم اللّه داء لا دواء له في فروجهم،قلت:و ما أعقبهم؟قال:إن قوم(قرية)لوط كانت على طريق السيارة إلى الشام و مصر فكانت المارة تنزل به فيضيفونهم،فلما أن كثر ذلك عليهم ضاقوا به ذرعا و بخلا و لؤما، فدعاهم البخل إلى أن كان إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم و إنما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتى تنكل النازلة عنهم فشاع أمرهم في القرى و حذرتهم المارة فأورثهم البخل بلاء لا يدفعونه عن أنفسهم في شهوة بهم إليه حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد،و يعطونهم عليه الجعل فأي داء أعدى من البخل،و لا أضر عاقبة و لا أفحش عند اللّه!قال أبو بصير:فقلت له:أصلحك اللّه،هل كان أهل قرية لوط كلهم هكذا مبتلين؟فقال الإمام:نعم،إلا أهل بيت من المسلمين،أما تسمع لقوله تعالى: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (1)ثم قال أبو جعفر:إن لوطا لبث مع قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى اللّه و يحذرهم عقابه،قال:و كانوا قوما لا يتنظفون من الغائط و لا يتطهرون من الجنابة و كان لوط و أهله يتنظفون من الغائط و يتطهرون من الجنابة،و كان لوط ابن خالة إبراهيم(عليه السّلام)و كانت امرأة إبراهيم سارة أخت لوط،و كان إبراهيم و لوط نبيين مرسلين منذرين،و كان لوط رجلا سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به و يحذره قومه،قال:فلما أن رأى قوم لوط ذلك قالوا:أنا ننهاك عن العالمين لا تقر ضيفا نزل بك،فإنك إن فعلت فضحنا ضيفك و أخزيناك فيه،و كان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه،و ذلك أن لوطا كان فيهم لا عشيرة له،قال:و إن لوطا و إبراهيم لا يتوقعان نزول العذاب على قوم لوط و كانت لإبراهيم و لوط منزلة من اللّه شريفة،و إن اللّه تبارك و تعالى كان إذا هم بعذاب قوم لوط أدركته مودة إبراهيم و خلته و محبة لوط فيراقبهم فيه فيؤخذ عذابهم.
قال الإمام الباقر:فلما اشتد أسف اللّه على قوم لوط و قدر عذابهم و قضاه أحب أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام حليم فيسلي به مصابه بهلاك قوم لوط فبعث اللّه رسلا إلى إبراهيم يبشرونه بإسماعيل فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم و خاف
********
(1) الذاريات35/-36.
ص: 275
أن يكونوا سراقا قال:فلما رأته الرسل فزعا و جلا فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ* قالُوا لا تَوْجَلْ إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (1)،قال الإمام الباقر:و الغلام هو إسماعيل بن هاجر،فقال إبراهيم للرسل أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ* قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (2)،فقال إبراهيم للرسل:فما خطبكم بعد البشارة؟ قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (3)قوم لوط أنهم كانوا قوما فاسقين لنذرهم عذاب رب العالمين،قال الإمام:فقال إبراهيم للرسل إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (4)قال: فَلَمّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ* قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ* قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (5)يقول:من عذاب اللّه لننذر قومك العذاب فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يا لوط إذا مضى من يومك هذا سبعة أيام بلياليها بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ (6)إلا امرأتك أنه مصيبها ما أصابهم،قال أبو جعفر الباقر:
فقضوا إلى آل لوط ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين،قال:فلما كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر قدم اللّه رسلا إلى إبراهيم يبشرونه باسحاق و يعزونه بهلاك قوم لوط،و ذلك قول اللّه تعالى في سورة هود وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (7)يعني ذكيا مشويا نضيجا فَلَمّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ* وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ (8)قال أبو جعفر:إنما عنى امرأة إبراهيم سارة قائمة فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ* قالَتْ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ (9)،فلما أن جاءت البشارة بإسحاق ذهب عنه الروع
********
(1) الحجر52/-53.
(2) الحجر54/-55.
(3) الحجر58/.
(4) العنكبوت32/.
(5) الحجر61/-63.
(6) الحجر65/.
(7) هود69/.
(8) هود70/-71.
(9) هود71/-72.
ص: 276
و أقبل يناجي ربه في قوم لوط و يسأله كشف العذاب عنهم،قال تعالى:
يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (1) (2) .
و إذا نظرنا إلى هذه الأحداث القصصية المتتابعة و التي استطاع الإمام الباقر أن يصورها بأحسن تصوير وجدنا أن رائده في ذلك القرآن الكريم لا يخرج عن سياقه و اخباره في سرد الأحداث و الوقائع،استعان في الكثير من تلك اللقطات القصصية بآيات كاملة من القرآن من هذه السورة و تلك ما دامت هذه الآيات توظف سياقاتها لإبراز الحدث في القرآن الكريم لتصل به إلى ذروته،فكان الإمام يجري مع تلك الأحداث ديدنه في ذلك مع جميع القصص القرآني و التي روى أحداثها غير آبه و لا ملتفت إلى أخبار أهل الكتاب التي كثر فيها الدس الإسرائيلي المتعمد أو غير المتعمد.
خير ما يمثل اسهامات الإمام الباقر في القصص القرآني:قصة يوسف(عليه السّلام) و هي التي كثرت فيها الروايات الإسرائيلية و التفصيلات الجزئية التي ما أنزل اللّه بها من سلطان فلا يؤيدها الشرع و لا العقل و لا المنطق السليم بل زادت فيها الأخيلة اليهودية المريضة،نجد الإمام الباقر حين يتعرض لبعض جوانبها يبتعد كليا عن المتهم و الملفق الواضح من روايات أهل الكتاب و يقتصر على ما يوافق السرد القرآني و السياق الملائم مع منزلة الأنبياء(عليهم السّلام)و تنزيههم،و إليك تلك القصة:
روى محمد بن مسلم و أبو بصير قالا:سمعنا أبا جعفر الباقر يحدث قال:لما فقد يعقوب يوسف اشتد حزنه عليه و بكاؤه حتى ابيضت عينه
********
(1) هود76/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،152/2،157-158،242-247+تفسير القرآن،القمي، 228/2،231،348+بحار الأنوار،المجلسي،152/5،153،158+الصافي في تفسير القرآن، الفيض الكاشاني،909/1.
ص: 277
من الحزن و احتاج حاجة شديدة و تغيرت حاله،و قال:و كان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرتين للشتاء و الصيف،و أنه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر مع رفقة خرجت فلما دخلوا على يوسف و ذلك بعد ما ولاه العزيز مصر،فعرفهم يوسف و لم يعرفه أخوته لهيبة الملك و عزته،فقال لهم:هلموا بضاعتكم قبل الرفاق و قال لفتيانه:عجلوا لهؤلاء الكيل و أوفوه.فإذا فرغتم فاجعلوا بضاعتهم هذه في رحالهم و لا تعلموهم ذلك،ففعلوا ثم قال لهم يوسف:قد بلغني أنه كان لكم أخوان لأبيكم فما فعلا؟قالوا:أما الكبير منهما فان الذئب أكله و أما الصغير فخلفناه عند أبيه و هو به ضنين و عليه شفيق.قال:فإني أحب أن تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَ لا تَقْرَبُونِ* قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَ إِنّا لَفاعِلُونَ (1)،فلما رجعوا إلى أبيهم فتحوا متاعهم وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَ نَمِيرُ أَهْلَنا وَ نَحْفَظُ أَخانا وَ نَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ (2)فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ* قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ (3)فلما احتاجوا إلى الميرة بعد ستة أشهر بعثهم يعقوب،و بعث معهم بضاعة يسيرة و بعث معهم بنيامين و أخذ عليهم مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ (4)أجمعين، فانطلق الأخوة حتى دخلوا على يوسف فقال لهم:معكم بنيامين، قالوا:نعم هو في الرحل،قال لهم:فأتوني،فأتوه به و هو في دار الملك، فقال:ادخلوه وحده،فادخلوه عليه فضمه يوسف إليه و بكى و قال له:
أنا أخوك يوسف فلا تبتأس بما تراني أعمل،و اكتم ما خبرتك به و لا تحزن و لا تخف فيما أخرجه إليهم،و أمر فتيته أن يأخذوا بضاعتهم،و يعجلوا
********
(1) يوسف60/-61.
(2) يوسف65/.
(3) يوسف63/-64.
(4) يوسف66/.
ص: 278
لهم الكيل،فإذا فرغوا جعلوا المكيال في رحل بنيامين ففعلوا به ذلك و ارتحل القوم مع الرفقة فمضوا فلحقهم يوسف و فتيته فنادوا فيهم قال:
أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ* قالُوا وَ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ* قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ* قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَ ما كُنّا سارِقِينَ* قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ* قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ (1) و يستمر الإمام الباقر في تصعيد قصة يوسف فيقول: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ* قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ... (2)فقال لهم يوسف:ارتحلوا عن بلادنا قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً (3)و قد أخذ علينا موثقا من اللّه لنرد به إليه فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (4)إن فعلت قالَ مَعاذَ اللّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ (5)و قالَ كَبِيرُهُمْ أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللّهِ وَ مِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي... (6)
و مضى أخوة يوسف حتى دخلوا على يعقوب فقال لهم:فأين بنيامين قالوا:بنيامين سرق مكيال الملك فأخذه الملك بسرقته فحبس عنده فسل أهل القرية و العير حتى يخبروك بذلك،فاسترجع و استعبر و اشتد حزنه حتى تقوس ظهره،و يستمر الإمام الباقر في سرد هذه القصة قائلا:و أدبرت الدنيا عن يعقوب و ولده حتى احتاجوا حاجة شديدة و فنيت ميرتهم،فعند
********
(1) يوسف70/-75.
(2) يوسف76/-77.
(3) يوسف78/.
(4) يوسف78/.
(5) يوسف79/.
(6) يوسف80/.
ص: 279
ذلك قال يعقوب لولده اِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (1)،فخرج منهم جماعة معهم بضاعة يسيرة و كتب معهم كتابا إلى عزيز مصر يتعطفه على نفسه و ولده،قال:و مضى ولد يعقوب بكتابه نحو مصر حتى دخلوا على يوسف في دار المملكة قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا (2)بأخينا بنيامين و هذا كتاب أبينا يعقوب إليك في أمره يسألك تخلية سبيله و أن تمن به عليه،قال:فأخذ يوسف كتاب يعقوب فقبله و وضعه على عينيه و بكى و انتحب حتى بلت دموعه القميص الذي عليه ثم أقبل عليهم فقال: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ (3)من قبل وَ أَخِيهِ من بعد قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا (4)فلا تفضحنا و لا تعاقبنا اليوم و اغفر لنا قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ* اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا (5)الذي بلته دموع عيني فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً (6)و ردهم إلى يعقوب ريح يوسف،فقال لمن بحضرته من ولده إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (7)قال الإمام الباقر:و أقبل ولده يحثون السير بالقميص فرحا و سرورا بما رأوا من حال يوسف و الملك الذي أعطاه اللّه و العز الذي صار إليه في سلطانه و كان مسيرهم من مصر إلى يعقوب تسعة أيام فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ
********
(1) يوسف87/.
(2) يوسف88/.
(3) يوسف89/.
(4) يوسف89/-94.
(5) يوسف92/-93.
(6) يوسف93/.
(7) يوسف94/.
ص: 280
فَارْتَدَّ بَصِيراً (1) و قال لهم:ما فعل بنيامين؟قالوا:أخلفناه عند أخيه صالحا قال:فحمد اللّه يعقوب عند ذلك و سجد لربه سجدة الشكر و رجع إليه بصره و تقوم له ظهره،و قال لولده:تحملوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم،فساروا إلى يوسف و معهم يعقوب و خالة يوسف فأحثوا السير فرحا و سرورا.
و يختتم الإمام الباقر فصول هذه القصة القرآنية بالمحور الأخير منها قائلا:
فساروا تسعة أيام إلى مصر،فلما دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه فقبله فبكى و رفعه و رفع خالته على سرير الملك،ثم دخل منزله فأدهن و اكتحل و لبس ثياب العز و الملك ثم خرج إليهم،فلما رأوه سجدوا جميعا له إعظاما له و شكرا للّه،فعند ذلك قال: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ (2)،قال الإمام الباقر:و لم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن و لا يكتحل و لا يتطيب و لا يضحك و لا يمس النساء حتى جمع اللّه ليعقوب شمله،و جمع بينه و بين يعقوب و أخوته (3).
و بهذا يختتم الإمام الباقر فصول هذه القصة القرآنية الرائعة التي دس فيها أهل الكتاب الكثير من أخبارهم التي تشين بمكانة الأنبياء و تنقص من قدر نبوتهم،فأراد الإمام الباقر أن يلفت نظر الناس إلى أن كلما قيل في قصة يوسف و أخوته كان من دس الإسرائيليين و كذلك فعل الإمام مع جميع القصص القرآني أو ما تناولته من قصص الأنبياء و الأولين إذا ما علمنا أننا بعد أن استقصينا جميع الروايات التفسيرية وجدنا أنه تناول تقريبا قصص جميع الأنبياء و الأقوام الوارد ذكرهم في القرآن الكريم،رائده في ذلك كله القرآن نفسه فهو في بعض القصص يستنطق النص القرآني،مستقرئا كل الآيات التي في السور المتفرقة جامعا لها
********
(1) يوسف96/.
(2) يوسف100/.
(3) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،181/2-183،185-189،190-193،196-197+تفسير القرآن،القمي،257/2،271+بحار الأنوار،المجلسي،196/2،193/5.و قد وردت رواية للإمام الباقر في حزن يعقوب في التفسير الكبير،الرازي،18،198+مجمع البيان، الطبرسي،264/5-266.
ص: 281
تحت عنوان قصة قرآنية واحدة،و مرة أخرى يستحضر أحاديث جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و أحاديث آبائه الكرام لتكتمل الصورة الفنية في فهم القصة القرآنية.
و نستطيع أن نخلص من خلال ما عرضنا من جهود و اسهامات للإمام الباقر في سرد القصص القرآني و تحديثه لأصحابه و الناس به،رأينا فيها أنه لا في غالب الأحيان بل أكثرها لا يحمل النص القرآني أكثر مما يحتمل،كما أنه لا يكثر من التفصيلات إلا لضرورة يقتضيها واقع الحال،لأن كل هذا التكلف الذي وقع فيه بعض التابعين هو من أخبار الإسرائيليات و أخيلة اليهود الذي ائتمنهم اللّه على التوراة و الانجيل فلم يحفظوا الأمانة حتى حرفوا الكلم عن مواضعه،و كثرت في كتبهم الأقوال الفاسدة و الدعاوى الفارغة على اللّه سبحانه و تعالى و أنبيائه و أصفيائه،و وجدنا الإمام في سرده للقصة القرآنية ملتزما أشد الالتزام بالأدب النبوي،و غير متكلف في السرد،لأن الغاية من القصص في رأيه هي العبرة و العظة و استنتاج الدروس التي تتكفل في اغناء الجانب التربوي و الأخلاقي و أثر ذلك كله على السلوك الإنساني.
***
ص: 282
و يتضمن:
*المبحث الأول:التوحيد و نفي الصفات
*المبحث الثاني:النبوة و الوحي
*المبحث الثالث:الإمامة
*المبحث الرابع:المعاد
*المبحث الخامس:الشفاعة
ص: 283
ص: 284
تمهيد لا ريب في أن القرآن الكريم هو الكتاب المقدس الذي ثبت بالتواتر أنه خاتم الكتب السماوية،الذي احتوى المضامين المركزية الثلاثة الآتية:
1-المضمون العقائدي(أحكام العقائد):و فيه الآيات الكريمة التي تحدد التصور الكوني للإسلام حول الحياة و الكون و الإنسان و الخليقة و النبوة و ملحقاتها من وحي و عصمة و اليوم الآخر و هكذا،أو الآيات التي تكون من بعض مضامينها هذه الحيثيات،و من هذه و تلك تشكل هذه الآيات مجموعة كبيرة من أي الذكر الحكيم.
2-المضمون التشريعي:و هي الآيات الكريمة التي تشكل الأسس و القواعد الكلية العامة للمنظومة القانونية الإسلامية في العبادات و المعاملات و الأحكام الدستورية و الدولية،التي تنظم بمجموعها علاقة الفرد تارة مع ربه و أخرى مع نفسه و ثالثة مع الآخرين،و تنظم علاقته أيضا بالدولة،و علاقة الدولة بالأفراد و الدول الأخرى وفق هذه القواعد الكلية التي ترك فيها المجال واسعا لفقهاء الأمة الإسلامية كل يستنبط الحكم الشرعي المتعلق بواحدة من هذه المسائل وفق مدركه الشرعي الذي أفاده من البحث و الفحص،و لا يشكل هذا المضمون آيات كثيرة من القرآن الكريم بكثرة المضمون الأول أو الذي يليه.
3-المضمون التربوي و الأخلاقي:و هي الآيات القرآنية الكريمة التي تستهدف بناء الإنسان من الداخل و تكوين الذات الإنسانية المتلقية تلقيا حسنا و امتثاليا للأحكام الاعتقادية و التشريعية،و زخر القرآن الكريم بمثل هذه الآيات و أخذت صورا شتى في التصوير القرآني للقضايا الأخلاقية المراد معالجتها،فمرة يجعلها على شكل قصة يضمنها الكثير من الوصايا الأخلاقية،و مرة أخرى تأخذ شكل فيض من المواعظ الابتدائية المشحونة بكثير من القيم التي من شأنها تهذيب النفس الإنسانية و برمجة سلوكها و جعلها ترقى إلى أعلى مستوى أخلاقي،و هذا ما حصل بالفعل بالنسبة للتغيير السلوكي الذي حصل لرجالات الأمة الإسلامية
ص: 285
في الصدر الأول للإسلام و ما يليه،بحيث استطاع القرآن الكريم أن يرقى بهم إلى أعلى مستوى للسلوك الأخلاقي البناء الذي كان من الممكن الوصول إليه.
و قد كان للإمام الباقر حضور فعال في هذه المضامين الثلاثة،إذ أثرت عنه جملة كبيرة جدا من الروايات في تفسير الآيات القرآنية المتضمنة لها،و سنعرض لها كلا في مجاله،في فصول ثلاثة.
و هذا الفصل في جهود الإمام في علم الكلام،و هذا يتجلى بوضوح في تفسيره كما أثر عنه الآيات القرآنية المتعلقة باللّه تعالى وجودا و صفة و المتعلقة بالمرسلين و الإيمان بالبعث و اليوم الآخر و غيرها،و قد فسر كل ذلك بأسلوبه الخالي من التطرف و المبتعد عن التعسف فأضاف للعقول الإسلامية ثروة كبرى إذ استنار بآرائه جملة من العلماء.
و الموسعات الإسلامية بحار نقلت ما يجمع على صحته و نقلت ما هو مختلف في صحته،أعني ما أثر عن العلماء من عصر الصحابة رضي اللّه عنهم،فقد جهدت جهدا في اصطفاء ما كان يبعد عن الشك بنسبته عن الإمام الباقر،إذ ليس كل ما يؤثر يسطر،بل منه ما يزول عليه الستار حتى لا تحدث فتنة بين العلماء الأبرار،قال تعالى: وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (1)و قال تعالى:
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ (2) .
التوحيد هو أول تعاليم الدين الإسلامي،و أول ما دعا إليه الأنبياء،قال اللّه تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (3)و مثل هذا ورد على لسان هود و صالح و شعيب(عليهم السّلام) (4).
********
(1) البقرة163/.
(2) المائدة73/.
(3) الاعراف59/.
(4) ظ:الأعراف65/،73،85.
ص: 286
و هكذا فإن كل نبي كان منطلق دعوته من وجوب الاعتقاد بوجود اللّه تعالى و وحدانيته،و لما كان التوحيد أساس العلوم الدينية و رأس المعارف اليقينية وجب على كل مكلف معرفة مسائله و رعاية دلائله.
و بسبب التوحيد كان الخلاف و الصراع مع تيارات الملاحدة و المعطلة و اليهود و النصارى و كل الفرق و التيارات الإسلامية التي قالت بالتشبيه أو الاتصال أو الحلول،و القائلون بالتوحيد عند ما تناولوا هذا الأصل في مباحثهم تتبعوا المسائل التي تتصل به كافة،و من ثم جاءت أبحاثهم ازاءه شاملة و محيطة بكل جوانبه (1).
و كان من أولى مباحثهم في هذا المجال معرفة اللّه تعالى لأنها أول الدين كما يقول الإمام علي بن أبي طالب (2)،و هي المرتبة الأولى من مراتب معرفة التوحيد،إلا أنهم قد اختلفوا فيها على آراء،فذهب كثير من الإمامية و معتزلة بغداد أنها اكتساب،بينما خالف فيه معتزلة البصرة و المجبرة و الحشوية من أصحاب الحديث (3).و على الرغم من اتفاق متكلمي المسلمين على وجوب معرفة اللّه تعالى إلا أنهم قد اختلفوا في مدرك هذا الوجوب،فالإمامية و المعتزلة و الزيدية قالوا:أنه العقل (4)،أي من خلال العلم الحاصل بسبب النظر و الاستدلال،بينما قال الأشعرية:إنه السمع (5).
و بعد ذلك ساقوا أدلة على وجود اللّه سبحانه و تعالى،فالذين يقولون بمدرك الوجوب العقلي يرون أن العقل قد دل على أن أوضح سبل المعرفة و أقرب أساليب الدعوة إلى منطق العقل في إقامة الدليل على وجود اللّه هو القرآن الكريم -كمعجز و برهان-و وافقهم في ذلك الأشعرية (6)،و بقية أهل السنة (7).
********
(1) ظ:المعتزلة و مشكلة الحرية الإنسانية،د.محمد عمارة47/.
(2) شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد،72/1.
(3) أوائل المقالات،الشيخ المفيد،68.
(4) ظ:الشافي،المرتضى،61+الاقتصاد،الشيخ الطوسي،42+شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار،88.
(5) احقاق الحق،العلامة الحلي،38/1،40.
(6) اللمع،أبو الحسن الأشعري،17-19.
(7) ظ:تفسير سورة الاخلاص،ابن تيمية،22-23.
ص: 287
ثم دليل الجوهر الفرد (1)،و بعده دليل الحدوث الذي اعتمده معظم المتكلمين و خاصة الاشعرية (2)،و دليل آخر يسمى ببرهان التمانع و هو مزج بين البرهان العقلي القاطع على وجوده من خلال دليل الحدوث و بين ما ورد في القرآن الكريم من آيات تدل على وجوده تبارك و تعالى (3).
إن التمازج غير القابل للفصل بين الدليل العقلي البرهاني و بين ما ورد في القرآن الكريم حافزا له و موجها لمساراته و منبها لقدراته في الالتفات إلى المظاهر الكونية المتسقة،جعل قضية الدليل النقلي صورة متطابقة تماما مع منتجات الدليل العقلي،لكن الذي وقع فيه الخلاف ليس مفهوم التوحيد على اجماله إنما تفصيلات الصفات في أقسامها و اختلافهم في كونها خارج الذات (4)،أو هي عين الذات (5).
إن هذه الجزئيات بعد أن تخطت الإجمال لم تستند فقط إلى الدليل العقلي لأنها مجتمعة بعد أن آمنت بأن القرآن الكريم موحى به من عند اللّه تعالى ظلت تبحث في أسانيد آرائها في ثنايا النص القرآني مستفيدة من معنى أولي مباشر أو معنى ثانوي غير مباشر،كما هو حال الخلاف في الرؤية المستفادة مما يوهم التعارض في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (6)و بين قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (7).إن تعدد المناهج في الجمع بين ما يوهم التعارض هو السبب في اختلاف علماء الأمة الإسلامية في المنتج الذي ساهم في إغناء الفكر العربي الإسلامي بتقديم رؤى متعددة للقضية الواحدة بعد أن جعل هذا المنتج العقل العربي الإسلامي عقلا منظما ذا منهجية قائمة على أسس متينة
********
(1) أصول الدين،البغدادي،36+الفصل،ابن حزم،92/5.
(2) ظ:التمهيد،الباقلاني،41-44+الارشاد،الجويني،17 و ما بعدها+كشف المراد،العلامة الحلي،172.
(3) ظ:استحسان الخوض في علم الكلام،الاشعري،189+التمهيد،الباقلاني،25+شرح العقائد النسفية،التفتازاني،79+كنز الفوائد،الكراجكي،182.
(4) ظ:نهاية الاقدام،الشهرستاني،181.
(5) الاقتصاد،الشيخ الطوسي،78+كشف المراد،العلامة الحلي،181-182.
(6) القيامة23/.
(7) الشورى11/.
ص: 288
في التفكير و الانتاج،و ما قدمناه يعد نموذجا لما سنعرضه من آراء و جهود للإمام الباقر في مثل هذه المسائل من قضايا التوحيد في إطار الروايات التفسيرية الواردة عنه و التي سيتبين أثرها لاحقا على علماء الأمة الإسلامية،و التي سنختار نماذج منها للاستدلال على تلك الآثار و الاسهامات:
أولا:في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (1)فقد روى محمد بن يعقوب بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال:كاتبته-يقصد الإمام الباقر-:جعلني فداك،نعبد الرحيم،الواحد،الأحد،الصمد؟قال أبو جعفر الباقر:من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء فقد أشرك و كفر و جحد و لم يعبد شيئا،إن الأسماء صفات وصف اللّه بها نفسه (2).
قال الزمخشري(ت:538 ه):كان المشركون معتقدين ربوبيتين:ربوبية اللّه،و ربوبية آلهتهم،فإن خصوا بالخطاب فالمراد به اسم يشترك فيه رب السموات و الأرض و الآلهة التي كانوا يسمونها أربابا (3).
و قال ابن كثير الدمشقي:و شرع تبارك و تعالى في بيان وحدانية الوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده باخراجهم من العدم إلى الوجود و اسباغه عليهم النعم الظاهرة و الباطنة...ثم قال:فبهذا يستحق أن يعبده وحده لا شريك به غيره (4)
و قد اختلف المفسرون في المعني في يا أَيُّهَا النّاسُ ،فمنهم من قال:
المشركون،و من قال:كافة الناس،و من قال:المنافقون و المذبذبون (5).غير أن تفسيرهم كان في سياق واحد لهذه الآية الكريمة جاعلين أهم صفة من صفاته هي الخلق و الابداع.
********
(1) البقرة21/.
(2) أصول الكافي،الكليني،96/1+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،22/1.
(3) الكشاف،الزمخشري،90/1.
(4) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،99/1-100.
(5) ظ:الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،194/1-195+زاد المسير،ابن الجوزي،47/1-48+ فتح القدير،الشوكاني،37/1-38+روح المعاني،الآلوسي،181/1-185.
ص: 289
و يظهر من النص المتقدم عن الإمام الباقر أنه كان يريد أن يوجه الأمة في عصر انشغلت فيه بمباحث الصفات إلى صرف ماهية العبادة إلى الذات الالهية، تحجيما لتلك التيارات من أن تخوض في الصفات فيؤثر ذلك الخوض على طبيعة العبادة التي أجمع المسلمون على أنها الغاية من الخلق،و يؤيده في ذلك قوله تعالى قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فكان تفسير الإمام الباقر تأكيدا على العبادة قبل كل شيء،و كذلك بالنسبة للمفسرين فقد جاءت تفاسيرهم للآية المتقدمة لتؤكد صحة ما ذهب إليه الإمام أبو جعفر الباقر.
ثانيا:في تفسير قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ (1)،فقد روي عن الإمام الباقر أنه قال:أي وسع علمه السموات و الأرض (2).
قال البخاري عن سعيد بن جبير:كرسيه أي علمه (3)،و نقل الطبري اختلاف أهل التأويل فيه فقال:ذهب ابن عباس إلى أنه علم اللّه تعالى،حيث أسند الطبري هذه الرواية عن أبي كريب و سلمة بن جنادة عن مطرف عن جعفر بن المغيرة عن ابن عباس (4).ثم عرض إلى الروايات الأخريات من قبيل موضع القدمين و أسند ذلك إلى الأشعري أبي موسى،و ذكر القول الثالث بأن معنى الكرسي:هو العرش نفسه مسندا ذلك إلى الحسن البصري،و لكن الطبري قال:
و لكل هذه الأقوال وجه،و صوب قول ابن عباس و سعيد و الإمام الباقر فقال:
و يؤيده ظاهر القرآن لقوله: وَ لا يَؤُدُهُ أي لا يئوده حفظ ما علم و أحاط به فاصل الكرسي العلم و أثبت ذلك بشواهد شعرية أيضا (5).
و ذهب الزمخشري إلى القول:في تفسير الكرسي أربعة أوجه،أحدها:تصوير لعظمته،و الثاني:علمه،و الثالث:ملكه،و الرابع:قدرته،و رجح الوجه الأول و هو ما يتفق مع منهجه الاعتزالي في التأويل (6).
********
(1) البقرة255/.
(2) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،254/2+مجمع البيان،الطبرسي،362/2.
(3) صحيح البخاري،38/6.
(4) جامع البيان،الطبري،7/3.
(5) المصدر نفسه،7/3-8.
(6) الكشاف،الزمخشري،299/1.
ص: 290
و ذهب الرازي(ت:606 ه)إلى حمل هذا اللفظ على ظاهره على الرغم من أنه نقل آراء المؤولين و نقل في ما سماه الأخبار الصحيحة أنه جسم تحت العرش و فوق السماء السابعة (1)،و ظاهر كلام القرطبي(ت:667 ه)التعويل على ظاهر معنى الكرسي (2).
أما الطبرسي فقد نقل عن الحسن البصري:أنه العرش هو هو،و في غيره أنه الملك و السلطان و القدرة،و نقل رواية ضعيفة عن الصادق و عطاء أنه سرير دون العرش،و ضعفها يظهر من أنه علم اللّه تعالى (3).
إن هذه الآية الكريمة من المتشابه القرآني،أسهم الإمام الباقر في تأكيد رفع التشابه بانضمام رأيه إلى رأي ابن عباس و سعيد بن جبير،و في ذلك جزم بصحة تفسيره (4).
ثالثا:في تفسير قوله تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... (5)،روي بسند عن سدير الصيرفي قال:سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر(عليه السّلام)عن قول اللّه(عزّ و جلّ) بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فقال أبو جعفر:إن اللّه(عزّ و جلّ)ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله،فابتدع السموات و الأرض و لم يكن قبلهن سماوات و لا أرضون،أما تسمع لقوله تعالى: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ (6)(7).
قال الطبرسي:أي مبدعها و منشؤها بعلمه ابتداء لا من شيء و لا على مثال سبق،و قال:و هو المروي عن أبي جعفر الباقر (8).
********
(1) التفسير الكبير،الرازي،12/7.
(2) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،276/3.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،362/2.
(4) انظر للتفاصيل:تفسير آيات الصفات بين المفوضة و المؤولة،مخطوط،استاذنا الدكتور محسن عبد الحميد،31-33.
(5) البقرة117/.
(6) هود7/.
(7) الشافي في شرح أصول الكافي،الشيخ عبد الحسين المظفر،227/7+تفسير القرآن، القمي،45/1+مجمع البيان،الطبرسي،343/4.
(8) مجمع البيان،الطبرسي،192/1.
ص: 291
و ذهب الزمخشري إلى حمل اللفظة على ظاهرها و لم يضف شيئا،فقد قال:أي بديع سماواته و أرضه (1)و مال ابن كثير في تفسيره إلى قول الإمام الباقر حينما قال:أي خالقهما على غير مثال سبق بعد أن نقل قول مجاهد و السدي حيث قالا و هو مقتضى اللغة و نقل أيضا قول الطبري:أي مبدعهما (2).
و كذلك القرطبي ذهب إلى القول:أي منشئهما و موجدهما و مبدعهما على غير حد و لا مثال (3)،و كذلك ابن الجوزي في قوله:أنه فطر الخلق مخترعا له لا على مثال سبق (4).
و ذهب الشوكاني و الآلوسي إلى القول:أي هو بديع سماواته و أرضه أبدع الشيء أنشأه لا عن مثال،و كل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له مبدع (5).
إذن من خلال هذا الاستعراض لأقوال جملة من المفسرين على اختلاف مناهجهم تبين أن أقوالهم في تفسير الآية الكريمة كانت امتدادا طبيعيا لرأي الإمام الباقر و قوله،و مستفيدة منه أشد ما تكون الاستفادة بحيث أنهم قد أعرضوا عن باقي الأقوال مكتفين بما تنبؤه من رأيه الذي كان يمثل اعتدالا واضحا في فهم النصوص القرآنية المراد معالجتها وفق منظور إسلامي واع.
رابعا:في تفسير قوله تعالى: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاّ وَ هُمْ مُشْرِكُونَ (6)فقد وردت عدة روايات عن الإمام الباقر في معنى الآية مفادها جميعا عن زرارة بن أعين عنه أنه قال:شرك طاعة و ليس شرك عبادة،في المعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة و ليس باشراك عبادة أن يعبدوا غيره معه (7).
قال الطبرسي:إن المراد بالاشراك شرك طاعة لا شرك العبادة،أطاعوا الشيطان في المعاصي التي يرتكبون مما أوجب اللّه عليها النار فأشركوا باللّه في طاعة
********
(1) الكشاف،الزمخشري،181/1.
(2) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،281/1-282.
(3) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،78/2.
(4) زاد المسير،ابن الجوزي،136/1.
(5) فتح القدير،الشوكاني،114/1+روح المعاني،الآلوسي،367/1-368.
(6) يوسف107/.
(7) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،199/2-200+تفسير القرآن،القمي،274/2+بحار الأنوار، المجلسي،6/15+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،860/1.
ص: 292
و لم يشركوا باللّه شرك عبادة فيعبدون معه غيره،و نقل مضمون الرواية أعلاه عن الإمام الباقر (1).
و نقل الزمخشري أقوال المفسرين فقال:عن الحسن:هم أهل الكتاب معهم شرك و إيمان،و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما:هم الذين يشبهون اللّه بخلقه،و مال هو إلى القول:أن أحدا لا يؤمن في اقراره باللّه و أنه خلق السموات و الأرض (2).
و قال صاحب زاد المسير:أن في الآية ثلاثة أقوال:أحدها:أنهم المشركون لأنهم يؤمنون بأن اللّه خالقهم و رازقهم و هم يشركون به،و هو أحد قولي ابن عباس و مجاهد و عكرمة و الشعبي و قتادة أو أنها نزلت في تلبية مشركي العرب قبل الإسلام و هذا القول في أنها تعني المشركين-و هو ما رجحه على بقية الأقوال-و الثاني:أنهم النصارى،و الثالث:أنهم المنافقون.و احتج إلى ما ذهب إليه بقوله أنه ليس المراد به حقيقة الإيمان و إنما المعنى:إن أكثرهم مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم مشركون (3).
و مال ابن كثير إلى قول الإمام الباقر بعد استعراض أقوال غيره من أن هذا الشرك شرك طاعة و ليس بشرك عبادة في قوله:و ثم شرك آخر خفي لا يشعر به غالبا فاعله،و ساق أحاديث و روايات كثيرة للاستدلال على ما ذهب إليه (4).
و قد استعرض القرطبي جميع الأقوال في هذه الآية و بعد أن قال: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ أي باللسان إلا و هو كافر بقلبه عن الحسن،و قال عطاء:هذا في الدعاء و ذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء،فإذا أصابهم بلاء أخلصوا في الدعاء،و قيل:معناها أنهم يدعون اللّه أن ينجيهم من الهلكة فإذا أنجاهم قال قائلهم:لو لا فلان ما نجونا،فيجعلون نعمة اللّه منسوبة إلى فلان...قلت:قد يقع في هذا القول و الذي قبله كثير من عوام المسلمين و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم (5).
********
(1) مجمع البيان،الطبرسي،267/5-268.
(2) الكشاف،الزمخشري،508/2.
(3) زاد المسير،ابن الجوزي،294/4.
(4) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،55/4-56.
(5) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،272/9-273.
ص: 293
يشعر هذا القول من القرطبي بأنه مع الاتجاه القائل بأن هذا الشرك هو شرك طاعة لا شرك عبادة في قوله الأخير بأنه يقع فيه كثير من عوام المسلمين،بالرغم من ايراده لبقية الأقوال.
و يذهب الشوكاني إلى:أن الآية مختصة بالمشركين من العرب و النصارى (1)،و بعد أن استعرض أبو الثناء الآلوسي جميع الأقوال في الآية الكريمة ذهب إلى القول:أنهم من يندرج فيهم كل من أقر باللّه تعالى و خالقيته و كان مرتكبا ما يعد شركا كيفما كان (2).
و بهذا يكون قول الألوسي أيضا مندرجا تحت قول الإمام الباقر من أنه عنى بالآية عامة شرك الطاعة و ليس شرك عبادة.
و بهذا يتبين لنا أن الإمام أسهم إسهاما فعالا في معرفة و فهم الآية،تأصيلا لقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،إذا ما قال بعض المفسرين أنها نزلت في كذا،باعتبار أن الخطاب القرآني شامل إلى يوم الدين و قد أخذ عن الإمام هذا المعنى جملة من كبار المفسرين كما اتضح في أعلاه.
خامسا:في تفسير قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ* اَللّهُ الصَّمَدُ (3)،روى الطبرسي عن الإمام الباقر قال:قال في تفسير هاتين الآيتين:اللّه المعبود الذي له الخلق و ممن عجز عن إدراك ماهيته و الاحاطة بكيفيته،و الأحد:الفرد المتفرد، و الصمد:الدائم الذي لم يزل و لا يزال (4).و نقل الفيض الكاشاني عنه أنه قال في اَلصَّمَدُ :هو السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و لا ناه (5).
و احتج النسفي لابطال وجود الهين لتدبير هذا العالم بالبرهان العقلي القاطع،و أكد مسألة واجب الوجود،بعد أن قرر أن معنى الأحد:أي الواحد، و الواحد هو المتفرد،بعد أن أبطل جميع الاحتمالات،و قال:معنى الصمد هو السيد المصمود إليه في الحوائج،و المعنى:هو اللّه الذي تعرفون و تقرون بأنه خالق
********
(1) فتح القدير،الشوكاني،55/3-56.
(2) روح المعاني،الآلوسي،66/3-67.
(3) الاخلاص1/-2.
(4) مجمع البيان،الطبرسي،122/10/.
(5) الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،906/2.
ص: 294
السموات و الأرض و خالقكم و هو واحد لا شريك له و هو الذي يصمد إليه كل مخلوق و لا يستغنون عنه و هو الغني عنهم (1).
و كذلك بالنسبة لابن جزي فإنه بعد أن عرض أقوال العلماء في(أحد)اختار القول بأن معناه الواحد،الفرد،و بالنسبة للصمد أيضا فإنه رجح القول بأنه:
السيد المطاع المفتقر إليه الخلق (2).
أما ابن الجوزي فقد ذكر ثلاثة أقوال في سبب نزول سورة الاخلاص الأول عن أبي بن كعب (3)و الثاني عن ابن عباس (4)و الثالث عن قتادة و الضحاك (5)و في كل واحد منها سؤال يوجه إلى النبي(صلى الله عليه و آله)في وصف اللّه سبحانه و تعالى،و أما في تفسير الآيات فإنه ينقل قول الخطابي-و هو قريب من قول الإمام الباقر-في معنى(أحد)و يتبناه فيقول:الأحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهيه أحد،ثم يستعرض أقوال العلماء في(الصمد)و يقسمها إلى أربعة أقوال:
1-أنه السيد المطاع الذي يصمد إليه في الحوائج،قاله ابن عباس.
2-أنه الذي لا جوف له،قاله ابن عباس و الحسن و مجاهد و ابن جبير و الضحاك و قتادة و السدي.
3-أنه الدائم.
4-الباقي بعد فناء الخلق،حكاه أبو سليمان الخطابي.و قد اختار هو القول الأول (6).و من خلال هذا العرض يتضح أنه قد أخذ بقول الإمام الباقر المروي عنه في الصافي المأخوذ عن ابن عباس.
و مال القرطبي إلى أحد قولي الإمام الباقر في معنى اَلصَّمَدُ بعد أن فسّر قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ بقوله:أي الواحد،الوتر الذي لا شبيه له و لا نظير، و لا صاحبة،و لا ولد،و لا شريك (7)و بعد أن عرض باقي الأقوال قال:قال أهل
********
(1) مدارك التنزيل،النسفي،283/4-284.
(2) التسهيل لعلوم التنزيل،ابن جزي،223/4-224.
(3) ظ:المسند،الإمام أحمد بن حنبل،133/5+سنن الترمذي،172/2+جامع البيان،342/30.
(4) ظ:تفسير البغوي و الخازن.
(5) ظ:جامع البيان،الطبري،343/30+الدر المنثور،السيوطي،410/6.
(6) زاد المسير،ابن الجوزي،264/9-268.
(7) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،244/20.
ص: 295
اللغة:الصمد السيد الذي يصمد إليه في النوازل و الحوائج و قال قوم:الصمد الدائم الذي لم يزل و لا يزال،و اختار القول الأول (1)،و هو اختيار البيضاوي أيضا (2).
سادسا:في تفسير قوله تعالى: وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (3)فعن زياد بن المنذر عن الإمام الباقر في تفسير قُلْنا إِذاً شَطَطاً قال:يعني جورا على اللّه أن قلنا له شريك (4).
و خلص ابن الجوزي في تفسيره لهذه الآية إلى القول:بأنهم لا يجورون على اللّه بل قاموا في قومهم فدعوهم إلى التوحيد (5)،و كذلك النسفي ذهب إلى نفس المعنى و قال:إن الشطط هو الإفراط بالظلم (6).
و مال ابن جزي صراحة إلى قول الإمام الباقر في تفسيره للآية فقال:أي لو دعونا من دونه إلها لقلنا قولا شططا،و الشطط الجور و التعدي (7).
و بعد أن استعرض القرطبي أقوال العلماء في قيامهم في قومهم اختار قول الإمام الباقر في قوله:لئن دعونا إلها غيره فقد قلنا إذن جورا و محالا (8).و هو ما ذهب إليه البيضاوي (9).
سابعا:في تفسير قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ (10)فعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر قال:يفنى كل شيء و يبقى وجه اللّه أعظم من أن يوصف،لا،و لكن معناها:كل شيء هالك إلا دينه (11).
********
(1) المصدر نفسه،245/20.
(2) أنوار التنزيل و أسرار التأويل،البيضاوي،269/4.
(3) الكهف14/.
(4) البرهان في تفسير القرآن،246/2.
(5) زاد المسير،ابن الجوزي،115/5.
(6) مدارك التنزيل،النسفي،4/3.
(7) التسهيل لعلوم التنزيل،ابن جزي،183/2.
(8) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،366/10.
(9) أنوار التنزيل،البيضاوي،135/3.
(10) القصص88/.
(11) البرهان في تفسير القرآن،القمي،87/2.
ص: 296
قال ابن الحوزي فيه قولان:الأول:إلا ما أريد به وجهه،عطاء عن ابن عباس و به قال الثوري.
و الثاني:إلا هو،قاله الضحاك و أبو عبيدة (1).و لم يرجح أحد القولين.
و قال الزمخشري: إِلاّ وَجْهَهُ إلا إياه،و الوجه يعبر به عن الذات (2)، و كذلك النسفي نص على هذا التفسير و زاد:قال مجاهد:يعني علم العلماء إذا أريد به وجه اللّه (3).
و قال ابن كثير:اخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم،الذي تموت الخلائق و لا يموت،فعبر بالوجه عن الذات و هكذا قوله هاهنا(الآية)أي إلا إياه،و قال مجاهد و الثوري:أي:إلا ما أريد به وجهه،و قد وفق بين القولين توفيقا رائعا بقوله:و هذا القول لا ينافي القول الأول فإن هذا اخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه اللّه تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة (4).
و استعرض القرطبي أقوال العلماء بدون أن يرجح واحدا منها،قال:قال مجاهد:إلا هو،و قال الصادق:دينه،و قال أبو العالية و سفيان:أي:إلا ما أريد به وجهه أي ما يقصد إليه بالقربة،و عن الثوري:إلا جاهه (5).
و ذهب البيضاوي إلى القول:إلا ذاته فإنما عداه ممكن هالك في حد ذاته معدود (6)،و هو بهذا يميل إلى ترجيح قول من قال إلا هو.
و يذهب الآلوسي إلى هذا المعنى أيضا أي أن وجهه ذاته المقدسة تبارك و تعالى و يستدل على ما ذهب إليه بالبراهين العقلية الدالة على ما يريد أن يوجه الآية إليه (7).
و يتبين من خلال استعراض هذه النصوص في معنى(الوجه)قد انقسمت إلى قولين،الأول:هو ذاته سبحانه و تعالى،و الثاني:هو دينه بالتصريح في
********
(1) زاد المسير،ابن الجوزي،252/6.
(2) الكشاف،الزمخشري،437/3.
(3) مدارك التنزيل،النسفي،249/3.
(4) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،306/5.
(5) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،322/13.
(6) أنوار التنزيل،البيضاوي،13/4.
(7) روح المعاني،الألوسي،131/20-132.
ص: 297
اللفظ كما ورد عن الباقر و الصادق أو بقولهم:إلا ما أريد به وجهه من عمل صالح-و ما هذا إلا من الدين-و لم يشذ واحد منهم عن هذا التفسير تنزيها له سبحانه و تعالى عن الجسمية التي أصبحت بعد عصر الإمام الباقر من أبرز المشاكل الفكرية التي ساهمت في إذكاء حدة الصراع بين الفرق الإسلامية القائلة بها و النافية لها.
و قد أشرنا من قبل أن التوحيد كان رائد المسلمين في أول الأمر ثم ما لبثوا أن افترقوا فريقين،الأول:شبه الباري تبارك و تعالى و مال إلى التجسيم و هم الكرامية (1).و الثاني:نزهه تعالى عن الجسمية و هم الأشعرية (2)،و الإمامية (3)، و الزيدية (4)،و المعتزلة (5).
ثامنا:و في نفي مشابهة الحوادث،ورد في تفسيره لقوله تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (6)في حوار مع جابر بن يزيد الجعفي حيث قال له الإمام الباقر:يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على اللّه يزعمون أن اللّه تبارك و تعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس،و لقد وضع عبد من عباد اللّه قدمه على حجر فأمرنا اللّه تبارك و تعالى أن نتخذه مصلى،يا جابر أن اللّه تبارك و تعالى لا نظير له و لا شبيه،تعالى عن صفة الواصفين،و جل عن أوهام المتوهمين،و احتجب عن عين الناظرين لا يزول مع الزائلين و لا يأفل مع الآفلين لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (7)(8).
يستفاد من هذه الرواية،أن مقدمات شبهات المجسمين كانت منتشرة في زمن الإمام الباقر و تشير إلى أن مراكز تركز مذهب التجسيم كان في الشام و أنها تستند
********
(1) مناهج الأدلة،ابن رشد،171+احقاق الحق،العلامة الحلي،43/1.
(2) ظ:الانصاف،الباقلاني،188+التمهيد،الباقلاني،191+اللمع،الأشعري،23-24.
(3) ظ:الاقتصاد،الشيخ الطوسي،74+التوحيد،الصدوق،81.
(4) ظ:الحور العين،الحميري،147.
(5) ظ:الانتصار،الخياط،15-80+شرح الأصول الخمسة،القاضي عبد الجبار،216.
(6) البقرة125/.
(7) الشورى11/.
(8) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،59/1+تفسير القرآن،القمي،155/1.
ص: 298
إلى مقدمات ضعيفة ربما ترتكز في ذلك على الإسرائيليات،فقد جاء في هذه الرواية رد على من يرى أن اللّه تعالى وضع قدمه على صخرة بيت المقدس و اعتمد الرد في آلياته على ما يسمى بقياس الأولوية،فقد أجاب الباقر:أن عبدا من عباده وضع قدمه على حجر فأمرنا أن نتخذه مصلى فكيف إن كان هو إنكارا لزعم المجسمة،ثم يصرح الإمام في ذلك موجها أنظار الأمة إلى أن اللّه تعالى لا نظير له و لا شبيه.
و يلاحظ من الرواية أنها نهجت بتفسير القرآن بالقرآن لاستدلالها بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ،و أن هذه الحوارية تكشف لنا عن الدور الفاعل و الكبير الذي أداه الإمام الباقر مقابل تيارات التجسيم التي برزت في العالم الإسلامي ثم حوربت هذه التيارات الفاسدة من قبل المسلمين دولة و فقهاء.
تاسعا:و في تفسير قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ (1)فعن محمد بن مسلم الطائفي عن الإمام الباقر قال:أوهام القلوب أدق من أبصار العيون،أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها و لا تدركها ببصرك،و أوهام القلوب لا تدركه فكيف بأبصار العيون (2).
لقد اختلفت الفرق الإسلامية في مسألة الرؤية على قولين مشهورين:
الأول:جوازها من غير تكييف و لا إحاطة (3)،و استدلوا بأدلة كلها غير قاطعة الدلالة لكن فيها وجه (4).و فسرت هذه الآية أن الاستدلال بها إنما جاء في سياق التمدح (5).
الثاني:عدم الجواز لقوله تعالى: ...لَنْ تَرانِي... (6)و قيل أن(لن)هنا تفيد التأبيد و رتبوا عليها استحالة الرؤية (7).و لأنه لو كان تعالى مرئيا لكان في جهة و حيز.
********
(1) الأنعام103/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،96/1+مقتنيات الدرر،الحائري،16/3.
(3) الباجوري على الجوهرة،19/2+الدردير شرح الخريدة،100.
(4) ظ:العقائد العضدية،الايجي،176/2+الطحاوية،144+المواقف،الايجي،54.
(5) التذكرة،القرطبي،492.
(6) الأعراف143/.
(7) أوائل المقالات،الشيخ المفيد،62+شرح الأصول الخمسة،القاضي عبد الجبار،233.
