إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع

اشارة

نام كتاب: إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع

نويسنده: عبد الرحمن بن اسماعيل بن ابراهيم

موضوع: قرائت

تاريخ وفات مؤلف: 665 ق

زبان: عربى

تعداد جلد: 1

ناشر: دارالكتب العلمية

مكان چاپ: بيروت

سال چاپ: بى تا

نوبت چاپ: بى نا

ص: 1

فهرست المقدّمة

بين يدى الكتاب.

3 تصدير.

6 ترجمة الإمام الشاطبى.

7 الشيخ شهاب الدين أبو شامة.

8 مؤلفاته.

9 درر تتعلق بالعلم و طلبه.

9 الدرة الأولى:فيما يتعلق بطالب العلم فى نفسه و مع شيخه.

12 الدرة الثانية:فى حد القراءات و المقرئ و القارئ.

13 الدرة الثالثة:شروط المقرئ و ما يجب عليه.

16 الدرة الرابعة:فيما ينبغى للمقرئ أن يفعله.

17 «الخامسة:فى قدر ما يسمع و ما ينتهى إليه سماعه 18 «السادسة:فى ما يقرأ به.

19 «السابعة:فى الإقراء و القراءة فى الطريق.

20 «الثامنة:فى حكم الأجرة على الإقراء إلخ.

22 «التاسعة:تدوين القراءات.

22 من كتب القراءات و أنواعها و مناهجها.

23 الشاطبية و بعض شرّاحها.

26 مصادر التحقيق و مراجعه.

ص: 2

بين يدى الكتاب

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الذى أكرمنا بكتابه المنزل،و شرفنا نبيه المرسل،أحمده على ما ولانا من مننه،و خصنا به من جزيل نعمه،حمدا كثيرا طيبا مباركا.

و أشهد أن لا إله إلا اللّه،أضاء بالقرآن القلوب،سبحانه أنزله بأجزل لفظ و أعذب أسلوب.

و أشهد أن سيدنا محمدا رسول اللّه المطهر من الذنوب.

و صلّى اللّه على سيدنا محمد نبى الرحمة و مبلغ الحكمة و شفيع الأمة و على أهله و سلم تسليما.

و بعد:

فلا يعزب عن ذوى الألباب أن علم قراءة القرآن أقدم العلوم فى الإسلام نشأة و عهدا،و أشرفها منزلة و محتدا،حيث إن أول ما تعلّمه الصحابة من علوم الدين كان حفظ القرآن و قراءته.

ثم لما اختلف الناس فى قراءة القرآن و ضبط ألفاظه مسّت الحاجة إلى علم يميّز به الصحيح المتواتر و الشاذ النادر.و يتقرر به ما يسوغ القراءة به و ما لا يسوغ.وقاية لكلماته من التحريف،و دفعا للخلاف بين أهل القرآن،فكان ذلك العلم علم القراءة الذى تصدّر لتدوينه الأئمة الأعلام من المتقدمين.

و الحق أن تدوين علم القراءات أفاد المسلمين فائدة لم تحظ بها أمة سواهم،و ذلك أن البحث فى مخارج الحروف،و الاهتمام بضبطها على وجوهها الصحيحة،ليتيسر تلاوة كلمات القرآن على أفصح وجه و أبينه، كان من أبلغ العوامل فى عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الفصحى،و أسرارها و كانت ثمرة هذا الاهتمام و الجهد أن القرّاء تشربوا بمزايا اللغة العربية و قواعدها و دقائقها.

و مما يؤيد ذلك أن الكثيرين من قدماء النحويين ك«الفراء»«و الخليل بن أحمد الفراهيدى»

ص: 3

و«سيبويه»و«ابن كيسان»و«المبرد»و«الجرمى»و غيرهم،كانوا مبرّزين فى علم القراءات،كما كان الكثيرون من أئمة القراء ك«أبى عمرو بن العلاء»و«علىّ الكسائى»بارعين فى علم النحو.

هذا.فكل من يتصدى للنظر فى تاريخ اللغة العربية،و القضايا التى تتناولها كتب النحويين،أو للبحث فى تنوع اللغات و اختلافها،بحسب الأقطار و الأمصار،ينبغى له أن يتتبع علم القراءات و التجويد.

و من شرع فى درس معانى القرآن و استقصاء لطائفه و استخراج حقائقه،ثم اعتمد على القراءة الوحيدة التى يجدها فى المصحف الذى بين يديه فقط،من غير التفات إلى روايات الأئمة الآخرين،فقد غفل عن أمر ذى بال،هو:أنه لا فضل لإحدى الروايات على الأخرى فى الصحة فترجّح رواية على رواية.

هذا...

و لقد منّ اللّه على شخصى الضعيف إذ أعاننى على تحقيق و تقديم كتاب(إبراز المعانى من حرز الأمانى)فى القراءات السبع،الذى صنّفه الإمام الكبير«عبد الرحمن بن إسماعيل»المعروف بأبى شامة الدمشقى،و هو يعتبر و لا غرو من أنفع الكتب فى هذا العلم،و يعدّ من أجلّ التصانيف و ألطفها،إذ امتاز عن غيره-مع سبقه و تقدمه-بالتصدى لبيان توجيه القراءات من لغة العرب،و اهتمامه بقضايا الإعراب،و تفرده رحمه اللّه بإصلاح ما عنّ له إصلاحه من أبيات القصيد المبارك،استجابة منه لقول الناظم(و ليصلحه من جاد مقولا)كما اهتم بنظم ياءات الزوائد فى نهاية كل سورة من سور القرآن.

و لقد أحسن و أجاد،و أتقن و أفاد،حيث صنّف هذا الكتاب على نحو يقرب تناوله،و يسهل فهمه، و يخفف درسه،إذ خلا من الإفراط الممل،و نأى عن التفريط المخل.

و قد شغفت بأبى شامة حينما قرأت كتابه هذا،و حرصت جد الحرص على دراسته بإرادة قوية،و همة فتية،و نفس طلعة،و كنت كلما عاودت مطالعته و أطلت التأمل فيه بدت لى روعته،و تجلت دقته،فما من موضوع أتناوله بالبحث و التمحيص،إلاّ وجدت أضواء التحقيق تشرق من سماء عباراته،و أريج التدقيق يعبق من رياض أساليبه.

فلا عجب أن تظل كتبه الدوحة التى يتفيأ فى ظلالها الدارسون للقرآن و القراءات،و المنارة التى يهتدى بها الغائصون على درر الوجوه و الروايات.

و إنى إذ أقدمه إلى القراء:أرجو اللّه أن يحقق ما إليه قصدت،و فيه رغبت و يعلم اللّه مدى ما بذلت فيه من جهد.و ما أنفقت من وقت،و ما تقاضى من مشاق،و حسبى أنها خالصة لوجه اللّه،و فى سبيل اللّه.

ص: 4

و قد امتازت هذه الطبعة الجديدة بجمال الفسيق،مع ما أضفت إليها مع درر ثمينة،و فوائد مهمة جليلة،جعلتها بين يدى الكتاب.

أرجو اللّه أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم،و أن ينفعنا به فى الدنيا و الآخرة،إنه نعم المولى و نعم النصير.

إبراهيم عطوة عوض القاهرة غرة ربيع الأول سنة 1402 ه موافق 27 ديسمبر سنة 1891 م

ص: 5

ترجمة الإمام الشاطبى رضي اللّه عنه

اشارة

هو ولى اللّه:أبو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الرعينى الشاطبي (1)،نسبة إلى شاطبة[قرية «بجزيرة الأندلس»].

كان رحمه اللّه تعالى إماما فى علوم القرآن،ناصحا لكتاب اللّه تعالى،متقنا لأصول العربية،رحلة فى الحديث،تضبط نسخ الصحيحين من لفظه،غاية فى الذكاء،حاذقا فى تعبير الرؤيا،مجيدا فى النظم، متواضعا للّه تعالى،قدوة فى الصلاح،ذا بصيرة صافية،يلوح منه الكرامات.

كان يعذل أصحابه على أشياء ما اطلع عليها،و سمع الأذان بجامع مصر من غير المؤذنين مرارا،و كان محفوظ اللسان،يمنع جلساءه من فضول الكلام،لا يجلس للإقراء إلا متطهرا،خاشعا للّه تعالى،له تصانيف حسنة،فمن نظمه قصيدة دالية،فى كتاب التمهيد لابن عبد البر،من فهمها أحاط بالكتاب علما.

و منه:بكى النّاس قبلى،لا كمثل مصائبى بدمع مطيع كالسحاب الصوائب

و منه:يلوموننى إذا ما وجدت ملايما و مالى مليم حين سمت الأكادما

و منه فى ظاءات القرآن العظيم

و من نظمه:رائيّته فى الرسم فائقة،و راءيته فى العدد،و واسطة عقد تصانيفه القصيد الذى ساد فى الأمصار،و تلقاه بالقبول علماء الأعصار.

أخذ القراءة عن الشيخ الإمام أبى الحسن على بن هذيل،عن أبى داود سليمان بن أبى القاسم الأموى، عن الإمام أبى عمرو الدانى،و عن الشيخ أبى عبد اللّه محمد بن العاصى النّفزى،عن الشيخ أبى عبد اللّه محمد ابن الحسن،عن أبى الحسن على بن عبد الرحمن الأنصارى،و عن أبى داود سليمان الأموى على الشيخ أبى عمرو الدانى،رحمهم اللّه تعالى.

ولد آخر سنة ثمان و ثلاثين و خمسمائة،و توفي بمصر عصر الأحد آخر جمادى الآخرة سنة تسعين و خمسمائة و دفن بمقبرة البيسانى.[عرفت الناحية بسارية]بسفح جبل المقطم.

قلت مرثيا له:

سقت سحب الرضوان طلاّ و وابلا ثرى ضم شخص الشاطبى السّدد

إمام فريد بارع متورع صبور طهور ذو عفاف مؤيد

ذكا علمه،فاختاره الناس قدوة فكم عالم من دره متقلد

هنيئا ولى اللّه بالخلد ثاويا بعيش رغيد فى ظلال مؤبد.

ص: 6


1- غاية النهاية لابن جزى(طبقات القراء)و البداية و النهاية لابن كثير،و تذكرة الحفّاظ.

الشيخ شهاب الدين أبو شامة

عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان بن أبى بكر بن عباس:أبو محمد و أبو القاسم المقدسى، ثم الدمشقى الشافعى المقرئ النحوى الشيخ الإمام العالم الحافظ المحدّث الفقيه المؤرخ،المعروف بأبى شامة (1)شيخ دار الحديث الأشرفية،و مدرس الركنية.

*مولده:

ولد سنة تسع و تسعين و خمس مائة-و كمل القراءات و هو حدث.

*شيوخه:

الشيخ علم الدين السخاوى،و هو تلميذ الإمام الشاطبي،و روى الحروف عن أبى القاسم بن عيسى بالإسكندرية،و سمع الصحيح من داود بن ملاعب،و أحمد بن عبد اللّه السّلمى،و سمع مسند الشافعى من الشيخ موفق الدين المقدسى.

*و حبب إليه طلب الحديث سنة بضع و ثلاثين و ستمائة،فسمع أولا من كريمة،و أبى إسحاق بن الخشوعى، و طائفة،و أتقن علم اللسان،و برع فى القراءات،و تفقه على الفخر بن عساكر،و ابن عبد السلام،و السيف الآمدى،و الشيخ موفق الدين بن قدامة.

تلاميذه:

و أخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين حسين بن الكفرى،و حمد بن موفق اللبان،و أخذ عنه الحروف و شرح الشاطبية الشيخ شرف الدين أحمد بن سياح الفزارى،و إبراهيم بن فلاح الإسكندرانى.

مواهبه:

*و كان أوحد زمانه:كتب و ألف،و صنف الكثير فى أنواع من العلوم.

*و كان مع براعته فى العلوم:متواضعا،تاركا للتكلف،ثقة فى العقل.

*و كان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة عرف بها.

*و كان ذا فنون كثيرة.

قال علم الدين البرزالى الحافظ عن الشيخ تاج الدين الفزارى:إنه كان يقول:بلغ الشيخ شهاب الدين أبو شامة مرتبة الاجتهاد،و قد كان ينظم أشعارا فى أوقات،فمنها ما هو مستحلى،و منها ما لا يستحلى.فاللّه يغفر له و لنا.

ص: 7


1- البداية و النهاية،و تذكرة الحفاظ،و طبقات القراء.

و بالجملة:فلم يكن فى وقته مثله فى نفسه،و ديانته،و عفته،و أمانته.

وفاته:

و كانت وفاته بسبب محنة،ألّبوا عليه،و أرسلوا إليه من اغتاله و هو بمنزل له بطواحين الأشنان.

و قد كان انهم برأى[الظاهر براءته منه].

و قد قال جماعة من أهل الحديث و غيرهم:إنه كان مظلوما.و لم يزل يكتب فى التاريخ حتى وصل إلى رجب من هذه السنة.فذكر أنه أصيب بمحنة فى منزله بطواحين الأشنان.و كان الذين قتلوه جاءوه قبلا فضربوه ليموت،فلم يمت.فقيل له:أ لا تشتكى عليهم؟فلم يفعل،و أنشأ يقول:

[قلت لمن قال أ لا تشتكى ما قد جرى فهو عظيم جليل

يقيّض اللّه تعالى لنا من يأخذ الحق،و يشفى الغليل

إذا توكلنا عليه كفى فحسبنا اللّه و نعم الوكيل]

و لكنهم عادوا إليه مرة ثانية،و هو فى المنزل المذكور،فقتلوه بالكلية،فى ليلة الثلاثاء تاسع عشر رمضان،سنة خمس و ستين و ستمائة رحمه اللّه و دفن من يومه بمقابر دار الفراديس،و باشر بعده مشيخة دار الحديث الأشرفية الشيخ محيى الدين النووى.

و فى هذه السنة كان مولد الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالى.و قد ذيل على تاريخ أبى شامة،لأن مولده فى سنة وفاته،فحذا حذوه،و سلك نحوه،و رتب ترتيبه،و هذّب تهذيبه.

فللّه درّ الإمام أبى شامة قارئا،و مقرئا،و مؤلفا،و فقيها،و محدثا،و مؤرخا،و حافظا،و مجتهدا.

مؤلفاته

له مؤلفات مفيدة،و مصنفات عديدة،منها:

1-شرح كبير على حرز الأمانى لم يستكمل.

2-إبراز المعانى من حزر الأمانى(و هو الذى بين أيدينا).

3-كتاب الرد إلى الأمر الأول.

4-اختصار تاريخ دمشق،فى مجلدات.

5-كتاب فى المبعث.

6-كتاب فى الإسراء.

7-كتاب الروضتين فى الدولتين:النورية و الصلاحية.

8-الذيل على ذلك.

9-كتاب إنكار البدع.

ص: 8

الدرة الأولى

فيما يتعلق بطالب العلم فى نفسه و مع شيخه

ينبغى لطالب العلم أن يلزم مع شيخه الوقار،و التأدب،و التعظيم،فقد قالوا:(بقدر إجلال الطالب العالم ينتفع الطالب بما يستفيد من علمه).

و إن ناظره فى علم فبالسكينة و الوقار.

و ينبغى أن يعتقد أهليته و رجحانه،فهو أقرب إلى انتفاعه به،و رسوخ ما يسمعه منه فى ذهنه.

و قد قالت السادة الصوفية:«من لم بر خطأ شيخه خيرا من صواب نفسه:لم ينتفع».

فيما يتعلق بطالب العلم.

و قد كان بعضهم إذا ذهب إلى شيخه تصدق بشيء،و قال:«اللهم أستر عيب معلمى عنى،و لا تذهب بركة علمه منى».

و قال الشافعى رحمه اللّه تعالى:

«أول سطر كنت أتصفح الورقة بين يدى مالك تصفحا رقيقا.هيبة له،لئلا يسمع رقعها.

و قال الربيع:و اللّه ما اجترأت أن أشرب الماء و الإمام الشافعى ينظر إلىّ:هيبة له.

و عن الإمام على بن أبى طالب رضي اللّه عنه قال:

من حق المتعلم أن يسلّم على المعلم خاصة،و يخصه بالتحية.و أن يجلس أمامه،و لا يشير عنده بيده،و لا يغمزن بعينه غيره،و لا يقولن له:قال فلان خلاف قولك،و لا يغتاب عنده أحدا،و لا يساور فى مجلسه، و لا يأخذ بثوب،و لا يلح عليه إذا كسل،و لا يشبع من طول صحبته.

و قال بعضهم:كنت عند شريك رحمه اللّه تعالى،فأتاه بعض أولاد المهدى،فاستند إلى الحائط و سأله عن حديث،فلم يلتفت إليه،فأقبل إلينا،ثم عاد فعاد مثل ذلك:

فقال:أ تستخف بأولاد الخلفاء؟.

قال:لا،و لكن العلم أجل عند اللّه أن أصونه.

فجثى على ركبتيه.

فقال شريك.هكذا يطلب العلم.

و قالوا.من آداب المتعلم أن يتحرى رضى المعلم،و إن خالف رضى نفسه،و لا يفشى له سرا،و أن يرد

ص: 9

غيبته إذا سمعها،فإن عجز فارق ذلك المجلس،و أن لا يدخل عليه بغير إذن،و إن دخل جماعة قدموا أفضلهم و أسنهم،و أن يدخل كامل الهيئة فارغ القلب من الشواغل،متطهرا متنظفا بسواك،و قص شارب و ظفر، و إزالة رائحة كريهة،و يسلم على الحاضرين كلهم بصوت يسمعهم إسماعا محققا،و لا يخص الشيخ بزيادة إكرام و كذلك يسلم إذا انصرف.ففي الحديث الأمر بذلك،و لا يتخطى رقاب الناس،و يجلس حيث انتهى به المجلس،إلا أن يصرح له الشيخ و الحاضرون بالتقدم و التخطى،أو يعلم من حالهم إيثار ذلك،و لا يقيم أحدا من مجلسه،فإن آثره غيره بمجلسه لم يأخذه إلاّ أن يكون فى ذلك مصلحة للحاضرين،بأن يقربه عن الشيخ،و يذاكره،فينتفع الحاضرون بذلك.

و لا يجلس فى وسط الحلقة إلا لضرورة.و لا بين صاحبين إلا برضاهما،و إذا فسحا له قعد و ضم، و يحترس فى القرب من الشيخ،ليفهم كلامه فهما كاملا بلا مشقة،و هذا بشرط أن لا يرتفع فى المجلس على أفضل منه،و يتأدب مع رفيقه و حاضرى المجلس.فإن التأدب معهم تأدب للشيخ،و احترام لمجلسه،و يعقد قعدة المتعلمين،لا قعدة المعلّمين،و ذلك بأن يجثوا على ركبتيه كالمتشهد،غير أنه لا يضع يديه على فخذيه.

و ليحذر من جعلى يده اليسرى خلف ظهره معتمدا عليها،ففي الحديث:«إنها قعدة المغضوب عليهم» [رواه أبو داود فى سننه].

و لا يرفع صوته رفعا بليغا،و لا يكثر الكلام،و لا يلتفت بلا حاجة بل يقبل على الشيخ مصغيا له، فقد جاءت الرواية:«حدّث الناس ما رموك بأبصارهم»أو نحوه.

و لا يسبقهم إلى شرح مسئلة أو جواب سؤال.إلا إن علم من حال الشيخ إيثارا،ليستدل به على علىّ فضيلة المتعلم،و لا يقرأ عنده حال اشتغال قلب الشيخ و ملله،و لا يسأل عن شيء فى غير موضعه،إلا إن علم من حاله أنه لا يكرهه،و لا يلح فى السؤال إلحاحا مضجرا،و إذا مشى معه كان يمين الشيخ،و لا يسأله فى الطريق،فاذا وصل الشيخ إلى منزله فلا يقف قبالة بابه.كراهة أن يصادف خروج من يكره الشيخ اطلاعه عليه،و يغتنم سؤاله عن طيب نفسه و فراغه،و يتلطف فى سؤاله،و يحسن خطابه،و لا يستحى من السؤال عن ما أشكل عليه.بل يستوضحه أكمل استيضاح،فقد قيل:

من رق وجهه عند السؤال:ظهر نقصه عند اجتماع الرجال.

و عن الخليل بن أحمد.منزلة الجهل بين الحياء و الأنفة.

و ينبغى له إذا سمع الشيخ يقول مسئلة،أو يحكى حكاية و هو يحفظها أن يصغى إليها إصغاء من لا يحفظها إلا إذا علم من الشيخ إيثاره بأن المتعلم حافظ.

ص: 10

و ينبغى أن لا يترك وظيفة الفروض مع مرض خفيف و نحوه،مما يمكن الجمع بينهما،و لا يسأل تعنتا و لا تعجيزا،فلا يستحق جوابا،و من أهم حاله أن يحصل على الكتاب بشراء أو غيره،و لا يشتغل بنسخ كتاب أصلا،فان آفته ضياع الأوقات فى صناعة أجنبية عن تحصيل العلم،و ركون النفس لها أكثر من ركونها لتحصيله،و قد قال بعض أهل الفضل.

«أودّ لو قطعت يد الطالب إذا نسخ».فأما شيء يسير فلا بأس به،و كذا إذا دعاه إلى ذلك قلة ما بيده من الدنيا،و ينبغى أن لا يمنع عارية كتاب لأهله،و قد ذمه السلف و الخلف ذما كثيرا.

قال الزهرى،إياك و غلول الكتب،[و هو حبسها عن أصحابها].

و عن الفضيل:ليس من أهل الورع،و لا من أفعال الحكماء أن يأخذ متاع رجل،و كتاب رجل فيحبسه عنه.

و قال رجل لأبى العتاهية:أعرنى كتابك؟ فقال:إنى أكره ذلك.

فقال:أما علمت أن المكارم موصولة بالمكاره،فأعاره.

فهذه نبذة من الآداب لمن اشتغل بهذا الطريق،و لا تستغن عن تذكرها لتكون معينة على تحصيل المرام و الخروج من الظلام إلى النور،و اللّه تعالى هو المنان،ذو الجود و الإكرام.

ص: 11

الدرة الثانية

فى حد القراءات و المقرئ و القارئ

فالقراءات علم بكيفية أداء كلمات القرآن و اختلافها معزوّ الناقلة.

فخرج:اللغة،و النحو،و التفسير.

ثم إنّ ترجيح بعض وجوه القراءات على بعض،إنما هو باعتبار موافقة الأفصح،أو الأشهر،أو الأكثر من كلام العرب،و إلا فالقرآن واحد بالذات متفقه و مختلفه،لا تفاضل فيه.

و موضوع علم القراءات:كلمات الكتاب العزيز من الجهة المذكورة.

و فائدته:صيانته عن التحريف و التغيير،مع ما فيه من فوائد كثيرة،تبنى عليها الأحكام.و لم تزل العلماء تستنبط من كل حرف يقرأ به قارئ معنى؛لا يوجد فى قراءة الآخر.

فالقراءات حجة الفقهاء فى الاستنباط،و محجتهم فى الاهتداء إلى سواء الصراط.مع ما فى ذلك من التسهيل على الأمة،و إظهار شرفها،و إعظام أجرها،من حيث إنهم يفرغون جهدهم فى تحقيق ذلك و ضبطه،حتى مقادير المدّات،إلى غير ذلك.

و المقرئ:من علم بها أداء،و رواها مشافهة،فلو حفظ كتابا أمتنع إقراؤه بما فيه إن لم يشافهه من شيوخه مشافهة،بها مسلسلا.

و القارئ المبتدئ:من أفرد إلى ثلاث روايات،و المنتهى من نقل منها أكثرها.

ص: 12

الدرة الثالثة

شروط المقرئ و ما يجب عليه

شرطه:أن يكون:مسلما،مكلّفا،ثقة،مأمونا،ضابطا،خاليا من أسباب الفسق و مسقطات المروءة.

أما إذا كان مستورا،و هو ظاهر العدالة،و لم تعرف عدالته الباطنة،فيحتمل أنه يضره كالشهادة.

و الظاهر أنه لا يضره،لأن العدالة الباطنة تفسر معرفتها على غير الحكام.ففي اشتراطها حرج على غير الطلبة و العوام.

و يجب عليه أن يخلص النية للّه تعالى فى كل ما يقربه إليه تعالى.

و علامة المخلص ما قال ذو النون المصرى رحمه اللّه:«أن يستوى عنده المدح و لذم من العامة،و نسيان رؤية الأعمال فى الأعمال،و اقتضاؤه ثواب الأعمال فى الآخرة.

و ليحذر كل الحذر من:الرياء،و الحسد،و الحقد،و احتقار غيره،و إن كان دونه،و العجب و قلّ من يسلم منه.

و قد روى الكسائى أنه قال:صليت بالرشيد فأعجبتنى قراءتى،فغلطت فى آية ما أخطأ فيها صبيتى قط.

أردت أن أقول-لعلهم يرجعون-فقلت لعلهم يرجعين.

فو اللّه ما اجترأ هارون الرشيد أن يقول لى أخطأت،و لكنه لما سلّمت قال:يا كسائى،أى لغة هذه؟.

قلت:يا أمير المؤمنين:قد يعثر الجواد قال:أما،فنعم.

و من هذا قال الشيخ محى الدين النووى رحمه اللّه.

و ليحذر،من كراهة قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به،و هذه مصيبة ابتلى بها بعض المسلمين الجاهلين، و هى دلالة بينة من صاحبها على سوء نيته و فساد طويته؛بل هى حجة قاطعة على عدم إرادته وجه اللّه تعالى، و إلا لماكره ذلك،و قال لنفسه:إن أردت الطاعة فقد حصلت.

و يجب عليه قبل أن ينصّب نفسه للاشتغال بالقراءات أن يعلم من الفقه ما يصلح به أمر دينه،و تندب الزيادة حتى يرشد جماعته فى وقوع أشياء من أمر دينهم،و يعلم من الأصول ما يدفع به شبهة طاعن فى قراءة و من النحو و الصرف طرفا لتوجيه ما يحتاج إليه،بل هما أهمّ ما يحتاج إليه المقرئ.و إلا فخطؤه أكثر من أصابته،و ما أحسن قول الإمام الحضرمى فيه شعرا:

لقد يدّعى علم القراءة معشر و باعهموا فى النّحو أقصر من شبر

ص: 13

فإن قيل:ما إعراب هذا و وجهه رأيت طويل الباع يقصر عن فتر

و يعلم من:اللغة و التفسير طرقا صالحا.

و أما معرفة الناسخ و المنسوخ فمن لوازم المجتهدين،فلا يلزم المقرئ،خلافا للجعبرى.

و يلزم حفظ كتاب يشتمل على القراءة التى يقرأ بها.و إلاّ داخله الوهم و الغلط فى الإسناد.

و إن قرأ و هو غير حافظ فلا بد أن يكون ذاكرا لكيفية قراءته و تلاوته به حالة تلقيه من شيخه،فإن شك فليسأل رفيقه أو غيره ممن قرأ بذلك الكتاب حتى يتحقق و إلا فلينبه على ذلك فى الإجازة.

فأما من نسى أو ترك فلا يقرأ عليه به إلا لضرورة،مثل أن ينفرد بسند عال.أو طريق لا يوجد عنده غيره.و إن كان القارئ عليه ذاكرا،عالما بما يقرأ عليه جاز الأخذ عنه،و إلاّ حرم.

و ليحذر الإقراء بما يحسن:رأيا،أو وجها،أو لغة،دون رواية.

و لقد وضّح ابن مجاهد غاية الإيضاح حيث قال:

لا تغتروا بكل مقرئ،إذ الناس طبقات.

فمنهم من حفظ الآية،و الآيتين،و السورة و السورتين.و لا علم له غير ذلك.فلا تؤخذ عنه القراءة،و لا تنقل عنه الرواية.

و منهم:من حفظ الروايات و لم يعلم معانيها،و لا استنباطها من لغات العرب و نحوها.فلا يؤخذ عنه؛ لأنه ربما يصحّف.

و منهم من علم العربية و لا يتبع المشايخ و الأثر،فلا تنقل عنه الرواية.

و منهم من فهم التلاوة،و علم الرواية،و يقصد للقراءات،و ليس الشرط أن يجتمع فيه جميع العلوم.إذ الشريعة واسعة و العمر قصير(أه)مختصرا.

و يتأكد فى حقه:تحصيل طرف صالح من أحوال الرجال و الأسانيد و هو أهم ما يحتاج إليه.و قد وهم كثير لذلك،فأسقطوا رجالا،و سمعوا آخرين،لا بغير أسمائهم.و صحّفوا أسماء رجال.

و يتأكد أيضا أن لا يخلى نفسه من الخلال الجيدة من التقلل من الدنيا و الزهد فيها،و عدم المبالاة بها.و بأهلها و السخاء،و الصبر،و الحلم،و مكارم الأخلاق.و طلاقة الوجه[لكن لا يخرج إلى حد الخلاعة]و ملازمة الورع،و السكينة،و التواضع.

ص: 14

و ينبغى أن يكون حريصا على التعلم،مواظبا عليه،فى جميع أوقاته،ليلا و نهارا،فقد قال الشافعى رحمه اللّه تعالى فى رسالته:

حق على طلبة العلم بلوغ نهاية جهدهم فى الاستكثار من العلم،و يتصبرون على كل عارض بإخلاص النية للّه تعالى،و الرغبة إلى اللّه تعالى فى الهون عليه.

و فى صحيح مسلم:(لا يستطاع العلم براحة الجسم).

فائدة قال الخطيب البغدادى،أجود أوقات الحفظ الأسحار،ثم نصف النهار،ثم الغداة.و حفظ الليل أنفع من حفظ النهار،و وقت الجوع أنفع من وقت الشبع،و أجود أماكن الحفظ كل موضع بعد عن الملهيات، و ليس الحفظ بمحمود بحضرة النبات و الخضرة،و قوارع الطرق،لأنها تمنع خلو القلب،و ينبغى أن يصبر على جفوة شيخه،و سوء خلقه،و لا يصده ذلك عن ملازمته،و اعتقاد كماله،و يتأول أفعاله التى ظاهرها الفساد تأويلات،و إذا جفاه الشيخ ابتدأه بالاعتذار،و إظهار الذنب له و العتب عليه.

و قد قالوا:من لم يصبر على أذى التعليم بقى عمره فى غاية الجهالة،و من صبر عليه آل أمره إلى عن الآخرة و الدنيا.

و عن أنس رضي اللّه عنه أنه قال.

(ذلك طالبا فعززت مطلوبا).

و ينبغى أن يغتنم التحصيل فى وقت الفراغ و الشباب،و قوة البدن،و استراحة الخاطر،و قلة الشواغل قبل عوارض البطالة و ارتفاع المنزلة،فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال:

(تفقهوا قبل أن تسودوا).

و قال الشافعى رضي اللّه عنه.

تفقه قبل أن ترأس.فإذا تراست فلا سبيل لك إلى التفقه).

و يكتب كل ما سمعه،ثم يواظب على حلقة الشيخ،و يعتنى بكل الدروس،فإن عجز اعتنى بالأهم.

و ينبغى أن يرشد رفقته و غيرهم إلى مواطن الاشتغال و الفائدة،و يذكر أهم ما استفاده:على جهة النصيحة و المذاكرة،و بإرشاده يبارك له فى علمه،و تتأكد المسائل معه مع جزيل ثواب اللّه تعالى،و من فعل ضد ذلك كان بضده.فإذا تكاملت أهليته،و اشتهرت فضيلته،اشتغل بالتصنيف،و جدّ فى الجمع و التأليف و اللّه الموفق.

ص: 15

الدرة الرابعة

فيما ينبغى للمقرئ أن يفعله

ينبغى له:تحسين الزى لقوله صلّى اللّه عليه و سلم«إنّ اللّه جميل يحب الجمال»و ترك الملابس المكروهة و غير ذلك،مما لا يليق به.

و ينبغى له أن لا يقصد بذلك توصّلا إلى غرض من أغراض الدنيا،من:مال،أو رئاسة،أو وجاهة، أو ثناء عند الناس،أو صرف وجوههم إليه،و نحو ذلك.

و ينبغى إذا جلس أن يستقبل القبلة،و أن يكون على طهارة كاملة،جاثيا على ركبتيه،و أن يصون عينيه حال الإقراء عن تفريق نظرهما من غير حاجة،و يديه عن العبث،إلاّ أن يشير للقارئ إلى المد،و الوقف، و الوصل.و غير ذلك مما مضى عليه السلف،و أن يوسع مجلسه ليتمكن جلساؤه فيه.

كما روى أبو داود،من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:(خير المجالس أوسعها).

و أن يقدّم الأوّل فالأوّل.فإن أسقط الأوّل حقه لغيره قدمه.هذا ما عليه الناس و روى أنّ حمزة كان يقدم الفقهاء،فأول من كان يقرأ عليه سفيان الثورى.

و كان السّلمىّ و عاصم يبدآن بأهل المعايش،لئلا يحتبسوا عن معايشهم.

و الظاهر أنهما كانا يفعلان ذلك؛إلا فى حق جماعة يجتمعون للصلاة بالمسجد،لا يسبق بعضهم بعضا، و إلا فالحق للسابق،لا للشيخ.

و أن يسوّى بين الطلبة بحسبهم،إلا أن يكون أحدهم مسافرا.أو يتفرس فيه النجابة،و غير ذلك.

ص: 16

الدرة الخامسة

فى قدر ما يسمع و ما ينتهى إليه سماعه

الأصل:أن هذا طاقة،فالطلبة فيه بحسب وسعهم.

و أما ما روى عن السلف أنهم كانوا يقرءون ثلاثا ثلاثا،و خمسا خمسا،و عشرا عشرا.لا يزيدون على ذلك،فهذه حالة المتلقّين.

و بلغت قراءة ابن مسعود على النبى صلّى اللّه عليه و سلم من أول النساء إلى قوله تعالى (وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) .

و سمع نافع لورش القرآن كله فى خمسين يوما.

و قرأ الشيخ نجم الدين مؤلف«الكنز»القرآن جميعا كلّه على الشيخ تقى الدين بن الصائغ،لما رحل إليه لمصر فى سبعة عشر يوما، و قرأ شيخنا شمس الدين الجزرى على الشيخ شمس الدين بن الصائغ من أول النحل اولة الجمعة و ختم ليلة الخميس فى ذلك الأسبوع للقراء السبع بالشاطبية و التيسير،و العنوان.

قال:و آخر مجلس ابتدأت فيه من أول الواقعة،و لم أزل حتى ختمت.

قال:و قدم علىّ رجل من حلب،فختم لابن كثير فى خمسة أيام،و للكسائى فى سبعة أيام.

و قرأ الشيخ شهاب الدين بن الصحان على الشيخ ابن العباس بن نحلة ختمة لأبى عمرو من وراء بيته فى يوم واحد، و لما ختم قال للشيخ:هل رأيت أحدا يقرأ هذه القراءة؟.فقال:لا تقل هكذا،و لكن قل:أ رأيت شيخا يسمع هذا السماع؟.

و أعظم ما سمعت فى هذا الباب:أن الشيخ مكين الدين الأسمر دخل يوما إلى الجامع بالإسكندرية، فوجد شيخا ينظر إلى أبواب الجامع.فوقع فى نفس المكين أنه رجل صالح.و أنه يعزم على الرواح إلى جهنه ليسلم عليه،ففعل ذلك.و إذا به ابن وثيق.و لم يكن لأحدهما معرفة بالآخر و لا رؤية،فلما سلّم عليه،قال للمسكين:أنت عبد اللّه بن منصور؟قال:نعم.قال:ما جئت من الغرب إلا بسببك:لأقرأك القراءات.

فقرأ عليه المسكين فى تلك الليلة القرآن من أوله،جمعا للسبع.

و عند طلوع الشمس:إذا به يقول-من الجنّة و الناس-فختم عليه القرآن للسبع فى ليلة واحدة.

ص: 17

الدرة السادسة

فيما يقرأ به

لا يجوز له أن يقرأ إلا بما قرأ أو سمع،فإن قرأ نفس الحروف المختلف فيها خاصة أو سمعها،و ترك ما اتفق عليه جاز إقراؤه القرآن بها اتفاقا،بالشرط.و هو:أن يكون ذاكرا كما تقدم.

لكن لا يجوز له أن يقول قرأت بها القرآن كلّه.

و أجاز ابن مجاهد و غيره أن يقول القارئ قرأت برواية فلان القرآن من غير تأكيد،إذا كان قرأ بعض القرآن.و هو قول لا يعوّل عليه،لأنه تدليس فاحش،يلزم منه مفاسد كثيرة.

و هل يجوز أن يقرأ بما أجيز له على أنواع الإجازة،جوّزه الجعبرى مطلقا،و الظاهر أنه تلا بذلك على غير ذلك الشيخ و سمعه،ثم إن أراد أن يعلى سنده بذلك الشيخ،أو يكثر طرة:جاز و حسن،لأنه جعلها متابعة.و قد فعل ذلك أبو حيان فى التجريد و غيره عن ابن البخارى و غيره متابعة.

و كذلك فعل الشيخ تقى الدين بن الصباغ بالمستنير،عن الشيخ كمال الدين الضرير،عن الشيخ السّلمى.

و قد قرأ بالإجازة أبو معشر الطبرى،و تبعه الجعبرى و غيره،و فى النفس منه شيء،و لا بد مع ذلك من اشتراط الأهلية.

ص: 18

الدرة السابعة

فى الإقراء و القراءة فى الطريق

قال مالك رحمه اللّه تعالى:،ما أعلم القراءة تكون فى الطريق.

و روى عن عمر بن عبد العزيز أنه أذن فيها.

و قال الشيخ محى الدين النووى رحمه اللّه تعالى:و أما القراءة فى الطريق:المختار أنها جائزة غير مكروهة، إذا لم يلته صاحبها،فإن التهى عنها كره،كما كره النبى صلّى اللّه عليه و سلم القراءة للناس مخافة الغلط.

قال شيخنا:و قرأت على ابن أبى الصباغ فى الطريق غير مرة:تارة نكونا ماشيين،و تارة يكون راكبا و أنا ماش.

و أخبرنى غير واحد:أنهم كانوا يستشيرون بيوم يخرج فيه لجنازة.

قال القاضى محب الدين الحلبى:كثيرا ما كان يأخذنى فى خدمته،فكنت أقرأ عليه فى الطريق.

و قال عطاء بن السائب:كنا نقرأ على ابن أبى عبد الرحمن السّلمى و هو يمشى.

قال السخاوى:و قد عاب علينا يوما الإقراء فى الطريق.و لنا فى أبى عهد الرحمن السّلمى أسوة حسنة، و قد كان ممن هو خير منا قدوة.

ص: 19

الدرة الثامنة

فى حكم الأجرة على الإقراء،و قبول هدية القارئ

أما الأجرة فمنعها أبو حنيفة و الزهرى،و جماعة لقوله عليه الصلاة و السلام«اقرءوا القرآن،و لا تأكلوا به (1).

قالوا:و لأن حصول العلم متوقف على معين من قبل المتعلم؛فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه، فلا يصح.

قال فى الهداية،و بعض المشايخ استحسن الإيجار على تعليم القرآن اليوم،لأنه قد ظهر التوانى فى الأمور الدينية،و فى الامتناع عن ذلك تضييع حفظ القرآن.

و أجازها الحسن و ابن سيرين و الشعبى إذا لم يشترط.

و أجازها مالك مطلقا:سواء اشترط المعلّم قدرا فى كل شهر أو جمعة،أو يوم.أو غيرها.أو شرط على كل جزء من القرآن كذا،و لم يشترط شيئا من ذلك.و دخل على الجهالة من الجانبين،هذا هو المعول عليه.

و قال ابن الجلاّب[من المالكية].لا يجوز إلا مشاهرة:أى مقدرة بشهر و نحوه،و مذهب مالك:

أنه لا يقضى للمعلم بهدية الأعياد و الجمع.

و هل يقضى بالحذاقة:و هى«الإصرافة»إذا جرى بها العرف أو لا؟قولان،الصحيح:نعم.

قال سحنون:و ليس فيها شيء معلوم.و هى على قدر حال الأب.

قال:و إذا بلغ الصبى ثلاثة أرباع القرآن،لم يكن لأبيه إخراجه،و وجبت الختمة للمعلم،و وقف فى الثلثين.

فرع:

انظر هل يقضى على القارئ بإعطاء شيء إذا قرأ رواية،و لم أر فيها عند المالكية نصا و الظاهر:أن حكمها حكم الحذاقة.

و مذهب الشافعى:جواز أخذ الأجرة إذا شارطه و استأجره أجرة صحيحة.

قال الأصفونى فى[مختصر الروضة]:و لو استأجره لتعليم قرآن عيّن السورة و الآيات،و لا يكفى أحدهما على الأصح.

ص: 20


1- قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:«اقرءوا القرآن و اعملوا به،و لا تجفوا عنه،و لا تغلوا فيه،و لا تأكلوا به،و لا تستكثروا به»رواه الإمام أحمد و الطبرانى و أبو يعلى و البيهقى فى شعب الإيمان عن عبد الرحمن بن شبل.

و فى التقدير بالمدة وجهان:أحدهما:يكفى.و الأصح:أنه لا يجب تعيين قراءة نافع أو غيره،و أنه لو كان يتعلم و ينسى يرجع فى وجوب إعادته إلى العرف.

و يشترط كون المتعلم مسلما أو يرجى إسلامه.

و أما قبول الهدية فامتنع منه جماعة من السلف و الخلف تورعا و خوفا من أن يكون بسبب القراءات.

و قال النووى رحمه اللّه:و لا يشين المقرئ طمع فى رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه.سواء كان الرفق مالا أو خدمة،و إن قل.و لو كان على صورة الهدية التى لو لا قراءته عليه لما أهداها إليه.

ص: 21

الدرة التاسعة

تدوين القراءات

قيض اللّه تعالى لكتابه المجيد،الذى (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) من دوّن وجوه قراءاته،و ضبط طرق رواياته،فاجتهدوا فى ذلك حق الاجتهاد،و بذلوا النصح فى ذلك للّه و رسوله و العباد،فأخذوا فى جمع ذلك و تدوينه،فاستفرغوا فيه وسعهم،و بذلوا جهدهم،فكان أول إمام معتبر جمع القراءات فى كتاب:أبو عبيد«القاسم بن سلام»،و جعلهم خمسة و عشرين قارئا، مع هؤلاء السبعة،توفى سنة أربع و عشرين و مائتين.

ثم تلاه الجماعة،سالكين سنّته و مقلّدين منّته،فكثرت التآليف و انتشرت التصانيف،و اختلفت أغراضهم بحسب الإيجاز و التطويل،و التكثير و التقليل،و كل له مقصد سنىّ،و مذهب مرضىّ،فكان أول من تابعه«أحمد بن جبير»الكوفى،نزيل أنطاكية،فجمع كتابا فى القراءات الخمسة،من كلّ مصر واحد،ثم القاضى«إسماعيل ابن إسحاق»المالكىّ،صاحب«قالون»،فألف كتابا جمع فيه قراءة عشرين إماما،منهم هؤلاء السبعة،ثم الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى،فألف كتابا سماه [الجامع]،فيه نيف و عشرون قراءة،ثم الإمام«أبو بكر محمد الدّاجونى»فجمع كتابا فى الأحد عشر، و أدخل معهم أبا جعفر،ثم[فى أثره]الإمام«أبو بكر أحمد ابن العباسى،مجاهد»،أول من اقتصر على هؤلاء السبعة،فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين،و العراقين و الشام،إذ هذه الأمصار الخمسة هى التى خرج منها علم النبوة،من القرآن و تفسيره،و الحديث و الفقه،فى الأعمال الباطنة و الظاهرة و سائر العلوم الدينية.

فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار،ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التى أنزل عليها القرآن،لا لاعتقاده،أو اعتقاد غيره من العلماء،أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءاتهم.

و قد ألف الناس فى زمانه و بعده فى القراءات أنواع التآليف ككتاب(الغاية)لأبى بكر أحمد بن مهران الأصبهانى ثم(المنتهى)فى العشر،«لأبى الفضل بن جعفر الخزاعى»،ثم(الإرشاد)«لأبى الطيب عبد المنعم بن غلبون» ثم(التذكرة)«لأبى الحسن طاهر بن غلبون»الحلبى،نزيل مصر،و(الهادى)«لأبى عبد اللّه بن سفيان القيروانى» و(المجتنى؟؟؟،«لعبد الجبار الطرطوسى»،نزيل مصر،و(الروضة)«لأبى عمر أحمد الطّلمنكىّ»،أول من أدخل القراءات الأندلس،و(التبصرة)«لأبى محمد مكى بن أبى طالب القيروانى»و«الهداية»«لأبى العباس ابن عمار» المهدوى،و(الروضة)فى العشرة المشهورة[و قراءة]«الأعمش»،لأبى على[الحسن البغدادى]المالكى

ص: 22

نزيل مصر،و(المفيد)فى العشرة،«لأبى نصر أحمد ابن مسرور»البغدادى،و(التيسير)و(جامع البيان)فى السبع،و لم يؤلف مثله فى هذا الفن،يشتمل على نيّف و خمسمائة رواية و طريق:عن السبعة للحافظ«أبى عمرو الدانى»،و(مفردة يعقوب)له أيضا،و(التذكار)«لأبى الفتح عبد الواحد بن شيطا» البغدادى،و(الوجيز)للإمام الذى لم يلحقه أحد فى هذا الشأن،«أبى على الحسن الأهوازى»،نزيل دمشق،و(الجامع)فى العشر،و قراءة الأعمش،لأبى محمد«الخياط»البغدادى،و(العنوان)لأبى الطاهر ابن خلف»الأندلسى،ثم المصرى،و(القاصد)«لأبى القاسم عبد الرحمن بن سعيد»الخزرجى القرطبى، و(الكامل)فى العشر،و الأربع الزائدة عليها من ألف و أربعمائة و تسعة و خمسين رواية و طريق،«لأبى القاسم يوسف ابن جبارة»الهذلى،المغربى،الذى طاف البلاد،و روى عن أئمة القراءة،حتى انتهى إلى ماوراء النهر،قال«فى كامله»جملة من لقيت فى هذا العلم ثلاثمائة و خمسة[و ستون]شيخا.(و التلخيص)فى الثمان،«لأبى معشر عبد الكريم»الطبرى،شيخ[مكة]و(الجامع)فى العشر،«لأبى الحسين نصر بن عبد العزيز»الفارسى،و(الكافى)«لأبى عبد اللّه محمد بن شريح»الرّعينى الإشبيلى،و(المستنير)فى العشر،«لأبى الطاهر ابن سوار»البغدادى،و[المهذب]فى العشر.للزاهد«أبى منصور الخياط» البغدادى،و(المصباح)فى العشر،لأبى الكرم:المبارك بن الحسين بن فتحان»الشهرزورىّ البغدادي و(تلخيص العبارات)«لأبى على الحسن بن بلّيمة بفتح الموحّدة،و تشديد اللام المكسورة بعدها الياء آخر الحروف الهوّاريّ القيروانى،نزيل الاسكندرية،و(التجريد)و(مفردة يعقوب)كلاهما لشيخ الاسكندرية «أبى القاسم عبد الرحمن ابن أبى بكر،الصّقلىّ ابن الفحّام،و(الإرشاد)فى العشرة و(الكفاية الكبرى) كلاهما«لأبى العز القلانسىّ»الواسطى،و(الموضح)،و(المفتاح)كلاهما«لأبى منصور:محمد بن خيرون»العطار البغدادى الخطيب«أبى جعفر:أحمد بن الباذش»الغرناطىّ،و(الإشارة)فى العشرة «لأبى منصور أحمد»العراقى،و(المبهج)فى القراءات الثمان،و قراءة الأعمش،و ابن محيصن،و خلف، و اليزيدى،و(الإيجاز)،و(إرادة الطالب)فى العشر،و هو فرش القصيدة المنجدة،و كتاب(تبصرة المبتدى)و(الكفاية)فى الست:الخمسة«لأبى محمد عبد اللّه بن على»سبط الخياط،مؤلف المهذّب و(المفيد)فى الثمان،لأبى عبد اللّه محمد الحضرمى»اليمنى،و(غاية الاختصار)،للحافظ«أبى العلاء:

الحسن بن أحمد العطار»الهمذانى،و(حرز الأمانى)المشهورة به الشاطبية»،لولى اللّه«أبى القاسم بن فيرة بن خلف»الرعينى الأندلسى الشاطبى الشافعى الضرير،و(شرحها)،«لعلم الدين»السخاوى،و هو أول من شرحها،و اشتهرت بسببه،و كان أهل مصر كثيرا ما يحفظون(العنوان)،فلما ظهرت القصيدة تركوه و كتاب(جمال)القراء،و(كمال الإقراء)للسخاوى أيضا-اشتمل على ما يتعلق بالقراءات،و التجويد،

ص: 23

و الناسخ و المنسوخ،و الوقف و الابتداء.ثم شرح الشاطبية الإمام«أبو القاسم:عبد الرحمن أبو شامة»، ثم«أبو عبد اللّه:محمد بن الحسن الفاسى»،ثم«أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الموصلى»عرف ب«شعلة»و له (الشمعة)قصيدة رائية،قدر نصف الشاطبية،أحسن نظمها،و اختصارها،و(حوز المعاين فى اختصار حرز الأمانى) للإمام«محمد بن عبد اللّه بن مالك»الأندلسى،نزيل دمشق،و له قصيدة أخرى داليّة فى القراءات،يقول فيها:

[و لا بدّ من نظمى قوافى تحتوى لما قد حوى حرز الأمانى و أ زيدا]

(و التكملة المفيدة لحافظ القصيدة)فى وزن الشاطبية،للخطيب«أبى الحسن على ابن عمر«الكتّانى القيجاطىّ،نظم فيها ما زاد على الشاطبية،من تبصرة مكىّ،و«كافى»ابن شريح،و«وجيز» الأهوازى،و«مختصر الشاطبية»،ل«عبد الصمد بن التبريزى»فى خمسمائة و عشرين بيتا.

و شرح الشاطبية أيضا:«أبو العباس ابن جبارة المقدسى»و العلامة المحقق«أبو إسحاق إبراهيم بن عمر» الجعبرى[نزيل مدينة الخليل عليه السلام]،بشرح عظيم لم يصنّف مثله،و كتاب(الشّرعة فى السبعة)جميعه أبواب،لم يذكر فيه فرشا،بل ذكر الفرش فى أبواب أصوله لقاضى حماة،العلامة«شرف الدين هبة اللّه بن عبد الكريم»البارزى،و(الكنز)فى العشر،و(الكفاية)فى العشر،نظم كتاب الكنز على وزن الشاطبية و رويّها،كلاهما ل«أبى محمد:عبد اللّه بن عبد المؤمن بن الوجيه»الواسطى،و[جمع الأصول فى مشهور المنقول]قصيدة لامية فى وزن الشاطبية و رويّها،و(روضة التقرير فى الخلف بين«الإرشاد» و«التيسير»)كلاهما لأبى الحسن على«الديوانى»الواسطى،و(عقد اللآلى فى قراءات السبع العوالى)فى وزن الشاطبية و رويّها،لم يأت فيها برمز،و زاد فيها على التيسير كثيرا،نظم الإمام«أبى حيّان»الأندلسى، الشافعى.

و شرح الشاطبية،و[باب وقف«حمزة و هشام»منها مفردا)،الإمام«بدر الدين:الحسن بن قاسم بن عبد اللّه بن على»،المعروف ب«ابن أمّ قاسم،المرادى المغربى»المجتهد،المصرى المولد.

و شرحها أيضا«أبو العباس:أحمد بن يوسف»الحلبى،نزيل القاهرة،المعروف بالسّمين.

و شرحها مصنف«البستان فى الثلاثة عشر»أبو بكر عبد اللّه بن أيدغدى»الشمس،الشهير ب[ابن الجندى].(و النجوم الزاهرة فى السبعة المتواترة)لأبى عبد اللّه محمد بن سليمان»المقدسى،الحكرىّ الشافعى،الجامع لعيون الفضائل و المآثر و المعالى اللامع نجوم علوما فى مواقع الترافع و التعالى:كان شيخ عصره فى القراءات بلا مدافعة،و فارس ميدانها،المحكوم له بالسبق من غير ممانعة،ولى قضاء بيت المقدس، و قضاء المدينة النبوية الشريفة،قبل ذلك،ثم ولى قضاء مدينة الخليل،و استقر بها مدة سالكا أحسن سبيل، و توفى ببيت المقدس بالبطن شهيدا،عام 781،و فرغ من تأليف«النجوم»سنة 756.

ص: 24

و شرح«الشاطبية»أيضا مصنف كتاب(مصطلح الإشارات)،فى الستة بعد السبعة.

(و قرة العين فى الفتح و الإمالة و بين اللفظين)،«أبو البقاء:على بن عثمان بن القاصح»،و كان فى عصر الثمانمائة.

و كتاب(النشر فى القراءات العشر)،الجامع لجميع طرق ما ذكرناه فى هذه المؤلفات،و فرائد فوائدها، الذى لم يسبق إلى مثله،و(تقريبه)و(طيّبته)لشيخ مشايخنا،الذى[وصف بأنه]لم تسمح الأعصار مثله«أبى الخير:محمدا بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزرى».

و شرح(الطيبة)ولد المؤلف،و العلاّمة الشيخ«أبو القاسم النّويرى»المالكى،و شيخنا العلامة، زين الدين عبد الدائم الأزهرى،رأيته يسوّد فيه،و لعله لم يكمل.

و كتاب(إيضاح الرموز و مفتاح الكنوز)و(نطمه)فى القراءات الأربعة عشر،للإمام«شمس الدين:

محمد بن خليل:أبى بكر بن محمد الحلبى،المشهور بابن القباقبىّ،و قال:إنه أخذ العشرة من تقريب النشر،و قراءة(ابن محيصن)من«المبهج»،و«مفردة»الأهوازى،و(الحسن البصرىّ)من«المفردة»، و(اليزيدىّ)من«المبهج»و«المستنير»،و(الأعمش)من«المبهج»،إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت الحد.

و اللّه ولى التوفيق،و هو حسبنا و نعم الوكيل،و إليه المرجع و المآب.

