الإرشاد و التطريز في فضل ذكر الله و تلاوة كتابه العزيز

اشاره

نام كتاب: الإرشاد و التطريز في فضل ذكر الله و تلاوة كتابه العزيز

نويسنده: عبد الله بن اسعد بن على اليافعى

موضوع: فضائل قرآن

تاريخ وفات مؤلف: 768 ق

زبان: عربى

تعداد جلد: 1

ناشر: دار الكتب العلمية

مكان چاپ: بيروت

سال چاپ: 1424 / 2003

نوبت چاپ: اوّل

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة التحقيق

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين،و أفضل الصلاة و أتمّ التسليم على سيد الذاكرين، و خير من قرأ كتاب اللّه العزيز الكريم.

و بعد،فإنّ محبة اللّه و القرب منه كانت دأب الصالحين،و ديدن الأتقياء العالمين،الذين أجمعوا على أن سلامة العقيدة أولا ثم الذكر-كما علمنا رسولنا صلى اللّه عليه و سلم-متضمنا التلاوة ثانيا هي طريق العمل الصالح المتقبّل.

و الذكر لا تجنى ثمرته بتمامها،و لا غلّته بكمالها ما لم يكن مشفوعا بقصص الصالحين،و حكايات المقرّبين،ففي قصصهم عبرة و آية،و معجزة ليس لها نهاية،تريك بلسان الحال كيف نالوا المحبّة و الهدى،و خصوا بالقرب و الرّضا بفضل ذكرهم و عبادتهم،ففي حكاياتهم دعوة لسمو النفس،و نداء لحضرة القدس.

كيف لا و أنت ترى كيف أدمنوا قرع الباب،فتخطّوا الحجاب،و نالوا الرّتب،فغدوا بمنزلة الصحابة الأحباب.

و هذا كتاب قد جمع فيه صاحبه بطريقة سنية،و حبكة عالية مرضية فضل الذكر مع التلاوة،مازجا بها حكايات القوم رغبة منه في تقويم السلوك، و النهوض إلى خير الخصال المقرّبة إلى الرّب المعبود،فحوى بين دفتيه معاني التصوف و خصاله؛من زهد في الدنيا،و توكّل على اللّه،و رغبة في الطاعات، و تخلق بأخلاق السادة النبلاء.

***

ص: 5

ترجمة المؤلف

اشارة

ترجمة المؤلف (1)

هو عفيف الدين،أبو محمد عبد اللّه بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح اليمني اليافعي الشافعي.و يافع:قبيلة باليمن من قبائل حمير.

ولد سنة(696)ه قرب عدن،و نشأ بها،و كان في ذلك السن ملازما بيته،تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللعب.فلما رأى والده آثار الفلاح ظاهرة عليه،بعث به إلى عدن، فاشتغل بالعلم حتى برع فيه،و قرأ القرآن على الفقيه الصالح محمد بن أحمد البصّال المعروف بالذّهيبي (2).

قال اليافعي:و هو أوّل من انتفعت به،و قرأت عليه«التنبيه»،و أولم البصّال عند ختمي وليمة كبيرة،و أطعم جماعة.

و حضر قراءة الفقيه حسن بن أبي السّرور على القاضي أبي بكر بن أحمد الأديب.

ص: 6


1- طبقات الشافعية للسبكي 103/6.طبقات الشافعية للإسنوي 579/2.طبقات الأولياء لابن الملقّن 555.الذيل على العبر لابن العراقي 225/1.العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 104/5.ذيول تذكرة الحفاظ 152.الدرر الكامنة لابن حجر 247/2.المنهل الصافي 74/7.النجوم الزاهرة لابن تغرى بردي 93/11.طبقات الخواص أهل الصدق و الإخلاص لأحمد بن أحمد الشرجي 67.تاريخ ثغر عدن لأبي مخرمة 141.مفتاح السعادة و مصباح السيادة لطاش كبري زادة 217/1.الكواكب الدريّة في تراجم السادة الصوفيّة للمناوي 35/3.كشف الظنون:68،90، 117،342،719،743،751،918،1501،1647،1659،1841،1843،1885، 1944،1952،1967،1980،1990.شذرات الذهب 210/6.البدر الطالع للشوكاني 378/1.إيضاح المكنون 145/1،569 و 6/2،110،610.هدية العارفين 465/1. روضات الجنات للخوانساري 457.جامع كرامات الأولياء للنّبهاني 120/2.معجم المطبوعات العربية و المعرّبة 1952.تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 84/7.الأعلام 72/4.معجم المؤلفين 34/6.
2- ترجمته في تاريخ ثغر عدن لابن أبي مخرمة ص 229.

و اجتمع بالشيخ عمر الصفّار في آخر حياته بعدن،و رآه أيضا بعد مماته فدعا له،فكان من دعائه:أصلحك اللّه صلاحا لا فساد بعده.

و أخذ العلم في هذه المرحلة عن الشيخ شرف الدين أحمد بن علي الحرازي قاضي عدن و مفتيها (1).

و نشأ على خير و صلاح،و انقطاع عن الناس،و لم يكن في صباه يشتغل بشيء غير القرآن و العلم.

و حجّ الفرض سنة 712 للهجرة،و عاد إلى عدن،و حبّب اللّه إليه الخلوة و الانقطاع، و السياحة في الجبال،و صحبة الفقراء،و الصوفيّة.

قال اليافعي:و أوّل من ألبسني الخرقة الشيخ مسعود الجاويّ بعدن،و أنا منعزل في مكان،فقال:وقع الليلة لي إشارة أن ألبسك الخرقة.فألبسنيها.

و صحب الشيخ علي بن عبد اللّه الطواشي،و هو الذي سلّكه الطريق قال:و ترددت، هل انقطع إلى العبادة أو العلم؟و حصل لي من أجل ذلك همّ كثير،و فكر شديد،ففتحت كتابا على قصد التبرّك و التفاؤل،فرأيت فيه ورقة لم أرها فيه قبل ذلك،مع كثرة نظري فيه،و فيها هذه الأبيات:

كن عن همومك معرضا و كل الأمور إلى القضا

فلربّما اتّسع المضي ق و ربّما ضاق الفضا

و لربّ أمر متعب لك في عواقبه رضا

اللّه يفعل ما يشا ء فلا تكن متعرّضا

قال:فسكن ما عندي،و شرح اللّه صدري لملازمة العلم.

ثم عاد إلى مكة سنة(718)ه و تزوّج بها،و جاور مدّة ملازما العلماء،فقرأ«الحاوي الصغير»على القاضي نجم الدين الطبري قاضي مكة،و لمّا فرغ من قراءته،قال القاضي نجم الدين لحاضري الختم:اشهدوا عليّ أنّه شيخي فيه.8.

ص: 7


1- ترجمته في تاريخ ثغر عدن ص 38.

و قرأ على القاضي نجم الدين أيضا«مسند الشافعي»و«فضائل القرآن»لأبي عبيد،و «تاريخ مكة»للأزرقي،و غير ذلك.

و سمع بمكة بقراءته غالبا على الشيخ رضي الدين الطبري الكتب الستة خلا«سنن ابن ماجة»كما سمع«مسند الدارمي»و«مسند الشافعي»و«صحيح ابن حبان»و«سيرة ابن إسحاق»و«عوارف السّهروردي»و«علوم الحديث»لابن الصلاح.

و كان قد حفظ«الجمل»للزجاجي.

ترك التزوج،و تجرّد عن الاشتغال و العوائق عشر سنين،و جعل يتردّد في تلك المدة بين الحرمين الشريفين،يقيم في هذا مدّة،و في ذاك مدّة.

و رحل إلى الشام سنة(734)ه و دخل دمشق،و زار القدس و الخليل،و أقام بالخليل نحو مائة يوم.

ثم قصد الديار المصرية في العام نفسه،مخفيا أمره،فزار تربة الشافعي،و غيره من المشاهير،و أقام بالقرافة بمشهد ذي النون المصري،و حضر عند الشيخ حسين الحاكي في مجلس وعظ كان يقيمه في الجامع الذي يخطب فيه بظاهر القاهرة بالحكر،و عند الشيخ عبد اللّه المنوفي المالكي بالمدرسة الصالحية،و عند الحويزاوي بسعيد السعداء،و كان إذ ذاك شيخها،و اشتهر في تلك الأيام قدومه إلى القاهرة،و لكنّ اللّه تعالى حقّق قصده،فلم يعثر عليه أحد ممّن يظهر أمره.

و زار الشيخ محمد المرشدي بمنية مرشد من الوجه البحري،و بشّره بأمور،ثم قصد الوجه القبلي فسافر إلى الصعيد الأعلى.

عاد إلى الحجاز،و جاور بالمدينة النبويّة مدّة،قال الشرجي صاحب«طبقات الخواص»:يروى عنه أنّه لمّا قصد المدينة لزيارة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:لا أدخل المدينة حتى يأذن لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،قال:فوقفت على باب المدينة أربعة عشر يوما،فرأيت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في المنام،فقال لي:يا عبد اللّه،أنا في الدّنيا نبيّك،و في الاخرة شفيعك،و في الجنة رفيقك،و اعلم أن في اليمن عشرة أنفس،من زارهم فقد زارني،و من جفاهم فقد جفاني.

فقلت:و من هم يا رسول اللّه؟قال:خمسة من الأحياء،و خمسة من الأموات فقلت:من الأحياء؟فقال:الشيخ علي الطواشي صاحب حلي،و الشيخ منصور بن جعدار صاحب

ص: 8

حرض،و محمد بن عبد اللّه المؤذن صاحب منصور المهجم،و الفقيه عمر بن علي الزيلعي صاحب السلامة،و الشيخ محمد بن عمر النهاري صاحب برع.و الأموات أبو الغيث بن جميل،و الفقيه إسماعيل الحضرمي،و الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل،و الشيخ محمد بن أبي بكر الحكمي،و الفقيه محمد بن حسين البجلي قال:فخرجت في طلب القوم،و ليس الخبر كالمعاينة،و من شكّ فقد أشرك،فأتيت الأحياء فحدّثوني،و أتيت الأموات فحدّثوني،فلمّا أتيت الشيخ محمد النهاري،قال:مرحبا برسول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.

فقلت:بم نلت هذا؟فقال:قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّهُ [البقرة:

282].فأقمت عنده ثلاثة أيام،ثم انصرفت إلى مدينة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،فوقفت على بابها أربعة عشر يوما أيضا،فرأيته صلى اللّه عليه و سلم،فقال:زرت العشرة؟فقلت:نعم،إلاّ أنك أثنيت على أبي الغيث،فتبسّم عليه الصلاة و السلام،و قال:أبو الغيث غدا أهل من لا أهل له.فقلت:

أ تأذن لي بالدخول؟فقال:ادخل،إنّك من الآمنين.

ثم عاد إلى مكة،و انقطع إلى العلم و العمل،و تزوّج،و ولد له عدّة أولاد،ثم سافر إلى اليمن سنة(738)ه لزيارة شيخه علي الطواشي،و زيارة غيره من العلماء و الصالحين.

و مع هذه الأسفار فإن اليافعي لم تفته حجّة في هذه السنين،و عاد إلى مكّة شرّفها اللّه تعالى،و أنشد لسان الحال:

فألقت عصاها و استقرّ بها النّوى كما قرّ عينا بالإياب المسافر

و عكف على التصنيف و الإقراء و الإسماع،و كان يصرف أوقاته في وجوه البرّ،و كان كثير الإيثار و الصدقة مع الاحتياج،متواضعا مع الفقراء،مترفّعا عن أبناء الدنيا،معرضا عمّا في أيديهم.

و كان نحيفا ربعة من الرجال،مربيا للطلبة و المريدين،و لهم به جمال و عزّة،فنعق بهم غراب التفريق،و شتّت شمل سالكي الطريق،فتنكّرت طباعه،و بدت أوجاعه،فشكا من جسمه سقما،و من رأسه ألما،و أقام أياما قلائل،و توفّي إذ ذاك و هو فضيل مكة و فاضلها، و عالم الأبطح و عاملها،و ذلك ليلة الأحد في العشرين من جمادى الاخرة سنة 768 ه، و دفن من الغد في المعلّى بجوار الفضيل بن عياض.

ص: 9

و بيعت حوائجه الحقيرة بأغلى الأثمان،فقد بيع مئزر له عتيق بثلاث مائة درهم،و طاقية بمائة درهم،و قس على هذا.

اليافعي و علماء عصره:

كان و ما زال الاختلاف شديدا على شخصية اليافعي،فمن مقرّظ مفرط و من مبغض مكفّر،و التقريظ و البغض نشئا بين الفريقين من اختلاف المشارب،و تعدّد المناهل، بالإضافة إلى حظوظ النفس،و تغليب الهوى.

قال الإسنوي:كان اليافعيّ إماما يسترشد بعلومه و يقتدى،و علما يستضاء بأنواره و يهتدى.

و قال أحمد بن عبد الرحيم ابن العراقي عنه:الشيخ الإمام القدوة العارف الزاهد شيخ وقته.

و قال ابن الملقّن:كان إماما مفتيا عاملا ممّن تنزّل الرحمة عند ذكره.

و قال ابن تغري بردي في وصفه:الشيخ الإمام،العالم المسلّك،العارف باللّه تعالى، و شيخ الحرم،و إمام المسلّكين،و شيخ الصوفية.

و قال عنه السبكي:الرجل الصالح.

و قال فيه محمد بن أحمد الحسني الفاسي صاحب«العقد الثمين»:شيخ الحرم...

كان عارفا بالفقه و الأصولين و العربية و الفرائض و الحساب...

و ساق ما قاله بدر الدين حسن بن حبيب،أديب حلب في كتابه«درة الأسلاك»:«إمام علمه يقتبس،و بركته تلتمس،و بهديه يقتدى،و من فضله يحتذى،كان فريدا في العلم و العمل،مصروفا إليه وجه الأمل،ذا ورع...».

و قد أفراد له تلميذه أحمد بن أبي بكر بن سلامة كتابا مستقلا،ذاكرا حياته و فضله فيه و هو«المسلك الأرشد في مناقب عبد اللّه بن أسعد».

قال طاش كبري زادة في كتابه:«مفتاح السعادة»217/1:و بالجملة هو رجل عزيز الوجود،فرد زمانه،و نادرة أوانه.

ص: 10

و أما ما انتقده عليه أهل الحديث و السنة،أصحاب العلم و النقد فهو قوله من قصيدة له:

فيا ليلة فيها السّعادة و المنى لقد صغرت في جنبها ليلة القدر

حتى إن الضياء الحموي كفّره بذلك.

و منهم من عزا ذلك إلى حبّ الظهور.و منهم من أبى ذلك،و ذكروا لذلك مخرجا في التأويل.

و كان يتعصّب للأشعري،و له كلام في ذمّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه تعالى (1).

و في كتابه«مرآة الجنان»-الذي اعتمد فيه على تاريخ ابن خلكان و تاريخ الذهبي- ترجمة جماعة من الشافعية و الأشعرية،و فيه من التعصب للأشعري أشياء منكرة (2).

و قد حفظ عنه تعظيم ابن عربي و المبالغة في ذلك.

و مما أخذ عليه رحمه اللّه حبّ الظّهور،و وصف نفسه بأوصاف كبرى ضخمة (3).

مؤلفاته:

انصرف الشيخ رحمه اللّه إلى التصنيف و التأليف بعد عودته من اليمن،و استقراره بمكّة حفظها اللّه تعالى سنة 739 ه إلى أن توفي سنة 768 ه،و قد صنّف تصانيف كثيرة في أنواع من العلوم،و كان غالبها صغير الحجم،معقودا بمسائل منفردة،و قبل ذكر مؤلفاته نذكر شيئا عن أشعاره.

قال الإسنوي:و كان يقول الشعر الحسن الكثير بغير كلفة،و كثير من تصانيفه نظم...

و أشعاره حسنة كأحواله.

و قال الشرجي:كان رحمه اللّه يقول شعرا حسنا غالبه في مدح النبي صلى اللّه عليه و سلم،و مدح الأولياء،و في ذمّ الدنيا،و الحثّ على الزهد فيها.

ص: 11


1- البدر الطالع 378/1.
2- البدر الطالع 378/1.
3- البدر الطالع 378/1.

و قد جمع ديوان نظمه في نحو عشرة كراريس كبار.

و من تصانيفه قصيدة مشتملة على قريب من عشرين علما،على ما ذكر،لكن بعضها متداخل مع بعض كالتصريف مع النحو،و القوافي مع العروض،و قلّ أن يخلو له مصنّف من نظم.

ذكر البغدادي صاحب كتاب«هدية العارفين»465-466 عددا من مؤلّفات اليافعي بلغت(37)مؤلّفا،و غابت عنه أشياء من مؤلّفات الشيخ رحمه اللّه،و نحن نذكر منها ما استطعنا جمعه من مصادر الترجمة،أما أرقام المخطوطات فهي التي حصلنا عليها من مكتبة الأسد،و التي ذكرها بروكلمان في كتابه«تاريخ الأدب العربي».

1-الإرشاد و التطريز في فضل ذكر اللّه و تلاوة كتابه العزيز.و سنذكره مفصلا.

2-أسنى المفاخر بمناقب الشيخ عبد القادر.ذكر بروكلمان أن له نسختين خطّيتين في المتحف البريطاني أول،و مكتبة برلين،من دون أن يذكر أرقامهما.

3-أطراف التواريخ.

4-أطراف عجائب الآيات و البراهين و أرداف غرائب حكايات روض الرياحين.

5-الأنوار اللائحة في أسرار الفاتحة.

6-بهجة البدور في وصف الحور.

7-تاج الروس في الذيل المأنوس على سوق العروس.

8-الترغيب و الترهيب.مطبوع.و في النفس من نسبته لمؤلفه شيء،فهو دون مقدمة، و لا يتضمن شعرا لليافعي الذي و شح كل كتبه به،و لا أتحسس فيه نفسه.

9-ترياق العشاق في مدح حبيب الخلق و الخلاّق.

10-الجواب الشافي عن السؤال الخافي.منه نسخة خطية مصورة في مكتبة الأسد 3936 ت 4.

11-الجواب المحقق فيما يجوز العمل به من أحكام قضاة الفرق و بيان من خرج من الفرق من بين الأنام الواضح الفكر عن ملة الإسلام.منه نسخة خطية مصورة في مكتبة الأسد 3936 ت 2.

ص: 12

12-حلية الأخيار في أخبار أهل الأسرار.

13-14-خلاصة المفاخر في مناقب الشيخ عبد القادر.

و ذكر صاحب«كشف الظنون»صفحة 1990 بأن له كتابا في شرح خلاصة المفاخر في أخبار الشيخ عبد القادر،و ذكر بروكلمان بأن له كتاب«خلاصة المفاخر في اختصار مناقب الشيخ عبد القادر و جماعة ممن عرفه من الأشياخ و الأكابر»أو«أعاجيب الآيات و البراهين و أرداف غرائب حكايات روض الرياحين»منه نسخة خطية في مكتبة برلين 8804، و المكتب الهندي 2،708،و لعلّه الذي تقدّم برقم(4)و ربما كان ذيلا لروض الرياحين.

15-الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم.مطبوع،و منه نسختان خطيتان في مكتبة الأسد رقم:13212 و 16072.

و ذكر بروكلمان:مختصر الدر النظيم في فضائل القرآن العظيم و آيات الذكر الحكيم، منه نسخة خطية في المتحف البريطاني،ذيل فهرس المخطوطات العربية 913/1.

16-الدرر في مدح سيد البشر و الغرر في الوعظ و العبر.

17-الدرة الفصيحة في الوعظ و النصيحة.

18-الدرة المستحسنة في استحباب تكرير العمرة في سائر السنة.و منه نسخة خطية مصورة في مكتبة الأسد 3936 ت 2.

19-الدعاء:آدابه و أسبابه.مطبوع.و نسبته لليافعي في النفس منها شيء،فهي دون مقدمة،و لا تعتمد على مخطوط أصلا.و جاء في نهايتها:و مما نقله الإمام اليافعي أيضا لدفع العدو...

20-الراح المختوم بالدر المنظوم في مدح المشايخ أصحاب السرّ المكتوم(قصيدة).

21-الرسالة الملكية في طريق السادة الصوفية.منه نسخة خطية في القاهرة 72.

22-روض البصائر و رياض الأبصار في معالم الأقطار و الأنهار الكبار.

23-روض الرياحين في حكايات الصالحين المسمى ب:نزهة العيون النواظر و تحفة القلوب الحواضر.مطبوع،قمت بتحقيقه مع الأستاذين مأمون الصاغرجي و عدنان عبد ربه.

ص: 13

و ذكر صاحب«العقد الثمين»أن اليافعي قد ذيّل عليه بذيل يحتوي على مائتي حكاية.

و انظر ما ذكرت عن كتاب«خلاصة المفاخر»13-14.

24-سراج التوحيد الباهج النور في تمجيد صانع الوجود و مقلب الدهور و معرفة أدلة القبلة و الأوقات المشتملات على الصلاة و الصيام و الفطور.

25-سؤال في الإقرار.منه نسخة خطية مصورة في مكتبة الأسد 3936 ت 5.

26-الشاس المعلم لشاووس كتاب المرهم،و انظر كتاب«مرهم العلل»رقم 36.

و هو اختصار لكتاب ابن عساكر«تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الشيخ الإمام أبي الحسن الأشعري»و زاد عليه.انظر مرآة الجنان 395/3.

27-شمس الإيمان و توحيد الرحمن في عقيدة أهل الحق و الإتقان.منه نسخة خطية في برلين 2000،و نسختان في الجزائر 581،582.

28-الشهد الحالي في فضل الصالحين و مقامهم العالي.

29-الشهد الشفاف في مدح المصطفى صلى اللّه عليه و سلم.

30-عالي الرفعة في حديث السبعة.

31-عقد اللئالي المفصّل بالياقوت الغالي(قصيدة في العقائد).

32-قصيدة في التوسل.منه نسخة خطية في مكتبة الأسد 3884.

33-كفاية المعتقد و نكاية المنتقد.

34-مرآة الجنان و عبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان و تقلّب أحوال الإنسان و تاريخ موت بعض المشاهير الأعيان.منه نسختان خطيتان في مكتبة الأسد 7741 و 7744.و نسخة خطية في برلين 9452/3،و المتحف البريطاني 932،و المكتبة الوطنية في باريس 1589/92،5952 و فيينا 812،و في كوبرلي في تركيا 1144،و مكتبة بودليانا فهرس المخطوطات العربية 725/1.

و قد قام عدد من العلماء باختصار هذا الكتاب،انظر تاريخ بروكلمان.

35-مختصر مناقب الشافعي.

36-مرهم العلل المعضلة في الردّ على أئمة المعتزلة.مطبوع.منه نسخة خطية في

ص: 14

برلين 2806،و أخرى في ليدن بهولندا 902،و لعلّ اليافعي قد أردف كتابه هذا بكتاب الشاس المعلم لشاووس كتاب المرهم المتقدم برقم 26.

37-مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام.ذكره صاحب«مفتاح السعادة» 217/1.

38-المقدمات في العوامل و العلامات.له نسخة خطية مصورة في مكتبة الأسد 3936 ت 7.

39-مناقب الإمام المائة من أئمة الأشعرية.

40-منظومة في الفصول الأربعة.منه نسخة خطية في مكتبة الأسد 12674.

41-المنهج الأرضا في مسامح العاجز المبدل الضاد بالظاء.منه نسخة خطية مصورة في مكتبة الأسد 3936 ت 6.

42-المنهل المفهوم في شرح السنة المعلوم.

43-مهيجة الأشجان في ذكر الأحباب و الأوطان.

44-نزهة الألباب و طرفة الآداب في استعارات المعاني الغراب.ذكره أحمد بن عبد الرحيم ابن العراقي في كتابه«الذيل على العبر»226/1 و قال:قصيدة في النحو و عددها ثلاثة آلاف بيت و ست مائة.

45-نزهة العيون النواظر و تحفة القلوب و الخواطر.قال صاحب«كشف الظنون» 1944:اختصره من روض الرياحين،و هذا معارض لقوله في نفس الكتاب 919 لمّا تحدّث عن«روض الرياحين»قال:و قيل سماه«نزهة العيون النواظر...».

46-نشر الروض العطر في حياة سيدنا أبي العباس الخضر.ذكره ابن العماد في «شذرات الذهب»211/6.

47-نشر الريحان في فضل المتحابين في اللّه من الإخوان.

48-نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ أولي المقامات العالية.مطبوع.منه نسخة خطية في مكتبة الأسد 3645،و في مكتبة عاشر أفندي 514/1 و 175/2،و في القاهرة 141/2-370/1.

ص: 15

49-نفحات الأزهار و لمعات الأنوار.و اسمه في«هدية العارفين»لمعات،و اسمه في «كشف الظنون»1967 لمحات.

50-نهاية المحيا في مدح شيوخ من الأصفياء.

51-نوادر المعاني.

52-نور اليقين في إشارات أهل التمكين.ذكره بروكلمان و قال:منه نسخة خطية في مكتبة غوته بألمانية 914/4.

53-الواردات.ذكره أيضا بروكلمان،و قال:منه نسخة خطية في المتحف البريطاني 3 و 885.

***

الإرشاد و التطريز في فضل ذكر اللّه و تلاوة كتابه العزيز و فضل الأولياء و الناسكين

و الفقراء و المساكين:

من أهم كتب اليافعي رحمه اللّه،و من خيرة ما ألّف،حتى عدّ أحد مصادر المكتبة الصوفية،و لأهميته فقد جعله كاتبه مصدرا لكثير من الأخبار التي ذكرها في كتبه اللاحقة مثل:روض الرياحين و سواه.

بني الكتاب على مقدمة و عشرة أبواب،و هذه الأبواب بينها تفاوت كبير من حيث البسط و الاختصار،فباب تربو صفحاته على 142 صفحة(الباب الثاني)،و باب لا تتجاوز صفحاته الأربع فقط(الباب السادس)،و قد قام على أخبار في الذكر و العبادات،و الوعظ و القصص،و أخبار الصالحين،و بيان فضل الأولياء و المساكين،و الزاهدين و الناسكين، و على عقيدة الأشعري من أهل السنّة،بأسلوب مطرّز بالسجع المطبوع،و الشعر الوجداني القريب،فجمع بذلك الحكمة الشاردة،و العبرة الأخاذة،و أيقظ الحنين إلى جنّات ربّ العالمين،و ألهب الشوق إلى حبيب المحبّين مع نقاء المورد،و صفاء المأخذ،و صحّة الاقتباس.

و قد حوى من صحيح الأحاديث ما يزيد على المائتين،و كلّها مسندة،معتمدا على كتب الصحاح و السنن في تخريجها مباشرة،أو ناقلا من كتب معتمدة؛مثل كتاب«جامع

ص: 16

الأصول في أحاديث الرسول صلى اللّه عليه و سلم»للإمام ابن الأثير،و كتاب«الأذكار»للإمام النووي.

و ذكر من أعلام الأولياء و أهل التصوف أكثر من مائة شيخ،شافعا هذا بحكايات الصالحين و قصص المقربين،مع حسن الاختيار،و علو المصدر،فأخذ عن كتب الحفاظ و الطبقات مثل:«حلية الأولياء»لأبي نعيم،و«تاريخ بغداد»للخطيب البغدادي،و«تاريخ دمشق»لابن عساكر،و غيرها.

أما الشعر فقد حوى على أكثر من ألف بيت،لمؤلف الكتاب منها نحو الثلثين،و شعره هذا يصنّف ضمن شعر العلماء.

و بالإضافة إلى هذا اعتمد المؤلف على مصدر للتدليل على صدق الفكرة،أو صحة النقل فقد حوى الكتاب على جملة طيبة من الأحلام.

و امتاز هذا الكتاب بخلوّه من البدع المكفرة،و طهره من الإسرائيليات،و كشفه لمعاني التفكر و التدبّر في نظم القرآن،و متابعة الآثار من الأذكار،و الاعتبار بما في الأكوان،حتى أصبح منارا لطريق الوصول إلى ربّ العالمين،و دليلا للهداة و العاملين.

النسخ المعتمدة في التحقيق:

كان الاعتماد في إخراج هذا الكتاب على ثلاث نسخ خطية،إلى جانب النسخة المطبوعة قديما في القاهرة و هذا بيانها:

أ-1-نسخة رمزت إليها بالحرف(أ)و هي مصورة عن نسخة خطية محفوظة في مكتبة الأسد برقم(17323)و هي نسخة تامة جيدة الضبط و الإتقان،بخط نسخي واضح،و قد أثبت على هامشها تعليقات و شروحات،و تقع في(155)ورقة،في كل صفحة منها(15) سطرا،و ذكر في نهايتها:وقع الفراغ من نساخة هذا الكتابة(كذا)وقت الظهر يوم السبت في شهر جمادى الأولى سنة خمسة و تسعون و تسعمائة(كذا)من الهجرة النبوية المصطفوية.

2-نسخة رمزت إليها بالحرف(ب)،بها بتر و خرم و نقص،و عبث بأوراقها تقديما و تأخيرا.و استدرك بعض نقصها بخط مغاير أحدث من الأصل بكثير،و هي قليلة الضبط، على هامشها استدراكات،و هي مصورة عن نسخة خطية محفوظة في مكتبة الأسد برقم

ص: 17

(6413)مؤلفة من(159)ورقة،في كل صفحة(15)سطرا.و هي تنتهي في الصفحة (277).

3-نسخة رمزت إليها بالحرف(ج)و هي أيضا نسخة مبتورة،خطها نسخي واضح، مقابلة،جيدة الضبط،على هامشها استدراكات و تعليقات نفيسة،و هي مصورة عن نسخة خطية محفوظة في مكتبة الأسد برقم(7232)مؤلفة من(40)ورقة،في كل صفحة(21) سطرا.و هي تنتهي صفحة(121)من هذا المطبوع.

و ذكر بروكلمان في تاريخه أن للكتاب نسخا خطية في مكتبة برلين 8801،8802، و نسخة خطية في مكتبة عاشر أفندي 807/1.

و ذكر صاحب كشف الظنون 68 أن اليافعي قد اختصره.

ب-أما نسخته المطبوعة فقد طبعت أولا في بلدة تلشير بالمليبار جنوب الهند سنة 1304،و طبع ثانيا في مكتبة القاهرة سنة 1378-و هي التي رجعت إليها-قدم لهذه الطبعة و راجعها الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف معتمدا على طبعته الهندية الأولى دون الرجوع إلى مخطوط،ذاكرا عنها:و بها نقص و أخطاء كثيرة في روايات الأحاديث النبوية، و النصوص التاريخية،و الأعلام،و الرسوم الإملائية و الأخطاء النحوية،فأصلحنا ما أمكن من ذلك بالرجوع إلى مصادره...

و ما قاله الأستاذ عبد الوهاب يقال عن طبعته،فالكثير من التصحيف و التحريف قد لحقها،كونه اعتمد على المطبوع فقط،دون الرجوع إلى نسخة خطية.

و بعد،فهذا عبد اللّه بن أسعد اليافعي شيخ التزم الطريق،و عاش حالة انسجام شامل مع فكره و عقيدته و تصوّره،و القارئ لسيرته يجده أحد أفراد حكاياته محبّا للّه،مؤمنا بالكرامات،آخذا بالأحلام،حاكما على نفسه فيما بعد الموت من منزلة و حال،محبّا لعبيد اللّه الفقراء،داعيا إلى اللّه أحيانا،منفردا معتزلا غريبا آنا،ملتمسا العذر لمشايخه، متأوّلا لما قالوه من أقوال،شارحا ما فعلوه،مبيّنا حالة الصحو من حالة السّكر،إنه ذاك الغريب بجبل لكام،الحالم بصعود جبل قاف،فمن ارتضاه قبله على حاله دون تقويم أو احتجاج.

***

ص: 18

عملي في تحقيق الكتاب:

لما كان الكتاب من أهم كتب اليافعي رأيت أن أضع بين أيدي القراء المهتمين بكتب الصوفية هذا الكتاب محقّقا تحقيقا علميّا،و مهذّبا من الشوائب و الأخطاء،فكان أن:

1-قابلت نسخته المطبوعة في مكتبة القاهرة سنة 1378 ه على النسخ الخطية الثلاث التي اعتمدتها.

2-لم أشر إلى الاختلاف الطفيف بين النسخ،أما إذا كان الفارق كبيرا و مغيّرا للمعنى فقط أثبت ما رأيته صحيحا و مناسبا،و أشرت إلى الرواية المخالفة في الحاشية.

3-ضبطت من الكلام ما يحتاج إلى ضبط.

4-حصرت الآيات التي وردت في الكتاب بأقواس مزهّرة...،و أحاديث الرسول صلى اللّه عليه و سلم بأقواس التنصيص«...».

5-خرجت الأحاديث التي أشار إليها المؤلف رحمه اللّه.

6-وضعت دائرة سوداء(*)في بداية كل خبر و حكاية.

7-شرحت من الألفاظ ما يحتاج إلى شرح،و عرّفت ببعض الأعلام التي وردت في بعض القصص،و كذلك نسبت بعض الأبيات الشعرية المشهورة لأصحابها،و لم أتقصّ في ذلك لكثرتها،و جهالة معظم أصحابها مما هو معروف في قصص الصوفيّة و أخبارهم.

9-صنعت فهرسا مفصّلا للآيات و الأحاديث و الأعلام و الأشعار و الأماكن و الأقوام.

أسأل اللّه العظيم أن ينفع بهذا الكتاب كلّ قارئ،و أن يغفر لمؤلّفه و ناشره و من عمل فيه،و يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.

رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ .

محمد أديب الجادر

ص: 19

صورتا نسخة(أ)

ص: 20

صورتا نسخة(ب)

ص: 21

صورتا نسخة(ج)

ص: 22

الإرشاد و التّطريز في فضل ذكر اللّه و تلاوة كتابه العزيز و فضل الأولياء و النّاسكين و الفقراء و المساكين تأليف عفيف الدّين عبد اللّه بن أسعد اليافعي المتوفي 768 ه

ص: 23

ص: 24

مقدمة الكتاب

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الذي عقل العقول عن إدراك ذاته،و أبدى لها ما حيّرها من جلال جمال كمال جمال صفاته،فسبحت في بحر الحيرة،و سبّحت الملك القدّوس الذي أحيا بذكره قلوب أوليائه،و نوّرها بنور معرفته،و غرس في رياض أرضها أشجار الأشجان،فأثمرت به حبّ محبّته،و محا و نحّى عنها ظلمات ظلم النفوس،و زيّن سماءها بزينة كواكب الهداية،و جعلها رجوما لمسترقي السّمع من شياطين الغواية،و أسرج فيها أقمارا منيرات مع شموس،و سقاهم من مدام المنادمة على بساط الأنس في رياض الرّضوان في حضرة القدس،معصورا من كرم الكرم رائقا في الكئوس،من بعد ما شربوا صبر الصّبر في كئوس الانفصال،شربوا راح الارتياح في كئوس الاتصال،فباحوا بالحبّ،و استهتروا بذكر الحبيب قياما و على جنوبهم و جلوس:

سقاهم كئوسا من مدامة حبّه فباحوا بسرّ كان من قبل يكتم

بذكر اسمه فاهوا و عن ذكر غيره من الخلق أفواه المحبّين تختم

فإذا دعوا في المحشر إلى العرض الأكبر في عرصات القيامة،وردوا خفافا،و قد وضع الذّكر أوزارهم،و سبقوا إلى دار الكرامة،فتنعّموا فيها،و كلّ مثقل في الحساب بين الأهوال محبوس.يقومون من قبورهم،و نجب النّور مسرجة لهم،فيركبون إلى الجنان، و المجرمون في السّلاسل و الأغلال على وجوههم يسحبون إلى النّيران،أعاذنا اللّه من ذلك.قال اللّه العظيم الملك القدوس يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً(85) وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم:85-86].جعلنا اللّه بمنّه من الوافدين عليه إلى الفردوس.

أحمده على جميل صفاته المستحقّة لأجلّ المحامد و أكبرها،و أشكره على جزيل صلاته التي لا تحصى،و لا يقام بشكر أصغرها،من نفع بخير و دفع لشرّ و بؤس،و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه المتوحّد بصفات الجلال و الكمال،المتقدّس عن سمات الحدث و النّقص و التغيّر و الزّوال،المتعالي عن مقالة الملحدين و الجاحدين؛من المجسّمة،و المعطّلة،

ص: 25

و اليهود،و النّصارى،و المجوس،و أشهد أنّ محمدا عبده المجتبى،سيّد الأنام،و رسوله المصطفى خاتم الرّسل الكرام،بدر الدّياجي،منوّر كلّ حندوس (1)،صلى اللّه عليه و سلم و على آله الكرام أولي النّدى،و على أصحابه النّجباء نجوم الهدى،و أزواجه المطهّرات من الأرجاس و الأدناس،و ذرّيته السّادات الرّءوس.

أما بعد:فإنّ المتّقين الموفّقين الأكياس،علموا أنّ أنفاسهم أنفس من الجواهر النّفاس،فلم يضيّعوها في البطالة،و لم يبيعوها بالفلوس:

أرى كلّ من ألهاك عن كسب طاعة عدوا و إن كان الصّديق المصافيا

لما أنّ أنفاس الحياة جواهر نفاس و قد أضحى لها عنك نافيا

بها غرف في جنّة هان فوتها عليك و فيها العيش يهنيك صافيا

و لو جيفة الدّنيا تفوت لسارعت يداك إلى ترب على الرّأس سافيا

ستدري على أيّ تقاسي تحسّرا و يبدو غدا ما كان في اليوم خافيا

باع أولو الرّشد أنفاسهم النّفيسة بالباقي الخطير النّفيس،و لم يبيعوها بالفاني الحقير الخسيس،خلافا لنا أيّها الحمقاء السّفهاء النّحوس:

بدنيا نبيع الدّين فالدّين ذاهب كما بيع منزوع و دنيا ستنزع

كما قال رأس الزّاهدين ابن أدهم (2) عليّ المقام العارف المتورّع

(نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى و لا ما نرقّع)

(3) عميت قلوبنا من صدأ الآثام،فضلّت عن طريق الهدى،و تاهت و قست من أكل الحرام،و فضول الكلام،و مرضت من مجالسة موتى القلوب،و ماتت و دفنت في قبور الغفلة،فلا يكشف عنها غطاؤها إلاّ في يوم عبوس.هذا،و إنّ ذكر اللّه حياة القلوب و دواؤها و جلاؤها (4)من صدئها،و غذاؤها و حاميها من شرّ العدوّ و حصنها به محروس،ا.

ص: 26


1- كذا في الأصل مراعاة للسجع،و الحندس:الليل المظلم.
2- هو إبراهيم بن أدهم البلخي زاهد مشهور،أخذ عن كثير من العلماء،و كان يعيش من العمل بالحصاد،و حفظ البساتين،و الحمل و الطحن،و يشترك مع الغزاة في قتال الروم،و كان يصوم في السفر و الإقامة،و ينطق بالعربية الفصحى و لا يلحن.مات سنة 161 ه.
3- البيت في ديوان عبد اللّه بن المبارك صفحة 86.
4- في المطبوع:هذا أوان ذكر اللّه حياة القلوب و دوائها و جلائها.

اشتغل به المريدون الأتقياء،فهو لهم حرفة،و شغف به المرادون الأولياء فهو لهم تحفة، يتلذّذون به و تجلى لهم من معانيه الملاح ربّ عروس،و تدار عليهم كئوس الهوى فيشربونها و يسكرون،و تخلع عليهم خلع الرّضا فيلبسونها و يشكرون،و يناديهم المولى:

لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]،فهاموا في ذكره و شكره،و غابوا عن كلّ محسوس:

قفي حدّثينا من حديث الأحبّة و قد سكروا من كأس راح المحبّة

و أقمار حسن قد تجلّت ليجتلوا عرائس أنوار عن الوصف جلّت

و لا تخلطي في راح مرتاحة الهوى و مشغولة بالحبّ خلّ خليّة

نفوس خلت عن وصفهم و تشبّهت بهم و تسمّت بالأسامي السنيّة

تسمّى فلان الدّين من هو عكس ما تسمّى به حاوي الصّفات الدنيّة

فنور ظلام و الكمال نقيصة و محيي مميت ثمّ عكس البقيّة

سوى السيّد الحبر النّواوي (1)و شبهه إمام الهدى محيي لدين و سنّة

و ناس لهم أسماء في الشّرع ترتضى و لكن صفات القوم غير رضيّة

كمثلي عبد اللّه من لم تحلّه عبودية في سادة الخلق حلّت

و لكنّه عبد الهوى قد تملّكت له النّفس في قول و فعل و نيّة

و عبد الهوى يمتاز من عبد ربّه لدى شهوة أو عند صدم بليّة

بكير البلا يبدو من التّبر حسنه و يبدو نحاس النّحس في كلّ محنة

خلا من حلا قوم كرام تدرّعوا دروع الرّضا و الصّبر في كلّ شدّة

و لاقوا طعان النّفس في معرك الهوى و راحوا و قد أرووا مواضي الأسنّة

و ساقوا جياد الجدّ عند استباقهم و أرخوا لها نحو العلا للأعنّة

سموا فاجتلوا بيض المعالي غواليا ببيض العوالي في القصور العليّة

مقامات قوم أتعبوا النّفس في السّرى فأضحوا ملوك الدّهر فوق الأسرّةت.

ص: 27


1- هو الإمام محيي الدين النووي-و يقال النواوي-يحيى بن شرف الحوراني الشافعي(631-676 ه) علاّمة بالفقه و الحديث،مولده و وفاته في نوى(جنوب دمشق)و إليها نسبته.تعلم في دمشق و أقام بها زمنا طويلا.له العديد من المؤلفات.

بذلّ أنيلوا العزّ و الجهد راحة و فقر غنى و الحزن كلّ مسرّة

و طيب عيش بالطّوى ثم بالظّما شراب كئوس حاليات هنيّة

بجنّات وصل في رياض معارف لهم ذلّلت منها قطوف تدلّت

جنوا من جناها زاكيا لا يذوقه من الخلق إلاّ كلّ نفس زكيّة

تسلّت عن الدّنيا و ماتت عن الهوى و غسّلها في موتها ماء دمعة

و صلّت عليها صالحات فعالها و قد كفّنت في بيض أثواب توبة

و شيلت على نعش انتعاش إلى الفنا بقبر خمول شقّ في أرض غربة

و قوّمها في البعث باعث عقلها و حاسبها في كلّ مثقال ذرّة

و ألزمها تمشي صراط استقامة دقيقا كحدّ السّيف إن عنه زلّت

هوت جوف نار الهجر و البعد و القلا و إن ثبتت سارت لجنّات وصلة

و نالت مناها و السّعادات كلّها فيا سعد نفس أدركت ما تمنّت

إلهي تفضّل بالعطا و اكشف الغطا و كلّ الخطا فاغفره و امنن بجنّة

و صلّ على خير الأنام و آله و أصحابه و الحمد للّه تمّت

و بعد فهذا كتاب مشتمل على عشرة أبواب:

الباب الأول:في ورد من الأذكار للمتنسّك المتقرّب بعد صلاة الصّبح،و العصر، و المغرب.

الباب الثاني:في شيء من الوعظ،و مدح الصالحين،و رياضاتهم،و أقوالهم، و معاملاتهم،و فضائلهم،و كراماتهم.

الباب الثالث:في فضل الذّاكرين و الذّكر مطلقا،و الحثّ عليه.

الباب الرابع:في فضل تلاوة القرآن الكريم و أهله العاملين به.

الباب الخامس:في فضل التّسبيح و نحوه من الأذكار.

الباب السادس:في فضل الحمد و الشّكر للّه تعالى.

الباب السابع:في فضل الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم،و مدحه.

الباب الثامن:في فضل الدّعاء.

ص: 28

الباب التاسع:في فضل الاستغفار.

الباب العاشر:في أحاديث في التّرغيب و الترهيب،و حقارة الدّنيا،و فضل المساكين و الفقراء،و غير ذلك من إرشاد الناسك.

و طرّزته بالآيات و الأخبار،و الرّياضات و الأشعار.و سمّيته:كتاب الإرشاد و التّطريز، في فضل ذكر اللّه و تلاوة كتابه العزيز،و فضل الأولياء و الناسكين و الفقراء و المساكين.

و ضمّنته مما نظمته سبع قصيدات كاملات من سوى أبعاض كثيرة من قصائد كبيرات و صغيرات،ثلاث منهنّ في مدح المصطفى صلى اللّه عليه و سلم،و ثنتان في مدح الأولياء،و واحدة في مدح الحور،و وعظ النّساء،و ختمته بالقصيدة السّابعة التي سمّيتها.شمس الإيمان في توحيد الرحمن،و عقيدة أهل الحقّ و الإتقان و التشويق إلى الجنان و الحور الحسان، و التخويف من النيران و وعظ الإخوان.

و أسأل اللّه الكريم المنّان،أن ينفع بذلك،و يعاملنا بالفضل و الغفران،و يتمّ علينا نعمه باطنة و ظاهرة في الدين و الدنيا و الاخرة،و أحبابنا و المسلمين أجمعين،و يرزقنا التّوفيق و الهداية،و الحفظ و الرّعاية،و اللّطف الجميل الشامل و العفو و العافية في العاجل و الاجل.آمين.

و جملة الأحاديث في هذا الكتاب قريب من المائتين،و جميع ما رويناه في كتب الحديث المذكورة فيه ما أخبرنا به بقراءتي عليه شيخنا و سيّدنا الإمام المحدّث المتقن الضابط الرّواية،صابح الأسانيد (1)المتّصلة العالية،بقيّة المحدّثين الصالحين رضيّ الدين إبراهيم بن محمد الطبري (2)رضي اللّه عنه،إمام مقام إبراهيم الخليل صلى اللّه و سلم على نبيّنا و عليه و على جميع النبيّين و المرسلين،و آل كلّ و الملائكة المقرّبين،و سائر الصالحين.

و أمّا ما فيه من سوى الأحاديث النبوية فمنه ما أخبرنا به الشيخ المذكور،و منه ما أخبرنا به غيره،و جميع ذلك إلاّ اليسير منه عند أهل العلم مشهور.ة.

ص: 29


1- في المطبوع:الإنسانية.
2- أحد مشايخ مكة،فقيه محدث،سمع منه اليافعي الكتب الستة خلا سنن ابن ماجة.

و أمّا ما فيه من الأشعار،فمنها ما هو لي،و منها ما هو مستعار،و جملتها عند ما جمّلتها و أحصيت تنيف على ألف بيت،فالمستعار منها نحو ثلاث مائة و ثلاثة و ثلاثين، و هو قريب من الثّلث،و الباقي لي و هو فوق الثّلثين،و قد أشرت إلى ذلك ببعض الإشارات،أعني ما هو لي أسكت (1)عنه،أو أعزيه إليّ،و ما هو لغيري أقول في أوله:

و أنشد بعضهم،أو نحو ذلك من العبارات.

و جملة من ذكرت فيه من شيوخ الصّوفيّة الأجلاّء و أكابر السّادات الأولياء فوق المائة، باسم كلّ واحد منهم أو بالكنية،أعاد اللّه علينا و على والدينا من بركاتهم في الدّنيا (2)و الاخرة،و على جميع المسلمين.آمين.

و ذكرت فيه جماعة من كبار الأئمّة العلماء و السادة،و بيّنت من الاشتغال بالعلم أفضل في حقّه من سائر الناس،و من الأفضل في حقّه العبادة.

و نبّهت قبل آخر الباب الثاني من هذا المؤلف على ما يجب تعلّمه على كلّ مكلّف.

و أسأل اللّه العظيم أن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم،و أن يوجد به النّفع العميم،إنه قريب مجيب،و ما توفيقي إلاّ باللّه،عليه توكّلت،و إليه أنيب.

***ع.

ص: 30


1- في المطبوع:أمسكت.
2- كلمة:و على الدنيا من المطبوع.

الباب الأول

في ورد من الأذكار للمتنسّك المتقرّب

بعد صلاة الصبح و العصر و المغرب

مشتملا على نبذة من الأذكار،عظيمة الفضل،جليلة المقدار،منها ما رويناه في صحيحي«البخاري»و«مسلم»و«سنن أبي داود»و«الترمذي»و«النّسائي»التي هي أصول الإسلام،و أمهات الأخبار،و منها ما أخرجه بعض الأئمّة الأعلام الأحبار،و منها ما هو من أوراد الأولياء و السّادات الأخيار،ينبغي لمريد الخير (1)أن يحفظها و يحافظ عليها، و يجعلها وردا بعد صلاة الصبح؛فهو أفضل أوقات النهار،و كذا بعد المغرب،و بعد العصر على ما سنذكره بعد إن شاء اللّه تعالى،خصوصا قريب الاصفرار.

و ها أنا أسردها محذوفة الأسانيد و الفضائل (2)على سبيل الاختصار،ثم أذكر بعد إن شاء اللّه تعالى شيئا من الآيات الكريمات،و الأحاديث النبويّات (3)في فضائل الذّكر و الذّاكرين على سبيل التبرّك و التّذكار،فأقول و باللّه التوفيق:

*إذا سلّمت من صلاة الصّبح أيّها الرّاغب في الخيرات،و الحريص على كسب الحسنات و غفران السيئات،فقل:أستغفر اللّه ثلاث مرات،ثم قل:اللّهمّ،أنت السّلام، و منك السّلام،تباركت ذا الجلال و الإكرام،لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،له الملك، و له الحمد،و هو على كلّ شيء قدير.

ص: 31


1- في المطبوع:الخيرات.
2- فضائل جمع فضل:الزيادة.
3- في المطبوع:الأحاديث النوويات.

اللّهمّ،لا مانع لما أعطيت،و لا معطي لما منعت،و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ (1).

اللّهمّ،صلّ على محمد،و على آل محمد،كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم، و بارك على محمّد،و على آل محمد،كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد (2).

اللّهمّ،أعنّي على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك.

ثم قل:اللّهمّ،أجرني من النار،سبع مرات.

و قل:اللّهمّ،إنّي أصبحت منك في نعمة و عافية و ستر،فأتمّ نعمتك عليّ و عافيتك و سترك في الدّنيا و الاخرة،ثلاث مرات.

ثمّ قل عشر مرات و أنت ثان رجليك:لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،له الملك،و له الحمد يحيي و يميت،و هو على كلّ شيء قدير.

ثم اقرأ: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]و المعوّذتين ثلاثا،ثلاثا.

*و قل:اللّهمّ،إني أعوذ بك من الهمّ و الحزن،و أعوذ بك من العجز و الكسل،و أعوذ بك من الجبن و البخل،و أعوذ بك من غلبة الدّين و قهر الرجال.

ثم قل:سبحان اللّه ثلاثا و ثلاثين،و الحمد للّه ثلاثا و ثلاثين،و اللّه أكبر أربعا و ثلاثين.

*و قل مرّة:لا إله إلا اللّه،وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد،و هو على كلّ شيء قدير.

*و قل:أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرجيم،ثلاثا.

و أعوذ بكلمات اللّه التامّات كلّها (3).من شرّ ما خلق،ثلاثا.

و بسم اللّه الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء،و هو السّميع العليم، ثلاثا.).

ص: 32


1- في هامش(ب):لا ينفع ذا الغنى منك غناؤه،و إنما ينفعه العمل بطاعتك.
2- في المطبوع:في العالمين إنك حميد مجيد.
3- كلمة«كلّها»ليست في(ج).

*و قل:بسم اللّه على نفسي و ديني و أهلي و مالي و كلّ ما أعطاني ربّي،أستودع اللّه ديني و أمانتي و خواتيم عملي،تحصّنت بالحيّ القيّوم الذي لا يموت أبدا،و دفعت عني السّوء بلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم.

*و قل هذه العشر الكلمات:أعددت لكلّ هول ألقاه في الدنيا و الاخرة لا إله إلا اللّه، و لكلّ همّ و غمّ ما شاء اللّه،و لكلّ نعمة الحمد للّه،و لكلّ رخاء و شدّة الشكر للّه،و لكلّ أعجوبة سبحان اللّه،و لكلّ ذنب أستغفر اللّه،و لكلّ مصيبة إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،و لكلّ ضيق حسبي اللّه،و لكلّ قضاء و قدر توكّلت على اللّه،و لكلّ طاعة و معصية لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم.

*و قل:حسبي اللّه الذي لا إله إلا هو،عليه توكّلت و هو ربّ العرش العظيم،سبع مرات.

*و قل:حسبي اللّه لديني،حسبي اللّه لدنياي،حسبي اللّه لما أهمّني،حسبي اللّه لمن بغى عليّ،حسبي اللّه لمن كادني،حسبي اللّه عند الموت،حسبي اللّه عند القبر،حسبي اللّه عند المسألة (1)،حسبي اللّه عند الميزان،حسبي اللّه عند الصراط.هذه عشر كلمات، خمس للدنيا،و خمس للآخرة.

*و قل:حسبي اللّه و كفى،سمع لمن دعا،ليس وراء اللّه منتهى،و لا دون اللّه ملجا كَتَبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].

*اللّهمّ،أنت ربّي لا إله إلاّ أنت،عليك توكّلت،و أنت ربّ العرش العظيم، ما شاء اللّه كان،و ما لم يشأ لم يكن،لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير،و أنّ اللّه قد أحاط بكلّ شيء علما.

*اللّهمّ،إنّي أعوذ بك من شرّ نفسي،و من شرّ كلّ دابّة أنت آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم.

*اللّهمّ فاطر السماوات و الأرض،عالم الغيب و الشهادة،ربّ كلّ شيء و مليكه أشهدل.

ص: 33


1- في(أ):المسائل.

أنّ لا إله إلاّ أنت،أعوذ بك من شرّ نفسي و شرّ الشيطان و شركه (1)،و أن أقترف سوءا على نفسي أو أجرّه إلى مسلم.

*و قل أربع مرّات:اللّهمّ،إني أصبحت أشهدك،و أشهد حملة عرشك و ملائكتك و جميع خلقك أنّك أنت اللّه،لا إله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك،و أنّ محمدا عبدك و رسولك.

*و قل:اللّهمّ،أنت ربّي لا إله إلاّ أنت،خلقتني و أنا عبدك،و أنا على عهدك، و وعدك ما استطعت،أعوذ بك من شرّ ما صنعت أبوء (2)لك بنعمتك عليّ،و أبوء بذنبي، فاغفر لي؛فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت.

*اللّهمّ،بك أصبحنا،و بك أمسينا،و بك نحيا،و بك نموت،و إليك النّشور، أصبحنا و أصبح الملك للّه عزّ و جلّ،و الحمد للّه،و الكبرياء و العظمة للّه،و الخلق و الأمر، و اللّيل و النهار،و ما سكن فيهما للّه تعالى.

*اللّهمّ،إني أسألك خير هذا اليوم،فتحه و نصره،و نوره و بركته و هداه،و أعوذ بك من شرّ ما فيه،و شرّ ما بعده.

*اللّهمّ،اجعل أوله صلاحا،و أوسطه نجاحا،و آخره فلاحا،يا أرحم الرّاحمين.

*اللّهمّ،إنّي أسألك خير الصباح و خير المساء،و خير القضاء و القدر،و أعوذ بك من شرّ الصباح و شرّ المساء،و شرّ القضاء و القدر،و أسألك من كلّ خير،و أعوذ بك من كلّ شرّ.

*اللّهمّ،ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك،لا شريك لك،لك الحمد و لك الشكر.

*و قل:الحمد للّه ربّ العالمين،حمدا يوافي نعمه و يكافئ مزيده،ثلاث مرات.

*و قل:الحمد للّه على جميع نعمه و أفضاله حمدا يليق بكرم وجهه و عزّ جلاله، الحمد للّه بمحامده كلّها،ما علمت منها و ما لم أعلم،على جميع نعمه كلّها ما علمت منهار.

ص: 34


1- شركه:بكسر الشين:ما يدعو إليه و يوسوس به من الإشراك باللّه تعالى،و من رواه بفتح الشين و الراء عنى:حبائله و مصايده.جامع الأصول 249/4(2233).
2- أبوء:أي أعترف و أقرّ،و المعنى:التزام المنّة بحق النعمة،و الاعتراف بالتقصير في الشكر.

و ما لم أعلم،على عدد خلقه كلّهم ما علمت منهم و ما لم أعلم،سبحانك اللّهمّ ربّنا و بحمدك (1)،و تبارك اسمك،و تعالى جدّك،و لا إله غيرك،لا نحصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت على نفسك.

*أصبحنا على فطرة الإسلام،و كلمة الإخلاص،و على دين نبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم،و على ملّة أبينا إبراهيم صلى اللّه عليه و سلم حنيفا،مسلما و ما كان من المشركين.

*رضيت باللّه ربّا،و بالإسلام دينا،و بمحمد صلى اللّه عليه و سلم نبيا و رسولا.

*و قل عشر مرّات:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،وحده لا شريك له؛إلها واحدا أحدا صمدا،لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا،لم يلد و لم يولد،و لم يكن له كفوا أحد.

*ثم ائت بأسماء اللّه الحسنى بعد هذا على ما سنبيّنها بعد إن شاء اللّه تعالى (2).

*و قل بعدها:سبحان من له الأسماء الحسنى،و الصفات العلى،سبحانه و تعالى عمّا يقول الظالمون و الجاحدون علوّا كبيرا.

*و قل ثلاث مرّات:سبحان اللّه العظيم و بحمده،و أستغفر اللّه عدد الشّفع و الوتر، و كلمات ربّنا التامّات المباركات.

*و قل ثلاثا: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]صلوات اللّه و سلامه و تحيّاته و رحمته و بركاته على سيدنا محمد النبيّ الأميّ،و على آله و صحبه عدد الشّفع و الوتر،و كلمات ربّنا التامّات المباركات.

*و قل ثلاثا:سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلا اللّه،و اللّه أكبر،و أستغفر اللّه العظيم،و تبارك اللّه أحسن الخالقين،و حسبنا اللّه و نعم الوكيل،و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،و صلّى اللّه على سيدنا محمّد خاتم النبيين،و على آله و أصحابه أجمعين،عدد ما خلق اللّه،و عدد ما هو خالق،و زنة ما خلق اللّه،و زنة ما هو خالق،و ملء ما خلق اللّه،و ملء ما هو خالق،و ملء سماواته،و ملء أرضه،).

ص: 35


1- جاء في هامش(ج):قال الخطابي:دخول الواو في قوله:«و بحمدك»أخبرني ابن الخلاد قال: سألت الزجاج عن ذلك،فقال:معناه:سبحانك اللهم و بحمدك سبحتك،و قيل:إن الواو في «و بحمدك»زائدة،فالمعنى:أسبح اللّه تسبيحا ملتصقا بحمده.
2- انظر صفحة:(207).

و أمثال ذلك،و أضعاف ذلك،و عدد خلقه،و رضا نفسه،وزنة عرشه،و منتهى رحمته، و مداد كلماته،و مبلغ رضاه،حتى يرضى،و إذا رضي،و عدد ما ذكره به خلقه في جميع ما مضى،و عدد ما هم ذاكروه فيما بقي في كلّ سنة،و شهر،و جمعة،و يوم،و ليلة، و ساعة من الساعات،و نسم،و نفس،و لمحة،و طرفة من الأبد إلى الأبد،أبد الدنيا و أبد الاخرة،و أكثر من ذلك،لا ينقطع أوله،و لا ينفد آخره.

تقول هذا كلّه ثلاثا،من عند قوله سبحان اللّه و الحمد للّه.

*و قل هذه العشرة الأذكار كلّ واحد مائة،إن أمكنك ذلك،و إلاّ فاجعل الخمسة الأولى كلّ واحد مائة،و الثانية كلّ واحد عشرا.

الذكر الأول:لا إله إلاّ اللّه،وحده لا شريك له،له الملك،و له الحمد،و هو على كلّ شيء قدير.

الذكر الثاني:سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر.

الذكر الثالث:سبحان اللّه و بحمده.و قل في أول هذا الثالث ثلاث مرّات:سبحان اللّه العظيم و بحمده،عدد خلقه،و رضا نفسه،و زنة عرشه،و مداد كلماته.

الذكر الرابع:أستغفر اللّه،و اختمه بقولك:أستغفر اللّه الذي لا إله إلاّ هو الرّحمن الرحيم،العليّ العظيم،الحيّ القيّوم،غفّار الذنوب،و ستّار العيوب،لي و لوالدي و لجميع المسلمين و المسلمات،و أسأله التوبة و المغفرة،إنّه هو الغفور الرحيم التّواب الكريم.

الذكر الخامس:اللّهمّ،صلّ على محمد،و على آل محمد،و اختمه بقولك:اللّهمّ، صلّ على محمد و على آل محمد،كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم،و بارك على محمد و على آل محمد،كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم،إنّك حميد مجيد.

اللّهمّ،صلّ على محمد،و على آل محمد أفضل و أكمل و أزكى و أطيب ما صلّيت على أحد من خلقك.

اللّهمّ،صلّ على سيدنا محمد خاتم النبيين،و سيّد العالمين،و على آله و أصحابه أجمعين،أفضل صلواتك عدد معلوماتك كلّما ذكره الذاكرون،و كلّما سها عنه الغافلون.

الذكر السادس:سبحان اللّه العليّ الدّيّان،سبحان اللّه شديد الأركان،سبحان من

ص: 36

يذهب بالليل و يأتي بالنهار،سبحان من لا يشغله شأن عن شأن،سبحان اللّه الحنّان المنّان،سبحان اللّه المسبّح في كلّ مكان.

الذكر السابع:سبّوح قدّوس،ربّ الملائكة (1)و الرّوح.

الذكر الثامن:لا إله إلا اللّه الواحد القهار،ربّ السماوات و الأرض و ما بينهما،العزيز الغفّار.

الذكر التاسع:اللّهمّ،لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت،و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ.

الذكر العاشر:لا إله إلا اللّه،الملك الحقّ المبين.

و الأولى أن تؤخّر الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بعد هذه الأذكار،و كذا الاستغفار،فاجعله التاسع،و الصّلاة العاشر،و إنّما قدّمناهما مع الثلاثة الأول للاهتمام بهما،و لئلا ينقص كلّ واحد منهما عن مائة.

و كذلك اذكر بهذه الأذكار العشرة كلّ واحد سبع مرّات قبل الطلوع،و كذا قبل الغروب.

الذكر الأول:الفاتحة.

الثاني:آية الكرسي.

الثالث: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [الكافرون].

الرابع: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ [الإخلاص].

الخامس: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق].

السادس: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ [الناس].

السابع:سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

الثامن:اللّهمّ،صلّ على سيّدنا محمد النبيّ الأميّ،و على آله و صحبه و سلّم.ة.

ص: 37


1- في(ج):ربّنا و ربّ الملائكة.

التاسع:اللّهمّ،اغفر لي و لوالديّ و للمؤمنين و المؤمنات،و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات،إنّك مجيب الدّعوات.

العاشر:اللّهمّ،افعل بنا و بهم عاجلا و آجلا في الدّين و الدّنيا و الاخرة ما أنت له أهل، و لا تفعل بنا و بهم يا مولانا ما نحن له أهل،إنّك غفور حليم،جواد كريم،رءوف رحيم.

*و اقرأ قبل الطلوع أيضا سورة يس،و تبارك الملك،و الفاتحة،و وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163].

*و قل:اللّهمّ،إنّي أقدّم إليك بين يدي كلّ نفس و لمحة و طرفة يطرف بها أهل السماوات و أهل الأرض و كلّ شيء هو في علمك كائن أو قد كان،أقدّم إليك بين يدي ذلك كلّه اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255].

*و اقرأ آخر البقرة من قوله تعالى: لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(284) آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285) لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [البقرة:284-286].

*و شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ [آل عمران:18-19].

*و قل:و أنا أشهد بما شهد اللّه به لنفسه،و شهدت به ملائكته،و أولو العلم من خلقه، و أستودع اللّه هذه الشهادة،و هي لي وديعة عند اللّه،اللّهمّ،احفظها عليّ حتى ألقاك بها، غير مبدّل تبديلا.

*و اقرأ: قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ [آل عمران:26-27].

ص: 38

*و اقرأ: قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ [آل عمران:26-27].

*و أول الأنعام إلى: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ(1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ(2) وَ هُوَ اللّهُ فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ وَ يَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ [الأنعام:1-3].

*و إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ(54) اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55) وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:54-56].

*و آخر براءة،من: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ(128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:128-129].

*و آخر سبحان،من قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً(110) وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء:110-111].

*و آخر الكهف،من: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً(107) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً(108) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف:107-110].

*و وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88) وَ زَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ [الأنبياء:87-89].

*و آخر سورة قد أفلح،من: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ(115) فَتَعالَى اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ(116) وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ(117) وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ [المؤمنون:115-118].

ص: 39

*و اقرأ: اَلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ(78) وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ(79) وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(80) وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81) وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ(82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ(83) وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ(84) وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ(85) وَ اغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ(86) وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ(87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ(88) إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:78-89].

*و كذلك: فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ(17) وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ(18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ [الروم:17-19].

*و سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ(180) وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ(181) وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الصافات:180-182].

*و أول سورة غافر الذنب إلى: حم(1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(2) غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:1-3].

*و قل:يا غافر الذّنب،اغفر ذنبي،و يا قابل التوب،تب عليّ،و اقبل توبتي،و يا شديد العقاب،اعف عني،و يا ذا الطول،تطوّل عليّ بفضلك،و يا من إليه المصير،اجعل مصيري إلى خير،و جميع المسلمين.

*و آخر الجاثية من: فَلِلّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَ رَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ(36) وَ لَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية:36-37].

*و أول الحديد إلى: سَبَّحَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(1) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(2) هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ(5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ هُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [الحديد:1-6].

*و آخر سورة الحشر من: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21) هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ(22) هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ(23) هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:21-24].

ص: 40

*و آخر سورة الحشر من: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21) هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ(22) هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ(23) هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:21-24].

تذكر جميع ما ذكرناه قبل الطّلوع،فإن بقي منه شيء فتداركه بعد الطلوع،أو بعد العصر.

و كذا تأتي بهذه الأذكار جميعها بعد صلاة المغرب.

*و تزيد عليها قراءة سورة الدّخان،و الواقعة،أعني مع السور المذكورات في الصبح، فإن ضاق الوقت،فاجعل الأذكار التي هي مائة مائة عشرا عشرا،و المذكورة عشرا عشرا ثلاثا ثلاثا،إلاّ سبحان اللّه و بحمده،فلا تنقصها عن مائة،و تدارك ما بقي منها في بقيّة ليلك إلاّ المسبعات العشرة التي تذكر قبل الطلوع،و قبل الغروب،فإنها لا تعاد بعد المغرب.

*و أضف بعد العصر الأذكار العشرة المتقدّمة (1)إلى المسبعات العشرة إن أمكنك أن تجعل كلّ واحدة مائة،و إلاّ فعشرا عشرا.

*و قل أربعين مرة:يا حيّ يا قيّوم،لا إله إلاّ أنت،و اختمها بقولك:يا حيّ قبل كلّ حيّ،و يا حيّ بعد كلّ حيّ،و يا حيّ حين لا حيّ،و يا حيّ محيي الموتى،و يا حيّ مميت الأحياء،و يا حيّ حيّ لا يموت،و يا حيّ لا إله إلاّ أنت،يا حيّ يا قيّوم،يا ذا الجلال و الإكرام،صلّ على محمد،و على آل محمد،و أحي قلبي،و أمت نفسي،حتى أحيا بك حياة طيّبة في الدّنيا و الاخرة،إنّك على كلّ شيء قدير.

*و أضف إلى المذكورات بعد العصر حزب سيّدنا الشيخ أبي الحسن الشاذلي (2).

قدّس اللّه روحه،و أعاد من بركته علينا و على المسلمين آمين،أعني حزب البحر (3)،و هو هذا:2.

ص: 41


1- تقدمت صفحة 36.
2- أبو الحسن الشاذلي علي بن عبد اللّه بن عبد الجبار(591-656 ه)رأس الطائفة الشاذلية من المتصوفة،ولد في ريف المغرب،و تفقه و تصوف بشاذلة قرب مدينة تونس،رحل إلى بلاد المشرق فحج و دخل العراق،ثم سكن الإسكندرية،و كان ضريرا.
3- حزب البحر:هو دعاء سمي بالبحر لأنه وضع في البحر،و للسلامة فيه حين سافر من بحر القلزم (الأحمر)فتوقف عليهم الريح أياما،فرأى النبي صلى اللّه عليه و سلم فلقّنه إياه،فقرأه،فجاء الريح،و يسمى بالحزب الأصغر.كشف الظنون 666،و إيضاح المكنون 521/2.

يا عليّ يا عظيم،يا حليم يا عليم،أنت ربّي،و علمك حسبي،فنعم الرّبّ ربّي،و نعم الحسب حسبي،تنصر من تشاء،و أنت العزيز الرّحيم،نسألك العصمة في الحركات و السّكنات،و الكلمات،و الإرادات،و الخطرات من الشّكوك و الظّنون،و الأوهام الساترات للقلوب عن مطالعة الغيوب،فقد اُبْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً(11) وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً [الأحزاب:11-12]،فثبّتنا و انصرنا،و سخّر لنا هذا البحر كما سخّرت البحر لموسى،و سخّرت النّار لإبراهيم، و سخّرت الجبال و الحديد لداود،و سخّرت الرّيح و الشياطين و الجنّ لسليمان،و سخّر لنا كلّ بحر هو لك في الأرض و السماء،و الملك و الملكوت،و بحر الدنيا و بحر الاخرة، و سخّر لنا كلّ شيء يا من بيده ملكوت كلّ شيء، كهيعص كهيعص كهيعص [مريم:1]،انصرنا (1)،فإنّك خير الناصرين،و افتح لنا،فإنّك خير الفاتحين،و اغفر لنا، فإنّك خير الغافرين،و ارحمنا،فإنّك خير الرّاحمين،و ارزقنا،فإنّك خير الرّازقين،و اهدنا و نجّنا من القوم الظالمين،و هب لنا ريحا طيّبة كما هي في علمك،و انشرها علينا من خزائن رحمتك،و احملنا بها حمل الكرامة مع السّلامة،و العافية في الدّين و الدنيا و الاخرة،إنّك على كلّ شيء قدير،اللّهمّ،يسّر لنا أمورنا مع الرّاحة لقلوبنا و أبداننا، و السّلامة و العافية في ديننا و دنيانا،و كن لنا صاحبا في سفرنا،و خليفة في أهلنا،و اطمس على وجوه أعدائنا،و امسخهم على مكانتهم فلا يستطيعون المضيّ و لا المجيء إلينا وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنّى يُبْصِرُونَ(66) وَ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَ لا يَرْجِعُونَ [يس:66-67]، يس(1) وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ(2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ(3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ(4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ(6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(7) إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ(8) وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (2)[يس:

1-9]،شاهت (3)الوجوه،شاهت الوجوه،شاهت الوجوه، *وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً [طه:111]، طس حم(1) عسق [الشورى:1-2] مَرَجَ الْبَحْرَيْنِت.

ص: 42


1- في المطبوع:و انصرنا.
2- قوله تعالى: وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا.. لا يُبْصِرُونَ من(ج)فقط.
3- في هامش(ج)شاهت:قبحت.

بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ [الرحمن:19-20]،حم حم حم حم حم حم حم،حمّ الأمر و جاء النصر، فعلينا لا ينصرون، حم(1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(2) غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:1-3]، بِسْمِ اللّهِ بابنا، تَبارَكَ حيطاننا، يس سقفنا، حم عسق حمايتنا، كهيعص كفايتنا فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:137]ستر العرش مسبول علينا،و عين اللّه ناظرة إلينا، بحول اللّه لا يقدر أحد علينا وَ اللّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ(20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ(21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:20-22]، فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ [يوسف:64]، إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصّالِحِينَ [الأعراف:196]، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:129]ثلاث مرات.

إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (1) [هود:56].

بسم اللّه الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء،و هو السميع العليم.

ثلاث مرات.

*و هذه أدعية من بعض أحزابه رضي اللّه عنه:

يا اللّه،يا نور،يا حقّ،يا مبين (2)،افتح قلبي بنورك،و علّمني من علمك،و فهّمني عنك،و أسمعني منك،و بصّرني بك،و أقمني بشهودك،و عرّفني الطريق إليك،و هوّنها عليّ بفضلك،و ألبسني التّقوى منك و بك؛إنّك على كلّ شيء قدير.

*دعاء آخر له رضي اللّه عنه:

اللّهمّ،يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه،اجمع بيني و بين طاعتك على بساط مشاهدتك،و فرّق بيني و بين همّ الدنيا و همّ الاخرة،و تب عني في أمرهما،و اجعل همّي أنت،و املأ قلبي بمحبّتك،و بهّجه بأنوارك،و خشّع نفسي بسلطان عظمتك،و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين و لا أقلّ من ذلك،إنّك على كلّ شيء قدير.ن.

ص: 43


1- هذه الآية من(ج)فقط.
2- في(أ)و المطبوع:يا متين.

*دعاء آخر له رضي اللّه عنه و عن أئمة الصوفية أجمعين:

اللّهمّ،إنّا نسألك صحبة الخوف،و غلبة الشّوق،و ثبات العلم،و دوام الذّكر، و نسألك سرّ الأسرار المانع من الإصرار،حتى لا يكون لنا مع الذّنب و العيب قرار، و اجتلبنا (1)و اهدنا إلى العمل بهذه الكلمات التي بسطتها لنا على لسان رسولك،و ابتليت بهنّ إبراهيم خليلك فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ [البقرة:124]،فاجعلنا من المحسنين من ذرّيته،و من ذرّية آدم و نوح،و اسلك بنا سبيل الأئمّة المتّقين:بسم اللّه،و باللّه،و من اللّه،و إلى اللّه،و على اللّه فليتوكّل المؤمنون،آمنت باللّه،رضيت باللّه،حسبي اللّه (2)،توكّلت على اللّه،لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.

*هذا دعاء آخر يدعى به بعد سنّة العصر:

إلهي،تمّ نورك فهديت فلك الحمد،و عظم حلمك فعفوت فلك الحمد،و بسطت رزقك فأعطيت فلك الحمد،ربّنا وجهك أكرم الوجوه،و جاهك أعظم الجاه،و عطيّتك أفضل العطايا و أهناها،تطاع ربّنا فتشكر،و تعصى ربّنا فتغفر،تجيب المضطرّ،و تكشف الضرّ،و تشفي السقيم،و تنجي من الكرب،و لا يجزي بآلائك أحد،و لا يبلغ مدحك قول قائل،تباركت و تعاليت يا ذا الجلال و الإكرام.

*دعاء آخر يدعى به بعد صلاة الجمعة،و ليلة النّصف من شعبان:

اللّهمّ،يا ذا المنّ و لا يمنّ عليك،يا ذا الجلال و الإكرام،يا ذا الطّول (3)لا إله إلاّ أنت،ظهر اللاجئين،و جار المستجيرين،و مأمن الخائفين،إن كنت شقيّا أو محروما أو مقتّرا عليّ في الرّزق فامح شقاوتي و حرماني و إقتار رزقي،و أثبتني عندك سعيدا مرزوقا موفّقا للخيرات،فإنّك قلت في كتابك المنزّل على نبيّك المرسل: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد:39].

*و سنذكر بعض أدعية في الأحاديث بعد إن شاء اللّه تعالى (4).9.

ص: 44


1- في(أ)و(ج):و اجتنبنا،و في(ب):و احبسنا.
2- في(ج):حسبي اللّه و نعم الوكيل.
3- في هامش(ج):الطّول بفتح الطاء له معان؛الوسع و الزيادة و الغنى و الكرم و نحوها.
4- انظر:169.

و قد قدّمنا شيئا منها في أثناء ورد الصّبح (1)،فاحرص وفّقك اللّه و إيّانا لذكره،و شكره، و لزوم بابه،و أعاذنا جميعا من الخذلان و الحرمان،و البعد عن جنابه،على جميع ما ذكرنا في هذا الورد المذكور،فإن عجزت عن الإتيان بالجميع فأت بالأهمّ فالأهمّ بحسب المقدور،و اجمع بين ذكر اللّسان و القلب،و استحضر تعظيم الذّكر و المذكور.

و إيّاك أن تتهاون بشيء من الطاعات و الأذكار،ففي الحديث الحسن عن الصّادق المختار صلى اللّه عليه و سلم:«من قال سبحان اللّه العظيم و بحمده،غرست له نخلة في الجنة» (2).

و لعمري،إنّ الدّنيا جميعها لا تساوي عشر معشار عشير تلك النّخلة المكتسبة بتسبيحة واحدة،إذ في الحديث الصّحيح:«إنّ موضع سوط في الجنة خير من الدّنيا و ما فيها» (3).

و لعلك لا تقدر في زمن طويل على كسب نخلة من نخل الدّنيا الفانية الحقيرة المبغوضة،التي لا تزن عند اللّه جناح بعوضة.

و إياك أن تتهاون أيضا بشيء من المعاصي،حتى في كلامك حين تتكلّم،ففي الحديث الصّحيح:«إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم» (4).

و كن في حال ذكرك متطهّرا نظيف الفم،مستقبل القبلة،متخشّعا،متذلّلا مطرق الرأس،ذا حضور و مراقبة،و في موضع خال نظيف مظلم.

***ة.

ص: 45


1- تقدم صفحة 31.
2- رواه الترمذي(3460)في الدعوات،باب(61)و ابن حبان في صحيحه(2335).قال المنذري في الترغيب و الترهيب 243/2:رواه البزار بإسناد جيد.
3- رواه الترمذي(4017)في التفسير،باب و من سورة آل عمران،و قال:حديث حسن صحيح.
4- رواه البخاري 266/11 في الرقاق،باب حفظ اللسان،و مسلم(2988)في الزهد،باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار،و الموطأ 985/2 في الكلام،باب ما يكره من الكلام،و الترمذي (2315)في الزهد،باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها الناس.عن أبي هريرة.

الباب الثاني

في شيء من الوعظ و مدح الصالحين و رياضاتهم

و أقوالهم و معاملاتهم و فضائلهم و كراماتهم

و أقدّم على ذلك التعريف بحالي في الوعظ و ذكر الصالحين،و طريقهم،أمّا الوعظ فحالي فيه كما قال القائل (1):

و غير تقيّ يأمر النّاس بالتّقى طبيب يداوي النّاس و هو عليل

*و كما قال الآخر (2):

و كم من عبرة أصبحت فيها يلين لها الحديد و أنت قاسي

إلى كم و المعاد لنا قريب تذكّر بالمعاد و أنت ناسي

*و كما قال القائل:

يقولون ما لا يفعلون و إنّني من القوم قوّال لما لست أفعل

*و كما قلت في ذمّ نفسي في بعض القصائد:

بعلم لا بأعمال و قول بلا فعل و ندب لا انتداب

أمور غير فعّال و ناه فعول للمناهي ذو ارتكاب

*و لكنّني مع كوني غير عامل أقول كما قال القائل (3):

ص: 46


1- البيت يروي لأبي عثمان الحيري،و قافيته:و هو مريض.انظر طبقات المناوي 625/1.
2- البيتان لأبي العتاهية الديوان صفحة 226.
3- البيت للخليل بن أحمد.الديوان صفحة 346 ضمن ديوان شعراء مقلون،تحقيق حاتم الضامن. عالم الكتب 1984.و له بيت ثان: و انظر لنفسك فيما أنت فاعله من الأمور و شمّر فوق تشميري

خذ من علومي و لا تنظر إلى عملي (1) ينفعك علمي و لا يضررك تقصيري

*و أمّا ذكري للصّالحين و سيرتهم،فلأني أحبّهم،و ذكر الحبيب يحلو و يطيب، و القلب إليه مائل،كما قال القائل:

إيه أحاديث نعمان و ساكنه إنّ الحديث عن الأحباب أسمار

أستنشق الرّيح عنكم كلّما نفحت من نحو أرضكم نكباء معطار

(2) *و كما قلت في بعض القصائد:

قفا حدّثاني فالفؤاد عليل عسى منه يشفى بالحديث غليل

(3) أحاديث نجد عللاني بذكرها فقلبي إلى نجد أراه يميل

بتذكار سعدى أسعداني فليس لي إلى الصّبر عنها و السّلوّ سبيل

و لا تذكرا لي العامرية إنّها يولّه عقلي ذكرها و يزيل

و لكن بذكري عرّضا عندها فإن تقل:كيف هو؟قولا بذاك عليل

علاه اصفرار مدنف واله له أنين سقيم جسمه و نحيل

فإن تعطفي تشفي و إن تتلفي ففي هواك المعنى المستهام قتيل

سقى اللّه يوما جامعا شملنا و لا سقى يوم بين جدّ فيه رحيل

و في محبتي لهم قلت في بعض القصائد:

بنفسي من لدى الهيجا يعاني جهاد النفس مع صدق الطّعان

فيعلو الرّأس يا علوي و يروي دما يا هند ماضي الهندوان

بمخضوب القنا من كلّ أقنى غرامي لا بمخضوب البنان

دعيني عنك بطّالات غزل فداعي حبّ أبطال دعاني

غرامي في حلاهم و امتداحي علاهم فخر قلبي مع لساني

فهم الألبّاء المخصوصون بغرائب المعارف،و عجائب الأسرار،المودعون كنوزش.

ص: 47


1- رواية الديوان:اعمل بعلمي و إن قصرت في عملي.
2- في هامش(ج):النكباء كل ريح بين ريحين.
3- الغليل:العطش.

الحكم و مطالع الأنوار،الأطبّاء المبرءون لكلّ قلب عليل،الشافون بالكشف لكلّ جسم عليل،الأحبّاء المسقون راح الوصل على بساط مشاهدة جمال الحبيب النديم،المقرّبون، الموهوبون فضل اللّه العظيم،و في ذلك قلت هذه القصيدة المسمّاة:«غوالي المراهم التي لا تشترى بالدّرّ و لا بالدراهم،في وصف طبيبي العوالم،العارف باللّه و العالم»:

من العلم و التّقوى غوالي المراهم فبالدّرّ لا تشرى و لا بالدّراهم

مواهب عن تخصيص سبق عناية معالم أسرار و سرّ معالم

جواهر تلقيها بساحل حكمة بحار علوم في قلوب عوائم

ببحر من الأسرار ليس يغوصه سوى عارف باللّه بالغوص عالم

فإن غاص فيه غيره فهو عاطب بموج قضاء فيه ذات تلاطم

يغوص فيبدي منه درّ معارف يداوي بها من داء طبع ملازم

فترياق تقوى مع سفوف رياضة و مع غارقون (1)الذّكر مغلي عزائم

مراهم أسقام القلوب نوافع بها برء معلول و إيقاظ نائم

و أركان بنيان الرّياضة عزلة و جوع و صمت مع سهاد مداوم

فذاك المربّي و الطّبيب حقيقة على علمه دلّت ملاح علائم

و ليس طبيب في جميع الورى سوى طبيب قلوب أو طبيب معالم

فهذا يداوي النّاس من داء جهلهم و ذهنا نأى عنه الذكا غير فاهم

بفتق لرتق في غوامض مشكل و رتق لفتق من طعان مخاصم

عن السّنّة الغرّا يذبّ مجاهدا بأبيض مسلول من العلم صارم

و هذّاك يشفي كلّ قلب معلّل بداء هوى طبع النّفوس الظّوالم

فيشتمّ طيبا فاح من جانب الحمى لذلك مزكوم الهوى غير شامم

و ينظر نورا من جمال محيّر و يسمع تكليما حلا من منادم

و يطعم من طعم الهوى ما يشوقه و ليس بمشتاق له غير طاعم).

ص: 48


1- الغارقون:أو الأغارقون:أصل نبات،أو شيء يتكوّن في الأشجار المسوسة،ترياق للسموم، مفتّح مسهل للخلط الكدر مفرّح،صالح للنّسا و المفاصل،و من علق عليه لا يلسعه عقرب. القاموس(غرق).

فمن ذاق طعم الحبّ يشتاق للقا ليهنا بعيش للأحبّة ناعم

و هذاك عيش قد به خصّ غيرنا بحكم حكيم عالم خير حاكم

رضينا بحكم الحقّ في ذا و إنّما يحقّ لنا سكب الدّموع السّواجم

فإن لم (1)نكن كالغير أهلا لقربه لقد فاتنا كلّ المنى و المكارم

فيا أسفا يا حسرتا يا مصيبتا و يا ضيعة الأعمار سوق المواسم

نموت و لم ننظر جمال جلاله و لم ندر طعم الحبّ مثل البهائم

فلو شاهدت ذاك الجمال عيوننا سكرنا و غبنا عن جميع العوالم

و ملنا نشاوى من شراب محبّة و باح بمكتوم الهوى كلّ كاتم

و نحّي حجاب عن عجائب قدرة و نور و أسرار و طيب تنادم

فما العيش إلاّ ذاك لا عيش عزّة و ليلى و لا سلمى و لا أمّ سالم

و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشا و يرجى لعبد قارع الباب لازم

فيا ربّ وفّق و اعف و افتح و عافنا و صلّ على المختار من آل هاشم

و آل و أصحاب نجاب أولي النّدى بهم كملت هذي غوالي المراهم

ثلاثون بيتا عدّها مع ثلاثة كعدّتها تتلو قصائد ناظم

و تمّت ضحى و الحمد للّه دائما و سبحان منّان غفور و راحم

و ذكري لهم و لطريقتهم و أحوالهم محبّة لهم،كما ذكرت أولا مع أن حالي كما قلت في بعض القصائد:

ألا أيّها المغرور جهلا بعزلتي عن النّاس تحسب أنّ ذاك صلاح

تيقّن بأنّي حارس شرّ كلبة عقور لها في المسلمين نباح

و ناد بناد القوم باللّوم معلنا على يافعيّ ما عليك جناح

كذوب نحا في مذهب نحو فتية لهم نجدة عنها النّفوس جماح

على حدّ سيف الصّدق يسعون للعلا لتجلى لهم بيض هناك صباحا.

ص: 49


1- في(أ)و(ب):كما لم نكن،و في(ج):لما.

و كما قلت أيضا في بعض القصائد بعد ذكري أحوالهم و طيب عيشهم:

و يا طيب عيش ناعم من رآك لم ير عيش غير غير عيش مكتّل

(1) و ما ذاقك الحاكي و لا شمّ أو رأى و لكن بأخبار الصّدوق المعدّل

طفيليّ حال لي زريّ فضوله حكى فضل حال الأولياء بالتطفّل

فهذي إلى الأخوان منّي رسالة مريدي الصّفا أهل التّقى و التبتّل

سلام عليكم من طبيب بوعظه عليل بداء للأطبّاء معضل

عديم اصطبار لاحتماء و مرهم عديم طبيب مبرئ للمعلّل

فلليافعيّ المسكين تدعون بالشفا و نيل المنى في عاجل و مؤجّل

خصوصا بعفو عن مسيء و آمر ببر و ذاك البرّ عنه بمعزل

كثير المساوي ممحل من محاسن و يدعون أهل الخصب ندبا لممحل

و هذه رسالة مني إلى جملة الأولياء خاصّة في سائر الأقطار و الجهات المملوك لمماليك من أنتم لهم سادات،المحبّ لجمال شمائلكم الرّضيات،المشتملة على روضة العلوم اللّدنيّات،المشتاق إلى حضرتكم الشريفة المحفوفة بأنوار المعارف الرّبانيّات، الملتمس لأدعيتكم الصالحة و أنفاسكم المباركات،الفقير إلى ندى فضلكم الفائض و مراهمكم الشافيات،المعجونات بماء النّفحات الإلهيات،الملقحات لكلّ عقيم، المخرجات لكلّ أعمى إلى النور من الظّلمات،المحييات لكلّ هالك بعد الممات،الفقير الحقير عبد اللّه بن أسعد اليافعيّ اليمنيّ نزيل الحرمين الشريفين،ذي الجرائم و الغفلات، و الدّعاوى الكاذبات،يقبّل تراب الأقدام،و يسأل ذا الجلال و الإكرام أن ينفع بكم الأنام، و يشفي ببركاتكم ما بنا من الأسقام،و يخصّكم و من حوت مجالسكم العالية بأتمّ السّلام، و يشكو إليكم لسان حاله ما شرحه يطول،و ينشد لسان طبعه و يقول:

ألا أيّها السّادات إنّ طريقكم على غيركم وعر صعاب عقابه

(2) طريق كحدّ السّيف للّه درّ من يكون على حدّ السّيوف ذهابه).

ص: 50


1- في(ج):الكتال ضيق العيش.
2- العقاب:جمع عقبة،و هي الطريق الصعبة في الجبل.اللسان(عقب).

و إنّي و إن عجز عراني محبّكم فأنتم لقلبي خلده و ما به

فهل من فتى منكم إلى جذب عاجز شديد القوى سهل عليه اجتذابه

إلهي،الفقير اليافعي ليس عنده سوى حبّهم ذا زاده و ركابه

إلهي بذاك انفعه و احشره معهم و عمّر بنا قلبا (1)تناهى خرابه

و صلّ على من فضلهم فيض فضله خلاصتهم من للباب لبابه

و من خير آل في البرايا و صاحب من الخلق كلّ آله و صحابه

محمد المختار من آل هاشم غياث الورى الغيث الرّواء سحابه

و ها نحن نعود إلى الموعود،و نسأل المغفرة و التوفيق من ذي الكرم و الجود، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف:23]، رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً [الكهف:10]، رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ [المؤمنون:118]لنا و لوالدينا و مشايخنا و إخواننا و جميع المسلمين،و سلام على المرسلين،و الحمد للّه ربّ العالمين،حسبنا اللّه و نعم الوكيل،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،أخلص أيّها العامل نيّاتك،و استعدّ لمماتك،و تب من خطيئاتك،و طهّر قلبك الذي هو بيت مولاك، من أنجاس جيفة دنياك،و أرجاس نفسك و هواك،و وساوس شيطان مارد ساكن هناك.