ص: 299
أما المفسرون فقد نقل الطبري اختلاف أهل العلم و قال:فقال بعضهم:لا تحيط به الأبصار عن ابن عباس،و عن سعيد عن قتادة:هو أعظم من أن تدركه الأبصار (1)،و واضح أن هذه العبارة بنصها عن الإمام الباقر،و نقل الطبري أيضا بسنده عن عطية العوفي أنه قال:لا تحيط أبصارهم به من عظمته و هو من رأي السدي (2).
و حجة القائلين بالجواز أنه بغير كيف لا تتوافق مع نص القرآن الكريم و هي الاحاطة الكاملة الشاملة،و أيد الزمخشري مذهب عدم جواز الرؤية،و اعتبر المعتزلة أن الآية محكمة (3).
أما الفخر الرازي فقد عقد لتفسير هذه الآية فصلا لغويا،أصوليا،كلاميا طويلا،و عرض و جهات النظر و أدلة الطرفين و ما نوقشت به و انتهى إلى مناصرة مذهب أصحابه الأشاعرة (4).
و قال الطبرسي في تفسير الآية:أي لا تراه العيون لأن الإدراك متى قرن بالبصر لم تفهم منه إلا الرؤية،و قال:و بهذا خالف سبحانه جميع الموجودات لأن منها ما يرى و يرى كالإنسان و ما يرى و لا يرى،و ما لا يرى و لا يرى كغير المدرك من المخلوقات،و قد تفرد اللّه بالآية فإنه لا يرى و يرى غيره (5).و إلى هذا أشار الإمام الباقر فكان مع الذين قالوا باستحالة الرؤية و عدم جوازها و تابعه على ذلك بعض المفسرين كما وضحنا.
و لعل في هذه الشواهد كفاية في توضيح جهود الإمام الباقر في تفسير بعض الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بالتوحيد و نفي الصفات.
و مما تقدم تظهر لنا حقيقتان واضحتان،الأولى:أن عصر الإمام الباقر لم يكن عصرا كالعصور التي سبقته في وحدة التوجهات الفكرية،بل كان عصرا
********
(1) جامع البيان،الطبري،200/7.
(2) المصدر نفسه،199/7.
(3) الكشاف،الزمخشري،322/1.
(4) التفسير الكبير،الرازي،124/13.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،344/4.
ص: 300
تموج فيه مجموعة من التيارات الدخيلة و المدخلة على الوسط الثقافي الإسلامي، فلم يكن دور الإمام في تفسيره لآيات التوحيد دور الموضح و الكاشف عن المعاني إنما إلى جنب ذلك كان دورا يصح التعبير عنه أنه المصحح و الموجه و الكاشف عن مكامن الزيغ و الضلال،و إذا تتبعنا أقوال المفسرين و لا سيما المتقدمين منهم سنكتشف أن للإمام الباقر دورا فاعلا في تحديد المنهج الذي ينبغي السير عليه في فهم آيات اللّه تعالى.
إن عصر الإمام الباقر لم يكن العصر الذي تفهم فيه آيات اللّه على ظاهرها، و أن منهج التفويض لم يثبت أنه قد أمر به رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،أما سكوت الصحابة عن تفسير هذه الآيات فلأنهم فهموها على ضوء سليقتهم و لعدم وجود المداخلات الدخيلة على ثقافتهم القرآنية،و قد ورد التأويل عن ابن عباس رضي اللّه عنه في كثير من المواضع.
و يظهر لي أن معظم ما ينقل عن الإمام الباقر له علاقة فيما نقل عن آبائه الكرام و عن بعض الصحابة الميامين و هذا يجرنا إلى القول أن تقسيم العصور إلى سلف و خلف تقسيم ضعيف،فهذا الطبري ينقل لنا في تفسير رأي المؤولين بنزاهة إلى جانب رأي المفوضين،و هذا مجاهد الذي يقول عنه ابن تيمية:إمام المفسرين (1)،و يقول عنه الثوري:إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به (2)، و هو يجنح إلى التأويل ناقلا له عن بعض الصحابة (3).
و نحن إذا راجعنا تفاسير بعض آيات التوحيد و حكمنا الضوابط التي فسرت في ضوئها نجدها مأخوذة عن تفسير الباقر و غيره،كضابط تفسير القرآن بالقرآن و ضابط تفسير القرآن بقواطع العقل.
إن ضرورة اتباع هذه الضوابط جاءت نتيجة لتغير ظروف العصر-زمن الإمام الباقر-و ظهور الشبهات مع بواكير اختلاط المسلمين بغيرهم من أهل
********
(1) مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،247.
(2) المصدر نفسه و الصفحة+الاتقان،السيوطي،210/2.
(3) ظ:محاضرات في تفسير آيات الصفات بين المفوضة و المؤولة،استاذنا الدكتور محسن عبد الحميد.
ص: 301
الكتاب،و نلحظ أيضا تأثير الإمام في تأويل بعض الآيات في أقوال غيره من التابعين من أمثال سعيد و قتادة و عطاء و سفيان الثوري و غيرهم.
الحقيقة الثانية:إن هذه النماذج التي عرضناها تمثل الاتجاه المدافع عن الحقيقة القرآنية كما في قبالة تلك التيارات التي أرادت أن تخلق مجموعة من الفهم المضلل للقرآن الكريم،لأن الفهم الصحيح لمسائل العقيدة لا بد أن يستند إلى القرآن الكريم و إلى قواعد العقل و لا بد له من إحالة المتشابه على المحكم و لا بد أن تكون مخلصة في مجابهتها لتيارات التمزق و الفرقة،و لقد كان الإمام الباقر علما بارزا كأحد أعلام هذه الأمة في تأصيل هذا المنهج و تعميم الأخذ به،و قد ظهر ذلك واضحا من هذه الأمثلة و النماذج التي سقناها على سبيل المثال،و إلا فإن إحصاءها و الكشف عن مقاصدها و آثارها في مسيرة الفكر العربي الإسلامي يتطلب مني التوسع الكثير الذي لا تتسع له صفحات هذه الرسالة.
اتفقت المذاهب الإسلامية و هي تدرس نظرية المعرفة على عدم الاقتصار على المعارف العقلية و قرروا حاجة العقل الإنساني إلى ما يستعين به لتحديد الأعمال و تعيين الاعتقادات،و ذلك المعين أو المحدد هو النبي و وافقهم في ذلك كل الفلاسفة و جميع المؤمنين بالشرائع السماوية (1).
إن أحوال الكون و مراتب الأخلاق و يقينيات الآخرة لا يمكن للعقل البشري أن يصل إليها لوحده إلا بالاستعانة بما يحقق الاتصال باللّه تعالى و هم الأنبياء، قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2).
********
(1) أصول الدين الإسلامي،د.قحطان الدوري،200.
(2) آل عمران164/.
ص: 302
و للنبوة في اللغة عدة معان منها:
1-الخبر:فهي من النبأ و هو الخبر،فالنبي من أنبأ عن اللّه تعالى (1).
2-الارتفاع:من النبوة و كذلك النباوة،و النبي على هذا هو الرفيع المنزلة عند اللّه (2).
3-الطريق:باعتبار أنها وسيلة إلى اللّه تعالى و يقال للرسل عن اللّه تعالى أنبياء لكونهم طريق الهداية (3).
و في الاصطلاح فقد استقر تعريفها عند العلماء بتفضل من اللّه تعالى على من اختصه بكرامته لعلمه بحميد عاقبته و اجتماع الخلال الموجبة في الحكمة بنبوته في الفضل عمن سواه (4).
و إن مباحث النبوة التي استهدى علماء الكلام للوصول إليها بآيات القرآن الكريم عززت بايضاحات أئمة المسلمين و هم يكشفون النقاب عن مراميها و مقاصدها،و قد كان للإمام الباقر دور بارز في هذا الكشف من خلال أقواله و آرائه في الآيات ذات الصلة بمبحث النبوة،فهي على كثرتها حيث بلغت سبعا و عشرين رواية فإننا سنختار وفقا لتسلسل ورودها في ترتيب المصحف الشريف ما نعتبره نموذجا كاشفا عن جهود الإمام في هذا المجال و أثره فيه:
أولا:قبل أن نقف على تلك الروايات يجب علينا و نحن في هذا المبحث أن نوضح الفرق بين النبي و الرسول و نكشف عن رأي الإمام الباقر في هذه المسألة فنقول:اختلف العلماء في بيان الفرق بين النبي و الرسول على قولين:
الأول:هو ما ذهب إليه جمهور المعتزلة:من أنه لا يوجد فرق بينهما، فالنبي رسول و الرسول نبي (5).
و من أدلتهم على ذلك:
********
(1) الصحاح،الجوهري،74/1-75+شرح المقاصد،التفتازاني،128/2.
(2) لسان العرب،ابن منظور،301/15-302+شرح مطالع الأنظار،الاصفهاني،198.
(3) شرح الأصول الخمسة،القاضي عبد الجبار،567.
(4) أوائل المقالات،الشيخ المفيد،74-75.
(5) أعلام النبوة،الماوردي،37-38+شرح الأصول الخمسة،القاضي عبد الجبار،567-568.
ص: 303
أ-قوله تعالى: وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (1)،وجه الدلالة:دلت الآية على أن معنى النبي و الرسول واحد و أنهما لا فرق بينهما (2).
ب-قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ (3)،وجه الدلالة:قد جعلت الآية كل من الرسول و النبي مرسلا من عند اللّه(فلا يكون النبي إلا رسولا و لا الرسول إلا نبيا) (4).
القول الثاني:ما ذهب إليه متكلموا الأشعرية و الإمامية و هو أنه يوجد فرق بين النبي و الرسول مستدلين على ذلك بأدلة منها:
أ-قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ (5)،وجه الدلالة:دلت الآية على ثبوت التغاير بين الرسول و النبي،و هو عطف عام على خاص و يقتضي المغايرة (6).
ب-إن من أنبياء اللّه كانوا حفظة لشرائع الرسل و خلفائهم في المقام (7).و إن اختلاف الأسماء يدل على اختلاف المسميات (8).بدليل قوله تعالى: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (9)و في ذلك دلالة على الفرق بينهما (10).
و قد أوضح الإمام الباقر الفرق بين النبي و الرسول مع البواكير الأولى لظهور هذه الفرق الكلامية الإسلامية و حتى قبل ظهور بعض منها،و ذهب إلى أن هناك فرقا بينهما حيث قال:الرسول الذي تأتيه الملائكة و يعاينهم و تبلغه عن اللّه تعالى،و النبي:الذي يرى في منامه،فما رأى كما رأى (11).
********
(1) مريم54/.
(2) الكستلي على النسفية،36+حاشية المرجاني،12/1.
(3) الحج52/.
(4) الشفا،القاضي عياض،250/1.
(5) الحج52/.
(6) الأساس لعقائد الأكياس،القاسم،138.
(7) أوائل المقالات،الشيخ المفيد،49.
(8) أعلام النبوة،الماوردي،38.
(9) مريم51/.
(10) العقيدة الإسلامية،الميداني،42/2.
(11) الكافي،الكليني،177/1+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،47/2.
ص: 304
و قد كانت هذه الرواية من الأدلة الخاصة بالإمامية،و هي تكشف أيضا عن مدى اهتمام المسلمين بمثل هذه القضايا زمن الإمام الباقر من جهة و توضح الدور الفعال الذي كان يقوم به الإمام في بلورة فهم إسلامي صميم مستندا على القرآن الكريم و السنة المطهرة من جهة أخرى في الخوض بمباحث النبوة و ما يتصل بها.
ثانيا:في قوله تعالى: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... (1)،روي بسند صحيح عن عبد الرحيم القصير قال:قال الإمام أبو جعفر(عليه السّلام):كشط اللّه له عن الأرضين حتى رآهن و ما تحتهن و عن السموات حتى رآهن و ما فيهن من الملائكة و حملة العرش (2).
و نقل ابن الجوزي أقوال المفسرين في هذه الآية،فعن مجاهد:ملكوت السموات و الأرض:آياتها،تفرجت له السموات السبع حتى العرش فنظر فيهن،و تفرجت له الأرضون السبع فنظر فيهن،و قال قتادة:ملكوت السموات:الشمس و القمر و النجوم،و ملكوت الأرض:الجبال و الشجر و البحار،و قال السدي:أقيم على صخرة،و فتحت له السموات و الأرض فنظر إلى ملك اللّه(عزّ و جلّ)،حتى نظر إلى العرش و إلى منزله من الجنة،و فتحت له الأرضون السبع حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون (3).
يتضح مما نقله أبو الفرج إن قول مجاهد و كذلك السدي كان قريبا من قول الإمام الباقر في هذه الآية و حصر قتادة لملكوت السماوات و الأرض بتلك المسميات فقط دعوى بلا دليل.
و لم ينقل الزمخشري أقوال المفسرين من الصحابة و التابعين في هذه الآية و اكتفى بالقول:ملكوت السموات و الأرض يعني الربوبية و الألوهية،فنوفقه إلى معرفتها و نرشده بما شرحنا صدره و سددنا نظره و هديناه لطريق الاستدلال (4).
********
(1) الأنعام75/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،263/1+تفسير القرآن،القمي،34/1+مجمع البيان،الطبرسي،322/2+مقتنيات الدرر،الحائري،198/4.
(3) زاد المسير،ابن الجوزي،270/3.
(4) الكشاف،الزمخشري،40/2.
ص: 305
و نقل النسفي قول مجاهد المتقدم فقط و لم يعلق عليه ترجيحا أو تركا (1)، و أورد القرطبي أربعة أوجه في تفسير الآية فقال:قيل:أراد به ما في السموات من عبادة الملائكة و العجائب و ما في الأرض من عصيان بني آدم...روى معناه الإمام علي عن النبي(صلى الله عليه و آله)،و قيل:كشف اللّه له عن السموات و الأرض حتى العرش و أسفل الأرضين،و روى ابن جريح عن القاسم عن إبراهيم النخعي قال:فرجت له السموات السبع فنظر إليهن حتى انتهى إلى العرش،و فرجت له الأرضون فنظر إليهن و رأى مكانه في الجنة...عن السدي،و قال الضحاك:
أراه من ملكوت السماء ما قصه من الكواكب،و من ملكوت الأرض البحار و الجبال و الأشجار و نحو ذلك مما استدل به،و قال بنحوه ابن عباس (2).
إذن القول الثاني مما أورده القرطبي يؤيد ما ذهب إليه الإمام الباقر في تفسير الآية و يعزز ما ذهبنا إليه من أن اللّه تعالى من مقتضيات لطفه أنه يمكن الأنبياء من العلم بالكون المشاهد تفصيلا كما يمكنهم من العلم بالكون المقروء.
ثالثا:في قوله تعالى: ...وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ... (3)روى الطبري و غيره عن الإمام الباقر قال:أي في أصلاب النبيين،نبي بعد نبي،حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم (4)غير أنه لم يرجح قول الإمام الباقر و صوب القول بأن معنى هذه الآية هو:و يرى تقلبك مع الساجدين في صلاتهم معك حين تقوم معهم و تركع و تسجد،لأن ذلك هو الظاهر من معناه (5).و يكون بهذا قد أجرى اللفظ على ظاهره.
و نقل ابن الجوزي الأقوال في تفسير هذه الآية بدون أن يرجح واحدا منها فقال:فيه ثلاثة أقوال:
********
(1) مدارك التنزيل،النسفي،19/2.
(2) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،23/7-24.
(3) الشعراء219/.
(4) جامع البيان،الطبري،55/11+الدر المنثور،السيوطي،294/3-295+مجمع البيان، الطبرسي،207/7+تفسير فرات،فرات بن إبراهيم الكوفي،108.
(5) جامع البيان،الطبري،56/11.
ص: 306
أحدها:و تقلبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك،رواه عكرمة عن ابن عباس.
الثاني:و تقلبك في الركوع و السجود و القيام مع المصلين في الجماعة،و هذا قول الأكثرين منهم قتادة.
الثالث:و تصرفك في ذهابك و مجيئك في أصحابك المؤمنين،قاله الحسن (1).
و ذكر الزمخشري القولين الثاني و الثالث في أعلاه و لم يذكر القول الأول و لم يرجح واحدا منهما (2)،و أيد النسفي القول الثالث في أعلاه ذاكرا للقول الثاني مع عدم الميل إليه،و لم يذكر القول الأول أيضا (3).
و أضاف القرطبي لهذه الأقوال الثلاثة قولا رابعا غير أنه استبعده و هو:أنك ترى في قلبك في صلاتك من خلفك كما ترى بعينك من قدامك،و كان(عليه السّلام) يرى من خلفه كما يرى من بين يديه،و ذلك ثابت صحيح و في تأويل الآية بعيد (4)،غير أنه لم يرجح أحد الأقوال أيضا.
و يميل الباحث إلى قول ابن عباس رضي اللّه عنه و الإمام الباقر من أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)تقلب في أصلاب الأنبياء،نبي بعد نبي،حتى أخرجه،لأن الصراع بين الفهم التلمودي للإسلام و الفهم المحمدي له قائم على أساس أن النبوة منحصرة في إسحاق،و قد أسهم القرآن الكريم في دحض هذه الفرية فمدح النبي(صلى الله عليه و آله)في قوله تعالى: وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ ليشير إلى أنه(صلى الله عليه و آله)مولود من أصلاب الأنبياء كذلك مما يلزمهم الإيمان به كما آمنوا بأنبياء بني إسرائيل و يثبت لهم أن اسماعيل(عليه السّلام)ممن أوتي النبوة دحضا لما اعتبر أساسا دينيا عند اليهود بتكذيب نبوة رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،و بتفسير الإمام الباقر و قبله ابن عباس تتجلى هذه الحقيقة واضحة و تنكشف الفرية اليهودية،فيكون تفسير الإمام من روافد الفهم الإسلامي الصحيح لتدرج النبوات و لمفهوم الاصطفاء لهذه الشريحة الكريمة من البشر.
********
(1) زاد المسير،ابن الجوزي،148/6-149.
(2) الكشاف،الزمخشري،341/3-342.
(3) مدارك التنزيل،النسفي،199/3.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،144/13.
ص: 307
رابعا:في قوله تعالى: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (1)قال الطبرسي:أولوا العزم من الرسل من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه،و هم خمسة،أولهم:نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد (صلى اللّه عليه و عليهم أجمعين)،عن ابن عباس و قتادة و هو المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر (2).
و قال الإمام الباقر:و هم سادة النبيين و عليهم دارت رحى المرسلين (3).
اختلف العلماء في مسميات أولي العزم من الرسل على عشرة أقوال ذكرها جميعا ابن الجوزي (4)و القرطبي (5)دون أن يرجحا قولا،و اختار الزمخشري (6)و البيضاوي (7)كل واحد منهما قولا يخالف ما اختاره الآخر غير أنه لم يكن أي منهما موافقا لقول الإمام الباقر.
و أعرض ابن كثير عن ذلك تلك الأقوال و اختار ما قاله الإمام الباقر و ما روي عن ابن عباس و مجاهد و عطاء من أن أولي العزم هم نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و خاتم الأنبياء كلهم محمد(صلى الله عليه و آله)و قال:قد نص اللّه تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب و الشورى (8).
و يتضح من قول ابن كثير أنه قد رجح ما كان الدليل عليه من القرآن الكريم،و يرجح الباحث ما مال إليه ابن كثير من جهة و أن في الآية تسوية بين النبي محمد(صلى الله عليه و آله)و أولي العزم من جهة أخرى،أوضح فيها الإمام الباقر هذا المصطلح القرآني بأنهم أصحاب الشرائع السماوية و الذي جعل من ملازماتها أن كل شريعة لا حقة تنسخ الشريعة السابقة.
********
(1) الأحقاف35/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،94/9.
(3) مقتنيات الدرر،الحائري،430/10.
(4) زاد المسير،ابن الجوزي،392/7-393.
(5) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،220/16-221.
(6) الكشاف،الزمخشري،313/4.
(7) أنوار التنزيل،البيضاوي،146/4.
(8) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،307/6 مشيرا في الآيتين إلى قوله تعالى: ...وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ... الأحزاب17/ و قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى الشورى13/.
ص: 308
خامسا:في قوله تعالى: ...إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (1)و ما رجعنا إلى هذه الآية من سورة البقرة إلا لتعلق الأمر بعصمة الأنبياء و طالما تكلم عليها علماء الفرق الإسلامية و أما أهل اللغة فقالوا العصمة:بمعنى الحفظ أو المنع (2)،أما في الاصطلاح فهي اللطف الذي يفعله اللّه تعالى فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح (3).
و قد اختلف العلماء في عصمة الأنبياء قبل البعثة أو بعدها عن الصغائر أو الكبائر مما جعلها من مباحث علم الكلام،فمن أراد الاستزادة منها فليراجعها في مظانها (4).
و على أية حال،فإن الإمام الباقر فسر الآية أعلاه برواية جابر الجعفي عنه أنه قال:إن اللّه اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا و اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا و اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا،فلما جمع له هذه الأشياء و قبض يده قال له:يا إبراهيم إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً ،فمن عظمها في عين إبراهيم قال:يا رب وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي ؟قال: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (5).
و في هذا التفسير دلالة على أن مفهوم الاصطفاء يستلزم الانصياع المطلق للّه تعالى و فيه إشارة إلى أن الأنبياء معصومون قبل البعثة،و لذلك قال اللّه تعالى:
لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ فالظالم لفظ مشتق يتحقق التلبس بمتعلقه متى حصل منه ظلم،فلو حصل قبل البعثة عد ظالما و وجب تكذيب الخبر و حيث اللازم باطل بطل الملزوم.
و ذهب لهذا المعنى النسفي في قوله:سأل أن يكون ولده نبيا كما كان هو فأخبر أن الظالم لا يكون نبيا،بعد أن عرض القول الأول و هو الإمامة و قال فيه:
و لكنا نقول المراد بالظالم الكافر هنا إذ هو الظالم المطلق (6).
********
(1) البقرة124/.
(2) لسان العرب/ابن منظور،404/12+تاج العروس،الزبيدي،399/8.
(3) الأمالي،المرتضى،347/2+شرح عقائد الصدوق،الشيخ المفيد،254.
(4) ظ:المواقف،الايجي،205/3+الشفا،القاضي عياض،203/2+كشف المراد،العلامة الحلي،217.
(5) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،256/2+تفسير القرآن،القمي،360/2.
(6) مدارك التنزيل،النسفي،73/1.
ص: 309
و مال ابن كثير إلى ما اختاره الطبري عند ما نقل عنه اختياره أنه لا ينال عهد اللّه بالإمامة ظالما عن مجاهد و غيره (1)،و كذلك بالنسبة إلى ابن الجوزي فقد مال إلى أن العهد هو الإمامة بعد ما روى عن السدي أنها تعني النبوة (2).
و عرض القرطبي أقوال العلماء في المسألة و جعل أولها ما رواه أبو صالح عن ابن عباس:أنها النبوة،و به قال السدي و مجاهد (3).أي أن الظالم لا يكون نبيا حين تلبسه بالظلم قبل البعثة لأنه ينافي العصمة و هو تفسير الإمام الباقر كما تقدم غير أن القرطبي هنا عرض الأقوال بدون تصويب.
و اختار الزمخشري القول بأن الإمامة هي العهد في هذه الآية و أن اللّه سبحانه و تعالى لا يجعل الظالم إماما،بل يجب أن يكون عادلا بريئا،منزها من الظلم و أطال في ضرب الأمثلة لذلك (4).
يتبين مما تقدم من عرض أقوال العلماء في مسألة العصمة و مفهوم الاصطفاء أن منهم من ذهب إلى ما ذهب إليه الإمام الباقر و منهم من خالفه،رائد الجميع في ذلك هو التوصل لفهم مراد اللّه تعالى ضمن الإطار العام للفكر الإسلامي.
سادسا:في قوله تعالى: إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا (5)، عن محمد بن مسلم و جابر الجعفي قالا:سئل الإمام أبو جعفر الباقر:أ كان عيسى ابن مريم حين تكلم في المهد حجة للّه على أهل زمانه؟فقال:كان يومئذ نبيا حجة للّه غير مرسل أما تسمع قوله حين قال: إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا فقيل:فكان يومئذ حجة له على زكريا في تلك الحال و هو في المهد؟فقال:كان عيسى(عليه السّلام)في تلك الحال آية للناس و رحمة من اللّه لمريم حين تكلم فعبر عنها و كان نبيا حجة على من أسمع كلامه في تلك الحال ثم صمت و لم يتكلم حتى مضت له سنتان و كان زكريا الحجة للّه تعالى بعد صمت عيسى بسنتين ثم مات زكريا فورثه ابنه
********
(1) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،293/1-294.
(2) زاد المسير،ابن الجوزي،140/1-141.
(3) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،97/2-100.
(4) الكشاف،الزمخشري،184/1.
(5) مريم30/.
ص: 310
يحيى الكتاب و الحكمة و هو صبي صغير أما تسمع لقوله عز و جل: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (1)فلما بلغ عيسى(عليه السّلام)سبع سنين تكلم بالنبوة و الرسالة حين أوحى اللّه إليه،فكان عيسى الحجة على يحيى و على الناس أجمعين (2).
و يؤيد ما ذهب إليه الإمام الباقر النسفي في قوله:أنه كان في المهد نبيا و كلامه معجزته (3)،و لكنه لم يفصل ما فصله الإمام الباقر.
و اختار ابن الجوزي القول في معنى الآية أي يؤتيني الكتاب و يجعلني نبيا إذا بلغت،فحل الماضي محل المستقبل (4)،و هو ما ذهب إليه سفيان الثوري قبله (5).
و أيد القرطبي قول الإمام في أن تكلم عيسى في المهد كان رحمة لأمه مريم و حجة على الناس فإن كان التفسير كذلك فقد خلص القرطبي إلى تصويبه و إن كان خلاف ذلك اعتبر القول الثاني هو الصحيح (6).
و أخيرا فإن في النص المتقدم عن الإمام الباقر تفريقا بين كون وضع سيدنا عيسى(عليه السّلام)حين تكلم في المهد آية-أي معجزة للناس-و رحمة لمريم(عليها السّلام) و حجة على من سمع لأنه دعى إلى نفسه مستدلا على ذلك بالقرآن الكريم بوجوب التمسك بما ورد عن الأنبياء،و فيها من جهة المنهج وجوب تفسير المشكل من بعض الكتاب بالكتاب.
و الذي نستشفه أيضا أن ظاهرة تفسير القرآن بالقرآن في أقوال و آراء الإمام الباقر بارزة،فما أن يشكل الناس على تفسيره بشيء حتى يسند قوله بما يفسر تلك الآية من القرآن نفسه،و من ذلك نعرف أن سياقات التفسير عند الإمام إشارة بوضوح إلى اعتماد منهج تفسير القرآن بالقرآن كأولى المناهج كما وضحنا في الفصل الرابع في الباب الأول من هذه الرسالة.
********
(1) مريم12/.
(2) الصافي في تفسير القرآن،43/2-44+الكافي،الكليني،56/4.
(3) زاد المسير،ابن الجوزي،229/5.
(4) مدارك التنزيل،النسفي،34/3..
(5) تفسير القرآن الكريم،سفيان الثوري،143.و أخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال:قضى فيما قضى أن أكون كذلك،ظ:الدر المنثور،السيوطي،270/4.
(6) الجامع لأحكام القرآن،102/11-103.
ص: 311
سابعا:و في إطار الوحي،فقد كان للإمام الباقر جهد واضح في التفريق بين أنواعه و التمييز بين ألفاظه،فقد ورد عنه في تفسير قوله تعالى: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ (1)بسند صحيح عن زرارة بن أعين أن الإمام الباقر سئل عن هذه الآية فقال:الهام (2).
و ذهب ابن كثير إلى هذا التفسير في قوله المراد بالوحي هنا:الإلهام و الهداية،و الإرشاد أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها (3)،و اختار هذا القول أيضا ابن جزي في قوله:الوحي هنا بمعنى الإلهام،فإن الوحي على ثلاثة أنواع:
وحي كلام،و وحي منام،و وحي الهام (4)،و هو اختيار النسفي أيضا (5).
و ذكر ابن الجوزي في تفسير هذه الآية قولين:أحدهما:أنه الهام،و به قال مجاهد و الضحاك و مقاتل،و الثاني:أنه أمر،رواه العوفي عن ابن عباس (6).
و أيد القرطبي تفسير الإمام الباقر للوحي بمعنى الإلهام في قوله:أنه قد يكون بمعنى الإلهام و هو ما يخلقه تعالى في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر (7).
يتبين من تفسير الإمام الباقر و أقوال المفسرين من بعده لهذه الآية أصل لمنهج يتجه لتحديد المصطلح القرآني من خلال الفهم العام للقرآن الكريم،ثم من خلال الاستعانة بالسياق،فللوحي كما هو معروف لغة معاني كثيرة إذا أخذ الأمر على إطلاقه فمنه الإشارة و منه الكلام الخفي و منه الأمر،لكنه هنا باعتبار المخاطب فهو الهام ثبت بتفسير الإمام.
ثامنا:و في رواية أخرى في إطار أنواع الوحي عن زرارة بن أعين عن الإمام أبي جعفر الباقر قال:الأنبياء على خمسة أنواع:منهم من يسمع الصوت مثل
********
(1) النحل68/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،263/2+تفسير القرآن،القمي،375/2+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،312/3.
(3) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،205/4.
(4) التسهيل لعلوم التنزيل،ابن جزي،175/2.
(5) مدارك التنزيل،النسفي،292/2.
(6) زاد المسير،ابن الجوزي،465/4.
(7) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،133/10.
ص: 312
صوت السلسلة فيعلم ما عنى به،و منهم من ينبأ في منامه مثل يوسف و إبراهيم و منهم من يعاين،و منهم من ينكت في قلبه،و منهم من يوقر في أذنه (1).
و في هذا النموذج إيضاح لأنواع الوحي أخذ به علماء الأمة،و الإلهام القذف في القلب أجلى أنواعه لقوله(صلى الله عليه و آله):إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها و تستوعب رزقها (2).
و قال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ... (3)و أعلم أن كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة وحي إلا أن اللّه تعالى خصص القسم الأول باسم الوحي لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام يقع دفعة فتخصيصه به أولى (4).
و هكذا يتبين لنا من هذه العينة المجتزئة من بعض تفسير الإمام الباقر للآيات المتعلقة بالنبوة جهد علمي رفيع في الكشف عن مفاصلها المعرفية من حيث مشاركته في التفريق بين النبي و الرسول و أقواله في علم الأنبياء و عصمتهم و أخيرا في الوحي و أقسامه و إشارة إلى بعض المناهج في تفسير القرآن الكريم.
اختار معظم المسلمين القول بوجوب الإمامة،و لم يخالف هذا الإجماع إلا النجدات من الخوارج و الفوطي و الأصم (5).
غير أنهم قد اختلفوا في جهة وجوبها،فمنهم من أوجبها عقلا و منهم من
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،166/2+تفسير القرآن،القمي،46/2+بحار الأنوار، المجلسي،15/5.
(2) الجامع الصغير،السيوطي،90/1.
(3) الشورى51/.
(4) التفسير الكبير،الرازي،187/27.
(5) ظ:رأي النجدات في:الملل و النحل،الشهرستاني،7/4 و رأي هشام الفوطي في: أصول الدين الإسلامي،البغدادي،271-272 و رأي الأصم في:مقالات الإسلاميين، الأشعري،133/2.
ص: 313
أوجبها سمعا،فالقائلون بوجوبها عقلا هم الشيعة الإمامية و معتزلة بغداد و الجاحظ و أبو الحسين من معتزلة البصرة (1).
و انقسم هؤلاء إلى فريقين:
الأول:و هم الإمامية القائلون بوجوبها عقلا على اللّه تعالى من حيث كانت لطفا (2)،و ذلك لأنها ضرورية لحفظ الشريعة و دفع المفاسد و إقامة الحدود و نشر الأحكام،و لا يكفي في ذلك نصب الأنبياء و استحالة تصور إمكان قيام مجتمع بدون حاكم،و في نصب الإمامة استجلاب مصالح و دفع مضار لا تحصى فبه يتم صلاح المعاش و المعاد،و العدالة الإلهية تقتضي ذلك و عناية اللّه من مستلزماتها أن لا يترك العالم خاليا ممن يدبر أمر الناس (3)،و به قالت الإسماعيلية (4).
الثاني:و هم معتزلة بغداد الذين قالوا بوجوبها على المكلفين من حيث كان في الرئاسة مصالح دنيوية و دفع مضار دنيوية (5).
و أما القائلون بوجوبها سمعا فهم معتزلة البصرة و الجبائيان-أبو علي و أبو هاشم-،و جمهور أهل السنة (6)،مستدلين بقوله تعالى: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (7).
و يرى العلامة الحلي أنه لكي تكون الإمامة لطفا فلا بد من النص عليه باسمه و نسبه،و لذلك يذهب الإمامية إلى أنه من منتجات نظرية اللطف أن ينصب اللّه تعالى للناس إماما في نص صريح بآياته و بأمر منه إلى النبي(صلى الله عليه و آله)و قد استدلوا بأدلة كثيرة نجد بعض تفسيرها منقولا عن الإمام الباقر و من تلك الروايات:
-في قوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً (8)برواية بريد بن معاوية العجلي قال:قلت له: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ؟فقال
********
(1) تلخيص الشافي،الشيخ الطوسي،68/1+شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد،308/2.
(2) كشف المراد،العلامة الحلي،325+تجريد العقائد،المحقق الطوسي،93.
(3) أصول المعارف،محمد الكاظمي،82+الألفين،العلامة الحلي،15.
(4) المواقف،الايجي،345/8.
(5) شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد،308/2.
(6) المغني،القاضي عبد الجبار،/20ق 16/1+أصول الدين الإسلامي،البغدادي،771.
(7) النساء59/.
(8) البقرة143/.
ص: 314
أبو جعفر الباقر:نحن الأمة الوسطى و نحن شهداء للّه على خلقه و حجته في أرضه (1).
و رواية أبي بصير قال:سمعت أبا جعفر يقول:نحن نمط الحجاز،فقلت:
و ما نمط الحجاز؟قال:أوسط الأنماط،إن اللّه يقول: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً قال:ثم قال:إلينا يرجع الغالي و بنا يلحق المقصر (2)..
و أخرج القرطبي عن الإمام علي في تفسير الآية قوله:عليكم بالنمط الأوسط فإليه ينزل الغالي و إليه يرتفع النازل (3).
و استدل الإمامية بأدلة عقلية كثيرة ليس هنا المجال لعرضها طالما نحن في مجال الروايات التفسيرية المتعلقة بمبحث الإمامة و المنقولة عن الإمام الباقر فقط،فمن أراد الاطلاع و الاستزادة فعليه مراجعتها في مظانها (4).
و قد اقترن بنظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية مفهوم عصمة الإمام، و يعرفها الشيخ المفيد بأنها:الامتناع بالاختيار عن فعل الذنوب و القبائح فهي ليست مانعة من جهة القدرة (5)،و قد استدلوا عليها أيضا بأدلة نقلية و عقلية كثيرة،و من أدلتهم النقلية المأخوذة من روايات تفسيرية عن الإمام الباقر ما يأتي:
1-في قوله تعالى: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (6)فقد وردت روايتان بطريقين مختلفين في تفسير هذه الآية عن الإمام الباقر،كما يأتي:
-عن جابر الجعفي قال:سألته عن هذه الآية-يقصد الإمام الباقر- فقال:الأوصياء.
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،1،62+تفسير القرآن،القمي،160/1.
(2) البرهان في تفسير القرآن،القمي،160/1+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،113/1.
(3) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،154/2.
(4) ظ:الألفين،العلامة الحلي،120-124+الشيعة و الإمامة،محمد رضا المظفر+نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية،د.صبحي محمود و غيرها.
(5) أوائل المقالات،الشيخ المفيد،97/3.
(6) النساء59/.
ص: 315
-و في رواية عبد اللّه بن عجلان عنه قال:هي في علي و في الأئمة الذين جعلهم اللّه في مواضع الأنبياء غير أنهم لا يحلون شيئا و لا يحرمونه (1).
2-في قوله تعالى: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ (2)نفس التفسير للآيات المتقدمة في أعلاه،و غيرها من الآيات ذات الصلة.
و تبين للباحث خلال الجهد الاستقرائي الذي قام به في البحث عن روايات تفسيرية منقولة عن الإمام الباقر في مصادر الحديث و التفسير عند كلا الفريقين في مبحث الإمامة وجد أن أكثرها بل كلها في مصادر الشيعة الإمامية،و قد وصلت إلى خمس و خمسين رواية حصرا،غير أننا سنختار بعضا منها دون مقارنتها بأقوال المفسرين الآخرين لأننا وجدنا أن تفسير معظم هذه الآيات يختلف اختلافا كليا عمّا ورد عن الإمام الباقر من أثر،و لنتابع بعض تلك الروايات بما يشير إلى هذا الاتجاه-يعني الإمامة-و وجوبها.
أولا:في قوله تعالى: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها (3)عن سعد بن طريف قال:سألت الإمام أبا جعفر الباقر عن هذه الآية قال:آل محمد(صلى الله عليه و آله)أبواب اللّه و سبيله و الدعاة إلى الجنة و القادة إليها و الإدلاء عليها إلى يوم القيامة (4).
و في تفسير العياشي عنه قال:يعني أن يأتي الأمر من وجهه،أي الأمور كان (5).
و قد روى الطبري عن البراء في سبب نزول هذه الآية:كانوا إذا أحرموا في الجاهلية آتوا البيت من ظهره فأنزل اللّه هذه الآية (6)،و في الدر المنثور عن ابن عباس مثله (7).
********
(1) مجمع البيان الطبرسي،64/3،82+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،249/1+اثبات الهداة،الحر العاملي،47/3.
(2) النساء83/.
(3) البقرة189/.
(4) تفسير القرآن،القمي،189/1+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،171/1.
(5) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،152/1.
(6) جامع البيان،الطبري،105/1.
(7) الدر المنثور،السيوطي،204/1.
ص: 316
و قلنا في موضع آخر بأن مفاد القاعدة الأصولية التي تقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب تجعل سبب النزول الذي ذكره الطبري و السيوطي لا ينحصر معنى الآية فيه،فلذلك ما ورد عن الإمام الباقر من روايتين في تفسير هذه الآية يعد من بعض مصاديقها.
ثانيا:في قوله تعالى: ...وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ... (1)روى الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر قال:نحن نعلمه (2).
ثالثا:عن جابر الجعفي قال:سألت أبا جعفر الباقر عن قوله تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ (3)قال الإمام الباقر:و أما أولوا العلم الأنبياء و الأوصياء و هم قيام بالقسط و القسط العدل (4).
حصر الإمام الباقر(أولي العلم)بهاتين الشريحتين فقط في حين أن بعض المفسرين ذهب إلى حمل اللفظ على اطلاقه فقال:و المراد بأولي العلم هنا علماء الكتاب و السنة و ما يتوصل به إلى معرفتهما إذ لا اعتداد بعلم لا مدخل له في العلم الذي اشتمل عليه الكتاب العزيز و السنة المطهرة (5).
إذن يمكن حمل قول الإمام الباقر على أن آل البيت(عليهم السّلام)هم من علماء الأمة الإسلامية و من أعلم الناس بالقرآن الكريم و السنة الشريفة.
رابعا:و عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر الباقر في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (6)قال الإمام الباقر:نحن منهم،و نحن بقية تلك العترة (7).
********
(1) آل عمران7/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،410/2+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،164/1+تفسير القرآن،القمي،71/1.
(3) آل عمران18/.
(4) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،165/1+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،/1 268.
(5) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،295/2.
(6) آل عمران33/.
(7) تفسير فرات،فرات الكوفي،20+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،168/1+بحار الأنوار،المجلسي،46/7.
ص: 317
و نقل القرطبي و الشوكاني عن ابن عباس قوله:آل إبراهيم و آل عمران:
المؤمنون من آل إبراهيم و آل عمران و آل ياسين و آل محمد يقول اللّه: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (1)(2).
خامسا:في قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (3)،روى بريد بن معاوية عن الإمام الباقر عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين علي قال:فينا نزلت هذه الآية،قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):أنا المنذر و أنت الهادي (4).
و في هذا الصدد مجموعة من الروايات المروية بطرق متعددة منها عن عبد الرحيم القصير و حنان بن سدير و مسعدة بن صدقة و جابر الجعفي (5).
و روى الطبري بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:لما نزلت إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ قال:وضع رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يده على صدره و قال:
أنا المنذر،و أومأ بيده إلى منكب علي فقال:أنت الهادي،يا علي بك يهتدى من بعدي (6)،و قد ضعف هذا الحديث كل من الطبري و ابن الجوزي (7)،و قال ابن كثير:و هذا الحديث فيه نكارة شديدة،غير أنه نقل قول الجنيد:هو علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه،و أخرج عن ابن أبي حاتم قوله:و روي عن ابن عباس في إحدى الروايات و عن أبي جعفر محمد بن علي نحو ذلك (8).
سادسا:في قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (9)عن محمد بن مسلم و جابر الجعفي قالا:قلنا له:من عندنا يزعم أن قول اللّه فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أنهم اليهود و النصارى،فقال أبو جعفر الباقر:إذن
********
(1) آل عمران68/.
(2) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،62/4+فتح القدير،الشوكاني،303/1.
(3) الرعد7/.
(4) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،203/2+تفسير القرآن،القمي،281/2.
(5) ظ:تفسير فرات،فرات الكوفي،72+اثبات الهداة،الحر العاملي،546/3-548.
(6) جامع البيان،الطبري،108/13.
(7) المصدر نفسه،108/13+زاد المسير،ابن الجوزي،307/4.
(8) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،70/4.
(9) وردت نفس الآية في النحل43/ و الأنبياء7/.
ص: 318
يدعونكم إلى دينهم،قالا:ثم قال بيده إلى صدره:نحن أهل الذكر،و نحن المسئولون،قالا:قال أبو جعفر:الذكر القرآن (1).
خلص ابن كثير في هذه الآية بعد أن أورد تفسير الإمام الباقر إلى القول:أنه صحيح،فإن هذه الأمة أعلم من جميع الأمم السابقة،و علماء أهل بيت رسول اللّه (عليهم السلام و الرحمة)من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي و ابن عباس و ابني علي و محمد بن الحنفية و علي بن الحسين زين العابدين و علي بن عبد اللّه بن عباس،و أبي جعفر الباقر و هو محمد بن علي بن الحسين و جعفر ابنه (2).
و قال الآلوسي:و خصهم بعض الإمامية-أي أهل الذكر-بالأئمة من أهل البيت احتجاجا بما رواه جابر و محمد بن مسلم عن أبي جعفر رضي اللّه عنه أنه قال:نحن أهل الذكر،ثم قال:و لعل ما رواه ابن مردويه موافقا بظاهره لمن زعم ذلك البعض من الإمامية عن أنس قال:سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يقول:أن الرجل ليصلي و يصوم و يحج و يعتمر و أنه لمنافق،قيل يا رسول اللّه بما ذا دخل عليه النفاق؟قال:يطعن على إمامة من قول اللّه تعالى في كتابه فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ (3)،غير أن الآلوسي لم يصحح هذا الاستدلال و ذهب إلى القول:أن أهل الذكر هم أهل القرآن عامة (4).
سابعا:وردت في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ (5)روايتان بطريقين مختلفين عن الإمام أبي جعفر الباقر:
1-عن الفضيل بن يسار قال:سألت أبا جعفر عن هذه الآية فقال:يجيء رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في قومه و علي في قومه و الحسن في قومه و الحسين في قومه،و كل من مات بين ظهراني إمام جاء معه (6).
********
(1) مجمع البيان،الطبرسي،362/6،40/7+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،260/2- 261+تفسير القرآن،القمي،371/2+تفسير فرات،فرات الكوفي،82.
(2) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،197/4.
(3) روح المعاني،الآلوسي،147/14.
(4) المصدر نفسه و الصفحة.
(5) الاسراء71/.
(6) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،32/2+تفسير القرآن،القمي،430/2.
ص: 319
2-عن جابر الجعفي الرواية نفسها (1).
و عن سفيان الثوري عن جابر عن عدي بن ثابت (2)عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الآية قال:إمام هدى أو إمام ضلالة (3).
و أخرج السيوطي عن ابن أبي شيبة و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عباس التفسير نفسه و فيه(و)بدل(أو) (4)،و نقل الخازن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الرواية نفسها باختلاف الألفاظ (5)،و نقل القرطبي عن الإمام علي قوله:بإمام عصرهم (6).
ثامنا:في قوله تعالى: وَ قُولُوا حِطَّةٌ (7)روى الطبرسي و غيره عن الإمام الباقر أنه قال:نحن باب حطتكم،أن عليا باب حطة التي من دخل في ولايته أمن و نجى (8).
و نقل الشوكاني عن ابن أبي شيبة عن الإمام علي قوله:إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح و كباب حطة في بني اسرائيل (9).
تاسعا:في قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (10)،حكى القرطبي عن الإمام الباقر قوله:نحن أصحاب اليمين،و كل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون (11)،و نقله الطبرسي أيضا (12).
و أخيرا بعد أن اكتفينا بهذا القدر من روايات الإمام الباقر في تفسير الآيات المتعلقة بمبحث الإمامة،فإن الأمانة العلمية تحتم علينا أن نقول:إذا كان الأمر كذلك-أمر الإمامة-مما اختلف فيه أهل القبلة بحيث أطلق عليه الأشعري
********
(1) ظ:اثبات الهداة،الحر العاملي،255/2+بحار الأنوار،المجلسي،294/14.
(2) الأنصاري،الكوفي،ثقة،من الرابعة،من رواة الستة.ظ:التقريب،262.
(3) تفسير القرآن الكريم،سفيان الثوري،132.
(4) الدر المنثور،السيوطي،194/4.
(5) لباب التأويل،الخازن،139/4.
(6) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،297/10+روح المعاني،الآلوسي،120/15-121.
(7) البقرة58/.
(8) مجمع البيان،الطبرسي،119/1+تفسير نور الثقلين،العروسي الحويزي،70/1+ مقتنيات الدرر،الحائري،176/1.
(9) فتح القدير،الشوكاني،75/1+تأويلات أهل السنة،السمرقندي،150.
(10) المدثر38/-39.
(11) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،85/19.
(12) مجمع البيان،الطبرسي،391/10.
ص: 320
القول:بأنها أول قضية كبرى اختلف المسلمون حولها بعد الرسول(صلى الله عليه و آله) (1)،فإن الذي يتفق عليه المسلمون أن محبة أهل البيت مما ثبت في الدين بالضرورة،و أن فضلهم و علمهم و إخلاصهم للإسلام و المسلمين مما لا يشك فيه أحد و على هذا القدر من التفضيل يجتمع المسلمون في العالم الإسلامي سلفهم و خلفهم،و لعل هذا القدر يكفي في توحيد مشاعرهم إزاء تلك الشريحة الطاهرة المطهرة من الرجس بنص الكتاب تكفي قاعدة للتوحد و تقاوم كل بدعة للاختلاف.
أما ما اختلف المسلمون فيه من موضوع وجوب إمامتهم فإن الاستقراء التاريخي يجرنا إلى يقين لا يتطرق إليه شك أنهم لم يحص عليهم حادث واحد أنهم ظلموا أحدا بل كانوا كلهم عطاء في حين شهدت مراحل التاريخ الإسلامي مظالم كثيرة و واضحة و مع ذلك فإن الذي يميل إليه الباحث القول:إن وجوب إمامتهم من أصول المذهب و ليس من أصول الدين و عليه لا يكفر القائل بها و لا يكفر المخالف لها.
أما عصمتهم فإن الباحث و هو يصرف النظر عما سيق إليها من أدلة عقلية و نقلية يرى أن الاختلاف فيها لا يشكل خندقا فاصلا بين المؤمنين بها و بين المتحفظين عليها،ذلك لأن جمهور المسلمين يرون أن ما صح عنهم صحيح علاوة على أن تتبع سيرتهم الشخصية يكشف عن استقامة مثالية تقترب من مفهوم حفظهم بعناية اللّه تعالى عن ارتكاب الذنوب،و أيا كان فإن هذين المبحثين أي إمامتهم و عصمتهم من مباحث الكلام،و قد أفاض فيه المتكلمون و لا نداخلهم هنا إلا بالقدر الذي تطلبه البحث ضرورة.
المعاد في اللغة:مأخوذ من العود و العود،الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه (2)،و في الاصطلاح:هو الرجوع إلى الوجود بعد الفناء،أو رجوع أجزاء
********
(1) مقالات الإسلاميين،الأشعري،39/1.
(2) مفردات ألفاظ القرآن،الراغب الأصفهاني،351.
ص: 321
البدن إلى الاجتماع بعد التفرق و إلى الحياة بعد الموت و الأرواح إلى الأبدان المفارقة (1).
و المعاد أمر أجمعت الشرائع السماوية على تأكيد إثباته،لأن فيه إشعارا للإنسان بالمسئولية الدائمة عن كل تصرفاته و إعلامه بأن كل ما يفعله في حياته الدنيا سوف يلقاه في الآخرة لقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (2)(3).فالمسلمون يعدون الاعتقاد في ثبوته ركنا من أركان الإيمان و يكفر من لا يؤمن به بالاجماع (4)،بينما أنكره الدهريون و الملاحدة فقط (5).
و اختلف المثبتون للمعاد في كيفيته فمنهم من قال أنه جسماني (6)،و ذهب بعض الفلاسفة الضالين المضلين المنسلخين من الشخصية الإسلامية إلى إنكار الحشر الجسدي فهو عندهم روحاني فقط (7)،و منهم-و هم أكثر علماء المسلمين-قد أثبتوا أن المعاد جسماني و روحاني معا و استدلوا بأدلة قاطعة و حجج قارعة دحظت نظرية بعض الفلاسفة الموسومة بالسخف و الافتراء و ليس هنا محلها (8).