(أ.ه)شهاب الدين القسطلانى

ص: 25

بسم اللّه الرحمن الرحيم

مصادر التحقيق و مراجعه

أولا المخطوطة

*الإبانة عن معانى القراءات:مكى بن أبى طالب برلين-ألمانيا *أمانى ابن الشجرى:نسخة المكتبة التيمورية دار الكتب المصرية-القاهرة *البغداديات:أبو على الفارسى المصورة عن نسخة طهران إيران *التبصرة فى القراءات السبع:مكى بن أبى طالب برلين-ألمانيا *تفسير مشكل إعراب القرآن مكى بن أبى طالب المدرسة الأحمدية حلب-سوريا *جمال القراء:على بن محمد(أبو الحسن السخاوى) المدرسة الأحمدية حلب-سوريا *الرعاية لتجويد القراءة و تحقيق لفظ التلاوة:مكى بن أبى طالب المكتبة الظاهرية دمشق-سوريا *سير أعلام النبلاء:أبو عبد اللّه الذهبى نسخة مكتبة أحمد الثالث(المصورة بمجمع اللغة العربية بدمشق *شرح أبيات الكتاب:ابن السيرافى نسخة مصورة فى معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة ابن شهبة الأسدي نسخة دار الكتب الظاهرية دمشق-سوريا *شرح طيبة النشر فى القراءات العشر للإمام النويرى نسخة دار الكتب المصرية(قوله 37) *عيون التواريخ:محمد بن شاكر الكتبى نسخة دار الكتب الطاهرية دمشق-سوريا *فضائل القرآن:القاسم بن سلام:(أبو عتيد) المكتبة الظاهرية دمشق-سوريا

ص: 26

*القطع و الاستئناف:النحاس(أبو جعفر)دار الكتب المصرية القاهرة *الكشف فى نكت المعانى و الإعراب:لجامع العلوم(على بن الحسين) النسخة المصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة *المجيد فى إعراب القرآن المجيد،السفاقسى نسخة دار الكتب الظاهرية-دمشق *المختار فى معانى قراءات أهل الأمصار:أحمد بن عبد اللّه إدريس:أبو بكر النسخة المصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية القاهرة *المكتفى فى الوقف و الابتداء الدانى دار الكتب الظاهرية دمشق-سوريا *هجاء مصاحف الأمصار:أحمد بن عمار المهدوى(المصورة عن نسخة عارف حكمة)المدينة المنورة الهداية إلى بلوغ النهاية مكى بن أبى طالب المصورة عن نسخة الرباط المغرب *الوافى بالوفيات:الخليل بن أيبك الصفدي نسخة مجمع اللغة العربية بدمشق المصورة عن نسخة أحمد الثالث بتركيا

ثانيا المطبوعة

*الأتباع:أبو الطيب اللغوى تحقيق عز الدين التنوخى،مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق *إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر للبنا الدمياطى طبع تركيا-و الميمنية بالقاهرة *تقريب النشر فى القراءات العشر:لابن الجزرى تحقيق إبراهيم عطوة عوض طباعة مصطفى الحلبى-القاهرة *الإحكام فى أصول الأحكام:أبو محمد بن حزم مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى-القاهرة 1380 ه 1945 م *أدب الكاتب:ابن قتيبة تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد الطبعة الثالثة القاهرة 1958 *أسرار العربية:أبو البركات الأنبارى تحقيق محمد بهجت البيطار مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1957

ص: 27

*الاشتقاق:ابن دريد تحقيق عبد السلام هارون مطبعة السنة المحمدية-القاهرة-1958 *الإصابة فى أسماء الصحابة:ابن حجر العسقلانى.مطبعة السعادة القاهرة 1323 ه *إصلاح المنطق ابن السكيت تحقيق أحمد محمد شاكر،عبد السلام هارون دار المعارف-القاهرة 1956 *إعراب ثلاثين سورة:ابن خالويه المصورة عن طبعة دائرة جمعية دائرة المعارف العثمانية دار الحكمة دمشق-سورية *الأغانى:الأصفهانى.المصورة عن طبعة دار الكتب المصرية *أنباء الرواة على أنباه النحاة:القفطى مصر 1928 م بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة دار الكتب-القاهرة 1955 *الإنصاف فى مسائل الخلاف أبو البركات الأنبارى تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد مطبعة السعادة-القاهرة 1955 م *إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب و القراءات فى جميع القرآن.لأبى البقاء العكبرى تحقيق إبراهيم عطوة عوض مطبعة مصطفى الحلبى-القاهرة *إيضاح الوقف و الابتداء محمد بن القاسم(أبو بكر بن الأنبارى) تحقيق محى الدين عبد الرحمن رمضان مطبوعات مجمع اللغة العربية دمشق 1971 م *البحر المحيط أبو حيان الأندلسى مطبعة السعادة-الطبعة الأولى القاهرة 1328 ه *البرهان فى علوم القرآن:الزركشى.

تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم دار إحياء الكتب العربية-القاهرة 1957 م *بغية الملتمس فى تاريخ رجال الأندلس:أحمد بن يحيى الضبى دار الكاتب العربى-القاهرة 1967 *بغية الوعاة فى طبقات اللغويين و النحاة:السيوطى تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم مطبعة عيسى الحلبى-القاهرة 1964 م *تأويل مشكل القرآن.ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية-القاهرة 1954 م *تاريخ الإسلام و طبقات مشاهير الأعلام-الذهبى مكتبة القدسى-مصر 1367 ه *تاريخ بغداد-أحمد بن على البغدادى.مطبعة السعادة القاهرة 1931 م

ص: 28

*التاريخ الكبير البخارى مطبعة حيدرآباد 1361 ه *تذكرة الحفاظ-الذهبى المصورة عن المطبوعة بالهند.دار إحياء التراث-بيروت *تعجيل المنفعة.ابن حجر مطبعة المعارف بالهند الطبعة الأولى 1324 ه *التعريفات على بن محمد الجرجانى مطبعة محمد أسعد قسطنطينية 1300 ه *تفسير الطبرى.ابن جرير الطبرى تحقيق محمود محمد شاكر و مراجعة أحمد محمد شاكر دار المعارف القاهرة 1946 م *تفسير غريب القرآن.ابن قتيبة تحقيق السيد أحمد صقر دار إحياء الكتب العربية-القاهرة 1958 م *تفسير القرآن العظيم الحافظ ابن كثير دار إحياء الكتب العربية-القاهرة *التسهيل لعلوم التنزيل:تفسير ابن جزرى الأندلسى تحقيق إبراهيم عطوة عوض،و محمد عبد المنعم اليونسى طبعة دار الكتب الحديثة 1971 م *تفسير النسفى.عبد اللّه بن أحمد النسفى دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1955 *تكمله الصلة-ابن الأثير-ضبط عزت العطار الحسنى-القاهرة 1955 م *تهذيب التهذيب:ابن حجر العسقلانى مطبعة دار المعارف بالهند الطبعة الأولى 1327 ه *التيسير فى القراءات السبع-أبو عمرو الدانى تصحيح آتو برتزل(المصورة عن طبعة استنبول 1930)مكتبة المثنى بغداد *الجامع لأحكام القرآن(تفسير القرطبى)مطبعة دار الكتب القاهرة 1946 م *جذوة المقتبس فى ذكر ولاة الأندلس:أبو عبد اللّه الحميدى تحقيق محمد بن تاويت الطنجى-مكتبة نشر الثقافة الإسلامية-القاهرة 1371 ه *الجرح و التعديل:ابن أبى حاتم.مطبعة دائرة المعارف العثمانية-الطبعة الأولى 1952 م *جمهرة أنساب العرب-ابن حزم تحقيق:إحسان عباس.و-ناصر الدين الأسد-دار المعارف القاهرة *جمهرة اللغة:ابن دريد:مطبعة دائرة المعارف بالهند-الطبعة الأولى 1344 ه *جوامع السيرة:ابن حزم.تحقيق د.إحسان عباس-و.ناصر الدين الأسد.دار المعارف-القاهرة *الحجة فى علل القراءات:أبو على الفارسى *تحقيق الاستاذ على النجدى ناصف.د.عبد الحليم النجار.د عبد الفتاح شلبى القاهرة 1965 م

ص: 29

*الحجة فى القراءات السبع(المنسوب إلى ابن خالويه)تحقيق د.عبد العال سالم مكرم-دار الشروق-بيروت *خزانة الأدب عبد القادر البغدادى مطبعة بولاق-الطبعة الأولى-مصر *الخصائص:ابن جنى.تحقيق محمد على النجار-المصورة-دار الهدى-بيروت *خلاصة تذهيب تهذيب الكمال.أحمد الخزرجى الأنصارى-المطبعة الخيرية-الطبعة الأولى 1322 ه *الدر المنثور فى التفسير المأثور.السيوطى مصر *ديوان الأخطل بتعليق الأب أنطون الصالحانى اليسوعى المطبعة الكاثوليكية بيروت 1891 م *ديوان العجاج تحقيق د.عزة حسن-دار الشرق سورية 1971 م *ديوان لبيد:لبيد بن ربيعة.تحقيق د إحسان عباس الكويت 1962 م *رحلة التجانى.عبد اللّه التجانى تقديم حسن حسنى عبد الوهاب-المطبعة الرسمية-تونس 1958 م رساله المفاضلة بين الصحابة.أبو محمد بن حزم تحقيق الأستاذ سعيد الأفغانى الطبعة الثانية-دار الفكر-بيروت 1969 م *رسالة الغفران:أبو العلاء المعرى.تحقيق د عائشة عبد الرحمن-دار المعارف-القاهرة 1963 م *زاد المسير فى علم التفسير ابن الجوزى-المكتب الإسلامى-الطبعة الأولى:دمشق-سوريا *سنن الترمذى:تعليق و إشراف عزت عبيد الدعاس-مطابع الفجر الحديثة:حمص-سوريا *سنن الترمذى.تحقيق شاكر و عبد الباقى و إبراهيم عطوة عوض شركة مصطفى الحلبى *سنن النسائى.تصحيح الشيخ حسن محمد المسعودى-المطبعة المصرية بالأزهر-مصر *سير أعلام النبلاء:الذهبى *شرح المفصل:ابن يعيش *شرح الشاطبية:تأليف شعلة *شرح الشاطبية:ابن القاصح *شرح الشاطبية:الجعبرى *شرح الشاطبية:السيوطى *شرح الشاطبية:الضباع *صحيح البخارى:الطبعة الأوربية *صحيح مسلم:دار الطباعة العامرة *الصلة:ابن بشكوال مكتب نشر الثقافة الإسلامية

ص: 30

*الطبقات:خليفه بن خياط وزارة الثقافة السورية *الطبقات الكبرى:ابن سعد *غاية النهاية فى طبقات القراء لابن الجزرى-الخانجى *فتح البارى شرح البخارى لابن حجر *الفهرست لابن النديم *فهرس شواهد سيبويه *فوائد من درة الغواص:الحريرى *القاموس المحيط:الفيروزآبادي *الكامل فى اللغة و الأدب:المبرد *الكتاب:سيبويه *الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل الزمخشرى *غرائب القرآن و رغائب الفرقان:النيسابورى تحقيق إبراهيم عطوة عوض *اللباب فى تهذيب الأنساب ابن الأثير *اللسان-لابن منظور *مجاز القرآن-أبو عبيدة *مسائل الرازى و أجوبتها عبد القادر بن أبى بكر الرازى الحنفى تحقيق إبراهيم عطوة عوض *المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القرآن(ابن جنى) *مختصر فى شواذ القراءات ابن خالويه *مراتب النحويين.أبو الطيب اللغوى *المعجم الصوفى تاليف الدكتورة سعاد حكيم بيروت-لبنان *المزهر فى اللغة:السيوطى *مسند الإمام أحمد:أحمد بن حنبل *مسند الإمام الشافعى *معجم الأدباء.ياقوت الحموى *معجم البلدان.ياقوت الحموى

ص: 31

*معرفة القراء الكبار على الطبقات و الأعصار:أبو عبد اللّه الذهبى *المقتضب المبرد *المقنع فى معرفة مرسوم مصاحف الأمصار أبو عمرو الدانى *الموطأ:مالك ابن أنس،تحقيق إبراهيم عطوة عوض مطبعة مصطفى الحلبى *النجوم الزاهرة:ابن تغرى بردى *نشر المحاسن الغالية:«اليافعى»تحقيق إبراهيم عطوة عوض *النشر فى القراءات العشر:ابن الجزرى *نفح الطيب *النهاية فى غريب الحديث و الأثر:ابن الأثير *الوزراء و الكتاب:الجهشيارى *وفيات الأعيان:ابن خلكان *هدى السارى:لابن حجر تحقيق إبراهيم عطوة عوض.

ص: 32

ص: 1

ص: 2

خطبة الكتاب

وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً - فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ قرآن كريم) بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه الذي أسبغ علينا نعمه،و أفاض لدينا مننه.و أنزل إلينا كتابه الذى فصل آياته فأحكمه و أتقنه، و جعلنا من حملته و خدام شرعه الذى علمنا فروضه و سننه.و خصنا بإرسال أكرم الخلق عليه الذى طهر قلبه و أظهر لسنه.و جعل خير الناس أمته،و خير القرون قرنه الذى به قرنه،أبى القاسم،«محمد بن عبد اللّه» خاتم أنبيائه،و سيد أصفيائه،و علم أوليائه،الذى زان عصره و شرّف زمنه،صلوات اللّه و سلامه عليه، ما قصد شام شامه،و بلغ يمان يمنه.و على آله الأبرار الممتثلين أمره و المقتفين سننه،و على أصحابه الكرام الذين منهم من آواه و نصره،و منهم من هجر لأجله أهله و ماله و وطنه،و على كل من تبعهم بإحسان،فى جميع الأزمان،ممن اتخذ طاعة ربه سكنه،و وافق فى الصلاح سره علنه،و جعلنا ممن أصغى للمواعظ فى الدنيا أذنه،و أذهب عنه فى الآخرة حزنه،من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

[أما بعد]فإن أولى ما أفنى فيه المكلف عمره،و علق به خاطره،و أعمل فيه فكره،تحصيل العلوم النافعة الشرعية،و استعمالها فى الأعمال المرضية.و أهم ذلك علم كتاب اللّه تعالى،الذى تولى سبحانه حفظه بفضله، و أعجز الخلائق أن يأتوا بمثله،و جعل ذلك برهانا لتصديق رسالة من أنزل عليه،و أخبر أن الباطل لا يأتيه لا من خلفه و لا من بين يديه.ثم العلوم المتعلقة به كثيرة،و فوائد كل علم منها غزيرة،لكن الأهم أوّلا إتقان حفظه،و تقويم لفظه،و لا يحصل ذلك إلا بعد الإحاطة بما صح من قراءاته؛و ثبت من رواياته،ليعلم بأى لفظ يقرأ،و على أىّ وجه يروى.و القرآن كلام اللّه منقول نقل التواتر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،الذى أنزل إليه،لم يزل فى كل حين و جيل ينقله خلق لا يحصى،و يبحث فى ألفاظه و معانيه و يستقصى،و إنما يعدّ أهل العلم منهم من كثرت عنايته به،و اشتهر عند الناس بسببه.

و ذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه اللّه تعالى فى أوّل كتابه فى القراءات تسمية من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة و التابعين،و من بعدهم من كبار أئمة المسلمين.فذكر الخلفاء الأربعة،و طلحة و سعدا،و ابن مسعود،و حذيفة،و سالما مولى أبى حذيفة،و أبا هريرة،و ابن عمر،و ابن عباس،و عمرو بن

ص: 3

العاص،و ابنه عبد اللّه،و معاوية،و ابن الزبير،و عبد اللّه بن السائب و عائشة،و حفصة و أم سلمة،و هؤلاء كلهم من المهاجرين رضي اللّه عنهم أجمعين.

و ذكر من الأنصار:أبىّ بن كعب،و معاذ بن جبل،و أبا الدرداء،و زيد بن ثابت،و أبا زيد،و مجمّع ابن حارثة،و أنس بن مالك.

و من التابعين بالمدينة:ابن المسيب،و عروة،و سالما،و عمر بن عبد العزيز،و سليمان،و عطاء ابني يسار، و معاذ بن الحارث الذى يعرف بمعاذ القارئ،و عبد الرحمن بن هرمز الأعرج،و ابن شهاب،و مسلم بن جندب، و زيد بن أسلم.

و بمكة عبيد بن عميرة،و عطاء،و طاوسا،و مجاهدا و عكرمة (1)،و ابن أبى مليكة و بالكوفة علقمة،و الأسود،و مسروقا،و عبيدة،و عمرو بن شرحبيل؛و الحارث بن قيس،و الربيع ابن خيثم،و عمرو بن ميمون،و أبا عبد الرحمن السلمى،و زر بن حبيش،و عبيد بن نضلة،و أبا زرعة بن عمرو ابن جرير،و سعيد بن جبير،و النخعى و الشعبى.

و بالبصرة:عامر بن عبد بن قيس،و أبا العالية،و أبا رجاء،و نصر بن عاصم،و يحيى بن يعمر، و جابر بن زيد،و الحسن،و ابن سيرين،و قتادة.

و بالشام:المغيرة بن أبى شهاب المخزومى صاحب عثمان بن عفان رضي اللّه عنه فى القراءة.

قال:ثم تجرد قوم للقراءة فاشتدت بها عنايتهم،و كثر لها طلبهم حتى صاروا بذلك أئمة يأخذها الناس عنهم و يقتدون بهم فيها،و هم خمسة عشر رجلا من هذه الأمصار الخمسة فى كل مصر ثلاثة رجال.فكان بالمدينة:

أبو جعفر يزيد بن القعقاع،ثم شيبة بن نصاح،ثم نافع بن أبى نعيم،و إليه صارت قراءة أهل المدينة.

و كان بمكة:عبد اللّه بن كثير،و حميد بن قيس الأعرج،و محمد بن محيصن،و أقدمهم ابن كثير،و إليه صارت قراءة أهل مكة.

و كان بالكوفة:يحيى بن وثاب،و عاصم بن بهدلة،و سليمان الأعمش ثم تلاهم حمزة رابعا،ثم الكسائى.

و كان بالبصرة:عبد اللّه بن أبى إسحاق،و عيسى بن عمر،و أبو عمرو بن العلاء،و إليه صار أهل البصرة فى القراءة و اتخذوه إماما،و كان لهم رابغ و هو عاصم الجحدرى.

و كان بالشام:عبد اللّه بن عامر،و يحيى بن الحارث الذمارى،و ثالث نسيت اسمه.

قلت:قيل هو خليد بن سعد صاحب أبى الدرداء.و عندى أنه عطية بن قيس الكلابى أو إسماعيل بن عبيد اللّه بن أبى المهاجر.

ثم إن القراء بعد هؤلاء كثروا و تفرقوا فى البلاد و انتشروا:و خلفهم أمم بعد أمم عرفت طبقاتهم و اختلفت صفاتهم.فمنهم المحكم للتلاوة المعروف بالرواية و الدراية.و منهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، و كثر بسبب ذلك الاختلاف،و قلّ الضبط و اتسع الخرق،و التبس الباطل بالحق،فميز جهابذة العلماء ذلك بتصانيفهم،و حرروه و ضبطوه فى تآليفهم:و قد أتقن تقسيم ذلك الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس8.

ص: 4


1- هو أبو عبد اللّه بن عبيد اللّه التميمى،توفى سنة 118.

ابن مجاهد رحمه اللّه تعالى فى أوّل كتاب السبعة له،ثم قال.و القراءة التى عليها الناس:بالمدينة.و مكة، و الكوفة،و البصرة،و الشام هى القراءة التى تلقوها عن أوليهم تلقيا؛و قام بها فى كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين،اجتمعت الخاصة و العامة على قراءته،و سلكوا فيها طريقه.و تمسكوا بمذاهبه على ما روى عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه،و زيد بن ثابت.ثم عن محمد بن المنكدر،و عروة بن الزبير، و عمر بن عبد العزيز،و عامر الشعبى رضي اللّه عنهم،يعنى أنهم قالوا:إن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأوّل، فاقرءوا كما علّمتموه.

قال زيد بن ثابت:القراءة سنة:قال إسماعيل القاضى رحمه اللّه:أحسبه،يعنى هذه القراءة التى جمعت فى المصحف الكريم.

و ذكر عن محمد بن سيرين قال:أنبئت أن القرآن كان يعرض على النبى صلّى اللّه عليه و سلم كل عام مرة فى شهر رمضان،فلما كان العام الذى توفى فيه عرض عليه مرتين.قال ابن سيرين:فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة.

و عنه عن عبيدة السلمانى قال:القراءة التى عرضت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فى العام الذى قبض فيه هى التى يقرؤها الناس اليوم.

قلت:و هذه السّنة التى أشاروا إليها هى ما ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم نصا،أنه قرأه أو أذن فيه على ما صح عنه أن القرآن أنزل على سبعة أحرف،فلأجل ذلك كثر الاختلاف فى القراءة فى زمانه و بعده إلى أن كتبت المصاحف باتفاق من الصحابة رضي اللّه عنهم بالمدينة.و نفذت إلى الأمصار،و أمروا باتباعها و ترك ما عداها،فأخذ الناس بها و تركوا من تلك القراءات كل ما خالفها و بقوا ما يوافقها نصا أو احتمالا،و ذلك لأن المصاحف كتبت على اللفظ الذى أنزل،و هو الذى استقر عليه فى العرضة الأخيرة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كما عرضها هو على جبريل عليهما الصلاة و السلام،و كل ذلك ثابت فى الأحاديث الصحيحة مفرقا فى أبوابه.قد وقف على ذلك من له بها عناية.

فمن ذلك ما فى الصحيحين من رواية عائشة عن فاطمة عن أبيها صلّى اللّه عليه و سلم«أنه أسرّ إليها فى مرض موته أنّ جبريل عليه السّلام كان يعارضنى بالقرآن فى كلّ سنة مرّة،و إنّه عارضنى به العام مرّتين».

و فى صحيح البخارى من حديث أبى صالح عن أبى هريرة قال:«كان يعرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم القرآن كلّ عام مرّة فعرض عليه مرّتين فى العام الّذى قبض فيه».

و ذكر المحققون من أهل العلم بالقراءة ضابطا حسنا فى تمييز ما يعتمد عليه من القراءات و ما يطرح،فقالوا:كل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها،و مجيئها على الفصيح من لغة العرب فهى قراءة صحيحة معتبرة، فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة و ضعيفة،أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين،و نص عليه أبو محمد مكى رحمه اللّه تعالى فى تصنيف له مرارا،و هو الحق الذى لا محيد عنه على تفصيل فيه،قد ذكرناه فى موضع غير هذا.

و قد كثرت تصانيف الأئمة فى القراءات المعتبرة و الشاذة،و وقع اختيار أكثرهم على الاقتصار على ذكر قراء

ص: 5

سبعة من أئمة الأمصار؛و هم الذين أجمع عليهم و إن كان الاختلاف أيضا واقعا فيما نسب إليهم.و أوّل من فعل ذلك الإمام أبو بكر بن مجاهد قبيل سنة ثلاثمائة أو فى نحوها،و تابعه بعد ذلك من أتى بعده إلى الآن،و كان من كبار أئمة هذا الشأن.و بعضهم صنف فى قراءة أكثر من هذا العدد،و بعضهم فى أنقص منه.

و اختار ابن مجاهد فمن بعده هذا العدد موافقة لقوله عليه الصلاة و السلام:

«إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف» فإن كان المراد بها غير ذلك على ما ذكرناه فى كتاب مفرد لذاك،و تأسيا لمصحف الأئمة التى نفذها الصحابة إلى الأمصار،فإنها كانت سبعة على ما نطقت به الأخبار،و وقع اختيارهم من أئمة القراءة على كل مختار.

و تولى شرح كتاب ابن مجاهد فى السبعة،أبو على الفارسى النحوى فى كتاب كبير يسمى[الحجة]و قد أوضح فيه المحجة.و كان قد شرع فيه قبله شيخه أبو بكر بن السراج،فسلك أبو على بعده ذلك المنهاج و هما من كبار أئمة النحويين المحققين المتقنين.ثم شرح كتاب ابن مجاهد فى القراءات الشواذّ أبو الفتح بن جنى صاحب الشيخ أبى علىّ فى كتاب سماه ب[المحتسب]و أتى فيه بكل عجب.

فصل

اشارة

فى ذكر القراء السبعة الذين اختار ابن مجاهد قراءتهم،و اشتهر ذكرهم فى الآفاق

و معظم المصنفين فى القراءات يذكرونهم نى أوائل كتبهم،مع طرف من أخبارهم،مختلفين فى ترتيبهم.

و نحن نذكرهم بطريق الاختصار على الترتيب الذى ألفناه بهذه الديار:

الأوّل الإمام أبو عبد الرحمن نافع بن أبى نعيم المدنى رحمه اللّه،و به بدأ ابن مجاهد؛قرأ على سبعين من التابعين.و قال فيه مالك بن أنس الإمام،و صاحبه عبد اللّه بن وهب:قراءة نافع سنة.و قال الليث بن سعد إمام أهل مصر:حججت سنة ثلاث عشرة و مائة،و إمام الناس فى القراءة يومئذ نافع بن أبى نعيم.و قال:

أدركت أهل المدينة و هم يقولون:قراءة نافع سنة.و قال ابن أبى أويس:قال لى مالك:قرأت على نافع.

الثانى:أبو معبد عبد اللّه بن كثير المكى رحمه اللّه:قرأ على مجاهد و غيره من التابعين،و قيل إنه قرأ على عبد اللّه بن السائب المخزومى،و له صحبة.و قرأ عليه جماعة من أئمة أهل البصرة مع جلالتهم:كأبى عمرو بن العلا؛ و عيسى بن عمر،و الخليل بن أحمد،و حماد بن أبى سلمة،و ابن زيد،و حديثه مخرّج فى الصحيحين.و نقل الإمام أبو عبد اللّه الشافعى قراءته،و أثنى عليها،و قرأ على صاحبه إسماعيل بن قسطنطين قارئ أهل مكة، و قال قراءتنا قراءة عبد اللّه بن كثير،و عليها وجدت أهل مكة،من أراد التمام فليقرأ لابن كثير.

الثالث:أبو عمرو بن العلاء البصرى،رحمه اللّه تعالى.أغزرهم علما و أثقبهم فهما.قرأ على جماعة جلة من التابعين،من أهل الحجاز و العراق،كمجاهد،و عطاء،و عكرمة،و سعيد بن جبير،و يحيى بن يعمر، و أبى العالية.و اشتهرت قراءته فى البلاد،و أخبر مثل سفيان بن عيينة قال:رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فى المنام فقلت:يا رسول اللّه قد اختلفت علىّ القراءات،فبقراءة من تأمرنى أن أقرأ؟قال اقرأ بقراءة أبي عمرو

ص: 6

ابن العلاء.و قال أحمد بن حنبل فى إحدى الروايات عنه:قراءة أبى عمرو أحب القراءات إلىّ،هى قراءة قريش، و قراءة الفصحاء.

الرابع:أبو عمران:عبد اللّه بن عامر الدمشقى رحمه اللّه تعالى،هو أسنّ القراء السبعة و أعلاهم إسنادا.

قرأ على جماعة من الصحابة:حتى قيل إنه قرأ على عثمان بن عفان رضي اللّه عنه،و أنه ولد فى حياة النبى صلّى اللّه عليه و سلم.و ممن قرأ هو عليه من الصحابة،معاوية،و فضالة بن عبيد،و وائلة بن الأسقع،و أبو الدرداء رضي اللّه عنهم.فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر و قام مقامه،و اتخذه أهل الشام إماما،و حديثه مخرّج فى صحيح مسلم.و من رواته الآخذين عن أصحاب أصحابه:هشام بن عمار أحد شيوخ أبى عبد اللّه البخارى رحمهم اللّه.

الخامس:أبو بكر عاصم بن أبى النجود الكوفى رحمه اللّه.قرأ على أبى عبد الرحمن السلمى،و زر بن حبيش،و كانا من أصحاب عثمان،و على،و ابن مسعود،و أبىّ بن كعب،و زيد بن ثابت رضي اللّه عنهم على تفصيل فى ذلك.

و جلس عاصم للإقراء بعد وفاة أبى عبد الرحمن.و روى عنه الحديث و القرآن قبل سنة مائة،و كانت قراءته عندهم جليلة خطيرة مختارة.و قال صالح بن أحمد بن حنبل:سألت أبى أىّ القراءات أحب إليك؟ قال:قراءة نافع.قلت:فإن لم توجد.قال:قراءة عاصم.و فى رواية أخرى:قال أهل الكوفة يختارون قراءته و أنا أختارها.

السادس:أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات رحمه اللّه،من رجال صحيح مسلم،و هو إمام أهل الكوفة بعد عاصم،قرأ عليه جماعة من أئمة أهل الكوفة و أثنوا عليه فى زهده و ورعه،منهم سفيان الثورى،و شريك ابن عبد اللّه،و شعيب بن حرب،و على بن صالح،و جرير بن عبد الحميد،و وكيع و غيرهم.و لم يوصف أحد من السبعة القراء بما وصف به حمزة من الزهد و التحرز عن أخذ الأجر على القرآن،حتى إن جرير ابن عبد الحميد قال:مربى حمزة الزيات فى يوم شديد الحر،فعرضت عليه الماء ليشرب فأبى لأنى كنت أقرأ عليه القرآن.

السابع:أبو الحسن علىّ بن حمزة الكسائى إمام نحاة الكوفة عنه أخذ القراء و غيرهم،و انتهت إليه الرئاسة فى القراءة بعد حمزة،و بلغ عند هارون الرشيد منزلة عظيمة:و كان الناس يأخذون عنه ألفاظه بقراءته عليهم،و ينقطون مصاحفهم بقراءته.و قال الإمام الشافعى رضي اللّه عنه:من أراد أن يتبحر فى النحو فهو عيال على الكسائى.

و قال إسماعيل بن جعفر المدنى،و هو من كبار أصحاب نافع:ما رأيت أقرأ لكتاب اللّه من الكسائى.و رؤى رحمه اللّه فى المنام،فقيل له:ما فعل اللّه بك،قال غفر لى،و فى رواية:رحمنى ربى بالقرآن،و فى رواية إلى ما ذا صرت؟قال:إلى الجنة،قيل له ما فعل حمزة الزيات،و سفيان الثورى؟قال:فوقنا،ما نراهم إلا كالكوكب الدرى.و فى أخرى قال:غفر لي و أكرمنى،و جمع بينى و بين النبى محمد صلّى اللّه عليه و سلم فقال:أ لست علىّ ابن حمزة الكسائى؟فقلت نعم (1)،فقال:اقرأ فقرأت:

(وَ الصَّافّاتِ صَفًّا) حتى بلغت (شِهابٌ ثاقِبٌ 2) .

فقال لى:لأباهين بك الأمم يوم القيامة،فهؤلاء هم السبعة القراء الذين أطبق عليهم أهل الأداء.ا.

ص: 7


1- فقلت نعم:الصواب أن يقال بلى.

و قد كثرت التصانيف بعد ابن مجاهد فى ذكر قراءتهم،و هى من بين مصنّف وجيز،و كتاب مطول، يجمع طرقهم و أخبارهم و رواياتهم،و آل الأمر إلى أن صنف كتاب التيسير لأبى عمرو الدانى رحمه اللّه فاعتمد عليه،و صرفت العناية إليه،لما فيه من التنقيح و الاختيار و التحرير و الاختصار.

ثم إن اللّه تعالى سهل هذا العلم على طالبيه بما نظمه الشيخ الإمام العالم الزاهد أبو القاسم الشاطبى رحمه اللّه من قصيدته المشهورة المنعوتة بحرز الأمانى،التى نبغت فى آخر الدهر أعجوبة لأهل العصر،فنبذ الناس سواها من مصنفات القراءات،و أقبلوا عليها لما حوت من ضبط المشكلات و تقييد المهملات،مع صغر الحجم و كثرة العلم،و إنما شهرها بين الناس و شرحها؛و بين معانيها و أوضحها،و نبه على قدر ناظمها،و عرّف بحال عالمها،شيخنا الإمام العلامة علم الدين،بقية مشايخ المسلمين،أبو الحسن على بن محمد هذا الذى ختم به اللّه العلم مع علوّ المنزلة فى الثقة و الفهم،جزاه اللّه عنا أفضل الجزاء،و جمع بيننا و بينه فى دار النعيم و البقاء،فلما تبين أمرها و ظهر سرها تعاطى جماعة شرحها،و لم ينصفوا من أباحهم سرحها،و رقاهم صرحها،و هى أوّل مصنف وجيز حفظته بعد الكتاب العزيز،و ذلك قبل بلوغ الحلم و جريان القلم،و لم أزل من ذلك الزمان إلى الآن طالبا إتقان معرفة ما احتوت عليه من المعانى،و إبراز ما أودع فى ذلك الحرز من الأمانى،و كل حين ينفتح لى من فوائدها باب،و من معانيها ما لم يكن فى حساب.و كنت سمعت شيخنا أبا الحسن على بن محمد المذكور،يحكى عن ناظمها شيخه الشاطبى رحمهما اللّه مرارا أنه قال كلاما ما معناه:لو كان فى أصحابى خير أو بركة لاستنبطوا من هذه القصيدة معانى لم تخطر لى.

ثم إنى رأيت الشيخ الشاطبى رحمه اللّه فى المنام و قلت له:يا سيدى حكى لنا عنك الشيخ أبو الحسن السخاوى أنك قلت كيت و كيت،فقال صدق.و حكى لنا بعض أصحابنا أنه سمع بعض الشيوخ المعاصرين للشاطبى يقول:

لمته فى نظمه لها لقصور الأفهام عن دركها فقال لى:يا سيدى هذه يقيض اللّه لها فتى يبينها أو كما قال:قال فلما رأيت السخاوى قد شرحها علمت أنه ذلك الفتى الذى أشار إليه.

قلت:ثم إن اللّه تعالى فتح على من مراجعته و بركات محاضرته معانى لم يودعها كتابه و لم يعرفها أصحابه، فأردت تدوينها مع استقصاء شرح للأبيات معنى و لفظا،و ذكر ما يتعلق بها مما رأيت لها منه قسما و حظا،فابتدأت ذلك فى كتاب كبير بلغت فيه[باب الهمزتين من كلمة]فى نحو مجلدة بخطى محكمة،ثم إنى فكرت فى قصور الهمم، و تغيير الشيم،و طولبت بتتميمه فاستقصرت العمر عن تلك الهمة مع ما أنا بصدده من تصانيف مهمة، فشرعت فى اختصار ذلك الطويل و اقتصرت مما فيه على القليل،فلا تهملوا أمره لكونه صغيرا حجما،فإنه كما قيل:كنيف ملئ علما،و سميته:

[إبراز المعانى من حرز الأمانى] و قد أخبرنى بهذه القصيدة عن ناظمها جماعة من أصحابه،و قرأتها على شيخنا أبى الحسن المذكور مرارا، و أخبرنى أنه قرأها على ناظمها غير مرة،و مات رحمه اللّه سنة تسعين و خمسمائة فى جمادى الآخرة،و مولده فى آخر سنة ثان و ثلاثين و خمسمائة فيكون عمره أقل من اثنتين و خمسين سنة.

ص: 8

قال تغمده اللّه برحمته و جمع بيننا و بينه فى جنته:

1-[بدأت ببسم اللّه فى النّظم أوّلا تبارك رحمانا رحيما و موئلا]

أى قدمت لفظ«بسم اللّه الرحمن الرحيم»فى أوّل نظمى هذا،يقال:بدأت بكذا إذا قدمته فالباء الأولى لتعدية الفعل،و الثانية هى التى فى أول البسملة:أى بدأت بهذا اللفظ.و النظم:الجمع،ثم غلب على جمع الكلمات التى انتظمت شعرا،فهو بمعنى منظوم،أو مصدر بحاله؛و اللام فى النظم للعهد المعلوم من جهة القرينة،و هى قائمة مقام الإضافة كقوله تعالى:

(فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) (1) .

أى أدنى أرض العرب أى فى نظمى،نزله منزلة المعروف المشهور تفاؤلا له بذلك،أو أراد فى هذا النظم، نزله منزلة الموجود الحاضر فأشار إليه كقوله تعالى:

(هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ) (2) .

أو يكون المصدر فى موضع الحال أى منظوما و أوّلا نعت مصدر محذوف:أى فى أن نظمت نظما أوّل أى أنه مبتكر لم يسبق إليه و هو نظم قصيدة على روى واحد فى مذاهب القراء السبعة موجزة بسبب ما اشتملت عليه من الرموز،و قد تشبه به قوم فى زماننا.فمنهم من سلك مسلكه مختصرا لها،و منهم من غير الرموز بغيرها، و منهم من نظم فى مذاهب القراء العشرة.زاد رواية أبى جعفر المدنى،و يعقوب الحضرمى و خلف البزار فيما اختار:و الفضل للمتقدم الذى هو أتقى و أعلم،فالألف فى قوله أوّلا على هذا الوجه للإطلاق لأنه غير منصرف.

و يجوز أن تكون الألف بدلا من التنوين على أن يكون أوّلا ظرف زمان عامله بدأت أو النظم أى بدأت فى أوّل نظمى«بسم اللّه»أو بدأت«بسم اللّه»فى نظمى الواقع أوّلا،فهو كقول الشاعر:

فساغ لى الشّراب و كنت قبلا

(3) و البركة كثرة الخير و زيادته و اتساعه،و شيء مبارك:أى زائد نام،و ما لا يتحقق فيه ذلك يقدر فى لازمه و ما يتعلق به كقوله تعالى:

«وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ» (4) ، «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» (5).

أى كثير خير ذلك و ما يتعلق به من الأجر،و تبارك تفاعل منه كتعاظم من العظمة،و تعالى من العلو.و قيل إنه فعل لم يتصرف أصلا،لا يقال يتبارك و غيره.ثم كمل لفظ البسملة بقوله«رحمانا رحيما»و زاد قوله«و موئلا»و هذا المعنى زاد دخول الواو فيها حسنا،و الموئل.المرجع و الملجأ،و هو و إن لم يكن لفظه ثابت الإطلاق على اللّه تعالى من حيث النقل فمعناه ثابت نحو:

(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ 6) ، (وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ 7) .8.

ص: 9


1- سورة الروم،آية:3.
2- سورة القصص،آية:15.
3- البيت ليزيد بن الصعق لا كما نسب إلى عبد اللّه بن يعرب و أتى الشارح بصدره مستشهدا به و تمامه أكاد أغص بالماء الفرات،و الصواب الحميم.
4- الأنبياء،آية:50.
5- سورة الدخان آية:3.

و انتصاب الثلاثة على التمييز أو الحال:أى تبارك من رحمن رحيم،أو فى حال كونه كذلك،أو يكنّ منصوبات على المدح و تم الكلام على تبارك؛و هذا نحو قولهم:الحمد للّه الحميد،و يتعلق بهذا البيت أبحاث كثيرة ذكرناها فى الكبير،و استوفينا ما يتعلق بشرح البسملة فى كتاب مفرد و غيره،و اللّه أعلم:

2-[و ثنّيت صلّى اللّه ربّى على الرّضا محمّد المهدى إلى النّاس مرسلا]

أى ثنيت بصلى اللّه:أى بهذا اللفظ كما قال بدأت ببسم اللّه،أو على إضمار القول،أى بقولى«صلى اللّه» أو ثنيت بالصلاة فقلت صلى اللّه،فموضع صلى اللّه نصب على إسقاط الخافض فى الوجه الأوّل،و على أنه مفعول مطلق أو مفعول به إن قلنا إنه على إضمار القول،و صلى اللّه لفظه خبر معناه دعاء«و الرضى»بمعنى ذى الرضى أى الراضى من قوله تعالى:

(وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (1) .

أو المرضى:أى الذى ارتضاه اللّه تعالى؛أو الذى يرضيه يوم القيامة:أى يعطيه ما يرضيه من الشفاعة و غيرها فيرضى.و قرئ قوله تعالى فى آخر طه:

(لَعَلَّكَ تَرْضى 2) .

بفتح التاء و ضمها جمعا بين المعنيين،و قوله«محمد»بدل أو عطف بيان،و المهدى،اسم مفعول،من أهديت الشيء فهو مهدى،لأن اللّه تعالى أهداه إلى خلقه تحفة لهم فأنقذ به من أسعده من النار،و أدخله الجنة مع الأبرار.

و عن الأعمش عن أبى صالح قال:«كان النبى رسول الله صلّى اللّه عليه يناديهم:

«يا أيّها النّاس إنّما أنا رحمة مهداة».

أخرجه أبو محمد الدارمى فى مسنده هكذا منقطعا،و روى موصولا بذكر أبى هريرة فيه،و فى معناه قوله تعالى:

(وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (2) .

و مرسلا حال من الضمير فى المهدى.و يجوز أن يكون تمييزا كما سبق فى تبارك رحمانا:أى المهدى إرساله و اللّه أعلم:

3-[و عترته ثم الصّحابة ثمّ من تلاهم على الإحسان بالخير وبّلا]

سئل مالك بن أنس رحمه اللّه عن عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:هم أهله الأدنون و عشيرته الأقربون.و قال الجوهرى:عترة الإنسان نسله و رهطه الأدنون.

قلت:و هو معنى قول الليث عترة الرجل أولياؤه،يعنى الذين ينصرونه و يهتمون لأمره و يعنون بشأنه،07

ص: 10


1- سورة الضحى،آية:4.
2- سورة الأنبياء،آية:107

و ليس مراد الناظم بالعترة جمع من يقع عليه هذا الاسم من عشيرة النبى صلّى اللّه عليه و سلم،و إنما مراده المؤمنون منهم؛و هم الذين جاء فيهم الحديث:

«و إنّى تارك فيكم ثقلين:كتاب اللّه و عترتى»و فى رواية موضع عترتى«و أهل بيتى».

و كأن ذلك تفسير للعترة،و أهل بيته:هم آله من أزواجه و أقاربه.و قد صح:

«أنّ النّبىّ صلّى اللّه عليه و سلم سئل عن كيفية الصّلاة عليه فقال:قولوا اللّهم صلّ على محمّد و على آل محمّد»و فى رواية«على محمّد و على أزواجه و ذرّيته».

فكأنه فسر الآل بما فى الحديث الآخر،فلهذا لما صلى على النبى صلى على عترته ثم على الصحابة و إن كان بعضهم داخلا فى العترة ليعم الجميع،ثم على التابعين لهم بإحسان.و معنى«تلاهم»تبعهم،و قوله«على الإحسان» أى على طلب الإحسان،أو على طريقة الإحسان،أو على ما فيهم من الإحسان،أو يكون على بمعنى الباء كما يأتى فى قوله«و ليس على قرآنه متأكلا»و فى تلا ضمير مفرد مرفوع مستتر عائد على لفظ من،و وبلا جمع وابل:

و هو المطر الغزير و أصله الصفة و لذلك جمع على فعل كشاهد و شهد،و هو منصوب على الحال من أحد الضميرين فى تلاهم:إما المرفوع العائد على التابعين،و إما المنصوب العائد على الصحابة أى مشبهين الوبل فى كثرة خيرهم، أو يكون حالا منهما معا كقولك لقيته راكبين،فإن كان حالا من المرفوع المفرد فوجه جمعه حمله على معنى من و بالخير متعلق بوبلا من حيث معناه أى جائدين بالخير.و يجوز أن يتعلق بتلا أى تبعوهم بالخير على ما فيهم من الإحسان،و إن جعلنا على بمعنى الباء كان قوله بالخير على هذا التقدير كالتأكيد له و التفسير،و اللّه أعلم:

4-[و ثلّثت أنّ الحمد للّه دائما و ما ليس مبدوءا به أجذم العلا]

و ثلثت مثل ثنيت فى أنه فعل يتعدّى بحرف الجر فيجوز فى أن بعدها الفتح و الكسر،فالفتح على تقدير بأن الحمد،و الكسر على معنى فقلت إن الحمد للّه«و دائما»بمعنى ثابتا و هو حال من الحمد،أو من اسم اللّه، أو نعت مصدر محذوف أى حمدا مستمرا و ما مبتدأ و هى موصولة،و ليس مبدوءا به صلتها و اسم ليس ضمير مستتر يعود على ما،و مبدوءا خبرها،و الهاء فى به عائدة على الحمد أو على اسم اللّه تعالى على تقدير بذكره أو باسمه و به منصوب المحل بمبدوء أو مرفوع مبدوء ضمير عائد على ما:أى و كل كلام ليس ذلك الكلام مبدوءا بالحمد «أجذم العلا»أى مقطوع الأعلى أى ناقص الفضل،فأجذم خبر المبتدإ الذى هو ما،و الجزم أصله القطع و العلاء بفتح العين يلزمه المدّ و هو الرفعة و الشرف،و أتى به فى قافية البيت على لفظ المقصور،و ليس هو من باب قصر الممدود الذى لا يجوز إلا فى ضرورة الشعر،بل يمكن حمله على وجه آخر سائغ فى كل كلام نثرا كان أو نظما،و ذلك أنه لما وقف أسكن الهمزة ثم إنه قلبها ألفا،فاجتمع ألفان فحذف أحدهما،كما يأتى فى باب وقف حمزة و هشام على نحو السماء و الدعاء،و هكذا نقول فى كل ما ورد فى هذه القصيدة من هذا الباب فى قوافيها كقوله«فتى العلا،أحاط به الولا،فتنجو من البلا»و إن افتحوا الجلا بعد على الولا عن جلا أماما يأتى فى حشو الأبيات كقوله«و حق لوى باعد و ما لى سما لوى و يا خمس أجرى»فلا وجه لذلك إلا أنه من باب قصر الممدود ثم يجوز فى موضع العلا أن يكون مرفوعا و منصوبا و مجرورا لأن أجذم العلا من باب حسن الوجه فهو كما فى بيت النابغة:

ص: 11

أجبّ الظهر ليس له سنام

(1) يروى الظهر بالحركات الثلاث،و أشار بما فى عجز هذا البيت إلى حديث خرّجه أبو داود فى سننه عن أبى هريرة قال قال:رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«كلّ كلام لا يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أجذم».

قال الخطابى:معناه المنقطع الأبتر الذى لا نظام له.قلت:و روى هذا الحديث مرسلا،و روى«أقطع» موضع أجذم و روى:

(لم يبدأ فيه بذكر اللّه).

فتكون البسملة على هذا إذا اقتصر عليها مخرجة من عهدة العمل بهذا الحديث،و لو أن الناظم رحمه اللّه قال و ثنيت أن الحمد،و ثلثت صلى اللّه لكان أولى تقديما لذكر اللّه تعالى على ذكر رسوله صلّى اللّه عليه و سلم.

و وجه ما ذكر أنه أراد أن يختم خطبته بالحمدلة،فإن ذكر اللّه تعالى قد سبق بالبسملة فهو كقوله سبحانه فى آخر سورة و الصافات:

(وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 2) و اللّه أعلم.

5-[و بعد فحبل اللّه فينا كتابه فجاهد به حبل العدا متحبّلا]

بعض ما جاء فى فضائل القرآن و فضل قراءته

أى و بعد هذه الخطبة أذكر بعض ما جاء فى فضائل القرآن العزيز و فضل قرّائه«و حبل اللّه مبتدأ،و فينا»متعلق به من حيث المعنى على ما نفسر به الحبل،أو يكون صلة لموصول محذوف أى الذى فينا،و كتابه خبر فحبل.

و يجوز أن يكون فينا هو الخبر و كتابه خبر مبتدإ محذوف أى هو كتابه؛و الفاء فى:فحبل رابطة للكلام بما قبله و مانعة من توهم إضافة بعد إلى حبل،و العرب تستعير لفظ الحبل فى العهد و الوصلة و المودّة و انقطاعه فى نقيض ذلك فلذلك استعير للقرآن العزيز،لأنه و صلة بين اللّه تعالى و بين خلقه،من تمسك به وصل إلى دار كرامته.

و جاء عن ابن مسعود رضي اللّه عنه و غيره فى تفسير قوله عز و جل:

(وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً) (2) .

أنه القرآن.و فى كتاب الترمذى من حديث الحارث الأعور عن على رضي اللّه عنه فى حديث طويل فى وصف القرآن قال:

«هو حبل اللّه المتين».

و فى كتاب أبى بكر بن أبى شيبة فى ثواب القرآن عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض».

ص: 12


1- و قبله قوله: و نمسك بعده بذناب عبس
2- سورة آل عمران آية:103.

و فيه عن ابن شريح الخزاعى أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«إنّ هذا القرآن سبب طرفه بيد اللّه و طرفه بأيديكم،فتمسّكوا به».

و قوله«فجاهد به»أى بالقرآن العزيز كما قال تعالى:

(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً 1) .

أى بحججه و أدلته و براهينه و الحبل بكسر الحاء الداهية و«متحبلا»حال من فاعل فجاهد،يقال:تحبل الصيد:إذا أخذه بالحبالة،و هى الشبكة و استعمل التجانس فى هذا البيت و الذى بعده و هو مما يعدّ من الفصاحة فى الشعر و غيره:

6-[و أخلق به إذ ليس يخلق جدّة جديدا مواليه على الجدّ مقبلا]

أخلق به تعجب أى ما أخلقه بالمجاهدة به:أى ما أحقه بذلك،يقال هو خليق بكذا أى حقيق به،و إذ هنا تعليل مثلها فى قوله تعالى:

(وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) (1) .

و يقال:أخلق الثوب خلق إذا بلى و جدّة تمييز،و هى ضدّ البلى،يستعار ذلك للقرآن العزيز،لما جاء فى الحديث عن ابن مسعود موقوفا و مرفوعا:

«إنّ هذا القرآن حبل اللّه لا تنقضى عجائبه،و لا يخلق عن كثرة الرّدّ» أخرجه الحافظ البيهقى فى كتاب المدخل أى لا يحدث له البلى ناشئا عن كثرة ترداده و تكراره و مرور الزمان عليه«و جديدا»فعيل من الجدّ بفتح الجيم و هو العظمة و العزة و الشّرف،و انتصابه على الحال من ضمير يخلق العائد على القرآن العزيز،أو على المدح«و مواليه»بمعنى مصافيه و ملازمه العامل بما فيه و هو مبتدأ و«على الجد» خبره فهى جملة مستأنفة:أى حصل على الجد و استقر عليه.و الجد بكسر الجيم ضد الهزل«و مقبلا»حال من الضمير المقدّر فى الخبر الراجع على مواليه:أى استقر على الجدّ فى حال إقباله عليه و احتفاله به عملا و علما، يشير إلى ما كان الأوّلون عليه من الاهتمام به.و يجوز أن يكون مواليه فاعل جديدا فيكون بمعنى جديدا له،و إن كان حالا من القرآن العزيز لفظا،نحو رأيت زيدا كريما غلامه،و على هذا يكون فى على الجد ثلاثة أوجه:

أحدها أن يكون حالا و مقبلا حال بعد حال.

و الثانى:أن يكون معمول مقبلا قدم عليه.

و الثالث:أن يكون معمول مواليه أى الذى والاه على الجد حصل له العز و الشرف،و عند هذا يجوز أن يكون الجد هاهنا من الجد فى الأمر و هو الاجتهاد فيه و هو يئول إلى ضد الهزل،و اللّه اعلم:

7-[و قارئه المرضىّ قرّ مثاله كالاترجّ حاليه مريحا و موكلا]

نظم فى هذا البيت ما ثبت فى الصحيحين من حديث أبى موسى الأشعرى رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.9.

ص: 13


1- سورة الزخرف،آية:39.

«مثل المؤمن الّذى يقرأ القرآن مثل الأترجّة ريحها طيّب و طعمها طيّب»الحديث.

فقوله«و قارئه»مبتدأ و المرضى صفته،و أراد به تفسير المؤمن المذكور فى هذا الحديث،لأنه ليس المراد به أصل الإيمان بل أصله و وصفه.و فى كتاب الترمذى من حديث صهيب رضي اللّه عنه عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم «ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه».

و الجملة من قوله«قر مثاله»هى خبر المبتدإ، وقر بمعنى استقر:أى استقر مثاله مشابها للأترج،و يجوز أن يكون المرضى خبر المبتدإ أى لا يعدّ قارئا للقرآن إلا من كان مرضي الطريقة،ثم استأنف جملة فعلية فقال:قر مثاله كالأترج،و يجوز أن يكون قر وحده هو خبر المبتدإ،و فيه ضمير عائد على القارئ:أى قرت عينه،أو استقر أمره بنيل درجات الأبرار،ثم استأنف جملة اسمية بقوله مثاله كالأترج فقوله كالأترج خبر مثاله،و على هذا يجوز أن يكون قر دعاء،كما تقول زيد العاقل أقر اللّه عينه.و الأترج بتشديد الجيم و الأترنج بالنون لغتان و كلاهما مستقيم فى وزن البيت،و إنما اختار لغة التشديد للفظ الحديث،و حاليه بدل اشتمال من الأترج،و مريحا و موكلا حالان من الأترج،يقال أراح الطيب:إذا أعطى الرائحة،و آكل الزرع و غيره:إذا أطعم، و اللّه أعلم.

8-[هو المرتضى أمّا إذا كان أمّة و يمّمه ظلّ الرّزانة قنقلا]

فسر بهذا البيت ما عناه بقوله المرضى فقوله«هو»ضمير القارئ المرضى،أو ضمير القارئ مع الإعراض عن وصفه بالمرضى لأنه أغنى عنه قوله المرتضى أما إلى آخر البيت.و يجوز أن يكون هو المرتضى خبر قوله و قارئه المرضى، و ما بينهما من قوله قرّ مثاله آخر البيت اعتراض،و إما تمييز،و معناه القصد:أى هو المرتضى قصده تيمنا به و انتفاعا بعلمه و كان بمعنى صار،و يقال للرجل الجامع للخير أمة،كأنه قام مقام جماعات؛لأنه اجتمع فيه ما تفرق فيهم من المصالح و منه قوله تعالى:

(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) (1) .

و قوله و يممه أى قصده،و الرزانة الوقار،و قد رزن الرجل بالضم فهو رزين:أى وقور ثابت،و استعار للرزانة ظلا إشارة إلى شمول الوقار له،و استراحته فى ظله،و أمنه من تخليط الناقص من عقله،و جعل الرزانة هى التى تقصده،كأنها تفتخر به و تتزين،بأن تظله لكثرة خلال الخير فيه،مبالغة فى مدحه،و فى الحديث عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«من جمع القرآن متّعه اللّه بعقله حتّى يموت».

و عن عبد الملك بن عمير قال:كان يقال:إن أبقى الناس عقولا قراء القرآن،و قنقلا حال من ظل الرزانة:

أى مشبها قنقلا،و كذا يقدر فى ما جاء مثله مما هو منصوب على الحال و ليس بمشتق،كقوله:و انقاد،معناه يعملا،و القنقل:المكيال الضخم،و كان لكسرى تاج يسمى القنقل،و القنقل أيضا:الكثيب من الرمل،0.

ص: 14


1- سورة النحل آية:120.

يشير إلى عظم الرزانة و توفرها إن قصد الكثيب أو المكيال،و إن قصد التاج قدرت الحال بمتوجا،و من كلامهم جلس فلان و عليه السكينة و الوقار،فإن قلت علام:عطف قوله«و يممه»قلت:يحتمل وجهين:أحدهما أن يكون عطفا على معنى المرتضى:أى هو الذى ارتضى أمة و يممه الوقار،فهو من باب قوله تعالى:

(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا) (1) .

أى إن الذين تصدقوا و أقرضوا،و يكون مضمون البيت ثناء عليه بأنه مرتضى كامل العقل.و الوجه الثانى:

أن يكون معطوفا على«كان أمة»أى إذا اتصف بهاتين الصفتين:أى أن قارئ القرآن إنما يرتضى للاقتداء به و يقصد للانتفاع به بشرطين و هما أن يكون جامعا للخير،وافر العقل،و اللّه أعلم.

9-[هو الحرّ إن كان الحرىّ حواريا له بتحرّيه إلى أن تنبّلا]

هو ضمير القارئ المرتضى قصده:الذى هو أمة وافر العقل.أو يكون ضمير القارئ مع الإعراض عن تلك الأوصاف،لأنه يغنى عنها اشتراطها بقوله:إن كان الحرىّ أى إن كان الحرى بها،و لهذا قال بعضهم:

إنّ إن بمعنى إذ،و لو أراد الناظم ذلك لقال إذ و كان تعليلا،و الوزن موافق له،فلا حاجة إلى ارتكاب ما لم يثبت لغة،و إن ثبت فهو لغة بعيدة ضعيفة.فإن قلنا:هو ضمير القارئ بصفاته فكل بيت كأنه تأكيد لما قبله،و إن قلنا هو ضمير القارئ مطلقا كان كل بيت مستقلا بالغرض من وصفه بما يستحق به الإمامة و الحرية.على أنى أقول قوله،بتحريه صلة الحرى،و ليس المراد الحرى بها بل الحرى بالتحرى،و قوله«حواريا له»معترض بينهما و الحر:الخالص من الرق:أى لم تسترقه دنياه و لم يستعبده هواه لأنه لما تحقق بتدبر القرآن،و فهم معانيه صغرت فى عينه الدنيا و أهلها كقوله تعالى:

(وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ) ، (وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ 2) . (وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) . (2)(وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى) (3).