أبي اللّه بيتا فيه باضت و فرّخت شياطين في عشّ به و كنائف

خزانة مسك السّرّ قد جاف و امتلا بوسواس ثاو مارد فيه عاكف

سوى طاهر كفو لعلم و حكمة و وارد تكليم و وحي الهواتف

و نور تجلّى من شموس معارف بدا أولا مثل البروق الخواطف

دعاوى الهوى دع للذين ارتياحهم إلى الحقّ يا مرتاح نحو المعالف

(2) سكارى بمولاهم و أنت بجيفة فقس رخما بالباز عند التّناصف

مساويك (3)حالي في مساويك كلّنا عبيد الهوى للنّفس غير مخالف

نأى مسلكا عن صامت ضامر الحشا عزيل البرايا للسّهاد محالفك.

ص: 51


1- في الأصول:و عمر بنا قلب.و المثبت من روض الرياحين ص 30.
2- جاء في هامش(ج):المعالف:موضع العلف.و في روض الرياحين 582:نحو المعارف.
3- في روض الرياحين 582:فيا ويك.

بذي صارت الأبدال في قول سهلهم (1) بلا شكّ أبدالا بحور المعارف

ملوك البرايا ليس يشقى جليسهم لهم بيض رايات العلا في المواقف

حبوا و حظوا خصّوا اصطفوا ثم قرّبوا و ولّوا و علّوا فوق كلّ الطوائف

و اعلم أيّها الجاهل الغافل أنّ محبّة اللّه تعالى ينالها من لا يزال يتقرّب إليه بالنوافل، و يكون سمعه الذي يسمع به،و بصره الذي يبصر به.جاء بذلك الحديث الصّحيح (2)المنزّه عن الباطل،و معاذ اللّه أن ننال ذلك و نحن عاكفون على جيف المزابل،فلو تركنا الجيف، لذقنا التّحف،و الفواكه التي جناها العارفون الأفاضل (3):

جنوا ثمر خوخ الخوف في روضة الرّضا و إنجاص إخلاص و تين التوكّل

و أرطاب حبّ قد جنتها يد الهوى و أعناب أشواق بها القلب ممتلي

و رمان إجلال و تفّاح هيبة و موز الحيا مبدي رجاء السّفرجل

جنا (4)جنان عارف بمعارف جنى من جناها كلّ دان مذلّل

كانت الأيام زاهرة بأنوارهم الباهرة،فمنهم من غاب عن مخالطة الكلاب،و منهم من انتقل إلى الدار الاخرة،فأصبحت الأيام مظلمة غبراء و المنازل بعدهم دامرة (5):

لأحبابنا عيش عليه يناح لقاء شيوخ للمريد لقاح

أيا دهرنا المغبرّ مالك مظلما نهارك ليل لا يليه صباح

كأنّك محزون على فقد سادة شموس الهدى كانوا ضياءك راحوا

و أخلفهم مثلي فخلاّك مثلة حلاك حلا منها الملاح قباح

و أيّامك الغرّ الزواهر قبل ذا حلاها بها يزهو الوجود ملاح

كسا الكون حسنا و الأنام سعادة بها بمحياها الرّضا و فلاحة.

ص: 52


1- أي قول سهل بن عبد اللّه التستري(000-283 ه)و هو أحد أئمة الصوفية و علمائهم و المتكلمين في علوم الإخلاص و الرياضيات و عيوب الأفعال.
2- ذكر المؤلف الحديث بنصه،انظر صفحة:250.
3- ذكر المؤلف الأبيات في روض الرياحين 27،مع زيادة.
4- في روض الرياحين 27:جناء.
5- في(أ)و(ج):دامرة خالية.

صدق اللّه العظيم: وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [يس:68]،ولد الزمان الرّجال و هو شابّ،و الآن قد انتكس و كبر و شاب.

سألت زماني لم أراك عقيما و كنت ولودا للرّجال قديما

فقال لأني قد كبرت و قد دنا رحيل إلى الأخرى و صرت سقيما

و لم يبق في الأولاد إلاّ حثالة و فارقني من كان قبل كريما

كان الكرام إذا جنّ الظلام،دارت عليهم كئوس مدام الغرام،فتراهم و العيون هواجع، تتجافى جنوبهم عن المضاجع،يبيتون لربّهم سجّدا و قياما على الأقدام و الجباه،و في النّهار لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه،إذا ذكر اللّه و جلت قلوبهم،و سالت الدّموع على الخدود،سيماهم في وجوههم من أثر السجود،و قد كتبت في صفحات وجوه الوجهاء يد أيادي العناية بقلم القبول،و مداد الأمداد سطور نور الولاية،فلاح الفلاح على تلك الوجوه الملاح،يقرأ ذلك الخطّ الأميّ الذي لم يقرأ قطّ،قد رقّت قلوبهم؛ لامتلائها بالأشجان،فكلّ شيء يحرّكها و يذكّرها نعمى و نعمان:

يذكّرهم عيشا بنعمان ناعما حمام الحمى (1)يغري نسيم العواصف

تثير الصّبا من كلّ صبّ صبابة فيصبو إلى عهد الصّبا و المالف (2)

فهم بين مشتاق و باك و ضاحك سرورا و صرّاخ و راج و خائف

لذكر اللّقا و الهجر و الوصل و الجفا و قرب و بعد ناشر جمع لافف

لما سقوا من مدام المنادمة في كئوس التقريب و التمكين،خافوا من استحالتها خلاّ في أواني التقليب و التلوين،و أفزعهم شهر سيف سطوة فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ [الأعراف:99]، ففزعوا إلى الاتّقاء بترس لياذ«أعوذ بك منك»فخرجت مناشير التّبشير بالبشرى على يد بشير أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ [يونس:62]،فخافوا أن لا يكونوا من أهل الولاية المذكورين في الآية،فجاءت البشارة التّامّة،في الآية العامة وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ [الرحمن:46]، فقالوا:و عزّتك ما عبدناك طمعا في جنتك،و لا خوفا من نارك:ة.

ص: 53


1- في هامش(أ):حمام الحمى:جبل بقرب عرفة.
2- في(أ)المالف:موضع للألفة.

نهاهم حبّه لمّا سقاهم حميّا الوصل عن حور حسان

له لم يعبدوا من خوف نار و لا شوقا إلى ما في الجنان

و لكن كان مولى ذا جلال له الإجلال فرضا في الجنان

لهم شغل بمولاهم بذكر و شكر و التّهجد بالقرآن

نجاب فتية غر كرام من العلياء في أعلى مكان

بحور العلم أوتاد لأرض ملوك الخلق أقمار الزّمان

لما رأوا شهد المشاهدة،و مدام المنادمة،و حلوى (1)الأحوال في أفكار الأذكار،في خلوات الخمول،في رياض الرّياضة،و قبلة الإقبال،و قد حال بينهم و بين الوصول إلى ذلك قطّاع الطريق،من كفرة جنود الأنفس الماردة،ركبوا جياد الجدّ،و سلّوا سيوف الصّدق،و قصدوهم بالمجاهدة:

دواهي الدّهر لا تخشى المنايا إذا نودوا لطعن أو ضراب

يزورون المنايا باشتياق يرون الوصل في قطع الرّقاب

يرون الموت في الهيجاء أحلى من الجلاّب في فيهم مذاب

منهم من انتصر على العدو،فذاق شهد المشاهدة،و منهم من استشهد فذاق شهد الشّهادة في المجاهدة:

بمذهبهم قتل الغرام شهادة و شهد و محقون الدّماء مباح

سلام على السّادات من كلّ صادق له مسرح في معرك و مراح

صفا ثم صوفي فهو صوفي مخيّم على باب سعدى ليس عنه براح

يلاقي طعان النّفس في نيل وصلها و من دونها بيض حمت و رماح

سقته (2)حميّا الوصل من كرم حسنها إذا شمّها أهل الصّبابة صاحوا

و ناحوا و ساحوا ثم فاحوا بنشرها عبيرا و مكتوم المحبّة باحوام.

ص: 54


1- جاء في هامش(ج):الحلوة بفتح الحاء غير المعجمة هدية تهدى إلى المعلمين على رأس بعض سور القرآن،سميت بها،لأن العادة إهداء الحلاوي.و هي لغة يستعملها أهل ما وراء النهر.
2- في روض الرياحين صفحة 214:سقتهم.

و إنّي و إن أرخت حجاب جمالها و كست (1)كئوس الرّاح خوف تراح (2)

و لم ترضني للوصل يوما و لا رأت لمثلي أسرار الملوك تباح

محبّ محبّيها طريح ببابها أقول بجدّ لم يشبه مزاح

إذا أسعدت سعدى سوانا و لم يكن لنا مسعدا منها ندى و سماح

رضينا بحكم وفق محكم حكمة بعلم قديم ليس قطّ يزاح

لا ينال الذليل الجبان البطّال،منازل الرّجال الشّجعان الأبطال:

فما فاز بالمجد الأثيل من الورى سوى من لدى الأهوال بالنّفس يسمح

فأمّا جبان عزّت النّفس عنده فذاك الذي بالذّلّ يمسي و يصبح

تعرّض لنفحات الإله و بابه أدم قرعه فالباب يوشك يفتح

فإن جزت يوما ما بربع لعزّة و لاحت خيام نورها يتوضّح

فطف بالخيام البيض في أيمن الحمى و طرفك في سكّانها يتصفّح

لعلّ تجلّي الحسن يبدو خلالها و ذات الجمال الغال للطرف تسنح

ما ذاقوا حلاوة شهد المشاهدة،إلاّ بعد أن تجرّعوا صبر صبر المجاهدة:

لقد شمّروا في نيل كلّ عزيزة و مكرمة ممّا يطول حسابه

إلى أن جنوا ثمر الهوى بعد ما جنى عليهم و صار الحبّ عذبا عذابه

و حتى استحال المرّ في الحال حاليا و حتى دنا النائي و هانت صعابه

يسلّون سيف العزم و الصّبر ترسهم و قد ركبوا شيئا يهول ارتكابه

يهون عليهم و الدّماء خضابهم و في نحرهم طعن الهوى و ضرابه

إلى اللّه باللّه احتساب نفوسهم و للّه من في اللّه كان احتسابه

أماتوا فأحيوا ما أهانوا فأكرموا بذبح إلى فعل الكرام انتسابه

بترك الهوى أمسوا يطيرون في الهوا و يمشون فوق الماء أمن جنابها.

ص: 55


1- في هامش(أ):أي سدّت كئوس الخمر.
2- في هامش(أ):تراح:أي تزال منها.

ملوك على التّحقيق ليس لغيرهم من الملك إلاّ اسمه و عقابه

(1) شموس الهدى منهم و منهم بدوره و أنجمه منهم و منهم شهابه

هم شموس الهدى،التي لا تغيب على المدى،لكن لا يرى أنوار تلك الشموس إلاّ بحدّة بصر عين القلب،دون ضعيف البصر و المطموس،و قد قالوا:أولياء اللّه عرائس، و لا يرى المجرمون منهم عروس.

شموسهم حادّة الأبصار تبصرها و ليس في الشّمس للخفّاش إبصار

و ليس تقضى برؤيا حسن طلعتها لغير أهل لرؤيا الحسن أوطار

(2) إمّا تواروا بحال أو خطوا فطوي أرض لهم أو مشوا في الماء أو طاروا

على ذباب سيوف الصّدق من همم سعوا إلى المجد للظّلماء أقمار

توسّطت في سما العلياء ناظرها في حسنها حار و السّارون ما حاروا

أمسك طريقهم،عسى تراهم يا ضعيف البصر،و لا تيئس من روح اللّه،و اصبر فمع الصّبر الظفر:

و صابر فما نال العلا غير صابر و قل واعظا للنّفس عند التّململ

مع الصّبر إحدى الحسنيين مناك أو منايا كرام فاصبري و تجمّلي

و جرّد لسيف الصّدق بعد تجرّد لذكر و فكر حسب عن كلّ مشغل

به النّفس إن رامت هواها و حاولت خلافا و لم ترجع إلى الطّاعة اقتل

و داو لسقم القلب و اعمر خرابه بدهن رياضات و توب معجّل

و أحرق بنار الحزن أشجار خبثه و في سيل عين كلّ أوساخه اغسل

و طيّب بورد الورد و اجعله صالحا لسكنى أراض منه طاب و أجبل

فيوحي إلى الأسرار كالنّحل ربّها أن اتّخذي منها بيوتا بها احللي

و تزهر أنوار لوامع برقها أضاءت لكلّ الكون علو و أسفل

بمصباح قلب في زجاجة صدره بمشكاته من زيت تقواه مشعل

فلازم و داوم قرع باب مؤملا فما خيّب المولى رجاء مؤمّلة.

ص: 56


1- العقاب:الراية تعقد للولاة.اللسان(عقب).
2- في هامش(ج):أوطار:نائب فاعل لتقضى،و الوطر الحاجة.

و إيّاك أن تغترّ بدار تنقلب أفراحها أحزانا،و أرباحها خسرانا،و صداقتها عداوة، و سعادتها شقاوة،و عزيزها حقيرا،و غنيّها فقيرا،و عمارتها خرابا،و نعيمها عذابا،تذهب لذّاتها،و تبقى تبعاتها،كأنّك بالمسكن و قد خلا من السّكان،و كأنّ ما كانوا فيه من العزّ و النعيم ما كان:

ركوب النّعش أنساهم ركوبا على الخيل العتيقات النّجاب

و ليل القبر أنساهم لليل به عرس المليحات النّخاب

(1) و أنساهم لفرش ناعمات لها قد زيّنوا فرش التّراب

علا الدّود الخدود و غاص فيها أكولا للبهيّات التّراب

(2) تلوّنت الدّنيا لأبنائها بالألوان المليحة،و أخفت تحتها كلّ صفة قبيحة:

عجوز السّوء سودا الجسم شوها و حدبا تحت أثواب حسان

بها يغترّ غرّ لم يشاهد عيوبا في هواها ذو افتتان

جميع الدهر يجري ليس يدري بجسم من مخازيها (3)ملآن

إلى تقبيل ثغر ليس فيه من الأسنان ما غير اللّسان

غرور حبّها رأس الخطايا جميعا ذات مكر و اختيان

تري عيشا هنيئا فيه دسّت سموما تلك منها مهلكان

حساب طال في يوم عبوس يشيب الطّفل من هول و ثان

(4) عقاب في جحيم ربّ سلّم بها جلد و لحم ناضجان

*و لقد صدق الإمام الشافعيّ المفضال،رضي اللّه عنه و أحسن حيث قال (5):

و ما هي إلاّ جيفة مستحيلة عليها كلاب همّهنّ اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها و إن تجتذبها نازعتك كلابها7.

ص: 57


1- في روض الرياحين 546:النقاب.و النخاب:جمع نخبة:المختار من الشيء.
2- في هامش(أ):التراب:مستويات السن.
3- المثبت في روض الرياحين صفحة 277:محارمها.
4- المثبت في روض الرياحين صفحة 277:و مان.
5- ديوان الشافعي صفحة 45.و الأبيات في روض الرياحين صفحة 277.

*و صدق الآخر حيث قال:

كيف السّرور بإقبال و آخره إذا تأمّلته مقلوب إقبال

يعني أنّ إقبال الدّنيا لا بقاء له،و المقلوب أن يقرأ الكلمة من آخر حروفها معكوسا.

*و صدق الآخر حيث قال:

و من يحمد الدّنيا لعيش يسرّه فسوف لعمري عن قريب يلومها

إذا أقبلت كانت على المرء فتنة و إن أدبرت كانت كثيرا همومها

*و صدق الآخر حيث قال:

ألا إنّما الدّنيا كأحلام نائم و ما خير عيش لا يكون بدائم

تأمّل إذا ما نلت بالأمس لذّة فأفنيتها هل أنت إلاّ كحالم

*و صدق نوح صلى اللّه عليه و سلم لمّا قيل له:كيف وجدت الدّنيا يا أطول النّاس عمرا؟قال:كدار ذات بابين،دخلت من باب،و خرجت من باب.

و اعلم أنّا من كتب خطايانا على يقين،و ليس كذلك الطاعات؛لقوله تعالى: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]،فالتقوى هي مجمع الخيرات،و رأس الدين،قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف 128].

*قال العلماء رضي اللّه عنهم:أصل التّقى اتّقاء الشّرك،ثم بعده اتّقاء المعاصي و السيئات،ثم بعده اتّقاء الشّبهات،ثم تدع بعده الفضلات،و هذا قول الأستاذ أبي علي الدقاق (1).

*و عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال:سادة النّاس في الدّنيا الأسخياء،و سادة الناس في الاخرة الأتقياء.

*و دخل الحسن البصري (2)مكّة،فرأى غلاما من أولاد عليّ بن أبي طالب رضي اللّههو

ص: 58


1- أبو علي الدقاق الحسن بن علي النيسابوري الشافعي من أئمة الرجال،برع في المذهب و في الأصول و العربية،ثم أخذ في العمل و سلك الطريق،توفي سنة 405 ه.انظر طبقات الصوفية للمناوي 179/2.
2- الحسن بن يسار البصري أبو سعيد(21-110 ه)تابعي،كان إمام أهل البصرة و حبر الأمة،و هو

عنه قد أسند ظهره إلى الكعبة يعظ الناس،فوقف عليه الحسن و قال له:ما ملاك الدّين؟ فقال:الورع.قال:ما آفة الدّين؟قال:الطمع.فتعجّب الحسن منه.

*و روي أنّ السيد الجليل ابن المبارك (1)رضي اللّه عنه رجع من خراسان إلى الشام لردّ قلم استعاره من هناك.

*و رجع أبو يزيد (2)من بسطام إلى همدان،لردّ نملة وجدها في قرطم (3)اشتراه من هناك،و قال:غرّبتها عن وطنها.

*و رجع إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه من بيت المقدس إلى البصرة لردّ تمرة.

*و قالت أخت بشر الحافي للإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه:إنّا نغزل على سطوحنا،فتمرّ بنا المشاعل-تعني مشاعل ولاة الأمر-قالت له:فهل يجوز لنا الغزل في شعاعها؟فقال:من أنت عافاك اللّه؟قالت:أخت بشر الحافي.فبكى الإمام أحمد و قال:

من بيتكم يخرج الورع الصادق،لا تغزلي في شعاعها.

فانظر رحمك اللّه إلى قوّة تقوى هؤلاء السّادات و تشبّه بهم،إن أردت نيل السعادة، فمن نحا نحوهم فهو السعيد حقّا،و ليس السّعادة في الدّنيا كما يقول الجهّال الحمقى، الذين يفرحون بالمال و لا يعقلون قول المولى،و لا يسمعون قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

فاحذر أن تفرح بالمال و الزّينة،أو تتمنّى ذلك،فإنّه فتنة و أيّ فتنة:

و لا قطّ تغبط أهل دنيا فإنّهم غدا يغبطونك يحزنون و تفرح

فما ذاك إلاّ فتنة أيّ فتنة بها شهدت طه عن الحقّ تفصح

(4)يا

ص: 59


1- عبد اللّه بن المبارك التميمي المروزي(118-181 ه)شيخ الإسلام،التاجر المجاهد،صاحب التصانيف و الرحلات،أفنى عمره في الأسفار حاجا و مجاهدا و تاجرا،و جمع الحديث و الفقه و العربية و أيام الناس و الشجاعة و السخاء،مات قرب الفرات منصرفا من غزو الروم.
2- أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك.
3- القرطم:حبّ العصفر.متن اللغة(قرطم).
4- إشارة إلى قوله تعالى في سورة طه:131: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا

و لا قطّ أهل الظّلم تركن إليهم مع القوم تحشر ثم في النّار تطرح

بهود إذا تقرأ تجد ما ذكرته (1) و فيه الأحاديث الصّحاح تصرّح

فقد صحّ أنّ«المرء مع من أحبّه» (2) فيا سعد من حبّ المساكين يمنح

و إيّاك أن تخالط بني الدنيا،و المترعّنين الصّبيان،المسمّين في لسان السلف بالأنتان، أو تجالس البطّالين،و من يتقرّب إلى الأمراء،و يعظّم الأغنياء،و يحتقر الفقراء.

و احذر أن تعوّد نفسك الكسل في العبادات،أو تتركها مع طباعها و العادات،و لا تغترّ بطول الأمل،و كن على وجل،من حلول الأجل،و لا تحدّث نفسك أنّك تعيش إلى غدا.

و اسمع قول القائل منشدا (3):

و كم من فتى يمسي و يصبح آمنا و قد نسجت أكفانه و هو لا يدري

و احرص على حفظ الأوقات،و جانب معاتبة النّاس و العداوات،و اسمع قول بعض السّادات:

لا تشتغل بالعتب يوما للورى فيضيع وقت و الزّمان قصير

و علام تعتبهم و أنت مصدّق أنّ الأمور جرى بها المقدور

هم لم يوفّوا للإله بحقّه أ تريد توفية و أنت حقير

أشهر حقوقهم عليك و قم بها و استوف منك لهم و أنت صبور

فإذا فعلت فأنت أنت بعين من هو بالخفايا عالم و خبير

و كفّ جميع جوارحك عن المحرّمات و المكروهات و الفضول،و تيقّظ من نومتك، و اصح من سكر غفلتك،قبل أن تعظم الحسرة و تطول،و حاسب نفسك و عظها،و أنشدها قول النّاصح الذي يقول (4):7.

ص: 60


1- إشارة إلى قوله تعالى في سورة هود 113: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ .
2- انظر إلى الحاشية(1)صفحة(81)ففيها الحديث و تخريجه.
3- البيت لعلي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه.الديوان صفحة 69.
4- لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى .

اغتنم ركعتين في ظلمة اللّي ل إذا كنت فارغا مستريحا

(1) و إذا ما هممت بالنّطق في البا طل فاجعل مكانه تسبيحا

و لزوم السّكوت خير من النّط ق و إن كنت بالكلام فصيحا

*و قول الآخر:

و أنت إذا أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كلّه أنت قادر عليه و لا عن بعضه أنت صابر

*و قول الآخر:

قفي ثم اخبرينا يا سعاد بذنب الطّرف لم سلب الفؤاد

و أيّ قضية حكمت إذا ما جنى زيد به عمرو يقاد

*و قول الآخر:

أصمّ عن الشيء الذي لا أريده و أسمع خلق اللّه حين أريد

*و قول الآخر:

خمص البطون من الطوى و أعفّة عن شبهة لا يعرفون حراما

*و قول الآخر:

نهارك بطّال و ليلك نائم و عيشك يا مسكين عيش البهائم

*و قول الآخر:

و حتّام لا تصحو و قد قرب المدى و حتّام لا ينجاب عن قلبك السّكر

بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا و تذكر قولي حين لا ينفع الذّكر

و إيّاك أن تشتغل بالعلم،و تترك العمل،فليس المراد بالعلم إلاّ العمل به،و إذا لم يعمل به كان وبالا على صاحبه،و كان مثله كمثل الحمار يحمل أسفارا،أو كمثل الكلبحا

ص: 61


1- رواية الديوان: و اغتنم ركعتين زلفى إلى الل ه إذا كنت فارغا مستريحا

إن تحمل عليه يلهث،أو تتركه يلهث اللذين هما أخسّ الحيوانات،بل هما أحسن حالا منه،إذ لا عقاب عليهما و لا تبعات.

و لو لا الإخلاد إلى أرض الشهوات،و اتّباع الهوى،و الركون إلى الدنيا،لرفعه العلم إلى المقام العالي الشريف،النّفيس الغالي،مقام العلماء ورثة الأنبياء،أولي الألباب، استبدل به مقام الحمير و الكلاب،و هو يظنّ أنّه ذو الشّرف و الفضائل،و أنّ له عند اللّه تعالى الحظّ الطائل،ينافس على جيف الدّنيا و حطامها،و يغدو و يروح إلى أبواب الظّلمة لجمع حرامها،و يجتهد في التودّد و التقرّب إلى أعداء اللّه،حريصا على نيل المنزلة عندهم و الجاه،يلتمس رضاهم في سخط اللّه،كأنّه لم يسمع قول الملك الجبار: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ [هود:113].

و قوله تعالى و هو أصدق القائلين: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

و قوله سبحانه لنبيّه الكريم،الذي أنارت به الدّياجي غربا و شرقا: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى [طه:131].

و قول سيّد المرسلين:«اللّهمّ،أحيني مسكينا،و أمتني مسكينا،و احشرني في زمرة المساكين» (1).

و لم يدر أنّه كما قال بعض العارفين:من تزيّن بشيء من الدنيا فقد أظهر خساسة.

و قال العلماء:الخسيس من باع دينه بدنياه،و أخسّ منه من باع دينه بدنيا غيره.

قلت (2):فإن قال الفقيه:التزيّن بالمباح مباح،فالجواب ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي (3)حيث قال (4):التزيّن بالمباح ليس بحرام،و لكنّ الخوض فيه يوجب الأنس به حتّى1.

ص: 62


1- رواه الترمذي(2352)في الزهد،باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، و ابن ماجة(4126)في الزهد،باب مجالسة الفقراء.
2- في(ج):مسألة.
3- محمد بن محمد أبو حامد الغزالي الطوسي(450-505)حجة الإسلام،فيلسوف متصوف،رحل إلى بغداد و الحجاز و الشام و مصر،ولد و مات في الطابران،قصبة الطوس بخراسان،له أكثر من مائتي كتاب.
4- إحياء علوم الدين 67/1.

يشقّ تركه،و استدامة الزّينة لا تمكن إلاّ بمباشرة أسباب في الغالب يلزم من مراعاتها ارتكاب المعاصي،من المداهنة و مراعاة الخلق،و مراءاتهم،و أمور أخرى هي محظورة، و الحزم اجتناب ذلك؛لأنّ من خاض في الدنيا لا يسلم منها البتّة؛و لو كانت السلامة مبذولة مع الخوض لكان صلى اللّه عليه و سلم لا يبالغ في ترك الدّنيا،حتى نزع القميص المطرّز بالعلم و غير ذلك.و هو كما قال رضي اللّه عنه فإنّه يتطرّق إلى ذلك آفات كثيرة،سابقة و لا حقة،و من جملة السابقة فساد الاكتساب،و من جملة اللاحقة حصول الإعجاب،إلاّ من عصمه اللّه تعالى،و قليل ما هم.على أن ترك ذلك مع العصمة أفضل.

و لهذا قال الإمام مالك بن أنس رضي اللّه عنه،لما كتب إليه يحيى بن يزيد النّوفلي:

أما بعد:فقلد بلغني أنّك تلبس الرّقاق،و تأكل الدّقاق،و تجلس على الوطاء،و تجعل على بابك حاجبا،و قد جلست مجلس العلم،و اتّخذك الناس إماما،فاتّق اللّه يا مالك.

فكتب إليه الإمام مالك كتابا قال في أثنائه:فأمّا ما ذكرت أني آكل الدّقاق،و ألبس الرّقاق،و أحتجب،و أجلس على الوطاء،فنحن نفعل ذلك،و نستغفر اللّه،و قد قال اللّه تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32]،و إني لأعلم أنّ ترك ذلك خير من الدّخول فيه.

هذا من كلامهما على ما نقل أهل العلم عنهما.

*قلت:و قد وصف اللّه تعالى العلماء في كتابه بالزّهد و الخشية و العبادة،فقال سبحانه و تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقّاها إِلاَّ الصّابِرُونَ [القصص:80].

و قال سبحانه و تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر:28].

و قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9].

*و قال السيد الجليل الفضيل بن عياض (1)رضي اللّه عنه:كان العلماء ربيع الناس،ة.

ص: 63


1- الفضيل بن عياض التميمي اليربوعي(105-187 ه)شيخ الحرم المكي،من أكابر العباد و الصلحاء،كان ثقة،أخذ عنه الشافعي،أصله من سمرقند و توفي بمكة.

إذا رآهم المريض لم يسرّه أن يكون صحيحا،و إذا نظر إليهم الفقير لم يوف أن يكون غنيا، و قد صاروا اليوم فتنة للناس.و فيهم قلت في بعض القصائد:

ألاّ إنّ حبّ الجاه و المال فتنة قبيح لأهل العلم ذلك أقبح

كما أنّ حبّ الزّهد و الفقر عفّة مليح بهم أزهى و أبهى و أملح

*و قال السيّد الجليل الزّاهد مالك بن دينار (1)رضي اللّه عنه:من طلب العلم لنفسه فالقليل منه يكفيه،و من طلبه للنّاس فحوائج الناس كثيرة.

*و قال السيّد الجليل العارف أبو الحسين النّوري (2)رضي اللّه عنه:كانت المرقّعات غطاء على الدّرّ،فصارت اليوم مزابل على جيف.

*و قال السيد الجليل إمام الورعين بشر الحافي (3)رضي اللّه عنه:العبادة من الفقير كعقد جوهر على جيد حسناء،و العبادة من الغني كشجرة خضراء على مزبلة.

*و قال سيّد الطائفة أبو القاسم الجنيد (4)رضي اللّه عنه:الصوفيّ كالأرض يطرح عليها كلّ قبيح،و لا يخرج منها إلاّ كلّ مليح.

*و قال أيضا:يا معشر الفقراء،إنّكم تعرفون باللّه،و تكرمون للّه،فانظروا كيف تكونون مع اللّه إذا خلوتم.د.

ص: 64


1- مالك بن دينار البصري،أبو يحيى(000-131 ه)من رواة الحديث،كان ورعا،يأكل من كسبه، و يكتب المصاحف.
2- أبو الحسين النوري أحمد بن محمد،بغدادي المولد و المنشأ،من أقران الجنيد و السري،انتهت إليه رئاسة الصوفية في عصره،قال الخطيب في تاريخ بغداد:هو أعلم العراقيين بلطائف علم القوم.
3- بشر بن الحارث المروزي أبو نصر المعروف بالحافي(150-227 ه)من كبار الصالحين.أخباره جمة في الزهد و الورع،و هو من ثقات رجال الحديث،قال المأمون عنه:لم يبق في هذه الكورة أحد يستحيا منه غير هذا الشيخ.
4- الجنيد بن محمد،أبو القاسم(000-297 ه)سيد الطائفة لكونه ضبط التصوف بقواعد الكتاب و السنة،مصونا من العقائد الذميمة،محمي الأساس من شبه الغلاة،سالما من كل ما يوجب اعتراض الشرع،كان يحضر مجلسه الكتبة لألفاظه،و الشعراء لفصاحته،و المتكلمون لمعانيه.و هو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد.

*و أنشد بعضهم:

كفى شرفا أنّي مضاف إليكم و أنّي بكم أدعى و أرعى و أعرف

و تمامه بيت للمصنف رحمه اللّه تعالى:

إذا بملوك الأرض قوم تشرّفوا فلي شرف منكم أجلّ و أشرف

*و قال الشيخ العارف باللّه أبو محمد رويم (1):التصوّف مبنيّ على ثلاث خصال:

التمسّك بالفقر و الافتقار،و التّحقّق بالبذل و الإيثار،و ترك التعرّض و الاختيار.

*و قال بعضهم:طريقتنا هذه لا تصلح،إلاّ لأقوام كنست بأرواحهم المزابل.

*و قيل:أرسل بعض النّاس إلى الشيخ الكبير العارف جوهر (2)،المشهور في عدن رضي اللّه عنه،و نفعنا به،كتابا يشتمه فيه،و يطعن،فلمّا وقف عليه قال:صدق،أنا كما قال،و بكى،و أرسل إليه بهذا البيت:

إذا سعدوا أصحابنا و شقينا صبرنا على حكم القضا و رضينا

فلمّا ورد عليه الجواب،جاء من بلاده إلى الشيخ مستغفرا.

*و روي أنّ إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه،ضربه جنديّ،فطأطأ له إبراهيم رأسه، و قال:اضرب رأسا طال ما عصى اللّه،ثم عرفه بعد ذلك و اعتذر إليه،فقال:الرّأس الذي يحتاج إلى الاعتذار تركته ببلخ.

و روي عنه أنّه دعا للذي ضربه بالجنّة،و قال:كرهت أن يصيبني منه خير،و يصيبه مني شرّ.

*و أنشد بعضهم (3):

و كانت على الأيام نفسي عزيزة فلمّا رأت صبري على الذّلّ ذلّت5.

ص: 65


1- رويم بن أحمد صوفي شهير صاحب رأي متين،عالم بالقرآن و معانيه،من جلة مشايخ بغداد،من أقواله:الصبر ترك الشكوى،و الرضا استلذاذ البلوى.مات سنة 330 ه.
2- جوهر بن عبد اللّه رأس في إخلاصه و صدقه،كان عبدا لبعض التجار،آلت إليه مشيخة عدن.انظر طبقات الصوفية للمناوي 396/1.
3- البيت الأول ينسب لعلي بن أبي طالب.انظر الديوان صفحة 55.

و يا ربّ ذلّ ساق للنّفس عزّة و يا ربّ نفس بالتذلّل عزّت

*و كذلك قلت في بعض القصائد:

و لو طردوني لذّ عيشي بصحبتي لبعض كلاب في المزابل تنبح

ففي ذلّ نفسي عزّها و بموتها حياة لأجل الغال بالدّون أسمح

أحنّ ارتياحا للمزابل لا إلى قصور و فرش بالطّراز توشّح

و أمنح ودّي للمساكين صافيا أجالسهم و الهجر للغير أمنح

*و قال حمدون القصّار (1):اصحب الصّوفية،فإنّ للقبيح عندهم وجوها من المعاذير،و ليس للحسن عندهم كبير موقع يعظّمونك به.

*و قال بعضهم:صحبت الأغنياء فلم أر أتعب منّي،أرى ملبسا أحسن من ملبسي، و مطعما أحسن من مطعمي،و مسكنا أحسن من مسكني،و صحبت الفقراء فلم أر أروح منّي،لا أرى إلاّ من هو دوني في الملبس و المطعم و المسكن.

*و قال بعضهم:رأيت كأنّ القيامة قد قامت،و يقال:أدخلوا مالك بن دينار، و محمد بن واسع (2)الجنّة،فنظرت أيّهما يتقدّم،فتقدّم محمد بن واسع،فسألت عن سبب تقدّمه،فقيل لي:إنّه كان له قميص واحد،و لمالك قميصان.

*و قال الصّدّيق المقرّب و التّرياق المجرّب،معروف الكرخي (3)رضي اللّه عنه:

التصوّف الأخذ بالحقائق،و اليأس ممّا في أيدي الخلائق.

*و قال بعضهم:إذا قال الصّوفيّ بعد خمسة أيام أنا جائع،فألزموه السّوق،و مروه بالكسب.

*و قال الشيخ العارف باللّه،معدن المعارف أبو عبد اللّه ابن خفيف (4)،و قد سأله بعضفي

ص: 66


1- حمدون القصار:أحد الأئمة الكبار،و شيخ الملامتية في وقته،توفي سنة 271 في نيسابور.
2- محمد بن واسع الأزدي،أبو بكر(000-123 ه)فقيه ورع من الزهاد،من أهل البصرة،عرض عليه قضاؤها فأبى،ثقة عند أهل الحديث.
3- معروف بن فيروز الكرخي،أبو محفوظ(000-200 ه)أحد أعلام الزهاد و المتصوفين،نشأ و توفي ببغداد،اشتهر بالصلاح،و قصده الناس للتبرك به،كان يختلف إليه أحمد بن حنبل.
4- محمد بن خفيف،أبو عبد اللّه الشيرازي الشافعي(276-371 ه)من أولاد الأمراء،تزهد و سافر في

الفقراء عن فقير يجوع ثلاثة أيام،و بعد ثلاثة يخرج يسأل مقدار كفايته،أيش يقال فيه؟ فقال:مكديّ (1)،كلوا و اسكتوا،فلو دخل فقير من هذا الباب لفضحكم كلّكم.

*و قال السّيد الخاصّ،إبراهيم الخوّاص (2)،رضي اللّه عنه:رأيت في طريق الشّام شابّا حسن المراعاة،فقال لي:هل لك في الصّحبة؟فقلت:إنّني أجوع،فقال:إن جعت جعت معك.فبقينا أربعة أيام،ففتح علينا بشيء،فقلت:هلمّ،فقال:اعتقدت أن لا آخذ بواسطة.فقلت:يا غلام،دققت.فقال:يا إبراهيم،لا تبهرج،فإنّ النّاقد بصير،مالك و التّوكل،ثم قال:أقلّ التّوكّل أن ترد عليك موارد الفاقات،فلا تسمو نفسك إلاّ إلى من إليه الكفايات.

*و أنشد بعضهم:

حقيقة العبد عندي في توكّله سكوت أحشائه عن كلّ مطلوب

و أن تراه لكلّ الخلق مطّرحا يصون أسراره عن كلّ محبوب

*و قال بعضهم:سافرت مع أبي تراب النّخشبي (3)سنة،و كان صاحب كرامات، و كان معه أربعون نفسا،ثم أصابنا مرّة فاقة،فعدل أبو تراب عن الطّريق،و جاء بعذق موز،فتناولنا منه،و فينا شابّ فلم يأكل،فقال له أبو تراب:كل،فقال:الحال التي اعتقدتها ترك المعلومات،و صرت أنت معلومي،فلا أصحبك بعدها،فقال أبو تراب:كن مع ما وقع لك.

*و عن بعضهم (4)قال:انكسرت بي السّفينة،و بقيت أنا و امرأتي على لوح،و قد ولدت في تلك الحالة صبية،فصاحت بي و قالت:يقتلني العطش،فقلت لها:هو ذا يرى حالنا،فرفعت رأسي،فإذا رجل في الهواء جالس،و في يده سلسلة من ذهب،و فيها كوز).

ص: 67


1- في المطبوع:معيون مكدي.
2- إبراهيم بن أحمد الخواص(000-291 ه)أوحد المشايخ في وقته،من أقران الجنيد،مات في جامع الري.
3- أبو تراب النخشبي عسكر بن حصين(000-245 ه)شيخ عصره في الزهد و التصوف،كتب كثيرا من الحديث،أخذ عنه الإمام أحمد بن حنبل،حجّ خمسا و خمسين مرة.
4- سياحات كثيرة،صنف كتبا.

من ياقوت أحمر،و قال:هاك اشربا،قال:فأخذت الكوز،و شربنا منه،فإذا هو أطيب من المسك،و أبرد من الثلج،و أحلى من العسل،فقلت له:من أنت،يرحمك اللّه؟فقال:

عبد لمولاك.فقلت:بم وصلت إلى هذا؟فقال:تركت الهوى لمرضاته،فأجلسني على الهوا.ثم غاب عنّي فلم أره.

*و قال حجّة اللّه على العارفين سهل بن عبد اللّه التّستري:لا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى لا يخاف شيئا على وجه الأرض.

*و قال السيّد الجليل العارف الرّباني أبو الحسين النّوري رضي اللّه عنه:لو جعلني في الدّرك الأسفل من النار لكنت أشدّ رضى ممّن في الفردوس.

*و قيل لحذيفة المرعشي (1):ما أعجب ما رأيت من إبراهيم بن أدهم؟فقال:بقينا في طريق مكّة أياما لم نجد طعاما،ثم دخلنا الكوفة،فأوينا إلى مسجد خراب،فنظر إليّ إبراهيم بن أدهم فقال:يا حذيفة،أرى بك الجوع،فقلت:هو ما رأى الشيخ،فقال:

عليّ بدواة و قرطاس،فجئت به،فكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم،أنت المقصود بكلّ حال،و المشار إليه بكلّ معنى:

أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر أنا جائع أنا نائع

(2) أنا عاري هي ستّة و أنا الضّمين لنصفها فكن الضّمين لنصفها يا باري

مدحي لغيرك لهب نار خضتها فأجر عبيدك من دخول النّار

ثم دفع إليّ الرقعة؛و قال:اخرج،و لا تعلّق قلبك إلاّ باللّه،و ادفع الرّقعة إلى أوّل من يلقاك،قال:فخرجت،فأول من لقيني رجل على بغلة،فناولته الرقعة،فأخذها،فلما وقف عليها بكى،و قال:ما فعل صاحب هذه الرقعة؟فقلت:في المسجد الفلاني،فدفع إليّ صرّة فيها ستّ مائة دينار،ثم لقيت رجلا آخر،فقلت:من صاحب هذه البغلة؟فقال:

نصرانيّ،فجئت إلى إبراهيم بن أدهم و أخبرته بالقصّة،فقال:لا تمسّها؛فإنّه يجيءن.

ص: 68


1- حذيفة بن قتادة المرعشي العابد الزاهد الصوفي،صحب سفيان الثوري،و كان مشغولا بالرعاية عن الدراية،مات سنة 192 ه.طبقات المناوي 266/1.
2- النائع:العطشان.

الساعة،فلمّا كان بعد ساعة جاء النّصرانيّ و أكبّ على إبراهيم بن أدهم،و أسلم (1).

*و قال الشيخ الفريد،ذو العزم الشديد،و الفضل العديد،العارف باللّه أبو يزيد:

جمعت أسباب الدّنيا فربطتها بحبل القناعة،فوضعتها في منجنيق الصّدق،و رميت بها في بحر اليأس،فاسترحت.

*و قال رضي اللّه عنه:أقمت في الزّهد ثلاثة أيام،زهدت في اليوم الأوّل في الدنيا، و زهدت في اليوم الثاني في الاخرة،و زهدت في اليوم الثالث فيما سوى اللّه.

و قد أشار المشايخ رضي اللّه عنهم إلى نحو هذا في صفات الحرّ،قالوا:هو أن لا يكون بقلبه تحت رقّ شيء من المخلوقات،لا من أعراض الدّنيا و لا من أعراض الاخرة،فيكون فرد القوم،لم يسترقّه عاجل دنيا و لا حاصل هوى،و لا آجل منى و لا سؤال و لا قصد،و لا أرب و لا حظّ.

*و قال الشيخ العارف أبو العباس السيّاري (2):لو صحّت الصلاة بغير قرآن لصحّت بهذا البيت:

أتمنّى على الزّمان محالا أن ترى مقلتاي طلعة حرّ

*و في الحديث الصحيح،قال النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم:«تعس عبد الدينار و الدرهم» (3).

*و أنشد بعضهم:

النار آخر دينار نطقت به و الهمّ آخر هذا الدّرهم الجاري

و المرء ما دام مشغوفا بحبّهما معذّب القلب بين الهمّ و النّار

*و قال بعضهم:سمعت أبا تراب النّخشبيّ يقول:ما تمنّت نفسي من الشهوات إلاّ مرّة واحدة،تمنّيت خبزا و بيضا،و أنا في سفر،فعدلت إلى قرية،فقام واحد فتعلّق بي،و قال:

هذا كان مع اللّصوص،فضربوني سبعين درّة،ثم عرفني رجل منهم،فقال:هذا أبوه.

ص: 69


1- روض الرياحين 188(الحكاية:116).
2- القاسم بن القاسم أبو العباس السياري فقيه متحدث زاهد،مات سنة 342.
3- رواه البخاري 81/6(2886)في الجهاد،باب الحراسة في الغزو في سبيل اللّه.

تراب.فاعتذروا إليّ،و حملني رجل إلى منزله،و قدّم إليّ خبزا و بيضا،فقلت لنفسي:كلّي بعد سبعين درّة (1).

*و أنشدوا:

إذا طالبتك النّفس يوما بحاجة (2) و كان عليها للخلاف طريق

فخالف هواها ما استطعت فإنّما هواها عدوّ و الخلاف صديق

*و قال بعضهم:عرضت عليّ الدّنيا بشهواتها و زينتها و زخارفها،فأعرضت عنها،ثم عرضت عليّ الأخرى بحورها و قصورها و زينتها،فأعرضت عنها،فقيل لي:لو أقبلت على الأولى حجبناك عن الاخرى،و لو أقبلت على الأخرى حجبناك عنّا،فها نحن لك، و قسمتك من الدّارين تأتيك.

*و روي عن أبي يزيد أنّه قال:رأيت ربّي في المنام،فقلت:كيف أجدك؟فقال:

فارق نفسك و تعال.

و قال الشيخ العارف أحمد بن خضرويه (3):رأيت ربّ العزّة في النوم،فقال، يا أحمد،كلّ النّاس يطلبون منّي إلاّ أبا يزيد،فإنّه يطلبني.

*و قال إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه:رأيت جبريل صلوات اللّه عليه في النّوم، و بيده قرطاس،فقلت:ما تصنع به؟فقال:أكتب أسماء المحبّين،فقلت:اكتب تحتهم:

محبّ المحبّين إبراهيم بن أدهم.فنودي:يا جبريل،اكتبه أوّلهم.

*و قال إمامنا الشّيخ العارف باللّه،العالم النّجيب،ذو النّور الباهي،و الخطاب الإلهي،و العطاء الوافر النّصيب،شيخ شيوخنا السيّد الجليل عبد اللّه بن أبي بكر الخطيب رضي اللّه عنه و نفعنا به:قال لي الحقّ سبحانه و تعالى،سل تعط.فقلت:إذا تكون العطيّة1.

ص: 70


1- روض الرياحين 410(الحكاية 374).
2- في(ج):بشهوة.
3- أحمد بن خضرويه البلخي،ولي عارف من كبار شيوخ خراسان،لقي أبا يزيد البسطامي، و النخشبي،أسند الحديث،له كرامات،مات سنة 204 و قيل 240.انظر طبقات المناوي 532/1.

ناقصة؛لأنّ السائل في محلّ النقص،و لكن أعطني أنت،أو كما قال.بلّغه اللّه فوق مطلوبه،و أقرّ عيون أصحابه به.

*و قيل لأبي يزيد:بم وجدت هذه المعرفة؟فقال:ببطن جائع،و بدن عار.

*و قيل للجنيد:ممّن استفدت هذه العلوم؟فقال:من جلوسي بين يدي اللّه ثلاثين سنة تحت تلك الدّرجة،و أشار إلى درجة في داره.

*و قال أيضا:ما أخذنا التّصوّف عن القال و القيل،لكن عن الجوع،و ترك الدنيا، و قطع المألوفات و المستحسنات.

*و قال أيضا:التّصوف ذكر مع اجتماع،و وجد مع استماع،و عمل مع اتّباع.

*و قال سمنون (1):التصوّف أن لا تملك شيئا،و لا يملكك شيء.

*و قال ذو النّون (2):همّ قوم آثروا اللّه على كلّ شيء،فآثرهم على كلّ شيء.

*و قال الكتّاني (3):التّصوف خلق،فمن زاد عليك في الخلق،فقد زاد عليك في الصفا.

*و في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم كان يعلف البعير، و يقمّ البيت (4)،و يخصف النّعل،و يرقّع الثوب،و يحلب الشاة،و يأكل مع الخادم، و يطحن معه إذا أعيا،و كان لا يمنعه الحياء أن يحمل بضاعته من السوق إلى أهله، و يصافح الغنيّ و الفقير،و يسلّم مبتدئا،و لا يحقر ما دعي إليه،و لو إلى حشف (5)التمر،ر.

ص: 71


1- سمنون بن حمزة الخواص،أبو الحسن،البصري،صوفي ناسك من الشعراء،له مقطوعات في غاية الجودة،توفي ببغداد سنة 290 ه.
2- ثوبان بن إبراهيم الإخميمي المصري،أبو الفيض،أحد الزهاد العباد المشهورين،نوبي الأصل من الموالي،كانت له فصاحة و حكمة و شعر،و هو أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال،و مقامات أهل الولاية،فأنكر عليه،و اتهمه الخليفة المتوكل بالزندقة،فاستحضره إليه،و سمع كلامه ثم أطلقه،فعاد لمصر،و مات بالجيزة سنة 245 ه.
3- محمد بن علي بن جعفر،أبو بكر الكتاني البغدادي إمام متصوف،صحب الجنيد و طبقته،كان واعظا آمرا بالمعروف،توفي بمكة سنة 322.انظر طبقات المناوي 147/2.
4- في هامش(أ)و(ج):قممت البيت كنسته.
5- في(أ)و(ج):الحشف:اليابس الفاسد من التمر.

و كان هيّن المئونة،ليّن الخلق،كريم الطبيعة،جميل المعاشرة،طلق الوجه،بسّاما من غير ضحك،محزونا من غير عبوسة،متواضعا من غير مذلّة،جوادا من غير سرف رقيق القلب،رحيما بكلّ مسلم،لم يتجشّأ قطّ من شبع،و لم يمدّ يده إلى الطمع.

*و قال عروة بن الزّبير (1)رضي للّه عنهما:رأيت عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، و على عاتقة قربة ماء،فقلت:يا أمير المؤمنين،لا ينبغي لك هذا.فقال:لمّا أتاني الوفود سامعين مطيعين،دخلت في نفسي نخوة (2)،فأحببت أن أكسرها.و مضى بالقربة إلى حجرة امرأة من الأنصار،فأفرغها في إنائها.

*و روي أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه مرّ في المدينة و هو أميرها،و على ظهره حزمة حطب،و هو يقول:طرّقوا للأمير.

*و روي أنّ عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه كان يكتب شيئا،و عنده ضيف؛و كاد السّراج أن ينطفئ،فقال الضّيف:أقوم إلى المصباح فأصلحه،فقال:ليس من الكرم استعمال الضيف.قال فأنبّه الغلام؟قال:لا،هي أول نومة نامها.فقام إلى البطّة (3)، و جعل الدّهن في المصباح،فقال الضيف:قمت بنفسك،يا أمير المؤمنين؟فقال:ذهبت و أنا عمر،و رجعت و أنا عمر.

و كان يؤتى بالحلّة قبل أن يلي الخلافة،بألف درهم،فيقول:ما أحسنها لو لا خشونة فيها.و يؤتى بالحلّة و هو في الخلافة بأربعة دراهم أو بستّة دراهم،فيقول:ما أحسنها، لو لا نعومة فيها.

*و كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في دلقه (4)بضع عشرة رقعة،بعضها من أدم، و هو خليفة.

*و كذلك عليّ رضي اللّه عنه اشترى في خلافته قميصا بثلاثة دراهم،و قطع أكمامه من.

ص: 72


1- عروة بن الزبير بن العوام(22-93 ه):أحد الفقهاء السبعة بالمدينة،كان عالما صالحا كريما.لم يدخل في شيء من الفتن.
2- النخوة:الافتخار و التعظّم.
3- في(ج):أي إناء القارورة.
4- في(أ)و(ج):الدّلق:قميص الجلد،أي ثوب غليظ اه.

أطراف الأصابع،و طاف في السوق،و هو يقول: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً [القصص:83]،ثم يعين الضّعيف،و يعلّم الجاهل.

*و قال ابن المبارك رضي اللّه عنه:التكبّر على الأغنياء،و التّواضع للفقراء،من التّواضع.

*و قال بشر بن الحارث رضي اللّه عنه:سلّموا على أبناء الدّنيا بترك السلام عليهم.

*و روي عن بشر بن الحارث أيضا أنّه قال:رأيت عليا رضي اللّه عنه في المنام، فقلت:يا أمير المؤمنين،عظني،فقال:ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء،طلبا لثواب اللّه تعالى،و أحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء،ثقة باللّه،فقلت:زدني.

فقال:

قد كنت ميتا فصرت حيّا و عن قريب تصير ميتا

فدع بدار الفناء بيتا و ابن بدار البقاء بيتا

(1) *و يروى له أيضا كرّم اللّه وجهه هذان البيتان:

دليلك أنّ الفقر خير من الغنى و أنّ قليل المال خير من المثري

لقاؤك عبدا قد عصى اللّه بالغنى و لم تلق عبدا قد عصى اللّه بالفقر

*و قيل:كان إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه،يوما في قصر قبل أن يدخل في طريق القوم،فرأى فقيرا في ظلّ القصر أكل رغيفا و شرب و نام،فقال لغلام له:إذا استيقظ هذاك الفقير فأتني به.فلمّا استيقظ جاءه به،فقال له:يا فقير،أكلت الرّغيف؟قال:نعم.قال:

شبعت؟قال:نعم.قال:شربت الماء؟قال:نعم.قال:رويت؟قال:نعم.قال:

نمت؟قال:نعم.قال:استرحت؟قال:نعم.قال:اذهب.ثم رجع إلى نفسه،فقال:

هذا الفقير أروح مني،فأيش أعمل في هذا الذي أنا فيه؟فكان ذلك سبب خروجه.

*و قيل:سبب خروجه،أنّه خرج يوما يصطاد،فأثار ثعلبا أو أرنبا،فبينما هو في طلبه،هتف به هاتف:أ لهذا خلقت،أم بهذا أمرت؟ثم هتف به هاتف،من قربوس (2)ه.

ص: 73


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر المجلدة 18 في ترجمة الحسين بن علي بن جعفر،و ذكره الخطيب في تاريخ بغداد 425/9 و 234/11،397/12 عن الفتح بن شخرف.
2- القربوس:حنو السرج،أي قسمة المقوّس المرتفع من قدّام المقعد و من مؤخره.

سرجه:و اللّه،ما لهذا خلقت،و لا بهذا أمرت.فنزل عن مركوبه،و صادف راعيا لأبيه، فأخذ جبّة للرّاعي من صوف،فلبسها،و أعطاه فرسه و ما معه،ثم دخل البادية.

*و يروى له أيضا رضي اللّه عنه هذان البيتان:

تركت الخلق طرّا في رضاكا و أيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطّعتني في الحبّ إربا لما حنّ الفؤاد إلى سواكا

(1) *و قال بعضهم:صحبت إبراهيم بن أدهم فمرضت،فأنفق عليّ نفقته،فاشتهيت شهوة،فباع حماره و أنفق عليّ،فلما تماثلت،قلت:يا إبراهيم،أين الحمار؟قال:

بعناه.فقلت:فعلى ما أركب؟فقال:يا أخي،على عنقي.فحملني ثلاثة منازل.

*و قيل الصّحبة على ثلاثة أقسام،أحدها:أن يصحب شيخا فوقه في الرّتبة،فأدبه الخدمة،و ترك الاعتراض،و حمل ما يبدو منه على وجه جميل،و تلقّي أحواله بالإيمان.

و الثاني:أن يصحب من هو دونه،فأدبه الشّفقة و الرّحمة و النّصيحة،و التنبيه على المساوئ و النقصان،و إلاّ كانت خيانة.و الثالث:أن يصحب من هو في درجته ممّن هو نظيره،فأدبه الإيثار و الفتوّة و التّعامي عن عيوبه،و حمل ما يرى منه على وجه من التأويل جميل ما أمكن،فإن لم يجد تأويلا عاد على نفسه بالتّهمة و اللّوم.و أنشدوا في هذا المعنى:

و لا خير فيمن لا يرى عيب نفسه و يعمى عن العيب الذي بأخيه

*و قال أبو عثمان الحيري (2):الصّحبة مع اللّه بحسن الأدب،و دوام الهيبة، و المراقبة.و الصّحبة مع الرّسول صلى اللّه عليه و سلم باتّباع سنّته،و لزوم ظاهر العلم.و الصّحبة مع أولياء اللّه بالاحترام و الخدمة،و الصّحبة مع الأهل بحسن الخلق،و الصّحبة مع الإخوان بدوام البشر ما لم يكن إثما،و الصّحبة مع الجهّال بالدّعاء لهم و الرحمة عليهم.

*و قيل:تذاكروا بين يدي يحيى بن معاذ (3)في الفقر و الغنى،فقال يحيى:إنّ الفقر8.

ص: 74


1- البيتان في روض الرياحين 167(الحكاية:85)و صدر البيت الأول فيه:هجرت الخلق طرا في هواكا.
2- أبو عثمان الحيري،سعيد بن إسماعيل شيخ الجماعة،و مقدم الطائفة،أصله من الري،و سكن نيسابور،سمع الحديث،قال عنه الخطيب البغدادي:كان مجاب الدعوة.مات سنة 298.
3- يحيى بن معاذ الرازي واعظ زاهد،لم يكن له نظير في وقته،أقام ببلخ،و مات في نيسابور سنة 258.

و الغنى لا يوزنان يوم القيامة،و إنّما يوزن الصّبر و الشّكر،فتعالوا بنا نشكر و نصبر.

*و قال أبو حمدان المغازليّ:كان ببغداد رجل فرّق على الفقراء أربعين ألف درهم، فقال لي سمنون:يا أحمد،أما ترى ما قد أنفق هذا،و ما قد عمله؟و نحن ما نجد شيئا، فامض بنا إلى موضع نصلّي بكلّ درهم أنفقه ركعة،فمضينا إلى المدائن (1)،و صلّينا أربعين ألف ركعة.

*و قيل:كان بعضهم يتلطّف في إدخال الرّفق على إخوانه،يضع عندهم ألف درهم فيقول:أمسكوها حتى أعود إليكم،ثم يرسل إليهم:أنتم منها في حلّ.

*و قال أبو جعفر الحدّاد (2)أستاذ الجنيد:كنت بمكّة فطال شعري،و لم يكن معي قطعة،فتقدّمت (3)إلى مزيّن توسّمت فيه الخير،و قلت:تأخذ شعري للّه تعالى؟فقال:

نعم و كرامة.و كان بين يديه رجل من أبناء الدّنيا،فصرفه و أجلسني،و حلق شعري،ثم دفع إليّ قرطاسا فيه دراهم،و قال:تستعين بها على بعض حوائجك.فأخذتها،و اعتقدت أن أدفع إليه أول شيء يفتح عليّ،قال:فدخلت المسجد،فاستقبلني بعض إخواني، و قال:جاء بعض إخوانك بصرّة من البصرة فيها ثلاث مائة دينار،قال:فأخذت الصّرّة، و حملتها إلى المزيّن،و قلت:هذه ثلاث مائة دينار تصرفها في بعض أمورك.فقال:أ لا تستحي يا شيخ؟تقول لي احلق شعري للّه،ثم آخذ عليه شيئا!انصرف عافاك اللّه.

*و عن الشّبليّ (4)رضي اللّه عنه قال:قال لي خاطري يوما:أنت بخيل،فقلت له:

ما أنا بخيل.فقال:بلى،أنت بخيل.فقلت له:ما أنا بخيل،فقال:بلى أنت بخيل.

فنويت أنّ أوّل شيء يفتح عليّ أعطيه أوّل فقير ألقاه،فما تمّ هذا الخاطر حتى دخل عليّد.

ص: 75


1- المدائن عاصمة الدولة الساسانية،و تقع أطلالها جنوب شرق بغداد بحوالي 25 كم،كان فتحها على يد سعد بن أبي و قاص سنة 16 ه.الموسوعة العربية الميسرة.
2- أبو جعفر الحداد صحب أبا تراب النخشبي،مكث عشرين عاما يعمل كل يوم بدينار،و ينفقه على الفقراء.الطبقات الصغرى للمناوي 115.
3- في(ج):فقدمت.
4- أبو بكر الشبلي،دلف بن جحدر(247-334 ه)كان في بدايته واليا في دنباوند،و ولي الحجابة للموفق العباسي،و كان أبوه حاجب الحجاب،ثم ترك الولاية،و عكف على العبادة،و اشتهر بصلاحه،له شعر جيد.

فلان-سمّاه-بخمسين دينارا،فقال:فأخذتها،و خرجت،فأوّل من لقيت فقير ضرير-أو قال أكمه-بين يدي مزيّن يحلق شعره،فناولته ذلك،فقال:أعطه المزيّن.فقلت:إنّها دنانير.فرفع رأسه إليّ،فقال:ما قلنا لك إنّك بخيل!فناولتها المزيّن،فقال:مذ قعد بين يدي هذا الفقير عقدت مع اللّه تعالى عقدا أن لا آخذ على حلاقته شيئا.قال:فأخذتها، و ذهبت إلى البحر،و رميت بها فيه،و قلت:فعل اللّه بك و فعل،ما أحبّك أحد إلاّ أذلّه اللّه.رضي اللّه عن الثلاثة،و نفعنا بهم (1).

قلت:فإن اعترض الفقهاء على هذا،و قالوا:هذا إضاعة مال،فالجواب من ثلاثة أوجه:أحدها:أن يكون فعل ذلك في حال حال ورد عليه،و ذو الحال الغائب غير مكلّف.الثاني:أن يكون أشهد فيها سمّا مهلكا من صارت إليه،فأتلفها،كما تتلف الأفعى.الثالث:أن يكون بإشارة مؤذنة بالإذن،اضطرته إلى ذلك،و لم يجد عنه محيصا.

هذا ما ظهر لي في ذلك و اللّه أعلم.

*و قيل خرج عبد اللّه بن جعفر الطيّار (2)رضي اللّه عنهما إلى ضيعة له.فنزل على نخيل قوم،و فيها غلام أسود يعمل فيها،إذ أتي الغلام بقوته،و دخل كلب من الحائط، فدنا من الغلام،فرمى الغلام له بقرص،فأكله،ثم رمى إليه بالثاني،و الثالث فأكله، و عبد اللّه ينظر،فقال:يا غلام،كم قوتك كلّ يوم؟قال:هو ما رأيت.قال:فلم آثرت هذا الكلب؟قال:ما هي بأرض كلاب،إنّما جاء من مسافة بعيدة جائعا،فكرهت ردّه.

قال:فما أنت صانع اليوم؟قال:أطوي يومي هذا.فقال عبد اللّه بن جعفر:يلومونني على السخاء!و هذا أسخى مني.فاشترى الغلام و الحائط و ما فيه من الآلات،فأعتق الغلام،و وهب له الحائط و ما فيه.

*و قيل:لما قدم الإمام الشافعي رضي اللّه عنه من صنعاء إلى مكّة كان معه عشرة آلاف دينار،فقيل له:تشتري بها ضيعة؟فضرب خيمة خارج مكّة،و صبّ الدنانير،فكلّ منة.

ص: 76


1- روض الرياحين صفحة 187(الحكاية:114).
2- عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب(1-80 ه)صحابي،ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها،و هو أول من ولد بها من المسلمين،كان كريما يسمى بحر الجود،و كان أحد الأمراء في جيش علي رضي اللّه عنه يوم صفين،مات بالمدينة.

دخل عليه أعطاه قبضة،فلمّا جاء وقت الظهر قام و نفض الثّوب،و لم يبق شيء.

و قيل:إنّ أمّة قالت له:لو دخلت و معك درهم ما سلّمت عليك.

*و قيل:كان أبو مرثد أحد الكرام،فمدحه بعض الشّعراء،فقال:ما عندي ما أعطيك؛و لكن قدّمني إلى القاضي،و ادّع عليّ عشرة آلاف درهم،حتّى أقرّ لك بها،ثم احسبني،فإنّ أهلي لا يتركونني مسجونا،ففعل ذلك،فلم يمس حتى دفع إليه عشرة آلاف درهم.

*و سأل شخص سيّدنا الشيخ أبا هادي رضي اللّه عنه شيئا،و شكا عليه حاله،و قد أصاب الشيخ فاقة شديدة،و هو في حال السياحة في الحجاز،فقال له:ما عندي ما أعطيك،و لكن خذني و بعني،و انتفع بثمني.فقال له:و تفعل ذلك؟قال:نعم.

فأخذه،ثم قال له الشيخ أكرمه اللّه:ما يتمّ لك هذا حتى تضع في رقبتي حبلا،و تقودني، ففعل،ثم سار به،فلقي شخصا،فباعه منه بمائتي درهم و خمسين،ثم أطلقه المشتري،ثم لقي شخصا آخر،فشكا عليه حاله و ضرورته،فسلّم له نفسه كما سلّم للأول،فمشى به و باعه بمائتين،ثم خلاّه المشتري أيضا،و راح،ثم جاء شخص آخر بلحم نصف شاة، و ما يحتاج إليه من الملح و السكين و القراعة (1)،و قطع له اللّحم و قرّع له النار،و ذهب و خلاّه،فتولّى الشيخ الشغل،و أكل،و لم يسأله عن شيء.حيّاه اللّه في فتوته المشهورة، و مكارمه المشكورة؛و نفعنا و المسلمين به و بالصالحين،آمين.

*و قال بعضهم:دخلت على بشر بن الحارث في يوم شديد البرد،و قد تعرّى من الثياب،و هو ينتفض،فقلت:يا أبا نصر،النّاس يزيدون في مثل هذا اليوم،و أنت قد نقصت.فقال:ذكرت الفقراء،و ما هم فيه،و لم يكن لي ما أواسيهم به،فأردت أن أوافقهم بنفسي.

*و قيل:سأل رجل الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما فأعطاه خمسين ألف درهم، و خمس مائة دينار و قال:ائت بحمّال يحمل لك،فأتى بحمّال،فأعطاه طيلسانه،و قال:

يكون كراء الحمّال من قبلي.ي.

ص: 77


1- جاء في هامش(ج):القراعة:اسم حجر يخرج منها نار،و يقال له:آلة الشوي.

*و للّه درّ القائل في مدح الأسخياء (1):

و هم ينفقون المال في أوّل الغنى و يستأنفون الصّبر في آخر الصّبر

إذا نزل الحيّ الغريب تقارعوا عليه فلم يدر المقلّ من المثري

*و للّه درّ القائل الآخر (2):

تعوّد بسط الكفّ حتّى لو أنّه ثناها لقبض لم تطعه أنامله

فلو لم يكن في كفّه غير نفسه لجاد بها فليتّق اللّه سائله

*و للّه درّ القائل في ذمّ بعض البخلاء:

تحلّى بأسماء الشّهور فكفّه جمادى و ما ضمّت عليه المحرّم

*و للّه درّ القائل الآخر (3):

إذا كسر الرّغيف بكى عليه بكا الخنساء إذ فجعت بصخر

و دون رغيفه قلع الثّنايا و ضرب مثل وقعة يوم بدر

*و في ذمّ من يحبّ الدنيا،و يجمع المال،و يجود بإنفاق على الأغنياء للرياء دون الفقراء ذوي الحاجات،قلت في بعض القصيدات:

تكالبت في تجميع سحت حطامها فتجري و لا تدري تكدّ و تكدح

و تحرمه المسكين بخلا لحبّه و تبذله للأغنياء و تمنح

ترى فيه سمحا منفقا يا منافقا و لو لا الرّيا ما كنت بالفلس تسمح

و إلاّ فجرب أنفق المال في الخلا و خلّ الملا فالنّفس تأبى و تجمح

*و أنشدني بعض الفقراء لبعضهم:

و قائلة مات الكرام فمن لنا إذا عضّنا الدّهر المليم بنابهف.

ص: 78


1- البيتان للشريف الرضي،انظر ديوانه صفحة 502.
2- البيتان لأبي تمام من قصيدة مطلعها: أجل أيها الربع الذي خف أهله لقد أدركت فيك النوى ما تحاوله
3- البيتان لأبي نواس.و في الديوان:إذا فقد الرغيف.

فقلت لها من كان غاية سؤله سؤالا لمخلوق فليس بنابه

(1) فإن مات من يعطي فمعطيهم الذي ترجّينه حيّ فلوذي بنابه

(2) *و سألت امرأة اللّيث بن سعد (3)سكرّجة (4)عسل،فأمر لها بزقّ من عسل،فقيل له في ذلك،فقال:إنها سألت على قدر حاجتها،و نحن نعطي على قدر نعمتنا.

*و قال ابن المبارك رضي اللّه عنه:سخاء النّفس عمّا في أيدي الناس أفضل من سخاء النّفس بالبذل.

*و قيل:إنّ رجلا أتى إبراهيم بن أدهم بعشرة آلاف درهم،فأبى أن يقبلها،و قال:

تريد أن تمحو اسمي من ديوان الفقراء بعشرة آلاف درهم!لا أفعل.

*و للّه درّ القائل:

و لست بميّال إلى جانب الغنى إذا كانت العلياء في جانب الفقر

*و للّه درّ القائل الآخر (5):

تهون علينا في المعالي نفوسنا و من خطب الحسناء لم يغلها مهر

*و قال إبراهيم الخوّاص رضي اللّه عنه:ما هالني شيء قطّ إلاّ ركبته.

*و قال أيضا:دخلت البادية مرّة فرأيت نصرانيا على وسطه زنّار،فسألني الصّحبة، فمشينا سبعة أيام،فقال لي:يا راهب الحنيفيّة،هات ما عندك من الانبساط؛فقد جعنا، فقلت:إلهي،لا تفضحني مع هذا الكافر.فرأيت طبقا عليه خبز و شواء و رطب و كوز ماء، فأكلنا و شربنا و مشينا سبعة أيام،ثم بادرت،و قلت:يا راهب النّصرانية،هات ما عندك؛5.

ص: 79


1- في هامش(أ)و(ج):بنابه أي عاقل.
2- في هامش(أ):الناب الأول من الثغر،و الثاني النباهة،و الثالث من الضميرين:أحدهما بنا، و الثاني به أي معنا به.
3- الليث بن سعد،أبو الحارث(94-175 ه)إمام أهل مصر في عصره،حديثا و فقها،كان من الكرماء الأجواد،و كان كبير الديار المصرية بحيث أن القاضي و النائب من تحت مشورته،قال الإمام الشافعي:الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
4- السكرجة:إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الأدم،و هي فارسية.اللسان(سكرج).
5- البيت لأبي فراس الحمداني،الديوان 145.

فقد انتهت النوبة إليك،فاتّكأ على عصاه و دعا،فإذا بطبقين عليهما أضعاف ما كان على طبقي،قال:فتحيّرت و تغيّرت،و أبيت أن آكل،فألحّ عليّ،فلم أجبه،فقال:كل،فإني أبشّرك ببشارتين؛إحداهما:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه،و حلّ الزّنار،و الأخرى قلت:اللّهمّ،إن كان لهذا العبد خطر (1).عندك فافتح عليّ،فأكلنا و مشينا و حججنا،و أقمنا بمكّة سنة؛و مات فدفن بالبطحاء (2).

*و قال محمد بن المبارك الصّوري (3):كنت مع إبراهيم بن أدهم في طريق بيت المقدس،فنزلنا وقت القيلولة تحت شجرة رمّانة،فصلّينا ركعات،و سمعت صوتا من أصل تلك الرّمانة:يا أبا إسحاق،أكرمنا بأن تأكل منّا شيئا،فطأطأ إبراهيم رأسه،فقال ثلاث مرات،ثم قالت:يا محمد،كن شفيعا إليه ليتناول منّا شيئا،فقلت:يا أبا إسحاق، لقد سمعت.فقام و أخذ رمّانتين،فأكل واحدة،و ناولني الأخرى،فأكلتها و هي حامضة، و كانت شجرة قصيرة،فلما رجعنا من زيارتنا إذ هي شجرة عالية و رمّانها حلو،و هي تثمر في كلّ عام مرتين،و سمّوها رمانة العابدين،و يأوي إلى ظلّها العابدون (4).

*و قال بعضهم:كنّا بعسقلان،و شابّ يغشانا يتحدّث معنا،فإذا فرغنا قام إلى الصلاة يصلّي،قال:فودّعني يوما،و قال:أريد الإسكندرية.فخرجت معه،و ناولته دريهمات، فأبى أن يأخذها،فألححت عليه،فألقى كفّا من الرّمل في ركوته،و استقى من ماء البحر، و قال كلمة،فنظرت فإذا هو سويق (5)بسكّر كثير،فقال:من كان حاله معه مثل هذا يحتاج إلى دراهمك،ثم أنشد يقول:

بحقّ الهوى يا أهل ودّي تفهّموا لسان وجود بالوجود غريب

(6)ي.

ص: 80


1- جاء في هامش(ج):و في نسخة حظّ.
2- روض الرياحين 188(الحكاية:115).
3- محمد بن المبارك الصوري القرشي العابد الحافظ الحجة الفقيه،كان شيخ دمشق و فقيهها،خرّجوا له في الكتب الستة،دفن بدمشق بباب الجابية سنة 215.
4- روض الرياحين 305(الحكاية:251).
5- السّويق:طعام من دقيق الشعير أو الحنطة المقلو.متن اللغة(سوق).
6- في هامش(أ):الوجود الأول هو الغيبة بشهود المعبود،و الوجود الثاني هو الوجود اللغوي.

حرام على قلب تعرّض للهوى يكون لغير الحقّ فيه نصيب

(1) *و قال بعضهم:أشرفت على إبراهيم بن أدهم و هو في بستان يحفظه،و قد أخذه النّوم،و إذا حيّة في فيها طاقة نرجس تروّحه بها.

*و قال بعضهم:كنت مع ذي النّون المصري في البادية،فنزلنا تحت شجرة أمّ غيلان (2)،فقلنا:ما أطيب هذا الموضع،لو كان فيه رطب،فتبسّم ذو النون،و قال:

تشتهون الرّطب؟و حرّك الشجرة،و قال:أقسمت عليك بالذي ابتدأك و خلقك شجرة،إلاّ نثرت علينا رطبا جنيا،ثم حرّكها فنثرت رطبا جنيا،فأكلنا و شبعنا،ثم نمنا و انتبهنا، و حرّكنا الشجرة فنثرت علينا شوكا (3).

*و سئل ذو النون رضي اللّه عنه،عن أصل توبته،فقال:خرجت من مصر إلى بعض القرى،فنمت في الطريق،و انتبهت،و فتحت عينيّ،فإذا أنا بقنبرة (4)عمياء،سقطت من شجرة،فانشقّت الأرض فخرج منها سكرّجتان،إحداهما من ذهب،و الأخرى من فضّة، في إحداهما سمسم،و في الأخرى ماء ورد-أو قال:ماء-فأكلت من هذه،و شربت من هذه،فقلت:حسبي اللّه،و لزمت الباب إلى أن قبلني.

*و قال بعضهم:و يروى عن إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه:طلب أبناء الدّنيا الرّاحة في الدّنيا فأخطئوا،و لو علموا أنّ الملك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيف.

*و روي أنّ الفقراء كانوا في مجلس سفيان الثوري كأنّهم الأمراء.

*و في مدح الفقر قلت:

و قائلة ما المجد للمرء و الفخر فقلت لها شيء لبيض العلا مهر

فأمّا بنو الدنيا ففخرهم الغنى كزهر نضير في غد ييبس الزّهر

و أمّا بنو الأخرى ففي الفقر فخرهم نضارته تزداد ما بقي الدّهر).

ص: 81


1- روض الرياحين 306(الحكاية 252).
2- أم غيلان:شجر صغير الورق قصير الشوك،له ثمر أصفر،و خشبه جيد.متن اللغة(غيل.سمر).
3- روض الرياحين 305 الحكاية(251).
4- القنبرة:ضرب من الطير كالعصافير.متن اللغة(قبر.حمر).

*غيره:

فقالت نعم قل غيره قلت منشدا فأطرب قمري أيكتي

(1) عند ما شدا و حرّك أهل الحبّ في الفقر شاجيا غريبا معنّى بالسياحة واجدا

بفقر الفتى فخر إذا كان راضيا و في جيف الدّنيا الدّنيّة زاهدا

و غربته عزّ إذا كان طالبا لعلم و حجّ البيت أو ساح عابدا

*غيره:

فقالت و فى من كان في الحبّ مشغفا و يشكو القلا قل قلت في الليل في الخفا

أيا مشتكي الأسقام طالع لعلّ في بها الطّلعة الغرّا لأسقامك الشّفا

تناديك كم تشكو بأنّي معذّب بنار القلا من نار يأس على شفا

(2) هجرناك لمّا أن هويت لغيرنا و أوليتنا الإعراض و الصّدّ و الجفا

فإن جئتنا عن ذلك الذّنب تائبا فعن كلّ ذنب قد مضى حلمنا عفا

فمت عن سوانا و افن تحيا بوصلنا و كن صوفيا نلقاك بالطّيب و الصّفا

*غيره:

فقالت أجل قل في محبّ معلّل براح وصال قلت حين تغزّلي

ليهن لعينيك المنايا مواصلا برؤياهما غالي الجمال المكمّل

و يهنيك يهنى طيب عيش لعزّة كما قد سقتك السلسبيل الهنيّ الحلي

و من راح وصل أنهلتك و علّلت فيا سعد معلول لعزّة منهل

و أبدت لك الحسن الذي قد تفرّدت به جلّ عن وصف له أنت تجتلي

تجلّت بوجه أقبلت شمس حسنه فولّت دياجي ظلمة اللّيل تنجلي

و باحت لتوليك السّرور بسرّها (3) فنلت المنى و العزّ و المنزل العلي

و ولّتك ملك الكون و الدهر أخدمت غلاما و قالت ولّ من شئت و اعزلا.

ص: 82


1- في(ب):قمريّ بكى.
2- في هامش(أ)و(ج):على شفا أي على حرف.
3- في هامش(أ)و(ج):بحسنها.

فولّى الشّقا عن طيب عيشك مدبرا لسعد بدا من قبلة اليمن مقبل

فخذ ذا ودع قول امرئ القيس مغويا قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل

رأى و أرى لا شيء شيئا و لم ير إلى كلّ شيء في الجمال المسربل

بسربال حسن قد أماطت لصالح و عن طالح فوق المحاسن مسبل

حبت ذاك نورا أبصرت عين قلبه به حسنها في الحال قبل التأمّل

و لم تعط ذا من نورها ما به يرى فأضحى عم عن حسنها الباهج الجلي

(1) *غيره:

فقالت كذاك السّكر و العذل و السّتر قل الشّعر فيها قلت لما بدا بدر

أميطت ستور عن غوالي محاسن لأهل الهوى عن غيرهم أسبل السّتر

خمار و خمر كالنقيضين كلّما نأى عن محيّاها الخمار دنا الخمر

و دارت كئوس الرّاح تسقي أولي الهوى مداما لأهل الحبّ من شمّها سكر

فأضحوا سكارى ثم أمسوا فأصبحوا مدى دهرهم من سكرهم سكر الدّهر

و عاذلة أضحت تلوم و لو درت لكان سريع العذل يسبقه العذر

إذا لم بليلى يحسن الشّعر و الهوى فيا ليت شعري من به يحسن الشّعر

*قلت:قد أكثروا من ذكر ليلى،و سلمى،و غيرهما تسترا و كناية عن الحبيب،و في ذلك قلت في قصيدة:

بهند و دعد خوف واش و حاسد أموّه عن سلمى و عن أمّ سالم

*و قلت في أخرى:

عن المنزل العالي أموّه بالنّقا و أكني بسلمى عن حبيب الضّمائر

*و كثيرا ما ينشدون قول القائل (2):يا

ص: 83


1- في(أ):الباهج العلي،و في(ب):الحلي،و المثبت من(ج).
2- جاء في المطبوع فقط بعد قوله:و كثيرا ما ينشدون قوله القائل،ما نصه. كتمت الهوى عن غير أهل صبابة لحفظ الهوى حتّى تلفت كابة فلم يبق في كأسي هواها صبابة و إني لأخشى أن أموت صبابة و في النفس خلجات بليلى كما هيا

و إنّي لأخشى أن أموت صبابة و في النّفس حاجات بليلى كما هيا

على مثل ليلى يقتل المرء نفسه و إن بات من ليلى على اليأس طاويا

(1) *و أنشد بعضهم (2):

عليّ لربع العامرية وقفة يملّ

(3) عليها الشّوق (4)و الدّمع كاتب و من مذهبي حبّ الدّيار لأهلها و للنّاس فيما يعشقون مذاهب

*و أنشد آخر:

ما كلّ مقتبس نارا تلوح له أنوار ليلى و لا ليلى له تعد

*و أنشد آخر:

فلو داواك كلّ طبيب دير بغير كلام ليلى ما شفاكا

*و أنشد آخر:

و مستخبر عن سرّ ليلى رددته فأصبح في ليلى بغير يقين

يقولون أخبرنا فأنت أمينها و ما أنا إن أخبرتهم بأمين

*و أنشد آخر:

من سارروه فأبدى السّرّ مجتهدا لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا

و باعدوه و لم يسعد بقربهم و أبدلوه من الإيناس إيحاشا

لا يصطفون مذيعا بعض سرّهم حاشا ودادهم من ذاك ما حاشا

(5)ا.

ص: 84


1- البيتان لمجنون ليلى الديوان 215.
2- و من فارق العيش الهنيء و أنسه حقيق عليه أن يلازم رمسه فلا بأس في ذا حبّها ذاق بأسه على مثل ليلى يقتل المرء نفسه و إن بات من ليلى على اليأس طاويا
3- جاء في هامش(أ):امللت الكتاب،أمليته على الكاتب ليكتبه.
4- في الديوان:تملّ عليّ الشوق.
5- في روض الرياحين 301(حكاية 244):في ذلكم حاشا.

*و قيل:كان الشيخ الكبير العارف أبو علي السّناط (1)قدّس اللّه روحه،و أعاد علينا من بركته،إذا خرج من مكّة للعمرة،يأخذ طريقا غير طريق الناس،و ينشد:

أعيني مهاة القفر عنّي إليكما لليلى علينا بالفلاة رقيب

فسألني بعض الأصحاب أن أزيد عليه بيتا آخر،فاعتذرت،و قلت:إذا يكون هذا البيت من ذهب،و الذي أقوله من خشب،فلمّا رأيته راغبا في ذلك،قلت هذه الأبيات الثلاثة على حسب ما اتّفق:

أمرّ طريقا باللّوى إن مررتما بواد النّقا خوف الرّقيب أغيب

فإن نظرت عيناي يوما إليكما غضضتهما كيلا يغار حبيب

فحسبي حبيب في الفؤاد مخيّم و عيش لليلى عن سواه يطيب

*و سمع الشيخ الجليل العارف أبو بكر الشبلي رضي اللّه عنه منشدا يقول:

أسائل عن سلمى فهل من مخبّر يكون له علم بها أين تنزل

فصاح،و قال:و اللّه ما عنه في الدّارين مخبر.

*و أنشد آخر:

ألا يا نسيم الرّيح ما لك كلّما تباعدت ميلا زاد نشرك طيبا

كأنّ سليمى خبّرت بسقامنا فأعطتك ريّاها فجئت طبيبا

*و قال الشيخ العالم العارف أبو سليمان داود الشاذلي (2)رضي اللّه عنه في بعض قصائده:

أيا نفس للمغنى (3)الأجلّ تطلّبي و كفّي عن الدّار التي قد تقضّت

فكم أبعدت إلفا و كم كدّرت صفا و كم جدّدت من ترحة بعد فرحةى.

ص: 85


1- في هامش(ج):السناط بالكسر و الضم الكوسج.لا لحية له أصلا.
2- داود بن ماخلا السكندري الشاذلي أبو سليمان شيخ الطريق في عصره،انتهت إليه تربية المريدين بالنظر،كان أميا،و له عدة مؤلفات،عمل شرطيا ببيت و الي الإسكندرية،أخذ عنه محمد وفا، مات حوالي سنة 735.انظر طبقات المناوي 410/2.
3- في(أ)و(ب):للمعنى.

كذا أوضعت كيما تغرّى إلى العلا فتكديرها من سرّ لطف و حكمة

فلو جعلت صفوا شغلت بحبّها و لم يك فرق بين دنيا و جنّة

لعمرك ما الدّنيا بدار أخي حجا فيلهو بها عن دار فوز و عزّة

عن الموطن الأسنى عن القرب و اللّقا عن العيش كلّ العيش عند الأحبّة

فو الله لو لا ظلمة الذّنب لم يطب لك العيش يوما دون ميّ و عزة

*و قيل:كان لبعض الملوك جارية يقال لها جوهرة،فأعتقها،فمرّت بأبي عبد اللّه البراثي (1)،و هو في كوخ له يتعبّد،فتزوّجت به،و تعبّدت معه،فرأت في المنام خياما مضروبة،فقالت:لمن ضربت هذه الخيام؟فقيل:للمتهجّدين (2)بالقرآن.و كانت بعد لا تنام،و كانت توقظ زوجها،و تقول:عبد اللّه،قد سارت القافلة.

*و أنشد بعضهم:

أراني بعيد الدّار لم أقرب الحمى و قد نصبت للسّاهرين خيام

علامة طردي طول ليلي نائم و غيري يرى أنّ المنام حرام

*و قيل:سمعت عابدة في الليل في بعض البراري تقول:

و كيف تنام العين و هي قريرة و لم تدر في أيّ المحلّين تنزل

*و كانت عمرة امرأة حبيب العجمي توقظه بالليل،و تقول:قم يا رجل،فقد ذهب اللّيل،و بين يديك طريق بعيد،و زادنا قليل،و قوافل الصّالحين قد سارت قدّامنا،و بقينا نحن.

*و أنشد الإمام الشافعيّ رضي اللّه عنه (3):

بقدر الكدّ تكتسب المعالي و من رام العلا سهر الليالي6.

ص: 86


1- عابد زاهد متقرب للّه،له خوارق و مكاشفات،دارت شهرته على فوائده و مناجاته.انظر طبقات المناوي 553/1.
2- في(ج)و المطبوع:للمجتهدين.
3- الديوان صفحة 156.

*و أنشد آخر (1):

ذريني أنل ما لا ينال من العلا فصعب العلا في الصّعب و السّهل في السهل

تريدين إدراك المعالي رخيصة و لا بدّ دون الشّهد من إبر النّحل

*و أنشد آخر (2):

و ما كلّ من آوى (3)إلى العزّ ناله و دون العلا ضرب يدمي النّواصيا

*و تزوّج رياح القيسي (4)امرأة كانت تقوم بالليل و توقظه،فيقول:نعم،فتعاوده، فيقول:نعم،سأقعد.فتقول:يا ليت شعري،من غرّني بك يا رياح؟ *و أنشد بعضهم:

و اللّه لو علمت نفسي بمن علقت قامت على رأسها فضلا عن القدم

*و خطب بعض الملوك بنت الشيخ الأجل العارف أبي الفوارس،شاه بن شجاع الكرماني (5)رضي اللّه عنه،بعد ما ترك الشيخ الملك،و دخل في طريق القوم،فلم يزوّجها منه.و رأى بعض الفقراء في بعض المساجد يصلّي،فأعجبته صلاته،فعرض عليه بنته، فقال:أنا رجل فقير.فقال:ما نكلّفك شيئا.ثم رجع إلى بنته،و ذكر لها الفقير،و مدحه و رغّبها فيه،فقبلت،فزوّجها منه،و جهّزها له،و حملها إليه ليلا،فلما أصبح الفقير أخرج نصف قرص،بقية عشائه،و قرّبه إليها،فأعرضت عنه،فقال:أنا أعرف أنّ بنت شاه الكرماني تتكبّر عليّ،و تعرض عني،و لا ترضى بما عندي.فقالت:ما أعرضت عنك لفقرك،و ازدراء عيشك،و إنّما أعرضت عنك لأنّ والدي مدحك لي،فوجدتك تبيت على معلوم،و أنا لا أرضى بمن يبيت على معلوم (6).).

ص: 87


1- البيتان للمتنبي،الديوان 4/2.
2- البيت للشريف الرضي الديوان 600.
3- في المطبوع:من أومى.
4- رياح بن عمرو القيسي،بصري زاهد متأله،سمع مالك بن دينار و الحسن البصري.انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 155/8.
5- شاه بن شجاع صاحب دين متين،و مروءة و فراسة،أصله من أبناء الملوك،ترك الدنيا و تبع الاخرة، له كلام عال،كان بينه و بين يحيى بن معين صداقة،مات بعد سنة 270 ه.
6- روض الرياحين 259(الحكاية 192).

*و كانت امرأة في بعض بلاد اليمن تخرج من بيت أهلها،و لا يدرون أين تذهب، و هي شابة،فخرج أهلها يطلبونها،و أرادوا قتلها تهمة فيها،فوجدوها في بعض البراري تصلّي،و وجدوا عندها أسدين يحرسانها،فحملا عليهم،لو لا هي ردّتهما عنهم،فعرفوا حالها،و طابت نفوسهم.

*و كان أويس (1)رضي اللّه عنه،يقتات من المزابل،و يكتسي منها،و أهله يقولون:

هو مجنون،و أقاربه يستهزءون به،و الصّغار به يتولّعون،و بالحجارة يرجمون،و لسان الحال ينشد قول المحبّ الذي يقول (2):

فليتك تحلو و الحياة مريرة و ليتك ترضى و الأنام غضاب

و ليت الذي بيني و بينك عامر و بيني و بين العالمين خراب

إذا صحّ منك الودّ يا غاية المنى (3) فكلّ الذي فوق التّراب تراب

و ينشد قول الآخر (4):

قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ما لذّة العيش إلاّ للمجانين

هذا جنوني و هاتوا من جننت به إن كان يسوي جنوني لا تلوموني

(5) *و قيل لبعض العقلاء المجانين:لم لا تصلّي؟فتكلّم بكلام عجيب غريب،و أنشدوا في معناه:

يقولون زرنا و اقض واجب حقّنا و قد أسقطت حالي حقوقهم عني

إذا هم رأوا حالي فلم يأنفوا لها و لم يأنفوا منها أنفت لهم منّي).

ص: 88


1- أويس بن عامر القرني من الزهاد العباد المقدمين،و من سادات التابعين،سكن القفار و الرمال، أدرك النبي صلى اللّه عليه و سلم و لم يره،حبسه عنه برّه بوالدته،وفد على عمر بن الخطاب،شهد وقعة صفين مع علي بن أبي طالب و استشهد فيها.
2- الأبيات لأبي فراس الحمداني،الديوان 41.
3- في الديوان روايتان:إذا صح منك الود فالكل هيّن.و الثانية:فالمال هين.
4- البيت الأول لابن المعتز.الديوان 424،و رواية صدره فيه:قالوا جننت بلا شكّ...
5- هذا البيت ليس في(ب)و لا في(ج).

*و قيل لآخر،و قد أقبل من بعض المقابر:من أين جئت؟فقال:من عنده هذه القافلة النازلة،قيل له:ما ذا قلت لهم؟و ما ذا قالوا لك؟قال:قلت لهم:متى ترحلون؟فقالوا:

حين تقدمون.

*و قال هو أو غيره:أجالس قوما إن حضرت لم يؤذوني،و إن غبت لم يغتابوني.

يعني الموتى.