و قد فصل القرآن الكريم و الحديث الشريف في إثبات المعاد جملة و تفصيلا، و في الحديث عما يتصل،و قد ورد في ذلك من الآيات عدد كبير لا سيما و أن القرآن اتخذه وسيلة من وسائل الهداية و الارشاد،و لذلك ورد أن مجموعة من رواة الإمام الباقر سألوه عن معاني بعض هذه الآيات فأجابهم اعتقادا منهم أن موضوع المعاد من الأمور التي تثبت بالنقل طالما ثبت أن هذا النقل متواتر من عند الخبير اللطيف،لذلك نلاحظ هنا أنّ تلك الروايات التفسيرية المنقولة بواسطتهم عن الإمام الباقر لم تتجاوز العشر روايات حصرا،و من تلك الآيات المفسرة فيما يروى من جهة رواة الإمام الباقر بعض النماذج منها:
********
(1) جامع العلوم،الأحمد فكري،293.
(2) الزلزلة7/-8.
(3) ظ:التفسير الكبير،الرازي،61/32+التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،394/10.
(4) أصول الدين الإسلامي،الخطيب البغدادي،232+رسالة أضحوية،ابن سينا،40.
(5) المصدر نفسه و الصفحة+كشف المراد،العلامة الحلي،251.
(6) رسالة أضحوية،ابن سينا،38.
(7) تهافت الفلاسفة،النزالي،282+التفسير الكبير،الرازي،45/21+المواقف،الايجي،289/8.
(8) ظ:الاعتقادات،الشيخ الصدوق،75+المواقف،الايجي،297/8.
ص: 322
أولا:في تفسير قوله تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ (1)عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر قال:فذلك يوم القيامة و هو اليوم الموعود (2).
فسر الإمام الباقر هذه الآية الكريمة إذا استرشد بنص قرآني آخر و هو قوله تعالى: وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (3)باليوم الموعود و هو يوم القيامة.
و مال ابن الجوزي إلى قول الإمام فقال:بأن الخلق يحشرون فيه و يشهده البر و الفاجر و أهل السماء و الأرض (4)،و قال النسفي:بأن الناس لا ينفكون منه يجمعون للحساب و الثواب و العقاب (5).
قال القرطبي:و الجمع الحشر،أي يحشرون لذلك اليوم (6)،و قال ابن كثير:
أي أولهم و آخرهم (7)،إذن فقد وافقت أقوال المفسرين قول الإمام الباقر و رأيه في تفسير هذه الآية الكريمة و هي تفيد القول بثبوت المعاد و وجوبه.
و نود أن نذكر هنا بأن الإمام الباقر حاول كغيره من مفسري الصحابة و التابعين إرساء قواعد منهج تفسير القرآن بالقرآن و تأصيل طرقه.
ثانيا:عن صالح بن ميثم قال:سألت أبا جعفر الباقر عن معنى طَوْعاً وَ كَرْهاً في قوله تعالى: ...وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً (8)قال الإمام:بهذه الآية: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ* لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (9)(10).
********
(1) هود103/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،159/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،813/1.
(3) البروج2/.
(4) زاد المسير،ابن الجوزي،157/4.
(5) مدارك التنزيل،النسفي،204/1.
(6) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،96/9.
(7) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،577/3.
(8) آل عمران83/.
(9) النحل38/-39.
(10) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،259/2+تفسير القرآن،القمي،398/2.
ص: 323
قال ابن الجوزي:في معنى الطوع و الكره ستة أقوال:أحدها:إن إسلام الكل كان يوم الميثاق طوعا و كرها،رواه مجاهد عن ابن عباس و الأعمش عن مجاهد و به قال السدي.
و الثاني:أن المؤمن يسجد طائعا و الكافر يسجد ضلة و هو كاره،عن ابن عباس و ليث عن مجاهد.
و الثالث:أن الكل أقروا له بأنه الخالق،و إن أشرك بعضهم فاقراره بذلك حجة عليه في إشراكه،هذا قول أبي العالية و رواه منصور عن مجاهد.
و الرابع:أن المسلم أسلم طائعا و الكافر أسلم مخافة السيف،قول الحسن.
و الخامس:أن المؤمن أسلم طائعا و الكافر أسلم حين رأى بأس اللّه،قول قتادة.
و السادس:انقاد كلهم له،عن الشعبي (1).
و لم يرجح ابن الجوزي واحدا من هذه الأقوال،و يمكننا القول أن الرأي الثالث يطابق و لو من وجه رأي الإمام الباقر أو هو قريب منه،فإنه -أي الإمام الباقر-فسّرها بالرجوع إلى آية أخرى و هي قوله تعالى:
وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ* لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ و ما ذاك إلا قسم المشركين فإنهم أقروا بخالقهم و لكنهم أنكروا البعث و المعاد و لسوف يريهم اللّه تبارك و تعالى كذب دعواهم يوم يبعثهم و الخلائق أجمعين،و به تتضح معاني الانقياد للّه تعالى بأحسن صورها.
و يؤيد صدق ما ذهبنا إليه،تفسير قوله تعالى: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ في الآية المتقدمة و التي قال عنها ابن الجوزي:فيها قولان،و ذكر الثاني بعد ذكر سبب نزول هذه الآية فقال:أنهم المشركون،يبين لهم بالبعث ما خالفوا المؤمنين به (2).
********
(1) زاد المسير،ابن الجوزي،417/1.
(2) زاد المسير،ابن الجوزي،447/4.
ص: 324
و أيد ذلك القرطبي في قوله:و وجه التعجيب أنهم يظهرون تعظيم اللّه فيقسمون به ثم يعجزونه عن بعث الأموات (1)،و هذا ما مال إليه ابن كثير أيضا (2).
و استدل بعض المفسرين لتفسير الآية المتقدمة بغير ما استدل به الإمام الباقر من أن المشركين يقسمون باللّه و يعظمونه ثم ينكرون البعث،بل ذهبوا إلى الاستدلال بمسألة الخلق،فمثلا قال سفيان الثوري عن مجاهد:هي كقوله:
وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّهُ (3) (4) .
و من هذا يتبين من انفراد الإمام الباقر في تفسيره لهذه الآية حيث أنه فسرها بآيتين من سورة أخرى،في الوقت نفسه فيها التنكيل بالقائلين بانكار البعث و المعاد فلم يكن انفراده في اختياره لتلك الآيتين للاستدلال فقط،لأن ذلك كان بمقدور غيره من المفسرين أيضا بل أنه اختارهما ليبين ضعف ما ذهب إليه الدهرية و بطلانه الذين حاولوا التشويش على عقائد المسلمين في عصر الإمام الباقر،فهو قد شارك في الرد عليهم و الوقوف بوجه أفكارهم شأنه شأن علماء الأمة الكرام في عصره و العصور التي تلته.
ثالثا:و في تسجيل موقف من مواقف يوم القيامة و ما يدور به من أحداث، أكد الإمام الباقر على أن المعاد و البعث يكون روحيا و جسميا معا،فقد روى عبد اللّه بن عطاء المكي قال:سألت أبا جعفر الباقر عن قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (5)فقال الإمام:ينادي مناد يوم القيامة يسمعه الخلائق أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم فيود سائر الخلق أنهم كانوا مسلمين (6).
ذكر ابن الجوزي اختلاف المفسرين في متى يقع هذا من الكفار على قولين، أحدهما:أنه في الآخرة على أربعة أقوال:أحدها:أن اللّه يخرج أهل القبلة من النار بعد أن يسمع مناقشة الكفار لهم في جهنم فيود الذين كفروا أنهم كانوا
********
(1) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،105/10.
(2) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،495/4.
(3) الزخرف87/.
(4) تفسير القرآن الكريم،سفيان الثوري،37+جامع البيان،الطبري،221/3+الدر المنثور،السيوطي،48/2.
(5) الحجر2/.
(6) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،239/2+تفسير القرآن،القمي،325/2.
ص: 325
مسلمين،و هو قول ابن عباس في رواية و أنس و مجاهد و عطاء و أبي العالية و إبراهيم النخعي،و استدل لهذا الرأي بحديث مروي عن أبي موسى الأشعري و صوبه،ثم أورد الأقوال الأخرى.
الثاني:أنه في الدنيا،عن الضحاك (1).
و أخرج القرطبي في حديث جابر بن عبد اللّه قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):أن ناسا من أمتي يدخلون النار بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء اللّه أن يكون ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون:ما نرى ما كنتم تخالفونا فيه من تصديقكم و إيمانكم نفعكم،فلا يبقى موحد إلا أخرجه اللّه من النار،ثم قرأ رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ،و نقل عن الحسن قوله:إذا رأى المشركون المسلمين و قد دخلوا الجنة و مأواهم في النار تمنوا أنهم كانوا مسلمين (2).
يتبين من هذا أن الإمام الباقر قد استنار بالحديث النبوي الشريف في تفسيره لهذه الآية التي عالجت موقفا أخرويا من قضايا يوم القيامة و أن لم يصرح بذلك و هو ما صوبه جمع من المفسرين (3).
و بهذا القدر نكتفي في إعطاء صورة واضحة عن جهد الإمام الباقر الملموس في توضيح بعض المسائل المتعلقة بجوانب معينة من أصل المعاد.
هي الوسيلة و الطلب،و عرفا:سؤال الخير للغير،و هي مشتقة من الشفع و هو ضد الوتر،فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له (4).
********
(1) زاد المسير،ابن الجوزي،380/4-381.
(2) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،2/10.
(3) ظ:تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،151/4-153+مدارك التنزيل،النسفي،268/2+التسهيل لعلوم التنزيل،ابن جزي،143/2-144+روح المعاني،الآلوسي،3/14-7+تفسير المراغي،4/14-5.
(4) لوامع الأنوار البهية،الأسفرايني،204/2.
ص: 326
و الشفاعة من المسائل المهمة المتعلقة بالمعاد و التي من خلالها يعول المذنبون من المكلفين على إسقاط بعض العقوبات الأخروية عنهم بوساطة الأنبياء و الرسل و من تبعهم من الأئمة و الأولياء-على رأي البعض-أو لرفع الدرجات للصالحين منهم كذلك.
و هي قسمان:مثبتة و منفية:و المثبتة هي التي أثبتها اللّه لأهل الاخلاص، و لها شرطان:أحدها:إذن اللّه للشافع و رضاه لقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً (1)و من يأذن له الرحمن لا بد أن تكون له وجاهة يستنزل بها رحمة اللّه تعالى و إحسانه،و الثاني:أن يكون المشفوع له من المؤمنين المذنبين.
أما الشفاعة المنفية و هي التي تطلب من غير اللّه تعالى أو بغير إذنه أو لأهل الشرك فقد نفتها الآيات الكريمة من مثل قوله تعالى: ...فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ (2).
و قد اتفق علماء الأمة على حصول شفاعة النبي(صلى الله عليه و آله) (3)،إلا أنهم اختلفوا في جواز استحقاق أهل الكبائر لها قبل التوبة فالأشعرية و الإمامية و المرجئة قالت بحصول شفاعة النبي لهم (4)،بينما أنكرتها المعتزلة و الخوارج (5).
دلّت على الشفاعة آيات كثيرة منطوقا و مفهوما،نفيا و إثباتا في الدنيا و الآخرة و هي على أقسام:
الأول:الآيات التي تدل على انحصار الشفاعة في اللّه و اختصاصها به(عزّ و جلّ)قال تعالى: قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ
********
(1) طه109/.
(2) المدثر48/.
(3) المواقف الايجي،312/8+شرح العقيدة الطحاوية،191-198+الاقتصاد،الشيخ الطوسي،206.
(4) الابانة،الأشعري،98+الفصل،ابن حزم،63/4+التفسير الكبير،الرازي،253/21+ أوائل المقالات،الشيخ المفيد،552+كشف المراد،العلامة الحلي،262.
(5) أصول الدين الإسلامي،الخطيب البغدادي،244+الفصل،ابن حزم،63/4.
ص: 327
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (1) و قال تعالى: لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ (2).
الثاني:ما تدل على التعميم و ثبوتها لغيره(عزّ و جلّ)بإذنه و رضاه،و هي كثيرة منها:
1-قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ (3).
2-قوله تعالى: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى (4).
3-قوله تعالى: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (5).
4-قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً (6).
5-قوله تعالى: وَ كَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَرْضى (7).
الثالث:ما تدل على ثبوت الشفاعة في الدنيا،قال تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (8)فإن سياقها يدل على أنها في الدنيا.
الرابع:ما تدل على نفس الشفاعة أما مطلقا أو في يوم القيامة أو عن طائفة خاصة،و منها:
1-قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ (9).
2-قوله تعالى: أَنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ (10).
********
(1) الزمر44/.
(2) الأنعام70/.
(3) البقرة255/.
(4) الأنبياء28/.
(5) مريم87/.
(6) طه109/.
(7) النجم26/.
(8) النساء85/.
(9) طه109/.
(10) البقرة254/.
ص: 328
3-قوله تعالى: وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (1).
4-قوله تعالى: ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ (2)،و المراد من الظالمين الكافرين بقرينة قوله تعالى: وَ الْكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ .
و هذه الآيات المتقدمة تفيد بمجموعها أن الشفاعة ثابتة للّه تعالى أصالة و تكون لغيره تعالى بإذنه و رضاه،و هي لا تكون في يوم القيامة إلا لمن ارتضاه اللّه تعالى و أذن له بالشفاعة،فتحمل الآيات النافية لها أما على الشفاعة التي يقترحها العباد على اللّه تعالى أو على وقت دون وقت.
وردت أخبار و أحاديث متواترة بين المسلمين في الشفاعة و أنها المقام المحمود الذي وعد اللّه به نبينا الأكرم(صلى الله عليه و آله)يوم القيامة منها:
1-في صحيح مسلم عن أنس عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أنه قال:أنا أول شفيع في الجنة لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت و أن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد (3).
2-أخرج الدارمي في سننه عن صالح بن عطاء عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أنه قال:
أنا قائد المرسلين و لا فخر،و أنا خاتم النبيين و لا فخر،و أنا أول شافع و مشفع و لا فخر (4).
3-أخرج البخاري عن أنس عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أنه قال:إن لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته و أني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي (5).
********
(1) الزخرف86/.
(2) غافر18/.
(3) صحيح مسلم،130/1+ظ:مسند الإمام أحمد،شرح أحمد محمد شاكر،14/1-15.
(4) سنن الدارمي،27/1+سنن ابن ماجة،كتاب الزهد،1440/2.
(5) صحيح البخاري،67/8+صحيح مسلم،131/1+سنن الدارمي،328/2+سنن ابن ماجة،1440/2.
ص: 329
4-و روى الدارمي عن أبي بن كعب أن النبي(صلى الله عليه و آله)قال:إذا كان يوم القيامة كنت إمام الأنبياء و خطيبهم و صاحب شفاعتهم من غير فخر (1).
5-أخرج البخاري و مسلم عن ابن عباس و جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي:جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا،و نصرت بالرعب،و أحل لي المغنم،و أعطيت جوامع الكلم،و أعطيت الشفاعة (2).
و إلى غير ذلك من الروايات المتواترة بين المسلمين في ثبوت الشفاعة لرسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و أما في ثبوت الشفاعة لغيره(صلى الله عليه و آله)،فقد دلت عليها آيات كثيرة كما تقدم،و كذلك أحاديث نبوية شريفة في امكان شفاعة باقي الأنبياء و الرسل و العلماء و الشهداء و المؤمنين و إليك بعض تلك الأحاديث:
1-أخرج الترمذي و أحمد عن رسول اللّه أنه قال:و أن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس...و إن الرجل ليشفع للقبيلة...و إن الرجل ليشفع للعصبة...و إن الرجل ليشفع للثلاثة حتى يدخل الجنة (3).
2-أخرج أبو داود عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أنه قال:يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته (4).
3-عن عثمان بن عفان قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):يشفع يوم القيامة ثلاثة:
الأنبياء،ثم العلماء،ثم الشهداء (5).و لعل الترتيب هنا محمول على ترتب مقامهم عند اللّه(عزّ و جلّ).
و الجدير بالذكر أن آل البيت الذين عرفوا بإخلاصهم و ولائهم و استشهاد بعضهم في سبيل اللّه و علمهم و انقطاعهم إليه تبارك و تعالى فإن لهم مقام الشفاعة في الآخرة و النصوص في ذلك متواترة عند المسلمين و قد وردت أربع
********
(1) سنن الدارمي،26/1-27+سنن ابن ماجة،1443/2.
(2) صحيح البخاري،91/1-92 مطابع الشعب،صحيح مسلم بشرح النووي،3/5.
(3) سنن الترمذي،269/9+مسند أحمد،213/3.
(4) سنن أبي داود،كتاب الجهاد،395.
(5) سنن ابن ماجة،كتاب الزهد،1443/2 رقم الحديث 4313.
ص: 330
روايات تفسيرية فقط عن الإمام الباقر في صدد مبحث الشفاعة تناول بعضها إثباتها لرسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و لغيره من الشفعاء و من شروط تحققها،و إليك تلك الروايات:
أولا:في تفسير قوله تعالى: وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (1)، عن أبي عباس المكي عن أبي جعفر الباقر قال:أنه ما من أحد من الأولين و الآخرين إلا و هو محتاج إلى شفاعة رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يوم القيامة،و للرسول الشفاعة لأمته و لنا الشفاعة (2).
قال ابن الجوزي في تفسير هذه الآية:لا تنفع شفاعة ملك و لا نبي حتى يؤذن لهم في الشفاعة (3)،و قال القرطبي أي شفاعة الملائكة و غيرهم (4).
و قال النسفي:أي:إذن اللّه له يعني:إلا من وقع الأذن للشفيع لأجله (5)، و مال ابن كثير إلى القول:أنه لا يجترئ أحد أن يشفع عنه تعالى في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة و استدل بما ذكرنا من آيات و بما ثبت من حديث رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) (6)،و ذهب إلى هذا القول أيضا الآلوسي في تفسيره (7).
يتبين من خلال هذا العرض لأقوال العلماء في تفسير هذه الآية-بما فيهم قول الإمام الباقر-أنهم قد انقسموا إلى قسمين كان أكثرهم مع قول الإمام أن هذه الآية بصدد تبيين الشافع،و أنه لا يستطيع أحد من الأنبياء أو غيرهم أن يكون شافعا إلا بإذنه هذا من جهة و أن الإمام الباقر أثبت في تفسيره لهذا النص القرآني شفاعة النبي و شفاعة آل البيت من جهة أخرى، و قد انفرد الإمام هنا بإثباتها لآل البيت.
********
(1) سبأ23/.
(2) تفسير القرآن،القمي،202/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،380/2+ مقتنيات الدرر،الحائري،20/9.
(3) زاد المسير،ابن الجوزي،451/6.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،2965/14.
(5) مدارك التنزيل،النسفي،324/3.
(6) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،549/5.
(7) روح المعاني،الآلوسي،136/22-137.
ص: 331
ثانيا:في تفسير قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (1)، روى القمي و العياشي بأسانيد صحيحة عن الإمام الباقر أنه قال:المقام المحمود هو الشفاعة (2).
أورد ابن الجوزي قولين في تفسير هذه الآية.أحدهما:الشفاعة للناس يوم القيامة.قاله ابن مسعود،و حذيفة بن اليمان،و ابن عمر،و سلمان الفارسي، و جابر بن عبد اللّه،و الحسن.الثاني:يجلسه على العرش يوم القيامة،رواه الضحاك عن ابن عباس و ليث عن مجاهد (3).
و أيد القرطبي القول الأول و استدل عليه بما أخرجه البخاري عن ابن عمر و مسلم عن أنس و الترمذي عن أبي هريرة عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)من أن المقام المحمود هو الشفاعة (4).
و نقل ابن كثير قول الطبري و أيده بقوله:قال أكثر أهل التأويل:ذلك هو المقام الذي يقومه رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يوم القيامة للشفاعة للناس (5)،و أخرج جملة من الأحاديث المروية بطرق مختلفة عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) (6)،تقدم ذكر أكثرها في أول هذا المبحث.
و بهذا يكون الإمام الباقر في تفسيره للمقام المحمود بأنه الشفاعة واحدا من جملة جمهور الصحابة و التابعين الذين فسروا الآية بهذا المعنى،و يكون أيضا أنه إذا وجد حديثا مرويا عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في تفسير آية أو معنى قرآني لا يتعدى إلى غيره تأكيدا منه على الرجوع إليهما في تفسير القرآن الكريم.
ثالثا:و نقل الطبرسي في تفسير قوله تعالى: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (7)قول
********
(1) الإسراء79/.
(2) تفسير القرآن،القمي،444/2+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،314/2.
(3) زاد المسير،ابن الجوزي،76/5.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،309/10.
(5) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،235/4.
(6) المصدر نفسه،235/4-239.
(7) الشعراء100/.
ص: 332
الإمام الباقر:أن المؤمن ليشفع لجاره فيقول:يا رب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه (1).
رابعا:و في تفسير قوله تعالى: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (2)نقل ابن كثير عن الإمام الباقر قوله:يعني الشفاعة (3).
قال ابن الجوزي في تفسيره لهذه الآية عن علي و الحسن:هو الشفاعة في أمته حتى يرضى،و ساق سبب نزولها عن ابن عباس فقال:عرض على رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)ما يفتح على أمته كفرا كفرا،فسر بذلك،فأنزل اللّه(عزّ و جلّ) وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى* وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (4)(5).
و قد خلص القرطبي إلى القول بأنها الشفاعة بعد أن أورد بقية الأقوال و نسب هذا التفسير للإمام علي،و احتج بما ورد من أحاديث في الشفاعة (6).
يتبين من خلال ما تقدم من أقوال في تفسير هذه الآية أن الإمام الباقر قد أخذ تفسيرها عن آبائه عن جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،و قد نقل هذا التفسير و أيده جملة من المفسرين كما تقدم.
و بعد أن انتهيت من الكشف عن جهود الإمام الباقر في تفسير آيات العقائد،تجدر الإشارة هنا-و هذه ظاهرة مستقاة من المصادر-أن جمهور العلماء يرون فيما نسب للإمام الباقر لا سيما ما يختلفون فيه أنه مكذوب عليه بل و يلجأ أصحاب مصنفات علم الرجال إلى تضعيف معظم رواة الإمام بينما يعتقد بعض الإمامية أن كل ما ورد عنه بقضه و قضيضه صحيح، و أخال أن كلا الموقفين بحاجة إلى مراجعة و نقد لا يزج الانتماء فيه.
********
(1) مجمع البيان،الطبرسي،195/7+مقتنيات الدرر،الحائري،59/8.
(2) الضحى5/.
(3) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،315/7.
(4) الضحى4/-5.
(5) زاد المسير،ابن الجوزي،158/9،و في سبب نزولها انظر:المستدرك،الحاكم،526/2+ مجمع الزوائد،الهيثمي،139/7+جامع البيان،الطبري،232/30+أسباب النزول، الواحدي،338+الدر المنثور،السيوطي،361/6.
(6) الجامع للأحكام،القرطبي،95/20-96.
ص: 333
إن علاج هذين الموقفين في الرؤى المعاصرة يكمن في نظرة موضوعية علمية تنزع إلى التوفيق و تبتعد عن التفريق و تشد على المتفق عليه و تسوغ المختلف فيه لأن للإسلام عظمة لا يتناسب معها أن يفهم فهما واحدا،إذن فلتتسع الصدور إلى الاتجاهات المتعددة ضمن نطاق المشروعية العامة و ليكن أن الدراسة الموضوعية ستكشف الكثير من نقاط التوافق و ستجلي الدوافع عما أدخل بوصفه نقاط افتراق.
إن هذا الموقف يجعل الباحث متحفظا على ما ذهب إليه بعض المعاصرين في قوله:إن طابع التشيع غلب على رواية الحديث عن الإمام الباقر،لأن عصره عصر اكتمال التشيع من جهة اكتمال عقائده (1).
و هذا غير صحيح،لما وجدنا في أكثر الروايات المنقولة عن الإمام الباقر في هذا الفصل أنها لم تخرج عن الاطار العام للمفهوم الشمولي للإسلام و عقائده، سوى بعض الروايات في مبحث الإمامة و التي أشرنا في نهايته إلى مبرراته في ما رواه الإمام بشأنها،و ما عدا ذلك فهو يتوافق في تفسيره للآيات محل البحث مع باقي المفسرين من صحابة و تابعين و علماء.
***
********
(1) نظرية الإمامة عند الاثني عشرية،د.محمود صبحي،92.
ص: 334
و يتضمن:
*المبحث الأول:العبادات
*المبحث الثاني:المعاملات
*المبحث الثالث:الحدود و الجنايات و القضاء
ص: 335
ص: 336
تمهيد أن جوهر حركة الفكر الإسلامي يكمن في علمي الفقه و أصوله،ذلك لأنّ الإسلام نظام متكامل مبني على أصول مستنبطة من كتاب اللّه تعالى و من سنة نبيه(صلى الله عليه و آله)و من أعمال الصحابة رضوان اللّه عليهم و فهمهم للكتاب و السنة و من فهم المسلمين التابعين و تابعيهم ممن كانوا أهلا لفهم نصوص الكتاب و السنة و أعمال الصحابة،و لقد بنيت على تلك الأصول القوانين العلمية التي تعرف بعلم الفقه،و هو علم أنجز فيه المسلمون ثروة علمية لم يعرفها المتشرعون في قديم و لا في حديث (1).
و قد امتازت آيات الأحكام بأنها تشكل الأصول التشريعية الرئيسة التي قام عليها الفقه الإسلامي برمته،و قد افرد لها العلماء مجموعة من المدونات عرفت فيما بعد بتفاسير آيات الأحكام،و تعد الأحكام العملية ما تنظم أحكام علاقة الإنسان بربه من صلاة و صيام و زكاة و حج و غيرها و قد أحصى البعض آياتها فكانت(140)آية (2)،أما أحكام المعاملات فقد كان ما يخص الأحوال الشخصية بما يقرب من(70)آية و ذات العدد بالنسبة للأحكام المدينة،و أحصيت آيات أحكام الجنايات فكانت نحو(30)آية،أما المرافعات و القضاء و ملحقاته فقد كانت(13)آية،و في الأحكام الدستورية(10)آيات،و في الأحكام الدولية (25)آية،أما الأحكام المالية و الاقتصادية فقد بلغت عشر آيات (3).
و بالتتبع وجد الباحث أن حشدا كبيرا من الروايات المنقولة عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أفادت بمجموعها رأيا تفسيريا في آيات الأحكام،محددة الأحكام المستفادة منها و التي جعلها فقهاء الإمامية أدلة مستفادة لمداركهم الشرعية في استنباط الأحكام،و إطلاق الفتوى،و قد شكلت تلك الروايات التفسيرية
********
(1) عبد اللّه بن مسعود،د.عبده الراجحي،86.
(2) أصول الدين الإسلامي،د.قحطان الدوري،357.
(3) ظ:علم أصول الفقه،عبد الوهاب خلاف،33-35+الإسلام عقيدة و شريعة،الشيخ محمود شلتوت،500-102.
ص: 337
مجموعة ضخمة من الفتاوى و التي عرفت فيما بعد بفقه آل البيت،و تجاوز عددها-خلال البحث و الاستقراء-اكثر من نصف مجموعة الروايات التفسيرية المنقولة عن الإمام الباقر جملة فقد بلغت مع المكرر ما يقرب من(680)رواية، و كانت تلك الروايات المتعلقة بتفسير آيات الأحكام و المأثورة عن الإمام الباقر تتوزع على جميع أبواب الفقه الإسلامي من عبادات و معاملات،فلا يكاد يخلو باب من أبوابه الموزعة عليها الآيات من رأي تفسيري له،فلو درست جميعا- بشكل منفرد-مقارنة مع آراء غيره من تابعين و علماء لشكلت بحثا أكاديميا رصينا مستقلا.
فلذلك سنتعرف هنا على بعض تلك الروايات المجتزئة من ذلك الكم الهائل من الروايات مقارنين تلك الأقوال بآراء غيره من العلماء و مرجحين في بعض الأحيان بقدر ما يتطلبه هذا البحث ضرورة.
هي لغة:النزاهة،و عرفت:بأنها ما يستباح بها الدخول في الصلاة،و هي تطلق على إزالة الخبث و الحدث،و قد ورد عن الإمام الباقر(عليه السّلام)مجموعة من الروايات منها:
أولا:في قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (1).في معنى لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ عدة أقوال ذكرها القرطبي بإسهاب،إلا أنه ركز على قولين رئيسين الأول:
لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب و هم الملائكة،قال به
********
(1) الواقعة77/-79.
ص: 338
سعيد بن جبير،الثاني: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ من الأحداث و النجاسات،قال به قتادة و غيره (1).
و ذكر الطبرسي:إنه لا يمسه إلا المطهرون من الاخباث و الجنايات،و هو المروي عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام) (2).
و هو مذهب الشافعي و مالك،و زاد الشافعي حتى الحاشية (3).
و عن أبي حنيفة روايتان،الأولى:إنه يمسه المحدث،و الثانية:إنه يمس ظاهره و ما لا مكتوب فيه،و أما الكتاب فلا يمسه (4).و حكي عن داود الظاهري و غيره الجواز (5).
أذن لإخلاف بين العلماء في المنع من مس المصحف على غير وضوء إلا ما شذّ من رأي الظاهري،و عليه فإن الجملة في مبناها خبري و في مرادها إنشائي و هو النهي عن مسه،و ليس المقصود نفي المس و إلا لزم الكذب،لأن المصحف يمسه من ليس بمطهر.
ثانيا:في قوله تعالى: ...وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ... (6).
لإخلاف بين الفقهاء من حيث الجملة في وجوب مسح الرأس،و إنما اختلفوا في المقدار الواجب مسحه من الرأس على مذهبين:
المذهب الأول:أن الواجب ما يطلق عليه اسم المسح قل الممسوح أو كثر، و هو قول الشافعي و الإمامية و الظاهرية (7).
********
(1) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،225/17-226.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،226/9+وسائل الشيعة،الحر العاملي،270/1+كنز العرفان في فقه القرآن،المقداد السيوري،35/1.
(3) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة،الدمشقي،13.
(4) أحكام القرآن،الجصاص،511/3+أحكام القرآن،ابن العربي،232/2+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،226/17.
(5) رحمة الأمة،الدمشقي13/.
(6) المائدة6/.
(7) المجموع شرح المهذب،النووي،440/1+مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة،السيد العاملي،247/1+المحلى،ابن حزم الظاهري،40/1+ظ:مسائل في الفقه المقارن، أستاذنا الدكتور هاشم جميل،ق 84/1.
ص: 339
المذهب الثاني:الواجب مسح مقدار الناصية و الناصية تقدر بربع الرأس و هو قول أبي حنيفة و بعض أصحاب الشافعي،و هي رواية عن أحمد و به قال مالك و إليه ذهب أكثر الزيدية (1).و قد استدل كل مذهب إلى ما ذهب إليه بأدلة أكثرها فيه نظر،غير إننا نلتزم هنا بالمنهج الذي اتبعناه من ذكر الرواية التفسيرية المنقولة عن الإمام الباقر للآية القرآنية فقط دون التعرض إلى أدلة غيره لان ذلك يخرج البحث عما قدر له،و أيا كان الأمر فاختلاف الفقهاء جاء من اختلافهم من دلالة الباء و التي أوصلها ابن العربي إلى أحد عشر قولا (2).
نقل عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه قال:يجزي اقل ما يقع عليه اسم المسح (3)، و به قال الشافعي (4).
و روى زرارة بن أعين أنه سأل الإمام الباقر(عليه السّلام)عن وضوء رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فأجراه له متمثلا في كل مرحلة ببعض آية الوضوء (5)،و قد سئل عن الكعبين فقال:هما المفصل دون العظم (6).
و روى زرارة أيضا أنه قال للإمام الباقر:إلا تخبرني من أين علمت و قلت أن المسح ببعض الرأس؟فضحك الإمام ثم قال:يا زرارة قاله رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) و نزل به الكتاب،لأن اللّه يقول فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أن الوجه ينبغي كله أن يغسل ثم قال وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فعرفنا أن اليد لا تغسل كلها،ثم فصل بين الكلامين و قال وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فعرفنا أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء (7).
********
(1) فتح القدير،ابن الهمام،10/1+المغني،ابن قدامة،111/1+مواهب الجليل في شرح مختصر خليل،الحطاب،202/1.
(2) ظ:أحكام القرآن،ابن العربي،235/1.
(3) وسائل الشيعة،الحر العاملي،291/1-292+كنز العرفان،المقداد السيوري،19/1.
(4) رحمة الأمة،الدمشقي،15.
(5) وسائل الشيعة،الحر العاملي،274/1-275+التهذيب،الشيخ الطوسي،16/1+ الاستبصار،الشيخ الطوسي،30/1+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،18/1-19.
(6) وسائل الشيعة،الحر العاملي،290/1-291.
(7) من لا يحضره الفقيه،الصدوق،30/1+علل الشرائع،الصدوق،103+فروع الكافي، الكليني،10/1+وسائل الشيعة،الحر العاملي،290/1-291.
ص: 340
و من الجدير بالذكر هنا أن المدونات التفسيرية نقلت بأسانيد صحيحة عن الغالب بن هذيل قال:سألت الإمام أبا جعفر عن المسح على الرجلين:هو الذي نزل به جبرائيل (1).
و قال جماعة من المفسرين:إن المسح مذهب ابن عباس و انس و عكرمة و الشعبي و الإمام الباقر (2)،و قد حكي عن أحمد و الاوزاعي و الثوري و ابن جرير الطبري جواز مسح القدمين،و قيل أن المرء مخير عندهم بين الغسل و المسح (3).
ثالثا:في قوله تعالى: ...وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ... (4).
فقد روي عن الإمام الباقر(عليه السّلام)بسند صحيح رواه زرارة و محمد بن مسلم قالا:قلنا له الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟قال:الحائض و الجنب لا يدخلان إلا مجتازين،أن اللّه تبارك و تعالى يقول وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا و يأخذان من المسجد و لا يضعان فيه شيئا (5).
و قواه الطبرسي في المجمع لخلوه من التكرار (6)،و معنى الآية لا تقربوا الصلاة أي مواضع الصلاة إلا عابري سبيل.
و قد اختلف الفقهاء في ذلك،فذهب بعض الإمامية إلى أن هذا الحمل للآية بعيد،فجواز الاجتياز للجنب مقيد عندهم بما عدا المسجدين و قالوا:و بذلك وردت الروايات و انعقد الإجماع (7).
********
(1) التهذيب،الشيخ الطوسي،18/1+الاستبصار،الشيخ الطوسي،33/1+مجمع البيان، الطبرسي،165/3+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،23/1.
(2) جامع البيان،الطبري،73/6+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،25/2+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،92/6+الدر المنثور،السيوطي،262/2+المغني،ابن قدامة، 133/1+السنن الكبرى،البيهقي،71/1.
(3) رحمة الأمة،الدمشقي،15.
(4) النساء43/.
(5) العلل،الصدوق،272/1+مجمع البيان،الطبرسي،52/3+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،44/1+مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،77/1.
(6) مجمع البيان،الطبرسي،52/3+جامع أحاديث الشيعة،164/1.
(7) زبدة البيان،الاردبيلي،18-19+مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،22/1.
ص: 341
أما الشافعية فقد أطلقوا جواز الاجتياز (1)،و منعته الحنفية و المالكية إلا أن يكون الماء في المسجد أو هو طريق الماء (2).
و استنبط فخر المحققين من هذه الآية عدم جواز الطواف بالبيت للجنب المتيمم لأنه سبحانه علق دخول الجنب إلى المسجد على الإتيان بالغسل لا غير (3).
و هو مذهب سعيد بن المسيب أنه لا يجوز له المكث،و يجوز له العبور سواء له حاجة أو لا (4).
و هذه الأمثلة كافية في بيان تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)للآيات المتعلقة بالطهارة،و أثره فيمن بعده من الفقهاء بالأخذ بها و التعويل عليها.
هناك مجموعة من الآيات بلغت خمسا و عشرين آية متعلقة بأحكام الصلاة من وجوب و شرائط و أركان و متعلقات،وردت سبع و عشرون رواية في تفسيرها عن الإمام الباقر(عليه السّلام)و استنباطه للأحكام منها أفاد فقهاء الإمامية و غيرهم في جعلها مدارك شرعية لهم في الوصول إلى الحكم الشرعي المتعلق بموضوع الآية أو الرواية المفسرة لها،و سنعرض نماذج منها:
أولا:في قوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (5).
روى زرارة قال:قلت لأبي جعفر(عليه السّلام)قول اللّه إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ؟قال:يعني كتابا مفروضا (6)،و في رواية أخرى قال:أن للصلاة وقتا و الأمر فيه واسع يقدم مرة و يؤخر مرة إلا الجمعة فإنما هي وقت واحد،و إنما عنى اللّه كتابا موقوتا أي واجبا،يعني بها أنها فريضة (7).
********
(1) رحمة الأمة،الدمشقي،17.
(2) عمدة القاري،العيني،226/3+أحكام القرآن،الجصاص،248/2.
(3) مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،78/1.
(4) المجموع شرح المهذب،النووي 162/2.
(5) النساء103/.
(6) وسائل الشيعة،الحر العاملي،3/2+فروع الكافي،الكليني،74/1+علل الشرائع، الصدوق،201+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،79/1.
(7) من لا يحضره الفقيه،الشيخ الصدوق،63/1+وسائل الشيعة،الحر العاملي،101/2+ مجمع البيان،الطبرسي،104/3+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،273/1.
ص: 342
قال ابن الجوزي: كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً أي فرضا، و في(الموقوت)قولان:أحدهما:إنه بمعنى المفروض،قاله ابن عباس و مجاهد و السدي و ابن زيد.و الثاني:إنه الموقت في أوقات معلومة، و هو قول ابن مسعود و قتادة و زيد بن اسلم و ابن قتيبة (1).
و معنى هذين القولين:أن الصلاة فرض مفروض أو هي فرض مؤقت في أوقات معلومة،و قال القرطبي: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً أي مؤقتة مفروضة (2).
و بعد أن ذكر الجصاص هذين القولين ذهب إلى اختيار الثاني في قوله:إنه مفروضة في أوقات معلومة معينة (3).
أما الاردبيلي(ت:992 ه)فقال:مفروضة أو مؤقتة فلا تضيعوها و لا تخلوا بشرائطها و أوقاتها (4)،و ذهب إلى هذا الاختيار السيوري قبله (5).
و يظهر أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد قرر أن للصلاة وقتا مؤقتة به لكنه أراد أن ينفي أن يكون هذا الوقت مضيقا بحيث لو جاز بعضه لم تكن الصلاة مؤداة،فيكون من هذه الناحية قوله مطابقا لما اختاره غيره من العلماء.
ثانيا:في قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى (6).
روى زرارة بن أعين عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)في الصلاة الوسطى:هي صلاة الظهر و هي أول صلاة صلاها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) و هي وسط،و وسط الصلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر (7).
********
(1) زاد المسير،ابن الجوزي،188/2.
(2) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،374/5.
(3) أحكام القرآن،الجصاص،324/2.
(4) زبدة البيان،الاردبيلي،49.
(5) كنز العرفان،المقداد السيوري،58/1-59.
(6) البقرة238/.
(7) علل الشرائع،الصدوق،125+مجمع البيان،الطبرسي،323/2+الدر المنثور، السيوطي،302/1+وسائل الشيعة،الحر العاملي،5/2-6+الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائي،59/2.
ص: 343
و قد اختلف العلماء فيها على ثمانية عشر قولا،أوردها الشوكاني مع أدلة كل فريق من الأحاديث الشريفة و غيرها (1)،و كذلك البهوبودي بدون ذكر الأدلة (2).
و في الدر المنثور أخرج أحمد و ابن منيع و النسائي و ابن جرير و غيرهم من طريق الزبرقان:أن رهطا من قريش مرّ بهم زيد بن ثابت و هم مجتمعون فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى؟فقال:هي الظهر ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه فقال:هي الظهر،أن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)كان يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه إلا الصف و الصفان،و الناس في قائلتهم و تجارتهم، فانزل اللّه تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ فقال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):لينتهين رجال أو لاحرقن بيوتهم (3)،و نقل بأنها الظهر أيضا عن أبي سعيد الخدري و عائشة و علي رضوان اللّه عليهم (4).
و يمكن أن نرجح هذا القول بالاستشهاد له بقوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (5)إنه تعالى لم يذكر الصلاة الوسطى بين الطرفين و خصوصا بعد الأمر في قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (6)،المتفق بين المسلمين على أنها صلاة الظهر المعبرة في لسان علي(عليه السّلام)ب(صلاة الأوابين)-و اللّه اعلم-.
ثالثا:في قوله تعالى: ..وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ... (7).
روي بأسانيد صحيحة عن زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا:قلنا لأبي جعفر(عليه السّلام):ما تقول في الصلاة في السفر،كيف هي و كم هي؟قال:أن اللّه
********
(1) نيل الأوطار،الشوكاني،335/1-336.
(2) هامش(1)من:كنز العرفان،المقداد السيوري،62/1-63.
(3) الدر المنثور،السيوطي،298/1.
(4) نيل الأوطار،الشوكاني،335/1.
(5) هود115/.
(6) الإسراء78/.
(7) النساء100/.
ص: 344
يقول وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ...
فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر.قالا:قلنا:إنما قال:
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ و لم يقل افعلوا،فكيف أوجب اللّه ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟قال:أو ليس قد قال اللّه في الصفا و المروة فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (1)،أ لا تريا أن الطواف واجب مفروض لان اللّه ذكرهما في كتابه و صنعهما نبيه(صلى الله عليه و آله)و كذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي(صلى الله عليه و آله)و ذكره اللّه في كتابه.قالا:قلنا:فمن صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟قال:إن كانت قرأت عليه آية التقصير و فسرت له فصلى أربعا أعاد،و إن لم يكن قرأت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه و الصلاة في السفر كلها فريضة ركعتان كل الصلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) في السفر و الحضر ثلاث ركعات (2).
و قد اتفق الفقهاء على مشروعية قصر الرباعية في السفر،لكنهم اختلفوا في وصف هذه المشروعية على مذهبين:
الأول:القصر فرض،فلا يجوز للمسافر الإتمام،و إلى ذلك ذهب الإمامية لما ورود في أعلاه من دليل-اعني الرواية المتقدمة-و أبو حنيفة و الظاهرية، و بعض الزيدية،و هو قول لمالك (3).
الثاني:القصر رخصة،و عليه فانه يجوز للمسافر القصر و الإتمام،إلا أن القصر أفضل،و بذلك قال أحمد،و هو المشهور من مذهب مالك و أصح قولي الشافعي (4).
********
(1) البقرة158/.
(2) من لا يحضره الفقيه،الصدوق،145/1+التهذيب،الشيخ الطوسي،318/1+بحار الأنوار،المجلسي،94/18+البرهان في تفسير القرآن،القمي،410/1.
(3) مفتاح الكرامة،السيد العاملي،490/2+البحر الرائق في شرح كنز الدقائق،ابن نجيم، 140/2+المحلى،ابن حزم الظاهري،101/2+ظ:مسائل في الفقه المقارن،أستاذنا الدكتور هاشم جميل،ق 170/1.
(4) المغني،ابن قدامة،107/2+شرح الدردير،358/1+المجموع،شرح المهذب،النووي،/4 223+ظ:المسائل الدكتور هاشم جميل،ق 170/1.
ص: 345
و نقل صاحب المجمع و العاملي هذا الاختلاف بعد أن أورد كل واحد منهما الرواية في أعلاه (1).
و قال البيضاوي:أن نفي الجناح يدل على الجواز دون الوجوب (2)، و فيه نظر لأنّ هذا صحيح،و لكن لا دلالة فيه على المطلوب،لأنّ الجواز أعم من الوجوب فإذا استفيد الوجوب من أدلة خارجية لا يتعارض ذلك مع الجواز.
أما الأحاديث التي رويت بمؤدى أن النبي(صلى الله عليه و آله)أتم في السفر فهي ضعيفة (3)، و ظاهر الآية:أن القصر مشروط بالخوف،و ليس كذلك بل الخوف خرج مخرج الغالب لحديث عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه)تلك صدقة تصدق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته،و لما صح عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أيضا:إنه سئل عن صلاة الخوف و صلاة السفر أ تقصران جميعا؟فقال:نعم،و صلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي ليس فيه خوف (4).
و يرى السيوري:أن الجناح في الآية الإثم،و نفي الجناح يستعمل في رفع الإثم و هو الواجب و الندب و المباح و هو أهم من التخيير المحض،إذ يلتمس الدليل التفصيلي على الوجوب من أدلة خارج الآية و هو فعل النبي(صلى الله عليه و آله)و أقوال الصحابة رضوان اللّه عليهم (5).
و يقول الكاظمي:أن نفي الجناح في اكثر الآيات التي وردت فيها مجمل يبين بالأخبار (6).
و لذلك فان رواية الإمام الباقر(عليه السّلام)في تفسير آية التقصير كان يؤكد فيها على صنع رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أي فعله المبين للمجمل القرآني،فمن ذاك استفاد
********
(1) مجمع البيان،الطبرسي،101/3+وسائل الشيعة،الحر العاملي،531/3.
(2) أنوار التنزيل،البيضاوي،124 المطبعة العثمانية.
(3) ظ:المحلى،ابن حزم الظاهري،453/4+السنن الكبرى،البيهقي،141/3.
(4) من لا يحضره الفقيه،الصدوق،294/1+الحدائق الناظرة،يوسف البحراني،266/11 +منتقى الجمان،الشهيد الثاني،563/1.
(5) كنز العرفان،المقداد السيوري،150/1.
(6) مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،276/1.
ص: 346
القائلون بوجوب القصر أدلتهم التي احتجوا بها-و مما يبدو-كانت أقوى من حجة أدلة القائلين بأن القصر رخصة.
هي لغة:تطلق على معنيين:أحدهما:الطهارة،و الآخر:النماء لقوله تعالى: ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَ أَطْهَرُ (1)أي إنما،و إلا كان تأكيدا،و التأسيس أولى من التأكيد فضلا عن أن الواو تقتضي المغايرة.
و شرعا:هي اسم لحق مالي للّه يجب في المال المصروف للفقراء،و يعتبر في وجوبه شروط منها:ما هو مندوب و منها ما هو واجب.
و قد وردت عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أربع روايات تفسيرية للآيات المتضمنة للزكاة أو أركانها أو مصارفها سنختار اثنتين منها:
أولا:في قوله تعالى: ...وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ... (2).
إن إقام الصلاة هو عبارة عن الإتيان بها تامة الأفعال و الشروط،و الظاهر من إيتاء الزكاة أن المراد بها المفروضة المعروفة،و يشعر بذلك اقترانها بالصلاة، فيكون ذكرها بعد آتيان المال من قبيل ذكر الخاص بعد العام لشدة الاهتمام و الربط بالصلاة.
فقد روى معروف بن خربوذ عن الإمام أبي جعفر الباقر أنه قال:إن اللّه تبارك و تعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (3)فمن أقام الصلاة و لم يؤت الزكاة فلم يقم الصلاة (4).
ثانيا:في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (5).
********
(1) البقرة232/.
(2) البقرة177/.
(3) النور56/.
(4) وسائل الشيعة،الحر العاملي،11/4+من لا يحضره الفقيه،الصدوق،41/1+فروع الكافي،الكليني،506/3+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،263/1.
(5) التوبة34/.
ص: 347
روي عن زرارة بن أعين و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية العجلي و الفضيل بن يسار كلهم عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قال:فرض اللّه (عزّ و جلّ)الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في تسعة أشياء و عفا رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)عما سواهن:في الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و عفا رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)عما سوى ذلك (1).
و استدل الإمامية أيضا بأصالة البراءة و عموم قوله تعالى وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (2)يعمان كل مال فيخرج منه ما وقع الإجماع عليه عندهم و يبقى الباقي على اصله (3)،و لذلك كان وجوب الزكاة عندهم في تسعة أصناف.
أما باقي الفقهاء فيرون أن الذهب و الفضة إذا بلغا نصابا و كانا مسكوكين بسكة المعاملة،أو غير مسكوكين على قول و استوفيا شرط الحول فتجب فيهما الزكاة (4)،مع تفصيلات مذكورة في مظانها في الكتب الفقهية.
في قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (5).روي عن الإمام أبي جعفر الباقر بعدة طرق صحيحة أنه سئل عن الخمس:أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و الصناع؟و كيف ذلك؟فقال:الخمس مما يفضل من مئونته (6).
********
(1) التهذيب،الشيخ الطوسي،328/1+وسائل الشيعة،الحر العاملي،34/4+فروع الكافي، الكليني،143/1.
(2) محمد36/.
(3) كنز العرفان،المقداد السيوري،222/1-223.
(4) أحكام القرآن،الجصاص،130/3+أحكام القرآن،ابن العربي،380/1-381+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،124/8-125+كنز العرفان،السيوري،224/1.
(5) الأنفال41/.
(6) وسائل الشيعة،الحر العاملي،348/4+التهذيب،الشيخ الطوسي،384/1.
ص: 348
فلذلك يرى الإمامية أن الآية الكريمة دلت على خضوع مطلق الفائدة في إخراج حق الخمس،و ذلك للقرائن الآتية:
1-لان الغنيمة في الأصل هي مطلق الفائدة المكتسبة،و إنها جعلت مقصورة بإنما و هذا هو قصر الحكم على الموضوع.
2-و دل على عموم خضوع الغنيمة للخمس قوله تعالى: مِنْ شَيْءٍ لذلك يرون أن الخمس يجب في جميع ما يستفاد من أرباح التجارة و الصناعة و الزراعة إذا زاد على مؤنة السنة.