إلى غير ذلك من الآيات فى هذا المعنى،و ما أحسن ما قاله الشاطبى رحمه اللّه من قصيدة له:

لمن يترك القرّاء ورد فراته ورودا من الدّنيا أجاج المشارب

و لو سمع القرّاء حين اقترائهم لفى آل عمران كنوز المطالب

بها ينظر الدّنيا بعين احتقارها فقيه المعانى غير عانى الذّوائب

يعنى قوله تعالى:

(زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) إلى قوله (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ 5)4.

ص: 15


1- سورة الحديد،آية:18.
2- سورة العنكبوت،آية:64.
3- سورة طه،آية:31.

و ما أحلى قوله«فقيه المعانى»:يعنى من أعطاه اللّه فهما و فقها فى معانى القرآن العزيز فهذا هو الذى يحتقر الدنيا عند تلاوته لهذه الآية و نظائرها،لا الفقيه الذى هو أسير الذوائب المتقيد بلباسه و خدمة أهل الدنيا؛ففقيه المعانى محرر عن رق الأشياء.و يحتمل قوله هو الحر معانى أخر ذكرناها فى الكبير و الحرىّ بمعنى الحقيق.و الحوارى الناصر الخالص فى ولائه و الياء مشدّدة خففها ضرورة،و التحرى القصد مع فكر و تدبر و اجتهاد:أى يطلب -هو الأحرى،و الهاء فى«له»للقرآن العزيز،و فى تحريه للقارئ أو للقرآن و حواريا خبر لكان بعد خبر أو حال من ضمير الحرى العائد على القارئ.و يجوز أن يكون بتحريه متعلقا بحواريا:أى ناصرا له بالتحرى، أو تكون الباء للمصاحبة:أى مصاحبا للتحرى فيه،هذا كله على أن يكون التقدير:إن كان الحرىّ بالأوصاف السابقة،و الأولى ألا يتعلق قوله«بتحريه»بالحرى كما سبق،و قوله إلى أن تنبلا-متعلق بالتحرى أو بحواريا؛ و معنى تنبل مات،أو أخذ الأنبل فالأنبل أى انتفى ذلك من المعانى التى تحتملها ألفاظ القرآن.

10-[و إنّ كتاب اللّه أوثق شافع و أغنى غناء واهبا متفضّلا]

هذا حث على التمسك بالقرآن العزيز و تحريه،و العمل بما فيه،ليكون القرآن العزيز شافعا له،كافيه كل ما يحذر،واهبا له،متفضلا عليه بما يلقاه من ثواب قراءته و العمل به،و فى الصحيح عن أبى أمامة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.

(اقرءوا القرآن فإنّه يجيء يوم القيامة شفيعا لأصحابه،اقرءوا البقرة و آل عمران،فإنّهما الزّهراون تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان تحاجّان عن صاحبهما).

و فى كتاب الترمذى عن أبى هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

(إنّ سورة فى القرآن ثلاثين آية شفعت لرجل حتّى غفر له،و هى:تبارك الّذى بيده الملك) قال:هذا حديث حسن،و أوثق من قولهم شيء وثيق:أى محكم متين:و قد وثق بالضم وثاقة،و إنما وصفه بذلك لأن شفاعته مانعة له من وقوعه فى العذاب،و شفاعة غيره مخرجة له منه:بعد وقوعه فيه و الغناء بالفتح و المد الكفاية و فعله أفعل كقوله تعالى:

(ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) (1) .

فقوله«و أغنى غنا»أى و أكفى كفاية:أى كفاية القرآن العزيز أتم من كفاية غيره،فأغنى فى هذا البيت ليس فعلا ماضيا و لكنه أفعل التفضيل،و بناؤه من غير الثلاثى المجرد شاذ،و القياس أن يقال:أشد غناء،أو أتم غناء،أو نحو ذلك.و يجوز أن يقال:هو من غنى.إذا استغنى،أو من غنى بالمكان:إذا أقام به،فمعناه على الأوّل أنه غنى من كفاية ما يحذر حامله ملىء بها واسع جوده.و على الثانى أنه دائم الكفاية مقيم عليها، لا يسأم منها و لا يمل،و لا بد من تقدير مضاف محذوف قبل غناء على الوجهين أى و أغنى ذى غناء،لأن المراد أن القرآن أثرى ذوى الكفايات و أدومهم عليها.و لك أن تقدر مثل ذلك فى الوجه الذى بدأنا به:أى و القرآن أكفى ذوى الكفايات.8.

ص: 16


1- سورة الحاقة،آية:28.

و تلخيص اللفظ على الأوجه الثلاثة أن نقول:التقدير و أغنى مغن،و المغنى الكافى و لا يتغير معناه عن ذلك فى الوجوه كلها؛و إنما المعانى الثلاثة فى لفظ أغنى،و لو لا تقدير المضاف المحذوف للزم نصب غناء لأن أفعل لا يضاف إلا إلى ما أفعل بعضه،و القرآن ليس بعض الكفاية فيجب النصب كقولك:هو أفره عبدا بالنصب إذا كانت الفراهية فى العبد و هو ليس بعبد«و واهبا و متفضلا»حالان من الضمير فى أغنى العائد على كتاب اللّه تعالى.و قيل النصب على التمييز كقولك:هو أغناهم أبا،و قيل إن قلنا إن أغنى بمعنى أثرى فالنصب على التمييز و إن قلنا بالوجهين الآخرين فالنصب على الحال،و قد بينا فساد هذين القولين (1)فى الكتاب الكبير، و اللّه أعلم.

11-[و خير جليس لا يملّ حديثه و ترداده يزداد فيه تجمّلا]

«و خير»مثل قوله:و أغنى كلاهما معطوف على أوثق؛و لا يمل حديثه صفة خير أو جليس؛أو هو خبر بعد خبر،لأن كل قول مكرر مملول،إلا القرآن العزيز فإنه كلما كرر حلا و اقتبس من فوائده ما لا يدخل تحت الحصر،و أجر على تلاوته بكل حرف عشر حسنات،فهو خير جليس،و كيف يمل حديثه و هو أحسن الحديث؟كما قال سبحانه:

(اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ 2) .

و قال النبى صلّى اللّه عليه و سلم.

«مثل صاحب القرآن مثل جراب مملوء مسكا يفوح به كلّ مكان».

فأى جليس أفضل منه؟و الترداد:بفتح التاء مصدر ردده ترديدا و تردادا،و الهاء المتصلة به تعود على القارئ أو على القرآن العزيز،لأن المصدر يجوز إضافته إلى الفاعل و إلى المفعول،فهو كما سبق فى قوله بتحريه و الضمير المستكنّ فى يزداد يحتمل الأمرين،و الهاء فى فيه عائدة على الترداد،و فيه:بمعنى به:أى يزداد القرآن بالترداد تجملا لما يظهر من تلاوته و نوره و حلاوته و فصاحته،أو يزداد القارئ بالترداد تجملا لما يقتبس من فوائده و آدابه و جزيل ثوابه.و يجوز أن يكون الضمير فى يزداد للترداد و فى فيه للقارئ،و تكون فيه على ظاهرها لا بمعنى به،و تجمل الترداد يئول إلى جمال حاصل فى القارئ و زينة له،و اللّه أعلم.

12-[و حيث الفتى:يرتاع فى ظلماته من القبر يلقاه سنا متهلّلا]

كنى عن القارئ بالفتى وصفا له بالفتوة،و هى خلق جميل يجمع أنواعا من مكارم الأخلاق،و يرتاع:

أى يفزع؛و الهاء فى ظلماته للفتى:أى فى ظلماته الناشئة من القبر و وحشته،و إنما أضافها إليه لملابستها له،3.

ص: 17


1- لا يظهر وجه فساد القولين،غير أن يقال:إذا جعل واهبا و متفضلا تمييزان،يصير معناه أغنى ذوى غناء هبة و تفضلا فيكون نسبة أغنى فى الحقيقة إلى الهبة و التفضل،و هذا ليس بلائح الوجه إلا على طريقة المجاز،هذا غاية ما يمكن فى توجيه الفساد، و فيه ما فيه.

و كونه فيها.فقوله من القبر على هذا فى موضع الحال من الظلمات:أى صادرة من القبر.و يجوز أن يكون كنى بالظلمات عن أعماله السيئة؛فيكون من القبر على هذا متصلا بيلقاه:أى يلقاه القرآن من القبر:أى يأتيه من تلك الجهة.و يجوز أن يكون التقدير يرتاع من القبر كائنا فى ظلماته.و يجوز أن يكون قوله:فى ظلماته من القبر واردا على طريقة القلب لأمن الإلباس:أى يرتاع فى القبر من ظلماته،و الهاء فى يلقاه للفتى أو للقرآن العزيز لأن كل واحد منهما يلقى الآخر.و السنا بالقصر:الضوء.و السناء بالمد:الرفعة،و المتهلل:الباشّ المسرور و كلاهما حال من القرآن:أى يلقى القرآن الفتى فى حال إضاءته و بشاشته:أى ذا سنا:أى مستنيرا.و يجوز أن يكون متهللا صفة لسنا.و فى جامع الترمذى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال:

«ضرب بعض أصحاب النّبىّ صلّى اللّه عليه و سلم خباءه على قبر و هو لا يحسب أنه قبر.فإذا هو قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتّى ختمها فأتى النّبىّ صلّى اللّه عليه و سلّم فأعلمه فقال النّبى صلّى اللّه عليه و سلّم هى المانعة هى المنجّية تنجيه من عذاب القبر»، و فى كتاب ابن أبى شيبة و أول كتاب الوقف و الابتداء لابن الأنبارى آثار فى فضل قارئ القرآن العامل به ذكرنا بعضها فى الكتاب الكبير،و اللّه أعلم.

13-[هنالك يهنيه مقيلا و روضة و من أجله فى ذروة العزّ يجتلى]

هنالك من تتمة قوله:يلقاه أى يلقاه فى ذلك المكان،ثم استأنف قوله يهنيه أو يكون يهنيه حالا.و يجوز أن يكون هنالك ظرفا ليهنيه،و هنالك يستعمل ظرف زمان و ظرف مكان و كلاهما محتمل هنا،و الظرف هو هنا و الكاف خطاب و اللام زائدة للدلالة على البعد،و العرب تنزل الميت أبعد منزلة و ذلك لبعد الملتقى كقول الشاعر:

من كان بينك فى التّراب و بينه شبران فهو بغاية البعد

و الهاء فى يهنيه للقارئ،و ضمير الفاعل مستتر عائد على القرآن أو على القبر،فإن عاد على القرآن كان مقيلا مفعولا ثانيا ليهنيه من قولهم:هنأت الرجل أهنؤه و أهنئه:إذا أعطيته ثم ترك الهمز ضرورة على لغة كسر النون،و لو استعمل لغة الفتح لقال يهناه؛و إن عاد الضمير على القبر كان مقيلا تمييزا من قولهم:هنأ لي الطعام:

أى لذّلى طعمه و طاب،و روضة عطف على مقيلا بالاعتبارين.و المقيل:موضع القائلة،و هى الاستراحة فى وسط النهار،و لا يشترط فيها نوم:أى يصير له القبر كالمقيل،و كالروضة بثواب قراءة القرآن و العمل به عبر بذلك عن الراحة الحاصلة له حينئذ،و فى الحديث:

«القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النّار».

و الهاء فى«و من أجله»للقرآن،و مرفوع يجتلى للقارئ و يتعلق بيجتلى ما قبله من المجرورات،و ذروة كل شيء:

أعلاه تضم ذاله و تكسر،و يجتلى:معناه ينظر إليه بارزا من قولهم اجتليت العروس،و عبر بذلك عن عظم أمره فهو سالم من كل آفة،و اللّه أعلم.

ص: 18

14-[يناشده فى إرضائه لحبيبه و أجدر به سؤلا إليه موصّلا]

«يناشد»أى يسأل ربه،و قيل معناه يكثر المسألة ملجأ فيها و عدى بفى لأن فى المناشدة معنى الرغبة،و فاعل يناشد ضمير عائد على القرآن العزيز،و هو جملة واقعة خبرا لقوله:و إن كتاب اللّه أوثق شافع بعد أخبار سلفت:

أى هو أوثق شافع و خير جليس،و يلقى قارئه حيث يرتاع و يناشد فى إرضائه،و الهاء فى لحبيبه تعود على القرآن العزيز،و حبيبه قارئه العامل بما فيه،و الهاء فى إرضائه يعود إلى اللّه تعالى،و قد تقدم ذكره فى قوله:و إن كتاب اللّه كقولك:غلام زيد يطلب منه كذا:أى من زيد أى يناشد اللّه تعالى فى أن يرضى حبيبه:أى يعطيه من الأجر و الثواب ما تقرّ به عينه،فالإرضاء مضاف إلى الفاعل،و عدى الإرضاء بلام الجر لأنه مصدر نحو:

عجبت من ضرب لزيد.و يجوز أن يكون التقدير يناشد لحبيبه فى إرضائه:أى يسأل اللّه تعالى فى أن يرضى حبيبه،ففي الكلام تقديم و تأخير فتكون الهاء فى إرضائه للحبيب،و الإرضاء حينئذ مضاف للمفعول،و قيل الهاء فى إرضائه للقرآن العزيز:أى يسأل ربه أن يعطى القارئ ما يرضى به القرآن و تكون اللام فى لحبيبه بمعنى لأجل حبيبه.

و فى كتاب الترمذى من حديث أبى هريرة رضي اللّه عنه عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«يجيء القرآن يوم القيامة،فيقول يا ربّ حلّه فيلبس تاج الكرامة،فيقول يا ربّ زده حلّة الكرامة،ثمّ يقول يا ربّ ارض عنه فيرضى عنه،فيقال:اقرأ و ارق و يزداد بكلّ آية حسنة».

قال هذا حديث حسن.و روى عن أبى هريرة رضي اللّه عنه غير مرفوع.و فى هذا المعنى أحاديث كثيرة ذكرناها فى الشرح الكبير.و قوله و أجدر به تعجب كأخلق به:أى ما أجدره بذلك و أحقه به،و السؤل المسئول و هو المطلوب و نصبه على التمييز و موصلا نعته و إليه متعلق بموصلا و الهاء عائدة على القرآن العزيز أو على القارئ،و الضمير فى له للإرضاء:أى ما أحق سؤله أن يوصل إليه،و قيل يجوز أن يكون الهاء فى إليه للرضى الدال عليه الإرضاء أو للإلحاح الدال عليه يناشد،و موصلا حال من القرآن العزيز،و قيل غير ذلك على ما بينا وجه فساده فى الشرح الكبير،و اللّه أعلم.

15-[فيا أيّها القارى به متمسّكا مجلاّ له فى كلّ حال مبجّلا]

نادى قارئ القرآن المتصف بالصفات المذكورة فى هذا البيت و بشره بما ذكره فى البيت الآتى و بعده (1)و القارئ مهموز،و إنما أبدل الهمزة ياء ضرورة،و الهاء فى به للقرآن و هو متعلق بمتمسكا مقدم عليه:أى متمسكا به،يعنى عاملا بما فيه ملتجئا إليه فى نوازله كما قال تعالى:

(وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) (2) .0.

ص: 19


1- أى الآتى بعده و بعده فحذف الأول للقرينة ا ه من هامش الأصل.
2- سورة الأعراف،آية:170.

و فى الحديث الصحيح«كتاب اللّه فيه الهدى و النّور فتمسّكوا بكتاب اللّه و خذوا به»و فى رواية «من استمسك و أخذ به كان على الهدى و من أخطأه ضلّ».

و فى به وجوه أخر بعيدة ذكرناها فى الكبير،و إجلال القرآن العزيز:تعظيمه،و تبجيله:توقيره و هما متقاربان فى المعنى،و نصب متمسكا و ما بعده على الحال من ضمير القارئ،لأن المعنى:يا أيها الذى قرأ القرآن و من إجلال القرآن حسن الاستماع له و الإنصات لتلاوته،و توقير حملته و صيانة القارئ نفسه مما يشين دينه، جعلنا اللّه كذلك و اللّه أعلم.

16-[هنيئا مريئا والداك عليهما ملابس أنوار من التّاج و الحلا]

الهنيء:الذى لا آفة فيه،الطيب المستلذ،الخالى من المنغصات،الحاصل من غير تعب.و المريء:المأمون الغائلة،المحمود العاقبة،المستساغ فى الحلق،و هما من أوصاف الطعام و الشراب فى الأصل.ثم تجوّز بهما فى التهنئة بكل أمر سارّ،و هما هنا منصوبان على الحال:أى ثبت لك ثواب تمسكك بالقرآن العزيز و إجلالك له هنيئا مريئا.و يجوز أن ينصبا بفعل مضمر:أى صادفت أمرا هنيئا مريئا و أن يكونا نعتى مصدر محذوف:أى عش عيشا هنيئا مريئا،ثم ابتدأ قوله والداك عليهما البيت،و ملابس جمع ملبس بفتح الميم و الباء و هو مصدر كاللبس،و جمعه لاختلاف الملبوس،أو تكون جمع ملبس بكسر الميم و فتح الباء:و هو الشيء الذى يلبس، و يسمى أيضا لباسا،و مثله ميزر و إزار و ملحف و لحاف،و ملابس فاعل عليهما،و عليهما خبر والداك،أو يكون ملابسى مبتدأ ثانيا خبره عليهما المقدّم عليه و الجملة خبر والداك،و أنوار جمع نور و النور:الضياء، و أضاف الملابس إلى الأنوار لملابستها إياها،و التاج:الإكليل،و الحلى جمع حلية:و هى الهيئة من التحلى الذى هو لبس الحلى.و يجوز أن تكون الحلى جمع حلة،و أراد الحلل لكنه أبدل من ثانى حرفى التضعيف حرف علة نحو أمليت،و هذا و إن لم يكن مسموعا فهو جائز فى الضرورة،نص عليه الرمانى فى آخر،شرح الأصول و المنظوم فى هذا البيت حديث أخرجه أبو داود و غيره من حديث سهل بن معاذ الجهنى عن أبيه رضي اللّه عنهم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«من قرأ القرآن و عمل بما فيه ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشّمس فى بيوت الدّنيا لو كانت فيكم فما ظنّكم بالّذى عمل بهذا» فقوله:«من قرأ القرآن و عمل بما فيه»نظمه فى البيت السابق،و قوله«فما ظنكم بالذى عمل بهذا»منظوم فى البيت الآتى،و الباقى منظوم فى هذا البيت.و فى مسند بقىّ بن مخلد عن أبى هريرة عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«يكسى والداه حلّة لا تقوم لها الدّنيا و ما فيها».

ففي هذا ذكر الحلة،و فى الذى قبله ذكر التاج،فصح تفسيرنا لقوله:الحلى بالحلل و يكون نظم ما تفرق فى الحديثين،و قوله فى الحديث«تاجا و حلة»أى كل واحد منها،و اللّه أعلم.

ص: 20

17-[فما ظنّكم بالنّجل عند جزائه أولئك أهل اللّه و الصّفوة الملا]

هذا استفهام تفخيم للأمر و تعظيم لشأنه كقوله تعالى:

(فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ 1) و قوله«فما ظنكم»مبتدأ و خبر و فيه معنى الأمر:أى ظنوا ما شئتم من الجزاء لهذا الولد الذى يكرم والداه من أجله و الخطاب للسامعين مطلقا،فيكون التفاتا من خطاب القارئ إليهم.و يجوز أن يكون خطابا إليهم مع القراء لأن قوله«فيا أيها القارئ»للجنس:أى فما ظنكم بأنفسكم«و النجل»النسل كالولد يقع على المفرد و الجمع، فحمل على اللفظ قوله عند جزائه،ثم حمل على المعنى قوله:أولئك و مفعولا الظن محذوفان:أى ما تظنونه واقعا بالنجل،و قوله«عند جزائه»ظرف للمحذوف،و لا يجوز أن يكون ظرفا للظن،و قوله:أولئك أهل اللّه»إشارة إلى حديث آخر أخرجه أبو عبيد و البزار و ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«إنّ للّه أهلين من النّاس،قيل من هم يا رسول اللّه؟قال:أهل القرآن هم أهل اللّه و خاصّته».

و الإشارة بالأهلية إلى قرب المنزلة من رحمته و كرامته،و الأهل:اسم جمع كالرهط و الركب،و قد جمع فى الحديث جمع السلامة،و مثله فى القرآن العزيز.

(شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا -إلى- أَهْلِيهِمْ أَبَداً 2) .

فيجوز أن يكون فى بيت الشاطبى رحمه اللّه تعالى أيضا مجموعا،و سقطت النون للإضافة،و الواو لالتقاء الساكنين،و اللفظ بالمفرد و الجمع فى مثل هذا واحد،و إنما يفترقان فى الخط.فتزاد واو فى الجمع،و المصنف لم يكتب ما نظمه لأنه كان ضريرا و إنما أملاه،و لا يظهر فى اللفظ جمع فكتبه السامع مفردا،و يطرد ذلك فى قول النبى صلّى اللّه عليه و سلم فى آخرها هذا الحديث«أهل اللّه و خاصته»يجوز أن يكون جمعا و هو الأظهر اعتبارا بما فى أول الحديث.و يجوز أن يكون استعمله جمعا و مفردا فى حديث واحد كما قال سبحانه:

(أَهْلَ الْبَيْتِ (1)) (وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها (2)) (إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ ) .

و قال صلّى اللّه عليه و سلم فى حديث آخر:

«هؤلاء أهل بيتى».

و الصفوة:الخالص من كل شيء بكسر الصاد و فتحها و روى ضمها.و أشار بالصفوة إلى الخاصة المذكورة فى الحديث،و أدخل واو العطف فى قوله:«و الصفوة»ليأتى على صورة لفظ الحديث فى قوله صلّى اللّه عليه و سلم:.

ص: 21


1- سورة الأحزاب،آية:33.
2- سورة الفتح،آية:26.

«أهل اللّه و خاصّته».

و الملأ:الأشراف و الرؤساء،و هو موافق لما روى من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«أشراف أمّتى حملة القرآن و أصحاب اللّيل»و فى رواية:«قرّاء القرآن،و قوّام اللّيل».

و من حديث على بن أبى طالب و أبى هريرة و أبى سعيد الخدرى رضي اللّه عنهم رفعوه:

«حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة».

أخرجهما الحافظ أبو العلا الهمذانى و الملأ مهموز أبدل من همزه ألفا للوقف،و اللّه أعلم.

18-[أولو البرّ و الإحسان و الصّبر و التّقى حلاهم بها جاء القرآن مفصّلا]

«أولو»مثل ذوو:بمعنى أصحاب،و هو خبر بعد أخبار لقوله«أولئك»:أى هم المتصفون بهذه الصفات الجليلة من البر و ما بعده،و حلاهم مبتدأ و معناه:صفاتهم جمع حلية و هى الصفة و خبره الجملة التى بعده و بها متعلق بجاء.و يجوز أن تكون حلاهم صفة البر و الإحسان و الصبر و التقى،فيكون مجرور المحل.و يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف:أى هذه حلاهم،ثم قال«بها جاء القرآن»و القران بلا همز و بالهمز لغتان،و هما للقراء قراءتان،و مفصلا حال من القرآن،و معناه:مبينا،و منه قوله تعالى:

(كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ ) .

و يجوز أن يكون مفصلا من باب تفصيل القلائد بالفرائد كقول امرئ القيس (1).

فأدبرن كالجزع المفصّل بينه

و قوله:

تعرّض أثناء الوشاح المفصّل

(2) و قيل هذا المعنى أيضا فى تفسير قوله تعالى:

(كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ (3)) .

أى فصلت بدلائل التوحيد و الأحكام و المواعظ و القصص؛فكذا أراد الناظم أن القرآن مشتمل على ذكر الأبرار و أخبار الكفار،فصفات الأبرار فيه كالفرائد التى تفصل بها العقود،و هى الجواهر التى تزينها و تعظم وقعها،و هذا بالنسبة إلى المذكور،و أما النسبة إلى الذاكر فكلتاهما سواء،لأن كلا كلام اللّه عز و جل، و اللّه أعلم.

19-[عليك بها ما عشت فيها منافسا و بع نفسك الدّنيا بأنفاسها العلا]

«عليك بها»إغراء و حث:أى الزم هذه الصفات،و الصق بها و بادر إليها مدّة حياتك منافسا فيها غيرك1.

ص: 22


1- آخره يجيد معم فى العشيرة مخول
2- أوله: إذا ما الثريا فى السماء تعرضت ا ه.
3- سورة هود،آية:1.

و المنافسة:المزاحمة فى الشيء رغبة فيه،و منافسا حال من الضمير فى الإغراء،و قيل من التاء فى«عشت» و هو وهم،و لك أن تجعل فيها من صلة عشت،و الضمير للدنيا و إن لم يجر لها ذكر،لأن لفظ عشت يدل عليها و الدنيا التى وصف بها النفسى تأنيث الأدنى الذى هو الحقير الخسيس،و إنما وصفها بذلك لاتضاعها مبدأ و مآلا،كما قال:

ما بال من أوّله نطفة و جيفة آخره يفخر

لا فخر إلاّ فخر أهل التّقى غدا إذا ضمّهم المحشر

و الأنفاس جمع نفس بفتح الفاء:أى بأرواح طيبها التى هى علا فى المبدإ و المآل؛و الهاء فى بأنفاسها تعود إلى حلاهم.

«و العلا»بضم العين و القصر له معنيان:أحدهما أن يكون جمع عليا تأنيث أعلى فيطابق موصوفه لفظا و معنى.

و الثانى أن يكون مفردا بمعنى العلاء بالفتح و المدّ،فيكون وصف الأنفاس بالعلاء على هذا من باب رجل عدل، و التقدير ذوات العلا،فالوجه الأوّل أولى،و هذا البيت بديع اللفظ جليل المعنى،يشم من رائحته أن ناظمه كان من أولياء اللّه رحمه اللّه تعالى،ثم أثنى على علماء القراءة فقال:

20-[جزى اللّه بالخيرات عنّا أئمّة لنا نقلوا القرآن عذبا و سلسلا]

هذا دعاء بلفظ الخبر كما تقدم فى:صلى اللّه.و جزى:بمعنى قضى،و يتعدى إلى مفعولين نحو قوله تعالى:

(وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً 1) .

و أدخل الشاطبى رحمه اللّه تعالى على المفعول الثانى و هو قوله«بالخيرات»باء الجر زيادة.و المعنى جزى اللّه أئمة القراءة خيرا،و الخيرات:جمع خيرة؛و هى الفاضلة من كل شيء قال اللّه تعالى:

(وَ أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ 2) .

«و لنا»يجوز أن يكون صفة لأئمة و يجوز أن يكون معمول نقلوا،و نقلوا صفة الأئمة على الوجهين،و عذبا نعت مصدر محذوف:أى نقلا«عذبا»لم يزيدوا فيه و لم ينقصوا منه و لا حرفوا و لا بدلوا.و يجوز أن يكون حالا:أى نقلوه،و هو كذلك على هذه الحال لم يتغير عنها،و يجوز أن يريد بالقرآن القراءة لأنه مصدر مثلها من قوله تعالى:

(فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 3) .

و عذوبتها أنهم نقلوها غير مختلطة بشيء من الرأى،بل مستندهم فيها النقل الصحيح مع موافقته خط المصحف الكريم و اتضاح ذلك على الوجه الفصيح،فى لغة العرب،و سلسلا عطف على عذبا،و العذب:الماء الطيب و السلسل:السهل الدخول فى الحلق،و اللّه أعلم.

21-[فمنهم بدور سبعة قد توسّطت سماء العلى و لعدل زهرا و كمّلا]

بيان القراء السبعة و رواتهم و اخبارهم

اشارة

أى فمن تلك الأئمة الناقلين للقرآن على الوجه المرضى سبعة من صفتهم كيت و كيت،جعلهم كالبدو فى علوّ

ص: 23

منزلتهم عند الناس،و اتساع علمهم،و كثرة الانتفاع بهم و شهرتهم.و قد تقدم ذكرهم و ذكر طائفة من الأئمة فى خطبة هذا الكتاب،و ستأتى أبيات فى نظم البدور السبعة و أصحابهم و فى السبعة،يقول أبو مزاحم الخاقانى:

و إنّ لنا أخذ القراءة سنّة عن الأوّلين المقرنين ذوى السّتر

فللسّبعة القرّاء حقّ على الورى لإقرائهم قرآن ربّهم الوتر

فبالحرمين ابن الكثير و نافع و بالبصرة ابن للعلاء أبو عمرو

و بالشّام عبد اللّه و هو ابن عامر و عاصم الكوفىّ و هو أبو بكر

و حمزة أيضا و الكسائىّ بعده أخو الحذق بالقرآن و النّحو و الشّعر

«و العلا»بمعنى العلاء:الممدود،و هو الرفعة و الشرف،أو يكون جمع عليا فتكون على حذف الموصوف أى سماء المناقب العلا،استعار للعلى و العدل سماء،و جعل هذه البدور متوسطة لتلك السماء فى حال كونها زاهرة:

أى مضيئة كاملة من غير نقص مبالغة فى وصفهم،لأن القمر إذا توسط السماء فى حال كماله و تمامه و قوّة نوره سالما مما يستر ضوءه كان ذلك أشرف أحواله و أعظم لانتفاع الخلق به،فهم أتم نورا و أعم ضوءا و زهرا جمع أزهر أو زاهر كأحمر و حمر و بازل و بزل،يقال:زهر إذا أضاء فهو زاهر و أزهر على المبالغة،و لذلك قيل للقمر أزهر و للرجل المشرق الوجه أيضا،و هو منصوب على الحال من فاعل توسطت،و كملا،عطف و هو جمع كامل.

فإن قلت:لفظ البدر يشعر بالكمال فما معنى هذه الحال.قلت:أراد كمال أمره من سلامته مما يشينه من خسوف و غيره لاكمال جرمه،و قال فيهم أبو عمر و الدانى:

فهؤلاء السّبعة الأئمّة هم الّذين نصحوا للأمّة

و نقلوا إليهم الحروفا و دوّنوا الصّحيح و المعروفا

و ميّزوا الخطأ و التّصحيفا و اطّرحوا الواهى و الضّعيفا

و نبذوا القياس و الآراء و سلكوا المحجّة البيضاء

(1)

بالاقتداء بالسّادة الأخيار و البحث و التّفتيش للآثار ا ه،و اللّه أعلم

22-[لها شهب عنها استنارت فنوّرت سواد الدّجى حتّى تفرّق و انجلا]

كنى بالشهب عن الأصحاب الذين أخذوا العلم عن البدور السبعة،و لما كانوا دونهم فى العلم و الشهرة كنى عنهم بما إنارته دون إنارة البدر،و يقال نار و استنار:إذا أضاء،و ضمن استنارت معنى أخذت فلذلك عداه بعن.و الدجى:الظلم جمع دجية،و هى هنا كناية عن الجهل.و انجلا:أى انكشف.و الشهب جمع شهاب.ر.

ص: 24


1- نسخة:بالنقل و الإسناد و الأخبار.

و الشهاب فى أصل اللغة:اسم للشعلة الساطعة من النار،ثم سمى به الكوكب المضىء المرصد لرجم من استرق السمع من الجن،و يتعلق به كلام طويل،و معان حسنة ذكرتها فى شرح قصيدة الشقراطسى رحمه اللّه،و اللّه أعلم.

23-[و سوف تراهم واحدا بعد واحد مع اثنين من أصحابه متمثّلا]

أى ترى البدور المذكورين فى هذه القصيدة على هذه الصفة:أى مرتبين واحدا بعد واحد فنصب واحدا على الحال و بعد واحد صفته،و هو كقولهم:بينت حسابه بابا بابا و بابا بعد باب،هذا إن كان تراهم من رؤية البصر فكأنه نزل ظهورهم فى النظم سماعا أو كتابة منزلة المتشخص من الأجسام،و إن كان تراهم من رؤية القلب فواحدا مفعول ثان:أى تعلمهم كذلك.و يجوز أن يكون واحدا بعد واحد بدلا من هم فى تراهم،و متمثلا صفة لواحدا بعد صفة،و مع اثنين متعلق بمتمثلا:أى متمثلا مع اثنين من أصحابه،يقال مثل قائما أى انتصب و تمثل قائما.و المعنى متمثلا فى النظم أى متشخصا فيه.و يجوز أن يكون مع اثنين خبر مبتدإ محذوف:أى كل مع اثنين،أو يكون التقدير:كلا مع اثنين بالنصب على البدل من واحدا بعد واحد:أى ترى كل واحد منهم مع اثنين من أصحابه.و يجوز أن يكون التقدير واحدا مع اثنين من أصحابه بعد واحد مع اثنين من أصحابه ثم حذف الأوّل لدلالة الثانى عليه،و لو قال:و سوف تراهم هاهنا كل واحد مع اثنين من أصحابه لكان أسهل معنى و أحسن لفظا.و أصحاب الإنسان:أتباعه و من أخذ بقوله كقولك:أصحاب الشافعى و أصحاب أبى حنيفة فقوله من أصحابه:أى من الناقلين عنه.ثم إن الذين ذكرهم على ثلاثة أقسام:منهم من أخذ عن البدر نفسه و هم ثلاثة.أصحاب نافع،و عاصم،و الكسائى.و منهم من بينه و بين البدر واحد،و هم أصحاب أبى عمرو و حمزة.و منهم من بينه و بين البدر أكثر من واحد،و هم أصحاب ابن كثير و ابن عامر على ما سيأتى بيان ذلك.

و بين المتوسط بين أبى عمرو و صاحبيه و هو اليزيدى،و بين المتوسط بين حمزة و صاحبيه و هو سليم لتيسر ذلك عليه فى النظم و ترك بيان المتوسط بين ابن كثير و صاحبيه و بين ابن عامر و صاحبيه لتعذر ذلك و تعسره نظما،و اللّه أعلم.

24-[تخيّرهم نقّادهم كلّ بارع و ليس على قرآنه متأكّلا]

تخير:بمعنى اختار،و النقاد جمع ناقد،و البارع:الذى فاق أضرابه فى صفات الخير،و الضمير فى تخيرهم و نقادهم للبدور السبعة أو للشهب أولهما،و كل بارع بالنصب بدل من مفعول تخيرهم،أو هو نصب على المدح أثنى عليهم بالبراعة فى العلم،ثم أثنى عليهم بالتواضع فيه و الزهد بقوله:و ليس على قرآنه متأكلا،فهو صفة بعد صفة:أى كل بارع غير متأكل بقرآنه،و إنما دخلت الواو فى ليس على تقدير كل من برع،و ليس على قرآنه أى بقرآنه متأكلا،أى لم يجعله سببا للأكل.و قد تورع جماعة من أهل العلم عن الأكل بالقرآن العزيز مع جوازه لهم.و كان حمزة رحمه اللّه تعالى من أشدهم فى ذلك،و قيل هو من قولهم تأكل البرق و السيف:إذا هاج لمعانه أى لم ينتصب ظاهر الشعاع لأهل الدنيا بالقرآن العزيز فيجعله وصلة إلى دنياهم،و يقال:تأكلت النار:إذا هاجت:أى لم يكثر الحرص على الدنيا فتكون على بمعنى مع كقوله تعالى:

(وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ 1) أى مع حبه (وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ (1)) (وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ (2)) (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ (3)) .9.

ص: 25


1- سورة البقرة،آية 177.
2- سورة الرعد،آية:6.
3- سورة إبراهيم،آية 39.

و فيه وجوه أخر ذكرناها فى الشرح الكبير،و اللّه أعلم.

25-[فأمّا الكريم السّرّ فى الطّيب نافع فذاك الّذى اختار المدينة منزلا]

شرع فى ذكر البدور السبعة واحدا بعد واحد،و جرت عادة المصنفين فى القراءات بذكرهم فى أوّل مصنفاتهم و ذكر طرف من أخبارهم و التعريف بهم،فمنهم من اختصر،و منهم من أكثر؛و قد استقصينا ذلك فى الشرح الكبير،و تقدم فى خطبة هذا الكتاب ما يجزئ من ذلك،سوى ذكره وفياتهم فنأتى بها و بشرح ما نظمه الشاطبى من أحوالهم.و قد نظم لنافع فى هذا البيت سرا كريما و هو ما ذكره (1)أبو عمرو الدانى رحمه اللّه فى كتاب الإيجاز،و ذكره أيضا شيخه أبو الحسن بن غلبون و أبو معشر الطبرى و غيرهم.

قالوا:كان نافع رحمه اللّه إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك،فقيل له:يا أبا عبد الرحمن أو يا أبا رويم أتطيب كلما قعدت تقرئ الناس؟فقال:ما أمس طيبا و لا أقرب طيبا،و لكنى رأيت فيما يرى النائم النبى صلّى اللّه عليه و سلم و هو يقرأ فى فىّ،فمن ذلك الوقت يشم من فىّ هذه الرائحة فهذا هو السر الكريم لنافع فى الطيب.و المراد بالكرم هنا:الشرف و النباهة و الجلالة،و منه قوله تعالى:

(وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ 2) .

و الكريم فى نظم الشاطبى مبتدأ و السر مضاف إليه،و يجوز رفعه و نصبه لأنه من باب:الحسن الوجه كما سبق ذكره فى«أجذم العلا»و فى الطيب متعلق بالسر أو بالكريم،و نافع بدل من الكريم أو عطف بيان،و الفاء فى فذاك جواب«أما»لما فى أما من معنى الشرط و ما بعد الفاء جملة اسمية هى خبر المبتدإ.أثنى عليه فى ضمن التعريف به بأنه اختار مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و سلم منزلا له أقام بها فى جوار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى أن مات بها فى سنة تسع و ستين و مائة،و قيل غير ذلك،و منزلا تمييز أو مفعول ثان على تضمين اختار معنى اتخذ،أو على حذف حرف الجر من الأول من باب قوله تعالى:

(وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ (2)) .

و قيل غير ذلك و اللّه أعلم.

26-[و قالون عيسى ثمّ عثمان ورشهم بصحبته المجد الرّفيع تأثّلا]

ذكر اثنين من أصحابه وفاء بوعده و كلاهما أدركه.

أحدهما:أبو موسى عيسى بن ميناء المدنى و يلقب بقالون،و هى كلمة رومية،يقولون للجيد من الأشياء هو قالون،قيل لقبه نافع بذلك لجودة قراءته،و قيل لقبه بذلك مالك بن أنس،و مات سنة خمس و مائتين بالمدينة،و قيل غير ذلك.

و الثانى عثمان بن سعيد المصرى الملقب بورش (3)لقبه بذلك نافع أيضا لبياضه؛و قيل فيه وجوه كثيرة ذكرناها فى الشرح الكبير،و مات بمصر سنة سبع و تسعين و مائة،و قالون فى البيت مبتدأ و لم يصرفه،و إن كان قبله.

ص: 26


1- هو صاحب التيسير.و دانية:بلدة بالمغرب.
2- سورة الأعراف،آية:125.
3- و الورش:ضرب من الجبن ا ه.

اللقب اسم جنس و على رأى الكوفيين،و إما أن يكون قد سمى به فى الأعجمية كما فى العربية التسمية بحسن و سهل،و لا بعد فى ذلك لأنه على وزان قارون و هارون،و عيسى بدل من قالون و لا يقال عطف بيان،فإن اللقب هنا أشهر من الاسم،و لهذا أيضا لم يقل إنه مضاف إلى عيسى،لأن المعروف إضافة الاسم إلى اللقب لا عكس ذلك.و يجوز أن يكون امتناع صرفه لما يأتى ذكره فى اسم غلبون فى باب المد و القصر؛و عثمان عطف على قالون،و ورشهم عطف بيان،و الضمير للقراء،و كذا قوله فيما يأتى و صالحهم و أبو عمرهم و كوفيهم و حرميهم لابن كثيرهم،و الهاء فى بصحبته لنافع،و المجد مفعول تأثلا ضمير تثنية يعود إلى قالون و ورش و هو خبر المبتدإ.و معنى تأثلا جمعا:أى سادا بصحبة نافع و القراءة عليه،و اللّه أعلم.

27-[و مكّة عبد اللّه فيها مقامه هو ابن كثير كاثر القوم معتلا]

و هذا البدر الثانى عبد اللّه بن كثير المكى،وصفه الشاطبى بأنه كاثر القوم معتلا:أى اعتلاء،و كاثر اسم فاعل من كثر بفتح الثاء و هو بناء الغلبة،يقال كاثرنى فكثرته:أى غلبته بالكثرة،و كذلك فاخرنى ففخرته و خاصمنى فخصمته،و عنى بالقوم:القراء السبعة،و معتلا تمييز:أى هو أكثر اعتلاء،و وجهه لزومه مكة و هى أفضل البقاع عند أكثر العلماء،و قراءته على صحابى،و هو عبد اللّه بن السائب المخزومى،و هو الذى بعث عثمان رضي اللّه عنه معه بمصحف إلى أهل مكة لما كتب المصاحف و سيرها إلى الأمصار،و أمره أن يقرئ الناس بمصحفه فكان ممن قرأ عليه عبد اللّه بن كثير على ما حكاه غير واحد من المصنفين.

فإن قلت:ابن عامر قرأ على جماعة من الصحابة،و نافع لزم المدينة و هى أفضل البقاع عند مالك و غيره، و هو مذهب ناظم القصيدة.

قلت:كذلك الذى نقول،إلاّ أن المجموع لم يحصل إلا لابن كثير،و لعل الناظم كان يرى مذهب الجمهور فى تفضيل مكة،و هو الأصح.و قوله«و مكة»مبتدأ و عبد اللّه مبتدأ ثان و مقامه مبتدأ ثالث،و فيها خبر الثالث مقدّم عليه،و الثالث و خبره خبر الثانى،و الجملة التى هى خبره خبر الأول.و يجوز أن يكون مقامه فاعل.

و المقام:بضم الميم الإقامة،و موضعها:أى فيها إقامته أو موضع إقامته:أى اختارها مقاما كما اختار نافع المدينة منزلا،و مات بمكة سنة عشرين و مائة،ثم ذكر اثنين من أصحابه و بينهما و بينه أكثر من واحد فقال:

28-[روى أحمد البزّى له و محمّد على سند و هو الملقّب قنبلا]

له:بمعنى عنه كقوله تعالى:

(وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ ) .

أى عنهم،و قوله على سند:أى بسند:أو ملتبسين بسند،أو يكون التقدير:معتمدين على سند فى نقل القراءة عنه لأنهما لم يرياه:

أحدهما:أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن القاسم بن نافع ابن أبى بزة،مولى لبنى مخزوم،مؤذن.

ص: 27

المسجد الحرام أربعين سنة،و إنما قيل له البزى لأنه منسوب إلى جدّه أبى بزة،و خفف الشاطبى ياء النسب ضرورة و هو جائز،و مثله يأتى فى البصرى و المكى و الدورى و غيرها.

قرأ البزى على جماعة منهم عكرمة بن سليمان.و قرأ عكرمة على شبل و القسط.و قرأ على ابن كثير،و مات البزى سنة خمس و خمسين و مائتين،و قيل غير ذلك.

و الثانى:أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن خالد بن سعيد بن جرجة،و يلقب بقنبل:يقال رجل قنبل و قنابل:أى غليظ شديد،ذكره صاحب المحكم و غيره،و قيل فى سبب تلقيبه بقنبل غير ذلك،ذكرناه فى الشرح الكبير.و قرأ قنبل على أبى الحسن القواس و ابن فليح،و قرأ على أصحاب القسط،و قرأ على ابن كثير.

و روى أن قنبلا قرأ أيضا على البزى،و هو فى طبقة شيخيه المذكورين،و مات قنبل سنة إحدى و تسعين و مائتين.

29-[و أمّا الإمام المازنىّ صريحهم أبو عمرو البصرى فوالده العلا]

و هذا البدر الثالث أبو عمرو بن العلا البصرى المازنى من بنى مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر.

و الصريح:هو الخالص النسب،و ليس فى السبعة من أجمع على صراحة نسبه غيره إلا ما لا يعرّج عليه فلهذا قال صريحهم،و سيأتى الكلام فى ابن عامر.

و دخل الفرزدق الشاعر على أبى عمرو و هو مختف بالبصرة يعوده فقال فيه:

ما زلت أفتح أبوابا و أغلقها حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار

حتّى أتيت امرأ محضا ضرائبه و يروى:

ضخما وسيعته مرّ المريرة حرّا و ابن أحرار

بنميّه من مازن فى فرع نبعتها أصل كريم و فرع غير حوّار

و يروى ناقص و يروى:

جدّ كريم و عود غير حوّار

نسبه إلى جدّه فى قوله أبا عمرو بن عمار،و هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار،لأن عمارا كان من أصحاب على بن أبى طالب رضي اللّه عنه،و كان لوالده العلا قدر و شرف،و كان على طراز الحجاج بن يوسف،فاشتهر بسبب الولاية و تقدم أبيه،فلهذا صار أبو عمرو يعرف بابن العلا،فهذا معنى قول الشاطبى:فوالده العلا:

أى الرجل المشهور المتقدم فى زمانه،مات أبو عمرو رحمه اللّه سنة ثمان و أربعين و مائة؛و قيل سنة أربع أو خمس أو سبع و خمسين و مائة،و نقل قراءته خلق كثير،أضبطهم لها اليزيدى الذى يذكره الآن:

30-[أفاض على يحيى اليزيدىّ سيبه فأصبح بالعذب الفرات معلّلا]

هو أبو محمد يحيى بن المبارك العدوى التميمى،و عرف باليزيدى،لأنه كان منقطعا إلى يزيد بن منصور

ص: 28

خال المهدى يؤدب ولده فنسب إليه،ثم اتصل بالرشيد فجعل المأمون فى حجره يؤدبه،و مات فى أيامه سنة اثنتين و مائتين.

و معنى أفاض:أفرغ؛و السيب:العطاء،و العذب الماء الطيب،و الفرات:هو العذب،و وجه الجمع بينهما التأكيد،أراد به صدق العذوبة و كمالها.و قيل الفرات:الصادق العذوبة،و سمى الشرب الأوّل النهل و ما بعده العلل:الذى سقى مرة بعد مرة،و هو أبلغ فى الرى.

و معنى البيت:أن أبا عمرو أفاض عطاءه على اليزيدى،و كنى بالسيب عن العلم الذى علمه إياه فأصبح اليزيدى ريان من العلم الحسن النافع،و اللّه أعلم.

31-[أبو عمر الدّورى و صالحهم أبو شعيب هو السّوسىّ عنه تقبّلا]

ذكر اثنين ممن قرأ على اليزيدى:

أحدهما:أبو عمر حفص بن عمر الأزدى الدورى الضرير،نسبة إلى الدور:موضع ببغداد بالجانب الشرقى مات سنة ست و أربعين و مائتين.

و الثانى:أبو شعيب صالح بن زياد السوسى،نسب إلى السوس:موضع بالأهواز،و مات بالرقة سنة إحدى و ستين و مائتين فى المحرم.و صالحهم مثل ورشهم:أى هو الذى من بينهم اسمه صالح،فلم يرد وصفه بالصلاح دونهم،و الهاء فى عنه لليزيدى:أى تقبلا عنه القراءة التى أفاضها أبو عمر.و عليه يقال:تقبلت الشيء و قبلته قبولا:أى رضيته،و ضمن تقبلا معنى أخذا فلذلك عداه بعن،و اللّه أعلم.

32-[و أمّا دمشق الشّام دار ابن عامر فتلك بعبد اللّه طابت محلاّ]

و هذا البدر الرابع:عبد اللّه بن عامر الدمشقى أحد الأئمة من التابعين.وصفه الناظم بأن دمشق طابت به محللا:أى طاب الحلول فيها من أجله:أى قصدها طلاب العلم للرواية عنه،و القراءة عليه،و إضافة دمشق إلى الشام كإضافة ورش إلى القراء فى قوله ورشهم و ما أشبهه.و فى ذلك أيضا تبيين لمحلها و تنويه بذكرها لا سيما لمن بعدت بلاده من أهل المشرق و المغرب،ألا يرى أن أهل الشام و ما يدانيه يسمعون بالمدن الكبار شرقا و غربا.

و يتوهمون قرب مدينة منها من أخرى و لعل بينهما مسافة أشهر،و إذا كان عبد المحسن الصورى.و هو شاعر فصيح من أهل الشام قد أضاف دمشق إلى الشام فى نظمه فكيف لا يفعل ذلك ناظم أندلسى من أقصى المغرب قال عبد المحسن:

كان ذمّ الشّام مذ كنت شانى فبهتني عنه دمشق الشّام

و دار ابن عامر بدل من دمشق أو صفة و أوقع الظاهر موقع المضمر فى قوله:فتلك بعبد اللّه.بيانا لاسمه و بعبد اللّه متعلق بطابت و محللا تمييز يقال مكان محلل:إذا أكثر الناس به الحلول.و مات ابن عامر رحمه اللّه بدمشق فى سنة ثمانية عشر و مائة.

33-[هشام و عبد اللّه و هو انتسابه لذكوان بالإسناد عنه تنقّلا]

هذان راويان أخذت عنهما قراءة ابن عامر اشتهر بذلك،و كل واحد منهما بينه و بين ابن عامر اثنان،

ص: 29

فهذا معنى قوله:بالإسناد عنه تنقلا:أى نقلا القراءة عنه بالإسناد شيئا بعد شيء،فتنقل من باب تفهم و تبصر.

أما هشام،فهو أبو الوليد هشام بن عمار بن نصير السلمى خطيب دمشق،أحد المكثرين الثقات.مات سنة خمس أو ست و أربعين و مائتين.قرأ على أيوب بن تميم التميمى و عراك بن خالد المرى.و قرأ على يحيى بن الحارث الذمارى.و قرأ يحيى على بن عامر.

و أما ابن ذكوان،فهو عبد اللّه بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشى الفهرى.قرأ على أيوب بن تميم أيضا و كان يصلى إماما بجامع دمشق سوى الجمعة و مات سنة اثنتين و أربعين و مائتين:أى هشام و عبد اللّه تنقلا عن ابن عامر القراءة بالإسناد.و قوله«و هو انتسابه لذكوان»جملة معترضة،يعنى لا تظن أن ذكوان والد عبد اللّه، و إنما هو منتسب إليه كما ذكرنا،و اللّه أعلم.

34-[و بالكوفة الغرّاء منهم ثلاثة أذاعوا فقد ضاعت شذا وقر نفلا]

الغراء:يعنى المشهورة البيضاء المنيرة بكثرة العلماء بها.منهم:يعنى من السبعة ثلاثة:هم عاصم و حمزة و الكسائى،أذاعوا،أى أفشوا العلم بها و شهروه و نشروه،و الضمير فى ضاعت للكوفة أو للقراءة:أى فاحت رائحة العلم بها،و الشذا:كسر العود،و القرنفل:معروف،و هما منصوبان على حذف مضاف هو مفعول مطلق:

أى ضوع شذا و قرنفل،أو هما نصب على التمييز:أى ضاع شذاها و قرنفلها؛أو لأن ضاع يستعمل فى الرائحة الكريهة أيضا فميزه بما نفى ذلك،و اللّه أعلم.

35-[فأمّا أبو بكر و عاصم اسمه فشعبة راويه المبرّز أفضلا]

و هذا هو البدر الخامس:أبو بكر عاصم بن أبى النجود،أحد السادة من أئمة القراءة و الحديث.مات سنة عشرين،أو سبع:أو ثمان،أو تسع و عشرين،أو سنة ثلاثين و مائة بالسماوة:و هو موضع بالبادية بين الشام و العراق من ناحية الفرات،و قيل مات بالكوفة،أثنى الشيخ الشاطبى على عاصم بأن من جملة الرواة عنه شعبة الذى برز فى الفضل،و هو باب من أبواب المدح معروف،فكم من تابع قد زان متبوعه،و كم من فرع قد شرف أصله،فقوله فشعبة مبتدأ و راويه خبره،و المبرز صفة راويه أو نعت شعبة:أو يكون راويه نعت شعبة و المبرز خبره،و أفضلا نصب على الحال:بمعنى فاضلا،و فيه زيادة مبالغة.و يقال برز الرجل:أى فاق أضرابه،و يجوز أن يكون تمييزا من باب قولهم:للّه دره فارسا،لأن الإسناد فى المعنى إلى مصدر هذا الاسم أى المبرز فضله:أى فاق فضله فضل أقرانه.

و لما كان شعبة اسما مشتركا و المشهور بهذا الاسم بين العلماء هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج البصرى ميز الذى عناه بما يعرف به فقال:

36-[و ذاك ابن عيّاش أبو بكر الرّضا و حفص و بالإتقان كان مفضّلا]

ذاك إشارة إلى شعبة،لأنه مشهور بكنيته و اسم أبيه،و مختلف فى اسمه على ثلاثة عشر قولا ذكرناها فى الكبير.و الرضا صفة له:أى المرضى ذكره محمد بن سعيد،فى الطبقة السابعة من أهل الكوفة.قال:

ص: 30

و كان من العباد.و توفى بالكوفة فى جمادى الأولى سنة ثلاث و تسعين و مائة فى الشهر الذى توفى فيه هارون الرشيد بطوس.

و الراوى الثانى لعاصم:هو حفص بن سليم البزاز بزاءين.مات سنة ثمانين و مائة.قال أبو بكر الخطيب:

كان المتقدمون يعدونه فى الحفظ فوق أبى بكر بن عياش،و يصفونه بضبط الحرف الذى قرأ به على عاصم.

و قال يحيى بن معين بن عمرو بن أيوب:زعم أيوب بن المتوكل قال أبو عمر:حفص البزاز أصح قراءة من أبى بكر ابن عياش،و أبو بكر أوثق من أبى عمر فهذا معنى قول الشاطبى:و بالإتقان كان مفضلا،يعنى بإتقان حرف عاصم،لا في رواية الحديث،و اللّه أعلم.

37-[و حمزة ما أزكاه من متورّع إماما صبورا للقرآن مرتّلا]

و هذا البدر السادس:أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات،شيخ القراء بالكوفة بعد عاصم،فقوله:و حمزة مبتدأ خبره ما بعده من الجملة التعجبية كقوله:زيد ما أكرمه،و من متورع فى موضع نصب على التمييز كقولك:ما أكرمه رجلا و ما أكرمه من رجل.و كذلك المنصوبات بعده:أى ما أزكى ورعه و إمامته و صبره و ترتيله للقرآن.و يجوز نصب إماما و ما بعده على المدح:أى اذكر إماما صبورا،و يجوز نصبهنّ على الحال، و يجوز أن يكون ما أزكاه إلى آخر البيت كلاما معترضا لمجرد الثناء،و خبر المبتدإ أوّل البيت الآتى.و هو روى خلف عنه.و أزكاه:من زكا إذا طهر و نما صلاحه:أى ما أجمعه لخصال الخير.و مات رحمه اللّه سنة ست و خمسين،و قيل سنة أربع أو ثمان و خمسين و مائة.و اللّه أعلم.

38-[روى خلف عنه و خلاّد الّذى رواه سليم متقنا و محصّلا]

اعتمد فى هذا الإطلاق على معرفة ذلك و اشتهاره بين أهله،و هو أن سليما قرأ على حمزة،و أن خلفا و خلادا أخذا قراءة حمزة عن سليم عنه،و ظاهر نظمه لا يفهم منه هذا،فإنه لا يلزم من كونهما رويا الذى رواه سليم أن يكون أخذهما عن سليم لاحتمال أن يكون سليم رفيقا لهما،و متقنا و محصلا حالان من الهاء فى رواه أو من الذى و كلاهما واحد.

و سليم هذا:هو سليم بن عيسى مولى بنى حنيفة.مات سنة ثمان أو تسع و ثمانين و مائة،و قيل سنة مائتين.