*و كان بعضهم قد حفر لنفسه قبرا في بيته،و كان يدخل فيه،و يمتدّ مثل الميت، و يتذكّر الموت،و يعظ نفسه و يقول: رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]،ثم يقوم و يقول:قد رجعناك،فاعمل.

*و أنشد بعضهم:

تزوّد قرينا من فعالك إنّما قرين الفتى في القبر ما كان يعمل

ألا إنّما الإنسان ضيف لأهله يقيم قليلا عندهم ثم يرحل

*و أنشد آخر:

وقفت على التّوباذ (1)حين رأيته فكبّر للرّحمن حين رآني

فقلت له أين الذين عهدتهم حواليك في أمن و حفظ زمان

فقال مضوا و استودعوني رحالهم و من ذا الذي يبقى على الحدثان

*و ذكر بعض العلماء الأئمة في بعض مصنفاته،أنّ يونس عليه السلام قال لجبريل صلوات اللّه عليه:دلّني على أعبد أهل الأرض،فأتى به على رجل قد قطع الجذام يديه و رجليه،و هو يقول:متّعتني بهما حيث شئت،و سلبتهما حيث شئت،و أبقيت لي فيك الأمل يا بارّ يا وصول.فقال يونس:يا جبريل،سألتك أن تريني صوّاما و قوّاما.فقال:قد كان قبل البلاء هكذا،و قد أمرت أن أسلبه بصره،فأشار إلى عينيه،فسالتا،فقال:متّعتني بهما حيث شئت،و سلبتهما حيث شئت،و أبقيت لي فيك الأمل،يا بارّ يا وصول.فقال جبريل:هلم تدعو و ندعو معك،و يردّ اللّه عليك يديك و رجليك و بصرك،و تعود إلى العبادة التي كنت عليها.فقال:ما أحبّ ذلك.فقال:و لم؟قال:إذا كانت محبّته فين.

ص: 89


1- التّوباذ:جبل بنجد.معجم البلدان.

هذا،فمحبّته أحبّ إليّ.فقال يونس:ما رأيت أحدا أعبد من هذا.فقال جبريل:هذا طريق لا يوصل إلى رضا اللّه سبحانه بشيء أفضل منه (1).

*و أنشدوا:

قالت لطيف خيال زارها و مضى باللّه صفه و لا تنقص و لا تزد

فقال خلّيته لو مات من ظمأ و قلت قف عن ورد الماء لم يرد

قالت صدقت الوفا في الحبّ عادته يا برد ذاك الذي قالت على كبدي

*و دخلوا على سويد بن منعة،و قد أضني على فراشه،فلولا أنّ امرأته كلّمته ما علموا أنّ تحت الثوب أحدا،فقال:و اللّه،ما أحبّ أنّ اللّه فيه نقصني (2)منه قلامة ظفر.

*و دخلوا على عابد،و هو على سرير مثقوب،و روحه في بعض بدنه،فقالوا له:كيف أصبحت؟قال:أصبحت من ملك الدنيا منقطعا إلى اللّه سبحانه و تعالى،ما لي إليه حاجة،إلاّ أن يتوفّاني على الإسلام.

*و دخلوا على عابد آخر مبتلى،كلّ عضو منه يألم على حدته،فسألوه عن وجعه، فقال:أحبّه إليّ أحبّه إلى اللّه عزّ و جلّ.

*و أنشدوا:

تفيض نفوس بأوصابها (3) و تكتم عوّادها ما بها

و ما أنصفت مقلة تشتكي إلى غير أحبابها ما بها

*و قال سمنون المحبّ رضي اللّه عنه:ذهب المحبّون بشرف الدّنيا و الاخرة، لقوله صلى اللّه عليه و سلم:«المرء مع من أحب» (4).ر.

ص: 90


1- روض الرياحين 381(الحكاية 336).
2- في(ب):يقضني،و في(ج):يقضيني.
3- في هامش(أ):الوصب الألم و الوجع،و هو التعب و المشقّة.
4- رواه البخاري 557/10(6168)في الأدب،باب علامة حب اللّه عز و جل،و مسلم(2640)في البر و الصلة،باب المرء مع من أحب،و الترمذي 545/5(3535)في الدعوات،باب:في فضل التوبة و الاستغفار.

*و قال الشيخ العارف أبو سعيد الخرّاز (1):رأيت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في النوم،فقلت:

يا رسول اللّه،أعذرني،فإنّ محبّة اللّه شغلتني عن محبّتك.فقال:يا مبارك،من أحبّ اللّه فقد أحبّني.

*و قيل:أوحى اللّه تعالى إلى داود عليه السلام:يا داود،كذب من ادّعى محبّتي،إذا جنّة الليل نام عنّي.

*و أنشد بعض المحبين:

نهاري نهار النّاس حتّى إذا بدا لي اللّيل هزّتني إليك المضاجع

أقضي نهاري بالحديث و بالمنى و يجمعني و الهمّ باللّيل جامع

(2) *و قيل:من أنس باللّه استوحش من كلّ شيء،و أنس به كلّ شيء،و من خاف اللّه لم يخف من كلّ شيء،و خافه كلّ شيء.

*و قال إبراهيم الخواص رضي اللّه عنه:كنت في البادية مرة،فسرت في وسط النهار، فوصلت إلى شجرة،فنزلت تحتها،فإذا بسبع عظيم أقبل،فاستسلمت،فلمّا قرب منّي إذا هو يعرج،فهمهم،و برك بين يدي،و وضع يده في حجري،فنظرت فإذا يده منتفخة،فيها قيح و دم،فأخذت خشبة،و شققت الموضع الذي فيه القيح،و شددت على يده خرقة، و مضى،فإذا أنا به بعد ساعة معه شبلان يبصبصان (3)لي،و حملا إليّ رغيفين (4).

*قلت:و سألت بعض الإخوان الصالحين المنقطعين في البراري،فقلت له:كيف كان حالك مع الأسود؟فقال:ألبست هيبة اللّه تعالى،فكنت أسد الأسود،و كانت إذ رأتني هربت.).

ص: 91


1- أبو سعيد الخراز أحمد بن عيسى شيخ الطائفة،و إمام القوم في كل فن،قيل إنه أول من تكلم في علم الفناء و البقاء،كان يقال:الخراز قمر الصوفية،له تصانيف في علوم القوم.مات سنة 277، و قيل غير ذلك.طبقات المناوي 510/1.
2- البيتان لمجنون ليلى.الديوان صفحة 185،جمع و تحقيق و شرح عبد الستار أحمد الفراج.
3- بصبص:حرك ذنبه و تملّق.
4- روض الرياحين 318(الحكاية:267).

*و أنشدوا في هذا المعنى:

هم الأسد ما الأسد الأسود تهابهم (1) و ما النمر ما أظفار فهد و نابه

و ما الرّمي بالنشّاب،ما الطّعن بالقنا و ما الضرب بالماضي الكمي ما ذبابه

من اللّه خافوا لا سواه فخافهم سواه جمادات الورى و دوابه

لهم همم للقاطعات قواطع لهم قلب أعيان المراد انقلابه

أولئك هم أهل الولاية نالهم من اللّه فيها فضله و ثوابه

و قرب و أنس و اجتلاء معارف و وارد تكليم يلذّ خطابه

و أسرار غيب عندهم علم كشفها و قد سكروا ممّا يطيب شرابه

عليهم من الرّحمن أزكى تحية و أفضل رضوان و لا زال بابه

مدى الدّهر مفتوحا لإكرام وافد به أقبلت تفري الفيافي ركابه

و لا زال ذاك القرب و الأنس و الصّفا و لا حال من دون الحبيب حجابه

*و قال بعضهم:كنت عند ذي النون المصري،فتذاكرنا المحبّة،فقال ذو النون:كفّوا عن هذه المسألة؛لا تسمعها النّفوس فتدّعيها،ثم أنشأ يقول:

الخوف أولى بالمسيء إذا تألّه و الحزن

و الحبّ يجمل بالتّقيّ و بالنّقيّ من الدّرن

*و قال أبو القاسم الجنيد رضي اللّه عنه:دفع إليّ السّريّ (2)رقعة،و قال:هذه خير لك من سبع مائة قصة (3)،و كذا و كذا،فإذا فيها:

و لمّا ادّعيت الحبّ قالت كذبتني فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا

فما الحبّ حتّى يلصق الجلد بالحشا و تذبل حتّى لا تجيب مناديا

و تنحل حتّى لا يبقّي لك الهوى سوى مقلة تبكي بها و تناجيا

(4)ن.

ص: 92


1- المثبت في روض الرياحين 320(الحكاية:270):هم الأسد ما الأسد إلا تهابهم.
2- السري بن المغلس السقطي من كبار المتصوفة،أول من تكلم في بغداد بلسان التوحيد و أحوال الصوفية،و كان إمام البغداديين و شيخهم في وقته،و هو خال الجنيد.توفي ببغداد سنة 253 ه.
3- في(ج):فضة.
4- الأبيات لمجنون ليلى.انظر الديوان.

*و قال بعضهم:سمعت سمنونا و هو جالس في المسجد يتكلّم في المحبّة،إذ جاء طير صغير قرب منه،ثم قرب،فلم يزل يدنو حتى جلس على يده،ثم ضرب بمنقاره إلى الأرض حتى سال منه الدّم،ثم مات.

*و تكلّم يوما في المحبّة أيضا فتكسّرت قناديل المسجد كلّها.

*و قال بعضهم عند توديعه لبعض الفقراء:إذا رأيت محزونا،فأقرئه منّي السلام.

*و قال سفيان الثوري:أعزّ الخلق خمسة أنفس:عالم زاهد،و فقيه صوفي،و غنيّ متواضع،و فقير شاكر،و شريف سنّي.

*و قال سهل بن عبد اللّه:خمسة أشياء من جواهر النفس:فقير يظهر الغنى،و جائع يظهر الشّبع،و محزون يظهر الفرح،و رجل بينه و بين رجل عداوة فيظهر له المحبة-يعني عداوة في الدّنيا لا في الدين-و رجل يصوم بالنهار و يقوم بالليل،و لا يظهر ضعفا.

*و قال أبو نصر السّرّاج (1):النّاس في الأدب على ثلاث طبقات:أمّا أهل الدنيا فأكثر آدابهم في الفصاحة و البلاغة،و حفظ العلوم،و أسماء الملوك،و أشعار العرب.و أمّا أهل الدّين فأكثر آدابهم في رياضات النفوس،و تأديب الجوارح،و حفظ الحدود،و ترك الشهوات.و أمّا أهل الخصوصية،فأكثر آدابهم في طهارة القلوب،و مراعاة الأسرار، و الوفاء بالعهود،و حفظ الوقت،و قلّة الالتفات إلى الخواطر،و حسن الأدب في مواقف الطلب،و أوقات الحضور،و مقامات القرب (2).

*و قال بعضهم:كان عندنا بمكّة فتى عليه أطمار (3)رثّة،و كان لا يداخلنا و لا يجالسنا،فوقع محبّته في قلبي،ففتح لي بمائتي درهم من وجه حلال،فحملتها إليه، و وضعتها على طرف سجّادته،و قلت له:إنه فتح لي ذلك من وجه حلال،فاصرفها في بعض حوائجك.فنظر إليّ شزرا،ثم قال:اشتريت هذه الجلسة مع اللّه على الفراغ بسبعين ألف دينار غير الضياع و المستغلاّت،تريد أن تخدعني عنها بهذه،و قام و بدّدها،و قعدتف.

ص: 93


1- عبد اللّه بن علي الطوسي،أبو نصر السراج،زاهد،شيخ الصوفية على طريقة السنة،له أشهر كتب التصوف«اللمع»توفي سنة 378 ه.
2- روض الرياحين صفحة 48.
3- في هامش(ج):الأطمار جمع طمر بالكسر،الثوب البالي من غير الصوف.

ألتقط،فما رأيت كعزّه حين مرّ،و لا كذلّي حين كنت ألتقطها.

*و قال بعضهم:لو سقط من السماء قلنسوة،ما وقعت إلاّ على رأس من لا يريدها.

*و قال إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه:طلبنا الفقر،فاستقبلنا الغنى،و طلب النّاس الغنى فاستقبلهم الفقر.

*و قال الجنيد:الشّكر أن لا تستعين بشيء من نعم اللّه على معاصي اللّه.

*و قال:إذا خالفت النّفس هواها،صار داءها دواؤها.

*و قال:من أراد أن يسلم له دينه،و يستريح بدنه،فليعتزل الناس،فإن هذا زمان وحشة،فالعاقل من اختار فيه الوحدة.

*و قال الشيخ العارف أبو بكر الشبلي رضي اللّه عنه:الزم الوحدة،و امح اسمك عن القوم،و استقبل الجدار حتى تموت.

*و قال السيد الجليل الإمام داود الطائي (1)رضي اللّه عنه:صم عن الدّنيا،و اجعل فطرك الموت،و فرّ من الناس كفرارك من الأسد.

*و قال بعضهم:الأخيار يشغلونك،و الأشرار يضلّونك (2).

*و ذكر الإمام أبو حامد الغزالي رضي اللّه عنه:أنّه أدرك بعض الشيوخ بمكّة لا يحضر الصلاة في المسجد الحرام،قال:فسألته عن سبب تخلّفه،فذكر كلاما معناه:أنّه يدخل عليه في خروجه من الضّرر أكثر ممّا يدخل عليه من النفع.

قلت:و كذلك كان سيدنا الشيخ نجم الدين الأصبهاني رضي اللّه عنه،يصلّي مدّة فوق جبل أبي قبيس (3)مقتديا بالإمام،مقلّدا لبعض المذاهب (4).قه

ص: 94


1- داود بن نصير الطائي،من أئمة المتصوفة،مولده في الكوفة،و رحل إلى بغداد،فأخذ عن أبي حنيفة و غيره،و عاد للكوفة،فاعتزل الناس،و لزم العبادة إلى أن مات سنة 165 ه.
2- في(ب)و المطبوع:يقتلونك.
3- أبو قبيس:اسم الجبل المشرف على مكة.معجم البلدان.
4- اشترط الجمهور-خلا المالكية-لصحة الاقتداء اتحاد مكان صلاة الإمام و المقتدي برؤية أو سماع أو مبلغ،فلو اختلف مكانهما لم يصح الاقتداء.قالت المالكية:لا يشترط هذا الشرط،فاختلاف مكان الإمام و المأموم لا يمنع صحة الاقتداء،و وجود حائل من نهر أو جدار لا يمنع الاقتداء.الفقه

و كذلك أدركت سيدنا الشيخ أبا هادي المغربي رضي اللّه عنه يصلّي كذلك في جبال مكّة مقتديا بإمام الجماعة،فأنكر عليه أناس،فكان يقول إذا جئت إليه:ما يقول هؤلاء المتعوبون (1)..

و حكايات المشايخ في ذلك تطول،و كذلك العلماء منهم الإمام الغزالي كان معتزلا إحدى عشرة سنة،منها سنتان في منارة مسجد دمشق.

و أدركت منهم في بلاد اليمن غير واحد يصلّون الفرائض في بيوتهم،و بعضهم مع ذلك يدرّس العلم في بعض الأوقات.و هم من أكابر العلماء الأولياء.

و على الجملة؛فقد قال الشيوخ المقتدى بهم:من وجد قلبه في مكان،أو شيء مخصوص فليلزمه،و في ذلك قلت:

فلازم مكانا حين تعتزل الورى إذ القلب مجموع و صدرك يشرح

فقد قال أشياخ الطّريقة من يجد بخلوته جمعا فلا قطّ يبرح

و كم عالم قد كان يعتزل الورى و يلقي علوما بعد وقت و يشرح

و في مثل هذا الوقت جاءت صحيحة أحاديث في مدح اعتزال تصرّح

(2)».

ص: 95


1- الضبط من(أ)و(ج).
2- جاء في هامش(ج): عن أبي سعيد رضي اللّه عنه قيل:يا رسول اللّه،أيّ الناس أفضل؟قال:«مؤمن مجاهد بنفسه و ماله في سبيل اللّه»قيل:ثم من؟قال:«رجل في شعب من الشعاب،يتقي اللّه،و يدع الناس من شره»أخرجه الشيخان. و عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أ لا أخبركم بخير الناس؟رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل اللّه،أ لا أخبركم بالذي يتلوه؟رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حقّ اللّه تعالى فيها.أ لا أخبركم بشرّ الناس؟رجل يسأل باللّه فلا يعطي»أخرجه مالك،و الترمذي،و النسائي. و عن عيسى بن واقد قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إذا كانت سنة ست و ثمانين و مائة أحللت لأمّتي الغربة و الترهّب في رءوس الجبال»أخرجه رزين.عن«التيسير». و روى رزين عن عبد الواحد مرفوعا قال:«صلاة الرجل في الفلاة إذا أتمّها تضاعف على صلواته في الجماعة بمثلها».عن«التيسير».

و ينبغي للمعتزل أن يحرص على حضور الصلوات في الجماعات،فإن تضرّر بالخروج،فليلتمس إنسانا يصلّي معه في الخلوات،و لا يصلّي وحده؛فتفوته الفضائل العظيمة،و الدرجات العاليات.

*و قال السيد الجليل الإمام سفيان الثوريّ رضي اللّه عنه:من خالط النّاس داراهم، و من داراهم راآهم،و من راآهم وقع فيما وقعوا،فهلك فيما هلكوا.

*و عنه أنه قال:و اللّه الذي لا إله إلاّ هو،لقد حلّت العزلة في زماننا هذا.

*و قال بعض العارفين بعده:إن كانت حلّت في زمانه،فقد وجبت في زماننا.

*و قال يحيى بن معاذ الرّازي:ليكن بيتك الخلوة،و طعامك الجوع،و حديثك المناجاة،فإمّا أن تموت بدائك،أو تصل إلى دوائك.

*و أنشد بعضهم:

سألت طبيبي عن دوائي فقال لي تموت فتنجو أو تعيش فتحزنا

فإن متّ من و جدي ظفرت بجنّتي و إن عشت محزونا كتبتك محسنا

كذا سيرتي في أهل ودّي و صفوتي فإن كنت مشغوفا تأهّب لقربنا

فقلت مليكي ليس لي ما أريده فجد لي بما يرضيك يا غاية المنى

*و قال الشيخ العارف أبو بكر الورّاق (1)رضي اللّه عنه:وجدت خير الدّنيا و الاخرة في الخلوة و القلّة،و شرّهما في الكثرة و الاختلاط.

*و قال بعضهم:أعزم على أمور من أفعال الخير،فإذا خرجت إلى الناس حلّوا عزائمي عقدة عقدة حتى لا يبقى منها شيء.

*و قال آخر:إذا أراد اللّه أن ينقل العبد من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة آنسه بالوحدة، و أغناه بالقناعة،و بصّره عيوب نفسه.فمن أعطي ذلك فقد أعطي خير الدّنيا و الاخرة.1.

ص: 96


1- أبو بكر الوراق محمد بن عمر الحكيم،أصله من ترمذ،و أقام ببلخ،له كتب في أنواع الرياضات و المعاملات و الآداب،أسند الحديث،لقي أحمد بن خضرويه و صحبه.طبقات الصوفية للسّلمي 221.

*و قال الفضيل بن عياض رضي اللّه عنه:جعل الشرّ كلّه في بيت،و جعل مفتاحه حبّ الدنيا،و جعل الخير كلّه في بيت،و جعل مفتاحه الزهد.

*و أنشد بعضهم (1):

أنست بوحدتي و لزمت بيتي فطاب الأنس لي و صفا السّرور

(2) و أدّبني الزّمان فلا أبالي هجرت فلا أزار و لا أزور

و لست بسائل ما عشت يوما (3) أ سار الجند أم ركب الأمير

*و قال الشيخ أبو عثمان المغربي (4)رضي اللّه عنه:من اختار الخلوة على الصّحبة، ينبغي أن يكون خاليا من جميع الأذكار إلاّ ذكر ربّه،خاليا من جميع الإرادات إلاّ رضا ربّه،خاليا من مطالبة النّفس من جميع الأسباب،فإن لم يكن بهذه الصفة فإنّ خلوته توقعه في فتنة أو بلية.

*و قال شيخ الطريقة و لسان الحقيقة أبو الحسن الشاذلي رضي اللّه عنه:اهرب من خير الناس أكثر ممّا تهرب من شرّهم،فإنّ خيرهم يصيبك في قلبك،و شرّهم يصيبك في بدنك،و لأن تصاب في بدنك خير لك من أن تصاب في قلبك،و لعدوّ تصل به إلى اللّه خير لك من صديق يقطعك عن اللّه،فعدّ إقبالهم عليك ليلا،و إدبارهم عنك نهارا،أ لا تراهم إذا أقبلوا فتنوا؟ *و قال رضي اللّه عنه:جعت مرة ثمانين يوما،فظننت أنّه قد حصل لي نصيب من الأنس باللّه تعالى،فخرجت امرأة من مغارة (5)،كأنّ وجهها ضياء الشمس حسنا،و قالت لي:منحوس،منحوس جاع ثمانين يوما و أخذ يدلّ على اللّه تعالى بعمله،و ها أنا منذ ستة أشهر لم أذق شيئا.ة.

ص: 97


1- الأبيات للخليل بن أحمد،انظر الديوان صفحة 358.
2- رواية الديوان:و نما السرور.
3- رواية الديوان:ما دمت حيا.
4- أبو عثمان المغربي سعيد بن سلام من ناحية القيروان،أقام بالحرم مدة،و كان شيخه،كان الأوحد في طريقته و زهده،لم ير مثله في علو الحال و صحة الحكم بالفراسة،و قوة الهيبة،ورد نيسابور، و مات بها سنة 373.طبقات الصوفية 479.
5- في(أ)و(ج):مفازة.

*و قيل للفضيل بن عياض رضي اللّه عنه:إنّ ابنك عليا (1)يقول:وددت أنّي في مكان أرى النّاس من حيث لا يرونني،فبكى،و قال:يا ويح عليّ،ليته أتمها،فقال لا أراهم و لا يرونني.

*و قال رضي اللّه عنه في النوم:إذا أردت كذا و كذا فأذب هذه الشحمة،و فارق الخلق،يوصي بهذه الوصية،من ليست له همّة علية،و لا فيه قطّ رجولية،كذّاب خوّان، ذو إساءة بلا إحسان،يقول و لا يفعل،و يتعلّم و لا يعمل.

إلهي ها أنا العاصي خليّا من الإحسان حاو للمساوي

فلا فعلي لأقوالي مناسب و لا قولي لأفعالي مساوي

كذوبا خائنا لم أوف عهدا و لم أصدق بمضمون الدّعاوي

فسامح مذنبا و ارحم ضعيفا و آنس موحشا في القبر ثاوي

فقد عوّدتنا السّراء فضلا و عنّا أنت للضرّاء زاوي

لنا معروفك المعروف بحر به العطشان للغفران راوي

قلت:أوصي من حضر موتي أن يكتب هذه الأبيات،و يدفنها معي في القبر، و لا يكتب معها شيئا من القرآن الكريم،و سائر الأسماء الحسنى،و الأذكار صيانة لها عن النّجاسة في القبر من الصّديد و الدّود و غير ذلك.

*و للّه درّ الشيخ العارف ابن الفارض (2)رضي اللّه عنه حيث قال في بعض قصائده ما يناسب أحوالنا (3):م.

ص: 98


1- علي بن الفضيل بن عياض القانت للّه الخاشع،الرباني كبير الشأن،و بعضهم فضله على أبيه،مات قبل الكهولة سنة 174،روى الحديث،و خرّج له النسائي.طبقات المناوي 376/1.
2- عمر بن علي الفارض بن مرشد(576-632)الحموي،المصري المولد و الدار و الوفاة،سلطان العاشقين،كان أبوه يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحكام،فغلب عليه لقب الفارض، أخذ الحديث عن ابن عساكر،و اشتغل بفقه الشافعية،ثم حبب إليه طريق الصوفية،فتزهد و تجرد، و ذهب إلى مكة،فكان يصلي في الحرم،و يكثر العزلة في واد بعيد عن مكة،و في تلك الحال نظم أكثر شعره،و بعد خمسة عشر عاما عاد إلى مصر،و كان يعشق مطلق الجمال،اختلف في حاله كشأن ابن عربي.
3- ديوان ابن الفارض 134 من قصيدة مطلعها:هو الحب فاسلم.

رضوا بالأماني و ابتلوا بحظوظهم و خاضوا بحار الحبّ دعوى فما ابتلّوا

فهم في السّرى لم يبرحوا من مكانهم و ما ظعنوا في السّير عنه و قد كلّوا

فإن شئت أن تحيا سعيدا فمت به شهيدا و إلاّ فالغرام له أهل

هيهات هيهات،أين الكاذب من الصادق؟و أين المتخلّف من السابق؟ *روينا عن بعضهم أنّه سافر للحجّ على قدم التجريد،و عاهد اللّه تعالى أنّه لا يسأل أحدا شيئا،فلمّا كان في بعض الطريق مكث مدة لا يفتح عليه بشيء،فضعف عن المشي، ثم قال:هذا حال ضرورة،و قد قال اللّه سبحانه و تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:

195]،و إذا لم أسأل انقطعت عن القافلة،و هلكت،ثم عزم على السؤال،فلمّا همّ بذلك انبعث منه خاطر ردّه عن ذلك العزم،ثم قال:أموت و لا أنقض عهدا بيني و بين اللّه تعالى، فمرّت القافلة،و انقطع،و استقبل القبلة مضطجعا ينتظر الموت،فبينما هو كذلك إذا بفارس قائم على رأسه،معه إداوة (1)،فسقاه،و أزال ما به من الضّرورة،و قال له:أ تريد القافلة؟فقال:و أين منّي القافلة؟فقال له:قم،و سار معه خطوات،ثم قال له:قف هاهنا و القافلة تأتيك.فوقف،و إذا بالقافلة مقبلة من خلفه.حيّ اللّه أولئك الرجال،و نفعنا بهم (2).

*و قال بعض العارفين:الصادق تحت خفارة صدقه.يعني إذا ارتكب المهالك عن صدق،حماه صدقه عن الهلاك،و انقلب ذلك الهلاك نجاة بإذن اللّه تعالى.

*و من ذلك:قضية السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري (3)عند ما أمره شيخه أبو سليمان الدّاراني (4)أن يدخل في التنور،و فيه النار،بعد أن عاهده أن لا يخالفه في شيء، فدخله و مكث ساعة،ثم أمر الشيخ بإخراجه،فأخرج و لم يحترق منه شيء؛و ذلك لقوة.

ص: 99


1- في هامش(أ)و(ج):الإداوة بالكسر إناء صغير من جلد.
2- روض الرياحين 168(الحكاية 87)و الصفحة 553.
3- أحمد بن أبي الحواري ميمون من أهل دمشق،من بيت ورع و زهد،صحب الكثير من المشايخ، أسند الحديث،مات سنة 230 ه.طبقات الصوفية للسّلمي 95.
4- أبو سليمان الدارني عبد الرحمن بن عطية زاهد صالح عالم،سمع الحديث و رواه،مات بقريته التي نسب إليها داريا-جنوب دمشق ب 8 كم-سنة 215 ه.

يقينهم،و شدّة صدقهم،فهم المحبّون المحبوبون (1).

*و من ذلك أيضا:قضية أبي حمزة الخراساني،قال:حججت سنة من السنين،فبينما أنا أمشي إذ وقعت في بئر،فنازعتني نفسي أن أستغيث؛فقلت لها:لا و اللّه،لا أستغيث، فما استتمّ هذا الخاطر حتى مرّ برأس البئر رجلان،فقال أحدهما للآخر:تعال حتى نسدّ رأس هذا البئر،لئلا يقع فيه أحد،فأتوا بقصب و بارية (2)،و طمسوا رأس البئر،فهممت أن أصيح،ثم قلت في نفسي:إلى من هو أقرب منهما،فسكتّ،فبينما أنا بعد ساعة إذا بشيء جاء و كشف عن رأس البئر،و أدلى رجله،و كأنّه يقول تعلّق بي في همهمة (3)منه، كنت أعرف منه ذلك،فتعلّقت به،فأخرجني،فإذا هو سبع،فمرّ و هتف بي هاتف:يا أبا حمزة،أ ليس هذا أحسن؟نجّيناك من التّلف بالتّلف،فمشيت و أنا أقول:

نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى و أغنيتني بالفهم منك عن الكشف

تلطّفت في أمري فأبديت شاهدي إلى غائبي و اللّطف يدرك باللّطف

تراءيت لي بالغيب حتى كأنّما تبشّرني بالغيب أنّك في الكفّ

أراك و بي من هيبتي لك وحشة و تؤنسني باللّطف منك و بالعطف

و تحيي محبّا أنت في الحبّ حتفه و ذا عجب كون الحياة مع الحتف

(4) *و لمّا سعي بالصوفية إلى بعض الخلفاء،أمر بضرب رقابهم،فأمّا الجنيد فتستّر بالفقه،و كان يفتي على مذهب أبي ثور (5)،و أمّا الشحّام،و الرقّام،و النّوريّ فقبض عليهم،و بسط النّطع (6)؛لضرب رقابهم،فتقدّم النّوريّ،فقال السياف:أ تدري إلىم.

ص: 100


1- روض الرياحين 553.
2- البارية:الحصير المنسوج.
3- في هامش(أ):أصل الهمهمة صوت البقر،و تستعمل في كل كلام خفي.
4- روض الرياحين 189(الحكاية:117).
5- أبو ثور هو إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي أحد أئمة الدنيا فقها و علما و ورعا و خيرا،صنف الكتب،و فرّع على السنن.كان أولا يتفقه بالرأي و يتكلم فيه،و يذهب إلى قول أهل العراق حتى قدم الشافعي بغداد،فاختلف إليه،و رجع عن الرأي إلى الحديث.له مسائل في الفقه أغرب فيها. انظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 74/2.
6- في هامش(ج):النطع بالكسر،و الفتح،و بالتحريك،و كنعب:بساط من الأديم.

ما تبادر؟فقال:نعم.فقال:ما يعجلك؟فقال:أوثر أصحابي بحياة ساعة،فتحيّر السياف،و أنهى الأمر إلى الخليفة،فتعجّب الخليفة و من عنده من ذلك،و كان القاضي عنده،فاستأذن الخليفة أن يذهب إليهم ليبحث معهم،و يختبر حالهم،فأذن له الخليفة في ذلك،فأتاهم،و قال:يخرج إليّ واحد منكم،حتى أبحث معه.فخرج إليه النّوريّ رضي اللّه عنه،فألقى عليه القاضي مسائل فقيهة،فالتفت عن يمينه،ثم التفت عن يساره، ثم أطرق ساعة،ثم أجابه عن الكلّ،ثم أخذ يقول:و بعد؛فإنّ للّه عبادا إذا قاموا قاموا باللّه،و إذا نطقوا نطقوا باللّه،و سرد كلاما أبكى القاضي،ثم سأله القاضي عن التفاته.

فقال:سألتني عن المسائل،و لا أعرف لها جوابا،فسألت عنها صاحب اليمين،فقال:

لا علم لي،ثم سألت صاحب الشمال،فقال:لا علم لي،فسألت قلبي فاخبرني عن ربّي، فأجبتك بذلك،فأرسل القاضي إلى الخليفة:إن كان هؤلاء زنادقة (1)فليس على وجه الأرض مسلم (2).

*و سمع الشيخ أبو الحسين النّوريّ منشدا يقول:

ما زلت أنزل من ودادك منزلا تتحيّر الألباب دون نزوله

فتواجد،و هام في الصحراء،فوقع في أجمة (3)قصب،قد قطع و بقي أصوله مثل السيوف.فكان يمشي عليها،و يعيد البيت إلى الغداة،و الدّم يسيل من رجليه،ثم وقع مثل السكران،فورمت (4)قدماه،و مات رحمه اللّه.

*و أخبرني بعض الإخوان الصالحين،و هو الشيخ علي التّكروري (5)المدفون في القرافة (6)رحمه اللّه،و نفعنا ببركته:أنّه حضر في وقت ميعادا (7)و سمع،فورد عليه وارد، و لبث مدة يرى أنهارا من خمر يسقاها و لا يروى،و ليست من خمر الدنيا،رأى ذلك فيم.

ص: 101


1- في هامش(ج):الزنديق:بالكسر،الذي يبطن الكفر و يظهر الإيمان.
2- روض الرياحين 55.
3- في هامش(ج):الأجمة:محركة:الشجر الكثير الملتف جمعه أجم بالضم.
4- في(ج):فتورمت.
5- في هامش(ج):التكروري:نسبة إلى تكرور،بالضم،بلد بالمغرب.
6- جاء في هامش(ج)أيضا:القرافة كسحابة:مقبرة مصر،بها قبر الشافعي.
7- في هامش(أ)و(ج):الميعاد:مجلس ذكر و طعام.

اليقظة،ثم صار بعد ذلك يرى نورا،و كان حين يسقى يجد قوّة و أحوالا،لو لا أنّه يمسكه عند ذلك سبعة من الرّجال الأقوياء،لهام و رمى نفسه في المهالك،و حين رأى النور وجد ضعفا.

و سألني بعض الصالحين:أيّ الحالين أفضل؟فقلت:هذا شيء لم يبلغه حالي، فكيف أتكلّم في شيء لا أعرفه؟ (1).

*و أنشد بعضهم:

سقوني و قالوا لا تغنّ و لو سقوا جبال حنين ما سقوني لغنّت

*و روى بعضهم عن الشيخ المزيّن الكبير (2)،أنّه قال:كنت بمكّة،فوقع بي انزعاج، فخرجت أريد المدينة،فلمّا وصلت إلى بئر ميمون (3)،إذا بشابّ مطروح،و هو في النزع، فقلت:لا إله إلا اللّه،ففتح عينيه،و أنشأ يقول:

أنا إن متّ فالهوى حشو قلبي و بداء الهوى يموت الكرام

ثم مات.قال:فغسّلته،و كفّنته،و صلّيت عليه،فلمّا فرغت من دفنه،سكن ما كان بي من إرادة السفر،فرجعت إلى مكّة (4).

*و قال الشيخ أبو بكر الكتّاني رضي اللّه عنه:جرت مسألة بمكّة أيام الموسم في المحبّة،فتكلّم الشيوخ فيها،و كان الجنيد أصغرهم،فقالوا:هات ما عندك يا عراقي.

فأطرق رأسه،و ذرفت عيناه،ثم قال:[المحبّ]عبد ذاهب عن نفسه،متّصل بذكر ربّه، قائم بأداء حقوقه،ناظر إليه بقلبه،أحرق قلبه أنوار هيبته (5)،و صفا شربه من كأس ودّه، و انكشف له الجبار من أستار غيبه،فإن تكلّم فباللّه،و إن نطق فمن اللّه،و إن تحرّكه.

ص: 102


1- روض الرياحين 387(الحكاية 345).
2- أبو جعفر المزين الكبير،جاور الحرم سنين و مات به،كان مجتهدا متعبدا،و كان من أورع القوم، و أكملهم حالا،توفي سنة 328.انظر الطبقات الصغرى للمناوي 116،و سير أعلام النبلاء 232/15.
3- بئر ميمون بأعلى مكة منسوب لمن حفره،عنده قبر أبي جعفر المنصور.و في الأصول ميمونة، و المثبت من معجم البلدان.
4- روض الرياحين 164(الحكاية 82).
5- في(ج):أنوار حكمته.

فبأمر اللّه،و إن سكن فمع اللّه،فهو باللّه و للّه و مع اللّه.فبكى الشيوخ،و قالوا:ما على هذا مزيد،جبرك اللّه،يا تاج العارفين (1).

*و أنشد بعضهم:

أنعي إليك قلوبا طالما هطلت سحائب الوحي فيها أبحر الحكم

*و قيل لعبد اللّه بن سعيد بن كلاّب (2):أنت تتكلّم على كلام كلّ واحد،و هاهنا رجل يقال له الجنيد،فانظر هل تعترض عليه أم لا؟فحضر حلقته،فسأل الجنيد عن التوحيد، فأجابه،فتحيّر عبد اللّه،و قال:أعد عليّ ما قلت،فأعاده و لكن لا بتلك العبارة،فقال عبد اللّه:هذا شيء آخر لم أحفظه،فأعده عليّ مرّة أخرى،فأعاده بعبارة أخرى،فقال عبد اللّه:ليس يمكنني حفظ ما تقول،فأمله علينا.فقال:إن كنت أجريه فأنا أمليه،فقام عبد اللّه،و قال بفضله،و اعترف بعلوّ شأنه (3).

*و اجتاز أبو العباس بن سريج (4)الفقيه الإمام،الشافعيّ المذهب،الملقّب بالباز الأشهب (5)بمجلس الأستاذ الإمام العارف بحر المعارف أبي القاسم الجنيد رضي اللّه عنهما،فسمع كلامه،فقيل له:ما تقول في هذا؟فقال:لا أدري ما أقول،و لكني أرى لهذا الكلام صولة،ليست بصولة مبطل.و ما مات ابن سريج حتى اعتقد الصّوفية، و استحسن طريقتهم.

*و قال بعضهم:حضرت مجلس أبي العباس بن سريج،فتكلّم في الفروع و الأصولت.

ص: 103


1- روض الرياحين 178(الحكاية:100).
2- عبد اللّه بن سعيد بن كلاّب،أبو محمد القطان،متكلم من العلماء،له كتب منها:خلق الأفعال، و الصفات،و الرد على المعتزلة،مات سنة 245 ه.و كلاّب لقّب به لأنه كان يجتذب الناس إلى معتقده إذا ناظر عليه كما يجتذب الكلاب الشيء.
3- روض الرياحين 54.
4- في(ب)و(ج):شريج.
5- أحمد بن عمر سريج القاضي أبو العباس(249-306)فقيه الشافعية،له نحو 400 مؤلف،ولي القضاء بشيراز،و قام بنشر المذهب الشافعي في الآفاق،و قيل:منّ اللّه بابن سريج في المائة الثالثة فنصر السنن و خذل البدع،و كان حاضر الجواب،له مناظرات و مساجلات.

بكلام حسن،أعجبت منه،فلمّا رأى إعجابي قال:لا تعجب،أ تدري من أين هذا؟هذا من بركة مجالستي أبا القاسم الجنيد.

*و ذكر الجنيد أنّ شيخه العارف باللّه السريّ رضي اللّه عنهما،كان يقول له:تكلّم على الناس،قال الجنيد:و كان في قلبي حشمة (1)من الكلام على الناس،و كنت أتّهم نفسي في استحقاق ذلك،فرأيت النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم في المنام في ليلة جمعة،فقال لي:تكلّم على الناس.

فانتبهت،و أتيت باب السّريّ قبل أن أصبح،فدققت عليه الباب.فقال:لم تصدّقنا حتّى قيل لك.فقعد للنّاس في الجامع بالغداة،و انتشر في الناس أنّ الجنيد قد قعد يتكلّم على الناس،فوقف عليه غلام نصرانيّ متنكّر،و قال:أيّها الشيخ،ما معنى قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:

«اتّقوا فراسة (2)المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه»؟ (3)،فأطرق الجنيد ثم رفع رأسه،و قال:

أسلم؛فقد حان وقت إسلامك،فأسلم الغلام (4).

*و روي أنّ النّجيب بن النجيب أبا المعالي إمام الحرمين (5)رضي اللّه عنه،كان يدرّس يوما في المسجد بعد صلاة الصّبح،فمرّ عليه بعض شيوخ الصوفية،و معه أصحابه من الفقراء،و قد دعوا إلى بعض المواضع،فقال إمام الحرمين في نفسه:ما شغل هؤلاء إلاّ الأكل و الرقص.فلمّا رجع الشيخ من الدعوة مرّ عليه،و قال:يا فقيه،ما تقول فيمن يصلّي الصّبح و هو جنب،و يقعد في المسجد و يدرّس العلوم،و يغتاب الناس؟فذكر إمامة.

ص: 104


1- في(أ)و(ج):الحشمة بالكسر:الحياء.
2- جاء في هامش(أ):الفراسة نوعان:أحدهما ما يوقع في قلوب أوليائه،فيعلمون بعض للآخر، بنوع كرامة و إصابة الظنّ و الحدس،و منه«اتقوا فراسة المؤمن،فإنه ينظر بنور اللّه».و الثاني يتعلم بالدلائل و التجارب و الخلق و الأخلاق.
3- رواه الترمذي(3127)في التفسير،باب و من سورة الحجر،و في سنده عطية العوفي،و هو ضعيف.
4- روض الرياحين 210(الحكاية:132).
5- عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف الجويني،أبو المعالي،ركن الدين الملقب بإمام الحرمين (419-478 ه)أعلم المتأخرين،من أصحاب الشافعي،جاور في مكة أربع سنين،ثم ذهب إلى المدينة،فأفتى و درّس جامعا طرق المذاهب،ثم عاد لبلده نيسابور،فكان يحضر دروسه أكابر العلماء،له مصنفات كثيرة.

الحرمين أنّه كان عليه غسل،ثم حسن اعتقاده بعد ذلك في الصوفية (1).

*و بلغنا أنّ الشيخ العارف باللّه المشهور الفقيه الإمام الورع المشكور شمس الزمن، و مفتي اليمن،ذا السيرة الحميدة،و المجد الأثيل،أحمد بن موسى بن العجيل (2)رضي اللّه عنه،و نفعنا به،سئل عن سماع الصوفية،فقال:إن أبحته فلست من أهله،و إن أنكرته فقد سمعه من هو خير منّي.

*و جاء جماعة من فقهاء اليمن إلى الشيخ بحر الحقائق،و موضح الدقائق،أبي الغيث بن جميل (3)قدّس اللّه روحه و نفع به،يمتحنونه في شيء،فلمّا دنوا منه قال:مرحبا بعبيد عبدي.فاستعظموا ذلك،و رجعوا،فلقوا شيخ الطّريقين،و إمام الفريقين،أبا الذّبيح إسماعيل بن محمد الحضرمي (4)رضي اللّه عنه،فأخبروه بما قال الشيخ أبو الغيث لهم، فضحك و قال:صدق،أنتم عبيد الهوى.و الهوى عبده (5).

*و كان الشيخ أبو الغيث المذكور أميّا،و يحضر مجلسه فقهاء البلاد يمتحنونه بالمسائل الدّقيقة،فيجيبهم.

*و قال له الفقراء في بعض الأيام:نشتهي اللّحم.فقال:اصبروا إلى اليوم الفلاني، و كان يوم سوق تأتيه القوافل،فلمّا جاء ذلك اليوم جاء الخبر أنّ قطاع الطريق أخذوا القافلة،ثم جاء بعض القطّاع الحرامية بحبّ،و جاء آخر منهم بثور،فقال الشيخ للفقراء:

تصرّفوا فيه.فتصرّفوا،و أحضروا العيش،فتنحّى الفقهاء،فدعاهم الفقراء للأكل، فامتنعوا،فقال الشيخ للفقراء:كلوا،الفقهاء ما يأكلون الحرام.فلمّا فرغوا من الأكل جاء5.

ص: 105


1- روض الرياحين 54.
2- أحمد بن موسى بن عجيل اليمني الفقيه الزاهد المجمع على إمامته و ولايته،كان عارفا بالفقه و الأصول،و النحو و الحديث و التصوف،و كان ذا كرامات كثيرة،توفي سنة 690.طبقات الصوفية للمناوي 380/2.
3- أبو الغيث بن جميل الملقب بشمس الشموس اليمني أصله من قطاع الطرق،تاب و صلح حاله، و ظهرت على يديه كرمات و خوارق للعادات،كثر أتباعه و مال إليه جمع كبير،مات بقرب بيت عطا في اليمن سنة 651 ه.طبقات الصوفية للمناوي 361/2.
4- إسماعيل بن محمد بن علي الحضرمي قطب الدين،زاهد صوفي واصل من فقهاء الشافعية،مولده و وفاته في قرية قرب زبيد باليمن،ولي قضاء الأقضية،له مصنفات جمّة،توفي سنة 676 ه.
5- روض الرياحين 55.

إنسان إلى الشيخ،و قال:يا سيدي،نذرت للفقراء كذا و كذا من الحبّ،فأخذه الحراميّة.

و جاء آخر إليه أيضا،و قال:نذرت للفقراء ثورا،فنهب.فقال لهما الشيخ:قد وصل إلى الفقراء متاعهم.فبقي الفقهاء يضربون يدا على يد متندمين على ترك موافقة الفقراء (1).

*و كان الشيخ رضي اللّه عنه ينكر السّماع (2)،و يقاتل من يتعاطاه في أوّل أمره،ثم رجع عن ذلك في الآخر،و سببه أنّه قدم عليه بعض المشايخ الكبار في جمع من الفقراء، عازمين على أن يدخلوا عليه قريته بالسّماع،فأمر أهل قريته أن يخرجوا لقتالهم بالعيدان، و خرج معهم،فلمّا تقاربوا،و القادمون في حال السماع،أخذه حال،و صار يدور كما يدور أهل السماع الواجدون،فتعجّب أصحابه منه،و كلّموه في ذلك،فقال:و عزّة من له العزّة،ما درت حتى رأيت السماء دارت (3).

*و أنشدوا (4):

يرنّحني إليك الشّوق حتّى أميل من اليمين إلى الشّمال

كما مال المعاقر عاودته حميّا الكأس حالا بعد حال

و يأخذني لذكراك ارتياح كما نشط الأسير من العقال

*و كان هذا الشيخ رضي اللّه عنه صبّاغا،أعني يصبغ النّاس،و ينقلهم من الصّفات الدّنية إلى الصفات السّنية.

*روي أنّه وقفت بين يديه مغنية،فغشيت و وقعت،فلمّا أفاقت،طلبت التوبة و صحبة الفقراء،و كانت من المترفات المترعّنات (5)،فقال لها الشيخ:إنّا نذبحك،أ تصبرين على الذبح؟فقالت:نعم.فأمرها أن تسقي الماء للفقراء.فمكثت ستّة أشهر تحمل الماء على ظهرها،قد تبذّلت و تبدّلت عن حالها الأول.ثم قالت للشيخ:إنّي قد اشتقت إلى ربّي.

فقال لها الشيخ:يوم الخميس تلقين ربّك.فماتت يوم الخميس رحمها اللّه (6).).

ص: 106


1- روض الرياحين 364(الحكاية:316).
2- في هامش(ج):السماع كلّ ما يستلذه الإنسان من صوت حسن طيب.
3- روض الرياحين 328(الحكاية:279).
4- الأبيات للشريف الرضي.انظر الديوان صفحة 423.
5- في هامش(أ):الرعونة ضد الخشونة،أي المنعّمات.
6- روض الرياحين 364(الحكاية:316).

*و من كلام هذا الشيخ المذكور:أهل الحضرة على أربعة أقسام:رجل خوطب فصار كلّه أذنا،و رجل أشهد فصار كلّه عينا،و رجل مصطلم تحت أنوار التجلّي،و الرابع لسان حال الشفاعة،و هو أكمل.

*و أنشد بعض السادات الأولياء،الأكابر الفضلاء،من أهل اليمن لمّا ذكر بعض الناس بين يديه مشايخ«الرسالة»معظما لهم،في معرض التعريض،بخمول ذكر شيوخ اليمن:

ألا قل لساري اللّيل لا تخش ضلّة سعيد بن سلم ضوء كلّ بلاد

لنا سيّد أربى على كلّ سيد جواد حثا في وجه كلّ جواد

و قيل:أراد الشيخ أبا الغيث،أنشدني البيتين المذكورين بعض علماء اليمن.

*و من المشهور ما سمعنا،و رواه الكبار من الشيوخ عن الشيخ الكبير العارف الربّاني، المربي عيسى المعروف بالهتار اليمني (1)،أنّه مرّ يوما على امرأة بغيّ،فقال لها:بعد العشاء آتيك.ففرحت بذلك و تزيّنت،و تعجّب من سمع منه ذلك،فلمّا كان بعد العشاء دخل عليها،فصلّى ركعتين في البيت،ثم خرج،فقالت له:أراك خرجت!فقال:حصل المقصود.فتمزّقت عن حالها،و خرجت بعد الشيخ تائبة،و خرجت عن كلّ ما تملكه، فزوّجها الشيخ لبعض الفقراء،و قال:اعملوا الوليمة عصيدة (2)،و لا تشتروا لها إداما.

ففعلوا ذلك،و أحضروه،فذهب إنسان إلى أمير رفيق لتلك المرأة،فقال له:فلانة تابت.

فقال:إيش تقول؟قال:إي و اللّه تابت،و قد تزوّجها بعض الفقراء،و أولموا بعصيدة، و قد أحضروها،و ما معهم إدام.فأخرج له قارورتين فيهما خمر،و قال:اذهب بهما إلى الشيخ،و سلّم عليه،و قل له:سرّني ما سمعت،و بلغني أن ما عندكم إدام للوليمة،فخذوا هذا تأدّموا به.و أراد يستهزئ بالفقراء و يفضحهم،فلمّا دنا رسول الأمير من الشيخ،قالخ.

ص: 107


1- عيسى بن إقبال الهتار أحد مشايخ اليمن الكبار،برع في حل المشكلات من المسائل،كان صاحب أحوال و مقامات عوال،و مكاشفات و كرامات،مات سنة 606 ه عن 160 سنة،و قيل بل 200، و قيل 300.طبقات الصوفية للمناوي 510/2.
2- في هامش(أ):العصيدة دقيق يعصد-يلتّ-بسمن و يطبخ.

له:أبطأت.ثم تناول إحدى القارورتين منه،و خضّها (1)،ثم صبّها على العيش،ثم كذلك فعل بالأخرى،ثم قال للرسول:اجلس،فكل.قال الرسول:فطعمت سمنا لم أر أطيب منه.ثم رجع إلى الأمير فأخبره بالقصة،فجاء الأمير،فرأى شيئا حيّره،فتاب أيضا على يد الشيخ المذكور رضي اللّه عنه و نفع به (2)، ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الجمعة:4].

فلا ينبغي أن ينكر على أحد منهم،و يساء الظنّ به،فقد قالوا:أقلّ عقوبة المنكر على الصالحين أن يحرم بركتهم،قالوا:و يخشى عليه سوء الخاتمة.

*قلت:أخبرني الشيخ أبو العباس[ابن]الميلق الشّاذلي (3)،قال:أخبرني الشيخ ياقوت الشّاذليّ (4)،قال:أخبرني الشيخ أبو العباس المرسي الشاذلي (5)،قال:أخبرني الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي اللّه عنهم أجمعين،و نفع بهم،أنّ الشيخ ابن حرازم (6)خرج على أصحابه يوما و معه كتاب،فقال:أ تعرفون هذا الكتاب؟قالوا:نعم،هذا من «إحياء علوم الدين»للغزالي،و كان الشيخ المذكور يسيء الظنّ به،و يطعن في كلام الإمام حجّة الإسلام أبي حامد الغزالي رضي اللّه عنه و نفع به،و ينهى عن قراءة«الإحياء»ثم كشف لهم الشيخ المذكور عن جسمه،فإذا هو مضروب بالسياط،و قال:أتاني في النوم رجل منم.

ص: 108


1- في(أ)و(ج):خاضها.و في هامشهما:أي حركها.
2- روض الرياحين 365(الحكاية:317).
3- شهاب الدين ابن الميلق الواعظ المربي،صاحب الكرامات و الإشارات،المدفون في قرافة الشاذلية الكبرى بمصر،تلميذ ياقوت العرشي.طبقات الشاذلية صفحة 150 ضمن ترجمة شمس الدين الحنفي.
4- ياقوت العرشي،أبو الدر بن عبد اللّه الحبشي الشاذلي(627-707 ه)من أجلّ من أخذ عن أبي العباس المرسي،و سمي بالعرشي لأن قلبه كان لم يزل تحت العرش،و قيل لأنه كان يسمع أذان حملة العرش،له مناقب كثيرة،توفي في الإسكندرية.طبقات الشاذلية 121.
5- أبو العباس المرسي أحمد بن عمر شهاب الدين فقيه متصوف،أعظم تلامذه أبي الحسن الشاذلي، من أهل الإسكندرية،أصله من مرسية في الأندلس،توفي سنة 686.
6- ابن حرازم أبو الحسن شيخ مطاع في بلاد المغرب.قال السبكي في طبقاته 258/6:ابن حرزهم بكسر الحاء المهملة،و سكون الراء،و بعدها زاي،و ربما قيل ابن حرازهم.قال اليافعي في نشر المحاسن الغالية صفحة 222:...و المعروف بين الناس ابن حرازم.

صفته كذا و كذا-يصف الغزالي-فقال لي:أنا أدعوك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،فمشيت معه، فلمّا وقفنا بين يدي النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم،قال:يا رسول اللّه،هذا يزعم أنّي أقول عنك ما لم تقل.

قال:فأمر النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم بضربي،فضربت،ثم تاب الشيخ المذكور من حينئذ و حسن اعتقاده في أبي حامد (1).

و قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي:و لقد مات و أثر السّياط ظاهر على جسمه.

*و بالإسناد المذكور إلى الشيخ القطب أبي الحسن الشاذلي المذكور أنّه رأى النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم في النوم،باهى موسى و عيسى صلى اللّه عليهما بالإمام الغزاليّ،و قال:أ في أمّتكما حبر كهذا؟فقالا:لا (2).

*و روى الشيخ تاج الدين ابن عطاء اللّه (3)،عن شيخه أبي العباس المرسي،عن شيخه أبي الحسن الشاذلي قدّس اللّه أرواحهم،أنّه قال لأصحابه:من كان منكم له إلى اللّه حاجة فليتوسّل إليه بالإمام أبي حامد الغزالي.

و قال الشيخ أبو العباس المرسي:إنّا لنشهد له بالصدّيقية العظمى.يعني:الغزالي.

*و أخبرني السيد الجليل العالم الصالح حسن الصعيدي (4)،عن الشيخ الجليل الصالح هارون المقدسي سماعا منه،أنّه كان في الشام رجل يحبّ الغزالي،فلما علم منه الحشوية ذلك صاروا يغيظونه،و يطعنون في الغزالي،فقال:فنمت يوما فرأيت حلقتين:

حلقة في قبّة النّسر (5)،و حلقة في موضع آخر-سمّاه-في مسجد بني أمية،و التي في قبةس.

ص: 109


1- طبقات السبكي 258/6.
2- روض الرياحين 253(الحكاية:181).
3- أحمد بن محمد بن عبد الكريم،أبو الفضل تاج الدين بن عطاء اللّه الإسكندري الشاذلي متصوف، له مصنفات أشهرها الحكم العطائية،توفي سنة 709 ه.
4- في(ج)السعدي،و في المطبوع:السعيدي.
5- قبة النسر في المسجد الأموي من الرصاص سامية في الهواء،عظيمة الاستدارة،قد استقل بها هيكل عظيم هو غارب لها،يتصل من المحراب إلى الصحن،فإذا استقبلتها أبصرت منظرا هائلا يشبّهه الناس بنسر طائر،كأن القبة رأسه،و الغارب صدره،و نصف جدار البلاط عن يمين و نصف عن شمال جناحاه،و من أي جهة استقبلت البلد ترى القبة في الهواء منيفة على كل علوّ،كأنها معلقة في الجو.الجامع الأموي تأليف علي الطنطاوي صفحة 71 عن رسالة لابن جبير في أواخر القرن السادس.

النّسر أصغر من الحلقة الأخرى،و لكن هذه الصغرى أبهى من الكبرى،فقصدت الحلقة الصّغرى،فإذا مقدّمها الإمام الشافعي رضي اللّه عنه،فلمّا رآني أشار إليّ أن آتي الحلقة الأخرى الكبرى،فجئت فإذا مقدمها الإمام أبو حامد الغزالي رضي اللّه عنه،فلمّا رآني قال:غفر اللّه لهم،ثم قرأت عليه سورة تبارك الملك على قصد البركة.

*و روينا عن الشيخ الفقيه الإمام العارف باللّه،رفيع المقام الذي اشتهرت عنه الكرامات العظيمة،و ترادفت،و قال يوما للشمس:قفي فوقفت،حتى وصل إلى زبيد (1)، من مكان بعيد،أبي الذّبيح إسماعيل ابن الشيخ الفقيه الإمام العارف،ذي المناقب و الكرامات و المعارف،محمد الحضرمي رضي اللّه عنهما،أنّه سأله بعض الطاعنين في الإمام حجّة الإسلام أبي حامد الغزالي رضي اللّه عنه،في فتيا أرسل بها إليه:هل تجوز قراءة كتب الغزالي؟فقال رضي اللّه عنه في الجواب:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون.محمد بن عبد اللّه سيّد الأنبياء،و محمد بن إدريس سيّد الأئمة،و محمد بن محمد بن محمد الغزاليّ سيد المصنّفين.هذا آخر جوابه رضي اللّه عنه.

قلت:و إنّما سمّاه سيد المصنفين:لأنّه تميّز عن المصنفين بكثرة المصنّفات البديعات، و غاص في بحار العلوم (2)،و استخرج منها الجواهر النفيسات،و سحر العقول بحسن العبارات،و ملاحة الأمثلة و بداعة الترتيب و التقسيمات،و البراعة في الصناعة العجيبة،مع جزالة الألفاظ،و بلاغة المعاني الغريبات،و الجمع بين علوم الشريعة و الحقيقة،و الأصول جزالة الألفاظ،و بلاغة المعاني الغريبات،و الجمع بين علوم الشريعة و الحقيقة،و الأصول و الفروع،و المعقول و المنقول،و التّدقيق و التحقيق،و العلم و العمل،و بيان معالم العبادات و العادات،و المهلكات و المنجيات،و إبراز محاسن أسرار المعارف المحجّبات العاليات (3)،و الانتفاع بكلامه علما و عملا،لا سيما أرباب الديانات،و الدعاء إلى اللّه سبحانه برفض الدنيا و الخلق،و محاربة الشيطان و النفس،بالمجاهدة و الرّياضات،و إفحام الفرق أيسر عنده من شرب الماء بالبراهين القاطعات،و توبيخ علماء السوء الرّاكنين إلى الظّلمة،و المائلين إلى الدنيا الدنية،أولي الهمم الدّنيّات،و غير ذلك ممّا لا يحصى،مما جمع في تصانيفه من المحاسن الجليلات،مما لم يجمعه مصنف فيما علمنا،و لا يجمعهت.

ص: 110


1- زبيد مدينة مشهورة باليمن،أحدثت في أيام المأمون،بإزائها ساحل المندب.معجم البلدان.
2- صنف الدكتور عبد الرحمن بدوي كتابا عن مؤلفات الغزالي و ما نسب إليه فبلغت 457 كتابا.
3- في(ب)و(ج):الغاليات.

فيما نظنّ ما دامت الأرض و السموات؛فهو سيد المصنّفين عند المنصفين،و حجة الإسلام عند أهل الاستسلام،لقبول الحقّ من المحققين في جميع الأقطار و الجهات،و ليس نعني أنّ تصانيفه أصحّ،ف«صحيح البخاري»ثم«صحيح مسلم»أصحّ الكتب المصنّفات،فقد بلغنا عن بعض الأولياء الأكابر و العلماء الجامعين بين علم الباطن و الظاهر أنّه قال:لو كان نبيّ بعد النبيّ صلى اللّه عليه و سلم لكان الغزالي،و أنّه يحصل ثبوت معجزاته ببعض مصنّفاته،و هذا القول محمول على أنّه قاله و هو غير مستحضر للخبر الوارد في عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه (1).

و قد وصفه بعض العارفين ممّن هو بعلوم الشريعة و الحقيقة خبير،بصاحب العلم الغزير،و القلب المستنير،و مدحه بمدح كثير.

و كذلك الشيخ الفقيه الإمام عمدة المسندين،و مفتي المسلمين،جامع الفضائل قطب الدين محمد بن الشيخ العارف أبي العباس القسطلاني (2)رضي اللّه عنهما صنّف كتابا أنكر فيه على بعض الناس،و أثنى على الإمام أبي حامد الغزالي ثناء حسنا،و ذمّ إنسانا ذمّه، و قال في أثناء كلامه:و من نظر في كتب الغزالي،و كثرة مصنفاته،و تحقيق مقالاته،عرف مقداره،و استحسن آثاره،و استصغر ما عظم من سواه،و عظّم قدره فيما أمدّه اللّه من قواه، و لا مبالاة بحاسد قد تعاطى ذمّه،أو معاند أبعد اللّه عنه إدراك معاني كلامه فهمّه،فهو كما قيل لمن عن فضائله تعامى:لن تعدم الحسناء ذامّا (3).هذا بعض كلامه بحروفه.

و قد قال جماعة من العلماء رضي اللّه عنهم،منهم الشيخ الإمام الحافظ ابن عساكر (4)في الحديث الوراد عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في أنّ اللّه تعالى يحدث لهذه الأمّة من يجدد لها دينها على7.

ص: 111


1- أخرج الترمذي(3687)في المناقب،باب مناقب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه،و الحاكم في مستدركه 85/3،و صححه و وافقه الذهبي عن عقبة بن عامر قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب».
2- محمد بن أحمد بن علي،قطب الدين القسطلاني(614-686 ه)الفقيه المحدث الأديب الصوفي، ولي مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة،كان لا يأكل من طعام الولاة.طبقات السبكي 43/8.
3- كذا في الأصل مشددا،و في مجمع الأمثال للميداني 213/2:لا تعدم الحسناء ذاما.الذّام: العيب.
4- تبين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري.صفحة 53 مطبعة التوفيق بدمشق 1347.

رأس كلّ مائة سنة (1):أنّه كان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه، و على رأس المائة الثانية الإمام الشّافعيّ رضي اللّه عنه،و على رأس المائة الثالثة الإمام أبو الحسن الأشعري (2)رضي اللّه عنه،و على رأس المائة الرّابعة الإمام أبو بكر الباقلاني (3)رضي اللّه عنه،و على رأس المائة الخامسة الإمام أبو حامد الغزالي رضي اللّه عنه.

و روي ذلك عن الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه في الإمامين الأولين أعني:

عمر بن عبد العزيز،و الشافعي.

قال بعض العلماء المالكية،و المشايخ العارفين الصوفية:الناس في فضلة (4)علوم الغزالي،معناه أنهم يستمدّون من علومه و مدده،و يستعينون بها على ما هم بصدده، زاده اللّه فضلا و مجدا على رغم الحسّاد و العدى.

قلت:لم أكثر من ذكر هذه الروايات في فضل أبي حامد إلاّ لمّا أكثر المحرومون الطعن فيه،لعدم توفيقهم،كما قد طعنوا في غيره من الصالحين؛و فضله أكثر من أن يحصر، و أشهر من أن يذكر،حتى سمعت من غير واحد من الفرق المخالفة يدّعون أنّه منهم؛لكبر شأنه،و علوّ منزلته،و كثرة علومه الدّقيقة في الشريعة و الحقيقة،و فضائله و نصحه للأمّة في أمر الدين،و ردّه على كلّ المعتدين،بقواطع الحجج و البراهين،و صاروا يتمنّون ذلك، و يدّعونه على طريق البهت،كما تداعت الأمم الخليل إبراهيم صلى اللّه عليه و سلم،و في ذلك أقول في بعض قصائدي:

و إحيا علوم الدّين طالعه تنتفع ببحر علوم المستنير المحصّلل.

ص: 112


1- روى أبو داود في سننه(4391)في الملاحم،باب:ما يذكر في قرن المائة عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ اللّه يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».
2- أبو الحسن الأشعري علي بن إسماعيل بن إسحاق(260-324 ه)،من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري،مؤسس مذهب الأشاعرة،كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين،ولد في البصرة، و تلقى مذهب المعتزلة و تقدم فيهم،ثم رجع و جاهر بخلافهم،بلغت مصنفاته ثلاث مائة كتاب.
3- محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر الباقلاني(338-403 ه)قاض من كبار علماء الكلام،انتهت إليه الرئاسة في مذهب الأشاعرة،ولد بالبصرة و توفي ببغداد،كان جيد الاستنباط سريع الجواب، وجهه عضد الدولة إلى ملك الروم سفيرا،فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها.له العديد من المؤلفات.
4- في(ب):في فضل.

أبي حامد غزّال غزل مدقّق لدى كلّ فرق كالخليل المبجّل

به المصطفى باهى لعيسى بن مريم له قال صدقا خاليا عن تقوّل

أ حبر كهذا في حواريك قال لا و ناهيك في هذا الفخار المؤثّل

دعي حجّة الإسلام لا شكّ أنّه لذا الاسم كفو كامل للتّأهّل

له في منامي قلت أ أنت حجّة لإسلامنا لي قال ما شئت بي قل

و كذلك لمّا تكلّم بعض النّاس في كتاب«المهذب» (1)و طعن في مرتبته العلية،و زعم أنّه ليس فيه شيء من المسائل الفقهية،قلت في هذه الأبيات:

إذا الغرّ عن غرّ المسائل سائل و قال افتني أين استقرّت فجوّب

و قل غرّها عن درّ فقه تبسّمت ملاح الحلى حلّت كتاب المهذّب

عذارى المعاني قد زهت في خدورها على غير كفو لازمات التحجّب

ذراري أبي إسحاق أكرم بسيّد إمام نجيب للبعيد مقرّب

بمدح علاه لا أقوم و إنّما أذبّ مقال الطّاعن المتعصّب

فهذا جوابي حامدا و مصلّيا جواب فقير يافعي الأصل مذنب

قلت:و أنا أحبّ ثلاثة من أصحابنا من أئمّة الشافعية حبّا كثيرا،هذان الإمامان المذكوران،و الثالث الإمام محيي الدّين النّواوي،و قد قدّمت مدحه في أول هذا الكتاب (2)لأمر اقتضى ذكره هناك،و ليس ذلك لأجل علمهم فحسب،فالعلماء كثيرون، و إنّما ذلك لانضمام العمل إليه و الورع و الزّهد و العبادة و الصلاة المشتهر،و بركة كتبهم، و الانتفاع بها،و غير ذلك من المحاسن،زادهم اللّه من فضله،و نعمه و جمع اللّه بيننا و بينهم بمنّه و كرمه،مع جميع الأحباب و المسلمين.

*و أخبرني بعض أهل العلم أنّ الإمام عزّ الدين ابن عبد السلام الفقيه الشافعيّ (3)د،

ص: 113


1- كتاب المهذب في الفروع للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الشيرازي المتوفى سنة 476 بدأ في تصنيفه سنة 455 و فرغ منه سنة 469،و هو كتاب جليل القدر،اعتنى بشأنه فقهاء الشافعية،و له شروح عدة.انظر كشف الظنون 1912.
2- انظر صفحة:27.
3- عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام سلطان العلماء(577-660 ه)فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد،

رضي اللّه عنه،احتلم في ليلة باردة،فأتى إلى الماء و هو جامد،فكسره و اغتسل،و كادت روحه تخرج من شدّة البرد،ثم احتلم ثانيا (1)،فأتى إلى الماء و اغتسل،فغشي عليه، فسمع يقال له:لأعوّضنّك بها عزّ الدنيا و الاخرة.

*و كذلك الشيخ الجليل العارف نجم الدّين الأصبهانيّ روي عنه أنّه اغتسل في ماء بارد قد جمد،قال:و ما عهدي بنفسي إلاّ حين دخلت في الماء،ثم أفقت و أنا في مسجد،و قد قرّب إليّ إنسان مجمرة نار يدفئني بها.

*و قال رضي اللّه عنه:قال لي شيخ في بلاد العجم:إنّك ستلقى القطب في الدّيار المصرية.فخرجت لذلك،فبينما أنا في بعض الطريق؛إذ خرج عليّ جماعة،فأمسكوني و كتّفوني،و قالوا:هذا جاسوس،و قال بعضهم:نقتله،و قال بعضهم:لا.فبتّ مكتوفا، و بقيت أفكّر في أمري و ما بي جزع الموت،و إنّما بي أن أموت قبل أن أعرف ربّي،فنظمت أبياتا و ضمّنتها قول امرئ القيس،و من جملة أبياته التي ذكر هذان البيتان:

و قد أوطأت نعلي كلّ أرض و قد أتعبت نفسي باغتراب

(و قد طوّفت في الآفاق حتّى رضيت من الغنيمة بالإياب)

(2) فما أتممت الإنشاد حتى انقضّ عليّ رجل من صفته كذا و كذا،كانقضاض البازي، و قال:قم يا عبد اللّه،فأنا مطلوبك.و حلّ كتافي،فلمّا قدمت الدّيار المصرية،سمعت بشيخ يقال له أبو العباس المرسي،فلمّا رأيته عرفت أنّه الذي أطلقني،ثم تبسّم،و قال لي:لقد أعجبني إنشادك و تضمينك،و قولك كذا و كذا ليلة أسرت.فصحبه و لازمه إلى أن توفّي،ثم أمر الشيخ نجم الدّين بالذّهاب إلى مكّة،فجاور بها إلى أن مات رضي اللّه عنهما،و عن جميع الصالحين،و نفعنا بهم و جميع المسلمين آمين.

*و من كرامات الشيخ نجم الدين:أني رأيته في النوم بعد موته،و كنت مضطرا إلىر.

ص: 114


1- في(أ)و(ج):ثم احتلم في ليلة ثانيا.
2- بيت امرئ القيس:الديوان صفحة 73.دار صادر.

حاجة تعسّرت عليّ،و رأيت إنسانا بين يديه،و الشيخ مقبل عليه يكلّمه،و لم أدر بأيّ شيء يكلّمه،فسلّمت على الشيخ،و مشيت خلفه،و عرضت عليه شيئا،فاستحسنه-أعني جوابا أجبت به-ثم ودّعته،و إذا قائل يقول لي:الظاهر أنّ اللّه يريد بك خيرا،و لكنّك تحتاج إلى صبر،إذ الصبر من شأن الأجواد،و أبشر بكذا و كذا،يبشّرني بقضاء تلك الحاجة،ثم انتبهت،و سررت بما رأيت،و خطر لي أن أبشّر ذلك الإنسان الذي رأيت الشيخ يكلّمه بإقبال الشيخ عليه،فإذا به قد جاءني بقضاء تلك الحاجة التي طلبتها،ففهمت أنّ الشيخ ما كان يكلّمه إلاّ من أجلي،نفع اللّه به،و جزاه عنّا أفضل الجزاء.

*و كان رضي اللّه عنه صاحب همّة عالية،و صورة حسنة حالية،و لحية مليحة طويلة، و هيبة في القلوب،و منزلة جليلة،و كان لا يكاد يضحك،فلمّا كان بعض الأيام خرج مع جنازة بعض الصالحين،فضحك حين تلقين المدفون،فسأله بعض أصحابه عن ضحكه، فزجره عن سؤاله،فلمّا كان بعد ذلك قال:ما ضحكت إلا لأنّه لما جلس الملقّن على القبر يلقّن،سمعت صاحب القبر يقول:أ لا تعجبون من ميت يلقّن حيّا؟! *و قال بعضهم:الصّوفيّ لا يموت.

*و رأيت شيخ شيخنا السيد الجليل جامع الخصال الحميدة،ذا السّيرة السنية السديدة،أبا الخطاب عمر بن علي الصفّار بعد موته في النوم رضي اللّه عنه،فقلت له:

يا سيدي،أنت ما متّ؟قال:عجب أن يقال إنّي متّ،ثم مسح على صدري،و دعا لي فقال:أصلحك اللّه صلاحا لا فساد له.

*و كذلك رأيت الشيخ الإمام محيي الدّين النواوي رضي اللّه عنه،و عليه هيبة عظيمة تزلزل الجبال كأنّما القيامة قد قامت،و هو يذكر اللّه و يمجّده،و يعظّم وعده و وعيده،ثم دعا لي فقال:ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدّنيا و في الاخرة.فاللّه تعالى يستجيب منهما ذلك بجاههما عليه.

*و قد قيل:النّاس موتى إلاّ العالمين،و العالمون نائمون إلاّ العاملين،و العاملون مغرورون إلاّ الخائفين،و الخائفون هالكون إلا المخلصين،و المخلصون على خطر.

*و قال ذو النّون المصري:ثلاث من علامات الإخلاص:استواء المدح و الذمّ من العامة،و نسيان رؤية الأعمال،و اقتضاء ثواب العمل في الاخرة.

ص: 115

*و قال السّريّ:من تزيّن للنّاس بما ليس فيه،سقط من عين اللّه.

*و قال الفضيل:ترك العمل من أجل الناس رياء،و العمل من أجل الناس شرك، و الإخلاص أن يعافيك اللّه عنهما.

*و قال الإمام الجليل السيد الحفيل الحارث المحاسبي (1):الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كلّ قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه،و لا يحبّ الاطلاع على مثاقيل الذّر من حسن عمله،و لا يكره أن يطّلع الناس على السيّئ من عمله،فإنّ كراهته لذلك تدلّ على أنّه يحبّ الزيادة عندهم.

*و قال بعضهم:من صحب الكتاب و السنة،و تغرّب عن نفسه و الخلق،و هاجر بقلبه إلى اللّه فهو الصادق.

*و قال الأستاذ أبو القاسم القشيريّ (2):أقلّ الصّدق استواء السرّ و العلانية (3).

*و قال:و الحياء على وجوه:

حياء الجناية،كآدم صلى اللّه عليه و سلم لما قيل له:أ فرارا منّا؟قال:بل حياء منك.

و حياء التقصير كالملائكة،يقولون:[سبحانك]ما عبدناك حقّ عبادتك.

و حياء الإجلال كإسرافيل عليه السلام تسربل بجناحه حياء من اللّه.

و حياء الكرم كالنبيّ صلى اللّه عليه و سلم،كان يستحي من أمّته أن يقول اخرجوا،فقال اللّه عزّ و جلّ:

وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ [الأحزاب:53].

و حياء حشمة كعليّ رضي اللّه عنه؛حين سأل المقداد رضي اللّه عنه،حتى سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن حكم المذي،لمكان فاطمة رضي اللّه عنها.ق.

ص: 116


1- الحارث بن أسد المحاسبي من أكابر الصوفية،كان عالما بالأصول و المعاملات،واعظا مبكيا،و له تصانيف في الزهد،و الرد على المعتزلة،و هو أستاذ أكثر البغداديين في عصره،توفي ببغداد سنة 243 ه.
2- أبو القاسم القشيري عبد الكريم بن هوازن(376-465 ه)زين الإسلام،شيخ خراسان في عصره زهدا و علما بالدين.كانت إقامته بنيسابور،و توفي فيها،و كان السلطان ألب أرسلان يقدمه و يكرمه.من أشهر كتبه الرسالة القشيرية.
3- الرسالة القشيرية صفحة 333،باب الصدق.

و حياء الاستحقار كموسى عليه السلام،قال:إنّه لتعرض لي الحاجة من الدنيا، فأستحي أن أسألك يا ربّ.فقال له:سلني حتى ملح عجينك،و علف شاتك.

و حياء[الإنعام]هو حياء الرّبّ سبحانه و تعالى،يدفع إلى العبد كتابا مختوما بعد ما عبر الصراط،و إذا فيه مكتوب:يا عبدي،فعلت ما فعلت،و لقد استحييت منك أن أظهره عليك.و قال يحيى بن معاذ:سبحان من يذنب العبد فيستحي منه (1).

*و قال أبو بكر الورّاق رضي اللّه عنه:ربّما أصلّي للّه ركعتين،فأنصرف عنهما،و أنا بمنزلة من ينصرف عن السرقة من الحياء.

*و قال الأستاذ أبو القاسم الجنيد رضي اللّه عنه:الفتوّة بالشّام،و اللّسان بالعراق، و الصّدق بخراسان.

*و قيل:سأل شقيق البلخيّ (2)السيد الجليل،معدن الفتوّة،و سلالة النبوة،جعفر بن محمد (3)عن الفتوّة،فقال له:ما تقول أنت؟فقال شقيق:إن أعطينا شكرنا،و إن منعنا صبرنا،فقال جعفر:الكلاب بالمدينة كذلك تفعل.فقال شقيق:يا ابن بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،ما الفتوة عندكم؟فقال:إن أعطينا آثرنا،و إن منعنا شكرنا.

*و قيل:إنّ رجلا نام بالمدينة من الحاجّ،فتوهّم أنّ هميانه (4)سرق،فخرج في طلبه، فرأى جعفرا الصادق،فتعلّق به،و قال:أخذت همياني.فقال له:إيش كان فيه؟قال:

ألف دينار.فأدخله داره،و وزن له ألف دينار،فرجع الرجل إلى منزله،فرأى هميانه في بيته،و كان قد توهّم أنّه سرق،فخرج إلى جعفر معتذرا،و ردّ عليه الدنانير،فأبى أن يقبل،).

ص: 117


1- الرسالة القشيرية 339.باب الحياء،و ما بين معقوفين مستدرك منه.
2- شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي زاهد صوفي،من مشاهير المشايخ في خراسان،و لعله أول من تكلم في علوم القوم بكور خراسان،و كان من كبار المجاهدين،استشهد في غزوة كولان بما وراء النهر سنة 194 ه.
3- جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين الهاشمي أبو عبد اللّه الملقب بالصادق(80-148 ه)، سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية،كان من أجلاء التابعين،و له منزلة رفيعة في العلم،أخذ عنه جماعة منهم الإمامان أبو حنيفة و مالك،و لقب بالصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب قطّ.كان جريئا صداعا بالحق،مولده و وفاته في المدينة.
4- الهميان:كيس للنفقة يشدّ في الوسط.متن اللغة(همن).

و قال:شيء أخرجته من يدي،لا أستردّه.فقال الرجل:من هذا؟فقيل:جعفر الصادق.

*و قال الشيخ العارف الرباني أبو الفوارس شاه بن شجاع الكرماني:من غضّ بصره عن المحارم،و أمسك نفسه عن الشهوات،و عمّر باطنه بدوام المراقبة،و ظاهره باتّباع السّنة،و تعوّد أكل الحلال لم تخطئ فراسته.

*و قيل:كان سهل بن عبد اللّه يوما في الجامع،فوقع حمام في المسجد من شدّة الحرّ،فقال سهل:إن شاه الكرمانيّ مات الساعة إن شاء اللّه.و كتبوه،فكان كما قال.

*و قال أبو سعيد الخرّاز:دخلت المسجد الحرام،فرأيت فقيرا عليه خرقتان يسأل شيئا،فقلت في نفسي:مثل هذا كلّ على الناس،فنظر إليّ و قال: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235].فاستغفرت في سرّي،فناداني: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ [الشورى:25].لما تخلّقوا بأخلاق الملك الغفار،أطلعهم على غيوب الأسرار.

*قال أبو علي الدقاق:إنّ اللّه تعالى خصّ نبيّه و رسوله صلى اللّه عليه و سلم بما خصّه به،ثم لم يثن على شيء من خصاله بمثل ما أثنى عليه من خلقه،فقال عزّ من قائل: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

*و قيل للأحنف بن قيس (1):ممّن تعلّمت الخلق؟فقال:من قيس بن عاصم المنقري.قيل:و ما بلغ من خلقه؟قال:بينما هو جالس في داره،إذ جاءت خادمة له بشواء،فسقط من يدها على ابن له،فمات،فدهشت الجارية،فقال لها:لا روع عليك، أنت حرّة لوجه اللّه تعالى.

*و قيل إنّ الشيخ أبا عثمان الحيري اجتاز بسكّة وقت الهاجرة،فألقي عليه رماد من سطح،فتغيّر أصحابه،و بسطوا ألسنتهم في الملقي،فقال أبو عثمان:لا تقولوا شيئا،من.

ص: 118


1- الأحنف بن قيس التميمي سيد بني تميم،و أحد الدهاة الفصحاء الشجعان الفاتحين،يضرب به المثل في الحلم،وفد على عمر بن الخطاب،شهد الفتوح،و اعتزل الفتنة يوم الجمل،و شهد صفين مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مات سنة 72 ه.

استحقّ أن يصبّ عليه النّار،فصولح على الرّماد لم يجز له أن يغضب.

*و قيل:كان لبعض النسّاك شاة،فرآها على ثلاث قوائم،فقال:من فعل هذا بها؟ فقال غلام له:أنا.فقال:لم؟قال:لأغمّك بها.فقال لا،بل لأغمّنّ من أمرك بها، اذهب فأنت حرّ.

*و شتم رجل الأحنف بن قيس،و كان يتبعه،فلمّا قرب من الحيّ قال:يا فتى،إن بقي في قلبك شيء فقله لكيلا يسمعك بعض سفهاء الحيّ فيجيبك.

*و للّه درّ القائل (1):

و ما النّاس إلاّ واحد من ثلاثة شريف و مشروف و مثل مقاوم

فأمّا الذي فوقي فأعرف حقّه و أتبع فيه الحقّ و الحقّ لازم

و أمّا الذي مثلي فإن زلّ أو هفا تفضّلت إنّ الحرّ بالفضل حاكم

(2) و أمّا الذي دوني فإن قال صنت عن مقالته عرضي و إن لام لائم

سألزم نفسي الصّفح عن كلّ مذنب و إن كثرت منه عليّ الجرائم

*قالت امرأة لمالك بن دينار:يا مرائي.فقال:يا هذه،وجدت اسمي الذي أضلّه أهل البصرة.

*و قال:لو قيل ليخرج شرّ من في المسجد،ما سبقني إلى الباب أحد.

قال ابن المبارك:بهذا صار مالك مالكا.

و لما ذكر الناس لمالك بن دينار الاستسقاء قال:أنتم تنتظرون المطر،و أنا أنتظر الحجارة.

*قلت:و قد رأى بعض الإخوان الأخيار في النوم أنّ حجارة عظيمة يرمى بها من السماء إلى الأرض.و ذكر لي منام منذ شهر قبل تأليف هذا الكتاب،أنّ مناديا ينادي من السماء:جاءتكم النار،و رأيت أنا النار مرارا،و كذا الدّابة في منامات هائلات يطول ذكرها،نعوذ بوجه اللّه الكريم من عذابه الأليم.م.

ص: 119


1- الأبيات للخليل بن أحمد،انظر الديوان صفحة 358.
2- رواية الديوان:إن الفضل بالعزّ حاكم.

*و أخبرنا بعض الأولياء منذ تسعة أشهر من التأليف المذكور:أنه رأى في النوم أربع طوائف ساجدات إلى أربع جهات؛واحدة ساجدة إلى القبلة،و ثلاث إلى غير القبلة، و ذكر أنّ إحدى الثلاث المذكورات من الظّلمة،و الثانية من الفقهاء،و الثّالثة من الفقراء، و الرابعة الساجدة إلى القبلة من العالمين العالمين،المطيعين للّه،المستضعفين الصابرين على البلاء،نعوذ باللّه من سوء القضاء،و نسأله الصّبر و الشّكر و الرّضا،و أن يتوفّانا مسلمين سالمين،من كلّ فتنة و محنة في عفو و عافية في الدين و الدنيا و الاخرة و جميع المسلمين،آمين.

*و قيل:كان لبعضهم صديق،فحبسه السّلطان،فأرسل إليه،فقال له صاحبه:

اشكر اللّه،فضرب الرجل،فكتب إليه،فقال:اشكر اللّه،فجيء بمجوسيّ محبوس مبطون،و قيّد،و جعل حلقة من قيده على رجل هذا،و حلقة على رجل المجوسيّ،فكان المجوسيّ يقوم بالليل مرّات،و هذا يحتاج إلى أن يقف على رأسه حتى يفرغ،فكتب إلى صاحبه،فقال:اشكر اللّه،فقال:إلى متى تقول،و أيّ بلاء فوق هذا؟فقال صاحبه:لو وضع الزّنار الذي في وسطه في وسطك كما وضع القيد الذي في رجله في رجلك ما ذا كنت تصنع؟ *و قيل:دخل رجل على سهل بن عبد اللّه،و قال:إنّ اللصّ دخل داري و أخذ متاعي.فقال:اشكر اللّه؛لو دخل اللصّ قلبك-و هو الشيطان-و أفسد التوحيد،ما ذا كنت تصنع؟ *و عن إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه،أنّه قال لرجل في الطّواف:اعلم أنّك لا تنال درجة الصّالحين حتى تجوز ستّ عقبات،أولها:تغلق باب النّعمة،و تفتح باب الشدّة، و الثانية تغلق باب العزّ،و تفتح باب الذّلّ،و الثالثة تغلق باب الراحة،و تفتح باب الجهد، و الرابعة تغلق باب النوم،و تفتح باب السهر،و الخامسة تغلق باب الغنى،و تفتح باب الفقر، و السادسة تغلق باب الأمل،و تفتح باب الاستعداد للموت.

*و روي أنّه ركب علي بن موسى الوزير في موكب عظيم،فجعل الغرباء يقولون:من هذا؟من هذا؟فقالت امرأة قائمة على الطريق:إلى متى تقولون من هذا،من هذا؟هذا عبد سقط من عين اللّه،فابتلاه اللّه بما ترون.فسمع عليّ بن موسى ذلك،فرجع إلى منزله،و استعفى من الوزارة،و ذهب إلى مكّة،و جاور بها.

ص: 120

*و في الرّئاسة قلت في بعض القصائد:

و إيّاك إيّاك الرّئاسة إنّها هي الدّاء كلّ الدّاء للدّين تجرح

هل الجاه أياما على الجاه سرمدا يرجّح إلا من به الحمق يرجح

تواضع و شمّر و الزم الزّهد و اجتهد و نفسك جاهدها عسى هي تفلح

متى تدرك العلياء و العزم بارد (1) و هل بارد العزم العزائم ينجح

*و قلت أيضا في الولايات،في بعض القصائد:

و إيّاك إيّاك الولايات إنّها لها قحم تولي الرّدى من لها ولي

و أعظم بأمر فرّ منه أئمّة كبار الملا من كلّ كفو لها ولي

*و عن أبي يزيد البسطامي رضي اللّه عنه،قال:كنت ثنتي عشرة سنة حدّاد نفسي، و كنت خمس سنين مرآة قلبي،و سنة (2)أنظر فيما بينهما،فإذا في وسطي زنار،فعملت في قطعه خمس سنين،أنظر كيف أقطعه،فكشف لي،فنظرت إلى الخلق،فرأيتهم موتى، فكبّرت عليهم أربع تكبيرات.

*و قال بعضهم:وقفت على باب قلبي عشرين سنة،ما جاز به شيء لغير اللّه سبحانه إلا رددته.

*و قال أبو القاسم القشيري رضي اللّه عنه:اعلم أنّ المجاهدة،و ملاكها:فطم النّفس عن المألوفات،و حملها على خلاف هواها في عموم الأوقات،و للنّفس صفتان[ما نعتان لها من الخير]:انهماك في الشهوات،و امتناع عن الطاعات،فإذا جمحت عند ركوب الهوى،يجب كبحها بلجام التقوى،و إذا خرجت (3)عن القيام بالموافقات يجب سوقها على خلاف الهوى،و إذا ثارت عند غضبها،فمن الواجب مراعاة حالها،فما من منازلة أحسن عاقبة من غضب كسر (4)سلطانه بخلق،و تخمد نيرانه برفق،و إذا استحلّت شراب الرعونة،و ضاقت إلا عن إظهار مناقبها و التزيّن لمن ينظر إليها،فمن الواجب كسر ذلكة.

ص: 121


1- هنا ينتهي ما وجد من النسخة المخطوطة(ج).
2- في المطبوع:و ستّة.
3- في الرسالة القشيرية 199:حرنت.
4- في الأصل سكّن،و المثبت من الرسالة القشيرية.

عليها[و إحلالها بعقوبة الذل]بما يذكّرها من حقارة قدرها،و خساسة أصلها،و قذارة فعلها.و جهد العوام في توفية (1)الأعمال،و قصد الخواصّ إلى تصفية الأحوال،فإنّ مقاساة الجوع و السهر يسير،و معالجة الأخلاق و التنقّي عن سفاسفها صعب شديد،و من غوامض آفات النفس ركونها إلى استحلاء المدح،فإنّ من تحسّى منه جرعة حمل السّماوات و الأرضين مثلا على أشفاره (2)،و أمارة ذلك أنّه إذا انقطع عنه ذلك الشّراب آل حاله إلى الكسل و الفشل (3).

*و قال:من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة،لم يجد من هذه الطريقة شمّة.

*و قال يحيى بن معاذ:من لم ينظر في الدّقيق من الورع،لم يصل إلى الجليل من العطاء.

*و قيل:إنّ مالك بن دينار رضي اللّه عنه مكث في البصرة أربعين سنة لم يأكل من تمر (4)البصرة،و لا من رطبها،حتى مات و لم يذقه.و كان إذا انقضى وقت الرّطب قال:

يا أهل البصرة،هذا بطني ما نقص منه شيء،و لا زاد فيكم.

*و قيل لإبراهيم بن أدهم:أ لا تشرب من ماء زمزم؟فقال:لو كان لي دلو لشربت.

*و كان رجل يكتب رقعة و هو في بيت بكراء،فأراد أن يترّب الكتاب من جدار البيت، فخطر بباله أنّ البيت بالكراء،ثم إنّه خطر بباله:لا خطر لهذا،فترّب الكتاب،فسمع هاتفا يقول:سيعلم المستخفّ بالتّراب ما يلقاه غدا من طول الحساب.

*و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال:جلساء اللّه غدا أهل الورع و الزهد.

*و قال الأستاذ أبو علي الدّقاق رضي اللّه عنه:الزّهد أن تترك الدّنيا كما هي، لا تقول:أبني رباطا،و أعمّر مسجدا.

*و أنشد بعضهم:

إذا ما لم تكن ملكا مطاعا فكن عبدا لمالكه مطيعار.

ص: 122


1- في المطبوع:ترقية.
2- في هامش(أ):الشفر بالضم،و قد تفتح حرف جفن العين الذي ينبت عليه الشعر.«النهاية».
3- الرسالة القشيرية 198،باب المجاهدة.
4- في(ب):ثمر.