أما المذاهب الإسلامية الأخرى فقد اختلفوا عن الإمامية في فهم المستند و ما يترتب عليه من أحكام،فهم يذهبون إلى أن الغنيمة في عرف الشرع هي ما أخذت من دار الحرب (1)،مستدلين بالسياق و هو ليس حجة عند الإمامية،و مع ذلك يرى بعض الفقهاء انه يجب في الكنوز و بعض المعادن و الغوص و أيا كان فان اللفظة لبيان الإمام الباقر(عليه السّلام)يعني العموم.
أما في مصارف الخمس فكان للفقهاء عدة أقوال نذكرها باختصار:
1-جعله الإمامية على قسمين:قسم سمي بحق الإمام يتصرف به لمصلحة المسلمين مما يشمل سهم اللّه و سهم الرسول و سهم الإمام المعبر ب لِذِي الْقُرْبى ،أما القسم الثاني:فهو سهم بني هاشم الذي أشير إليه ب وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (2)،فقد روى زرارة عن الصادق عن أبيه الإمام الباقر(عليهم السّلام)قال:لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة،أن اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم (3).
2-عند مالك:الخمس لا يستحق لصنف دون صنف،و إنما هو موكول إلى نظر الإمام يصرفه فيما يراه مصلحة للمسلمين (4).
3-و عند أبي حنيفة يصرف للثلاثة من عامة المسلمين (5).
********
(1) مسائل في الفقه المقارن،أستاذنا الدكتور هاشم جميل،209/1.
(2) شرائع الإسلام،المحقق الحلي،182/1+فقه الإمام الصادق،محمد جواد مغنية،122/2.
(3) التهذيب،الشيخ الطوسي،59/4+الاستبصار،الشيخ الطوسي،36/2.
(4) القوانين الفقهية،ابن جزي،130+التفسير الكبير،الرازي،161/15.
(5) الهداية،المرغيناني،108/2،110.
ص: 349
4-و قال الشافعي و أحمد و الظاهرية:يقسم إلى خمسة أقسام:يصرف سهم الرسول(صلى الله عليه و آله)في مصالح المسلمين و سهم ذوي القربى هو للموجود منهم- أي بني هاشم و بني المطلب-و الأسهم الثلاثة الباقية لعامة يتامى و مساكين و أبناء سبيل المسلمين (1).
5-قال الزيدية:يقسم إلى ستة أقسام كما هو ظاهر الآية،فسهم اللّه لمصالح المسلمين و سهم الرسول للإمام و سهم ذوي القربى للموجود من بني هاشم فقط،و الثلاثة الباقية قالوا بها بمثل ما قاله الشافعي (2).
هذه هي آراء الفقهاء بالجملة في مصارف الخمس و بعض أحكام الآية المتقدمة ذكرناها هنا لتعلق بعض منها بما ورد عن الإمام الباقر من روايات في تفسير هذه الآية المتضمنة تلك الأحكام.
وردت فيه مجموعة من الآيات نقل تفسيرها عن الإمام الباقر(عليه السّلام)منها:
في قوله تعالى: ...وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (3).
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قال:الشيخ الكبير و الذي يأخذه العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام و لا قضاء عليهما فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما (4).
معنى ذلك:أن الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش فعليهم لكل يوم مد،و المراد بهم:الشيوخ و ذو العطاش و نحوهم مما دلت عليه الرواية الصحيحة المتقدمة.
********
(1) المهذب،الشيرازي،261/2،263+المغني،ابن قدامة،443/1+المحلى،ابن حزم الظاهري،327/7.
(2) البحر الزخار،ابن المرتضى،214/3،224.
(3) البقرة184/.
(4) التهذيب،الشيخ الطوسي-4،237+مرآة العقول،المجلسي،228/3+منتقى الجمان، الشهيد الثاني،202/2+مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،321/1+الكافي،الكليني،/1 194+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري 349/1.
ص: 350
و توضحه الرواية الصحيحة الأخرى عند محمد بن مسلم أيضا قال:
سمعت أبا جعفر الباقر(عليه السّلام)يقول الحامل المقرب،و المرضع القلية اللبن لا حرج عليها أن تفطر في شهر رمضان لأنها لا تطيق الصوم،و عليها أن تتصدق في كل يوم تفطر فيه بمد،ثم عليها قضاء ما افطرته (1).
و على هذه الرواية فان الشيخ لو لم يطق أصلا لم تجب عليه الفدية و على هذا يفتي الشيخ المفيد و المرتضى و سالار و ابن إدريس و العلامة،قال في المختلف هو قول اكثر علمائنا (2).
أما الشيخ الطوسي فيرى أن الفدية تجب عليه،قال في التهذيب:إن التفصيل الذي ذهب إليه المفيد لم أجد فيه حديثا مفصلا (3)،لكن العلامة الحلي احتج للمفيد بظاهر الآية فإنه دلّ على سقوط الفدية على الذي لا يطيقه و لأنّ الأصل براءة الذمة (4)،لكن الشيخ الطوسي يقول:و مع ذلك لا يستبعد إيجاب الفدية (5).
أما متأخروا الإمامية،فقد قال في المسالك الذي أظن أن قول الشيخ الطوسي بوجوب الفدية مطلقا لا يخلو من قوة،و استدلال العلامة الحلي على خلافه بمفهوم الوصف و هو غير حجة عند محققي الإمامية و حينئذ لا مانع من ثبوت الفدية (6).
و كذلك اتفقت المذاهب الإسلامية الأخرى أن المريض الذي لا يرجى برأه و الشيخ الكبير أو عطش مستمر كلما صام بحيث لا يرجى قدرته على الصوم في المستقبل يجوز له الإفطار بلا خلاف،و لكن اختلفوا في عجز هؤلاء عن دفع الفدية على قولين:
********
(1) وسائل الشيعة،الحر العاملي،153/4+التهذيب،الشيخ الطوسي،420/1+من لا يحضره الفقيه،الصدوق،46/1.
(2) المختلف،العلامة الحلي،64/2.
(3) التهذيب،الشيخ الطوسي،238/4.
(4) المختلف،العلامة الحلي،65/2.
(5) التهذيب،الشيخ الطوسي 237/4.
(6) مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،323/1.
ص: 351
الأول:هؤلاء لا شيء عليهم و قد سقط الصوم عنهم،و هو قول مالك و الظاهرية و هو قول للشافعي و قول للإمامية (1).
الثاني:و نسب ابن قدامة إلى من سماهم جمهور العلماء:أن الواجب عليهم هو الفدية،إطعام مسكين عن كل يوم (2).
و اختلف العلماء في مقدار الفدية:ذهب أبو حنيفة إلى أنها نصف صاع من بر أو صاع من شعير و عن الشافعي قوله:عن كل يوم مد،أما أحمد فقال:
يطعم نصف صاع من تمر أو شعير أو مدا من بر (3).
هو القصد إلى بيت اللّه تعالى لأداء المناسك المخصوصة،و حيث أن الحج من اعظم أركان الإسلام قد ورد في وجوبه ضرورة مجموعة من الآيات نقل تفسير بعض منها الإمام الباقر منها:
في قوله تعالى: ..وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً.. (4).
فقد فسر السبيل و الاستطاعة بالزاد و الراحلة للأحاديث الواردة في هذا المعنى (5)،و نفقة الذهاب و الإياب فاضلة عن حوائجه الأصلية (6).
و اشترط البعض في العود إلى كفاية من مال أو صناعة أو حرفة و مستنده ما رواه أبو الربيع الشامي عن الإمام الصادق(عليه السّلام)قال:سئل الإمام الباقر(عليه السّلام) هل الاستطاعة الزاد و الراحلة حصرا؟فقال:هلك الناس أذن،إذا كان من له زاد و راحلة لا يملك غيرهما مما يمون به عياله و يستغني عن الناس يجب عليه الحج
********
(1) المدونة الكبرى،سحنون،211/1+المحلى،ابن حزم الظاهري،263/6+مغني المحتاج الشربيني،77/3+شرائع الإسلام،المحقق الحلي،221/1.
(2) المغني،ابن قدامة،448/1.
(3) رحمة الأمة،الدمشقي،90.
(4) آل عمران97/.
(5) ظ:الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،146/4-147.
(6) كنز العرفان،المقداد السيوري،264/1.
ص: 352
ثم يرجع فيسأل الناس بكفه فقد هلك أذن،فقيل له:ما لسبيل عندك يا بن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)؟فقال:السعة في المال و هو أن يكون له ما يحج ببعضه و يبقي بعضا يمون به عياله،ثم قال:أ ليس قد فرض اللّه الزكاة فلم يجعلها إلا على من ملك مائتي درهم (1).
و يرى صاحب المسالك:أن هذه الرواية غير معلومة الصحة لجهالة الراوي و هو أبو ربيع الشامي،فلو سلم فلا دلالة فيها إلى ما ذهبوا إليه و مقتضاه أن كانت زيادة على نفقة الحج و معارضة لعموم القرآن و صحاح الأخبار (2).
أن مقتضى الآية وجوب الحج على المستطيع بالزاد و الراحلة و هو اعم من أن يكون مالكا لهما،فلو بذل له هل يجب عليه؟أكثر الفقهاء من الإمامية على الوجوب،فقد روي عن الصادق عن أبيه الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه سئل:فإن عرض عليه الحج فاستحى؟قال هو ممن يستطيع،و لم يستحي!و لو على حمار اجدع (3).
أما المذاهب الإسلامية الأخرى فقالوا:و شرط وجوب الحج الاستطاعة أما بنفسه للقادر،أو بغيره للمعضوب،فشرط الاستطاعة في حق من يحج بنفسه وجود الزاد و الراحلة و من لم يجدهما و قدر على المشي و له صنعة يكتسب بها ما يكفيه للنفقة استحب له الحج بالاتفاق،و إن احتاج إلى مسألة الناس كره له الحج...و من غصب مالا فحج به أو دابة فحج عليها صح حجه و إن كان عاصيا عند أبي حنيفة و مالك و الشافعي (4).
الجهاد من الجهد و هو المشقة البالغة،و شرعا هو بذل النفس و المال لإعلاء كلمة الإسلام و إقامة الشعائر فيدخل فيه قتال الكفار و البغاة (5).
********
(1) المصدر نفسه و الصفحة+مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،109/2.
(2) مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،110/2.
(3) التهذيب،الشيخ الطوسي،3/5+الاستبصار،الشيخ الطوسي،140/2+منتقى الجمان، الشهيد الثاني،287/2.
(4) رحمة الأمة،الدمشقي،99+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،148/4-149.
(5) كنز العرفان،المقداد السيوري،3/2.
ص: 353
و هو واجب على الكفاية على الأشهر،و على الأعيان في المرجوح عند الفقهاء،و لكن الراجح عندي أنه قد يصير واجبا بحسب الأحوال على الأعيان، أما لقصور القائمين به أو تعيين ولي الأمر.
و قد وردت مجموعة من الآيات تحث عليه و تفرضه،و قد أثر تفسير بعضها عن الإمام الباقر(عليه السّلام)،سنعرض جملة منها:
أولا:في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ... (1).
نقل الطبرسي عن الإمام الباقر(عليه السّلام)قوله:الحذر هو السلاح،ثم رجحه على بقية الأقوال مستدلا بأنه أوفق بقياس اللغة،لأنه من باب حذف المضاف أي آلات حذركم (2).
و قال السيوري:و في هذا القول-أي قول الطبرسي-نظر لأنّ الحذر معطوف على السلاح و العطف يقتضي المغايرة فلزم أن يكون غير السلاح، و اعتباره من باب حذف المضاف خروج عن الظاهر،و لو قال إنه سمى السلاح حذرا لم يحصل به الحذر فذلك أصوب (3).
و ذكر هذا القول القرطبي في تفسيره:و قيل خذوا السلاح حذرا،لأنّ به الحذر (4).
و عموما فان الآية مستند صريح في وجوب الجهاد و التأهب لقتال الكفار و الالتزام بمجانبة الغفلة (5).
ثانيا:في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (6).
الخطاب في الآية للنبي(صلى الله عليه و آله)و تدخل فيه أمته من بعده (7)،قال ابن عباس:
هو أمر بجهاد الكفار بالسيف (8)،أما المنافقون فقد اختلف فيه فالمأثور عن الإمام
********
(1) النساء71/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،72/3-73.
(3) كنز العرفان،المقداد السيوري،11/2.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،273/5.
(5) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،138/2.
(6) التوبة73/.
(7) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،204/8.
(8) المصدر نفسه و الصفحة.
ص: 354
الباقر(عليه السّلام)أنه قال في تفسير هذه الآية:إنه أمر بجهاد الكفار،و المنافقين بإلزامهم الفرائض (1).
و نقل عن ابن عباس:بأنّ المراد بجهاد المنافقين باللسان،أي:بإقامة الحجة عليهم و الوعظ لهم و قد اختاره الجبائي.و نقل عن الحسن و قتادة:أن جهاد المنافقين هو بإقامة الحدود عليهم (2).
و في هذين القولين نظر لأن إقامة الحجة عليهم و الوعظ لهم يتطلب من غير النبي(صلى الله عليه و آله)معرفتهم و النفاق أمر باطن فالرأي غير عملي من الناحية التطبيقية، أما إقامة الحدود في ما اختاره قتادة فقد جرى مجرى الأغلب،و لذلك رده ابن العربي فقال:أما تفسير جهادهم-أي المنافقين-بإقامة الحدود عليهم لاعتبار أنهم اكثر إصابة لمقتضاه فدعوى لا برهان عليها لأن مرتكب ما يوجب الحد عاصي،و ليس العاصي مطلقا منافقا فبينهما عموم و خصوص من وجه (3)، و ذكر أن المنافق إنما يكون النفاق في قلبه كامنا فلا تلتبس به الجوارح ظاهرا (4).
فظهر منه أن الراجح هو قول الإمام الباقر(عليه السّلام)إذ إلزامهم بالفرائض هو المطلوب لأن التعامل مع المنافقين عمدته الظاهر.
ثالثا:في قوله تعالى: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ... (5).
استدل بهذه الآية على استحباب المرابطة في الثغور حذرا من العدو،لما رواه الطبرسي عن محمد بن مسلم و زرارة عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه قال:الرباط ثلاثة أيام و أكثره أربعون يوما فإذا جاوز ذلك فهو جهاد (6).
و يعضده قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا... (7).
********
(1) كنز العرفان،المقداد السيوري،30/2.
(2) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،204/8.
(3) أحكام القرآن،ابن العربي،871/2.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،205/8.
(5) الأنفال60/.
(6) التهذيب،الشيخ الطوسي،42/2+وسائل الشيعة،الحر العاملي،18/6.
(7) آل عمران200/.
ص: 355
و المرابطة لفظ مشترك بين التصبر على العبادة و التصبر على حراسة الثغور و لم يتعرض القرطبي إلى حكم المرابطة عند تفسيره لهذه الآية بل صرفها إلى تسخير الخيل تبرعا للجهاد فقال:يستدل بهذه الآية على جواز وقف الخيل، و منع منه أبو حنيفة،و بالصحة قال الشافعي؛قال القرطبي:و هو اصح،لأنه مال ينتفع به في وجه القربة و هو معلل بأن يرهب به عدو اللّه (1).
و قد أكد ابن العربي على قول الإمام الباقر(عليه السّلام)فقال:الرباط هو حبس النفس في سبيل اللّه حراسة للثغور مستندا إلى ما رواه البخاري أن النبي(صلى الله عليه و آله) قال:رباط يوم في سبيل اللّه خير من الدنيا و ما فيها،و كذلك الترمذي،و أشار إلى رباط الخيل فيما له فضل عظيم،و لم يتعرض للخلاف لكنه أكد استحبابه لتعليل النص (2).
و ما تقدم في سورة آل عمران من الأمر بالمرابطة دليل على رجحان تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)و خاصة إذا ما عضد ذلك التفسير مجموعة من الأحاديث الشريفة،فقد روى أن النبي(صلى الله عليه و آله)قال:رباط ليلة في سبيل اللّه خير من صيام شهر و قيامه (3).و ذلك كله للدلالة على استحباب المرابطة (4).
هو واجب شرعي ثبت بأكثر من آية للحث على الفعل الراجح و ترك القبيح،قال الرازي:أوجبه اللّه على كل الأمة لان ال(من)في آية وجوبه وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (5)ليست للتبعيض لقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (6)و لأن في المنكر ضرر فيجب دفع
********
(1) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،38/8.
(2) أحكام القرآن،ابن العربي،874/2.
(3) ظ:الدر المنثور،السيوطي،113/2 فيما يرويه عن أحمد و مسلم و الترمذي و النسائي.
(4) مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،260/2.
(5) آل عمران104/.
(6) آل عمران110/.
ص: 356
الضرر عن النفس على كل أحد (1)و قيل:إن(من)للتبعيض مراعاة لمن لا يقدر على الأمر بالمعروف مثل المرضى و العاجزين،و قيل:هو مختص بالعلماء لأن الواجب مشروط بأن يعلم الآمر بالمعروف بحقيقته و الناهي عن المنكر بحقيقته، و لقيام الإجماع على أنه على سبيل الكفاية لكان ذلك إيجابا على البعض لا على الكل (2).
و من الآيات الدالة على هذا الوجوب بما ورد الأثر عن الإمام الباقر في قوله تعالى: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (3).
أخرج الشيخ الطوسي بسند صحيح عن الإمام الباقر(عليه السّلام)قوله:ويل لقوم لا يدينون اللّه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (4)،و عن جابر الجعفي عن الباقر(عليه السّلام)أنه اخبر عن قوم آخر الزمان لا يمتثلون لأمر هذه الآية إلا إذا أمنوا الضرر فيغضب اللّه عليهم فيعمهم عقابه (5).
و اختلف الإمامية في الآمر بالمعروف و النهي عن المنكر بموجب الآية،قد وجب شرعا أم عقلا أم بهما معا؟نقل صاحب المسالك ذلك الاختلاف بقوله:
ذهب الشيخ الطوسي بأنه واجب عقلا،لكونه لطف و كل لطف واجب،و منع المرتضى منه بحجة أنه يلزم منه أن يكون كل معروف واقعا و كل منكر مرتفعا و إلا فالناس جميعا مخلين بالواجب (6)،و في استدلاله هذا نظر.
و قال صاحب المسالك:أما القول بوجوبه عقلا و الشرع مؤكد،كما ذهب إليه جمع غفير واضح إذ ليس في العقل ما يدل على الوجوب مطلقا إلا على سبيل دفع الضرر كما تقدم (7).
********
(1) التفسير الكبير،الرازي،177/8.
(2) المصدر نفسه و الصفحة.
(3) آل عمران104/.
(4) التهذيب،الشيخ الطوسي،57/2+فروع الكافي،الكليني،343/1+وسائل الشيعة،الحر العاملي،393/6.
(5) المصدر نفسه،58/2+وسائل الشيعة،الحر العاملي،394/6.
(6) مسالك الإفهام،الشهيد الثاني،373/2.
(7) المصدر نفسه و الصفحة.
ص: 357
فهذه المسألة من متعلقات التحسين و التقبيح العقليين و هي محل خلاف كما هو واضح،و في تفسير الإمام للآية ترغيب في فعله و ترهيب من تركه،و قد نقل الرازي عن الإمام علي(عليه السّلام)قوله:إنه افضل الجهاد (1).
و في فقه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أحكام كثيرة مستفادة من روايات تفسيرية للإمام الباقر(عليه السّلام)و غيره من أئمة آل البيت و غيرهم من العلماء تراجع في مضانها.
تقدم أن الفقه الإسلامي هو عبادات و معاملات و إنّ لب المعاملات ما يطلق عليه في الفقه المكاسب و التجارات و ما يقابله بالقانون(المدني و التجاري)، و التكسب ضروري لإبقاء النوع فمن جهة الأصل يجب السعي في تحصيله على القادر عليه وجوبا عقليا و شرعيا،و قد وردت في الاكتساب مجموعة من الآيات أثر فيها تفسير للإمام الباقر(عليه السّلام)نورد بعضها مورد المثال:
أولا:ورد عن الشيخ المفيد عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)بسند معتبر أنه قال في تفسير الآية: ..وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ (2):إذ العرش تمثال لجميع ما خلق اللّه (3)،فظهر منها كون الأرض محل المعاش و الارتزاق.و من فقه الآية يستفاد إباحة الانتفاع و التصرف بها إلا ما دل الدليل على المنع (4)،و إنما جمع(خزائن)لأن مقدورات اللّه تبارك و تعالى غير متناهية،و إنما دل الدليل على المنع فعلى حسب المصالح و المفاسد (5).
********
(1) التفسير الكبير،الرازي،179/8.
(2) الحجر21/.
(3) روضة الواعظين،الفتال،42+قلائد الدرر الدر،الشيخ الجزائري،209/2.
(4) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،210/2.
(5) كنز العرفان،المقداد السيوري،88/2.
ص: 358
ثانيا:في قوله تعالى: ...سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ (1).
روي عن جابر بن يزيد الجعفي قال:سألت أبا جعفر عن الغلول؟فقال:
كل شيء غل من الإمام فهو سحت و أكل مال اليتيم سحت و شبهه سحت، و السحت أنواع كثيرة منها أجور الفواحش و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر و الربا بعد البينة،و أما الرشا في الحكم فان ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله(صلى الله عليه و آله) (2).
و تضمنت الآية تحريم أكل الحرام مطلقا و يدخل فيه الاكتساب بعون الظالم، و في الآية حكم تكليفي و حكم وضعي،فالحكم التكليفي قد تقدم(الحرمة) و الوضعي هو المنع من ترتب الأثر فلا تتحقق الملكية بالثمن السحت فمن اخذ مال من قطع طريق أو سرقة فلا يمتلك ما يشتري به،و قد قال الإمام الباقر(عليه السّلام):لا خير في شيء اصله حرام و لا يحل استعماله (3).
و هناك آيتين ورد تفسيرهما عن الإمام الباقر و هما:الملك15/ و النور33/ (4).
في قوله تعالى في آية الدين: ...وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ... (5).
السين للطلب،و في الآية حكم باشتراط الاثنينية في الشهادة،فدلت على عدم قبول شهادة الواحد،و قد اختلف الفقهاء بالنسبة للحقوق في القضاء فيها بشاهدين أو بشاهد و يمين.
ذهب اكثر الفقهاء إلى القضاء بالشاهد و اليمين،و قد روي ذلك عن الخلفاء الأربعة،و فقهاء المدينة السبعة و إليه ذهب مالك و الشافعي و أحمد و الظاهرية و استدلوا بقضاء النبي(صلى الله عليه و آله)فيما رووه بالشاهد و اليمين (6).
********
(1) المائدة42/.
(2) التهذيب،الشيخ الطوسي،110/2+فروع الكافي،الكليني،363/1+وسائل الشيعة، الحر العاملي،61/6-62.
(3) من لا يحضره الفقيه الصدوق،337/2.
(4) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،211/2-218.
(5) البقرة282/.
(6) ظ:المدونة،سحنون،33/13+بداية المجتهد،ابن رشد،507/2+مغني المحتاج، الشربيني،443/4+المحلى،ابن قدامة،404/9+نيل الأوطار،الشوكاني،295/8.
ص: 359
و كذلك بالنسبة للإمامية و استدلوا بما رووه عن الإمام الباقر(عليه السّلام)،فقد روى عبد الرحمن بن الحجاج قال:دخل الحكم بن عتيبة و سلمة بن كهيل على أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)فسألاه عن شاهد و يمين فقال:قضى به رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) و قضى به علي(عليه السّلام)عندكم بالكوفة،فقالا:هذا خلاف القرآن،فقال:أين وجدتموه خلاف القرآن:قالا:أن اللّه يقول: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ... (1)فقال:قول اللّه وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ هو لا تقبلوا شهادة واحد و يمينا!؟ثم نقل حكاية الإمام علي مع شريح القاضي في درع طلحة (2).
و قد روى الدارقطني بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه الإمام الباقر(عليه السّلام)مثله (3)،و كذلك البيهقي (4).
و ذهب بعض الفقهاء إلى:أنه لا يقضي بالشاهد و اليمين في شيء من الحقوق،ذهب إلى ذلك أبو حنيفة و أصحابه (5).
و احتج أبو حنيفة بظاهر الآية،لكون ثبوته بدليل خارج الآية كالإجماع و الأخبار (6).
و الذي أراه:أن قبول الشاهد مع اليمين ليس مخالفا لظاهر الآية لأن في الآية أمرا لأصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بشاهدين و ليس أمرا للحكام، و طريق الحكم بالحق شيء و طريق حفظ الحق شيء آخر فلا قياس و لا تلازم.
و احتج الحنفية بأن الحكم بالشاهد و اليمين زيادة على نص الآية،و الزيادة على النص نسخ،و النسخ بأخبار الآحاد لا يجوز على مسلكهم.
و يناقش هذا المدرك أن النسخ هو الرفع الإزالة،و الزيادة تقرير لا رفع، فالحكم بالشاهد و اليمين لا يمنع الحكم بالشاهدين (7).
********
(1) الطلاق2/.
(2) من لا يحضره الفقيه،الصدوق،63/3+التهذيب،الشيخ الطوسي،273/4+فروع الكافي، الكليني،385/7+الاستبصار الشيخ الطوسي،34/3+وسائل الشيعة،الحر العاملي،194/18.
(3) ظ:سنن الدارقطني،212/4 و ما بعدها.
(4) ظ:السنن الكبرى،البيهقي،170/10 و ما بعدها ظ:المسائل،د.هاشم جميل،ق 202/2.
(5) رحمة الأمة الدمشقي،334.
(6) المصدر نفسه،335.
(7) نظام القضاء في الإسلام،عبد الكريم زيذان،190.
ص: 360
في قوله تعالى: ...وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ... (1).
في الآية اشتراط القبض فإن لم يقبض لم ينعقد الرهن بإجماع الإمامية (2)، و اكثر فقهاء المسلمين،قال الدمشقي:قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد من صحة شرط الرهن القبض فلا يلزم إلا بالقبض،و نقل عن مالك أنه يلزم و إن لم يقبض لكن الراهن يجبر على التسليم (3).
و ما ذهب إليه اكثر الفقهاء هو ما دلت عليه رواية الشيخ الطوسي عن محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر قال:لا رهن إلا مقبوضا (4).
فصيغة النفي و الحصر بالاستثناء دال على اشتراط القبض،لكن ابن إدريس الحلي يرى عدم الاشتراط و يميل إليه العلامة في المختلف و الشهيد في المسالك (5)، و بذلك تكون دعوى الإجماع في أعلاه محل نظر،مستندين إلى عموم قوله تعالى: ...أَوْفُوا بِالْعُقُودِ... (6).
و يذهب ابن إدريس الحلي إلى أن الرواية المتقدمة عن الإمام الباقر(عليه السّلام) ضعيفة،لسببين:لجهالة محمد بن قيس في سندها و لاشتراكه (7)،و قد تقدم في فصل من روى عن الإمام في رسالتنا أنه غير مجهول لأنه الأسدي الثقة، و بالجملة فالسند قوي و معتبر و متن الرواية مطابق للقرآن الكريم،لكن من جهة الدلالة أن خبر(لا)النافية للجنس استحبابي أي لا رهن كاملا،و عموم المسألة محل نقاش بين علماء الإمامية.
********
(1) البقرة283/.
(2) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،295/2.
(3) رحمة الأمة،الدمشقي،147.
(4) التهذيب،الشيخ الطوسي،166/2+وسائل الشيعة،الحر العاملي،123/6.
(5) ظ:المختلف،العلامة الحلي،46/2+السرائر،ابن إدريس،113/2+مسالك الإفهام، الشهيد الثاني،132/2.
(6) المائدة1/.
(7) السرائر،ابن إدريس،113/2.
ص: 361
و لكن الذي يبدو لي-و اللّه اعلم-أن القبض شرط للزوم لا شرط للصحة، أي أنه لو لم يقع لكان الرهن صحيحا لكنه ليس بلازم.
هناك الكثير من الروايات المنقولة عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في الوصية و أحكامها و التي اتخذت فيما بعد كأدلة لاستنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بالوصية عند فقهاء الإمامية و لكن الذي يهمنا منها رواياته التفسيرية فقط،و منها في قوله تعالى: ...إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (1).
هناك روايتان متعارضتان عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في جواز الوصية لوارث أو عدمه:
الأولى:عن محمد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر(عليه السّلام)عن الوصية للوارث؟فقال:تجوز ثم تلا هذه الآية: إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (2).
الثانية:عن عمرو بن شمر الجعفي قال:سمعت أبا جعفر(عليه السّلام)يقول في الدين و الوصية:أن الدين قبل الوصية ثم الوصية على أثر الدين ثم الميراث، و لا وصية لوارث (3).
رجح فقهاء الإمامية الرواية الأولى لتضافر الأدلة لديهم على ترجيحها، و منها:أن الرواية الأولى هي برواية محمد بن مسلم و هو من عرفت في إجماع العلماء على توثيقه و تعديله و الثانية ضعيفة بضعف عمرو بن شمر الجعفي، و السبب الآخر أن الرواية الأولى يعضدها جمع من الروايات الصادرة عن كثير من أئمة آل البيت (4)و لإجماع العلماء عندهم على أن الوصية للوارث صحيحة
********
(1) البقرة180/.
(2) الوافي،الفيض الكاشاني،17/13.
(3) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،226/1+بحار الأنوار،المجلسي،129/24.
(4) ظ:البيان في تفسير القرآن،الخوئي،318.
ص: 362
إذا لم تكن اكثر من الثلث،فإن كانت اكثر من الثلث ردت إليه (1)،و به قال بعض الزيدية (2).
و أما المالكية ففي المشهور من مذهبهم و هو قول للشافعية و رواية عن الحنابلة و به قال الظاهرية من أن الوصية للوارث باطلة،و إذا أجازها الورثة فإجازتهم تعتبر ابتداء هبة منهم للموصى له،و ليس تنفيذا لوصية مورثهم فيعتبر فيها ما يعتبر في الهبة،فلا بد من إيجاب من الورثة و قبول و قبض من الموصى له (3).
و قال جمهور العلماء و إليه ذهب الحنفية و بعض المالكية و هو قول للشافعي و الصحيح من مذهب الحنابلة و هو المذهب عند الزيدية:إن صحة الوصية للوارث متوقف على إجازة الورثة،فإذا أجازوها صحت و كانت إجازتهم تنفيذا لوصية الموصي،و إذا أجازها بعضهم ورد بعض آخر جازت في حق المجيز بقدر نفسه و إن لم يجيزوها بطلت (4).
و لكل من هذين القولين أدلة استدل بها على ما ذهب إليه من حكم فقهي بخصوص الوصية للوارث غير أن أدلة هذه الأقوال الثلاثة و من ضمنهم الإمامية مناقش في استدلالهم فيها و قد تكلفت الموسوعات الفقهية في بيان أوجه الاختلاف و طرق الاستدلال بما فيه الكفاية لمستزيد.
أثرت عن الإمام الباقر(عليه السّلام)عدة روايات تفسيرية في الآيات القرآنية ذات الصلة نذكر منها مثالا واحدا:
في قوله تعالى: ...وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ... (5)،فقد روى زياد بن المنذر عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه قال:السفهاء النساء و الولد،إذا علم الرجل أن
********
(1) الخلاف،الشيخ الطوسي،89/2.
(2) البحر الزخار،ابن المرتضى،308/6.
(3) المهذب،النووي،420/15+المغني،ابن قدامة،419/6+البحر الزخار،ابن المرتضى،/6 308+المحلى،ابن حزم،316/9.
(4) الهداية متن تكملة فتح القدير،348/9+المهذب،النووي،420/15+المغني،ابن قدامة، 419/6+البحر الزخار،ابن المرتضى،308/6.
(5) النساء5/.
ص: 363
امرأته سفيهة مفسدة و ولده سفيه مفسد لم ينبغ له أن يسلط واحدا منهما على ماله الذي جعل اللّه له قياما (1).
قال القرطبي:باسطا اختلاف العلماء في(السفهاء)فنقل:عن سعيد بن جبير أنه قال:إنهم اليتامى و عقب عليه بعبارة النحاس في قوله:و هذا احسن ما قيل في الآية،و روى عن أبي مالك أنه قال:الأولاد الصغار،و عن مجاهد النساء،قال النحاس:و هذا القول لا يصح،و يقال:لا تدفع للكفار و قال أبو موسى الاشعري(رضي اللّه عنه):السفهاء هنا كل من يستحق الحجر و علق عليه القرطبي بقوله:و هذا جامع (2).
ثم يعرض آراء الفقهاء و بعدها يورد قولا لابن عباس و هو:لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك و ابنك و تبقى فقيرا تنظر إليهم و إلى ما في أيديهم بل كن أنت الذي تنفق عليهم (3).
فالسفهاء على هذا القول هم النساء و الصبيان،فيكون الإمام الباقر(عليه السّلام) قد أخذ بتفسير ابن عباس و خرّج عليه.
و نسب الرازي هذا القول إضافة لابن عباس إلى الحسن و قتادة و سعيد بن جبير في أحد قوليه،و قد مال هو إلى قول آخر و هو:أن السفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال و يدخل فيه النساء و الصبيان و الأيتام و كل من كان موصوفا بهذه الصفة،و هذا القول أولى لأنّ التخصيص بغير دليل لا يجوز (4).
و هذا الرأي هو قول أبي موسى الاشعري المتقدم و الذي ذكره القرطبي في تفسيره،و نحن نرجح ما ذهب إليه الرازي لأن التخصيص بلا دليل غير جائز قطعا إلا إذا قامت قرائن على ذلك.
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،159/1+تفسير القرآن،القمي،89/1.
(2) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،14/5.
(3) المصدر نفسه،16/5.
(4) التفسير الكبير،الرازي،210/3.
ص: 364
فصل الفقهاء في أحكام اليمين،و ما ينعقد منها و ما لا ينعقد و استندوا فيها على مجموعة من الآيات الكريمة التي ورد تفسير بعض منها عن الإمام الباقر(عليه السّلام):
أولا:في قوله تعالى: ...وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ... (1).
عن زرارة بن أعين و محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قال:
يعني:الرجل يحلف أن لا يكلم أخاه و ما أشبه ذلك (2).
و في تفسيره هذا بيان للماهية من خلال المثال،و اعتبر هذا اليمين لغوا لأن العرضة بمعنى المانع من ارتكاب فعل الخير،فلا تجب به الكفارة (3)،خلافا لبعض الفقهاء.
قال ابن رشد:الإيمان منها لغو،و منها منعقد،و ذهب مالك و أبو حنيفة إلى أن إيمان اللغو هو يمين على شيء يظن الرجل أنه على يقين منه فيخرج الأمر على خلاف ذلك،و قال الشافعي:لغو اليمين ما لم تنعقد عليه النية مثل ما جرت به العادة من غير أن يعتقد لزومه و هذا القول رواه مالك في الموطأ عن أم المؤمنين عائشة(رضي اللّه عنها)،و قيل عن بعض أصحاب مالك أن اليمين على المعصية يمين لغو (4).
و ترى الإمامية:أن اليمين لا ينعقد إلا بالنية-و هو قول الشافعية كما هو واضح في ما تقدم-و هذا اليمين هنا حلف من غير نية و لذلك يسمونه يمين اللغو (5).
و يرى السيوري:أن متى تضمن اليمين ترك بر و تقوى و إصلاح فإنها باطلة لا يجب العمل بمضمونها (6).
********
(1) البقرة224/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،112/1+بحار الأنوار،المجلسي،46/23+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،12/3.
(3) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،12/3.
(4) بداية المجتهد،ابن رشد،395/1.
(5) شرايع الإسلام،المحقق الحلي،170/3.
(6) كنز العرفان،المقداد السيوري،201/2.
ص: 365
و يفهم من الآية أيضا أبعاد الناس عن الإيمان،كما وردت في رواية سدير الصيرفي عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أنه قال:من حلف باللّه صادقا فقد أثم (1).
ثانيا:أما في كفارته فقد ورد تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)لقوله تعالى:
...فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ... (2) عن أبي بصير قال:سألت أبا جعفر الباقر(عليه السّلام)عن أوسط ما تطعمون أهليكم؟فقال:ما تعولون به عيالكم من أوسط ذلك،قلت:و ما أوسط ذلك؟فقال:الخل و الزيت و التمر و الخبز يشبعهم به مرة واحدة (3).
و يترتب عليها أن الإطعام يصدق أما بالتسليم أو التمكين،و اختلف في قدر ما يعطى المسكين،فقال أبو حنيفة:نصف صاع من الحنطة أو صاع من غيره، بينما ذهب الإمامية و الشافعية إلى:أنه لكل مسكين مد-ثلاثة أرباع الكيلو غرام - (4)،و هو قول مالك و أهل المدينة (5).
و يرى مالك تبعا لرأي الإمام الباقر:أن المد خاص بأهل المدينة فقط لضيق معايشهم،أما سائر المدن فيعطون من الوسط من نفقتهم لقوله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ و الوسط من الادام:الزيت و اللبن و السمن و التمر (6).
في هذا المطلب مسائل كثيرة دلت عليها آيات قرآنية كريمة و أحاديث شريفة، و قد فرع عليها الفقهاء فروعا و أحكاما كثيرة،و قد وردت روايات تفسيرية عن الإمام الباقر(عليه السّلام)تتناول العديد من قضاياه،و سنكتفي بأمثلة مجتزأة منها:
أولا:في قوله تعالى: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ... (7).الأيم:الخلية التي لا زوج لها.
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،114/1+تفسير القرآن،القمي،217/1.
(2) المائدة89/.
(3) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،23/3.
(4) كنز العرفان،المقداد السيوري،205/2.
(5) بداية المجتهد،ابن رشد،404/1.
(6) المصدر نفسه و الصفحة.
(7) النور32/.
ص: 366
و اختلف الفقهاء في حاجة عقد النكاح إلى أذن الولي على أقوال:
ذهب الإمامية في مشهورهم إلى أنه لا يعد أذن الولي شرطا على وجه الوجوب و مدرك ذلك روايتان عن الإمام الباقر(عليه السّلام):
الأولى:عن زرارة عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)أنه قال:إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع و تشتري و تعتق و تشهد و تعطي من مالها ما شاءت،فان أمرها جائز تتزوج إن شاءت بغير أذن وليها،و إن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها (1).
الثانية:عن أبي بصير و حمران و محمد بن مسلم عن الإمام الباقر(عليه السّلام)انه قال:المرأة التي ملكت غير السفيهة و لا المولى عليها أن تزويجها بغير ولي جائز (2).
و أما ما هو خلاف المشهور عندهم فمدركه روايتان أخريان عن الإمام الباقر(عليه السّلام)أيضا:
الأولى:عن منصور بن حازم عن الإمام أنه قال:تستأمر البكر و غيرها (3).
الثانية:عن زرارة عن الإمام أبي جعفر(عليه السّلام)قال:لا ينقض النكاح إلا بالأب (4).
و حينئذ فالمجتهد و خبرته في الترجيح بين المتعارض هو الذي يجعله يختار ما يراه صحيحا.
و ممن قال بشرط الولاية مالك و الشافعي و أحمد و الزيدية (5)،و أجاز أبو حنيفة بغير ولي و زفر و الشعبي و الزهري لا سيما إذا كان كفؤا (6)،و فرق
********
(1) التهذيب،الشيخ الطوسي،221/2+وسائل الشيعة،الحر العاملي،215/7+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،42/3.
(2) من لا يحضره الفقيه،الصدوق،127/2+التهذيب،الشيخ الطوسي،220/2+وسائل الشيعة،الحر العاملي،/7،201.
(3) التهذيب،الشيخ الطوسي،221/2+الوسائل الشيعة،الحر العاملي،203/7.
(4) الاستبصار،الشيخ الطوسي،235/4+وسائل الشيعة،الحر العاملي،205/7.
(5) شرح الدردير مع حاشية الدسوقي،أحمد بن الدردير،226/3+المغني،ابن قدامة 7 م/ 337+مغني المحتاج،الشربيني،137/3+البحر الزخار،ابن المرتضى،23/4.
(6) الاختيار لتعليل المختار،عبد اللّه بن محمود الموصلي،128/3+فتح القدير،ابن الهمام،291/2.
ص: 367
الظاهرية بين البكر و الثيب (1)،و على رواية ابن القاسم عن مالك القول الرابع:
أن اشتراط الولاية سنة لا فرض (2).
و كان لكل واحد من هذه الأقوال أدلته المستفاد منها هذه الأحكام الشرعية، و قد افاض الفقهاء في مناقشتها و ذكرها و ترجيح بعضها على بعض في موسوعاتهم الفقهية.
ثانيا:في مباحث النكاح يتعرض العلماء إلى محرماته،و من محرماته الرضيعات لقوله تعالى: وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ... (3).
اختلف الفقهاء في مقدار الرضاع الناشر للحرمة،فذهب الإمامية إلى أنه إما خمسة عشر رضعة أو رضاع يوم و ليلة لتضافر روايات آل البيت على ذلك (4)،و منها ما رواه محمد بن مسلم قال:قلت لأبي جعفر الباقر(عليه السّلام):
هل للرضاع حد يؤخذ به؟فقال:لا يحرم الرضاع اقل من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضاع امرأة غيرها،فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و أرضعتها امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما (5).
و ذهب مالك و أبو حنيفة و الزيدية إلى:أن قليله و كثيره ناشر للحرمة،فمتى وصل شيء إلى جوف الرضيع ثبت حكم الرضاع في نشر الحرمة،و دليله قوله(صلى الله عليه و آله):يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (6).
********
(1) المحلى،ابن حزم الظاهري،455/9.
(2) بداية المجتهد،ابن رشد،8/2.
(3) النساء23/.
(4) ظ:للتفاصيل:كنز العرفان،المقداد السيوري،42/3+الكافي،الكليني،438/5.
(5) التهذيب،الشيخ الطوسي،206/2+وسائل الشيعة،الحر العاملي،282/7+ الاستبصار،الشيخ الطوسي،193/3+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،96/3.
(6) الموطأ مع الزرقاني،240/3+فتح القدير،ابن الهمام،2/3+البحر الزخار،ابن المرتضى،264/4.
ص: 368
و ذهب الشافعي و أحمد و ابن حزم إلى:خمس رضعات و صاعدا ناشرة للحرمة،و دليله رواية أم المؤمنين عائشة(رضي اللّه عنها) (1).
و لكل فريق من الفقهاء أدلته،و نحن لا يهمنا هنا سوى عرض ما نقل عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في تفسيره لبعض آيات الأحكام حتى يتسنى لنا إظهار مدى مشاركة الإمام في ترصين الجهود الفكرية و الفقهية دون التعرض إلى أدلة باقي الفقهاء الذين سبقوه أو تأخروا عنه لأن ذلك يخرج هذه الدراسة عما قدر لها و يوسمها بطابع فقهي لم تقم على أساسه.
ثالثا:في قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (2).
الايلاء هو الحلف على ترك الوطء أربعة اشهر فما فوق،و قد كان طلاقا في الجاهلية فنسخ اللّه ذلك و اثبت له حكما آخر (3).
نقل بكير بن أعين و بريد بن معاوية في هاتين الآيتين أن الإمام الباقر(عليه السّلام) قال:إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول و لا حق في الأربعة أشهر و لا أثم عليه في كفه عنها في الأربعة أشهر،فإن مضت الأربعة الأشهر قبل أن يمسها فسكنت و رضيت فهو في حل و سعة،فإن رفعت أمرها قيل له:أما أن تفيء فتمسها،أما أن تطلق،و عزم الطلاق أن يخلي عنها فإذا حاضت و طهرت طلقها و هو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاث قروء،فهذا الايلاء الذي أنزله اللّه تعالى في كتابه و سنة رسوله(صلّى اللّه عليه و آله) (4).
و قال ابن رشد:و فيه خلاف أساسه،هل تطلق المرأة بعد الأربعة أشهر بعد الترافع،ذهب مالك و الشافعي و أحمد و أبو ثور و الليث و داود إلى:أنه يوقف بعد انقضاء الأربعة أشهر،فأما يفيء و أما يطلق و هو
********
(1) المهذب،النووي،116/2+المغني،ابن قدامة،192/9+المحلي،ابن حزم الظاهري،91/10.
(2) البقرة226/-227.
(3) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،379/3.
(4) وسائل الشيعة،الحر العاملي،526/7+فروع الكافي،الكليني،121/2.
ص: 369
قول علي و ابن عمر،أما أبو حنيفة فإنه يرى أن الطلاق يقع بانقضاء الأربعة أشهر إلا إذا فاء فيها (1).
و نرى أن تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)هنا مطابق لمذهب مالك و الشافعي و احمد و داود.
و هي عقوبات قدرها الشارع على الجناة و الذين يرتكبون المعاصي المقررة شرعا (2)،و فيها مجموعة من الآيات الكريمة ورد تفسيرها عن الإمام الباقر(عليه السّلام)،و إليك بعضها:
قال تعالى: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ... (3).
فقد بيّن الإمام أبو جعفر الباقر(عليه السّلام)طريقة استيفاء الحد برواية زرارة عنه فقال:يضرب الرجل قائما و المرأة قاعدة و يضرب على كل عضو و يترك الوجه و المذاكير (4).
و في رواية أخرى عنه قال:يفرق على الجسد كله و يتقى الفرج و الوجه و يضرب بين الضربين (5)،و لا أعلم خلافا بين الفقهاء في هذه الطريقة في استيفاء الحد.
********
(1) بداية المجتهد،ابن رشد،98/2.
(2) شرايع الإسلام،المحقق الحلي،21/4.
(3) النور2/.
(4) التهذيب،الشيخ الطوسي،31/10+من لا يحضره الفقيه،الصدوق،20/4+وسائل الشيعة،الحر العاملي،369/18.
(5) التهذيب،الشيخ الطوسي،31/10+وسائل الشيعة،الحر العاملي،370/18+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،361/3.
ص: 370
قال تعالى: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1).
بين الإمام الباقر(عليه السّلام)في إحدى الروايات عنه مسقطات العقوبة،فأجاب عن سؤال وجه إليه عن الابن يسرق من منزل أبيه فقال:لا يقطع لأن ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه هذا خائن (2)و به قالت الإمامية.
و ذهب مالك إلى:أنه لا يقطع الأب فيما سرق من مال الابن فقط و يقطع ما سواه من القرابات،أما الشافعي فذهب إلى أنه لا يقطع عمود النسب الأعلى و الأسفل،أما أبو حنيفة فذهب إلى أنه لا يقطع ذو الرحم المحرمة (3).
وردت في الجنايات مجموعة من الآيات المفسرة برواية الإمام الباقر(عليه السّلام)في قتل المؤمن عمدا قال تعالى: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (4).
فقد فسر العمد بالتعدي و بما يكشف عنه مثل آلة القتل،فقد ورد عن جميل بن دراج عن الإمام الباقر أنه قال:العمد كل ما عمد فيه الضرب (5)، و فيه قصاص،فقد نقل عن أبي عبيدة الحذاء عن الإمام الباقر في رجل قتل أمه،قال:يقتل بها صاغرا و لا أظن قتله بها كفارة له و لا يرثها (6).
و الأظهر عند الإمامية أن الحد لا يسقط العقاب الأخروي إلا بعد التوبة،و قيل أن إقامة الحد بمثابة التوبة،و توبة القاتل عمدا:الندم
********
(1) المائدة38/.
(2) التهذيب،الشيخ الطوسي،110/10+فروع الكافي،الكليني،228/7+وسائل الشيعة، الحر العاملي،598/18-509.
(3) بداية المجتهد،ابن رشد،242/2.
(4) النساء93/.
(5) قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،398/3.
(6) من لا يحضره الفقيه،الصدوق،90/4+التهذيب،الشيخ الطوسي،237/10+وسائل الشيعة،الحر العاملي،57/19.
ص: 371
الخالص و الكفارة الجامعة للخصال الثلاثة و الانقياد لأولياء الدم قصاصا أودية أو عفوا (1).
أما في فقه القضاء فقد وردت رواية تفسيرية واحدة عن الإمام الباقر(عليه السّلام)- في حدود ما اطلعت عليه-أوردها هنا استكمالا للموضوع و هي:
في قوله تعالى: ...فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ (2).
فعن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قال:إن الحاكم إذا أتاه أهل التوراة و أهل الإنجيل يتحاكمون إليه،كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم و إن شاء تركهم (3).
و للعلماء في هذه الآية قولان:الأول:أنها منسوخة بقوله تعالى: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ (4).
فلزمه الحكم و زال التخيير،و هذا مروي عن ابن عباس و مجاهد و عكرمة و السدي (5).
قال النحاس:و هو الصحيح من قول الشافعي لقوله:و لا خيار له إذا تحاكما إليه لقوله تعالى: ...حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (6)،و هذا من اصلح الاحتجاجات (7)،و هو مذهب أبي حنيفة و زفر و أبي يوسف (8).
القول الثاني:أنها محكمة،فيكون ذلك للإمام إن شاء حكم بينهم و إن شاء أعرض عنهم،و هو المروي عن الشعبي و النخعي و الزهري و به قال أحمد و مالك
********
(1) كنز العرفان،المقداد السيوري،56/4+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،399/3.
(2) المائدة42/.
(3) التهذيب،الشيخ الطوسي،300/6+وسائل الشيعة،الحر العاملي،218/18+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،429/3.
(4) المائدة49/.
(5) زاد المسير،ابن الجوزي،361/2.
(6) التوبة29/.
(7) الناسخ و المنسوخ،النحاس،129.
(8) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،185/6.
ص: 372
ابن انس ذكر ذلك أبو جعفر عنهم (1)،و مال إليه و صوبه الطبري الذي احتج بعدم التعارض بين الآيتين لأنه لم يصح به خبر عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)و لم يجمع عليه علماء المسلمين (2)،و كذلك ابن الجوزي و عده صحيحا (3)،و القرطبي (4)و قدمنا أن هذا القول كان اختيار الإمام الباقر المتقدم زمنا على بعض أولئك الأعلام.