و أما خلف:فهو صاحب الاختيار،و هو أبو محمد خلف بن هشام البزار آخره راء.مات ببغداد سنة إحدى أو ثمان أو تسع و عشرين و مائتين.

و أما خلاد:فهو أبو عيسى،و يقال أبو عبد اللّه خلاد بن خالد الأحول الصيرفى الكوفى؛و يقال خلاد ابن خليد،و يقال ابن عيسى.توفى سنة عشرين أو ثلاثين و مائتين.

29-[و أمّا علىّ فالكسائىّ نعته لما كان فى الإحرام فيه تسربلا]

و هذا البدر السابع:أبو الحسن على بن حمزة بن عبد اللّه بن بهمن بميم و نون آخره،النحوى المعروف بالكسائى.مات سنة تسع و ثمانين و مائة.و قيل قبل ذلك.

ذكر الشاطبى فى هذا البيت سبب كونه نعت بالكسائى و هو أحد الأقوال فى ذلك،و لم يذكر صاحب

ص: 31

التيسير غيره،و قيل له الكسائى:من أجل أنه أحرم فى كساء و النعت الصفة،و السربال:القميص،و قيل كل ما يلبس كالدرع و غيره،يقال سربلته فتسربل:أى ألبسته السربال فلبسه،و لما تنزل الكساء من الكسائى منزلة القميص أطلق عليه لفظ تسربل،و اللام فى لما للتعليل،و ما مصدرية:أى لكونه تسربل الكساء فى وقت إحرامه بنسك الحج أو العمرة و قوله ؟؟؟فيه،يحتمل وجهين.

أحدهما:أن يكون متعلقا بالإحرام:أى لكونه أحرم فيه و الضمير للكساء الذى دل عليه لفظ الكسائى و مفعول تسربل محذوف:أى تسربل الكساء.

الوجه الثانى أن يكون فيه مفعول تسربل:أى لكونه فى وقت الإحرام تسربل فيه،فتكون«فى»زائدة أو عداه بقى لكونه ضمنه معنى حل،أو تكون فى بمعنى الباء:أى به تسربل،و قيل سمى الكسائى لأنه كان فى حداثته يبيع الأكسية،و قيل لكونه كان من قرية من قرى السواد يقال لها باكسايا،و قيل كان يتشح بكساء و يجلس مجلس حمزة،فكان حمزة يقول:اعرضوا على صاحب الكساء.قال الأهوازى:و هذا القول أشبه بالصواب عندى.

40-[روى ليثهم عنه أبو الحارث الرّضا و حفص هو الدّورىّ و فى الذّكر قد خلا]

ليثهم مثل ورشهم:هو أبو الحارث الليث بن خالد.مات سنة أربعين و مائتين.و الرضى:أى المرضى، أو على تقدير ذى الرضى؛و حفص:هو الدورى الراوى عن اليزيدى،و لهذا قال:فى الذكر قد خلا:أى سبق ذكره فيما ذكرناه من النظم.

41-[أبو عمرهم و اليحصبيّ ابن عامر صريح و باقيهم أحاط به الولا]

أضاف أبا عمرو إلى ضمير القراء كما سبق فى ورشهم و ليثهم و صالحهم،و أبو عمرو و إن كان لفظه مركبا فمدلوله مفرد،فلوحظ المدلول فأضيف على حد قولهم:حب رمانى فى إضافة ما يسمى فى العرف حب رمان و اليحصبى:منسوب إلى يحصب:حى من اليمن،و فى الصاد الحركات الثلاث قبل النسب و بعده،و ابن عامر عطف بيان لليحصبى،و صريح خبر المبتدإ و ما عطف عليه،و لم يقل صريحان لأن الصريح كالصديق و الرفيق يقع على الواحد و المتعدد أو يكون صريح خبر الأوّل أو الثانى،و حذف خبر الآخر لدلالة المذكور عليه،و قد تقدم أن معنى الصريح الخالص النسب.

فمعنى البيت أن أبا عمرو و ابن عامر خالصا النسب من ولادة العجم فهما من صميم العرب،و هذا على قول الأكثر.و منهم من زعم أن ابن عامر ليس كذلك.و منهم من زعم أن ابن كثير و حمزة من العرب أيضا،و لم يختلف فى نافع و عاصم و الكسائى أنهم ليسوا من العرب.

و غلب على ذرية العجم لفظ الموالى،يقال فلان من العرب و فلان من الموالى،فهذا الذى ينبغى أن يحمل عليه ما أشار إليه بقوله:أحاط به الولا،يعنى ولادة العجم،و لا يستقيم أن يراد به ولاء العتاقة،فإن ذلك لم يتحقق فيهم أنفسهم و لا فى أصول جميعهم،و لا يستقيم أن يراد به ولاء الحلف،فإن العربية لا تنافى ذلك،و قد كان جماعة من العرب يحالفون غيرهم.و قد قيل فى نسب أبى عمرو:إنه كان حليفا فى بنى حنيفة،و قيل كان ولاؤه

ص: 32

للعنبر،و قد بينا جميع ذلك و حققناه فى الشرح الكبير،و الهاء فى به عائدة على باقيهم؛فهو لفظ مفرد و إن كان مدلوله هنا جماعة،و أحاط:أى أحدق و شمل،و اللّه أعلم.

42-[لهم طرق يهدى بها كلّ طارق و لا طارق يخشى بها متمحّلا]

أى لهؤلاء القراء مذاهب منسوبة إليهم يهدى بها:أى يهتدى بنفسه،أو يرشد المستهدين بتلك الطرق كل طارق:أى كل من يقصدها و يسلك سبيلها.

جعل تلك الطرق كالنجوم التى يهتدى بها كأنه قال:كل سالك و مارّ فى هذا العلم فإنه يهتدى بهذه الطرق و يهدى بها.و قيل المراد بكل طارق:أى كل نجم،و كنى بالنجم عن العالم لاشتراكهما فى الاهتداء بهما، ثم قال:و لا طارق يخشى بها:أى و لا مدلس،من قولهم طرق يطرق طروقا:إذا جاء بليل،و الليل محل الآفات.

و المعنى أن تلك الطرق قد اتضحت و استنارت فلا يخشى عليها مضلل و لا مدلس،و«لا»بمعنى ليس و طارق اسمها و يخشى خبرها أو صفة لطارق و بها الخبر.و يجوز أن يكون بها متعلقا بمتمحلا،و متمحلا خبر لا أو حال من الضمير فى يخشى العائد على طارق،يقال تمحل إذا احتال و مكر فهو متمحل.

43-[و هنّ اللّواتى للمواتى نصبتها مناصب فانصب فى نصابك مفضلا]

و هنّ ضمير الطرق،و اللواتى من الأسماء الموصولة و هو جمع اللاتى جمع التى،و المواتى:الموافق،و أصله الهمز،و نصبتها:أى رفعتها و أبرزتها و أصلتها،مناصب:أى أصولا جمع منصب و هو الأصل و كذلك النصاب:

أى و تلك الطرق و المذاهب هى التى نظمت فى هذه القصيدة لمن وافقنى على ما اصطلحت فيها و نصبتها أصولا لمن يقرؤها:أو أعلاما لعز من علمها و شرفه،و مناصب مفعول ثان لنصبت على تضمين نصبت معنى جعلت، و قيل هو حال،و قيل تمييز ثم قال فانصب:أى اتعب و تجرد و شمر لتحصيلها،و نصاب الشيء أصله:أى اتعب فى تحصيل بضاعة العلم الذى يصير أصلا لك تنسب إليه إذا انتسب الناس إلى آبائهم و قبائلهم،و قيل المراد به النية:أى اتعب فى تخليص نيتك مما يفسدها فى قراءة هذا العلم و مفضلا حال من الضمير فى انصب،يقال أفضل الرجل:إذا أتى بفاضل الأعمال،كأحسن و أجمل:إذا أتى بحسنها و جميلها:أى مفضلا بإخلاص النية، و اللّه أعلم.

44-[و ما أنا (1)

ذا أسعى لعلّ حروفهم يطوع بها نظم القوافى مسهّلا]

ها حرف تنبيه و أنا ضمير المتكلم و ذا اسم إشارة،و نظير هذه العبارة قوله تعالى:

(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ ) .

فإعرابه كإعرابه،و أسعى:بمعنى أحرص و أجتهد:أى إنى مجتهد فى نظم تلك الطرق راجيا حصول ذلك و تسهيله،و الضمير فى حروفهم للقراء،و المراد بالحروف قراءاتهم المختلفة.و قال صاحب العين:كل كلمة9.

ص: 33


1- أنا مبتدأ ثان و أسعى خبره؛أو تقول أنا مبدأ و ذا بدل منه،و أسعى خبره.أو ذا خبر أنا.

تقرأ على وجوه من القرآن تسمى حرفا.و يجوز أن يكون المراد بالحروف الرموز لأنها حروفهم الدالة عليهم، و يدل عليه قوله بعد ذلك:جعلت أبا جاد،كأن قائلا قال له و ما تلك الحروف التى ترجو طوع القوافى بها، فقال ذلك،و يطوع بمعنى ينقاد،فكأنه ضمنه معنى يسمح فعداه بالباء،و القوافى جمع قافية،و هى كلمات أواخر الأبيات بضابط معروف فى علمها،و قد نظمت فيها الأرجوزة الوافية بعلمى العروض و القافية،و مسهلا حال من النظم،ثم قال:

45-[جعلت أبا جاد على كلّ قارئ دليلا على المنظوم أوّل أوّلا]

أى صيرت حروف أبى جاد فحذف المضاف للعلم به:أى جعلتها دليلا على كل قارئ ذكرته فى هذا النظم، فقوله:على المنظوم بدل من قوله:على كل قارئ بإعادة العامل،أو يكون معمول عامل مقدر:أى مرتبا على ما نظمته،و تقدير أوّل:أوّلا أوّلا فأوّلا،أو أوّلا لأوّل ثم حذف الحرف و ركبت الكلمتان معا و بنيتا على الفتح:أى الأوّل من حروف أبى جاد للأوّل من القراء و الثانى للثانى،و هكذا إلى أن ينتهى عدد القراء السبعة و الرواة الأربعة عشر،و حروف أبى جاد:هى حروف المعجم المعروفة،جمعت فى كلمات أوّلها أبجد و كان أصله أبو جاد فحذفت منه الواو و الألف لئلا تتكرر الصور،لأن أوّل أبجد ألف،و فى هوز واو، و قد بسطنا الكلام فى ذلك فى الشرح الكبير،وصفا لنا من الحروف سبع كلمات كل كلمة لواحد من السبعة و راوييه على ترتيب نظمه،الأوّل للشيخ،و الثانى لأوّل الراويين،و الثالث لثانيهما،و لا يعدّ فى القراء اليزيدى و لا سليم،لأنه إنما ذكرهما لبيان السند لمن قرأ عليهما لا لتنسب القراءة إليهما،و الكلمات هى:أبج دهز حطى كلم نصع فضق رست،و هى تجىء نصف بيت بتسكين الحرف الوسط من دهز كلم نصع و تحريكه من البواقى،و تمام البيت دليل على المنظوم أوّل أولا،فالألف لنافع،و الباء لقالون،و الجيم لورش،و الدال لابن كثير،و هكذا إلى آخرهم،فتكون الراء للكسائى،و السين لأبى الحارث،و التاء للدورى عنه (1)و له عن عن أبى عمرو الطاء من حطى،هذا عقد هذا الاصطلاح.

بيان الرموز التى يشير لها الناظم الى القراء السبعة و رواتهم

و ننبه بعد ذلك على فوائد تتعلق باستعماله لهذه الحروف لم يتعرض لها،و إنما فهمتها من تصرفه فى نظمه.

منها:أن هذه الحروف لا يأتى بها مفردة،بل فى أوائل كلمات قد ضمن تلك الكلمات معانى صحيحة مفيدة فيما هو بصدده،من ثناء على قراءة،أو على قارئ،أو تعليل،أو نحو ذلك،على ما سيأتى بيانه،كقوله:و بسمل بين السورتين بسنة البيت،و مالك يوم الدين راويه ناصر،سلاسل نون إذ رووا صرفه لنا،و قد يأتى بها بعد الواو الفاصلة كقوله:ألا و علا الحرمى إن لنا هنا،و كم صحبة يا كاف،و دون عنادعم،و حكم صحاب قصر همزة جاءنا،فالحاء من حكم رمز لأبى عمرو،فكأنه قال:و أبو عمرو و فلان و فلان يقرءون كذا،و كذلك الدال من و دون لابن كثير،و الكاف من و كم لابن عامر،و العين من و على لحفص،و لا يأتى ذلك إلا حيث يكون الواو زائدة على الكلمة،فالعين من قوله:وعى نفر ليست برمز،و كذا قوله فى سورة النحل:معا يتوفاهم لحمزة وصلا سما كاملا يهدى،الواو فى وصلا فصل و هى أصلية،فالصاد ليست برمز داخل مع سما كاملا،

ص: 34


1- أى إذا كان راويا عن الكسائى؛و للدورى أيضا إذا كان راويا عن أبى عمرو البصرى الطائى.

و كذا لا يفعل ذلك إلا فى ابتداء المسألة لا فى أثناء الرمز.فقوله حق و ذو جلا،حق و ذو ملا ليس الذال برمز، و كذا ما أشبه ذلك،و لو كان تجنب الرمز فى الحشو مطلقا لكان أولى.

و منها أن رمز نافع أوّل حروف أبجد،لأن نافعا أوّل القراء فى نظمه،و أوّل حروف أبجد همزة لفظا و ألف خطا،فاستعمل المجموع فى رمز نافع،فالهمزة يستعملها كثيرا نحو:و رابرق افتح آمنا،و قد يستعمل ألف الوصل نحو معى نفر العلا.له الرحب،له الحلا،و إن افتحوا الجلا،كما انجلا،و هو كثير،و لو تجنبه لكان أحسن،فإن ألف الوصل ساقطة لفظا منه:فكلما كان الرمز بلفظ بين كان أولى منه بلفظ خفى، و لزم منه إلباس فى قوله:سورة الكهف:و اقبلا على حق السدين أن يكون الألف من و اقبلا رمز نافع،فيكون مع على حق فى فتح السدين،كما فعل ذلك فى و علا و كم و دون و حكم على ما تقدم.

و منها أنه مهما اجتمع الراويان على قراءة فالرمز لإمامهما دونهما فى غالب الأمر لأنه الأخص،إذ لا يحتاج إلا إلى كلمة واحدة.و قد جاء فى بعض المواضع الرمز لهما بكلمتين لاحتياجه إلى ذلك فى إقامة الوزن،و تتمة البيت كقوله:ضوء سنا تلا.و فى الفرقان زاكيه هللا،و فى الوصل لكنا فمد له ملا.

و منها أنه إذا اتصل شيء من هذه الحروف بضمير قراء تقدّم ذكرهم لم يكن ذلك رمزا و كان الضمير كالمصرح به من أسمائهم.و من حكمه أن المصرح به لا رمز معه،و ذلك نحو قوله:وصية ارفع صفو حرميه رضى،ثم قال:و يبصط عنهم:أى أن من تقدم ذكرهم يقرءون يبصط بالصاد،و لا نقول إن العين فى عنهم رمز حفص،و مثله و ضم الراء حق و لاغية لهم أى ضم نافع و ابن كثير و أبو عمرو الياء من:لا تسمع فيها (1)و رفع:لاغية لهم أيضا،و لا نقول إن اللام فى لهم رمز هشام،و هذا بخلاف ما إذا كان الضمير غير راجع إلى أحد من القراء الذين سبق ذكرهم،فإن الحرف حينئذ يكون رمزا مثل له الرحب،له الحلا.

و منها أنه قد جاء فى مواضع ألفاظ تصلح أن تكون رمزا و ليست برمز فى مراده،و ذلك كما سنبينه فى باب:

المد،و الإمالة،و الزوائد،و فرش الحروف.و هو مشكل،و فى باب البسملة موضع ذكر أنه رمز،و عندى أنه ليس برمز كما سنذكره.

و منها أنه إذا اجتمعت قراءتان لقارئ واحد،فتارة يسمى لكل قراءة منهما كقوله:و فيه لم ينون لحفص كيد بالخفض عولا،و تارة يسمى بعد الثانية فتكون التسمية لهما كقوله:و أنث أن تكون مع الأسرى الأسارى حلاحلا،و فى قوله:سنكتب ياء،ضم البيت رمز بعد ثلاث قراءات لحمزة بقوله:فيكملا،و تارة يسمى مع الأولى و يعطف الثانية عليها كقوله:و يغشى سما خفا البيت،فقوله و النعاس ارفعوا،يعنى لحق المقدم ذكره،لأنه قد أتى بالواو الفاصلة فى قوله:و لا،فلو كان رفع النعاس لغير من تقدم ذكره لسماه قبل الواو فيعلم بمجيء الواو أن لا رمز لها سوى ما تقدم،و اللّه أعلم.

46-[و من بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله متى تنقضى آتيك بالواو فيصلا]

الحرف مفعول ذكرى المضاف إلى ياء المتكلم،و المراد بالحرف ما وقع الاختلاف فيه بين القراء من الكلمات و أسمى و أسمى لغتان بمعنى واحد،و يتعديان إلى مفعول واحد لأنه واحد لأنه بمعنى ذكرى الاسم.و الهاء فى رجاله تعود إلى الحرف،و المراد برجاله قراؤه:أى أذكرهم برموزهم التى أشرت إليها لا بصريح أسمائهم فإن ذلك يتقدم على الحرف و يتأخر كما سيأتى.1.

ص: 35


1- سورة الغاشية،آية 11.

بين بهذا البيت كيفية استعماله الرمز بحروف أبجد،فذكر أنه يذكر حرف القراءة (1)أوّلا ثم يرمز له سواء كان المختلف فيه كلمة أو أكثر،فالكلمة نحو:و تقبل الأولى أنثوا دون حاجز،و الكلمتان نحو و كسر بيوت و البيوت يضم عن حماجلة،و الثلاث نحو:و قيل و غيض،ثم جىء يشمها البيت،و الأربع نحو:و سكن يؤده مع نوله،و نصله،و نؤته منها البيت،و قد تكون قاعدة كلية يدخل تحتها كلم متعددة نحو:و ضمك أولى الساكنين البيت،و الأغلب أن الرمز المذكور لا يأتى إلا بعد كمال تقييد القراءة إن احتاجت إلى تقييد كالأمثلة التى ذكرناها،و قد وقع قليلا رمز قبل تمام التقييد كقوله:و العين فى الكل ثقلا كما دار و اقصر مع مضعفة، فقوله كما دار رمز متوسط بين كلمتى التقييد و هما ثقلا و اقصر،و مثله و مع مد كائن كسر همزته دلا و لا ياء مكسورا،و أما قوله فى سورة غافر:أو أن زد الهمز ثملا و سكن لهم،فإن قوله لهم قام مقام تكرار الرمز، و قد يرمز قبل جملة التقييد كقوله:و إثم كبير شاع بالثا مثلثا،و مثله مع تسمية القارئ قوله:و فى فأزل اللام خفف لحمزة و زد ألفا من قبله فتكملا،و الضمير فى تنقضى للرجال.و يجوز أن يعود على المسألة برمتها من ذكر الحرف و قرائه،لدلالة سياق الكلام على ذلك.

يريد أنه إذا انقضى ذكر الحرف و رمز من قرأه أتى بكلمة أولها واو تؤذن بانقضاء تلك المسألة و استئناف أخرى،لأن الواو لم يجعلها رمز القارئ بخلاف سائر الحروف،و لو لم يفعل ذلك لاختلطت المسائل و ظن ما ليس برمز رمزا لا سيما إذا أتى بكلام بين المسألتين للحاجة إليه فى تتميم وزن البيت كقوله:وجها على الأصل أقبلا،وجها ليس إلا مبجلا؛حق و ذو جلا،فإن ما بعد الواو ليس رمزا فى كل ذلك،و قد يأتى بكلمة أوّلها واو فى أثناء تقييد المسألة لضرورة القافية،فلا تكون الواو فيها فصلا كقوله:من رجز أليم معا،و لا على رفع خفض الميم دل عليمه،و كقوله:و الياسين بالكسر و صلا مع القصر مع إسكان كسر دنا غنى،فالواو فى و لا و وصلا فى هذين الموضعين ليسا بفصل،كما أن ألفاظ التقييد لا تكون أوائلها إلا رمزا،و إنما الرمز ما يأتى بعد كمال التقييد غالبا،كذلك الواو الفاصلة هى ما يأتى بعد كمال المسألة من التقييد و الرمز،و اللّه أعلم.

و إثبات الياء فى تنقضى،و آتيك،و هما فعلا شرط و جزاء على لغة من قال:

أ لم يأتيك و الأنباء تنمى

و حقها حذف الياء منها للجزم،و لم يستقم له حذف الياء من تنقضى،أما من آتيك فكان حذفها جائزا له على ارتكاب زحاف جائز،و الناظم لم يفعله لنفور الطبع السليم منه،و فيصلا حال و هو من الصفات التى جاءت على وزن فيعل كضيغم و بيئس و فيه معنى المبالغة،و اللّه أعلم.

47-[سوى أحرف لا ريبة فى اتّصالها و باللّفظ استغنى عن القيد إن جلا]

نبه بهذا البيت على أنه إنما جعل الواو فاصلة لترتفع الريبة و اللبس من اختلاط الحروف،و إنما خس الواو بالفصل،لتأتيها له فى النظم،و تيسرها عليه من حيث هى فى الأغلب عاطفة،و القراءات تراجم و مسائل يعطف بعضها على بعض،و ربما فصل بغير العاطفة كقوله:دار وجها،شاع وصاله فى عمد وعوا،و هو قليل،و ليس كل كلمة أولها واو يكون الواو فيها فصلا،فإن ذلك قد يقع فى كلمات القرآن و فى ألفاظ التقييد،ء.

ص: 36


1- أى ما وقع الاختلاف فيه بين القراء.

كقوله:و راؤه بكسر بعد قوله:و صحبة يصرف فتح ضم،و منه قوله:و بالضم و اقصروا كسر التاء قاتلوا، و قد تقدم أنها تقع فى أثناء كلمات التقييد و إن لم تكن تلك الكلمة تقييدا بل احتيج إليها لتتميم القافية،كقوله:

و فك ارفعن و لا،فإن قوله و لا وقع حشوا لأجل القافية،و قوله بعد ذلك:و بعد اخفضن و اكسر و مدّ الواو فى الكلمات الثلاث داخلة على ما هو تقييد لا فصل فى واحدة منها،إلى قوله:و مؤصدة،فإنما الواو الفاصلة هى الآتية بعد كمال الرمز.ثم إن الكلمة التى أوّلها واو للفصل تارة ليس المراد منها إلا ذلك نحو:و ضم حليهم بكسر شفا واف،فكلمة واف لم يأت بها إلا للفصل و إن تضمنت معنى صحيحا فيما يرجع إلى الثناء على القراءة و تارة تأتى الكلمة و يكون ما بعد الواو مقصودا لغير الفصل،إما هو من الحروف المختلف فيها نحو:و موصدة فاهمز و حمالة المرفوع،و إما اسم لقارئ نحو:و حمزة أسرى،و ورش لئلا،و بصر و أتبعنا أو تقييد للحرف المختلف فيه نحو:و خاطب حرفا تحسبن،و بالضم صر أشاع،و ميم ابن أم اكسر،و ذكر لم يكن شاع،و قد يكون ما بعد الواو رمزا و هو قليل،و قد تقدم الكلام فيه نحو و على الحرمى،ثم ذكر فى هذا البيت أنه قد لا يأتى بالواو الفاصلة،و ذلك فى أحرف من القراءات إذا اتصلت لم يلبس أمرها و لا يرتاب الناظر فيها لأنها من كلم القرآن،و ذلك كقوله:و ينبت نون صح يدعون عاصم،و يدعون خاطب إذ لوى،و رابرق افتح آمنا البيتين،ففي كل بيت منهما ثلاثة أحرف و لا واو بينها،و قد يقع الاتصال من تقييد قراءة و رمز أخرى كقوله:يظلمون غيب شهددنا،ثم قال:إدغام بيت فى حلا،و قوله،و اكسر الضم اثقلا نعم عم فى الشورى.

فالحاصل أنه يلتزم الواو فى مواضع الريبة،و فيما عداها قد يأتى بالواو طردا للباب،و قد لا يأتى بها للاستغناء عنها،و أكثر المواضع التى أتى فيها بالواو لا لبس فيها كقوله،و عند سراط و السراط،و رضوان اضمم زكا، و قواريرا،و قد ترك الواو سهوا فى موضع واحد ملبس فى سورة القصص،و قل قال موسى و احذف الواو دخللا نما نفر بالضم،ثم ذكر حكما آخر فيما يتعلق بتقييد الحرف المختلف فيه فقال:و باللفظ استغنى عن القيد و لم يكن هنا موضع ذكره،و لو أخره إلى ما بعد انقضاء الرموز لكان أولى،و ذلك عند قوله:و ما كان ذا ضد إلى قوله:و فى الرفع و التذكير و الغيب،فهاتيك الأبيات كلها فيما يتعلق بتقييد القراءات،و هذه الأبيات من قوله:جعلت أبا جاد إلى قوله:و ما كان ذا ضد كلها فى الرمز و ما يتعلق به و يتفرع عنه،فاعترض بهذا الحكم فى أثناء ذلك،فذكر أنه قد لا يحتاج إلى تقييد الحرف بهيئة قراءته إذا كان التلفظ به كاشفا عن ذلك القيد،و لهذا قال:إن جلا أى إن كشف اللفظ عن المقصود و بينه،يقال جلوت الأمر:إذا كشفته،و هذا قد أتى فى القصيدة على ثلاثة أقسام:إما أن يلفظ بالقراءتين معا كقوله:و حمزة أسرى فى أسارى،و فى طائر طيرا،سكارى معا سكرى،و عالم قل علام.و إما أن يلفظ بإحداهما و يقيد الأخرى كقوله:و بالتاء آتينا.و الثالث أن يلفظ بإحداهما و لا يقيد الأخرى كقوله:

و (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ 1) .

كأنه قال بالمدّ،ففهم من ذلك القراءة الأخرى من جهة الضد.و قد يلفظ بالقراءتين معا و يذكر بعد بعض4.

ص: 37

قيود إحداهما كقوله:تمارونه تمرونه و افتحوا شذا،وطأ وطاء فاكسروه و كل موضع لفظ بحرف مختلف فيه و لم يستغن باللفظ به عن القيد،ثم قيده بما فهم منه الخلاف باعتبار الأضداد على ما سيأتى ذكرها،فإن لم يمكن أن يلفظ بذلك اللفظ إلا على إحدى القراءتين تعين.و هو فى القصيدة على نوعين:

أحدهما أن يكون القيد لما لفظ به كقوله:و ما يخدعون الفتح من قبل ساكن و بعد ذكا،و خفف كوف يكذبون:وعدنا جميعا دون ما ألف؛و كفلها الكوفى ثقيلا البيت،و حامية بالمدّ صحبته كلا و فى حاذرون المدّ.

و الثانى أن يكون القيد لما لم يلفظ به،و هذا أحسن لأخذ كل من القراءتين حظا إما لفظا و إما تقييدا، كقوله:و فى تكملوا قل شعبة الميم ثقلا،و قصر قياما عم،مع القصر شدّد ياء قاسية شفا،و وحد للمكى آيات الولا،فإن أمكن أن يلفظ بذلك اللفظ على كل واحدة من القراءتين فالأولى أن يلفظ بما لم يقيده كقوله:عليهم إليهم حمزة بكسر الهاء و صحبة يصرف بضم الياء و ذكر لم تكن بالتاء الدالة على التأنيث،و قد جاء فى سورة (طه)موضع استغنى فيه باللفظ عن القيد؛و لم يحصل الاستغناء به لأنه لم يجل القراءة الأخرى و لم يكشفها و هو قوله:و أنجيتكم،واعدتكم،ما رزقتكم،شفا،و سيأتى ما يمكن الاعتذار به فى موضعه إن شاء اللّه تعالى.

48-[و ربّ مكان كرّر الحرف قبلها لما عارض و الأمر ليس مهوّلا]

الحرف مفعول كرر و فاعله ضمير راجع إلى مكان على طريقة المجاز،جعل المكان مكررا لما كان التكرار واقعا فيه كقولهم:ليل نائم،أو يرجع إلى الناظم على طريقة الالتفات من استغنى إلى كرر كقوله تعالى.

(لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ 1) .

أى كرر فيه الناظم الحرف قبلها:أى قبل الواو الفاصلة،و مراده بالحرف هنا حرف الرمز الدال على القارئ لا الكلمة المختلف فيها المعبر عنها بقوله:و من بعد ذكرى الحرف،و لو قال:و رب مكان كرر الرمز لكان أظهر لغرضه و أبين،و رب حرف تقليل و عامله محذوف مقدّر بعده:أى وجد أو عثر عليه،أشار إلى أن ذلك يوجد قليلا و هو تكرار الرمز تأكيدا و زيادة بيان.و هو فى ذلك على نوعين:

أحدهما أن يكون الرمز لمفرد فيكرره بعينه كقوله اعتادا فضلا.و حلا حلاء.و علا علا.

و الثانى أن يكون الرمز لجماعة لم يرمز لواحد من تلك الجماعة كقوله:سما العلا.ذا أسوة تلا.

و قد يتقدم المفرد كقوله:إذ سما كيف عولا.و قوله:قبلها،يعنى قبل الواو الفاصلة المنطوق بها،أو قبل موضعها و إن لم توجد،فإن حلا حلا و علا علا ليس بعدهما واو فاصلة.و قوله لما عارض تعليل للتكرير و ما نكرة موصوفة:أى لأمر عارض،أو زائدة كزيادتها فى قوله تعالى.

(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ (1)) .9.

ص: 38


1- سورة آل عمران،آية:159.

أى لأجل عارض اقتضى ذلك من نحسين لفظ أو تتميم قافية،ثم سهل هذا الأمر على الطالب و هوّنه بقوله و الأمر ليس مهولا:أى ليس مفزعا:أى لا يجر لبسا و لا يؤدى إلى إشكال.

و اعلم أنه كما يكرر الرمز لعارض فقد تكرر الواو الفاصلة أيضا لذلك،كقوله:قاصد و لا و مع جزمه.

و لم يخشوا هناك مضللا،و أن يقبلا التذكير.و لم ينبه على ذلك،و هو واضح؛و اللّه أعلم.

49-[و منهنّ للكوفيّ ثاء مثلّث و ستّتهم بالخاء ليس بأغفلا]

الضمير فى منهنّ للحروف للعلم بها،و وصف الثاء بأنه مثلث بالنقط ليميزه من الباء و التاء،و كذلك قوله:

فى الخاء ليس بأغفلا:أى أنه منقوط ليميزه من الحاء.

لما اصطلح الناظم رحمه اللّه على رموز للقراء منفردين اصطلح أيضا على رموز لهم مجتمعين إلا أنه ليس لكل اجتماع،بل لما يكثر دوره و وقوعه.

و اعلم أن لكل واحد من القراء شيئا ينفرد به،و قد جمعت ذلك فى مصنف بترتيب حسن،و لكل واحد منهم اجتماع مع كل واحد منهم هذا مطرد،و يتفق اجتماع ثلاثة على قراءة و لا يطرد فى الجميع،و كذا يتفق اجتماع أربعة و خمسة و ستة،و كان قد بقى ستة أحرف فجعل كل حرف منها رمزا لما يذكره،فذكر فى هذا البيت حرفين الثاء و الخاء،فالثاء رمز للقراء الكوفيين و هم ثلاثة كما سبق،و قوله للكوفى:أى للقارئ الكوفى من السبعة:أى لهذا الجنس منهم،و الحروف كلها تذكر و تؤنث،و اختار التذكير فى وصف هذه الحروف هنا لما كانت عبارة عن ذكور فقال:مثلث و ليس بأغفلا،و كذا الأربعة البواقى على ما يأتى،فالضمير فى و ستتهم للقراء:أى يعبر عنهم بالخاء،ثم بين الستة منهم فقال:

50-[عنيت الألى أثبتهم بعد نافع و كوف و شام ذا لهم ليس مغفلا]

الألى بمعنى الذين:أى عنيت بالستة الذين ذكرتهم بعد ذكر نافع و هم باقى السبعة.و عبر عن الكوفيين و ابن عامر و هو الشامى بالذال،و قال ليس مغفلا ليميزه عن الدال،و وجه قوله:و كوف و شام،و كذا ما يأتى بعده مثل و بصر و مك أنه حذف إحدى ياءى النسب تخفيفا كما يخفف المشدّد لضرورة الشعر،و كأن المحذوف المتحركة فبقيت الساكنة مع التنوين فحذفت لالتقاء الساكنين فصار كقاض،و الألف و اللام مقدّرة،أو الإضافة و لهذا صح الابتداء به:أى و الكوفى و الشامى،أو و كوفيهم و شاميهم ذالهم التى هى عبارة عنهم منقوطة، ثم قال:

51-[و كوف مع المكّىّ بالظّاء معجما و كوف و بصر غينهم ليس مهملا]

المعجم من الحروف ما نقط،من قولهم:أعجمت الكتاب:أى أزلت عجمته،و المهمل ما لم ينقط، و لسنا بخائضين فى بيان مناسبة كل حرف لمن جعله له من جهة مخارج الحروف و صفاتها،فإنه لو عكس ما ذكره لأمكن توجيهه أيضا،و اللّه أعلم.

بيان اصطلاح الناظم فى التعبير عن اوجه الخلاف

52-[و ذو النّقط شين للكسائى و حمزة و قل فيهما مع شعبة صحبة تلا]

شين بدل من و ذو النقط و تمت حروف أبجد،و احتاج إلى الاصطلاح فى التعبير عن جماعات يكثر اتفاقهم

ص: 39

على القراءة فوضع ثمانى كلمات لمن يأتى ذكرهم،و هى:صحبة صحاب عم سما حق نفر حرمى حصن،منها ما هو دالّ على اثنين و هو عم حق حرمى،و البواقى مدلولها جماعة،فجعل لحمزة و الكسائى إذا اتفق معهما أبو بكر عن عاصم لفظ صحبة،كقوله:رمى صحبة،و صحبة يصرف.و تارة رمز لهم بالحروف كقوله:

و موص ثقله صح شلشلا،و تلا:بمعنى تبع:أى تبع ما قبله فى أنه رمز و ليس بصفة لصحبة و إلا تقيدت و أشعر اللفظ بأن المجموع هو الرمز،و كذا ما يأتى فى قوله:نفر حلا.

53-[صحاب هما مع حفصهم عمّ نافع و شام سما فى نافع و فتى العلا]

هما:يعنى حمزة و الكسائى مع حفص عن عاصم يعبر عنهم بصحاب،و لفظ عم دليل نافع و شام و سما مستقر فى التعبير به عن نافع.و فتى العلا:و هو أبو عمرو بن العلا،و فى ابن كثير و هو المراد بقوله و مك فى البيت الآتى:

54-[و مكّ و حقّ فيه و ابن العلاء قل و قل فيهما و اليحصبى نفر حلا]

فيه:أى فى المكى و هو ابن كثير:أى استقر لفظ حق فيه و فى ابن العلاء فحذف حرف الجر من المعطوف على الضمير المجرور،و هو جائز فى الشعر مختلف فيه فى غيره،و لفظ نفر قل فيهما:أى فى ابن كثير و أبى عمرو و فى اليحصبى و هو ابن عامر فحذف حرف الجر أيضا.

55-[و حرمىّ المكّىّ فيه و نافع و حصن عن الكوفى و نافعهم علا]

أى و لفظ حرمى اشترك فيه ابن كثير و نافع،و هو نسبة إلى الحرم،و الحرم و الحرم واحد.

فإن قلت:هذه نسبة صحيحة فتكون كالعبارة الصريحة،فقوله حرمى كقوله:مكى و بصرى و شامى و كوفى،لأن كل واحد من ابن كثير و نافع منسوب إلى الحرم،هذا من حرم مكة،و ذا من حرم المدينة.

قلت:موضع الرمز كون اللفظ مفردا أراد به مثنى،و لم يستعمل المفرد لإلباسه،إذ لا يعلم أى الحرميين أراد،و التصريح بنسبتهما أن يقول الحرميان كما يقوله صاحب العنوان و غيره،و لكونه جعل هذا اللفظ رمزا لم يتصرف فيه بحذف ياء النسبة و لا تخفيفها،بخلاف قوله:و من تحتها المكى سوى الشام ضموا،إشعارا بأنه رمز لا نسبة.ثم قال:و حصن جعلته عبارة عن الكوفيين و نافع،و قوله:علا أى الحصن أو المذكور أى ظهر المراد و انكشف،و هذه الألفاظ الثمانية،تارة يأتى بها بصورتها،و تارة يضيف بعضها إلى ضمير القراء كقوله:و نذر أصحابهم حموه،كما قال و كوفيهم تساءلون،شاميهم تلا،و تارة يضيفه إلى الهاء و الكاف نحو:و حامية بالمد صحبته كلا،و قل مرفقا فتح مع الكسر عمه،حقه بتنبت،و حقك يوم لا:

ثم قال:

56-[و مهما أتت من قبل أو بعد كلمة فكن عند شرطى و اقض بالواو فيصلا]

أى هذه الكلمات الثمانى التى وضعتها رمزا تارة أستعملها مجردة عن الرمز الحرفى الذى تقدم ذكره،و تارة يجتمعان.فإذا اجتمعا لم ألتزم ترتيبا بينهما،فتارة يتقدم الحرف على الكلمة،و تارة تتقدم الكلمة على الحرف كقوله:و عم فتى،نعم عم،صحبة كهف،كفء صحبة،و تارة تتوسط الكلمة بين حرفين كقوله:صفو

ص: 40

حرميه رضى،يبشركم سما نعم.و مدلول كل واحد من الحرف و الكلمة بحاله لا يتغير بالاجتماع،فهذا معنى قوله:

فكن عند شرطى:أى على ما شرطته و اصطلحت عليه من موضوع كل واحد منهما:أى أنه باق بحاله،و اقض بالواو فيصلا عند انتهاء كل مسألة،سواء كان رمزها بالحرف أو بالكلمات أو بهما إلا حيث لا ريبة فى الاتصال كقوله:و خفف حق سجرت البيت.

فالمعنى مهما أتت من قبل الرمز الحرفى أو من بعده كلمة من هذه الكلمات الثمانى أو مهما أتت من قبل هذه الكلمات الثمانى أو بعدها كلمة من الكلمات التى تدخل حروف أوائلها على القارئ،سواء كان مفردا كالألف و الدال أو مجتمعا كالشين و الذال.و فى مهما بحوث حسنة ذكرناها فى الشرح الكبير.

و حاصله أنها فى استعمال الناظم هنا و فى قوله:و مهما تصلها أو بدأت براءة بمعنى شيء ما،و وجه صحة هذا الاستعمال أن مهما مركبة من ما التي للشرط و من ما المزيدة للتأكيد ثم أبدلت ألف ما الجزائية هاء فصار مهما.

و قد استقر أن ما الجزائية تتضمن معنى الزمان،و لهذا يقال لها الظرفية كقوله تعالى:

(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ 1) .

فمتى أبدلت ألف الظرفية هاء لدخول المزيدة عليها صار مهما متى ما و متى كانت المبدلة غير ظرفية لم تكن بهذا المعنى،و اللّه أعلم.

57-[و ما كان ذا ضدّ فإنّى بضدّه غنىّ فزاحم بالذّكاء لتفضلا]

أى و ما كان من وجوه القراءات له ضد فإنه يستغنى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر،فيكون من سمى يقرأ بما ذكر،و من لم يسم يقرأ بضد ما ذكر كقوله.و خف لووا إلفا،فيعلم أن غير نافع يشدده،و ليس هذا الاستغناء بلازم فإنه قد يذكر القراءة الأخرى المعلومة من الضد كقوله:و لكن خفيف و الشياطين رفعه البيت،و إن لم تكن القراءة الأخرى تعلم بالضد ذكرهما نحو:أوصى بوصى كما اعتلا،أنجيت للكوفى أنجا تحولا.

و متى لفظ بالقراءتين فلا حاجة إلى تقييد واحدة منهما،فإن قيده كان زيادة بيان كما فعل فى-و ما يخدعون- و إنما قال بضده و لم يقل به،و لا بذكره،لأنه قصد المعنى المذكور فى قوله تعالى:

(أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى 2) .

و لم يقل فتذكرها:أى أيتهما ضلت ذكرتها الأخرى،فهذا اللفظ أو غل فى الإبهام من ذكر الضمير، و كذا قوله بضده:أى استغنى بأحد الضدين عن الآخر.

و اعلم أنه لم يبن كلامه فى الأضداد هنا على ما يعلم بالعقل أنه ضده،بل بعضه كذلك و بعضه اصطلح هو عليه، و بيان ذلك فيما ذكر من الأمثلة كما سيأتى،و قد لف بعضها ببعض و الذكى يميز ذلك،و لهذا قال:فزاحم بالذكاء لتفضلا.2.

ص: 41

58-[كمدّ و إثبات و فتح و مدغم و همز و نقل و اختلاس تحصّلا]

شرع يمثل الألفاظ التى يستغنى بها عن أضدادها أو بأضدادها عنها:أى هى كمد و ما بعده.و قوله و مدغم اسم مفعول،و يجوز أن يكون مصدرا و هو أولى،ليناسب ما قبله و ما بعده من الكلمات المذكورات.و هى منقسمة إلى ما له ضد معين و إلى ما ليس كذلك،فالأوّل يفهم بالعقل،و الثانى بالاصطلاح،و إنما أشرح ما ذكره واحدا واحدا،و أبين ما فيه و أزيد على ما ذكره أمثلة أخر.

أما المد فضده القصر و هو متعين،و كلاهما مستعمل مستغنى به عن الآخر فى هذه القصيدة كقوله:و فى حاذرون المد،و فى لابثين القصر،و مد و خفف ياء زاكية،و آتاكم فاقصر.

و أما الإثبات فضده الحذف،و كلاهما مستعمل و ما فى معناهما كقوله:و تثبت فى الحالين،و احذف الواو و دخللا و الواو زد بعد مفسدين،و ما الواو دع كفى،و زد ألفا من قبله فتكملا،و عدنا جميعا دون ما ألف حلا و قبل يقول الواو غصن،و أسقط الأولى فى اتفاقهما معا.

و أما الفتح فلم يكن له حاجة إلى ذكره،لأنه سيذكر فيما بعد أنه آخى بين الفتح و الكسر فصارا ضدين بالاصطلاح،و إن كان أراد به أنه ضد للإمالة كما ذكره الشيخ فى شرحه فهو قليل الفائدة لم يستعمله إلا فى قوله فى سورة يوسف و الفتح عنه تفضلا،و فى باب الإمالة،و لكن رءوس الآى قد قل فتحها،و إنما الذى يستعمله كثيرا الإمالة و ضدها ترك الإمالة،و يعبر عنه بعض القراء بالفتح كما يعبر بعض النحويين عن الإمالة بالكسر،و يعبر الناظم عنها أيضا بالإضجاع نحو:و إضجاعك التوراة مارد حسنه.

و أما المدغم فضده المظهر،و كلاهما مستعمل نحو و أدغم باقيهم تمدوننى الإدغام،و أظهر لدى واع،و من حيى اكسر مظهرا.

و أما الهمز فضده ترك الهمز و كلاهما مستعمل،و ترك الهمز قد يكون بحذفه و هو حيث لا صورة له فى الرسم كقوله:و فى الصابئين الهمز و الصابئون خذ،و ننسها مثله من غير همز،و قد يكون بإبداله بالحرف الذى صور به الهمز كقوله:و حيث ضياء وافق الهمز قنبلا،و بادئ بعد الدال بالهمز حللا،و يأجوج مأجوج اهمز الكل ناصرا،و يهمز ضيزى،و فى ضد ذلك و ورش لئلا و النسيء بيائه،و يجوز أن يقال الهمز و تركه من باب الإثبات و الحذف فكان مغنيا عنه.

و أما النقل،فعبارة عن تحويل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها مع حذف الهمزة فضد ذلك إبقاء الهمز على حاله و الساكن على حاله،و لم يقع التقييد فى القصيدة إلا بالعقل لا بضده نحو،و نقل ردا عن نافع،و نقل قران و القران،و فى معنى النقل لفظا التسهيل و الإبدال كقوله:لأعنتكم بالخلف أحمد سهلا،و سهل أخا حمدوكم مبدل جلا،و تسهيل أخرى همزتين،و حمزة عند الوقف سهل همزه،و ضد ذلك كله تحقيق الهمز،و قد استعمله فى قوله:و حققها فى فصلت صحبة أ آلهة كوف يحقق ثانيا.

و أما الاختلاس فضده إكمال الحركة،لأن معناه خطف الحركة و الإسراع بها،و ضده ترك ذلك،و هو التؤدة فى النطق بها تامة كاملة،و الاختلاس كالنقل فى أنه لم يقع التقييد إلا به دون ضده مع أن استعماله قليل كقوله:و كم جليل عن الدورى مختلسا جلا،و قد عبر عنه بالإخفاء كثيرا كقوله:و إخفاء كسر العين

ص: 42

و أخفى العين قالون،و أخفى بنو حمد،و أخف حلوبر،و قوله:تحصلا:أى تحصل فى الرواية و ثبت، و اللّه أعلم.

59-[و جزم و تذكير و غيب و خفّة و جمع و تنوين و تحريك اعملا]

ضد الجزم عنده الرفع،و لا ينعكس الأمر،فهذا مما اصطلح عليه؛فإذا كانت القراءة دائرة بين الجزم و الرفع،فإن ذكر قراءة الجزم ذكر الجزم مطلقا بلا قيد،فتكون القراءة الأخرى بالرفع لأنه ضده عنده كقوله:و حرفا يرث بالجزم،و إن ذكر قراءة الرفع لم يطلق ذلك لأن ضد الرفع النصب على ما يأتى من اصطلاحه، بل يقيد ذلك كقوله:و تلقف ارفع الجزم،يضاعف و يخلد رفع جزم،يصدقنى ارفع جزمه؛فكان الواجب أن يذكر الجزم مع الرفع و الضم فى قوله:و حيث أقول الضم و الرفع،لأن كل واحد منهما لا ينعكس ضده به.

و أما التذكير فضده التأنيث؛و كلاهما مستعمل كقوله:و ذكر تسقى عاصم،و أنث يكن عن دارم،و ليس بلازم أن يكونا عبارتين عن الياء و التاء فى أفعال المضارعة،فقد يأتى غير ذلك كقوله:و ذكر فناداه،و ذكر مضجعا توفاه.

و أما الغيبة فضدها الخطاب عنده،و كلاهما مستعمل كقوله،و لا يعبدون الغيب،و بالغيب عما يعملون، و خاطب تروا شرعا،و فى أم تقولون الخطاب و للتحقيق أن ضد الغيبة الحضور.و الحضور ينقسم إلى خطاب و تكلم،و تردد القراءة بين الغيبة و الخطاب كثير فجعلهما ضدين،و التردد بين الغيب و التكلم قليل كقوله:

تعالى فى الأعراف.

(وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ 1) .

يقرؤه ابن عامر على الغيبة:و إذ أنجاكم فعبر الناظم عن هذا بالحذف و الإثبات فقال:و انجا بحذف الياء و النون كفلا.

و الخفة ضدها الثقل،و كلاهما قد جاء كقوله:و خف قدرنا دار،و ثقل غساقا معا،و مثله و شدد حفص منزل.

و الجمع ضده التوحيد و مثله الإفراد،و الكل مستعمل كقوله و جمع رسالاتى،رسالات فرد،و وحد حق مسجد اللّه،خطيئته التوحيد،لكنه إذا ذكر لفظ الجمع كان ضده معلوما و هو الإفراد و التوحيد،و إذا ذكر التوحيد فضده الجمع،إلا أن الجمع على قسمين:جمع سلامة،و جمع تكسير،فإن لفظ به اتضح كقوله:

رسالات فرد (1)و إن لفظ بالإفراد فتارة يكون ضده جمع السلامة كقوله:خطيئته التوحيد،و تارة جمع التكسير كقوله:و وحد حق مسجد اللّه،و هنا يمكن التلفظ بالجمع فيقرأ البيت خطيئاته التوحيد،و لكل واحد من الجمعه.

ص: 43


1- إذا لفظ بالإفراد فالحق أن يحمل ضده الذى هو الجمع على جمع السلامة لأنه الأصل فى الجمع؛لأن الأصل عدم تغيير المفرد و أما قوله:و وحد حق مسجد اللّه فضده المكسر،و هو معلوم من المجمع عليه من لفظ المساجد ا ه.

و الإفراد ضد آخر و هو التثنية،و لكن لم يجيء إلا ضميرها،و لقلته أدرجه فى باب الحذف و الإثبات:تارة كقوله ودع ميم خيرا منهما،و تارة أدرجه فى باب المد و القصر كقوله:و حكم صحاب قصر همزة جاءنا، و التنوين ضده ترك التنوين:إما لعدم الصرف،و إما للإضافة،و كلاهما قد استعمله بهذا اللفظ،و بما يؤدى معناه كقوله:و نونوا عزيز رضا نص،ثمود مع الفرقان و العنكبوت لم ينوّن و قلب نونوا من حميد خالصة أضف،أكل أضف حلا.

و قد يعبر عن التنوين بالنون نفيا و إثباتا كقوله:شهاب بنون ثق،معا سبأ افتح دون نون،و فى درجات النون،و لا نون شركا،و لو تجنب ذلك لكان أحسن لأنه قد آخى بين النون و الياء كما يأتى فيتحد اللفظ،و الضد يختلف فيقول تارة نغفر بنونه فيكون ضده الياء،و ضابطه أن يكون الحرف المختلف فيه فعلا مضارعا.و حيث يكون الحرف المختلف فيه اسما تكون النون فيه عبارة عن التنوين.

و أما التحريك فضده الإسكان،سواء كان التحريك مقيدا أو مطلقا؛و كلاهما مستعمل كقوله:معا قدر حرك،و حرك عين الرعب ضما،و سكن معا شنآن،و أرنا و أرنى ساكنا الكسر،و قوله اعملا:أى اجعل عاملا فى الحرف ما يتصف به الحرف من ارتفاع و انفتاح و انخفاض،فمتى ذكر التحريك فضده السكون؛و متى ذكر اسم الحركة دونها فالضد له،مثاله إذا قال ارفع فضده انصب،و إذا قال انصب فضده اخفض،و إذا قال اخفض فضده انصب،و لا مدخل للسكون فى القراءة المسكوت عنها.و إن ذكر التحريك مع واحد من هذه الثلاثة فالضد له و هو السكون،و لا التفات إلى كونه قد قيد التحريك بضم أو فتح أو كسر،مثاله قوله:

و تسأل ضموا التاء و اللام حركوا برفع فلأجل قوله حركوا أخذنا السكون للقراءة الأخرى و لم نأخذ ضد الرفع، و لو قال موضع حركوا برفع رفعوا لأخذنا ضد الرفع و هو النصب:و كذا قوله:و حمزة و ليحكم بكسر و نصبه يحركه،لو لا قوله يحركه لكانت قراءة الباقين بفتح اللام و خفض الميم،فلما قال يحركه سكن الحرفان،فاعرف ذلك فإنه قل من أتقنه،فهذا شرح ما ذكر من أمثلة الأضداد فى هذين البيتين،و قد استعمل ألفاظا أخر كثيرة لم يذكرها هنا:منها التقديم و التأخير كقوله:هنا قاتلوا أخر،و ختامه بفتح و قدم مده،و منها القطع و الوصل كقوله:و شام قطع اشدد،و شدد و صل و امدد.

و يجيء صل بمعنى آخر،و هو وصل ميم الجمع و هاء الكناية بواو أو ياء،و ضده ترك ذلك.

و منها الإهمال الدال على النقط فى القراءة الأخرى كقوله:فى سورة الأنعام فى يقض الحق شدد و أهملا.

و منها الاستفهام و الخبر كقوله:و استفهام إنا صفا و لا،و أخبروا بخلف إذا ما مت،و غير ذلك مما يأتى فى مكانه إن شاء اللّه تعالى.

60-[و حيث جرى التّحريك غير مقيّد هو الفتح و الإسكان آخاه منزلا]

يعنى إذا أطلق التحريك فمراده به الفتح دون الضم و الكسر،مثاله:معا قدر حرك من صحاب:أى افتح الدال و قال فى الضم و الكسر،و حرك عين الرعب ضما،و ضيقا مع الفرقان حرك مثقلا بكسر،فقيدهما و لم يطلق لفظ التحريك.

و قوله:و الإسكان آخاه فيه وجهان:أحدهما أن السكون آخى التحريك غير المقيد فى أنه متى ذكر غير

ص: 44

مقيد فضده التحريك المطلق و هو الفتح:أى كأنه قال سكن حركة الفتح كقوله:و يطهرون فى الطاء السكون فضد السكون هنا الفتح.

أما إذا كان ضد السكون حركة غير الفتح فإنه يقيدها كقوله:و أرنا و أرنى ساكنا الكسر،و فى سبلنا فى الضم الإسكان.

و قد استعمل الأمرين معا فى نصف بيت فى حرف دار ست حق فى سورة الأنعام فقال و حرك و سكن كافيا، فأطلق التحريك و الإسكان،فكان المراد بما نطق به من الحركة و بضد السكون الفتح،فابن عامر افتح السين و سكن التاء،و الباقون سكنوا السين و فتحوا التاء.

الوجه الثانى:أن تكون الهاء فى آخاه عائدة على التحريك كله المطلق و المقيد،و المراد بالإخوة الضدية كما قال فى البيت بعده:و آخيت بين النون و الياء،و يفهم من الإسكان المطلق أن ضده الفتح،لأن ضده الحركة المطلقة.و قد قال:و حيث جرى التحريك غير مقيد هو الفتح،يعنى سواء جرى ذكره نصا صريحا أو أخذ ضدا لما نص على إسكانه مطلقا،و لهذا قلت أنا بدل هذا البيت ما أظنه وفيا إن شاء اللّه تعالى بالمقصود.

و إن أطلق التحريك نصا و لازما من الضد فهو الفتح حيث تنزلا

و لم يخرج عن الأصل الذى ذكره إلا قوله،و فى الصعقة اقصر مسكن العين،و كان حقه أن يقول مسكن الكسر،و أما قوله:و إسكان بارئكم فيأتى الكلام عليه فى موضعه،و منزلا تمييز و هو مصدر:

أى آخاه نزولا أو اسم مكان:أى آخى منزل كل واحد منهما الآخر،و قيل:هو ظرف،و اللّه تعالى أعلم.

61-[و آخيت بين النّون و اليا و متجهم و كسر و بين النّصب و الخفض منزلا]

أى و بين فتحهم و كسر فحذف بين لدلالة ما قبله و بعده عليه،و المعنى بالمؤاخاة أنه جعل كل اثنين مقترنين من هذه الستة يغنى ذكر أحدهما عن الآخر كقوله:و يدخله نون مع طلاق،و يؤتيه باليا فى حماه،أن الدين بالفتح رفلا؛إن اللّه يكسر فى كلا،و انصب بينكم عم،و قوم بخفض الميم،و أراد بالفتح و الكسر حركتى البناء،و بالنصب و الخفض حركتى الإعراب،و فائدة محافظته على ذلك الاختصار،فإن الكلمة تشتمل على حركات البناء و الإعراب،فإذا اتفق الخلاف فى كلمة فيها حركتا إعراب و بناء من جنس واحد كضمة و رفع و فتحة و نصب و كسرة و جر أولا من جنس واحد،فإذا كان الخلاف فى حركة البناء قال اكسر،و إذا كان فى حركة الإعراب قال اخفض أو جر،و لو لم يكن ملتزما لهذه التفرقة لما علم عند إطلاقه أنه قصد الحرف الذى فيه حركة البناء أو حرف الإعراب،مثاله قوله:و الوتر بالكسر شائع،فلفظ الوتر مشتمل على الكسر و الفتح فى الواو و الجر فى الراء،فتعلم من قوله:بالكسر أنه أراد كسر الواو،و قوله:و فك ارفعن تعلم أنه أراد حركة الكاف لا الفاء،ثم قال:و بعد اخفضن يعنى آخر رقبة،و اكسر:يعنى همزة إطعام مع الرفع يعنى فى ميم إطعام،و قد اختل عليه هذا الالتزام فى موضع واحد سهوا و هو قوله:فى الزخرف:و فى قيله اكسر و اكسر الضم،و صوابه اخفض فى الأوّل لأنه للام و هو حرف إعراب،و أما قوله:فى تضارر و ضم الراء حق و هى حركة إعراب فلأجل القراءة الأخرى بالفتح،لأنها حركة بناء فلم يكن له بد من الإخلال بأحدهما

ص: 45

و أما قوله فى الأنعام رسالات فرد و افتحوا،و إنما هو نصب،و كذا قوله فى الأعراف:و يقصر ذريات مع فتح تائه فسيأتى عذر حسن عنهما فى موضعهما إن شاء تعالى،و منزلا حال من التاء فى و آخيت.