و إن لم تدرك الدّنيا (1)جميعا كما تختار فاتركها جميعا

هما شيئان من ملك و نسك ينيلان الفتى شرفا رفيعا

و من يقنع من الدّنيا بشيء سوى هذين يحياها

(2)وضيعا *و قيل:الزهد عزوف (3)النفس عن الدّنيا بلا تكلّف.

*و قال أبو سليمان الدّاراني رضي اللّه عنه:الصوف علم من أعلام الزّهد،فلا ينبغي أن يلبس صوفا بثلاثة دراهم،و في قلبه رغبة بخمسة دراهم.

*و قال أيضا:لكلّ شيء علم،و علم الخذلان ترك البكاء،و لكلّ شيء ضدّ،و ضدّ نور القلب شبع البطن،و أفضل الأعمال خلاف هوى النّفس،و كلّ ما شغلك عن اللّه تعالى من أهل،و مال،و ولد فهو عليك شؤم.

*و قال بعضهم:الزّهد في الدنيا ترك ما فيها على من فيها.

*و قال سهل بن عبد اللّه رضي اللّه عنه:أعمال البرّ كلّها في صحائف الزاهدين.

*قلت:هذا قول عارف صدّيق،في نهاية التحقيق،و بيانه مختصرا:أنّ أهل الدنيا يخرج بعضهم بعض ماله في بعض أعمال البرّ،و هو يحبّ كثرة المال،و اتّساعه،و يتعرّض به للفتنة،و يشغله عن أنواع الطاعة،و الزّهاد خرجوا عن الكلّ للّه تعالى بالفعل و النية، بغضا للدّنيا،و تفرّغا للطاعات السنية،و جمعوا بين العبادات القلبية و البدنية،و المالية؛ و اطّلع الحقّ سبحانه على قلوبهم،فلم يجد فيها حبّا لغيره،فأكرمهم بقربه،و وهب لهم ما لا تفهمه العقول من فضله و خيره.اللهم لا تحرمنا خيرك لشرّنا،وهب من فضلك العظيم لنا،و اجعل بك شغلنا،بجاه نبيّك الكريم،عليه أفضل الصلاة و التسليم،إنّك الملك المنّان،ذو الفضل العظيم.

*و قال الفضيل رضي اللّه عنه:من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه.

*قال الإمام الشافعيّ رضي اللّه عنه:إذا أراد الكلام فعليه أن يفكّر قبل كلامه،فإن ظهرت المصلحة تكلّم،و إن شكّ لم يتكلّم حتى تظهر.ه.

ص: 123


1- جاء في هامش(أ):و في نسخة:تملك الدنيا.
2- في الأصل:يحيا بها.و أثبت ما يناسب الوزن.
3- في هامش(أ):عزفت نفسي عنه تعزف عزوفا:زهدت فيه،و انصرفت عنه.

*و قال القشيري رضي اللّه عنه:السكوت في وقته صفة الرّجال،كما أنّ النّطق في موضعه أشرف الخصال (1).

*و قيل:إنّ داود الطائي (2)رضي اللّه عنه لما أراد أن يقعد في بيته،اعتقد أن يحضر مجلس الإمام أبي حنيفة رضي اللّه عنه،إذ كان تلميذا له،و يقعد بين نظرائه من العلماء، و لا يتكلّم في مسألة،فلمّا قويت نفسه على ممارسة هذه الخصلة سنة كاملة،قعد في بيته عند ذلك،و آثر العزلة.

*و قال بشر بن الحارث رضي اللّه عنه:إذا أعجبك الكلام فاصمت،و إذا أعجبك الصّمت فتكلّم.

*و قيل:إنّ أبا حمزة البغدادي رضي اللّه عنه كان حسن الكلام،فهتف به هاتف:

تكلّمت فأحسنت،بقي أن تسكت فتحسن (3)،فما تكلّم بعد ذلك حتى مات،و مات قريبا من هذه الحالة على رأس أسبوع،أو أقل،أو أكثر.

*و قال السيد الجليل طاوس (4)رضي اللّه عنه،و قد سئل عن مسألة:أخاف إن تكلّمت،و أخاف أن أسكت،و أخاف أن أوخذ بين الكلام و السكوت.

*و عن السّريّ السّقطي رضي اللّه عنه قال:إنّي لأنظر إلى أنفي في اليوم كذا و كذا مرة؛ مخافة أن يسودّ،لما أخافه من العقوبة.

*و قالت بنت الرّبيع بن خثيم (5)رضي اللّه عنه:يا أبت،ما لي أرى الناس ينامون،1.

ص: 124


1- الرسالة القشيرية:227.باب الصمت.
2- داود بن نصير الطائي أبو سليمان من أئمة المتصوفة،كان في أيام المهدي العباسي،أخذ عن أبي حنيفة،اعتزل الناس في الكوفة و لزم العبادة إلى أن مات سنة 165 ه.
3- في هامش(أ):فتحسن السكوت.
4- طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني(33-106 ه)من أكابر التابعين تفقها في الدين،و رواية للحديث،و تقشفا في العيش،و جرأة على وعظ الخلفاء و الأمراء،مولده و منشؤه في اليمن،توفي حاجا بالمزدلفة.
5- الربيع بن خثيم خير التابعين زهدا و ورعا،قال له ابن مسعود:لو رآك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لأحبّك،كثير الصدقات،طويل الصمت،مات في أواخر أيام معاوية سنة 67 ه.طبقات الصوفية للمناوي 280/1.

و أنت لا تنام؟فقال:يا بنية،إنّ أباك يخاف البيات.

*و كان بشر بن الحارث رضي اللّه عنه لا ينام إلاّ أن يغلب،فقيل له:ما لك لا تنام؟ فقال:أنا رجل مطلوب.

*و كان أبو سليمان الدّاراني رضي اللّه عنه،يبكي حتّى يثب الدّمع من عينه و لا يجري.

*و كان عطاء السّلمي (1)رضي اللّه عنه يبكي حتى لا يقدر أن يبكي.

*و كان مالك بن دينار رضي اللّه عنه يبكي حتى يقع صريعا،فيحمل إلى منزله.

*و كان عبد الواحد بن زيد (2)رضي اللّه عنه يبكي حتى يغشى عليه.

*و بكى العلاء بن زياد (3)رضي اللّه عنه حتى عمي (4)بصره.

*و بكى هشام الدّستوائي (5)رضي اللّه عنه حتى فسدت عينه.

*و بكى سعيد بن جبير (6)رضي اللّه عنه حتى عمش.ه.

ص: 125


1- عطاء السّلمي زاهد متعبد،أدرك أنس بن مالك،و لقي الحسن البصري و مالك بن دينار،شغلته العبادة عن الرواية.صفة الصفوة 325/3 و فيه السّليمي.
2- عبد الواحد بن زيد القانت الزاهد الواعظ،أسند الحديث،و روى عن جماعة من الأعيان منهم الحسن و عطاء بن أبي رباح،و هو متروك الحديث،مات بعد الخمسين و مائة.طبقات الصوفية للمناوي 360/1.
3- العلاء بن زياد القدوة العابد،كان ربانيا تقيا قانتا للّه بكّاء من خشية اللّه،حدّث عن أبي هريرة،و قد أرسل عن النبي صلى اللّه عليه و سلم.سير أعلام النبلاء 202/4،و في الأصول:بن زيد،و المثبت من مصادر ترجمته. و الخبر في السير:قال قتادة كان العلاء بن زياد قد بكى حتى غشي بصره.
4- في المطبوع:حتى عشا.
5- هشام الدستوائي الحافظ الحجة الإمام الصادق،كان يتّجر بالقماش الذي يجلب من دستوا و هي من أعمال الأهواز فنسب إليها.حديثه في الدواوين كلها إلا الموطأ.مات سنة 154 ه.سير أعلام النبلاء 149/7.
6- سعيد بن جبير أبو عبد اللّه الكوفي(45-95 ه)تابعي أصله من الحبشة،أخذ العلم عن ابن عباس و ابن عمر،خرج على بني أمية فقتله الحجاج.قال الإمام أحمد:قتل الحجاج سعيدا و ما على وجه الأرض أحد إلا و هو مفتقر إلى علمه.

*و بكى ثابت البناني (1)رضي اللّه عنه حتى عمي.

*و بكى عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه حتى بكى الدّم.

*و كان عليّ بن الفضيل رضي اللّه عنه يبكي و يقول:آه كم من قبيحة تكشفها القيامة غدا! *و كان الحسن البصري رضي اللّه عنه شديد الخوف،كثير البكاء،فسئل عن دوام حزنه،فقال:أخاف أن يطرحني في النار و لا يبالي.

*و قال بعضهم:أخاف أن يكون رآني يوما فيما لا يرضيه،فقال:اذهب،لا غفرت لك بعدها،أو كما قال رضي اللّه عنه.

*و كان الأحنف بن قيس رضي اللّه عنه يقدّم إصبعه إلى السّراج،فإذا وجد الحرارة قال لنفسه:يا حنيف،ما حملك على ما صنعت يوم كذا و كذا؟ *و كان أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه،إذا تنفّس تشمّ منه رائحة الكبد المشوية.

*و كان في خدّ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه خطّان أسودان من البكاء.

*و كان عثمان رضي اللّه عنه يبكي حتى يبلّ لحيته.

*و كان عليّ رضي اللّه عنه يبيت في المحراب يتقلقل (2)و يتململ،و يأخذ لحيته بيده، و يحاسب نفسه و يخاصمها.

*و كان في وجه ابن عباس رضي اللّه عنهما مثل الشّراك (3)البالي من البكاء.

*و كان عبد اللّه بن رواحة (4)رضي اللّه عنه يبكي،فتقول له زوجته:لم تبكي؟ فيقول:أنبئت أنّي وارد،و لم أنبأ أنّي صادر..

ص: 126


1- ثابت بن أسلم البناني الإمام القدوة،شيخ الإسلام،كان من أئمة العلم و العمل،مات حوالي سنة 125.سير أعلام النبلاء 220/5.
2- في هامش(أ):التقلقل:الخفة و الإسراع.
3- الشّراك:سير النعل الذي على ظهرها.
4- عبد اللّه بن رواحة الصحابي،يعدّ من الأمراء و الشعراء الراجزين،كان يكتب في الجاهلية،شهد العقبة،و كان أحد النقباء الاثني عشر،و شهد بدرا و أحدا و الخندق و الحديبية،كان أحد الأمراء في غزوة مؤتة،و استشهد فيها سنة 8 ه.

*و غير هؤلاء السادات ممن لا يحصى من الصحابة،و أكابر التابعين،و سادات السلف الصالحين رضي اللّه عنهم أجمعين،و نفعنا بهم آمين.حكى ذلك عنهم أهل العلم في كتبهم.هذا حالهم،و هم الأحباب أولو الفضائل و الصلاح،و نحن أيّها المغرورون استولت علينا الغفلة،و عميت منّا القلوب،و عظمت الذنوب،و كثرت العيوب القباح، نعوذ باللّه من مقت اللّه و غضبه،و جميع عذابه،و نسأله التوفيق،و حسن الخاتمة،و القرب من جنابه،و للّه درّ القائل:

أنوح على نفسي و أبكي خطيئة تقود خطايا أثقلت منّي الظّهرا

فيا لذة كانت قليلا بقاؤها و يا حسرة دامت و لم تبق لي عذرا

و في الحديث،قال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم:«كلّ عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضّت من محارم اللّه، و عينا سهرت في سبيل اللّه،و عينا يخرج منها مثل رأس الذّباب من خشية اللّه» (1).

*و كان من دعائه صلى اللّه عليه و سلم:«اللهم،ارزقني عينين هطّالتين تبكيان بذروف الدّموع، و تشفيان (2)القلب من خشيتك،من قبل أن يكون الدّمع دما،و الأضراس جمرا» (3).

*و كان صلى اللّه عليه و سلم متواصل الأحزان و هو سيد العالمين،و حبيب الرحمن،و يقول:«لو تعلمون ما أعلم،لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا» (4)صلى اللّه عليه و سلم و شرّف و كرّم،و جزاه عنّا أفضل الجزاء.

*روينا أنّه أتي إلى مسلمة بن عبد الملك (5)و هو في المسجد الحرام بحجر أسوده.

ص: 127


1- ذكره الديلمي في الفردوس 256/3(4759)عن أبي هريرة،قال المنذري في الترغيب و الترهيب 160/2(1929):رواه الأصبهاني.
2- في الأصول:تشفقان،و في المطبوع:و تشقيان.و المثبت من مصادر التخريج.
3- رواه ابن المبارك في الزهد 165/1،و أبو عاصم في الزهد 10/1،و الديلمي في الفردوس 469/1 (1908).
4- أخرجه البخاري 273/11 في الرقائق،باب قول النبي:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم..» و الترمذي(2314)في الزهد،باب قول النبي:«لو تعلمون ما أعلم».
5- مسلمة بن عبد الملك بن مروان أمير قائد،بطل،لقب بالجرادة الصفراء له فتوحات مشهورة،سار إلى القسطنطينية في 120 ألفا سنة 96 ه،و غزا الترك و السند.قال الذهبي:كان أولى بالخلافة من سائر إخوانه.

مكتوب فيه بالحميريّة:يا ابن آدم،لو رأيت يسير ما بقي من أجلك،لزهدت في طول ما ترجو من أملك،و قصّرت من حرصك و حيلك،و ابتغيت الزّيادة في عملك،و إنّما تلقى النّدم،لو قد زلّ بك القدم،و أهملك و أسلمك الأهل و الحشم،و انصرف عنك الحبيب، و أسلمك القريب،فلا أنت إلى أهلك عائد،و لا في عملك زائد،فاعمل ليوم القيامة،يوم الحسرة و الندامة.

*و أنشد بعضهم:

مقيم إلى أن يبعث اللّه خلقه لقاؤك لا يرجى و أنت قريب

تزيد بلى في كلّ يوم و ليلة و تنسى كما تبلى و أنت حبيب

*و قال بعض السلف:رأيت شابّا في سفح جبل عليه آثار القلق،و دموعه تجري، فقلت:من أنت؟قال:آبق من مولاه.قلت:فتعود و تعتذر.قال:العذر يحتاج إلى إقامة حجّة،فكيف يعتذر المقصّر؟قلت:يتعلّق بمن يشفع (1).فقال:كلّ الشّفعاء يخافون منه.قلت:من هو؟قال:مولاي ربّاني صغيرا،فعصيته كبيرا،فوا حيائي من حسن صنعه،و قبح فعلي،ثم صاح صيحة و خرّ ميّتا.فخرجت عجوز فقالت:من أعان على قتل البائس الحيران (2)؟فقلت:أقيم عندك أعينك على تجهيزه.قالت:خلّه ذليلا بين يدي قاتله،فعسى يراه بغير معين،فيرحمه.

*و يروى عن بعض السلف أنّه رأى بعض الموتى في النوم ممّن كان معروفا بالخير، فسأله عن حاله،فقال:انسلخ لحم وجهي،لمّا وقفت بين يدي اللّه تعالى حياء منه من أجل نظرة نظرتها في حياتي إلى شابّ.

*و أنشد بعضهم:

أما و اللّه لو علم الأنام لما خلقوا لما غفلوا و ناموا

لقد خلقوا لما لو أبصرته عيون قلوبهم ساحوا و هاموا

ممات ثم قبر ثم حشر و توبيخ و أهوال عظامن.

ص: 128


1- في(أ).تتعلق بمن يشفع لك.
2- في هامش(أ):و في نسخة الحزين.

ليوم الحشر قد عملت رجال فصلّوا من مخافته و صاموا

و نحن إذا أمرنا أو نهينا كأهل الكهف أيقاظ نيام

*و قال ابن المبارك رضي اللّه عنه:الذي يهيّج الخوف حتى يسكن في القلب دوام المراقبة في السّرّ و العلانية.

*و قيل:مرض سفيان الثوري رضي اللّه عنه،فعرض ماؤه على الطبيب،فقال:هذا رجل قد قطّع الخوف كبده.

*و روي عن السّريّ رضي اللّه عنه مثل ذلك في المحبّة،بدلا عن الخوف.

*و قال حاتم الأصم (1)رضي اللّه عنه:لا تغترّ بموضع صالح؛فلا مكان أصلح من الجنة،فلقي آدم صلوات اللّه عليه فيها ما لقي،و لا تغترّ بكثرة العلم؛فبلعام (2)كان يحسن الاسم الأعظم،فانظر ما ذا لقي،و لا تغترّ بكثرة العبادة؛فإن إبليس بعد طول عبادته لقي ما لقي،و لا تغترّ برؤية الصّالحين،فلا شخص أكبر من المصطفى صلى اللّه عليه و سلم،لم ينتفع بلقائه أقاربه،يعني الذين لم يسلموا.

*و أنشد بعضهم (3):

أحسنت ظنّك بالأيام إذ حسنت و لم تخف سوء ما يأتي به القدر

و سالمتك اللّيالي فاغتررت بها و عند صفو اللّيالي يحدث الكدر

*و قال الأستاذ أبو علي الدّقاق:الخوف على مراتب:الخوف،و الخشية،و الهيبة، فالخوف من شرط الإيمان،قال اللّه تعالى: وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، و الخشية من شرط العلم،قال اللّه تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر:28]،و.

ص: 129


1- حاتم بن عنوان البلخي المعروف بحاتم الأصم-لقّب بالأصم لأن امرأة سألته مسألة،فخرج منها صوت ريح،فخجلت،فقال لها:ارفعي صوتك.و أراها من نفسه أنه أصم-أسند الحديث عن بعض التابعين،صحب شقيقا البلخي،اعتزل الناس ثلاثين سنة لا يكلّمهم إلا ضرورة،و هو من أجل مشايخ خراسان،اجتمع بأحمد بن حنبل،شهد بعض معارك الفتوح،توفي سنة 237 ه.
2- بلعام بن باعورا كان من عبّاد بني إسرائيل و علمائها،ثم نقض و ارتدّ،قال عنه اللّه تعالى في سورة الأعراف 175: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ .
3- ينسبان لعلي بن أبي طالب الديوان صفحة 59،و هما في ديوان الشافعي 89،و يرويان لأبي العتاهية،و هما في محاضرات الأدباء 166/2 من غير عزو.

و الهيبة من شرط المعرفة،قال اللّه تعالى: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28].

*و عن الشيخ أبي الغيث اليمني رضي اللّه عنه،قال:إنّي لأرى سيف القدرة معلّقا فوق رأسي بشعرة،لو ملت كذا و كذا لقطع رأسي،أو كما قال.

*و قال الشيخ أبو علي الرّوذباري (1):الخوف و الرجاء هما كجناحي الطير،إذا استويا استوى الطير،و تمّ طيرانه،فإذا انقبض أحدهما وقع فيه نقص،و إذا ذهبا صار الطائر في حدّ الموت.

*و قال الأستاذ أبو عليّ الدّقاق:صاحب الحزن يقطع في طريق اللّه في شهر ما لا يقطعه من فقد حزنه في سنين.

*و تكلّم النّاس في الحزن،و كلّهم قالوا:إنّما يحمد حزن الاخرة،فأمّا حزن الدنيا فغير محمود،إلا أبا عثمان الحيري فإنّه قال:الحزن بكلّ وجه فضيلة و زيادة للمؤمن؛ ما لم يكن بسبب معصية،لأنّه إن لم يوجب تخصيصا،فإنّه يوجب تمحيصا.

*و قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي اللّه عنه:وقع لي تردّد في بدايتي بين الانقطاع في البراري و القفار،و الرّجوع إلى العمران و الديار،و صحبة العلماء و الأخيار،فوصف لي وليّ في رأس جبل،فقصدته،فوصلت بعد ما أمسيت،فقلت:ما أدخل عليه في هذه الليلة إلى الصّبح،فبتّ على باب المغازة،فسمعته يقول من داخل:اللّهمّ،إنّ أناسا من عبادك سألوك أن تسخّر لهم خلقك،فسخّرتهم لهم،فرضوا منك بذلك،و إنّي أسألك أن تعوّج عليّ خلقك حتى لا يكون لي ملجأ إلاّ إليك.فقلت:اسمعي يا نفس،من أيّ بحر يغترف هذا الشيخ.فلمّا أصبحت دخلت عليه،و سلّمت،و ملئت منه رعبا،و قلت له:

يا سيدي،كيف حالك؟قال:أشكو إلى اللّه من برد الرّضا و التّسليم،كما تشكو أنت من حرّ التدبير و الاختيار.فقلت:يا سيدي،أمّا حرّ التّدبير و الاختيار،فأنا أعرفه،و أنا فيه الآن،فما برد الرّضا و التسليم؟و لم تشكو ذلك؟فقال:أخاف أن تشغلني حلاوتهما عنه.فقلت:يا سيدي،سمعتك تقول:اللّهمّ،إنّ أناسا من عبادك سألوك،و ذكرت2.

ص: 130


1- أبو علي الروذباري أحمد بن محمد من أئمة المتصوفة و علماء الشافعية،كان عالما محدثا صوفيا، صحب في التصوف الجنيد،و الفقه ابن سريج،و الحديث إبراهيم الحربي،و النحو جماعة منهم ثعلب.مات بقرافة مصر سنة 322 ه.طبقات المناوي 18/2.

ما تقدم.فتبسّم و قال:يا بنيّ،عوض ما تقول سخّر لي،قل:كن لي،أ ترى من كان له يحتاج إلى شيء آخر؟!فما هذه الجبانة (1)؟ *و قال الشيخ أبو الحسن أيضا:رأيت النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم في ليلة القدر،و كانت ليلة سبع و عشرين من شهر رمضان ليلة جمعة،فقال لي:يا عليّ،طهّر ثيابك من الدّنس،تحظ بمدد اللّه في كلّ نفس.فقلت:يا رسول اللّه،و ما ثيابي؟فقال:اعلم أنّ اللّه تعالى قد خلع عليك خمس خلع؛خلعة المحبّة،و خلعة المعرفة،و خلعة التوحيد،و خلعة الإيمان، و خلعة الإسلام،و من أحبّ اللّه هان عليه كلّ شيء،و من عرف اللّه صغر في عينيه كلّ شيء،و من وحّد اللّه لم يشرك به شيئا،و من آمن باللّه أمن من كلّ شيء،و من أسلم للّه لم يعصه،و إن عصاه يعتذر إليه،و إن اعتذر إليه قبل عذره.ففهمت عند ذلك تفسير قوله تعالى: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (2)[المدثر:4].

*و قال سهل بن عبد اللّه:لمّا خلق اللّه الدنيا جعل اللّه في الشّبع المعصية و الجهل، و جعل في الجوع العلم و الحكمة.

*و قال يحيى بن معاذ:الجوع نور،و الشّبع نار،و الشهوة مثل الحطب يتولّد منه الاحتراق،و لا تنطفئ ناره حتّى تحرق صاحبه.

*و قيل لأبي يزيد:متى يكون الرّجل متواضعا؟فقال:إذا لم ير لنفسه مقاما و لا حالا،و لا يرى في الخلق من هو شرّ منه.

*و قال إبراهيم بن شيبان (3):الشّرف في التواضع،و العزّ في التّقوى،و الحرية في القناعة.

*و عن رجاء بن حيوة (4)أنه قال:قوّمت ثياب عمر بن عبد العزيز و هو يخطب باثنير.

ص: 131


1- روض الرياحين 357(الحكاية:306)و فيه:فما هذه الجناية.
2- روض الرياحين 354(الحكاية:305).
3- إبراهيم بن شيبان القرميسيني شيخ الجبل،صحب الخواص و غيره،له كلام نفيس في التصوف، مات سنة 332.طبقات المناوي 9/2.
4- رجاء بن حيوة الكندي أبو المقدام:شيخ أهل الشام،من الوعاظ الفصحاء العلماء،كان ملازما لعمر بن عبد العزيز في إمارته و خلافته،و هو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك باستخلاف عمر.

عشر درهما،و كانت قباء،و عمامة،و قميصا،و سراويل،و رداء،و خفين،و قلنسوة.

*و قال إبراهيم بن أدهم:ما سررت في إسلامي إلاّ ثلاث مرّات؛مرّة كنت في سفينة و فيها رجل مضحاك،كان يقول:كنا نأخذ العلج في بلاد الترك هكذا.و يأخذ بشعر رأسي و يهزني،فسرّني ذلك؛لأنّه لم يكن في تلك السفينة أهون منّي،و لا أحد في عينه أحقر منّي،و الثانية:كنت عليلا في مسجد،فدخل المؤذّن فقال:اخرج.فلم أطق،فأخذ برجلي،و جذبني إلى خارج،و الثالثة:كنت في الشام،و عليّ فروة،فنظرت فيه،فلم أميّز بين ظاهره و باطنه،من كثرة القمل،فسرّني ذلك.

*و في حكاية أخرى عنه قال:ما سررت بشيء كسروري إذ كنت جالسا،فجاء إنسان و بال عليّ.

*و عن أبي جعفر الحدّاد قال:جاءني أبو تراب النّخشبي و أنا في البادية جالس على بركة ماء،ولي ستة عشر يوما لم آكل و لم أشرب،فقال لي:ما جلوسك؟فقلت:أنا بين العلم و اليقين،انظر ما يغلب،فأكون معه-يعني إن غلب العلم شربت،و إن غلب اليقين مررت-فقال:سيكون لك شأن.

*و قال الجنيد:قد مشى رجال باليقين على الماء،و مات بالعطش أفضل منهم يقينا.

*و قيل:وقف رجل على الشبلي فقال:أيّ صبر أشدّ على الصابرين؟فقال:الصبر في اللّه.فقال:لا.فقال:الصّبر للّه.فقال:لا.فقال:الصبر مع اللّه.قال:لا.قال:

فأيش؟فقال:الصبر عن اللّه.فصرخ الشبليّ صرخة كادت روحه تتلف.

*قلت:هذا الصبر المذكور في هذه الألفاظ قد انقسم على أربعة أقسام،لكلّ قسم معنى يطول في شرحه الكلام،و يدقّ معناه على بعض الأفهام،و ها أنا أشير إلى ذلك بعض الإشارة بواضح العبارة،ممثّلا كلّ قسم بمثال ممّا ظهر لي في الحال،راغبا إلى اللّه الكريم في التوفيق و صلاح الحال،و غفران أقوال لا تناسب الأفعال،و أفعال لا تناسب الأقوال.

و أمّا القسم الأول و هو الصبر في اللّه:فمثاله احتمال المشقّة في مصالح المسلمين.

و أما القسم الثاني،و هو الصبر للّه:فمثاله احتمال الشّدائد و البلاء،و امتثال الأوامر، و اجتناب النواهي في جميع أحكام الدين.

و أمّا القسم الثالث،و هو الصبر مع اللّه:فمثاله مجاهدة النّفس في نفي الغفلة،و إلزامها

ص: 132

دوام النّظر إلى اللّه سبحانه و تعالى،حتّى يرتقي العبد من مقام الغافلين إلى مقام المراقبين، و بدوام المراقبة يرتقي إلى مقام المشاهدين.

و أمّا القسم الرابع و هو الصبر عن اللّه:فلا أراه إلا مخصوصا بأهل المشاهدة المحبين؛ لأنّهم إذا حيل بينهم و بين مشاهدة الجمال بإرخاء الحجاب،لاقوا في ذلك من العذاب ما لا يلقاه المضطرّ المشرف على الهلاك منّا إذا حيل بينه و بين الطّعام و الشراب،إذ كلّ أحد يتعب لمفارقة أحبّته على مقدار محبّته،و ليس يشبه محبتهم شيء من المحبّات، و لا محبوبهم شيء من المحبوبات،فنظرة من جماله تغيّب الناظر (1)عن الأكوان،و تتركه جميع الدّهر سكران،و ليس النّار التي تحرق المحبّين و يخافون منها إلا نار الحجاب التي هي عندهم أشدّ الشدائد،و إلى شيء من ذلك أشرت بقولي في بعض القصائد.

و يا شوقا إلى حسن بديع منيع دونه ضرب الرّقاب

أرى الأحباب أمسوا قد أباحوا دماء العاشقين بكلّ باب

بلا ذنب و لا جرم جنوه و لا حقّ حقيق بالعقاب

سوى لمح إلى غالي جمال جميل لاح من تحت النّقاب

فلمّا غاب عنهم أحرقتهم على فقدانه نار الحجاب

*و قيل:ضرب بعض المحبّين مائة سوط،و هو ساكت،ثم ضرب بعد ذلك سوطا واحدا فصاح،فقيل له:صبرت على مائة،و لم تصبر على واحد!فقال:كنت في المائة مشاهدا للحبيب الذي ضربت من أجله،و في الواحد غاب عنّي.أو كما قال.

*و أنشد بعضهم:

إذا كنت قوت النّفس ثم هجرتها فكم تلبث النّفس التي أنت قوتها

ستبقى بقاء الضّب في الماء أو كما يعيش ببيداء المفاوز حوتها

*و أنشد آخر:

الصّبر يجمل في المواطن كلّها إلاّ عليك فإنّه لا يجملر.

ص: 133


1- في هامش(أ):و في نسخة:تغيب الظاهر.

*و أنشد آخر:

صبرت و لم أطلع هواك على صبري و أخفيت ما بي منك عن موضع الصّبر

مخافة أن يشكو ضميري صبابتي إلى دمعتي سرّا فتجري و لا أدري

*و سئل السّريّ عن الصّبر،فجعل يتكلّم فيه،فدبّت على رجله عقرب،و هي تضربه بإبرتها ضربات كثيرة،و هو ساكت (1)،فقيل له:لم لم تنحّها؟فقال:استحيت من اللّه، أن أتكلّم في الصبر و لم أصبر.

*و قال ابن عيينة (2)في معنى قوله تعالى: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا [السجدة:24]،قال:لما أخذوا برأس الأمر جعلناهم رءوسا.

*و قال السيد الجليل الشيخ العارف الجريريّ (3)رضي اللّه عنه:أمرنا هذا مبنيّ على فصلين:أن تلزم نفسك المراقبة للّه،و يكون العلم على ظاهرك قائما.

*و قال بعضهم:أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطريقة الصدق،و المحاسبة، و المراقبة،و سياسة عمله بالعلم.

*و قال بعضهم:المراقبة مراعاة السرّ لملاحظة الحقّ مع كلّ خطر.

*و سئلت السيدة الجليلة،العارفة الربانية رابعة العدوية رضي اللّه عنها:متى يكون العبد راضيا؟فقالت:إذا سرّته المصيبة كما تسرّه النعمة.

*و قيل للحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهما:إنّ أبا ذر يقول:الفقر أحبّ إليّ من الغنى،و السّقم أحبّ إليّ من الصّحة.فقال:رحم اللّه أبا ذر،أمّا أنا فأقول:من اتّكل على حسن اختيار اللّه له،لم يتمنّ غير ما اختار اللّه له.

*و قال النّوري:الرّضا سرور القلب بمرّ القضا.2.

ص: 134


1- في المطبوع:ساكن.
2- سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي(107-198 ه)محدث الحرم المكي،كان حافظا ثبتا ثقة،واسع العلم،كبير القدر،و كان أعور،له كتب عدّة.
3- أحمد بن محمد بن الحسين الجريري،و قيل محمد بن محمد:من كبار أصحاب الجنيد،و قعد في مجلسه من بعده بوصية منه،كان عظيم الشأن،له نظم و نثر في التصوف،مات سنة نيف و ثلاث مائة.طبقات المناوي 23/2.

*و عثرت بعض الوليّات،فدميت إصبعها،فضحكت،فقيل لها في ذلك،فقالت:

شغلني سرور الأجر عن ألم المصيبة.رضي اللّه عنها.

*و قال الأستاذ أبو علي الدّقاق:ليس شيء أشرف من العبودية،و لا اسم أتمّ للمؤمن من الاسم له بالعبودية،و لذلك قال سبحانه في صفة النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ليلة المعراج،و كانت أشرف أوقاته في الدنيا: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً [الإسراء:1].و قال تعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى [النجم:10].فلو كان اسم أجلّ من العبودية لسمّاه به.

*و قال سهل بن عبد اللّه:لا يصلح (1)التعبّد لأحد حتى لا يجزع من أربعة أشياء:من الجوع،و العري،و الفقر،و الذّلّ.

*و قال الجريري:عبيد النّعم كثير عديدهم،و عبيد المنعم عزيز وجودهم.

*و قال الجنيد:سمعت السّريّ يقول:إنّ نفسي تطالبني منذ ثلاثين أو أربعين سنة أن أغمس جزرة في دبس،فما أطعتها (2).

*و قال السيد الجليل يوسف بن أسباط (3):لا يمحو الشهوات من القلب إلاّ خوف مزعج،أو شوق مقلق.

*و قال الخوّاص:من ترك شهوة و لم يجد عوضها في قلبه فهو كاذب في تركها.

*و قال جعفر بن نصير (4):دفع إليّ الجنيد درهما،و قال:اشتر به التين الوزيري.

فاشتريته فلمّا أفطر،أخذ واحدا،و وضعه في فمه،ثم ألقاه و بكى،و قال:احمله.ثم قلت له في ذلك،فقال:هتف في قلبي:أما تستحي من تركتها من أجله،ثم تعود إليها.2.

ص: 135


1- في المطبوع:لا يصحّ.
2- في المطبوع:أطعمتها.
3- يوسف بن أسباط أحد مشايخ الطريق،المشهورين بالتحقيق،كان عظيم العلم،شديد المجاهدة لنفسه،أخذ عن سفيان الثوري،و زائدة،مات سنة 192 ه.طبقات المناوي 489/1.
4- جعفر بن محمد بن نصير الخواص،و يعرف بالخلدي،كان ملجأ القوم في فهم كلامهم و حكاياتهم،حتى قال:عندي مائة و نيف و ثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية،حج نحو ستين حجة، سمع الحديث من أهل العراق و مصر و مكة،كان ثقة صدوقا دينا فاضلا.مات سنة 348.طبقات الصوفية للمناوي 65/2.

*و قال إبراهيم الخواص:كنت في جبل لكام (1)فرأيت رمّانا،فاشتهيته،فدنوت و أخذت منه واحدا،فشققته،فوجدته حامضا،فمضيت و تركت الرّمان،فرأيت رجلا مطروحا قد اجتمع عليه الزّنابير،فقلت:السلام عليك.فقال:و عليك السلام يا إبراهيم.

فقلت:كيف عرفتني؟فقال:من عرف اللّه تعالى لا يخفى عليه شيء.فقلت له:أرى لك حالا مع اللّه تعالى،فلو سألته أن يحميك و يقيك من هذه الزّنابير.فقال:و أرى لك مع اللّه تعالى حالا،فلو سألته أن يقيك شهوة الرّمان؛فإنّ لدغ الرّمان يجد الإنسان ألمه في الاخرة،و لدغ الزنابير يجد ألمه في الدنيا،فتركته و مشيت (2).

*و أنشدوا:

نون الهوان من الهوى مسروقة فأسير كلّ هوى أسير هوان

*و قال يحيى بن معاذ:ليكن حظّ المؤمن منك ثلاث خصال:إن لم تنفعه فلا تضرّه، و إن لم تسرّه فلا تغمّه،و إن لم تمدحه فلا تذمّه.

*و قال الجنيد:كنت جالسا في مسجد الشّونيزية (3)أنتظر جنازة أصلّي عليها،و أهل بغداد على طبقاتهم جلوس ينتظرون الجنازة،فرأيت فقيرا عليه أثر النّسك يسأل الناس،فقلت في نفسي:لو عمل هذا عملا يصون به نفسه كان أجمل به.فلمّا انصرفت إلى منزلي،و كان لي شيء من الورد بالليل حتّى البكاء و الصلاة و غيره،فثقل عليّ جميع أورادي،فسهرت و أنا قاعد،و غلبتني عيني،فرأيت ذلك الفقير جاءوا به على خوان ممدود،و قالوا لي:كل لحمه، فلقد اغتبته.و كشف لي عن الحال،فقلت:ما اغتبته،إنّما قلت في نفسي شيئا،فقيل لي:

ما أنت ممّن يرضى منك بمثله،اذهب فاستحلّه.فأصبحت و لم أزل أتردّد حتى رأيته في موضع يلتقط من الماء أوراقا من البقل ممّا تساقط من غسل البقل،فسلّمت عليه،فقال:تعود يا أبا القاسم؟فقلت:لا.فقال:غفر اللّه لنا و لك (4).).

ص: 136


1- جبل اللّكّام:بالضم و تشديد الكاف،و يروى بتخفيفها الجبل المشرف على أنطاكية و المصيصة و طرسوس،فيه جميع الفواكه و الزروع،و فيه يكون الأبدال من الصالحين.معجم البلدان.و اسمه قديما جبال الأمانوس.
2- روض الرياحين 209(الحكاية:129).
3- الشونيزية:مقبرة ببغداد،في الجانب الغربي.معجم البلدان.
4- روض الرياحين 208(الحكاية:128).

*و قال ذو النون:من قنع استراح من أهل زمانه،و استطال على أقرانه.

*و للّه درّ القائل:

حذفت فضول النّفس حتّى رددتها إلى دون ما يرضى به المتعفّف

و أمّلت أن أجري خفيفا إلى العلا فإن رمتم أن تلحقوا بي فخفّفوا

لأبتذلنّ النّفس حتّى أصونها و غيري في قيد من الذّلّ يرسف

(1) *و قيل:رأى رجل رجلا حكيما يأكل ما تساقط من البقل على رأس ماء،فقال:لو خدمت السّلطان،لم تحتج إلى أكل هذا.فقال الحكيم:و أنت لو قنعت بهذا،لم تحتج إلى خدمة السّلطان.

*و أنشد بعضهم:

أرى رجالا بأدنى الدّين قد قنعوا و لا أراهم رضوا في العيش بالدّون

فاستغن بالدّين عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدّين

*و روي أنّه جاء إنسان إلى الجنيد،و حوله جماعة كثيرة من العجم و المولّدين (2)بخمس مائة دينار،و وضعها بين يديه،و قال:تفرّقها على هؤلاء.فقال:أ لك غيرها؟ فقال:نعم،لي دنانير كثيرة.فقال:أ تريد غير ما تملك؟فقال:نعم.فقال الجنيد:

خذها؛فإنّك أحوج إليها منّا.و لم يقبلها.

*و أنشدنا بعض الصالحين الأخيار:

لكسرة من جريش الخبز تشبعني و شربة من قراح الماء ترويني

و خرقة من جشير (3)الثّوب تكفيني حيا و إن متّ تكفيني لتكفيني

*و قيل لإبراهيم الخواص:حدّثنا بأعجب ما رأيت بأسفارك.فقال:لقيني الخضر، فسألني الصّحبة،فخشيت أن يفسد عليّ توكّلي بسكوني إليه ففارقته.م.

ص: 137


1- جاء في هامش(أ):يرسف يزحف و الرسيف مشي المقيد إذا جاء يتحامل برجله مع القيد.
2- في(أ):و حوله جماعة كثيرون العجم و المولدون.
3- الجشير:خريطة الراعي لزاده و أدواته،و الجوالق الضخم.

*و قيل:إنّ بنانا الحمّال (1)احتاج إلى جارية تخدمه،فانبسط إلى إخوانه،فجمعوا له ثمنها،و قالوا:هو ذا يجيء النّفر فنشتري ما يوافق.فلمّا ورد النّفر اجتمع رأيهم على واحدة،و قالوا:إنّها تصلح له.فقالوا لصاحبها:بكم هذه؟فقال:إنّها ليست للبيع، فألحّوا عليه،فقال:إنّها لبنان الحمّال،أهدتها له امرأة من سمرقند،فحملت إلى بنان، و ذكرت له القصة.

*و قال الشيخ العارف أبو الرّبيع،صاحب الكرامات و المقام الرفيع المالقي (2)رضي اللّه عنه:سمعت بامرأة من الصالحات في بعض القرى اشتهر أمرها،و كان من دأبنا أن لا نزور امرأة،فدعت الحاجة إلى زيارتها للاطّلاع على كرامة اشتهرت عنها،و كانت تدعى بالفضة،فنزلنا القرية التي هي فيها،فذكر لنا أنّ عندها شاة تحلب لبنا و عسلا، فاشترينا قدحا جديدا لم يوضع فيه شيء،و مضينا إليها،و سلّمنا عليها،ثم قلنا لها:نريد أن نرى هذه البركة التي ذكرت لنا عن هذه الشاة التي عندكم.فأخذنا الشاة،و حلبناها في القدح،فشربنا لبنا و عسلا.فلمّا رأينا ذلك سألناها عن قصّة الشاة،فقالت:نعم،كانت لنا شويهة،و نحن قوم فقراء،و لم يكن لنا شيء،فحضر العيد،فقال لي زوجي،و كان رجلا صالحا:نذبح الشاة في هذا اليوم.فقلت له:لا تفعل؛فإنّه قد رخّص لنا في الترك،و اللّه يعلم حاجتنا إليها.فاتّفق أن استضاف بنا في ذلك اليوم ضيف،و لم يكن عندنا قراه،فقلت له:يا رجل،هذا ضيف،و قد أمرنا بإكرامه،فخذ تلك الشّاة فاذبحها.قال:فخفنا أن يبكي (3)عليها صغارنا،فقلت له:أخرجها من البيت إلى وراء الجدار فاذبحها،فلمّا أراق دمها،قفزت شاة على الجدار،فنزلت إلى البيت،فخشيت أن تكون قد انفلتت منه، فخرجت لأنظرها،فإذا هو يسلخ الشاة،فقلت له:يا رجل،عجبا،و ذكرت له القصة، فقالت:لعلّ اللّه أن يكون قد أبدلنا خيرا منها.فكانت تلك تحلب اللبن،و هذه تحلب اللّبن و العسل ببركة إكرامنا الضيف،ثم قالت:يا أولادي،إن شويهتنا هذه ترعى في قلوبي.

ص: 138


1- بنان بن محمد الحمال الواسطي ثم المصري له كرامات سنية،و مواقف عليه،أسند الحديث،مات سنة 316 في مصر.
2- أبو الربيع الكفيف المالقي من أكابر الأولياء،و أعاظم الأصفياء،له كلام عال في الطريق.الطبقات الصغرى للمناوي 133.
3- في(أ):فقال:نخشى أن يبكي.

المريدين،فإذا طابت قلوبهم طاب لبنها،و إن تغيّرت تغيّر لبنها،فطيّبوا قلوبكم (1).

*قال الشيخ الإمام الحسيب النّسيب،شرف العارفين،و إمام المعرّفين،قدوة المريدين،و سرّ عباد اللّه المريدين،أبو عبد اللّه محمد بن أحمد القرشي الهاشمي (2)، قدّس اللّه روحه،و نوّر ضريحه،و نفعنا و المسلمين ببركته:الزم الأدب و حدّك (3)من العبودية،و لا تتعرّض لشيء؛فإن أرادك له أوصلك إليه.

*و أنشد الشيخ العالم العارف تاج الدين ابن عطاء اللّه رضي اللّه عنه لنفسه:

و كنت قديما أطلب الوصل منهم فلمّا أتاني الحلم و ارتفع الجهل

تيقّنت أنّ العبد لا طلب له فإن قرّبوا فضل و إن أبعدوا عدل

و إن أظهروا لم يظهروا غير وصفهم و إن ستروا فالسّتر من أجلهم يحلو

*و أنشد بعضهم:

و لو طردوني كنت عبدا لعبدهم و إن أبعدوني زدت في الحبّ و الودّ

و لي عندهم هجر كما حكم الهوى و هم لهم وصل و منزلة عندي

*و أنشد بعضهم:

ما عوّدوني أحبابي مقاطعة بل عوّدوني إذا قاطعتهم وصلوا

ما فيّ جارحة إلاّ مجرّحة كلا و لا مفصل إلاّ و منفصل

*و قال القرشي رضي اللّه عنه:لقيت من المشايخ قريبا من ست مائة شيخ،فاقتديت منهم بأربعة:الشيخ أبي زيد القرطبي،و الشيخ أبي الربيع المالقي،و الشيخ أبي العباس الجوزي،و الشيخ أبي إسحاق بن طريف (4)رضي اللّه عنهم أجمعين.ي.

ص: 139


1- روض الرياحين 130(الحكاية:53).
2- محمد بن أحمد القرشي أبو عبد اللّه عارف جليل،أصله من الأندلس من الجزيرة الخضراء،ثم تحول إلى مصر فقطنها،ثم إلى بيت المقدس،لقي نحو ست مائة شيخ،أخذ عنه كثيرون،مات بيت المقدس سنة 596 ه.طبقات المناوي 283/2.
3- في المطبوع:وجدك.و المثبت من روض الرياحين 531(الحكاية:487).
4- في المطبوع:ظريف،و المثبت من طبقات الصوفية للمناوي 207/2،و هو إبراهيم بن طريف شيخ ابن عربي.

*و قال رضي اللّه عنه:لو لم ألق من المشايخ من رأيت لتوهّمت أنّ الطريق ما عليه الناس اليوم،و ما عند القوم من الطريق إلاّ الاسم،إلاّ من سلك منهم على التحقيق.

*و قال رضي اللّه عنه:ما أحوجنا في هذا الوقت لأحد رجلين؛إمام عالم رباني، تأخذه للّه تعالى حميّة غضب،فيحلّ بنا مؤلم أدب،يحمله على ذلك علمه بما فاتنا من الحظوظ،بترك الانقياد للحقّ،و حرصه على أن لا يقطع أحد نفسا و لا وقتا إلاّ في الاشتغال بما يقرّبه من مولاه،و يقدّمه بين يديه،و إمّا عالم روحاني قد استغرقته معرفة مواقع الأقدار،و رؤية وقوع البلاء،بمختار و غير مختار،يستنزل من اللّه رحمته الواسعة بالدّعاء،و ينقلنا من ظاهر الحال عمّا نحن عليه بلطف و رفق،يحمله على ذلك الشفقة و الحنان،و معرفته بسعة الجود و الإحسان.

*و قال شيخ الشيوخ صاحب المعارف و المقام العالي الشريف أبو العباس ابن العريف (1)رضي اللّه عنه و نفع به:أصبحت يوما مهموما،فقلت للشيخ أبي القاسم بن روبيل (2):حدّثني بحكاية عسى أن يفرّج اللّه ما بي،فقال:نعم،وصف لي رجل ببعض السواحل يعرف بأبي الخيار،فقصدته،فوجدته على ساحل البحر،فسلّمت عليه، و جلست،فلم يتكلّم،و لم أكلّمه حتى إذا كان وقت الصلاة أقبل نفر من بعض الأودية متفرّقون،فاجتمعوا إليه،فتقدّمهم واحد منهم،فصلّى بهم،ثم افترقوا،و لم يكلّم أحد منهم أحدا،و جلس الشيخ مكانه،و جلست عنده،حتى إذا كان وقت الصلاة أقبل النّفر، و صلّوا،ثم انصرفوا،حتى حان وقت صلاة العصر اجتمعوا و صلّوا،ثم جلسوا بعد ذلك، و تذاكروا في سير الصالحين،و مقامات الأولياء إلى قريب الاصفرار،ثم تفرّقوا،و اجتمعوا للمغرب ثم تفرّقوا،فجلست عنده ثلاثة أيام،و هم على ذلك،ثم وقع في نفسي أن أسأله عن مسألة أستفيدها،فتقدّمت إليه،و قلت:أيّها الشيخ،مسألة أسأل عنها.فقال:قل.

فنظر الجماعة إليّ كالمنكرين،ففزعت،فقلت له:أيّها الشيخ،متى يعلم المريد أنّه مريد؟قال:فأعرض عنّي،و لم يجبني،فخفت أن أكون أغضبته،فقمت عنه،فلمّا كان).

ص: 140


1- أحمد بن محمد بن موسى أبو العباس بن العريف(481-536 ه)الصنهاجي الأندلسي المقرئ صاحب المقامات و الإشارات،ازدحم الناس عليه يسمعون كلامه و مواعظه،فخاف ابن تاشفين أمير المغرب من ظهوره فيقال إنه قتله سرا فسقاه.مات بمراكش.سير أعلام النبلاء 111/20.
2- ضبط روبيل من(أ)و(ب).

في اليوم الثاني،قلت:لا بدّ أن أسأله عن المسألة،و عزمت على ذلك،فتقدّمت إليه، و قلت:أيّها الشيخ،متى يعلم المريد أنّه مريد؟فأعرض عنّي كالأول،و لم يجاوبني، فقمت،و عدت في اليوم الثالث،فسألته عن المسألة بعينها،فاجتمع و قال:لا تقل هكذا، أظنّك تريد أن تسأل عن أول قدم يضعه المريد في الإرادة؟فقلت:نعم.فقال لي:إذا اجتمع فيه أربع خصال؛أحدها:أن تطوى له الأرض،و تكون عنده كقدم واحد،و أن يمشي على الماء،و أن يأكل من الكون متى أراد،و أن لا تردّ له دعوة،فعند ذلك يضع أول قدم في الإرادة،و أمّا متى علم المريد عندنا أنّه مريد سقط من حدّ الإرادة.قال الشيخ أبو العباس بن العريف:فصحت صيحة كادت نفسي تذهب معها،ثم قلت له:آه،آيستنا من الإرادة يا أبا القاسم.و تعجّبت من علوّ همّة هذا الشيخ (1).

*و قال الشيخ أبو الربيع رضي اللّه عنه:كنّا عند جماعة (2)من الفقراء بمكّة،و كان فيهم رجال لهم سياحات و أحوال عهدوها من أنفسهم،و كنت قد وقف بي بحثي عن نفسي على أني لم أجد لي عملا صالحا،فتفكّرت في نفسي:هل لي حال أنتظره في المستقبل يرد عليّ؟فوجدتني فقيرا منه،فقلت:من العجز انتظار ما لم يكن.فتعلّقت بفعل ما يلزمني في الوقت،فوجدت أنّه ليس عمل أفضل من الطواف،فكنت أكثر منه،فكان بعضهم يقول لي:إلى كم تدور كحمار السّانية (3)،أ في كلّ هذا العمل أنت واجد قلبك؟ فقلت:لا،و لا أعرف لي قلبا أجده،و لا أعرف له مكانا فأطلبه،و لكنّي سمعت قوله تعالى: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]،فأنا أعمل على ظاهر من الأمر.

*و قال الشيخ أبو الرّبيع أيضا رضي اللّه عنه:كنت في بعض سياحتي منفردا، فقيّض اللّه لي طيرا،إذا كان الليل ينزل قريبا منّي،يبيت يسامرني،فكنت أسمعه اللّيل كلّه ينطق:يا قدّوس،يا قدّوس،فإذا أصبح صفّق بجناحيه،و قال:سبحان الرزّاق،ثم يغيب عنّي،فإذا كان اللّيل رأيته يأتي فيقول مثل ذلك،فلم يزل كذلك مدّة إقامتي في تلك السفرة.).

ص: 141


1- روض الرياحين 503(الحكاية:464).
2- في(أ):كنا جماعة.
3- السّانية:الغرب و أداته:الناقة يستقى عليها و هي النواضح،و منه المثل:سير السّواني سفر لا ينقطع.متن اللغة(سني).

*و قال الشيخ الكبير العارف باللّه أبو إسحاق بن طريف رضي اللّه عنه:خرجت من الإسكندرية قاصدا إلى المغرب،و أمشي على الصحراء،فبقيت أياما لم يفتح عليّ شيء، ففتح عليّ شيء،فأكلت،فنمت،فاحتملت،و كان الماء بعيدا من الموضع،فخرجت مهتمّا صارخا،و يدي على رأسي-أو قال:طارحا بيدي على رأسي-لفوات وردي، فسمعت هاتفا:يقول المهديّ القائم بأمر اللّه:الجوع الجوع،فقلت:نعم نعم.

*و قال الشيخ أبو عبد اللّه القرشي رضي اللّه عنه:كنت عند الشّيخ أبي إسحاق بن طريف رضي اللّه عنه،فأتى إليه إنسان،فسأله:هل يجوز للإنسان أن يعقد على نفسه عقدا لا يحلّه إلاّ بنيل مطلوبه؟فقال له:نعم،و استدلّ بحديث أبي لبابة الأنصاري رضي اللّه عنه،في قصّة بني قريظة،و قوله صلى اللّه عليه و سلم:«أما إنّه لو أتاني لاستغفرت له،و لكن إذ قد فعل ذلك بنفسه فدعوه حتّى يحكم اللّه فيه» (1)،قال:فسمعت هذه المسألة و عقدت على نفسي أني لا أتناول شيئا إلا بإظهار قدرة،فمكثت ثلاثة أيام،و كنت إذ ذاك أعمل صناعتي في الحانوت،فبينما أنا جالس على الكرسي إذ ظهر لي شخص بيده شيء في إناء،فقال لي:

اصبر إلى العشيّ،تأكل من هذا،ثم غاب عنّي،فبينما أنا في وردي بين العشاءين إذ انشقّ الجدار،فظهرت لي حوراء بيدها ذلك الإناء الذي كان بيد ذلك الشخص،فيه شيء يشبه العسل،فتقدّمت إليّ،و ألعقتني منه ثلاثا،فصعقت و غشي عليّ،ثم أفقت و قد ذهبت،4.

ص: 142


1- لما نقضت يهود بني قريظة العهد مع المسلمين،و جاهروا بسبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،حاصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،فأرسلت بنو قريظة إلى أبي لبابة بعد أن جمعوا إليه أبناءهم و نساءهم و رجالهم، و قالوا له:يا أبا لبابة،أ ترى أن ننزل على حكم محمد؟قال:نعم،و أشار بيده إلى حلقه أنه الذبح إن فعلتم.ثم ندم في الحين،و علم أنه خان اللّه و رسوله،فانطلق إلى المدينة،و لم يرجع إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم،فربط نفسه في سارية،و أقسم ألا يبرح من مكانه حتى يتوب اللّه عليه،فكانت امرأته تحلّه لوقت كل صلاة،قال ابن عيينة و غيره:و فيه نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الآية[الأنفال:27].فلما بلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«أما إنه لو أتاني لاستغفرت له،و أما إذ فعل ما فعل فلا أطلقه حتى يطلقه اللّه تعالى»فأنزل اللّه تعالى في أمر أبي لبابة: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الآية[التوبة:102].فلما نزل فيه القرآن أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بإطلاقه.و كان ما كان من أمر الفتح. رواه البيهقي في الدلائل 14/4،و ابن كثير في البداية و النهاية 119/4.انظر تفسير القرطبي 140/14.

فلم يطب لي بعد ذلك طعام،و أشرب قلبي تلك الصّورة،فما استحسنت بعدها شخصا، و لا كنت أتمكّن من سماع كلام الخلق،و أقمت على ذلك مدّة (1).

*و قال أبو عبد اللّه القرشي رضي اللّه عنه:قد يمنع اللّه العبد من العمل اختبارا له؛ لينظر حاله عند الفقد لذلك في تضرّعه و افتقاره،أو غفلته و استغنائه.

*و قال رضي اللّه عنه:إنّ اللّه تعالى يعيد من بركات حركات الظواهر على البواطن ما يكون سببا في تنويرها و صلاحها،حتى إذا صفت السرائر،و تخلّصت من شوائب الكدورات،عادت بالصلاح على الأعمال الظواهر،فزكت الأعمال،و ارتفعت الأحوال بطهارة أصولها،و ثبات أساسها.

*و قال رضي اللّه عنه:رؤية الفضل و المنّة في العمل و إن قلّ،أتمّ في حقّ واجب الرّبوبية من رؤية التّقصير،عن القيام بحقّ العبودية.

*و قال رضي اللّه عنه:المريد إذا خدم المشايخ و الإخوان بالأدب،أعاد اللّه عليه من بركات أحوالهم ما لم يكن يبلغه بعمل؛لأن ما يرد عليه منهم هو ثواب أعمالهم المتقبّلة، و ما يرد عليه منه هو ثواب عمله،و لا يقدر على تخليصه.

*قلت:كنت طالعت منذ زمان في كلام سيدنا الشيخ أبي عبد اللّه القرشي المذكور نفعنا اللّه به،فرأيت بعد ذلك في النوم بعض الصالحين،و إذا هو يقول لي:أنت الذي كان معك كلام أبي عبد اللّه القرشي،لقد كان يفوح هاهنا.يعني مسكا.

*و قال القرشيّ رضي اللّه عنه:كنت مرادا بالتقليل،لم يكن يصفو لي شبع و لا ريّ و لا كسوة،و لقد أقمت مقدار سنة و عليّ خلق جبّة صوف كنت أضمّها عليّ كيلا تنكشف عورتي،و لقد كانت عليّ بمكّة محشوّة تقطّعت بطانتها،فصار القمل يسكن في القطن، فكنت أقاسي منها شدّة،فاتفق يوم من الأيام أنّي كنت أغتسل في السّحر عند بئر هناك، فجاء حرّاب (2)،فأخذها،فوجدت برد راحتي منها،و فرحت بأخذها،فمضى بعض أصحابي يستعير ما ألبسه،و إذا بالحرّاب قد نظرها في السّراج،فوجدها لا تساوي شيئا،ص.

ص: 143


1- روض الرياحين 84(الحكاية:14).
2- الحرّاب:المشلّح الناهب،الذي يعرّي الناس ثيابهم.متن اللغة(حرب).و في طبقات الصوفية للمناوي 284/2:لص.

فجاء و طرحها إليّ،و قال:خذها لا طرح اللّه لك فيها بركة،أتعبتني على لا شيء،فلقد وجدت نفسي أثر ردّها،بعد استشعار الراحة منها.

*و قال رضي اللّه عنه:لقيت الشّيخ أبا مدين (1)رضي اللّه عنه ببجانة (2)،و كانت له العبارة و شرف الهمّة،و أقمت عنده أحضر مجلسه،و أسمع كلامه،و كنت آوي في سور البلد،و لا أخالط من أصحابه أحدا،و أقمت مريضا بحمّى الرّبع (3)مدّة ثلاثة أشهر،و أنا مطروح تحت السور.

*و قال رضي اللّه عنه:من فوائد الفقر و ثمراته وجود ألم الجوع و العري،و التلذّذ بهما،و الزّيادة منهما،و المنافسة فيهما.

*و كان ينشد:

أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به يوم الزّيارة في الثّوب الذي خلعا

فقر و صبر هما ثوباي تحتهما قلب يرى إلفه الأعياد و الجمعا

الدّهر لي مأتم إن غبت يا أملي و العيد ما كنت لي مرأى و مستمعا

*و قال رضي اللّه عنه:سمعت الشّيخ أبا مدين رضي اللّه عنه يقول:الملك ملكان:

ملك البلاد،و ملك قلوب العباد،و الملوك على الحقيقة هم الزّهاد.

*و قال رضي اللّه عنه:دخل على الشيخ أبي مدين رضي اللّه عنه في بعض الأيام له ولد صغير من المكتب،فالتفت إلى أصحابه و قال:هذا أفسد عليّ مملكتي.فعن قريب توفّي الصغير.

*و قال رضي اللّه عنه:بينما أنا أسير على بعض السواحل،إذ خاطبتني حشيشة:أنا شفاء هذا المرض الذي بك،فلم أتناولها،و لم أستعملها.).

ص: 144


1- أبو مدين شعيب المغربي العارف الكبير،رأس الصوفية،ولد ببجانة،أخذ عنه الكبراء كابن عربي، و كان سلطان الوارثين،له عدّة مؤلفات مع أنه كان أميا،له كرامات،مات سنة نيف و ثمانين و خمس مائة.طبقات المناوي 237/2.
2- بجاية:مدينة على ساحل البحر بين إفريقية(تونس)و المغرب.انظر معجم البلدان.
3- حمّى الرّبع:التي تأتي يوما و تترك يومين و تعود في الرابع.متن اللغة(ربع).

*و قال بعضهم:كنت أرى موضع قدمي الشيخ أبي عبد اللّه القرشي رضي اللّه عنه، إحداهما ذهبا،و الأخرى فضة.

*و قال رضي اللّه عنه:آخر ما تصوّرت لي الدّنيا في صورة امرأة حسناء شابّة،بيدها مكنسة،و هي في المسجد الذي كنت فيه تكنسه،فقلت:ما شأنك؟فقالت:جئت لأخدمك.فقلت:لا و اللّه.فقالت:لا بدّ،و أشرت عليها بعصا كانت معي،و عزمت على ضربها،فعادت عجوزا،و جعلت تكنس المسجد،ثم غفلت عنها،فعادت مثل ما كانت، فهممت بإخراجها،فانقلبت عجوزا ضعيفة،فرحمتها،ثم غفلت عنها،فصارت شابة، فتغيّرت عليها،و انزعجت لذلك،فقالت لي:تطيل أو تقصر هكذا أخدمك،و هكذا خدمت إخوانك.فمن ذلك اليوم لم يتعذّر عليّ شيء من الأسباب (1).

*و قال رضي اللّه عنه:قال الشيخ أبو مدين رضي اللّه عنه:إنّما فضّلت صلاة الجماعة على صلاة الفذّ،لأنّه يكتب لكلّ عبد من صلاته ما قام به منها؛فيكتب من صلاة عشرها، و من صلاة ثلثها،و نصفها،إلى غير ذلك (2)،فترتفع للجميع صلاة من تكملة الأجزاء بعضها ببعض،فيعيد اللّه تعالى بركة الكمال و الإتمام على الجماعة،فيكتب لكلّ واحد منهم صلاة كاملة ببركة الاجتماع و الحضور.

*و قال الشيخ أبو العباس ابن العريف رضي اللّه عنه:إذا أراد اللّه أن يهيّى عبدا للإمامة و الاقتداء،شغله في أيام غفلته بعلم الظاهر من القرآن،و العربية،و الفقه،و الحديث،ثم ينقله إلى علم الأحوال و المقامات،فعند ذلك يستحقّ الإمامة و التقدّم.».

ص: 145


1- روض الرياحين 530(الحكاية:487).
2- روى البخاري في صحيحه 109/2 في صلاة الجماعة،باب فضل صلاة الفجر في جماعة،و مسلم (650)في المساجد،باب فضل صلاة الجماعة،و الموطأ 129/1 في الجماعة،باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ،و الترمذي(215)في الصلاة،باب ما جاء في فضل صلاة الجماعة عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع و عشرين درجة».و الفذ:الفرد. و روى أبو داود(796)في الصلاة،باب ما جاء في نقصان الصلاة بسند صحيح عن عمار بن ياسر قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«إنّ الرجل لينصرف و ما كتب له إلا عشر صلاته،تسعها، ثمنها،سبعها،سدسها،خمسها،ربعها،ثلثها،نصفها».

*و أنشد ابن العريف:

بدا لك سرّ طال عنك اكتتامه و لا صباح كنت أنت ظلامه

فأنت حجاب القلب عن سرّ غيبه و لولاك لم يطبع عليه ختامه

فإن غبت عنه حلّ فيه و طنّبت على مركب الكشف المصون خيامه

و جاء حديث لا يملّ سماعه شهيّ إلينا نثره و نظامه

*و أنشدت رابعة العدوية رضي اللّه عنها:

إنّي جعلتك في الفؤاد محدّثي و أبحت جسمي من أراد جلوسي

فالجسم منّي للجليس مؤانس و حبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

*و قال ذو النّون رضي اللّه عنه:رأيت ببعض سواحل الشام امرأة،فقلت:من أين أقبلت؟فقالت:من عند أقوام تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ [السجدة:16]،فقلت:و أين تريدين؟قالت:إلى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ [النور:37]،فقلت:صفيهم لي،فأنشأت (1)تقول:

قوم همومهم باللّه قد علقت فما لهم همم تسمو إلى أحد

فمطلب القوم مولاهم و سيّدهم يا حسن مطلبهم للواحد الصّمد

ما إن تنازعهم دنيا و لا شرف من المطاعم و اللذّات و الولد

و لا لباس لثوب فائق أنق و لا لروح سرور حلّ في بلد

(2) فهم رهائن غدران و أودية و في الشوامخ تلقاهم مع العدد

*و قال شيخ الطريقة و بحر الحقيقة،محيي الدّين ابن عربي رضي اللّه عنه:كنت أنا و صاحب لي في المغرب الأقصى بساحل البحر المحيط،و هناك مسجد يأوي إليه الأبدال، فرأيت أنا و صاحبي رجلا وضع حصيرا في الهواء على مقدار أربعة أذرع من الأرض، و صلّى عليه،فجئت أنا و صاحبي و وقفت تحته،و قلت:لد

ص: 146


1- في(ب):فأنشدت.
2- في روض الرياحين 193(الحكاية 120): و لا لباس لثوب فائق أنق و لا التزيّد في الأموال و الولد

شغل المحبّ عن الحبيب بسرّه في حبّ من خلق الهواء و سخّره

العارفون عقولهم معقولة عن كلّ كون ترتضيه مطهّره

فهمو لديه مكرّمون و عنده أسرارهم محفوظة و محرّرة

قال:فأوجز في صلاته،و قال:إنّما فعلت هذا لأجل هذا المنكر الذي معك،و أنا أبو العباس الخضر.و لم أكن أعلم أنّ صاحبي ينكر كرامات الأولياء،فالتفتّ إليه و قلت:

يا فلان،أ كنت تنكر كرامات الأولياء؟قال:نعم.قلت:فما تقول الآن؟قال:ما بعد العيان ما يقال.

*و قال أيضا:دعانا بعض الفقراء إلى دعوة بزقاق القناديل (1)بمصر،فاجتمع بها جماعة من المشايخ،فقدّم الطعام،و عجزت الأوعية،و هناك وعاء زجاج جديد قد اتّخذ للبول،و لم يستعمل بعد،فغرف فيه ربّ المنزل الطعام،فالجماعة يأكلون،و إذا الوعاء يقول:منذ أكرمني اللّه بأكل هؤلاء السّادات منّي،لا أرضى لنفسي أن أكون بعد ذلك محلاّ للأذى،ثم انكسر نصفين،قال فقلت للجميع:سمعتم ما قال الوعاء؟قالوا:نعم.قلت:

ما سمعتم؟فأعادوا القول الذي تقدّم،قال:فقلت:قال قولا غير ذلك.قالوا:و ما هو؟ قلت:قال:كذلك قلوبكم،قد أكرمها اللّه بالإيمان،فلا ترضوا لها بعد ذلك أن تكون محلاّ لنجاسة المعصية و حبّ الدنيا.

*و قال بعضهم:همّة تجول حول العرش،و همّة تجول حول الحشّ (2)،فمن كانت همّته ما يدخل،كان قيمته ما يخرج (3).

*و قيل:قصد جماعة من الفقهاء زيارة بعض المشايخ،فلمّا أتوه صلّوا خلفه، فسمعوه يلحن،فتغيّر اعتقادهم فيه،فلمّا باتوا تلك الليلة أجنبوا كلّهم،فخرجوا في السّحر يغتسلون،و وضعوا ثيابهم عند بركة ماء هناك،و نزلوا في الماء،فجاء الأسد و جلس على ثيابهم،فلاقوا شدّة من شدّة البرد،و لم يقدروا أن يخرجوا،فجاء الشيخ، و أخذ بأذن الأسد،و قال:أما قلت لك لا تتعرّض لضيفاني؟ثم قال لهم:أنتم اشتغلتم بتقويم الظاهر،فخفتم الأسد،و نحن اشتغلنا بتقويم الباطن،فخافنا الأسد.ج.

ص: 147


1- زقاق القناديل:تجاه الجانب الشرقي من جامع عمرو بن العاص.الخطط المقريزية 165/3(سوق الكتبيين).
2- في هامش(أ):أي بيت الخلاء.
3- في(أ):فمن كان همّه ما يدخل،كان قيمته ما يخرج.

*و عن إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه،قال:لحنّا في أقوالنا فأعربنا،و لحنّا في أفعالنا فلم نعرب.

*قلت:و أخبرني بعض الإخوان الأخيار أنّ الشيخ و الفقيه السيّدين الجليلين،إمامي وقتهما المشهورين،في عوّاجة من بلاد اليمن رضي اللّه عنهما،و نفع بهما،تذاكرا يوما في الفقراء و الفقهاء،أيّهم خير؟فقال الشيخ الحكمي للفقيه البجلي:ناد لي فقيها و فقيرا، حتى أبيّن لك حالهما،فاستدعا بهما،فلمّا جاء الفقيه،قال له الشيخ:يا فقيه،في نفسي منك شيء.فقال الفقيه:و أنا في نفسي منك شيئان.ثم جاء الفقير،فقال له الشيخ:

يا فقير،في نفسي منك شيء،فقال الفقير:يا سيدي،أنا!أستغفر اللّه.

*و قال بعضهم:يكفيك في الفرق بين الفقير و الفقيه أنّ الفقير يجلس في آخر المجلس مسرورا بذلك،و لو جلس هناك الفقيه لضاقت عليه الدّنيا.

*و تذاكرت مرّة مع بعض أهل العلم الفضلاء الأتقياء بمكّة،خلف المقام،فقلت:

فقير صاحب قلب أفضل عندي من ألف فقيه من فقهاء الدنيا.فقال لي:إذا كان يوم القيامة ينصب ميزان للفقير و الفقيه،فلمّا قمت من ذلك المجلس التقيت بعض الشيوخ على الفور،فقال لي ابتداء كلاما ذكر فيه أنّ الشيخ الفقيه الإمام ابن دقيق العيد رحمه اللّه ذكر بعض الفقراء،ثم قال:هو عندي خير من ألف فقيه،فتعجّبت من ذلك إذ لم يطّلع مذاكرتنا أحد،هذا أقوله محبة للفقراء،مع أني كما قال اللّه تعالى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ [النساء:143].و كما قال القائل:

قد بقينا مذبذبين حيارى نطلب الوصل ما إليه سبيل

فدواعي الهوى تخفّ علينا و خلاف الهوى علينا ثقيل

نسأل اللّه الكريم التوفيق و صلاح الحال،و الاستعداد للمال،و التوجّه إليه،و الإقبال عليه.

*و ذكر بعض العلماء في بعض مصنّفاته:أنّه كان ببغداد بعض الفقهاء الفضلاء، يدرّس اثني عشر علما،فبينما هو يمشي ذات يوم إلى المدرسة سمع منشدا يقول:

إذا العشرون من شعبان ولّت فواصل شرب ليلك بالنّهار

و لا تشرب بأقداح صغار فقد ضاق الزّمان عن الصّغار

ص: 148

ففهم من ذلك شيئا أزعجه،و أخرجه هائما على رأسه إلى مكّة،فجاور بها و تعبّد، و ترك التّدريس.

قلت:و هذا الشعر المذكور يفهم منه الموفّق أنّ عمره قد ولّى،و قارب الفوت،و ضاق عن الاتساع للاشتغال بالاستعداد للموت،فيبادر بالعزائم الكبار إلى مواصلة الأعمال بالليل و النهار،و يطرب فيها كما يطرب شارب العقار،متلذّذا بالخدمة و المنادمة للملك الغفّار،معرضا عن دار الاغترار،مشتاقا إلى دار القرار.

*و قال الشيخ الكبير العالم العارف سفيان اليمني (1)رضي اللّه عنه،و نفع به:قيل لي:إذا أردتنا فأترك القولين و الوجهين.

*و بلغني أنّ الشيخ الإمام السيد محيي الدّين النواوي رضي اللّه عنه أوصى إخوته عند موته بالتعبّد،و نهاهم عن التغلغل في الاشتغال بالعلوم.

*و قال القاضي الإمام أبو بكر ابن عربي (2)رضي اللّه عنه في بعض كتبه:لقيت الإمام أبا حامد الغزالي رضي اللّه عنه في البرّية،و عليه مرقّعة،و بيده ركوة و عكاز (3)،و قد كان يحضر مجلسه نحو مائة عمامة من أبناء الأمراء،أو كما قال-و قال غيره:كان يدرّس ثلاث مائة-و قال ابن عربي:فقلت له:يا إمام،أ ليس تدريس العلم ببغداد خير من هذا؟فنظر إلى شزرا،و قال:لما بزغ بدر السعادة في ملك الإرادة-أو قال:في سماء الإرادة- و جنحت شمس الأصول إلى مغارب الوصول:

تركت هوى سعدى و ليلى بمعزل و عدت إلى تصحيح أوّل منزل

و نادت بي الأشواق مهلا فهذه منازل من تهوى روديك فانزلي.

ص: 149


1- سفيان بن عبد اللّه الأبيني اليمني فقيه عارف عالم زاهد،له كرامات،مات أواخر القرن السابع. طبقات المناوي 418/2.
2- محمد بن عبد اللّه بن محمد الإشبيلي المالكي أبو بكر بن العربي(468-543 ه).قاض من حفاظ الحديث،رحل للمشرق،و برع في الأدب،و بلغ رتبة الاجتهاد،صنف كتبا في الحديث و الفقه و الأصول و التفسير و التاريخ و الأدب،ولي قضاء إشبيلية،مات بقرب فاس.
3- في هامش(أ):أي عمي.

*و قال لي مرة بعض الصالحين:عجبت من هؤلاء الفقهاء الذين ما شغلهم إلاّ بالكتب.

*قلت:و وقع لي خاطران في بداية اشتغالي بالعلم:أحدهما يدعوني إلى العلم، و الآخر إلى التعبّد،و تعبت في مجاذبتهما،حتّى فرّج اللّه تعالى،و له الحمد بإشارات منها:أني كنت مهموما في ذلك في باطني مثل النار،ففتحت كتابا،فواجهتني ورقة ليست من الكتاب،و لم أرها فيه قبل ذلك،و إذا فيها أبيات ما كنت سمعتها،فلمّا قرأتها ذهب همّي و برد احتراقي،و سكن اضطراب الخاطرين المذكورين،و هي هذه الأبيات:

كن عن همومك معرضا و كل الأمور إلى القضا

فلربّما اتّسع المضي ق و لربّما ضاق الفضا

و لربّ أمر متعب لك في عواقبه رضا

اللّه يفعل ما يشا ء فلا تكن متعرّضا

*و غيره مخمس:

فناديت قلبي اسمع و خذ بالإشارة فيا حسن ما في ضمنها من بشارة

و در بعد مع ريح القضا حيث دارت و سلّم لسلمى ثم سر حيث سارت

عسى من خدور الحيّ تبدو بدورها إذا ما بدت ناديت في كلّ حلّة ألا يا لقومي أعلموني بحيلة

إلى وصل خودات كعاب جميلة أراك الحمى قل لي بأيّ وسيلة

توسّلت حتّى قبّلتك ثغورها بقطع لأصلي مع فراقي لبلدتي و ذلّي و سيحي في البلاد و غربتي

و إيباس نفسي بعد زهري و خضرتي رحمت على صبري على كلّ كربتي

فصفي لنفسي بالوصال سرورها قلت:و هذه الأقوال التي ذكرناها تدلّ على شدّة الاعتناء بالعمل،و لا يتوّهم أحد أنّ مرادي بذكرها أن يترك العمل أو يهمل،أو ذمّ الأخيار من العلماء الأفاضل،و مدح من هو بمعرفة ما يلزمه معرفته جاهل من فروض العبادات،و العقيدة الصحيحة،و كيف أريد ذلك

ص: 150

و أنا القائل في القصيدة المسمّاة ب«الدّرة الفصيحة في الوعظ و النّصيحة»بعد ما قلت:

و بعد فهذي درّة الحسن أقبلت بها ما استحقّت أجله الحبّ تمنح

ثلاث خصال سوف نأتي بشرحها حوتها جميلات لها الشرح يمدح

جمال و دين فالنّصيحة دينها لقد نهضت بالعزم و الحزم تنصح

تحبّ بني الأخرى و تطري بمدحهم و تقلي بني الدّنيا و تهجو و تفضح

و قد سنحت أنوار أعلام دينها و نور طراز الحسن من بعد يسنح

و ثالثها أعني بتلك شريعة بطيبة منشاها فبالطيب ترشح

طباقا و لفّا ثم نشرا مجانسا يقابله ممّا استعارت مرشّح

و ردّ اعتراض بالتفات مراجع مدبج ترصيع

(1) الطّراز موشّح كستها المعاني أخضر اللّون سندسا و أصفر ديباجا و أحمر يملح

معان عوال في الثّريا محلّها غوال لها بالشّعر أصبحت أمدح

تغزّلت في بعض المعاني و بعضها أشارت بترك قلت ما فيه أسمح

فقالت دع التّطويل كم ذا تغزلا و كم في ملاحات الملاح ترنّح

قم انهض إلى النّصح الذي قد وعدته و شمّر ففيه للتجارة مربح

فقلت لها ما لي بربحك حاجة فنحن أناس بالسّلامة نفرح

فقالت فأهل الفضل فيه تكلّموا و للنّطق بالخير الشّريعة نمدح

فقلت دعيني في السّكوت سلامة و تلك هي الخير الذي هو يملح

فقالت و في الأخلاق أيضا ملامة و تلك هي الشّرّ الذي هو يقبح

فقلت أجل بالنّصح أبدأ و إنّني مقرّ بأنّي ما لذلك أصلح

فيا ربّ أصلحنا بجاه محمّد و أيّد و وفّقنا لما هو أصلح

أيا طالب الأخرى و قيت من الرّدى و لقّيت توفيقا لقلبك يصلح

عليك بتقوى اللّه يخرجك من ردى و يرزقك من غيب و أنت مروح

هي العروة الوثقى هي الخير كلّه هي الرّبح كلّ الرّبح يا متربّحح.

ص: 151


1- في المطبوع:ترشيح.

و شيخ به اقتد أو كتاب و سنّة إذا لم تجد شيخا يربّي و يلقح

فقيها و صوفيا فكن ليس واحدا فإنّي و حقّ اللّه إيّاك أنصح

فهذاك قاس يابس لم يذق هوى و هذا جهول كيف ذو الجهل يفلح

و المراد بهذا الجاهل،جاهل بحكم فرض العين،دون فرض الكفايات.

و الذي أراه و أقول به:إنّ الأفضل في الاشتغال بالعلم أو بالعبادة يختلف باختلاف الناس في أحوالهم،و ذوقهم،و قابلياتهم،و أذهانهم،و نياتهم،و ينقسمون في ذلك فيما ظهر لي خمسة أقسام:

القسم الأول:رجال غلبت عليهم أحوال قوية أزعجتهم،و اضطرّتهم إلى الاشتغال باللّه وحده،و لم تدع فيهم للاشتغال بغيره بقية،فهؤلاء تحت حكم حالهم،و قد أقامهم الحقّ سبحانه و تعالى في هذا المقام،فليس لنا عليهم حكم،و لا لنا معهم كلام،فهم الفرسان في الحقيقة،و الرّجال الذين ليس لغيرهم معهم في ميدان المحبّة مجال،و الذين صدق قائلهم،و أحسن حيث قال:

كانت لقلبي أهواء مفرّقة فاستجمعت إذ رأتك العين أهوائي

(1) و صار يحسدني من كنت أحسده و صرت مولى الورى مذ صرت مولائي

تركت للخلق دنياهم و دينهم شغلا بحبّك يا ديني و دنيائي

و قال الآخر:

كأنّ رقيبا منك يرعى خواطري و آخر يرعى ناظري و لساني

فما رمقت عيناي بعدك منظرا يسوؤك إلاّ قلت قد رمقاني

و لا بدرت من فيّ دونك لفظة لغيرك إلاّ قلت قد سمعاني

و لا خطرت في السرّ بعدك خطرة لغيرك إلاّ عرّجا بعناني

و إخوان صدق قد سئمت حديثهم و ألهيت عنهم ناظري و لساني

و ما الزّهد أسلى عنهم غير أنّني وجدتك مشهودي بكلّ مكانيك.

ص: 152


1- في روض الرياحين 56:مذ رأتك.

و قال الآخر،و هو الشيخ العارف ابن الفارض رضي اللّه عنه في بعض قصائده (1):

إذا أنعمت نعم عليّ بنظرة فلا أسعدت سعدى و لا أجملت جمل

حرام شفا سقمي لديها رضيت ما به حكمت لي في الهوى و دمي حلّ

فحالي و إن ساءت فقد حسنت بها و ما حطّ قدري في هواها به أعلو

فنافس ببذل النّفس فيها أخا الهوى فإن قبلتها منك يا حبّذا البذل

فمن لم يجد في حبّ نعمى بنفسه و إن جاد بالدّنيا إليه انتهى البخل

و لو لا مراعاة الصبابة (2)غيرة و إن كثروا أهل الصبابة أو قلّوا

لقلت لعشّاق الملاحة أقبلوا إليها على رأيي (3)و عن غيرها ولّوا

و إن ذكرت يوما فخرّوا لذكرها سجودا و إن لاحت إلى وجهها صلّوا

القسم الثاني:قوم لهم ذوق في العبادات،و أنس في الخلوات،و حلاوة في مناجاة مولاهم و لذّات،و يلحقهم تغيّر و تكدّر في المخالطات و يلحقهم أيضا تفرّق الهمّ باللّه، و عدم الانجماع عند الاجتماع في الاشتغال بالعلم بالبحث و المذاكرات،و بالدّرس و المطالعات،و خصوصا عند المماراة و المجادلات،فهؤلاء إن عرفوا الزّيادة في قلوبهم و أحوالهم من النقصان،لزموا الذي يجدون به الزّيادة حيث ما كان،و إن لم يعرفوا ذلك فينبغي أن يكثروا من صلاة الاستخارة و الدّعاء،و التضرّع إلى مجيب الدّعوات في التّوفيق للأفضل في حقّهم من العلم و العمل،هذا كلّه بعد تعلّم أحكام فرض العين الذي لا بدّ لكلّ مكلّف من معرفته،و لا يجوز الإقدام عليه بجهالته،كعلم صحيح العقيدات،و علم صلاح القلب و طهارته من الصّفات المذمومات،و علم أحكام ما يلزم من سائر العبادات؛ كالصلاة،و الصوم،و الطّهارات،و كذا الحجّ إن وجب عليهم،و مثله الجهاد و الزّكاة، و يلزمهم في جميع ذلك تعلّم أصول المسائل،و ما يقع منها في الغالب دون الفروع النادرات،و مع هذا فالذي أراه لمن عرف من نفسه نجابة في الاشتغال بالعلم،و قابلية،ي.

ص: 153


1- الديوان 137،من قصيدة مطلعها: هو الحبّ فاسلم بالحشا ما الهوى سهل فما اختاره مضنى به و له عقل
2- في الديوان:مراعاة الصيانة.
3- في(ب)و المطبوع:رأسي.

و صلاح نيّة من هذا القسم أن يشتغل مع التشتّت و التّفرّق بفروض الكفايات،مع مزج العلم بالعمل،و لزوم طرق الزّهد،و الاحتراز في الخلطة ممّا يقع فيها من الآفات و تضييع جواهر الأوقات النّفيسات.

القسم الثالث:ناس لهم رغبة في العلم،و ذوق و ذكاء،و نيّات صالحات،فهؤلاء ينبغي أن يبذلوا الجهد في الاشتغال بالعلوم،بتقديم المهمّ منها فالأهمّ بحسب الأشخاص و الأوقات،مع التقلّل من الدّنيا،و لزوم سيرة العلماء الأخيار أولي التقوى و السّير الحميدات،و الاتّصاف بما قاله الإمام الشّافعيّ،ذو الفضائل و السّؤدد رضي اللّه عنه، حيث أنشد (1):

أخي لن تنال العلم إلا بستّة سأنبيك عن مكنونها ببيان

ذكاء و حرص و اجتهاد و بلغة (2) و إرشاد أستاذ و طيب زمان

و قال الآخر:

يا طالب العلم صارم كلّ بطّال و كلّ غاو إلى الأهواء ميّال

و اعمل بعلمك سرّا أو علانية ينفعك يوما على حال من الحال

و بما قال الآخر:

يا طالب العلم باشر الورعا ثم اهجر النّوم و اترك الشّبعا

و اقبل على الدّرس لا تفارقه فالعلم بالدّرس قام و ارتفعا

القسم الرابع:أناس في أذهانهم بلادة،لا يجيء منهم إفادة و لا استفادة،فهؤلاء ينبغي لهم بعد تعلّم فرض العين،أن يستغرقوا أوقاتهم في العبادة.

القسم الخامس:ناس فيهم دواعي العلم،و جودة الأفهام الزكية،و لكنّهم مع ذلك خلوّ من صلاح النيّة،فينبغي لهؤلاء أن يجاهدوا نفوسهم في تحصيل الإخلاص،و يذكّروها فناء الدّنيا و حقارتها،و غرورها و فتنتها،و ما جاء في الوعد و الوعيد،و عسر الخلاص،و تشبيه بعض العلماء بالحمير و الكلاب،في نصّ الكتاب،لركونهم إلى الدّنيا،و ترك العمل و اتّباعش.

ص: 154


1- ديوان الشافعي صفحة 188.
2- في هامش(أ):و احتياط و بلغة،و البلغة بالضمّ:ما يتبلّغ به من العيش.

الهوى،مع الوعيد الشّديد لهم في الآي السّنية،و الأحاديث النبوية،و ينبغي بعد تعلّم فرض العين المذكور،أن يشتغلوا بذكر اللّه و عبادته في اللّيل و النهار،لكي يعيد اللّه من بركات العبادة على قلوبهم،حتّى تصلح و تشرق فيها الأنوار،و حينئذ ينتج اشتغالهم بالعلم النفع،و يثمر أزكى الثمار.

و قد ذكرت العلماء و الفقراء في أوّل هذا الباب الثاني (1)،بعد أوراق يسيرة نحو من كراسة صغيرة،و ذكرت هناك قول الفضيل رضي اللّه عنه:كان العلماء ربيع النّاس،إذا رآهم المريض لم يسرّه أن يكون صحيحا،و إذا نظر إليهم الفقير لم يودّ أن يكون غنيا،قد صاروا اليوم فتنة للناس.و قول الشيخ أبي الحسين النّوري رضي اللّه عنه:كانت المرقّعات غطاء على الدّرّ،فصارت اليوم مزابل على جيف.

هذا ما أردت من التّنبيه و التّفريق بين الأقسام المذكورة،و حكم كلّ فريق،و اللّه أعلم، و به العون و التوفيق.

و ينبغي لكلّ قسم من هذه الأقسام أن يشمّر عن ساق الجدّ،و لا يقتدي بأمثالي من أهل الكسل و الملل و البطالات،فقد ندب الحقّ سبحانه و تعالى إلى الاستباق في الخير،فقال عزّ من قائل: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ [البقرة:148].

*و قال النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم فيما ورد من الأخبار:«اليوم المضمار،و غدا السباق،و الغاية الجنة أو النار» (2).

*و قال الشيخ أبو الرّبيع رضي اللّه عنه:سيروا إلى اللّه عرجا و مكاسير،و لا تنتظروا الصحّة؛فإنّ انتظار الصحّة بطالة.

*و قال بعضهم:قلت لبعض الصالحين:دلّني على عمل أعمله.فقال:أنا أعرض عليك طرقات القوم،و مسالكهم،فأيّ طريق أعجبك فخذه و اسلكه؛فإنّ منهم أرباب العبادات و الأعمال،و منهم أرباب المجاهدات و المكابدات،و منهم التاركون للدّنيا، الزاهدون فيها،و منهم المنقطعون عن الخلق و المتوكّلون،و منهم المتلبّسون بالأسبابة.

ص: 155


1- انظر الصفحة 63،64.
2- رواه الطبراني في الأوسط 307/3(3241)عن عائشة،و الحاكم في مستدركه 651/4 عن حذيفة.

الخارجون عنها،و منهم من اقتطعه الحقّ عن هذا كلّه إليه،و منهم من أقامه اللّه في الأسباب لنفسه و لغيره،و منهم من شغله اللّه بواردات العلوم.قال:و ذكر من هذه الأحوال ما لا يحضرني ذكره الآن.

*و أنشد بعضهم:

رفعت مقامات الوصول حجابي حتى احتجبت بكم عن الحجّاب

و لزمت محرابي لزوم مجمّع فرأيت وجه الحقّ في المحراب

و خرقت لوح سفيتني لأعيبها فنجوت من ملك لها غصّاب

و قتلت من نفسي غلاما قتله سبب النّجا من أعظم الأسباب

و كشفت عن قلبي جدار حجابه عن كنزه الباقي بغير ذهاب

و رقيت في السّبع السّماوات العلا حتى دنوت فكنت مثل القاب

*و أنشدنا الشيخ السيد الجليل،ذو المجد الأثيل،ناصر الدّين لوالده الشيخ الكبير، العالم الربّاني،ذي المقام الرفيع الدّاني،سيدنا إبراهيم بن معضاد الجعبري (1)رضي اللّه عنهما:

أحنّ إلى لمع السّراب بأرضكم فكيف إلى ربع به مجمع الشّرب

فوا أسفا دون الشّراب و إنّني أخاف بأن يقضي عليّ ظما نحبي

و مذ بان ذاك الرّكب عنّي لم أزل أعفّر منّي الخدّ في أثر الرّكب

*و دخل عليه يوما بعض أصحابه،و قال له:يا سيّدي،سمعت بيتين أعجباني.قال:

قلهما لي.فأنشد:

و قائلة أنفقت عمرك مسرفا على مسرف في تيهه و دلاله

فقلت لها كفّي عن اللّوم إنّني شغلت به عن هجره و وصاله2.

ص: 156


1- إبراهيم بن معضاد الجعبري الفقيه الشافعي الشيخ الصالح،ولد بجعبر قرب الرقة على الفرات سنة 599 ه،سمع الحديث و له مكاشفات و أحوال و كرامات،حضر وفاة ابن الفارض لمّا سأل اللّه أن يرسل له وليا يحضر موته،أقام بالقاهرة،و أنشأ زاوية فيها.مات سنة 687 ه.طبقات المناوي 331/2.

فقال له الشيخ:ما هذا مقامك،و لا مقام شيخك.فأطرق ساعة،ثم رفع رأسه و قال:

يا سيدي،وقع لي بيتان غيرهما.قال:قلهما.فأنشد:

و قائلة طال انتسابك دائما إليه فهل يوما خطرت بباله

فقلت لها ما كنت أهلا لهجره فما تعتريني شبهة في وصاله

فقال الشيخ:هذا مقامك و مقام شيخك.