و أخيرا كان الإمام الباقر من فقهاء المدينة البارزين،و من الطبقة الثالثة من التابعين،و لا بد أن تكون له منهجية يسلكها عند إصداره للفتوى ليصل بها إلى النتائج التي هي ثمرات علمه،و الإمام فقيه كان له المنزلة العالية في منهجه العلمي الذي سلكه،و من خلال ما تقدم من عرض أقواله و آرائه في تفسير آيات الأحكام يمكن أن نستخلص أهم مميزات منهجه الفقهي فيها،و هي:
1-تعويله على القرآن الكريم و السنة الشريفة و إجماع الصحابة أولا و احتكامه إليها،و هذه أول قاعدة أصولية يبني عليها الفقه الإسلامي فهو ممن يتشدد في الآخذ بالأثر و يتمسك به.
2-تعمقه في المحاورات الفقهية و بيان وجهة استدلاله،أن كانت من القرآن الكريم،أو السنة الشريفة أو من غيرهما،و أوضح ما يكون ذلك في مناظراته الفقهية.
3-التيسير في الأحكام و استيعابه لأحوال الناس عند إصدار الفتوى،لأنه كان يدرك بأن الإسلام ليس مجموعة من النظم و القوانين التي توقع المسلم في الحرج و الضيق،بل هو تنظيم الهي متكامل يهدف إلى تشييد حياة إنسانية فاضلة.
4-دعمه و تشجيعه لاجتهادات الآخرين في حدود المشروعية الفقهية أن كانت مخالفة لآرائه أو موافقة لها و كان يشجع من يجد فيه قدرة على الإفتاء، فقد قال مرة لأحد تلامذته:اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس (5).
********
(1) الناسخ و المنسوخ،النحاس،129.
(2) جامع البيان،الطبري،330/10.
(3) زاد المسير،ابن الجوزي،361/2.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،184/6.
(5) معجم رجال الحديث،الخوئي،21/1-22.
ص: 373
5-ضربه المثل عمليا أثناء بيان مسألة فقهية بحركات جسمه أو يديه و خير دليل على ذلك محاكاته لوضوء رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله)عند ما طلب منه ذلك.
6-و أخيرا له انفرادات فقهية تدل على سعة علمه و تميز شخصيته الفقهية بمسائل توصل إليها دون أقرانه و استفاد منها الآخرون مما شكل ثروة فقهية اشتملت عليها الموسوعات الفقهية عند الإمامية خاصة سميت منضمة إليها فتاوى و أحكام باقي آل البيت شكلت فيما بعد ثروة فقهية لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال.
***
ص: 374
ص: 375
ص: 376
تعد التربية الإسلامية مجموعة مترابطة من المفاهيم و القيم المتفاعلة، الأساس فيها التصور الكوني الذي عرضه القرآن الكريم فالإنسان مخلوق على الفطرة و يؤمن بأن اللّه سبحانه و تعالى يراه و يسمعه في كل آن،و أن مسئوليته على نواياه و أفعاله مسئولية كاملة يلزم بها المعاد،و قد نقل عن الإمام أبي جعفر الباقر في هذا الصدد عنه تفسيره لقوله تعالى ...وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ... (1)فعن فضيل بن يسار عنه قال:يا فضيل بلغ من لقيت من موالينا عنا السلام و قل لهم إني أقول:إني لا أغني عنكم من اللّه شيئا إلا بورع فاحفظوا ألسنتكم و كفوا أيديكم،و عليكم بالصبر و الصلاة إن اللّه مع الصابرين (2).
و في حالات استعصاء تحصيل مراد الإنسان يستريح ضمير الفرد المسلم تحت مفهوم التوكل على اللّه و التضامن مع إخوانه المسلمين و الصبر على الشدائد، و يعد أيضا مفهوم التوبة المسلك الذي يجذب دائما إلى الفضيلة.
إن علماء المسلمين بجهودهم المعرفة بأركان الإسلام حبوا الإنسان المسلم ثروة تربوية ضخمة جدا من مدرسة الصحابة و التابعين و أئمة أهل البيت إلى الفقهاء النابغين و الأولياء الصالحين و الدعاة المربين الذين ساروا بإحسان على مناهج الأولين.
و كان الإمام الباقر الذي عاش شطرا من حياته موجها للأمة و تربويا عظيما لمن يأخذ عنه فهو في سلوكه قدوة و في تصرفاته منار،فلم يثبت في التاريخ أنه تعرض لنقد من قبل علماء الأمة،و لم يتحدث أحد عنه باقتراف كبيرة أو صغيرة (3).
و على الرغم من طبيعة عصر الإمام الباقر و انشغال الدولة آنذاك بالفتن و انقسام الناس إلى فئات و على الرغم من حركة العمران و الاختلاط فقد كان على الرغم من
********
(1) البقرة45/.
(2) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،68/1+تفسير نور الثقلين،الحويزي،119/1.
(3) تاريخ المذاهب الإسلامية،محمد أبو زهرة،511/2.
ص: 377
كل هذه الظروف واحدا من أعلام المربين و الموجهين،ظهرت توجيهاته في الجانب التربوي و الأخلاقي و أثرت عنه في هذا المجال مجموعة ضخمة من الروايات و الأقوال ذكرنا بعضا منها في الفصل الثاني من الباب الأول من هذه الرسالة.
أما الروايات المتعلقة بتفسير آيات القرآن الكريم و التي يستنبط منها أحكام الجانب التربوي و الأخلاقي فقد كانت قليلة جدا بحيث لم ترب على(15)رواية تفسيرية،سنعرضها وفق تسلسل الآيات في السور و السور في المصحف الشريف و هو منهج التزمنا به في كل فصول هذه الرسالة،و إليك تلك الروايات:
و هما ضبط النفس إزاء مثيرات الغضب،و هما أشرف السجايا و أعز الخصال و دليلان على سمو النفس و كرم الأخلاق.
و قد مدح اللّه الحلماء و الكاظمين الغيظ،و أثنى عليهم في قوله تعالى:
...وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (1) و في قوله تعالى وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (2).
و على هذا النسق جاءت توجيهات الإمام الباقر(عليه السّلام)،فقد ورد في تفسير قوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (3)عن جابر بن يزيد الجعفي عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قال قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم،فإن اللّه تبارك و تعالى يبغض اللعان،السباب،الطعان على المؤمنين، المتفحش،السائل الملحف و يحب الحيي،الحليم،المتعفف (4).
و ايد الرازي المتوفى(606 ه)بقاء هذه الآية على عمومها و أنه لا حاجة إلى التخصيص وعده هو القول الأقوى-أي تفسير الإمام الباقر المتقدم-و استدل عليه بما يعضده من آيات قرآنية كريمة أخرى فقال:أن موسى و هارون(عليهما السّلام)مع
********
(1) الفرقان63/.
(2) آل عمران134/.
(3) البقرة83/.
(4) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،48/1+الصافي في تفسير القرآن،الكاشاني،227/1 +بحار الأنوار،المجلسي،108/7.
ص: 378
جلال منصبهما أمرا بالرفق و اللين مع فرعون،و كذلك رسول اللّه محمد(صلّى اللّه عليه و آله) مأمور بالرفق و ترك الغلظة و كذلك قوله تعالى: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (1)و قوله تعالى: وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (2)(3).
ورد فيها حديث عن أم المؤمنين عائشة(رضي اللّه عنها)عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله) قال:إن اللّه ليربي لأحدكم التمرة و اللقمة كما يربي أحدكم فلوه،أو فصيله حتى تكون مثل أحد (4).
قال المنذري:رواه الطبراني و ابن حبان في صحيحه و اللفظ له (5).
و ذهب الإمام الباقر(عليه السّلام)إلى هذا النهج القويم في تفسيره لقوله تعالى:
يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ... (6) فعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قال:قال اللّه و كلت بالأشياء غيري إلا الصدقة،فإني أقبضها بيدي حتى أن الرجل و المرأة يصدق بشقة التمرة فأربيها له كما يربي الرجل منكم فصيله و فلوه،حتى أتركها يوم القيامة أعظم من أحد (7).
ورد في تفسير قوله تعالى: ...سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (8).
عن محمد بن مسلم الطائفي قال:سألت أبا جعفر(عليه السّلام)عن هذه الآية فقال:ما من عبد منع زكاة ماله إلا جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعبان من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب (9).
********
(1) النحل125/.
(2) الأعراف199/.
(3) التفسير الكبير،الرازي،180/3.
(4) الترغيب و الترهيب،المنذري،4/2+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،362/3+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،584/1-585.
(5) الترغيب و الترهيب،المنذري،3/2.
(6) البقرة276/.
(7) تفسير القرآن،القمي،258/1+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،231/1.
(8) آل عمران180/.
(9) مجمع البيان،الطبرسي،546/2+تفسير القرآن،القمي،327/1.
ص: 379
و ذكر ابن الجوزي أربعة أقوال في معنى تطويقهم به و هي:
الأول:أنه يجعل كالحية يطوق بها الإنسان،روى ابن مسعود عن النبي(صلى الله عليه و آله)قال:ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه،و هو يتبعه حتى يطوق في عنقه،ثم قرأ رسول اللّه(صلى الله عليه و آله) سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ و هذا مذهب ابن مسعود و مقاتل.
الثاني:إنه يجعله طوقا من نار،رواه منصور عن مجاهد.
الثالث:إن معنى تطويقهم به:تكليفهم أن يأتوا به،رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
الرابع:إن معناه:يلزم أعناقهم إثمه،قاله ابن قتيبة (1).
و الذي يترجح عندنا هو القول الأول من الأقوال التي ذكرها ابن الجوزي، و ذلك لما رواه البخاري عن أبي هريرة(رضي اللّه عنه)قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):من آتاه اللّه مالا فلم يؤد زكاته،مثل له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة،يأخذ بلهزمتيه-يعني شدقيه-يقول:أنا مالك،أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ... (2).
و لما رواه ابن ماجة بلفظ قريب منه (3)،هذا من جهة و لأنه مطابق لما جاء عن الإمام الباقر(عليه السّلام)من جهة أخرى.
فيكون بهذا أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد أفاد من الحديث الشريف المروي عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في الترهيب عن منع الزكاة و في رسم الصورة البشعة التي سيئول إليها مانع الزكاة.
ورد في تفسير قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً (4).
********
(1) زاد المسير،ابن الجوزي،513/1.
(2) صحيح البخاري،273/8.
(3) سنن ابن ماجة،567/1.
(4) النساء10/.
ص: 380
عن أبي بصير قال:قلت لأبي جعفر(عليه السّلام):أصلحك اللّه ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟قال:من أكل من مال اليتيم درهما (1).
و قال السدي:يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة و لهب النار يخرج من فيه و من مسامعه و أذنيه،و أنفه و عينيه،يعرفه من رآه بآكل مال اليتيم (2).
و قال القرطبي:دل الكتاب و السنة على أن أكل مال اليتيم من الكبائر (3).
فهو من الموبقات السبع الواردة في الحديث الشريف،عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):اجتنبوا السبع الموبقات،قالوا:يا رسول اللّه و ما هن؟قال:الشرك باللّه،و السحر،و قتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، و أكل الربا،و أكل مال اليتيم،و التولي يوم الزحف،و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات (4).
حذر الإمام الباقر(عليه السّلام)من مغبة أكل مال اليتيم في هذه الرواية المنقولة عنه، و اعتبر أن أيسر عمل يدخل فيه الإنسان النار هو أكله قليلا من مال اليتيم ليسد الطريق أمام من تسول له نفسه باقتراف هذا الذنب العظيم من جهة و ليشعر الناس بأن اللّه تبارك و تعالى ما ذكر اليتيم في مواطن متعددة من القرآن الكريم إلا لأهمية هذا الموضوع من حيث التآخي و التآزر و عدم إهمال هذا الصنف من الناس أو التجرؤ على ظلمه و العدوان على ماله من جهة أخرى.
القناعة:هي الاكتفاء من المال بقدر الحاجة و الكفاف،و عدم الاهتمام فيما زاد على ذلك (5).و هي صفة كريمة تعرب عن عزة النفس و شرف الوجدان،
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،225/1.
(2) جامع البيان،الطبري،26/8+زاد المسير،ابن الجوزي،24/2+تفسير القرآن العظيم، ابن كثير،210/2-211.
(3) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،53/5.
(4) .صحيح البخاري،كتاب الحدود،175/8+صحيح مسلم،كتاب الإيمان،64/1+ الترغيب و الترهيب،المنذري،356/4.
(5) ظ:أدب الدنيا و الدين،الماوردي،208+الخلق الكامل،محمد أحمد جاد المولى،103/2 +موعظة المؤمنين،القاسمي،244/2.
ص: 381
و كرم الأخلاق،قال الإمام الباقر(عليه السّلام):من قنع بما رزقه اللّه فهو من أغنى الناس (1).
و قال أيضا في وصاياه الأخلاقية:إياك أن يطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال اللّه تبارك و تعالى لنبيه(صلى الله عليه و آله): فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ (2).
و قال تعالى لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (3).
فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،فإنما كان قوته الشعير و حلواه التمر و وقوده السعف إذا وجده (4).
و للقناعة أهمية كبرى و أثر بالغ في حياة الإنسان و تحقيق سعادته النفسية و الجسمية،فهي تحرره من عبودية المال،و استرقاق الحرص،و الطمع،و عنائهما المرهق،و ترسخ فيه روح العزة و الكرامة،و العفة و القناعة،و هي بعد كل هذا تمد صاحبها بيقظة روحية،و بصيرة نافذة،و تحفزه على التأهب للآخرة بالأعمال الصالحة و توفير بواعث السعادة فيه.
و قد ورد في تفسير قوله تعالى: ...وَ سْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ.. (5).عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)أنه قال:ليس من نفس إلا و قد فرض اللّه لها رزقا حلالا يأتيها في عافية و عرض لها بالحرام من وجه آخر،فإن هي تناولت من الحرام شيئا قاصها به من الحلال الذي فرض اللّه لها،و عند اللّه سواهما فضل كثير (6).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية:و هذا يدل على أن الأمر بالسؤال للّه تعالى واجب (7)،و نقل قول سعيد بن جبير و مجاهد و السدي في الفضل قالوا:
********
(1) الوافي،الفيض الكاشاني،79/3+كشكول البهائي،371.
(2) التوبة55/.
(3) الحجر88/.
(4) الوافي،الفيض الكاشاني،87/3+سفينة البحار،عباس القمي،426/1.
(5) النساء32/.
(6) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،239/1+بحار الأنوار،المجلسي،41/3.
(7) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،164/5.
ص: 382
العبادة و الطاعة ليسا من أمر الدنيا (1)،و قيل:سلوه التوفيق للعمل بما يرضيه (2)، و قال ابن السائب:الرزق (3).
يتضح مما تقدم من عرض لأقوال العلماء في تفسير الفضل أن ابن السائب قد أخذ معناه من الإمام الباقر لأنه فسره بالرزق و القناعة فيه من خلال الرواية المتقدمة.
و هو ما نميل إليه و نرجحه لقول أم المؤمنين عائشة(رضي اللّه عنها)في تفسير هذه الآية حيث قالت:سلوا ربكم حتى الشبع،فإنه إن لم ييسره اللّه(عزّ و جلّ) لم يتيسر (4).حيث إن عبارتها تشعر بأن الفضل هو الرزق و وفق الإمام الباقر في التحذير من طلب الرزق إلا عن طريق الحلال باعتبار أن الرزق الحلال مقدر لكل إنسان من قبل اللّه سبحانه و تعالى فيجب على العبد أن يقنع بما رزقه اللّه و أن لا يمد نظره لما في أيدي الناس لأن هذا سيولد التباغض و التحاسد،فرغب الإمام هنا بجانب أخلاقي مهم و هو القناعة،و حث عليه لما فيه من المنفعة الكبيرة للفرد و المجتمع.
الرياء:هو طلب الجاه و الرفعة في نفوس الناس،بمراءاة أعمال الخير و هو من أسوأ الخصال و أفظع الجرائم (5)و قد تعاضدت الآيات و الأخبار على ذمه و التحذير منه،فقد قال تعالى في وصف المنافقين يُراؤُنَ النّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً (6)و قال تعالى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ (7)،و يمكن أن نلخص أقسامه بما يلي:
********
(1) زاد المسير،ابن الجوزي،70/2+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،165/5.
(2) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،165/5+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير:271/2.
(3) زاد المسير،ابن الجوزي،70/2.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،165/5.
(5) الأخلاق،عبد اللّه شبر،157-158+جامع السعادات،النراقي،370/2-371+أخلاق أهل البيت،مهدي الصدر،164.
(6) النساء142/.
(7) البقرة264/.
ص: 383
1-الرياء بالعقيدة:بإظهار الإيمان و إسرار الكفر و هذا النوع هو أشد خطرا على المسلمين من غيره.
2-الرياء بالعبادة مع صحة العقيدة:و ذلك بممارسة العبادات أمام الناس مراءاة لهم و تركها في الخلوة و السر.
3-الرياء بالأفعال:كالتظاهر بالخشوع،و وسم الجبهة بأثر السجود، و ارتداء الملابس الخشنة و نحوه من مظاهر الزهد.
4-الرياء بالأقوال:كالتشدق بالحكمة،و المراءاة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،و التذكير بالثواب و العقاب مداجاة و خداعا (1).
و يمكن أيضا تلخيص دواعيه بحب الجاه و خوف النقد و الطمع و التستر، و لا ريب أن هذه الدواعي من مكايد الشيطان و إشراكه الخطيرة التي يصطاد بها ضعاف الإيمان.
و قد ورد عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في التحذير من الرياء وعده شركا صريحا باللّه تعالى،في تفسير قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (2)،في رواية زياد بن المنذر و محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام) قال:من صلى مراءاة للناس فهو مشرك،و من زكى مراءاة الناس فهو مشرك، و من صام مراءاة الناس فهو مشرك و من حج مراءاة الناس فهو مشرك و من عمل عملا مما أمر اللّه به مراءاة الناس فهو مشرك و لا يقبل اللّه عمل مراءاة (3).
و الآية الكريمة هي خاتمة سورة الكهف و تلخص غرض البيان فيها و قد جمعت أصول الدين الثلاثة و هي التوحيد و النبوة و المعاد،فالتوحيد في قوله تعالى: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ،و النبوة في قوله تعالى: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ ،و المعاد في قوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ و ورد في سبب نزول هذه الآية عدة أقوال:
********
(1) موعظة المؤمنين،القاسمي،266+أدب الصحبة و المعاشرة،الغزالي،145.
(2) الكهف110/.
(3) تفسير القرآن،القمي،46/2.
ص: 384
عن ابن عباس:سبب نزولها،أن جندب بن زهير العامري قال لرسول اللّه(صلى الله عليه و آله):إني أعمل العمل للّه تعالى فإذا أطلع عليه سرني،فقال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)إن اللّه طيب لا يقبل إلا الطيب،و لا يقبل عمل روئي فيه،فنزلت فيه هذه الآية (1).
-و قال طاوس:جاء رجل إلى رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فقال:إني أحب الجهاد في سبيل اللّه و أحب أن يرى مكاني،فنزلت هذه الآية (2).
-و قال مجاهد:جاء رجل إلى رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)فقال:إني أتصدق،و أصل رحمي،و لا أصنع ذلك إلا للّه تعالى،فيذكر ذلك مني و أحمد عليه فيسرني ذلك و أعجب به،فسكت رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،فنزلت هذه الآية (3).
قال القرطبي:و الكل مراد،و الآية تعم ذلك كله و غيره من الأعمال (4)، و قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: ..وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً أي:
لا يرائي (5).
و في الدر المنثور عن ابن أبي حاتم عن سعيد أيضا في الآية قال النبي(صلى الله عليه و آله):
إن ربكم يقول:أنا خير شريك،فمن أشرك معي في عمله أحدا من خلقي تركت العمل كله له،و لم اقبل إلا ما كان لي خالصا (6).
و قد استفاد الإمام الباقر(عليه السّلام)من حديث جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)في هذا الصدد بما أخرجه أحمد و ابن أبي الدنيا و ابن مردويه و الحاكم و صححه البيهقي عن شداد بن أوس قال:سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)يقول:من صلى يرائي فقد أشرك،و من صام يرائي فقد أشرك،و من تصدق يرائي فقد أشرك،ثم قرأ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (7).
********
(1) أسباب النزول،الواحدي،172 بدون سند+زاد المسير،ابن الجوزي،202/5-203.
(2) جامع البيان،الطبري،40/16+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،433/4+أسباب النزول الواحدي،172 بدون سند+الدر المنثور،السيوطي،256/4.
(3) أسباب النزول،الواحدي،172 بدون سند.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،70/11.
(5) زاد المسير،ابن الجوزي،203/5.
(6) الدر المنثور،السيوطي،257/4.
(7) المصدر نفسه،256/4.
ص: 385
و في رواية أخرى للإمام أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)،رواها زرارة و حمران ابنا أعين عنه أنه قال:لو أن عبدا عمل عملا يطلب به رحمة اللّه و الدار الآخرة ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا (1).
فهكذا نرى أن الإمام الباقر(عليه السّلام)يوجه أنظار المسلمين إلى ابتغاء مرضاة اللّه تبارك تعالى في جميع عباداتهم و معاملاتهم باعتبار أن أي عمل عبادي يدخله شيء من العجب و المراءاة عدّ ذلك العمل نفاقا استوجب صاحبه أن يسمى مشركا،فنبه الإمام الباقر(عليه السّلام)هنا إلى وجوب تجنب مجالات الرياء و مظاهره، و لا يكون ذلك إلا بإخفاء الطاعات و العبادات و سترها عن الملأ من الناس ريثما يثق الإنسان بنفسه و يحرز فيها الإخلاص،و يجب أيضا زجر الشيطان و طرد هواجسه في المراءاة طردا حاسما و الاعتماد على ما انطوى عليه قلب المؤمن من حب الإخلاص و مقت الرياء.
و الذي يبدو لي أن اللّه سبحانه و تعالى في هذه الآية قد رتب على الاعتقاد بالمعاد العمل الصالح و عدم الإشراك بعبادته لأن الاعتقاد بالوحدانية مع الإشراك في العمل متناقضان لا يجتمعان فاللّه تعالى لما كان واحدا فهو واحد في جميع صفاته و منها المعبودية لا شريك له فيها.
روى زياد بن المنذر عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قال:إن اللّه نهى عن القيل و القال و فساد المال و كثرة السؤال،فقيل:يا ابن رسول اللّه أين هذا من كتاب اللّه فقال:أن اللّه تعالى يقول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (2)(3).
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،46/2+مقتنيات الدرر،سيد مير علي الحائري، 139/5.
(2) النساء114/.
(3) الكافي،الكليني،165/4+قلائد الدرر،الشيخ الجزائري،299/2.
ص: 386
قال ابن عباس في سبب نزولها:هم قوم طعمة،و قال مقاتل و كلهم يهود تناجوا في أمر طعمة،و قال مجاهد هو عام في نجوى جميع الناس (1).
و جاء في زاد المسير و غيره في معنى النجوى:ما تنفرد به الجماعة أو الاثنان سرا كان أو ظاهرا (2).
و قال سيد قطب:لقد تكرر في القرآن النهي عن النجوى،و هي أن تجتمع طائفة بعيدا عن الجماعة الإسلامية،لتبيت أمرا...و كان اتجاه التربية الإسلامية و اتجاه التنظيم الإسلامي كذلك أن يأتي كل أناس بمشكلته أو بموضوعه،فيعرضه على النبي(صلى الله عليه و آله)مسارة إن كان أمرا شخصيا لا يريد أن يشيع عنه شيء بين الناس،أو مساءلة علنية أن كان من الموضوعات ذات الصبغة العامة (3).
يقول الشيخ محمود شلتوت:أن هذه الآية تقرر أن اكثر ما يتناجى به الناس فيما يتصل بغيرهم شر لا خير فيه،ذلك بأنّ النفوس مجبولة على محبة إظهار الخير و التحدث به في الملأ و العلانية و مجبولة على إخفاء الشر و كتمانه،و قلما يكتم الناس حديثا يتعلق بغيرهم و يكون خيرا كله،و قلما يذيعون حديثا يتعلق بغيرهم و يكون شرا كله... (4).
و أخيرا عند عرضنا لآراء المفسرين في تفسير الآية تبين أن الإمام الباقر لم يشذ تفسيره عن تفاسيرهم فقد أراد أن يلفت الناس إلى بعض عناصر هذا النوع من النجوى و هو القيل و القال و فساد المال-أي صرفه في غير موضعه- و كثرة السؤال التي تؤدي إلى الخصومة و التنافر بنفي الخير عنها ليعرفوا لما لهذه العناصر من أثار سيئة،و يحذروا من عواقبها الوخيمة ليتسنى للمجتمع أن يرقى إلى مصاف الفضيلة و تقديم الجانب الأخلاقي و صقله عند الفرد المسلم.
********
(1) زاد المسير،ابن الجوزي،198/2+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،382/5-383.
(2) زاد المسير،ابن الجوزي،198/2.
(3) في ظلال القرآن،سيد قطب،226/2.
(4) تفسير القرآن الكريم،الأجزاء العشرة الأولى،الشيخ محمود شلتوت،227-228.
ص: 387
كان العصر الجاهلي مسرحا للمآسي و الأرزاء في مختلف مجالاته و نواحيه الفكرية و المادية،و كان من أبشع مآسيه ذلك التسيب الخلقي و الفوضى المدمرة مما صيرهم يمارسون التنافر و التناحر و الفتك و النهب و السلب.
فلما أشرق نور الإسلام،استطاع بمبادئه الخالدة و دستوره العظيم أن يداوي تلك الأمراض و يكافح تلك الانحرافات في العقيدة و السلوك،فانشأ بعد ذلك خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ (1)علما و أخلاقا،فتلاشت تلك المفاهيم الجاهلية، و خلفتها المبادئ الإسلامية السامية،و راح رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)ببني أمة مثالية تبز الأمم نظاما و أخلاقا و كمالا..و كلما سار المسلمون أشواطا تحت راية القرآن و قيادة الرسول(صلى الله عليه و آله)توغلوا في معارج الكمال حتى حققوا مبدأ المؤاخاة بما لم يشهد له التاريخ الإنساني مثيلا،و غدا المسلمون أمة واحدة،مرصوصة الصف لا تفرقهم النعرات القبلية و الفوارق الاجتماعية،قال تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ (2).
و قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (3).
و استلهم الإمام الباقر(عليه السّلام)هذه القواعد الأخلاقية و الأسس التربوية و صبها في قوالب متعددة،فمرة يوجه أنظار المسلمين لما في التآخي و الألفة من تعميق للأواصر الاجتماعية على شكل وصية أخلاقية و مرة أخرى يحذرهم من التنافر و التخاصم على شكل تفسير لآية قرآنية،و إليك هذا النموذج التفسيري:
ورد عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في تفسير قوله تعالى: ...فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ... (4)إنه قال:أن الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهما
********
(1) آل عمران110/.
(2) الحجرات13/.
(3) الحجرات10/.
(4) الأنفال1/.
ص: 388
عن ذنبه فإذا فعلا ذلك استلقى على قفاه و مد يديه و قال فزت،فرحم اللّه امرئ ألف بين وليين لنا،يا معشر المؤمنين تآلفوا و تعاطفوا (1).
و عن جابر الجعفي عنه أنه قال:إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا،فانظر إلى قلبك فإذا كان يحب أهل طاعة اللّه و يبغض أهل معصيته ففيك خير،و اللّه يحبك،و إذا كان يبغض أهل طاعة اللّه و يحب أهل معصيته فليس فيك خير و اللّه يبغضك،و المرء مع من أحب (2).
ذكر ابن الجوزي في سبب نزول الآية المتقدمة عدة أقوال كلها تتكلم على غنائم بدر،و بعد أن عرج على قوله تعالى: ..فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ (3)قال:في المراد في الكلام قولان:أحدهما:أن يرد القوي على الضعيف،قاله عطاء.و الثاني:ترك المنازعة تسليما للّه تعالى و رسوله(صلى الله عليه و آله) (4).
و قال القرطبي:قوله تعالى: ...فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ... أمر بالتقوى و الإصلاح،أي:كونوا مجتمعين على أمر اللّه في الدعاء:اللهم اصلح ذات البين،أي الحالة التي يقع فيها الاجتماع...و اتقوا اللّه في أقوالكم و أفعالكم (5).
و لا يفوتني هنا أن أسجل بعض عبارات سيد قطب في المقام،يقول:و لقد أخذهم اللّه سبحانه بالتربية الإلهية قولا و عملا،نزع أمر الأنفال كله منهم و رده إلى رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)حتى أنزل حكمه في قسمة الغنائم بجملتها،فلم يعد الأمر حقا لهم يتنازعون عليه،إنما أصبح فضلا من اللّه عليهم،يقسمه رسول اللّه بينهم كما علمه ربه...و إلى جانب الإجراء التربوي كان التوجيه المستطرد الطويل (6).
فالإمام الباقر(عليه السّلام)هنا-كما هو شأن كل من القرطبي و سيد قطب-لم يجعل الآية القرآنية منحصرة في معناها بسبب نزولها و ما حصل بين المسلمين في
********
(1) قلائد الدرر الشيخ الجزائري،299/2.
(2) علل الشرائع،الشيخ الصدوق،117-الوافي،الفيض الكاشاني،90/3.
(3) الأنفال1/.
(4) زاد المسير،ابن الجوزي،320/3.
(5) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،364/7.
(6) في ظلال القرآن،سيد قطب،234/9.
ص: 389
أمر الغنائم بل تعدى بها إلى كل صور التخاصم و التناحر التي قد تحصل بين المسلمين فرسم صورة لاستراحة الشيطان بعد جهد مضن في بث روح العداء بينهم،و كثيرا ما كان الإمام موصيا و واعظا كما أرادت التربية الإلهية و التوجيه الرباني لمعاشر المؤمنين بالتآلف و المحبة في اللّه فيما بينهم.
و إذا ما أردنا أن نتلمس صورة حية للتآخي الروحي الإسلامي نجده واضحا جليا في المسلمين الأوائل من مهاجرين و أنصار،فالرسول الكريم(صلى الله عليه و آله)و معه تلك الثلة المباركة القليلة العدد في أول الدعوة من صحابته الكرام استطاع بدينه العظيم أن يحطم أسطورة الإمبراطوريتين العالميتين آنذاك،و ما كان ذلك ليكون لو لا وجود أهم ركيزة من ركائز ذلك الانتصار و الزحف المبارك إلا و هو التآخي و المودة الروحيين فما اجدر المسلمين اليوم بأن يتحلوا بهما لتأزم الموقف و خطورة المعطيات.
قال تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً (1)أن القرآن الكريم لم يترك صغيرة و كبيرة تهم الجانب التربوي و الأخلاقي إلا و شرع لها حكما أو أسس لها قاعدة كلية ترك تفريعاتها و جزئياتها للفقهاء الأعلام من هذه الأمة،و ها هو في سورة النور يذكر آداب الاستئذان بمعناه العام و الخاص و من جملة تلك الآداب أدب دخول البيوت.
ففي قوله تعالى: ...فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً (2)عن أبي الصباح و زياد بن المنذر قالا:سألنا أبا جعفر(عليه السّلام)عن قوله تعالى: ...فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً فقال:هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل عليهم ثم يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم،و إن لم يكن فيه أحد فليقل:
السلام علينا من ربنا (3).
********
(1) المائدة3/.
(2) النور61/.
(3) تفسير القرآن،القمي،109/2+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،183/2.
ص: 390
و قد اختلف العلماء في تفسير فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً على عدة أقوال:الأول:
في الدر المنثور،أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس:إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أهلها تحية من عند اللّه،و هو السلام،لأنه اسم اللّه،و هو تحية أهل الجنة (1).
الثاني:في زاد المسير،عن ابن عباس أيضا:أنها المساجد،فسلموا على من فيها (2).
الثالث:في الدر المنثور أيضا،أخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير عن عطاء قال:إذا دخلت على أهلك فقال:السلام عليكم تحية من عند اللّه مباركة طيبة، فإذا لم يكن فيه أحد فقل:السلام علينا من ربنا (3).
هذه هي أهم الأقوال التي وردت في تفسير الآية،و هناك أقوال أخرى لم نذكرها لأنها تؤدي نفس المعنى أو قريبة منه (4).
و بعد أن شرع أبو الثناء الآلوسي بذكر أقوال العلماء في تفسير هذه الآية قال:و التعبير عن أهل تلك البيوت-أي بيوت الغير-بالأنفس لتنزيلهم منزلتها لشدة الاتصال،و في الانتصاف في التعبير عنهم بذلك تنبيه على السر الذي اقتضى إباحة الأكل من تلك البيوت المعدودة و إن ذلك إنما كان لأنها بالنسبة إلى الداخل كبيت نفسه للقرابة أو نحوها (5).
و يقول سيد قطب:إن الإسلام منهاج حياة متكامل،فهو ينظم حياة الإنسان في كل أطوارها و مراحلها و في كل علاقاتها و ارتباطها و في كل حركاتها و سكناتها،و من ثم يتولى بيان الآداب اليومية الصغيرة،كما يتولى بيان التكاليف العامة الكبيرة،و ينسق بينهما جميعا،و يتجه بها إلى اللّه في النهاية (6).
********
(1) الدر المنثور،السيوطي،59/5.
(2) زاد المسير،ابن الجوزي،67/6.
(3) الدر المنثور،السيوطي،59/5.
(4) ظ:زاد المسير،ابن الجوزي،67/6.
(5) روح المعاني،الآلوسي،222/18.
(6) في ظلال القرآن،سيد قطب،122/18.
ص: 391
ثم يقول في تفسير الآية:و هو تعبير لطيف عن قوة الرابطة،فالذي يسلم منهم على قريبه أو صديقه يسلم على نفسه،و التحية التي يلقيها عليه هي تحية من عند اللّه،تحمل ذلك الروح و تفوح بذلك العطر،و تربط بينهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها،و هكذا ترتبط قلوب المؤمنين بربهم في الصغيرة و الكبيرة (1).
و قال صاحب الميزان:فقوله فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ المراد فسلموا على من كان فيها من أهلها و قد بدل من قوله عَلى أَنْفُسِكُمْ للدلالة على أن بعضهم من بعض فإن الجميع إنسان و قد خلقهم اللّه من ذكر و أنثى على أنهم مؤمنون و الإيمان يجمعهم و يوحدهم أقوى من الرحم و أي شيء آخر (2).
و بعد أن استعرضنا أقوال جملة من المفسرين قدامى و محدثين نستطيع أن نرجح تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)لسببين،الأول:أن الطبري قد صوبه و مال إليه في قوله:و أولى الأقوال في ذلك بالصواب من قال:معناه:فإذا دخلتم بيوتا من بيوت المسلمين،فليسلم بعضكم على بعض،قال:و إنما قلنا ذلك أولى بالصواب،لان اللّه جل ثناؤه قال: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً و لم يخصص من ذلك بيتا دون بيت،و قال: فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ يعني:بعضكم على بعض، فكان معلوما إذ لم يخصص ذلك على بعض البيوت دون بعض أنه معني بها جميعها (3).
و السبب الثاني الذي دعانا إلى ترجيح تفسير الإمام:هو أن جملة من المفسرين المحدثين كما تقدم قد رجحوه و مالوا إليه.
الأمانة:هي أداء ما اؤتمن عليه الإنسان من الحقوق،و هي بالضد من الخيانة،و هي من أنبل الصفات و اشرف الفضائل،بها يحرز المرء الثقة و الإعجاب و ينال الشرف و السؤدد (4).
********
(1) في ظلال القرآن،سيد قطب،125/18.
(2) الميزان في تفسير القرآن،محمد حسين الطباطبائي،165/15.
(3) جامع البيان،الطبري،172/18-173.
(4) ظ:أدب الصحبة و المعاشرة،الغزالي،254+أخلاق أهل البيت،مهدي الصدر،118-120.
ص: 392
و كفاها شرفا أن اللّه تبارك و تعالى مدح المتحلين بها،فقال: وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ (1)و قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (2).
و لمبدأ الأمانة أثر بالغ في حياة الأمم و الأفراد،فهي نظام أعمالهم و قوام شئونهم و عماد نبلهم و شرفهم و سبيل رقيهم المادي و الأدبي،و من البدهي أن من تحلى بالأمانة كان مثار التقدير و الإعجاب و حاز ثقة الناس و اعتزازهم و شاركهم في أموالهم،و يصدق ذلك على الأمم عامة،فإن حياتها لا تسمو و لا تزدهر إلا في محيط تسوده الثقة و الأمانة.
و كان رمز الأمانة و عنوانها و حامل لوائها رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)قبل النبوة في تلقيبه من قبل عامة الناس بالصادق الأمين،و بعد النبوة في اجتماع خصال الفضل فيه و انحياز النبل إليه،فقد حاربه كفار قريش و عتاتها في مكة و أذاقوا أصحابه أصناف العذاب و أطلقوا عليه سيلا من الأسماء المفتريات كساحر و مجنون و لكنهم على الرغم من ذلك كله كانوا إذا أرادوا أن يأتمنوا أحدا على أموالهم أودعوها عنده،فكان بحق كما وصفه ربه وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (3).
و مما أثر عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في هذا المجال،في تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها... (4)عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)قال:إنها في كل من اؤتمن أمانة من الأمانات،و أمانات اللّه أوامره و نواهيه و أمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من مال و غيره (5).
و نقل الشيخ الطوسي عن الإمام الباقر(عليه السّلام)قوله:إن أداء الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج من الأمانة و يكون الأمر للآمر بأداء الأمانة من الغنائم و الصدقات و غير ذلك مما يتعلق به حق الرعية (6).
********
(1) المؤمنون8/،المعارج32/.
(2) الأنفال27/.
(3) القلم4/.
(4) النساء58/.
(5) مجمع البيان،الطبرسي،289/6+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،49/1.
(6) التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،234/5.
ص: 393
و نقل القرطبي عن علي بن أبي طالب و زيد بن اسلم و شهر بن حوشب و ابن زيد:هذا خطاب لولاة المسلمين خاصة و قال ابن جريج و غيره:ذلك خطاب للنبي(صلى الله عليه و آله)خاصة في أمر مفتاح الكعبة (1).
و بعد أن عرض أقوال العلماء في الآية و في سبب نزولها خلص القرطبي إلى القول:و الأظهر في الآية إنها عامة في جميع الناس فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلامات و العدل في الحكومات...و تتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع و التحرز في الشهادات و نحوه،و الصلاة و الزكاة و سائر العبادات أمانة اللّه تعالى (2).
و هو اختيار الرازي حيث قال:أمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور،سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب و الديانات،أو من باب الدنيا و المعاملات (3).
و هو المروي عن أبي بن كعب و ابن مسعود و البراء بن عازب و الحسن و قتادة (4).
و قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:و هو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق اللّه(عزّ و جلّ)على عباده من الصلاة و الزكاة و الصيام و الكفارات و النذور و غير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد و من حقوق العباد بعضهم على بعض و غير ذلك مما يأتمنون به من غير اطلاع بينه على ذلك فأمر اللّه(عزّ و جلّ)بأدائها،فمن فعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة (5).
و عند استعراضا لما كتبه المفسرون المحدثون تبين لنا أن النص التفسيري الذي اختاره الإمام الباقر(عليه السّلام)كان هو اختيار بعض الصحابة من قبله و بعض المفسرين من بعده في أن الآية تتناول جميع أنواع الأمانات من حقوق إلهية و حقوق فردية
********
(1) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،255/5-256.
(2) المصدر نفسه،256/5.
(3) التفسير الكبير،الرازي،137/10.
(4) ظ:مجمع البيان،الطبرسي،289/6+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،256/5.
(5) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،320/2.
ص: 394
شخصية فهي أمانات يجب تأديتها،غير أن هذه النصوص اختلفت في عباراتها و لكنها اتفقت على معناها المتقدم.
فهذا سيد قطب يقول:و الأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى،الأمانة التي ناط اللّه بها فطرة الإنسان...أمانة الهداية و المعرفة و الإيمان باللّه عن قصد و إرادة و جهد و اتجاه...و من هذه الأمانة الكبرى،تنبثق سائر الأمانات التي يأمر اللّه أن تؤدى.
و من هذه الأمانات،أمانة التعامل مع الناس،و رد أماناتهم إليهم:أمانة المعاملات و الودائع المادية،و أمانة النصيحة للراعي و الرعية...و سائر ما يجلوه المنهج الرباني من الواجبات و التكاليف في كل مجالي الحياة على وجه الإجمال (1).
و يقول الشيخ شلتوت:تذكر هذه الآية أمرين لهما خطرهما في حفظ حياة الأمم و سعادتها:أداء الأمانات إلى أهلها،و الحكم بالعدل بين الناس (2).
و قال صاحب الميزان:المراد من الأمانات ما يعم الأمانات المالية و غيرها من المعنويات كالعلوم و المعارف الحقة التي من حقها أن يبلغها حاملوها أهلها من الناس و غيرهم (3).
أذن جاء تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)موافق لما اثر عن بعض الصحابة و التابعين حتى حصل شبه إجماع بين المفسرين من قدامى و محدثين على تفسير الآية المتقدمة بمثل ما فسرها الإمام الباقر(عليه السّلام).
و هذا يلزم من الأبناء النبلاء أن يقدروا فضل آبائهم و أمهاتهم و عظيم إحسانهم،فيقابلونهم بما يستحقونه من حسن الوفاء و جميل التقدير و الاحترام و لطف البر و الإحسان و سمو الرعاية و التكريم أدبيا و ماديا.
********
(1) في ظلال القرآن،سيد قطب،118/5.
(2) تفسير القرآن الكريم،الأجزاء العشرة الأولى،الشيخ محمود شلتوت،214.
(3) الميزان في تفسير القرآن،محمد حسين الطباطبائي،378/5.
ص: 395
و قد عظم القرآن الكريم شأن الأبوين،و حث على احترامهما و تقديم الرعاية لهما بل و أوجب ذلك،حيث قال: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (1)و قال تعالى: وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما وَ قُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً* وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (2).
فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين و ضرورة مجازاتهما بالشكر و العرفان و البر و الإحسان اللائقين بهما،فأمرت الآية الأولى بشكرهما بعد شكر اللّه و قرنت الثانية الإحسان إليهما بعبادته تبارك و تعالى.
و على هدي القرآن وردت عن الإمام الباقر(عليه السّلام)رواية نقلها عنه محمد بن مسلم الطائفي قال فيها:ثلاث لم يجعل اللّه تعالى فيهن رخصة:أداء الأمانة إلى البر و الفاجر،و الوفاء بالعهد للبر و الفاجر،و بر الوالدين برين كانا أو فاجرين (3).
و في طليعة المبادئ الخلقية التي فرضتها الشريعة الإسلامية و أكدت عليها أيضا صلة الرحم،بالتودد إليهم و العطف عليهم و إسداء العون المادي لهم و دفع المكاره و الشرور عنهم و مواساتهم في الأفراح و الأحزان،روى زرارة بن أعين عن الإمام الباقر(عليه السّلام)قال:صلة الرحم تزكي و تنمي الأموال،و تدفع البلوى و تيسر الحساب (4).
و في رواية تفسيرية أخرى يجمع الإمام الباقر(عليه السّلام)فيها بين بر الوالدين و صلة الرحم ناقلا لحديث جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،فقد ورد عن
********
(1) لقمان14/-15.
(2) الإسراء23/-24.
(3) الوافي،الفيض الكاشاني،93/3.
(4) المصدر نفسه،94/3.
ص: 396
جابر الجعفي في تفسير قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (1).
عن الإمام(عليه السّلام)قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):بر الوالدين و صلة الرحم يهونان الحساب ثم تلا هذه الآية (2).
و الأحاديث الشريفة التي تحمل هذا المعنى كثيرة جدا،منها:عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال:سألت رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)أي العمل أحب إلى اللّه؟ قال:الصلاة في وقتها.قلت:ثم أي؟قال:بر الوالدين.قلت:ثم أي؟قال:
الجهاد في سبيل اللّه.رواه البخاري و مسلم (3).
و عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السّلام)عن النبي(صلى الله عليه و آله)قال:من سرّه أن يمد له في عمره،و يوسع له في رزقه،و يدفع عنه ميتة السوء،فليتق اللّه،و ليصل رحمه.رواه عبد اللّه بن الإمام أحمد في زوائده و البزار بإسناد جيد و الحاكم (4).
إذن بر الوالدين وصلة الرحم من أهم الجوانب التربوية و الخلقية الواجب مراعاتها لما لها من أثر بالغ في إسعاد الأبوين و الأقرباء و تكون بذلك مدعاة لحبهم و فخرهم و هي توصل الفرد إلى وفرة من المال و زكاة الأعمال الصالحة في الرصيد الأخروي و منجاة من صروف الأقدار و البلايا،فإذا ما اتخذ البر و الصلة منهجا تربويا يوميا سعد بذلك الفرد فالمجتمع و سعادة المجتمع تعني انتشار الفضيلة بين طبقاته و من ثم الفوز الدنيوي و الأخروي بإذن اللّه تعالى.
للذنوب إضرار مادية و روحية تفوق ضرر الأمراض الجسمية في فداحتها و أثرها في حياة الفرد و المجتمع،فيجب شرعا و عقلا المبادرة إلى تصفية النفس و تطهيرها من أدران الذنوب و دنس الآثام قبل فوات
********
(1) الرعد21/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،289/6.لم أجد له رواية عن طريق الجمهور.
(3) الترغيب و الترهيب،المنذري،314/3.
(4) المصدر نفسه،335/3.
ص: 397
الأوان،و ما يكون ذلك إلا بمعاناة التوبة و الإنابة و الإقلاع عن شهوات النفس و الهوى ليأمن التائب أخطارها الدنيوية و الأخروية.
و لا تتحقق التوبة الصادقة النصوح إلا بيقضة الضمير و شعور المذنب بالندم على معصية اللّه و تعرضه لسخطه و عقابه،و بالإنابة إلى اللّه تبارك و تعالى و التصميم على طاعته و عقد العزم على ترك عصيانه،و بتصفية النفس من عوالق الذنوب و تلافي سيئاتها بالأعمال الصالحة الباعثة على زيادة الحسنات.
و للتوبة فضائل كثيرة،صورها القرآن الكريم،و أعربت عنها أحاديث النبي(صلى الله عليه و آله)و قد أبت العناية الإلهية أن تترك العصاة تتخبط في ظلمات الذنوب دون أن يسعهم بعطفه الإلهي و عطفه الكريم،و مهد لهم التوبة فقال سبحانه و تعالى: وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)و قال تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (2).
و روي عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في التوبة و تجديدها عن محمد بن مسلم عنه أنه قال:يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب عنها مغفورة له،فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة و المغفرة،أما و اللّه إنها ليست إلا لأهل الأيمان،قلت:فإن عاد بعد التوبة و الاستغفار في الذنوب،و عاد في التوبة؟فقال:يا محمد بن مسلم أ ترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر اللّه تعالى ثم لا يقبل اللّه توبته؟قلت:
فإن فعل ذلك مرارا يذنب ثم يتوب و يستغفر؟فقال:كلما عاد المؤمن بالاستغفار و التوبة عاد اللّه عليه بالمغفرة و إن اللّه غفور رحيم،يقبل التوبة و يعفو عن السيئات،فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة اللّه تعالى (3).
و في تفسيره لقوله تعالى: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (4).
********
(1) الأنعام54/.
(2) الزمر53/.
(3) الوافي،الفيض الكاشاني،183/3.
(4) المطففين14/.
ص: 398
أخرج العياشي بسنده عن زرارة عن أبي جعفر قال:ما من عبد مؤمن إلا و في قلبه نكتة بيضاء،فإذا أذنب ذنبا خرج في تلك النكتة نكتة سوداء،فإذا تاب ذهب ذلك السواد و إن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا و هو قول اللّه بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (1).
و قد اختلف العلماء في تفسير لفظة(الرين)على أقوال:
1-عن الحسن و مجاهد:هو الذنب على الذنب،حتى تحيط الذنوب بالقلب و تغشاه فيموت القلب.
2-عن مجاهد:القلب كالكف،فإذا أذنب الذنب انقبض،و إذا أذنب ذنبا آخر انقبض ثم يطبع عليه و هو الرين (2).
3-عن السدي:الذنب على الذنب حتى يسود القلب (3).
و ورد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه(صلى الله عليه و آله):إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه،فإذا تاب و نزع و استغفر صقل منها،و إن زاد زادت حتى يغلف بها قلبه،فذلك الران الذي ذكر اللّه في كتابه كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ رواه الترمذي و صححه النسائي و ابن ماجة و ابن حبان في صحيحه و الحاكم (4).
قال الرازي في تفسير الآية:إن الإنسان إذا واظب على الإتيان ببعض أنواع الذنوب،حصلت في قلبه ملكة نفسانية على الإتيان بذلك الذنب،و لا معنى للذنب إلا كل ما يشغلك بغير اللّه،و كل ما يشغلك بغير اللّه ظلمة،فإذن الذنوب كلها ظلمات و سواد،و لكل واحد من الأعمال السالفة التي أورث مجموعها حصول تلك الملكة أثر في حصولها،فذلك هو المراد من قولهم:كلما أذنب الإنسان حصلت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود القلب،و لما كانت مراتب الملكات في الشدة و الضعف مختلفة،لا جرم كانت مراتب هذا السواد و الظلمة مختلفة فبعضها يكون رينا و بعضها طبعا،و بعضها أقفالا (5).
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،260/2+مجمع البيان،الطبرسي،453/10.
(2) التفسير الكبير،الرازي،94/31+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،515/4.
(3) البحر المحيط،أبو حيان الأندلسي،441/8.
(4) الترغيب و الترهيب،المنذري،92/4+ذم الهوى،ابن الجوزي،67.
(5) التفسير الكبير،الرازي،95/31.