62-[و حيث أقول الضّمّ و الرّفع ساكتا فغيرهم بالفتح و النّصب أقبلا]

فى حيث معنى الشرط فلهذا دخلت الفاء فى الجواب فى قوله فغيرهم كقوله تعالى:

(وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ 1) و سقطت فى البيت المتقدم،و حيث جرى التحريك غير مقيد هو الفتح،أى فهو الفتح،و قوله الضم مبتدأ محكى و الرفع عطف عليه و الخبر محذوف:أى الضم لفلان و الرفع لفلان،و أقبل خبر فغيرهم لأنه مفرد لفظا و إن أضيف إلى جماعة من القراء و الضم حركة بناء و الرفع حركة إعراب،و قوله ساكتا:أى مقتصرا على ذلك غير منبه على قراءة الباقين:أى أقول هذا ساكتا عن غيره مثال ذلك،و فى إذ يرون الياء بالضم كللا،و حتى يقول الرفع فى اللام أوّلا،فقراءة الباقين بالفتح فى ياء يرون و بالنصب فى لام يقول،فإذا كانت قراءة الباقين ليست بفتح و لا نصب فإنه لا يسكت حينئذ،بل يبين ذلك بالتقييد كقوله:و جزء أو جزؤ ضم الإسكان صف،و رضوان اضمم كسره،يضاعف،و يخلد رفع جزم،و خضر برفع الخفض،و يرفع بعد الجر.

و اعلم أنه لم يواخ بين ما ذكر فى هذا البيت،بخلاف ما فى البيت المتقدم،فإن الفتح ليس ضده الضم و إنما ضده الكسر،و كذلك النصب ضده الخفض لا الرفع،و قد سبق أنه كان ينبغى له أن يذكر الجزم هنا،لأنه إذا ذكر الجزم فالقراءة الأخرى بالرفع،و إذا ذكر الرفع فالأخرى بالنصب،و إذا ذكر النصب،فالأخرى بالخفض،و لا ينعكس إلا هذا الأخير لأنه آخى بين النصب و الخفض فجعلهما ضدين باصطلاحه،ثم سواء فى ذلك المثبت و المنفى من هذه التقييدات كلها،فالأضداد لا تختلف بذلك،فقوله:فى البقرة نغفر بنونه و لا ضم معناه افتح.

و اعلم أنه كما يطلق حركات البناء و الإعراب فقد يقيدهما بذكر الحرف الذى هما فيه كقوله:و با عبد اضمم، و فتحك سين السلم،يضركم بكسر الفساد،الرفع فى اللام أوّلا،و با ربنا بالنصب،و قوم بخفض الميم،و من المواضع المطلقة فى حركة البناء ما يلبس نحو و ضمهم فى يزلقونك خالد،و كان يمكنه أن يقول و ضمهم يا يزلقونك و اللّه أعلم.

63-[و فى الرّفع و التّذكير و الغيب جملة على لفظها أطلقت من قيّد العلا]

جملة مبتدأ خبره ما قبله و ما بعد جملة صفة لها و من موصولة أو موصوفة:أى و فى هذه الثلاثة جملة مواضع فى هذه القصيدة؛أطلقت:أى أرسلت على لفظها من غير تقييد،من قيد العلا:أى حصله و حازه أو حصلها أو حازها، لأن العلا يحتمل الإفراد و الجمع،أو يكون التقدير من حاز الرتب العلا فى الفهم و الذكاء لأنه لا يكاد يفهم مثل هذه الدقائق إلا من كان كذلك.5.

ص: 46

و معنى البيت:أن هذه الثلاثة و هى الرفع و التذكير و الغيب يذكر الكلمات التى هى فيها مطلقة،فيعلم من إطلاقه أنها هى المرادة أضدادها،مثاله و أربع أو لاصحاب،و يجبى خليط،و بل يؤثرون حز.

فيعلم من هذا الإطلاق أن مقصوده الرفع فى أربع و الياء فى يجبى و هى الدالة على التذكير و الياء فى يؤثرون و هى الدالة على الغيب.و كل قراءة دائرة بين الياء و التاء فهى إما تذكير أو تأنيث أو غيب أو خطاب،فلا يقيدها إذا أراد تقييدها إلا بهذه العبارة نحو:و ذكر يكن شاف،و لا يعبدون الغيب،و أنث تكن عن دارم، و خاطب تروا شرعا،و إنما يقيد بالياء ما كان ضده النون كما سبق؛فقوله فى سورة الأحزاب و يعمل يؤت بالياء،قوله بالياء تقييد ليؤت ليكون قراءة الباقين بالنون و لا يكون تقييدا ليعمل لأن القراءة الأخرى بالتاء للتأنيث،فقوله و يعمل لفظ مطلق تعلم من إطلاقه أنه أراد به التذكير،ثم هذا الإطلاق فى هذه الثلاثة ليس بلازم،بل أخبر أنه وقع منها مواضع مطلقة و وقعت أيضا مواضع مقيدة كما سبق تمثيله فى الغيب و الخطاب و التذكير و التأنيث،و مثله فى الرفع،و قل مثل ما بالرفع،و قد اجتمع إطلاق الثلاثة فى بيت واحد فى سورة الأعراف و خالصة أصل البيت.و يجوز أن يكون و خالصة مقيدا بما قبله من قوله:و لباس الرفع،كما استغنى بذكر الخفة فى الأوّل عن الخفة فى الثانى نحو:و رب خفيف إذ نما سكرت دنا،ما نزل الخفيف إذ عز و الصادان و اللّه أعلم.

64-[و قبل و بعد الحرف آتى بكلّ ما رمزت به فى الجمع إذ ليس مشكلا]

أراد و قبل الحرف و بعده،و المراد بالحرف كلمة القراءة،و الرمز فى اللغة الإشارة و الإيماء.

و لما كانت هذه الكلمات و الحروف التى جعلها دلالة على القراء كالإشارة إليهم سماها رمزا،و أراد بما رمز به فى الجمع الكلمات الثمانى،فإنها هى التى لا يشكل أمرها فى أنها رمز،سواء تقدمت على الحرف أو تأخرت، أما الحروف الدالة على الجمع كالثاء و الخاء و ما بعدهما فلها حكم الحروف الدالة على القراء منفردين،و قد التزم ذكرها بعد الحرف بقوله:و من بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله لينحصر موضعها فلا يتعدد المحال على الناظر المفكر فيها؛نعم إذا اجتمعت الحروف المرموزة للإفراد و للاجتماع مع شيء من كلمات الرمز تبعت الحروف الكلمات تتقدم معها و تتأخر،إذ لفظ الكلمات دل على محل الرمز كقوله:و حق نصير كسر واو مسوّمين؛على حق السدين،ثقل نشرت شريعة حق؛و منزلها التخفيف حق شفاؤه،و قد نبه على ذلك قوله:و مهما أتت من قبل أو بعد كلمة كما سبق.

و يحتمل أن يكون هذا المعنى مستفادا من هذا البيت و أراد بكل ما رمزت به الحروف كلها،و قوله فى الجمع:

أى آتى بها مع كلمات رمز الجمع،فهو من باب قوله تعالى:

(فَادْخُلِي فِي عِبادِي 1) .

و يقوّى هذا المعنى أنه لو أراد المعنى الأوّل لقال للجمع باللام،فلما عدل إلى لفظ«فى»من غير ضرورة دلنا على أنه لمح هذا المعنى،فإذا ثبت جواز هذا قلنا يحتمل أيضا أن يكون معنى قوله:و مهما أتت9.

ص: 47

من قبل أو بعد كلمة هو المعنى الذى جعلناه أوّلا لهذا البيت:أى من قبل الحرف المختلف فيه أو من بعده كلمة أى الكلمات الثمانى لا التزام لها قبلية و لا بعدية،بل آتى بها كذا و كذا،و اللّه أعلم.

فهذه ثلاثة أبيات فرقها و كان الأولى اتصالها و جميع كلمات الرمز اتفق له تقديمها و تأخيرها على حرف القراءة وفاء بعموم قوله بل ما رمزت به كقوله:رمى صحبة،و صحبة يصرف،من يرتدد عم،و عم بلا واو الذين،فتذكر حقا،و حقا بضم الحاء فلا يحسبنهم،و ما موصولة أو موصوفة و إذ تعليل و اسم ليس ضمير الأبيات الدال عليه آتى.

65-[و سوف أسمّى حيث يسمح نظمه به موضحا جيدا معمّا و مخولا]

أى أذكر اسم القارئ صريحا حيث يسهل علىّ نظمه قبل الحرف و بعده،يقال سمح به:أى جاد به، فالهاء فى نظمه و به عائدة على الاسم الدال عليه أسمى.و يجوز أن تكون فى نظمه عائدة على الشعر للعلم به من سياق الكلام.

و قد استقريت المواضع التى سمى فيها فوجدته قد استوعب جميع السبعة و رواتها الأربعة عشر.

و من عادته أن لا يأتى فى ترجمة واحدة برمز مع اسم صريح استمر له هذا و لم ينبه عليه،و إنما علم بالاستقراء، و لو لا ذلك للزم الإشكال فى نحو قوله فى سورة النساء:يصلون ضم كم صفا نافع بالرفع واحدة جلا،فلم يأت بواو فاصلة بين حرف يصلون و واحدة،فكان ذكره لنافع محتملا أن يكون من جملة رجال ضم يصلون و يكون جلا رمز قراءة واحدة بالرفع،و لكن لما كان محافظا على تلك القاعدة بان أن قوله نافع ابتداء مسألة و جلا ليس برمز،و ليس لك أن تقول هو مثل قوله شاع تنزلا:أى أنه رمز مكرر لما تقدم من أنه لا يرمز مع مصرح به،كما أنه لا يصرح مع مرموز به،و هذا كله مخصوص بالقراءة الواحدة،و إلا فيجوز له فى الحرف الواحد المختلف فيه أن يرمز لقراءة و يسمى للقراءة الأخرى فى ذلك الحرف كما قال و قالون ذو خلف بعد قوله له دار جهلا، و قوله سوى أو و قل لابن العلا و بكسره لتنوينه.قال ابن ذكوان بعد قوله كسره فى ندخلا،و قوله و وجهان فيه لابن ذكوان بعد قوله لاح و جملا،و كذا يصرح إذا استثنى من رمز كقوله-و أن لعنة-التخفيف و الرفع نصه سما ما خلا البزى،و إضجاع را كل الفواتح ذكره حمى غير حفص،ليقضوا سوى بزيهم نفر جلا،غلبوا سوى شعبة.

ثم التصريح يكون باسم القارئ أو كنيته أو نسبته أو ضميره كقوله:و نقل ردا عن نافع،و قطبه أبو عمرو،و كوفيهم تساءلون،و ما قبله التسكين لابن كثيرهم،يمد هشام واقفا معهم و لا، و بصروهم أدرى.

و أما حرمى فإنه و إن كان نسبة إلا أنه جعله رمزا فيجىء الرمز معه كقوله و إستبرق حرمى نصر.ثم تمم الناظم رحمه اللّه هذا البيت بألفاظ يصعب على الطالب المبتدى فهمها مع أنه مستغن عنها،و البيت مفتقر إلى أن ينبه فيه على أنه إذا صرح باسم القارئ لا يأتى معه برمز،فلو أنه بين ذلك فى موضع تلك الألفاظ لكان أولى نحو،أن يقول:

و سوف أسمى حيث يسمح نظمه به خاليا من كل رمز ليقبلا

ص: 48

و موضحا حال من فاعل أسمى،و قيل لفظ به الذى قبله يتعلق به.و الجيد:العنق.و المعم و المحول:الكريم الأعمام و الأخوال؛لأن كلا من الفريقين يزين ذلك الجيد.

فمعناه أوضح شيئا يشبه جيدا هذه صفته أو أوضحه إيضاح جيد بهذه الصفة.و قال امرؤا القيس:

بجيد معمّم فى العشيرة مخول

فأضاف الجيد إلى الموصوف بذلك،و كذا وجدته فى استعمالهم،يصفون به الجملة لا يخصون به الجيد كقوله:

معمّ لعمرى فى الجياد و مخول

و قال يحيى بن عروة بن الزبير:

أنا و اللّه المعمّ المخول تفرّقت العرب عن عمّى و خالى

يريد عبد اللّه بن الزبير و مروان بن الحكم.

66-[و من كان ذا باب له؟؟؟ فيه مذهب فلا بدّ أن يسمى فيدرى و يعقلا]

أى و من كان من القراء منفردا بمذهب مطرد قد بوّب له باب فى الأصول فلا بد من أن يسمى ذلك الباب كقوله«باب الإدغام الكبير»«باب هاء الكناية»و نحو ذلك.أو يكون المعنى:فإنى ألتزم التصريح باسمه و لا أرمزه زيادة فى البيان كقوله:و حمزة عند الوقف و رقق ورش،فإن وافقه غيره فى شيء منه أو عرض له فيه مذهب يناسبه فربما سمى ذلك الغير و ربما ذكره رمزا كما فى باب هاء الكناية و نقل الحركة و الإمالة،و قولهم لا بدّ من كذا:أى لا فرار منه،و التقدير:من أن يسمى،و هذا آخر ما أعلمنا به مما يستعمله فى نظمه رمزا و تقييدا،و قد نبهت على فوائد فاتته فيها من قوله:جعلت أبا جاد إلى هنا فى الترتيب و النظم و الاصطلاح؛ و كنت أؤدبه ذكر أبيات الرموز يتلو بعضها بعضا ثم ذكر كيفية استعمالها ثم اصطلاحه فى الأضداد و التقييد.

و قد نظمت عشرة أبيات فى موضع ثلاثة عشر بيتا؛و فيها من الزيادات و الاحترازات كثير مما تقدم شرحه؛ فلو أنه قال:

حروف أبى جاد جعلت دلالة على القارئ المنظوم أوّل أوّلا

ثم قال:و منهن للكوفى ثاء مثلث إلى آخر الرمز فى قوله:و نافعهم علا،ثم بين كيفية استعماله للرموز فقال:

و من بعد ذكرى الحرف رمز رجاله بأحرفهم و الواو من بعد فيصلا

هذه العبارة أظهر من قوله أسمى رجاله«و فيصلا»حال.

سوى أحرف لا ريب فى وصلها و قد تكرر حرف الفصل و الرمز مسجلا

أى حرف الرمز و حرف الفصل و هو الواو:

و قبل و بعد الحرف ألفاظ رمزهم و إن صحبت حرفا من الرمز أولا

ص: 49

هذا بيت يتضمن بيتين و معناهما فيه أظهر منه فيهما.

و طورا أسميهم فلا رمز معهم و باللفظ استغنى عن القيد إن جلا

و ما كان ذا ضد غنيت بضده كصل زد و دع حرك و سهل و أبدلا

و مد و تنوين و حذف و مدغم و همز و نقل و اختلاس و ميلا

و جمع و تذكير و غيب و خفة و رقق و غلظ أخر اقطع و أهملا

و إن أطلق التحريك نصا و لازما من الضد فهو الفتح حيث تنزلا

و حيث أقول الضم و الجزم ساكتا فغيرهم بالفتح و الرفع أقبلا

و فى الرفع و التذكير و الغيب لفظها و بالفتح و اليا الكسر و النون قوبلا

أى لفظها مغن عن تقييدها،و قوبل الكسر بالفتح،و قوبل النون بالياء،و لم أعدد ألقاب الحركات باعتبار البناء و الإعراب،إذ ألقاب كل نوع تطلق على الآخر و هو مجرد اصطلاح.

و المعنى:الذى ذكرناه فى فائدة ذكره للمغايرة بينهما قد أعرض عنه حيث يبين حرف الإعراب و البناء كما سبق.و قد يطلق حيث لا يتعين ذلك الحرف كما فى«يزلقونك»فهو قليل الجدوى،فالإعراض عنه أولى تخفيفا عن خاطر الطالب.

ثم شرع يثنى على قصيدته و يصفها بالجزالة و صحة المعانى،و يذكر ما اشتملت عليه من العلم فقال:

67-[أهلّت فلبّتها المعاني لبابها و صغت بها ما ساغ عذبا مسلسلا]

أى لكثرة ما أودعت من جيد المعانى كأنها كانت صرخت بها.أى نادتها فأجابتها بالتلبية،و لبابها بدل من المعانى بدل البعض من الكل،و قيل بدل اشتمال و هو وهم:أى لم يلبها إلا خيار المعانى و شرافها،و صغت من الصياغة و يعبر بها عن إتقان الشيء و إحكامه،ما ساغ:أى الذى ساغ استعماله من الكلمات،يقال:ساغ الشراب:أى سهل مدخله فى الحلق،و تسلسل الماء:جرى فى حدور،و عذبا مسلسلا حالان من فاعل ساغ العائد على ما أو يكون مسلسلا صفة عذبا أى مشبها ذلك،أو يكون عذبا نعت مصدر محذوف:أى صوغا عذبا يستلذه السمع و يقبله الطبع.

68-[و فى يسرها التّيسير رمت اختصاره فأجنت بعون اللّه منه مؤمّلا]

أى و فيما يسره اللّه سبحانه منها جميع مسائل كتاب التيسير فى القراءات السبع من الطرق التى تقدم ذكرها، فالتيسير مبتدأ و ما قبله خبره،و قيل فى يسرها من صلة رمت أو اختصاره،و جاز تقديمه على المصدر لأنه ظرف، و رمت الشيء:طلبت حصوله،فأجنت:أى كثر جناها منه:أى من التيسير أو من اللّه تعالى،و مؤملا حال من الهاء على التقديرين،و قيل إن عادت على التيسير فهو تمييز.و يجوز أن تكون الهاء فى منه للاختصار و مؤملا حال منه.و يجوز أن تكون من أجنيته الثمرة فيكون مؤملا مفعولا به ثانيا:أى فأجنتنى مؤملى،و منه على هذا يجوز تعلقه بأجنت و بمؤملا،و لو قال:على هذا المعنى المؤملا بالألف و اللام لظهر المعنى و كان أحسن.

و مصنف التيسير هو الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الدانى،و أصله من قرطبة مقرئ محدّث.مات بدانية سنة أربع و أربعين و أربعمائة.

ص: 50

69-[و ألفافها زادت بنشر فوائد فلفّت حياء وجهها أن تفضّلا]

الألفاف:الأشجار الملتف بعضها ببعض،و فى الكتاب العزيز:

(وَ جَنّاتٍ أَلْفافاً 1) أى ذوات ألفاف،و حسن استعارة الألفاف هنا بعد قوله فأجنت لالتفاف المعانى فيها و الأبيات،كأن كل بيت ملتف بما قبله و بعده لتعلق بعضا ببعض و انضمامه إليه،فتلك الألفاف نشرت فوائد زيادة على ما فى كتاب التيسير من زيادة وجوه أو إشارة إلى تعليل و زيادة أحكام و غير ذلك مما يذكره فى مواضعه و من جملة ذلك جميع باب مخارج الحروف،ثم بعد هذا استحيت أن تفضل على كتاب التيسير استحياء الصغير من الكبير و المتأخر من المتقدم و إن كان الصغير فائقا و المتأخر زائدا.و الذى لفت به وجهها:أى سترته هو الرمز،لأنها به كأنها فى ستر، و حياء مفعول له أو مصدر مؤكد مبين لمعنى لفت،لأن لف الوجه يشعر بالحياء،و أن تفضلا معمول حياء على حذف من:أى من أن تفضلا أو هو معمول لفت على تقدير خشية أن تفضل.

70-[و سمّيتها«حرز الأمانى»تيمّنا و وجه التّهانى فاهنه متقبّلا]

الحرز:ما يعتمد عليه فى حفظ ما يجعل فيه.و الأمانى جمع أمنية.و التهانى جمع تهنئة و خفف ياء الأمانى و أبدل همز التهانى ياء ساكنة،لأنه لما استعملهما سجعتين سكنتا فخفف هذه و أبدل هذه لتتفقا.

و معنى هذه التسمية أنه أودع فى هذه القصيدة أمانى طالبى هذا العلم،و أنها تقابلهم بوجه مهنئ بمقصودهم و هو من قولهم:فلان وجه القوم،أى شريفهم؟و معنى تيمنا:تبركا و هو مفعول من أجله.يريد أن هذه التسمية سبقت النظم ليكون كذلك،و قوله فاهنه:أى تهنأ بهذا الوجه أو بهذا الحرز،من قولهم:هنأت الرجل بفتح النون أهنئه بكسرها:إذا أعطيته حكاه الجوهرى:أى أعطه القبول منك و الإقبال عليه لتنال الغرض منه،و كن له هنيئا،كما تقول:هنأنى الطعام.و المعنى ترفق به لتنال الغرض بسهولة و لا تنفر من الشيء قبل وقوفك على حقيقته،و أصله فأهنئه بالهمز ثم أبدله لكونه ياء ثم حذفها للأمر فصار اهنه كارمه،و فى جواز مثل هذا نظر من حيث النقل و القياس،و قد بسطنا القول فيه فى الشرح الكبير و مثله قول زهير (1).

و إن لا يبد بالظّلم يظلم

و حكى ابن مجاهد فى القراءات الشواذ.

(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ 3) .

مثل أعطهم،و متقبلا حال:أى فى حال تقبلك إياه،و لشيخنا أبى الحسن على بن محمد رحمه اللّه من جملة أبيات:

هذى القصيدة بالمراد وفية من أجل ذلك لقبت حرز المنى3.

ص: 51


1- أوله جرىء متى يظلم يعاقب بظلمه سريعا.

71-[و ناديت اللّهمّ يا خير سامع أعذنى من التّسميع قولا و مفعلا]

معنى اللهم يا اللّه الميم عوض عن حذف حرف النداء و قطع همزته ضرورة،ثم كرر النداء بقوله:يا خير سامع أعذنى:أى اعصمنى.و التسميع مصدر سمع بعمله:إذا عمله يريد به السمعة فى الناس و الشهرة،و مثله راءى بعمله:إذا عمله ليراه الناس فيثنوا عليه،يقال:فعل ذلك رئاء و سمعة و كلاهما خلق مذموم محبط للعمل، كأن الناظم رحمه اللّه لما مدح نظمه بما مدحه به خاف أن يكون فى ذلك تسميع فاستعاذ باللّه سبحانه منه،و قولا و مفعلا مصدران فى موضع الحال من الياء فى أعذنى:أى قائلا و فاعلا،أو منصوبان على إسقاط الخافض:أى فيهما و بهما،و يكون العامل فيهما التسميع على هذا التقدير،أو هما بدلان من ياء أعذنى بدل اشتمال:أى أعذ قولى و فعلى من التسميع،و قيل هما تمييزان.

72-[إليك يدى منك الأيادى تمدّها أجرنى فلا أجرى بجور فأخطلا]

يدى مفعول فعل مضمر:أى إليك مددت يدى سائلا الإعاذة من التسميع و الإجارة من الجور،ثم قال الأيادى منك تمدها:أى هى الحاملة لى على مدها و المسهلة لذلك:أى هى التى أطمعتنى فى ذلك و جرأتنى عليه، و إلا فمن حقى أن لا أمدها حياء من تقصيرى فى القيام بما يجب من طاعتك.و الأيادى:النعم جمع أيد و أيد جمع يد.

و اليد:النعمة،و يجوز أن تكون يدى مبتدأ و الأيادى مبتدأ ثان:أى يدى الأيادى منك تمدها إليك،و الفاء فى فلا أجرى جواب الأمر،و فى فأخطلا جواب النفى و هى ناصبة بإضمار أن فى الموضعين،و إنما سكن أجرى ضرورة،أو على تقدير فأنا لا أجرى.و معنى فلا أجرى بجور،أى فلا أفعله،و الجور.الميل:أى يميل عن طريق الاستقامة.و الخطل:المنطق الفاسد،و قد خطل بالكسر خطلا.

73-[أمين و أمنا للأمين بسرّها و إن عثرت فهو الأمون تحمّلا]

أمين:صوت،أو اسم فعل بنى آخره على الفتح،و معناه اللهم استجب،و أمتا مفعول فعل مضمر معطوف على معنى أمين،كأنه قال:اللهم استجب،و هب أمنا للأمين بسرها:أى بخالصها و ما فيها من الفوائد،و هى لباب المعانى الذى تقدم ذكره.و سر النسب:محضه و أفضله.و سر الوادى:أفضل موضع فيه،و الباء فى بسرها:بمعنى على،يقال:هو أمين بكذا و على كذا و الأمين الموثوق به،دعاء له بالأمن:

و هو ضد الخوف،و من أمانته اعترافه بما فيها من الصواب،و إذاعته و تعليمه.و العثرة.الزلة و أضافها إلى القصيدة مجازا أو إنما يريد عثرة ناظمها فيها.و الأمون:الناقة الموثقة الخلق التى أمن ضعفها.

كأنه أمن منها العثور لقوتها،أى إن كان فيها اختلال فاحتمله كما تتحمل هذه الناقة الأعباء الثقيلة و تصبر عليها:أى يكون بمنزلة هذه الناقة فى تحمل ما يراه من زلل أو خطأ فلا يوجد عنده قلق و لا نفرة،بل يقيم المعاذير بجهده و يعترف بتقصير البشر عن إدراك الكمال فى أمر ما.

و من زل فى موضع و أصاب فى مواضع عديدة فهو على ما أجرى اللّه تعالى به العادة فى حق الأكابر إلا من ثبتت عصمته،و قوله:تحملا تمييز،و هو من باب قولهم:هو حاتم جوادا،و زهير شعرا.و قيل هو مفعول من أجله،و هو وهم.

ص: 52

74-[أقول لحرّ و المروءة مرؤها لإخوته المرآة ذو النّور مكحلا]

شرع فى ذكر وصايا و آداب و مواعظ،و الحر أراد به من تقدم شرحه فى قوله«هو الحر»و المقول يأتى فى البيت الثانى.

و اعترض بباقى البيت بين القول و المقول إرادة أن ينبه على سبب النصيحة،فنظم ما جاء فى الحديث عن أبى هريرة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«المؤمن مرآة المؤمن».

أخرجه أبو داود.

أى أنه له بمنزلة المرآة تريه عيوبه فيصلحها.و المروءة:كمال الرجولية،و هى مشتقة من لفظ المرء كالإنسانية من لفظ الإنسان،و المرء و الإنسان مترادفان،فهى عبارة عن صفات الإنسان الشريفة التى يتميز بها عن غيره من الحيوانات.و قوله،و المروءة مبتدأ أول،و مرؤها مبتدأ ثان.و معناه رجلها الذى قامت به المروءة و المرآة خبر مرؤها و الجملة خبر المروءة و لإخوته متعلق بمضاف محذوف،تقديره:نفع مرئها لإخوته كنفع المرآة لهم و ذو النور صفة مرؤها أو خبر بعد خبر أو صفة للمرآة على تقدير التذكير فيها،كما قالوا:ليلة غم،لأن معناها الشيء المنور و مكحلا تمييز،كما تقول زيد ذو الحسن وجها:أى مكحله ذو نور:أى هو منوّر يشفى الداء بنوره،كما تشفى العين المريضة بما يفعله المكحل فيها،و هو الميل المعروف.و قيل مكحلا حال من مرؤها أو من المرآة على حذف المضاف فيهما كما ذكرناه و هو العامل،و قيل حال من ذو النور لأن معناه صاحب النور نحو زيد ذو مال مقيما.

75-[أخى أيّها المجتاز نظمى ببابه ينادى عليه كاسد السّوق أجملا]

هذا هو المقول للحر نادى أخاه فى الإسلام و الدين الذى جاز هذا النظم ببابه:أى مر به،كنى بذلك عن السماع به،أو الوقوف عليه إنشادا،أو فى كاب،و كساد السلعة ضد نفاقها:أى إذا رأيت هذا النظم غير ملتفت إليه فأجمل أنت:أى ائت بالقول الجميل فيه،و الألف فى آخر أجملا بدل من نون التأكيد الخفيفة، أراد أجملن مثل:

(لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ 1) .

و قد استعمل ذلك كثيرا نحو:فاعلمه و اعملا و مسئولا اسألا،و اثنان فاعقلا،و يبلو و اقبلا،و نظمى فاعل المحتاز؛و كاسد السوق حال من هاء عليه،و عليه مفعول ينادى القائم مقام الفاعل.

رقق الشاطبى رحمه اللّه خطابه بقوله:أخى أجمل و تواضع بجعله نظمه كاسد السوق،و لم يكسد سوقه -و الحمد للّه-بل نفقت قصيدته نفاقا؛و اشتهرت شهرة لم تحصل لغيرها من مصنفات هذا الفن.

و كان شيخنا أبو الحسن رحمه اللّه قد أخبرنا عنه أنه قال:لا يقرأ أحد قصيدتى هذه إلا و ينفعه اللّه بها لأنى نظمتها للّه سبحانه.

76-[و ظنّ به خيرا و سامح نسيجه بالإغضاء و الحسنى و إن كان هلهلا]

النسيج المنسوج،و استعاره فى بيوت الشعر تشبيها ببيوت الشعر و الإغضاء:التغافل عن الشيء،و الحسنى5.

ص: 53

تأنيث الأحسن:أى و بالطريقة الحسنى،أو بالكلمة الحسنى،و الهلهل:السخيف النسج.

لما عبر عن النظم بالنسيج عبر عن عيبه بما يعد عيبا فى النسيج من الثياب،و هو كونه سخيفا أى أحسن القول فيه و تجاوز عنه.

77-[و سلّم لإحدى الحسنيين إصابة و الاخرى اجتهاد رام صوبا فأمحلا]

أى و سلم لإحدى الحسنيين اللتين لا ينفك عن إحداهما:أى عبر عنه بأنه متصف بإدراك إحدى الحسنيين، فهذا من جملة الطريقة الحسنى التى يسامح بها نسيجه،أو سلمه من الطعن و الاعتراض لأجل أنه لا ينفك من إحداهما أو لحصول إحدى الحسنيين له،ثم بينهما يقول إصابة و اجتهاد ممحل،و فى رام ضمير عائد على الاجتهاد، جعله طالبا للصواب كما جعله؛و إنما المتصف بذلك حقيقة من قام به الاجتهاد،و كنى بالصوب:و هو نزول المطر عن الإصابة،و بالمحل عن الخطأ؛يقال:أمحل الرجل:صادف محلا،و المحل:انقطاع المطر و يبس الأرض،فللناظم على تقدير الإصابة أجران،و له على التقدير الآخر أجر واحد،و ذلك مأخوذ من قول النبى صلّى اللّه عليه و سلم:

«من طلب علما فأدركه كان له كفلان من الأجر،و إن لم يدركه كان له كفل من الأجر».

أخرجه الدارمى فى مسنده من حديث واثلة بن الأسقع،و فى الصحيحين فى اجتهاد الحاكم نحو ذلك.

و فى إصابة وجهان:الجر على البدل من إحدى،و الرفع على معنى هى إصابة،ثم استأنف بيان الحسنى الأخرى فقال:و الأخرى اجتهاد،و كأن هذا كله اعتذار عن الرموز التى اصطلح عليها و عن هذه الطريقة الغريبة التى سلكها رحمه اللّه سبحانه.

78-[و إن كان خرق فادركه بفضلة من الحلم و ليصلحه من جاد مقولا]

كان هنا تامة:أى و إن وجد خرق فى نسيجه؛و حسن ذكر الخرق هنا ما تقدم من لفظ النسيج،و كنى بالخرق عن الخطإ،و قوله فأدركه:أى فتداركه:أى تلاقه ملتبسا بفضلة من الرفق و الأناة،و ليصلح الخرق من جاد مقوله و هو لسانه،و نصب مقولا على التمييز.و جودة اللسان كناية عن جودة القول به.

و قد امتثل شيخنا أبو الحسن رحمه اللّه أدبه فى ذلك،فنبه على مواضع سنذكرها فى موضعها إن شاء اللّه تعالى، و حذوت حذوه فى ذلك فى مواضع ستراها،و ذلك مساعدة له فيما فعله للّه،و إعانة له على تقريب هذا العلم على الناس،و للّه الحمد.

79-[و قل صادقا لو لا الوئام و روحه لطاح الأنام الكلّ فى الخلف و القلا]

صادقا حال،أو أراد قولا صادقا،نظم فى هذا البيت مثلا مشهورا و هو:لو لا الوئام لهلك الأنام:أى لو لا موافقة الناس بعضهم بعضا فى الصحبة و المعاشرة لكانت الهلكة.و زاد الشاطبى قوله و روحه:أى روح الوئام تنبيها على ما فى الوئام من مصلحة الدين و الدنيا.

و فى الحديث الصحيح:«لا تختلفوا فتختلف قلوبكم».

ص: 54

و روح الوئام حياته،أراد الحياة التى تحصل بسببه لأنه سبب لبقاء الناس و توادهم،و الروح يعبر به عما تحصل به الحياة؛و منه قوله تعالى:

(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ 1) .

أى بالوحى،سماه روحا لحصول حياة القلوب به،فكأنه قال:لو لا الوئام و ثمرته،و لكنه جاء بالمثل على طريقة قولهم يعجبنى زيد و حسنه،المقصود الحسن،لكن جىء به معطوفا على من اتصف به مبالغة، و طاح:بمعنى هلك و الأنام الإنس،و قيل الإنس،و الجن،و قيل كل ذى روح،و القلا،البغض:أى لهلك الناس فى الاختلاف و التباغض،جعلهما ظرفين مجاز،أو يكون«فى»بمعنى الباء:أى لهلكوا بهما،كأنه وقع فى نفسه أن من الناس من يخالفه فيما قصد من الاصطلاح و يعيبه،و ربما اغتيب لأجله فحذر من ذلك كله، و اللّه أعلم.

80-[و عش سالما صدرا و عن غيبة فغب تحضّر حظار القدس أنقى مغسّلا]

سالما حال و صدرا تمييز:أى سالما صدرك من كل خلق رديء.و الغيبة:ذكر الإنسان فى غيبته بما يكره سماعه لا لمصلحة دينية،و قوله فغب،أى لا تحضر مع المغتابين و لا توافقهم و لا تصغ إليهم،فتكون فى حكمهم، فإن لم يستطع أن يغيب بجسمه فليغب بقلبه و سمعه و لسانه،فيكون حاضرا صورة غائبا معنى.

و إنما اعتنى بذكر الغيبة من بين الأخلاق المذمومة لغلبتها على أهل العلم،و منه قيل:الغيبة فاكهة القراء.

و قال بشر بن الحارث:هلك القراء فى هاتين الخصلتين.الغيبة و العجب،و قوله تحضر من الحضور الذى هو ضد الغيبة،و حظار القدس مفعول ثان لتحضر،أو على حذف حرف الجر:أى فى حظار القدس،و الحظار الحظيرة تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد و الريح.و حظيرة القدس:الجنة،و أنقى مغسلا حالان:أى نقيا من الذنوب مغسلا منها.و القدس:الطهارة،و قيل هو موطن فى السماء فيه أرواح المؤمنين،و اللّه أعلم.

81-و هذا زمان الصّبر من لك بالّتى كقبض على جمر فتنجو من البلا

يريد أن الناس قد تغيروا و فسدوا،و ساءت مقاصدهم،و كثر نفاقهم،فقل من يوثق به منهم أو يسلم من أذاهم.

و قد أدركنا الزمان الذى أخبر عنه المصطفى صلّى اللّه عليه و سلم فيما رواه أبو ثعلبة الخشنى عنه قال:

«ائتمروا بالمعروف،و تناهوا عن المنكر،حتّى إذا رأيت شحّا مطاعا،و هوى متّبعا،و دنيا مؤثرة،و إعجاب كلّ ذى رأى برأيه،فعليك بخاصّة نفسك،و دع العوامّ فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهنّ مثل القبض على الجمر،للعامل فهنّ أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم».

و عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«يأتى على النّاس زمان الصّابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر».

أخرجهما الترمذى و قال حديث حسن غريب.2.

ص: 55

و عن أبى هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«إنّ من بعدى أيّام الصّبر المتمسّك فيهنّ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين عاملا».

و قوله«من لك بكذا»جملة استفهامية تستعمل فيما يستبعد وقوعه،و تقديره من يسمح لك به.

فمعنى البيت:من يسمح لك بحصول الحالة التى هى كقبض على جمر،و حصولها هو القيام فيها بحقوق اللّه تعالى.

و قد ذكر الشيخ الشاطبى رحمه اللّه زمان الصبر فى قصيدة أخرى له فقال:

إلى اللّه أشكو وحدتى فى مصائبى و هذا زمان الصّبر لو كنت حازما

عليك بالاسترجاع إنّك فقد حياة العلى و ابغ السّلوّ منادما

أى عليك بقولك.

(إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ 1) .

على فقدك لحياة العلى؛و نادم السلو عنها،فقد أيست منها.

82-[و لو أنّ عينا ساعدت لتوكّفت سحائبها بالدّمع ديما و هطلا]

أى و لو ساعدت عين صاحبها لكثر بكاؤها دائما على التقصير فى الطاعة و قلة البضاعة.و معنى توكفت:

قطرت و تصببت و سالت.قال الأزهرى:وكف البيت و توكف:أى هطل،و قوله سحائبها أى مدامعها على وجه الاستعارة و الديم جمع ديمة كجيز و لين فى جمع جيزة و لينة:و هما الناحية و النخلة.و الأكثر فى جمع ديمة ديم بفتح الياء.و الديمة:المطر الدائم ليس بشديد الوقع،و هطلا جمع هاطلة؛و الهطل:تتابع المطر و الدمع و سيلانه،و ديما و هطلا حالان من السحائب المتوكفة:أى دائمة هاطلة فهى حقيقة بذلك؛و من فسر توكفت هنا بمعنى توقعت فقد جهل معنى البيت و أخطأ اللغة،و قد بينا ذلك فى الشرح الكبير،و اللّه أعلم.

83-[و لكنّها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمشى سبهللا]

الهاء فى لكنها للعين،أو هو ضمير القصة؛و الهاء فى قحطها للعين،و القحط:الجدب،أى لم ينقطع الدمع إلا بسبب أن القلب قاس،و ذلك من علامات الشقاء.

ففي جامع الترمذى عن أبى هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«لا يلج النّار رجل بكى من خشية اللّه تعالى» هذا حديث حسن صحيح.

و فى مسند البزار عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«أربعة من الشّفاء جمود العين،و قساء القلب،و طول الأمل،و الحرص على الدّنيا».

و ضيعة الأعمار مفعول فعل مضمر و المنادى محذوف:أى يا قوم احذروا ضيعة الأعمار،أو يكون ناداها على معنى التلهف و التأسف،نحو:6.

ص: 56

(يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها 1) .

و قوله تمشى حال من الأعمار أو جملة مستأنفة مفسرة مؤكدة لقوله:يا ضيعة الأعمار أى تمر و تذهب باطلة ضائعة،يقال لكل فارغ سبهلل،و جاء فلان سبهلل أى غير محمود المجيء أى جاء و ذهب فى غير شيء، و اللّه أعلم.

84-[بنفسى من استهدى إلى اللّه وحده و كان له القرآن شربا و مغسلا]

أى أفدى بنفسى،و من موصولة أو موصوفة.و معنى استهدى طلب الهداية.أى سلك الطريق المستقيم الموصل إلى اللّه تعالى،و الهاء فى وحده للّه عز و جل،أو تعود على المستهدى.

فمعناه على الأوّل أنه مخلص للّه فى استهدائه لا يريد إلا اللّه.و عن الثانى هو منفرد فى ذلك،لأنه فى زمان خمول الحق و علو الباطل،و الشّرب:النصيب.

أى إذا اقتسم الناس حظوظهم كان القرآن العزيز حظه،فيكون القرآن العزيز له شربا يتروى به،و مغسلا يتطهر به من الذنوب،بدوام تلاوته؛و العمل بما فيه؛و التلذذ بمناجاة منزله به فى ظلام الليل،فمغسلا اسم مكان على التجوز،أو مصدر على معنى ذا غسل.

85-[و طابت عليه أرضه فتفتّقت بكلّ عبير حين أصبح مخضلا]

طابت معطوف على استهدى،و الهاء فى عليه و أرضه للمستهدى؛و قيل هى فى أرضه للّه،و المراد بالأرض المعروفة؛و عليه:بمعنى له،أى طابت له الأرض التى تحمله،لما عنده من الانشراح بسبب صلاح حاله مع اللّه تعالى،و كنى بقوله:فتفتقت بكل عبير عن ثناء أهلها عليه و اغتباطهم به.و العبير:الزعفران،و قيل أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران.و معنى تفتقت:تشققت،أو يكون المعنى أن الأرض زكت و كثر خيرها بسبب هذا المستهدى،لقيامه بالحق؛و عمله بطاعة اللّه،من قولك:طابت نفسى على كذا أى وافقتها،و طابت الأرض:إذا أخصبت،و قيل الهاء فى أرضه للقرآن العزيز،استعار للقرآن العزيز أرضا،كأن القارئ له حالة تفكره فيه و تدبره لمعانيه كالسالك فى أرض تفتقت بكل عبير.يشير إلى كثرة الفوائد الحاصلة له بذلك علما و عملا.

و معنى مخضلا:أى مبتلا،كنى بذلك عما أفاض اللّه تعالى عليه من نعمه بالمحافظة على حدوده.

86-[فطوبى له و الشّوق يبعث همّه و زند الأسى يهتاج فى القلب مشعلا]

طوبى له خبر أو دعاء؛و الواو فى«و الشوق»للحال:أى العيش الطيب له فى هذه الحالة:أى ما أطيب عيشه حين يبعث الشوق همه،و الهم هنا الإرادة:أى الشوق إلى ثواب اللّه العظيم،و النظر إلى وجهه الكريم يثير إرادته،و يوقظها؛و يحركها مهما آنس منها فتورا أو غفلة.و يجوز أن يكون طوبى له دعاء معترضا و الشوق و ما بعده معطوف على ما تقدّم من الجمل،أى بنفسى من استهدى و طابت عليه أرضه،و من الشوق يبعث همه، و الأسى:الحزن،و الزند:الذى يقدح به النار استعارة له،و يهتاج:أى يثور و ينبعث،و مشعلا حال من فاعل يهتاج:أى موقدا.و سبب هذا الحزن المشتعل التأسف على ما ضاع من العمر و الخوف من التغير.و فى طوبى بحوث أخر حسنة ذكرناها فى الشرح الكبير.1.

ص: 57

87-[هو المجتبى يغدو على النّاس كلّهم قريبا غريبا مستمالا مؤمّلا]

المجتبى:المختار،و فى يغدو وجهان:أحدهما أنها جملة مستأنفة.و الثانى أنها حال من ضمير المجتبى.

و فى معناها أيضا وجهان:أحدهما أنها من غدا يغدو إذا مر:أى أنه يمر بالناس متصفا بهذه الصفات الجليلة المذكورة و هو باين منهم:أى يمر بهم مرورا غير مزاحم لهم على الدنيا و لا مكاثر لهم.

و الثانى أنه من غدا بمعنى صار التى من أخوات كان و على الناس خبرها:أى رفع اللّه تعالى منزلته على الناس؛ و قريبا و ما بعده أخبار لها أيضا أو أحوال؛و المراد بقربه تواضعه،أو هو قريب من اللّه تعالى قرب الرحمة و الطاعة،و هو غريب فى طريقته و مذهبه،لقلة أشكاله فى التمسك بالحق لأنه كالقابض على الجمر،مستمالا أى يطلب منه من يعرف حاله الميل إليه و الإقبال عليه،و يؤمل عند نزول الشدائد كشفها بدعائه و بركته:أى من جملة صفاته أن يكون مطلوبا للناس لا طالبا لهم بل ينفر منهم بجهده.

88-[يعدّ جميع النّاس مولى لأنّهم على ما قضاه اللّه يجرون أفعلا]

يعد هنا:بمعنى يعتقد و يحسب،فلهذا عداها إلى مفعولين،و أفرد مولى لأن«جميع»لفظ مفرد كقوله:

(نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ 1) .

و فى معناه وجهان.

أحدهما أنه أراد يعد كل واحد منهم عند اللّه تعالى مأمورا مقهورا لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا؛فلا يرجوهم و لا يخافهم،بل يكون اعتماده و اتكاله على خالقه،أو لا يرى لهم نفعا و لا ضرا لأن أفعالهم تجرى على سابق القضاء و القدر.

و الثانى أنه أراد سيدا،فلا يحتقر أحدا منهم بل يتواضع لكبيرهم و صغيرهم،لجواز أن يكون خيرا منه، فإن النظر إلى الخاتمة.

فعلى الأوّل وصفه بالتوكل و قطع طمعه عن الخلق.و على الثانى وصفه بالتواضع و صيانة نفسه عن الكبر و العجب و نحوهما.

ثم علل ذلك بقوله:لأنهم على ما قضاه اللّه:أى تجرى أفعالهم على ما سبق به القضاء من السعادة و الشقاء و أفعلا تمييز.و وجه جمعه اختلاف أنواع أفعال الخلق فهو كقوله تعالى:

(بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (1)) و اللّه أعلم.

89-[يرى نفسه بالذّمّ أولى لأنّها على المجد لم تلعق من الصّبر و الألا]

أى لا يشغل نفسه بعيب الناس و ذمهم و يرى ذمه لنفسه أولى،لأنه يعلم منها ما لا يعلمه من غيرها،أو يرى نفسه مقصرة بالنسبة إلى غيره ممن سبقه من المجتهدين فيذمها لذلك،و قوله:على المجد:أى على تحصيل الشرف3.

ص: 58


1- سورة الكهف،آية:103.

يصفها بالتقصير عن مجاهدات الصديقين،و عبر عن تحمله فى ذلك المكاره و المشاق بتناوله ما هو مر المذاق.

و الصبر بكسر الصاد و فتحها مع سكون الباء،و بفتح الصاد مع كسر الباء ثلاث لغات كما فى كبد و كتف، ذكر ذلك الناظم فيما أملاه من الحواشى على قصيدته.و منهم من أنكر فتح الصاد مع سكون الباء:و هو الشيء المر الذى يضرب بمرارته المثل،و الألا بالمد.شجر حسن المنظر مر الطعم،و قيل إنه الدفلى،و قيل إنه يؤكل ما دام رطبا فإذا يبس لسع و دبغ به واحده ألاة.

قال الشيخ فى شرحه.و لو قال لم تصبر على الصبر و الألا لكان أحسن،لأن الألا لا يلعق:و هو نبت يشبه الشيح رائحة و طعما،و لا يستعظم لعقه و إنما يستعظم الصبر عليه مع العدم،و قوله.من الصبر:أى من مثل الصبر.

قلت:هو من باب قولهم:

متقلّدا سيفا و رمحا و علفتها تبنا و ماء

أى لم تلعق من الصبر و لم تأكل من الألا:أى لم يتناول الأشياء المرة لعقا مما يلعق و أكلا مما يؤكل،و لو قال:لم تطعم لجمع الأمرين،و اللّه أعلم.

90-[و قد قيل:كن كالكلب يقصيه أهله و ما يأتلى فى نصحهم متبذّلا]

أى لا يحملك ما ترى من تقصير الناس فى حقك على ترك نصحهم،أولا يحملك الفقر و البؤس على ترك طاعة الرب سبحانه و تعالى،و حث المخاطبين بلا صفة المحمودة فى أخس الحيوانات و أنجسها من المحافظة على خدمة أهله و إن قصروا فى حقه.

و قد صنف أبو بكر محمد بن خلف المرزبان جزءا ذكر فيه أشياء مما وصفت الكلاب و مدحت به،سماه [تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب]و نظم الشيخ الشاطبى رحمه اللّه تعالى فى هذا البيت من ذلك أثرا.

روى عن وهب بن منبه رضي اللّه عنه قال:أوصى راهب رجلا فقال:انصح للّه حتى تكون كنصح الكلب لأهله،فإنهم يجيعونه و يضربونه،و يأبى إلا أن يحيط بهم نصحا.و يقصيه:أى يبعده و يأتلى،أى يقصر و هو يفتعل من الائتلاء،و قوله تعالى:

(وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ 1) .

هو أيضا يفتعل و لكن من الألية:و هى الحلف،و مبتذلا حال من فاعل يأتلى أو خبر كن:أى كن مبتذلا كالكلب،و التبذل فى الأمر:الاسترسال فيه،لا يرفع نفسه عن القيام بشيء من جليله و حقيره.

91-[لعلّ إله العرش يا إخوتى يقى جماعتنا كلّ المكاره هوّلا]

أى لعل اللّه تعالى يقينا إن قبلنا هذه الوصايا و عملنا بها جميع مكاره الدنيا و الآخرة،و هوّلا حال من المكاره و هو جمع هائل،يقال هالنى الأمر يهولنى هولا،أى أفزعنى فهو هائل:أى مفزع.2.

ص: 59

92-[و يجعلنا ممّن يكون كتابه شفيعا لهم إذ ما نسوه فيمحلا]

يجعلنا معطوف على يقى،و من موصولة أو موصوفة،و إذ ظرف شفيعا كقوله تعالى:

(وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ 1) .

فقيل هى تعليل فى الموضعين كما فى قوله تعالى:

(وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ فَأْوُوا (1)) .

قلت:التقدير و إذ اعتزلتموهم أفلحتم و خلصتم،فأووا الآن إلى الكهف.و أما«إذ ظلمتم»فنزل المسبب عن الشيء كأنه وقع زمن سببه،فكأنه انتفى نفع الاشتراك فى العذاب زمن ظلمهم.و فى بيت الشاطبى رضي اللّه عنه،كأن الشفاعة حصلت زمن عدم النسيان لما كانت مسببة عنه.

و قال أبو على:الدنيا و الآخرة متصلتان،و هما سواء فى حكم اللّه و علمه،حتى كأنها واقعة،و كأن اليوم ماض،و قيل التقدير بعد إذ ظلمتم،فهكذا يقدّر بعد إذ ما نسوه،و قيل العامل فى إذ و يجعلنا،و لا خفاء بفساد هذا.و يقال:محل به إذا سعى به إلى سلطان و نحوه و بلغ أفعاله القبيحة مثل:وشى به و مكر به،و انتصاب فيمحلا على جواب النفى بالفاء.قال أبو عبيد فى كتاب[فضائل القرآن].ثنا حجاج عن ابن جريج قال:حدّثت عن أنس بن مالك أنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«القرآن شافع مشفّع و ماحل مصدّق،من شفع له القرآن يوم القيامة نجا،و من محل به القرآن يوم القيامة كبّه اللّه فى النّار على وجهه».

و فى كتاب الترمذى عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«عرضت علىّ ذنوب أمّتى فلم أر ذنبا أعظم من سورة أو آية من القرآن أوتيها رجل ثمّ نسيها».

و روى فى ذم نسيان القرآن آثار كثيرة،و المراد بها نرك العمل به،فإن النسيان الترك،و منه قوله تعالى:

(وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ (2)) .

و قد فسر ذلك قول ابن مسعود رضي اللّه عنه.

«القرآن شافع مشفّع،و ماحل مصدّق،فمن جعله أمامه قاده إلى الجنّة،و من جعله خلف ظهره ساقه إلى النّار».

أخرجه مع غيره أبو بكر بن أبى شيبة فى كتاب ثواب القرآن.5.

ص: 60


1- سورة الكهف،آية:16.
2- سورة طه،آية:115.

فالحاصل أن للقرآن يوم القيامة حالتين:

إحداهما:الشفاعة لمن قرأه و لم ينس العمل به.

و الثانية:الشكاية لمن نسيه:أى تركه متهاونا به و لم يعمل بما فيه.

و لا يبعد أن يكون من تهاون به حتى نسى تلاوته كذلك،و اللّه أعلم.

قال الشيخ:و فى الدعاء:و لا تجعل القرآن بنا ماحلا:أى ذاكرا لما أسلفناه من المساوى فى صحبته.

93-[و باللّه حولى و اعتصامى و قوّتى و ما لى إلاّ ستره متجلّلا]

حولى:أى تحوّلى من أمر إلى أمر،و الاعتصام:الامتناع من كل ما يشين:أى ذلك كله بيد اللّه لا يحصل إلا بمعونته و مشيئته.

و فى الحديث الصحيح.

«لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه كنز من كنوز الجنّة».

قال ابن مسعود فى تفسيرها:لا حول عن معصية اللّه إلا بعصمة اللّه،و لا قوّة على طاعة اللّه إلا بعون اللّه.

قال الخطابى:هذا أحسن ما جاء فيه،و متجملا حال من الياء فى لى:أى و ما لى ما أعتمد عليه إلا ما قد جللنى به من ستره فى الدنيا،فأنا أرجو مثل ذلك فى الآخرة،أى و مالى إلا ستره فى حال كونى متجللا به:أى متغطيا به، و قيل هو حال من الستر؛و فيه نظر.

94-[فيا ربّ أنت اللّه حسبى و عدّتى عليك اعتمادى ضارعا متوكّلا]

حسبى:أى كافى؛و العدة:ما يعد لدفع الحوادث،و الضارع:الذليل،و المتوكل:المظهر للعجز معتمدا على من يتوكل عليه،و هما حالان من الياء فى اعتمادى،و هذا آخر شرح الخطبة.

باب الاستعاذة

كل ما يأتى فى كتب العلماء من قولهم باب أو فرع أو نحو ذلك فهو خبر مبتدإ محذوف.و بعضهم يظهره:

أى هذا باب نذكر فيه مذاهب القراء فى الاستعاذة قبل القراءة،و هى طلب الإعاذة من اللّه تعالى،و هى عصمته كالاستجارة و الاستعانة و الاستغاثة،يقال:عذت بفلان و استعذت به:أى لجأت إليه،و لفظ الاستعاذة على اختلافه كما سيأتى ذكره كلفظ الخبر،و معناه الدعاء:أى اللهم أعذنى.

95-[إذا ما أردت الدّهر نقرأ فاستعذ جهارا من الشّيطان باللّه مسجلا]

الدهر منصوب على الظرف،و جهارا مصدر فى موضع الحال:أى مجاهرا أو جاهرا،أو يكون نعت مصدر محذوف:أى تعوّذا جهارا.أى ذا جهار.و هذا فى استعاذة القارئ على المقرئ أو بحضرة من يسمع قراءته،أما من قرأ خاليا أو فى الصلاة فالإخفاء له أولى،و مسجلا:بمعنى مطلقا لجميع القراء فى جميع القرآن، لا يختص ذلك بقارئ دون غيره،و لا بسورة،و لا بحزب،و لا بآية دون باقى السور و الأحزاب و الآيات، و هذا بخلاف البسملة على ما سيأتى.و وقت الاستعاذة.ابتداء القراءة على ذلك العمل فى نقل الخلف عن السلف

ص: 61

إلا ما شذ عن بعضهم أن موضعها بعد الفراغ من القراءة،و قوله تعالى:

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ 1) .