*و أنشدني الشيخ الجليل جمال الدين الحويزائي رحمه اللّه لنفسه:

فلو في التّقى أحصنت يا نفس عفّة فروج هواك عن فجور التفرّق

تمثّل روح القدس في الحال ملقيا عليك كشوفات بنصح محقّق

و قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي اللّه عنه:رأيت البارحة عبد القادر الجيلاني (1)النقّاد في المنام،فقال لي:أ عرشيّ أنت أم كرسيّ؟فقلت له:دع عنك ذا،الطّينة أرضية، و النّفس سماوية،و القلب عرشيّ،و الرّوح كرسيّ،و السرّ مع اللّه بلا أين،و الأمر يتنزّل فيما بين ذلك،و يتلوه الشاهد منه.

*و أنشد بعضهم (2):

أبدا تحنّ إليكم الأرواح و وصالكم ريحانها و الرّاح

و قلوب أهل ودادكم تشتاقكم و إلى كمال جمالكم ترتاح

(3) يا رحمة للعاشقين تحمّلوا ثقل المحبّة و الهوى فضّاح

بالسرّ إن باحوا تباح دماؤهم و كذا دماء البائحين تباح

*و قال الشيخ أبو عبد اللّه القرشي رضي اللّه عنه:حقيقة المحبّة أن تهب كلّك لمن أحببت،فلا يبقى لك منك شيء.ح.

ص: 157


1- عبد القادر بن موسى الكيلاني أو الجيلاني أو الجيلي(471-561 ه)مؤسس الطريقة القادرية،من كبار الزهاد و المتصوفة،تفقه و سمع الحديث،و برع في أساليب الوعظ،تصدر للتدريس و الإفتاء في بغداد،له كتب كثيرة.
2- الأبيات لشهاب الدين السهروردي،انظر الكواكب الدرية للمناوي 312/2.
3- في طبقات المناوي:و إلى لذيذ وصالكم ترتاح.

*و قيل:اجتمع الشّيخان العارفان الإمامان المحقّقان،الرّبانيان المربيان الشيخ شهاب الدّين السّهروردي (1)،و الشيخ محيي الدّين بن عربي رضي اللّه عنهما،فأطرق كلّ واحد منهما ساعة،ثم افترقا من غير كلام،فقيل لابن عربي:ما تقول في الشيخ شهاب الدّين السّهروردي؟فقال:مملوء سنّة من قرنه إلى قدمه.و قيل للسّهروردي:ما تقول في الشيخ محيي الدين؟فقال:بحر الحقائق.

*و بلغني عن بعض الشيوخ العارفين،أنّه كان يقرأ عليه أصحابه كلام ابن عربي و يشرحه لهم،فلمّا حضرته الوفاة نهاهم عن مطالعة كتب ابن عربي،و قال:أنتم ما تفهمون مراده،و معاني كلامه.

*و سمعت أنّ الشيخ الفقيه الإمام عزّ الدّين بن عبد السلام كان يطعن في ابن عربي و يقول:هو زنديق.فقال له يوما بعض أصحابه:أريد أن تريني القطب،فأشار إلى ابن عربي،و قال:هذاك هو.فقيل له:فأنت تطعن فيه.فقال:حتّى أصون ظاهر الشرع،أو كما قال رضي اللّه عنهما.أخبرني بذلك غير واحد ما بين مشهور بالصلاح و الفضل، و معروف بالدّين ثقة عدل من أهل الشام و من أهل مصر،إلا أنّ بعضهم روى:أريد أن تريني وليا.و بعضهم روى:القطب.

و قد مدحه و عظّمه طائفة لا سيما من شيوخ الطريقة و علماء الحقيقة كالشيخ الجريري، و الشيخ نجم الدّين الأصبهاني،و الشيخ تاج الدين ابن عطاء اللّه،و غيرهم ممّن يكثر عددهم،و يعلو مجدهم،و طعن فيه طائفة و لا سيما من الفقهاء،و توقّف فيه طائفة.و ليس الطّاعن فيه بأعلم من الخضر،إذ هو أحد شيوخه،و له معه اجتماع كثير.

قلت:ما نسب إلى المشايخ رضي اللّه عنهم ممّا يخالف العلم الظّاهر فله محامل:

الأول:أن لا تسلّم نسبته إليهم حتّى تصحّ عنهم.ن.

ص: 158


1- شهاب الدين السّهروردي يحيى بن حبش(549-587 ه)اختلف المؤرخون في اسمه،كان علمه أكثر من عقله،أفتى علماء حلب بقتله بعد أن نسب إلى انحلال العقيدة،فسجن بقلعة حلب،و خنق بها.له كتب في التصوف كثيرة،كان رديء الهيئة،زري الخلقة،لا يغسل له ثوبا و لا جسما، و لا يقص ظفرا و لا شعرا،له شعر رائق،و قد مرّت أبياته قبل أسطر:أبدا تحن.

الثاني:بعد الصحّة يلتمس له تأويل موافق،فإن لم يوجد له تأويل قيل:لعلّ له تأويلا عند أهل العلم الباطن العارفين باللّه تعالى.

الثالث:بعد الصحّة أن يكون صدر ذلك عنهم في حال السّكر و الغيبة،و السّكران سكرا مباحا غير مؤاخذ؛لأنّه غير مكلّف في ذلك الحال،فسوء الظّنّ بهم بعد هذه المخارج من عدم التوفيق،نعوذ باللّه من الخذلان،و سوء القضاء،و من جميع أنواع البلاء.

*و قيل:كان الشيخ الكبير العارف أحمد الرّفاعي (1)قدّس اللّه روحه كثيرا ما ينشد هذا البيت:

فإن عبرت و أنت سليم قلب من البلوى فتهنيك السّلامه

يعني:تعبر سفينته في بحر الدنيا.

*و قال رضي اللّه عنه:تعلّموا علم الصوفية تعلّما،فإنّ جذبات الحقّ قد قلّت في هذا الزمان.

*و زار في بدايته بعض المشايخ،ثم قال للشيخ عند مفارقته:أوصني.فقال له الشيخ:اسمع ما أقول لك:متلفّت لا يصل،و متسلّ لا يفلح،و من لا يعرف من نفسه النقصان،فكلّ أوقاته نقصان.فذهب من عنده،و لبث سنة يردّد هذه الكلمات مع نفسه، ثم عاد إلى زيارة الشيخ،فلمّا أراد مفارقته قال له:أوصني.فقال الشيخ:ما أقبح العلّة بالأطباء،و الجهل بالألبّاء،و الجفاء بالأحياء.فذهب و مكث سنة أيضا يردّدها،حتى كان من شأنه ما كان رضي اللّه عنه و نفع به.

*و اضطجع يوما،و مدّ رقبته،و قال:و حميد منهم.فورّخوا ذلك الوقت،فكان وقتا قال فيه الشّريف صاحب المقام المنيف خاصّ الخواص الأكابر الشيخ عبد القادر الكيلاني قدّس اللّه روحه،قال و هو على المنبر:قدمي هذا على رقاب جميع الأولياء،فطأطأ الأولياء رقابهم في ذلك الوقت في الشرق و الغرب إلاّ بعضهم،فعوقب من لم يفعل ذلك،ة.

ص: 159


1- أحمد بن علي الرفاعي(512-578 ه)الإمام الزاهد مؤسس الطريقة الرفاعية،تفقه و تأدب في واسط،انضم له كثير من الفقراء حتى قال ابن المهذب:إن عدد خلفاء الرفاعي و خلفائهم بلغ مائة و ثمانين ألفا.مات في قريته أم عبيدة بالبطائح بين واسط و البصرة،و قبره مقصود بالزيارة.

و ينفّذ و يخضع له؛إذ لم يكن ذلك من تلقاء نفسه،بل هو عن وارد من قبل الحقّ.

*و هو القائل رضي اللّه عنه:

ما في الصّبابة (1)منهل مستعذب إلاّ ولي فيه الألذّ الأطيب

أو في الزّمان مكانة مخصوصة إلاّ و منزلتي أعزّ و أقرب

و هبت لي الأيام رونق حسنها فصفا مناهلها و طاب المشرب

أنا من رجال لا يخاف جليسهم ريب الزّمان و لا يرى ما يرهب

قوم لهم في كلّ مجد رتبة علويّة و بكلّ جيش موكب

أنا بلبل الأفراح أملأ دوحها طربا و في العلياء باز أشهب

ما زلت أرتع في ميادين الرّضا حتى وهبت مكانة لا توهب

أفلت شموس الأوّلين و شمسنا أبدا على فلك العلا لا تغرب

فأجابه ابن[أبي]جرادة الواعظ (2)و قال:

بك الشّهور تهنّأ و المواقيت يا من بألفاظه تغلو اليواقيت

أشمّ من قدميك الصّدق مجتهدا لأنّه قدم في نعله الصّيت

الباز أنت فإن تفخر فلا عجب و سائر النّاس في عيني فواخيت

(3) *و قيل:جاءت امرأة إلى الشيخ الكبير،العارف باللّه،أحمد بن جعد اليمني (4)قدّس اللّه روحه،و قالت له:ادع اللّه أن يرزقني ولدا ذكرا.قال:سترزقين ذلك.ثم إنّها وضعت بنتا،فقالت له في ذلك،فقال:و اللّه،ما قلت لك ذلك إلاّ بعد ما مسست ذكره بيدي هذه،و لكنّ اللّه أراد أن يكذّب هذه اللحية.2.

ص: 160


1- في هامش(أ):الصبابة أي العشق.
2- محمد بن هبة اللّه بن محمد بن أبي جرادة الحلبي(540-628)واعظ صالح زاهد من فضلاء النساخ،قال ابن الأثير المؤرخ في وصفه:لو قال قائل إنه لم يكن في زمانه أعبد منه لكان صادقا.
3- الفواخيت:مفردها فاختة ضرب من الحمام المطوق.متن اللغة(فخت).و جاء في هامش(أ):طير ضعيف لا فيه شجاعة و لا قوة.
4- أحمد بن الجعد الأبيني اليمني من كبار مشايخ الطريقة،صاحب السيرة المحمودة،صحب الأهدل -كبير مشايخ اليمن-أخذ عنه جمع عظيم،و كان كثير المجاهدة،أقعد آخر حياته،مات لبضع و تسعين و ست مائة.طبقات المناوي 382/2.

*و مرّ في بدايته رضي اللّه عنه على جيفة جمل ميت،فنفرت نفسه من ريحه،فقال:

يا نفس،هذه الجيفة أطيب منك،و حلف أن لا بدّ أن تدخلي فيها،فدخل فيها،ثم خرج، و مكث مدة يشمّ منه ريح المسك.

*و كان رضي اللّه عنه ينشد:

قد كان ذلك في الزّجاجة باقيا و أنا الوحيد شربت ذاك الباقي

*و كان بعض أهل المشاهدة و الاستماع يشمّ منه ريح الطّيب الفاخر عند المرور و الاجتماع،فأنشدوا:

تفوح أرواح نجد من ثيابهم عند القدوم لقرب العهد بالدّار

*و قال بعضهم:الصّدق سيف،ما وضع على شيء إلاّ قطعه.

*و قال أبو القاسم الجنيد رضي اللّه عنه:لو أقبل صادق على اللّه ألف سنة،ثم أعرض عنه لحظة لكان ما فاته من اللّه أكثر ممّا ناله.

*و قال أبو عبد اللّه القرشي رضي اللّه عنه:إن كنت محتاجا إليه،فالزم بابه حتى يفتحه لك.

*و قال رضي اللّه عنه:الوليّ في بدايته هو الحريص على أخبار الأولياء و أحوالهم، يسمع الحقّ فلا ينكره،و لا يعترض عليه،يشتاق إلى الأحوال،و يحرص على حصولها، و يتمنّى المقامات و وصولها،و الوليّ في نهايته هو الذي يفيد و يستفيد،و يجد في أحواله و علومه و أعماله البركة و المزيد.

*و قال الشيخ أبو عثمان:شكر العامّة على المطعم و الملبس و المشرب،و شكر الخاصّة على ما يرد على قلوبهم من المعاني.

*و روي عن الشيخ ممشاذ الدّينوري (1)أنّه قال:مذ علمت أنّ أحوال الفقراء جدّ كلّها لم أمازح فقيرا؛و ذلك أنّ فقيرا قدم عليّ فقال:أيّها الشيخ،إنّي أريد أن تتخذ لي عصيدة، فجرى على لساني:إرادة و عصيدة!فتأخّر الفقير،و لم أشعر به،فأمرت باتّخاذ عصيدة،1.

ص: 161


1- ممشاذ الدينوري من كبار المشايخ،و كان رأسا عظيما في الزهد،متين الديانة.له أوراد كثيرة،مات سنة 290 ه.طبقات المناوي 718/1.

و طلبت الفقير فلم أجده،فتعرّفت خبره،فقيل:إنّه انصرف من فوره،و كان يقول في نفسه:إرادة و عصيدة،و هام على وجهه حتى دخل البادية،و لم يزل يقول هذه الكلمة حتى مات.

*و قال أبو بكر الزّقّاق (1):آفة المريد ثلاثة أشياء:التزوّج،و كتبة الحديث، و الأسفار.

*و قيل لبشر بن الحارث:الناس يتكلّمون فيك.فقال:ما يقولون؟قال:يقولون هو تارك للسّنة-يعنون ترك التزوّج-فقال:قل لهم:أنا مشغول بالفرض عن السّنة.

*و قال رضي اللّه عنه:لو علت دجاجة،لخشيت أن أكون جلاّدا على الجسر.

*و قال الكتّاني:من حكم المريد أن يكون فيه ثلاثة أشياء:نومه غلبة،و أكله فاقة، و كلامه ضرورة.

*و قال[أبو]عبد اللّه ابن خفيف رضي اللّه عنه:الإرادة استدامة الكدّ،و ترك الراحة.

*و قال:ربّما كنت في ابتداء أمري أقرأ في ركعة واحدة عشرة آلاف قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ و ربّما كنت أقرأ في ركعة واحدة القرآن كلّه،و ربّما كنت أصلّي من الغداة إلى العصر ألف ركعة.

*و قال بعضهم:كيف يفلح من ألف الراحة؟ *و قال الجنيد:إذا أراد اللّه بالمريد خيرا،أوقعه إلى الصوفية،و منعه صحبة القرّاء.

*و قال أبو بكر الزّقاق:لا يكون المريد مريدا حتى لا يكتب عليه صاحب الشّمال عشرين سنة.

*و قال بعضهم:إذا رأيت المريد يشتغل بالرّخص و الكسب،فليس يجيء منه شيء.

*و قال بعضهم:إذا رأيت ضوء الفقير في ثوبه-أو قال:في ظاهره-فلا ترج خيره، أو كما قال.2.

ص: 162


1- أبو بكر الزقاق نسبة إلى بيع الزقّ،أثنى عليه الإمام النووي في كتابه بستان العارفين و قال:كان من كبار الصوفية أصحاب الكرامات الظاهرة،و المعارف المتظاهرة.توفي في القرن الرابع للهجرة. طبقات المناوي 47/2.

*و قيل للجنيد:ما للمريدين في مجاراة الحكايات؟فقال:الحكايات جند من جنود اللّه تقوى بها قلوب المريدين.فقيل له:و هل في ذلك شاهد؟قال:نعم،قوله عزّ و جلّ: وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ [هود:120].

*و قال أبو علي الدقّاق:المريد محتمل،و المراد محمول.

*و قيل:أرسل ذو النون إلى أبي يزيد رجلا و قال:قل له:إلى متى النّوم و الراحة، و قد جازت القافلة؟فقال أبو يزيد:قل لأخي ذي النّون:الرّجل من ينام اللّيل كلّه،ثم يصبح في المنزل (1)قبل القافلة.فقال ذو النون:هنيئا له،هذا كلام لا تبلغه أحوالنا.

*و قال بعضهم:كن طالب الاستقامة لا طالب الكرامة،فإنّ نفسك متحرّكة في طلب الكرامة،و ربّك يطالبك بالاستقامة.

*و قال الواسطي:الخصلة التي كملت بها المحاسن الاستقامة.

*و قال الجنيد رضي اللّه عنه:لقيت شابا من المريدين في البادية تحت شجرة من أمّ غيلان،فقلت:ما أجلسك هاهنا؟فقال:حالي افتقدته.فمضيت و تركته،فلمّا انصرفت من الحجّ،إذا أنا بالشابّ قد انتقل من موضع قريب من الشجرة،فقلت:ما جلوسك هاهنا؟فقال:وجدت ما كنت أطلبه في هذا الموضع،فلزمته.قال الجنيد:فلا أدري أيّهما كان أشرف؛لزومه لافتقاد حاله،أو لزومه للموضع الذي نال فيه مراده.

*و قال إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه:إنّ الحرّ الكريم يخرج من الدّنيا قبل أن يخرج منها.

*و قال أيضا:لا تصحب إلاّ حرا كريما يسمع و لا يتكلّم.

*و قيل:كان شابّ يصحب الجنيد،و كان يتكلّم على خواطر الناس،فقال له الجنيد:

أيش هذا الذي ذكر عنك؟فقال للجنيد:اعتقد شيئا.فقال:اعتقدت.فقال:اعتقدت كذا و كذا.فقال الجنيد:لا.فقال:اعتقد الثانية.ففعل،فقال:اعتقدت كذا و كذا.فقال:

لا.فقال:ثالثا.ففعل،فقال مثله،فقال الشابّ:هذا عجب،أنت صدوق،و أنا أعرفة.

ص: 163


1- في المطبوع:في المنزلة.

قلبي.فقال الجنيد:صدقت في الأولى،و الثانية،و الثالثة،و لكنّي أردت أن أمتحنك،هل يتغيّر قلبك؟ *و روي عن السّريّ أنّه قال:كنت أطلب رجلا صدّيقا مرة من الأوقات،فمررت في بعض الجبال،فإذا أنا بجماعة زمنى (1)،و عميان،و مرضى،فسألت عن حالهم،فقالوا:

هاهنا رجل يخرج في السّنة يدعو لهم،فيجدون الشفاء،فصبرت حتى خرج،و دعا لهم، فوجدوا الشفاء،فقفوت أثره،و تعلّقت به،و قلت:بي علّة باطنة،فما دواؤها؟فقال:

يا سريّ،خلّ عني،فإنّه غيور،لا يراك تساكن غيره،فتسقط من عينه.

*و قيل:إنّ إبراهيم بن أدهم قال لرجل:تحبّ أن تكون للّه وليا؟فقال:نعم.فقال:

لا ترغب في شيء من الدّنيا و الاخرة،و فرّغ نفسك للّه،و أقبل بوجهك عليه ليقبل عليك و يواليك.

*و قال ابن السّمّاك (2)في وعظه:من أعرض عن اللّه بكلّيته أعرض اللّه عنه جملة، و من أقبل على اللّه بقلبه،أقبل اللّه برحمته عليه،و أقبل بجميع وجوه الخلق إليه،و من كان مرّة و مرة،فاللّه يرحمه وقتا و وقتا،أو كما قال.

*و قال الخرّاز:إذا أراد اللّه أن يوالي عبدا من عبيده فتح عليه باب ذكره،فإذا استلذّ الذّكر فتح عليه باب القرب،ثمّ رفعه إلى مجالس الأنس،ثم أجلسه على كرسيّ التّوحيد، ثم رفع عنه الحجاب،و أدخله دار الفردانية،و كشف له حجاب الجلال و العظمة،فإذا وقع بصره على الجلال و العظمة بقي بلا هو،فحينئذ صار العبد زمنا فانيا،فوقع في حفظه سبحانه،و برئ من دعاوى نفسه.

*و قال النّوري:أمّا القرب بالذّات،فتعالى الملك عنه،و أنّه متقدّس عن الحدود و الأقطار،و النهاية و المقدار،ما اتّصل به مخلوق،و لا انفصل عنه حادث مسبوق،جلّت الصمديّة عن قبول الوصل و الفصل،فقرب هو في نعته محال،و هو تداني الذّوات،و قرب1.

ص: 164


1- زمنى:مقعدون.
2- ابن السماك محمد بن صبيح العجلي الزاهد القدوة،روى عن الأعمش و طائفة،وعظ هارون الرشيد،توفي سنة 183 ه.طبقات المناوي 433/1.

هو في نعته واجب،و هو قرب بالعلم و الرؤية،و قرب هو جائز في وصفه،يخصّ به من يشاء من عباده و هو قرب الفعل باللّطف.

*و سئل سهل بن عبد اللّه عن ذات اللّه فقال:ذات اللّه موصوفة بالعلم،غير مدركة بالإحاطة،و لا مرئية بالأبصار في دار الدّنيا،و هي موجودة بحقائق الإيمان من غير حدّ و لا إحاطة و لا حلول،و تراه العيون في العقبى ظاهرا في ملكه و قدرته،قد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته،و دلّهم عليه بآياته،فالقلوب تعرفه،و العقول لا تدركه،ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة و لا إدراك نهاية.

*و سئل ذو النون عن التوحيد،فقال:أن تعلم أنّ قدرة اللّه في الأشياء بلا مزاج، و صنعه للأشياء بلا علاج،و علّة كلّ شيء صنعه،و لا علّة لصنعه،و مهما تصوّر في نفسك من شيء فاللّه تعالى بخلافه.

*و قال النّوري:أعرف الناس باللّه أشدّهم تحيّرا فيه.

*و أنشد بعضهم:

و ما احترت حتى اخترت حبّك مذهبا فوا حيرتي إن لم تكن فيك حيرتي

*و قال ذو النون:علامة العارف ثلاث:لا يطفئ نور معرفته نور ورعه،و لا يعتقد باطنا من العلم ينقض عليه ظاهرا من الحكم،و لا يحمله كثرة نعم اللّه على هتك أستار محارم اللّه.

*و قال رجل للجنيد:من أهل المعرفة أقوام يقولون بترك الحركات من البرّ و التّقوى.

قال الجنيد:إنّ هذا قول قوم تكلّموا بإسقاط الأعمال،و هو عندي عظيم،و الذي يزني و يسرق أحسن حالا من الذي يقول هذا؛فإنّ العارفين باللّه أخذوا الأعمال عن اللّه، و إلى اللّه رجعوا فيها،و لو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البرّ ذرة.

*و عن أبي الحسن المزيّن أنّه قال لبعضهم في النزع:قل لا إله إلاّ اللّه،فتبسّم، و قال:إياي تعني؟!و عزّة من لا يذوق الموت،ما بيني و بينه إلاّ حجاب العزّة،و انطفى من ساعته.

و كان المزيّن يأخذ بلحتيه و يقول:حجام مثلي يلقّن أولياء اللّه الشهادة!؟وا خجلتاه منه.و كان يبكي إذا ذكر هذه الحكاية.

ص: 165

*و قيل:فتح عبد اللّه بن المبارك عينه عند الوفاة و ضحك،و قال: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ [الصافات:61].

*و قيل:دخل ابن عطاء (1)على الجنيد،و هو يجود بنفسه،فسلّم،فأبطأ في الجواب،ثم ردّ و قال:اعذرني؛فإني كنت في وردي،ثم مات.

و في رواية:قيل له:أ في مثل هذا الوقت؟فقال:و من أحوج منّي إلى ذلك،و ها هو ذا تطوى صحيفتي الآن.

*و عن أبي سعيد الخرّاز قال:تهت في البادية،فكنت أقول:

أتيه فلا أدري من التّيه من أنا سوى ما يقول النّاس فيّ و في جنسي

أتيه على جنّ البلاد و إنسها فإن لم أجد شخصا أتيه على نفسي

قال:فسمعت هاتفا يهتف بي و يقول:

أيا من يرى الأسباب أعلى وجوده و يفرح بالتّيه الدّنيّ و بالأنس

فلو كنت من أهل الوجود حقيقة لغبت عن الأكوان و العرش و الكرسي

و كنت بلا حال مع اللّه واقفا تصان عن التّذكار للجنّ و الأنس

*و قال رجل لسهل بن عبد اللّه:أريد أن أصحبك يا أبا محمد.فقال:إذا مات أحدنا فمن يصحب الباقي؟فقال:اللّه.قال:فليصحبه الآن.

*و قيل:كان إبراهيم بن أدهم إذا صحبه أحد شارطه على ثلاثة أشياء:أن تكون الخدمة و الأذان له،و أن تكون يده في جميع ما يفتح عليهم كيدهم.فقال له يوما رجل من أصحابه:أنا لا أقدر على هذا.فقال:أعجبني صدقك.

*و عن إبراهيم بن شيبان،قال:كنّا لا نصحب من يقول نعلي.يعني من يخصّ نفسه بالملك.2.

ص: 166


1- ابن عطاء أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي عارف ورع،و زاهد مجاهد،كان ذا ديانة و رتبة عالية،فكان يختم كل ليلة ختمة،صحب الجنيد،مات سنة تسع و ثلاث مائة.و في الأصل ابن عطاء اللّه.انظر طبقات المناوي 34/2.

*قلت:فهذه نبذة من محاسن القوم ذكرناها في هذا الباب كراهة أن يخلو عن ذكرهم هذا الكتاب،و هي بالنّسبة إلى هذا الكتاب كثيرة،و بالنسبة إلى محاسنهم يسيرة،فهم صفوة الأمة،أرباب العزائم و الهمّة،و أنشد بعضهم:

تخالف النّاس في الصّوفيّ و اختلفوا و كلّهم قال قولا غير معروف

و لست أمنح هذا الاسم غير فتى صافا فصوفيّ حتّى سمّي الصّوفي

***

ص: 167

الباب الثالث

في فضل الذّاكرين،و الذكر مطلقا،و الحثّ عليه

اعلم أنّ الأذكار عظيمة الفضائل،إلى نيل فضل اللّه من أفضل الوسائل،من أطال المواظبة عليها نال كلّ نيل طائل،قد تظاهرت في الدّلالة على فضائلها قواطع الدلائل من الآيات الكريمات الصّريحات،و الأحاديث النّبويات الصحيحات،و بلغت في الكثرة و الشهرة مبلغا يخرج عن حصر التعداد،و يغني عن الاستشهاد؛و لكنّا نذكر شيئا منها على سبيل التبرّك بكلام اللّه تعالى،و حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،و التنبيه على سعة كرم اللّه سبحانه لمن يجهل،و التّذكير لمن يعلم،فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين،و نبدأ بآيات الكتاب المبين:

قال اللّه العظيم،أصدق القائلين: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ [البقرة:152].

و قال تعالى: وَ لَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].

و قال عزّ و جلّ: أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

و قال تبارك و تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً(41) وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً [الأحزاب:41-42].

و قال سبحانه و تعالى: وَ اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10].

و قال تعالى: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ [الأعراف:205].

و قال سبحانه: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها [طه:130].

و قال تعالى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].

و قال سبحانه و تعالى: فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ(143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144].

ص: 168

و قال تعالى: اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

و قال سبحانه و تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصّادِقِينَ وَ الصّادِقاتِ وَ الصّابِرِينَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصّائِمِينَ وَ الصّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَ الذّاكِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35].

و قال تعالى: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ [الكهف:28].

و قال سبحانه: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36].

و قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [المنافقون:9].

و قال سبحانه و تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ(36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ [النور:36-37].

و الآيات في ذلك كثيرة،و آية واحدة تكفي من له بصيرة.

و أمّا الأحاديث فكثيرة منتشرة،و نقتصر منها في هذا الباب على عشرة:

الحديث الأول:روينا في صحيحي«البخاري»و«مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«يقول اللّه تعالى:أنا عند ظنّ عبدي بي،و أنا معه إذا ذكرني،فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي،و إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» (1).

الحديث الثاني:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة أيضا رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«سبق المفرّدون»قالوا:و ما المفرّدون يا رسول اللّه؟قال:«الذّاكرون اللّه كثيرا و الذاكرات» (2).

الحديث الثالث:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه،قال:قال7.

ص: 169


1- رواه البخاري 428/13 في التوحيد،باب ذكر النبي صلى اللّه عليه و سلم و روايته عن ربه،و مسلم(2675)في الذكر،باب الحث على ذكر اللّه تعالى.
2- صحيح مسلم(2676)في الذكر،باب الحث على ذكر اللّه.و انظر شرح المفرّدون صفحة 177.

رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أ لا أنبئكم بخير أعمالكم،و أزكاها عند مليككم،و أرفعها في درجاتكم، و خير لكم من إنفاق الذّهب و الورق،و خير لكم من أن تلقوا عدوّكم،فتضربوا أعناقهم، و يضربوا أعناقكم؟»قالوا:بلى يا رسول اللّه.قال:«ذكر اللّه».

قال الحاكم أبو عبد اللّه في كتابه«المستدرك على الصحيحين»:هذا حديث صحيح الإسناد (1).

الحديث الرابع:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه:

أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سئل:أيّ العباد أفضل[و أرفع]درجة عند اللّه تعالى يوم القيامة؟قال:

«الذّاكرون اللّه كثيرا»قلت:يا رسول اللّه،و من الغازي في سبيل اللّه عزّ و جلّ؟قال:«لو ضرب بسيفه في الكفّار و المشركين حتى ينكسر،و يختضب دما لكان الذّاكرون اللّه تعالى أفضل منه» (2).

الحديث الخامس:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة،و عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنهما،قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لا يقعد قوم يذكرون اللّه تعالى إلاّ حفّتهم الملائكة،و غشيتهم الرّحمة،و نزلت عليهم السّكينة،و ذكرهم اللّه فيمن عنده» (3).

الحديث السادس:روينا في«صحيح مسلم»أيضا عن معاوية رضي اللّه عنه أنّه قال:

خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على حلقة من أصحابه فقال:«ما أجلسكم؟»قالوا:جلسنا نذكر اللّه تعالى،و نحمده على ما هدانا للإسلام،و منّ به علينا،قال:«آلله ما أجلسكم إلاّ ذاك؟» [قالوا:و اللّه ما أجلسنا إلا ذاك.قال:]«أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم،[و لكنّه]أتاني جبريل فأخبرني أنّ اللّه تعالى يباهي بكم الملائكة» (4).

الحديث السابع:روينا في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إنّ للّه تعالى ملائكة يطوفون في الطّرق يلتمسون أهل الذّكر،فإذا وجدواه.

ص: 170


1- رواه الترمذي مرفوعا(3374)في الدعوات،باب(6)و الحاكم في المستدرك 673/1.
2- رواه الترمذي(3373)في الدعوات،باب(5)و فيه:«و يختضب دما،فإن الذاكر للّه أفضل درجة».
3- رواه مسلم(2700)في الذكر،باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن،عن الأغر قال:أشهد على أبي هريرة و أبي سعيد أنهما شهدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال:«لا يقعد..».
4- رواه مسلم(2701)في الذكر،باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن.و ما بين معقوفين مستدرك منه.

قوما يذكرون اللّه عزّ و جلّ تنادوا:هلمّوا إلى حاجاتكم.فيحفّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدّنيا،فيسألهم ربّهم و هو أعلم بهم:ما يقول عبادي؟قال:يقولون:يسبّحونك و يكبّرونك و يحمدونك و يمجّدونك.فيقول:هل رأوني؟فيقولون:لا و اللّه ما رأوك.فيقول:كيف لو رأوني؟قال:يقولون:لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة،و أشدّ تمجيدا،و أكثر لك تسبيحا.

فيقول:فما يسألون؟قال:يقولون:يسألونك الجنّة.قال:يقول:هل رأوها؟قال:

يقولون:لا و اللّه يا ربّ ما رأوها.يقول:كيف لو رأوها؟قال:يقولون:لو أنّهم رأوها كانوا أشدّ عليها حرصا،و أشدّ لها طلبا،و أعظم فيها رغبة.قال:يقول:فممّ يتعوّذون؟قال:

يقولون:يتعوّذون من النار.قال:فيقول:و هل رأوها؟قال:يقولون:لا و اللّه ما رأوها، قال:فيقول:فكيف لو رأوها؟قال:يقولون:لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارا،و أشدّ لها مخافة.قال:فيقول:فأشهدكم أنّي قد غفرت لهم.قال:يقول ملك من الملائكة:فيهم فلان ليس منهم،إنّما جاء لحاجة.قال:هم الجلساء لا يشقى جليسهم».

و في رواية لمسلم نحو من هذا،قال في آخر ذلك:«يقولون يا ربّنا فيهم فلان عبد خطّاء،إنّما مرّ فجلس معهم.فيقول:و له قد غفرت،هم القوم لا يشقى جليسهم» (1).

الحديث الثامن:روينا في«كتاب الترمذي»عن عبد اللّه بن بسر-بضم الباء الموحدة، و إسكان المهملة-الصّحابي رضي اللّه عنه أنّ رجلا قال:يا رسول اللّه،إنّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ،[و أنا قد كبرت]فأخبرني بشيء أتشبّث به[و لا تكثر عليّ فأنسى].قال:

«لا يزال لسانك رطبا بذكر اللّه تعالى» (2).قال الترمذي:حديث حسن.

الحديث التاسع:روينا في«صحيح البخاري»عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«مثل الذي يذكر ربّه و الذي لا يذكر[ربّه]مثل الحيّ و الميّت».

و روينا في«صحيح مسلم»:«مثل البيت الذي يذكر اللّه فيه و البيت الذي لا يذكر اللّه فيه مثل الحيّ و الميت» (3).ه.

ص: 171


1- رواه البخاري 177/11 في الدعوات،باب فضل ذكر اللّه،و مسلم(2689)في الذكر،باب فضل مجالس الذكر.
2- رواه الترمذي(3372)في الدعوات،باب فضل الذكر،و إسناده صحيح.
3- رواه البخاري 175/11 في الدعوات،باب فضل ذكر اللّه عزّ و جلّ،و مسلم(779)في صلاة المسافرين،باب استحباب صلاة النافلة في بيته.

الحديث العاشر:روينا في«كتاب الترمذي»عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من صلّى الفجر في جماعة،ثم قعد يذكر اللّه تعالى حتّى تطلع الشّمس، ثم صلّى ركعتين،كانت له كأجر حجّة و عمرة تامّة تامّة تامّة».قال الترمذي:حديث حسن (1).

*قال الإمام أبو محمد البغوي في«شرح السنة»:قال علقمة بن قيس:بلغنا أنّ الأرض تعجّ (2).إلى اللّه تعالى من نومة العالم بعد صلاة الصّبح.

*و قال الأستاذ أبو عليّ الدّقاق رضي اللّه عنه:الذّكر منشور الولاية (3)،فمن وفّق للذّكر فقد أعطي المنشور،و من سلب الذّكر فقد عزل.

*و قيل إنّ الشّبليّ كان في ابتداء أمره ينزل كلّ يوم سربا (4)،و يحمل مع نفسه حزمة من القضبان،فكان إذا دخل قلبه غفلة،ضرب نفسه بتلك الخشبة حتّى يكسرها على نفسه، و ربّما كانت الحزمة تفنى قبل أن يمسي،فكان يضرب بيديه و رجليه على الحائط.

*و قال بعضهم:ذكر اللّه في القلب سيف المريدين،به يقاتلون أعداءهم،و به يدفعون الآفات التي تقصدهم.

*و سئل الواسطي عن الذّكر،فقال:الخروج عن ميدان الغفلة إلى فضاء المشاهدة على غلبة الخوف و شدّة الحبّ.

*و قال ذو النّون المصري:من ذكر اللّه تعالى على الحقيقة نسي في جنب ذكره كلّ شيء،و حفظ اللّه عليه كلّ شيء،و كان له عوضا عن كلّ شيء.

*و سئل الشيخ أبو عثمان،فقيل له:نذكر اللّه،و لا نجد في قلوبنا حلاوة.فقال:

احمدوا اللّه على أن زيّن جارحة من جوارحكم بطاعته.).

ص: 172


1- رواه الترمذي(586)في الصلاة،باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.
2- في هامش(أ):تعجّ:ترفع صوتها بالاستغاثة.
3- في هامش(أ):أي الأعلام.
4- السّرب:البيت أو الحفير تحت الأرض.متن اللغة(سرب).

*و قال حامد الأسود:كنت مع إبراهيم الخواص في سفر،فجئنا إلى موضع فيه حيّات كثيرة،فوضع ركوته و جلس،و جلست،فلمّا برد اللّيل و برد الهواء خرجت الحيّات، فصحت بالشيخ،فقال:اذكر اللّه.فذكرت فرجعت،ثم عادت،فصحت به،فقال مثل ذلك،و لم أزل إلى الصّباح في مثل تلك الحالة،فلمّا أصبحنا قام و مشى و مشيت معه، فسقط من وطائه حية عظيمة،و قد تطوّقت،فقلت:ما أحسست بها؟!فقال:لا،منذ زمان ما بتّ أطيب من البارحة.

*و قال بعضهم:إذا تمكّن الذّكر من القلب،فإن دنا منه الشّيطان صرع كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان،فيجتمع عليه الشياطين فيقولون:ما لهذا؟فيقال:قد مسّه الإنس.

*قلت:طالعت في بعض الأيام كتابا لبعض المشايخ،و هو يقول في كلامه:لن تسلم من الشّيطان و وسوسته،و إلقائه،و نفثه إلاّ برجوعك إلى من هو أقرب إليك منه،و هو اللّه تعالى،قال سبحانه: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:

16]،ثم نمت،فرأيت رؤيا طويلة مضمونها:كأنّ الشيطان تصوّر لي في أقبح صورة لا تضبطها العبارة،و دنا منّي،و تواقح عليّ،فألهمت في نومي بعض الأذكار و التّعويذ، فكنت أتعوّذ و هو يذوب و يضحملّ من أسفله حتى لم يبق إلاّ رأسه في الهواء،فحملت عليه،و قلت:بسم اللّه الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم،فذهب رأسه،فإذا قائل آخر يقول لي:قم كم تنام-و أشكّ هل أمرني مع ذلك أن أصلّي.

*و نمت مرّة في ثاني يوم من رمضان المعظّم يوم الاثنين المبارك في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المشرّف،بعد أن قلت:بسم اللّه على نفسي و ديني،و على كلّ ما أعطاني ربّي،و أشكّ هل قلت مع ذلك:أستودع اللّه ديني،و أمانتي،و خواتيم عملي،تحصّنت بالحيّ القيّوم الذي لا يموت أبدا،و دفعت عنّي السّوء بلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،فرأيت كأنّ شخصا أتاني،و قال لي:أردت أن أسلبك كذا و كذا.و ذكر بعض نعم اللّه تعالى،قال:فقيل لي:لا سبيل إلى ذلك،فقلت له:و هل عندي شيء يسلب؟ فقال:نعم.ثم قال:السّلب سلبان:سلب الإيمان،و سلب غيره،و فهمت منه أنّ الذي أراد سلبه منّي غير الإيمان من النّعم الدينية،فلما انتبهت،فهمت أنّ دفع السّوء حصل

ص: 173

تصديقا لحديث:«بسم اللّه على نفسي»الآتي ذكره بعد إن شاء اللّه تعالى (1).

*و حكى لي بعض الإخوان الصّالحين الذّاكرين،و كان في بعض البراري،قال:

غضبت على نفسي يوما،فقلت:اليوم أرميك في المهالك.و كنت في موضع قريب من الأسود،فجئت و اضطجعت بين شبلين صغيرين،ثم أقبل أبوهما بعد ساعة،و هو حامل في فيه لحما،فلمّا رآني وضعه من فيه،و جلس بعيدا مني،ثم أقبلت أمّهما و هي حاملة لحما أيضا،فلمّا رأتني صاحت،و رمت اللّحم،و حملت عليّ،فتلقّاها الأسد بيده، و منعها،فجلست و لم يتحرّكا،فمكثا ساعة،ثم جاء الأسد أبوهما يمشي قليلا قليلا، فأخذهما بلطف،و رماهما إلى أمّهما واحدا بعد واحد،و هذا الأخ المذكور من الذّاكرين اللّه كثيرا،الصّادقين المجرّدين،و هذا من عجيب لطف صنع اللّه تعالى بأهل طاعته و ذكره.

*و قال بعضهم:ذكرت اللّه تعالى ثلاثين سنة،فكنت أسمع الذّكر عشر سنين من لساني،و عشر سنين من قلبي،و عشر سنين من الكون.

*و قال الجريري رضي اللّه عنه:كان بين أصحابنا رجل يكثر أن يقول:اللّه اللّه،فوقع يوما على رأسه جذع،فانشجّ رأسه،و وقع الدّم،فانكتب على الأرض:اللّه اللّه.

*و قال بعضهم:لو خرج منّي نفس بغير ذكر اللّه،ذبحت نفسي.

*و قال الكتّاني رضي اللّه عنه:لو لا أنّ ذكره فرض عليّ لما ذكرته إجلالا له،مثلي يذكره و لم يغسل فمه بألف توبة متقبّلة عن ذكره! *و أنشد بعضهم:

ما إن ذكرتك إلاّ همّ يلعنني (2) قلبي و سرّي و روحي عند ذكراكا

حتّى كأنّ رقيبا منك يهتف بي إيّاك ويحك و التّذكار إيّاكا

*و أنشد آخر:

ما إن ذكرتكم إلاّ نسيتكم نسيان إجلال لا نسيان إهمالي.

ص: 174


1- انظر صفحة 209.
2- كذا في(أ)و المطبوع،و في(ب):بعلني.و لعلّ الصواب يتبعني.

و إذا تذكّرت من أنتم و كيف أنا أجللت ذكركم يجري على بالي

*و أنشد بعضهم:

عجبت لمن يقول ذكرت ربّي و هل أنسى فأذكر ما نسيت

شربت الحبّ كأسا بعد كأس فما نفد الشّراب و لا رويت

*و أنشد الشّبليّ رضي اللّه عنه:

ذكرتك لا أنّي نسيتك لمحة و أيسر ما في الذّكر ذكر لساني

و كدت بلا وجد أموت من الهوى و هام عليّ القلب بالخفقان

فلمّا أراني الوجد أنّك حاضري شهدتك موجودا بكلّ مكان

فخاطبت موجودا بغير تكلّم و لاحظت معلوما بغير عيان

*و أنشد ذو النّون المصري رضي اللّه عنه:

و لا عيش إلاّ مع رجال قلوبهم تحنّ إلى التّقوى و ترتاح للذّكر

*و قال رويم رضي اللّه عنه:حضرت وفاة أبي سعيد الخرّاز رضي اللّه عنه،و هو يقول:

حنين قلوب العاشقين إلى الذّكر و تذكارهم عند المناجاة للسرّ

أديرت كئوس للمنايا عليهم فأغفوا عن الدّنيا كإغفاء ذي السّكر

همومهم جوّالة بمعسكر به أهل ودّ اللّه كالأنجم الزّهر

فأجسامهم في الأرض قتلى بحبّه و أرواحهم في الحجب نحو العلى تسري

فما عرّسوا إلاّ بقرب حبيبهم (1) و ما عرّجوا عن مسّ بؤس و لا ضرّ

*و قيل للأستاذ أبي القاسم الجنيد رضي اللّه عنه:إنّ أبا سعيد الخرّاز كان كثير التّواجد عند الموت.فقال:لم يكن بعجيب أن تطير روحه اشتياقا.ر.

ص: 175


1- في المطبوع:فما عرّسوا إلاّ بذكر.

*و قال بعضهم:وصف لي ذاكر في أجمة،فبينا هو جالس إذا سبع عظيم ضربه ضربة،فاستلب منه قطعة،فغشي عليه و عليّ،فلمّا أفقت قلت له:ما هذا؟فقال:

قيّض اللّه هذا السّبع عليّ،فكلّما داخلتني فترة،عضّني كما رأيت.

*و قال الأستاذ أبو القاسم القشيري (1)رضي اللّه عنه:الذّكر ركن قويّ في طريق اللّه سبحانه،بل هو العمدة في هذا الطريق،و لا يصل أحد إلى اللّه إلاّ بدوام الذّكر.

*قلت:أقوال المشايخ في ذلك كثيرة،و كذلك الأخبار و الآثار،و ميلنا إلى الاختصار.

و اختلف العلماء بما ذا يصير الإنسان من الذّاكرين اللّه كثيرا:

*فروينا عن الإمام أبي الحسن الواحدي (2)رضي اللّه عنه،عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال:إذا ذكر اللّه في أدبار الصّلوات،و غدوّا،و عشيا،و في المضاجع،و كلّما استيقظ من نومه،و كلّما غدا أو راح من منزله.

*قال:و قال مجاهد (3):لا يكون من الذّاكرين اللّه كثيرا حتى يذكر اللّه تعالى قائما و قاعدا و مضطجعا.

*و سئل الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح (4)عن القدر الذي يصير به من الذّاكرين اللّه كثيرا،فقال:إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحا و مساء،في الأوقات و الأحوال المختلفة،ليلا و نهارا،و هي مبيّنة في كتاب«عمل اليوم و الليلة»كان من الذّاكرين اللّه كثيرا،و اللّه أعلم.ه.

ص: 176


1- الرسالة القشيرية 345،باب الذكر.
2- الواحدي علي بن أحمد بن محمد أبو الحسن،مفسر عالم بالأدب،نعته الذهبي:بإمام علماء التأويل،له كتاب البسيط و الوجيز و الوسيط كلها في التفسير،و شرح ديوان المتنبي،و أسباب النزول،مات سنة 468 ه.
3- مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي(21-104 ه)تابعي مفسر من أهل مكة،قال الذهبي:شيخ القراء و المفسرين،أخذ التفسير عن ابن عباس ثلاث مرات.
4- عثمان بن عبد الرحمن(صلاح الدين)بن عثمان الشهرزوري الكردي أبو عمرو(577-643 ه) أحد الفضلاء المقدمين في التفسير و الحديث و الفقه،انتقل في البلاد حتى حلّ في دمشق،فتولى التدريس في دار الحديث،له كتاب معرفة أنواع علم الحديث يعرف بمقدمة ابن الصلاح و غيره.

*و اختلفوا في قوله صلى اللّه عليه و سلم:«سبق المفرّدون»الحديث المتقدّم (1):

فقال ابن الأعرابي (2):يقال فرّد الرّجل بتشديد الرّاء،إذا تفقّه و اعتزل الناس،و خلا بنفسه وحده،مراعيا لأمر اللّه و نهيه.

و قال ابن قتيبة (3):هم الذين هتكت لذّاتهم من الناس،أو قال:هم الذين هلك أقرانهم من النّاس،و بقوا هم يذكرون اللّه.

و قال الأزهريّ (4):هم المتخلّون عن النّاس بذكر اللّه،لا يخلطون به غيره،و قيل غير ذلك.

و قد تقدّم في الحديث الصحيح أنّ النبي صلى اللّه عليه و سلم قال:«هم الذّاكرون اللّه كثيرا و الذّاكرات» (5).

***).

ص: 177


1- تقدم صفحة:(169).
2- ابن الأعرابي محمد بن زياد(150-231 ه).راوية نسّابة علاّمة باللغة،من أهل الكوفة،كان أحول،و كان له مجلس يجيب عمّا يسأل دون كتاب،و لم ير أحد في الشعر أغزر منه،له تصانيف كثيرة منها:أسماء الخيل و فرسانها،النوادر...
3- ابن قتيبة عبد اللّه بن مسلم الدينوري(213-276 ه)من أئمة الأدب و من المصنفين المكثرين، سكن الكوفة،و ولي قضاء دينور،و توفي ببغداد،من كتبه:الشعر و الشعراء،الإمامة و السياسة، المعارف،كتاب المعاني.
4- محمد بن أحمد الأزهري الهروي(282-370 ه)أحد أئمة اللغة و الأدب،مولده و وفاته في هراة بخراسان،عني بالفقه،ثم غلب عليه التبحر بالعربية،فرحل في طلبها و قصد القبائل،من كتبه: تهذيب اللغة.
5- انظر الصفحة:(169).

الباب الرابع

في فضل تلاوة القرآن،و أهله العاملين به

قال اللّه تعالى: يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ(113) يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ [آل عمران:113-114].

و الآيات في ذلك كثيرة.

و أمّا الأحاديث فلا يمكن استيفاؤها،و نقتصر منها على أحاديث يسيرة،و هي عشرون حديثا في هذا الباب،يستدلّ بها على سعة الفضل و الثّواب:

الحديث الأول:روينا في الصّحيحين (1)عن أبي أمامة (2)رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«اقرءوا القرآن؛فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه».

الحديث الثاني:روينا في«صحيح مسلم»أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«يؤتى يوم القيامة بالقرآن و أهله الذين كانوا يعملون به في الدّنيا،تقدّمه سورة البقرة،و آل عمران،تحاجّان عن صاحبهما» (3).

الحديث الثالث:روينا في الصّحيحين عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«الذي يقرأ القرآن و هو ماهر به مع السّفرة (4)الكرام البررة،و الذي يقرأ

ص: 178


1- الحديث رواه مسلم فقط(804)في صلاة المسافرين،باب فضل قراءة القرآن.
2- في الأصول و المطبوع أبي هريرة،و المثبت من صحيح مسلم.
3- رواه مسلم(805)في صلاة المسافرين،باب فضل قراءة القرآن،و المؤلف ذكر الحديث مختصرا.
4- السفرة هم الملائكة،جمع سافر،و السافر في الأصل الكاتب،سمّي به لأنه يبين الشيء و يوضحه. النهاية(سفر).

القرآن و يتتعتع فيه،و هو عليه شاقّ له أجران» (1).

الحديث الرابع:روينا في«كتاب الترمذي»عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله به حسنة،و الحسنة بعشر أمثالها،لا أقول الم حرف،و لكن ألف حرف،و لام حرف،و ميم حرف» (2).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

الحديث الخامس:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«يقال لصاحب القرآن:اقرأ و ارق (3)،و رتّل كما كنت ترتّل في الدنيا،فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرأ» (4).قال الترمذيّ:حديث حسن صحيح.

الحديث السادس:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»أيضا عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«عرضت عليّ أجور أمّتي،حتى القذاة يخرجها الرّجل من المسجد،و عرضت عليّ ذنوب أمّتي،فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها» (5).

الحديث السابع:روينا في«سنن أبي داود»و«مسند الدّارمي»عن سعد بن عبادة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قرأ القرآن ثم نسيه،لقي اللّه تعالى يوم القيامة أجذم» (6).».

ص: 179


1- رواه البخاري 532/8 في تفسير سورة عبس،و مسلم(798)في صلاة المسافرين،باب فضل الماهر بالقرآن.
2- أخرجه الترمذي(2912)في ثواب القرآن،باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن.و في(أ):عن مسعود،و في المطبوع:عن أبي مسعود.
3- في(أ):و ارتق.
4- أخرجه الترمذي(2915)في ثواب القرآن،باب(17)و أبو داود(1464)في الصلاة،باب استحباب الترتيل في القراءة.
5- رواه الترمذي(2917)في ثواب القرآن،باب ما تقرب العبد بمثل القرآن،و أبو داود(461)في الصلاة،باب في كنس المسجد.
6- رواه أبو داود(1474)في الصلاة،باب التشديد فيمن حفظ القرآن،و إسناده ضعيف،و الدارمي 529/2(3340)و كلاهما بلفظ:«ما من امرئ يقرأ القرآن...».

الحديث الثامن:روينا في«صحيح البخاري»عن أبي سعيد رافع بن المعلّى (1)رضي اللّه عنه قال:قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أ لا أعلّمك أعظم سورة من القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟»فأخذ بيدي،فلمّا أردنا أن نخرج،قلت:يا رسول اللّه،إنّك قلت لأعلّمنّك أعظم سورة من القرآن،قال:« اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السّبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته» (2).

الحديث التاسع:روينا في«صحيح البخاري»أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال في قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ :«و الذي نفسي بيده،إنّها لتعدل ثلث القرآن» (3).

و روينا في«صحيح مسلم»نحوه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه (4).

الحديث العاشر:عن أنس رضي اللّه عنه،أنّ رجلا قال:يا رسول اللّه،إنّي أحبّ هذه السورة قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ قال:«إنّ حبّها أدخلك الجنة».

رويناه في«كتاب الترمذي»و قال:حديث حسن.و رواه البخاري في«صحيحه» تعليقا (5).

الحديث الحادي عشر:روينا في«صحيح مسلم»عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«أ لم تر آيات أنزلت عليّ هذه الليلة،لم ير مثلهنّ قطّ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ » (6).ن.

ص: 180


1- قال الحافظ في فتح الباري:و ليس لأبي سعيد في البخاري سوى هذا الحديث،و اختلف في اسمه فقيل رافع،و قيل الحارث،و قيل أوس.
2- رواه البخاري 119/7 في تفسير سورة فاتحة الكتاب،باب ما جاء في فاتحة الكتاب.
3- رواه البخاري 53/9،في فضائل القرآن،باب فضل قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ .
4- رواه مسلم(812)في صلاة المسافرين،باب فضل قراءة قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ .
5- ذكره البخاري تعليقا(741)في صفة الصلاة،باب الجمع بين سورتين في الركعة،و الترمذي (2903)في ثواب القرآن،باب ما جاء في سورة الإخلاص.
6- و الأجذم:المقطوع اليد.

الحديث الثاني عشر:روينا في«صحيح مسلم»أيضا عن أبي بن كعب رضي اللّه عنه، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«يا أبا المنذر،أ تدري أيّ آية من كتاب اللّه أعظم معك؟»قلت:

اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فضرب في صدري،و قال:«ليهنيك العلم يا أبا المنذر» (1).

الحديث الثالث عشر:روينا في«صحيح البخاري»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،قال:

وكّلني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بحفظ زكاة رمضان،فأتاني آت،فجعل يحثو من الطّعام،فأخذته، فقلت:لأرفعنّك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.فقال:إنّي محتاج،و عليّ عيال،و بي حاجة شديدة.

فخلّيت عنه،فأصبحت،فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«يا أبا هريرة،ما فعل أسيرك البارحة؟» فقلت:يا رسول اللّه،شكا حاجة و عيالا،فرحمته،و خلّيت سبيله.قال:«أما إنّه قد كذبك و سيعود»فعرفت أنّه سيعود لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،فرصدته،فجعل يحثو من الطّعام، [فأخذته]و قلت:لأرفعنّك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.قال:دعني،فإنّي محتاج،و ذكر مثل الذي تقدّم من قوله،و من قول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم إلى أن تكرّر ذلك في ثلاث ليال،قال في آخرها:تزعم أنّك لا تعود ثم تعود!فقال:دعني،فإنّي أعلّمك كلمات ينفعك اللّه بها.قلت:ما هنّ؟ قال:إذا أويت إلى فراشك،فاقرأ آية الكرسيّ،فإنّه لن يزال عليك من اللّه حافظ، و لا يقربك شيطان حتّى تصبح،فخلّيت سبيله،فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ما فعل أسيرك؟»قلت:يا رسول اللّه،زعم أنّه يعلّمني كلمات ينفعني اللّه بها،فخلّيت سبيله.

قال:«و ما هي؟»قلت:قال:إذا أويت إلى فراشك و ذكر الذي قاله،فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم:«أما إنّه قد صدقك و هو كذوب،تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟»قلت:لا.قال:

«ذاك شيطان» (2).

الحديث الرابع عشر:روينا في الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري البدري رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» (3).ة.

ص: 181


1- رواه مسلم(810)في صلاة المسافرين،باب فضل سورة الكهف و آية الكرسي.
2- ذكره البخاري تعليقا 396/4 في الوكالة،باب إذا و كل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز.
3- رواه البخاري 50/9 في فضائل القرآن،باب فضل سورة البقرة،و مسلم(808)في صلاة المسافرين،باب فضل فاتحة الكتاب و خواتيم سورة البقرة.

اختلف العلماء في معنى«كفتاه»قيل:كفتاه من الآفات في ليلته.و قيل:كفتاه من قيام ليلته.قال الإمام النواوي رضي اللّه عنه:و يجوز أن يراد به الأمران.

الحديث الخامس عشر:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«لا تجعلوا بيوتكم مقابر،إنّ الشّيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» (1).

الحديث السادس عشر:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«من القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتّى غفر له، و هي: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ » (2).قال الترمذي:حديث حسن.و في رواية أبي داود:

«تشفع[لصاحبها]».

الحديث السابع عشر:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه يتلون كتاب اللّه و يتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السّكينة،و غشيتهم الرّحمة و حفّتهم الملائكة،و ذكرهم اللّه فيمن عنده» (3).

الحديث الثامن عشر:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»و«النسائي»عن عبد اللّه بن خبيب-بضم الخاء المعجمة-رضي اللّه عنه قال:خرجنا في ليلة مطر و ظلمة شديدة نطلب النبيّ صلى اللّه عليه و سلم ليصلّي لنا،فأدركناه،فقال:[«أ صليتم؟»فلم أقل شيئا،فقال:] «قل» (4).فلم أقل شيئا،ثم قال:«قل»قلت:يا رسول اللّه،ما أقول؟قال:«قل: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ و المعوذتين حين تمسي و حين تصبح ثلاث مرّات تكفيك من كلّ شيء» (5).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.ه.

ص: 182


1- رواه مسلم(780)في صلاة المسافرين،باب استحباب صلاة النافلة في بيته.
2- رواه الترمذي(2893)في ثواب القرآن،باب ما جاء في فضل سورة الملك،و أبو داود(1400) في الصلاة،باب في عدد الآي.
3- رواه مسلم(2699)في الذكر و الدعاء،باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن.
4- في الأصلين:فلم أقل شيئا ثم قال:«قل»مكررة.
5- رواه الترمذي(3570)في الدعوات،باب(127)،و أبو داود(5082)في الأدب،باب في التسبيح عند النوم،و ما بين معقوفين مستدرك منه،و النسائي 250/8،في الاستعاذة،باب في فاتحته.

الحديث التاسع عشر:روينا في الكتب الثلاثة المذكورة قبله عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال:أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن أقرأ بالمعوّذتين دبر كلّ صلاة (1).

و في رواية أبي داود:«بالمعوذات»فينبغي أن يضاف إليهما قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ .

الحديث العشرون:روينا في«الصحيحين»عن عائشة رضي اللّه عنها،أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم كان إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة جمع كفّيه،ثم نفث فيهما،فقرأ فيهما قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه و وجهه،و ما أقبل من جسده،و يفعل ذلك ثلاث مرّات (2).

قال أهل اللغة:النفث نفخ لطيف بلا ريق.

*قلت:و قد روى الأئمة أحاديث كثيرة في قراءة سور في اليوم و الليلة:منها:يس، و تبارك الملك،و الدخان،و الواقعة.فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:

«من قرأ يس في يوم و ليلة ابتغاء وجه اللّه تعالى غفر له» (3).

*و في رواية له،«من قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح مغفورا له» (4).

*و في رواية عن ابن مسعود رضي اللّه عنه،قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«من قرأ سورة الواقعة في كلّ ليلة لم تصبه فاقة» (5).

*و عن جابر رضي اللّه عنه قال:كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا ينام كلّ ليلة حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ ،و تبارك الملك (6).ك.

ص: 183


1- رواه الترمذي(2904)في ثواب القرآن،باب ما جاء في المعوذتين،و أبو داود(1462)في الصلاة،باب في المعوذتين،و النسائي 158/2 في افتتاح الصلاة،باب القراءة في الصبح بالمعوذتين.
2- رواه البخاري 56/9 في فضائل القرآن،باب فضل المعوذات،و مسلم(2192)في السلام،باب رقية المريض.
3- رواه ابن حبان في صحيحه 312/6،و الدارمي 549/2 و الطبراني في المعجم الأوسط 21/4، و الصغير 255/1،و البيهقي في شعب الإيمان 479/2.
4- رواه أبو يعلى في مسنده:105/11(6232).
5- رواه البيهقي في شعب الإيمان 492/2(2500).
6- رواه الترمذي(2894)في ثواب القرآن،باب ما جاء في فضل سورة تبارك.

*و في رواية أبي هريرة رضي اللّه عنه:«من قرأ في ليلة إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ كانت له كعدل نصف القرآن،و من قرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ كانت له كعدل ربع القرآن،و من قرأ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ كانت له كعدل ثلث القرآن» (1).

*و في رواية:«من قرأ آية الكرسي،و أوّل حم،عصم ذلك اليوم من كلّ سوء» (2).

*و روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»أنّه كان صلى اللّه عليه و سلم يقرأ المسبّحات (3)قبل أن يرقد (4).قال الترمذي:حديث حسن.

*و روينا عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا ينام حتّى يقرأ بني إسرائيل (5)و الزّمر (6).قال الترمذيّ:حديث حسن.

*و روينا فيهما أيضا عن نوفل الأشجعيّ رضي اللّه عنه،قال:قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:

«اقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ثم نم على خاتمتها؛فإنّها براءة من الشّرك» (7).

*و روى الإمام الحافظ أبو بكر بن أبي داود (8)بإسناده عن عليّ رضي اللّه عنه،قال:

ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة (9).إسناده صحيح على شرط البخاري و مسلم.).

ص: 184


1- رواه بنحوه الترمذي(2896)في ثواب القرآن،باب ما جاء في إذا زلزلت.
2- رواه ابن كثير في التفسير 70/4 أول سورة المؤمن،و بنحوه الترمذي(2879).
3- المسبحات:هي السور التي في أولها: سَبَّحَ لِلّهِ أو يُسَبِّحُ لِلّهِ أو سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ جامع الأصول 265/4(2253).
4- رواه الترمذي(3403)في الدعوات،باب ما جاء فيمن يقرأ من القرآن عند المنام،و أبو داود (5057)في الأدب،باب ما يقال عند النوم.
5- سورة بني إسرائيل هي سورة الإسراء.
6- رواه الترمذي(3402)في الدعوات،باب(22).
7- رواه الترمذي(3400)في الدعوات،باب(22)،و أبو داود(5055)في الأدب،باب ما يقال عند النوم.
8- أبو بكر بن أبي داود عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني(230-316 ه)من كبار حفاظ الحديث،كان إمام أهل العراق،رحل مع أبيه رحلة طويلة،و شاركه في شيوخه بمصر و الشام،توفي ببغداد،له تصانيف منها:المصاحف و المسند.
9- مسند الدارمي 541/2(3384).

*و روى أيضا عن عليّ رضي اللّه عنه:ما أرى أحدا يعقل دخل في الإسلام ينام حتّى يقرأ آية الكرسيّ (1).

*و قال إبراهيم الخوّاص رضي اللّه عنه:دواء القلب خمسة أشياء؛قراءة القرآن بالتدبّر،و خلاء البطن،و قيام الليل،و التضرّع عند السحر،و مجالسة الصالحين.

*و قال بعضهم:إذا طهر القلب لم يشبع من تلاوة القرآن.

*و قد ختم بعضهم في اليوم و الليلة ثمان ختمات،أربعا في الليل،و أربعا في النهار، و ممّن بلغ هذا القدر المذكور السيد الجليل ابن الكاتب الصّوفي،قال الإمام أبو زكريا النّواوي (2)رضي اللّه عنه:و هذا أكثر ممّا بلغنا.

*و قال الإمام أبو حامد الغزاليّ رضي اللّه عنه فيمن يختم ختمتين في الجمعة (3):

الأفضل أن يختم ختمة باللّيل و أخرى بالنّهار،و يجعل ختمة النّهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما،و يجعل ختمة اللّيل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما.

*قال الإمام النّواويّ (4)رضي اللّه عنه بعد أن ذكر اختلاف النّاس في الختمات:

المختار أنّ ذلك يختلف باختلاف الأشخاص،فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف و معارف فليقتصر على قدر يحصل معه له كمال فهم ما يقرأ،و كذا من كان مشغولا بنشر العلم،أو فصل الحكومات بين المسلمين،أو غير ذلك من مهمات الدّين،و مصالح العامّة للمسلمين فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له،و لا فوات كماله، و إن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل و الهذرمة (5)في القراءة،و ممّن ختم القرآن في ركعة:عثمان بن عفان،و تميم الدّاري، و سعيد بن جبير،رضي اللّه عنهم.

*و روينا عن الشيخ الإمام العارف نجم الدّين الأصفهاني رضي اللّه عنه،أنّه رأى إنسانام.

ص: 185


1- رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 40/6(29315).
2- الأذكار صفحة 123 أول كتاب تلاوة القرآن.
3- إحياء علوم الدين 276/1 في آداب التلاوة،في ظاهر آداب التلاوة.
4- الأذكار صفحة 124 أول كتاب تلاوة القرآن.
5- الهذرمة:السرعة في القراءة و الكلام.

من أهل اليمن في الطّواف ختم القرآن في شوط،-أو في سبع أشكّ في ذلك-قال:فقلت له:إنّ اللّه قد أطلعني عليك،و أريد أن تختمه بين يديّ.قال:فافتتح،و قرأ،و ذكر كلاما معناه أنّه ختم في الحال خلف مقام إبراهيم صلوات اللّه عليه و على نبينا و سلم.

*و قد ذكر بعض المشايخ:أنّه كما يطوى المكان لهم يطوى الزّمان،و كذا تطوى الحروف،و يذهب جرمها تحت الأنوار الواردة عليهم.

و قال ابن مسعود رضي اللّه عنه فيما روي عنه:ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ النّاس نائمون،و بنهاره إذ النّاس مفطرون،و بحزنه إذ الناس يفرحون،و ببكائه إذ النّاس يضحكون،و بصمته إذ الناس يخوضون،و بخشوعه إذ الناس يختالون.

*و عن الفضيل بن عياض رضي اللّه عنه أنّه قال:ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له حاجة إلى الخلفاء،فمن دونهم.

*و للقارئ و القراءة آداب كثيرة لا يسعها إلاّ مجلدات.و قد صنّف الأئمة في ذلك كتبا نفيسة،من المبسوطات و المختصرات،و من أنفس مختصراتها كتاب«التّبيان في آداب حملة القرآن»للإمام السيد الجليل محيي الدّين النّواوي رضي اللّه عنه.

و كذلك فضائل القرآن أكثر من أن تحصر،لا يسع قطرة من بحرها هذا المختصر.

*و عن الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه قال:رأيت ربّ العزّة سبحانه في النوم، فقال لي:يا أحمد،ما تقرّب إليّ المتقرّبون بمثل كلامي.قلت:يا ربّ،بفهم أو بغير فهم؟قال:بفهم أو بغير فهم.

*و الحكاية المشهورة عن حمزة بن حبيب الزيّات (1)رضي اللّه عنه،أنّه دخل عليه مجّاعة بن الزّبير (2)و هو يبكي،فقال:ما يبكيك؟فقال:و كيف لا أبكي،أريت في منامي كأنّي عرضت على اللّه جلّ ثناؤه،فقال:يا حمزة،اقرأ القرآن كما علّمتك.فوثبت قائما،7.

ص: 186


1- حمزة بن حبيب التيمي الزيات(80-156 ه)أحد القراء السبع،كان من موالي التيم فنسب إليهم، كان يجلب الزيت من الكوفة إلى سواد العراق،كان عالما بالقراءات،انعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول.
2- مجاعة بن الزبير الأزدي البصري أحد العلماء العاملين،أثنى عليه شعبة،و قال عنه:الصوام القوّام،انظر سير أعلام النبلاء 196/7.

فقال لي:اجلس؛فإني أحبّ أهل القرآن.فقرأت حتى بلغت سورة طه،فقلت:

طُوىً(12) وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ [طه:12-13].فقال لي:بيّن.فبيّنت: طُوىً وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ (1)ثم قرأت حتى بلغت يس،فأردت أن أغطّي،فقلت: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [يس:5].فقال لي:قل: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (2)هكذا قرأت،و هكذا أقرأت حملة العرش،و هكذا يقرأ (3)المقرّبون.ثم دعا بسوار،فسوّرني،فقال:هذا بصومك النّهار.ثم دعا بتاج، فتوّجني.ثم قال:هذا بإقرائك الناس القرآن،يا حمزة.لا تدع تنزيلا فإني نزّلته تنزيلا.

و قد روي عنه رواية أخرى طويلة،قال في آخرها:يا حمزة.و حقّ القرآن،لأكرمنّ أهل القرآن سيما إذا عملوا بالقرآن.يا حمزة،ثم ضمّخني بالغالية،و قال:ليس أفعل هذا بك وحدك،قد فعلت ذلك بنظرائك،و من فوقك،و من دونك،و من أقرأ القرآن كما قرأته،و لم يرد به غيري،و ما خبّأت لك يا حمزة عندي أكثر (4).

*و عن بعض الصّالحين أنّه قال:رأيت ربّ العزّة سبحانه في النوم،فقرأت عليه القرآن حتى ختمت،و أعدت أوّل البقرة إلى قوله تعالى: *سَيَقُولُ السُّفَهاءُ [البقرة:

142]،ثم أنشدت:

يروي جمالك قلبا أنت تعمره بفضل جودك لا بالكدّ و العمل

*و قال الشيخ أبو الرّبيع المالقي رضي اللّه عنه:كنت ليلة في المسجد مع الشيخ أبي محمد سيّد بن عليّ الفخار رضي اللّه عنه،و كان من أدبي معه أنّي لا أقوم لوردي حتى يقوم،فقام ليلة و توضّأ،و أنا مستيقظ في مضجعي،ثم استقبل القبلة،و قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم،ثم[أخذ]في ورده يتلوه،فرأيت الحائط قد انشقّ و خرج منه شخص بيده زبديّة بيضاء،فيها شهد أبيض،فكلّما فتح فمه لقّمه ذلك الشخص لقمة من ذلك الشّهد،ق.

ص: 187


1- طُوىً بالتنوين قراءة ابن عامر،و عاصم،و حمزة،و الكسائي و خلف.و بدون التنوين بقية القراء.
2- تَنْزِيلَ بالفتح قراءة:ابن عامر،و حفص،و حمزة،و الكسائي،و خلف،و قراءة بقية القراء بالضم.
3- في(أ)يقرءوا،و في المطبوع:يقرءون.
4- قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 197/7:و قد ركّب على مجّاعة منام حمزة الزيات،و أنه سمعه منه،و ذلك اختلاق.

فتعجّبت ممّا رأيت،فاشتغلت به عن وردي،فلمّا أصبحت قلت له:يا سيدي،رأيت كذا و كذا.فذرفت عيناه،و قال لي:ذلك طيب القرآن يا سليمان (1).

*قلت:و حكى لي بعض الإخوان من الصالحين،قال:كنت في مسجد مغلقا عليّ الباب،فما شعرت و أنا أقرأ إلاّ و ثلاثة عليهم ثياب بيض عندي،و ذكر أنّهم لم يزالوا عنده إلى أن سكت،ثم غابوا عن بصره.

و فضائل القرآن أكثر من أن تحصر،و أظهر من أن تشهر،فاللّه تعالى ينفعنا ببركته في الدنيا و الاخرة،و والدينا و المسلمين،و يكرمنا به أجمعين،و يحرسنا به من مكروه الدّارين آمين.

*و قد رأيت في النّوم أنّي أدعو:اللّهمّ،أكرمنا بالقرآن،و احرسنا بالقرآن،و ذلك بعد أن تعرّضت لي بعض السباع في بعض البراري قبل أن أنام،و عدت خلفي،فالتفتّ إليها، و قرأت شيئا من القرآن،فجمدت و لم تتحرّك بعد،و ذلك في أول الليل،ثم رقدت بعد ذلك،فرأيت كأنّ إنسانا يقرأ عليّ سورة(تبارك الملك)،فلمّا ختمها دعوت بالدّعاء المذكور،ثم قمت آخر الليل،و إذا سبع يدنو منّي،فالتفتّ إليه كما في أوّل الليل،فلم أسمع له حسّا بعدها.

*فينبغي المحافظة على تلاوته،و الإكثار من سورة(تبارك)المذكورة،و لقد قرأتها و رأيت في أثنائها في بعض الأوقات بعض الصّالحين،بعد أن غطّى على عيني مثل السّنة، و حسّي حاضر،و كان بي تعطّش إلى رؤية شيخ أقتدي به،فقال:ما معك من كذا و كذا شيء تشمّره،شمره،و إذا أشكل عليك شيء،فعليك بالكتاب و السّنة.

*و كذلك قرأت سورة المائدة في وقت،فرأيت عقبها رؤيا أذكرها،عسى أن يكون في ذكرها خير إن شاء اللّه تعالى:و ذلك أنّ جماعة من الفقراء المحبّين لازموني في وقت أن أقيم بينهم،و قالوا:هو أصلح لك من الانفراد،فكرهت المخالطة،و مال الخاطر إلى العزلة،فذهبت إلى بعض المواضع،و قرأت سورة المائدة المذكورة،و نمت بعد ختمها، فرأيت كأنّه قد قرّب إليّ طعام طيّب،و قد حضر عندي بعض الناس،فأردت أن أشارك الحاضرين في الأكل،فامتنعوا،و أعطوني نصيبي كالمؤثرين لي بشيء وحدي،و شرعه.

ص: 188


1- روض الرياحين 388 الحكاية 346 و ما بين معقوفين مستدرك منه.

بعضهم يمدح الوحدة،و يذمّ الخلطة،فقلت له:قد قالوا:المخالطة أفضل لمن يسلم فيها.فقال:و من ذا الذي يسلم في المخالطة؟!ثم سمعت ناسا قريبا منّا يتجادلون في الاعتقاد في مسألة الجهة (1)،و إذا واحد منهم يقول:إن لم يكن جهة،فليس للوجود صانع -تعالى اللّه عن ذلك القول-ثم بعد ساعة سمعت صوت إنسان يعاقب،ثم جاء إلينا ناس، فسألت بعضهم عن ذلك الذي يصرخ:من هو؟فأخبروني أنّه الشخص المعتقد الجهة، الذي قال القول المذكور.

ثم رأيت كأنّي في طريق واسع،و إذا قد دهمني جند كأنّهم عسكر سلطان،ركبان على خيل وحدها،أو معها هجان،و هم يمسكون النّاس و يمتحنونهم في اعتقادهم،فداخلني منهم خوف،و خشيت أن يمسكوني،فمرّوا بجنبي،و قالوا لي:اثبت على اعتقادك؛فأنت على الحقّ.و لم يتعرّضوا لي بمكروه،فذهب عنّي الرّوع،ثم ذهبوا،فرأيت بقربي بئرين و خضرة كالبساتين أو المزارع هناك،و إذا إنسان يقول:هذه بئر فلان،و ذكر بعض العلماء،ثم قال:حسب أنها أوسع،أو قال:أغزر ماء من البئر الأخرى،و أشار إلى أنّه أخطأ في وهمه.

ثم استيقظت،و فكّرت في منامي،ففهمت جميع إشاراته إلاّ البئرين،و نسبة إحداهما إلى الرّجل المذكور،اختصاصه بها من بين الناس،و ظنّه أنّها خير من البئر الأخرى،ثم ذكرت بعد ساعة أنّ الشخص المذكور باعتقاد الجهة مشهور مخالف للجمهور،ففهمت عند ذلك معنى ذلك.هذا كلّه بعد قراءة السّورة المذكورة كما ذكرنا.

*و أخبرني بعض الإخوان أنّه مات بعض الناس في بعض بلاد اليمن،فلمّا فرغوا من دفنه،و افترق الناس،بقي هناك شيخ من الأولياء يقال له العابدي-بالدال المهملة- رضي اللّه عنه و نفع به،قعد يصلّي المغرب في مسجد هناك،ثم سمع ضربا في القبر و دقّا عنيفا،ثم رأى كلبا خرج من القبر،فقال له الشيخ:ويحك،أيش أنت؟قال:أنا عمل الميت.قال:و أيش هذا الضرب الذي سمعت،فيك أو فيه؟قال:بل فيّ،وجدت عنده سورة يس و أخواتها،و حيل بيني و بينه و طردت.

*و كذلك سمعت الحكاية المستفاضة المشهورة أنّ الشيخ محمد بن زاكين.

ص: 189


1- مسألة الجهة أي هل اللّه تعالى موجود في السماء،أم هو في كلّ مكان.

المقرئ (1)في حراز (2)من بلاد اليمن رضي اللّه عنه و نفع به،قرأ عليه بعض المبتدعين القراءات السبع و حقّقها،و اجتمع له الإتقان و حسن الصوت،فلمّا رجع إلى بلاده أعجب أصحابه تحقيقه و حسن صوته،و قالوا:ما أحسن هذا،لو كان شيخك منّا.فقال:

و ما عليّ من ذاك،أخذت العسيلة،و تركت الظّرف.فبلغ الشّيخ محمد بن زاكي المذكور ذلك،فجمع أصحابه و قال:اقرءوا سورة يس حتى ترجع إلينا عسيلتنا.فقرءوا،فذهب حفظ ذلك الشخص،و بقي لا يعرف شيئا من القرآن أصلا،فعرف من أين أتي،ثم جاء إلى الشيخ المذكور مستغفرا تائبا من مذهبه،و دخل في مذهب الشيخ الصالح المذكور و هو شافعيّ المذهب،ثم ابتدأ يتعلّم القرآن كما يتعلّم المبتدئ،و بلغ إلى خمس روايات،ثم مات رحمه اللّه.و لمّا حكيت هذه الحكاية للسيد الجليل الشيخ الصالح أبي عبد اللّه القصري المقرئ رحمه اللّه،و نفع به قال لي:إن كنت قرأت على هذا الشيخ المذكور- يعني ابن زاكي-قرأت عليك،يقول لي هذا و هو إذ ذاك شيخ القرّاء،لشدّة محبّته في الصالحين،إذ كلّ جنس يميل إلى جنسه.

*و أخبرنا بعض شيوخنا رضي اللّه عنهم:أنّه كان بعض الشيوخ في بلاد الهند،و كان السّلطان يعظّمه،فحسده بعض الكفار البراهمة (3)هناك،و قال للسّلطان:هذا ما هو على شيء،فاجمع بيني و بينه،حتى أبيّن لك حاله.فعقد له مجلسا،فلمّا اجتمعا،و اجتمع الناس،قال الحكيم البرهمي للشيخ المسلم المذكور:إن كنت صادقا فطر مثلي.ثم ارتفع في الهواء،و بقي يعنّف الشيخ و يعيبه،و يستهزئ به،فأخذ الشيخ يقرأ و يقول:اللهم انصر دينك،فانقلب البرهميّ على رأسه منكّسا يصرخ و يستغيث،و ربّما خرج منه الحدث، فافتضح و أعزّ اللّه دينه.

*و من بركة القرآن الكريم أيضا أنّه مات بعض الناس،و كان ركيك الحال،قبيح).

ص: 190


1- محمد بن عبد اللّه بن زاكي عالم عارف بالقراءات،انتفع الناس به،و قصدوه،اشتهر عنه أنه كان يقرئ الجن.مات سنة 708 ه.طبقات المناوي 95/3.
2- جاء في طبقات الخواص للشرجي صفحة 139:و كان مسكن المقرئ بناحية جبل حراز.و هو من جبال اليمن المشهورة.
3- البراهمة:عباد الهنود المجوس،و ذهادهم،أو قوم لا يجوزون على اللّه بعثه الرسل.متن اللغة (برهم).

الفعال عفا اللّه عنّا و عنه،و كان بيني و بينه معرفة،فقرأت شيئا من القرآن،و أهديته إليه.

و كان غائبا في بلد بعيد،فجاءني الخبر أنّه رآه بعض أصحابه في النوم،و قال له:سلّم على فلان،و قل له جزاه اللّه عنّي خيرا كما أهدى إليّ القرآن.

*و رأيت والدي رحمه اللّه و عامله بفضله و كرمه في النّوم بعد موته،و هو كالعتبان عليّ لكونه مات و أنا غائب غيبة طويلة،و قال:لو كنت تجد ما أجد،ما كنت تغيب هذا القدر.

فقلت له:أما علمت أنّ يعقوب عليه السلام غاب عنه ابنه كذا و كذا سنة؟قال:يا ولدي، أو تشبهنا بالأنبياء؟أو قال:صبرنا بصبر الأنبياء؟ (1)فوجلت من هذه الرؤيا لكوني لم أر منه إقبالا عليّ.فلزمت قبره جماعة أيام أقرأ عليه القرآن.فرأيته في أول جمعة من رجب في النوم بعد المنام الأول بليال،فرحّب بي،و بشّ في وجهي،و قال:الحمد للّه الذي منّ عليّ بثلاث خصال:الأولى الاجتماع،ثم انتبهت قبل أن يذكر لي الخصلتين الأخريين، و أسأل اللّه الكريم أن يعامله بكلّ خير.

*و كذلك رأيت والدتي رحمها اللّه من بعد ما قرأت القرآن،و أهديته إليها مرارا.

رأيت كأنّ قبرا مفتوحا قد دخلت فيه،فإذا هو واسع،و لا أرى فيه أحدا إلاّ أرجل سرير، فرفعت طرفي فإذا السرير عال،و إذا عليه شخص نائم،فقلت:ما أقبح فعال بني الدنيا! ما يتركون الرّعونة و الترفّه،حتى بعد الموت يدخلون في القبور السّرر للموتى،فإذا صاحب السّرير يناديني إليه،فصعدت،فإذا هي والدتي رحمها اللّه تعالى برحمته الواسعة، و جزاها عنّي أفضل الجزاء،فسلّمت عليّ سلاما بغاية الشّفقة و الرأفة،و سألتني عن أخ لي كان حيّا،و ودّعتني،فانتبهت و وجدت الشّجن بذلك السلام.و الشفقة البالغة في قلبي مدّة طويلة،حتى إذا ذكرت ذلك وجدت تأثيره إلى الآن (2).

*و رأيت في النوم أيضا بعض شيوخي الذي أقرأني القرآن بعد موته،و إذا هو لابس في ساقيه خلخالين،و نصف كلّ واحد منهما ذهب و النّصف الآخر فضة،في جهة الطّول، و ليست بينهما لحمة و لا انفصال أصلا-أعني الذّهب و الفضة-و هما يحيّران العقل).

ص: 191


1- في روض الرياحين 245(الحكاية 168):صبرنا كصبر الأنبياء.
2- انظر الخبر مطولا في روض الرياحين 243(الحكاية 164).

بحسنهما،و هو يتبختر في مشيه،فانتبهت و كأنّي إلى الآن أجد حلاوة حسن الخلخالين اللّذين صاغتهما القدرة.

و سألت بعض الصّوّاغ:هل تمكن الصيغة على الصّفة المذكورة؟فقال:ما نقدر، و لا يمكن ذلك،و لا بدّ أن يكون بينهما (1)فصل ظاهر.فعلمت أنّه لا يقدر مخلوق على صنعة الخالق القادر سبحانه و تعالى (2).

*و من فضائل القرآن الكريم أعاد اللّه علينا من بركاته،ما روي عن كرز بن وبرة (3)، و كان من الأبدال نفع اللّه به،قال:أتاني أخ لي من أهل الشام،و أهدى إليّ هدية،و قال:

اقبل منّي هذه الهدية؛فإنّها نعمة الهدية.قلت:يا أخي،من أين لك هذه الهدية؟قال:

أعطاني إيّاها إبراهيم التيميّ (4).قلت:أ فلم تسأل إبراهيم التيمي من أعطاه إياها؟قال:

بلى سألته،فقال:كنت جالسا في فناء الكعبة،و أنا في التّهليل و التكبير و التّسبيح و التحميد،فجاءني رجل،فسلّم عليّ،و جلس عن يميني،و لم أر في زماني أحسن منه وجها،و لا أحسن منه ثيابا،و لا أشدّ منه بياضا،و لا أطيب رائحة،قال:فقلت:

يا عبد اللّه،من أنت،و من أين جئت؟قال:أنا الخضر.فقلت:في أيّ شيء جئتني؟ فقال:جئتك للسّلام عليك حبّا لك في اللّه عزّ و جلّ،و عندي هدية أريد أن أهديها إليك.

فقلت:و ما هي؟قال:أن تقرأ قبل طلوع الشّمس و انبساطها على الأرض،و قبل الغروب فاتحة الكتاب،و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ و قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ و آية الكرسي (5).سبع مرات،و تقول:سبحان اللّه، و الحمد للّه،و لا إله إلا اللّه،و اللّه أكبر سبعا،و تصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم سبعا،و تستغفر للمؤمنين و المؤمنات سبعا،و تستغفر لنفسك و لوالديك سبعا،و تقول:اللهم،افعل بيع.

ص: 192


1- في(ب):لا بدّ أن يبقى بينهما.
2- روض الرياحين:245(الحكاية:267).
3- كرز بن وبرة الحارثي نزيل جرجان و كبيرها،دخلها غازيا سنة 98 ه.حدث عن أنس بن مالك، و حدث عنه،له كرامات و مجاهدات،لم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة.طبقات المناوي الصغرى 513.
4- إبراهيم بن يزيد التيمي زاهد متعبد من كبار المحدثين،خرّج له الستة،مات بسجن الحجاج و لم يبلغ الأربعين.طبقات المناوي 208/1.و قد صحف في المطبوع إلى اليمني
5- قوله:و قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ و آية الكرسي ليس في(ب)و لا في المطبوع.

و بهم عاجلا و آجلا في الدّين و الدنيا و الاخرة ما أنت له أهل،إنّك غفور رحيم سبع مرات، و انظر،و لا تدع ذلك غدوة و عشية.

قلت:و قد قدّمنا هذه المسبعات في الورد بعد الصبح (1)،و قد رتبناها على غير هذا الترتيب،و زيادة عليه على ما سمعناها من أهل الخير،و قد ذكر فيها فضائل عظيمة حذفنا ذكرها،و يكفينا في فضائل القرآن و سائر الأذكار ما أخبرنا به الصادق المختار صلى اللّه عليه و سلم.

و قد ذكرنا شيئا من ذلك،و سنذكر شيئا منه أيضا فيما بعد إن شاء اللّه تعالى (2).

***8.

ص: 193


1- انظر صفحة 41.
2- انظر صفحة 208.

الباب الخامس

في فضل التسبيح و نحوه من الأذكار

الأحاديث في ذلك كثيرة جدا،و نقتصر على أربعين حديثا منها في هذا الباب يستدلّ بها على ما سواها من سعة فضل اللّه تعالى:

الحديث الأول:روينا في صحيحي«البخاري»و«مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«كلمتان خفيفتان على اللّسان،ثقيلتان في الميزان،حبيبتان إلى الرحمن:سبحان اللّه و بحمده،سبحان اللّه العظيم» (1).

الحديث الثاني:روينا في«صحيح مسلم»عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أحبّ الكلام إلى اللّه تعالى أربع:سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،لا يضرّك بأيّهنّ بدأت» (2).

الحديث الثالث:روينا في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قال:لا إله إلا اللّه وحده،لا شريك له،له الملك،و له الحمد،و هو على كلّ شيء قدير،في يوم مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب،و كتبت له مائة حسنة،و محيت عنه مائة سيئة،و كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي.و لم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلاّ رجل عمل أكثر منه».قال:«و من قال:سبحان اللّه و بحمده في يوم مائة مرة، حطّت خطاياه،و إن كانت مثل زبد البحر» (3).

ص: 194


1- رواه البخاري 175/11 في الدعوات،باب فضل التسبيح،و مسلم(2694)في الذكر و الدعاء، باب فضل التهليل و التسبيح.
2- رواه مسلم(2137)في الأدب،باب كراهية التسمية بالأسماء القبيحة.
3- رواه البخاري 168/11 في الدعوات،باب فضل التهليل،و مسلم(2691)في الذكر،باب فضل التهليل و التسبيح.

الحديث الرابع:روينا في«كتاب الترمذي»عن جابر رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قال:سبحان اللّه و بحمده،غرست له نخلة في الجنّة» (1).قال الترمذي:حديث حسن.

الحديث الخامس:عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لقيت إبراهيم صلوات اللّه عليه ليلة أسري بي،فقال:يا محمد،أقرئ أمتك منّي السلام، و أخبرهم أنّ الجنّة طيبة التّربة،عذبة الماء،و أنّها قيعان،و أنّ غراسها:سبحان اللّه، و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر»رويناه في«كتاب الترمذي» (2).و قال:حديث حسن.

الحديث السادس:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لأن أقول سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر،أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس» (3).

الحديث السابع:روينا في«صحيح مسلم»أيضا عن أبي مالك الأشعري رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«الطّهور شطر الإيمان،و الحمد للّه تملأ الميزان،و سبحان اللّه و الحمد للّه تملأ-أو تملآن-ما بين السماء و الأرض» (4).

الحديث الثامن:روينا في«صحيح مسلم»أيضا عن جويرية بنت الحارث أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصّبح،و هي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى و هي جالسة؛فقال لها:«ما زلت على الحالة التي فارقتك عليها؟» قالت:نعم.فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم:«لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرّات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ:سبحان اللّه و بحمده،عدد خلقه،و رضا نفسه،وزنة عرشه،و مداد كلماته».ء.

ص: 195


1- رواه الترمذي(3460)في الدعوات،باب(61).
2- رواه الترمذي(3458)في الدعوات،باب(60).
3- رواه مسلم(2695)في الذكر و الدعاء،باب فضل التهليل و التسبيح.
4- رواه مسلم(223)في الطهارة،باب فضل الوضوء.

و في رواية له:«سبحان اللّه عدد خلقه،سبحان اللّه رضا نفسه،سبحان اللّه زنة عرشه، سبحان اللّه مداد كلماته».

و رويناه في«الترمذي»كهذه الرواية مع تكرير كلّ كلمة ثلاث مرّات،إلاّ أنّه قال:«أ لا أعلّمك كلمات تقولينها:سبحان اللّه عدد خلقه»و كرّرها ثلاث مرات،و كذا الباقي (1).

الحديث التاسع:روينا في الصّحيحين عن أبي أيوب الأنصاري رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قال:لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،له الملك،و له الحمد،و هو على كلّ شيء قدير،عشر مرّات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» (2).

الحديث العاشر:روينا في«كتاب الترمذي»عن جابر رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«أفضل الذّكر لا إله إلا اللّه».قال الترمذي:حديث حسن.و أخرجه ابن ماجة أيضا (3).