ص: 399
و قال سيد قطب:أي:غطّى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من الآثم و المعصية،و القلب الذي يمرد على المعصية ينطمس و يظلم،و يرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه و يجبه عن النور و يفقده الحساسية شيئا فشيئا حتى يتبلد و يموت (1).
و قال صاحب الميزان:أي:صار ذلك كسد على جلاء قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر فكون ما كانوا يكسبون و هو الذنوب رينا على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم و بين أن يدرك الحق على ما هو عليه (2).
و المهم من هذا كله أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد استلهم الحديث الشريف المروي عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و استطاع أن يصور الرين بأحسن تصوير فيه جانب من رجوع المذنب عن ذنبه و توبته عن فعله،فإذا عاد،رجع السواد للقلب و هكذا.
و قد أفاض أحمد الشرباصي في ذكر أقوال العارفين و المتصوفة في التوبة و مراتبها و تشديدها،مستوضحا النص القرآني في جلاء صورها و حقيقتها (3).
و في ختام الحديث عن التوبة و ما كان للإمام الباقر(عليه السّلام)من نصيب وافر في بيانها نقول:أن من العوامل المشوقة للتوبة و الباعثة عليها هي أن يتذكر المذنب ما صورته الآيات الكريمة،و الأحاديث الشريفة من غوائل الذنوب و مآسيها المادية و الروحية في الدنيا و الآخرة،و ما توعد اللّه تبارك و تعالى عليها من صنوف التأديب و ألوان العقاب،و أن يستعرض المذنب أيضا فضائل التوبة و مآثر التائبين و ما حباهم اللّه به من كريم العفو و سمو العناية و اللطف.
في تفسير قوله تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ... (4).
في الدر المنثور،أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السّلام)قال:ما من عبادة افضل من أن تسأل،و ما يدفع القضاء إلا الدعاء،
********
(1) في ظلال القرآن،سيد قطب،89/30.
(2) الميزان في تفسير القرآن،الطباطبائي،234/30.
(3) ظ:موسوعة أخلاق القرآن،د.أحمد الشرباصي،53/2-64.
(4) يونس23/.
ص: 400
و إن أسرع الخير ثوابا البر،و أسرع الشر عقوبة البغي،و كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه،و أن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه (1).
قال الرازي في تفسير هذه الآية:أي:لا يتهيأ لكم بغي بعضكم على بعض إلا أياما قليلة،و هي مدة حياتكم مع قصرها و سرعة انقضائها (2).
و قال القرطبي:أي:و باله عائد عليكم،و تم الكلام،و روى سفيان بن عيينة أنه قال:أراد أن البغي متاع الحياة الدنيا،أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا (3).
و قال ابن كثير:أي:إنما يذوق و بال هذا البغي أنتم أنفسكم و لا تضرون به أحدا غيركم (4).
و من المفسرين المحدثين قال سيد قطب في تفسيره لهذه الآية:سواء كان بغيا على النفس خاصة،بإيرادها موارد التهلكة،و الزج بها في ركب الندامة الخاسر بالمعصية،أو كان بغيا على الناس فالناس نفس واحدة،على أن البغاة و من يرضون منهم البغي يلقون في أنفسهم العاقبة (5).
و اقرب هذه الأقوال إلى قول الإمام الباقر(عليه السّلام)(و أسرع الشر عقوبة البغي) هو ما نقله القرطبي عن سفيان بن عيينة في تعجيل عقوبة البغي في الحياة الدنيا، فأراد سبحانه و تعالى في هذه الآية أن يقول للناس-و اللّه أعلم-أنا اقرب إليكم و إلى أعمالكم منكم فما تعملونه من عمل تريدون به أن تبغوا علينا و تمكروا بنا فإنما توجد بتقديرنا و تجري بأيدينا فكيف يمكنكم أن تبغوا بها علينا؟بل هي بغي منكم على أنفسكم فإنها تبعدكم منا و تكتب آثامها في صحائف أعمالكم، فبغيكم على أنفسكم و هو متاع الحياة الدنيا تتمتعون به أياما قليلة ثم نعاجلكم بالعقوبة على أعمالكم من حيث لا تشعرون.
********
(1) الدر المنثور،السيوطي،304/3+حلية الأولياء،أبو نعيم الأصفهاني،182/3.
(2) التفسير الكبير،الرازي،72/17.
(3) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،326/8.
(4) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،495/3.
(5) في ظلال القرآن،سيد قطب،68/11.
ص: 401
و الجدير بالذكر أن الذي أثر عن الإمام الباقر(عليه السّلام)من وصايا تربوية و أخلاقية تصلح أن تكون منهجا أخلاقيا فريدا،كثيرة جدا،و كم هائل استفاد منها كثير ممن صنف في علم الأخلاق من علماء الأمة،غير إنني التزمت بالمنهج الذي اتبعته في تقصي روايات الإمام الباقر(عليه السّلام)في التفسير حصرا فبعد الاستقراء لم أستطع أن أظفر بأكثر مما ظفرت به من هذه الروايات التفسيرية المتعلقة بالجانب التربوي و الأخلاقي،عرضتها مقارنا، و مرجحا،فإن فاتني منها شيئ فذاك نقص لحق بالإنسان من أمد بعيد.
***
ص: 402
و يتضمن:
*المبحث الأول:قيمة تفسيره و مكانته
*المبحث الثاني:خصائص تفسيره و سماته
*المبحث الثالث:مقارنة آرائه بآراء غيره و انفراداته
*المبحث الرابع:أثره في غيره
ص: 403
ص: 404
قيمة تفسيره و مكانته
تبين من خلال ما تقدم من فصول بهذه الرسالة أن للإمام الباقر(عليه السّلام)آثارا و أقوالا لا يستهان بها بل شكلت ثروة تفسيرية قيمة،و لم يكن هذا القول اعتباطا أو تخمينا،و إنما استطعنا البرهنة عليه من خلال عرضنا للروايات التفسيرية المنقولة عنه من جهة و من حيث ما اجتمع في تفسيره من الخصائص ما يؤهله لأن يصبح مرجعا في تفسير كتاب اللّه،و من الصفات ما يجعل لآرائه و أقواله من قيمة بين أقوال غيره من العلماء من جهة أخرى،و سنعرض فيما يأتي لأهم تلك الخصائص و الصفات التي يمكن أن تكون عوامل مهمة جدا في جعل تفسيره تفسيرا معتمدا عليه بين المفسرين.
كان الإمام الباقر(عليه السّلام)أحد المقرئين لكتاب اللّه و أجاد في قراءته فأصبح يعلمه الناس،بل شارك في وضع بعض الضوابط لقراءة القرآن الكريم،فكان يوصي بتلاوته بالصوت الحسن لأنه ينفذ إلى أعماق القلب و الوجدان،و كان هو من أحسن الناس صوتا بقراءته (1).
و من تلك الضوابط الفنية التي شارك الإمام الباقر(عليه السّلام)في وضعها لتلاوة القرآن الكريم هو الترجيع بقراءته فقد روى أبو بصير قال:قلت لأبي جعفر إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال:إنما ترائي بهذا أهلك و الناس،فقال الإمام:يا أبا محمد اقرأ قراءة بين القراءتين،تسمع أهلك، و رجّع بالقرآن صوتك فإن اللّه يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا (2)
********
(1) البيان في تفسير القرآن،الخوئي،25+أصول الكافي،الكليني،36/2.
(2) المصدر نفسه،210+الوافي،الفيض الكاشاني،274/3.
ص: 405
و كان الإمام ملما بأسباب النزول،محيطا بأقوال المتقدمين من الصحابة و التابعين في معرفة الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه،متحريا لما نقل عنهم في تفسير القرآن الكريم،فالإحاطة بهذه الأمور تكشف للمفسر معاني القرآن الكريم و مقاصده،و توصله إلى المعنى المراد لأن معرفة ضوابط التفسير و تطبيقها هي مما يجعل النص التفسيري مقبولا لدى المفسرين.
و قد تشدد الإمام الباقر(عليه السّلام)في تفسير القرآن الكريم حيث اعتبر التفسير المعتمد على الرأي و الاستحسانات العقلية تفسيرا بعيدا عن المعنى المراد و قد يؤدي بصاحبه إلى الهلكة،فلذلك نهى عنه فقد دخل عليه قتادة بن دعامة فقال له الإمام:أنت فقيه أهل البصرة؟قال قتادة:هكذا يزعمون.قال الإمام:بلغني أنك تفسر القرآن،قال قتادة نعم.
فأنكر عليه الإمام ذلك قائلا:يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت و أهلكت،و إن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت و أهلكت،يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به (1).
و عند تحليل هذا النص يتبين أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد حصر معرفة تفسير القرآن الكريم بالآخذ ممن خوطب به القرآن و هم:النبي(صلى الله عليه و آله)و الصحابة رضوان اللّه عليهم الذين شهدوا التنزيل،فهم يعرفون المحكم و المتشابه،و الناسخ و المنسوخ و ليس عند غيرهم معرفة بذلك.
كان الاستعمال المجازي شائعا في كلام العرب،ذائعا في كثير من جوانب الاستعمال كالإسناد المجازي و المجاز في اللفظة و العبارة،و منه أيضا الكنايات التي قيل إنها ابلغ من التصريح و يعتبر ذلك من لطائف هذه اللغة و محاسنها.
و جاء في القرآن الكريم الكثير من الآيات المتضمنة للاستعمال المجازي،و قد شارك الإمام الباقر(عليه السّلام)في إيضاحه و بيانه،فمما ورد في القرآن الكريم قوله
********
(1) أعيان الشيعة،محسن الأمين،ق 10/4/2-11+سيرة الأئمة،هاشم معروف الحسني، 212-213.
ص: 406
تعالى: يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (1)،فإنّ المعروف من اليد هو العضو المخصوص،و يستحيل ذلك على اللّه تعالى لاستلزامه التجسيم و هو مما يمتنع عقلا على اللّه تعالى،فقد سأل محمد بن مسلم الإمام أبا جعفر الباقر(عليه السّلام)فأجابه:اليد في كلام العرب القوة و النعمة،قال تعالى: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ (2)و قال تعالى: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ... (3)أي بقوة، و قال تعالى: وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (4)،و يقال لفلان عندي أيادي كثيرة أي:
فواضل و إحسان،و له عندي يد بيضاء أي نعمة (5).
و معنى هذا أن اليد لم تستعمل هنا في معناها المعروف المخصوص و إنما استعملت في غيره أما مجازا أو حقيقة بناء على إنها مشتركة اشتراكا لفظيا في هذه المعاني التي وضحها الإمام.
و لم يكن الإمام ليكتفي بهذا كله دون معرفة ما يعنيه القرآن الكريم و يقصده،بل كان ولوعا بفهمه و معرفة معانيه،و لهذا كان يحذر من الذين يرددون ألفاظه بدون فهم و معرفة لمعانيه،فيكتب في رسالته إلى بعض أصحابه معرضا و ذاما للذين يؤولون آياته حسب أهوائهم قال فيها:و كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه،و حرفوا حدوده،فهم يروونه و لا يرعونه،و الجهال يعجبهم حفظهم للرواية،و العلماء يحزنهم تركهم للرعاية (6).
و الرعاية هنا هي معرفة ما يقتضيه الخطاب و يستدعيه البيان،فلا أثر عنده لكثرة قراءة القرآن الكريم و تلاوته دون التدبر في معانيه و معرفة مراميه،و مما يؤكد اهتمامه بمعرفة المعاني القرآنية هو ورود ذلك الكم الهائل من الروايات التفسيرية المنقولة عنه.
********
(1) ص75/.
(2) ص17/.
(3) الذاريات47/.
(4) المجادلة22/.
(5) التوحيد،الشيخ الصدوق،32+ناسخ التواريخ،محمد تقي الكاشاني،434/1.
(6) الوافي،الفيض الكاشاني،275/3.
ص: 407
وهب اللّه سبحانه و تعالى الإمام الباقر(عليه السّلام)قدرة فائقة و قابلية واسعة في فهم كتاب اللّه،و هذا مما لا ييسره سبحانه و تعالى لكل أحد بل هي موهبة منه، و بها يبرز من يبرز من الرجال،و يكون له مقام بين العلماء،و قد اتضح ذلك من خلال ما قدمنا عنه في معرض الحديث عن مصادره في التفسير و بينا كيف يستنبط المعاني و يربط بين الآيات و يجمع الآيات التي تخص موضوعا بعينه بما يمثل تفسيرا موضوعيا للقرآن الكريم،و يجيب سائليه على ما أشكل فيها،و أحيانا يرفع التعارض الذي قد يحصل فيما بينها موضحا لهم لما اجمل منها،موجها لأنظار المسلمين للتدبر فيها،متخذا لبعض منها موعظة أخلاقية و إرشادا تربويا حتى فيما يتعلق بالقصص القرآني منها،و ما كان ذلك إلاّ حصيلة الفهم الثاقب و الرأي السديد من جهة،و أخذه للعلم و تفسير القرآن الكريم عن آبائه الكرام من جهة أخرى مما فتح أمامه آفاق العلم فأشرقت في روحه أنواره و تجلت في قلبه صوره،ساعد ذلك كله ذهن متوقد و ذكاء بارع.
هذه أهم الأسباب التي أضفت مكانة مرموقة لأقواله و آرائه عند العلماء، و قد زاد تفسيره قيمة أمر آخر هو:
-ترجيح المفسرين لآرائه أحيانا و اعتمادهم عليها.
فقد كانت آراؤه و أقواله أحيانا مرجحة عند المفسرين،و أحيانا أخرى يقدمونها على آراء غيره،و هذا الترجيح لا يكون اعتباطا إنما هو ناتج من سير الإمام الباقر(عليه السّلام)على وفق القواعد و الضوابط العامة التي اتفق المفسرون على الاعتماد عليها في تفسير القرآن الكريم و بالتالي ترجيح أو اعتماد آراء و أقوال من يسير عليها،و سنذكر بعض الأمثلة عند التكلم على أقواله و آرائه المعارضة لغيره و التي انفرد بها.
و من الجدير بالذكر إنني وجدت من خلال تتبعي لآرائه و أقواله في التفسير أن هناك بعض من المفسرين ينقلون أقواله بدون أن ينسبوها إليه،و في بعض الأحيان ينسبوها إلى ال(قيل)دون التصريح باسمه،و اغلب الظن أن تلك الآراء و الأقوال
ص: 408
كانت تصل إليهم بدون نسبة إليه فيرجحون بعضها و يميلون إليها،أو إنها تصل إليهم و في طريقها بعض الرجال الضعفاء فيربئون بتصانيفهم عن تسجيل هذا السند الضعيف مما يجبرهم على عدم نسبته إلى الإمام أو ينسبونها إلى ال(قيل)،و قد كان ذلك واضحا من خلال ما عرضناه من آراء و أقوال في كثير من المواضع في هذه الرسالة لأقوال الصحابة و التابعين مقارنة مع آراء الإمام و أقواله.
خصائص تفسيره و سماته
كان في تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)بعض الظواهر البارزة التي أضفت عليه ميزة واضحة،قد ينفرد بها و قد يشاركه فيها غيره من المفسرين،و ليس لنا القول أن هذه من خصائص تفسيره وحده بل هي تشكل ملامح عامة يسير عليها جملة من المفسرين،و لكنها برزت بشكل واضح بتفسيره مما أعطته قيمته و إن كان متأثرا بتفسير سابقيه،و هذه بعض تلك الخصائص و السمات:
كان من خصائص تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)اعتماده على القرآن الكريم نفسه في بيان ما يشكل فهمه منه،و هو بذلك جدير،لعنايته الشديدة و اهتمامه البالغ بالقرآن الكريم حفظا و قراءة و تفسيرا،فكان يؤكد على جمع الآيات القرآنية إلى نظائرها و ضم بعضها إلى بعض حتى يتوصل إلى فهم دقيق للمراد القرآني،مراعيا في ذلك التصور القرآني للموضوع الواحد المراد توضيحه بعد ضم المعاني القرآنية المشتملة على أفراد الموضوع الواحد بعضها إلى بعض،و قد تقدمت أمثلة ذلك في حديثنا عن تفسيره القرآن بالقرآن.
و لئن كان لغيره من المفسرين،من صحابة و تابعين،إسهام في هذا،فإنّ الإمام الباقر(عليه السّلام)كان واحدا من جملة الذين اتخذوا هذا المنهج عمادا في تفسيره.
ص: 409
يمكن أن نقسم مفسري الصحابة و التابعين في الاهتمام بالكلمة المفردة و السياق العام إلى فريقين:فأبي بن كعب رضي اللّه عنه و تلامذته انصب اهتمامه على المعنى العام للآية أو الآيات و سياق الكلمات،و قل اهتمامهم بالكلمة المفردة،و ذلك لأن الكلمة المفردة غالبا ما يكون تفسيرها من قبيل المعرفة اللغوية للكلمة.
و الفريق الثاني يمثله ابن عباس رضي اللّه عنه و تلامذته،فقد كان اهتمامهم منصبا على الكلمة المفردة لأن الناس بحاجة إلى بيان الألفاظ اللغوية المفردة لأنها تساعد كثيرا على فهم الآية أو الآيات (1).
و قد اتخذ الإمام الباقر(عليه السّلام)محلا وسطا بين هذين الفريقين،فنراه أحيانا يعطي المعنى اللغوي لبعض مفردات الآية ليسهل على الذي يسمع تفسيرها أن يفهمها،و تبين ذلك من خلال كلامنا على رجوعه إلى اللغة في التفسير،و أحيانا أخرى يعطي دلالة الآية العامة أو يبين وجه ارتباط الآيات بعضها لبعض،أو يستخرج من الآيات معنى أو يستنبط منها حكما.
و ذلك ما عرف عنه من ملاحظة السياق و تفسير القرآن بالقرآن مما هو ظاهر جدا في تفسيره و مما كون خصيصة واضحة في آرائه و أقواله.
و الجدير بالذكر،أن بعض الباحثين ذكر أن أول مدرسة اهتمت بالسياق الجملي أو العام هي مدرسة عبد الرحمن بن زيد بن اسلم(ت:182 ه) (2)،في حين إننا وجدنا أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد سبقه بأكثر من نصف قرن و قد اهتم اهتماما بالغا به،و قبلهما الصحابي الجليل أبي بن كعب رضي اللّه عنه.
و مهما يكن من أمر،فان الإمام الباقر(عليه السّلام)قد جمع بين الطريقتين،و مزج بين المنهجين،و ذلك حسب ما يمليه عليه درسه في التفسير أو نوع السؤال الذي يوجه إليه.
********
(1) ظ:أبي بن كعب و مكانته بين مفسري الصحابة،مشعان العيساوي،رسالة دكتوراه،428، مضروبة على الآلة الكاتبة،1992 م
(2) ظ:خصائص مدرسة ابن زيد،أحمد الجنابي،24.
ص: 410
وقف الإمام الباقر(عليه السّلام)من أخبار و روايات بني إسرائيل الموقف الذي تعلمه من آبائه الذين تعلموه على يد رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و أقواله حين قال:إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم و لا تكذبوهم (1)،و قال:حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج،و من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (2).و ليس مثل الإمام الباقر(عليه السّلام)إذا سمع الناس تحدث عن أهل الكتاب بقاصر-حاشا للّه-عن تمييز الخبيث من الطيب و عن الرد و التوجيه لأنه كثيرا ما كان يصحح و يوجه ما ورد عن أهل الكتاب،و إن جاء من ذلك شيء من تفسيره فهو أما ضعيف السند، و أما من وضع الرواة و القصاص،لأن الإمام الباقر كان يترفع في تفسيره من ذكر شيء من روايات أهل الكتاب،و قد كانت هذه السمة واضحة من خلال ما عرضنا من جهوده في القصة القرآنية.
فقد تناول في تفسيره عدد غير قليل من الآيات التي تتعلق بالقضايا الغيبية مثل قضية بدء الخلق،و اخذ الميثاق،و اليوم الآخر،و عدد آخر من الآيات لا يستهان به تناول فيها تفسير آيات التوحيد و نفي الصفات،و ما يتعلق بالنبوة و الوحي و أقسامه فقدم فيها جهدا علميا رفيعا في الكشف عن مفاصلها المعرفية من خلال مشاركته في التفريق بين النبي و الرسول،و أقواله في علم الأنبياء و عصمتهم و غير ذلك،و تفسيره أيضا للآيات المتعلقة بالإمامة و الشفاعة.
كان الإمام الباقر(عليه السّلام)في ذلك كله موجها لأنظار الأمة الإسلامية إلى محاولات بعض الفرق الضالة،المضلة،التغلغل بين المسلمين و نشر أفكارها فيهم،فكون الإمام الباقر و غيره من علماء هذه الأمة الأبرار سدا منيعا و خندقا مدافعا عن عقيدة الإسلام كدين و كمنهج لحياة افضل.
********
(1) صحيح البخاري،25/6.
(2) صحيح البخاري،328/4+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،4/1.
ص: 411
عند ما اتسعت الرقعة الإسلامية،و طالت الفترة الزمنية بين الناس و بين انقطاع الوحي،و ظهرت وقائع و أحداث في العالم الإسلامي حتمت على علماء الأمة أن يولوا آيات الأحكام الكثير من عنايتهم و اهتمامهم،كان الإمام الباقر(عليه السّلام)واحدا من أولئك الأعلام الذي تصدوا لتفسير آيات الأحكام و استنباط ما يمكن استنباطه منها،من حكم شرعي يعالج موضوعا فقهيا معينا أو فتوى فقهية تضع حلا لمشكلة وقعت أو حادثة نزلت،فكانت أبواب الفقه الإسلامي جميعا تكاد لا تخلو من رأي أو قول للإمام الباقر(عليه السّلام)يشارك فيه باستجلاء الحكم المستفاد من تلك الآيات،و شكلت آراؤه تلك ثروة فقهية أغنت الفقه الإسلامي و شاركت في حل الكثير من معضلات الأنام.
و قد صار بذلك تفسيره متسما بطابع فقهي مميز،جعل العلماء يعدون الإمام الباقر(عليه السّلام)من فقهاء التابعين البارزين في المدينة المنورة،و قد وضحنا ذلك في كلامنا على جهوده في تفسير آيات الأحكام.
مقارنة آرائه مع آراء غيره و انفراداته
كانت آراء الإمام الباقر(عليه السّلام)في فهم بعض الآيات القرآنية مخالفة لآراء غيره من مفسري الصحابة و التابعين أو موافقة لها،فلذلك سنضرب بعض الأمثلة التي قصدنا فيها إعطاء صورة واضحة عن مدى التوافق و الاختلاف بينه و بين غيره في الكشف عن مراد بعض الآيات لنظهر مدى أصالة تفسيره من جهة و المصدر الذي كان يستقي الإمام منه تلك الآراء و الأقوال و هم آباؤه الطاهرون و الصحابة الكرام من جهة أخرى،مما جعل بعض المفسرين أن يرجحوا و يوافقوا تلك الأقوال المأثورة عنه في التفسير،و لم يكن ترجيحهم ذلك تخمينيا،و إنما جاء لاعتمادهم على قواعد الترجيح و أصوله.
ص: 412
و سيكون تمثيلنا لبعض آرائه التي خالف أو وافق فيها غيره،و كذلك لآرائه التي لم يرد فيها قول من مفسري الصحابة أو التابعين على السواء.
1-في قوله تعالى: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً... (1).
فقد اختلف في المراد بالناس هنا الذين كانوا أمة واحدة ثم اختلفوا بعد ذلك، و ما هو الأمر الذي كانوا عليه؟
-قال ابن عباس رضي اللّه عنه:إن الناس كانوا بين نوح و آدم عشرة قرون على شريعة من الحق فاختلفوا.
-ذهب أبي بن كعب رضي اللّه عنه إلى:أن المراد بالناس:بنو آدم حين أخرجهم اللّه نسا من ظهر آدم أي:كانوا على الفطرة.
-ذهب الطبري إلى جواز القولين و إمكان الوقتين،لأنه لا دلالة من القرآن،و لا من السنة في تعيين أحد الوقتين،و لكنه صوب أن يكون هذا الذي كانوا عليه هو الدين الحق كما هو رأي أبي (2).
و في المجمع عن أبي جعفر الباقر(عليه السّلام)إنه قال:كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة اللّه لا معتدين و لا ضلالا فبعث اللّه النبيين (3).
معنى ذلك:أنه كانوا على سذاجة الفطرة لا مهتدين بالهداية التشريعية، و لا ضلالا بضلالة الكفر لعدم إتمام الحجة بالرسل و عدم حدوثها بعد،فلما بعث اللّه الرسل و أتم الحجة بهم اختلفوا و تفرقوا.
2-قوله تعالى: وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (4).
********
(1) البقرة213/.
(2) جامع البيان،الطبري،334/2+المحرر الوجيز،ابن عطية،151/2+تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،344/1.
(3) مجمع البيان،الطبرسي،307/2.
(4) البقرة126/.
ص: 413
اختلف في قائل هذا القول:هل هو من كلام إبراهيم الخليل(عليه السّلام)حيث سأل ربه أن يرزق الكافر أيضا من الثمرات بالبلد الحرام؟أم هو من كلام اللّه تعالى عناية و لطفا؟.
ذهب ابن عباس رضي اللّه عنه:إنه من كلام إبراهيم الخليل(عليه السّلام)و كان يقرأ(فأمتعه)بفتح الهمزة و سكون الميم ثم(اضطره)بوصل الآلف و فتح الراء.
و ذهب الإمام الباقر(عليه السّلام)إلى أنه من كلام الرب تعالى ذكره (1)،و اختاره الطبري و صوبه غير أنه أخرجه عن أبي بن كعب (2).
فيكون المعنى على هذا القول:إن اللّه تبارك و تعالى يترك من كفر و أصر على كفره يتمتع من الدنيا أمدا قليلا ثم يساق إلى عذاب النار و بئس المرجع و المأوى، و إن متاع الدنيا و إن بلغ ما بلغ فإنه زائل و قليل في مقابل عذاب الآخرة،و قد وقعت هذه الجملة في القرآن الكريم في موردين كلاهما مقرونان بالتشديد و التهويل أحدهما الآية أعلاه،و الثاني في قوله تعالى: وَ مَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (3).
و هذا الاضطرار إنما حصل باختيارهم العقائد الفاسدة و الأعمال السيئة.
3-قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ (4).
اختلف في تبديل الأرض على أي صورة يكون؟
ذهب الإمام علي و ابن عباس و انس:إنها تبدل أرضا من فضة.
و ذهب ابن مسعود رضي اللّه عنه إلى أن الأرض في الدنيا تبدل فتصير أرضا بيضاء كالفضة.
********
(1) تفسير العياشي،محمد بن مسعود،79/1+البرهان في تفسير القرآن،السيد هاشم البحراني،176/1.
(2) جامع البيان،الطبري،544/1-545+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،119/2+ تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،الدمشقي،239/1+روح المعاني،الآلوسي،332/1.
(3) لقمان23/-24.
(4) إبراهيم48/.
ص: 414
و قال أبي بن كعب:تبدل الأرض بغيرها،و تصير السموات جنانا و البحر نارا (1).
و عن زرارة بن أعين قال:سألت أبا جعفر الباقر(عليه السّلام)عن هذه الآية، فأجاب:تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب،قال اللّه: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ (2)، (3).
و رجح الطبري:إن الأرض تبدل بغيرها و السموات،أما شكل ذلك التبديل فلا يعرف لأنه لا خبر في ذلك عندنا،و إن الأولى ما دل عليه ظاهر التنزيل مطلقا (4).و هو ما يؤيده أيضا العقل و المنطق السليم.
4-في قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ (5)
اختلف في معنى(الكرسي)على أقوال:
-ذهب ابن عباس إلى:أنه علم اللّه تعالى.
-و نقل عن أبي موسى الاشعري أنه من قبيل موضع القدمين.
-و ذهب الحسن البصري إلى:أنه العرش نفسه (6).
-و عن الإمام الباقر(عليه السّلام)قال:أي:أنه وسع السموات و الأرض (7).
قال الطبري:و لكل من هذه الأقوال وجه،ثم مال إلى قول ابن عباس و الإمام الباقر(عليه السّلام)من أن الكرسي هو العلم فقال:و يؤيده ظاهر القرآن لقوله:
وَ لا يَؤُدُهُ أي لا يئوده حفظ ما علم و أحاط به فأصل الكرسي العلم، و اثبت ذلك بالشواهد الشعرية في معنى الكرسي (8).
********
(1) جامع البيان،الطبري،254/13.
(2) الأنبياء8/.
(3) تفسير القرآن،علي بن إبراهيم القمي،323/2+تفسير العياشي،محمد بن مسعود،/2 237+الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،382/9.
(4) جامع البيان،الطبري،254/13.
(5) البقرة255/.
(6) جامع البيان،الطبري،7/3.
(7) مجمع البيان،الطبرسي،362/2.
(8) جامع البيان،الطبري،7/3-8.
ص: 415
و قد أشبعت هذه المسألة بحثا في مكان آخر في هذه الرسالة بيّنت خلاله أقوال جملة من المفسرين و آرائهم في معنى الكرسي و صوبنا قول الإمام الباقر(عليه السّلام) هناك و قول ابن عباس.
5-في قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ (1).اختلف في معنى الآية على أقوال:
-عن ابن عباس و مجاهد و الثوري:إلا ما أريد به وجهه (2).
-و في رواية عن مجاهد إنه:علم العلماء إذا أريد به وجه اللّه (3).
-و عن غير واحد:إلا هو (4)،أي:ذاته المقدسة.
-عن الإمام الباقر(عليه السّلام):يعني:كل شيء هالك إلا دينه (5).
و يؤيد ما ذهب إليه الإمام الباقر(عليه السّلام)قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (6)و كذلك قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ (7)و قوله تعالى: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ (8).
و إن الحتميات التاريخية ليس لها سبيل إلا الطريق الاعتقادي،و إلا فإنّ العلم لا يخبر عن المستقبل إلا عن طريق التنبؤ،لكن الطريق الاعتقادي كالقرآن الكريم الذي قام الدليل العقلي على أنه من عند اللّه العليم بمخلوقاته علما أزليا، سرمديا،يخبرنا بهلاك كل الأفكار و الأديان في آخر الزمان إلا ما أريد به وجهه تعالى،و قد دلت الآيات الكريمة على أنه لن ينال رضا اللّه تبارك و تعالى إلا من آمن بالإسلام و عمل بالأركان و لذلك يؤسس قول الإمام الباقر(عليه السّلام)لبنة في نظرية شمولية للحتميات التاريخية المستفادة من القرآن الكريم.
********
(1) القصص88/.
(2) زاد المسير،ابن الجوزي،252/6+مدارك التنزيل،النسفي،249/3.
(3) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،306/5.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،322/13.
(5) تفسير القرآن،علي بن إبراهيم القمي،87/2+التبيان في تفسير القرآن،الشيخ الطوسي،165/7.
(6) التوبة33/.
(7) آل عمران19/.
(8) آل عمران85/.
ص: 416
و قد نقلنا في مكان آخر أقوال اكثر المفسرين و تصويباتهم في تفسير هذه الآية و رجحنا هناك قول الإمام الباقر(عليه السّلام)لما يعضده من آيات قرآنية يفيد ظاهرها المعنى الذي ذهب إليه.
هناك بعض الآيات التي قد فسرها الإمام الباقر(عليه السّلام)،و لم نجد لغيره من صحابة و تابعين قولا فيها،و قد يوافقه بعض المفسرين أو يخالفه،و هذه بعض الأمثلة:
1-في قوله تعالى: إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا (1).
سئل الإمام الباقر(عليه السّلام):أ كان عيسى بن مريم حجة للّه على أهل زمانه؟ فأجاب:كان يومئذ نبيا حجة للّه غير مرسل أما تسمع لقوله تعالى حين قال: إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا قيل:فكان يومئذ حجة للّه على زكريا في تلك الحال و هو في المهد؟فقال:كان عيسى(عليه السّلام)في تلك الحال آية للناس و رحمة من اللّه لمريم حين تكلم فعبر عنها،و كان نبيا حجة على من سمع كلامه في تلك الحال،ثم صمت و لن يتكلم حتى مضت له سنتان و كان زكريا الحجة للّه تعالى بعد صمت عيسى بسنتين ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب و الحكمة و هو صبي صغير أما تسمع قوله(عزّ و جلّ) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (2)،فلما بلغ عيسى(عليه السّلام)سبع سنين تكلم بالنبوة و الرسالة حين أوحى اللّه إليه،فكان عيسى الحجة على يحيى و على الناس أجمعين (3).
لم ينقل عن غير الإمام الباقر(عليه السّلام)هذا التفصيل في تفسير الآية و في توضيح هذه المسألة،عدا ما ذهب إليه سفيان الثوري فقال:معنى الآية يؤتيني الكتاب و يجعلني نبيا إذا بلغت (4)،و عن عكرمة قال:معنى الآية
********
(1) مريم30/.
(2) مريم12/.
(3) الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،43/2-44.
(4) تفسير القرآن الكريم،سفيان الثوري،143.
ص: 417
قضى فيما قضى أن أكون كذلك (1)،و قد رجح ابن الجوزي قول سفيان و عكرمة (2).
غير أن القرطبي اختار قول الإمام الباقر(عليه السّلام)في أن تكلم عيسى في المهد أنه رحمة لأمه مريم و حجة على الناس فإن كان كذلك فقد خلص إلى تأييده،و إن كان خلاف هذا اعتبر الثاني هو الصحيح (3).
2-في قوله تعالى: ...وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا... (4).
اختلف فيها على أقوال:
-عن ابن عباس يقول:و رحمة من عندنا،و كذا قال عكرمة و قتادة و الضحاك و زاد:لا يقدر عليها غيرنا،و زاد قتادة:رحم اللّه بها زكريا.
-و قال مجاهد:و تعطفا من ربه عليه.
-و قال عكرمة في رواية أخرى:محبة عليه.
-و قال ابن زيد:أما الحنان فالمحبة (5).
-و نقل عن الطبري قوله:بسنده عن عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة عن ابن عباس أنه قال:لا و اللّه ما أدري ما حنانا (6).
و عن الإمام الباقر(عليه السّلام)قال:معناه تحنن اللّه عليه كان إذا قال يا رب،قال اللّه:لبيك يا يحيى (7).
و قال ابن كثير:و الظاهر من السياق أن قوله وَ حَناناً مِنْ لَدُنّا معطوف على قوله آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أي و آتيناه الحكم و حنانا و زكاة و جعلناه ذا حنان و زكاة،فالحنان هو المحبة في شفقة و ميل (8).
********
(1) الدر المنثور،السيوطي،270/4.
(2) زاد المسير،ابن الجوزي،228/5.
(3) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،102/11-103.
(4) مريم13/.
(5) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير،113/12.
(6) ظ:المصدر نفسه و الصفحة.
(7) مجمع البيان،الطبرسي،506/6.
(8) تفسير القرآن العظيم،ابن كثير الدمشقي،113/3.
ص: 418
و يكون بهذا قد انفرد الإمام الباقر(عليه السّلام)في تفسير هذه الآية عن غيره من مفسري الصحابة و التابعين.
3-و انفرد الإمام الباقر(عليه السّلام)بإضافة صنف رابع لخلق اللّه تعالى،حينما فسر قوله تعالى: وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)فقال الإمام الباقر(عليه السّلام):و منهم من يمشي على اكثر من ذلك (2).استفاد الإمام في إضافة ما يمشي على اكثر من أربع من قوله تعالى يَخْلُقُ اللّهُ ما يَشاءُ التي أفادت العموم و لم تختص بخلق معين،و لم نجد في حدود ما اطلعنا عليه على تفسير بهذه الإضافة لغير الإمام الباقر(عليه السّلام)من مفسري الصحابة و التابعين.
4-في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ... (3).
الخطاب في الآية للنبي محمد(صلى الله عليه و آله)و تدخل فيه أمته من بعده (4)،قال ابن عباس هو أمر بجهاد الكفار بالسيف (5).أما المنافقين فقد اختلف في معنى جهادهم على أقوال:
-فالمأثور عن الإمام الباقر(عليه السّلام)قال:أنه أمر بجهاد الكفار،و المنافقين بإلزامهم الفرائض (6).
-نقل عن ابن عباس:بأن المراد بجهاد المنافقين باللسان أي:بإقامة الحجة عليهم و الوعظ لهم،اختاره الجبائي.
-و نقل عن الحسن و قتادة:أن جهاد المنافقين هو بإقامة الحدود عليهم (7).
********
(1) النور45/.
(2) مجمع البيان،الطبرسي،148/7+الصافي في تفسير القرآن،الفيض الكاشاني،175/2.
(3) التوبة73/.
(4) الجامع لأحكام القرآن،القرطبي،204/8.
(5) المصدر نفسه و الصفحة.
(6) كنز العرفان في فقه القرآن،المقداد السيوري،30/2.
(7) الجامع لأحكام القرآن القرطبي،204/8.
ص: 419
و بينا فيما سبق أن المفسرين قد صوبوا رأي الإمام الباقر(عليه السّلام)،إذ إلزام المنافقين بالفرائض هو المطلوب لأن التعامل معهم عمدته الظاهر،و رجحناه أيضا لما فيه من بعد نظر و إصابة،و هو يعد من انفراداته في التفسير و لعل في هذا القدر من الأمثلة كفاية في بيان مقارنة آرائه و بيان قوتها و مدى اعتماد المفسرين عليها و ترجيحهم لها،و إلا فان معظم ما نقل عنه من أقوال و آراء فسر فيها مثلا آيات الأحكام يعد مما انفرد به الإمام الباقر(عليه السّلام)في التفسير،أ كان موافقا لآراء من جاء بعده أم مخالفا،و قد عقدت فصلا مستقلا لجهوده في تفسير آيات الأحكام فيما تقدم.
أثره في غيره
عرف الإمام الباقر(عليه السّلام)بسعة علومه و معارفه،و ذاع صيته بين التابعين و شاع أمره بين الناس،فاقبل بعض المعاصرين له عليه،يروون عنه و يأخذون من علمه،و يستفتونه فيما يحدث بينهم من قضايا و مسائل تحتاج إلى وضع حل أو إصدار فتوى عجز عنها الكثيرون،فرحل إليه طلاب العلم من الأمصار الإسلامية و اخذوا عنه علما غزيرا،و كان من جملة ما اخذوا تفسير القرآن الكريم فقد كانوا يسألونه عن بعض الآيات الكريمة التي غمض عليهم معناها أو أشكل عليهم فهمها،أو يسمعونه يفسر آية أو يشرح كلمة من كتاب اللّه،و قد انتشر هؤلاء التلاميذ فيما بعد في الأمصار الإسلامية،بعد ما تحملوا عنه تفسير كتاب اللّه الذي علموه للناس و نشروه بينهم حتى عرف بعضهم به و صار من أئمة التفسير.
عاش الإمام الباقر(عليه السّلام)في المدينة المنورة،فلم يخرج منها،و كان يعقد مجالسه العلمية في مسجدها يستفتيه الناس في مسائلهم،و يسألونه عن تفسير القرآن الكريم.
و كان في المدينة المنورة و الكوفة اتجاهان في تفسير كتاب اللّه:
ص: 420
و يمكن أن نسميه بالاتجاه العام،الذي نبغ فيه جملة من المفسرين و اشتهروا فيه و كانت لهم قدم راسخة في تحصيل مفرداته،و قد بين ابن تيمية مكانة أهل المدينة و أهل الكوفة في ذلك العصر بقوله:كان أعلم الناس به أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس...و كذلك أهل الكوفة من أصحاب ابن مسعود...
و علماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن اسلم الذي اخذ عنه مالك التفسير، و أخذه عنه أيضا ابنه عبد الرحمن،و عبد اللّه بن وهب (1).
و قد كان هناك-أي في المدينة-غير زيد بن اسلم مثل:محمد بن كعب القرظي المعروف بالتفسير أيضا و غيرهما،ممن لهم آراء في التفسير و لكنها قليلة كعروة بن الزبير (2)،و سعيد بن المسيب (3)،و الزهري (4)،و أبي الزناد (5).
أما في الكوفة التي قامت مدرستها على الصحابي الجليل عبد اللّه بن مسعود (ت:32 ه)فقد كان صاحب مصحف معروف،و كان مفسرا للقرآن،و حافظا له،و مقرئا فيه،و كان هناك جملة من تلامذته منهم:علقمة بن قيس(ت:61 ه)و مسروق بن الأجدع(ت:63 ه)و الأسود بن يزيد(ت:75 ه)و عامر الشعبي(ت:105 ه)و أمثالهم من المفسرين الأول لنتف من آيات القرآن سائرة في ركاب علم الحديث.
و يمكن أن نسميه بالاتجاه الخاص؛و الذي تمثل بآل البيت و خاصة الإمام علي بن الحسين زين العابدين و الإمام محمد بن علي الباقر و الإمام جعفر بن محمد الصادق، و كان لهم تلامذتهم الكثيرون،غير إنني سأقتصر على ذكر من تأثر منهم بالإمام الباقر و نقل عنه آراءه في التفسير.
********
(1) مقدمة في أصول التفسير،ابن تيمية،71-72.
(2) ظ:مشاهير علماء الأمصار،البستي،64.
(3) ذكره ابن تيمية في المفسرين التابعين،ظ:مقدمة في أصول التفسير،101.
(4) و كان موصوفا بأنه عالم بالقرآن و السنة،ظ:تذكرة الحفاظ،الذهبي،109/1+الإمام الزهري و أثره في السنة،أستاذنا الدكتور حارث سليمان الضاري،165-166.
(5) ظ:تذكرة الحفاظ،الذهبي،134/1-135.
ص: 421
و قبل ذلك أود أن أشير إلى حقيقة مهمة هي أن أولئك الذين تأثروا بالإمام الباقر كان جلهم من الكوفة و القليل منهم من الأمصار الإسلامية الأخرى و أظن أن الأسباب في ذلك معروفة لدى الجميع،و يمكن تقسيمهم إلى طبقتين رئيستين، و لا مانع أن يكون أي واحد من كلا الطبقتين مرة من الأولى و أخرى من الطبقة الثانية للتداخل الحاصل بينهما،و يمكن أن نسمي هاتين الطبقتين ب:
1-أبان بن تغلب(ت:141 ه)
ولد بالكوفة،و رحل إلى المدينة المنورة،و تتلمذ هناك على الإمام زين العابدين أولا ثم على الإمام الباقر،و انقطع إليه،و استقر بالمدينة،و كان من ابرز علماء عصره،قال له الإمام الباقر:اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فأني أحب أن أرى في شيعتي مثلك (1).
و قال له الإمام الصادق:يا أبان ناظر أهل المدينة،فإني أحب أن يكون مثلك من رواتي و رجالي (2).
و قد تأثر أبان بالإمام الباقر(عليه السّلام)،و نقل عنه آراءه في التفسير،و كان معتمدا عند العلماء و ذكر له قراءة مفردة مشهورة بين القراء (3).
و كان أبان من ثقاة التابعين المشهورين بالتفسير،قال فيه العجلي:إنه ثقة، و قال الذهبي: وثقه أحمد و يحيى و أبو حاتم و النسائي و ابن عدي و الحاكم، و قال أيضا:شيعي جلد و لكنه صدوق (4).
و ذكر ابن النديم أن له من الكتب معاني القرآن (5)،و كتاب غريب القرآن ذكر شواهده من الشعر (6)،و هذان الكتابان من مفقودات التراث العربي الإسلامي.
********
(1) معجم الأدباء،ياقوت الحموي،108/1.
(2) الخلاصة،العلامة الحلي،21.
(3) ميزان الاعتدال،الذهبي،5/1+تنقيح المقال،المامقاني،3/1.
(4) ميزان الاعتدال،الذهبي،5/1.
(5) الفهرست،ابن النديم،276+معجم رجال الحديث،الخوئي،23/1.
(6) معجم رجال الحديث،الخوئي،23/1.
ص: 422
و وردت له في فصول هذه الرسالة العديد من الروايات التفسيرية التي كان فيها أثر الإمام الباقر(عليه السّلام)واضحا جليا.
2-جابر بن يزيد الجعفي(ت:128 ه)
كان عالما بالقرآن قارئ،فاضلا،شديد الحرص على التعلم،و له اهتمام في معرفة معاني القرآن،و قد وثقه شعبة بقوله:كان جابر إذا قال:حدثنا و سمعت فهو من أوثق الناس،و قال زهير بن معاوية:إنه من أصدق الناس (1)،و قال وكيع:مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابر ثقة،و قال سفيان الثوري لشعبة:لان تكلمت في جابر لا تكلمن فيك (2)،و قال فيه أيضا:ما رأيت في الحديث أورع من جابر الجعفي و هو صدوق في الحديث (3).
أذن كان جابر من أعلام العلماء و ثقاتهم و من أجلّ المفسرين،و كان منقطعا لأهل البيت و خاصة للإمام الباقر(عليه السّلام)،فقد روي إنه حدث عن الإمام الباقر(عليه السّلام)بأكثر من سبعين ألف حديث (4)،و إن كان في هذا الرقم من المبالغة الشيء الكثير فهذا لا يمنع من الاستدلال على كثرة ما روى عن الإمام.
و هو إمام في التفسير،أخذه عن الإمام الباقر(عليه السّلام)و صنف تفسير القرآن (5)، يقول الشيخ القيسي:و ممن اشتهر و صنف في التفسير من التابعين جابر بن يزيد الجعفي(ت:128 ه) (6)،و في حديثه عن علم طبقات المفسرين قال:و في المائة الثانية ظهر من تفاسير التابعين جابر بن يزيد الجعفي (7).
غير أن تصنيفه هذا لم يصل إلينا،و لم نعرف له طريقا سوى نقول متفرقة في كتب الحديث و التفسير عند الفريقين كلها رواية عن الإمام الباقر(عليه السّلام)،يقول صاحب مذاهب التفسير الإسلامي:أن أول كتاب وضع الأساس الشيعي في
********
(1) تهذيب التهذيب،العسقلاني،47/2.
(2) المصدر نفسه و الصفحة.
(3) ميزان الاعتدال،الذهبي،383/1+معجم رجال الحديث،الخوئي،24/4.
(4) المصدر نفسه و الصفحة.
(5) الشيعة و فنون الإسلام،حسن الصدر 15.
(6) تاريخ التفسير،الشيخ قاسم القيسي،53.
(7) المصدر نفسه،66.
ص: 423
التفسير هو تفسير القرآن الذي وضعه في القرن الثاني للهجرة جابر الجعفي(ت:128 ه)و لكن هذا الكتاب غير موجود و لا يعرف إلا عن طريق نقول متفرقة (1).
3-السدي(ت:127 ه)
هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة،أبو محمد،القرشي،الكوفي، أخرج له الستة إلا البخاري (2)،و قد اشتهر بالتفسير حتى لقب بالمفسر (3).
كان عالما،فقيها،مفسرا،فاضلا قال يحيى القطان:لا بأس به،و قال أحمد:ثقة،و قال ابن عدي:هو عندي صدوق (4).
و كان من رواة الإمام الباقر(عليه السّلام) (5)،و قد صنف في التفسير كتابا،قال السيوطي:أمثل التفاسير تفسير إسماعيل السدي،روى عنه الأئمة مثل الثوري و شعبة (6).
غير أن تفسيره لم يصل إلينا سوى روايات مبثوثة في كتب الحديث و التفسير،و قد نقلنا بعضا منها فيما نقلناه عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في علوم القرآن و التفسير توضح فيها أثر الإمام في هذا المفسر المعروف.
4-زياد بن المنذر أبو الجارود(ت:131 ه)
اشتهر أبو الجارود بالرواية عن الإمام الباقر(عليه السّلام)في التفسير و قد اخذ عنه العلماء تلك الروايات و دونوها في تفاسيرهم،و ذكر أن له كتابا في التفسير بإملاء الإمام الباقر(عليه السّلام)،قال ابن النديم في تسمية الكتب المصنفة في التفسير:كتاب الباقر(عليه السّلام)محمد بن علي(عليه السّلام)بن الحسين(عليه السّلام)بن علي(عليه السّلام)رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية الزيدية (7).
********
(1) مذاهب التفسير الإسلامي،كولد زيهر،303.
(2) ظ:التهذيب،العسقلاني،113/1-114+التقريب،العسقلاني،71/1-72+الجرح و التعديل،ابن أبي حاتم،184/2-185.
(3) تنقيح المقال،المامقاني،136/1.
(4) ميزان الاعتدال،الذهبي،23/7.
(5) الخلاصة،العلامة الحلي،8.
(6) الاتقان،السيوطي،188/2+تاريخ التفسير،الشيخ القيسي،66.
(7) الفهرست،ابن النديم،36.
ص: 424
قال حسن الصدر:و قد رواه عنه-أي الكتاب-أيام استقامته جماعة من الثقاة منهم أبي بصير الأسدي (1).
و ذكر الشيخ باقر القرشي:أن هذا التفسير حققه أحد الباحثين و هو الأستاذ شاكر الغرباوي إلا أنه لم يقدمه للنشر (2)،و قد أجرينا اتصالا شخصيا مع هذا الباحث فأكد أنه لم يعثر على هذا التفسير و لكنه كتب بحثا عن زياد بن المنذر و لم ينشره.
غير إننا وجدنا في تفسير البرهان لعلي بن إبراهيم بن هاشم الاشعري نسبا، و الكوفي مولدا و نشأة،و القمي هجرة و شهرة،و هو من علماء التفسير في القرن الرابع في الكوفة،وجدنا روايات عن أبي الجارود عن الإمام الباقر(عليه السّلام)بلغت (136)رواية تفسيرية حصرا.