معناه إذا أردت القراءة كقوله:

(إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا (1)) .

و قول النبى صلّى اللّه عليه و سلم:

«إذا توضّأ أحدكم فليستنثر،و من أتى الجمعة فليغتسل».

كل ذلك على حذف الإرادة للعلم بها،و أظهر الشاطبى رحمه اللّه فى نظمه ذلك المقدر المحتاج إليه فى الآية، و هو الإرادة،فقال إذا ما أردت الدهر تقرأ،و لم يقل إذا ما قرأت الدهر للكل فاستعذ،إشارة إلى تفسير الآية، و شرحها،و هو كقولك:إذا أكلت فسم اللّه إذا أردت الأكل،استغنى بالفعل عن ذكر الإرادة لشدّة اتصاله بها،و لكونه موجودا فيها.

96-[على ما أنى فى النّحل يسرا و إن تزد لربّك تنزيها فلست مجهّلا]

أى استعذ معتمدا على ما أتى فى سورة النحل دليلا و لفظا،و هو قوله سبحانه و تعالى:

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) .

فهذا اللفظ هو أدنى الكمال فى الخروج عن عهدة الأمر بذلك،و لو نقص منه بأن قال:أعوذ باللّه من الشيطان و لم يقل الرجيم كان مستعيذا و لم يكن آتيا باللفظ الكامل فى ذلك،و يسرا مصدر فى موضع الحال من فاعل أتى:أى أتى:ذا يسر.أى سهلا ميسرا،و تيسره:قلة كلماته،فهو أيسر لفظا من غيره على ما سنذكره، و زاد يتعدى إلى مفعولين نحو قوله تعالى:

(وَ زِدْناهُمْ هُدىً (2)) .

و المفعول الأوّل هنا محذوف:أى و إن تزد لفظ الاستعاذة تنزيها:أى لفظ تنزيه،يريد بذلك أن تذكر صفة من صفات اللّه تعالى تثنى عليه بها سواء كانت صفة سلب أو ثبوت،نحو أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، إن اللّه هو السميع العليم،أو أعوذ باللّه السميع العليم،فكل صفة أثبتها له فقد نزهته عن الاتصاف بضدها، و قوله:لربك متعلق بتنزيها،و لا يمتنع ذلك من جهة كونه مصدرا فلا يتقدم معموله عليه،فإن هذه القاعدة مخالفة فى الظروف لاتساع العرب فيها و تجويزها من الأحكام فيها ما لم تجوّزه فى غيرها.و قد ذكرت ذلك فى نظم المفصل،و قررناه فى الشرح الكبير.و من منع هذا قدر لأجل تعظيم ربك،و قيل لربك هو المفعول الأوّل دخلت اللام زائدة:أى و إن تزد ربك تنزيها؛و قوله فلست مجهلا:أى منسوبا إلى الجهل،لأن ذلك كله صواب مروى،و ليس فى الكتاب و لا فى السنة الثابتة ما يردّ ذلك.3.

ص: 62


1- سورة المائدة،آية:6.
2- سورة الكهف،آية:13.

97-[و قد ذكروا لفظ الرّسول فلم يزد و لو صحّ هذا النّقل لم يبق مجملا]

أى و قد ذكر جماعة من المصنفين فى علم القراءات أخبارا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و غيره لم يزد لفظها على ما أتى فى الفحل.

منها«أنّ ابن مسعود قرأ على النّبىّ صلّى اللّه عليه و سلم فقال:أعوذ باللّه السّميع العليم،فقال:

قل أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم».

و عن جبير بن مطعم قال:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول:أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم».

و كلا الحديثين ضعيف،و الأوّل لا أصل له فى كتب أهل الحديث.

و الثانى أخرجه أبو داود بغير هذه العبارة و هو:

«أعوذ باللّه من الشّيطان،من نفخه و نفثه و همزه».

ثم يعارض كل واحد منهما بما هو أصح منهما،أخرجه أبو داود و الترمذى من حديث أبى سعيد الخدرى قال:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا قام من اللّيل يقول:أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم؛من همزه و نفخه و نفثه».

قال الترمذى:هو أشهر حديث فى هذا الباب.و فى صحيح أبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة عن ابن مسعود عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم:

«أنّه كان يقول:اللّهمّ إنّى أعوذ بك من الشّيطان الرّجيم و نفخه و همزه و نفثه».

و أشار بقوله:و لو صح هذا النقل إلى عدم صحته كما ذكرناه،و قوله لم يبق مجملا:أى إجمالا فى الآية، و ذلك أن آية النحل لا تقتضى إلا طلب أن يستعيذ القارئ باللّه من الشيطان الرجيم،فبأى لفظ فعل المخاطب فقد حصل المقصود كقوله تعالى:

(وَ سْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) .

و لا يتعين للسؤال هذا اللفظ فبأى لفظ سأل كان ممتثلا.ففي الآية إطلاق عبر عنه بالإجمال،و كلاهما قريب و إن كان بينهما فرق فى علم أصول الفقه.

و أما زوال إجمال الآية لصحة ما رواه من الحديث،فوجهه أنه كان يتعين حتما أو أولوية،و أيا مّا كان فهو معنى غير المفهوم من الإطلاق و الإجمال،إذ الألفاظ كلها فى الاستعاذة بالنسبة إلى الأمر المطلق سواء يتخير فيها المكلف،و إذا ثبتت الأولوية لأحدها أو تعين فقد زال التخيير،و اللّه أعلم.

ص: 63

98-[و فيه مقال فى الأصول فروعه فلا تعد منها باسقا و مظلّلا]

أى فى التعوذ قول كثير و كلام طويل تظهر لك فروعه فى الكتب التى هى أصول و أمهات.

يشير إلى الكتب المطولة فى هذا العلم،كالإيضاح لأبى على الأهوازى،و الكامل لأبى القاسم الهذلى و غيرهما ففيها يبسط الكلام فى ذلك و نحوه،فطالعها؛و انظر فيها،و لا تتجاوز منها القول الصحيح الظاهر البين المتضح الحجج،و أشار إلى ذلك بقوله.باسقا أى عاليا و المظلل:ما له ظل لكثرة فروعه و ورقه:أى قولا باسقا،و قيل مراده بالأصول علم أصول الفقه لأجل الكلام المتعلق بالنصوص؛فالهاء فى فيه تعود إلى لفظ الرسول،أو إلى النقل،أو إلى المذكور بجملته.و قد أوضحنا ذلك كله فى الشرح الكبير،و باللّه التوفيق.

99-[و إخفاؤه(ف)صل(أ)باه و عاننا و كم من فتى كالمهدوى فيه أعملا]

أى روى إخفاء التعوذ عن حمزة و نافع،لأن الفاء رمز حمزة،و الألف رمز نافع،و هذا أوّل رمز وقع فى نظمه،و الواو فى وعاتنا للفصل و تكررت بقوله و كم،هذا هو المقصود بهذا النظم فى الباطن.

و أما ظاهره فقوله«فصل»يحتمل وجهين:

أحدهما أنه فصل من فصول القراءة و باب من أبوابها كرهه مشايخنا و حفاظنا:أى ردوه و لم يأخذوا به، و الوعاة جمع واع كقاض و قضاة،يقال:وعاه أى حفظه.

و الثانى أن يكون أشار بقوله فصل إلى بيان حكمة إخفاء التعوّذ،و هو الفصل بين ما هو من القرآن و غيره، فقوله:و إخفاؤه فصل،جملة ابتدائية و«أباه وعاتنا»جملة فعلية هى صفة لفصل على الوجه الأوّل مستأنفة على الوجه الثانى،لأن الوعاة ما أبوا كونه فاصلا بين القرآن و غيره،و إنما أبا الإخفاء الوعاة،لأن الجهر به إظهار لشعار القراءة كالجهر بالتلبية و تكبيرات العيد.

و من فوائده أن السامع له ينصت للقراءة من أوّلها لا يفوته منها شيء،و إذا أخفى التعوّذ لم يعلم السامع بالقراءة إلا بعد أن فاته من المقروء شيء،و هذا المعنى هو الفارق بين القراءة خارج الصلاة و فى الصلاة،فإن المختار فى الصلاة الإخفاء،لأن المأموم منصت من أوّل الإحرام بالصلاة،ثم أشار بقوله«و كم من فتى»إلى أن جماعة من المصنفين الأقوياء فى هذا العلم اختاروا الإخفاء و قرروه و احتجوا له و ذكر منهم المهدوى،و هو أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ المفسر،مؤلف الكتب المشهورة:التفصيل و التحصيل و الهداية و شرحها،منسوب إلى المهدية من بلاد إفريقية بأوائل المغرب،و الهاء فى فيه للإخفاء«و أعملا»فعل ماض خبر«و كم من فتى»أى أعمل فكره فى تصحيحه و تقريره،و فيه وجوه أخر ذكرناها فى الشرح الكبير،و اللّه أعلم.

باب البسملة

اشارة

البسملة،مصدر بسمل:إذا قال«بسم اللّه»و هى لغة مولدة،و مثلها هلل:إذا قال:«لا إله إلا اللّه» و حمدل:إذا قال«الحمد للّه»،و حسبل إذا قال«حسبى اللّه»،و حوقل و حولق إذا قال«لا حول و لا قوة إلا باللّه»و حيعل إذا قال«حى على الصلاة»أريد الاختصار،فعبر بكلمة واحدة عن كلمتين أو أكثر،سبك لفظ تلك الكلمة منها،و منه ما فعلوا فى النسب من عبقسى و عبشمى و عبدرى و حضرمى.

ص: 64

ثم البسملة مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به،و هى من القرآن العظيم من قصة سليمان عليه السلام فى سورة النمل.

و أما فى أوائل السور،ففيها اختلاف للعلماء قرائهم و فقهائهم قديما و حديثا فى كل موضع رسمت فيه من المصحف.و المختار أنها فى تلك المواضع كلها من القرآن،فيلزم من ذلك قراءتها فى مواضعها،و لها حكم غيرها من الجهر و الإسرار فى الصلاة و غيرها.

و قد أفردت لتقرير ذلك كتابا مبسوطا مستقلا بنفسه،ثم اختصرته فى جزء لطيف بعون اللّه تعالى وحده.

100-[و بسمل بين السّورتين(ب؟؟؟)سنّة (ر)جال(ف؟؟؟)موها(د)رية و تحمّلا]

البسملة تقع فى قراءة القراء فى ثلاثة مواضع.إذا ابتدءوا سورة أو جزءا،و سيأتى الكلام فيهما،و الثالث بين كل سورتين،فابتدأ ببيانه لأن الاختلاف فيه أكثر،و الحاجة إلى معرفته أمس،و فاعل بسمل قوله«رجال» و بسنة،حال مقدمة:أى آخذين أو متمسكين بسنة،و هى كتابة الصحابة رضي اللّه عنهم لها فى المصحف و ما روى من الآثار فى ذلك،أو تكون نعت مصدر محذوف:أى بسملة ملتبسة بسنة منقولة،و نموها:أى نقلوها و رفعوها و أسندوها إلى النبى صلّى اللّه عليه و سلم و أصحابه رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين،و الضمير للبسملة أو للسنة،و الجملة صفة لرجال أو للسنة،«و درية»و تحملا مصدران فى موضع الحال من فاعل نموها أى ذوى درية،و تحمل:أى دارين متحملين لها:أى جامعين بين الدراية و الرواية،و المبسملون من القراء هم الذين رمز لهم فى هذا البيت من قوله«بسنة رجال نموها درية»و علم من ذلك أن الباقين لا يبسملون،لأن هذا من قبيل الإثبات و الحذف.

قال أبو طاهر بن أبى هاشم صاحب ابن مجاهد:أولى القولين بالصواب عندى الفصل بين السورتين بالبسملة لاتباع المصحف و للحديث الذى يروى عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت:اقرءوا ما فى المصحف،ثم ذكر قول ابن عمر فلم كتبت فى المصحف إن لم تقرأ؟قال أبو طاهر:أ لا ترى أن ترك قراءتها كان عند ابن عمر كترك قراءة غيرها مما هو مرسوم فى المصحف من سائر آى القرآن،إذ كان رسمها فى الخط كرسم ما بعدها لا فرق بينهما.قال:و قد أجمع مع ذلك من أئمة القراءة بالأمصار على الجهر بها بين السورتين أهل الحرمين و عاصم و الكسائى و أهل الشام.

101-[و وصلك بين السّورتين(ف)صاحة و صل و اسكتن(ك)لّ(ج)لاياه(ح)صّلا]

بين فى صدر هذا البيت قراءة حمزة رضي اللّه عنه و رمز له بقوله«فصاحة»و بين فى عجز البيت قراءة ابن عامر و ورش و أبى عمرو و رمز لهم بقوله«كل جلاياه حصلا»و بين السورتين ظرف للوصل أو مفعول به،و فصاحة خبره،و إنما كان فصاحة لأنه يستلزم بيان إعراب أواخر السور و معرفة أحكام ما يكسر منها و ما يحذف لالتقاء الساكنين كآخر المائدة و النجم،و بيان همزة القطع و الوصل،كأول القارعة.

و (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 1) .

ص: 65

و ما يسكت عليه فى مذهب خلف كآخر و الضحى،فكل ذلك لا يحكمه و يتقنه إلا من عرف كيف يصله، و سكوت خلف لا يخرجه عن كونه وصلا،فإنه لا يفعل ذلك إلا فى الوصل كما سيأتى شرحه فى قوله:روى خلف فى الوصل.

و قد نقل أبو على الأهوازى عن حمزة أنه قال.إنما فعلت ذلك ليعرف القارئ كيف إعراب أواخر السور أى و وصلك بين السورتين بعد إسقاط البسملة يستلزم فصاحة،ثم بين قراءة غير حمزة ممن لم يبسمل فقال:و صل و اسكتن»و هذا على التخيير،و إلا فالجمع بينهما محال إلا فى حالتين:أى صل إن شئت كما سبق لحمزة، و اسكت،على آخر السورة إن شئت،و بهذا التقدير دخل الكلام معنى التخيير،و إلا فالواو ليست بموضوعة له،و قد قيل إنها قد تأتى للتخيير مجازا،و النون فى و اسكتن للتوكيد،و لعله قصد بذلك أن السكوت لهم أرجح من الوصل.و قال صاحب التيسير على اختيار ذلك لهم،و قال الشيخ رحمه اللّه عليه أكثر أهل الأداء،لما فيه من الفصل،و قد روى السكت أيضا عن حمزة«و جلاياه»جمع جلية و هو مفعول حصل،و الهاء فى جلاياه تعود على التخيير:أى كل من أهل الأداء استوضح التخيير و رآه صوابا،أو تعود على كل:أى كل من القراء حصل جلايا ما ذهب إليه و صوبه،و اللّه أعلم.

102-[و لا نصّ كلاّ حبّ وجه ذكرته و فيها خلاف جيده واضح الطّلا]

أى لم يرد بذلك نص عن هؤلاء بوصل و لا سكوت،و إنما التخيير بينهما لهم اختيار من المشايخ و استحباب منهم،و هذا معنى قوله«حب وجه ذكرته»و كلا حرف ردع و زجر،كأنه منع من اعتقاد النصوصية عن أحد منهم على ذلك،ثم قال«و فيها»أى فى البسملة خلاف عنهم،جيد ذلك الخلاف واضح الطلا:أى أنه مشهور معروف عند العلماء؛و الجيد:العنق،و الطلا جمع طلاة أو طلية؛و الطلية:صفحة العنق؛و له طليتان، فجاء بالجمع فى موضع التثنية لعدم الإلباس كقولهم:عريض الحواجب،و طويل الشوارب،و قيل الطلا الأعناق أنفسها فكأنه قال:عنق هذا الخلاف واضح الأعناق:أى هو الواضح من بينها،و إنما تتضح الأعناق إذا كانت مرتفعة،و ارتفاع الأعناق و الرءوس يكنى به عن ارتفاع المنزلة و علو المرتبة،و منه الحديث الصحيح.

«المؤذّنون أطول النّاس أعناقا يوم القيامة».

فحاصل ما فى هذا البيت أن الخلاف فى البسملة مروى عن ابن عامر و ورش و أبى عمرو،بل أكثر المصنفين لم يذكروا عن ابن عامر إلا البسملة،و قد ذكرنا عبارة المصنفين عنهم فى ذلك فى الشرح الكبير،فإذا قلنا لا يبسملون فهل يصلون كحمزة أو يسكتون؟لم يأت عنهم فى ذلك نص،و ذكر الشيوخ الوجهين لهم استحبابا، و قد بسطنا الكلام فى ذلك بسطا شافيا،و لم نجعل فى هذا البيت رمزا لأحد كما ذكر غيرنا،فإنا إذا قلنا إن كلا حب رمز ابن عامر و أبى عمرو لزم من مفهوم ذلك أن يكون ورش عنه نص فى التخيير و ليس كذلك،بل لم يرد عنه نص فى ذلك.و إن قلنا إن جيده،رمز ورش لزم أن يكون ابن عامر و أبو عمرو لم يرد عنهما خلاف فى البسملة و هو خلاف المنقول،فلهذا قلنا لا رمز فى البيت أصلا،و اللّه أعلم.

103-[و سكتهم المختار دون تنفّس و بعضهم فى الأربع الزّهر بسملا]

السكت و السكوت واحد كلاهما مصدر سكت،و الضمير فى سكتهم يعود على الثلاثة المخير لهم بين الوصل

ص: 66

و السكت:أى السكت المنسوب إليهم المختار فيه أن يكون دون تنفس،فالمختار على هذا يكون مبتدأ ثانيا،و يجوز أن يكون صفة السكت و يجوز أن يكون خبره،كأنه لما خير أوّلا بين الوصل و السكت أردفه بأن السكت هو المختار على ما أشرنا إليه فى قوله«و اسكتن»و قوله بعد ذلك دون تنفس خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف أو حال من ضمير المختار و الإشارة بقولهم«دون تنفسى»إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة،و إلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات،و فى أثنائها من الوقوف التامة و الكافية،فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا و أكثر و اللّه أعلم.

ثم قال:و بعضهم،أى و بعض المشايخ من المقرئين الذين استحبوا التخيير بين الوصل و السكوت،و اختاروا فى السكوت أن يكون دون تنفس،اختاروا أيضا البسملة لهؤلاء الثلاثة فى أوائل أربع سور،هى:القيامة، و المطففين،و البلد،و الهمزة دون سائر السور،قالوا لأنهم استقبحوا وصلها بآخر السور قبلها من غير تسمية، و قوله«الزهر»جمع زهراء تأنيث أزهر:أى المضيئة المنيرة،كنى بذلك عن شهرتها و وضوحها بين أهل هذا الشأن فلم يحتج إلى تعيينها.

104-[لهم دون نصّ و هو فيهنّ ساكت لحمزة فافهمه و ليس مخذّلا]

لهم أى لابن عامر و ورش و أبى عمرو«دون نص»أى من غير نص،و قد استعمل رحمه اللّه لفظ دون بمعنى غير كثيرا كقوله:و من دون وصل ضمها،(و سلطانيه)من دون هاء،و لفظ غير مؤات له فى المواضع كلها.قال صاحب التيسير،و ليس فى ذلك أثر عنهم»و إنما هو استحباب من الشيوخ،ثم قال«و هو فيهن»أى و ذلك البعض يسكت فى هذه المواضع الأربعة لحمزة،لأن حمزة مذهبه الوصل فاكتفى له هنا بالسكت،ثم قال «فافهمه»أى افهم هذا المذهب المذكور و ليس مخذلا،يقال:خذله إذا ترك عونه و نصرته خذلانا و خذل عنه أصحابه تخذيلا:أى حملهم على خذلانه،فالتقدير و ليس مخذلا عنه أصحابه،و يجوز أن يكون اسم ليس عائدا على البعض فى قوله«و بعضهم»كأن التقدير.و ليس ذلك القائل مخذلا عن نصرة هذا المذهب،بل قد انتصب له من ساعده و نصره و أعانه.و إنى أقول،لا حاجة إلى تكلف التسمية لأجل المعنى المذكور،بل السكوت كاف للجميع، كما يكتفى به لحمزة،و كما يكتفى به بين الآيات الموهم اتصالها أكثر مما فى هذه الأربعة أو مثلها مثل:

(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ) بعد قوله: (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النّارِ (1)) و قوله: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ (2)) بعد قوله: (وَ كانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (3)) .

و يمكن حمل قول الشاطبى رحمه اللّه«و ليس مخذلا»على السكوت المفهوم من قوله«و هو فيهن ساكت» أى ليس هذا السكوت مخذلا،بل هو مختار لحمزة و غيره،و لقد أعجبنى قول أبى الحسن الحصرى:

و لم أقر بين السّورتين مبسملا لورش سوى ما جا فى الأربع الغرّ

و حجّتهم فيهنّ عندى ضعيفة و لكن يقرون الرّواية بالنّصر3.

ص: 67


1- سورة غافر أيضا،آية:6.
2- سورة النساء،آية:114.
3- النساء أيضا آية:113.

قال من شرح هذا لو قال يقرون المقالة موضع قوله الرواية لكان أجود إذ لا رواية عنهم بذلك،و قد أشبعت الكلام فى هذا فى الشرح الكبير.

105-[و مهما تصلها أو بدأت براءة لتنزيلها بالسّيف لست مبسملا]

قد سبق الكلام فى مهما و أن فيها معنى الشرط،فتدخل الفاء فى جوابها كقوله فيما مضى:فكن عند شرطى، و فيما يأتى«فلا تقفن الدهر»و هى محذوفة فى هذا البيت لضرورة الشعر.و التقدير:فلست مبسلا،و قيل إنما تدخل الفاء لأنه خبر بمعنى النهى و هو فاسد،فإن الفاء لازمة فى النهى،فكيف الخبر الذى بمعناه،و قوله «تصلها»الضمير فيه لبراءة أضمر قبل الذكر على شريطة التفسير و براءة مفعول بدأت،و القاعدة تقتضى حذف المفعول من الأوّل،فلا حاجة إلى إضماره كقوله تعالى:

(آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً 1) .

و قيل براءة بدل من الضمير فى تصلها،بمعنى أن سورة براءة لا بسملة فى أوّلها سواء ابتدأ بها القارئ أو وصلها بالأنفال؛لأن البسملة لم ترسم فى أوّلها،بخلاف غيرها من السور.

ثم بين الحكمة التى لأجلها لم تشرع فى أوّلها البسملة فقال«لتنزيلها بالسيف»أى ملتبسة بالسيف،كنى بذلك عما اشتملت عليه السورة من الأمر بالقتل و الأخذ و الحصر و نبذ العهد،و فيها الآية التى يسميها المفسرون آية السيف؛و هذا التعليل يروى عن على بن أبى طالب رضي اللّه عنه و عن غيره.قال القاضى أبو بكر ابن الباقلانى، و عليه الجمهور من أهل العلم.و قد زدت فى الشرح الكبير هذا المعنى بسطا و تقريرا و ذكرت وجوها أخر فى التعليل،و نقل الأهوازى أن بعضهم بسمل فى أوّل براءة.

106-[و لا بدّ منها فى ابتدائك سورة سواها و فى الأجزاء خيّر من تلا]

الضمير فى منها للبسملة؛و فى سواها لبراءة و سورة منصوب على إسقاط الخافض:أى بسورة و كذا قوله «أو بدأت براءة»أى براءة،يقال بدأت بالشيء:أى ابتدأت به،و أما بدأت الشيء من غير باء فمعناه فعلته ابتداء،و منه.

«بدأ اللّه الخلق» (1).

و سورة نكرة فى كلام موجب فلا عموم لها إلا من جهة المعنى،فكأنه قال:مهما ابتدأت سورة سوى براءة فبسمل،و لو قال:و لا بد منها فى ابتدأ كل سورة سواها لزال هذا الإشكال.

و معنى البيت:أن القراء كلهم اتفقوا فى ابتداء السور على البسملة،سواء فى ذلك من بسمل منهم بين السورتين و من لم يبسمل.و وجهه أنهم حملوا كتابه ما فى المصحف على ذلك كما تكتب همزات الوصل و هى ساقطة فى الدرج.

قال بعض العلماء:و لا خلاف بين القراء فى البسملة أول فاتحة الكتاب،سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها أو ابتدأ بها،و لم يذكر ذلك فى القصيدة اعتمادا على أن الفاتحة فى غالب الأحوال لا يكون القارئ لها إلا .

ص: 68


1- سورة العنكبوت،آية:20،و التلاوة (بَدَأَ الْخَلْقَ) .

مبتدئا،ثم قال و فى«الأجزاء»أى و فى ابتداء الأجزاء و الأحزاب و الأعشار و غير ذلك،و يجمع ذلك أن تقول كل آية يبتدأ بها غير أوائل السور خير المشايخ فيه فسوغوا البسملة فيه لأنه موضع ابتداء فى الجملة،كما يسمى فى ابتداء الوضوء و الأكل و الشرب«و من تلا»فاعل خير و تلا:بمعنى قرأ،كنى بذلك عن أهل الأداء و لو كان خير بضم الخاء و كسر الياء لكان حسنا:أى خير التالى و هو القارئ فى ذلك،و اللّه أعلم.

107-[و مهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفنّ الدّهر فيها فتثقلا]

الضمير فى تصلها و فيها للبسملة،و أواخر جمع فى موضع مفرد:أى بآخر سورة:أى بالكلمات الأواخر أو نقول:سورة لفظ مفرد فى موضع جمع،لأنه ليس المراد سورة واحدة،بل جميع السور،فكأنه قال:

مع أواخر السور،«و الدهر»نصب على الظرفية«و فيها»بمعنى عليها كما قيل ذلك فى قوله تعالى:

(فِي جُذُوعِ النَّخْلِ 1) .

أى عليها«و لا تقفن»نهى نصب فى جوابه«فتثقلا»بإضمار أن بعد الفاء.و معنى فتثقل أى يستثقل و يتبرم بك،لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها،فإن ابتليت بوصلها بالآخر فتمم الوصل بأول السورة الأخرى فتتصل بهما كما تتصل سائر الآيات بما قبلها و ما بعدها.و لك أن تقطعها من الآخر و الأوّل و تلفظ بها وحدها، و الأولى قطعها من الآخر و وصلها بالأوّل،فهذه أربعة أوجه:الأوّل مكروه و الآخر مستحب،و ما بينهما وجهان متوسطان:و هما وصل البسملة بهما،و قطعها عنهما،و يتعلق بالوصل و القطع أحكام ذكرناها فى الكبير، قال صاحب التيسير و القطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز،و اللّه أعلم.

سورة أم القرآن

هى الفاتحة،سميت بذلك،لأنها أوّل القرآن،و أم الشيء:أصله و أوّله،و من ذلك تسمية مكة بأم القرى،و منه:

(وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ 2) .

أى أصله،و هو اللوح المحفوظ،لأن كل كائن مكتوب فيه،و قوله فى الآيات المحكمات:

(هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ 3) .

أى أصل الكتاب،لأنه تحمل المتشابهات عليها و ترد إليها.و قيل سميت أم القرآن،لأن سور القرآن تتبعها كما يتبع الجيش أمه،و هى الراية.و قيل فيه وجوه أخر،و تسمى بأسماء أخر،أشهرها سورة الحمد،و فاتحة الكتاب؟لأن الكتاب العزيز بها يفتتح كتابة و تلاوة،و هى مكية.و قيل نزلت بالمدينة أيضا،و ليس بعد بيان الاستعاذة و البسملة إلا ذكر ما اختلف فيه من الحروف فى سورة الحمد.و كان الترتيب يقتضى أن يبدأ بأوّل موضع وقع فيه الخلاف منها،و هو إدغام الميم من قوله تعالى:

«اَلرَّحِيمِ. مالِكِ 4» .

ص: 69

و إظهاره إلا أنه نظر فى مواضع الخلاف فى الفاتحة،فبدأ منها بما لا يتكرر فى غيرها و هو الخلاف فى«ملك و مالك» ثم أردفه بالخلاف فيما وقع فيها و فى غيرها فذكر الصراط و ميم الجمع و الهاء قبلها،ثم ذكر باب الإدغام الكبير، أفرده لطوله و كثرة تشعبه بباب يجمع مسائله و أطرافه.و لأجل«الرحيم مالك»فعله،و اللّه أعلم.

108-[و مالك يوم الدّين(ر)او به(ن)اصر و عند سراط و السّراط ل قنبلا]

هذا من جملة المواضع التى استغنى فيها باللفظ عن القيد،فلم يحتج إلى أن يقول«و مالك»بالمد أو مد أو نحو ذلك،لأن الشعر لا يتزن على القراءة الأخرى،فصار اللفظ كأنه مقيد،فكأنه قال بالمد كما قال فى موضع آخر «و فى حاذرون»المد:أى قرأ«مالك»بالمد الكسائى و عاصم،و قراءة الباقين بالقصر لأنه ضد المد،و المد هنا هو إثبات الألف،و القصر حذفها.و كان التقييد ممكنا له لو قال«و مالك»ممدودا نصير رواته و القراءتان صحيحتان ثابتتان،و كلا اللفظين من مالك و ملك صفة للّه تعالى.

و قد أكثر المصنفون فى القراءات و التفاسير من الكلام فى الترجيح بين هاتين القراءتين،حتى إن بعضهم يبالغ فى ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى،و ليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين و صحة اتصاف الرب سبحانه و تعالى بهما،فهما صفتان للّه تعالى يتبين وجه الكمال له فيهما فقط،و لا ينبغى أن يتجاوز ذلك.

و ممن اختار قراءة مالك بالألف عيسى بن عمر و أبو حاتم و أبو بكر بن مجاهد و صاحبه أبو طاهر بن أبى هاشم، و هى قراءة قتادة و الأعمش و أبى المنذر و خلف و يعقوب،و رويت عنى النبى صلّى اللّه عليه و سلم و أبى بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و عبد الرحمن و ابن مسعود و معاذ بن جبل و أبى بن كعب و أبى هريرة و معاوية،ثم عن الحسن و ابن سيرين و علقمة و الأسود و سعيد بن جبير و أبى رجاء و النخعى و أبىّ عبد الرحمن السلمى و يحيى بن يعمر و غيرهم.

و اختلف فيه عن على و عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنهم أجمعين.

و أما قراءة«ملك»بغير ألف فرويت أيضا عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم،و قرأ بها جماعة من الصحابة و التابعين فمع بعدهم،منهم أبو الدرداء و ابن عمر و ابن عباس و مروان بن الحكم و مجاهد و يحيى بن وثاب و الأعرج و أبو جعفر و شيبة و ابن جريج و الجحدرى و ابن جندب و ابن محيصن؛و خمسة من الأئمة السبعة،و هى اختيار أبى عبيد و أبى بكر بن السراج النحوى و مكى المقرى،و قد بينت كلامهم فى ذلك فى الشرح الكبير؛و أنا أستحب القراءة بهما،هذه تارة و هذه تارة،حتى إنى فى الصلاة أقرأ بهذه فى ركعة و هذه فى ركعة،و نسأل اللّه تعالى اتباع كل ما صح نقله و العمل به.ثم قال«و عند سراط و السراط»أى مجردا عن لام التعريف و متصلا بها.ثم المجرد عن اللام قد يكون نكرة نحو:

(إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 1) (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ 2) (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا 3) .

و قد تكون معرفة بالإضافة نحو:

ص: 70

(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 1) (صِراطِ اللّهِ الَّذِي 2) (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ 3) (صِراطِي مُسْتَقِيماً 4) .

فلهذا لم أقل إرادة المنكر و المعرف و مثله«و كسر بيوت و البيوت»و نقل قران و القران،بخلاف قوله«فى لؤلؤ فى العرف و النكر شعبة»فإنه لم يأت مجردا عن اللام إلا و هو نكرة،و لو اقتصر على لفظ النكرة فى الكل لحصل الغرض،فإن لام التعريف زائدة على الكلمة كما قال«و والاه فى بئر و فى بئس ورشهم»و الحكم عام فى كل ما فى القرآن من لفظ بئس مجردا من الراء و الفاء و اللام،و فى و بئس بالواو و فى فبئس بالفاء،و فى لبئس باللام،و إنما نبه على ما فيه لام التعريف دون المضاف لاتحاد لفظ اللام و تعدد المضاف إليه،و لو أنه قال:سراط بسين قنبل كيف أقبلا،و بالصاد باقيهم و زاء أشمها البيت لتم له المقصود،و اللّه أعلم.

ثم هذا أيضا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد،فكأنه قال بالسين و اعتمد على صورة الكتابة،فلم يخف التباسا إذ يقرأ بالصاد«و قنبلا»منصوب لأنه مفعول به لقوله«ل»و هذه اللام المنفردة هى فعل أمر من قوله «ولى هذا»هذا يليه إذا جاء بعده:أى اتبع قنبلا عند هاتين اللفظتين،فاقرأ قراءته فيهما بالسين فى جميع القرآن، و قد بين ذلك بقوله رحمه اللّه:

109-[بحيث أتى و الصّاد زاء أشمّها لدى خلف و اشمم لخلاّد الاوّلا]

أى بحيث أتى المذكور،و هذا لفظ يفيد العموم كقوله تعالى:

(وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (1) .

و الباء فى«بحيث»زائدة،و لو لم يقل بحيث أتى،لاقتصر الحكم على ما فى الفاتحة،و هكذا كل موضع يطلق فيه اللفظ يكون مخصوصا بتلك السورة كقوله.و خفف كوف يكذبون سبيل برفع خذ،و فى«شركاى الخلف»فإن كان الخلاف مطردا فى موضعين قال معا،و إن كان فى أكثر قال جميعا أو كلا أو حيث جاء و نحو ذلك،و لم يخرج عن هذا إلا حروف يسيرة:كالتوراة و كأين فى آل عمران،و قراءة الباقين بالصاد،و هى أقوى القراءات لاتفاق الرسم عليها،و أفصحها لغة،و علم أن قراءة الباقين بالصاد من قوله«و الصاد زاء أشمها» كأنه قال:و الباقون بالصاد و أشمها زاء خلف.و يجوز فى قوله الصاد النصب و الرفع؛و النصب هو المختار لأجل الأمر،و غلط من قال هنا الرفع أجود،و أصل كلمة السراط السين و الصاد بدل منها لأجل قوة الطاء،و من أشمها زاء بالغ فى المناسبة بينهما و بين الطاء.و روى عن بعضهم إبدالها زاء خالصة،و المعنى بهذا الإشمام خلط صوت الصاد بصوت الزاى فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد و لا زاى.

و الإشمام فى عرف القراء يطلق باعتبارات أربعة:أحدها خلط حرف بحرف كما فى الصراط و ما يأتى فى أصدق و مصيطر.و الثانى خلط حركة بأخرى كما يأتى فى قيل،و غيض،و أشباههما.و الثالث إخفاء الحركة فيكون بين الإسكان و التحريك كما يأتى فى:

ص: 71


1- سورة البقرة،آية:191.

(تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ 1) .

على ظاهر عبارة صاحب التيسير.و الرابع ضم الشفتين بعد سكون الحرف.و هو الذى يأتى فى باب الوقف و فى باب وقف حمزة و هشام،و آخر باب الإدغام على ما سنبين ذلك،و نوضح ما فيه من الإشكالات إن شاء اللّه و قوله لدى خلف:أى عنده،و معنى عنده:أى فى مذهبه و قراءته،و وصل همزة القطع من قوله و أشمم لخلاد ضرورة كما صرف براءة فيما تقدم،و أصله من قولهم أشممته الطيب:أى أوصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به و هو الرائحة،و الأولا مفعول و اشمم و نقل الحركة من همزة أوّل إلى لام التعريف فتحركت،فإن لم يعتد بالحركة كان حذف التنوين من قوله لخلاد لالتقاء الساكنين تقديرا،و إن اعتد بها فحذف التنوين ضرورة،و سيأتى تحقيق هذين الوجهين فى مسألة«عادا الأولى»و المراد بالأوّل.

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ 2) .

أى أشمه وحده خلاد دون ما بقى فى الفاتحة و فى جميع القرآن؛و هذه إحدى الروايات عنه.و قلّ من ذكرها.

و روى أنه يوافق خلفا فى حرفى الفاتحة معا دون سائر القرآن.

و روى أنه يشم ما كان بالألف و اللام فقط فى الفاتحة و غيرها.و الرواية الرابعة أنه يقرأ بالصاد خالصة كسائر القراء فى الفاتحة و غيرها.

قال أبو الطيب بن غلبون:المشهور عن خلاد بالصاد فى جميع القرآن.قال:و هذه الرواية هى المعوّل عليها و بها آخذ فى فاتحة الكتاب و غيرها.

و فى الشرح الكبير تعليل هذه الروايات و بسط القول فى ذلك؛و اللّه أعلم.

110-[عليهم إليهم حمزة و لديهمو جميعا بضمّ الهاء وقفا و موصلا]

أى قرأ حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بضم الهاء و حذف واو العطف من إليهم ضرورة،و سيأتى له نظائر، فموضع عليهم و إليهم و لديهم نصب على المفعولية؛و يجوز الرفع على الابتداء و خبره حمزة أى يقرؤهن بالضم أو قراءة حمزة،و الأولى أن يلفظ بالثلاثة فى البيت مكسورات الهاء ليتبين قراءة الباقين؛لأن الكسر ليس ضدا للضم فلا تتبين قراءتهم من قوله بضم الهاء،و لو قال بضم الكسر لبان ذلك،و لعله أراده و سبق لسانه حالة الإملاء إلى قوله بضم الهاء،و سيأتى فى قوله:كسر الهاء بالضم شمللا،وقف للكل بالكسر مكملا،ما يوضح أن الخلاف فى هذا الباب دائر بين كسر الهاء و ضمها،و من عادته المحافظة على قيوده و إن كان موضع الخلاف مشهورا أولا يحتمل غيره كقوله:و ها هو و ها هى أسكن،ثم قال:و الضم غيرهم و كسر مع كونه صرح بلفظى هو و هى،و هذه الكلمات الثلاث ليس منها فى الفاتحة إلا عليهم و أدرج معها إليهم و لديهم لاشتراكهن فى الحكم،و هذا يفعله كثيرا حيث يسمح النظم به كقوله«و قيل،و غيض،و جىء،و حيل،و سيق،و سىء، و سيت»و يتركه حيث يتعذر عليه،فيذكر كل واحد فى سورته كقوله:فى الأحزاب بما يعلمون اثنان عن:6

ص: 72

ولد العلا.ثم قال:فى سورة الفتح:بما يعملون حج،و قال فى البقرة:و فتحك سين السلم،ثم ذكر فى الأنفال الذى فى سورة القتال،فكل واحد من الجمع و التفريق يقع مع اتحاد القارئ و اختلافه،و قوله جميعا:أى حيث وقعت هذه الثلاث فى جميع القرآن،و وقفا و موصلا حالان من حمزة:أى ذا وقف و وصل:أى فى حالتى وقفه و وصله،فالموصل و الوصل مثل المرجع و الرجع.

و اعلم أن الضم فى الهاء هو الأصل مطلقا للمفرد و المثنى و المجموع،نحو:«منه،و عنه،و منهما،و عنهما، و منهم،و عنهم،و منهن و عنهن»:و فتحت:فى«منها،و عنها»لأجل الألف،و كسرت إذا وقع قبلها كسر أو ياء ساكنة نحو«بهم،و فيهم»فمن قرأ بالضم فهو الأصل.و إن كان الكسر أحسن فى اللغة كما قلنا فى الصراط،و إنما اختص حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بالضم،لأن الياء فيها بدل عن الألف،و لو نطق بالألف لم يكن إلا الضم فى الهاء فلحظ الأصل فى ذلك،و إنما اختص جمع المذكر دون المؤنث و المفرد و المثنى،فلم يضم عليهن،و لا عليه،و لا عليهما»لأن الميم فى عليهم يضم عند ساكن فى قراءته،و مطلقا فى قراءة من يصلها بواو، فكان الضم فى الهاء اتباعا و تقديرا،و ليس فى عليه و عليهما و عليهن ذلك،و لم يلحظ يعقوب الحضرمى هذا الفرق فضم هاء التثنية و جمع المؤنث،و نحو:فيهم،و سيؤتيهم،و قد ضم حمزة فيما يأتى:

(لِأَهْلِهِ امْكُثُوا 1) .

و ضم حفص «عَلَيْهُ اللّهَ» (1)فى الفتح.

(وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ 3) .

و الضم الأصل فى الكل،و اللّه أعلم.

111-[و صل ضمّ ميم الجمع قبل محرّك (د)راكا و قالون بتخييره جلا]

نبه على أن أصل ميم الجمع أن تكون مضمومة،و المراد بوصل ضمها إشباعه فيتولد منه واو،و ذلك كقولهم:

فى أنتم،و منهم أنتمو،و منهمو،فيكون زيادة الجمع على حد زيادة التثنية هذه بواو و هذه بألف«فأنتمو، و أنتما»كالزيدون و الزيدان و قاما و قاموا و كلاهما لغة فصيحة،و قد كثر مجيئها فى الشعر و غيره.قال لبيد:

و همو فوارسها و هم حكّامها

فجمع بين اللغتين،و كذا فعل الكميت فى قوله:

هززتكمو لو أنّ فيكم مهزة

و قال الفرزدق:

من معشر حبّهم دين و بغضهمو كفر....

و قوله:قبل محرك احتراز مما بعده ساكن و سيأتى حكمه،لأن الزيادة قبل الساكن مفضية إلى حذفها لالتقاء الساكنين.و بقى عليه شرط آخر و هو أن لا يتصل بميم الجمع ضمير،فإنه إن اتصل بها ضمير و صلت لجميع القراء و هى اللغة الفصيحة حينئذ،و عليها جاء الرسم نحو:3.

ص: 73


1- آية:10.

(فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ ، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا - فَأَسْقَيْناكُمُوهُ - أَ نُلْزِمُكُمُوها - حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ - حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ - وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) .

و قوله دراكا:أى متابعة،و هو مصدر فى موضع الحال:أى صلة تابعا لما نقل،يقال دارك الرجل صوبه:

أى تابعه،و الدال رمز ابن كثير،و صرف اسم قالون هنا و ترك صرفه فيما تقدم،فيكون صرفه أو ترك صرفه للضرورة؛و جلا:أى كشف،و ذلك لأنه نبه بتخييره بين مثل قراءة ابن كثير و قراءة الجماعة على صحة القراءتين و ثبوتهما:أى يروى عن قالون الوجهان الوصل و تركه،و هذا التخيير منقول أيضا عن نافع نفسه،و يروى عن قالون مثل ورش:و عن ابن كثير مثل الجماعة.

112-[و من قبل همز القطع صلها لورشهم و أسكنها الباقون بعد لتكملا]

كان يلزمه أن يذكر مع ورش ابن كثير و قالون،لئلا يظن أن هذا الموضع مختص بورش كما قال فى باب الإمالة:رمى صحبة،و لو قال و من قبل همز القطع وافق (1)ورشهم لحصل الغرض.

و معنى البيت أن ورشا يقرأ مثل قراءة ابن كثير إذا كان بعد الميم همزة قطع،و هى التى تثبت فى الوصل نحو:

(عَلَيْهِمْ - أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ - وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ - إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما) .

لكن ورشا يكون أطول مدا من ابن كثير على أصله،و إنما خص ورش الصلة بما كان قبل همزة لحبه المد و إيثاره له،و لهذا مد ما بعد الهمزة فى وجه كما سيأتى و أراد أيضا الجمع بين اللغتين كما قال امرؤ القيس:

أمرخ خيامهمو أم عشر أم القلب فى إثرهم منحدر

و خص ذلك ليستعين بالمد على النطق بالهمز.قال أبو على:كأنه أحب الأخذ باللغتين و كان المدّ قبل الهمزة مستحبا.و اعتل له المهدوى و غيره بما يلزمه من نقل الحركة على أصله،و لو نقل إليها لتحركت بالضم و الفتح و الكسر،فآثر أن يحركها بحركتها الأصلية و لا تعتورها الحركات العارضة،و الهاء فى صلها و أسكنها تعود على ميم الجمع،و إنما بين قراءة الباقين أنها بالإسكان لئلا يظن أنها بترك الصلة،و لا يلزم من ترك الصلة الإسكان إذ ربما تبقى الميم مضمومة من غير صلة كما يفعل فى هاء الكناية و هو المعبر عنه ثم بالقصر و سيأتى،و لم يقرأ بذلك فى الميم لقوتها و استغنائها عن الحركة،و لما كانت الهاء خفية ضعيفة قويت بالحركة تارة و بها و بالصلة أخرى، و قوله بعد متعلق بالباقون:أى الذين بقوا فى ذكرى بعد ذكر من وصل،و لا يجوز تعلقه بأسكنها،لأن من المسكنين من سبق الواصلين فى الزمان كابن عامر إلا على تأويل ترتيب الذكر فيرجع إلى المعنى الأول.و يجوز أن يتعلق بمحذوف،و لتكملا أيضا متعلق به:أى أعلمتك بقراءة الباقين بعد ما ذكرت قراءة الواصلين لتكمل وجوه القراءة فى ميم الجمع،و إن علقنا بعد بالباقون كان لتكملا متعلقا بأسكنها و اللام للعاقبة،لأنهم لم يسكنوها لهذه العلة،و إنما كانت العاقبة ذلك.و يجوز على هذا أن يتعلق اللام بصلها و الواو فى و أسكنها للحال:أى صلها لورش فى الحال التى أسكنها فيها الباقون لتكمل وجوهها،و إسكان ميم الجمع هو اللغة الفصيحة الفاشية.

و قد وافق من وصلها على ترك الصلة فى الوقف،و كذا فى هاء الكناية،و لم ينبه الناظم على ذلك فى البابين، و اللّه أعلم.ع.

ص: 74


1- فيه نظر،إذ لم يعلم منه أ وافق الأقرب على التخيير أم الأبعد على الصلة ا ه ضباع.

113-[و من دون وصل ضمّها قبل ساكن لكلّ و بعد الهاء كسر فتى العلا]

ذكر فى هذا البيت حكم ميم الجمع إذا لقيها ساكن،و لا يقع ذلك الساكن فى القرآن إلا بعد همزة الوصل فقال:ضمها من غير صلة لكل القراء،و وجه الضم تحريكها لالتقاء الساكنين،و اختير ذلك لأنه حركتها الأصلية فهى أولى من حركة عارضة،و لم تمكن الصلة لأن إثباتها يؤدى إلى حذفها لأجل ما بعدها من الساكن، و ضمها فعل أمر.و فى نسخة ضمها على أنه مبتدأ خبره ما قبله أو ما بعده و مثله:

«منهم المؤمنون و أكثرهم الفاسقون (1)-و أنتم الأعلون (2).

و كان يمكن إثبات الصلة فى:

« وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ (3).

لأن الساكن بعدها مدغم،فيبقى من باب إدغام أبى عمرو:

« قالَ رَبِّ 4» .

و قد فعل ذلك البزى فى«عنهو تّلهى،فظلتموا تفكّهون»إلا أن الفرق أن إدغام أبى عمرو و البزى طارئ على حرف المد فلم يحذف له و كذا إدغام«دابة،و الصاخة،و خاصة»فلم يحذف حرف المد خوفا من الإجحاف باجتماع إدغام طارئ و حذف.و أما إدغام اللام فى الذين،و نحوه فلأصل لازم و ليس بطارئ على حرف المد؛ فإنه كذلك أبدا كان قبله حرف مد أو لم يكن،فحذف حرف المد للساكنين طردا للقاعدة،فلم يقرأ منهمو الذين كما لم يثبت حرف المد فى مثل:

(قالُوا اطَّيَّرْنا (4) -و اُدْخُلاَ النّارَ (5) -و فِي النّارِ 7) .

ثم قال:و بعد الهاء كسر فتى العلا:أى إن وقع قبل الميم التى قبل الساكن هاء كسر أبو عمرو الميم اتباعا للهاء لأن الهاء مكسورة،و بقى الباقون على ضم الميم،ثم ذكر شرط كسر الهاء فقال:

114-[مع الكسر قبل الها أو الياء ساكنا و فى الوصل كسر الهاء بالضّمّ(ش)مللا]

أى إذا كان قبل الهاء كسر أو ياء ساكنة و قصر لفظ الهاء ضرورة،و ساكنا حال من الياء و الياء كغيرها من الحروف يجوز تأنيثها و تذكيرها.و معنى شملل:أسرع و فاعله ضمير عائد على كسر الهاء:أى أتى بالضم فى عجل جعل الكسر آتيا بالضم تجوزا و اتساعا و إن كانا لا يجتمعان.و وجهه توافق معنى القراءتين و صحتهما و حلول كل واحد منهما فى محل الآخر،و الشين رمز حمزة و الكسائى قرءا بضم الهاء و الميم على الأصل فى الميم و الإتباع فى الهاء و أبو عمرو كسر الهاء لما قبلها و الميم للإتباع،و الباقون ضموا الميم على الأصل لما احتاجوا إلى تحريكها لأجل الساكن بعدها،و كسروا الهاء لمجاورة ما أوجب ذلك من الكسر أو الياء الساكنة،كما أجمعوا على«بهم،و فيهم»9.

ص: 75


1- سورة آل عمران،آية:110.
2- سورة آل عمران أيضا،آية:139.
3- سورة التوبة،آية:61.
4- سورة النمل،آية:47.
5- سورة التحريم،آية:10.

إذا لم يكن بعدها ساكن،و لم يبالوا بالخروج من كسر إلى ضم،لأن الكسر عارض،قاله أبو على.و قوله:

فى الوصل لم يكن إليه حاجة فإن الكلام فيه،فكان ينبغى أن ينبه على أنه شرط فى ضم الميم،كما أنه شرط فى ضم الهاء و إلا فإتيانه به هاهنا يوهم أنه شرط فى ضم الهاء فقط و ليس كذلك،و كان يغنى عنه أيضا قوله بعد ذلك:

وقف للكل بالكسر،ثم مثل ما ذكره فقال:

115-[كما بهم الأسباب ثمّ عليهم ال قتال وقف للكلّ بالكسر مكملا]

«ما»فى كما زائدة مثل ما قبل الهاء فيه كسر بقوله تعالى:

(وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ 1) و مثله فى (قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ (1) - مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ 3) .

و مثل ما قبله ياء ساكنة بقوله سبحانه:

(فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ 4) و مثله (يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ (2) - إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ 6) .

ثم قال وقف للكل بالكسر يعنى فى الهاء،لأن ضمها فى قراءة حمزة و الكسائى كان اتباعا لضم الميم لا لمجرد كون الضم هو الأصل،فإنهما لم يضما الهاء فى نحو:

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ 7) و لا ضم الكسائى نحو (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 8) .

و إذا كان ضم الهاء اتباعا للميم ففي الوقف سكنت الميم فلم يبق إتباع فعاودا كسر الهاء،و لا يستثنى من هذا إلا الكلمات الثلاث المقدم ذكرها،و هى«عليهم،و إليهم،و لديهم»فإن حمزة يضم الهاء فيها وقفا و وصلا، فلا يؤثر الوقف فى مذهبه شيئا فى نحو:

(عَلَيْهِمُ الْقِتالُ 9) .

إلا سكون الميم فقط و كان ينبغى (10)للناظم أنه ينبه على سكون الميم وقفا كما نبه على كسر الهاء،و لكنه أهمله لوضوحه،و مكملا حال:أى قف مكملا وجوه القراءة فى ميم الجمع،و اللّه أعلم.

باب الإدغام الكبير

الإدغام إدخال الشيء فى الشيء،و منه:أدغمت اللجام فى فم الفرس:إذا أدخلته فيه،و أدغمت رأس الفرس فى اللجام كذلك،قال الشاعر:

بمقر باب بأيديهم أعنّتها خصّ إذا أفزعوا أدغمن فى اللّجم

********

(9) سورة النساء،آية:177.

(10) (قوله و كان ينبغى الخ)لا حاجة إليه لأن الناظم لم يهمل ذلك بل بينه فى قوله و أسكنها الباقون لأنه دل على أن أصله السكون وصلا و وقفا،و إنما عرض له التغيير من الصلة و الكسر و الضم وصلا ا ه ضباع.

ص: 76


1- سورة البقرة أيضا،آية:93.
2- سورة البقرة،آية:177.

و لما أدخل أحد الحرفين فى الآخر على سبيل التقريب و نبا اللسان عنهما نبوة واحدة سمى إدغاما.و قيل أصل الكلمة من الخفاء،و منه الأدغم من الخيل:و هو الذى خفى سواده،فالحرف المدغم يخفى و لا يتبين، يقال:أدغم و ادّغم بوزن أفعل و افتعل،و إنما فعلت العرب ذلك طلبا للخفة لما ثقل التقاء الحرفين المتجانسين و المتقاربين على ألسنتهم،و يكون فى بعض المواضع واجبا،و فى بعضها جائزا،و فى بعضها ممتنعا على تفصيل معروف عند علماء العربية.

و أما الإدغام فى مذاهب القراء فينقسم إلى صغير و كبير:فالصغير ما اختلف فى إدغامه من الحروف السواكن،و لا يكون إلا فى المتقاربين،و هو الذى يأتى ذكره بعد وقف حمزة و هشام على الهمز إلى أوّل باب الإمالة،و هو فى تسعة أحرف يجمعها قولك:ذل ثرب دفنت،و كل المصنفين فى علم القراءات يذكرونه.

و أما الإدغام الكبير فحذفه جماعة من المصنفين كصاحب العنوان و مكى و المهدوى،و منهم من فرشه على ترتيب السور،و هو يكون فى المثلين و المتقاربين من الحروف المتحركة،و سمى بالكبير لتأثيره فى إسكان المتحرك قبل إدغامه،و لشموله نوعى المثلين و المتقاربين.و من شواهد الإدغام الكبير فى شعر العرب قول عدى بن زيد:

و تذكّر رّبّ الخورنق إذ فكّر يوما و للهدى تفكير

فقوله تذكر فعل ماض و رب فاعله.و قال آخر:

عشيّة تّمنّى أن تكون حمامة بمكّة يؤويك السّتار المحرّم

116-[و دونك الادغام الكبير و قطبه أبو عمرو البصرىّ فيه تحفّلا]

دونك هنا من ألفاظ الإغراء،يقال دونك كذا:أى خذه،و الإدغام مفعول به،و قطب كل شيء:

ملاكه،و هو ما يقوم به،و قطب القوم:سيدهم الذى يدور عليه أمرهم،و الواو فى و قطبه للحال أو للاستئناف، و قطبه مبتدأ و أبو عمرو خبره،ثم استأنف جملة أخرى فقال فيه تحفلا:أى فى أبى عمرو اجتمع الإدغام، يقال تحفل المجلس،و تحفل اللبن فى الضرع،و تحفل الوادى:إذا امتلأ بالماء.و يجوز أن يكون أبو عمرو عطف بيان و الخبر فيه تحفلا،على أن تكون الهاء فى فيه للإدغام،و فاعل تحفل ضمير عائد على أبى عمرو:

أى تحفل أبو عمرو فى أمر الإدغام من جميع حروفه و نقله و الاحتجاج له و القراءة به،يقال:احتفلت لكذا أو بكذا أو فى كذا،و تحفل بمعناه مثل اكتسب و تكسب،أراد بذلك أن مدار الإدغام على أبى عمرو،فمنه أخذ و إليه أسند و عنه اشتهر من بين القراء السبعة،و الإظهار و الإدغام كلاهما مروى عن اليزيدى عن أبى عمرو من طريق الدورى و السوسى و غيرهما،و لم أر بعد فى كتاب تخصيص رواية السوسى بذلك عن الدورى (1)و قد كان الشيخ الشاطبى رحمه اللّه يقرئ به من طريق السوسى،و لم يوافق أبا عمرو فى المشهور على شيء من الإدغام الكبير سوى حمزة فى إدغام (بَيَّتَ طائِفَةٌ) .