الحديث الحادي عشر:روينا في الصحيحين عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال:قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أ لا أدلّك على كنز من كنوز الجنة؟»قلت:بلى يا رسول اللّه.قال:«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه» (4).

الحديث الثاني عشر:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من قال حين يصبح و حين يمسي:سبحان اللّه و بحمده مائة مرة،لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل ممّا جاء به،إلا واحد قال مثل ذلك أو زاد[عليه]».

و في رواية أبي داود:«سبحان اللّه العظيم و بحمده» (5).في

ص: 196


1- رواه مسلم(2726)في الذكر و الدعاء،باب التسبيح أول النهار و عند النوم،و الترمذي(3550)في الدعوات،باب(117).
2- رواه البخاري 170/11 في الدعوات،باب فضل التهليل،و مسلم(2693)في الذكر و الدعاء، باب فضل التهليل و التسبيح.
3- رواه الترمذي(3380)في الدعوات،باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة،و ابن ماجة(3800) في الأدب،باب فضل الحامدين.و تتمة الحديث:«و أفضل الدعاء الحمد للّه».
4- رواه البخاري 159/11 في الدعوات،باب الدعاء إذا علا العقبة،و مسلم(2704)في الذكر و الدعاء،باب استحباب خفض الصوت بالذكر.
5- رواه مسلم(2692)في الذكر و الدعاء،باب فضل التهليل و التسبيح،و أبو داود(5091)في

الحديث الثالث عشر:روينا بالإسناد الصحيح في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّ أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه قال:يا رسول اللّه،مرني بكلمات أقولهنّ إذا أصبحت،و إذا أمسيت.قال:«قل:اللّهمّ فاطر السّماوات و الأرض،عالم الغيب و الشّهادة،ربّ كلّ شيء و مليكه أشهد أنّ لا إله إلاّ أنت،أعوذ بك من شرّ نفسي و شرّ الشيطان و شركه» (1).قال:«قلها إذا أصبحت،و إذا أمسيت،و إذا أخذت مضجعك» (2).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

و روينا نحوه في«سنن أبي داود»عن أبي مالك الأشعري رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، قالوا:يا رسول اللّه،علّمنا قولا نذكره،و زاد فيه بعد قوله«و شركه».«و أن نقترف سوءا على أنفسنا أو نجرّه إلى مسلم» (3).

الحديث الرابع عشر:روينا في«كتاب الترمذي»عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«من دخل السّوق فقال:لا إله إلاّ اللّه،وحده لا شريك له،له الملك، و له الحمد،يحيي و يميت،و هو حيّ لا يموت،بيده الخير،و هو على كلّ شيء قدير، كتب اللّه له ألف ألف حسنة،و محا عنه ألف ألف سيئة،و رفع له ألف ألف درجة» (4).

و رواه الحاكم أبو عبد اللّه في«المستدرك على الصّحيحين» (5)من طرق كثيرة،و زاد في بعض طرقه:«و بنى له بيتا في الجنة»،و فيه من الزّيادة:قال الراوي:فقدمت خراسان، فأتيت قتيبة بن مسلم،فقلت:أتيتك بهدية،فحدّثته بالحديث،فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتي السّوق،فيقولها،ثم ينصرف.

و رواه الحاكم أيضا من رواية ابن عمر عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم (6).1.

ص: 197


1- انظر الحاشية رقم(1)صفحة(34).
2- رواه أبو داود(5067)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح،و الترمذي(3392)في الدعوات،باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح و إذا أمسى.
3- رواه أبو داود(5083)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح.
4- رواه الترمذي(3424)في الدعوات،باب ما يقول إذا دخل السوق.
5- الدعوات،باب ما يقول إذا أصبح.
6- المستدرك 539/1.

و في حديث ذكره أبو السعادات في«جامع الأصول» (1)من رواية تميم الدّاري:«من دخل سوقا فنادى بأعلى صوته:لا إله إلا اللّه...»الحديث المذكور،إلاّ أنّه قال في آخره:«كتبت له مائة ألف حسنة».و لم يزد على هذا (2).

الحديث الخامس عشر:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ما من عبد يقول في صباح كلّ يوم و مساء كلّ ليلة:بسم اللّه الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء،و هو السّميع العليم،ثلاث مرات إلاّ لم يضرّه شيء».

قال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح.هذا لفظ الترمذي،و في رواية أبي داود«لم تصبه فجأة بلاء» (3).

الحديث السادس عشر:روينا في الصحيحين عن عليّ رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال له و لفاطمة رضي اللّه عنهما:«إذا أويتما إلى فراشكما-أو أخذتما مضاجعكما-فكبّرا ثلاثا و ثلاثين،و سبّحا ثلاثا و ثلاثين،و احمدا ثلاثا و ثلاثين-و في رواية:التّسبيح أربعا و ثلاثين،و في رواية:التكبير أربعا و ثلاثين-قال عليّ رضي اللّه عنه:

فما تركته منذ سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.قيل له:و لا ليلة صفين (4)؟قال:و لا ليلة صفين (5).

الحديث السابع عشر:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«من سبّح اللّه في دبر كلّ صلاة ثلاثا و ثلاثين،و حمد ثلاثا و ثلاثين، و كبّر ثلاثا و ثلاثين،و قال تمام المائة:لا إله إلاّ اللّه،وحده لا شريك له،له الملك،و له..

ص: 198


1- جامع الأصول 394/4(2457).
2- المطبوع في جامع الأصول:مائة ألف ألف حسنة.
3- رواه الترمذي(3385)في الدعوات،باب ما جاء إذا أصبح و إذا أمسى،و أبو داود(5088)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح.
4- صفين:موضع قرب الرقة على شاطئ الفرات،كانت به الوقعة المعروفة بين الخليفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه و أرضاه،و بين معاوية سنة(37)للهجرة.
5- رواه البخاري 59/7 في فضائل أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم،باب مناقب علي بن أبي طالب،و مسلم (2727)في الذكر و الدعاء،باب التسبيح أول النهار و عند النوم..

الحمد،و هو على كلّ شيء قدير،غفرت خطاياه و لو كانت مثل زبد البحر» (1).

و روينا أيضا في«صحيح مسلم»حديثا آخر رواه كعب بن عجرة رضي اللّه عنه،ذكر فيه أربعا و ثلاثين تكبيرة (2).

و في الصحيحين حديث آخر رواه أبو هريرة رضي اللّه عنه:«تسبّحون و تحمدون و تكبّرون خلف كلّ صلاة ثلاثا و ثلاثين» (3).

فيستحب الجمع بين الكلّ،أعني يكبّر أربعا و ثلاثين ثم يقول:«لا إله إلا اللّه...»إلى آخره.

الحديث الثامن عشر:روينا في«كتاب الترمذي»عن ثوبان رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من قال حين يمسي:رضيت باللّه ربّا،و بالإسلام دينا،و بمحمّد صلى اللّه عليه و سلم نبيا، كان حقّا على اللّه أن يرضيه».قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

و كذلك رويناه في«سنن أبي داود»و«النسائي»بأسانيد جيّدة عن رجل خدم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم، عن النبيّ عليه الصلاة و السلام،و رواه الحاكم أبو عبد اللّه في«المستدرك على الصحيحين» و قال:حديث صحيح الأسانيد،و وقع في رواية أبي داود و غيره:«و بمحمد رسولا».و في رواية الترمذي:«نبيا» (4).

قال الشيخ الإمام أبو زكريا النواوي رضي اللّه عنه (5):فيستحبّ أن يجمع الإنسان بينها،فيقول:«نبيا و رسولا»قال[النووي]:و لو اقتصر على أحدهما كان عاملا بالحديث.

الحديث التاسع عشر:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال:يا رسول اللّه،ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة.قال:«أما لوء.

ص: 199


1- رواه مسلم(597)في المساجد،باب استحباب الذكر بعد الصلاة.
2- رواه مسلم(596).
3- رواه البخاري 270/2 في صفة الصلاة،باب الذكر بعد الصلاة،و مسلم(595)في المساجد،باب استحباب الذكر بعد الصلاة.
4- رواه الترمذي(3386)في الدعوات،باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح،و أبو داود(5072)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح،و الحاكم 518/1.
5- الأذكار صفحة 99 باب ما يقال عند الصباح و المساء.

قلت حين أمسيت:أعوذ بكلمات اللّه التامّات من شرّ ما خلق،لم تضرّك» (1).

و رواه غير مسلم،و ذكر فيه أنّها تقال ثلاث مرات (2).

الحديث العشرون:روينا في«سنن أبي داود»بإسناد جيد،لم يضعّفه،عن أنس رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قال حين يصبح أو يمسي:اللّهمّ،إنّي أصبحت أشهدك،و أشهد حملة عرشك و ملائكتك و جميع خلقك أنّك أنت اللّه،لا إله إلاّ أنت، و أنّ محمدا عبدك و رسولك،أعتق اللّه ربعه من النار،و من قالها مرّتين أعتق اللّه نصفه من النار،و من قالها ثلاثا أعتق اللّه ثلاثة أرباعه من النار،فإن قالها أربعا أعتقه اللّه من النار» (3).

الحديث الحادي و العشرون:روينا في«كتاب الترمذي»عن عمارة بن شبيب رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من قال:لا إله إلاّ اللّه،وحده لا شريك له،له الملك،و له الحمد،يحيي و يميت،و هو على كلّ شيء قدير،عشر مرّات على إثر المغرب،بعث اللّه مسلحة (4)يتكفّلونه من الشيطان حتّى يصبح،و كتب اللّه تعالى له بها عشر حسنات موجبات،و محا عنه عشر سيّئات موبقات،و كانت بعدل عشر رقبات مؤمنات» (5).

و قد رواه النسائي في كتابه«عمل اليوم و الليلة» (6)من طريقين:أحدهما هكذا،و الثاني عن عمار (7)عن رجل من الأنصار.

قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر:هذا الثاني هو الصواب.ب.

ص: 200


1- رواه مسلم(2709)في الذكر،باب في التعوذ من سوء القضاء.
2- رواه الترمذي(3600)في الدعوات،باب الاستعاذة من جهنم.
3- رواه أبو داود(5069)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح. في(أ):أعتقه اللّه تعالى كلّه من النار.
4- المسلحة:القوم يحفظون الثغور،سمّوا مسلحة لأنهم يكونون ذوي أسلحة يردّون بها العدو.جامع الأصول 232/4(2211).
5- الترمذي(3528)في الدعوات،باب(101).
6- عمل اليوم و الليلة(577،578)صفحة 385.
7- عمارة بن شبيب السبئي،و قيل عمار.تهذيب التهذيب.

الحديث الثاني و العشرون:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قال في دبر صلاة الصّبح،و هو ثان رجليه،قبل أن يتكلّم:لا إله إلاّ اللّه،وحده لا شريك له،له الملك،و له الحمد،يحيي و يميت،و هو على كلّ شيء قدير،عشر مرّات،كتب[اللّه]له عشر حسنات،و محا عنه عشر سيّئات،و رفع له عشر درجات،و كان يومه ذلك في حرز من كلّ مكروه،و حرس من الشيطان،و لم ينبغ للذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلاّ الشرك باللّه تعالى» (1).قال الترمذي:حديث حسن،و في بعض النّسخ حديث حسن صحيح.

الحديث الثالث و العشرون:روينا في«سنن أبي داود»عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنّه أسرّ إليه فقال:«إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل:اللّهمّ،أجرني من النّار،سبع مرات،فإنّك إذا قلت ذلك ثم متّ من ليلتك كتب لك جوار منها،و إذا صلّيت الصّبح فقل كذلك،فإنّك إذا متّ من يومك كتب لك جوار منها» (2).

الحديث الرابع و العشرون:روينا في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان إذا فرغ من الصلاة و سلّم قال:«اللّهمّ،لا مانع لما أعطيت، و لا معطي لما منعت،و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» (3).

الحديث الخامس و العشرون:روينا في«صحيح مسلم»عن ثوبان رضي اللّه عنه قال:

كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا انصرف من صلاته،استغفر ثلاثا،و قال:«اللّهمّ،أنت السّلام، و منك السّلام،تباركت يا ذا الجلال و الإكرام»قيل للأوزاعيّ (4)و هو أحد رواة الحديث:

كيف الاستغفار؟قال:تقول:أستغفر اللّه،أستغفر اللّه (5).ة.

ص: 201


1- الترمذي(3470)في الدعوات،باب(64).
2- رواه أبو داود(5079)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح.
3- رواه البخاري 275/2 في صفة الصلاة،باب الذكر بعد الصلاة،و مسلم(593)في المساجد،باب استحباب الذكر بعد الصلاة.
4- الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو(88-157 ه)إمام الديار الشامية في الفقه و الزهد،أحد الكتاب المترسلين،سكن بيروت و مات فيها،و عرض عليه القضاء فامتنع،له كتاب المسائل،و يقدر ما سئل عنه بسبعين ألف مسألة أجاب عنها كلها،و كانت الفتيا بالأندلس على رأيه.
5- رواه مسلم(591)في المساجد،باب استحباب الذكر بعد الصلاة.

الحديث السادس و العشرون:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت:علّمني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن أقول عند أذان المغرب:«اللّهمّ،هذا إقبال ليلك،و إدبار نهارك،و أصوات دعاتك،فاغفر لي» (1).

الحديث السابع و العشرون:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»أيضا بالأسانيد الصّحيحة عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنّه كان يقول إذا أصبح:«اللّهمّ بك أصبحنا،و بك أمسينا،و بك نحيا،و بك نموت،و إليك النّشور»و إذا امسى قال:

«اللّهمّ بك أمسينا،و بك أصبحنا،و بك نحيا،و بك نموت،و إليك النّشور».قال الترمذي:حديث حسن (2).

قلت:و هذه إحدى الرّوايات:«و إليك النشور»في الموضعين،و في رواية:«و إليك المصير»فيهما.و في رواية:«و إليك المصير»في الصباح،و«إليك النشور»في المساء.

الحديث الثامن و العشرون:روينا في«كتاب الترمذي»بإسناد فيه ضعف عن معقل بن يسار رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قال حين يصبح ثلاث مرات:أعوذ باللّه السّميع العليم من الشيطان الرجيم،و قرأ ثلاث آيات من سورة الحشر،وكّل اللّه تعالى به سبعين ألف ملك يصلّون عليه حتى يمسي،و إن مات في ذلك اليوم مات شهيدا،و من قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة» (3).

الحديث التاسع و العشرون:روينا في«صحيح البخاري»عن حذيفة و أبي ذرّ رضي اللّه عنهما قالا:كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا أوى إلى فراشه قال:«باسمك اللّهمّ أحيا و أموت»و إذا استيقظ قال:«الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور» (4).

الحديث الثلاثون:روينا في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره،فإنّه لا يدريح.

ص: 202


1- رواه الترمذي(3583)في الدعوات،باب في دعاء أم سلمة،و أبو داود(530)في الصلاة،باب ما يقول عند أذان المغرب.
2- رواه الترمذي(3388)في الدعوات،باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح و إذا أمسى،و أبو داود (5068)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح.
3- رواه الترمذي(2923)في ثواب القرآن،باب فضل آخر سورة الحشر.
4- رواه البخاري 96/11،111 في الدعوات،باب ما يقول إذا أصبح.

ما خلفه عليه،ثم يقول:باسمك ربّي وضعت جنبي،و بك أرفعه،إن أمسكت نفسي فارحمها،و إن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» (1).

الحديث الحادي و الثلاثون:روينا في الصحيحين أيضا عن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصلاة،ثم اضطجع على شقّك الأيمن،و قل:اللّهمّ،أسلمت نفسي إليك،و وجّهت وجهي إليك،و فوّضت أمري إليك،و ألجأت ظهري إليك،رغبة و رهبة إليك،لا ملجأ و لا منجى منك إلاّ إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت،و بنبيّك الذي أرسلت.فإن متّ متّ على الفطرة،و اجعلهنّ آخر ما تقول».هذا لفظ إحدى روايات البخاري،و باقي رواياته و روايات مسلم مقاربة لها (2).

الحديث الثاني و الثلاثون:روينا في«صحيح مسلم»و«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن أنس رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان إذا أوى إلى فراشه قال:«الحمد للّه الذي أطعمنا و سقانا،و كفانا و آوانا،فكم ممّن لا كافي له و لا مؤوي» (3).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

و روينا في«سنن أبي داود»نحوه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما،و زاد في آخره بعد قوله «و سقاني»:«و الذي منّ عليّ فأفضل،و الذي أعطاني (4)فأجزل،الحمد للّه على كلّ حال، اللّهمّ ربّ كلّ شيء و مليكه و إله كلّ شيء أعوذ بك من النار» (5).

الحديث الثالث و الثلاثون:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي سعيد الخدري رضي اللّهم.

ص: 203


1- رواه البخاري 107/11 في الدعوات،باب التعوذ و القراءة عند المنام،و مسلم(2714)في الذكر و الدعاء،باب ما يقول عند النوم و أخذ المضجع.
2- رواه البخاري 97/11 في الدعوات،باب ما يقول إذا نام،و مسلم(2710)في الذكر و الدعاء، باب ما يقول عند النوم و أخذ المضجع.
3- رواه مسلم(2715)في الذكر و الدعاء،باب ما يقول عند النوم و أخذ المضجع،و الترمذي(3393) في الدعوات،باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه،و أبو داود(5053)في الأدب،باب ما يقال عند النوم.
4- في الأصول:أعطى.
5- أبو داود(5058)في الأدب،باب ما يقال عند النوم.

عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قال حين يأوي إلى فراشه:أستغفر اللّه[العظيم]الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم و أتوب إليه،ثلاث مرات،غفر اللّه تعالى له ذنوبه،و إن كانت مثل زبد البحر،و إن كانت عدد ورق الشجر (1)،و إن كانت عدد رمل عالج (2)،و إن كانت عدد أيام الدنيا» (3).

الحديث الرابع و الثلاثون:روينا في«صحيح البخاري»عن عبادة بن الصّامت رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من تعارّ من الليل فقال:لا إله إلاّ اللّه،وحده لا شريك له،له الملك،و له الحمد،و هو على كلّ شيء قدير،سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر،و لا حول و لا قوّة إلا باللّه،ثم قال:اللّهمّ اغفر لي،أو دعا استجيب له،فإن توضّأ و صلّى قبلت صلاته» (4).

و قوله صلى اللّه عليه و سلم:«تعارّ»هو بتشديد الراء.و معناه استيقظ.

الحديث الخامس و الثلاثون:روينا في الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«ينزل ربّنا كلّ ليلة إلى السماء الدّنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول:من يدعوني فأستجيب له؟ (5)من يسألني فأعطيه؟من يستغفرني فأغفر له؟».

و في رواية لمسلم:«ينزل اللّه سبحانه و تعالى إلى السّماء الدّنيا كلّ ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول،فيقول:أنا الملك،من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟من ذا الذي يسألني فأعطيه؟من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟فلا يزال كذلك حتّى يضيء الفجر» (6).اة

ص: 204


1- في الأصول و المطبوع:عدد النجوم،و المثبت من سنن الترمذي.
2- عالج:رملة بالبادية ينزلها بنو بحتر من طيء،لا ماء فيها،و لا يقدر أحد عليهم فيه،و هي مسيرة أربعة أيام.معجم البلدان.
3- رواه الترمذي(3394)في الدعوات،باب الدعاء عند النوم.
4- رواه البخاري 33/3 في التهجد،باب فضل من تعار من الليل. و قوله:«قبلت صلاته»المراد بالقبول هنا قدر زائد على الصّحة،لذا قال الداودي:من قبل اللّه له حسنة لم يعذّبه؛لأنه يعلم عواقب الأمور،فلا يقبل شيئا ثم يحبطه،و إذا أمن من الإحباط أمن من التعذيب،لذا قال الحسن:وددت أني أعلم أن اللّه قبل لي سجدة واحدة.فتح الباري 41/3.
5- قال الحافظ في الفتح:قوله:«فأستجيب له»:بالنصب على جواب الاستفهام،و بالرفع على الاستئناف.
6- رواه البخاري 384/1 في التهجد،باب الدعاء و الصلاة في آخر الليل،و مسلم(758)في صلاة

و في رواية له:«إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه».

قال الإمام محيي الدين النواويّ رضي اللّه عنه في«شرح صحيح مسلم» (1):هذا الحديث من أحاديث الصّفات،و فيه مذهبان مشهوران للعلماء و مختصرهما:أنّ أحدهما و هو مذهب جمهور السّلف،و بعض المتكلّمين،أنّه نؤمن بأنّها حقّ على ما يليق باللّه تعالى،و أنّ ظاهرها المتعارف في حقّنا غير مراد،و لا نتكلّم في تأويلها مع اعتقادنا تنزيه اللّه تعالى عن صفات المخلوق،و عن الانتقال و الحركات و سائر سمات الخلق.

و الثاني:مذهب أكثر المتكلّمين و جماعة من السّلف،و هو محكيّ عن مالك و الأوزاعي،أنّها تتأوّل على ما يليق بها بحسب مواطنها،فعلى هذا تأوّلوا هذا الحديث تأويلين:أحدهما تأويل مالك بن أنس و غيره،معناه تنزل رحمته تبارك و تعالى،أو أمره أو ملائكته،كما يقال:فعل السّلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره،و الثاني على سبيل الاستعارة، و معناه الإقبال على الدّاعي بالإجابة و اللّطف،و اللّه أعلم.هذا آخر كلام النّواوي رحمه اللّه تعالى.

و قال الإمام حجّة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي اللّه عنه:ما أسهل على العارف إرشاد الجاهل أن يقول:إن كان المراد من النّزول إلى السّماء الدّنيا،ليسمعنا فما سمعنا، فلا فائدة في النزول.فهذا معنى كلامه رحمه اللّه تعالى.

قلت:و الذي نعتقده أنّ أحاديث الصّفات ليست على ظاهرها،و أنّ لها تأويلات تليق بجلال اللّه تعالى،و لا نقطع بتعيين تأويل منها؛بل نكل ذلك إلى العليم الخبير الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]،و كذلك نعتقد ما اعتقده العارفون و العلماء،أنّه سبحانه استوى على العرش على الوجه الذي قاله،و بالمعنى الذي أراده،استواء منزّها عن الحلول و الاستقرار و الحركة و الانتقال،لا يحمله العرش،بل العرش و حملته محمولون بلطف قدرته،لا يقال:أين كان؟و لا متى كان؟كان و لا مكان و لا زمان،و هو الآن على ما عليه كان،تعالى عن الجهات و الأقطار،و الحدود و المقدار، لا يحلّ في شيء،و لا يحلّه شيء،كلّ يوم هو في شأن في أفعاله،لا في ذاته و لا في6.

ص: 205


1- شرح صحيح مسلم 36/6.

صفاته،لا تهتدي عقول العقلاء إلى إدراك معرفة ذاته المقدّسة،و صفاته العظمى،يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم،و لا يحيطون به علما.

الحديث السادس و الثلاثون:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن عمرو بن عبسة رضي اللّه عنه،أنّه سمع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يقول:«أقرب ما يكون الربّ من العبد في جوف الليل الآخر،فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر اللّه تعالى في تلك الساعة فكن» (1).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

الحديث السابع و الثلاثون:روينا في الصحيحين عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال:

ذكر عند النبيّ صلى اللّه عليه و سلم رجل نام ليلة حتّى أصبح،قال:«ذلك رجل بال الشيطان في أذنيه» (2)أو قال:«في أذنه» (3).

الحديث الثامن و الثلاثون:روينا في«سنن أبي داود»و«النسائي»بالإسناد الصّحيح، عن أبيّ بن كعب رضي اللّه عنه قال:كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا سلّم من الوتر قال:«سبحان الملك القدّوس»و في رواية النسائي:«سبحان اللّه الملك القدّوس»ثلاث مرات (4).

الحديث التاسع و الثلاثون:روينا فيهما أيضا و في«كتاب الترمذي»عن عليّ رضي اللّه عنه،أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم كان يقول في آخر وتره:«اللّهمّ،إنّي أعوذ برضاك من سخطك،و أعوذ بمعافاتك من عقوبتك،و أعوذ بك منك،لا أحصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت على نفسك» (5).قال الترمذي حديث حسن صحيح.اب

ص: 206


1- رواه الترمذي(3574)في الدعوات،باب(129)أما أبو داود فقد رواه(875)في الصلاة،باب الدعاء في الركوع و السجود عن أبي هريرة.
2- اختلفوا في معنى قوله:«بال الشيطان في أذنيه»فقيل:أفسده،و قيل هو استعارة و إشارة إلى انقياده للشيطان و تحكمه فيه،و إذلاله له،و قيل:استخف به و احتقره و استعلى عليه.قال القاضي عياض: و لا يبعد أن يكون على ظاهره،قال:و خص الأذن لأنها حاسة الانتباه.أقول:لأنها حاسة الانتباه، و مركز التوازن فمن فقد توازنه تخبّط و زاغ.
3- رواه البخاري 33/3 في التهجد،باب إذا نام و لم يصلّ بال الشيطان في أذنه،و مسلم(774)في صلاة المسافرين،باب ما روي فيمن نام الليل أجمع.
4- رواه أبو داود(1423)في الصلاة،باب ما يقرأ في الوتر،و النسائي 235/3 في قيام الليل،باب (37).
5- رواه الترمذي(3561)في الدعوات،باب في دعاء الوتر،و أبو داود(1427)في الصلاة،باب

الحديث الأربعون:عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ للّه تسعة و تسعين اسما،مائة إلاّ واحدا،من أحصاها دخل الجنة،إنّه وتر،يحبّ الوتر،هو اللّه الذي لا إله إلاّ هو،الرّحمن،الرّحيم،الملك،القدّوس،السّلام،المؤمن،المهيمن، العزيز،الجبّار،المتكبّر،الخالق،البارئ،المصوّر،الغفّار،القهّار،الوهّاب،الرزّاق، الفتّاح،العليم،القابض،الباسط،الخافض،الرّافع،المعزّ،المذلّ،السّميع،البصير، الحكم،العدل،اللّطيف،الخبير،الحليم،العظيم،الغفور،الشّكور،العليّ،الكبير، الحفيظ،المقيت،الحسيب،الجليل،الكريم،الرّقيب،المجيب،الواسع،الحكيم، الودود،المجيد،الباعث،الشّهيد،الحقّ،الوكيل،القويّ،المتين،الوليّ،الحميد، المحصي،المبدئ،المعيد،المحيي،المميت،الحيّ القيّوم،الواجد،الماجد، الواحد (1)،الصّمد،القادر،المقتدر،المقدّم،المؤخّر،الأوّل،الآخر،الظاهر، الباطن،الوالي،المتعالي،البرّ،التّواب،المنعم (2)،المنتقم،العفوّ،الرءوف،مالك الملك،ذو الجلال و الإكرام،المقسط،الجامع،الغنيّ،المغني،المانع،الضّارّ،النافع، النّور،الهادي،البديع،الباقي،الوارث،الرّشيد،الصبور».

و روينا هذا الحديث في الصحيحين إلى قوله:«يحبّ الوتر»و ما بعده حديث حسن رواه الترمذي و غيره (3).

قوله:«المقيت»بالقاف روي بدله«المغيث»بالثاء،و روي«القريب»بدل«الرّقيب» و روي«المبين»بالموحّدة بدل«المتين»بالمثناة من فوق،و المشهور المثناة (4).اظ

ص: 207


1- في المطبوع:الأحد.
2- كلمة«المنعم»ليست في سنن الترمذي.
3- رواه البخاري 180/11 في الدعوات،باب للّه عز و جل مائة اسم غير واحد،و مسلم(2677)في الذكر و الدعاء،باب في أسماء اللّه تعالى و فضل من أحصاها،و الترمذي(3502)في الدعوات، باب أسماء اللّه الحسنى بالتفصيل.
4- حديث ذكر أسماء اللّه الحسنى أخرجه الترمذي كما مر،و ابن ماجة(3861)و ابن حبان 89/3، و البيهقي 27/10،و الحاكم 16/1،17 مع تقديم و تأخير،و زيادة و نقص،و أكثر هذه الأسماء ورد في القرآن،و منها ما ورد فيه الفعل أو المصدر دون الاسم،و منها ما ليس في القرآن لا بنفسه و لا بورود فعله كالقديم و الجميل.قال ابن كثير في التفسير:و الذي عوّل عليه جماعة من الحفاظ

و معنى:«أحصاها»:حفظها،هكذا فسّره البخاري و الأكثرون.

قال الشيح محيي الدين النّواوي (1)رضي اللّه عنه:يؤيد هذا التفسير أنّ في رواية في الصحيح:«من حفظها دخل الجنة».

و قيل:معناه من عرف معانيها،و آمن بها.

و قيل:معناه من أطاقها بحسب الرّعاية لها،و تخلّق بما يمكنه من العمل بمعانيها.

*** قلت:و قد روى الأئمّة في فضل الأذكار أحاديث كثيرة،منها ما رووا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم كان إذا خاف أن يصيب شيئا بعينه قال:«اللّهمّ،بارك فيه»فلا يضرّه (2).

*و رووا أيضا:أنّه قال صلى اللّه عليه و سلم:«من رأى شيئا فأعجبه،فقال:ما شاء اللّه،لا قوّة إلاّ باللّه،لم يضرّه» (3).

*و رووا أيضا أنّه قال صلى اللّه عليه و سلم:«إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبرّك عليه؛ فإنّ العين حقّ» (4).

*و ذكر الإمام أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا الشافعية في كتابه«التعليق»في المذهب،قال:نظر بعض الأنبياء صلوات اللّه عليه و سلامه عليهم أجمعين إلى قومه، فاستكثرهم،و أعجبوه،فمات منهم في ساعة سبعون ألفا،فأوحى اللّه سبحانه و تعالى إليه:إنّك عنتهم،و لو أنّك إذ عنتهم حصّنتهم لم يهلكوا.قال:و بأيّ شيء أحصّنهم؟ فأوحى اللّه سبحانه و تعالى إليه:تقول:حصّنتكم بالحيّ القيّوم الذي لا يموت أبدا، و دفعت عنكم السّوء بلا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم (5).8.

ص: 208


1- الأذكار 122 قبل كتاب تلاوة القرآن.
2- رواه ابن السني في عمل اليوم و الليلة 208 عن سعيد بن حكيم بلفظ:«اللهم بارك فيه،و لا تضرّه».
3- رواه ابن السني في عمل اليوم و الليلة 207 عن أنس.
4- أن سرد الأسماء في هذا مدرج فيه،أي إنهم جمعوها من القرآن.و يردّ هذا أن الإمام النووي ذكر الحديث في الأذكار و حسّنه.
5- ذكره النووي في الأذكار صفحة 358.

قال المعلّق عن القاضي حسين رحمه اللّه:و كان عادة القاضي إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه سمتهم و حسن حالهم حصّنهم بهذا المذكور.

*و من ذلك ما رووا عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،أنّ رجلا شكا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنّه تصيبه الآفات،فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«قل إذا أصبحت:بسم اللّه على نفسي[و أهلي] و مالي،فإنّه لا يذهب لك شيء».فقالهن الرّجل فذهبت عنه الآفات (1).

*و عنه أيضا قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من قال إذا أصبح:اللّهمّ،إنّي أصبحت منك في نعمة و عافية و ستر،فأتمّ نعمتك عليّ و عافيتك و سترك في الدّنيا و الاخرة.ثلاث مرّات إذا أصبح،و إذا أمسى،كان حقّا على اللّه تعالى أن يتمّ عليه نعمته» (2).

*و عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه:«من قال في كلّ يوم حين يصبح و حين يمسي:

حسبي اللّه الذي لا إله إلا هو،عليه توكّلت،و هو ربّ العرش العظيم،سبع مرات، كفاه اللّه تعالى ما أهمّه من أمر الدّنيا و الاخرة» (3).

*و من ذلك ما رووا أنّه جاء رجل إلى أبي الدّرداء،فقال:يا أبا الدرداء،احترق بيتك.فقال:ما احترق،لم يكن اللّه عزّ و جلّ ليفعل ذلك،بكلمات سمعتهنّ من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قالها أوّل نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي،و من قالها آخر النّهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح:«اللّهمّ،أنت ربّي لا إله إلاّ أنت،عليك توكّلت،و أنت ربّ العرش العظيم،ما شاء اللّه كان،و ما لم يشأ لم يكن،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،أعلم أنّ اللّه على كلّ شيء قدير،و أنّ اللّه قد أحاط بكلّ شيء علما،اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ نفسي،و من شرّ كلّ دابّة أنت آخذ بناصيتها،إنّ ربّي على صراط مستقيم» (4).

و فيه زيادة ذكر الرّاوي في آخرها:أنّه قال:انهضوا بنا،فقام،و قاموا معه،فانتهوا إلى داره و قد احترق ما حولها و لم يصبها شيء (5).).

ص: 209


1- رواه ابن السني في عمل اليوم و الليلة(51)بإسناد ضعيف.
2- رواه ابن السني في عمل اليوم و الليلة(55).
3- رواه ابن السني في عمل اليوم و الليلة(71).
4- رواه ابن السني في عمل اليوم و الليلة(57).
5- رواه ابن السني في عمل اليوم و الليلة(58).

و رووا غير ذلك ممّا لا يتسع له هذا الموضع.

*و قال الشيخ أبو زيد القرطبي رضي اللّه عنه:سمعت في بعض الآثار أنّ من قال:

لا إله إلاّ اللّه سبعين ألف مرّة كانت فداءه من النار،فعملت على ذلك رجاء بركة الوعد، فعملت منها لأهلي،و عملت منها أعمالا ادّخرتها لنفسي،و كان إذ ذاك يبيت معنا شابّ كان يقال عنه إنّه يكاشف في بعض الأوقات بالجنّة و النار،و كانت الجماعة ترى له فضلا على صغر سنّة،و كان في قلبي منه شيء،فاتّفق أن استدعانا بعض الإخوان إلى منزله، فنحن نتناول الطّعام و الشابّ معنا،إذ صاح صيحة منكرة،و اجتمع في نفسه،و هو يقول:

يا عمّ،هذه أمّي في النار،و هو يصيح بصياح عظيم،لا يشكّ من سمعه أنّه عن أمر،فلمّا رأيت ما به من الانزعاج،قلت في نفسي:اليوم أجرّب صدقه،فألهمني اللّه تعالى السبعين الألف،و لم يطّلع على ذلك أحد إلاّ اللّه،فقلت في نفسي:الأثر حقّ،و الذين رووه لنا صادقون،اللّهمّ،إنّ السبعين الألف فداء هذه المرأة أمّ هذا الشاب[من النار]،فما استتممت الخاطر في نفسي إلى أن قال:يا عمّ،ها هي أخرجت،الحمد للّه.فحصلت لي فائدتان،إيماني بصدق الأثر،و سلامتي من الشابّ،و علمي بصدقه (1).

*و قد قال بعضهم:رأيت الجنيد في المنام بعد موته،فقلت:كيف حالك يا أبا القاسم؟فقال:طاحت تلك الإشارات،و بادت تلك العبارات،و ما نفعنا إلاّ تسبيحات كنّا نقولها بالغدوات.

و في رواية:إلاّ ركيعات كنّا نركعها في السحر.

*و رأى بعضهم في يده سبحة في حياته،فقال له:أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة؟!فقال:طريق وصلت به إلى ربّي لا أفارقه.

*قلت:و لم يزل الأكابر من شيوخ الطريق السالكين أولي التحقيق،و الأخيار من المريدين و الناسكين أولي التوفيق يستحسنون اتّخاذ السّبحة.و قد رأيت في بعض المنامات سبحتين عند النبيّ صلى اللّه عليه و سلم بعد ما رأيت كأنّي في جمع من الصّالحين و الأخيار،و فيهم شيخنا و مولانا و بركتنا أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الذهيبي رضي اللّه عنه،و شيخنا و سيّدنا الشيخ).

ص: 210


1- روض الرياحين 389(الحكاية 348).

مسعود الجاوي (1)رضي اللّه عنه،و إذا قد أقبل النبيّ صلى اللّه عليه و سلم كأنّه البدر الطالع،و هو يحمل في ردائه شيئا قاصدا ذلك الجمع،فأتى إلى يتيم ذي فاقة،فأعطاه الذي في ثوبه،و إذا هو شيء أخضر من ثمار الفواكه،فقلت:يا رسول اللّه،نصيبي.فأشار إليّ أن أمشي بعده، فمشيت بعده،فدخل بيتا،ثم صعد غرفة،فصعدت بعده،و إذا في زاوية الغرفة من تلك الفاكهة المذكورة،فغرف لي منها بكفّيه الكريمتين مرّتين،و رأيت في الغرفتين السّبحتين المذكورتين.

*و ذكر بعض النّساء الديّنات الخيّرات:أنّها رأت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في النوم،فأطالت معه الكلام،ثم قالت:ما أشتهي أفارقك يا رسول اللّه.فأخذ صلى اللّه عليه و سلم ترابا أبيض من جدار القبلة، و وضعه في كفّه اليسرى،ثم بحث في الأرض بكفّه اليمنى مرة فنبع ماء،فغرف منه غرفة بكفّه اليمنى،و عجن بها التّراب الذي في كفّه اليسرى،و أخذ سبحة كانت معها،و لطّخها بذلك الطين،ثم وضع السّبحة على جسمه المبارك الكريم،أحد طرفيها على صدره، و الطّرف الآخر على وجهه،ليطبع بها من بركته صلى اللّه عليه و سلم،ثم أعطاها إياها،و قال:إن أردت أن لا تفارقيني فلا تفارقي هذه السّبحة،ثم استيقظت و أثر الطين في السّبحة.

و أخبرني بعض الإخوان الأخيار،و هو زوج المرأة المذكورة:أنّه رأى أثر الطّين المذكور في السّبحة المذكورة عقب المنام المذكور.

قلت:و الظّاهر و اللّه أعلم أنّه أراد صلى اللّه عليه و سلم بملازمة السّبحة ملازمة التّسبيح بها.

*و السّبحة على ثلاثة أقسام:مسبحة بالسين المهملة،و هي التي يسبّح بها،و مشبحة بالشين المعجمة و هي البطالة،و مذبحة و هي التي يديرها صاحبها،و هو يغتاب الناس، و يذبحهم و يأكل لحومهم،و في ذلك أقول:

و كم من مسبحات علّقت في حلوق مذبحات للرّقاب

لقذفي غيبة عمّت و طمّت مصيبات بها كم من مصاب

بمقراض من النّيران قرّض لسانا ذات قرض و اغتياب

***6.

ص: 211


1- مسعود بن عبد اللّه الجاوي شيخ كبير مشهور بمدينة عدن،كانت له صحبة لأكابر المشايخ،انتفع به مؤلفنا اليافعي،و هو أول من ألبسه الخرقة.طبقات الخواص للشرجي 156.

الباب السادس

في فضل الحمد و الشكر للّه تعالى

قال اللّه تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس:10].

و قال سبحانه و تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7].

و قال تعالى: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13].

و الآيات في ذلك كثيرة معروفة،و كذلك الأحاديث،و قد قدّمنا شيئا منها في الأذكار (1)،و هذه خمسة أحاديث منها على جهة البركة و التّذكرة في هذا الباب:

الحديث الأول:روينا في«سنن أبي داود»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنّه قال:«كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أقطع».

و أخرجه ابن ماجة،و أبو عوانة الأسفراييني في«مسنده»المخرّج على«صحيح مسلم» (2).

و في رواية:«فهو أجذم»و في روايات غير ما ذكرنا.

الحديث الثاني:روينا في«سنن أبي داود»أيضا بإسناد لم يضعّفه،عن عبد اللّه بن غنّام -بالغين المعجمة،و النون المشدّدة-الصّحابي رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«من قال حين يصبح:اللّهمّ،ما أصبح بي من نعمة[أو بأحد من خلقك،فإنّها منك]وحدك،

ص: 212


1- انظر صفحة 168.
2- رواه ابن ماجة(1894)في النكاح،باب خطبة النكاح،و أبو داود(4840)في الأدب،باب الهدي في الكلام بلفظ:«كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد..».

لا شريك لك،لك الحمد و لك الشّكر.فقد أدّى شكر يومه،و من قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته» (1).

الحديث الثالث:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن معاذ بن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من أكل طعاما فقال:الحمد للّه الذي أطعمني هذا و رزقنيه من غير حول منّي و لا قوة،غفر له ما تقدّم من ذنبه» (2).

و روي نحوه فيمن لبس ثوبا جديدا (3).

الحديث الرابع:روينا في«صحيح مسلم»عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إنّ اللّه ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها،و يشرب الشربة فيحمده عليها» (4).

الحديث الخامس:روينا في«سنن أبي داود»و كتابي«الجامع»و«الشمائل»للترمذي، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه،أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم كان إذا فرغ من طعامه قال:«الحمد للّه الذي أطعمنا و سقانا،و جعلنا من المسلمين» (5).

و الأحاديث في الحمد و الشّكر كثيرة جدا لا نستطيع لها عدّا،و قد قال المتأخّرون من أصحابنا الخراسانيين:لو حلف إنسان ليحمدنّ اللّه تعالى بمجامع الحمد.و قال بعضهم:

بأجلّ التّحاميد،فطريقه في برّ يمينه أن يقول:«الحمد للّه حمدا يوافي نعمه و يكافئ مزيده» قالوا:و لو حلف ليثنينّ على اللّه تعالى أحسن الثّناء،فطريق البرّ أن يقول:«لا أحصي ثناء عليك،أنت كما أثنيت على نفسك».

و زاد بعضهم في أوّله:«سبحانك»و زاد بعضهم في آخره:«فلك الحمد حتّى ترضى».م.

ص: 213


1- أخرجه أبو داود(5073)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح.
2- رواه الترمذي(3454)في الدعوات،باب ما يقول إذا فرغ من الطعام،و أبو داود(4023)في اللباس،في فاتحته.
3- هو الحديث السابق،زاد فيه أبو داود:«و من لبس ثوبا فقال:الحمد للّه الذي كساني هذا و رزقنيه...».
4- رواه مسلم(2734)في الذكر و الدعاء،باب استحباب حمد اللّه تعالى بعد الأكل.
5- رواه الترمذي(3453)في الدعوات،باب ما يقول إذا فرغ من الطعام،و في الشمائل 193،و أبو داود(3850)في الأطعمة،باب ما يقول الرجل إذا طعم.

*و عن أبي نضرة التمّار رحمه اللّه،عن محمد بن النضر رضي اللّه عنه قال:قال آدم صلوات اللّه عليه:يا ربّ،شغلتني بكسب يدي،فعلّمني شيئا فيه مجامع الحمد و التّسبيح.فأوحى اللّه تعالى إليه:يا آدم،إذا أصبحت فقل ثلاثا،و إذا أمسيت فقل ثلاثا:

الحمد للّه ربّ العالمين،حمدا يوافي نعمه،و يكافئ مزيده،فذلك مجامع الحمد و التسبيح.

*و قال الشيخ أبو عثمان:الشّكر معرفة العجز عن الشّكر.

*و قيل:قال داود عليه السلام:إلهي،كيف أشكرك و شكري لك نعمة من عندك.

فأوحى اللّه إليه:الآن قد شكرتني.

*و يقال:الشّكر على الشّكر أتمّ من الشّكر،و ذلك أن ترى شكرك بتوفيقه،و يكون ذلك التّوفيق من أجلّ النّعم عليك،فتشكره على الشّكر،ثم تشكره على شكر الشّكر إلى ما لا يتناهى.

*و الشّكر يكون بالقلب،و باللّسان،و بالجوارح على حسب ما يليق بكلّ واحد منها من الطاعة،من الاعتراف بالنّعم و الذكر و العمل.

و بين الشّكر و الحمد عموم و خصوص،و قيل:هما بمعنى واحد،و حقيقة الحمد للّه:

أن يطاع فلا يعصى،و أن يذكر فلا ينسى،و أن يشكر فلا يكفر.

*قلت:و ليس مقصودنا تتبّع الأذكار في الأوقات و الأحوال المختلفات،و إنّما قصدنا أولا وضع ورد بعد صلاة الصّبح،و العصر،و المغرب لراغب في الخير على جهة الاختصار خوفا من الملل في الإكثار.

***

ص: 214

الباب السابع

في فضل الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم و الحثّ عليها،و في مدحه

قال اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

و الأحاديث في فضلها و الأمر بها مشهورة غير محصورة،و نذكر عشرة أحاديث منها في هذا الباب،تذكرة و بركة:

الحديث الأول:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«من صلّى عليّ واحدة صلّى اللّه عليه عشرا» (1).

الحديث الثاني:روينا في«كتاب الترمذي»عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«أولى النّاس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة» (2).قال الترمذي:

حديث حسن.

الحديث الثالث:روينا في«سنن أبي داود»و«النسائي»بالأسانيد الصّحيحة عن أوس بن أوس رضي اللّه عنه،قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إنّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة [فيه خلق آدم،و فيه قبض،و فيه النّفخة،و فيه الصّعقة]،فأكثروا عليّ من الصلاة فيه،فإنّ صلاتكم معروضة عليّ»فقالوا:يا رسول اللّه،كيف تعرض عليك صلاتنا،و قد أرمت؟- قال:يقولون:بليت-قال:«إنّ اللّه حرّم على الأرض[أن تأكل]أجسام الأنبياء» (3).

ص: 215


1- رواه مسلم(408)في الصلاة،باب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد التشهد.
2- رواه الترمذي(484)في الصلاة،باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم.
3- رواه أبو داود(1047)في الصلاة،باب فضل يوم الجمعة،و النسائي 91/3،92 في الجمعة،باب إكثار الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم الجمعة.

قوله:«أرمت»بفتح الراء،و سكون الميم،و فتح التاء المخففة.

الحديث الرابع:روينا في«سنن أبي داود»بالإسناد الصحيح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لا تجعلوا قبري عيدا،و صلّوا عليّ؛فإنّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم» (1).

الحديث الخامس:روينا في«سنن أبي داود»أيضا بإسناد صحيح عن أبي هريرة أيضا رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«ما من أحد يسلّم عليّ إلاّ ردّ اللّه عليّ روحي حتّى أردّ عليه السّلام» (2).

*قلت:آمنّا و صدّقنا أنّه صلى اللّه عليه و سلم يردّ السلام على المسلّم عليه،و قد سمع منه ذلك كثير من الصّالحين في اليقظة،بل رأوه صلى اللّه عليه و سلم يخرج للقاء الزوّار،كما روينا ذلك عن غير واحد، بعضهم رأى ذلك في اليقظة بطريق الكشف،و بعضهم في النّوم.

و من المنامات الغريبة العجيبة الدالّة على حسن مكارم أخلاقه صلى اللّه عليه و سلم،و جميل سيرته، و شدّة محبّته للفقراء و رأفته لأمّته،و اهتمامه بالصّلاة،و سائر سننه،و الأدب مع الكبير في مجالسته و مخالطته،و احترامه في حضوره و غيبته،و زيارة الكبير للصغير،و تلقّيه إذا همّ بزيارته،و حسن معاملة اللّه سبحانه لمن نوى طاعة و عجز عنها،و مكافأته على مجرّد نيّته، و الوصية بتقوى اللّه و الدّعاء بالتوفيق،و الإعانة على طاعته،ما رأى بعض السّادات الصّالحين،و ذلك أنّ بعض النّاس زار بيت المقدس،ثم رجع إلى الحجاز،فلمّا قرب من بدر أحبّ أن يدخل المدينة المشرّفة لزيارة النبيّ المكرم صلى اللّه عليه و سلم،قبل أن يزور البيت المعظّم، و حرص على ذلك،فلم يمكنه لضيق وقت الحجّ،و عسر الطريق،فسلّم على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم من هناك مع التأسّف على تعذّر زيارته،و المجاوزة عنه إلى غيره،فرأى السيد الصالح المذكور في النوم ليلة الاثنين المباركة في آخر ذي القعدة المحرم في بدر الشريفة،كأنّ ذاك الشخص الذي همّ بالزيارة على سرير،في قصر عال مليح غال،فيه أنهار و أشجار و أطيار، و بقربه الشيخ الكبير العارف باللّه سهل بن عبد اللّه رضي اللّه عنه في القصر المذكور على سرير أيضا،و بيده مصحف،قال الرائي:فجئت أنا و صاحب لي إلى الشيخ سهل،و طلبنار.

ص: 216


1- رواه أبو داود(2042)في المناسك،باب زيارة القبور.
2- رواه أبو داود(2041)في المناسك،باب زيارة القبور.

منه الدّعاء.فقال:قدّموا العمل أولا،ثم اطلبوا الدّعاء،ثم قال سهل:هذا القصر للشيخ فلان-يعني الشخص المذكور-و إنّما جئت لزيارته،و كان الشّخص المذكور قد مدح النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في تلك السّفرة بقصيدتين،و مدح الصّالحين رضي اللّه عنهم بقصيدتين،و ذكر سهل بن عبد اللّه باسمه في إحداهما،قال الرائي للمنام المذكور:ثم رأيت إنسانا قد أتى إلى الشّخص المذكور بأربع خلع خضر،فأشار إليه ذلك الشّخص أن يبدأ بخلع على سهل،ثم عليّ و على صاحبي،ففعل،ثم خلع عليه الخلعة الرابعة،و أراد أن أجلس أنا و صاحبي معه على سريره،فامتنعنا،و قلنا:ما نشاركك فيما أعطاك اللّه؛و لكن ادع اللّه أن يعطينا.قال:فدعا،فطلع كرسيان من تحت الأرض من بين السّريرين المذكورين، فجلست على كرسيّ،و صاحبي على كرسيّ.ثم أذّن سهل و أقام الصلاة،و قال للشّخص المذكور:تقدّم صلّ بنا،فقال:معاذ اللّه أن يتقدّم مثلي على مثلك،فتقدّم سهل و صلّى بنا،قال:ثم سألته أنا و صاحبي أن يدعو لنا،فقال:السّاعة يجيء النبيّ صلى اللّه عليه و سلم.ثم رجع كلّ واحد منّا إلى مكانه،و إذا به صلى اللّه عليه و سلم قد دخل،و معه جماعة من أصحابه رضي اللّه عنهم أجمعين،و أول شيء بدأ به الصلاة،تقدّم و صلّى بالجميع بعد أذان و إقامة،فلمّا فرغ من الصلاة و استقبل الجماعة بوجهه الكريم،جاء سهل بن عبد اللّه و جثا بين يديه على ركبته- أو قال:على ركبتيه-فقال له صلى اللّه عليه و سلم:طلب أصحابنا الفقراء منك الدّعاء،فامتنعت،و لكنّك لزمت الأدب معنا،و يحقّ لك ذلك،ثم قال صلى اللّه عليه و سلم:أين الشيخ فلان؟ما جئنا إلاّ لزيارته- يعني الشخص المذكور الذي شقّ عليه تعذّر الزيارة-قال:فنزل من السرير،و جاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم،و جلس بين يديه و هو يبكي،فمسح صلى اللّه عليه و سلم بيده الكريمة على رأسه،و قال:

وفّقك اللّه لطاعته،و أعانك عليها،قالها ثلاثا،ثم قال له:أوصني.فقال:أوصيك بتقوى اللّه و طاعته،قالها ثلاثا،قال:ثم قلت له أنا و صاحبي:أوصنا.قال:أوصيكم بما أوصيت به إمامكم،ثم جاء إنسان يحمل فاكهة على رأسه،و وضعها بين يديه صلى اللّه عليه و سلم،فأخذ بيده الكريمة حبّة رمان منها،و أطعم من تلك الحبّة المباركة جميع من في ذلك المجلس الشريف،زاده اللّه شرفا و فضلا،و جزاه عنّا أفضل الجزاء.

الحديث السادس:روينا في«كتاب الترمذي»عن عليّ رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ».قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

ص: 217

و رويناه في«كتاب النّسائي»من رواية الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم (1).

الحديث السابع:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ».قال الترمذي:حديث حسن (2).

الحديث الثامن:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»و«النسائي»عن فضالة بن عبيد رضي اللّه عنه،قال:سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجلا يدعو في صلاته،لم يحمد اللّه تعالى،و لم يصلّ على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم،فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«عجل هذا»ثم دعاه؛فقال له أو لغيره:«إذا صلّى أحدكم فليبدأ بتحميد اللّه سبحانه،و الثّناء عليه،ثم يصلّي على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم،ثم يدعو بعد بما شاء» (3).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

الحديث التاسع:روينا في«كتاب الترمذي»عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال:

إنّ الدّعاء موقوف بين السّماء و الأرض،لا يصعد منه شيء حتى تصلّي على نبيّك صلى اللّه عليه و سلم (4).

الحديث العاشر:روينا في الصحيحين عن أبي محمد كعب بن عجرة رضي اللّه عنه قال:خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،فقلنا:يا رسول اللّه،قد علمنا كيف نسلّم عليك،فكيف نصلّي عليك؟قال:«قولوا:اللّهمّ صلّ على محمد،و على آل محمد،كما صلّيت على إبراهيم،إنّك حميد مجيد.اللّهمّ بارك على محمد،و على آل محمد،كما باركت على إبراهيم،و على آل إبراهيم،إنّك حميد مجيد» (5).

و في الصحيحين عن غير كعب ما يقارب هذه الكيفية،و وجه الجمع بينهما علىد.

ص: 218


1- رواه الترمذي(3540)في الدعوات،باب(110)و النسائي في الكبرى 34/5(8100).
2- رواه الترمذي(3539)في الدعوات،باب(110).
3- رواه الترمذي(3473)في الدعوات،باب(66)و أبو داود(1481)في الصلاة،باب الدعاء، و النسائي 44/3 في السهو،باب التمجيد و الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم في الصلاة.
4- رواه الترمذي(486)في الصلاة،باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم.
5- رواه البخاري 128/11 في الدعوات،باب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم،و مسلم(406)في الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد التشهد.

ما ذكره الإمام النّواوي (1)رضي اللّه عنه،قال:الأفضل أن يقول:«اللّهمّ صلّ على محمد عبدك و نبيّك و رسولك النبيّ الأميّ،و على آل محمد و أزواجه،و ذريّته،كما صلّيت على إبراهيم،و على آل إبراهيم،و بارك على محمد النبيّ الأميّ و على آل محمد و أزواجه، و ذريّته،كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين،إنّك حميد مجيد».

*قلت:و اختلف أصحابنا في أفضل الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم،فقال بعضهم:أفضلها الذي أمر به صلى اللّه عليه و سلم المذكور في الصحيحين:«اللّهمّ صلّ على محمد و على آل محمد،كما صلّيت على إبراهيم..»الحديث.

و قال بعضهم:أفضلها أن يقول:اللّهمّ صلّ على محمد و على آل محمد كلّما ذكره الذّاكرون،و كلّما سها عنه الغافلون.

و قال بعضهم:أفضلها أن يقول:اللّهمّ صلّ على محمد و على آل محمد أفضل صلواتك،و عدد معلوماتك.

قلت:فينبغي للإنسان أن يجمع بين هذه الكيفيات الثلاث،فيقول:اللّهمّ صلّ على محمد و على آل محمد،كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم،و بارك على محمد و على آل محمد،كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم،إنّك حميد مجيد،أفضل صلواتك،عدد معلوماتك،كلّما ذكره الذّاكرون،و كلّما سها عنه الغافلون.

عليك صلاة اللّه يا أكرم الورى و من هو في الدّارين للخلق نافع

له المجد نعل و المعالي شراكها و بحر النّدى كفّ و نهر أصابع

و في الحشر حوض و الشّفاعة و اللّوى فللرّسل مقدام و للخلق شافع

رءوف رحيم مشفق متعطّف حليم كريم خاضع متواضع

بخلق و خلق كاملين فخلقه علاه إليها و الخلق للخلق واسع

غياث لملهوف و غيث لناجع لدين الهدى بان و للكفر قالع

محمّد المختار من آل هاشم له نسب في ذروة المجد نابع

سلالة مجد من لؤيّ بن غالب إلى أصله الفخر المؤثّل راجعد.

ص: 219


1- الأذكار صفحة 87 باب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم بعد التشهد.

مقرّ النّدى مفني العدا علم الهدى جلاء الصّدى من وجهه النّور لامع

أضاءت به الظّلماء و افتخر الورى طراز جمال للمحاسن جامع

و ممّا قلت أيضا في مدحه صلى اللّه عليه و سلم،هؤلاء القصيدات الثلاث.

الأولى من القصائد:المدنية الشريفة الرضية.

و الثانية من القصائد:المكية الفاضلة الزكية.

و الثالثة من القصائد:السنية المنشأة في السفرة القدسية.

القصيدة الأولى المدنية،و هي:بهجة الأنوار في مدح النّبيّ المختار صلى اللّه عليه و سلم،و على آله و أصحابه السّادات الأخيار:

بشراك بشراك هذا الرّبع و الدّار و هم إلى الوصل بعد الهجر قد داروا

و دارت الكأس في شرب الهوى و بها من خمرة الحبّ للعشّاق إسكار

و ليس اسما و لا سلمى هناك و لا نعمى و نعمان أو نجد و أغوار

لكن شموس بدت من نحو كاظمة بجنح ليل و أنوار و أقمار

سارت قلوب حداها الشّوق رائدة لحسنها ركبها في نورها ساروا

ما حار في نورها ركب فتاه بلى في حسنها ركبها يا حار قد حاروا

حارت عقول الورى في حسنها و سبت منهم قلوبا ثوت فيها لها زاروا

يا مسكنا للأحبّا في الفؤاد و ما ذاق الكرى ناد حينا نام سمّار

يا جيرة الحيّ قلبي في جواركم و الجار في حفظه قد أوصي الجار

أنتم ندبتم إلى هذا مكارمكم عنها أتى نحونا في ذاك أخبار

(1) لم أوصكم خوف إخلاف بذاك سوى إنّي مناجاتكم أهوى و أختار

و اقرا السّلام على الأحباب من شجن لأجل بعد و لا عاقته أعذار

إلاّ حياء لتقصيري و سو أدبي و كثر ذنبي أنا من ذاك فرّار

في القلب عن لمح عالي منزل لهم من أجل إجلالهم نهي و إنذار).

ص: 220


1- من هنا يبدأ خرم في نسخة(ب)حتى الصفحة(252).

لا أستطيع أمدّ الطّرف نحوهم سوى الحمى فيه لي قد لذّ إبصار

هذي ديار الأحبّا قد أضاء بها من حسنهم بهجة تزهو و أنوار

فانظر إليها ترى غال الجمال بها و اشتمّ للطيب فالحسناء معطار

و الثم ثراها و صبّ الدّمع منتحبا يشجوك شوق و للأحباب تذكار

و بثّ من قلبك العاني صبابته و بح بحبّ عداك اللّوم و العار

و مت قتيلا بها كي يجعلوك غدا تحت اللّوى عند ما أهل الثرى ثاروا

(1) و لا تسل قطّ في قتل الهوى دية فحكمهم في دم العشّاق إهدار

و اخلع ثيابا على البشرى بنشر شذا تهديه منهم لكي يشفيك إسحار

مع الصّبا ثم ابشر بالمنى فلقد في طابة لاح للأحباب آثار

هذا المصلّى و ذا سلع و ذاك قبا و ذاك أحد و غير هذه الدّار

هذي رياض جنان الخلد باهية و مسجد أسّه للخير أخيار

(2) هذي قباب البها غالي الجمال بها للقلب في تلك أشجان و أوطار

هذا الذي قلّ مشي بالوجوه له أو خطوة جابه العشاق أو طاروا

هذا الحبيب الذي للحسن جامعه في حسنه ناعم قلب و أبصار

بالسّعد في طلعة الغرّا و زهرتها و رونق الحسن فيها فاز نظّار

هذا النبيّ الذي سرّ الوجود به هذا الذي من جميع الخلق مختار

هذا الذي قد سرى فوق البراق له وصل و قد أسبلت بالليل أستار

في حضرة القدس للمحبوب حين خلا مع المحبّ مسرّات و أسرار

قد بات يسقى و عين الهجر نائمة شراب وصل صفا ما فيه أكدار

مقرّبا في بساط الأنس نائية عنه مقامات أهل القرب قد صاروا

أصحاب بعد إليه نسبة فله فوق الجميع على الأطوار أطوار

محمّد سيّد للخلق قاطبة بلا افتخار لأهل الفخر فخّار

غوث الورى ذو اللّوى و الحوض شافعهم يولي أمانا إذا ما خيفت النّارر.

ص: 221


1- في هامش(أ):أي أرض المحشر.
2- في المطبوع:و مسجد اللّه للخيرات أخبار.

يا واحد الدّهر لم ثان يلده و لم تسمح بمثل له في الخلق أعصار

هذا الفقير الحقير اليافعيّ لكم عبد محبّ و ضيف مادح جار

عديم زاد من التّقوى و ذو سفر صعب المرام بعيد فيه أخطار

و قد عمى قلبي القاسي و لي غلبت نفسي و قد أثقلت للظّهر أوزار

و غرّني طول آمالي فضاع بها عمري و لم أدر أنّ الدّهر غدّار

و ها أنا في حماكم و النزيل و كم يحمى بكم من مخوف منه مذعار

بالجاه مستشفع بالظّلم معترف للذّنب مستغفر و الربّ غفّار

و أنت برّ رحيم القلب ذو ألم بالشوك فينا فكيف النّار و العار

جزاك عنّا إله الخلق خير جزا يعلو به منك تشريف و مقدار

فهذه بهجة الأنوار باهية سبعون بيتا علتها منك أنوار

فيها غوالي حلاك الغرّ طائعة قد زنت للشّعر ما زانتك أشعار

عليك أزكى صلاة اللّه دائمة و الآل و الصّحب منها المسك مدرار

على أبي بكر الصّديق فائحة بالنّشر من تلك آصال و أبكار

تجلى له مسفرات عن محاسنها بيض العلى غاليات الحسن أبكار

شيخ الوقار و ثاني الغار شاهدة في مجده القبّة الحسناء و الغار

مقدّم الفضل و العليا له شرف في ذكره كبتت أعداء له غاروا

(1) و مظهر الدّين في إعزازه عمر مذلّل الكفر قد هابته كفّار

سراج جنّات عدن منه باهجة رياضها الغرّ بالأنوار زهّار

و الصّائم القائم المحمود مشهده عثمان ذو النّور من في قتله جاروا

أشرار قوم من الأرذال في دمه في مصحف ظلّ للفجّار فجّار

و رابع السّادة المولى أبي حسن سيف القضا ثم بحر العلم زخّار

و معدن الجود و الدّنيا مطلّقها بتا ثلاثا فتى بالفضل مشهار

و باقي العشرة الغرّ الكرام أولي فضل إذا كاثر الحصباء كثّارا.

ص: 222


1- في(أ):في ذكره كتب أعداء له غاروا.

ثمّ القرابات من أدلوا بمكرمة أنهار مجد الورى من تلك تنهار

عمامة المجد في العمّين معلمة و الفخر زاه على الزّهراء مثمار

سبطين داسا بساط المجد جدّهما عليهما فخره الفخّار نثّار

و الغرّ أعني بها الزّوجات أجمعها فيها عن الرّجس و الأدناس طهّار

مخصصا لابنة الصّديق عائشة من سورة النّور تعلو تلك أنوار

و باقي الآل و الصّحب الكرام معا مهاجريهم و من للدّين أنصار

تبوءوا الدّار و الإيمان قبلهم مع الخصاصات فيهم شاع إيثار

إن يجهل القوم فالهيجاء تعرفهم هم هم لهم هان إيراد و إصدار

راحوا ببدر الهدى الوهّاج مغنمهم و الغير راحوا لهم شاة و دينار

و الحمد للّه قد تمّت و خاتمها غفرانك اللّه يا غفّار ستّار

القصيدة الثانية المكّية،و هي:شهد الشّفا في مدح المصطفى صلى اللّه عليه و سلم و شرّف و كرّم،و هي هذه:

قفا حدّثاني فالفؤاد غليل عسى منه يشفى بالحديث عليل

أحاديث نجد علّلاني بذكرها فقلبي إلى نجد أراه يميل

بتذكار سعدى أسعداني فليس لي إلى الصّبر عنها و السّلوّ سبيل

و لا تذكرا لي العامرية إنّها يولّه عقلي ذكرها و يزيل

و لكن بذكري عرّضا عندها فإن تقل كيف هو قولا بذاك عليل

علاه اصفرار مدنف واله له أنين سقيم جسمه و نحيل

فإن تعطفي تشفي و إن تتلفي ففي هواك المعنى المستهام قتيل

سقى اللّه يوما جامعا شملنا و لا سقى يوم بين جدّ فيه رحيل

بخود لها شعر إذا هي أرسلت كسا البدر جعد كالظّلام رجيل

و أنف و ثغر كالقضيب و خاتم به الشّهد و الوجه الأغرّ صقيل

و صوت رباب ثم عين المها لها و جيد غزال كاللّجين طويل

و خصر دقيق غصن بان شبيهها و ساق صقيل كالرّخام جليل

ص: 223

و حقّان مخروطان من عاج لونها و كفل بمنع للنّهوض كفيل

(1) و لمّا توادعنا بوادي النّقا و قد علانا على بعد اللّقاء عويل

بدا برد قد عضّ عنّاب سندس و في الورد درّ البحر صار يسيل

فها جرت العنّاب وجدا من النّوى (2) و من بعده البلور عنه بديل

و لمّا تفرّقنا تناحت (3)قلوبنا بنا ما به الصّبر الجميل يعيل

فلا يصحب العشّاق عند فراق من يحبّون طرف بالدّموع بخيل

و بانت و بي منها على البين لذعة لهيب لها بين الحشا و شعيل

فإن لا أمت منها قتيلا فإنّني لمن حلّ في واد العقيق قتيل

إلى كم على ليلى و سعدى و في النقا و نجد و نعمان هواي أحيل

(4).

و ليس دمي في بطن نعمان سائلا و لكن له وادي العقيق مسيل

رمت مقتلي ريم لها بين رامة و بين المصلّى مسمر و مقيل

بسهم له نصل و في النّصل جمرة و في الجمر سمّ ليس قطّ يقيل

غزال له طرف به السّفك زانه فتور و غضّ أدعج و كحيل

(5) .

لها بين سلع و البقيع حذا قبا قباب أحاطت بالقباب نخيل

و من حولها نور يلوح و مندل يفوح على ذات الجمال دليل

و حولي للومي عاذلات و سرّنا فشا و مشى في النّاس قال و قيل

يقولون يهواها و يهذي بذكرها فتى يافع أصل له و قبيل

قلاهم و ولاها بهجر و هجرة سباه جمال عندها و جميل

و قالوا عزيزا كان بين قبيلة حماة بأيديها الكميّ صقيل

و ها هو قد أمسى غريبا ببلدة و ليس بها حام له و حميلا.

ص: 224


1- الحق: وعاء من خشب شبه به الثدي،و الكفل:العجز.
2- في(أ):فهاجرت العنّاب.
3- في المطبوع:تناجت.
4- في المطبوع:أجيل.
5- الدّعج:سواد العين مع سعتها.

فقلت لهم حاشا و كلاّ و إنّني لغوث الورى حام الذّمار نزيل

مقرّ النّدى مفني العدا علم الهدى جلاء الصّدى مجلي الرّدى و مزيل

محمّد المخصوص بالحوض و اللّوى شفيع البرايا بالأمان كفيل

غياث لملهوف و غيث لناجع و ظلّ لكلّ العالمين ظليل

ملاذ لكلّ الخلق ظهر و ملجأ و ذخر و فخر ليس عنه بديل

وحيد وجود راجح بالورى فلا يعادله في الفضل قطّ عديل

له في ذرى العلياء مجد و سؤدد جديد على مرّ الجديد أثيل

سراج ظلام للضّلالة مذهب و بدر تمام للهداة دليل

نفى الشّرك أعلى الحقّ فالغيّ و الهدى عزيز به هذا و ذاك ذليل

له البيض و البيض العوالي لها و للقنا السّمر في نحر العدوّ صليل

و غرّ تسلّ البيض و البيض فوقهم و من تحتهم بلق لتلك صهيل

صناديد عبّاد يصلّون في الدّجى يصولون في الهيجا لأحمد جيل

إذا ما رأيت القوم في معرك الوغى تقل هم و بيض و العجاج و خيل

أسود علت ما حطّه السّيل من عل علتها النّجوم الزّاهرات و ليل

نجوم الهدى في وسطها البدر فوقها نجوم و برق في الأكفّ تجيل

كإكليل نور وسطه البدر إن دنا إلى ذاك طرف عاد و هو كليل

بأنفسها تفدي النّجوم لبدرها و في حقّ ذاك البدر ذاك قليل

فديت لمفدوّ و فاد و ليتني لأقدامهم فوق التّراب نعيل

ألا يا رسول اللّه يا أكرم الورى و من جوده خير النّوال ينيل

و من كفّه سيحون منها و دجلة و جيحون منها

(1) و الفرات و نيل (2)مدحتك أرجو منك ما أنت أهله و أنت الذي في المكرمات أصيلط.

ص: 225


1- في(أ):و جيحون يجري.
2- في هامش(أ):مسألة:«في الأرض خمسة أنهر من الجنة؛سيحون،و جيحون،و الفرات،و دجلة، و النيل»أخرجه مسلم.و في رواية:«سيحون و هو نهر الهند،و جيحون نهر بلخ،و النيل و هو نهر مصر،و الفرات و دجلة و هما نهرا العراق»أخرج ذلك الواحدي بسنده في تفسير الوسيط.

تعامل بالحسنى كما أنت أهلها لمن هو للسّوء القبيح أهيل

و إنّي لمسبوق و غيري سابق بمدحك مفضول و ذاك فضيل

و ليس هجين الخيل ساوى عتيقها و لا بازل

(1) ساواه قطّ فصيل و لكن إذا ما منك جاءت عناية إلى عاجز ساوى الفضيل رذيل

فيا خير ممدوح أثب شرّ مادح عطا مانح منه الجزاء جزيل

أنلني منائي منك منّ بنظرة إلى يمن وجه للأنام و سيل

و كن شافعي فاليافعيّ ملزم لكم نزيل حماكم للكرام دخيل

و أصلي و فصلي و القريب و صاحب و شيخ و أصهار كذاك حليل

فإنّك ذو جاه عريض و سيّد كريم و للربّ الجليل خليل

عليك صلاة اللّه ما لاح بارق و ما دام للمزن الهطول هطيل

و أبياتها ستّون مع سبعة إلى حلا شهدها الشّافي النّفوس تميل

و فا الألف ديواني بها و هي في البها و حسن الغنا عنها الثّناء جميل

لها نغمة قد حيّرتها ربابها و مزمار حسن للرّباب رسيل

و تمّت بحمد اللّه مسك ختامها و من ثغرها الشّهد الشفاء يسيل

القصيدة الثالثة:و هي الثانية من القصائد السنية المنشأة في السفرة القدسية المخمّسة في المدينة النبوية،المسماة:«ترياق العشاق في مدح حبيب الخلق و الخلاق صلى اللّه عليه و على آله و صحبه و سلم،إلى يوم التّلاق»:

من بان عن ربع من يهواه و الطّلل فقد تعرّض للتّهمات و العذال

لمّا نأيت عن الأحباب مع وجلي أضحت تلوم ذوات الحجل و الحجل

(2) من كلّ خود غزال الغزل و الغزل بعذب لفظ عتاب لم بذاك ترد إلاّ لتورد من لم قبل ذاك يرد

بحر الغرام و لم للعوم فيه يجد حتى دهشت فلم حال العتاب أجد

عذرا أجيب به من شدّة الخجلس.

ص: 226


1- البازل:الرجل الكامل في تجربته.
2- الحجل:الخلخال،الحجل:جمع حجلة موضع يزين بالثياب و الستور للعروس.

لم تتهمني بأنّي قد مللتهم بل روم إبداء عذر خوف يتّهم

ذو الجهل بالحال إنّي قد قليتهم قالت أجيران سلع قد سلوتهم

بالبين أم هل سوى هذاك من علل هل رمت خلاّ بديلا أو هجرت حمى بدر أضاء الدّياجي عند ما ابتسما

سما بنور بهاء فوق بدر سما فقلت حاشا و لكن كي أعود كما

يعود عطشان بعد النّهل للعلل (1)لرؤية بعد أخرى حسن نور خبا من صار للحسن و الإحسان منتخبا

أعود أروي صدى الأشواق منتحبا أعفّر الخدّ إن لاحت قباب قبا

أسقي الرّبى دمعي المطلول في الطّلل أشاهد القبّة الغرّا التي حظيت و أدخل الرّوضة الزّهرا التي ارتضيت

أقضي لبانات قلب مغرم سلفت و أكحل العين بالأرض التي شرفت

بمشي أقدام معصوم من الزّلل أطوف عمري بها مهما وجدت قوى من بعد ما كفّني عن ذاك كفّ نوى

أهيم وجدا بذيّاك الحمى و هوى و ألثم الرّبع من يمن به و جوى

بي من هوى بدر تمّ للأنام جلي في الخلق و الخلق يهوى حسن منهجه حلو الحلى أزهر في اللّون أبهجه

طويل جيد جليل الساق أدمجه (2)باهي المحيّا كحيل الطّرف أدعجه

أزجّ (3)أقنى حلى كلّ الجمال جلي ما البدر ما السّندس الغالي لمحتشم في اللّون و اللّين من جسم بلا نعم

لذي قوام بديع الحسن منتظم ريّاه كالمسك ذي لفظ و مبتسم

كالدّرّ و الرّيق كالتّرياق و العسلج.

ص: 227


1- في هامش(أ):العلل الشرب الثاني.
2- أدمجه:ملفوفه.
3- الزّجج:دقّة الحاجبين في طول،و النعت أزج.

إن مدّ كفا و قد كفّ السّماء و هي لسخطها وجه كلّ الأرض غير زهي

ترضى فترضيه يضحى ضاحكا و بهي مبارك الوجه يستسقى الغمام به

بالحسن و اليمن و التّوفيق مشتمل لو يرحل الحيّ يوما بالحبيب كووا قلبي بنار بعاد بعده و شووا

يا حرقتا إن به راموا النّوى و نووا من أجله عن عريب خيّموا و ثووا

دون المصلّى أسائل كلّ مرتحل حلاه تسقي البرايا من مدامتها في نجدها هيّمتهم مع تهامتها

و نفسه تلك تفدى من كرامتها و أرضه مع عقيق ثمّ رامتها

أحبّها حبّ صبّ بالغرام بلي كم ذا تمنّى المنى في ربّما و عسى ممّن إذا رمت منه اللّين زاد قسا

دع حبّ هذاك و ادأب بكرة و مسا في حبّ خير حبيب من بهاه كسى

للدار ثوب جمال لا تراه بلي جمالها في رباها للأنام نهى عن حبّ غير فحسن الغير ذاك لها

تختال في كلّ غال بالجمال زها كأنّها من سنا حسن بها و بها

تكسى غوالي الحلا و الحلي و الحلل تنفي لكلّ خبيث النّفس فاجرها و تصنع الطّيب للمصغي

(1)لزاجرها يقول إن غاب يوما غير هاجرها يا سعد إن جزت بالجرعى و حاجرها

قف و أنشد الحيّ عن حبّ هنالك لي و اهجر إذا جئت ممنوح السّنا و سنا و احفظ مديحا كساه حسنه حسنا

من سندس اللّفظ و المعنى (2)السّني لسنا و أنشد القول عنّي في الحمى علنا

في روضة من رياض الخلد لم تزلى.

ص: 228


1- في(أ):الطيب المصفى.
2- في(أ)المبنى.

مخاطبا للموالي قل لخدمتكم إنّا عبيد أيادي فضل نعمتكم

أقول إن قيل حلنا عن محبّتكم يا أهل طيبة قد طبتم و حرمتكم

إنّي على العهد لم عن حاله أحل جمالكم مدهش نفسي محيّرها و نوركم من دياجيها منيّرها

عن حبّكم لا يرى شيء يغيّرها لو عن هوى عزّة يسلو كثيرها

و قيس ليلى لما عنكم أنا بسلي إن عن حمى ربعك العالي الأهيل يبن جسمي فقلبي إليه عند ذاك يحن

عن صدق هذا له استنطق فذاك يبن يا أكرم الخلق يا حامي الذّمار لئن

جسمي نأي القلب عن حبّي حماك سلي حباك مولاك فضلا للوجود ملا بذاك يوم رهان مع كرام ملا

لما استبقتم جميعا نحو مجد علا سبقت أنت جميع السّابقين إلى

أعلى مقام على كلّ الأنام علي (1)كسوت للكون من بعد الظّلام ضيا بهاك يكسى جلالا و الجلال حيا

إن قلت فالفضل أو تسكت فغير عيا يا نخبة الكون و يا عين الوجود و يا

مخطوب حبّ لربّ العرش في الأزل يا قالبا فيه كلّ الحسن قد رقما من حسنه نوره الباهي أزال عمى

عن الورى و نداه في الأنام همى لو كان لي السنّ مع جدّ سعى هما

في العدّ و العدو مثل الرّمل و الرّمل و علم سرّ لأهل الكشف فيّ سرى مع ذاك أقلام كتب ما نما شجرا

و ماء بحر مدادا بالكتاب جرى و عمر نوح و كتّاب جميع ورى

و كلّ كلّ من الأملال و الملل من بعد ما في كتاب للقلوب جلا مدح كدرّ به جيد الحسان حلا

من درّ عقد عظيم زانه و غلا لم يكتبوا قطرة من بحر مدح علا

ماح بملّته الغرّاء للمللم.

ص: 229


1- في المطبوع:على كل المقام.

لمّا علت في سما العليا جلالته تواضعت عند ما هالت شجاعته

للخلّ لين و للأعدا صلابته نافي الطّغى أرعدت كسرى مهابته

فوق التّراب مع المسكين مبتذل بحضرة القدس كاسات الوصال سقت حبّا و حجب جلال للخطى خرقت

سعادة يا لها الحسنى بها سبقت راق براقا لأعلى رتبة خلقت

لواحد الدّهر ماثان لتلك يلي محمّد سيّد السّادات سائلة منه البرايا شفاعات فنائلة

مثبّت القلب و النّيران صائلة و منقذ الخلق و الأهوال هائلة

لكلّ قلب إلى الحلقوم منجفل رامت فرارا و أنّى يحصل الهرب يوما دنا فيه كلّ الخلق و اقتربوا

لفصل حكم لجبار به غضب و هم سكارى و لا خمر لها شربوا

يحكون في الحال حال الشّارب الثّمل راموا شفيعا لخطب للأنام دهى و همّ كلّ بنفس عن سواه سها

لسادة الرّسل قالوا من يقوم بها و قول كلّ كرام الرّسل لست لها

فكنت أهلا لها يا أكرم الرّسل يا كعبة المجد بحر الجود شمس هدى يا مذهبا من كلا الدارين كلّ ردا

يا مالئ الكون معروفا و فيض ندى كن شافعا للعبيد اليافعيّ غدا

مع الأحبّاء يا غوثا لذي أمل أنت الذي باللّوى خصّ الإله إذا ما تحته من كرام الرّسل ذاك و ذا

و النّشر من طيبك الزّاكي الأنام حذا صلاة ربّ و تسليم عليك شذا

فاحا على خير قبر بالجمال ملي في سرمد الدّهر تأبيدا بغير مدى مع ازدياد به قد زاد رغم عدا

نفسي لباهي محيّاك الرّضيّ فدا و الآل و الصّحب من خير و بحر ندى

و راهب في الدّياجي في الوغى بطل

ص: 230

أعلوا هدى بالعوالي دين خالقهم و ناضلوا دون خير الخلق فائقهم

مهاجريهم و أنصار و لا حقهم مخصّص السيّد الصّديق سابقهم

بكلّ فضل خليل غير ذي خلل في ردّة لم يقم في مثل منصبه إلاّ نبيّ بتأييد لمنتبه

(1)في كلّ مجد علت رايات موكبه و السيّد الضّيغم الفاروق عزّ به

دين الهدى ذلّل الطّغيان بالأسل لسان حقّ بلا ريب و سامعه و واضع الكفر و الإسلام رافعه

ذي هيبة تحت دلق الزّهد راقعه و السيد التالي القرآن جامعه

ذي النّور و الصّائم القوّام ذي الوجل كراهب قد تخلّى في صوامعهم إذ البرايا هجوع في مضاجعهم

شهيدهم مقرئ الأصحاب خاشعهم و السيّد الحبر سيف اللّه رابعهم

مطلّق دار دنيا بالثّلاث علي سمح بها حين أهل الوفر ما سمحوا و طاعن بالقنا حين العدا سنحوا

و موضح ما لغير ليس يتّضح و عترة ثم باقي عشرة منحوا

مجدا أثيلا بفضل اللّه متّصل في الحرب أدهى ضراغيم مخدّرة و العلم أبهى مصابيح منوّرة

و في النّدى وابل درّ مضمّرة و العزّ مجموع أزواج مطهّرة

و تابعيهم بإحسان و كلّ ولي من كلّ ذات تقى دامت مؤيّدة و كلّ ذي همّة تعلو مسدّدة

تلك الصّلاة شذا فاحت مجدّدة ما غنّت الورق في أيك مغرّدة

تغري شجيا و تشجي قلب كلّ خلي و الآن قد آن للتّرياق حين شفت أن تختم القول أذكارا بها شرفت

سبحان من لا إله غيره و ثنت و الحمد للّه تمّت و العنان ثنت

عن أربعين لأجل الحفظ لم تطله.

ص: 231


1- في المطبوع لمشتبه.

الباب الثامن

في فضل الدّعاء

قال اللّه تعالى: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].

و قال سبحانه و تعالى: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55].

و قال تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ [الأنبياء:90].

و قال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62].

و قال تعالى: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

و الآيات في ذلك كثيرة شهيرة.

و أمّا الأحاديث فلا يمكن استقصاء عشرها،و ها أنا أذكر خمسة عشر حديثا في هذا الباب.

الحديث الأول:روينا بالأسانيد الصّحيحة في«سنن أبي داود»و«الترمذي»و«النسائي» عن النّعمان بن بشير رضي اللّه عنهما،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«الدّعاء هو العبادة» (1).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

الحديث الثاني:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال

ص: 232


1- رواه الترمذي(3244)في التفسير،باب و من سورة المؤمن،و أبو داود(1479)في الصلاة،باب الدعاء،و النسائي في الكبرى(11464)450/6.

رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من سرّه أن يستجيب اللّه له عند الشّدائد و الكرب فليكثر الدّعاء في الرّخاء» (1).

الحديث الثالث:روينا في«صحيح مسلم»عن سعيد بن عبد العزيز،عن ربيعة بن يزيد،عن أبي إدريس الخولاني،عن أبي ذرّ جندب بن جنادة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فيما روى عن اللّه تبارك و تعالى أنّه قال:«يا عبادي،إنّي حرّمت الظّلم على نفسي،و جعلته بينكم محرّما،فلا تظالموا.يا عبادي كلّكم ضالّ إلاّ من هديته،فاستهدوني أهدكم.

يا عبادي كلّكم جائع إلاّ من أطعمته،فاستطعموني أطعمكم.يا عبادي كلّكم عار إلاّ من كسوته،فاستكسوني أكسكم.يا عبادي،إنّكم تخطئون اللّيل و النّهار،و أنا أغفر الذّنوب جميعا،فاستغفروني أغفر لكم.يا عبادي إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني،و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني.يا عبادي،لو أنّ أوّلكم و آخركم،و إنسكم و جنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم،ما زاد ذلك في ملكي شيئا.يا عبادي،لو أنّ أوّلكم و آخركم،و إنسكم و جنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا.يا عبادي،لو أنّ أوّلكم و آخركم،و إنسكم و جنّكم قاموا في صعيد واحد،فسألوني،فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك ممّا عندي إلاّ كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.يا عبادي إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم،ثم أوفّيكم إيّاها،فمن وجد خيرا فليحمد اللّه،و من وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلاّ نفسه».

قال سعيد:كان أبو إدريس إذا حدّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه (2).

و قال محيي الدّين النّواوي (3)رضي اللّه عنه:روينا عن الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه قال:ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث (4).

الحديث الرابع:روينا في«صحيح مسلم»عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم كان يقول:«اللّهمّ،إنّي أسألك الهدى و التّقى،و العفاف،و الغنى» (5).ل.

ص: 233


1- الترمذي(3379)في الدعوات،باب(9).
2- رواه مسلم(2577)في البر و الصلة،باب تحريم الظلم.
3- الأذكار صفحة 462.آخر حديث في الكتاب.
4- قال النووي في الأذكار:و رجال إسناده مني إلى أبي ذر كلهم دمشقيون.
5- مسلم(2721)في الذكر و الدعاء،باب التعوذ من شر ما عمل.

قلت:الرّاجح المختار عند جمهور العلماء أنّ المراد بالغنى غنى النّفس لا غنى المال.

الحديث الخامس:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»و«النسائي»عن بريدة رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سمع رجلا يقول:اللّهمّ إنّي أسألك بأنّي أشهد أنّك أنت اللّه،لا إله إلاّ أنت الأحد الصّمد،الذي لم يلد و لم يولد،و لم يكن له كفوا أحد.

فقال:«لقد سأل اللّه بالاسم الذي إذا سئل به أعطى،و إذا دعي به أجاب».

و في رواية:«لقد سألت اللّه تعالى باسمه الأعظم» (1).قال الترمذي:حديث حسن.

الحديث السادس:روينا في«سنن أبي داود»و«النسائي»عن أنس رضي اللّه عنه،أنّه كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،و رجل يصلّي ثم دعا:اللّهمّ،إنّي أسألك بأنّ لك الحمد،لا إله إلاّ أنت المنّان،بديع السّماوات و الأرض،ذو الجلال و الإكرام،يا حيّ يا قيّوم،فقال النبيّ صلى اللّه عليه و سلم[لأصحابه:«أ تدرون بما دعا؟»قالوا:اللّه و رسوله أعلم.قال:«و الذي نفسي بيده]لقد دعا اللّه باسمه العظيم،الذي إذا دعي به أجاب،و إذا سئل به أعطى» (2).

الحديث السابع:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«اللّهمّ،أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري،و أصلح لي دنياي التي فيها معاشي،و أصلح لي آخرتي التي فيها معادي،و اجعل الحياة زيادة لي في كلّ خير،و اجعل الموت راحة لي من كلّ شرّ» (3).

الحديث الثامن:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«كان من دعاء داود يقول:اللّهمّ (4)إنّي أسألك حبّك،و حبّ من يحبّك، و العمل الذي يبلّغني حبّك،اللّهمّ،اجعل حبّك أحبّ إليّ من نفسي[و مالي]و أهلي،و من الماء البارد» (5).قال الترمذي:حديث حسن.).

ص: 234


1- رواه الترمذي(3471)في الدعوات،باب(65)و أبو داود(1493)في الصلاة،باب الدعاء، و النسائي في السنن الكبرى(7701)404/4.
2- رواه أبو داود(1495)في الصلاة،باب الدعاء،و النسائي 52/3 في السهو،باب الدعاء بعد الذكر.
3- مسلم(2720)في الذكر و الدعاء،باب التعوذ من شر ما عمل.
4- في(أ)و المطبوع:دعاء داود صلى اللّه عليه و سلم:اللهم.
5- الترمذي(3485)في الدعوات،باب(74).

الحديث التاسع:روينا في الصّحيحين عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص،عن أبي بكر الصّديق رضي اللّه عنهم،أنّه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:علّمني دعاء أدعو به في صلاتي،قال:

«قل:اللّهمّ،إنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا،و لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت،فاغفر لي مغفرة من عندك،و ارحمني إنّك أنت الغفور الرحيم» (1).

و روي«كثيرا»و«كبيرا»بالمثلثة و الموحّدة،فينبغي الجمع بينهما.

الحديث العاشر:روينا في«سنن أبي داود»و«النسائي»بإسناد صحيح عن معاذ رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذ بيده و قال:«يا معاذ و اللّه إنّي لأحبّك»،فقال:

«أوصيك يا معاذ:لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة أن تقول:اللّهمّ أعنّي على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك» (2).

*قلت:و دعا لي صلى اللّه عليه و سلم،فقال:وفّقك اللّه لطاعته،و أعانك عليها،قالها ثلاثا بعد ما مسح بيده الكريمة على رأسي في منام رآه لي بعض الصّالحين رضي اللّه عنه،و الحمد للّه على ذلك.ثم قلت له صلى اللّه عليه و سلم:أوصني.فقال:أوصيك بتقوى اللّه،و طاعته،قالها ثلاثا،ثم قال له أصحابي:أوصنا.فقال صلى اللّه عليه و سلم:أوصيكم بما أوصيت به إمامكم.فسرّني ذلك، و زادني سرورا أنّي لم أكن إمامهم في الصّلاة،و هذا بعض المنام المذكور،و فيه أشياء كثيرة غير ما ذكرت،كرهت أن أذكرها؛لكوني لست أهلا لها،فالحمد للّه الذي أظهر جميله،و ستر قبائحنا،و جزى اللّه سيّدنا محمدا عنّا أفضل الجزاء.

فينبغي أن يدعى بهذا الدّعاء الشريف،أعني دعاءه صلى اللّه عليه و سلم لي المذكور.

*و روي نحوه أيضا عن الخضر أنّه رآه بعضهم،فقال له:ادع لي،فقال:حبّب اللّه إليك طاعته.فقال:زدني.فقال:و يسّرها عليك،قال:زدني.فقال:و سترها عنك.

الحديث الحادي عشر:روينا في«سنن أبي داود»عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه،قال:دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات يوم المسجد،فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبوء.

ص: 235


1- رواه البخاري 265/2 في صفة الصلاة،باب الدعاء قبل السلام،و مسلم(2705)في الذكر و الدعاء،باب استحباب خفض الصوت بالذكر.
2- رواه أبو داود(1522)في الصلاة،باب الاستغفار و النسائي 53/3 في السهو،باب نوع آخر من الدعاء.