و وجدنا أيضا في تفسير،ابن النضر:محمد بن مسعود بن محمد السلمي، الكوفي الذي نقحه علي بن إبراهيم الكوفي المتقدم و هو المعروف ب(تفسير العياشي)أقول:وجدنا(14)رواية فقط لزياد بن المنذر ينقل فيها تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)و آراءه،و مهما يكن من أمر،فقد بات أثر الإمام الباقر(عليه السّلام)فيه واضحا فهو ممن حمل آراءه و نشرها بين الناس،غير إننا توقفنا في قبول تلك الروايات بمجموعها إلا عدد قليل منها عرضتها في ثنايا هذه الرسالة لمطابقتها لروايات جاءت بطرق صحيحة،و كان توقفنا في قبول رواياته بسبب اختلاف علماء الجرح و التعديل من الفريقين في توثيقه.
و ممن ذكر أن له كتابا في التفسير أيضا أبو حمزة الثمالي،فقد قال ابن النديم:كتاب تفسير أبي حمزة الثمالي،و اسمه ثابت بن دينار و كنية دينار أبو صفية و كان أبو حمزة من النجباء الثقاة،صحب أبا جعفر (3).
غير أن هذا التفسير لم يصل إلينا كغيره سوى روايات مبثوثة في كتب التفسير و الحديث خاصة عند الإمامية فهو ممن اشتهر في التفسير عندهم و آراؤه و أقواله مبثوثة في كتبهم.
********
(1) الشيعة و فنون الإسلام،حسن الصدر،14.
(2) حياة الإمام الباقر(عليه السلام)،باقر شريف القرشي،182/1-183.
(3) الفهرست،ابن النديم،36.
ص: 425
و كذلك فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي،صاحب التفسير المعروف ب (تفسير فرأت)،المقصور على روايات آل البيت فقط،و قد أحصيت ما رواه في تفسيره عن الإمام الباقر(عليه السّلام)فكانت(107)رواية مع المكرر،و هو من علماء القرن الثالث الهجري (1)،و تفسيره مطبوع و أثر الإمام الباقر(عليه السّلام)فيه جلي فالتفسير لا يعدو أن يكون تفسيرا بالمأثور إذا جاز لنا أن نسميه بذلك.
و هم الذين رووا التفسير عن آل البيت و خاصة الإمام الباقر(عليه السّلام)حتى أنهم تقيدوا بنقل تلك الآراء و الأقوال رواية فقط،و كانوا كثيرين بكثرة ما روي عن الإمام من علوم و معارف،غير أن من غلب عليه طابع نقل الرواية التفسيرية عدد قليل و قد ذكرناهم جميعا في الفصل الثالث من الباب الأول،و كان في طليعتهم و البارزين منهم حتى عدوا أعلاما و مشاهيرهم:زرارة و حمران ابنا أعين،و محمد بن مسلم الطائفي،و بريد بن معاوية العجلي،و معروف بن خربوذ،و أبو بصير الأسدي الكوفي و غيرهم (2).
كان هؤلاء الرواة الذين تأثروا بالإمام الباقر(عليه السّلام)و نقلوا آثاره إلى غيرهم من الناس،يعدون بحق من أوائل المفسرين لكتاب اللّه من التابعين و أتباعهم، و قد اخذوا عن الإمام مباشرة و كانوا يشدون الرحال إليه،أما إلى المدينة المنورة حيث مكان أقامته أو إلى مكة المكرمة حيث حج البيت و أداء المناسك فيستغلون فرصة وجوده ليسألوه و يأخذوا عنه،و قد امتازت روايتهم بالدقة و الضبط و الأمانة فهم معروفون بالوثاقة و الدراية و حفظ الرواية.و تجدر الإشارة هنا إلى حقيقة أخرى و هي:أن بعض الذي نقل عن الإمام الباقر(عليه السّلام)وجدنا أنه منقول أيضا عن بعض المعاصرين له أمثال:قتادة بن دعامة و طاوس اليماني و عكرمة البربري و الحسن البصري و غيرهم.
و يمكن أن نقول:أن هذا الاتفاق في الرأي و القول له وجهان:
********
(1) القرآن في الإسلام،محمد حسين الطباطبائي،61.
(2) انظر مصادر ترجمتهم و توثيقهم في الفصل الثالث من الباب الأول من هذه الرسالة.
ص: 426
الوجه الأول:أن هؤلاء العلماء الأعلام قد اخذوا التفسير عن الصحابة أمثال أبي بن كعب و عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّه بن عباس،و هؤلاء بدورهم قد أخذوه عن رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،و نحن نعلم أن في طليعة الصحابة و مقدمهم في التفسير هو الإمام علي بن أبي طالب(عليه السّلام)،فقد كان موئلا للصحابة و مقصدا للناس في السؤال و الاستفسار عن المعاني القرآنية المشكلة،فلا مانع أن يكون ذلك التوافق من قبيل أن الجميع كان مصدرهم بعد القرى،نفسه رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و بعده الإمام علي(عليه السّلام)،فإذا كان الأمر كذلك فان آراء و أقوال الإمام الباقر(عليه السّلام)مأخوذة عن أبيه عن جده عن الإمام علي(عليه السّلام)،فالمصدر واحد بالنسبة للجميع.
الوجه الثاني:قد يكون هذا التوافق بين الآراء من باب التوارد،و هذا ليس مستبعدا بل أن واقع الحال ينطق به فكثيرا ما نجد أقوالا لأحد المفسرين و نجدها بعينها عند مفسر آخر معاصر له و لم يلتق به.
أما إذا تحققت اللقيا،مثلما حصل بين الإمام الباقر(عليه السّلام)و قتادة و بينه و بين الحسن البصري،و بينه و بين طاوس اليماني،و عثرنا لهؤلاء الأعلام على آراء و أقوال توافق آراءه و أقواله نستطيع أن نقول:أنهم اخذوا عن الإمام و تأثروا به و إن لم يصرحوا باسمه.
و مهما يكن من أمر،فإننا نستطيع أن نقول:أن عملية التأثير و التأثر و ما ينتج عنهما من اثر هي عملية تشابك و تمازج في الأفكار و الطروحات،فمن الصعب أن نحصل على معرفة دقيقة و تعيين علمي موضوعي في من هو المؤثر و من هو المتأثر لصعوبة الفصل بينهما و خاصة إذا كانا يعيشان في عصر واحد لا يفصل بينهما زمن بعيد.
فالرأي عندي أن الإمام الباقر(عليه السّلام)قد أثر في جملة من مفسري التابعين و ظهر ذلك في أقوالهم و آرائهم و كذلك بالنسبة للإمام الباقر(عليه السّلام)فقد تأثر كل واحد منهما بالآخر،لان كلا الطرفين وليد بيئة مشتركة و ثقافة متمازجة و منهل واحد-القرآن الكريم و السنة الشريفة-
ص: 427
فما نقل عن أحدهم يمثل امتدادا طبيعيا لأقوال غيره،عدا ما نقل عن الإمام الباقر في تفسيره لآيات الأحكام،و السبب واضح في هذا الانفراد إذ أن الإمام الباقر(عليه السّلام)كان معروفا بينهم بفقه متميز،له أدلته الخاصة من القرآن و السنة و اجماعات الصحابة،و نفس الشيء بالنسبة لغيره في تحصيل تلك الأدلة،و يبقى التفاوت ملحوظا بينهم في سعة الاطلاع و قوة الاستنباط و العلم بفتاوى الصحابة و اختلافاتهم الفقهية و قديما قيل:
أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
و أخيرا:فقد بدا أثر الإمام الباقر(عليه السّلام)واضحا في اتباع التابعين أيضا و خاصة من ثقاة رجال الشيعة الإمامية الذين حملوا علم من سمع الإمام الباقر و صحبه و نشروا ذلك في الأمصار الإسلامية رائدهم جميعا خدمة القرآن الكريم.
***
ص: 428
الحمد للّه الذي وفقني لإتمام هذه الرسالة،أود هنا أن أسجل ما استطعت استخلاصه من فصول البحث لتكون نتائج لا بد من تسجيلها مجاراة لعرف سارت عليه البحوث الأكاديمية،و أهم تلك النتائج بإيجاز:
1-أن الإمام الباقر(عليه السّلام)شخصية إسلامية من التابعين في الطبقة الثالثة منهم،و هو حفيد رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،نشأ في بيت والده علي بن الحسين زين العابدين و سيد الساجدين،فكان الإمام الباقر(عليه السّلام)متأثرا بأبيه أدبا و خلقا و علما،فقد تمتع بخلق رفيع و أدب عال و علم واسع،و لقب بألقاب عديدة كان أبرزها الباقر(عليه السّلام)لتميزه بغزارة العلم و سعة المعارف و انتشار ذلك عنه في الآفاق الإسلامية و هجرة طلاب العلم إليه،فهو صاحب المنزلة الرفيعة و المكانة المتميزة و ذلك لتفرده بصفات قلما توجد بواحد مجتمعة فيه غيره،و كيف لا و قد نشأ في بيت الرسالة و مهبط الوحي و مصدر العلم و الإشعاع في المدينة المنورة،و في البيت الهاشمي العلوي،كان جده الإمام الحسين و أبوه يغذيانه بالأخلاق الكريمة و يفيضان عليه سيلا من الصفات الحميدة،و يعلمانه السلوك النير و يأخذان بيده في الاتجاه السليم فكان لهما ما أرادا و أراد اللّه سبحانه و تعالى،زاهدا في دنياه، و رعا في تعامله،و اصلا لرحمة و إخوانه،كثير الصدقات،ظاهر الكرم،حليما صبورا،عابدا كثير البكاء من خشيته للّه تعالى،راض نفسه الشريفة على تحمل المصاعب و المكاره،و حرمانها من ملاذ الحياة الدنيا،فجاءت وصاياه و مواعظه دروسا في الأخلاق و منهاجا للتربية الإسلامية الصحيحة لما تنطوي عليه من إجراءات وقائية و أخرى علاجية تقوم السلوك الإنساني و تجعل منه فياضا بالخير و الفضيلة.
2-كانت حياة الإمام الباقر(عليه السّلام)حافلة بأعمال جليلة و مآثر عظيمة،فقد فتحت في عصره معاهد العلم و عقدت مجالس البحث لدراسة الفقه و الحديث
ص: 429
و التفسير و سائر العلوم الأخرى،و كانت حلقة درسه تنعقد بالمسجد النبوي الشريف تضم كبار التابعين و أعيان الفقهاء من المدينة المنورة و غيرها من الأمصار على حد سواء،و كان له فضل لا يستهان به مع جهود العلماء الآخرين في إنارة مجالس البحث و حلقات الدرس،فكان هو أحد مصادر الوعي و التوجيه في الأمة الإسلامية آنذاك،و ظهرت مشاركته في علم الحديث و السيرة و الفقه و أصوله،فكان مبرزا في كل واحد من هذه العلوم فما خاض في أي منها إلا أعطاه حقه و كشف عن مراميه و مقاصده.
3-و من المفاخر التي اضطلع بها رجال هذه الأمة هي تحريرهم للنقد العربي الإسلامي من التبعية الأجنبية،و قد شارك الإمام الباقر في ذلك التحرير مشاركة فعالة،و اقترح على الخليفة الإسلامي آنذاك أن يضرب السكة في البلاد الإسلامية و أن يصدر أمرا بمنع التداول بغير العملة الإسلامية الجديدة.
و من الجدير بالذكر أن الإمام الباقر كان من أعلم أهل زمانه و سيد الهاشميين و أفضلهم في عصره و لم يكن ليحيا حياة العزلة أو ينضم في زوايا الخمول،بل كانت له شهرة واسعة و لمدرسته العلمية أثر في توجيه الفكر تخرج منها جملة من أعلام هذه الأمة.
4-أن روايات الإمام الباقر(عليه السّلام)عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)و عن بعض الصحابة رضي اللّه عنهم و إن لم يلتق بهم فهي من حيث الإرسال-إذا سلمنا به-أو الإسناد الذي كشف عنه فهي حجة بلا خلاف على مبنى الإمامية إن صح سندها إليه و إلا فهي تعامل عندهم معاملة بقية الأخبار التي فيها الموثق و الضعيف و الحسن.
و على مبنى جمهور العلماء فأرجو:أن تعامل رواياته تلك كروايات سعيد بن المسيب أو الحسن البصري،لتضييق دائرة الخلاف بين المسلمين و تقريب و جهات النظر بعضها من البعض الآخر حتى يفوت المسلمون على أعدائهم فرصة التغلغل بين صفوفهم.
ص: 430
5-كان للإمام الباقر معالم واضحة و دلالات بينة في سلوك منهج تفسير القرآن بالقرآن،فقد كان اعتماده عليه واضحا،فهو يرى الترابط بين أجزاء القرآن،و أن بعضه يفسر بعضا و كان جديرا بهذا التفسير و ربطه الآيات بالآيات و توضيحه مواضع بعضها بالمواضع الأخرى،و رأينا طريقته في الجمع بين الآيات المتفرقة للوصول إلى معنى مشترك منها ليتوصل إلى فهم دقيق للمراد القرآني.
6-التزامه التزاما دقيقا في اعتماده السنة النبوية الصحيحة الصدور، و كان متمسكا بسيرة جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)اعتقادا و سلوكا،و كانت عنده لها من القدسية ما جعله معها مؤرخا مختصا بالسيرة النبوية الشريفة.
7-اللغة هي الأساس في التعبير القرآني،و قد أوصى الإمام الباقر(عليه السّلام)بالرجوع إليها في الكثير من الأحيان لبيان بعض المعاني و الألفاظ القرآنية،و كان له استنباطات كثيرة بكثرة ما روي عنه في التفسير،فقد كان غواصا في المعاني مقتنصا لشوارد المسائل،متلمسا وجه العلة و مناسبة الحكم فأثرت عنه مجموعة من التعليلات الراجحة و التأويلات المقبولة.
8-أن الإمام الباقر(عليه السّلام)لم ينكر صحة صدور حديث الأحرف السبعة عن جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)،بل أراد أن يوجه الحديث وجهة أخرى غير ما تعارف عليه جمع من المسلمين آنذاك من أن المقصود بالأحرف السبعة هي القراءات السبع فأراد إزالة الالتباس و التوهم و التفريق بينهما،فلذلك قال:إن القرآن واحد،نزل من عند الواحد،و إنما الاختلاف يجيء من قبل الرواة.
9-أولى الإمام الباقر(عليه السّلام)القصة القرآنية عنايته البالغة و اهتمامه الشديد،فإنك تشعر أن روايته القصصية تجعل المرء يعيش أجواء الآيات القرآنية بانسيابية و هدوء دون أثر لدس إسرائيلي أو خبر يهودي يشوه جمال النص القرآني،و نجده أيضا قد التزم المنهج النبوي في الاستشهاد
ص: 431
بأخبار أهل الكتاب فيسمع ما عند الناس ثم يعرض ذلك على منهج الإسلام فإن وافق النصوص من قرآن أو حديث من غير تضاد أو اضطراب اعتمده،و إن كان لا يوافقه طرحه و تركه،و لمسنا أيضا في أقواله تفرده في إظهار الجانب التربوي و الأخلاقي في القصة القرآنية لمكان العبرة و العظة ملتزما بالمنهج القرآني و النبوي.
10-كان لآيات العقائد حصة وافرة من تفسير الإمام الباقر(عليه السّلام)، فقد فسر تلك الآيات المتعلقة باللّه تعالى وجودا و صفة و المتعلقة بالمرسلين و الإيمان باليوم الآخر بأسلوب خال من التطرف،مبتعدا عن التعسف فأضاف للعقول الإسلامية ثروة كبرى إذ استنار بآرائه جملة من العلماء، فكان يمثل خير مدافع عن الحقيقة القرآنية كما هي قبالة التيارات الإلحادية المضادة للإسلام التي أرادت خلق فهم مضلل للقرآن الكريم فوقف في وجهها و تصدى لها،و أكد على أن الفهم الصحيح لمسائل العقيدة لا بد أن يستند إلى القرآن الكريم و إلى قواطع العقل،و لا بد من إحالة المتشابه على المحكم،فكان بذلك علما بارزا كأحد أعلام هذه الأمة في تأصيل هذا النهج و تعميم الأخذ به.
11-التزم الإمام الباقر(عليه السّلام)في تفسيره لآيات الأحكام بالتمسك بالقرآن الكريم و السنة الشريفة و فتاوى الصحابة،فإن لم يجد اجتهد برأيه و غاص في استنباط الحكم الشرعي و في مقام الاستدلال على مسألة معينة و خاصة في محاوراته الفقهية،و كان يوصل المعلومات في بعض الأحيان بحركات من جسمه إن تطلبت الضرورة و وجدنا ذلك واضحا في إجرائه لوضوء جده رسول اللّه(صلى الله عليه و آله)عند ما سئل عن ذلك،و قد شكلت آراؤه و أقواله ثروة فقهية ضخمة كونت فيما بعد فقها متميزا عرف بعد حين بفقه آل البيت.
12-عاش الإمام الباقر(عليه السّلام)شطرا من حياته موجها و مرشدا و ناصحا للامة و تربويا عظيما لمن أخذ عنه فقد كان في سلوكه قدوة و في
ص: 432
تصرفاته منارا و كيف لا يكون كذلك و هو يحس قبل غيره بعظم المهمة الملقاة على عاتقه و عاتق علماء عصره في التوجيه و الإرشاد و الدعوة إلى اللّه،و بعظم المسئولية و خطورة هذا الموقف فارتقى بنفسه أولا إلى معاني الأخلاق الفاضلة و الصفات الحميدة فكان مثار إعجاب الناس عامة و العلماء خاصة،فلذلك يمكن أن نقول إن سلوك الإمام الباقر(عليه السّلام) و وصاياه التربوية و الأخلاقية و خاصة في إظهار الجانب التربوي و الأخلاقي في تفسيره تصلح أن تكون منهجا أخلاقيا فريدا،استفاد منها فيما بعد من صنف من علماء الأمة في علم الأخلاق و التربية.
13-لقد كان للإمام الباقر(عليه السّلام)مكانة في التفسير و لأقواله منزلة، ففيه من الخصائص ما جعلنا نبرزه في هذا العلم و له من الصفات ما جعلته يحتل مكانة مرموقة فيه.
14-قارنت آراءه و أقواله مع آراء غيره،فوجدت في بعضها قوة و صحة ما يذهب إليه في التفسير،و في بعضها الآخر يخالف غيره مخالفة كلية حتى أنه اشتهر بأقوال في التفسير لم تؤثر عن غيره من مفسري الصحابة و التابعين،و خاصة في مجال التفسير الفقهي.
15-أثر الإمام الباقر(عليه السّلام)في التابعين في عصره و خاصة في ثقاة رجال الشيعة الإمامية الذين أمكننا تقسيمهم إلى طبقتين،واحدة للمؤلفين و الأخرى للرواة،و تبين هناك أن أثر الإمام كان واضحا جدا فيهم،و خاصة إنني عرضت لآرائهم على ما لدي من رواية لهم في كتب تفسيرية أخرى فوجدتها تطابق آراءهم من حيث المضمون و إن اختلف الأقوال.
16-ظهر للإمام الباقر(عليه السّلام)أثر في كبار المفسرين من التابعين أمثال ابن زيد و قتادة و طاوس و الحسن البصري من خلال عرض آرائهم على رأيه و قوله،غير أننا قلنا هناك إن تسمية ذلك بالأثر فيه كثير من التجوز إذ أن العملية كلها لا تعدو أن تكون تأثيرا و أثرا متقابلين و حصر أيهما أسبق لضبط الأثر فيه ضرب من المستحيل.
ص: 433
و في الختام أرجو أن أكون سجلت بموضوعية و أمانة بعض ملامح شخصية الإمام الباقر التفسيرية كما هي من غير مبالغة أو إفراط أو تفريط و من غير تعصب أو هوى يخل بالبحث و صاحبه لعدم حاجة الإمام الباقر(عليه السّلام)لهذا و لغناه عنه فهو شخصية إسلامية،علمية،شهد بفضله و أكبر مكانته علماء الأمة الأعلام من زمن معاصريه حتى الوقت الحاضر،كما أرجو أن أكون بينت ملامح منهجه التفسيري و أعطيت صورة واضحة لذلك الجهد الذي بذله في الكشف عن مراد اللّه تعالى.
و أخيرا فمهما يكن من أمر هذا البحث،فإني قد بحثت و اجتهدت في استقصاء كل ما ورد عن الإمام الباقر و عرضته و قارنته مع أقوال غيره،و دعوت اللّه تبارك و تعالى آناء الليل و أطراف النهار ليوفقني فيه و يأخذ بيدي على جادة الحق و الصواب،فإن كان الصواب فهو إحدى أجري المجتهد و إن كان الأخرى فتلك طبيعة لازمت النفس الإنسانية لاختصاص الكمال بالله تعالى.
ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان،و اجمعنا و إياهم على لا إله إلا اللّه،محمد رسول اللّه إنك أنت الرءوف الرحيم.
و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين
***
ص: 434
-القرآن الكريم.
1-تاريخ دمشق:علي بن الحسن بن هبة اللّه بن عساكر(ت:571 ه)،من مصورات مكتبة أمير المؤمنين العامة،رقم المخطوطة 17/4/94-القطع 21*96-الجزء 51.
2-الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم:جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي من أعلام القرن السابع،النسخة مكتوبة سنة 734 ه،من مصورات مكتبة أمير المؤمنين العامة؛رقم المخطوطة 7/1/15-القطع 5،17*5،23.
3-مرآة الزمان في تواريخ الأعيان:لأبي مظفر يوسف قزاوغلي المعروف بسبط ابن الجوزي(ت:645 ه)،من مصورات مكتبة أمير المؤمنين العامة،رقم المخطوطة 17/1/22-القطع 17/5/23 س.م.الجزء الخامس.
1-آلاء الرحمن في تفسير القرآن،البلاغي،الشيخ محمد جواد،ط 1،مطبعة العرفان،صيدا،لبنان،1351 ه-1933 م.
2-الإبانة عن أصول الديانة:الأشعري،لأبي الحسن علي بن إسماعيل(ت:330 ه)،مطابع جامعة محمد بن سعود الإسلامية،الرياض،1404 ه.
3-الإبانة عن معاني القراءات:مكي بن أبي طالب حموش القيسي (ت:437 ه)،تحقيق:د.عبد الفتاح إسماعيل شلبي،مطبعة الرسالة،نشر مكتبة نهضة مصر.
ص: 435
4-الإتقان في علوم القرآن:جلال الدين السيوطي:عبد الرحمن بن أبي بكر (ت:911 ه)،تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم،مطبعة المشهد الحسيني،القاهرة،تصوير المكتبة العصرية بيروت-1408 ه1988/ م
5-إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات:الحر العاملي:محمد بن الحسن(ت:
1104 ه)،ط 1،المطبعة العلمية-قم،تصحيح السيد هاشم الرسولي المحلاتي،1379 ه.
6-إثبات الوصية:المسعودي:لأبي الحسن علي بن الحسن(ت:346 ه)،ط 4،المطبعة الحيدرية النجف،العراق،1374 ه1955/.
7-الاحتجاج:الطبرسي:أحمد بن علي بن أبي طالب(ت:653 ه)،مطبعة النعمان،النجف،العراق،1386 ه1966/ م.
8-إحقاق الحق:العلامة الحلي:جمال الدين الحسن بن يوسف(ت:726 ه)،مطبعة السعادة،القاهرة،مصر،1326 ه.
9-الأحكام في أصول الأحكام:الآمدي:سيف الدين علي بن محمد(ت:
631 ه)،مطبعة محمد علي صبيح،القاهرة،مصر،1968 م.
10-أحكام القرآن:ابن العربي:القاضي أبو بكر محمد بن عبد اللّه(ت:543 ه)،تحقيق:علي محمد البجاوي،ط 1،دار الفكر،مصر 1929 م.
11-أحكام القرآن:الجصاص:محمد بن علي الرازي(ت:370 ه)،ط 1، المطبعة البهية،مصر 1347 ه.
12-إحياء علوم الدين:الغزالي:أبو حامد محمد بن محمد(ت:505 ه)، دار المعرفة،بيروت،1402 ه1982/ م.
13-الأخبار الموفقيات:الزبير بن بكار،تحقيق:د.سامي مكي العاني، بغداد،العراق،1975 م.
14-الاختصاص:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(ت:413 ه)، تحقيق:السيد محمد مهدي الخرسان،المطبعة الحيدرية،النجف،العراق، 1390 ه1970/ م.
ص: 436
15-الاختيار لتعليل المختار:عبد اللّه بن محمد الموصلي الحنفي(ت:683 ه)،ط 3،دار المعرفة،بيروت،1395 ه-1975 م.
16-الأخلاق:السيد عبد اللّه شبر،تحقيق:جواد شبر،ط 1،مطبعة النعمان، النجف،1383 ه.
17-أخلاق أهل البيت:السيد مهدي الصدر،ط 1،مطبعة الآداب،النجف، 1391 ه1971/ م.
18-أدب الدنيا و الدين:الماوردي:أبو الحسن علي بن محمد البصري(ت:
450 ه)،تحقيق:مصطفى السقا،ط 3،مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر،1375 ه1955/ م.
19-آداب الصحبة و المعاشرة مع أصناف الخلق:الغزالي:أبو حامد محمد بن محمد(ت:505 ه)،تحقيق:د.محمد سعود المعيني،ط 1،مطبعة العاني، بغداد،1984 م.
20-الإرشاد:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(ت:413 ه)،ط 2،المطبعة الحيدرية،النجف 1392 ه1972/ م.
21-الإرشاد إلى قواطع الأدلة:الجويني:عبد الملك بن يوسف(ت:478 ه)،تحقيق:د.محمد يوسف موسى،مطبعة السعادة،القاهرة،1369 ه1950/ م.
22-إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول:الشوكاني:محمد بن علي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي،مصر،(د.ت).
23-الأساس لعقائد الأكياس:القاسم بن محمد بن علي الزيدي العلوي المعتزلي(ت:1029 ه)،تحقيق:د.البير نصر قادر،دار الطليعة، بيروت،1980 م.
24-أسباب النزول:الواحدي:أبو الحسن علي بن أحمد(ت:468 ه)،ط 2، دار مكتبة الهلال،بيروت،1985 م.
ص: 437
25-استحسان الخوض في علم الكلام:الأشعري:أبو الحسن علي بن إسماعيل(ت:330 ه)،مطبعة حيدرآباد الدكن،الهند،1323 ه.
26-الاستبصار فيما اختلف من الأخبار:الشيخ الطوسي:أبو جعفر محمد بن الحسن(ت:460 ه)،تحقيق:السيد حسن الخرسان،ط 2،مطبعة النجف،العراق،1375 ه1956/ م.
27-الاستنصار:الكراجكي:أبو الفتح محمد بن علي،طبع حجر،قم، 1319 ه.
28-الاستيعاب في معرفة الأصحاب:ابن عبد البر:أبو عمر يوسف بن عبد اللّه القرطبي(ت:463 ه)،تحقيق:علي محمد البجاوي،مطبعة نهضة مصر،و أيضا ط 1،مطبعة دار إحياء التراث العربي،بيروت،1328 ه (بحاشية الإصابة).
29-أسد الغابة في معرفة الصحابة:ابن الأثير:علي بن محمد الجزري(ت:
630 ه)،ط 1 انتشارات إسماعيليان،طهران،(د.ت).
30-أسرار التنزيل و أنوار التأويل:الرازي:فخر الدين(ت:606 ه)تحقيق:
محمود أحمد محمد و جماعته،ط 1،مطبعة دار واسط للطباعة و النشر، 1406 ه1985/ م.
31-الإسرائيليات و الموضوعات في كتب التفسير:أبو شهبة:محمد،المطابع الأميرية،مصر،1393 ه1973/ م.
32-الإسلام عقيدة و شريعة:الشيخ محمود شلتوت،ط 3،دار القلم، القاهرة،مصر،1966 م.
33-الأشراف و التنبيه:المسعودي:علي بن الحسن(ت:346 ه)،مطبعة دار التراث،بيروت،1388 ه1968/ م.
34-الإصابة في تمييز الصحابة:العسقلاني:أحمد بن علي بن حجر(ت:852 ه)،ط 1،مطبعة السعادة،القاهرة،1328 ه.
ص: 438
35-أصل الشيعة و أصولها:كاشف الغطاء:الشيخ محمد حسين،ط 4، المطبعة الحيدرية،النجف،1385 ه.
36-أصول الدين الإسلامي:الخطيب البغدادي:أبو بكر أحمد بن علي(ت:
463 ه)،ط 1،مطبعة السعادة،القاهرة،1931 م.
37-أصول الدين الإسلامي:د.رشدي عليان و.د.قحطان الدوري،ط 2، مطبعة جامعة بغداد،1981 م.
38-أصول الفقه:المظفر:الشيخ محمد رضا،ط 1،مطبعة الآداب،النجف، (د.ت).
39-أصول الفقه:الخضري محمد بيك،ط 6،المكتبة التجارية،مصر، 1389 ه1969/ م.
40-أصول المعارف:محمد الكاظمي،مطبعة الآداب،النجف، 1976 م.
41-الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار:للحافظ أبي بكر الحازمي:محمد ابن موسى(ت:584 ه)،تحقيق:محمد أحمد عبد العزيز،مطبعة مكتبة عاطف،القاهرة(د.ت).
42-الاعتقادات:الشيخ الصدوق:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي(ت:381 ه)مطبوع مع كتاب النافع ليوم الحشر للسيوري،طهران، 1370 ه1951/ م.
43-الأعلاق النفيسة:ابن رستة:أبو علي أحمد بن عمر،طبع ليدن، 1891 م.
44-الأعلام:خير الدين الزركلي،ط 4،مطبعة دار الملايين،بيروت، 1979 م.
45-أعلام الموقعين عن رب العالمين:ابن قيم الجوزية:شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن أبي بكر(ت 751 ه)،تحقيق:محمد محي الدين عبد الحميد، ط 2،دار الفكر،بيروت،1397 ه1977/ م.
ص: 439
46-أعلام النبوة:الماوردي:أبو الحسن علي بن محمد(ت:450 ه)، مصر،1971 م.
47-أعلام الورى بأعلام الهدى:الطبرسي:أبو علي الفضل بن الحسن (ت:548 ه)،تحقيق:السيد محمد مهدي الخرسان،ط 3،المطبعة الحيدرية،النجف،1390 ه1970/ م.
48-أعيان الشيعة:العاملي:السيد محسن الأمين،ط 1،دمشق،1936 م.
49-الاقتصاد:الشيخ الطوسي:أبو جعفر محمد بن الحسن(ت:460 ه)، ط 1،مطبعة الآداب،النجف،1979 م.
50-الاقتصاد في الاعتقاد:الغزالي:أبو حامد محمد بن محمد(ت:505 ه)،تقديم:د.عادل العواء،دار الإمامة،بيروت،1969 م-و طبعة كلية الإلهيات،أنقرة،1962 م.
51-إكمال الدين و إتمام النعمة:الشيخ الصدوق:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي(ت:381 ه)،طبع حجر،قم،1321 ه.
52-الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف و المختلف و الكنى و الأنساب:ابن ماكولا:الحافظ أبو نصر علي بن هبة اللّه(ت:
475 ه)،ط 1،مطبعة مجلس دائرة المعارف الإسلامية، حيدرآباد الدكن،الهند،1381 ه1962/ م.
53-الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:العلامة الحلي:جمال الدين الحسن بن يوسف(ت:726 ه)،ط 2،المطبعة الحيدرية،النجف، 1388 ه.
54-الأم:الشافعي:الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إدريس(ت:204 ه)،ط 1، دار الفكر،بيروت،1400 ه1980/ م.
55-الأمالي:الشيخ الصدوق:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي(ت:381 ه)،المطبعة الحيدرية،النجف،1389 ه1970/ م.
ص: 440
56-الأمالي المعروف ب(غرر الفوائد و درر القلائد):الشريف المرتضى:أبو القاسم علي بن الحسن(ت:436 ه)،تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 2،دار الكتاب العربي،1387 ه1967/ م.
57-الإمام الزهري و أثره في السنة:د.حارث سليمان الضاري،مطابع جامعة الموصل،نشر مكتبة بسام،1405 ه1985/ م.
58-الإمام زيد:أبو زهرة:الشيخ محمد،مطبعة محمد علي صبيح،مصر، (د.ت).
59-الإمام الصادق(عليه السّلام):أبو زهرة الشيخ محمد،مطبعة محمد علي صبيح مصر،(د.ت).
60-الإمام الصادق(عليه السّلام)و المذاهب الأربعة:أسد حيدر،ط 2،دار الكتاب العربي،بيروت،1390 ه1969/ م.
61-أمل الآمل:الحر العاملي:الشيخ محمد بن الحسن(ت:1104 ه)، تحقيق:السيد أحمد الحسيني،ط 1،مطبعة الآداب،النجف،1385 ه.
62-الأنبياء في القرآن:الشرقاوي:الشيخ محمود،مطبعة دار الشعب، القاهرة،1390 ه1970/ م.
63-الانتصار و الرد علي ابن الراوندي الملحد:الخياط المعتزلي:أبو الحسن عبد الرحيم بن محمد بن عثمان(في حدود الثلاثمائة هجرية)،نقله إلى العربية د.البير ناصر قادر،المطبعة الكاثوليكية،بيروت،1957 م.
64-الأنساب:السمعاني:عبد الكريم بن محمد(ت:562 ه)،طبع ليدن،1912 م.
65-الإنصاف فيما يجب اعتقاده و لا يجوز الجهل به:الباقلاني:أبو بكر محمد بن الطيب(ت:403 ه)،ط 2،مطبعة السنة المحمدية،1382 ه.
66-أنوار التنزيل و أسرار التأويل:البيضاوي:ناصر الدين أبي الخير عبد اللّه بن عمر(ت:791 ه)،ط 1،مطبعة مصطفى البابي، مصر،1358 ه-1939 م.
ص: 441
67-أوائل المقالات في المذاهب و المختارات:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(ت:413 ه)،ط 3،المطبعة الحيدرية، النجف،1973 م.
68-إيضاح الوقف و الابتداء:الأنباري:أبو بكر محمد بن القاسم(ت:328 ه)،تحقيق:محي الدين عبد الرحمن رمضان،مطبوعات مجمع اللغة العربية في دمشق 1390 ه1970/ م.
69-الباجوري على الجوهرة إبراهيم الباجوري،مطبعة محمد شاهين،مصر، 1278 ه.
70-بحار الأنوار في مختارات الروايات و الأخبار:المجلسي:الشيخ محمد باقر (ت:1111 ه)تصحيح:السيد محمد تقي اليزدي،المطبعة الحيدرية، النجف،1386 ه.
71-البحر الرائق في شرح كنز الدقائق:ابن نجيم الحنفي و بهامشه الحواشي المسماة بمنحة الخالق على البحر الرائق للسيد محمد أمين الشهير بابن عابدين.
72-البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار:ابن المرتضى:احمد بن يحيى(ت:840 ه)،ط 1،مطبعة السعادة،القاهرة،1947 م.
73-البحر المحيط:الأندلسي:أبو حيان محمد بن يوسف(ت:754 ه)،ط 2، مطبعة دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع،بيروت،1398 ه1978/ م.
74-البدء و التاريخ:المقدسي البلخي:أبو زيد أحمد بن سهل،ط 1،مدينة باريز،1899 م.
75-البداية و النهاية:ابن كثير الدمشقي:عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر القريشي(ت:774 ه)،ط 1،مطبعة السعادة،القاهرة(د.ت).
76-بداية المجتهد و نهاية المقتصد:ابن رشد:محمد بن أحمد(ت:667 ه)، طبع دار الفكر،بيروت(د.ت).
ص: 442
77-البرهان في تفسير القرآن:القمي:أبو الحسن علي بن إبراهيم الكوفي(من أعلام القرنين الثالث و الرابع الهجري)،تصحيح:السيد طيب الموسوي الجزائري،مطبعة النجف،العراق،1386 ه.
78-البرهان في تفسير القرآن:البحراني:السيد هاشم بن سلمان بن إسماعيل (ت:1107 ه)،تصحيح:السيد محمود جعفر الموسوي،ط 2،طهران، 1375 ه.
79-البرهان في علوم القرآن:الزركشي:بدر الدين محمد بن عبد اللّه(ت:
794 ه)،تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم،ط 8،مطبعة دار إحياء الكتب العربية،مصر 1376 ه1957/ م.
80-بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد:الصفار:أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ(ت:290 ه)،تحقيق:الميرزا محسن كوجه باغي،ط 2،مطبعة شركة جاب كتاب،1380 ه.
81-بغية الوعاة:السيوطي:جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر(ت:911 ه)،ط 1،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،القاهرة،1326 ه.
82-البيان و التبيين:الجاحظ:أبو عثمان عمرو بن بحر(ت:255 ه)،تحقيق:عبد السلام محمد هارون،ط 3،مطبعة الخانجي،القاهرة،1388 ه1968/ م.
83-البيان في تفسير القرآن:الخوئي:السيد أبو القاسم علي اكبر الموسوي،ط 3، مطبعة مؤسسة الاعلمي للمطبوعات،بيروت،1394 ه1974/ م.
84-تاج العروس من جواهر القاموس:الزبيدي:محمد مرتضى،المطبعة الخيرية،القاهرة،1307 ه.
85-تاريخ الأئمة:البغدادي:ابن أبي الثلج(ت:325 ه)،ط 1،مطبعة قم،1398 ه.
86-تاريخ الإسلام و طبقات المشاهير و الأعلام:الذهبي:شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان(ت:748 ه)،مطبعة السعادة،القاهرة،1369 ه.
ص: 443
87-تاريخ ابن الوردي:ابن الوردي:زين الدين عمر بن مظفر(ت:749 ه)، ط 2،المطبعة الحيدرية،النجف،1389 ه1969/ م.
88-تاريخ بغداد:الخطيب البغدادي:أبو بكر أحمد بن علي(ت:463 ه)، مطبعة السعادة،القاهرة،1931 م.
89-تاريخ التفسير:القيسي:الشيخ قاسم،مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1385 ه1966/ م.
90-تاريخ التمدن الإسلامي:جرجي زيدان،مطبعة الهلال،مصر،1902 م.
91-تاريخ الخلفاء:السيوطي:جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر(ت:
911 ه)،تحقيق:محمد محيي عبد الحميد،ط 3،مطبعة المدني، القاهرة،1383 ه1964/ م.
92-تاريخ الرسل و الملوك:الطبري:أبو جعفر محمد بن جرير(ت:310 ه)، تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم،مطبعة دار المعارف،مصر،1962 م.
93-تاريخ الفرق الإسلامية و نشأة علم الكلام عند المسلمين:الغرابي:علي مصطفى،ط 2،مطبعة محمد علي صبيح،القاهرة،1378 ه1958/ م.
94-تاريخ القرآن:د.عبد الصبور شاهين،مطبعة دار القلم،القاهرة،1966 م.
95-تاريخ القرآن:الصغير:د.محمد حسين علي،ط 1،مطبعة دار العلم للملايين،بيروت،1983 م.
96-التاريخ الكبير:الإمام البخاري:الحافظ أبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل (ت:256 ه)،مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند،1361 ه.
97-تاريخ اليعقوبي:اليعقوبي:أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر العباسي، ط 1،دار صادر للطباعة و النشر-و دار بيروت للطباعة و النشر،بيروت، 1379 ه1960/ م.
98-تأويلات أهل السنة:السمرقندي:أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي الحنفي(ت:333 ه)تحقيق:د.محمد مستفيض الرحمن-و تصحيح
ص: 444
و فهرسة:جاسم محمد الجبوري،سلسلة إحياء التراث الإسلامي،مطبعة الإرشاد،بغداد،1404 ه1983/ م.
99-التبصير في الدين و تمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين:الأسفراييني:أبو المظفر طاهر بن محمد(ت:471 ه)،مكتبة الخانجي،مصر(د.ت).
100-التبيان في تفسير القرآن:الشيخ الطوسي:أبو جعفر محمد بن الحسن (ت:460 ه)،قدم له:المحقق آغا بزرك الطهراني،المطبعة العلمية، النجف،1386 ه1957/ م.
101-التبيان في أقسام القرآن:ابن قيم الجوزية،تصحيح:طه يوسف شاهين، مطبعة دار الكتاب العربي،بيروت(د.ت).
102-التبيان في علوم القرآن:الصابوني:محمد علي،ط 1،مطبعة عالم الكتب،بيروت،1405 ه-1985 م.
103-تجريد العقائد:المحقق الطوسي:نصير الدين محمد بن محمد(ت:672 ه)،طبع حجر،قم،:135 ه.
104-التحصين:الحلي:أحمد بن فهد(ت:857 ه)،طبع حجر،قم، 1323 ه.
105-تحف العقول عن آل الرسول:ابن شعبة الحراني:أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة(من علماء القرن الرابع الهجري)،تحقيق:علي أكبر الغفاري،ط 1، مطبعة دار الكتب الإسلامية،طهران،1376 ه-1975 م.
106-تحفة ذوي الأرب:ابن خطيب الدهشة،طبع ليدن،1905 م.
107-تذكرة الحفاظ:الذهبي:شمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن عثمان(ت:748 ه)،ط 3،مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن،الهند،1375 ه.
108-تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة:سبط ابن الجوزي:يوسف سبط عبد الرحمن بن الجوزي،طبع حجر،قم 1287 ه.
ص: 445
109-التذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة:القرطبي:أبو عبد اللّه الأنصاري (ت:671 ه)،مطابع مدكور و أولاده،القاهرة(د.ت).
110-الترغيب و الترهيب في الحديث الشريف:المنذري:عبد العظيم بن عبد القوي(ت:656 ه)،صححه:مصطفى محمد عمارة،ط 2،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،مصر،1373 ه1954/ م.
111-التسهيل في علوم التنزيل:ابن جزي:محمد بن أحمد الكلبي(ت:
741 ه)،ط 1،مطبعة مصطفى محمد،مصر،1355 ه.
112-التصوير الفني في القرآن:سيد قطب،مطبعة دار المعارف،مصر،1956 م.
113-تطور التفسير:د.محسن عبد الحميد،مطبعة دار الكتب،جامعة الموصل،نشر بيت الحكمة 1989 م.
114-التعارض و الترجيح بين الأدلة الشرعية:البرزنجي:عبد اللطيف عبد العزيز،ط 1،مطبعة العاني،بغداد،1397 ه1977/ م.
115-تفسير سورة الإخلاص:ابن تيمية:تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (ت:728 ه)،مطبعة الانتصار،بغداد(د.ت).
116-تفسير العياشي:العياشي:أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي(ت:300 ه)،تحقيق:السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المطبعة العلمية،قم،1371 ه.
117-تفسير فرأت:فرأت بن إبراهيم الكوفي(أحد علماء الحديث في القرن الثالث الهجري)،ط 1،المطبعة الحيدرية،النجف،1354 ه.
118-تفسير القاسمي(محاسن التأويل):القاسمي:محمد جمال الدين(ت:
1866 م)،تصحيح:محمد فؤاد عبد الباقي،ط 1،مطبعة عيسى الحلبي، مصر،1376 ه1957/ م.
119-تفسير القرآن العظيم:ابن كثير الدمشقي:عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر القريشي(ت:774 ه)،دار إحياء التراث العربي، بيروت و مطبعة إحياء الكتب العربية،بيروت،1969 م.
ص: 446
120-تفسير القرآن الكريم:سفيان الثوري(ت:161 ه)،تصحيح:امتياز علي مرعشي،طبع في هندوستان،رامبور،1385 ه1965/ م.
121-تفسير القرآن الكريم،الأجزاء العشرة الأولى:شلتوت:الشيخ محمود،ط 4،مطبعة دار العلم،القاهرة،1966 م.
122-التفسير الكبير(مفاتيح الغيب):الرازي:فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين(ت:606 ه)ط 1،المطبعة البهية،مصر،1357 ه1938/ م.
123-التفسير الكاشف:محمد جواد مغنية،ط 1،دار العلم للملايين، بيروت،1968 م.
124-تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل:الزمخشري:جار اللّه محمود بن عمر(ت:528 ه)دار الكتاب العربي،بيروت(د.ت).
125-تفسير المراغي:أحمد مصطفى،ط 1،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،مصر،1365 ه1966/ م.
126-التفسير و المفسرون:الذهبي:د.محمد حسين،ط 1،دار القلم، بيروت،1407 ه1987/ م.
127-تفسير المنار:الشيخ محمد رشيد رضا،ط 3،مطبعة دار المنار، مصر،1367 ه.
128-تفسير نور الثقلين:العروسي الحويزي:عبد علي بن جمعة(ت:
1112 ه)،تصحيح:السيد هاشم الرسولي المحلاتي،مطبعة الحكمة،قم،1382 ه.
129-تقدمة المعرفة لكتاب الجرح و التعديل:ابن أبي حاتم الرازي(ت:327 ه)، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن،الهند،1371 ه1952/ م.
130-تقريب التهذيب:العسقلاني:الحافظ أحمد بن علي بن حجر(ت:
852 ه)،تحقيق:عبد الوهاب عبد اللطيف،ط 2،مطبعة دار المعرفة، بيروت،1395 ه1975/ م.
ص: 447
131-التقرير و التحبير:ابن أمير الحاج:محمد بن محمد،المطبعة الأميرية، مصر،1316 ه.
132-تلخيص الشافي:الشيخ الطوسي:أبو جعفر محمد بن الحسن(ت:460 ه)،تحقيق:سيد حسين بحر العلوم،ط 2،مطبعة الآداب،النجف، 1383 ه1963/ م.
133-التمهيد في الرد الملحدة و المعطلة و الرافضة و الخوارج و المعتزلة:الباقلاني:
أبو بكر محمد بن الطيب(ت:403 ه)،المكتبة الشرقية،بيروت،نشر الأب ريتشارد يوسف مكارثي.
134-التلويح على التوضيح:سعد الدين التفتازاني،ط 1،المطبعة الحيدرية، مصر،1322 ه.
135-تنقيح المقال:المامقاني:عبد اللّه بن محمد حسن(ت:1351 ه)،طبع حجر،المطبعة المرتضوية،النجف،1352 ه.
136-تهافت الفلاسفة:الغزالي:أبو حامد محمد بن محمد(ت:505 ه)، تحقيق:د.سليمان دنيا،ط 5،مطبعة دار التعارف،مصر،1972 م.
137-تهذيب التهذيب:العسقلاني:أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر(ت:
852 ه)،ط 1،مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد الدكن، الهند،1326 ه.
138-تهذيب الأحكام في شرح المقنعة:الشيخ الطوسي:أبو جعفر محمد بن الحسن(ت:469 ه):تحقيق السيد حسن الموسوي الخرسان،ط 2، مطبعة النعمان،النجف،1378 ه1959/ م.
139-تهذيب الأسماء و اللغات:النووي:الحافظ أبي زكريا محي الدين بن شرف(ت:676 ه)،ط 1،إدارة الطباعة المنيرية،مصر(د.ت).
140-تهذيب اللغة:الأزهري:أبو منصور محمد بن أحمد(ت:370 ه)، تحقيق:عبد السلام هارون و محمد علي النجار،مطبعة الدار المصرية للطباعة و التأليف(د.ت).
ص: 448
141-تهذيب الكمال في أسماء الرجال:المزي،تحقيق:د.بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة،1403 ه1983/ م.إلى 1409 ه1988/ م.
142-توجيه النظر إلى أصول الأثر:الجزائري الدمشقي:طاهر بن صالح، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة لصاحبها النمنكاني(د.ت).
143-التوحيد:الشيخ الصدوق:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين(ت:
381 ه)،مطبعة دار المعرفة،بيروت(د.ت).
144-ثواب الأعمال:الشيخ الصدوق:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن (ت:381 ه)،طبع حجر قم،1320 ه.
145-جامع أحاديث الشيعة:الطباطبائي:السيد حسين البروجردي،ط 1، مطبعة مهرأستوار ،إيران(د.ت).
146-جامع البيان عن تأويل أي القرآن:الطبري:أبو جعفر محمد بن جرير(ت:
301 ه)،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،مصر،1373 ه1954/ م-و مطبعة دار المعارف،مصر،تحقيق:محمود محمد شاكر و أحمد محمد شاكر.
147-جامع بيان العلم و فضله:ابن عبد البر:يوسف النمري القرطبي(ت:
463 ه)،المطبعة المنيرية،مصر،1346 ه.
148-الجامع لأحكام القرآن:القرطبي:أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 ه)،ط 3 مطبعة دار الكتب المصرية،دار الكتاب العربي للطباعة و النشر،مصر،1967 م.
149-جامع السعادات:النراقي:محمد مهدي(ت 1209 ه)،تحقيق:الشيخ محمد رضا المظفر ط 2،مطبعة النجف،العراق،1375 ه1955/ م.
150-الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير:السيوطي:جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر(ت:911 ه)،ط 4،مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر،1373 ه1954/ م.
ص: 449
151-جامع العلوم في اصطلاحات الفنون:الأحمد فكري،ط 2،مؤسسة الأعلمي،بيروت،1395 ه1975/ م.
152-جامع كرامات الأولياء:النبهاني:الشيخ يوسف بن إسماعيل و بهامشه نشر المحاسن الغالية لعبد اللّه بن أسعد اليافعي،ط 1،مطبعة دار الكتب العربية الكبرى،القاهرة،1929 م.
153-الجرح و التعديل:ابن أبي حاتم الرازي:عبد الرحمن بن محمد بن إدريس(ت:327 ه)،ط 1،مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن الهند،1372 ه1953/ م.
154-الجمع بين كتابي أبي نصر الكلاباذي و آبي بكر الأصفهاني في رجال البخاري و مسلم ابن القيسراني:الحافظ محمد بن طه بن علي المقدسي (ت:507 ه)،ط 1،مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدآباد الدكن،الهند،133 ه.
155-جمهرة الأولياء و أعلام أهل التصوف:المنوفي:السيد محمود أبو الفيض الحسين،ط 1،مطبعة المدني،القاهرة،1387 ه1967/ م.
156-جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام:البغدادي:محمود بن وهيب، مطبعة الآداب،بغداد،1329 ه.
157-حاشية الكستلي على النسفية مطبوع مع شرح العقائد النسفية للتفتازاني.