********

(1) و على ذلك عمل أهل الأداء الآن ا ه ضياع.

ص: 77

(وَ الصَّافّاتِ صَفًّا 1) .

و ما ذكر معها فى سورتها.و اختار أبو طاهر بن أبى هاشم الإظهار كما هو مذهب سائر القراء،قال:لأن فيه إيتاء كل حرف حقه من إعرابه أو حركة بنيته التى استحقها،و الإدغام يلبس على كثير من الناس وجه الإعراب.و يوهم غير المقصود من المعنى،نحو قوله تعالى:

(وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (2) -و اَلْمُصَوِّرُ لَهُ 3) .

و لم يذكر أبو عبيد الإدغام فى كتابه،و قال فى:

(بَيَّتَ طائِفَةٌ 4) .

القراءة عندنا هى الأولى،يعنى الإظهار لكراهتنا الإدغام إذا كان تركه ممكنا.

117-[ففي كلمة عنه مناسككم و ما سلككّم و باقى الباب ليس معوّلا]

الأولى أن يقرأ مناسككم فى هذا البيت من غير إدغام،لأنه إن قرئ مدغما لزم ضم الميم و صانتها بواو، و ليست قراءة أبى عمرو و لا غيره هكذا؛نعم يجوز من حيث اللغة،فلهذا نقول:إن اضطررنا إليه جاز ارتكابه كقوله فيما بعد:

(وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ 5) .

لأن البيت لا يتزن إلا بالصلة،و أما سلككم فلا يستقيم التلفظ به فى البيت إلا مدغما ساكن الميم، و أراد قوله:

(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ 6) فى البقرة(و ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ 7) .

فى سورة المدثر:أى لم يأت الإدغام من أبى عمرو فى حرفين فى كلمة واحدة إلا فى هذين الموضعين.و يرد عليه نحو:

(يَرْزُقُكُمْ 8) .

كما سيأتى فى أوّل الباب الآتى،فإنه أدغم ذلك و شبهه،و جميعه من باب الإدغام الكبير فى كلمة واحدة و إنما خصص هذين من باب التقاء المثلين فى كلمة واحدة و ما أوردناه هو من باب المتقاربين،و إنما ورد عليه من جهة أنه لم يقيد بالمثلين،بل قال:ففي كلمة عنه،و لم يتقدم قبل هذا البيت سوى أنه حضنا على الإدغام الكبير،و لم يعرفنا ما هو،و وقع لى أنه لو قال عوض البيت السابق:

أبو عمرو البصرى يدغم أن تحر ركا و التقى المثلان فى الثانى الأوّلا

********

(1) سورة الصافات،آية:1.

(2) سورة النمل،آية:40.

(3) سورة الحشر،آية:24.

(4) سورة النساء،آية:81.

(5) سورة التوبة،آية:87.

(6) سورة البقرة آية:20.

(7) آية:42.

(8) سورة سبأ،آية:24.

ص: 78

لكان شرحا للإدغام الكبير الواقع فى المثلين،و يأتى قوله:ففي كلمة عنه بعد تمهيد قاعدته،و قولنا تحركا و التقى من باب قاما و قعد الزيدان،و هو الوجه المختار للبصريين فى باب توجه الفعلين إلى فاعل واحد، فاعلم أن الإدغام الكبير ضربان:أحدهما إدغام حرف فى مثله،و هو الذى ذكره فى جميع هذا الباب.و الآخر إدغام حرف فى مقاربه،و سيأتى فى الباب الآخر،و شرطهما معا أن يكونا متحركين،فإن سكن أوّل المثلين وجب إدغامه للكل بشرط أن لا يكون حرف مدّ و لين،ثم الحرف الذى يدغم فى مثله لا يخلو هو و الذى يدغم فيه:إما أن يلتقيا فى كلمة أو فى كلمتين،فإن التقيا فى كلمة لم يدغم إلا فى هاتين الكلمتين المذكورتين فى هذا البيت.ثم قال:و باقى الباب ليس معوّلا،أى على إدغامه،أو لا معوّل عليه بإدغام،أو التقدير:و إدغام باقى الباب ليس معوّلا عليه فحذف المضاف،كما أن التقدير:ففي كلمة عنه إدغام مناسككم،و باقى الباب مثل قوله تعالى«بأعيننا و أ تعدانني،و جباههم،و وجوههم،و بشرككم»و قد روى إدغام ذلك و هو فى بأعيننا أقوى لتحرك ما قبل المثلين،و فى بشرككم ضعيف لسكونه و هو حرف صحيح.و قد أدغم أبو عمرو و غيره مواضع تأتى فى سورها مثل«ما مكننى،و تأمرونى أعبد؛و أ تحاجونى فى اللّه»و روى إدغام:

(إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ 1) .

فى آخر الأعراف،و هو ضعيف لأن الحرف المدغم مشدّد،و سيأتى أنه لا يدغم مثل ذلك نحو:

(مَسَّ سَقَرَ 2) و اللّه أعلم.

118-[و ما كان من مثلين فى كلمتيهما فلا بدّ من إدغام ما كان أوّلا]

أى و ما وجد من هذا القبيل و هو التقاء مثلين فى كلمتين،و يلزم من ذلك أن يكون أحدهما آخر كلمة و الآخر أوّل كلمة بعدها،فلا بد من إدغام الأوّل فى الثانى إلا ما يأتى استثناؤه مما أجمع عليه أو اختلف فيه،و شرطهما أن يتحركا،فإن سكن الأوّل أدغم للجميع،و إن سكن الثانى فلا إدغام للجميع.مثال الأوّل:

(إِذْ ذَهَبَ (3) - وَ قَدْ دَخَلُوا 4) و مثال الثانى (إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها (5) - كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ 6) .

ثم هذا الإدغام فى المثلين من كلمتين يأتى فى القرآن فى سبعة عشر حرفا،لأن عشرة من باقى الحروف لم يلتق منها مثلان متحركان فى القرآن،و هى:الجيم و الخاء المعجمة،و الدال و الذال و الزاى و الشين المعجمة، و الصاد و الضاد و الطاء و الظاء.و أما الألف فلا يتأتى إدغامها لأنها لا تزال ساكنة.و أما الهمزتان إذا التقتا،فأبو عمرو يسقط الأولى إن اتفقنا و يسهل الثانية إن اختلفتا على ما سيأتى بيانه فلا إدغام فيها.

و أما الحروف التى تدغم فى مقاربها فستة عشر حرفا ستأتى فى الباب الآتى،و أما نحو قوله:

(أَنَا نَذِيرٌ 7) .

********

(1) سورة الأعراف،آية 196.

(2) سورة القمر،آية:48.

(3) سورة الأنبياء،آية:87.

(4) سورة المائدة،آية:57.

(5) سورة المائدة،آية:58.

(6) سورة العنكبوت،آية:41.

(7) سورة الملك،آية:26.

ص: 79

فإن المثلين التقيا لفظا و لا إدغام محافظة على حركة النون،و لهذا تعمد بألف فى الوقف،و مما يدغم آخر سورة الرعد و إبراهيم إذا وصلا بالنسبة عند من يرى ذلك لأبى عمرو،و قد ذكر فيه خلاف، و اللّه أعلم.

119-[كيعلم ما فيه هدى و طبع على قلوبهم و العفو و أمر تمثّلا]

مثل التقاء المثلين فى كلمتين.و قد تقدم أن ذلك واقع فى سبعة عشر حرفا،و هى الباء و التاء و الثاء و الحاء المهملة و الراء و السين المهملة و العين؛و عشرة الأحرف بعدها،مثال ذلك:

(لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ (1) - اَلشَّوْكَةِ تَكُونُ (2) - ثالِثُ ثَلاثَةٍ (3) - لا أَبْرَحُ حَتّى (4) - فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ (5) - وَ تَرَى النّاسَ سُكارى (6) - وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ (7) - وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ 8) .

و ليس فى القرآن للغين غيره:

(تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ (9) - اَلْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ (10) - إِنَّكَ كُنْتَ بِنا (11) - جَعَلَ لَكُمُ (12) - تَعْلَمُ ما (13) - أَحْسَنُ نَدِيًّا (14) - إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ (15) - إِنَّهُ هُوَ 16) و لا تمنع صلة الهاء.

(نُودِيَ يا مُوسى 17) .

و قوله تمثلا:أى تمثل المذكور،و هو إدغام أوّل المثلين إذا التقيا فى كلمتين.و معنى تمثلا:أى تشخص و تشكل و تصوّر و تبين،و قد تضمن ما مثل به فى هذا البيت ثلاثة أنواع عليها مدار الباب.و ذلك أن الحرف المدغم إما أن يكون قبله متحرك أولا،فإن كان فمثاله:

(يَعْلَمُ ما (18) - وَ طُبِعَ عَلى 19) .

و إن لم يكن متحركا،فإما أن يكون حرف مد أولا،فإن كان فمثاله:

(فِيهِ هُدىً 20) .

و إن لم يكن حرف مد فهو حرف صحيح،و مثاله:

(خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ 21) .

********

(1) سورة البقرة،آية:20.

(2) سورة الأنفال،آية:7.

(3) سورة المائدة،آية 73.

(4) سورة الكهف،آية:60.

(5) سورة ص،آية:24.

(6) سورة الحج،آية:2.

(7) سورة التوبة،آية:87.

(8) سورة آل عمران،آية:85.

(9) سورة المطففين،آية:24.

(10) سورة يونس،آية:90.

(11) سورة طه،آية:35.

(12) سورة النحل،آية:89.

(13) سورة المائدة،آية:116.

(14) سورة مريم،آية:73.

(15) سورة آل عمران،آية:18.

(16) سورة الإسراء،آية:1.

(17) سورة طه،آية:11.

(18) سورة النحل،آية:19.

(19) سورة التوبة،آية:87.

(20) سورة البقرة،آية:2.

(21) سورة الأعراف،آية:199.

ص: 80

و هذا القسم إطلاق الإدغام عليه فيه مسامحة،بخلاف النوعين المتقدمين،و سيأتى تحقيق ذلك فى آخر باب إدغام المتقاربين.ثم ذكر ما استثنى إدغامه من المثلين فقال:

120-[إذا لم يكن تا مخبر أو مخاطب أو المكتسى تنوينه أو مثقّلا]

الضمير فى يكن عائد إلى قوله ما كان أولا:أى إذا لم يكن ذلك الأول من المثلين تاء مخبر:أى ضميرا هو تاء دالة على المتكلم،أو يكن تاء مخاطب،أو يكن الذى اكتسى تنوينه:أى منونا.و أشار بذلك إلى أن نون التنوين كالحلية و الزينة،فلا ينبغى أن يعدم،و قصر لفظ تا و أسكن ياء المكتسى ضرورة،و هما منصوبان خبرين لقوله يكن،و لهذا نصب أو مثقلا،و علة استثناء المنون و المثقل ظاهرة.أما المنون فلأن التنوين حاجز بين المثلين،و هو حرف صحيح معتد به فى زنة الشعر،و تنقل إليه حركة الهمزة و يكسر لالتقاء الساكنين.و أما المثقل فيستحيل إدغامه بدون حذف أحد الحرفين من المشدد،و قد حكى بعضهم إدغامه على لغة تخفيف المشدد، و حكى بعضهم إدغام:

(من أنصار.ربّنا (1).

و لم يعتد بالتنوين لذهابه فى الوقف،و حكى بعضهم إدغام:

(لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ 2) .

و فيه المانعان الخطاب و التشديد،و العلة فى استثناء تاء المخبر و المخاطب كونهما كناية عن الفاعل أو شبهه، و الإدغام تقريب من الحذف،و الفاعل لا يحذف نحو:

(كُنْتُ تُراباً (3) - وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا 4) .

و ألحق بذلك التاء من أنت (5)تكره و شبهه ليكون الباب واحدا،و ذكر لذلك علل أخر هى فى الشرح الكبير.

121-[ككنت ترابا أنت تكره واسع عليم و أيضا تمّ ميقات مثّلا]

هذه أمثلة ما تقدم استثناؤه فى البيت السابق على ترتيبه؛و قوله:و أيضا أى أمثل النوع الرابع و لا أقتصر على تمثيل الأنواع الثلاثة،و هو مصدر آض:إذا رجع،و الضمير فى مثلا عائد على المذكورات:أى مثل جميع المستثنى،أو يكون عائدا على لفظ:

(فَتَمَّ مِيقاتُ 6) .

أى و أيضا ثم ميقات،مثل به كما مثل بالثلاثة الأول،و مثله:

(مَسَّ سَقَرَ (7) - وَ خَرَّ راكِعاً (8) - وَ أُحِلَّ لَكُمْ 9) .

********

(1) سورة آل عمران؛آية:193،192.

(2) سورة الإسراء،آية:74.

(3) سورة النبأ،آية:40.

(4) سورة العنكبوت،آية:48.

(5) (قوله رحمه اللّه و ألحق بذلك التاء من أنت)فيه إشارة إلى أن التاء من أنت ليست بضمير بالإجماع،و إنما الضمير أن ا ه.

(6) سورة الأعراف،آية:143.

(7) سورة القمر،آية:48.

(8) سورة ص،آية:24.

(9) سورة النساء،آية:24.

ص: 81

و قد أورد على استثناء المنون الهاء الموصولة بواو أو ياء نحو:

(سُبْحانَهُ هُوَ اللّهُ (1) - مِنْ فَضْلِهِ (2) - هُوَ خَيْراً لَهُمْ 3) .

و قيل يلزم استثناؤه أيضا،فإن الواو و الياء حرف حاجز بين المثلين.زعم أبو حاتم و غيره أن الإدغام فيها غير جائز.

و الفرق بينهما أن التنوين حرف مستقل مقصود فى نفسه دال على تمكن الاسم و صرفه،و الصلة عبارة عن إشباع حركة الهاء،فلم يكن لها استقلال و لهذا تحذف للساكن و التنوين يحرك.و إذا اجتمع التنوين و حرف العلة حذف حرف العلة و بقى التنوين نحو:قاض و غاز،فهو أولى بالاعتداد فضلا عن الصلة،و اللّه أعلم.

122-[و قد أظهروا فى الكاف يحزنك كفره إذ النّون تخفى قبلها لتجمّلا]

أراد قوله تعالى فى سورة لقمان:

(وَ مَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ 4) .

استثناه بعضهم للعلة التى ذكرها (5)و بعضهم أدغمه جريا على الأصل،و الضمير فى أظهروا يعود إلى بعض المصنفين و الرواة و أهل الاختيار لا إلى جميعهم،لأنهم مختلفون فى ذلك على ما نقلناه فى الشرح الكبير،و هذه العلة ذكرها أبو طاهر بن أبى هاشم و غيره،و هى أن الإخفاء تقريب من الإدغام و النون تخفى قبل الكاف على ما سيأتى تقريره فى باب أحكام النون الساكنة و التنوين،و إذا كان الإخفاء كالإدغام فكأن الكاف.الأولى مدغم فيها فتكون كالحرف المشدد فى«مس سقر»و نحوه،و ذلك ممتنع الإدغام فكذا هذا،و هذه العلة تقوى استثناء تاء المخبر و المخاطب فى نحو:كنت و أنت،لأن النون أيضا مخفاة قبل التاء،فكأن الناظم أراد بهذه العبارة الاستدلال على صحة استثناء تاء المخبر و المخاطب،فقال إنهم أظهروا الكاف من«يحزنك»لهذه العلة،و هى موجودة فى تاءى المخبر و المخاطب،و إذ ظرف فيه معنى التعليل،و قوله لتجملا تعليل لإخفاء النون أو للإظهار و الضمير فيه للكلمة:أى لتجمل الكلمة ببقائها على صورتها،و اللّه أعلم.

123-[و عندهم الوجهان فى كلّ موضع تسمّى لأجل الحذف فيه معلّلا]

أى و عند المصنفين من المشايخ الوجهان من الإظهار و الإدغام فى كل موضع التقى فيه مثلان بسبب حذف وقع فى آخر الكلمة الأولى لأمر اقتضى ذلك،و قد يكون المحذوف حرفا أو حرفين.فمن نظر إلى أصل الكلمة فيظهر إذ لم يلتق فى الأصل مثلان،و من نظر إلى الحالة الموجودة فيدغم،و قوله تسمى فعل ماض وقع صفة لموضع،و أضاف التسمية إليه تجوزا لأجل أنه وجد فيه ما اقتضى تلقينه بذلك،و لو قال يسمى بضم الياء المثناة من تحت لكان حسنا و هو حقيقة الكلام،و معللا مفعول به على الوجهين،و كل كلمة فيها حرف العلة،و هى:

********

(1) سورة الزمر،آية:4.

(2) سورة النساء،آية:32.

(3) سورة آل عمران،آية:180.

(4) سورة لقمان،آية:23.

(5) لا داعى إلى هذا التفصيل،إذ لا يستفاد الحلاف من لفظ الناظم مع أن الإجماع عن أبى عمرو من طريق السوسى على الإظهار.قال السخاوى.روى إدغامه من طريق الدورى عن أبى عمرو،و روى غيره الإظهار،و به أخذ أبو عمرو الحافظ، و عليه عول ناظم القصيدة ا ه ضباع.

ص: 82

الألف و الياء و الواو موضع أحد حروفها الأصول تسمى معلة،فإن طرأ عليها ما يغير حرف العلة فيها من حذف أو قلب يقال هذه كلمة معتلة و قد أعلت،كأنه حصل بها إعلال و مرض،فقوله معللا لا يجيء من أعله إنما هو اسم مفعول من علله و لا يبعد استعماله بمعناه،مثل:نزل و أنزل،ثم مثل ذلك فقال:

124-[كيبتغ مجزوما و إن يك كاذبا و يخل لكم عن عالم طيّب الخلا]

أراد: (وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً 1) .

كان الأصل يبتغى بالياء فحذف للجزم،و قوله مجزوما حال نبه بها على أن هذا اللفظ فرع عن غيره،و إن يك أصله يكون فسكنت النون للجزم فحذفت الواو لالتقاء الساكنين ثم حذفت النون تخفيفا،فهذه الكلمة حذف منها حرفان.

(يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ 2) .

أصله يخلو بالواو،و إنما حذفت جوابا للأمر،و قوله عن عالم متعلق بقوله فى البيت السابق:و عندهم الوجهان:أى عند أهل الأداء الوجهان مرويان عن عالم طيب الخلا،و أراد به أبا عمرو بن العلاء نفسه لأنه قطب ذلك كما سبق،أو أراد به أبا محمد اليزيدى لأنه هو الذى شهر ذلك عنه.و الخلا بالقصر:الرطب من الحشيش و كنى به عن العلم لأن الناس يقتبسونه كما يختلون الخلا،و يقال:هو طيب الخلا:أى حسن الحديث.و قال الشيخ أبو الحسن رحمه اللّه:أراد بالعالم الطيب نفسه،أو صاحب التيسير:أى خذه أو أخذته أنا عنه، و اللّه أعلم.

125-[و يا قوم ما لى ثمّ يا قوم من بلا خلاف على الإدغام لا شكّ أرسلا]

أراد: (يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ (3) - وَ يا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللّهِ 4) .

أرسلا أطلقا على الإدغام بلا خلاف لا شك فى ذلك؛إذ ليس فيهما ما يمنع الإدغام،و إن توهم متوهم أنه من باب المعتل،لأن أصله يا قومى بالياء ثم حذفت ردّ عليه و همه،فإن اللغة الفصيحة يا قوم بحذف الياء و صاحبها لا يثبت الياء بحال،فصارت الياء كالعدم من حيث التزم حذفها،و لأن الياء المحذوفة من يا قوم ليست من أصل الكلمة بل هى ضمير المضاف إليه،بخلاف المحذوف من يبتغ و نحوه،و كأن الناظم أورد هذا البيت فى صورة الاحتجاج على ترجيح الإدغام فى المعتل فقال:قد أجمعوا على إدغام هذا فكذا ما سبق،و نص صاحب التيسير على أنه من المعتل مع الإجماع على الإدغام.

126-[و إظهار قوم آل لوط لكونه قليل حروف ردّه من تنبّلا]

عنى بالقوم أبا بكر بن مجاهد و غيره من البغداديين،منعوا إدغام «آلَ لُوطٍ 5» حيث وقع لقلة حروفه، و هو فى الحجر و النمل و القمر،و لا أعلم ما معنى قولهم إنه قليل الحروف،فإنهم إن عنوا به أنه فى الخط حرفان

********

(1) سورة آل عمران،آية:85.

(2) سورة يوسف،آية:9.

(3) سورة غافر،آية:41.

(4) سورة هود،آية:30.

(5) سورة القمر و غيرها من السور،آية:34.

ص: 83

فلا اعتبار بالخط،و إنما الاعتبار باللفظ،و هو فى اللفظ ثلاثة أحرف،فهو مثل:قال لهم،فكما يدغم قال يدغم آل لأنه مثله،و على وزنه فيمنع هذا التعليل من أصله و يردّ على قائله،فقوله و إظهار قوم مبتدأ خبره قوله رده من تنبلا،يعنى به صاحب التيسير و غيره:أى من صار نبيلا فى العلم:أى من رسخت فيه قدمه، أو من مات من المشايخ،يعنى أن هذا ردّ قديم.

ثم بين الذى رده به فقال:

127-[بإدغام لك كيدا و لو حجّ مظهر بإعلال ثانيه إذا صحّ لاعتلا]

قال صاحب التيسير رحمه اللّه:قد أجمعوا على إدغام«لك كيدا»فى يوسف و هو أقل حروفا من آل لأنه على حرفين،و قيل لا يستقيم هذا الرد؛لأن لك كلمتان اللام حرف و الكاف مجرورة المحل بها؛فهى قائمة مقام اسم مظهر و هو يوسف،فكما يدغم: «لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ 1» فكذا الكاف التى هى كناية عنه.ثم قال:و لو حج مظهر،أى و لو احتج من اختار الإظهار استعمل حج بمعنى احتج مثل قرأ و اقترأ و كسب و اكتسب،و المعروف أن حج:بمعنى غلب فى الحجة كقوله عليه الصلاة و السلام:

«فحجّ آدم موسى».

و إن حمل ما فى البيت على هذا المعنى لم يبق لقوله لاعتلا فائدة،فإن من غلب فى حجته معتل:أى مرتفع، و أراد أن يذكر حجة سائغة غير منقوضة عليه لمن اختار الإظهار فى آل لوط،و هى حجة قد سبق بها جماعة من المتقدمين،مثل ابن أبى هاشم و ابن مهران و صاحب التيسير،و هى أن ثانى حروف آل قد تغير مرة بعد مرة و الإدغام تغيير آخر،فعدل عنه خوفا من أن يجتمع على كلمة قليلة الحروف فى نظرهم تغييرات كثيرة، فيصير مثل:

(وَ إِنْ يَكُ كاذِباً 2) .

و قوله:إذا صح بعد قوله بإعلال ثانيه من محاسن الكلام حيث قابل الإعلال بالصحة،يعنى إذا صح له الإظهار من جهة النقل،فإن أبا عمرو الدانى قال فى غير التيسير:لا أعلم الإظهار فيه من طريق اليزيدى.ثم بين إعلال ثانيه فقال:

128-[فإبداله من همزة هاء أصلها و قد قال بعض النّاس من واو أبدلا]

أى إبدال ثانى حروف آل و هو الألف من همزة أصل تلك الهمزة هاء،يعنى هذا القائل أن أصل الكلمة أهل فأبدلت الهاء همزة،كما قيل أرقت فى هرقت،فاجتمعت همزة ساكنة بعد همزة مفتوحة فوجب قلبها ألفا على القياس المطرد المعروف الذى بينه فى آخر باب الهمز المفرد،و هذا القول و إن اعتمد عليه جماعة فهو مجرد دعوى و حكمة لغة العرب تأبى ذلك،إذ كيف يبدل من الحرف السهل و هو الهاء حرف مستثقل،و هو الهمزة التى من عادتهم الفرار منها حذفا و إبدالا و تسهيلا على ما عرف فى بابه،مع أنهم إذا أبدلوا الهاء همزة فى هذا المكان فهى فى موضع لا يمكن إثباتها،بل يجب قلبها ألفا،فأى حاجة إلى اعتبار هذا التكثير من التغيير بلا دليل،

********

(1) سورة يوسف،آية:21.

(2) سورة غافر،آية:28.

ص: 84

و فى لفظ ماء قام دليل إبدالها همزة لتقوى على الإعراب،و أما أرقت فالهاء فيه بدل من الهمزة و ليست الهمزة بدلا من الهاء،كذا يقول أهل النحو،و هو الموافق للقياس.

ثم قال و قد قال بعض الناس يعنى أبا الحسن بن شنبوذ و غيره:إن ثانى آل أبدل من واو،و هذا هو الصحيح الجارى على القياس.و أهل التصانيف من اللغويين و أصحاب الأعزية لا يفسرون هذه الكلمة إلا فى فصل الواو بعد الهمزة فيكون أصل الكلمة أول،كما أن أصل قال قول،فلما تحركت الواو و انفتح ما قبلها قلبت ألفا فى اللفظين على قياس معروف فى علم التصريف،فهو مشتق من آل يئول إذا رجع:أى أن آل الرجل إليه يرجعون فى النسب أو الدين و المذهب.و إذا كان من باب قال فله حكم قال فيدغم.

و لم يذكر الشاطبى رحمه اللّه هذا القول الثانى حجة للإظهار،فإنه غير مناسب له،و إنما بين أن العلماء مختلفون فى أصل الكلمة،فيعطى كل أصل حكمه.

129-[و واو هو المضموم هاء كهو و من فأدغم و من يظهر فبالمدّ علّلا]

المضموم بالخفض صفة لهو و هاء منصوب على التمييز:أى الذى ضمت هاؤه نحو:

(هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ 1) .

احترز بذلك عما سكنت هاؤه فى قراءة أبى عمرو،و هو ثلاثة مواضع.

(وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ بِما (2) - فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ (3) - وَ هُوَ واقِعٌ بِهِمْ 4) و الجمهور على (5)منع الإدغام فى هذه المواضع الثلاثة.

و بعضهم قال هى مظهرة بلا خلاف،و وجهه أن الكلمة قد خففت بسكون هائها فلم تحتج إلى تخفيف الإدغام.

و قال صاحب التيسير:لا خلاف فى الإدغام.قلت:يريد فى طرقه التى قرأ بها،و إلا فقد ذكر الخلاف فيها أبو على الأهوازى و الحافظ أبو العلا و غيرهما قدس سرهم.

و أما المواضع المضمومة الهاء،و هى ثلاثة عشر موضعا فإدغامها ظاهر،و لهذا جزم بقوله فأدغم،و منهم

********

(1) سورة النحل،آية:76.

(2) سورة الأنعام،آية:27.

(3) سورة النحل أيضا،آية:63.

(4) سورة الشورى،آية:22.

(5) حاصل كلامه أن الجمهور من رواة أبى عمرو على عدم إدغام المواضع الثلاثة،لأن الهاء خففت بالسكون فلا تحتاج إلى تخفيف الإدغام،إلا أن صاحب التيسير على أنه لا خلاف فى الإدغام،و هذا التقدير يعطى جواز الوجهين فى الثلاثة من طريق النظم و جرى على ذلك أيضا شعلة فى شرحه،و هو خلاف المفهوم من كلام الناظم،إذ المفهوم منه و الذى جرى عليه جمهور الشراح عدم الخلاف فيهن،و ذلك أنه لما قيد محل الخلاف بالمضموم الهاء بقى ساكنها على الأصل فى اجتماع المثلين من متفق الإدغام،كما أنه لما قيد بواو هو بقى غير واو هو مدغما على الأصل فيه نحو (خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ) .و أيضا تعليل المظهر بالمد يفهم أنه حيث لا يوجد المد لا يظهر.و يؤيد ما قلناه قول الحافظ الدانى فى جامعه فى إدغام«هو و من»بالوجهين قرأت ذلك،و اختار الإدغام لاطراده و جريه على قياس نظائره.ثم قال:فإن سكن ما قبل الواو سواء كان هاء أو غيرها فلا خلاف فى إدغام الواو فى مثلها و ذلك نحو «وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ» و «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ» ا ه ضباع.

ص: 85

من أظهرها،لأن الواو زيدت تقوية لهاء الضمير،ففي إدغامها كالإخلال بما زيدت لأجله،و لأن الواو تشدد فى لغة قوم من العرب،و التخفيف هو اللغة الفصيحة التى نزل بها القرآن،ففي إدغامها ما يؤدى إلى أن الواو تشتبه بتلك اللغة.و قيل أيضا إن تشديد الواو هو الأصل ثم خففت فاستغنى بذلك التخفيف عن تخفيف الإدغام، و كل هذه علل حسنة للإظهار لا بأس بها،و قول الشاطبى:و من يظهر فبالمد عللا؛يوهم أنه لم يعلله بغير ذلك.

ثم تقديره أن يقال:إذا كان قبل الواو ضمة و قصد إلى إدغامها وجب إسكانها للإدغام فتصير حرف مد و لين، و حروف المد و اللين لا تدغم لأداء الإدغام إلى ذهاب المد مثل«قالوا و أقبلوا»و هذا خطأ من المعلل،فإن هذا مد تقديرى لا ثبوت له،فلا يلزم من منع الإدغام حيث كان المد محققا أن يمتنع أيضا إذا كان المد مقدرا.

130-[و يأتى يوم أدغموه و نحوه و لا فرق ينجى من على المدّ عوّلا]

نقض على من علل بالمد فى إظهار الواو،بأنه يلزمه مثل ذلك فى الياء فى«يأتى يوم،و نودى يا موسى» و هذا مدغم عند من يرى الإظهار فى:هو و من،و نحوه،و لا فرق بينهما فيما يرجع إلى المد،فإن ما قرره فى الواو موجود مثله فى الياء،فهذا معنى قوله:و لا فرق ينجى من على المد عوّلا.

و أما قوله:

(فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ 1) .

فينبغى أن يكون حكمه حكم قوله تعالى «وَ هُوَ واقِعٌ بِهِمْ» فإن الكلمة خففت بإسكان الهاء فيهما،و الضمير فى أدغموه عائد على معنى من فى قوله و من يظهر فبالمد عللا.

131-[و قبل يئسن الياء فى اللاّء عارض سكونا أو اصلا فهو يظهر مسهلا]

أى فأبو عمرو يظهره راكبا للطريق الأسهل،يقال:أسهل:إذا ركب السهل،يعنى أنه أظهر الياء من قوله تعالى:

(وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ 2) .

بلا خلاف،و علل ذلك بأن الياء عارض سكونها أو أصلها،فقوله سكونا أو أصلا منصوبان على التمييز، و نقل حركة همزة أصلا إلى واو أو فكأنه أراد تعليلين،و لو أراد أن يجعل المجموع علة واحدة لقال سكونا و أصلا:أى سكونها عارض و أصلها عارض،و كلا التعليلين غير مستقيم.أما السكون العارض فغير صالح لأن يمنع الإدغام كما لم يمنع فى نحو:

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ (3) - وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ 4) .

و أما إن كانت فى نفسها عارضة و أصلها همزة فكان ينبغى أن يجرى فيها الوجهان المتقدمان فى يبتغ و نحوه نظرا إلى الأصل و إلى ما عليه اللفظ الآن،و فى قوله عارض أصلا نظر،فإن الأصل هو الهمز و ليس بعارض، و لو قال لفظا موضع أصلا لكان أبين.

********

(1) سورة الحاقة،آية:16.

(2) سورة الطلاق،آية:4.

(3) سورة ق،آية:48.

(4) سورة الحجرات،آية:11.

ص: 86

و شيخنا أبو الحسن زاد فى شرحه بآخره أن أصلا منصوب على المصدر كقولك:ما فعلته أصلا.قال:و أو بمعنى بل،أو بمعنى الواو فكأنه جعل المجموع علة واحدة،و الظاهر خلافه.

ثم الصواب أن يقال لا مدخل لهذه الكلمة فى هذا الباب بنفى و لا إثبات،فإن الياء كما زعم الناظم ساكنة، و باب الإدغام الكبير مختص بإدغام المتحرك،و إنما موضع ذكر هذه قوله:و ما أوّل المثلين فيه مسكن فلا بد من إدغامه،و عند ذلك يجب إدغامه لسكون الأوّل و قبله حرف مد،فالتقاء الساكنين فيه على حدهما.

على أنى أقول (1)سبب الإظهار عدم التقاء المثلين بسبب أن أبا عمرو رحمه اللّه كان يقرأ هذه الكلمة بتليين الهمزة بين بين،و عبروا عنه بياء مختلسة الكسرة و الهمزة المسهلة كالمحققة.قال أبو بكر بن مهران:و لا تدغم«و اللائى يئسن»لأنها ليست بياء خالصة فيدغمها فى مثلها،إنّما هى همزة ملينة،و لو كانت ياء خالصة لأدغم.

قلت:و من عبر من الرواة عن قراءة أبى عمرو بإسكان الياء خفى عنه أمر التسهيل فلم يضبطه،و اللّه أعلم.

و قد نظمت هذا التعليل الصحيح فقلت:

و قبل يئسن الياء فى اللاء همزة ملينة حقا فأظهر مسهلا

باب إدغام الحرفين المتقاربين فى كلمة و فى كلمتين

هذا أيضا من جملة الإدغام الكبير،فإنه على ضربين:إدغام المثلين و إدغام المتقاربين كل واحد منهما فى كلمة و فى كلمتين،فإدغام المثلين مضى فى الباب السابق فلا يحتاج فيه إلى أكثر من أن تسكن الحرف و تدغمه فى مثله،و هذا الباب مقصور على إدغام حرف فى حرف يقاربه فى المخرج،و يحتاج فيه مع تسكينه إلى قلبه إلى لفظ الحرف المدغم فيه،فترفع لسانك بلفظ الثانى منهما مشددا و لا تبقى للأوّل أثرا،إلا أن يكون حرف إطباق أو ذا غنة فتبقى أثر الإطباق و الغنة على تفصيل فى ذلك معروف و المتقاربان كالمثلين تقريبا فساغ الإدغام فيهما؛و ليس ذلك فى كل متقاربين،فقد تعرض موانع من الإدغام و مقتضيات الإدغام أبعد منهما،فاعتمد على ما يذكره.

132-[و إن كلمة حرفان فيها تقاربا فإدغامه للقاف فى الكاف مجتلا]

كلمة فاعل فعل مضمر:أى و إن وجدت كلمة و كان ينبغى أن يكون بعدها ما يفسر هذا المضمر كقوله تعالى:

(وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ 2) .

فالوجه أن يقول:و إن كلمة وجد فيها حرفان تقاربا،فيكون حرفان فاعل فعل مضمر.أو نقول:حرفان مبتدأ و تقاربا خبره،و لك أن تجعل حرفان بدلا من كلمة،بدل بعض من كل فيكون تقاربا نعت حرفان، و هو تفسير للمضمر المقدر:أى و إن تقارب حرفان فى كلمة،و الهاء فى فإدغامه تعود على أبى عمرو و هو مبتدأ

********

(1) فيه نظر،لأن كلام الناظم مفرع على وجه إبدال الهمزة ياء ساكنة ليدخل فى المثلين لا على وجه تسهيلها بين بين.و حينئذ فلا حاجة إلى تغيير البيت بما قاله ا ه ضياع.

(2) سورة التوبة،آية:6.

ص: 87

و مجتلى خبره:أى إدغام أبى عمرو للقاف فى الكاف مكشوف منظور إليه:أى أنه مشهور ظاهر،و يجوز أن يكون الخبر قوله:للقاف فى الكاف،كما تقول:إكرامى لزيد:أى أخصه بذلك دون غيره فكذا هاهنا:أى إدغام أبى عمرو فى الحرفين المتقاربين فى كلمة كائن للقاف فى الكاف لا غير،و مجتلى على هذا فى موضع نصب على الحال.

و معنى البيت أنه لم يدغم من كل حرفين متقاربين التقيا فى كلمة واحدة سوى القاف فى الكاف بشرطين يأتى ذكرهما فى البيت الآتى،فنحو:متجاورات،و يتدبرون،و المتطهرين،و يتذكرون،و المتصدقين لا يدغمه و إن كانت التاء تدغم فى الجيم و الدال و الطاء و الذال و الصاد على ما سيأتى فى هذا الباب و غيره.ثم ذكر الشرطين فقال:

133-[و هذا إذا ما قبله متحرّك مبين و بعد الكاف ميم تخلّلا]

ما زائدة مثلها فى قوله تعالى:

(وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ 1) .

أى و هذا الإدغام كائن إذا استقر قبل القاف حرف متحرك و وقع بعد الكاف ميم،و إنما اشترطا ليكونا على منهاج ما أدغم من المثلين فى كلمة و هو (مَناسِكَكُمْ -و- ما سَلَكَكُمْ) و قوله (مُبِينٌ) أى بين،و لم يحترز به من شيء و إنما هو صفة مؤكدة.و معنى تخلل؛من قولهم:تخلل المطر إذا خص و لم يكن عاما:أى تخلل أبو عمرو بإدغامه ذلك و لم يعم جميع ما التقت فيه القاف بالكاف.و قيل الضمير فى تخلل للميم،من تخللت القوم:إذا دخلت بين خللهم و خلالهم:أى تخلل الميم الحروف التى قبله و بعده،و اللّه أعلم.

134-[كيرزقكّم واثقكّمو و خلقكّمو و ميثاقكم أظهر و نرزقك انجلا]

مثل فى النصف الأوّل من البيت ما وجد فيه الشرطان من التحريك و الميم فأتى بثلاثة أمثلة،فالكلمة الأولى يمكن أن تقرأ فى البيت مدغمة و غير مدغمة:و ما بعدها لا يتزن الشعر إلا بقراءتهما مدغمتين،و يلزم الإدغام فى الثلاثة صلة الميم بواو،ثم قال:و ميثاقكم أظهر لأجل فقد أحد الشرطين:و هو تحريك ما قبل القاف، و نرزقك أيضا أظهره لفقد الشرط الثانى،و هو عدم وجود الميم فى آخره،و معنى انجلى:انكشف،أى ظهر الأمر بتمثيل المدغم و غير المدغم،و ميثاقكم فى البيت بفتح القاف لأنه مفعول أظهر،و قد جاء فى القرآن منصوبا فى البقرة،و مرفوعا فى الحديد على قراءة أبى عمرو،فلم يمكن أن تجعله حكاية إذ يعم المحكى فى الموضعين، و قد روى إدغام ما قبله ساكن،و روى ترك الإدغام فى المتحرك أيضا؛و أما قوله فى سورة المرسلات (أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ) فمجمع على إدغامه.

135-[و إدغام ذى التّحريم طلّقكنّ قل أحقّ و بالتّأنيث و الجمع أثقلا]

أى و قل إدغام طلقكن أحق مما تقدم ذكره من يرزقكم و نحوه:أى أولى بالإدغام منه لأن الإدغام أريد به التخفيف،و كلما كانت الكلمة أثقل كان أشد مناسبة للإدغام مما هو دونها فى الثقل،و قد وجد فيه أحد الشرطين

********

(1) سورة التوبة،آية:122.

ص: 88

و هو تحريك ما قبل القاف و فقد الشرط الثانى و هو الميم،و لكن قام مقامها ما هو أثقل منها و هو النون،لأنها متحركة و مشددة و دالة على التأنيث و الميم ساكنة خفيفة دالة على التذكير،فهذا وجه الأحقية بذلك،و الناظم جعله قد ثقل بالتأنيث و الجمع.أما التأنيث فهو ما أشرنا إليه و هو أحد أسباب الترجيح الثلاثة،و أما الجمع فمشترك فإن الميم أيضا دالة على الجمع؛فإن أردت نظم المرجحات الثلاثة فقل.

و طلقكن ادغم أحق فنونه محركة جمع المؤنث ثقلا

أى هو أحق:يعنى الإدغام،و محركة و ما بعدها أخبار لقوله فنونه،و النون تؤنث و تذكر فلهذا أنث محركة و ذكر ثقلا.و كان ابن مجاهد و عامة أصحابه يظهرونه لما يلزم فى الإدغام من توالى ثلاثة أحرف مشدّدة اللام و الكاف و النون.

و اختلف الرواة عن أبى عمرو فى إدغامه.و اختلف المشايخ فى الاختيار من ذلك،فمنهم من أظهره للاستثقال المذكور،و منهم من أدغمه و قال هو أحق لما تقدم ذكره،و قول الناظم ذى التحريم:أى صاحب التحريم:

أى الحرف الذى فى سورة التحريم،و قوله (طَلَّقَكُنَّ) بيان له.

136-[و مهما يكونا كلمتين فمدغم أوائل كلم البيت بعد على الولا]

أى و مهما يكن المتقاربان ذوى كلمتين:أى إذا التقيا فى كلمتين على حد التقاء المثلين فيما تقدم،فأبو عمرو مدغم من ذلك الحروف التى هى أوائل كلم البيت الآتى عقيب هذا البيت،فهذا معنى قوله:بعد على الولا أى بعد هذا البيت و هو الذى يليه،و الولاء:المتابعة و هو ممدود وقف عليه و أبدل همزه فانقصر،و أراد خذ كلم هذا البيت الآتى على الولاء:أى استوعبها يتلو بعضها بعضا،و الكلم جمع كلمة كلاهما بفتح الكاف فكسر اللام؛ و يجوز فيهما إسكان اللام و نقل حركتها إلى الكاف فتكسر،فعلى هذا استعملهما فى هذا البيت و غيره،و الكلمة فى عرف القراء الحروف المتصلة ما لم يحسن قطع شيء منها مما قبلها؛فنحو(خلقكم،و طلقكن)كلمة،و هى كلمات عند أهل النحو،و بما و منه كل واحدة عندهم كلمتان،و هى فى العرف كلمة.

و الغرض من هذا أن تعلم أن كلمات البيت الآتى التى تأخذ حروفها الأوائل ست عشرة كلمة،فخذ منها ستة عشر حرفا،ثم ذكرها فقال:

137-[(ش)فا(ل)م(ت)ضق(ن)فسا(ب)ها(ر)م(د)وا(ض)ن

(ث)وى(ك)ان(ذ)ا(ح)سن(س)أى(م)نه(ق)د(ج)لا]

اعلم (1)أنه أتى فى مثل هذا البيت الذى يذكر فيه كلما لأجل حروف أوائلها تضمنها معانى قصدها من غزل و مواعظ لئلا يبقى كلاما منتظما صورة لا معنى تحته؛و قد ضمن هذا البيت التغزل بامرأة من نساء الآخرة و سماها شفا،و قد سمت العرب بذلك النساء و كثر فى أمهات القرشيين،و هو ممدود و قصره ضرورة،و لم ينوّنه لأنه جعله علما على مؤنث،و قوله«لم تضق نفسا»أى أنها حسنة الخلق،و نصب نفسا على التمييز،و رم:أى اطلب بها:أى بوصلها و قربها دواء ضن،و قصر دواء ضرورة:أى دواء رجل ضن على أنه اسم منقوص؛و لو قال

********

(1) (قوله اعلم الخ)كذا بالنسخ التى بأيدينا،و لعل الصواب أن مثل هذا البيت يذكر فيه الخ فيكون يذكر خبر أن ا ه ضباع.

ص: 89

ضنا بالفتح على أنه مقصور لكان معناه أيضا حسنا،و الضنا بالقصر:المرض،يقال منه ضنى بالكسر ضنا شديدا فهو رجل ضنا و ضن مثل حرا و حر قاله الجوهرى،و معنى ثوى أقام؛و سأى على وزن رأى مقلوب ساء على وزن جاء و هو بمعناه،و مثله نأى و ناء:أى ساءت حال من أجل الضنا،أو كانت مساءته ناشئة من الضنا،و قوله قد جلا:أى كشف الضنا أمره،فالضمير فى ثوى و منه و جلا للضنا الدال عليه لفظ ضن،و فى كان و سأى لضن،و هذه جمل أتى بها من غير حرف عطف استئنافا لا أخبارا بعد أخبار كقوله تعالى:

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ (1) - اَلرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ 2) .

و قيل المعنى سأى من يرى ذلك منه أو ساءه الضنا على أن من زائدة،و سيذكر كل حرف من هذه الستة عشر فيما ذا يدغم،و لكن لم يلتزم ترتيب ما فى هذا البيت بل أتى به على ترتيب صاحب التيسير،و لم يمكنه جمع الحروف على ذلك الترتيب فى بيت له معنى مستقيم،فخالف الترتيب فى جميع حروفها ثم شرط فى إدغام هذه الحروف الستة عشر أن تكون سالمة من أربعة أوصاف فقال:

138-[إذا لم ينوّن أو يكن تا مخاطب و ما ليس مجزوما و لا متثقّلا]

أى إذا لم يكن الحرف المدغم موصوفا بإحدى هذه الصفات الأربع فالمنوّن و تاء المخاطب و المثقل مضى الكلام عليها فى باب المثلين،و إذا امتنع إدغام ذلك هناك فهنا أولى.فمثال المنوّن.

(فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ (3) - شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ (4) - رَجُلٌ رَشِيدٌ (5) - نَذِيرٌ لَكُمْ 6) و مئال الخطاب:

(كُنْتَ ثاوِياً (7) - فَلَبِثْتَ سِنِينَ (8) - دَخَلْتَ جَنَّتَكَ (9) - خَلَقْتَ طِيناً 10) و مثال المثقل (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (11) - لِلْحَقِّ كارِهُونَ (12) - لا يَضِلُّ رَبِّي (13) - لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ 14) .

و لم يقع فى القرآن تاء متكلم عند مقارب لها،فلهذا لم يذكرها فى المستثنى.

و أما المجزوم فنحو: (لَمْ يُؤْتَ سَعَةً 15) .

لم يدغم بلا خلاف و إن كان المجزوم فى باب المثلين فيه وجهان،لأن اجتماع المثلين أثقل من اجتماع المتقاربين، و سيأتى خلاف فى قوله تعالى:

(وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ (16) - وَ آتِ ذَا الْقُرْبى 17) .

لأن الطاء و الدال أقرب إلى التاء من السين،و يأتى خلاف فى:

********

(1) سورة الرعد،آية:2.

(2) آية:1-4.

(3) سورة الزمر،آية:6.

(4) سورة الحشر،آية:14.

(5) سورة هود،آية:78.

(6) سورة سبأ،آية:46.

(7) سورة القصص،آية:45.

(8) سورة طه،آية:40.

(9) سورة الكهف،آية:39.

(10) سورة الإسراء،آية:63.

(11) سورة البقرة،آية:200.

(12) سورة المؤمنون،آية:70.

(13) سورة طه،آية:52.

(14) سورة الأعراف،آية:134.

(15) سورة البقرة،آية:247.

(16) سورة النساء،آية:102.

(17) سورة الإسراء،آية:26.

ص: 90

(جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا 1) .

و لم يذكر الناظم تمثيلا لما استثنى من المتقاربين كما ذكر فى المثلين،و كان ذكر المتقاربين أولى لعسر أمثلته؛ و قد نظمت فيه بيتا فقلت:

نذير لكم مثل به كنت ثاويا و لم (2)يؤت قبل السين هم بها انجلا

أراد يؤت سعة من المال و لم يمكن نظمه لكثرة حركاته فقال قبل السين.

139-[فزحزح عن النّار الّذى حاه مدغم و فى الكاف قاف و هو فى القاف أدخلا]

شرع من هنا يبين المواضع التى أدغمت فيها تلك الحروف الستة عشر فبدأ بالحاء:أى أدغمت فى العين فى قوله تعالى:

(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ 3) .

فقط لطول الكلمة و تكرر الحاء فيها،و هذا هو المشهور و رواية الجمهور،و روى ترك إدغامه،و روى إدغامها فى العين حيث التقيا مطلقا نحو:

(ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ (4) -و اَلْمَسِيحُ عِيسَى (5) - فَلا جُناحَ عَلَيْهِما 6) .

و قوله:فزحزح عن النار بالفاء،أراد فمنها:أى من الكلمات المدغمات زحزح:الذى أدغم حاؤه و قصر الحاء ضرورة،ثم ذكر أن القاف و الكاف يدغم كل واحد منهما فى الآخر بشرط أن يتحرك ما قبل كل واحد منهما.و قد بين ذلك فى البيت الآتى،و لم يذكر فى الكلمة الواحدة إلا إدغام القاف فى الكاف فقط لأن عكسه لم يوجد فى القرآن،ثم مثل ذلك فقال:

140-[خلق كلّ شيء لك قصورا و أظهرا إذا سكن الحرف الّذى قبل أقبلا]

نطق بالحرفين مدغمين فى هذين المثالين،ثم قال و أظهرا،يعنى القاف و الكاف إذا سكن الحرف الذى قبلهما نحو:

(وَ فَوْقَ كُلِّ (7) - وَ تَرَكُوكَ قائِماً 8) .

و يقال أقبلته الشيء:إذا جعلته يلى قبالته؛يقال:أقبلنا الرماح نحو القوم،و أقبلنا الإبل أفواه الوادى فهذه ثلاثة أحرف من الستة عشر،الحاء و القاف و الكاف،ثم ذكر الجيم فقال:

141-[و فى ذى المعارج تعرج الجيم مدغم و من قبل أخرج شطأه قد تثقّلا]

أى أدغم حرف الجيم فى حرفين:التاء فى:

********

(1) سورة مريم،آية:27.

(2) لو قال.و قبل سعة لم يؤت هم بها انجلا،لكان أوضح ا ه من هامش الأصل.

(3) سورة آل عمران،آية:185.

(4) سورة المائدة،آية:3.

(5) سورة النساء،آية:17.

(6) سورة البقرة،آية:229.

(7) سورة يوسف،آية:76.

(8) سورة الجمعة،آية:11.

ص: 91

(ذِي الْمَعارِجِ تَعْرُجُ 1) و الشين فى (أَخْرَجَ شَطْأَهُ 2) .

و هو قبل ذى المعارج فى تأليف القرآن و ليس لهما نظير،و حكى الإظهار فيهما،و قوله قد تثقلا:أى أدغم ثم ذكر الشين و الضاد فقال:

142-[و عند سبيلا شين ذى العرش مدغم و ضاد لبعض شأنهم مدغما تلا]

أراد قوله تعالى فى سبحان:

(إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً 3).

و لا يجوز عند النحويين إدغام الشين و الضاد إلا فى مثلهما و لم يلتق منهما مثلان فى القرآن،و يجوز فى قوله و ضاد الرفع على الابتداء و تلا خبره:أى تبع ما قبله فى حال كونه مدغما،و يجوز نصبه على أنه مفعول تلا، و فاعله ضمير يعود على أبى عمرو:أى تلاه أبو عمرو:أى قرأه مدغما.

143-[و فى زوّجت سين النّفوس و مدغم له الرّأس شيبا باختلاف توصّلا]

أى و أدغمت سين النفوس فى زاى زوّجت من قوله تعالى:

(وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ 4) و موضع قوله (الرَّأْسُ شَيْباً 5) .

رفع بالابتداء،و قوله و مدغم له خبر مقدم عليه و الضمير فى له لأبى عمرو،و يقال توصل إليه:أى تلطف فى الوصول إليه:أى وصل الخلاف إلى هذا الحرف،ففي هذا البيت إدغام السين فى حرفين، ثم قال:

144-[و للدّال كلم(ت)رب(س)هل(ذ)كا(ش)ذا

(ض)فا(ث)مّ(ز)هد(ص)دقه(ظ)اهر(ج)لا]

أى و للدال كلم تدغم عندها و هى ما وافق أوائلها أوائل هذه الكلمات العشر فى هذا البيت من قوله:ترب سهل إلى قوله جلا.

و ضمن فى هذا البيت الثناء على أبى محمد سهل بن عبد اللّه التسترى أحد أولياء اللّه المشهورين.قال القشيرى فى رسالته:هو أحد أئمة القوم،و لم يكن له فى وقته نظير فى المعاملات و الورع،و كان صاحب كرامات.

لقى ذا النون المصرى بمكة سنة حج،توفى سنة ثلاث و ثمانين و مائتين،و قيل ثلاث و سبعين،و التراب:التراب و ذكا من قولهم ذكت النار تذكو ذكا مقصور:أى اشتعلت:و الشذا:حدة الرائحة:أى فاحت رائحة ترابه يشير بذلك إلى الثناء عليه و ما ظهر من كرامته و أعماله الصالحة،و شذا منصوب على التمييز:أى ذكا شذاه، و صفا:طال يشير إلى كثرة ذلك،و ثم بفتح الثاء بمعنى هناك:أى دفن فى ذلك التراب زهد ظاهر الصدق لم

********

(1) سورة المعارج،آية:3.

(2) سورة الفتح،آية:29.

(3) سورة الإسراء آية:42.

(4) سورة التكوير،آية:7.

(5) سورة مريم،آية:4.

ص: 92

يكن عن رياء و لا تصنع،و جلا:بمعنى كشف،اى او صح الزهد أمر سهل رحمة اللّه عليه و أبان أنه من خيار عباد اللّه.

و قال الشيخ:أراد جلاء بالمد،و هو منصوب على التمييز:أى صدق ذلك الزهد ظاهر:أى بين مكشوف جلاء مثال إدغام الدال فى الحروف العشرة.

(فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ (1) - عَدَدَ سِنِينَ (2) - وَ الْقَلائِدَ ذلِكَ (3) - وَ شَهِدَ شاهِدٌ (4) - مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ (5) - يُرِيدُ ثَوابَ (6) - تُرِيدُ زِينَةَ (7) - نَفْقِدُ صُواعَ (8) - مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ (9) - داوُدُ جالُوتَ 10) و فى:

(دارُ الْخُلْدِ جَزاءً 11) خلاف (12).

ثم ذكر حكم الدال بعد الساكن فقال.

145-[و لم تدغم مفتوحة بعد ساكن بحرف بغير التّاء فاعلمه و اعملا]

تدغم و تدغم لغتان بفتح الدال المشدّدة و إسكانها:أى إذا انفتحت الدال و قبلها ساكن لم تدغم فى غير التاء،فالباء فى بحرف و فى بغير التاء بمعنى«فى»و بغير التاء بدل من قوله بحرف على إعادة العامل و الألف فى و اعملا بدل من نون التأكيد.فمثال الدال المفتوحة مع غير التاء:

(لِداوُدَ سُلَيْمانَ (13) - بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (14) - آلَ داوُدَ شُكْراً (15) - وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (16) - بَعْدَ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ (17) - بَعْدِ ظُلْمِهِ (18) - بَعْدَ ثُبُوتِها 19) .

فهذا كله لا يدغم.و مثالها مع التاء:

(كاد تزيغ (20)- بَعْدَ تَوْكِيدِها 21) .

و لا ثالث لهما،فهذان يدغمان،لأن التاء من مخرج الدال فكأنهما مثلان،فإن كسرت الدال أو ضمت بعد ساكن أدغمت نحو:

(مِنْ بَعْدِ ذلِكَ (22) - وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ 23) .

********

(1) سورة البقرة،آية:17.

(2) سورة المؤمنون،آية:112.

(3) سورة المائدة،آية:2.

(4) سورة الأحقاف،آية:10.

(5) سورة فصلت،آية:50.

(6) سورة النساء،آية:134.

(7) سورة الكهف،آية:28.

(8) سورة يوسف،آية:72.

(9) سورة المائدة،آية:29.

(10) سورة البقرة،آية:251.

(11) سورة فصلت،آية:28.

(12) و الصحيح أن هذا الخلاف دائر بين الإدغام المحض الذى هو مذهب المتقدمين و الإخفاء الذى ذهب إليه أكثر المتأخرين ا ه ضباع.

(13) سورة ص،آية:30.

(14) سورة القلم،آية:11.

(15) سورة سبأ،آية:12.

(16) سورة النساء،آية:163.

(17) سورة هود،آية:10.