أمامة،فقال:«يا أبا أمامة،ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة؟»قال:

هموم لزمتني،و ديون يا رسول اللّه.قال:«أ فلا أعلّمك كلاما إذا قلته أذهب اللّه همّك، و قضى عنك دينك؟»قال:بلى يا رسول اللّه.قال:«قل إذا أصبحت و إذا أمسيت:اللّهمّ، إنّي أعوذ بك من الهمّ و الحزن،و أعوذ بك من العجز و الكسل،و أعوذ بك من الجبن و البخل،و أعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال».قال:فقلت ذلك،فأذهب اللّه همّي و قضى عنّي ديني (1).

الحديث الثاني عشر:روينا في«صحيح مسلم»و«سنن أبي داود»و«الترمذي» و«النسائي»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم،أنّه كان يقول إذا أوى إلى فراشه:

«اللّهمّ ربّ السّماوات و ربّ الأرض،و ربّ العرش العظيم،و ربّ كلّ شيء،فالق الحبّ و النّوى،منزل التّوراة و الإنجيل و القرآن،أعوذ بك من شرّ كلّ دابة (2)أنت آخذ بناصيتها، اللّهمّ أنت الأوّل فليس قبلك شيء،و أنت الآخر فليس بعدك شيء،و أنت الظّاهر فليس فوقك شيء،و أنت الباطن فليس دونك شيء،اقض عنّا الدّين،و اغننا من الفقر» (3).

و في رواية أبي داود:«أعنّي و اغنني».

الحديث الثالث عشر:روينا في«سنن أبي داود»بإسناد لم يضعّفه عن أبي مالك الأشعري رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«إذا أصبح أحدكم فليقل:أصبحنا و أصبح الملك للّه ربّ العالمين،اللّهمّ،إنّي أسألك خير هذا اليوم؛فتحه،و نصره،و نوره، و بركته،و هداه،و أعوذ بك من شرّ ما فيه،و شرّ ما بعده،ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك» (4).

الحديث الرابع عشر:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،كان يقول:«دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة،عند رأسهح.

ص: 236


1- أبو داود(1555)في الصلاة،باب الاستعاذة.
2- في(أ)و المطبوع:كل شيء.
3- رواه مسلم(2713)في الذكر و الدعاء،باب ما يقول عند النوم و أخذ المضجع،و الترمذي(3397) في الدعوات،باب من الأدعية قبل النوم،و أبو داود(5051)في الأدب،باب ما يقال عند النوم، و النسائي في الكبرى(7668)395/4.
4- أبو داود(5084)في الأدب،باب ما يقول إذا أصبح.

ملك موكّل كلّما دعا لأخيه بالخير،قال[الملك]الموكّل به:آمين،و لك بمثل» (1).

الحديث الخامس عشر:روينا في الصّحيحين عن أنس رضي اللّه عنه قال:كان أكثر دعاء النبيّ صلى اللّه عليه و سلم:«اللّهمّ،آتنا في الدّنيا حسنة،و في الاخرة حسنة،و قنا عذاب النار».

زاد مسلم في روايته قال:و كان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها (2).

*و روى الحاكم أبو عبد اللّه عن ابن مسعود رضي اللّه عنه،قال:كان من دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«اللّهمّ،إنّا نسألك موجبات رحمتك،و عزائم مغفرتك،و السّلامة من كلّ إثم،و الغنيمة من كلّ برّ،و الفوز بالجنّة،و النّجاة[بعونك]من النار» (3).قال الحاكم:

حديث صحيح على شرط مسلم.

*و روى الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه،و ابن ماجة عن عائشة رضي اللّه عنها، أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال لها:«قولي:اللّهمّ،إنّي أسألك من الخير كلّه،عاجله و آجله،ما علمت منه و ما لم أعلم،و أعوذ بك من الشرّ كلّه،عاجله و آجله،ما علمت منه و ما لم أعلم، و أسألك الجنّة و ما قرّب إليها من قول أو عمل،و أعوذ بك من النّار و ما قرّب إليها من قول أو عمل،و أسألك خير ما سألك عبدك و رسولك محمد صلى اللّه عليه و سلم،و أعوذ بك من شرّ ما استعاذك منه عبدك و رسولك محمد صلى اللّه عليه و سلم،و أسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشدا».قال الحاكم أبو عبد اللّه:هذا حديث حسن صحيح الإسناد (4).

*و هذا دعاء الفرج،ذكره الإمام الغزالي في«الإحياء» (5)،و يقال إنّه عن الخضر، و ذكر فيه فضائل كثيرة لمن دعا به مساء و صباحا،و هو هذا:اللّهمّ،كما لطفت بعظمتك دون اللّطفاء،و علوت بعظمتك على العظماء،و علمت ما تحت أرضك كعلمك بما فوق عرشك،و كانت وساوس الصّدور كالعلانية عندك،و علانية القول كالسرّ في علمك،ف.

ص: 237


1- مسلم(2733)في الذكر و الدعاء،باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب.
2- رواه البخاري 161/11 في الدعوات،باب قول النبي صلى اللّه عليه و سلم:«ربنا آتنا في الدنيا حسنة..»و مسلم (2690)في الذكر و الدعاء،باب فضل الدعاء.
3- الحاكم 525/1.
4- رواه أحمد في المسند 133/6،و ابن ماجة(3846)في الدعاء،باب الجوامع من الدعاء، و الحاكم في المستدرك 522/1.
5- الإحياء 353/2 كتاب الأمر بالمعروف،الباب الرابع في أمر الأمراء و السلاطين بالمعروف.

و انقاد كلّ شيء لعظمتك،و خضع كلّ ذي سلطان لسلطانك،و صار أمر الدّنيا و الاخرة كلّه بيدك (1)،اجعل لي من كلّ همّ (2)أمسيت فيه فرجا و مخرجا،اللّهمّ،إنّ عفوك عن ذنوبي.

و تجاوزك عن خطيئتي،و سترك على قبيح عملي،أطمعني أن أسألك ما لا أستوجبه ممّا قصّرت فيه،أدعوك أمنا،و أسألك مستأنسا،و إنّك للمحسن إليّ،و إني للمسيء إلى نفسي فيما بيني و بينك،تتودّد إليّ بنعمك،و أتبغّض إليك بالمعاصي،و لكنّ الثّقة بك حملتني على الجرأة عليك،فعد بفضلك و إحسانك عليّ،و تب عليّ،إنّك أنت التّواب الرحيم.

*و قال بعضهم:رأيت في منامي الإمام أحمد بن حنبل بعد موته،و هو يتبختر، فقلت:يا أبا عبد اللّه،أيّ مشية هذه؟فقال:مشية الخدّام في دار السّلام.فقلت:

ما فعل اللّه بك؟فقال:غفر لي،و توّجني،و ألبسني نعلين من ذهب،و قال:يا أحمد، هذا بقولك القرآن كلامي،ادعني بتلك الدّعوات التي بلغتك عن سفيان الثّوري،و كنت تدعو بها في دار الدّنيا.فقلت:يا ربّ كلّ شيء،بقدرتك على كلّ شيء،اغفر لي كلّ شيء و لا تسألني عن شيء.فقال:يا أحمد،هذه الجنّة فادخلها.فدخلتها.

*و من دعاء بعضهم:اللّهمّ،إنّي أسألك يا لطيف يا لطيف يا لطيف،يا من وسع لطفه أهل السّماوات و الأرضين،أسألك اللّهمّ أن تلطف بي من خفي خفي خفي لطفك الخفي الخفي الخفي،الذي إذا لطفت به لأحد من عبادك كفي،فإنّك قلت،و قولك الحقّ: اَللّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [الشورى:19].

*و قال بعضهم:رأيت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في المنام،فقلت:ادع اللّه لي أن لا يميت قلبي، فقال:قل كلّ يوم أربعين مرة:يا حيّ يا قيوم،لا إله إلا أنت.

*و ينبغي للداعي أن يكرّر الدّعاء و لا يستبطئ الإجابة،فقد روينا في«كتاب الترمذي» (3)عن عبادة بن الصّامت رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«ما على الأرض مسلم يدعو اللّه تعالى بدعوة إلا آتاه اللّه إيّاها،أو صرف[عنه]من السّوء مثلها،ما لم يدعج.

ص: 238


1- في المطبوع:كله لك بيدك.
2- في المطبوع:كل هم أصبحت فيه أو أمسيت.
3- الترمذي(3568)في الدعوات،باب في انتظار الفرج.

بإثم،أو قطيعة رحم»فقال رجل من القوم:إذا نكثر.قال:«اللّه أكثر».قال الترمذي:

حديث حسن صحيح.

و رواه الحاكم أبو عبد اللّه في«المستدرك على الصحيحين» (1)من رواية أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه،و زاد فيه:«أو يدّخر له من الأجر مثلها».

*و روينا في الصّحيحين (2)عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:

«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل،فيقول:قد دعوت[ربّي]فلم يستجب لي».

*و قد روي عن بعض الأئمة أنّه قال:دعوت اللّه تعالى بحاجة ثلاثين سنة،و هي أن يتوب عليّ توبة نصوحا،قلت:سبحان اللّه،أو في ثلاثين سنة أدعو اللّه بحاجة واحدة، و لا يستجاب لي!؟فسمعت قائلا في النّوم (3)يقول:أ تستحقر هذه الحاجة،و هي تتضمّن محبّة اللّه؟أما سمعت اللّه سبحانه يقول: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ [البقرة:222]؟و هذا معنى ما روي عنه،إن لم يكن لفظه بعينه.

*و قال بعض الأئمة:بلغنا عن إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه،و نفع به،أنّه قال:

أتيت بعض البلاد،فنزلت في مسجد،فلمّا كان العشاء الاخرة و صلّينا،أتى إمام المسجد بعد انصراف الناس،فقال:قم،فاخرج[متى]أغلق الباب؟فقلت:أنا رجل غريب، أبيت هاهنا.فقال:الغرباء يسرقون القناديل و الحصر،فلا نترك أحدا يبيت فيه[و لو كان إبراهيم بن أدهم].فقلت:أنا إبراهيم بن أدهم،و كانت ليلة شاتية،فقال:[كفى ما أنت فيه حتى تكذب.ثم قال]:أكثرت،و غدا على رجلي،فجرّني على وجهي،حتى رماني على أتّون حمّام و مضى،فقمت فرأيت الوقّاد يوقد النّار في المستوقد،فقلت:أبيت عنده، فنزلت فوجدت رجلا عليه قطعتا خيش،فسلّمت[عليه]،فلم يردّ عليّ السلام،بل أشار أن اجلس،فجلست،و هو خائف و جل ينظر تارة عن يمينه،و تارة عن شماله،فداخلني الخوف منه،فلمّا فرغ من وقوده التفت إليّ و قال:و عليك السلام،و رحمة اللّه و بركاته.

فقلت:عجبا،لم لم تسلّم عليّ حين سلامي عليك؟فقال:يا هذا.كنت أجير قوم،م.

ص: 239


1- المستدرك 493/1.
2- رواه البخاري 119/11 في الدعوات،باب يستجاب للعبد ما لم يعجل،و مسلم(2735)في الذكر و الدعاء،باب استحباب حمد اللّه تعالى بعد الأكل و الشرب.
3- في هامش(أ):و في نسخة:قائلا في القوم.

فخفت أن أسلّم عليك،فأشتغل بالسلام،فآثم و أخون.فقلت له:فرأيتك تنظر عن يمينك و شمالك،أ تخاف؟قال:نعم.قلت:ممّ ذا؟قال:من الموت،لا أدري من أين يأتي؟ أ من يميني أم من شمالي؟فقلت:فبكم تعمل كلّ يوم؟قال:بدرهم و دانق.قلت:فما ذا تصنع به؟قال:أتقوّت بالدّانق[أنا و أهلي]،و أنفق الدّرهم على أولاد لأخي.قلت:أ من أمّك و أبيك؟قال:لا،بل آخيته (1)في اللّه عزّ و جلّ،و مات،فأنا أقوم بأهله و أولاده.

فقلت له:هل دعوت اللّه في حاجة فأجابك فيها؟قال:لي حاجة أنا منذ عشرين سنة أدعو اللّه عزّ و جلّ و ما قضاها.قلت:و ما هي؟قال:بلغني أنّ في العرب رجلا تميّز عن الزاهدين،وفاق العابدين يقال له إبراهيم بن أدهم،دعوت اللّه عزّ و جلّ في رؤيته،و أموت [بين يديه].فقلت:أبشر يا أخي،قد قضى اللّه حاجتك[و قبل دعوتك]،و ما رضي لي أن آتي إليك إلاّ سحبا على وجهي.قال:فوثب من مكانه،و عانقني،و سمعته يدعو و يقول:

اللّهمّ،قضيت حاجتي،و أجبت دعوتي،اللّهمّ اقبضني.فأجاب اللّه تعالى دعوته الثانية في الحال،و سقط ميتا،رحمه اللّه و نفع به (2).

*و قيل:كان عامّة دعاء إبراهيم بن أدهم:اللّهمّ،انقلني من ذلّ معصيتك إلى عزّ طاعتك.

*و قال الأستاذ أبو عليّ الدّقاق:ظهرت علّة بيعقوب بن الليث (3)،أعيت الأطباء، فقالوا له:في ولايتك رجل صالح يسمّى سهل بن عبد اللّه،لو دعا لك،لعلّ اللّه يستجيب له.فاستحضره،و قال:ادع اللّه لي.فقال سهل:كيف يستجاب دعائي فيك،و في حبسك مظلومون؟!فأطلق كلّ من في حبسه.فقال سهل:اللّهمّ،كما أريته ذلّ المعصية،فأره عزّ الطاعة،و فرّج عنه.فعوفي،فعرض مالا على سهل،فأبى أن يقبله،فقيل له:لو قبلته و دفعته إلى الفقراء.فنظر إلى الحصى في الصحراء،فإذا هي جواهر،فقال:من يعطى مثل هذا،يحتاج إلى مال يعقوب بن الليث (4).).

ص: 240


1- في هامش(أ)و روض الرياحين 378:أحببته.
2- روض الرياحين 388(الحكاية 347)و ما بين معقوفين مستدرك منه.
3- يعقوب بن الليث من أبطال العالم،و أحد الأمراء الدهاة،غلب على سجستان سنة(247)و امتلك هراة،و اعترض الترك فقتل ملوكهم،و استولى على فارس و نيسابور،مات سنة 265.
4- روض الرياحين 307(الحكاية 253).

*و من دعاء بعضهم:يا واحد يا أحد،يا واجد يا جواد،انفحنا منك بنفحة خير.

*و من حزب الشيخ أبي العباس المرسي رضي اللّه عنه:يا عليّ يا عظيم،يا حليم يا عليم،يا سميع يا بصير،يا مريد يا قدير،يا حيّ يا قيّوم،يا رحمن يا رحيم،يا من هو هو هو،يا هو أسألك بعظمتك التي ملأت بها أركان عرشك،و بقدرتك التي قدرت بها على خلقك،و برحمتك التي وسعت كلّ شيء،و بعلمك المحيط بكلّ شيء،و بإرادتك التي لا ينازعها شيء،و بسمعك و بصرك القريب من كلّ شيء،يا من هو أقرب إليّ من كلّ شيء،قد قلّ حيائي،و عظم افترائي،و بعد منائي،و اقترب شقائي،و أنت البصير بحيرتي و محنتي و شهوتي و سوأتي،تعلم ضلالتي و عمايتي و فاقتي،و ما قبح من صفاتي،آمنت بك و بأسمائك و صفاتك،و بمحمّد رسولك،فمن ذا الذي يرحمني غيرك؟و من ذا الذي يسعدني سواك؟فارحمني و أرني سبيل الرّشد،و اهدني إليه سبيلا،و أرني سبيل الغيّ، و جنّبني إيّاه سبيلا،و أصحبني منك الحقّ و النور و الحكم،و الفصل (1)،و البيان، و احرسني بنورك،يا اللّه،يا نور،يا حقّ يا مبين.

*و من دعاء بعضهم:اللّهمّ،عافني من الحقد و من الحسد،و من الرّياء،و من العجب و من الكبر،و من الكرب و من الأمل،و من الغضب و من الاستعجال و من الغيبة،و من النّميمة و من الكذب،و من التّصنّع و من السّمعة و من الخيلاء،و من الشّحّ و من النّفاق، و من خشية الإملاق،اللّهمّ،ارزقني قول الحقّ،و قبول الحقّ،و الإصغاء إلى الحقّ، و الانتفاع بالحقّ،إنّك على كلّ شيء قدير،و صلّى اللّه على سيدنا محمد،و على آله و صحبه و سلّم تسليما.

*و قيل:تعلّق شابّ بأستار الكعبة،و قال:إلهي،لا لك شريك فيؤتى،و لا وزير فيرشى،إن أطعتك فبفضلك،و لك الحمد،و إن عصيتك فبجهلي و لك الحجّة عليّ، فبإثبات حجّتك عليّ،و انقطاع حجّتي لديك إلاّ غفرت لي.فسمع هاتفا يقول:الفتى عتيق من النار.

و الحكايات في ذلك تطول،و تخرجنا عمّا نحن له قاصدون.

***ل.

ص: 241


1- في المطبوع:و الفضل.

الباب التاسع

في فضل الاستغفار،و الندب إليه

قال اللّه تعالى: وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ [غافر:55].

و قال سبحانه: وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:110].

و قال تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33].

و قال سبحانه و تعالى: وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود:3].

و قال تعالى إخبارا عن نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً...

الآيات[نوح:10].

و قال سبحانه: وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ [آل عمران:17].

و قال سبحانه و تعالى: وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ [الحشر:10].

و الآيات في الاستغفار كثيرة شهيرة.

و أمّا الأحاديث فخارجة عن الحصر،و نذكر في هذا الباب عشرة أحاديث،منها:

الحديث الأول:روينا في«صحيح مسلم»عن الأغرّ المزني الصّحابي رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّه ليغانّ على قلبي،و إنّي لأستغفر اللّه في اليوم مائة مرّة» (1).

ص: 242


1- مسلم(2702)في الذكر،باب استحباب الاستغفار. «ليغان»:ليغطى و يغشى،و المراد به السهو لأنه صلى اللّه عليه و سلم كان لا يزال في مزيد من الذكر و القربة

الحديث الثاني:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال:كنّا نعدّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في المجلس الواحد مائة مرّة:«ربّ اغفر لي و تب عليّ،إنّك أنت التّواب الرحيم» (1).قال الترمذي:حديث صحيح.

الحديث الثالث:روينا في«صحيح البخاري»عن شدّاد بن أوس رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«سيّد الاستغفار أن يقول العبد:اللّهمّ،أنت ربّي لا إله إلاّ أنت،خلقتني و أنا عبدك،و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت،أعوذ بك من شرّ ما صنعت،أبوء لك بنعمتك عليّ،و أبوء بذنبي،فاغفر لي؛فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت،من قالها من النّهار موقنا بها،فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة،و من قالها من الليل و هو موقن بها،فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة» (2).

قوله:«أبوء»بضم الباء،و بعد الواو و همزة ممدودة،و معناه أقرّ و أعترف.

الحديث الرابع:روينا في«سنن ابي داود»و«الترمذي»عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من قال:أستغفر اللّه الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم و أتوب إليه،غفرت له ذنوبه،و إن كان قد فرّ من الزحف» (3).

و رواه الحاكم أبو عبد اللّه،و قال:حديث صحيح على شرط البخاريّ و مسلم (4).

الحديث الخامس:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«و الذي نفسي بيده،لو لم تذنبوا لذهب اللّه تعالى بكم،و لجاء بقوم يذنبون،فيستغفرون اللّه تعالى فيغفر لهم» (5).ر.

ص: 243


1- و دوام المراقبة،فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات أو نسي عده ذنبا على نفسه ففزع إلى الاستغفار.
2- البخاري 83/11 في الدعوات،باب أفضل الاستغفار.
3- رواه الترمذي(3572)في الدعوات،باب في دعاء الضعيف،و أبو داود(1517)في الصلاة،باب في الاستغفار.
4- المستدرك 511/1.
5- مسلم(2749)في التوبة،باب سقوط الذنوب بالاستغفار.

الحديث السادس:روينا في«كتاب الترمذي»عن أنس رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«قال اللّه تعالى:يا ابن آدم،إنّك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي،يا بن آدم،لو بلغت ذنوبك عنان السّماء،ثم استغفرتني غفرت لك[و لا أبالي]يا ابن آدم،لو أتيتني بقراب الأرض خطايا،ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» (1).قال الترمذي:حديث حسن.

و«عنان السماء»بفتح العين،قيل هو السحاب،و قيل ما عنّ لك منها،أي ظهر.

و«قراب الأرض»بضم القاف،و روي بكسرها،و الضمّ أشهر:ما يقارب ملأها.هكذا ذكره الإمام النواوي رضي اللّه عنه (2).

الحديث السابع:روينا في الصّحيحين عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يكثر أن يقول قبل موته:«سبحان اللّه و بحمده،أستغفره و أتوب إليه» (3).

الحديث الثامن:روينا في«صحيح مسلم»عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«يا معشر النّساء،تصدّقن،و أكثرن من الاستغفار،فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النار»قالت امرأة:ما لنا أكثر أهل النار؟قال:«تكثرن اللّعن،و تكفرن العشير،ما رأيت من ناقصات عقل و دين أغلب لذي لبّ منكنّ»قالت:ما نقصان العقل و الدين؟قال:«شهادة امرأتين بشهادة رجل،و تمكث الأيام لا تصلّي» (4).

قال العلماء:يعني بالعشير الزوج،و المراد بالكفران جحد الإحسان.

الحديث التاسع:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من جلس في مجلس،و كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك:

سبحانك اللّهمّ و بحمدك،أشهد أن لا إله إلاّ أنت،أستغفرك و أتوب إليك،إلاّ غفر لهت.

ص: 244


1- الترمذي(3534)في الدعوات،باب(106).
2- الأذكار 453 في كتاب الاستغفار.
3- رواه البخاري 564/8 في التفسير،باب تفسير سورة إذا جاء نصر اللّه،و مسلم(484)في الصلاة، باب ما يقال في الركوع و السجود.
4- مسلم(79)في الإيمان،باب بيان نقصان الإيمان بنقصان الطاعات.

ما كان في مجلسه ذلك» (1).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

*و روينا نحوه في«سنن أبي داود»من رواية أبي برزة (2)،و روى نحوه الحاكم في «المستدرك» (3)من رواية عائشة رضي اللّه عنها،و قال:صحيح الإسناد.

الحديث العاشر:روينا في«سنن أبي داود»عن ابن عباس رضي اللّه عنهما،قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من لزم الاستغفار جعل اللّه له من كلّ ضيق مخرجا،و من كلّ همّ فرجا، و رزقه من حيث لا يحتسب».و رواه ابن ماجة أيضا (4).

*و كان الشيخ أبو عبد اللّه القرشي رضي اللّه عنه يقول:اللّهمّ،إنّا نستغفرك من كلّ ذنب أذنبناه،استعمدناه أو جهلناه،و نستغفرك من كلّ ذنب تبنا إليك منه ثم عدنا فيه، و نستغفرك من الذّنوب التي لا يعلمها غيرك،و لا يسعها إلاّ حلمك،و نستغفرك من كلّ ما دعت إليه نفوسنا من قبل الرّخص،فاشتبه علينا،و هو عندك حرام،و نستغفرك من كلّ عمل عملناه لوجهك فخالطه ما ليس لك فيه رضا،لا إله إلاّ أنت يا أرحم الرّاحمين.

***ر.

ص: 245


1- الترمذي(3429)في الدعوات،باب ما يقول الرجل إذا قام من مجلسه.
2- أبو داود(4859)في الأدب،باب في كفارة المجلس.
3- المستدرك 537/1.
4- رواه أبو داود(1518)في الصلاة،باب في الاستغفار،و ابن ماجة(3819)في الأدب،باب الاستغفار.

الباب العاشر

في أحاديث في الترغيب و الترهيب

و حقارة الدنيا،و فضل المساكين و الفقراء،و الاستعداد للموت،و الصّبر على البلاء، و غير ذلك ممّا يناسب النّاسك،و جملتها ثلاثة و سبعون حديثا:

الحديث الأول:روينا في«كتاب الترمذي»عن معاذ رضي اللّه عنه قال:قلت:

يا رسول اللّه،أخبرني بعمل يدخلني الجنّة،و يباعدني من النار.قال:«لقد سألتني عن عظيم،و إنّه ليسير على من يسّره اللّه عليه؛تعبد اللّه و لا تشرك به شيئا،و تقيم الصّلاة،و تؤتي الزّكاة،و تصوم رمضان؛و تحجّ البيت»ثم قال:«أ لا أدلّك على أبواب الخير؟الصّوم جنّة، و الصّدقة تطفىء الخطيئة كما يطفئ الماء النّار،و صلاة الرّجل في جوف الليل ثم تلا:

تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ(16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17]،ثم قال:«أ لا أخبرك برأس الأمر كلّه و عموده و ذروة سنامه؟»[قلت:بلى يا رسول اللّه.قال:]«رأس الأمر الإسلام،و عموده الصّلاة،و ذروة سنامه الجهاد»ثم قال:«أ لا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟»قلت:بلى يا رسول اللّه.فأخذ بلسانه،و قال:«كفّ عليك هذا»فقلت:يا نبيّ اللّه،و إنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟فقال:«ثكلتك أمّك[يا معاذ]و هل يكبّ الناس في النّار على وجوههم-أو على مناخرهم-إلا حصائد ألسنتهم» (1).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

*و أنشدوا (2):

احفظ لسانك أيّها الإنسان لا يلدغنّك إنّه ثعبان

ص: 246


1- الترمذي(2619)في الإيمان،باب ما جاء في حرمة الصلاة.
2- في مناقب الشافعي للبيهقي 87/2:قال الشافعي:كنت في اليمن،فقرأت على باب صنعاء أو عدن،و ذكر البيتين.

كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الأقران

الحديث الثاني:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن ابن عباس رضي اللّه عنهما،قال:

كنت خلف النّبيّ صلى اللّه عليه و سلم يوما فقال:«يا غلام إنّي أعلّمك كلمات،احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده تجاهك،إذا سألت فاسأل اللّه،و إذا استعنت فاستعن باللّه،و اعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء،لم ينفعوك إلاّ بشيء قد كتبه اللّه لك،و إن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء،لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه اللّه عليك،رفعت الأقلام،و جفّت الصّحف» (1).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

و في رواية غير الترمذي زيادة:«احفظ اللّه تجده أمامك،تعرّف إلى اللّه في الرّخاء يعرفك في الشدّة،و اعلم أنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك،و ما أصابك لم يكن ليخطئك، و اعلم أنّ النّصر مع الصّبر،و أنّ الفرج مع الكرب،و أنّ مع العسر يسرا».

*و أنشدوا:

متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده (2) يصبه و ما للعبد ما يتخيّر

و قد يهلك الإنسان في وسط أمنه و ينجو بحمد اللّه من حيث يحذر

*و أنشدوا أيضا (3):

و كم للّه من لطف خفيّ يدقّ خفاه عن فهم الذّكيّ

و كم يسر أتى من بعد عسر ففرّج كربة القلب الشّجيّ

و كم أمر تساء به صباحا و تأتيك المسرّة بالعشيّ

إذا ضاقت بك الأحوال يوما فثق بالواحد الصّمد العليّ

تمسّك بالنبيّ و كلّ صعب يهون إذا تمسّك بالنبيّ

(4) الحديث الثالث:روينا في«صحيح البخاري»عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال:أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بمنكبي و قال:«كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل»و كان ابن عمري.

ص: 247


1- الترمذي(2518)في صفة القيامة،باب(60).
2- في الأصول و المطبوع:متى يرد،و أثبت ما يناسب الوزن.
3- الأبيات لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.الديوان 106 بزيادة بيت.
4- في الديوان:توسّل بالنبي...توسّل بالنبي.

يقول:إذا أمسيت فلا تنتظر الصّباح،و إذا أصبحت فلا تنتظر المساء،و خذ من صحّتك لمرضك،و من حياتك لموتك (1).

*قال العلماء رضي اللّه عنهم في شرح هذا الحديث:معناه لا تركن إلى الدّنيا، و لا تتّخذها وطنا،و لا تحدّث نفسك بطول البقاء فيها،و بالاعتناء بها،و لا تتعلّق منها بما لا يتعلّق به الغريب في غير وطنه،و لا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذّهاب إلى أهله.

*و أنشدنا بعض شيوخنا لبعضهم رحمهم اللّه و رضي اللّه عنهم،و نفع بهم:

أيا فرقة الأحباب لا بدّ لي منك و يا دار دنيا إنّني راحل عنك

و يا قصر الأيام ما لي و للمنى و يا سكرات الموت ما لي و للضّحك

و ما لي لا أبكي لنفسي بعبرة إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي

ألا أيّ حيّ ليس بالموت موقنا و أيّ يقين منه أشبه بالشكّ

الحديث الرابع:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«يدخل الفقراء الجنّة قبل الأغنياء بخمس مائة عام» (2).قال الترمذي:

حديث حسن صحيح.

*و كان بعض الفقراء الواجدين،يغنّي و يبكي،و يقول في غنائه:

قال لنا حبيبنا ال يوم لهم و غد لنا

الحديث الخامس:روينا في«صحيح مسلم»عن جابر رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرّ بالسّوق،و النّاس كنفته،فمرّ بجدي أسكّ ميّت،فتناوله،و أخذ بأذنه،ثم قال:«أيّكم يحبّ أنّ هذا له بدرهم؟»فقالوا:ما نحبّ أنّه لنا بشيء،و ما نصنع به؟قال:«أ تحبّون أنّه لكم؟»قالوا:و اللّه،لو كان حيّا كان عيبا،لأنّه أسكّ،فكيف و هو ميت؟!فقال:«و اللّه للدّنيا أهون على اللّه من هذا عليكم» (3).

و معنى«كنفته»:عن جانبيه.و الأسكّ:الصّغير الأذن.ه.

ص: 248


1- أخرجه البخاري 202/11 في الرقاق،باب في الأمل و طوله،و الترمذي(2335)في الزهد،باب ما جاء في قصر الأمل.
2- الترمذي(2354)في الزهد،باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم.
3- رواه مسلم(2957)في الزهد و الرقائق،أو له.

*و أنشد بعضهم:

أما لو بيعت الدّنيا بفلس أنفت لعاقل أن يشتريها

الحديث السّادس:روينا في«كتاب الترمذي»عن شدّاد بن أوس رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«الكيّس من دان نفسه،و عمل لما بعد الموت،و العاجز من أتبع نفسه هواها،و تمنّى على اللّه» (1)قال الترمذي:حديث حسن.

قال هو و غيره من العلماء:معنى«دان نفسه»:حاسبها.

*و أنشد بعضهم:

و سائل عنهم ما ذا يقدّمهم فقلت فضل به عن غيرهم بانوا

صانوا النّفوس عن الفحشاء و ابتذلوا منهنّ في سبل العلياء ما صانوا

*و أنشد بعض العارفين:

على مثل حدّ السّيف نسري (2)إلى العلا فمن زاغ لا أرض تقلّ و لا سما

فمن فاز بالتّوفيق فاللّه صانه و لو لا جميل الصّنع و اللّطف ما نجا

(3)الحديث السابع:روينا في الصّحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال:قال رجل:أيّ الناس أفضل يا رسول اللّه؟قال:«مؤمن يجاهد بنفسه و ماله في سبيل اللّه».

قال:ثمّ من؟قال:«رجل يعتزل في شعب من الشّعاب،يعبد ربّه-و في رواية:«يتّقي اللّه» -و يدع النّاس من شرّه» (4).

*و أنشدوا:

أخصّ النّاس بالإيمان عبد خفيف الحاذ

(5) مسكنه القفار له في اللّيل حظّ من صلاة و من صوم إذا طلع النّهارل.

ص: 249


1- الترمذي(2461)في صفة القيامة،باب(26).
2- في المطبوع:تسري.
3- المثبت في روض الرياحين 57:ما نما.
4- رواه البخاري 4/6 في الجهاد،باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه،و مسلم(1888)في الإمارة،باب فضل الجهاد و الرباط.
5- الحاذ:قليل المال و العيال.

و قوت النّفس يأتي في كفاف و كان له على ذاك اصطبار

و فيه عفّة و به خمول إليه بالأصابع لا يشار

و قلّ الباكيات عليه لمّا قضى نحبا و ليس له يسار

فذلك قد نجا من كلّ شرّ و لم تمسسه يوم البعث نار

(1) الحديث الثامن:روينا في الصّحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه:إمام عادل،و شابّ نشأ في عبادة اللّه عزّ و جلّ،و رجل قلبه معلّق بالمسجد[إذا خرج منه حتى يعود إليه]،و رجلان تحابّا في اللّه، اجتمعا عليه،و تفرّقا عليه،و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال،فقال:إنّي أخاف اللّه، و رجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه،و رجل ذكر اللّه خاليا ففاضت عيناه» (2).

الحديث التاسع:روينا في«صحيح البخاري»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إنّ اللّه تعالى قال:من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب،و ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه،و ما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به،و بصره الذي يبصر به،و يده التي يبطش بها،و رجله التي يمشي بها،و إن سألني أعطيته،و لئن استعاذني لأعيذنّه» (3).

روي:«استعاذني»و«استعاذ بي»بالنون و بالباء.

و«آذنته»:أعلمته،بأنّي محارب له.

*و أنشدنا بعض شيوخنا لبعضهم:

من اعتزّ بالمولى فذاك جليل فمن رام عزّا من سواه ذليل

و لو أنّ نفسي مذ براها مليكها مضى عمرها في سجدة لقليلع.

ص: 250


1- روض الرياحين صفحة 33.
2- رواه البخاري 119/2-124 في الجماعة،باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة،و مسلم (1031)في الزكاة،باب فضل إخفاء الصدقة.
3- رواه البخاري 292/11 في الرقاق،باب التواضع.

أحبّ مناجاة الحبيب بأوجه و لكن لسان المذنبين كليل

(1) الحديث العاشر:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة أيضا رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ربّ أشعث مدفوع بالأبواب،لو أقسم على اللّه لأبرّه» (2).

و فيهم قلت في أرجوزة مثلّثة:

للّه قوم في الحمى كرام مستيقظون و الورى نيام

أولو مقامات علّت و أحوال دارت عليهم في الهوى كئوس نور البريا للهدى شموس

ليسوا كشمس في السما أفّال خلعات مولاهم عليهم زهر تزهو و بين الخلق شعث غبر

ما أحمر الكبريت يدري جهال (3)مع حبّه أعطاهم المعارف إن أقسموا يوما أبرّ الحالف

أحبّة أدلوا بكلّ دلال (4)الحديث الحادي عشر:روينا في الصّحيحين عن سهل بن سعد السّاعدي رضي اللّه عنه قال:مرّ رجل على النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال لرجل عنده جالس:«ما رأيك في هذا؟»فقال:هذا رجل من أشراف النّاس،هذا و اللّه حريّ إن خطب أن ينكح،و إن شفع أن يشفّع.فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،ثم مرّ رجل آخر،فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ما رأيك في هذا؟»قال:

يا رسول اللّه،هذا رجل من فقراء المسلمين،هذا حريّ إن خطب أن لا ينكح،و إن شفع أن لا يشفّع،و إن قال ألاّ يسمع لقوله.فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» (5).ن.

ص: 251


1- روض الرياحين 32.
2- مسلم(2622)في البر و الصلة،باب فضل الضعفاء و الخاملين.
3- في هامش(أ):أحمر:معمول يدري،جهال:فاعل.
4- روض الرياحين:32.
5- رواه البخاري 117/9 في النكاح،باب الأكفاء في الدين و هذا الحديث لم يروه مسلم.و كأن منشأ الخطأ نقل المؤلف الحديث من جامع الأصول 230/9(67250)فقد ذكره ابن الأثير و أشار إلى روايته في الصحيحين.

*و أنشد بعضهم:

لعمرك ما الإنسان إلاّ ابن دينه فلا تترك التّقوى اتّكالا على النّسب

فقد رفع الإسلام سلمان فارس و قد وضع الشّرك الحسيب أبا لهب

الحديث الثاني عشر:روينا في الصّحيحين أيضا عن أسامة بن زيد رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«قمت على باب الجنة،فكان عامّة من دخلها المساكين،و أصحاب الجدّ (1)محبوسون،غير أنّ أصحاب النّار قد أمر بهم إلى النّار،و قمت على باب النّار، فإذا عامّة من دخلها النساء» (2).

و في وعظ النّساء المذكورات،و مدح الحور المليحات.قلت في بعض القصيدات:

إلى كم إلى ليلى و نعمان و النّقا و بيض العوالي لا تزال مشوّقا

(3) تغزّل في غزلان روض رضيّة بنظم القوافي مطربا متأنّقا

و تطري حماما حام حول حمائه حمام حمى ذاك الحمى أن يطرقا

و تمدح بدرا حلّ في أيمن الحمى به القلب أمسى والها و معلّقا

تهيّج أشجانا و تقتل مغرما و تدعو إلى بحر الهوى لتغرّقا

أ لم تدر أنّ الموت لا شكّ نازل و بين الأحبّا لا يزال مفرّقا

دع القول في فان و قل في مشوّق إلى جنّة الفردوس و الحور و البقا

و لقيا حسان ناعمات منعّم بهنّ سعيد سعد ذلك من لقا

كواعب أتراب زهت في خيامها بظلّ نعيم قطّ ما مسّها شقا

كدرّ و ياقوت و بيض نعامة كساها البها و النّور و الحسن رونقا

مليحات أوصاف تعالت صفاتها عن الوصف فوق المرتقى و صفها رقى

تغنّي بما لا يسمع الخلق مثله و قد حبرت صوتا رخيما مشوّقا

(4)ط.

ص: 252


1- أصحاب الجدّ:أصحاب الغنى و الوجاهة،و قيل أصحاب الولايات.
2- رواه البخاري 361/11 في الرقاق،باب صفة الجنة و النار،و مسلم(2736)في الرقاق،باب أكثر أهل الجنة الفقراء.
3- هنا ينتهي خرم نسخة(ب)الذي بدأ صفحة(220).
4- هذا البيت و اللذان يلياه من المطبوع فقط.

غناهنّ نحن الخالدات فقطّ لا نبيد و نحن النّاعمات بلا شقا

و لا سخط و الرّاضيات بنا المنى فطوبى لمن كنّا له من أولي التّقى

(1) و قل للغواني من أرادت سعادة و توقى عذابا بالنّسا صار محدقا

فأكثر أهل النّار هنّ حقيقة روينا حديثا فيه صدقا مصدّقا

تخلّي التّباهي تبدل اللّهو بالبكا و تبذل كلّ الجهد في الزّهد و التّقى

و تعتاض عن لين بدنيا خشونة و عن يابس في الدّين أخضر مورقا

رعى اللّه غزلانا تبيت قوانتا و يصبح منها القلب بالخوف محرقا

تظلّ عن المرعى الخصيب صوائما و يمسي سمين البطن بالظّهر ملصقا

ترى بين عين و السّهاد تواصلا و بين الكرى و العين منها تفرّقا

و بين معاء و الغذاء تقاطعا و بين الخلوف المسك و الثّغر ملتقى

ترى ناحلات قارئات مصاحفا و لؤلؤ بحر البدر في الورد مشرقا

فدتها من الآفات كلّ نفوس من تخالفها في الوصف غربا و مشرقا

(2) الحديث الثالث عشر:روينا في الصحيحين أيضا عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ الأكثرين هم الأقلّون يوم القيامة،إلا من قال هكذا و هكذا و هكذا،عن يمينه و عن شماله و عن خلفه،و قليل ما هم» (3).هذا بعض حديث طويل.

الحديث الرابع عشر:روينا في«صحيح مسلم»عن ابن عمر رضي اللّه عنهما،قال:

كنّا[جلوسا]مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذ جاءه رجل من الأنصار،فسلّم عليه،ثمّ أدبر الأنصاري، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«يا أخا الأنصار،كيف[أخي]سعد بن عبادة؟»فقال:صالح.فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من يعوده منكم؟»فقام و قمنا معه،و نحن بضعة عشر،ما علينا نعال و لا خفاف،و لا قلانس،و لا قمص،نمشي في تلك السّباخ (4)حتى جئناه،فاستأخر قومهر.

ص: 253


1- انظر حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رقم عن علي رضي اللّه عنه صفحة 276 رقم(69).
2- روض الرياحين صفحة 35.
3- رواه البخاري 460/11 في الأيمان،باب كيف كانت يمين النبي صلى اللّه عليه و سلم،و مسلم(990)في الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة.
4- السباخ:الأرض التي تعلوها الملوحة،و لا تكاد تنبت إلا بعض الشجر.

من حوله،حتى دنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه الذين معه (1).

و أنشد لسان حال السادات ذوي الفضائل قول القائل (2):

إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه فكلّ رداء يرتديه جميل

و إن هو لم يحمل على النّفس ضيمها فليس على حسن الثّناء سبيل

الحديث الخامس عشر:روينا في«صحيح البخاري»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصليّة (3)،فدعوه،فأبى أن يأكل و قال:خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الدّنيا و لم يشبع من خبز الشّعير (4).

الحديث السادس عشر:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«كيف أنعم و صاحب القرن قد التقم القرن،و استمع الأذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ؟!»فكأنّ ذلك ثقل على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،فقال لهم:

«قولوا:حسبنا اللّه و نعم الوكيل[على اللّه توكّلنا]» (5)قال الترمذي:حديث حسن.

القرن:هو الصور.

الحديث السابع عشر:روينا في الصحيحين عن أنس رضي اللّه عنه قال:خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خطبة ما سمعت مثلها قطّ،فقال:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، و لبكيتم كثيرا»فغطّى أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و سلم وجوههم لهم خنين (6).

الخنين:بالخاء المعجمة:هو البكاء مع غنّة،و انتشاق الصوت من الأنف.م.

ص: 254


1- رواه مسلم(925)في الجنائز،باب البكاء على الميت.
2- البيتان للسموأل.انظر الديوان.
3- مصلية:مشوية.
4- رواه البخاري 478/9 في الأطعمة،باب ما كان النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه يأكلون.
5- الترمذي(2433)في صفة القيامة،باب ما جاء في شأن الصور.
6- رواه البخاري 211/8 في تفسير سورة المائدة،باب قوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101].و مسلم(2359)في الفضائل،باب توقيره صلى اللّه عليه و سلم.

*و للّه در القائل (1):

و كيف قرّت لأهل العلم أعينهم أو استلذّوا لذيذ النّوم إذ هجعوا

(2) و الموت ينذرهم جهرا علانية لو كان للقوم أسماع لقد سمعوا

و النار ضاحية لا بدّ موردها و ليس يدرون من ينجو و من يقع

الحديث الثامن عشر:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إني أرى ما لا ترون[و أسمع ما لا تسمعون]،أطّت السماء،و حقّ لها أن تئطّ،ما فيها موضع أربع أصابع إلاّ و ملك واضع جبهته،ساجدا للّه تعالى،و اللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا،و ما تلذّذتم بالنّساء على الفرش،و لخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى اللّه تعالى» (3).قال الترمذي:حديث حسن.

«أطّت»:بفتح الهمزة،و تشديد الطّاء،و«تئطّ»:بفتح التاء و بعدها همزة مكسورة، و الأطيط صوت الرّحل و القتب،و شبههما،و معناه:أنّ كثرة من في السماء من الملائكة العابدين قد أثقلتها حتى أطّت.

و«الصّعدات»:بضم الصّاد،و العين:الطرقات.

و معنى«تجأرون»:تستغيثون.هكذا فسره العلماء.

الحديث التاسع عشر:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأله اللّه عن أربع (4):عن عمره فيم أفناه؟و عن علمه ما عمل به؟و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه؟و عن جسمه فيم أبلاه» (5).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

و في بعض النّسخ:«لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره..»الحديث.و قال فيه:

«و عن عمله فيما فعل»بدلا من«و عن علمه ما عمل به».).

ص: 255


1- الأبيات لعبد اللّه بن المبارك.الديوان صفحة 53.
2- في(أ):أو هجعوا.
3- الترمذي(2313)في الزهد،باب قوله صلى اللّه عليه و سلم:«لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا».
4- في(أ):حتى يسأل عن أربع.
5- الترمذي(2419)في صفة القيامة،باب(1).

الحديث العشرون:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من خاف أدلج،و من أدلج بلغ المنزل،ألا إنّ سلعة اللّه غالية،ألا إنّ سلعة اللّه الجنة» (1).قال الترمذي:حديث حسن.

«أدلج»:بإسكان الدال،و معناه سار من أوّل الليل،و المراد التّشمير في طاعة اللّه تعالى.

الحديث الحادي و العشرون:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا،عن عمر رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«لو أنّكم[كنتم]تتوكّلون على اللّه حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطّير،تغدو خماصا،و تروح بطانا» (2).قال الترمذي:حديث حسن.

الحديث الثاني و العشرون:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدّنيا نفّس اللّه عنه كربة من كرب يوم القيامة،و من يسّر على معسر يسّر اللّه عليه في الدّنيا و الاخرة،و من ستر مسلما ستره اللّه في الدنيا و الاخرة،و اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه،و من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل اللّه له به طريقا إلى الجنة،و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه يتلون كتاب اللّه تعالى و يتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السّكينة،و غشيتهم الرّحمة،و حفّتهم الملائكة،و ذكرهم اللّه فيمن عنده،و من بطّأ به عمله،لم يسرع به نسبه» (3).

الحديث الثالث و العشرون:روينا في الصّحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه،أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّما مثل الجليس الصّالح و الجليس السّوء،كحامل المسك و نافخ الكير،فحامل المسك إمّا أن يحذيك،و إمّا أن تبتاع منه،و إمّا أن تجد منه ريحا طيّبة، و نافخ الكير إمّا أن يحرق ثيابك،و إمّا أن تجد منه ريحا منتنة» (4).

و معنى«يحذيك»:يعطيك.ن.

ص: 256


1- الترمذي(2452)في صفة القيامة،باب من خاف أدلج.
2- الترمذي(2345)في الزهد،باب(33). و الخماص:الجياع الخاليات البطون. و البطان:الشباع الممتلئات البطون.
3- مسلم(2699)في الذكر و الدعاء،باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن و الذكر.
4- رواه البخاري 271/4 في البيوع،باب في العطاء و بيع المسك،و مسلم(2628)في البر،باب استحباب مجالسة الصالحين.

*و أنشد بعض الأخيار:

تجنّب قرين السّوء و اصرم حباله و إن لم تجد عنه محيصا فداره

و أحبب حبيب الصّدق و اترك مراءه تنل منه صفو الودّ ما لم تماره

و للّه في عرض السّماوات جنّة و لكنّها محفوفة بالمكاره

الحديث الرابع و العشرون:روينا في«كتاب الترمذي»عن معاذ رضي اللّه عنه،قال:

سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«قال اللّه عزّ و جلّ:المتحابّون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النّبيون و الشّهداء» (1).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

*و في«موطأ الإمام مالك»رضي اللّه عنه بإسناده الصّحيح:«يقول اللّه تبارك و تعالى:

وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ،و المتجالسين فيّ،و المتزاورين فيّ،و المتباذلين فيّ» (2).

الحديث الخامس و العشرون:روينا في الصّحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه،أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«المرء مع من أحبّ».

و في رواية قال:قيل للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم:الرجل يحبّ القوم و لمّا يلحق بهم.قال:«المرء مع من أحبّ» (3).

*و أنشد بعضهم:

أحبّ الصّالحين و لست منهم لعلّ اللّه ينفعني بذاكا

الحديث السادس و العشرون:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«الرّجل على دين خليله،فلينظر أحدكم من يخالل» (4).قال الترمذي:حديث حسن.س.

ص: 257


1- الترمذي(2391)في الزهد،باب ما جاء في الحب في اللّه.
2- الموطأ 953/2 في الشعر،باب ما جاء في المتحابين في اللّه.
3- رواه البخاري 461/10 في الأدب،باب علامة حب اللّه عزّ و جلّ،و مسلم(2640)في البر و الصلة،باب المرء مع من أحب.
4- الترمذي(2379)في الزهد،باب الرجل على دين خليله،و أبو داود(4833)في الأدب،باب من يؤمر أن يجالس.

الحديث السابع و العشرون:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أيضا قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (1).قال الترمذي:

حديث حسن.و أخرجه ابن ماجة أيضا (2).

الحديث الثامن و العشرون:روينا في الصّحيحين عن النّعمان بن بشير رضي اللّه عنهما،قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«إنّ الحلال بيّن،و إنّ الحرام بيّن،و بينهما [أمور]مشتبهات،لا يعلمهنّ كثير من الناس،فمن اتّقى الشّبهات،فقد استبرأ لدينه و عرضه،و من وقع في الشّبهات وقع في الحرام،كالرّاعي يرعى حول الحمى،يوشك أن يرتع فيه (3)،ألا و إنّ لكلّ ملك حمى،ألا و إنّ حمى اللّه تعالى محارمه،ألا و إنّ في الجسد مضغة،إذا صلحت صلح الجسد كلّه،و إذا فسدت فسد الجسد كلّه،ألا و هي القلب» (4).

الحديث التاسع و العشرون:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي ذرّ و معاذ رضي اللّه عنهما،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«اتّق اللّه حيث ما كنت،و أتبع السيّئة الحسنة تمحها، و خالق النّاس بخلق حسن» (5).

قال الترمذي:حديث حسن.و في بعض النّسخ المعتمدة:حسن صحيح.

الحديث الثلاثون:روينا في«صحيح مسلم»عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال:

بينما نحن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب،شديد سواد الشّعر،لا يرى عليه أثر السّفر،و لا يعرفه منّا أحد،حتى جلس إلى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم،فأسند ركبتيه إلى ركبتيه،و وضع كفّيه على فخذيه،و قال:يا محمّد،أخبرني عن الإسلام،فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،و تقيم الصّلاة،و تؤتي الزكاة،و تصوم رمضان،و تحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا».قال:

صدقت يا محمد.فعجبنا له يسأله و يصدّقه،قال:فأخبرني عن الإيمان.قال:«أن تؤمنس.

ص: 258


1- الترمذي(2318)في الزهد،باب(11).
2- سنن ابن ماجة(3976)في الفتن،باب كف اللسان في الفتنة.
3- في المطبوع:يواقعه.
4- رواه البخاري 117/1 في الإيمان،باب فضل من استبرأ لدينه،و مسلم(1599)في المساقاة،باب أخذ الحلال و ترك الشبهات.
5- الترمذي(1988)في البر،باب ما جاء في معاشرة الناس.

باللّه،و ملائكته،و كتبه،و رسله،و اليوم الآخر،و تؤمن بالقدر خيره و شرّه».قال:

صدقت.قال:فأخبرني عن الإحسان.قال:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».قال:فأخبرني عن السّاعة.قال:«ما المسئول عنها بأعلم من السّائل».قال:

فأخبرني عن أماراتها.قال:«أن تلد الأمة ربّتها،و أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان».ثم انطلق،فلبثت مليا،ثم قال:«يا عمر،أ تدري من السائل؟».

قلت:اللّه و رسوله أعلم.قال:«فإنّه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم» (1).

و معنى:«تلد الأمة ربّتها»:أي سيدتها.و معناه:أن تكثر السّراري حتّى تلد الأمة السريّة بنتا لسيّدها،و بنت السيّد في معنى السيد،و قيل غير ذلك.

و«العالة»:الفقراء.

و قوله:«مليّا»:أي:زمانا طويلا،و كان ذلك ثلاثا.

الحديث الحادي و الثلاثون:روينا في الصّحيحين عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال:

حدّثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو الصّادق المصدوق:«إنّ أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوما نطفة،ثم يكون علقة مثل ذلك،ثم يكون مضغة مثل ذلك،ثم يرسل الملك،فينفخ فيه الرّوح،و يؤمر بأربع كلمات؛بكتب رزقه،و أجله،و عمله،و شقيّ أو سعيد،[ثم ينفخ فيه الروح]فوالذي لا إله غيره،إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتى ما يكون بينه و بينها إلاّ ذراع،فيسبق عليه الكتاب،فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها،و إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النّار،حتى ما يكون بينه و بينها إلاّ ذراع،فيسبق عليه الكتاب،فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها» (2).

الحديث الثاني و الثلاثون:روينا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:».

ص: 259


1- مسلم(8)في الإيمان،باب بيان الإيمان و الإسلام و الإحسان..
2- رواه البخاري 417/11 في القدر،باب في القدر،و مسلم(2643)في القدر،باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه. و للحديث رواية أخرى تبين معنى العمل،أخرج مسلم 2042/4(112)عن سهل بن سعد الساعدي أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس،و هو من أهل النار،و إنّ الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس و هو من أهل الجنة».

«إيّاكم و الظنّ،فإنّ الظنّ أكذب الحديث؛و لا تحسّسوا،و لا تجسّسوا (1)،و لا تنافسوا، و لا تحاسدوا،و لا تباغضوا،و لا تدابروا،و كونوا عباد اللّه إخوانا كما أمركم اللّه،المسلم أخو المسلم،لا يظلمه،و لا يخذله،و لا يحقره،التّقوى هاهنا،التّقوى هاهنا،التّقوى هاهنا-و يشير إلى صدره-بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم،كلّ المسلم على المسلم حرام:دمه،و عرضه،و ماله،إنّ اللّه لا ينظر إلى صوركم و أموالكم،و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم» (2).

و في رواية:«لا تحاسدوا،و لا تباغضوا،و لا تحسّسوا،و لا تجسّسوا،و لا تناجشوا، و كونوا عباد اللّه إخوانا».

و في رواية:«لا تقاطعوا،و لا تدابروا،و لا تباغضوا،و لا تحاسدوا،و كونوا عباد اللّه إخوانا».

و في رواية:«و لا تهاجروا،و لا يبع بعضكم على بيع بعض».

روينا جميع هذه الروايات في«صحيح مسلم»و روينا أكثرها في«صحيح البخاري» (3).

قلت:و جميع هذه المنهيات المذكورات في هذه الروايات يجمعها و غيرها من سائر التبعات ما نقل الإمام الحافظ السمعاني في كتابه«الذيل على تاريخ بغداد»في ترجمة الشيخ الإمام الشّيرازي رضي اللّه عنه،أنّ الشيخ أبا إسحاق رأى النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في النّوم،فقال له:يا رسول اللّه،إنّي أحبّ أن أروي عنك حديثا بغير واسطة،أو كما قال.فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و سلم:يا شيخ،من أراد السّلامة فليطلبها في سلامة غيره منه.و كان الشيخ أبو إسحاق يفرح بقول النبيّ صلى اللّه عليه و سلم له:يا شيخ.

*قلت:أشهد أنّ هذا لفظ نبويّ عزيز بديع البلاغة،جامع و جيز،لا يسمعه لبيب إلاّ اعترف و سلّم أنّه من جوامع الكلم،التي أوتيها صلى اللّه عليه و سلم.س.

ص: 260


1- التجسس بالجيم:طلب الخبر لغيرك،و بالحاء طلبه لنفسك.جامع الأصول 526/6(4731).
2- في الأصل و المطبوع:«لا ينظر إلى أجسامكم و لا صوركم و أعمالكم،و لكن ينظر إلى قلوبكم» و المثبت من صحيح مسلم.
3- رواه البخاري 171/9 في النكاح،باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع.و مسلم (2563)في البر و الصلة،باب تحريم الظن و التجسس.

الحديث الثالث و الثلاثون:روينا في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«ما يصيب المسلم من نصب،و لا وصب،و لا همّ و لا حزن،و لا أذى و لا غمّ حتى الشّوكة يشاكها إلا كفّر اللّه بها خطاياه» (1).

الحديث الرابع و الثلاثون:روينا في الصحيحين أيضا عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«عرضت عليّ الأمم،فرأيت النبيّ و معه الرّهيط،و النبيّ معه الرّجل أو الرجلان،و النبيّ ليس معه أحد،إذ رفع لي سواد عظيم،فظننت أنّهم أمّتي، فقيل لي:هذا موسى و قومه؛و لكن انظر إلى الأفق،فنظرت،فإذا سواد عظيم،فقيل لي:

انظر إلى الأفق الآخر،فإذا سواد عظيم،فقيل:هذه أمّتك،و معهم سبعون ألفا يدخلون الجنّة بغير حساب و لا عذاب».ثم نهض فدخل منزله،فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنّة بغير حساب و لا عذاب،فقال بعضهم:فلعلّهم الذين صحبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.و قال بعضهم:فلعلّهم الذين ولدوا في الإسلام،فلم يشركوا باللّه شيئا، و ذكروا أشياء،فخرج عليهم النبيّ صلى اللّه عليه و سلم فقال:«ما الذي تخوضون فيه؟»فأخبروه،فقال:

«هم الذين لا يرقون،و لا يسترقون،و لا يتطيّرون،و على ربّهم يتوكّلون»فقام عكّاشة بن محصن فقال:ادع اللّه أن يجعلني منهم.فقال:«أنت منهم»ثم قام رجل آخر فقال:

ادع اللّه أن يجعلني منهم.فقال:«سبقك بها عكاشة» (2).

و«الرّهيط»:تصغير الرّهط،و هم دون عشرة أنفس.

و«الأفق»:النّاحية،و الجانب.

و«عكّاشة»:بضم العين،و تشديد الكاف و تخفيفها،و التشديد أصحّ.

و في رواية في«صحيح مسلم»:«سبعون ألفا،مع كلّ واحد منهم سبعون ألفا» (3).ب.

ص: 261


1- رواه البخاري 91/10 في المرضى،باب ما جاء في كفارة المرض،و مسلم(2573)في البر،باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض. النصب:التعب،و الوصب المرض.
2- رواه البخاري 179/10 في الطب،باب من لم يرق،و مسلم(220)في الإيمان،باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب.
3- لم أجده في صحيح مسلم،و هو في شرح مسلم للنووي 89/3 و في فتح الباري 413/11(6176) في الرقاق،باب قوله:يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب.

*قلت:فعلى هذا يكون عدد من يدخل الجنة بغير حساب و لا عذاب أربعة آلاف ألف ألف و تسع مائة ألف ألف (1).

نسأل اللّه الكريم من فضله العظيم لنا و لأحبابنا و للمسلمين،و أن يعاملنا جميعا بمحض الفضل،و لا يعاملنا بما نحن له أهل،مع العفو و العافية في الدّنيا و الاخرة.آمين.

الحديث الخامس و الثلاثون:روينا في«صحيح مسلم»أنّ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم:أ فيكم أويس بن عامر؟حتى أتى على أويس رضي اللّه عنه،فقال:أنت أويس بن عامر؟قال:نعم.قال:من مراد ثم من قرن؟قال:

نعم.قال:فكان بك برص،فبرأت منه إلاّ موضع درهم؟قال:نعم.قال:لك والدة؟ قال:نعم.قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن،من مراد ثم من قرن،كان به برص،فبرأ منه إلاّ موضع درهم،له والدة هو بها برّ، لو أقسم على اللّه لأبرّه،فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل»فاستغفر لي،فاستغفر له، فقال له عمر:أين تريد؟قال:الكوفة.قال:أ لا أكتب لك إلى عاملها؟قال:لا،أكون في غبراء النّاس أحبّ إليّ،فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم،فوافق عمر، فسأله عن أويس،قال:تركته رثّ البيت قليل المتاع.

و هذا بعض الحديث،و في آخره:ففطن له النّاس،فانطلق على وجهه.

و في رواية لمسلم عن عمر قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«إنّ خير التّابعين رجل يقال له أويس،و له والدة،و كان به بياض،فمروه،فليستغفر لكم» (2).

قوله:غبراء النّاس:بفتح الغين المعجمة،و إسكان الباء الموحدة،و بالمد،و هم فقراؤهم و صعاليكهم،و من لا يعرف عينه من أخلاطهم.

و الأمداد:جمع مدد،و هم الأعوان،و الناصر،و الذين كانوا يمدّون المسلمين في الجهاد.

الحديث السادس و الثلاثون:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن عمر بن خطابي.

ص: 262


1- أي أربع مليارات و تسع مائة مليون.و في(أ)و المطبوع:تسع مائة ألف ألف و سبعين ألفا.
2- مسلم(2542)في فضائل الصحابة،باب من فضائل أويس القرني.

رضي اللّه عنه قال:استأذنت النبيّ صلى اللّه عليه و سلم في العمرة،فأذن لي،و قال:«لا تنسنا يا أخيّ من دعائك»فقال كلمة ما يسرّني أن لي بها الدنيا.

و في رواية:قال:«أشركنا يا أخيّ في دعائك» (1)قال الترمذي:حديث حسن صحيح، و صحّحه غير الترمذي أيضا.

الحديث السابع و الثلاثون:روينا في«سنن أبي داود»عن أبي أمامة الأنصاري الحارثي رضي اللّه عنه قال:ذكر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما عنده الدنيا،فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أ لا تسمعون،أ لا تسمعون؟إنّ البذاذة من الإيمان،[إن البذاذة من الإيمان»] (2)يعني:

التّقحّل.

و البذاذة:بالباء الموحدة،و الذالين المعجمتين،هي رثاثة الهيئة،و ترك فاخر اللباس.

و أمّا التّقحّل:فبالقاف،و الحاء المهملة،قال أهل اللغة:المتقحّل هو الرجل اليابس الجلد من خشونة العيش،و ترك الترفّه.

الحديث الثامن و الثلاثون:روينا في«صحيح مسلم»عن أنس رضي اللّه عنه،قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النار يوم القيامة،فيصبغ (3)في النار صبغة،ثم يقال:يا ابن آدم،هل رأيت خيرا قطّ؟هل مرّ بك نعيم قطّ؟فيقول:لا و اللّه يا ربّ،و يؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة،فيصبغ صبغة في الجنة،فيقال له:يا ابن آدم،هل رأيت بؤسا قطّ؟هل مرّ بك شدّة قطّ؟فيقول:لا و اللّه،ما مرّ بي بؤس قطّ،و لا رأيت شدّة قطّ» (4).

الحديث التاسع و الثلاثون:روينا في الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ ملكان ينزلان،فيقول أحدهما:اللّهمّ أعط منفقا خلفا،و يقول الآخر:اللّهمّ أعط ممسكا تلفا» (5).ك.

ص: 263


1- رواه الترمذي(3557)في الدعوات،باب(121)و أبو داود(1498)في الصلاة،باب في الدعاء.
2- أبو داود(1461)في الترجل،أوله.
3- يصبغ:يغمس في النار أو الجنة غمسة،كأنه يدخل إليها إدخالة واحدة.
4- مسلم(2807)في صفات المنافقين،باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار.
5- رواه البخاري 241/3 في الزكاة،باب قول اللّه تعالى: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى ،و مسلم(1010) في الزكاة،باب في المنفق و الممسك.

الحديث الأربعون:روينا في«كتاب الترمذي»عن كعب بن مالك رضي اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال و الشرف لدينه» (1).قال الترمذي:حديث حسن (2)صحيح.

الحديث الحادي و الأربعون:روينا في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ليس المسكين الذي تردّه التمرة و التّمرتان،و لا اللّقمة و اللّقمتان، و إنّما المسكين الذي يتعفّف عن المسألة».

و في رواية في الصّحيحين:«ليس المسكين الذي يطوف على الناس،تردّه اللّقمة و اللّقمتان،و التّمرة و التمرتان،و لكنّ المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه،و لا يفطن به فيتصدّق عليه،و لا يقوم فيسأل الناس» (3).

الحديث الثاني و الأربعون:روينا في«كتاب الترمذي»عن أبي كريمة المقدام بن معدي كرب رضي اللّه عنه،قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«ما ملأ آدميّ وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه،فإن كان لا محالة،فثلث لطعامه،و ثلث لشرابه، و ثلث لنفسه» (4).قال الترمذيّ:حديث حسن.

«أكلات»:بضم الهمزة،أي لقم.

الحديث الثالث و الأربعون:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لا تكثروا الكلام بغير ذكر اللّه؛فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر اللّه تعالى قسوة القلب،و إنّ أبعد الناس من اللّه تعالى القلب القاسي» (5).

الحديث الرابع و الأربعون:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن أمّ حبيبة رضي اللّه).

ص: 264


1- الترمذي(2367)في الزهد،باب(43).
2- من هنا يبدأ خرم النسخة(ب)حتى الصفحة 276.
3- رواه البخاري 269/3 في الزكاة،باب قول اللّه تعالى: لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً و في تفسير سورة البقرة،باب: لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً و مسلم(1039)في الزكاة،باب المسكين الذي لا يجد غنى،و لا يفطن له.
4- الترمذي(2381)في الزهد،باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل.
5- الترمذي(2413)في الزهد،باب(62).

عنها،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«كلّ كلام ابن آدم عليه لا له،إلاّ أمرا بمعروف،أو نهيا عن منكر،أو ذكر اللّه تعالى»و أخرجه ابن ماجة أيضا (1).

الحديث الخامس و الأربعون:روينا في«كتاب الترمذي»أيضا عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال:قلت:يا رسول اللّه،ما النّجاة؟قال:«أمسك عليك لسانك،و ليسعك بيتك،و ابك على خطيئتك» (2).قال الترمذي:حديث حسن.

الحديث السادس و الأربعون:روينا في الصّحيحين عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«إنّما الأعمال بالنّيات،و إنّما لكلّ امرئ ما نوى،فمن كانت هجرته إلى اللّه و رسوله،فهجرته إلى اللّه و رسوله،و من كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها،فهجرته إلى ما هاجر إليه» (3).

الحديث السابع و الأربعون:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«إنّ أوّل النّاس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به،فعرّفه نعمه،فعرفها،قال:فما عملت فيها؟قال:قاتلت فيك حتى استشهدت.

قال:كذبت،و لكنّك قاتلت ليقال جريء،فقد قيل؛ثمّ أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.و رجل تعلّم العلم و علّمه،و قرأ القرآن،فأتي به،فعرّفه نعمه،فعرفها، قال:فما عملت فيها؟قال:تعلّمت العلم و علّمته،و قرأت فيك القرآن.قال:كذبت، و لكنّك تعلّمت ليقال عالم،و قرأت[القرآن]ليقال هو قارئ،فقد قيل،ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.و رجل وسّع اللّه عليه،و أعطاه من أصناف المال[كلّه]، فأتي به،فعرّفه نعمه،فعرفها،قال:فما عملت فيها؟قال:ما تركت من سبيل تحبّ أن ينفق فيها إلاّ أنفقت فيها لك.قال:كذبت،و لكنّك فعلت ليقال هو جواد،فقد قيل،ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار» (4).

قوله:«جريء»:بفتح الجيم،و كسر الراء،و المدّ،أي شجاع حاذق.ة.

ص: 265


1- رواه الترمذي(2414)في الزهد،باب(63)،و ابن ماجة(3974)في الفتن،باب كف اللسان في الفتنة.
2- الترمذي(2408)في الزهد،باب ما جاء في حفظ اللسان.
3- رواه البخاري 7/1 في بدء الوحي،و هو أول حديث في صحيحه،و مسلم(1907)في الإمارة، باب قوله صلى اللّه عليه و سلم:«إنّما الأعمال بالنية».
4- مسلم(1905)في الإمارة،باب من قاتل للرياء و السمعة.

الحديث الثامن و الأربعون:عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مرّ بقبرين،فقال:«إنّهما ليعذّبان،و ما يعذّبان في كبير،بلى إنّه كبير،أمّا أحدهما فكان يمشي بالنّميمة،و أمّا الآخر فكان لا يستبرئ من بوله» (1).

رويناه في الصّحيحين،و هذا لفظ إحدى روايات البخاري.

الحديث التاسع و الأربعون:روينا في«سنن أبي داود»عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس،يخمشون وجوههم و صدورهم،فقلت:من هؤلاء يا جبريل؟قال:هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، و يقعون في أعراضهم» (2).

الحديث الخمسون:روينا في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت،و من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر،فليكرم جاره،و من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكرم ضيفه» (3).

الحديث الحادي و الخمسون:روينا في الصّحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه سمع النبيّ صلى اللّه عليه و سلم يقول:«إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة ما يتبيّن بها،يزلّ فيها إلى النار أبعد ما بين المشرق و المغرب» (4).

و معنى«يتبيّن»:يفكّر أنّها خير أم لا.

الحديث الثاني و الخمسون:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«أ تدرون ما الغيبة؟»قالوا:اللّه و رسوله أعلم.قال:«ذكرك أخاك بمار.

ص: 266


1- رواه البخاري 273/1 في الوضوء،باب من الكبائر ألا يستتر من بوله،و مسلم(292)في الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول.
2- أبو داود(4878)في الأدب،باب في الغيبة.
3- رواه البخاري 373/10 في الأدب،باب من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر،و مسلم(47)في الإيمان،باب الحث على إكرام الجار.
4- رواه البخاري 266/11 في الرقاق،باب حفظ اللسان،و مسلم(2988)في الزهد،باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار.

يكره»قيل:أ فرأيت إن كان في أخي ما أقول؟قال:«إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته،و إن لم يكن فيه فقد بهتّه» (1).

الحديث الثالث و الخمسون:روينا في«سنن أبي داود»و«الترمذي»عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:قلت للنبيّ صلى اللّه عليه و سلم:حسبك من صفية كذا و كذا-قال بعض الرواة:تعني قصيرة-فقال:«لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته».قالت:و حكيت (2)له إنسانا،فقال:«ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا و إنّ لي كذا و كذا» (3).قال الترمذي:حديث حسن صحيح.

قوله:«مزجته»:أي خالطته مخالطة يتغيّر بها طعمه أو ريحه لشدّة نتنها و قبحها.

الحديث الرابع و الخمسون:روينا في الصّحيحين عن حذيفة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لا يدخل الجنّة نمّام» (4).

*قال الإمام حجّة الإسلام أبو حامد الغزالي (5)رضي اللّه عنه:و كلّ من حملت إليه نميمة،و قيل له:قال فيك فلان كذا،لزمه ستّة أمور:

الأول:أن لا يصدّقه،لأنّ النّمام فاسق،و هو مردود الخبر.

الثاني:أن ينهاه عن ذلك،و ينصحه،و يقبّح فعله.

الثالث:أن يبغضه في اللّه تعالى؛فإنّه بغيض عند اللّه تعالى،و البغض في اللّه تعالى واجب.

الرابع:أن لا يظنّ بالمنقول عنه السّوء،لقوله تعالى: اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12].3.

ص: 267


1- مسلم(2589)في البر و الصلة،باب تحريم الغيبة.
2- حكيت:فعلت مثل فعله،أو قلت مثل قوله تنقصا.
3- الترمذي(2503)في صفة القيامة،باب تحريم الغيبة،و أبو داود(4875)في الأدب،باب في الغيبة.
4- رواه البخاري 394/10 في الأدب،باب ما يكره من النميمة،و مسلم(105)في الإيمان،باب بيان غلظ تحريم النميمة.
5- إحياء علوم الدين 156/3.

الخامس:أن لا يحمله ما حكي له على التّجسّس و البحث عن تحقيق ذلك،قال اللّه تعالى: وَ لا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12].

السادس:أن لا يرضى لنفسه ما نهى النّمام عنه،فلا يحكي نميمته.

الحديث الخامس و الخمسون:روينا في«صحيح البخاري» (1)عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال:كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ممّا يكثر أن يقول لأصحابه:«هل رأى أحد منكم رؤيا»فيقصّ عليه ما شاء اللّه أن يقصّ،و إنّه قال لنا ذات غداة:«إنّه أتاني الليلة آتيان، و إنّهما ابتعثاني،و إنّهما قالا لي:انطلق،و إني انطلقت معهما،و إنّا أتينا على رجل مضطجع،و إذا آخر قائم عليه بصخرة،و إذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه،فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر هاهنا،فيتبع الحجر،فيأخذه،فلا يرجع إليه حتى يصحّ رأسه كما كان،ثم يعود عليه،فيفعل به مثل ما فعل المرّة الأولى،قال:قلت لهما:سبحان اللّه، ما هذا[ن]؟قالا لي:انطلق،انطلق.

فانطلقنا،فأتينا على رجل مستلق لقفاه،و إذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد،و إذا هو يأتي أحد شقيّ وجهه،فيشرشر شدقه إلى قفاه،و منخره إلى قفاه،و عينه إلى قفاه،ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر،فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول،فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصحّ ذلك الجانب كما كان،ثم يعود عليه،فيفعل به مثل ما فعل في المرّة الأولى،قال:قلت:سبحان اللّه،ما هذان؟قالا لي:انطلق،انطلق.

فانطلقنا،فأتينا على مثل التنّور-فأحسب أنّه كان يقول-فإذا فيه لغط و أصوات، فاطّلعنا فيه،فإذا فيه رجال و نساء عراة،و إذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم،فإذا أتاهم ذلك اللّهب ضوضوا،قلت:ما هؤلاء؟فقالا لي:انطلق،انطلق.

فانطلقنا،فأتينا على نهر-حسبت أنّه كان يقول-أحمر مثل الدّم،فإذا في النهر رجل سابح يسبح،و إذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة،و إذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح،ثم يأتي ذلك الرجل الذي قد جمع عنده الحجارة،فيفغر له فاه،فيلقمه حجرا، فينطلق فيسبح،ثم يرجع كلّما رجع إليه،فيفغر له فاه،فيلقمه حجرا،قلت لهما:

ما هذان؟قالا لي:انطلق،انطلق.ح.

ص: 268


1- البخاري 385/12 في التعبير،باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح.

فانطلقنا،فأتينا على رجل كريه المرآة،أو كأكره ما أنت راء رجلا مرأى،و إذا عنده نار بحشّها و يسعى حولها.قلت:ما هذا؟قالا لي:انطلق،انطلق.

فانطلقنا،فأتينا على روضة معتمّة،فيها من كلّ نور الرّبيع،و إذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء،و إذا حول الرّجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ،قلت:ما هذا،و ما هؤلاء؟قالا لي:انطلق،انطلق.

فانطلقنا،فأتينا على دوحة عظيمة،لم أر دوحة قطّ أعظم منها و لا أحسن،قالا لي:

ارق فيها.فارتقينا فيها،[فانتهينا]إلى مدينة مبنية بلبن ذهب و لبن فضّة،فأتينا باب المدينة،فاستفتحنا ففتح لنا،فدخلناها،فتلقّانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء،و شطر منهم كأقبح ما أنت راء،فقالا لهم:اذهبوا فقعوا في ذلك النهر.و إذا هو نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحضّ في البياض،فذهبوا فوقعوا فيه،ثم رجعوا إلينا،فذهب ذلك السّوء عنهم،فصاروا في أحسن صورة.

قالا لي:هذه جنّة عدن،و هذاك منزلك.فسما بصري صعدا،فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء،قالا لي:هذاك منزلك.قلت لهما:بارك اللّه فيكما،فذراني فأدخله.قالا:أمّا الآن فلا،و أنت داخله.

قلت لهما:فإنّي رأيت منذ الليلة عجبا،فما هذا الذي رأيت؟قالا لي:أما إنّا سنخبرك،أمّا الرّجل الأوّل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر،فإنّه الرّجل يأخذ القرآن، فيرفضه،و ينام عن الصّلاة المكتوبة.

و أمّا الرّجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه،و منخره إلى قفاه،و عينه إلى قفاه، فإنّه الرّجل يغدو من بيته،فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.

و أمّا الرّجال و النّساء العراة الذين هم في مثل بناء التّنّور،فإنّهم الزّناة و الزّواني.

و أمّا الرّجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر،و يلقم الحجارة،فإنّه آكل الرّبا.

و أمّا الرّجل الكريه المرآة الذي عنده النّار يحشّها،و يسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنم.

و أمّا الرّجل الطويل الذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم،و أمّا الولدان الذين حوله فكلّ

ص: 269

مولود مات على الفطرة».-و في رواية البرقاني (1):«ولد على الفطرة»-فقال بعض المسلمين:يا رسول اللّه،و أولاد المشركين؟فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«و أولاد المشركين، و أمّا القوم الذين كانوا شطر منهم حسن،و شطر منهم قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا،تجاوز اللّه عنهم».

*و في رواية للبخاري أيضا:«رأيت اللّيلة رجلين أتياني،فأخرجاني إلى أرض مقدّسة..»ثم ذكره،و قال:«فانطلقنا إلى ثقب مثل التّنّور،أعلاه ضيّق،و أسفله واسع، تتوقّد تحته نار،فإذا ارتفعت ارتفعوا،حتى كادوا أن يخرجوا،فإذا أخمدت رجعوا فيها، و فيها رجال و نساء عراة».

و في الرواية المذكورة:«حتى أتينا على نهر من دم-و لم يشكّ-و إذا فيه رجل قائم على وسط النهر،و على شطّ النهر رجل،و بين يديه حجارة،فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرّجل بحجر في فيه،فردّه حيث كان،فجعل كلّما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر،فرجع كما كان».

و في الرواية المذكورة:«فصعدا بي إلى الشجرة،فأدخلاني دارا لم أر قطّ أحسن منها، فيها رجال و شيوخ،و شبّان و نساء و صبيان،ثم أخرجاني منها،فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن و أفضل،فيها شيوخ و شبّان».

و في الرواية المذكورة:«أمّا الذي رأيته يشقّ شدقه فكذّاب،يحدّث بالكذبة،فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق،فيصنع به[ما رأيت]إلى يوم القيامة».

و فيها:«و أمّا الذي يشدخ رأسه،فرجل علّمه اللّه القرآن،فنام عنه باللّيل،و لم يعمل فيه بالنهار،فيفعل به إلى يوم القيامة،و الدّار الأولى التي دخلت دار عامّة المؤمنين،و أمّا هذه الدّار فدار الشّهداء،و أنا جبريل،و هذا ميكائيل،فارفع رأسك.فرفعت رأسي،فإذا هو فوق رأسي مثل السّحاب،قالا:ذاك منزلك.قلت:دعاني أدخل منزلي.قالا:إنّه بقين.

ص: 270


1- البرقاني أحمد بن محمد بن أحمد أبو بكر(336-425 ه)عالم بالحديث،من أهل خوارزم، استوطن بغداد و مات فيها،له مسند ضمنه ما اشتمل عليه البخاري و مسلم،و جمع أحاديث سفيان الثوري،و شعبة و آخرين.

لك عمر،و لم تستكمله،فلو استكملته أتيت منزلك».روينا ذلك في«صحيح البخاري» كما ذكرنا.

قوله:«يثلغ رأسه»و هو بالثاء المثلّثة،و الغين المعجمة:أي يشدخه و يشقّه.

و قوله:«يتدهده»أي يتدحرج.

و«الكلّوب»بفتح الكاف،و ضمّ اللاّم المشدّدة و هو معروف.

و قوله:«فيشرشر»أي يقطع.

و قوله:«ضوضوا»بضادين معجمتين،أي صاحوا.

و قوله:«فيفغر»هو بالفاء،و الغين المعجمة أي يفتح.

و قوله:«المرآة»هو بفتح الميم،أي المنظر.

و قوله:«يحشّها»هو بفتح الياء،و ضمّ الحاء المهملة،و بالشين المعجمة أي يوقدها.

و قوله:«روضة معتمّة»هو بضمّ الميم،و إسكان العين المهملة،و فتح التاء المثنّاة فوق،و تشديد الميم أي وافية النبات طويلته.

و قوله:«دوحة»بفتح الدّال المهملة،و إسكان الواو،و بالحاء المهملة،و هي الشجرة الكبيرة.

و قوله:«المحض»بفتح الميم،و إسكان الحاء المهملة،و بالضاد المعجمة و هو اللبن.

و قوله:«فسما بصري»أي ارتفع.

و«صعدا»:بضمّ الصاد،و العين المهملتين،أي مرتفعا.

و«الرّبابة»:بفتح الراء،و بالباء الموحدة مكررة و هي السّحابة.

الحديث السادس و الخمسون:روينا في«صحيح مسلم»عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام،مع كلّ زمام سبعون ألف ملك يجرّونها» (1).م.

ص: 271


1- مسلم(2842)في الجنة و صفتها،باب في شدة حرّ نار جهنم.

الحديث السابع و الخمسون:روينا في الصحيحين عن النّعمان بن بشير رضي اللّه عنهما قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«إنّ أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه،ما يرى أنّ أحدا أشدّ منه عذابا،و إنّه لأهونهم عذابا» (1).

الحديث الثامن و الخمسون:روينا في«صحيح مسلم»عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه،أنّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«منهم من تأخذه النّار إلى كعبيه،و منهم من تأخذه النّار إلى ركبتيه،و منهم من تأخذه النّار إلى حجزته،و منهم من تأخذه النار إلى ترقوته» (2).

الحديث التاسع و الخمسون:روينا في«صحيح مسلم»أيضا عن المقداد رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«تدنى الشّمس يوم القيامة من الخلق حتّى تكون منهم كمقدار ميل»-قال الرّاوي عن المقداد:فو اللّه ما أدري ما يعني بالميل،أ مسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين؟-[قال]:«فيكون النّاس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه،و منهم من يكون إلى ركبتيه،و منهم من يكون إلى حقويه، و منهم من يلجمه العرق إلجاما».و أشار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيده إلى فيه (3).

الحديث الستون:روينا في الصحيحين عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول:«يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا»قلت:يا رسول اللّه، النّساء و الرّجال جميعا،ينظر بعضهم إلى بعض؟قال:«يا عائشة،الأمر أشدّ من أن يهمّهم ذلك».

و في رواية:«أهمّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض» (4).اب

ص: 272


1- رواه البخاري 372/11 في الرقاق،باب صفة الجنة و النار،و مسلم(213)في الإيمان،باب أهون أهل النار عذابا.
2- مسلم(2845)في الجنة و صفة نعيمها،باب في شدّة حر نار جهنم. و«حجزته»:هي معقد الإزار و السراويل. و«ترقوته»:هي العظم الذي بين ثغرة النحر و العاتق.
3- مسلم(2864)في الجنة و صفة نعيمها،باب في صفة يوم القيامة. «حقويه»:و هما معقد الإزار،و المراد هنا ما يحاذي ذلك الموضع من جنبيه.
4- رواه البخاري 334/11 في الرقاق،باب الحشر،و مسلم(2859)في الجنة و صفة نعيمها،باب

و قوله:«غرلا»بضم الغين المعجمة،و سكون الراء أي غير مختونين.

الحديث الحادي و الستون:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:

كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسمع وجبة.فقال:«تدرون ما هذا؟»قلنا:اللّه و رسوله أعلم.

قال:«هذا حجر رمي به في النّار من سبعين خريفا،فهو يهوي في النار الآن،حتى انتهى إلى قعرها،فسمعتم وجبتها» (1).

*و في«كتاب الترمذي»عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«لو أنّ قطرة من الزّقّوم قطرت في الدّنيا،لأفسدت على أهل الدّنيا معايشهم[فكيف بمن يكون طعامهم؟]» (2).

*و فيه عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«يلقى على أهل النار الجوع،فيعدل ما هم فيه من العذاب،فيستغيثون بالطّعام،فيغاثون بطعام من ضريع، لا يسمن و لا يغني من جوع،فيستغيثون بالطّعام،فيغاثون بطعام ذي غصّة،فيتذكّرون أنّهم كانوا يجيزون الغصص في الدّنيا بالشّراب،فيستغيثون بالشّراب،فيدفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد،فإذا أدني من وجوههم شوت وجوههم،فإذا دخل بطونهم قطع ما في بطونهم»و هذا بعض حديث طويل،قال فيه:«فيقولون:يا مالك،ليقض علينا ربّك.

فيجيبهم:إنّكم ماكثون».

قال الأعمش (3):نبّئت من ثبت:أنّ بين دعائهم و إجابة مالك لهم مقدار ألف عام (4).

أجارنا اللّه و المسلمين من جميع عذابه،آمين.

الحديث الثاني و الستون:روينا في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،أنّف.

ص: 273


1- مسلم(2844)في الجنة و صفة نعيمها،باب في شدّة حرّ نار جهنم. «الوجبة»:السقطة.
2- الترمذي(2588)في صفة جهنم،باب ما جاء في صفة شراب أهل النار.
3- سليمان بن مهران الأسدي الأعمش(61-148 ه)تابعي،أصله من الري،و منشؤه و وفاته في الكوفة،كان عالما بالقرآن و الحديث و الفرائض،روى نحو 1300 حديث.قال الذهبي:كان رأسا في العلم النافع و العمل الصالح.
4- فناء الدنيا و بيان الحشر.

رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«يعرق النّاس يوم القيامة،حتّى يذهب عرقهم سبعين ذراعا،و يلجمهم العرق حتى يبلغ آذانهم» (1).

الحديث الثالث و الستون:روينا في الصّحيحين عن عدي بن حاتم رضي اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«ما منكم من أحد إلاّ سيكلّمه ربّه ليس بينه و بينه ترجمان،فينظر أيمن منه فلا يرى إلاّ ما قدّم،و ينظر أشأم منه فلا يرى إلاّ ما قدّم،و ينظر بين يديه فلا يرى إلاّ النار تلقاء وجهه،فاتّقوا النّار و لو بشقّ تمرة» (2).

الحديث الرابع و الستون:روينا في الصّحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«قال اللّه تعالى:أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت،و لا أذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر،اقرءوا إن شئتم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]» (3).

الحديث الخامس و الستون:روينا في الصّحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«أوّل زمرة يدخلون الجنّة على صورة القمر ليلة البدر،ثم الذين يلونهم على أشدّ كوكب درّيّ في السماء إضاءة،لا يبولون و لا يتغوّطون و لا يتفلون و لا يمتخطون،و أمشاطهم الذّهب،و رشحهم المسك،و مجامرهم الألوّة،و أزواجهم الحور العين،على خلق رجل واحد،على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السّماء».

و في رواية البخاري و مسلم:«آنيتهم فيها الذّهب،و رشحهم المسك،و لكلّ واحد منهم زوجتان يرى مخّ سوقهما من وراء اللّحم من الحسن،لا اختلاف بينهم، و لا تباغض،قلوبهم قلب واحد،يسبّحون اللّه بكرة و عشيا».

و في رواية الترمذي:«على كلّ زوجة سبعون حلّة،يرى مخّ ساقها من ورائها» (4).ة،

ص: 274


1- رواه البخاري 341/11 في الرقاق،باب قوله تعالى: أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ و مسلم (2863)في الجنة و صفة نعيمها،باب في صفة القيامة.
2- رواه البخاري 254/7 في التوحيد،باب كلام الرب عزّ و جلّ.و مسلم(1016)في الزكاة،باب الحث على الصدقة.
3- رواه البخاري 230/6 في بدء الخلق،باب ما جاء في صفة الجنة،و مسلم(2824)في الجنة و صفة نعيمها،في فاتحته.
4- رواه البخاري 232/6 في بدء الخلق،باب ما جاء في صفة أهل الجنة،و مسلم(2834)في الجنة،

قوله:«على خلق رجل واحد»روي بضم الخاء،و فتحها.

و«الحور»جمع حوراء (1)،و هي الشّديدة بياض العين،الشديدة سوادها.

و«العين»بكسر العين،جمع عيناء،و هي الواسعة العين.

و«الألوة»:بفتح الهمزة،عود الطّيب.

الحديث السادس و الستون:روينا في الصّحيحين أيضا عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه،أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ للمؤمن في الجنّة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوّفة،طولها في السماء ستون ميلا،للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا» (2).

الحديث السابع و الستون:روينا في الصّحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ في الجنّة شجرة يسير الرّاكب الجواد المضمّر السريع مائة سنة لا يقطعها».

*و رويناه في الصّحيحين أيضا من رواية أبي هريرة رضي اللّه عنه،و قال:«يسير الرّاكب في ظلّها مائة سنة لا يقطعها» (3).

الحديث الثامن و الستون:روينا في الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم،كما تتراءون الكوكب الدّرّيّ الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب،لتفاضل ما بينهم»قالوا:

يا رسول اللّه،تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟قال:«بلى،و الذي نفسي بيده رجال آمنوا باللّه و صدّقوا المرسلين» (4).اب

ص: 275


1- في(أ):جمع حورى.
2- رواه البخاري 229/6 في بدء الخلق،باب صفة الجنة،و مسلم(2838)في صفة الجنة،باب في صفة خيام الجنة.
3- رواه البخاري 366/11 في الرقاق،باب صفة الجنة و النار،و مسلم(2827)في صفة الجنة و النار،باب إنّ في الجنة شجرة يسير الراكب. و رواية أبي هريرة رواها البخاري 232/11،و مسلم(2826).
4- باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر،و الترمذي(2540)في صفة الجنة،باب ما جاء في صفة أهل الجنة.

الحديث التاسع و الستون:روينا في«صحيح مسلم»عن أنس رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ في الجنّة لسوقا (1)يأتونها كلّ جمعة،فتهبّ ريح الشّمال،فتحثو في وجوههم و ثيابهم،فيزدادون حسنا و جمالا،فيرجعون إلى أهليهم و قد ازدادوا حسنا و جمالا،فيقول لهم أهلوهم:و اللّه،لقد ازددتم حسنا و جمالا.فيقولون (2):أنتم و اللّه لقد ازددتم بعدنا حسنا و جمالا» (3).