158-حاشية المراجاني على شرح العقائد العضدية:و معه حاشية الكلنبوي و الخلخالي،مطبعة خورشيد،عثمانية.
159-الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة:البحراني:يوسف بن أحمد (ت:1186 ه)تحقيق:محمد تقي الإيرواني،مطبعة النجف،العراق، 1386 ه-1957 م.
ص: 450
160-الحور العين:الحميري:أبو سعيد نشوان بن سعيد(ت:734 ه)،ط 1،مطبعة الخانجي،مصر،1367 ه.
161-حلية الأولياء و طبقات الأصفياء:الأصفهاني:أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه (ت:430 ه)ط 1 مطبعة السعادة،القاهرة،1352 ه1933/ م.
162-حياة الإمام الباقر(عليه السّلام):القرشي:الشيخ باقر شريف،ط 1،مطبعة النعمان،النجف،1397 ه1977/ م.
163-حياة الحيوان الكبرى:الدميري:كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى (ت:808 ه)،مطبعة الاستقامة،القاهرة،1383 ه1963/ م.
164-الخرائج و الجرائح:قطب الدين الراوندي:سعيد بن هبة اللّه(ت:573 ه)،ط 1،مطبعة مملك الكتاب،طهران،1306 ه.
165-الخصال:الشيخ الصدوق،أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين(ت:
381 ه)،تحقيق:السيد محمد مهدي الخرسان،المطبعة الحيدرية، النجف،1391 ه-1971 م.
166-الخلاف:الشيخ الطوسي:أبو جعفر محمد بن الحسن(ت:460 ه)، تحقيق:محمد سرور البهبودي،المطبعة المرتضوية،طهران،1386 ه.
167-الخلق الكامل:محمد أحمد جاد المولى بيك،ط 1،المطبعة العثمانية المصرية،1355 ه1936/ م.
168-دائرة المعارف الإسلامية الشيعية:محسن الأمين،ط 2،دار التعارف للمطبوعات بيروت،1393 ه1973/ م.
169-دائرة معارف القرن العشرين:محمد فريد و جدي،ط 4،مطبعة دائرة معارف القرن العشرين،القاهرة،1386 ه1967/ م.
170-دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني:العمري:د.أحمد جمال، ط 1 مطبعة المدني،المؤسسة السعودية بمصر،القاهرة،1406 ه1986/ م.
ص: 451
171-دراسات في التفسير و رجاله:الجبوري:د.أبو اليقظان عطية،المطبعة العربية الحديثة،القاهرة،1971 م.
172-الدراية في علم مصطلح الحديث:الشهيد الثاني:زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي(ت:959 ه)،مطبعة النعمان،النجف(د.ت).
173-الدر المنثور في التفسير بالمأثور:السيوطي:جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر(ت:911 ه)،الناشر محمد أمين دمج،بيروت(د.ت)و المطبعة الإسلامية،طهران،1377 ه.
174-دلائل الإمامة،ابن رستم الطبري:أبو جعفر محمد بن جرير،ط 1، المطبعة الحيدرية،النجف،1369 ه1949/ م.
175-دلائل النبوة:البيهقي:أبو بكر أحمد بن الحسين(ت:458 ه)،تحقيق:د.
عبد المعطي قلعجي،ط 1،دار الكتب العلمية،بيروت،1405 ه1985/ م.
176-الدين و الإسلام:كاشف الغطاء:الشيخ محمد حسين،ط 1،مطبعة النعمان،النجف،1975 م.
177-ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى:محب الدين الطبري:أحمد بن عبد اللّه(ت:694 ه)،ط 1،مكتبة المقدسي و مطبعة السعادة و درة السعادة،القاهرة،1356 ه.
178-ذم الهوى:ابن الجوزي:أبو الفرج عبد الرحمن(ت:597 ه)، تحقيق:مصطفى عبد الرحمن و مراجعة:محمد الغزالي،ط 1،مطبعة السعادة،القاهرة،1381 ه1962/ م.
179-ربيع الأبرار و نصوص الأخبار:الزمخشري:جار اللّه محمود بن عمر(ت:
538 ه)،تحقيق:د.سليم النعيمي،ط 1،مطبعة العاني،بغداد(د.ت).
180-الرجال:ابن داود الحلي:تقي الدين الحسن بن علي،مطبعة دانشكاه، طهران،1342 ه.
ص: 452
181-رجال السيد بحر العلوم المعروف بالفوائد الرجالية:الطباطبائي:السيد محمد مهدي بحر العلوم(ت:1212 ه)،تحقيق:السيد محمد صادق بحر العلوم،ط 1،مطبعة الآداب،النجف،1385 ه1965/ م.
182-الرجال:العلامة الحلي:الحسن بن يوسف(ت:726 ه)،ط 2،المطبعة الحيدرية،النجف،1381 ه1961/ م.
183-الرجال:الشيخ الطوسي:أبو جعفر محمد بن الحسن(ت:460 ه)، تحقيق:السيد محمد صادق بحر العلوم،ط 1،المطبعة الحيدرية،النجف، 1381 ه1961/ م.
184-الرجال:الكشي:أبو عمرو:محمد بن عمر بن عبد العزيز،تحقيق:السيد أحمد الحسيني،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،كربلاء،1389 ه.
185-الرجال:النجاشي:أحمد بن علي بن أحمد بن العباس(-:450 ه)، ط 1،مطبعة مصطفوي طهران(د.ت).
186-رحمة الأمة باختلاف الأئمة:الدمشقي:أبو عبد اللّه محمد بن عبد الرحمن (ت:780 ه)،ط 1،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،القاهرة،1940 م.
187-الرسالة:الإمام الشافعي:محمد بن إدريس(ت:204 ه)،تحقيق:
أحمد شاكر،ط 1،مصر 1368 ه1940/ م.
188-رفع الملام عن الأئمة الأعلام:ابن تيمية:تقي الدين أحمد بن عبد الحليم(ت:728 ه)،تحقيق و تعليق:مرشد محمد،مطبعة الخلود، بغداد،1985 م.
189-روح المعاني:الآلوسي:أبو الثناء شهاب الدين بن محمود(ت:1270 ه)،المطبعة المنيرية،مصر،1323 ه.
190-روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات:الخوانساري:السيد محمد باقر(ت:1313 ه)،طبع حجر،قم،1306 ه.
191-روضة الناظرين و خلاصة مناقب الصالحين:الوتري:الشيخ محمد بن محمد(ت:908 ه)ط 1،المطبعة الخيرية،الجمالية،مصر(د.ت).
ص: 453
192-روضة الواعظين و بصيرة المتعظين:الفتال النيسابوري الشهيد(ت:
508 ه)،تحقيق:السيد محمد مهدي الخرسان،المطبعة الحيدرية، النجف،1386 ه1966/ م.
193-زاد المسير:ابن الجوزي:جمال الدين عبد الرحمن بن علي(ت:597 ه)، ط 1،المكتبة الإسلامية للطباعة و النشر،بيروت،1384 ه1964/ م.
194-زاد المعاد في هدى خير العباد:ابن قيم الجوزية(ت:751 ه)،تحقيق:
شعيب الأرناءوط،ط 14،مؤسسة الرسالة،1407 ه1086/ م.
195-زبدة البيان:الاردبيلي:أحمد بن محمد(ت:993 ه)،تعليق:محمد باقر البهبودي،المطبعة الحيدرية،النجف(د.ت).
196-سر السلسلة العلوية:البخاري:أبو نصر سهل بن عبد اللّه بن داود(من أعلام القرن الرابع الهجري و الذي كان حيا سنة(341 ه):تقديم:السيد محمد صادق بحر العلوم المطبعة الحيدرية،النجف،1382 ه1963/ م.
197-السرائر:ابن إدريس الحلي:محمد بن منصور بن أحمد(ت:598 ه)،طبع حجر،ط 2،المطبعة العلمية،1390 ه.
198-سفينة البحار و مدينة الحكم و الآثار:الشيخ عباس القمي،ط 1،المطبعة العلمية،النجف،1352 ه.
199-سلم الوصول لعلم الأصول:الشيخ عمر عبد اللّه،مؤسسة المطبوعات الحديثة،1969 م.
200-سنن ابن ماجة:محمد بن يزيد القزويني(ت:275 ه)،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي،مصر(د.ت).
201-سنن أبي داود:سليمان بن الاشعث السجستاني(ت:275 ه)،المطبعة التازية،مصر(د.ت).
ص: 454
202-سنن الدارقطني:علي بن عمر(ت:385 ه)،الطباعة الفنية المتحدة، المدينة المنورة،المملكة العربية السعودية،1386 ه1966/ م.
203-سنن الدارمي:أبو محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن بن الفضل(ت:255 ه)،مطبعة الاعتدال،دمشق،1349 ه.
204-السنن الكبرى:البيهقي:أبو بكر أحمد بن الحسين(ت:458 ه)،ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن،الهند،1354 ه.
205-سنن النسائي:أحمد بن شعيب(ت:303 ه)،مطبعة دار الحديث، القاهرة،1407 ه1987/ م،مع شرح السيوطي و حاشية السندي.
206-سير أعلام النبلاء:الذهبي:شمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن أحمد ابن عثمان(ت:748 ه)تحقيق:شعيب الأرناءوط،ط 1،مؤسسة الرسالة،بيروت،1406 ه1986/ م.
207-سيرة الأئمة الاثني عشر:الحسني:هاشم معروف،ط 1،مطبعة دار التعارف،بيروت،1397 ه1977/ م.
208-السيرة النبوية:ابن هشام،تحقيق:مصطفى السقا و جماعته،ط 1، مطبعة مصطفى البابي الحلبي،مصر،1355 ه1946/ م.
209-الشافي في الإمامة:الشريف المرتضى:أبو القاسم علي بن الحسين(ت:
436 ه)،طبع حجر،إيران،1312 ه.
210-الشافي في شرح أصول الكافي:الشيخ عبد الحسين المظفر،ط 1،مطبعة الآداب،النجف،1971 م.
211-شذرات الذهب في أخبار من ذهب:ابن العماد الحنبلي:أبو الفلاح عبد الحي بن العماد(ت:1098 ه)،مطبعة الصدق الخيرية،القاهرة،1350 ه.
212-الشذرات الذهبية في تراجم الأئمة الاثني عشرية عند الإمامية:شمس الدين ابن طولون(ت:953 ه)،تحقيق:د.صلاح الدين المنجد،مطبعة دار بيروت للطباعة و النشر و دار صادر للطباعة و النشر،بيروت،1377 ه1958/ م.
ص: 455
213-شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام:المحقق الحلي:أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن(ت:676 ه)،تحقيق:عبد الحسين محمد علي، ط 1،مطبعة الآداب،النجف،1389 ه1969/ م.
214-شرح الأصول الخمسة:القاضي المعتزلي:عبد الجبار بن أحمد،تحقيق:
عبد الكريم عثمان،ط 1،مطبعة الاستقامة الكبرى،القاهرة،1384 ه.
215-شرح الخريدة البهية:سيدي أحمد الدردير(ت:1201 ه)،و حاشية العلامة الصاوي عليه،مطبعة الاستقامة،مصر(د.ت).
216-شرح عقائد الصدوق مع أوائل المقالات:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(ت:413 ه)،ط 3،المطبعة الحيدرية،النجف،1973 م.
217-شرح العقائد النسفية:التفتازاني،ط 1،1326 ه،تركيا،أعادت مكتبة المثنى طبعه بالاوفيسيت و طبعه دار إحياء الكتب العربية بمصر،و بهامشه حاشية عصام الدين الأسفرائيني،218.
218-شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب:القاضي العضدي الايجي، المطبعة الكبرى،بولاق،مصر،1216 ه.
219-شرح العقيدة الطحاوية:ابن أبي العز،ط 3،نشر المكتب الإسلامي بدمشق(د.ت).
220-شرح فتح القدير:ابن الهمام الحنفي:كمال الدين محمد بن عبد الواحد (ت:1681 م)و هو شرح على الهداية بشرح بداية المبتدئ المرغيناني، ط 1،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،مصر 1389 ه1970/ م.
221-شرح مطالع الأنظار على متن طوالع الأنوار:البيضاوي:شمس الدين بن محمود(ت:747 ه)،ط 1،مصر،1323 ه.
222-شرح مقاصد الطالبين في علم أصول الدين:التفتازاني:سعد الدين مسعود بن عمر الشافعي(ت:791 ه)،دار الطباعة العامرة، الآستانة،1277 ه.
ص: 456
223-شرح نهج البلاغة:ابن أبي الحديد:أبو حامد عبد الحميد بن عبد اللّه المدائني،ط 1،مطبعة دار الكتب العربية الكبرى،القاهرة(د.ت).
224-شرف الأسباط:القاسمي:محمد جمال الدين الدمشقي،ط 1،مطبعة الترقي،دمشق،1331 ه.
225-شعب المقال في أحوال الرجال:النراقي:محمد مهدي(ت:
1209 ه)،تحقيق:السيد محمد صادق بحر العلوم،ط 2،مطبعة الآداب،النجف،1972 م.
226-الشفا بتعريف حقوق المصطفى:القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي(ت:544 ه)،المكتبة التجارية،مصر(د.ت).
227-الشيعة و الإمامة:المظفر:الشيخ محمد رضا،مطبعة الآداب، النجف 1386 ه1967/ م.
228-الشيعة و فنون الإسلام:الصدر:سيد حسن،مطبعة دار المعرفة، بيروت(د.ت).
229-الصافي في تفسير القرآن:الفيض الكاشاني:محمد بن المرتضى المدعو بالمحسن(ت:1093 ه)،تحقيق:الميرزا حسن الحسيني اللوساني النجفي، المطبعة الإسلامية،طهران،1374 ه.
230-صحيح البخاري:الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل(ت:256 ه)، المطبعة الكبرى الأميرية،بولاق،مصر،1314 ه و مطابع الشعب.
231-صحيح الترمذي شرح الإمام ابن العربي المالكي:ط 1 المطبعة المصرية بالأزهر مصر،1350 ه1931/ م.
232-صحيح مسلم:الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري(ت:261 ه)،مطبوعات محمد علي صبيح،ميدان الأزهر،مصر(د.ت).
233-الصحاح:الجوهري:إسماعيل بن حماد(ت:393 ه)،تحقيق:أحمد عبد الغفور عطار،مطبعة دار الكتاب العربي،مصر(د.ت).
ص: 457
234-الصفات بين المفوضة و المؤولة:د.محسن عبد الحميد،مخطوط.
235-صفوة الصفوة:ابن الجوزي:جمال الدين عبد الرحمن(ت:597 ه)، ط 1،مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن،الهند،1355 ه.
236-الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع و الزندقة:الهيثمي:أحمد بن حجر المكي(ت:974 ه)،مكتبة الهدى،النجف(د.ت).
237-طبقات الحفاظ:السيوطي:جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر(ت:
911 ه)،ط 1،دار الكتب العلمية بيروت،1403 ه1983/ م.
238-طبقات الفقهاء:أبو إسحاق الشيرازي(ت:476 ه)،مطبعة بغداد، العراق،1356 ه.
239-الطبقات الكبرى:ابن سعد،ط 1،دار بيروت للطباعة و النشر و دار صادر للطباعة و النشر،بيروت،1377 ه1957/ م.
240-الطبقات الكبرى(المسماة بلواقح الأنوار من طبقات الأخيار):عبد الوهاب الشعراني(ت:973 ه)بهامشه كتاب الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية لنفس المؤلف،ط 1،مطبعة عبد الحميد أحمد،القاهرة،1355 ه.
241-طبقات المعتزلة:ابن المرتضى:أحمد بن يحيى،تحقيق:سوسنة ديلفد، المطبعة الكاثوليكية،بيروت،1380 ه1961/ م.
242-طبقات المدلسين:العسقلاني:أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر(ت:
852 ه)،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،القاهرة،1322 ه.
243-عبد اللّه بن مسعود:الراجحي:د.عبدة،ط 1،دار الشعب،القاهرة، 1970 م.
244-العبر في خبر من غبر:الذهبي:شمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن عثمان(ت:748 ه)،تحقيق:د.صلاح الدين المنجد،مطبعة دار المطبوعات و النشر،الكويت،1960 م.
ص: 458
245-العفو و الاقتدار:العبدي:أبو الحسن محمد بن عمران(ت:355 ه)، تحقيق:د.عبد القدوس أبو صالح،مطابع الإمام محمد بن مسعود الإسلامية،الرياض،1401 ه1981/ م.
246-العقائد العضدية:الايجي:عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد(ت:756 ه)و معه شرح جلال الدين الدواني الصديقي(ت:908 ه)و معه حاشية إسماعيل الكلمبوي(ت:1205 ه)و بهامشه حاشية المرجاني و حاشية الخلخالي(ت:1014 ه)،دار سعادات،مطبعة عثمانية،1316 ه.
247-العقيدة الإسلامية و اسسها:الميداني:عبد الرحمن،ط 1،مكتبة السعادة،القاهرة،1385 ه1966/ م.
248-عقيدة الشيعة:روايت.م.رونلدس،مطبعة السعادة،القاهرة،1365 ه1946/ م.
249-علل الترمذي:ابن رجب الحنبلي.
250-علل الشرائع:الشيخ الصدوق:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن (ت:381 ه)،مطبعة النجف،العراق(د.ت).
251-العلل و معرفة الرجال:الإمام أحمد بن محمد بن حنبل(ت:241 ه)، تحقيق:د.طلعت قوج أنقرة،تركيا،1963 م.
252-علم أصول الفقه:عبد الوهاب خلاف،ط 7،القاهرة،1956 م.
253-علم أصول الفقه:الشيخ محمد جواد مغنية،ط 11،دار العلم للملايين،بيروت،1975 م.
254-علوم القرآن و التفسير:د.محسن عبد الحميد،دار الحكمة،بغداد، 1991 م.
255-عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب:ابن عنبة الأصغر:جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين(ت:882 ه)،ط 1،المطبعة الحيدرية، النجف،1358 ه.
ص: 459
256-عمدة القاري شرح صحيح البخاري:العيني:محمود بن أحمد(ت:
855 ه)،طبع إستانبول،1308 ه.
257-عيون الأخبار:ابن قتيبة:عبد اللّه الدينوري(ت:276 ه)،ط 2، مكتبة النجاح،النجف،1957 م.
258-عيون أخبار الرضا:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين(ت:
381 ه)،ط 1 مطبعة دار العلم،قم،1377 ه.
259-غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار:ابن زهرة الحسيني:تاج الدين بن محمد بن حمزة(ت:753 ه)،تحقيق:السيد محمد صادق بحر العلوم،ط 1،المطبعة الحيدرية،النجف،1382 ه/ 1962 م.
260-غاية المرام في علم الكلام:الآمدي:سيف الدين علي بن محمد(ت:
631 ه)،تحقيق:حسن محمود عبد اللطيف،القاهرة،1971 م.
261-غاية النهاية في طبقات القراء:ابن الجزري:محمد بن محمد(ت:833 ه)،عني بنشره:ج برجستراسر،ط 1،مطبعة الخانجي،القاهرة،1352 ه1933/ م.
262-فتح القدير:الشوكاني:محمد بن علي(ت:1250 ه)،ط 2،مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر،1383 ه1964/ م.
263-فتوح البلدان:البلاذري:الإمام أبي الحسن،ط 1،مطبعة السعادة، القاهرة،1959 م.
264-فجر الإسلام:أحمد أمين،ط 10،مطبعة لجنة التأليف و النشر، القاهرة،1965 م.
265-فرائد الأصول:الشيخ مرتضى الأنصاري،طبع حجر قم،1374 ه.
266-فرق الشيعة:النوبختي،المطبعة الحيدرية،النجف،1969 م.
ص: 460
267-الفرق بين الفرق و بيان الفرقة الناجية منهم:البغدادي:عبد القاهر بن طاهر(ت:449 ه)،مطبعة دار الجيل،بيروت،1408 ه.
268-الفصل في الملل و الأهواء و النحل:ابن حزم الأندلسي،طبع مكتبة المثنى،بغداد،بالأوفسيت.
269-الفصول المختارة من العيون و المحاسن:الشريف المرتضى:أبو القاسم علي بن الحسين(ت:436 ه)،ط 2،المطبعة الحيدرية،النجف(د.ت).
270-الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة:ابن الصباغ المالكي:علي بن محمد ابن أحمد المكي(ت:855 ه)،ط 2،مطبعة العدل،النجف(د.ت).
271-فقه الإمام الصادق:الشيخ محمد جواد مغنية،ط 1،دار العلم للملايين،بيروت،1965 م.
272-الفهرست:ابن النديم،أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق المعروف بالوراق،تحقيق:رضا تجدد.
273-الفهرست:الشيخ الطوسي:أبو جعفر محمد بن الحسن(ت:460 ه)،تصحيح:السيد محمد صادق بحر العلوم،المطبعة الحيدرية، النجف،1356 ه1937/ م.
274-في ظلال القرآن:سيد قطب،ط 5،مطبعة دار إحياء التراث العربي، 1967 م.
275-القاموس المحيط: الفيروزآبادي:نجم الدين محمد بن يعقوب(ت:817 ه)،مؤسسة الحلبي للنشر و التوزيع،القاهرة(د.ت).
276-القوانين المحكمة:الميرزا أبي القاسم القمي،طبع إيران.
277-القرآن في الإسلام:الطباطبائي:السيد محمد حسين،تعريب:السيد أحمد الحسيني،ط 2،بيروت،1398 ه1978/ م.
278-القرآن المجيد:محمد عزت دروزة،ط 1،دار إحياء الكتب العربية، القاهرة،1956 م.
ص: 461
279-القرآن،المعجزة الكبرى:أبو زهرة:الشيخ محمد،مطبعة دار الفكر العربي،مصر،1390 ه1970/ م.
280-قوانين الأحكام الشرعية و مسائل الفروع الفقهية:ابن جزي:محمد بن أحمد الغرناطي المالكي،طبع دار العلم للملايين،بيروت(د.ت).
281-الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة:الذهبي:شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان(ت:748 ه)،تحقيق:موسى محمد علي الموشي و صاحبه،مطبعة دار التأليف،الجمالية مصر(د.ت).
282-الكافي،الأصول و الفروع و الروضة:الكليني:محمد بن يعقوب(ت:
328 ه)،تصحيح:أبو الحسن الشعراني،ط 2،المكتبة الإسلامية، طهران،1386 ه.
283-الكامل في الأدب:المبرد:أبو العباس بن يزيد(ت:285 ه)،تحقيق:
محمد أبو الفضل إبراهيم،مطبعة نهضة مصر،القاهرة(د.ت).
284-الكامل في التاريخ:ابن الأثير:أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري(ت:630 ه)،ط 1،المطبعة المنيرية،دمشق،1357 ه.
285-كشف الأسرار على أصول البزدوي:عبد العزيز بن أحمد البخاري، طبع،حسن حلمي الرويزي،دار الخلافة(د.ت).
286-كشف الغمة في معرفة الأئمة:الأربلي:أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح،تحقيق:السيد هاشم الرسولي المحلاتي،ط 1،المطبعة العلمية،قم، 1381 ه.
287-كشف المراد شرح تجريد الاعتقاد:العلامة الحلي:جمال الدين الحسن بن يوسف(ت:726 ه)،مطبعة العرفان،صيدا،لبنان،1352 ه.
288-كفاية الأثر:الخزاز:علي بن محمد:طبع حجر،قم 1319 ه.
ص: 462
289-كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب:الكنجي الشافعي:أبو عبد اللّه محمد بن يوسف بن محمد القرشي(ت:658 ه)،تحقيق:محمد هادي الأميني،ط 2،المطبعة الحيدرية،النجف،1390 ه1970/ م.
290-الكنى و الأسماء:الدولابي:أبو بشير محمد بن أحمد بن حماد(ت:310 ه)،مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد الدكن،الهند،1328 ه.
291-الكنى و الألقاب:الشيخ عباس القمي،ط 3،المطبعة الحيدرية، النجف،1389 ه1969/ م.
292-كنز العرفان في فقه القرآن:المقداد السيوري الحلي(ت:826 ه)، مطبعة القضاء،النجف(د.ت).
293-كنز الفوائد:الكراجكي:أبو الفتح محمد بن علي(ت:449 ه)،طبع حجر،قم(د.ت).
294-الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية:المناوي:الشيخ عبد الرءوف (ت:1022 ه)تحقيق:محمد حسن ربيع،مطبعة الأنوار،مصر،1357 ه1938/ م.
295-لباب التأويل في معاني التنزيل:الخازن:علي بن محمد(ت:725 ه)، المكتبة التجارية الكبرى،مصر(د.ت).
296-لباب النقول في أسباب النزول:السيوطي:جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر(ت:911 ه)،ط 1،دار إحياء العلوم،بيروت،1978 م.
297-اللباب في تهذيب الأنساب:ابن الأثير:أبو الحسن علي بن أبي كرم الشيباني (ت:630 ه)،الناشر:مكتبة القدس،القاهرة،1357 ه1938/ م.
298-لسان العرب:ابن منظور:أبو الفضل محمد بن مكرم(ت:719 ه)، ط 1،المطبعة المنيرية،بولاق،مصر،1300 ه.
299-لسان الميزان:العسقلاني:أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر(ت:852 ه)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن،الهند،1329 ه.
ص: 463
300-لطائف الإشارات لفنون القراءات:القسطلاني،تحقيق:د.عبد الصبور شاهين و صاحبه،لجنة إحياء التراث الإسلامي في المجلس الأعلى،القاهرة، 1392 ه1972/ م.
301-اللمع في الرد على أهل الزيغ و البدع:الأشعري:أبو الحسن علي بن إسماعيل(ت:330 ه)،تقديم:د.حمودة عرابة،مطبعة مصر،1955 م.
302-لوامع الأنوار البهية و سواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية:الأسفرائيني:محمد بن أحمد،مطابع دار الأصفهاني و شركاؤه،جدة،1380 ه.
303-مباحث في علوم القرآن:الصالح:د.صبحي،ط 8،دار العلم للملايين،بيروت،1974 م.
304-المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم:الصغير:د.محمد حسين علي، ط 2،مطبعة المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع،بيروت، 1403 ه1983/ م.
305-مجمع البيان في تفسير القرآن:الطبرسي:أبو علي الفضل بن الحسن (ت:548 ه)،تحقيق:السيد هاشم الرسولي المحلاتي،دار إحياء التراث العربي،بيروت،1379 ه.
306-مجمع الزوائد و منبع الفوائد:الهيثمي:نور الدين علي بن أبي بكر(ت:
807 ه)،ط 2،دار الكتاب،بيروت،1967 م.
307-المجموع شرح المهذب:النووي:أبو زكريا محي الدين بن شرف(ت:676 ه)،مطبعة العاصمة،القاهرة،الناشر:زكريا علي يوسف(د.ت).
308-المحاسن و المساوئ:البيهقي:إبراهيم بن محمد،تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم،مطبعة النهضة،مصر،1961 م.
309-محاضرات في علوم الحديث:د.حارث سليمان الضاري،مطبعة جامعة بغداد 1985 م.
ص: 464
310-المحبر:ابن أمية البغدادي:أبو جعفر محمد بن حبيب الهاشمي(ت:
245 ه)،تصحيح:إيلزه ليختن شتيتر،ط 1،مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية،الهند،1361 ه1942/ م.
311-المحلى:ابن حزم الظاهري:أبو محمد علي بن حزم الأندلسي(ت:
456 ه)،دار الفكر،بيروت(د.ت).
312-مدارك التنزيل و حقائق التأويل:النسفي:عبد اللّه بن أحمد بن محمود، مطبعة دار الكتاب العربي،بيروت(د.ت).
313-المدونة الكبرى:رواية الإمام سحنون عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك بن أنس،ط 1،مطبعة السعادة،مصر،1323 ه.
أوفست،دار صادر،بيروت.
314-مذاهب التفسير الإسلامي:المستشرق إجنتس جولد تسيهر،تحقيق:د.
عبد الحليم النجار،ط 3،دار اقرأ،بيروت،1405 ه1985/ م.
315-مرآة الجنان و عبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان:
اليافعي:الإمام أبو محمد عبد اللّه بن أسعد بن علي(ت:768 ه)،ط 2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1390 ه1970/.
316-مرآة الحرمين:إبراهيم رفعت باشا،ط 1:مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة،1344 ه1925/ م.
317-مرآة العقول في علم الأصول:الملقب عماد الإسلام،مطبعة قومي يريس،طبع حجر،1318 ه.
318-المراسيل في الحديث:ابن أبي حاتم الرازي(ت:327 ه)،تقديم:
صبحي السامرائي،مكتبة المثنى،بغداد،1967 م.
319-مختلف الشيعة في أحكام الشريعة:العلامة الحلي:جمال الدين الحسن بن يوسف(ت:726 ه)،طبع حجر،إيران،1323 ه.
320-مروج الذهب و معادن الجوهر:المسعودي:أبو الحسن علي بن الحسين (ت:346 ه)،تحقيق:محمد محي الدين عبد الحميد،ط 2،مطبعة السعادة،القاهرة،1367 ه1948/ م.
ص: 465
321-مسائل في الفقه المقارن:د.هاشم جميل عبد اللّه،ط 1،جامعة بغداد، بيت الحكمة،1409 ه1989/ م.
322-مسالك الإفهام شرح شرائع الإسلام:الشهيد الثاني:زين الدين بن أحمد(ت:959 ه)،طبع حجر،قم،1310 ه.
323-المستدرك على الصحيحين في الحديث:الحاكم النيسابوري:أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه(ت:405 ه)،الناشر:مكتبة النصر الحديثة،الرياض، المملكة العربية السعودية(د.ت).
324-المستصفى من علم الأصول:الغزالي:أبو حامد محمد بن محمد(ت:
505 ه)،ط 1،مطبعة مصطفى محمد،القاهرة،1937 م.
325-مسلم الثبوت:البهاري:محب اللّه بن عبد الشكور،المطبعة الحسينية، مصر(د.ت).
326-المسند:الإمام أحمد بن حنبل(ت:241 ه)،شرح:أحمد محمد شاكر،ط 2،دار المعارف للطباعة و النشر،مصر،1368 ه1949/ م.
327-مسند الإمام زيد بن علي بن الحسين(ت:123 ه):ط 1،مطبعة المعارف العلمية مصر(د.ت).
328-مشاهد القيامة في القرآن:سيد قطب،دار المعارف،مصر(د.ت).
329-مشاهير علماء الأمصار:البستي:محمد بن حبان،عنى بتصحيحه:م.
فلايشمهر ،ط 1،مطبعة لجنة التأليف و الترجمة و النشر،القاهرة،1379 ه1959/ م.
330-المشرع الروي في مناقب السادة الكرام آل أبي العلوي:الشلي:محمد بن أبي بكر،ط 1،مطبعة العامرة الشرقية،القاهرة،1319 ه.
331-مصباح الأصول إلى علم الأصول:السيد محمد سرور البهبودي، مطبعة الآداب،النجف،1386 ه.
332-المصنف:ابن أبي شيبة:عبد اللّه بن محمد(ت:235 ه)،إدارة القرآن و العلوم الإسلامية،باكستان،1406 ه1986/ م.
ص: 466
333-مطالب السئول في مناقب آل الرسول:ابن طلحة الشافعي:كمال الدين بن محمد(ت:645 ه)،طبع حجر،قم،1278 ه.
334-المعارف:ابن قتيبة الدينوري:عبد اللّه بن مسلم(ت:276 ه)،تحقيق:د.
ثروت عكاشة،ط 2،مطبعة دار المعارف،مصر،1387 ه1969/ م.
335-معالم الدين و ملاذ المجتهدين:جمال الدين الحسن بن زين الدين،طبع حجر،المكتبة الإسلامية،طهران(د.ت).
336-معالم السنن:الخطابي:أبو سليمان(ت:388 ه)،تحقيق:أحمد محمد شاكر و محمد حامد الفقي،مطبعة السنة المحمدية،مصر،1369 ه،مع مختصر سنن أبي داود للمنذري.
337-معالم العلماء:ابن شهرآشوب:أبو جعفر محمد بن علي(ت:588 ه)،عنى بنشره:عباس إقبال،مطبعة فردين،طهران،1353 ه.
338-معاني الأخبار:الشيخ الصدوق:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن (ت:381 ه)،تصحيح علي أكبر الغفاري،المطبعة الحيدرية،النجف، 1379 ه.
339-معاني القرآن:الفراء:أبو زكريا يحيى بن زياد(ت:207 ه)،ط 2، مطبعة عالم الكتب،بيروت،1980 م.
340-المعتزلة و مشكلة الحرية الإنسانية:د.محمد عمارة،ط 1،المؤسسة العربية للدراسات،بيروت،1972 م.
341-المعتمد:البصري المعتزلي:أبو الحسن محمد بن علي،طبع دمشق، 1965 م.
342-معجم البلدان:ياقوت الحموي:شهاب الدين أبي عبد اللّه ياقوت بن عبد اللّه،دار صادر و دار بيروت للطباعة و النشر،بيروت،1374 ه/ 1955 م.
343-معجم رجال الحديث:السيد الخوئي:أبو القاسم علي اكبر الموسوي،ط 1،مطبعة الآداب،النجف،1974 م.
ص: 467
344-معجم القراءات القرآنية مع مقدمة في القراءات و اشهر القراء:د.عبد العال سالم مكرم و د.أحمد مختار عمر،ط 2،مطبعة ذات السلاسل، الكويت،1408 ه1988/ م.
345-المعجم الكبير:الطبراني:الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد(ت:
360 ه)،تحقيق:حمدي عبد المجيد السلفي،ط 1،مطبعة الوطن العربي، 1400 ه1980/ م.
346-معرفة علوم الحديث:الحاكم النيسابوري:أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه (ت:405 ه)،ط 3،دار الآفاق الجديدة،بيروت،1979 م.
347-المغني على مختصر الخرقي:ابن قدامة:موفق الدين أبي محمد عبد اللّه بن أحمد(ت:620 ه)،منشورات المكتبة السلفية بالمدينة المنورة و مكتبة المؤيد بالطائف.
348-المغني في أبواب العدل و التوحيد:القاضي المعتزلي:عبد الجبار بن أحمد الأسدآبادي(ت:415 ه)،ج 6 قسم التعديل و التجوير،تحقيق:أحمد فؤاد،ج 7،تحقيق:إبراهيم الابياري،ج 8-11،تحقيق:عبد الحليم النجار،ج 16،تحقيق أمين الخولي،مطبعة القاهرة.
349-مغني المحتاج على معرفة ألفاظ المنهاج:الشربيني:محمد بن أحمد الخطيب(ت:977 ه)،مطبعة دار الفكر،بيروت،1398 ه 1978 م.
350-مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة:السيد العاملي:محمد الجواد بن محمد الحسيني،مطبعة الشورى،القاهرة،1326 ه.
351-مفتاح الوصول إلى علم الأصول:البهادلي:الشيخ أحمد كاظم،ط 1، مطبعة شركة حسام للطباعة الفنية،بغداد،1415 ه 1995 م.
352-مفردات في غريب القرآن:الراغب الأصفهاني(ت:565 ه)،مطبعة الانجلو المصرية،1970 م.
353-مقاتل الطالبيين:أبو الفرج الأصفهاني(ت:356 ه)،مطبعة الديوان، بغداد،1358 ه1979/ م.
ص: 468
354-مقالات الإسلاميين و اختلاف المصلين:الاشعري:أبو الحسن علي بن إسماعيل(ت:330 ه)،تحقيق:محمد محي الدين عبد الحميد،ط 1، مكتبة النهضة المصرية،1369 ه.
355-المقالات و الفرق:الشيخ عباس القمي،مطبعة الآداب،النجف،1976 م.
356-مقتنيات الدرر و مقتطفات الثمر:الحائري:سيد مير علي المعروف بالمفسر،المطبعة الحيدرية،النجف،1341 ه.
357-مقدمة في أصول التفسير:ابن تيمية:أحمد بن عبد الحميد(ت:728 ه)،تحقيق:د.محمود محمد نصار،مطبعة منير،بغداد.
358-مكارم الأخلاق:الطبرسي:أبو الفضل علي بن مكي بن أبي طالب (ت:721 ه)،ط 2،مطبعة القضاء،النجف،1972 م.
359-الملل و النحل:الشهرستاني،تحقيق:عبد العزيز الوكيل،مؤسسة الحلبي،1968 م.مطبوع بهامش الفصل لابن حزم.
360-من روائع القرآن:البوطي،محمد سعيد رمضان،ط 2،دار المعارف للطباعة،مصر،1390 ه1970/ م.
361-من لا يحضره الفقيه:الشيخ الصدوق:أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن(ت:381 ه)،ط 1،مطبعة الآفتاب،طهران،1376 ه.
362-مناقب آل أبي طالب:ابن شهرآشوب:محمد بن علي(ت:588 ه)، المطبعة الحيدرية،النجف،1367 ه1956/ م.
363-مناهج الأدلة في عقائد الملة:ابن رشد،ط 3،تقديم و تحقيق:د.
محمود قاسم،مكتبة الأنجلو المصرية،القاهرة،1969 م.
364-مناهل العرفان في علوم القرآن:الزرقاني:محمد عبد العظيم،ط 3، مطبعة دار الفكر،بيروت(د.ت).
365-منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان:جمال الدين الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني(ت:1011 ه)،مطبعة جاب جاويد،طهران، 1379 ه.
ص: 469
366-منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة و القدرية:ابن تيمية:أحمد بن عبد الحليم(ت:828 ه)و بهامشه الكتاب المسمى موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول،ط 1،المطبعة المبرى،الأميرية،بولاق،مصر،1321 ه.
367-المنية و الأمل:ابن المرتضى،ط 1،بيروت،1961 م.
368-مهج الدعوات و منهج العبادات:ابن طاوس:أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى بن محمد،طبع حجر،قم(د.ت).
369-المهذب في فقه الشافعي:الشيرازي:أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي(ت:476 ه)،ط 2،مطبعة مصطفى البابي الحلبي،مصر،1379 ه.
370-الموافقات:الشاطبي:إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي(ت:790 ه)،ط 2،ضبطه:محمد عبد اللّه دراز،مطبعة دار المعرفة للطباعة و النشر،بيروت،1395 ه1975/ م.
371-المواقف:عضد الدين الإيجي مع شرح المواقف للسيد الشريف علي بن محمد الجرجاني،طبع بالقسطنطينية،1286 ه.
372-المواعظ و الاعتبار بذكر الخطط و الآثار:المقريزي:تقي الدين أحمد بن علي(ت:845 ه)،مطبعة السعادة،مصر(د.ت).
373-مواهب الجليل إلى شرح مختصر خليل:الحطاب:محمد بن محمد بن عبد الرحمن(ت:954 ه)،ط 1،مطبعة السعادة،مصر،1328 ه.
374-مواهب الرحمن في تفسير القرآن:السبزواري:السيد عبد الأعلى الموسوي،مطبعة الآداب،النجف،1407 ه1987/ م.
375-موسوعة أخلاق القرآن:الشرباصي:د.أحمد،ط 1،دار الرائد العربي،بيروت،1971 م.
376-الموطأ مع الزرقاني:شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك،ملتزم الطبع:عبد الحميد أحمد حنفي،مصر.
ص: 470
377-الميراث عند الجعفرية:أبو زهرة:الشيخ محمد،دار الرائد العربي، بيروت،1979 م.
378-ميزان الاعتدال في نقد الرجال:الذهبي:شمس الدين محمد بن أحمد (ت:748 ه)،تحقيق:علي محمد البجاوي،ط 1،مطبعة عيسى الحلبي،1382 ه1963/ م.
379-الميزان في تفسير القرآن:الطباطبائي:السيد محمد حسين،دار العلم للملايين،بيروت لبنان(د.ت).
380-ناسخ التواريخ:محمد تقي الكاشاني،طبع حجر،إيران،1321 ه.
381-الناسخ و المنسوخ:هبة اللّه بن سلامة(ت:410 ه)،المطبعة الحديثة، مصر 1315 ه بهامشه أسباب النزول للواحدي.
382-الناسخ و المنسوخ:النحاس:أبو جعفر،مطبعة السعادة،القاهرة، 1323 ه.
383-النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة:ابن تغرى بردى:جمال الدين أبو المحاسن يوسف الأتابكي(ت:874 ه)،مطبعة مصطفى البابي، القاهرة،1376 ه.
384-نزهة الجليس و منية الأديب الأنيس:العباس بن علي بن نور الدين المكي،ط 1،المطبعة الحيدرية،النجف،1385 ه1967/ م.
385-النسخ في القرآن:د.مصطفى زيد،ط 2،دار الفكر،بيروت،1391 ه1971/ م.
386-نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشر:د.محمود أحمد صبحي،ط 1، مطبعة دار المعارف،مصر 1976 م.
387-نهاية الأرب القلقشندي:أحمد بن علي أبو العباس(ت:881 ه)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي،القاهرة،1959 م.
ص: 471
388-نهاية الأقدام في علم الكلام:الشهرستاني:محمد بن عبد الكريم(ت:
548 ه)،صححه الفردجيوم،مطبعة المثنى،بغداد(د.ت).
389-نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار:الشبلنجي الشافعي:مؤمن بن حسن (ت:1113 ه)،ط 1،المطبعة المنيرية،القاهرة و بهامشه كتاب إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى و فضائل أهل بيته الطاهرين تأليف العلامة محمد الصبان.
390-نيل الاوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار:الشوكاني:محمد ابن علي بن محمد،ط 2،مطبعة مصطفى البابي،مصر،1371 ه1952/ م.
391-الهداية شرح بداية المبتدي:المرغيناني:برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل (ت:593 ه)،شركة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي،القاهرة،الطبعة الأخيرة.
392-الوافي:المولى محسن الفيض الكاشاني،طبع حجر،قم،1323 ه.
393-الوافي بالوفيات:الصفدي:صلاح الدين بن ايبك،ط 1،1953 م.
394-الوحدة الموضوعية في سورة يوسف:باجودة:د.حسن محمد،مطبعة حسان،القاهرة،1974 م.
395-وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة:الحر العاملي:محمد بن الحسن (ت:1104 ه)،تحقيق:عبد الرحمن الرباني،ط 4،دار إحياء التراث العربي، بيروت،1391 ه.
396-وفيات الأعيان و أنباء أبناء الزمان:ابن خلكان:أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت:621 ه)،تحقيق:محمد محيي الدين عبد الحميد،مطبعة السعادة، القاهرة،1367 ه1948/ م.
397-ينابيع المودة:القندوزي الحنفي:الحافظ سليمان بن إبراهيم(ت:1294 ه)، ط 7،المطبعة الجديدة،النجف(د.ت).
ص: 472
الموضوع صفحة
المقدمة 7
الباب الأول حياة الإمام الباقر(عليه السلام) الفصل الأول:سيرة الإمام الباقر(عليه السلام)الشخصية 17
المبحث الأول:اسمه و نسبه و ولادته و وفاته و مدفنه 19
المبحث الثاني:كنيته و ألقابه و نقش خاتمه 25
المبحث الثالث:أسرته،جده،أبوه،أمه،اخوته،أبناؤه و بناته 34
*أولا:جده 35
*ثانيا:أبوه 36
*ثالثا:أمه 38
*رابعا:اخوته 39
*خامسا:أبناؤه 46
المبحث الرابع:صفاته و تكامل شخصيته 48
*المطلب الأول:صفته في خلقه و لباسه 50
*المطلب الثاني:صفاته في عبادته و سماته في أخلاقه 51
المبحث الخامس:وصاياه،و مواعظه،و بعض أقواله الخالدة 66
*المطلب الأول:وصاياه 67
*المطلب الثاني:مواعظه 72
*المطلب الثالث:في بعض أقواله الخالدة 74
الفصل الثاني:من سيرته العلمية 77
المبحث الأول:حثه على طلب العلم و أقواله في العلم و العلماء 79
*أولا:بيانه لفضل العلم و مكانته 79
ص: 473
*ثانيا:بيانه لفضل العلم و مكانته 80
*ثالثا:آفات العلم و علاجها 81
*رابعا:آداب المتعلم 81
*خامسا:تحذيره من إضاعة العلم 82
*سادسا:بذل العلم و إشاعته 82
*سابعا:ما يجب تحصيله من العلوم عند الإمام الباقر(ع)83
*ثامنا:تحذيره من المباهاة في طلب العلم 83
*تاسعا:صفات العالم عند الإمام الباقر(عليه السلام)84
المبحث الثاني:علومه و معارفه 87
*أولا:الحديث الشريف 90
*ثانيا:علم الفقه 91
*ثالثا:علم أصول الفقه 92
*رابعا:علم السيرة 99
*خامسا:مشاركة الإمام(ع)في تعريب العملة في دار الإسلام 99
المبحث الثالث:مناظراته و أجوبته 104
المبحث الرابع:مكانته و أقوال العلماء فيه 117
الفصل الثالث:رواته و من روى عنهم 125
المبحث الأول:من روى عنهم الإمام 127
المبحث الثاني:رواة الإمام الباقر(عليه السلام)136
الفصل الرابع:مصادر الإمام الباقر في التفسير 181
المبحث الأول:تفسير القرآن بالقرآن 183
المبحث الثاني:منهجه في تفسير القرآن بالسنة النبوية الشريفة 191
*المطلب الأول:اختلاف العلماء في المقدار الذي فسره الرسول(ص)192
*المطلب الثاني:تفسير آيات من القرآن بأسلوب التصريح بقول النبي(ص)199
*المطلب الثالث:تفسيره بالسيرة النبوية الشريفة 205
ص: 474
المبحث الثالث:رجوعه الى اللغة في التفسير 212
المبحث الرابع:استنباط المعاني للآيات 216
الباب الثاني آراء الإمام الباقر(ع)و أثرها في علوم القرآن و التفسير الفصل الأول:جهود الإمام الباقر في علوم القرآن 227
المبحث الأول:آراؤه في الناسخ و المنسوخ و موقفه منه 227
المبحث الثاني:جهوده في علم أسباب النزول و توجيهه لها 233
*أولا:الصحابة الكرام 234
*ثانيا:التابعون 235
*ثالثا:إتباع التابعين 235
المبحث الثالث:جهوده في القراءات القرآنية 248
*لمطلب الأول:حديث الأحرف السبعة و موقفه منه 248
*المطلب الثاني:حجية القراءات عند الإمامية 251
*المطلب الثالث:تطبيقات من قراءات الإمام الباقر 253
المبحث الرابع:جهوده في فضائل القرآن 257
المطلب الأول:ما ورد عنه في فضل القرآن بالجملة 257
المطلب الثاني:ما ورد عنه في فضل آيات أو سور بعينها 259
المبحث الخامس:جهود الإمام(ع)في القصص القرآنية و موقفه من الإسرائيليات 263
*أولا:قصة الملكين هاروت و ماروت 266
*ثانيا:قصة آدم(عليه السلام)و زوجته 269
*ثالثا:قصة ابني آدم 274
*رابعا:قصة لوط(عليه السلام)274
*خامسا:قصة يوسف(عليه السلام)277
الفصل الثاني:آراؤه و أثرها في التفسير آيات العقائد 283
المبحث الأول:في التوحيد و نفي الصفات 286
ص: 475
المبحث الثاني:النبوة و الوحي 302
*المبحث الثالث:الإمامة 313
*المبحث الرابع:المعاد 321
*المبحث الخامس:الشفاعة 326
الفصل الثالث:جهوده و أثرها في تفسير آيات الأحكام 335
المبحث الأول:العبادات 338
*المطلب الأول:الطهارة 338
*المطلب الثاني:الصلاة 342
*المطلب الثالث:الزكاة:347
*المطلب الرابع:الخمس:348
*المطلب الخامس:الصوم:350
*المطلب السادس:الحج:352
المطلب السابع:الجهاد:353
المطلب الثامن:الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:356
المبحث الثاني:المعاملات 358
*المطلب الأول:المكاسب 358
*المطلب الثاني:الشهادة في الحقوق:359
*المطلب الثالث:الرهن 361
*المطلب الرابع:الوصية 362
*المطلب الخامس:الحجر 363
*المطلب السادس:اليمين و كفارته 365
*المطلب السابع:النكاح 366
المبحث الثالث:الحدود و الجنايات و القضاء 370
*المطلب الأول:الحدود 370
*المطلب الثاني:الجنايات 371
ص: 476
*المطلب الثالث:القضاء 372
الفصل الرابع:الجانب التربوي و الأخلاقي في تفسير الإمام(ع)375
الفصل الخامس:قيمة تفسيره و خصائصه و أثره في غيره 403
المبحث الأول:قيمة تفسيره و مكانته 405
*أولا:عنايته بكتاب اللّه و تشدده في تفسيره 405
*ثانيا:اهتمامه بالاستعمالات المجازية في القرآن و معرفة معانية 406
*ثالثا:قدرته و قابليته على استنباط المعاني للآيات 408
المبحث الثاني:خصائص تفسيره و سماته 409
*أولا:تفسير القرآن بالقرآن 409
*ثانيا:اهتمامه بالكلمة المفردة و السياق العام 410
*ثالثا:خلو تفسيره من الروايات الإسرائيلية 411
*رابعا:تعرضه للأمور الغيبية و آيات العقائد 411
*خامسا:اهتمامه الشديد في تفسير آيات الأحكام 412
المبحث الثالث:مقارنة آرائه مع آراء غيره و انفراداته 412
*أولا:الآراء التي خالف فيها غيره،و هي كثيرة منها 413
*ثانيا:الآراء التي انفرد بها في تفسيره عن غيره 417
المبحث الرابع:أثره في غيره 420
*الاتجاه الأول 421
*الاتجاه الثاني 421
الخاتمة 429
المصادر و المراجع 435
*أولا:المخطوطات 435
ثانيا:المطبوعات 435
الفهرس 473
ص: 477