*و في«كتاب الترمذي»عن عليّ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إنّ في الجنّة لمجتمعا للحور العين،يرفعن بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها،يقلن:نحن الخالدات فلا نبيد (4)،و نحن النّاعمات فلا نبأس،و نحن الرّاضيات فلا نسخط،طوبى لمن كان لنا و كنّا له» (5).

*و فيه أيضا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه و سلم:«إنّ أهل الجنّة يؤذن لهم في مقدار جمعة من أيام الدنيا،فيزورون ربّهم سبحانه،و يبرز لهم عرشه،و يتبدّى لهم في روضة من رياض الجنة،فيوضع لهم منابر من نور،و منابر من لؤلؤ،و منابر من ياقوت، و منابر من زبرجد،و منابر من ذهب،و منابر من فضة،و يجلس أدناهم-و ما فيهم دنيّ- على كثبان المسك و الكافور،و ما يرون أهل الكرسيّ بأفضل منهم مجلسا» (6).و هذا بعض حديث طويل.

*و في«كتاب الترمذي»أيضا عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«لو أنّ رجلا من أهل الجنة اطّلع،فبدا سواره،لطمس ضوء الشّمس كما تطمس الشّمس ضوء النجوم» (7).ة.

ص: 276


1- لسوقا:المراد بالسوق مجمع لهم،يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق.
2- هنا ينتهي خرم نسخة(ب)الذي بدأ صفحة 264.
3- مسلم(2833)في الجنة و صفة نعيمها،باب في سوق الجنة.
4- ترائي أهل الجنة أهل الغرف.و في(أ)و المطبوع:عن أبي هريرة،و المثبت من الصحيحين.
5- الترمذي(2567)في صفة الجنة،باب ما جاء في كلام الحور العين.
6- الترمذي(2552)في صفة الجنة،باب ما جاء في سوق الجنة.
7- الترمذي(2541)في صفة الجنة،باب ما جاء في صفة نساء أهل الجنة.

الحديث السبعون:روينا في الصّحيحين عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إنّي لأعلم آخر أهل النار خروجا منها،و آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة:

رجل يخرج من النار حبوا (1)،فيقول اللّه عزّ و جلّ له:اذهب فادخل الجنّة.فيأتيها،فيخيّل إليه أنّها ملأى،فيرجع فيقول:يا ربّ،وجدتها ملأى.فيقول اللّه عزّ و جلّ:اذهب فادخل الجنّة.فيأتيها،فيخيّل إليه أنّها ملأى،فيرجع فيقول:يا ربّ وجدتها ملأى،فيقول اللّه عزّ و جلّ:اذهب فادخل الجنّة،فإنّ لك مثل الدّنيا و عشرة أمثالها-أو إنّ لك مثل عشرة أمثال الدنيا-فيقول:أ تسخر بي-أو تضحك بي-و أنت الملك؟»قال:فلقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ضحك حتّى بدت نواجذه،فكان يقول:«ذلك أدنى أهل الجنّة منزلة» (2).

*و روى الترمذيّ عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم:«إنّ أدنى أهل الجنّة الذي له ثمانون ألف خادم،و اثنتان و سبعون زوجة،و تنصب له قبة من لؤلؤ و زبرجد و ياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء،و إنّ أدنى لؤلؤة من تيجان أهل الجنة تضيء ما بين المشرق و المغرب» (3).

قوله:«الجابية»بالجيم،و هي مكان في الشام،بينها و بين المقدس نحو مرحلتين.

صنعاء:معروفة في أرض اليمن.

الحديث الحادي و السبعون:روينا في«صحيح مسلم»عن أبي سعيد الخدري،و أبي هريرة رضي اللّه عنهما (4)أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إذا دخل أهل الجنّة الجنّة،ينادي مناد:

إنّ لكم أن تحيوا،فلا تموتوا أبدا،و إنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا،و إنّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا،و إنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا» (5).ذا

ص: 277


1- حبوا:المشي على اليدين و الرجلين،و قيل:على اليدين و الركبتين.
2- رواه البخاري 386/11 في الرقاق،باب في صفة الجنة،و مسلم(186)في الإيمان،باب آخر أهل النار خروجا.
3- الترمذي(2565)في صفة الجنة،باب ما جاء ما لأدنى أهل الجنة من الكرامة.
4- هنا نهاية النسخة(ب).
5- رواه مسلم(2837)في الجنة و صفة نعيمها،باب في دوام نعيم أهل الجنة،و الترمذي(3241)في التفسير،باب و من سورة الزمر. و قد أورد المؤلف رحمه اللّه رواية ابن الأثير في جامع الأصول 530/10(8086)فلفظ:«إذا

الحديث الثاني و السبعون:روينا في الصّحيحين عن جرير رضي اللّه عنه قال:كنّا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم،فنظر إلى القمر في ليلة البدر،و قال:«إنّكم سترون ربّكم عيانا كما ترون هذا القمر،لا تضامّون في رؤيته» (1).

الحديث الثالث و السبعون:روينا في«صحيح مسلم»عن صهيب رضي اللّه عنه،أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:«إذا دخل أهل الجنّة الجنّة،يقول اللّه تبارك و تعالى:تريدون شيئا أزيدكم؟فيقولون:أ لم تبيّض وجوهنا؟أ لم تدخلنا الجنّة،و تنجّنا من النار؟فيكشف الحجاب،فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النّظر إلى ربّهم» (2).جعلنا اللّه الكريم منهم، و من الذين قال اللّه تعالى فيهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ(9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس:9-10].

قلت:و ها نحن نختم الكتاب بالقصيدة الموعودة الجامعة،و نسأل اللّه الكريم أن يختم لنا و للمسلمين برحمته الواسعة،و هذه ترجمتها لمن أراد أن يكتبها وحدها،القصيدة المسمّاة«شمس الإيمان في توحيد الرّحمن،و عقيدة أهل الحقّ و الإتقان،و التشويق إلى الجنان و الحور الحسان،و التخويف من النيران،و وعظ الإخوان».

و هي الأولى من قصائد كتاب«الدرر» (3)من نظم العبيد المسكين الحقير،الفقير إلى اللّه الغني الكريم سبحانه،عبد اللّه بن أسعد بن علي اليافعيّ اليمني الشّافعي،نزيل الحرمين الشريفين،حلاّه اللّه بحلية الإيمان،و نوّر قلبه بنور العرفان،و رفع درجته في».

ص: 278


1- رواه البخاري 27/2 في مواقيت الصلاة،باب فضل صلاة العصر،و مسلم(633)في المساجد، باب فضل صلاتي الصبح و العصر. «لا تضامون»:روي بتخفيف الميم من الضيم:الظلم،و المعنى:إنكم ترونه جميعا لا يظلم بعضكم في رؤيته،فيراه البعض دون البعض.و روي بتشديد الميم من الانضمام و الازدحام،أي لا يزدحم بكم في رؤيته،و يضم بعضكم إلى بعض من ضيق.إذ يراه كل منكم موسعا عليه،منفردا به.
2- مسلم(181)في الإيمان،باب إثبات رؤية المؤمنين في الاخرة ربهم سبحانه و تعالى.
3- هو كتابه:«الدرر في مدح سيد البشر،و الغرر في الوعظ و العبر».

الجنان،و سلّمه من النيران،و والديه و أحبابه و المسلمين و الإخوان،إنّه الملك الوهّاب المنّان:

تبارك من شكر الورى عنه يقصر لكون أيادي جوده ليس تحصر

و شاكرها يحتاج شكرا لشكرها كذلك شكر الشّكر يحتاج يشكر

ففي كلّ شكر نعمة بعد نعمة بغير تناه دونها الشّكر يصغر

فمن رام يقضي حقّ واجب شكرها تحمّل ضمن الشّكر ما هو أكبر

فسبحان من لا قطّ يبلغ مدحه بليغ و من عنه الثّنا متعذّر

ففي العقل (1)فضلا عن جميل صفاته و عن ذاته كلّ البرايا تحيّر

تسبّحه الحيتان في الما و في الفلا و حوش و طير في الهواء مسخّر

و في الفلك الأملاك كلّ مسبّح نهارا و ليلا دائما ليس يفتر

تسبّح كلّ الكائنات بحمده سماء و أرض و الجبال و أبحر

جميعا و من فيهنّ و الكلّ خاضع لهيبته العظمى و لا يتكبّر

له كلّ ذرّات الوجود شواهد على أنّه الباري الإله المصوّر

دحا الأرض و السّبع السّماوات شادها و أتقنها للعالمين لينظروا

و أبدع حسن الصّنع في ملكوتها و في ملكوت الأرض كي يتفكّروا

و أوتدها بالرّاسيات فلم تمد و شقّق أنهارا بها تتفجّر

و أخرج مرعاها و بثّ دوابها و للكلّ يأتي منه رزق مقدّر

من الحبّ ثم الأبّ و القضب و الكلا (2)و نخل و أعناب فواكه تثمر

فأضحت بحسن الزّهر تزهو رياضها و في حلل نسج الرّبيع تبختر

و زان سماها بالمصابيح أصبحت و أمست بباهي الحسن تزهو و تزهر

تراها إذا جنّ الدّجى قد تقلّدت قلائد درّيّ لدرّ تحقّر

فيا ناظرا زهر البساتين دونها أظنّك أعمى ليس للحسن تبصرر.

ص: 279


1- في(أ):ففي الفعل.
2- الأبّ:العشب رطبه و يابسه.القضب:كل شجرة بسطت أغصانها و طالت.الكلا:الكلأ:العشب الرطب،كل ما يرعى من بقل و شجر.

و يا من لها إنّ المحاسن كلّها بدار بها ما لا على القلب يخطر

و لا سمعت أذن و لا العين أبصرت و ما تشتهيه النّفس في الحال يحضر

تزيد بهاء كلّ حين و عيشها يزيد صفاء قطّ لا يتكدّر

من الدّرّ و الياقوت تبنى قصورها و من ذهب مع فضّة لا تغيّر

و ما يشتهى من لحم طير طعامها و فاكهة ممّا له يتخيّر

و مشروبها كافورها و رحيقها و تسنيمها و السّلسبيل و كوثر

و من عسل و الخمر نهران جوفها و نهران ألبان و ماء يفجّر

و غالي حرير فرشها و لباسها و حصباؤها و التّرب مسك و جوهر

و من زعفران نبتها و حشيشها و من جوهر أشجارها تلك تثمر

فواكه تكفي حبّة لقبيلة أديمت أبيحت لا تباع و تحجر

و أكوابها من فضّة لا كبيرة على شارب منها و لا هي تصغر

بها الكأس يبقى ألف عام على فم فلا نافذ هذا و لا ذاك يضجر

و من ذهب زاهي الجمال صحافها يلذّ بها عيش به العين تقرر

و مركوبها خيل من النّور و البها و من جوهر و البخت نور تصوّر

(1) ركاب من الياقوت و السّرج عسجد أزمّتها درّ تطا حيث تنظر

و أزواجها حور حسان كواعب رعابيب أبكار بها النّور يزهر

(2) هراكيل خودات و غيد و خرّد مدى الدّهر لا تبلى و لا تتغيّر

(3) نشت عربا أتراب سنّ قواصر لطرف كحيل للملاحة يفتر

(4) غوالي الحلى و الحلي عين فواخر زكت طهرت من كلّ ما يتقذّرط.

ص: 280


1- البخت:الإبل الخراسانية،و هي طويلة الأعناق.
2- رعابيب:الجارية البيضاء الحسنة القصيرة.
3- هراكيل:جمع هركلة:الحسنة الجسم و الخلق و المشية.خودات جمع خود:الفتاة الحسنة الخلق الشابة.غيد:مفردها غيداء:الناعمة اللينة.خرّد:مفردها خريدة:البكر التي لم تمس قط،الحيية الطويلة السكوت.
4- في هامش(أ):لا ينظرن إلى أزواج غيرهن قط.

ثوت في خيام الدّرّ في روضة البها على سرر الياقوت تغذى و تحبر

و بين جواريها تهادى إذا مشت على كثب المسك الذّكيّ تبختر

ملاح زهت في رونق الحسن و البها و كلّ جمال دونه المدح يقصر

و ما المدح فيمن نشرها و ابتسامها يضيء الدّياجي و الوجود يعطّر

و من يعذب البحر الأجاج بريقها و من حسنها للعالمين يحيّر

و من لو بدت في مشرق ضاء مغرب و مات الورى من حسنها حين تظهر

و من زوجها يغشى بأوّل نظرة إلى وجهها لو لا البقا كان يقبر

(1) و من مخّها من خلف سبعين حلّة يرى كيف يقوى مدح تلك و يقدر

و من هي من نور و مسك و جوهر فما ذا لسان المدح عنها يعبّر

و ما المدح إلاّ أن يشبّه دانيا بأعلى فأمّا العكس ذاك يحقّر

و ليس لحور و الجنان مشابه و لا عشر معشار و لا شيء يذكر

فخير من الدّنيا جميعا خمارها فأحسن بمن تحت الخمار مخمّر

و أحقر بربّات المحاسن و التي لتشبيه أوصاف الحسان تصدّر

فما الفضّة البيضاء شيبت بعسجد و ما البيض مكنون النّعام المستّر

بهاء و حسنا ما اليواقيت في الصّفا و في رونق ما اللؤلؤ الرّطب ينثر

و ما الدّرّ ما الرّمّان ما الرّيم ما المها و ما البدر ما زبد و شهد و عنبر

ثنايا و كعب ثم جيد و مقلة و لون و لين ريقها و المعطّر

هل الرّيم في جيد من القدّ و البها كمن جيدها نور و مسك و جوهر

و هل للمها عين كبحر مزاجه مدام و شهد للمشاهد يسكر

و هل يشبه الرّمّان كعبين صوّرا من النّور و اللّه العظيم المصوّر

و ما شبّه الرّحمن من بعض وصفها ببيض و ياقوت فذلك يذكر

على جهة التّقريب للذّهن إذ لنا عقول عليها فهم ما ثمّ يعسر

تبارك منشي الخلق عن سرّ حكمة هو اللّه مولانا الحكيم المدبّرة.

ص: 281


1- في هامش(أ):لو لا البقاء في الجنة لكان زوجها يموت في أول نظرة.

إذا ما تجلّى في جمال جلاله تعالى لكلّ المؤمنين لينظروا

و قد زيّنت جنات عدن و زخرفت نسوا كلّ ما فيها لما منه أبصروا

جمالا و وصفا جلّ ليس كمثله و فضلا و إنعاما يجلّ و يكبر

نعيم و لذّات و عزّ و رفعة و قرب و رضوان و ملك و مفخر

بمقعد صدق في جوار مليكهم هنيئا لمسعود بذلك يظفر

أيا ساعة فيها السّعادات تجتلى على وجهها درّ العنايات ينثر

و يا ساحة فيها المفاخر ترتقى علاها و خلعات الكرامات تنشر

سألتكما باللّه هل مع أحبّة لنا فيكما يوم التّزاور محضر

و هل أنعمت نعمى بنعمان باللّقا (1) لنا أم نوت في سرمد الدّهر تهجر

فإن واصلتنا فالمكارم وصفها و إن قاطعتنا نحن أدنى و أحقر

ألا عاشقا يشتاق من سكن الحمى و عيشا هنيئا صافيا ليس يكدر

ألا مشتر جنات خلد و خيرها و حورا حسانا في الملاحة تفخر

ألا بائعا فان حقيرا بباقي خطير و ملك ليس يبلى و يدمر

ألا مفتد من حرّ نار عظيمة ألوف سنين تلك تحمى و تسعر

لها شرر كالقصر فيها سلاسل عظام و أغلال فغلّوا و جرجروا

عصاة و فجّار و سبع طباقها و سبعين عاما عمقها قد تهوّروا

و حيّاتها كالبخت فيها عقارب بغال و ضرب و الزبانيّ ينهر

غليظ شديد في يديه مقامع إذا ضرب الصّمّ الجبال تكسّر

و مطعومهم زقّومها و شرابهم حميم بها إمعاؤهم منه تندر

و يسقون أيضا من صديد و جيفة تفجّر من فرج الذي كان يفجر

و قد شاب من يوم عبوس شبابهم لهول عظيم للخلائق يسكر

فيا عجبا ندري بنار و جنّة و ليس لذي نشتاق أو تلك نحذر

إذا لم يكن خوف و شوق و لا حيا فما ذا بقي فينا من الخير يذكرى.

ص: 282


1- في هامش(أ):نعمى اسم امرأة،و المراد هنا اللّه سبحانه و تعالى.

و لسنا لحرّ صابرين و لا بلا فكيف على النّيران يا قوم نصبر

و فوت جنان الخلد أعظم حسرة على تلك فليستحسر المتحسّر

(1) فأفّ لنا أفّ كلاب مزابل إلى نتنها نغدو و لا نتدبّر

نبيع خطيرا بالحقير عماية و ليس لنا عقل و قلب منوّر

فطوبى لمن يؤتى القناعة و التّقى و أوقاته في طاعة اللّه يعمر

و من بعد حمد اللّه هذي عقيدة عن السّنّة الغرّاء و الحقّ تسفر

و تهدي إلى نهج الصّواب متابعا لها و عقيدات المذاهب تهجر

لها السّبل الوسطى الحميدة منهج شعارا لهدي الأشعريّة تشعر

و لم في حضيض الحشو تهبط لكونها طريقا بها القطّاع تسبي و تأسر

و لا ارتفعت عالي علوّ اعتزالهم ففيها ذئاب ثم وعر يكسر

مشت مع سواد معظم أهل مذهب عزيز بحمد اللّه ما زال ينصر

له بيض رايات العلا مع أئمة شموس الهدى تعدادهم ليس يحصر

فكم حبر تحقيق العلوم و عارف لأسرار غيب و الحقائق أبحر

و ها هي لها ألّفت في خمس عشرة من النّظم تجزي من لها يتدبّر

علا ربّنا عن كيف أو أين أو متى و عن كلّ ما في بالنا يتصوّر

و نقص و شبه أو شريك و والد و ولد و زوجات هو اللّه أكبر

قديم كلام حين لا حرف كائن و لا عرض حاشا و جسم و جوهر

(2) مريد و حيّ عالم متكلّم قدير على ما شا سميع و مبصر

بسمع و علم مع حياة و قدرة كذلك باقيها يلي الكلّ مصدر

و ليس عليه واجب بل عقابه بعدل و عن فضل يثيب و يغفر

محكّم شرع دون عقل و قد قضى بخير و شرّ للجميع مقدّر

و رؤيته حقّ كذاك شفاعة و حوض و تعذيب بقبر و منكرم.

ص: 283


1- في الأصل:فليتحسر،و أثبت ما يصح به الوزن.
2- في هامش(أ):العرض:ما لا يتقوم بنفسه؛بل يتقوم بغيره،و الجسم ما يتجزّأ أي تنقسم أجزاؤه، و الجوهر ما لا يتجزّأ أي لا ينقسم.

و بعث و ميزان و نار و جنّة و قد خلقا ثم الصّراط و يصدر

عظيم كرامات عن الأولياء و قد محا شرعنا العالي الزّكيّ المطهّر

شرائع كلّ المرسلين و أحمد خيار الورى المولى الشّفيع المقدّر

(1) و أصحابه خير القرون و خيرهم على وفق ما قد قدّموا ثمّ أخّروا

نجوم الهدى كلّ عدول أولو النّدى فضائلهم مشهورة ليس تنكر

و أفضلهم صدّيقهم صاحب العلى و رابعهم في الفضل ذو الفضل حيدر

و تخليد نار ليس إلاّ لكافر و قبلتنا من أمّها لا نكفّر

فها هي حوت مع صغرها ما عساه لا يرى في كثير من عقائد تكبر

و يا أيّها الإخوان من كلّ سامع له فهم قلب حاضر يتذكّر

ألا إنّ تقوى اللّه خير بضاعة لصاحبها ربح بها ليس يخسر

و طاعته للمتّقي خير حرفة بها يكسب الخيرات و السّعي يشكر

إذا أصبح البطّال في الحشر نادما يعضّ على كفّ أسى يتحسّر

فطوبى لمن يمسي و يصبح عاملا على كلّ شيء طاعة اللّه يؤثر

بها يعمر الأوقات أيام عمره يصلّي و يتلو للكتاب و يذكر

و يأنس بالمولى و يستوحش الورى و يشكر في السرّا و في الضّرّ يصبر

و يسلو عن اللذّات بالدّون قانع تقيّ له قلب نقيّ منوّر

حزين نحيل جسمه ضامر الحشا يصوم عن الدّنيا على الموت يفطر

و يرتاح شوقا للأحبّة و اللّقا و خدّيه من فرط الغرام يعفّر

إذا ذكرت جنات عدن و أهلها يذوب اشتياقا نحوها و يشمّر

و يعلو جواد العزم أدهم سابقا و أبيض مجنوبا عن النّور يسفر

فأدهم يسقى ماء عين و أبيض لصبر على قطع الفيافي يضمّر

و يركض في ميدان سبق إلى العلا و يسري إلى نيل المعالي و يسهر

فمجد العلا ما ناله غير ماجد يخاطر بالرّوح الخطير فيظفرر.

ص: 284


1- في المطبوع:المصدر.

و إني إلى أمر أنا فيه آمر لأحوج من غيري إليه و أفقر

فهذي قصيدي شمس إيمان اسمها موحّدة عمّا سوى الحقّ تزجر

مشوّقة نحو الجنان و حورها مخوّفة النّيران عنها تنفّر

و واعظة الإخوان من كلّ مسلم لهم في التّقى و الدّين نصحا تذكّر

و لست تراها أهل هذا و إنّما دعاها إلى ذاك القضاء المقدّر

لها من حلى التّوحيد و النّور حلية و من طيبة طيب به تتعطّر

(1) وفت مائة أبياتها حين جمّلت و خمسين و اللّه الكريم الميسّر

سألت الذي عمّ الوجود بجوده و من منه فيض الفضل للخلق يغمر

يمنّ بخلعات القبول مزيّنا لها و جزيل الأجر و النّفع يثمر

و يرزقنا التّوفيق ثم استقامة و غفران زلاّت و ما فات يجبر

و في روضة العرفان يحيي قلوبنا و يسكنها روض اليقين و يجبر

(2) ولي مشتكى إن بثّ طال و إن يدع فأنت الذي بالحال يا ربّ تخبر

بحقّك عاملنا بما أنت أهله فأنت الذي تهدي و تعطي و تغفر

و أحبابنا و المسلمين جميعهم و لا يا كريم العفو بالكلّ تمكر

و صلّ على الهادي النّبيّ و آله و أصحابه ما لاح في الأفق نيّر

صلاة تباري المسك عرفا مسلّما سلاما لأكناف الوجود يعطّر

و قد آن للشّمس الغروب و قاربت و آن لكم تستغفروا ثمّ تعذروا

لناظمها من في البلاغة قاصر و من هو في كلّ الحقوق مقصّر

مسيء جريء يافعيّ مخلّط فباللّه أدعوا اللّه يعفو و يستر

و تمّت و فاح الحمد للّه ختمها شذا دونه في العزّ مسك و عنبر

***ر.

ص: 285


1- في المطبوع:به يتعطّر.
2- في المطبوع:و يحبر.

الحمد للّه وحده،و صلّى اللّه على محمد و آله،وقع الفراغ من نساخة هذا الكتاب (1)وقت الظهر يوم السبت في شهر جمادى الأول سنة خمسة و تسعون و تسع مائة (2)من الهجرة النبوية المصطفوية،و الحمد للّه.

***

آخر النسخة المطبوعة:

وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَ نُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43].

رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ [آل عمران:8].

و صلّى و سلّم على سيّدنا محمد النّبيّ الكريم،و على جميع الآل و الصّحاب.سبحانك اللّهمّ و بحمدك،أشهد أن لا إله إلاّ أنت،أستغفرك و أتوب إليك،فاغفر لي و تب عليّ، إنّك أنت الغفور الرحيم التواب.

تمت و عمّت و صلّى اللّه على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلّم كثيرا كثيرا.

تم،و الحمد للّه أولا و آخرا 2000/11/21

ص: 286


1- كذا في الأصل.
2- كذا في الأصل.

الفهارس العامة

اشارة

1-فهرس الآيات 2-فهرس الأحاديث 3-فهرس الأعلام 4-فهرس الجماعات و الأقوام و المذاهب 5-فهرس الأماكن و البلدان 6-فهرس الكتب 7-فهرس الأيام 8-فهرس الأمثال 9-فهرس أسماء القصائد 10-فهرس الأشعار 11-فهرس المصطلحات و الحيوان و النبات و الأشياء 12-فهرس أبواب الكتاب و فصوله

ص: 287

ص: 288

فهرس الآيات

الفاتحة 1\ اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ \180 البقرة 124\ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ \44 137\ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ \43 142\ سَيَقُولُ السُّفَهاءُ \187 148\ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ \155 152\ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي \27،168 163\ وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ \38 186\ وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ \232 195\ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ \99 222\ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ \239 235\ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ \118 255\ اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ \38،181 283-286\ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ \38 آل عمران 17\ وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ \242 18-19\ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ \38 26-27\ قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ \38 28\ وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ \130 175\ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ \129 113-114\ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ \178

ص: 289

191\ اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً \169 النساء 110\ وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ \242 143\ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ \148 المائدة 27\ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ \58 الأنعام 1-3\ اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ \39 الأعراف 23\ رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ \51 32\ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ \63 54-56\ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ \39 55\ اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً \232 99\ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ \53 128\ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ \58 196\ إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ \43 205\ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً \168 الأنفال 33\ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ \242 التوبة 128-129\ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ \39

ص: 290

129\ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ \43 يونس 9-10\ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ \278 10\ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ \212 58\ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ \59 62\ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ \53 هود 3\ وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ \242 56\ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ \43 113\ وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ \62 120\ وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ \163 يوسف 64\ فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ \43 الرعد 28\ أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ \168 39\ يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ \44 إبراهيم 7\ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ \27،212 الإسراء 1\ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً \135 110-111\ قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ \39

ص: 291

الكهف 10\ رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ \51 28\ وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ \169 107-110\ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ \39 مريم 1\ كهيعص \42،43 85-86\ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ \25 طه 12-13\ طُوىً* وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ \187 111\ وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ \42 130\ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ \168 131\ وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً \62 الأنبياء 20\ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ \168 87-89\ وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً \39 90\ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا \232 الحج 29\ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ \141 المؤمنون 99-100\ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً \89 118\ رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ \51

ص: 292

115-118\ أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً \39 النور 37\ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ \146 36-37\ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ \169 الشعراء 78-89\ اَلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَ الَّذِي \40 النمل 62\ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ \232 القصص 80\ وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ \63 83\ تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ \62،73 العنكبوت 45\ وَ لَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ \168 الروم 17-19\ فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ \40 السجدة 16\ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ \146 16-17\ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ \246 17\ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ \274 24\ وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا \134

ص: 293

الأحزاب 11-12\ اُبْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالاً \42 35\ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ \169 41-42\ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً \168 53\ وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ \ 56\ إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ \35،215 سبأ 13\ وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ \212 فاطر 28\ إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ \63،129 يس 1-9\ يس. وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ \42 5\ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ \187 66-67\ وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ \42 68\ وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ \53 الصافات 61\ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ \166 143-144\ فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ \168 180-182\ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ \40 الزمر 9\ أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً \63

ص: 294

غافر 1-3\ حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ \40،43 55\ وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ \242 60\ وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ \232 الشورى 1\ حم عسق \42،43 11\ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ \205 19\ اَللّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ \238 25\ وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ \118 الزخرف 36\ وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ \169 الجاثية 36-37\ فَلِلّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَ رَبِّ \40 الحجرات 12\ اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ \267 12\ وَ لا تَجَسَّسُوا \268 ق 16\ وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ \173 النجم 10\ فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى \135

ص: 295

الرحمن 19-20\ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ \42 46\ وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ \53 الحديد 1-6\ سَبَّحَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ \40 المجادلة 58\ كَتَبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي \33 الحشر 10\ وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا \242 21-24\ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ \41 الجمعة 4\ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ \108 10\ وَ اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ \168 المنافقون 9\ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ \169 الملك 1\ تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ \182 القلم 4\ وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ \118

ص: 296

نوح 10\ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً \242 المدثر 4\ وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ \131 البروج 20-22\ وَ اللّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ \43 الزلزلة 1\ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ \184 الكافرون 1\ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ \37،184،192 الإخلاص 1\ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ \32،37،162،180،182،183،184،192 الفلق 1\ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ \37،180،183،192 الناس 1\ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ \37،180،183،192 ***

ص: 297

فهرس الأحاديث

الحديث الصفحة -ا- أ تحبون أنه لكم؟ 248 أ تدرون بما دعا 234 أ تدرون ما الغيبة؟266 اتق اللّه حيث ما كنت و أتبع 258 اتقوا فراسة المؤمن،فإنه ينظر 104 أحب الكلام إلى اللّه تعالى أربع 194 احفظ اللّه تجده أمامك 247 إذا أتيت مضجعك فتوضّأ 203 إذا أصبح أحدكم فليقل:أصبحنا 236 إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل 201 إذا أوى أحدكم إلى فراشه 202 إذا أويتما إلى فراشكما 198 إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول 278 إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي 277 إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه 208 إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد 218 أستغفر اللّه الذي لا إله 243 الإسلام أن تشهد أن لا إله 258 أشركنا يا أخي في دعائك 263 أشهد أن لا إله إلا اللّه،وحده 35 أصبحنا على فطرة الإسلام و كلمة 35 الحديث الصفحة أ صليتم؟ 182 أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين 274 أعوذ باللّه السميع العليم 32 أعوذ بكلمات اللّه التامات 32 أفضل الذكر لا إله إلا اللّه 196 أ فلا أعلمك كلاما إذا قلته 236 أقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ثم 184 اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة 178 أقرب ما يكون الرب من العبد 206 أ لا أخبرك برأس الأمر كله 246 أ لا أخبرك بملاك ذلك كله 246 أ لا أدلك على أبواب الخير 246 أ لا أدلك على كنز من كنوز الجنة 196 أ لا أعلمك أعظم سورة من القرآن 180 أ لا أعلمك كلمات تقولينها 196 أ لا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها 170 أ لا تسمعون،أ لا تسمعون 263 اللّه أكثر 239 اللّه ما أجلسكم إلا ذاك؟ 170 اللهم آتنا في الدنيا حسنة و في الاخرة 237 اللهم أجرني من النار 32 اللهم أحيني مسكينا و أمتني 62 اللهم ارزقني عينين هطالتين 127

ص: 298

الحديث الصفحة اللهم أصلح لي ديني الذي هو 234 اللهم أعني على ذكرك و شكرك 32 اللهم إنا نسألك موجبات 237 اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني 34،243 اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك 33،209 اللهم أنت السلام و منك السلام 31،201 اللهم إني أسألك حبك 234 اللهم إني أسألك خير الصباح 34 اللهم إني أسألك خير هذا اليوم 34،236 اللهم إني أسألك من الخير كله 237 اللهم إني أسألك الهدى و التقى 233 اللهم إني أصبحت أشهدك 34 اللهم إني أصبحت منك في نعمة 32 اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك 206 اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي 33،209 اللهم إني أعوذ بك من الهم و الحزن 32،236 اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا 235 اللهم بارك فيه 208 اللهم بك أصبحنا و بك أمسينا 34،202 اللهم بك أمسنا و بك أصبحنا 202 اللهم رب السماوات و رب الأرض 236 اللهم صل على محمد و على آل محمد 32،36، 219 اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم 33،197 اللهم لا مانع لما أعطيت و لا معطي 32،37، 201 اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد 34 اللهم هذا إقبال ليلك و إدبار 202 الحديث الصفحة الذي يقرأ القرآن و هو ماهر به مع السفرة 178 أ لم تر آيات أنزلت عليّ 180 أما إنه قد صدقك و هو كذوب 181 أما إنه قد كذبك و سيعود 181 أما إنه لو أتاني لاستغفرت له 142 أما إني لم أستحلفكم تهمة 170 أما لو قلت حين أمسيت أعوذ 199 أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن أقرأ 183 أمسك عليك لسانك 265 إن أحدكم يجمع خلقه في بطن 259 إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون 277 إن الأكثرين هم الأقلون 253 إن اللّه حرم على الأرض أن تأكل 215 إن اللّه قال:من عادى لي وليا 250 إن اللّه ليرضى عن العبد أن يأكل 213 إن اللّه يبعث لهذه الأمة على رأس 111 إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف 275 إن أهل الجنة يؤذن لهم في مقدار 276 إن أهون أهل النار عذابا 272 إن أول الناس يقضى يوم 265 إن البذاذة من الإيمان 263 أن تعبد اللّه كأنك تراه 259 أن تلد الأمة ربتها 259 أن تؤمن باللّه و ملائكته و كتبه 258 إن حبها أدخلك الجنة 180 إن الحلال بين و إن الحرام بين 258 إن خير التابعين رجل يقال له 262 إن الدعاء موقوف بين السماء و الأرض 218

ص: 299

الحديث الصفحة إن العبد ليتكلم بالكلمة 45،266 إن في الجنة شجرة يسير الراكب 275 إن في الجنة لسوقا يأتونها كل 276 إن في الجنة لمجتمعا للحور العين 276 إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته 267 إن كثرة الكلام بغير ذكر اللّه 264 إن للّه تسعة و تسعين اسما 207 إن للّه ملائكة يطوفون 170 إن للمؤمن في الجنة لخيمة 275 إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة 215 إن موضع سوط في الجنة 45 إن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان إذا أوى 183 أنا عند ظن عبدي بي 169 أنت منهم 261 إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون 278 إنما الأعمال بالنيات،و إنما 265 إنما مثل الجليس الصالح و الجليس 256 إنهما ليعذبان،و ما يعذبان 266 إنه أتاني الليلة آتيان 268 إنه ليغان على قلبي 242 إني لأعلم آخر أهل النار خروجا 277 إني أرى ما لا ترون،و أسمع 255 أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر 235 أول زمرة يدخلون الجنة على صورة 274 أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم 215 إياكم و الظن،فإن الظن 260 أيكم يحب أن هذا له بدرهم 248 الحديث الصفحة -ب- باسمك اللهم أحيا و أموت 202 بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه 264 البخيل من ذكرت عنده فلم يصل 217 بسم اللّه الذي لا يضر مع اسمه شيء 32،198 بسم اللّه على نفسي 33،174 بسم اللّه على نفسي و ديني و أهلي 33 بلى،و الذي نفسي بيده رجال آمنوا 275 -ت- تدرون ما هذا؟ 273 تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق 272 تسبحون و تحمدون و تكبرون 199 تعس عبد الدينار و الدرهم 69 تكثرن اللعن و تكفرن العشير 244 -ث- ثكلتك أمك يا معاذ،و هل 246 -ح- حسبي اللّه الذي لا إله إلا هو 33 حسبي اللّه لديني،حسبي اللّه لدنياي 33 حسبي اللّه و كفى،سمع 33 الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا 202 الحمد للّه الذي أطعمنا و سقانا 203،213 الحمد للّه حمدا يوافي نعمه 213 الحمد للّه رب العالمين حمدا يوافي 34

ص: 300

الحديث الصفحة الحمد للّه رب العالمين هي السبع 180 الحمد للّه على جميع نعمه و أفضاله 34 -خ- خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الدنيا و لم يشبع 254 -د- الدعاء هو العبادة 232 دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر 236 -ذ- ذاك شيطان 181 الذاكرون اللّه كثيرا 170 الذاكرون اللّه كثيرا و الذاكرات 169 ذكر اللّه 170 ذكرك أخاك بما يكره 266 ذلك أدنى أهل الجنة منزلة 277 ذلك رجل بال الشيطان 206 -ر- رأس الأمر الإسلام،و عموده 246 رأيت الليلة رجلين أتياني 270 رب أشعث مدفوع بالأبواب 251 رب اغفر لي و تب علي 243 الرجل على دين خليله،فلينظر 257 رجل يعتزل في شعب من الشعاب 249 رضيت باللّه ربا و بالإسلام 35 الحديث الصفحة رغم أنف رجل ذكرك عنده 218 -س- سبحان اللّه الملك القدوس 206 سبحان اللّه و بحمده،أستغفره 244 سبحان الملك القدوس 206 سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم 250 سبق المفردون 169 سبقك بها عكاشة 261 سبوح قدوس رب الملائكة 37 سيد الاستغفار أن يقول العبد 243 -ش- شهادة امرأتين بشهادة رجل 244 -ط- الطهور شطر الإيمان،و الحمد للّه 195 -ع- عجل هذا 218 عرضت عليّ أجور أمتي حتى 179 عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي 261 عرضت عليّ ذنوب أمتي 179 -ف- فإنه جبريل أتاكم يعلمكم 259

ص: 301

الحديث الصفحة -ق- قال اللّه:أعددت لعبادي 274 قال اللّه:المتحابون في جلالي 257 قال اللّه:يا ابن آدم إنك ما دعوتني 244 قل 182 قل:اللهم إني ظلمت نفسي ظلما 235 قل:اللهم فاطر السماوات و الأرض 197 قل إذا أصبحت:بسم اللّه على نفسي 209 قل إذا أصبحت و إذا أمسيت:اللهم 236 قل: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ 182 قلها إذا أصبحت و إذا أمسيت 197 قمت على باب الجنة فكان 252 قولي:اللهم إني أسألك من الخير 237 قولوا:اللهم صل على محمد و على 218 قولوا:حسبنا اللّه و نعم الوكيل 254 -ك- كان صلى اللّه عليه و سلم لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل 184 كان صلى اللّه عليه و سلم لا ينام كل ليلة 183 كان من دعاء داود يقول 234 كان صلى اللّه عليه و سلم يعلف البعير و يقم البيت 71 كان صلى اللّه عليه و سلم يقرأ المسبحات 184 كف عليك هذا 246 كل أمر ذي بال لا يبدأ 212 كل عين باكية يوم القيامة 127 كل كلام ابن آدم عليه لا له 265 كل المسلم على المسلم حرام 260 الحديث الصفحة كلمتان خفيفتان على اللسان،ثقيلتان 194 كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر 247 الكيس من دان نفسه و عمل 249 كيف أنعم و صاحب القرن قد التقم 254 -ل- لأن أقول سبحان اللّه،و الحمد للّه 195 لا أحصي ثناء عليك 213 لا إله إلا اللّه الملك الحق 37 لا إله إلا اللّه الواحد القهار 37 لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له 32،36 لا تجعلوا بيوتكم مقابر 182 لا تجعلوا قبري عيدا،و صلّوا عليّ 216 لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره 255 لا تزول قدما عبد يوم القيامة 255 لا تكثروا الكلام بغير ذكر اللّه 264 لا تنسنا يا أخي من دعائك 263 لا حول و لا قوة إلا باللّه 196 لا يدخل الجنة نمام 267 لا يزال لسانك رطبا بذكر اللّه 171 لا يقعد قوم يذكرون اللّه إلا حفتهم 170 لقد دعا اللّه باسمه العظيم 234 لقد سأل اللّه بالاسم الذي إذا سئل 234 لقد سألت اللّه باسمه الأعظم 234 لقد سألتني عن عظيم،و إنه ليسير 246 لقد قلت بعدك أربع كلمات 195 لقد قلت كلمة لو مزجت 267 لقيت إبراهيم صلوات اللّه عليه ليلة 195

ص: 302

الحديث الصفحة لما عرج بي مررت بقوم لهم 266 لو أن رجلا من أهل الجنة اطّلع 276 لو أن قطرة من الزقوم قطرت 273 لو أنكم كنتم تتوكلون على اللّه 256 لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا 127،254 لو ضرب بسيفه في الكفار 170 ليس المسكين الذي ترده التمرة 264 ليس المسكين الذي يطوف على الناس 264 ليهنك العلم يا أبا المنذر 181 -م- ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه 182،256 ما أجلسكم 170 ما أحب أني حكيت إنسانا 267 ما الذي تخوضون فيه 261 ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة 264 ما رأيك في هذا؟ 251 ما زلت على الحالة التي فارقتك 195 ما على الأرض مسلم يدعو اللّه بدعوة 238 ما فعل أسيرك؟ 181 ما المسئول عنها بأعلم من السائل 259 ما ملأ آدمي وعاء شرا من 264 ما من أحد يسلم علي إلا ردّ 216 ما من عبد يقول في صباح كل يوم 198 ما من يوم يصبح العباد به إلا 263 ما منكم من أحد إلا سيكلمه اللّه 674 ما يصيب المسلم من نصب 261 المتحابون في جلالي لهم منابر 257 الحديث الصفحة مثل الذي يذكر ربه و الذي 171 مثل البيت الذي يذكر اللّه فيه 171 المرء مع من أحب 90،257 المسلم أخو المسلم لا يظلمه 260 من أكل طعاما فقال:الحمد للّه الذي 213 من تعار من الليل فقال 204 من جلس في مجلس،و كثر فيه لغطه 244 من حسن إسلام المرء تركه 258 من خاف أدلج،و من أدلج بلغ 256 من دخل السوق فقال:لا إله إلا 197 من دخل سوقا فنادى بأعلى 198 من رأى شيئا فأعجبه فقال 208 من سبح اللّه في دبر كل صلاة 198 من ستر مسلما ستره اللّه 256 من سره أن يستجيب اللّه له 233 من سلك طريقا يلتمس فيه 256 من صلى عليّ واحدة صلى اللّه 215 من صلى الفجر في جماعة ثم قعد 172 من عادى لي وليا فقد آذنته 250 من قال إذا أصبح:اللهم إني أصبحت 209 من قال:أستغفر اللّه الذي لا إله 243 من قال حين يأوي إلى فراشه 203 من قال حين يصبح اللهم ما أصبح 212 من قال حين يصبح أو يمسي 200 من قال حين يصبح ثلاث مرات 202 من قال حين يصبح و حين يمسي 196 من قال حين يمسي:رضيت باللّه 199 من قال:سبحان اللّه العظيم و بحمده 45

ص: 303

الحديث الصفحة من قال:سبحان اللّه و بحمده غرست 195 من قال:سبحان اللّه و بحمده في يوم 194 من قال في دبر صلاة الصبح و هو 201 من قال في كل يوم حين يصبح و حين 209 من قال:لا إله إلا اللّه وحده 194،196،200 من قرأ آية الكرسي و أول حم 184 من قرأ بالآيتين من آخر 181 من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله 179 من قرأ سورة الدخان في ليلة 183 من قرأ سورة الواقعة في كل 183 من قرأ في ليلة: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ 184 من قرأ القرآن ثم نسيه 179 من قرأ(يس)في يوم و ليلة 183 من القرآن سورة ثلاثون آية 182 من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر 266 من لزم الاستغفار جعل اللّه له 245 من نفّس عن مؤمن كربة من كرب 256 من يسّر على معسر يسر اللّه 256 من يعوده منكم؟ 253 منهم من تأخذه النار إلى كعبيه 272 مؤمن يجاهد بنفسه و ماله 249 -ه- هذا حجر رمي به في النار من 273 هذا خير من ملء الأرض مثل هذا 251 هل رأى أحد منكم رؤيا 268 هم الذين لا يرقون و لا يسترقون 261 هم الذاكرون اللّه كثيرا و الذاكرات 169 الحديث الصفحة -و- و الذي نفسي بيده إنها لتعدل 180 و الذي نفسي بيده لقد دعا اللّه 234 و الذي نفسي بيده،لو لم تذنبوا 243 و اللّه للدنيا أهون على اللّه من هذا 248 و اللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا 255 و أولاد المشركين 270 و جبت محبتي للمتحابين فيّ 257 و ما هي؟ 181 -ي- يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا 236 يا أخا الأنصار كيف أخي سعد 253 يا أبا المنذر أ تدري أي آية 181 يا أبا هريرة،ما فعل أسيرك 181 يا عائشة الأمر أشد من أن 272 يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي 233 يا عمر أ تدري من السائل 259 يا غلام إني أعلمك كلمات 247 يا معاذ و اللّه إني لأحبك 235 يا معشر النساء تصدقن و أكثرن 344 يأتي عليكم أويس بن عامر 262 يحشر الناس يوم القيامة حفاة 272 يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء 248 يستجاب لأحدكم ما لم يعجل 239 يعرق الناس يوم القيامة حتى 274 يقال لصاحب القرآن:اقرأ 179

ص: 304

الحديث الصفحة يقول اللّه:أنا عند ظن 169 يقول اللّه:وجبت محبتي للمتحابين 257 يلقى على أهل النار الجوع فيعدل 273 ينزل اللّه سبحانه إلى السماء 204 ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء 204 الحديث الصفحة يؤتى بأنعم أهل الدنيا 263 يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون 271 يؤتى يوم القيامة بالقرآن و أهله 178 اليوم مضمار،و غدا السباق،و الغاية 155 ***

ص: 305

فهرس الأعلام

-ا- إبراهيم(عليه السلام)32،35،42،44، 112،195،218،219،269 إبراهيم بن أحمد الخواص 67،79،91،135، 136،137،173،185 إبراهيم بن أدهم،أبو إسحاق 26،59،65، 68،69،70،73،74،79،80،81، 94،120،122،132،148،163، 164،166،239،240 إبراهيم التميمي 192 إبراهيم بن شيبان 131،166 إبراهيم بن محمد الطبري،رضي الدين 29 إبراهيم بن معضاد الجعبري 156 إبليس 129 أبي بن كعب،أبو المنذر 181،206 أحمد،أبو حمدان المغازلي 75 أحمد بن جعد اليمني 160 أحمد بن حنبل،أبو عبد اللّه 59،112،186، 233،238 أحمد بن أبي الحواري 99 أحمد بن خضرويه 70 أحمد بن علي الرفاعي 159 أحمد بن موسى بن العجيل 105 الأحنف بن قيس 118،119،126 أبو إدريس الخولاني 233 آدم(عليه السلام)44،116،129،214، 215،274 الأزهري 177 أسامة بن زيد 252 أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم أبو إسحاق الشيرازي 260 أبو إسحاق بن طريف 139،142 إسرافيل(عليه السلام)116 الأسلمي نضلة بن عبيد أسمى 220 إسماعيل بن إبراهيم(عليهما السلام)196 إسماعيل بن محمد الحضرمي،أبو الذبيح 105، 110 الأسود حامد الأشجعي نوفل الأشعري أبو الحسن أبو مالك أبو موسى الأصفهاني نجم الدين الأصم حاتم ابن الأعرابي 177

ص: 306

الأعمش 273 الأغر المزني 242 إمام الحرمين أبو المعالي أبو أمامة الأنصاري الحارثي 178،236،263 امرؤ القيس 83،114 أنس بن مالك 172،179،180،200،203، 213،234،237،244،254،263، 266،276 الأنصاري أبو أيوب أبو لبابة أبو مسعود الأوزاعي 201،205 أوس بن أوس 215 أويس بن عامر القرني 88،262 أبو أيوب الأنصاري 196 -ب- الباز الأشهب أبو العباس بن سريج الباقلاني أبو بكر البجلي 148 البراء بن عازب 203 البراثي أبو عبد اللّه البراق 230 أبو برزة،نضلة بن عبيد الأسلمي 245،255 البرقاني 270 بريدة 234 البسطامي أبو يزيد بشر بن الحارث الحافي،أبو نصر 64،73،77، 124،125،162 أخت بشر الحافي 59 البصري الحسن البغدادي أبو حمزة أبو بكر الباقلاني 112 أبو بكر بن أبي داود 184 أبو بكر الزقاق 162 أبو بكر الشبلي 75،85،94،132،172، 175 أبو بكر الصديق 126،197،222،231، 235،284 أبو بكر بن العربي 149 أبو بكر الكتاني 71،102،162،174 أبو بكر الوراق 96،117 البلخي شقيق بلعام 129 بنان الحمال 138 البناني ثابت -ت- تاج الدين ابن عطاء اللّه 109،139،158 أبو تراب النخشبي 67،69،70،132 التستري سهل بن عبد اللّه التكروري علي التمار أبو نضرة تميم الداري 185،198 التميمي مسلم بن الحارث التيمي إبراهيم

ص: 307

-ث- ثابت البناني 129 ثوبان 199،201 الثوري سفيان -ج- جابر بن عبد اللّه 183،195،196،248 الجاوي مسعود جبريل(عليه السلام)70،89،90،170، 259،266،270 ابن أبي جرادة 160 جرير 278 الجريري 134،135،158،174 الجعبري إبراهيم بن معضاد ناصر الدين بن معضاد أبو جعفر الحداد،أستاذ الجنيد 75،132 جعفر بن محمد الصادق 117،118 جعفر بن نصير 135 جمال الدين الحويزائي 157 جمل 153 جندب بن جنادة أبو ذر الجنيد،أبو القاسم 64،71،92،94،100، 102،103،104،117،132،135، 136،137،161،162،163،164، 165،166،175،210 أستاذ الجنيد أبو جعفر الحداد الجوزي أبو العباس جوهر 65 جوهرة 86 جويرية بنت الحارث 195 الجيلاني عبد القادر -ح- حاتم الأصم 129 الحارث المحاسبي 116 الحارثي أبو أمامة الحافي بشر أبو حامد محمد بن محمد الغزالي حامد الأسود 173 امرأة حبيب العجمي عمرة أم حبيبة 264 الحداد أبو جعفر حذيفة 202،267 حذيفة المرعشي 68 ابن حرازم 108 أبو الحسن الأشعري 112 الحسن البصري 58،59،126 أبو الحسن الشاذلي،علي بن عبد اللّه 41،97، 108،109،130،131،157 حسن الصعيدي 109 الحسن بن علي بن أبي طالب 77،134 أبو الحسن المزين 102،165 أبو الحسن الواحدي 176 الحسين بن علي بن أبي طالب 218 حسين القاضي 208 أبو الحسين النوري 64،68،100،101، 134،155،164،165

ص: 308

الحضرمي إسماعيل بن محمد الحكمي 148 الحمال بنان أبو حمدان أحمد المغازلي حمدون القصار 66 أبو حمزة البغدادي 124 حمزة بن حبيب الزيات 186 أبو حمزة الخراساني 100 أبو حنيفة 124 الحويزائي جمال الدين الحيري أبو عثمان -خ- الخدري أبو سعيد الخراز أبو سعيد الخراساني أبو حمزة الخضر،أبو العباس 137،147،192،235، 237 أبو الخطاب عمر بن علي الخطيب عبد اللّه بن أبي بكر ابن خفيف أبو عبد اللّه الخنساء 78 الخواص إبراهيم بن أحمد أبو الخيار 140 -د- الداراني أبو سليمان الداري تميم داود(عليه السلام)42،91،214،234 داود الطائي 94،124 داود بن ماخلا الشاذلي،أبو سليمان 85 أبو الدرداء 169،209،234،236،273 الدستوائي هشام دعد 83 الدقاق أبو علي ابن دقيق العيد 148 الدينوري ممشاذ -ذ- أبو الذبيح إسماعيل بن محمد أبو ذر،جندب بن جنادة 134،201،202، 233،253،255،258 الذهيبي محمد بن أحمد،أبو عبد اللّه -ر- رابعة العدوية 134،146 الرازي يحيى بن معاذ رافع بن المعلى،أبو سعيد 180 بنت الربيع بن خثيم 124 أبو الربيع المالقي،سليمان 138،139،141، 155،187،188 ربيعة بن يزيد 233 رجاء بن حيوة 131 رضي الدين إبراهيم بن محمد الطبري الرفاعي أحمد بن علي الرقام 100 الروذباري أبو علي روح القدس 157

ص: 309

رويم،أبو محمد 65،175 رياح القيسي 87 -ز- الزقاق أبو بكر الزيات حمزة بن حبيب أبو زكريا محيي الدين النواوي أبو زيد القرطبي 139،210 -س- الساعدي سهل بن سعد أم سالم 49،83 السراج أبو نصر السري السقطي 92،104،116،124،129، 134،135،164 سعاد 61 سعد بن عبادة 179،253 سعد بن أبي وقاص 276 سعدى 47،54،55،149،153،223،224 أبو سعيد رافع بن المعلى سعيد بن جبير 125،185 أبو سعيد الخدري 71،170،180،203، 213،235،239،249،254،275، 277 أبو سعيد الخراز 91،118،164،166،175 سعيد بن سلم 107 سعيد بن عبد العزيز 233 سفيان الثوري 81،93،96،129،238 سفيان بن عيينة 134 سفيان اليمني 149 السقطي السري سلمى 49،83،85،150،220 سلمان الفارسي 252 أم سلمة 202 السلمي عطاء سليمان أبو الربيع المالقي أبو سليمان داود بن ماخلا أبو سليمان الداراني 99،123،125 سليمان بن داود(عليهما السلام)42 ابن السماك 164 سمرة بن جندب 194،268،272 سمنون المحب 71،75،90،93 السناط أبو علي السهروردي شهاب الدين سهل بن سعد الساعدي 251 سهل بن عبد اللّه التستري،أبو محمد 52،68، 93،118،120،123،131،135، 165،166،216،217،240 سويد بن منعة 90 السياري أبو العباس سيد بن علي الفخار،أبو محمد 187 -ش- الشاذلي أبو الحسن داود بن ماخلا أبو العباس المرسي أبو العباس بن المليق ياقوت

ص: 310

الشافعي محمد بن إدريس شاه بن شجاع الكرماني،أبو الفوارس 87،118 الشبلي أبو بكر الشحام 100 شداد بن أوس 243،249 شقيق البلخي 117 شهاب الدين السهروردي 158 الشيرازي أبو إسحاق -ص- الصادق جعفر بن محمد صخر 78 الصديق أبو بكر الصعيدي حسن الصفار عمر بن علي صفية 267 ابن الصلاح أبو عمرو صهيب 278 الصوري محمد بن المبارك الصوفي ابن الكاتب -ط- طاوس 124 الطائي داود الطبري إبراهيم بن محمد،رضي الدين -ع- العابدي 189 عائشة 178،183،184،223،237،244، 245،267،272 عبادة بن الصامت 204،238 أبو العباس الخضر أبو العباس الجوزي 139 أبو العباس بن سريج،الباز الأشهب 103 أبو العباس السياري 69 أبو العباس بن العريف 140،141،145،146 أبو العباس المرسي الشاذلي 108،109،114، 241 أبو العباس ابن الميلق الشاذلي 108 أبو عبد اللّه أحمد بن حنبل محمد بن أحمد الذهيبي محمد بن أحمد القرشي أبو عبد اللّه البراثي 86 عبد اللّه بن بسر 171 عبد اللّه بن أبي بكر الخطيب 70 عبد اللّه بن جعفر الطيار 76 عبد اللّه بن خبيب 182 أبو عبد اللّه بن خفيف 66،162 عبد اللّه بن رواحة 126 عبد اللّه بن سعيد بن كلاب 103 عبد اللّه بن عباس 126،209،245،247، 261،266،273 عبد اللّه بن عمر 197،203،243،244، 247،253،264 عبد اللّه بن عمرو بن العاص 179،235 عبد اللّه بن غنام 212 أبو عبد اللّه القصري المقرئ 190

ص: 311

عبد اللّه بن المبارك 59،73،79،119،129، 166 عبد اللّه بن مسعود 179،183،186،195، 206،215،233،237،243،259، 271،277 عبد القادر الجيلاني 157،159 عبد الواحد بن زيد 125 أبو عثمان الحيري 74،119،130،161، 172،214 عثمان بن عفان 126،185،198،222،223 أبو عثمان المغربي 97 العجمي حبيب عدي بن حاتم 274 ابن عربي أبو بكر عروة بن الزبير 72 عز الدين ابن عبد السلام 113،158 عزة 49،55،82،86،229 ابن عساكر أبو القاسم ابن عطاء 166 عطاء السلمي 125 ابن عطاء اللّه تاج الدين عقبة بن عامر 180،183،265 عكاشة بن محصن 261 العلاء بن زياد 125 علقمة بن قيس 172 علي التكروري 101 أبو علي الدقاق 58،118،122،129،130، 135،163،172،240 أبو علي الروذباري 130 أبو علي السناط 85 علي بن أبي طالب 58،72،116،126،184، 185،198،206،217،222،223، 276،284 علي بن عبد اللّه أبو الحسن الشاذلي علي بن الفضيل بن عياض 98،126 علي بن موسى(الوزير)120 عمار بن شبيب عمارة بن شبيب عمارة بن شبيب 200 عمر بن الخطاب 72،111،126،197،218، 222،223،256،258،259،262، 265 عمر بن عبد العزيز 72،112،126،131 عمر بن علي الصفار،أبو الخطاب 115 عمر بن الفارض 98،153 عمرة،امرأة حبيب العجمي 86 أبو عمرو بن الصلاح 176 عمرو بن عبسة 206 عيسى(عليه السلام)109،113 عيسى بن إقبال الهتار اليمني 107 ابن عيينة سفيان -غ- الغزالي محمد بن محمد أبو حامد أبو الغيث بن جميل اليمني 105،107،130 -ف- ابن الفارض عمر فاطمة بنت محمد صلى اللّه عليه و سلم 116،198،223

ص: 312

الفخار سيد بن علي فضالة بن عبيد 218 فضة 138 الفضيل بن عياض 63،97،98،116،123، 155،186 أبو الفوارس شاه بن شجاع -ق- أبو القاسم الجنيد أبو القاسم بن روبيل 140،141 أبو القاسم بن عساكر 111،200 أبو القاسم القشيري 116،121،124،176 القائم بأمر اللّه المهدي ابن قتيبة 177 قتيبة بن مسلم 197 القرشي محمد بن أحمد،أبو عبد اللّه القرطبي أبو زيد القسطلاني محمد بن أبي العباس قطب الدين القشيري أبو القاسم القصار حمدون القصري أبو عبد اللّه قطب الدين محمد بن أبي العباس القسطلاني قيس(المجنون)229 قيس بن عاصم المنقري 119 القيسي رياح -ك- ابن الكاتب الصوفي 185 الكتاني أبو بكر الكرخي معروف كرز بن وبرة 192 الكرماني شاه بن شجاع أبو كريمة المقدام بن معدي كرب كعب بن عجرة،أبو محمد 199،218 كعب بن مالك 264 -ل- أبو لبابة الأنصاري 142 أبو لهب 252 لؤي بن غالب 219 الليث بن سعد 79 ليلى 49،83،84،85،149،224،229، 252 -م- المالقي أبو الربيع مالك(خازن جهنم)269،273 أبو مالك الأشعري 195،197،236 مالك بن أنس 63،205 مالك بن دينار 64،66،119،122،125 مجاعة بن الزبير 186 مجاهد 176 المحاسبي الحارث أبو محمد رويم سهل بن عبد اللّه سيد بن علي الفخار كعب بن عجرة محمد بن أحمد الذهيبي،أبو عبد اللّه 210

ص: 313

محمد بن أحمد القرشي الهاشمي،أبو عبد اللّه 139،142،143،145،157،161، 245 محمد بن إدريس الشافعي 57،76،86،110، 112،123،154 محمد بن زاكي المقرئ 189،190 محمد بن أبي العباس القسطلاني،قطب الدين 111 محمد بن المبارك الصوري 80 محمد بن محمد الغزالي،أبو حامد 62،94، 95،108،109،110،111،112، 113،149،185،205،267 محمد بن النضر 214 محمد بن واسع 66 محيي الدين بن عربي 146،158 محيي الدين النواوي،أبو زكريا 27،113، 115،149،182،185،199،205، 208،219،233،244 أبو مدين 144،145 أبو مرثد 77 المرسي أبو العباس المرعشي حذيفة المزني الأغر المزين أبو الحسن أبو مسعود الأنصاري 181 مسعود الجاوي 211 مسلم بن الحارث التميمي 201 مسلمة بن عبد الملك 127 المصري ذو النون معاذ بن أنس 213 معاذ بن جبل 235،246،257،258 أبو المعالي،إمام الحرمين 104 معاوية بن أبي سفيان 170 معروف الكرخي 66 معقل بن يسار 202 المغازلي أبو حمدان المغربي أبو عثمان أبو هادي المغيرة بن شعبة 201 المقداد بن الأسود 116،272 المقدام بن معدي كرب،أبو كريمة 264 المقدسي هارون المقرئ أبو عبد اللّه القصري محمد بن زاكي ممشاذ الدينوري 161 أبو المنذر أبي بن كعب المنقري قيس بن عاصم منكر 283 المهدي القائم بأمر اللّه 142 موسى(عليه السلام)42،108،117،261 أبو موسى الأشعري 171،196،256،257، 275 مي 86 ميكائيل 270 ابن الميلق أبو العباس -ن- ناصر الدين بن إبراهيم بن معضاد الجعبري 156

ص: 314

نجم الدين الأصبهاني 94،114،158،185 النخشبي أبو تراب أبو نصر بشر بن الحارث أبو نصر السراج 93 أبو نضرة التمار 214 نضلة بن عبيد الأسلمي أبو برزة نعم 153 نعمى 220،282 النعمان بن بشير 232،258،272 النواوي محيي الدين نوح(عليه السلام)44،58،242 النوري أبو الحسين نوفل الأشجعي 184 النوفلي يحيى بن يزيد ذو النون المصري 71،81،92،115،137، 146،163،165،172،175 -ه- أبو هادي المغربي 77،95 هارون المقدسي 109 الهاشمي محمد بن أحمد الهتار عيسى بن إقبال أبو هريرة 72،122،169،170،180،181، 182،184،194،195،196،197، 198،199،202،204،207،212، 215،216،218،232،234،236، 239،243،244،248،250،251، 254،256،257،258،259،261، 263،264،265،266،273،274، 275،276،277 هشام الدستوائي 125 هند 47،83 -و- الواحدي أبو الحسن الواسطي 163،172 الوراق أبو بكر -ي- ياقوت الشاذلي 108 يحيى بن معاذ الرازي 74،96،117،122، 131،136 يحيى بن يزيد النوفلي 63 أبو يزيد البسطامي 59،69،70،71،121، 131،163 يعقوب(عليه السلام)191 يعقوب بن الليث 240 اليمني أحمد بن جعد سفيان عيسى بن إقبال الهتار أبو الغيث بن جميل يوسف بن أسباط 135 يونس(عليه السلام)89،90 ***

ص: 315

فهرس الجماعات و الأقوام و المذاهب

الأبدال 146،192 الأشعرية 283 الأنصار 72،200،235،253 البراهمة 190 البصرة(أهل)119،122 بغداد(أهل)136 الجن 42،166 الحشوية 109 الخراسانيون 213 الزنادقة 100 الشافعية 113 الشام(أهل)158،192،233 الشياطين 42،51،173 الصوفية 100،103،104،105،112،162 طيبة(أهل)229 العجم 114،137 العرب 240 علي بن أبي طالب(أولاد)58 قرن 262 قريظة(بنو)142 المالكية(علماء)112 المتكلمون 205 المجسمة 25 المجوس 26 مذهب أبي ثور 100 مراد 262 مصر(أهل)158 المعطلة 25 المولدون 137 النصارى 26 هاشم(أل)49،51،219 اليمن(أهل)107،186،262 اليهود 26 ***

ص: 316

فهرس الأماكن

أبو قبيس جبل أحد 221 الإسكندرية 80،142 بجاية 144 البحر المحيط 146 بدر 216 البطحاء 80 بسطام 59 البصرة 59،75،122 بغداد 75،148،149، البقيع 224 بلخ 65 بيت المقدس 59،80،216،277 بئر ميمون 102 الترك(بلاد)132 التوباذ 89 الجابية 277 جبل أبي قبيس 94 جبل لكام 136 جيحون 225 الحجاز 77،216 حراز 190 حنين 102 خراسان 59،117،197 دجلة 225 رامة 224 الروضة 227 زبيد 110 زقاق القناديل 147 زمزم 122 الشام 59،67،109،117،123،146، 277 سلع 221،224،227 سمرقند 138 سيحون 225 صفين 198 صنعاء 76،277 عالج 204 العجم(بلاد)114 عدن 65 العراق 117 عسقلان 80 العقيق 224 عواجة 148 الفرات 225 قبا 221،244،227

ص: 317

قبة النسر 109 القرافة 101 كاظمة 220 الكعبة 59،192،241 الكوفة 68،262 المدائن 75 المدينة 72،102،117،216 مسجد بني أمية 109 المسجد الحرام 94،118،127 مسجد دمشق 95 مسجد الشونيزية 136 المسجد النبوي 173 مصر(الديار المصرية)81،114،147 المصلى 221،224 المغرب 142 المغرب الأقصى 146 مقام إبراهيم 29،148،186 مكة 58،68،75،76،80،93،94،95، 102،114،120،141،143،148، 149 نجد 47،161،220،223،224 نعمى 53،220 نعمان 47،53،220،224،252،282 النقا 83،85،224،252 النيل 225 همدان 59 الهند(بلاد)190 اليمن 88،95،105،107،148،189، 190،277***

ص: 318

فهرس الكتب

إحياء علوم الدين:الغزالي 108،237 الإنجيل 236 التبيان في آداب حملة القرآن:النواوي 186 التعليق:القاضي أبو محمد حسين 208 التوراة 236 حزب البحر:أبو الحسن الشاذلي 41 الجامع سنن الترمذي الجامع سنن النسائي جامع الأصول:أبو السعادات بن الأثير 198 الدرر:اليافعي 278 الذيل على تاريخ بغداد:السمعاني 260 الرسالة 107 سنن الترمذي 31،169،170،171،172،179،180،182،184،195،196،197،198، 199،200،201،202،203،206،213،215،217،218،232،234،236،243، 244،246،247،248،249،254،255،256،257،258،262،264،265،267، 273،274،276،277 سنن أبي داود 31،179،182،184،196،197،198،199،200،201،202،203، 206،212،213،215،216،218،232،234،235،236،243،245،257،262، 263،266،267 سنن ابن ماجة 212،237،245،258 سنن النسائي 31،182،199،206،215،218،232،234،235،236 شرح السنة:أبو محمد البغوي 172 شرح صحيح مسلم:النووي 205

ص: 319

الشمائل:الترمذي 213 صحيح البخاري 31،111،169،171،180،181،194،202،204،243،247،250، 254،260،268،274 صحيح مسلم 31،111،169،170،171،178،180،181،182،194،195،196،198، 199،201،203،204،212،213،215،233،234،236،242،243،244،248، 251،253،256،258،260،261،262،263،265،266،271،272،273،274، 276،277،278 عمل اليوم و الليلة:النسائي 200 القرآن 178،179،184،185،186،187،188،190،191،236،238،265،269،270 المستدرك:الحاكم 170،197،199،237،239،243،245 مسند الدارمي 178 مسند أبي عوانة الأسفراييني 212 الموطأ 257 المهذب:الشيرازي 113 ***

ص: 320

فهرس الأيام

بدر 78 صفين 198 ***

فهرس الأمثال

لن تعدم الحسناء ذاما 111 ***

ص: 321

فهرس القصائد

-بهجة الأنوار في مدح النبي المختار صلى اللّه عليه و سلم و على آله و أصحابه السادات الكرام المدينة الشريفة الرضية 220 -ترياق العشاق في مدح حبيب الخلق و الخلاق صلى اللّه عليه و سلم إلى يوم التلاق السنية المنشآت في السفرة القدسية 220،226 -الدرة الفصيحة في الواعظ و النصيحة:اليافعي 151 -السنية المنشآت في السفرة القدسية ترياق العشاق في مدح حبيب الخلق و الخلاق صلى اللّه عليه و سلم إلى يوم التلاق:

اليافعي -شمس الإيمان في توحيد الرحمن،و عقيدة أهل الحق و الاتقان،و التشويق إلى الحنان و الحور الحسان، و التخويف من النيران و وعظ الإخوان:اليافعي -شهد الشفا في مدح المصطفى صلى اللّه عليه و سلم المكية الفاضلة الزكية 220،223 -غوالي المراهم التي لا تشترى بالدر و لا بالدراهم في وصف طبيبي العوالم،العارف باللّه و العالم:

اليافعي 48 -المدينة الشريفة الرضية بهجة الأنوار في مدح النبي المختار صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه السادات الكرام:اليافعي -المكية الفاضلة الزكية شهد الشفا في مدح المصطفى صلى اللّه عليه و سلم ***

ص: 322

فهرس الشعر

صدر البيت\القافية\البحر\القائل\عدد الأبيات\الصفحة -ء- على مثل حد السيف نسري إلى العلا\سما\طويل\/\2\249 كانت لقلبي أهواء مفرقة\أهوائي\البسيط\/\3\152 -ب- فليتك تحلو و الحياة مريرة\غضاب\الطويل\أبو فراس\3\88 أعيني مهاة القفر عنّي إليكما\رقيب\الطويل\/\1\85 أمرّ طريقا باللوى إن مررتما\أغيب\الطويل\اليافعي\3\85 بحق الهوى يا أهل وديّ تفهموا\غريب\الطويل\2\80 علي لربع العامرية وقفة\كاتب الطويل\/\أبو فراس\2\84 مقيم إلى أن يبعث اللّه خلقه\قريب\الطويل\/\2\128 هم الأسد ما الأسد الأسود تهابهم\نابه\الطويل\اليافعي\10\92 لقد شمروا في نيل كلّ عزيزة\حسابه\الطويل\اليافعي\10\55 ألا أيها السادات إن طريقكم\عقابه\الطويل\اليافعي\9\50 و ما هي إلا جيفة مستحيلة\اجتذابها\الطويل\الشافعي\2\57 ما في الصبابة منهل مستعذب\الأطيب\الكامل\الرفاعي\8\160 ألا يا نسيم الريح مالك كلّما\طيبا\الطويل\/\2\85 أحن إلى لمع السراب بأرضكم\الشرب\الطويل\إبراهيم الجعبري\3\156 إذا الغر عن غر المسائل سائل\فجوّب\الطويل\اليافعي\6\113 و قائلة مات الكرام فمن لنا\بنابه\الطويل\/\3\78 حقيقة العبد عندي في توكله\مطلوب\البسيط\/\2\67

ص: 323

رفعت مقامات الوصول حجابي\الحجاب\الكامل\/\6\156 ركوب النعش أنساهم ركوبا\النجاب\الوافر\اليافعي\4\57 بعلم لا بأعمال و قول\انتداب\الوافر\اليافعي\2\46 دواهي الدهر لا تخشى المنايا\ضراب\الوافر\اليافعي\3\54 و كم من مسبحات علقت في\للرقاب\الوافر\اليافعي\3\211 و يا شوقا إلى حسن بديع\الرقاب\الوافر\اليافعي\5\133 و قد أوطأت نعلي كلّ أرض\اغتراب\الوافر\النجم الأصبهاني\2\114 لعمرك ما الإنسان إلا ابن دينه\النسب\الطويل\/\2\252 -ت- إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها\قوّتها\الطويل\/\2\133 بك الشهور تهنّأ و المواقيت\اليواقيت\البسيط\ابن أبي جرادة\3\160 عجبت لمن يقول ذكرت ربي\نسيت\الوافر\/\2\175 قد كنت ميتا فصرت حيا\ميتا\مخلع البسيط\علي بن أبي طالب\2\73 و كانت على الأيام نفسي عزيزة\ذلّت\الطويل\/\2\65 أيا نفس للمغنى الأجل تطلبي\تقضّت\الطويل\داود بن ماخلا\7\85 سقوني و قالوا لا تغنّ و لو سقوا\لغنّت\الطويل\/\1\102 قفي حدثينا من حديث الأحبّة\المحبة\الطويل\اليافعي\/\30\27 و ما احترت حتى اخترت حبك مذهبا\حيرتي\الطويل\/\1\165 -ح- ألا أيها المغرور جهلا بعزلتي\صلاح\الطويل\اليافعي\5\49 لأحبابنا عيش عليه يناح\لقاح\الطويل\اليافعي\6\52 فما فاز بالمجد الأثيل من الورى\يسمح\الطويل\اليافعي\6\55 بمذهبهم قتل الغرام شهادة\مباح\الطويل\اليافعي\11\54 و لا قط تغبط أهل دنيا فإنهم\تفرح\الطويل\اليافعي\5\59 ألا إن حب الجاه و المال فتنة\أقبح\الطويل\اليافعي\2\64

ص: 324

و لو طردوني لذ عيشي بصحبتي\تنبح\الطويل\اليافعي\4\66 تكالبت في تجميع سحت حطامها\تكدح\الطويل\اليافعي\4\78 فلازم مكانا حين تعتزل الورى\يشرح\الطويل\اليافعي\4\95 و إياك إياك الرئاسة إنها\تجرح\الطويل\اليافعي\4\121 و بعد فهذي درة الحسن أقبلت\تمنح\الطويل\اليافعي\25\151 أبدا تحن إليكم الأرواح\الراح\الكامل\السهروردي\4\157 اغتنم ركعتين في ظلمة الليل\مستريحا\الخفيف\ابن المبارك\3\61 -د- أصم عن الشيء الذي لا أريده\أريد\الطويل\/\1\61 ما كل مقتبس نارا تلوح له\تعد\البسيط\/\1\84 قفي ثم أخبرينا يا سعاد\الفؤاد\الوافر\/\2\61 فقالت نعم قل غيره قلت منشدا\شدا\الطويل\اليافعي\4\82 ألا قل لساري الليل لا تخش ضلة\بلاد\الطويل\/\2\107 و لو طردوني كنت عبدا لعبدهم\الودّ\الطويل\/\2\139 قالت لطيف خيال زارها و مضى\تزد\البسيط\/\3\90 قوم همومهم باللّه قد علقت\أحد\البسيط\/\5\146 -ر- و أنت إذا أرسلت طرفك رائدا\المناظر\الطويل\/\2\61 و حتام لا تصحو و قد قرب المدى\السّكر\الطويل\/\2\61 تهون علينا في المعالي نفوسنا\مهر\الطويل\أبو فراس\1\79 و قائلة ما المجد للمرء و الفخر\مهر\الطويل\اليافعي\3\81 فقالت كذاك السكر و العذل و الستر\بدر\الطويل\اليافعي\7\83 متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده\يتخيّر\الطويل\/\2\247 تبارك من شكر الورى عنه يقصر\تحصر\الطويل\اليافعي\150\279 إيه أحاديث نعمان و ساكنه\أسمار\البسيط\/\2\47

ص: 325

شموسهم حادت الأبصار تبصرها\إبصار\البسيط\اليافعي\5\56 أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت\القدر\البسيط\/\2\129 بشراك بشراك هذا الربع و الدار\داروا\البسيط\اليافعي\70\220 أنست بوحدتي و لزمت بيتي\السرور\الوافر\الخليل بن أحمد\3\97 أخص الناس بالإيمان عبد\القفار\الوافر\/\6\249 لا تشتغل بالعتب يوما للورى\قصير\الكامل\/\5\60 أنوح على نفسي و أبكي خطيئة\الظهرا\الطويل\/\2\127 شغل المحب عن الحبيب بسره\سخره\الكامل\ابن عربي\3\147 و هم ينفقون المال في أول الغنى\الصبر\الطويل\الشريف الرضي\2\78 و لست بميال إلى جانب الغنى\الفقر\الطويل\/\1\79 صبرت و لم أطلع هواك على صبري\الصبر\الطويل\/\2\134 عن المنزل العالي أموه بالنقا\الضمائر\الطويل\اليافعي\1\83 حنين قلوب العاشقين إلى الذكر\للسرّ\الطويل\رويم\5\175 و لا عيش إلا مع رجال قلوبهم\للذكر\الطويل\ذو النون\1\175 تجنب قرين السوء و اصرم حباله\فداره\الطويل\/\3\257 و كم من فتى يمسي و يصبح آمنا\يدري\الطويل\علي بن أبي طالب\1\60 دليلك أن الفقر خير من الغنى\المثري\الطويل\علي بن أبي طالب\2\73 تفوح أرواح نجد من ثيابهم\الدار\البسيط\/\1\161 خذ من علومي و لا تنظر إلى عملي\تقصيري\البسيط\الخليل بن أحمد\1\47 النار آخر دينار نطقت به\الجاري\البسيط\/\2\69 إذا كسر الرغيف بكى عليه\بصخر\الوافر\أبو نواس\2\78 إذا العشرون من شعبان ولت\النهار\الوافر\/\2\148 أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر\عاري\الكامل\إبراهيم بن أدهم\3\68 أتمنى على الزمان محالا\حرّ\الخفيف\/\1\69 -س- و من فارق العيش الهني و أنسه\رمسه\الطويل\اليافعي\2\84 أيا من يرى الأسباب أعلى وجوده\الأنس\الطويل\/\3\166

ص: 326

أتيه فلا أدري من التيه من أنا\جنسي\الطويل\الخراز\2\166 إني جعلتك في الفؤاد محدثي\جلوسي\الكامل\رابعة\2\146 و كم من عبرة أصبحت فيها\قاسي\الوافر\أبو العتاهية\2\46 -ش- من سارروه فأبدى السر مجتهدا\عاشا\البسيط\/\3\84 -ض- كن عن همومك معرضا\القضا\مجزوء الرمل\/\4\150 -ع- بدنيا نبيع الدين فالدين ذاهب\ستنزع\الطويل\اليافعي\3\26 نهاري نهار الناس حتى إذا بدا\المضاجع\الطويل\/\2\91 عليك صلاة اللّه يا أكرم الورى\نافع\الطويل\اليافعي\10\219 و كيف قرّت لأهل العلم أعينهم\هجعوا\البسيط\ابن المبارك\3\255 أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به\خلعا\البسيط\/\3\144 إذا ما لم تكن ملكا مطاعا\مطيعا\الوافر\/\4\122 يا طالب العلم باشر الورعا\الشبعا\المنسرح\/\2\154 -ف- كفى شرفا أني مضاف إليكم\أعرف\الطويل\/\1\65 إذا بملوك الأرض قوم تشرّفوا\أشرف\الطويل\اليافعي\1\65 حذفت فضول النفس حتى رددتها\المتعفف\الطويل\/\3\137 فقالت و فى من كان في الحب مشغفا\الخفا\الطويل\اليافعي\6\82 أبي اللّه بيتا فيه باضت و فرّخت\كنائف\الطويل\اليافعي\11\51 يذكرهم عيشا بنعمان ناعما\العواصف\الطويل\اليافعي\4\53 نهاني حيائي منك أن أكشف الهوى\الكشف\الطويل\أبو حمزة\5\100

ص: 327

تخالف الناس في الصوفي و اختلفوا\معروف\البسيط\/\2\167 -ق- إذا طالبتك النفس يوما بحاجة\طريق\الطويل\/\2\70 إلى كم إلى ليلى و نعمان و النقا\مشوقا\الطويل\اليافعي\21\252 فلو في التقى أحصنت يا نفس عفة\التفرق\الطويل\الحويزائي\2\157 قد كان ذلك في الزجاجة باقيا\الباقي\الكامل\أحمد بن الجعد\1\161 -ك- ما إن ذكرتك إلا هم يتبعني\ذكراكا\البسيط\/\2\174 تركت الخلق طرا في رضاكا\أراكا\الوافر\إبراهيم بن أدهم\2\74 فلو دواك كل طبيب دير\شفاكا\الوافر\/\1\84 أحب الصالحين و لست منهم\بذاكا\الوافر\/\1\257 أيا فرقة الأحباب لا بدّ لي منك\عنك\الطويل\/\4\248 -ل- و غير تقي يأمر الناس بالتقى\عليل\الطويل\أبو عثمان الحيري\1\46 قفا حدثاني فالفؤاد عليل\غليل\الطويل\اليافعي\8\47 67\223 أسائل عن سلمى فهل من مخبر\تنزل\الطويل\/\1\85 و كيف تنام العين و هي قريرة\تنزل\الطويل\/\1\86 يقولون ما لا يفعلون و إنني\أفعل\الطويل\/\1\46 تزوّد قرينا من فعالك إنّما\يعمل\الطويل\/\2\89 و كنت قديما أطلب الوصل منهم\الجهل\الطويل\ابن عطاء اللّه\3\139 إذا أنعمت نعم علي بنظرة\جمل\الطويل\ابن الفارض\8\153 من اعتز بالمولى فذاك جليل\ذليل\الطويل\/\3\250 إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه\جميل\الطويل\السموأل\2\254

ص: 328

تعود بسط الكف حتى لو أنه\أنامله\الطويل\أبو تمام\2\78 رضوا بالأماني و ابتلوا بحظوظهم\ابتلّوا\الطويل\ابن الفارض\3\99 ما عودوني أحبائي مقاطعة\وصلوا\البسيط\/\2\139 الصبر يجمل في المواطن كلها\يجمل\الكامل\/\1\133 قد بقينا مذبذين حيارى\سبيل\الخفيف\/\2\148 و يا طيب عيش ناعم من رآك لم\مكتّل\الطويل\اليافعي\9\50 جنوا ثمر خوخ الخوف في روضة الرضا\التوكل\الطويل\اليافعي\4\52 و صابر فما نال العلا غير صابر\التململ\الطويل\اليافعي\11\56 فقالت أجل قل في محب معلل\تغزلي\الطويل\اليافعي\14\82 ذريني أنل ما لا ينال من العلا\السهل\الطويل\المتنبي\2\87 و إحيا علوم الدين طالعه تنتفع\المحصل\الطويل\اليافعي\6\112 تركت هدى سعدى و ليلى بمعزل\منزل\الطويل\الغزالي\2\149 و قائلة أنفقت عمرك مسرفا\دلاله\الطويل\/\2\156 و قائلة طال انتسابك دائما\بباله\الطويل\/\2\157 كيف السرور بإقبال و آخره\إقبال\البسيط\/\1\58 يا طالب العلم صارم كل بطال\ميّال\البسيط\/\2\154 ما إن ذكرتكم إلا نسيتكم\إهمال\البسيط\/\2\174 يروي جمالك قلبا أنت تعمره\العمل\البسيط\/\1\187 يرنحني إليك الشوق حتى\الشمال\الوافر\الشريف الرضي\3\106 بقدر الكد تكتسب المعالي\الليالي\الوافر\الشافعي\1\86 ما زلت أنزل من ودادك منزلا\نزوله\الكامل\/\1\101 -م- سقاهم كئوسا من مدامة حبه\يكتم\الطويل\اليافعي\2\25 تحلّى بأسماء الشهور فكفه\المحرم\الطويل\/\1\78 أراني بعيد الدار لم أقرب الحمى\خيام\الطويل\/\2\86 و ما الناس إلا واحد من ثلاثة\مقاوم\الطويل\الخليل بن أحمد\5\119 بدا لك سر طال عنك اكتتامه\ظلامه\الطويل\ابن العريف\4\146

ص: 329

و من يحمد الدنيا لعيش يسره\يلومها\الطويل\/\2\58 أما و اللّه لو علم الأنام\ناموا\الوافر\/\5\128 أنا إن مت فالهوى حشو قلبي\الكرام\الخفيف\/\1\102 سألت زماني لم أراك عقيما\قديما\الطويل\اليافعي\3\53 على مثل حد السيف نسري إلى العلا\سما\الطويل\/\2\249 خمص البطون من الطوى و أعفة\حراما\الكامل\/\1\61 من العلم و التقوى غوالي المراهم\بالدراهم\الطويل\اليافعي\33\48 إلا إنما الدنيا كأحلام نائم\بدائم\الطويل\/\2\58 نهارك بطال و ليلك نائم\البهائم\الطويل\/\1\61 بهند و دعد خوف واش و حاسد\سالم\الطويل\اليافعي\1\83 و اللّه لو علمت نفسي بمن علقت\القدم\البسيط\/\1\87 أنعي إليك قلوبا طال ما هطلت\الحكم\البسيط\/\1\103 -ن- و سائل عنهم ما ذا يقدمهم\بانوا\البسيط\/\2\249 احفظ لسانك أيها الإنسان\ثعبان\الكامل\/\2\246 إذا سعدوا أصحابنا و شقينا\رضينا\الطويل\جوهر\1\65 سألت طبيبي عن دوائي فقال لي\فتحزنا\الطويل\/\4\96 قال لنا حبيبنا ال\لنا\مجزوء الرجز\/\1\248 و مستخبر عن سر ليلى رددته\يقين\الطويل\/\2\84 أخي لن تنال العلم إلا بستّة\بيان\الطويل\الشافعي\2\154 يقولون زرنا و اقض واجب حقنا\عنّي\الطويل\/\2\88 وقفت على التوباذ حين رأيته\رآني\الطويل\/\3\89 كأن رقيبا منك يرعى خواطري\لساني\الطويل\/\6\152 ذكرتك لا أني نسيتك لمحة\لساني\الطويل\الشبلي\4\175 قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم\للمجانين\البسيط\ابن المعتز\2\88 أرى رجالا بأدنى الدين قد قنعوا\الدون\البسيط\/\2\137 لكسرة من جريش الخبر تشبعني\ترويني\البسيط\/\2\137

ص: 330

بنفسي من لدى الهيجا يعاني\الطعان\الوافر\اليافعي\5\47 نهاهم حبّه لما سقاهم\حسان\الوافر\اليافعي\6\54 عجوز السوء سودا الجسم شوها\حسان\الوافر\اليافعي\8\57 نون الهوان من الهوى مسروقة\هوان\الكامل\/\1\136 الخوف أولى بالمسيء\الحزن\مجزوء الكامل\/\2\92 -ه- كتمت الهوى عن غير أهل صبابة\كابة\الطويل\اليافعي\2\83 تفيض نفوس بأوصابها\بها\المتقارب\/\2\90 و لا خير فيمن لا يرى عيب نفسه\بأخيه\الطويل\/\1\74 فإن عبرت و أنت سليم قلب\السلامة\الوافر\الرفاعي\1\159 -ي- و إياك إياك الولايات إنها\ولي\الطويل\اليافعي\2\121 و كم للّه من لطف خفي\الذكي\الوافر\علي بن أبي طالب\5\247 إلهي ها أنا العاصي خليّا\للمساوي\الوافر\اليافعي\6\98 أما لو بيعت الدنيا بفلس\يشتريها\الوافر\/\1\249 أرى كلّ من ألهاك عن كسب طاعة\المصافيا\الطويل\اليافعي\5\26 و إني لأخشى أن أموت صبابة\هيا\الطويل\المجنون\2\84 و لما ادعيت الحب قالت كذبتني\كواسيا\الطويل\/\3\92 و ما كلّ من آوى إلى العز ناله\النواصيا\الطويل\الشريف الرضي\1\87

ص: 331

فهرس المثلثات

للّه قوم في الحمى كرام\نيام\/\اليافعي\4\251 ***

فهرس المخمسات

فناديت قلبي اسمع و خذ بالإشارة\بشارة\الطويل\/\3\150 من بان عن ربع من يهواه و الطلل\العذل\البسيط\اليافعي\40\226 ***

ص: 332

فهرس المصطلحات و الحيوان و الأشياء

الأدب 93،139 الإرادة 162 الاستغفار 245 أسماء اللّه 207 الأسود 91 الآفة 209 الاقتداء 95 أم غيلان 81 البخل 75 البغلة 68 البقل 136 البكاء 125 التزين 62 التصوف 71 التصوف(بناء)65 التقى 58 التكبر 73 التلاوة 186 التلقين 115،165 التواضع 73 الثور 105 الجبة 143 جمل 161 الجود الكرم الجوع 67،131 الحب 91 الحبس 120 الحجارة 119 الحلم 119 الحزن 130 الحمار 74 الحمام 118 الحياء 116 حيات 173 الختمة 185 الخلق 118 الخواطر 163 الخوف 129 الدعاء 235 الدعاء(تأخر الإجابة)239 دعاء الفرج 237 الدنيا 145 الذات 164 الذاكرون 176 الذكر 174 الراحة 81 الرضا 134 الرقص 104

ص: 333

رماد 118 الرمان 80 الرؤيا 216 الرئاسة 121 الزنابير 136 الزهد 123 الزينة التزين السبحة 210 السخاء 79 السكوت 124 السلامة 260 السلب 173 السماع 105 سويق 80 الشاة 138 الشبع 131 الشطحات 158 شعبان 44 الشكر 75،214 الشهوة 69،135 الشيطان 173 الصبر 132 الصحبة 74 الصدق 99،116 الصفات 205 الصلاة الإبراهيمية 219 صلاة الجماعة 94،145 الصمت 124 الطريق 155 الطي 186 طير 141 العارف 165 العبادة 64،152 العبودية 135 العري 144 العزلة 96 العصيدة 161 العطاء 75 العقبات 120 العقد 142 العلم 152 العمل 61 العين 208 الغفلة 172 الفتوة 117 الفقراء 161 الفقيه و الفقير 148 القراءة 186 القطب 158 قنبرة 81 الكبر التكبر الكرامات 147 الكرم 76 الكلام 103 الكلب 76 لا إله إلا اللّه 210 اللحن 147 المجاهدة 121

ص: 334

المحاسبة 134 المحبة 102 المحبة الحب المراقبة 134 المرقعات 64 المريد 140،162 المسبحة السبحة الملابس 143 الملك 144 الموت 175 نرجس 81 النزول 205 النفس(جوهر)93 الورع 59 ***

ص: 335

فهرس أبواب الكتاب و فصوله

مقدمة التحقيق 5 مقدمة الكتاب 25 الباب الأول:في ورد من الأذكار للمتنسك المتقرب بعد صلاة الصبح و العصر و المغرب 31 الباب الثاني:في شيء من الوعظ و مدح الصالحين و رياضاتهم و أقوالهم و معاملاتهم و فضائلهم و كراماتهم 46 الباب الثالث: في فضل الذاكرين و الذكر مطلقا و الحث عليه 168 الباب الرابع:في فضل تلاوة القرآن و أهله العاملين به 178 الباب الخامس:في فضل التسبيح و نحوه من الأذكار 194 الباب السادس:في فضل الحمد و الشكر للّه تعالى 212 الباب السابع:في فضل الصلاة على النبي صلى اللّه عليه و سلم و الحث عليها و في مدحه 215 الباب الثامن:في فضل الدعاء 232 الباب التاسع:في فضل الاستغفار و الندب إليه 242 الباب العاشر:في أحاديث في الترغيب و الترهيب 246 الفهارس العامة 287

ص: 336

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.