(18) سورة الشورى،آية:41.

(19) سورة النحل،آية:94.

(20) سورة التوبة،آية:117.

(21) سورة النحل،آية:94.

(22) سورة التوبة،آية:127.

(23) سورة البقرة،آية:251.

ص: 93

146-[و فى عشرها و الطّاء تدغم تاؤها و فى أحرف وجهان عنه تهلّلا]

أى و التاء تدغم فى حروف الدال العشرة و فى الطاء،إلا أن من جملة حروف الدال العشرة التاء فيكون إدغام التاء فيها من باب المثلين،و إنما لم يستثنها لحصول الغرض مع الاختصار من غير إلباس،فإذا أسقطت التاء من العدد عددت الطاء عوضها فيكمل للتاء أيضا عشرة أحرف،و لم يلق الدال طاء فى القرآن،فلهذا لم يذكر الطاء فى حروفها،و كذا لم يلق التاء دالا فى القرآن إلا و التاء ساكنة نحو:

(أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما 1) .

و ذلك واجب الإدغام كما سيأتى،فلهذا أيضا لم يذكر الدال فى حروف التاء،و الهاء فى عشرها للدال، و فى تائها يجوز أن يكون للدال،و يجوز أن يكون للعشر،و أن يكون للحروف السابقة الستة عشر.

و فى شرح الشيخ:لك أن تعيد الضمير فى عشرها على الأحرف السابقة التى للدال و هو مشكل فإنه من إضافة الشيء إلى نفسه و ذلك غير جائز،فمثال إدغام التاء فى الطاء:

(الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ 2) و مع السين (بِالسّاعَةِ سَعِيراً 3) و مع الذال (وَ الذّارِياتِ ذَرْواً 4) و مع الشين (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ 5) و مع الضاد (وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً 6) و لا ثانى له،و مع الثاء (وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ 7) و مع الزاى (إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً 8) و مع الصاد (وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا 9) و مع الظاء (الْمَلائِكَةُ ظالِمِي 10) .

فى النساء و النحل ليس غيره،و مع الجيم:

(وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ 11) .

و لم يذكر فى التاء ما ذكره للدال من كونها لم تدغم مفتوحة بعد ساكن،لأن التاء لم تقع كذلك إلا و هى حرف خطاب،و هو قد علم استثناؤه نحو:

(دَخَلْتَ جَنَّتَكَ (12) -و أُوتِيتَ سُؤْلَكَ 13) .

إلا فى مواضع وقعت فيها مفتوحة بعد ألف،فهى على قسمين:منها ما نقل فيها الخلاف،و هى الأربعة المذكورة فى البيت الآتى،و هى المشار إليها بقوله:و فى أحرف وجهان عنه تهللا،و الألف فى«تهللا» ضمير الوجهين:أى استنارا و ظهرا و نقلا عن أبى عمرو،و منها موضع واحد لا خلاف فى إدغامه، و هو قوله:

********

(1) سورة يونس،آية:89.

(2) سورة النحل،آية:32.

(3) سورة الفرقان،آية:11.

(4) سورة الذاريات،آية 1.

(5) سورة النور،آية:4.

(6) سورة العاديات،آية:1.

(7) سورة آل عمران،آية:79.

(8) سورة الزمر،آية:73.

(9) سورة النبأ،آية:38.

(10) سورة النساء،آية:97.

(11) سورة الملك،آية:93.

(12) سورة الكهف،آية:39.

(13) سورة طه،آية:36.

ص: 94

(وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ 1) .

لأن الطاء من مخرج التاء،فهو كاستثناء التاء مع الدال لأن الثلاثة من مخرج واحد،و لو اتفق أن وقعت الطاء بعد الدال المفتوحة بعد ساكن لكان هذا حكمها.و أما:

(بَيَّتَ طائِفَةٌ 2) .

فأكثر المصنفين فى الإدغام لا يذكرونه فى الإدغام الكبير بل يذكرونه فى سورته.و سببه أن أبا عمرو كان يدغمه و إن لم يقرأ بالإدغام الكبير،و هو معنى قولهم إنه كان يدغمه فى الأحوال كلها.و بعضهم يقول فى الحالين:

أى سواء قرأ بالإدغام أو بالإظهار،فهذا الموضع لا بدّ من إدغامه عنده.

ثم اختلفوا هل هو من قبيل الإدغام الكبير أو الصغير،و هو مبنى على أن التاء فى قراءته مفتوحة أو ساكنة و الظاهر أنها مفتوحة كقراءة الجماعة،فيكون من باب الإدغام الكبير،و قد بينا وجه الخلاف فى ذلك فى الشرح الكبير.

147-[فمع حمّلوا التّوراة ثمّ الزّكاة قل و قل آت ذا ال و لتأت طائفة علا]

أى قل هى الزكاة مع حملوا التوراة؛و لو قال الزكاة ثم قل آت لكان أولى لأنه أبين لموضع الإدغام و تخلص من تكرار قل،أراد قوله تعالى فى البقرة:

(وَ آتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ 3) .

و فى سورة الجمعة:

(حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها 4) .

و أراد بقوله آت ذل قوله تعالى:

(وَ آتِ ذَا الْقُرْبى 5) .

فى سورة سبحان،و فى سورة الروم:

(فَآتِ ذَا الْقُرْبى 6) .

و بين الذال و لام التعريف من القربى ألفان:أحدهما ألف ذا و الأخرى همزة الوصل فى القربى،و هى تسقط فى الدرج،و سقطت ألف ذا لأجل لام التعريف بعد ا ه لكونها ساكنة فلهذا كتبتها أنا ذل بإسقاط الألفين على صورة اللفظ،و يقع فى النسخ بالألفين على الأصل،و قطع لام التعريف مما دخلت عليه جائز فى الشعر كقوله:

دع ذا و قدم ذا و ألحقنا بذل؛و قصد الناظم بذلك زيادة البيان و إلا فكان يمكنه أن يقول و قل آت ذا و الهمزة فى (وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ) تبدل ألفا فى قراءة المدغم،فجاءت التاء فى هذه المواضع الأربعة بعد ألف؛فوجه الخلاف فى التوراة و الزكاة كونها مفتوحة بعد ساكن فخفت فلم تدغم،و وجه الخلاف فى آت و لتأت ما تقدم فى:

********

(1) سورة هود،آية:114.

(2) سورة النساء،آية:81.

(3) سورة البقرة،آية:83.

(4) سورة الجمعة،آية:5.

(5) سورة الإسراء،آية:38.

(6) سورة الروم،آية:75.

ص: 95

(وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ 1) .

لأنها كلها من المجزوم،و لا خلاف فى إظهار:

(وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً 2) .

و هو مثلهما،و ليس قوله«علا رمزا»لأن الباب كله لأبى عمرو؛و قد تقدم قوله و فى أحرف وجهان عنه:

148-[و فى جئت شيئا أظهروا لخطابه و نقصانه و الكسر الإدغام سهّلا]

يريد قوله فى سورة مريم عليها السلام.

(لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا 3) .

بكسر التاء؛فهذا الذى اختلف فيه،فأما مفتوح التاء فلا خلاف فى إظهاره،و هو موضعان فى الكهف:

(لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (4) - لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً 5) .

لأن تاء الخطاب لم تدغم فى المثلين،ففي المتقاربين أولى أن لا تدغم،فعلل وجه الإظهار بالخطاب،يعنى بالخطاب الموجود فيه تاء الخطاب،و أما مجرد الخطاب فغير مانع من الإدغام،بدليل إدغام:

(لَكَ كَيْداً (6) -و- إِنَّكِ كُنْتِ 7) .

و نحوه،و علل أيضا بالنقصان و هو حذف عين الفعل لسكون ما قبل تاء الخطاب،و هذا مطرد فى كل فعل معتل الوسط نحو:قمت،و بعت؛و سرت؛و وجه الإدغام ثقل الكسرة فى التاء و هى ضمير تأنيث،فهو الذى سهل الإدغام،بخلاف ما فى الكهف و بخلاف ثقل الضم فى:

(كُنْتُ تُراباً 8) :

149-[و فى خمسة و هى الأوائل ثاؤها و فى الصّاد ثمّ السّين ذال تدخّلا]

الهاء فى ثاؤها كما تقدم فى تاؤها تعود على الحروف السابقة،أو على الدال،أو على عشرها:أى أدغمت الثاء المثلثة فى خمسة أحرف،و هى الخمسة الأوائل من حروف الدال،يريد أوائل كلمات«ترب سهل ذكا شذا ضفا»مثال ذلك.

(حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (9) - وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ (10) - وَ الْحَرْثِ ذلِكَ (11) -و- حَيْثُ شِئْتُمْ (12) -و حَدِيثُ ضَيْفِ 13) و ليس غيره.

********

(1) سورة آل عمران،آية:85.

(2) سورة البقرة،آية:247.

(3) آية:27.

(4) آية:71.

(5) آية:74.

(6) سورة يوسف،آية:5.

(7) سورة يوسف،آية:29.

(8) سورة النبأ آية:40.

(9) سورة الحجر،آية:65.

(10) سورة النمل،آية:16.

(11) سورة آل عمران،آية:14.

(12) سورة البقرة،آية:58.

(13) سورة الذاريات،آية:24.

ص: 96

ثم ذكر أن الذال المعجمة أدغمت فى السين و الصاد المهملتين،و ذلك فى:

(فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ 1) .

فى الكهف فى موضعين،و فى الجن موضع:

(مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً 2) .

و التدخل بمعنى الدخول،يقال:تدخل الشيء،إذا دخل قليلا قليلا،و مثله:تحصل من حصل،و تعلم من علم.

150-[و فى اللاّم راء و هى فى الرّا و أظهرا إذا انفتحا بعد المسكّن منزلا]

أى إذا أدغمت اللام فى الراء و الراء فى اللام و نحو:

(كَمَثَلِ رِيحٍ (3) - هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ 4) .

و فى إدغام الراء ضعف عند نحاة البصرة،و إذا انفتحا بعد مسكن أظهرا نحو:

(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ (5) - إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي 6) .

و منزلا حال من ضمير المسكن المقدر فيه،و أنت ضمير اللام فى قوله و هى.ثم ذكر ضمير اللام و الراء معا فى قوله:و أظهرا إذا انفتحا جمعا بين اللغتين و قصر الراء ضرورة:

151-[سوى قال ثمّ النّون تدغم فيهما على إثر تحريك سوى نحن مسجلا]

يعنى سوى كلمة قال فإنها أدغمت فى كل راء بعدها و إن كانت اللام مفتوحة و قبلها حرف ساكن و هو الألف نحو:

(قالَ رَبِّي (7) - قالَ رَجُلانِ (8) - وَ قالَ رَبُّكُمُ 9) .

لأن ذلك كثير الدور فى القرآن فخفف بالإدغام،بخلاف:

(فَيَقُولَ رَبِّ (10) - رَسُولَ رَبِّهِمْ 11) و نحوه.

ثم ذكر أن النون تدغم فيهما؛أى فى الراء و اللام بشرط أن يتحرك ما قبلهما،و هو معنى قوله«على إثر تحريك»أى تكون النون بعد محرك مثل:

********

(1) سورة الكهف،آية:61.

(2) سورة الجن،آية:3.

(3) سورة آل عمران،آية:117.

(4) سورة هود،آية:78.

(5) سورة الحاقة،آية:10.

(6) سورة المطففين؛آية:18.

(7) سورة الشعراء،آية:188.

(8) سورة المائدة،آية:23.

(9) سورة غافر،آية:60.

(10) سورة المنافقون،آية:10.

(11) سورة الحاقة،آية:10.

ص: 97

(وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ (1) - خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي (2) - لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ (3) - مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ 4) .

فإن وقع قبل النون ساكن لم تدغم مطلقا،سواء كان ذلك الساكن ألفا أو غيرها،و سواء كانت النون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة نحو:

(يَخافُونَ رَبَّهُمْ (5) - بِإِذْنِ رَبِّهِمْ (6) - أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ 7) .

و لهذا قال«مسجلا»أى يشترط التحريك قبلها مطلقا فى جميع أحوال النون،و ليس الأمر فيها كما سبق فى اللام و الراء من أنه لم يستثن من ذلك إلا المفتوح بعد ساكن.

ثم قال الشيخ الشاطبى رحمه اللّه«سوى نحن»أى استثنى مما قبل النون فيه ساكن كلمة نحن،فأدغمت فى اللام بعدها حيث أتت نحو:

(وَ نَحْنُ لَهُ (8) - وَ ما نَحْنُ لَكَ 9) .

و هو عشرة مواضع«و مسجلا»حال من فاعل تدغم العائد على النون،أو هو نعت مصدر محذوف:

أى إدغاما مطلقا،و يجوز أن يكون حالا من نحن:أى فى جميع القرآن.و الأول أولى،و اللّه أعلم.

152-[و تسكن عنه الميم من قبل بائها على إثر تحريك فتخفى تنزّلا]

عنه:يعنى عن أبى عمرو،و الهاء فى بائها تعود على الحروف السابقة أو على الميم،و تخفى عطف على تسكن غير أن تاء تخفى مفتوحة و تاء تسكن مضمومة و تنزلا تمييز،و قوله«على إثر تحريك»أى تكون الميم بعد محرك نحو:

(آدَمَ بِالْحَقِّ (10) - بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ (11) - عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (12) - حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (13) .

و المصنفون فى التعبير عن هذا مختلفون،فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة و التنوين عند الواو و الياء أنه إدغام و إن بقى لكل واحد منهما غنة،كما يبقى الإطباق فى الحرف المطبق إذا أدغم و منهم من يعبر عنه بالإخفاء لوجود الغنة و هى صفة لازمة للميم الساكنة،فلم يكن إدغاما محضا،فإن سكن ما قبل الميم أظهرت نحو:

(إِبْراهِيمُ بَنِيهِ (14) - اَلْيَوْمَ بِجالُوتَ (15) - وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ 16) و قيل فى ذلك خلاف.

153-[و فى من يشاء با يعذّب حيثما أتى مدغم فادر الأصول لتأصلا]

أى و إدغام الباء من كلمة:

********

(1) سورة الأعراف،آية:167.

(2) سورة الإسراء آية:100.

(3) سورة الإسراء أيضا،آية:90.

(4) سورة التوبة،آية:113.

(5) سورة النحل،آية:50.

(6) سورة إبراهيم،آية:1.

(7) سورة البقرة،آية:247.

(8) سورة البقرة،آية:138.

(9) سورة الأعراف،آية:132.

(10) سورة المائدة،آية:27.

(11) سورة الأنعام،آية:53.

(12) سورة العلق،آية:4.

(13) سورة غافر،آية:48.

(14) سورة البقرة،آية:132.

(15) سورة البقرة أيضا،آية:249.

(16) سورة التوبة،آية:75.

ص: 98

(يعذّب (1)فى(من يشاء (1)حيث أتى فى القرآن (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ 1) .

بضم الباء،و هو خمسة مواضع،سوى الذى فى البقرة فإنه ساكن الباء فى قراءة أبى عمرو،فهو واجب الإدغام عنده من جهة الإدغام الصغير لا الإدغام الكبير،و لهذا وافقه عليه جماعة على ما سنذكره،فقوله«با»مبتدأ و قصره ضرورة و مدغم خبره،و ما عدا كلمة يعذب لا يدغم باؤها فى الميم نحو(ضرب مثل):

(سَنَكْتُبُ ما قالُوا 4) .

لأنه اقترن بكلمة بعذب ما يجب إدغامه فى أصله و هو(يرحم من):

(وَ يَغْفِرُ لِمَنْ 5) .

إما قبلها أو بعدها فطرد الإدغام فيه موافقة لما جاورها؛فهذا آخر ذكر إدغام الحروف الستة عشر،و لهذا ختم ذلك بقوله«فادر الأصول»أى قف على أصول الإدغام و حصلها لتأصلا:أى لتشرف،يقال رجل أصيل الرأى:أى محكم الرأى و قد أصل أصالة.

ثم لما فرغ من تفصيل الحروف المدغمة فى باب المتقاربين ذكر بعد ذلك ثلاث قواعد تتعلق بجميع باب الإدغام الكبير مثليا كان أو متقاربيا كل قاعدة فى بيت،فقال فى القاعدة الأولى:

154-[و لا يمنع الإدغام إذ هو عارض إمالة كالأبرار و النّار أثقلا]

أثقلا:أى ثقيلا و هو حال من الإدغام،يريد بالثقل التشديد الحاصل بالإدغام،و لم يرد أنه أثقل لفظا من الإظهار،لأنه ما أدغم إلا طلبا للخفة و إذ هو عارض،ظرف خرج مخرج التعليل.و قد سبق تحقيق القول فيه فى شرح قوله«إذ ما نسوه فيمحلا»و إمالة مفعول يمنع،و سقط التنوين منه لإضافته إلى كالأبرار،و هو مشكل فإنه ليس فى القرآن كالأبرار بالكاف،فالوجه أن يقال:هو مضاف إلى الكاف وحدها،و هى هنا اسم بمعنى مثل كقول الراجز:

يضحكن عن كالبرد المنهم

أى إمالة مثل الأبرار،و يجوز أن تكون الكاف ضمير المخاطب،و الأبرار مفعول إمالة:أى إمالتك الأبرار،فهو مثل قوله«و إضجاعك التوراة»و الناظم رحمه اللّه كان ضريرا فأملى هذا اللفظ فسبق إلى ذهن الكاتب السامع منه أنها كاف التشبيه فكتبها متصلة بالأبرار،و اللّه أعلم:أى لا يمنع الإدغام فى حال ثقله إمالة الألف فى نحو:

(وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ رَبَّنا (6) - إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ 7) .

لزوال الكسر الموجب للإمالة بالإدغام،و علة ذلك أن الإدغام عارض فكأن الكسرة موجودة،و هو كالوقف الذى تحذف الحركة فيه أيضا،فهى و إن حذفت مرادة منوية و هذه مسألة من مسائل الإمالة فبابها أليق

********

(1) سورة المائدة،آية:40.

(4) سورة آل عمران،آية:181.

(5) سورة آل عمران،آية:181.

(6) سورة آل عمران،آية:193.

(7) سورة المطففين،آية:18.

ص: 99

من باب الإدغام.و قد ذكر فى باب الإمالة أن عروض الوقف لا يمنع الإمالة فالإدغام معه كذلك،و كان يغنيه عن البيتين هنا و ثم أن يقول:

و لا يمنع الإدغام و الوقف ساكنا إمالة ما للكسر فى الوصل ميلا

فيستغنى عن بيتين مفرقين فى بابين بهذا البيت الواحد فى باب الإمالة.

ثم ذكر القاعدة الثانية فقال:

155-[و أشمم ورم فى غير باء و ميمها مع الباء أو ميم و كن متأمّلا]

يعنى بالإشمام و الروم ما يأتى تحقيقه فى باب الوقف على أواخر الكلم:أى لك أن تشم و تروم فى جميع الحروف المدغمة فى المثلين و المتقاربين سوى أربع صور:

و هى أن يلتقى الباء مع مثلها نحو:

(نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا 1) أو مع الميم نحو: (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ 2) .

أو يلتقى الميم مع مثلها نحو:

(يَعْلَمُ ما 3) أو مع الباء نحو: (أَعْلَمُ بِما كانُوا 4) .

فهذا معنى قوله«مع الباء أو ميم»أى كل واحد من الباء و الميم مع الباء أو ميم،و الهاء فى ميمها تعود إلى الباء لأنها مصاحبتها و من مخرجها،أو تعود على الحروف السابقة.

و الإشمام يقع فى الحروف المضمومة؛و الروم يدخل فى المضمومة و المكسورة؛و لا يقعان فى المفتوحة.

و يمتنع الإدغام الصحيح مع الروم دون الإشمام،فالروم هنا عبارة عن الإخفاء و النطق ببعض الحركة، فيكون مذهبا آخر غير الإدغام و غير الإظهار.و هذان المذهبان المحكيان عن أبى عمرو من الإشمام و الروم فى الحروف المدغمة سيأتيان لجميع القراء فى مسألة:

(لا تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ 5) .

و وجه دخولهما فى الحروف المدغمة و هما من أحكام الوقف أن الحرف المدغم يسكن للإدغام،فشابه إسكانه إسكانه للوقف،فجرت أحكام الوقف فيه.و استثناء هذه الصور الأربع.إنما يتجه بعض الاتجاه على مذهب الإشمام للعلة التى ذكرها صاحب التيسير؛و هو قوله لأن الإشارة تتعذر فى ذلك من أجل انطباق الشفتين:أى تتعسر،لأن الإشارة بالشفة،و الباء و الميم من حروف الشفة،و الإشارة غير النطق بالحرف فيتعذر فعلهما معا فى الإدغام لأنه وصل،و لا يتعذران فى الوقف لأن الإشمام فيه هو ضم الشفتين بعد سكون الحرف فلا يقعان معا.

و منهم من استثنى الفاء أيضا و منهم من لم يستثن شيئا من ذلك أما الروم فلا يتعذر لأنه نطق ببعض حركة الحرف فهى تابعة لمخرجه،فكما ينطق بالباء و الميم بكل حركتهما كذلك ينطق بهما بعض حركتهما.و أظن الناظم رحمه اللّه أشار إلى هذه الأشياء و نحوها بقوله«و كن متأملا»أى تأمل ما قد أطلقه المصنفون فى التعبير عن ذلك بفهمك

********

(1) سورة يوسف،آية:140.

(2) سورة العنكبوت،آية:21.

(3) سورة الأنعام،آية:60.

(4) سورة المائدة،آية:61.

(5) سورة يوسف،آية:11.

ص: 100

و تدبره بعقلك و علمك،و نزل كل شيء فى منزلته،و لا تزله عن مرتبته.و قد نقلت فى الشرح الكبير.من كلام المصنفين فى ذلك عبارات كثيرة مختلفة،و للّه الحمد.

ثم ذكر القاعدة الثالثة فقال:

156-[و إدغام حرف قبله صحّ ساكن عسير و بالإخفاء طبّق مفصلا]

أى إدغام الحرف الذى قبله حرف صحيح ساكن عسير:أى يعسر النطق به؛و تعسر الدلالة على صحته لأنه يؤدى إلى الجمع بين الساكنين،لأن الحرف المدغم لا بدّ من تسكينه؛و قوله عسير خبر المبتدإ الذى هو إدغام حرف،و قوله قبله:صح ساكن جملة فى موضع الصفة لحرف.

و احترز بقوله صح ساكن عما قبله ساكن ليس بحرف صحيح بل هو حرف مد فإن الإدغام يصح معه نحو:

(فِيهِ هُدىً (1) - وَ قالَ لَهُمْ 2) .

و يقول ربنا،و كذا إذا انفتح ما قبل الواو و الياء نحو:

(قَوْمُ مُوسى 3) .

كيف فعل؛فإن فى ذلك من المد ما يفصل بين الساكنين.و أما ما قبله ساكن صحيح فلا يتأتى إدغامه إلا بتحريك ما قبله و إن خفيت الحركة،فإن لم يحرك انحذف الحرف الذى تسكنه للإدغام و أنت تظن أنه مدغم، و دليل ذلك أن العرب إذا أدغمت نحو ذلك فى الكلمة الواحدة حركت الساكن نحو،استعد و استعف،و لذلك لما أجمع على إدغام الميم فى مثلها فى.

(فَنِعِمّا هِيَ 4) .

كسرت العين و هى ساكنة فى غير هذا الموضع نحو:

(نِعْمَ الْعَبْدُ 5) .

فإذا ثبت أن ذلك ممتنع الإدغام لم يبق فيه إلا الإظهار أو الروم السابق ذكره،و هو النطق ببعض الحركة، و يعبر عنه بالاختلاس و بالإخفاء،فهذه العبارات كلها صحيحة؛و التعبير عنه بالإدغام تجوز.قال الجوهرى فى:

(شَهْرُ رَمَضانَ 6) :

إنما هو بحركة مختلسة،و لا يجوز أن تكون الراء الأولى ساكنة لأن الهاء قبلها ساكنة فيؤدى إلى الجمع بين الساكنين فى الوصل من غير أن يكون قبلها حرف لين،و هذا غير موجود فى شيء من لغات العرب و كذا:

(إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ (7) -و- أَمَّنْ لا يَهِدِّي (8) و- يَخِصِّمُونَ 9) .

********

(1) سورة البقرة،آية:2.

(2) سورة البقرة أيضا،آية:248.

(3) سورة الأعراف،آية:148.

(4) سورة البقرة،آية:271.

(5) سورة ص،آية:30.

(6) سورة البقرة،آية:185.

(7) سورة الحجر،آية:9.

(8) سورة يونس،آية:35.

(9) سورة يس،آية:49.

ص: 101

و أشباه ذلك قال:و لا معتبر بقول القراء إن هذا و نحوه مدغم لأنهم لا يحصلون هذا الباب،و الضمير فى طبق للقارئ:أى إذا أخفاه القارئ أصاب،و إن رام إدغامه امتنع عليه.و يجوز أن يكون الضمير للتعبير و إن لم يجر له ذكر،لأنه مفهوم من سياق الكلام:أى العبارة عنه بالإخفاء هى العبارة الصحيحة أو طبق من عبر عنه بالإخفاء مفصلا.و قيل الضمير فى طبق للحرف و ليس بشيء.و معنى مفصلا:أصاب،و هو من قولهم:طبق السيف إذا أصاب المفصل،و كذا طبق الجزار المفصل،و يقال للرجل إذا أصاب الحجة أنه يطبق المفصل،ثم مثل ما قبله ساكن فقال:

157-[خذ العفو و أمر ثمّ من بعد ظلمه و فى المهد ثمّ الخلد و العلم فاشملا]

ذكر أمثلة من المثلين و المتقاربين،فذكر من المثلين:

(خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ (1) - مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ 2) و من المتقاربين: (مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ (3) - و- فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (4) -و- دارُ الْخُلْدِ جَزاءً 5) .

و قوله فاشملا أراد فاشملن ثم أبدل من النون الخفيفة المؤكدة ألفا،يقال شملهم الأمر:إذا عمهم بكسر الميم فى الماضى و فتحها فى المضارع.و فيه لغة أخرى،و هى فتحها فى الماضى و ضمها فى المضارع:أى فاشمل الجميع من البابين بالحفظ و الفهم:أى اجمعه،فالأمر من ذلك بفتح الميم على اللغة الفصيحة و بضمها على اللغة الأخرى.

و قال ابن دريد:شمل الرجل و انشمل:أسرع أى أسرع فى حفظ ذلك و فهمه و تعليمه و لا تتبطأ فى ذلك و لا تتخلف عنه،و اللّه أعلم.

باب هاء الكناية

هذا الباب غير متعلق بسورة الفاتحة،بل هو و ما بعده من الأبواب إلى آخر الأصول مما يتعلق بسورة البقرة فما بعدها،و قد تقدمت ترجمة سورة الفاتحة و ذكر ما فيها من الحروف فرشا و أصولا،فكان القياس بعد الفراغ من الإدغام أن يقول سورة البقرة،ثم يبوب لما فيها من الأصول،ثم يذكر الفرش و كذا فعل صاحب التيسير.

فإن قلت:لم قدم حروف الفرش فى الفاتحة على الأصول و عكس ذلك فى البقرة.

قلت:لتقدم حروف الفرش فى نظم آياتها،و هو(مالك،و الصراط،ثم عليهم)و قد سبق الاعتذار عن تأخر باب الإدغام عن ذلك.

و أما فى البقرة فأول ما تجد فيها من الحروف قوله تعالى:

(فِيهِ هُدىً 6) .

و يتعلق به أمران:أحدهما الإدغام و قد سبق.و الثانى صلة هاء الكناية،فيتعين الابتداء ببابها،و بعده باب المد و القصر لأجل قوله تعالى:

********

(1) سورة الأعراف،آية:199.

(2) سورة الرعد،آية:37.

(3) سورة الشورى،آية:41.

(4) سورة مريم،آية:29.

(5) سورة فصلت،آية:28.

(6) سورة البقرة،آية:2.

ص: 102

(بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ 1) .

و أبواب الهمزة لأجل قوله تعالى:

(يُؤْمِنُونَ -و أَ أَنْذَرْتَهُمْ) .

و باب نقل الحركة و ترقيق الراء لقوله تعالى:

(وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 2) .

و باب الإظهار و الإدغام الصغير لقوله:

(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ - وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ - غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ 3) .

و لو كان وصل ذلك بباب الإدغام الكبير لكان حسنا.و قد فعل ذلك جماعة من المصنفين،و باب الإمالة لقوله:

(هُدىً -و عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) و باب اللامات لقوله: (وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) .

و أما باب الوقف على أواخر الكلم فظاهر،و كان حقه أن يتقدم على هذه الأبواب،لأنه محتاج إليه فى كلمات الفاتحة و غيرها،و أتبع ذلك بالوقف على مرسوم الخط اتباعا للوقف بالوقف.فقد اتضح أن المقتضى لذكر هذه الأبواب مقدم على كلمة:

(وَ ما يَخْدَعُونَ 4) .

و تلك أوّل كلمات الفرش،فلزم من ذلك ذكر تلك الأبواب قبلها،و ألحق بها ياءات الإضافة و الزوائد لأنها أيضا موجودة فى سورة البقرة و إن تقدم عليها بعض كلمات الفرش إلحاقا لأبواب الأصول بعضها ببعض.

ثم اعلم أن ما أضيف من هذه الأبواب إلى المصادر التى هى أفعال القراء فهو الجارى على حقيقة الكلام، نحو:باب الاستعاذة و البسملة و الإدغام و المد و القصر،و نقل الحركة و الوقف و الإمالة،و ما أضيف إلى محل هذه الأفعال فهو على حذف مضاف،نحو:باب هاء الكناية و باب الهمزتين و الهمز المفرد:أى باب أحكام ذلك كما صرح بذلك فى أوّل باب أحكام النون الساكنة و التنوين،أو يقدر المحذوف فى كل باب بما يناسبه:

أى باب صلة الهاء و باب تسهيل الهمز و نحو ذلك.و هاء الكناية فى عرف القراء عبارة عن هاء الضمير التى يكنى بها عن الواحد المذكر الغائب و حقها الضم،إلا أن يقع قبلها كسر أو ياء ساكنة فحينئذ تكسر،و يجوز الضم كما قرئ به فى:

(لِأَهْلِهِ امْكُثُوا (5) - وَ ما أَنْسانِيهُ (6) - عَلَيْهُ اللّهَ 7) .

********

(1) سورة البقرة،آية:4.

(2) نفس السورة،آية:4.

(3) نفس السورة،آية:7.

(4) نفس السورة،آية:9.

(5) سورة طه،آية:10.

(6) سورة الكهف،آية:63.

(7) سورة الفتح،آية:10.

ص: 103

فى سورة الفتح.و الخلاف بين القراء فى هاء الكناية فى صلتها بواو إن كانت مضمومة و بياء إن كانت مكسورة،و فى تحريكها بذلك من غير صلة و يسمى قصرا،و فى إسكانها فى مواضع مخصوصة،و سيأتى جميع ذلك إن شاء اللّه تعالى:

158-[و لم يصلوا ها مضمر قبل ساكن و ما قبله التّحريك للكلّ وصّلا]

قصر لفظ ها ضرورة:أى هاء الضمير إذا لقيها ساكن لم توصل لجميع القراء،لأن الصلة تؤدى إلى الجمع بين ساكنين بل تبقى الهاء على حركتها ضمة كانت أو كسرة،و مثاله:

(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ (1) - وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى 2) .

و كذا إذا كانت الصلة ألفا و ذلك فى ضمير المؤنث المجمع على صلته بها مطلقا،فإن صلتها تحذف للساكن بعدها نحو:

(مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ (3) - فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ 4) .

فقوله و لم يصلوا ها مضمر عام يشمل ضمير المذكر و المؤنث و إن كان خلاف القراء واقعا فى المذكر فحسب،فأمكن حمل اللفظ فيه على عمومه.

و لا يرد على هذا الإطلاق إلا موضع واحد فى قراءة البزى فإنه يقرأ فى سورة عبس عنهو تلهى بالصلة و تشديد التاء بعدها،فقد وصل قبل ساكن فى قراءته،و أما قنبل فوصل قبل متحرك،و هذا كما أنه يصل ميم الجميع فى قوله تعالى:

(وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ (5) فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ 6) .

على رواية تشديد التاء بعدها.

و وجهه أن الجمع بين الساكنين فى مثل هذا جائز فصيح من حيث اللغة،لأن الأوّل حرف مدّ و الثانى مدغم،فهو من باب(دابة،و الضالين).

فإن قلت:فلم لا يوصل نحو:

(لَعَلِمَهُ الَّذِينَ 7) فهو كذلك.

قلت:لأن الإدغام فى الذين متأصل لازم بخلاف تلك المواضع،و قد سبق هذا الفرق فى ترك صلة ميم الجمع قبل الساكن.

ثم قال:و ما قبله التحريك:أى و الذى تحرك ما قبله من هاءات المضمر المذكر التى ليس بعدها ساكن، فكل القراء يصلها بواو إن كانت مضمومة،و بياء إن كانت مكسورة،و الضمير فى وصل يرجع إلى ما لأنها بمعنى الذى،و شدد وصل للتكثير لكثرة المواضع نحو كسر و قطع،و مثال ذلك:

********

(1) سورة النساء،آية:83.

(2) سورة الليل،آية:21.

(3) سورة البينة،آية:8.

(4) سورة مريم،آية:23.

(5) سورة آل عمران،آية:143.

(6) سورة الواقعة،آية:65.

(7) سورة النساء،آية:83.

ص: 104

(أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (1) - وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ 2) .

و وجه أصل الصلة أن الهاء حرف خفى فقوى بالصلة بحرف من جنس حركته،إلا أن هذه الصلة تفعل فى الهاء التى تكون من نفس الكلمة نحو:

(ما نَفْقَهُ كَثِيراً (3) - فَواكِهُ كَثِيرَةٌ (4) و لمّا أن توجّه) لأن صلة مثل ذلك قد توهم تثنية و جمعا بخلاف هاء الضمير،و لأن هاء الضمير اسم على حرف واحد فناسب أن تقوى،و ما أجروه مجرى هاء الضمير الهاء فى اسم الإشارة إلى المؤنث نحو:

(هذِهِ ناقَةُ اللّهِ 5) فهى موصولة للكل لتحرك ما قبلها،و تحذف عند الساكن نحو.

(هذِهِ النّارُ 6) .

ثم إن الصلة تسقط فى الوقف كما ذكرنا فى صلة ميم الجمع إلا الألف فى ضمير المؤنث.و ذلك لأن الصلة زيادة فى الآخر لتتميم و تكميل فشابهت التنوين،فحذفت كما تحذف مع الضم و الكسر،و تثبت مع الفتح كما تبدل من التنوين ألفا فى الوصل.

159-[و ما قبله التّسكين لابن كثيرهم و فيه مهابا معه حفص أخو ولا]

أى وصل ما قبله ساكن لابن كثيرهم وحده نحو:(فيه،و عليه،و إليه،و منه،و اجتباه،و عقلوه) فإن لقى الهاء ساكنا لم يصل على ما سبق تقريره،نحو:

(إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (7) - فَأَراهُ الْآيَةَ (8) - يَعْلَمْهُ اللّهُ 9) .

و قراءة الباقين بترك الصلة فى كل ما قبله ساكن،و علم ذلك من الضد،لأن ضد الصلة تركها.

و وافق ابن كثير هشام على صلة(أرجئه)بواو على ما سنذكره،و وافقه حفص على صلة:

(فِيهِ مُهاناً 10) .

فى سورة الفرقان بياء،فهذا معنى قوله:و فيه مهانا معه حفص:أى مع ابن كثير،و الولاء بكسر الواو و المد:بمعنى المتابعة مصدر والاه ولاء مثل راماه رماء،و هذه اللفظة قد كثر ورودها فى قافية هذه القصيدة، و هذا معناها حيث جاءت،و لوقوفه عليها سقط همزها و مدها على ما سبق تقريره فى:أجذم العلا،فقوله:

و فيه مهانا مبتدأ و ما بعده الخبر،و العائد إلى المبتدإ محذوف للعلم به:أى و هذه الكلمة حفص أخو متابعة لابن كثير فيها،فقوله حفص مبتدأ ثان و خبره أخو و لا:أى ذو متابعة لابن كثير فى مذهبه،لأن الموافقة كالمتابعة،

********

(1) سورة عبس،آية:21.

(2) سورة الجاثية،آية:23.

(3) سورة هود،آية:91.

(4) سورة المؤمنون،آية:12.

(5) سورة هود،آية:64.

(6) سورة الطور،آية:19.

(7) سورة غافر،آية:3.

(8) سورة النازعات،آية:20.

(9) سورة البقرة،آية:97.

(10) سورة الفرقان،آية:69.

ص: 105

أو هو صاحب متابعة السنة فى قراءته،و كل من أكثر من شيء و لازمه جاز أن يدعى أخاه كقوله:

*قل لابن قيس أخى الرّقيّات (1)* فإن قلت:هل يجوز أن تعود الهاء فى معه إلى لفظ (فِيهِ مُهاناً) كما يقال زيد معه المال.

قلت:هو جائز من حيث اللفظ،و لكنه ممتنع من جهة أنه يوهم أن حفصا وحده يصله دون ابن كثير، و إن رجع الضمير فى معه إلى ابن كثير زال هذا الوهم.فمن قرأ بالصلة فعلى الأصل،و الأكثر على ترك الصلة تخفيفا،و هشام و حفص جمعا بين اللغتين،و قيل قصدا بالصلة تطويل اللفظ تشنيعا على(ملإ فرعون-ما أمروا به) و إسماعا للخلق ما أوعد به العاصى.

160-[و سكّن يؤدّه مع نولّه و نصله و نؤته منها(ف)اعتبر(ص)افيا(ح)لا]

شرع يذكر ما وقع فيه الخلاف بين القراء فى إسكان هاء الكناية منه،و هو عشرة ألفاظ جاءت فى خمسة عشر موضعا،و هى:(نوله،و نصله،و يأته،و يرضه،و ألقه،و يتقه)فهذه ستة لم يكرر شيء منها(و يؤده، و أرجه،و يره)كل واحد جاء مرتين،فهى ستة أيضا،(و نؤته)فى ثلاثة مواضع،و عدها أبو بكر بن مجاهد ستة عشر موضعا،فزاد:

(لَمْ يَرَهُ 2) .

فى سورة البلد،و كلها هاءات كناية اتصلن بأفعال حذفت أواخرها للجزم بالشرط أو جوابه أو للأمر،و لم يذكرها صاحب التيسير إلا مفرقة فى أماكنها فى القرآن؛و كلها غير أرجئه كان واجب الصلة للكل لتحرك ما قبل الهاء،و لكن عرض فيه أمر آخر اقتضى جواز الإسكان فيه و جواز القصر على ما سيأتى،فصار فيها ثلاثة أوجه،و قد لفظ الناظم رحمه اللّه بالكلمات المذكورة فى هذا البيت على الوجوه الثلاثة،فسكن يؤده،و نوله؛ و وصل نصله،و قصر:

(نُؤْتِهِ مِنْها 3) .

و هذا من عجيب ما اتفق:أى أن حمزة و أبا بكر عن عاصم و أبا عمرو سكنوا هاء الكناية فى هذه الكلمات الأربع من بين العشر المذكورة،و هى فى سبعة مواضع:

(يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ 4) موضعان فى آل عمران (نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَ نُصْلِهِ 5) فى سورة النساء (نُؤْتِهِ مِنْها) موضع فى (حم عسق 6) و موضعان فى آل عمران.

فإن قلت:من أين يعلم أنه أراد تكرير يؤده و نؤته و عادته فى مثل ذلك أن يقول معا أو جميعا أو حيث أتى أو نحو ذلك:

********

(1) تمامه:ما أحسن العرف فى المصيبات.و العرف:بكسر العين الصبر ا ه من هامش الأصل.

(2) سورة البلد،آية:7.

(3) سورة آل عمران،آية:145.

(4) سورة آل عمران،آية:175.

(5) سورة النساء،آية:115.

(6) سورة الشورى،آية:1.

ص: 106

قلت:إطلاقه و عدم تقييده دل على ذلك،لأنه ليس بعضه أولى به من بعض،فإن ما يذكره فى أبواب الأصول لنسبته إلى المواضع كلها سواء،و لهذا قال(أرجئه)و لم يبين أنه فى سورتين،و إنما يحتاج إلى قوله معا و جميعا فى فرش الحروف،لئلا يظن أن ذلك مختص بما فى تلك السورة دون غيرها،هذا هو الغالب من أمره.

و قد جاء فى بعض المواضع مقيدا فى الأصول كقوله(تسؤ،و نشأ)ست و عشر(يشأ،و نبى)بأربع(و أرجى) معا(و أقرأ)ثلاثا،و لم يستوعب التقييد فى هذه المواضع المستثناة فقال بعد ذلك(و مؤصدة)و لم يقل معا فأطلق على الأصل؛و جاء الإطلاق فى الفرش فى مواضع مع عموم الحكم كالتوراة و كائن:على ما يأتى.و إسكان هاء الكناية لغة محكية سواء اتصلت بمجزوم أو غيره كقوله:و أنشده ابن مجاهد:

و أشرب الماء مائى نحوه عطش إلاّ لأنّ عيونه سيل واديها

و لم يسكنها القراء إلا فى المجزوم كالكلمات المذكورة و وجه الإسكان تشبيه هاء الضمير بألفه و واوه و يائه فأسكنت،أو استثقلت صلتها فأسكنت كما فعل فى ميم الجميع،أو وصلت بنية الوقف،و هذه الوجوه الثلاثة نعم المجزوم و غيره.

و فى المجزوم وجهان آخران:

أحدهما أنها سكنت تنبيها على الحرف المحذوف قبلها للجزم.

و الثانى أنها سكنت لحلولها محله،و نبه بقوله:صافيا حلا،على صحة هذه القراءة،و حسن وجهها فى العربية و إن كانت قد جاءت على خلاف المعهود فى هاءات الكناية من التحريك و الصلة،و صافيا نعت المفعول المحذوف:

أى لفظا صافيا حلوا،أو يكون حالا من فاعل فاعتبر:أى اعتبر المذكور فى حال صفاء ذهنك و باطنك من النفرة منه و حلاوة عبارتك فى ذكر دليله،أو يكون حالا من مفعول فاعتبر المحذوف إن قدرته معرفة:أى فاعتبر المذكور فى حا،صفائه و حلاوته،فيعود المعنى إلى ما ذكرناه فى الوجه الأول،أو أراد فاعتبر نظما صافيا حلوا.

و وجهه ما ذكرناه من أنه لفظ فى هذا البيت بوجوه الاختلاف الثلاثة فى هذه الكلمات و نحوه،و اللّه أعلم و أحكم.

161-[و عنهم و عن حفص فألقه و يتّقه (ح)مى(ص)فوة(ق)وم بخلف و أنهلا]

أى و عن من تقدم ذكرهم و عن حفص إسكان قوله تعالى:

(فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ 1) .

فى سورة النمل.و التقدير:و سكن فألقه عنهم و عن حفص،فيكون عطفا على قوله:و سكن يؤده،و قد تقدم فى شرح الخطبة،أن ضمير من تقدم رمزه نازل منزلة المسمى بصريح لفظه لا منزلة الرمز،فلهذا جمع بين الضمير فى و عنهم و بين قوله و عن حفص فصار على إسكان فألقه عاصم بكماله و أبو عمرو و حمزة،و قوله و يتقه مبتدأ و ليس عطفا على فألقه،و الواو من نفس التلاوة،أراد قوله تعالى فى سورة النور:

********

(1) سورة النمل،آية:28.

ص: 107

(وَ يَخْشَ اللّهَ وَ يَتَّقْهِ 1) .

و خبر المبتدإ حمى صفوه إلى آخر البيت.و تقدير الكلام فيه:و إسكان و يتقه على حذف مضاف:أى أسكن هاءه أبو بكر و أبو عمرو و خلاد عن حمزة بخلاف عنه؛فنقص من الرمز المذكور فى البيت السابق راو،و هو خلف و زاد فى فألقه راو و هو حفص.

و معنى حمى صفوه:أى صفو إسكانه قوم بخلف:أى حماه جماعة بحجج مختلفة و هى خمسة أوجه سبق ذكرها و معنى أنهل سقاه النهل و هو الشرب الأوّل،و حسن استعارة النهل بعد ذكر الصفو،أشار بذلك إلى أنهم قاموا فى نصرة الإسكان بما انشرحت له الصدور،فهذا معنى ظاهر هذا الكلام،و المراد بباطنه رمز القراء،و قوله بخلف ليس رمزا،و كذلك كل ما جاء منه نحو بخلفه بخلفهما بخلفهم،لأن المراد منه أن القارئ المذكور قبلها اختلفت الرواية عنه،فكأنه من تتمة ذكره،و أفرد الضمير فى أنهل ردا على لفظ قوم.و يجوز أن يكون الضمير فيه ليتقه:أى روى هذا الحرف القوم الذين حموه لما استنبطوا من المعانى و الفوائد،أو يعود على الصفو و هو أليق:أى حموه مما يكدره حفظا له بحاجتهم إليه فأنهلهم و رواهم،ثم بين قراءة حفص لهذه الكلمة فقال:

162-[و قل بسكون القاف و القصر حفصهم و يأته لدى طه بالإسكان(ي)جتلا]

أى قراءة حفصهم فحذف المضاف،يعنى أن حفصا يسكن القاف و يحرك الهاء بالكسر من غير صلة،و هذا معنى القصر،و هو ترك الصلة لأنها مد،و أسكن القاف لأنها صارت آخر الفعل بعد حذف الياء للجزم؛و قيل أجرى يتقه مجرى كتف فأسكن الوسط تخفيفا و أنشد:

فبات منتصبا و ما تكردسا

فلما سكنت القاف ذهبت صلة الهاء،لأن أصل حفص أن لا يصل الهاء التى قبلها ساكن إلا فى قوله تعالى - فِيهِ مُهاناً -و بقيت كسرة الهاء أمارة على عروض الإسكان فى القاف و الأصل كسرها،و لو لا هذا المعنى لوجب ضم الهاء لأن الساكن قبلها غير ياء،فهو مثل منه و عنه.و قيل كانت الهاء ساكنة فى قراءة حفص كما أسكنها فى فألقه،فلما أسكن القاف كسر الهاء لالتقاء الساكنين و هذا ضعيف،إذ لا مقتضى لإسكان القاف على تقدير سكون الهاء،و لأن كسر القاف و سكون الهاء أخف من العكس فلا معنى للعدول عنه:

و أما قوله: (وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً 2) .

فى سورة طه فلم يذكر الإسكان فيه إلا عن السوسى تبعا لصاحب التيسير،و ذكره الأهوازى عن ابن عامر و عاصم و أبى عمرو و حمزة رحمهم اللّه تعالى.و معنى يجتلا:ينظر إليه بارزا غير مستتر،من قولهم:اجتليت العروس،يشير إلى أن الإسكان محكى مسطور فى الكتب فلا ينفى لعدم ذكر بعض المصنفين له كابن الفحام فى تجريده و غيره.و قوله لدى طه:أى عندها و فى أثناء آياتها،و سمى سورة هذا الحرف زيادة فى البيان لا للتمييز إذ ليس غيره.

********

(1) سورة النور،آية:52.

(2) سورة طه،آية:75.

ص: 108

163-[و فى الكلّ فصر الهاء()ان(ل)انه يخلف و فى طه بوجهين(ب)جّلا]

يعنى بالكل جميع الألفاظ المجزومة من قوله:و سكن يؤده إلى يتقه،و قصر الهاء عبارة عن ترك الصلة، و يسمى أيضا الاختلاس.و قوله:بان لسانه رمز لقالون و هشام،و معناه فى الظاهر اتضحت لغته و ظهر نقله، لأن قصر الهاء لغة فصيحة سواء اتصلت بمجزوم أو غيره،أنشد الدانى للأعشى جمعا بين اللغتين القصر و الصلة قوله:

و ما له من مجد تليد و ماله من الرّيح حظّ لا الجنوب و لا الصّباء

و وجه لغة القصر فى المجزوم النظر إلى الحرف المحذوف قبل الهاء للجزم لأن حذفه عارض،و لو كان موجودا لم توصل الهاء لوجود الساكن قبلها على ما تقرر،فهذا توجيه حسن لما جاءت القراءة به من القصر فى المجزوم، و لم تأت فى غيره لفقد هذه العلة فيه،و قوله بخلف:يعنى عن هشام لأنه الذى يليه،و لو كان الخلاف عنه و عن قالون لقال بخلفهما،و لو كان عن ثلاثة لقال بخلفهم،و كل هذا قد استعمله فى نظمه كما سيأتى.

و الخلف الذى عن هشام وجهان:

أحدهما القصر و قد ذكره.

و الثانى الصلة كسائر القراء،و لا يجوز أن يكون الإسكان،لأنه قد ذكر الإسكان عن الذين قرءوا به و لم يذكر هشاما معهم.

و أما حرف طه فوصله هشام كسائر القراء غير السوسى.

و لقالون وجهان:القصر و الصلة،و لا يكون الإسكان لما ذكرنا.و وجه الصلة تحرك الحرف الذى قبل الهاء،و لا نظر إلى الحرف المحذوف.و قوله:بوجهين متعلق بمحذوف:أى يقرأ حرفه بوجهين بجلا:أى و قرا كلاهما يشير إلى أن القصر أفشا من الإسكان فى لغة العرب كما تقدم بيانه،و لأنه ضمير على حرف واحد صحيح:فكان محركا كالتاء و الكاف.و وجه إسكانها تشبيهها بالألف و الواو.

و فى ياء الإضافة وجهان:الفتح و الإسكان و سيأتيان.و يجوز أن يكون التقدير:و الحرف الذى فى طه بجل بوجهين.

164-[و إسكان يرضه(ي)منه(ل)بس(ط)يّب

بخلفهما و القصر(ف)اذكره(ن)ولا]

أراد قوله تعالى فى سورة الزمر:

(وَ إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ 1) .

أسكنه السوسى بلا خلاف و هشام و الدورى عن أبى عمرو بخلفهما،و أخبر بظاهر لفظه عن الإسكان بأن يمنه لبس طيب،تقريرا له و إزالة للنفرة عنه.و يجوز فى قوله و القصر وجهان:الرفع على الابتداء و خبره ما بعده أو محذوف:أى و القصر كذلك يمنه لبس طيب.أو و القصر مقروء به،فهو قريب من قوله تعالى:

********

(1) سورة الزمر،آية:7.

ص: 109

(الزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا (1) - وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا 2) .

و النصب بفعل مضمر فسره ما بعده و الفاء فى فاذكره زائدة كقوله:

*و إذا هلكت فعند ذلك فاجزعى (3)* و الخلف الذى للدورى هو الإسكان و الصلة،و الذى لهشام الإسكان و القصر،و علم ذلك من جهة أنه ذكر هشاما مع أصحاب القصر فى أوّل البيت الآتى و لم يذكر الدورى معهم،فكان مع المسكوت عنهم و هم أصحاب الصلة،و نوفلا حال»و النوفل:الكثير العطاء.

165-[(ل)ه(ا)لرّحّب و لزّلزال خيرا يره بها

و شرّا يره حرفيه سكّن(ل)يسهلا]

الرحب:السعة أشار إلى شهرته و صحته:أى يجد المتصدى لنصرة القصر رحبا و سعة و مجالا من نقل ذلك لغة و قوّة تعليلية،فالذين قصروا يرضه حمزة و عاصم و هشام.بخلاف عنه،و نافع.ثم قال:و الزلزال أى و سورة الزلزال يعنى:

(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها 4) .

و هو مبتدأ و سكن خبره،و العائد إلى المبتدإ الضمير فى بها،و أنثه لأنه ضمير السورة:

(خَيْراً يَرَهُ 5) و (شَرًّا يَرَهُ 5) مفعول سكن،و حرفيه صفة لهما يفيد التأكيد.

و إنما أكثر من هذا البيان و لم يكتف بقوله يره كما نص على ألقه و يتقه و يؤده و غير ذلك حذرا من التى فى سورة البلد قوله:

(لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ 7) فتلك لم يذكر فى التيسير فيها خلافا و ذكره فى غيره،و الهاء فى حرفيه تعود على لفظ الزلزال،و يجوز أن يكون بدلا من خيرا يره و شرا يره بدل البعض من الكل،و يعنى بحرفيه هاءى الكناية فى هذا اللفظ،و كأن الوجه على هذا أن يقول حرفيهما.و إنما و حد ردا على يره لأنه لفظ واحد تكرر،و الألف فى ليسهلا للتثنية أى ليسهل الحرفان بالإسكان،و يجوز أن يكون خبر الزلزال قوله خيرا يره بها و شرا يره.ثم قال:سكن حرفى هذا اللفظ كما تقول الدار بها زيد و عمرو أكرمهما.و قيل أشار بقوله ليسهلا إلى ثقل الصلة هنا من جهة أن بعد كل هاء منهما واو فيلتقى واوان فى قوله،يرهو،و من يعمل يرهو،و العاديات،لأن هذه الصلة إنما اعتبارها

********

(1) سورة النور،آية:8.

(2) سورة المائدة،آية 38.

(3) أوله لا تجزعي إن منفسا أهلكته اه.

(4) سورة الزلزلة،آية:1.

(5) سورة الزلزال،آية:7 و 8.

(7) سورة البلد،آية:7.

ص: 110

فى الوصل،و أما الوقف فبالإسكان لا صلة فيه لجميع القراء فى جميع الهاءات،و قد تقدم ذكره.

فإن قلت:هذه المواضع التى نص لبعض القراء على إسكانها من أين تعلم قراءة الباقين.

قلت:قد سبق الإعلام بها فى قوله:و ما قبله التحريك للكل وصلا،و هذه المواضع المسكنة كلها قبل هاءاتها متحركات،فكأنه قال:القراء كلهم على صلة الهاء إذا تحرك ما قبلها و استثنى هؤلاء هذه المواضع فأسكنوها،و اللّه أعلم.

166-[وعى(نفر)أرجئه بالهمز ساكنا و فى الهاء ضمّ(ل)فّ(د)عواه(ح)رملا]

أرجئه موضعان فى الأعراف و الشعراء،و معنى وعى حفظ:أى حفظ مدلول نفر،و هم ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر أرجئه بهمزة ساكنة،و حفظ الباقون بلا همز،و هما لغتان فصيحتان قرئ بهما قوله تعالى:

(و آخرون مرجئون (1)-و تُرْجِي مَنْ تَشاءُ 2) .

و نفر همزوا الجميع،يقال أرجأت الأمر:إذا أخرته،و بعض العرب يقول أرجيت كما يقول أخطيت و توضيت فلا يهمز حكاه الجوهرى.و قوله بالهمز،يؤخذ منه أن قراءة الباقين بلا همز،و لم تكن له حاجة إلى قوله ساكنا فإنه قد لفظ به كذلك.

فإن قلت:فيه زيادة بيان.

قلت:صدقت و لكنه يلبس الضد،إذ يلزم من ذلك أن يكون الضد فتح الهمز كقوله(و يطهرن)فى الطاء السكون (و الأيكة)اللام ساكن(منسأته)سكون همزته ماض،فإن ضد السكون فيها فتح الطاء و اللام و الهمزة.و عذره فى ذلك أن الهمز هو صاحب الضد فضده لا همز كما ذكر ذلك فى(الصابئين)و(الأيكة)و لم يقدح فى ذلك وصفه الهمز بالسكون،و هذا كما أن الحركة ضدها السكون،و لا يقدح فى ذلك ذكره الكسر و الضم و الفتح معها على ما مهدناه فى شرح الخطبة،و ساكنا حال من الهمز.و لو قال مكانه فيهما لكان جيدا و ارتفع الإيهام المذكور أى فى الموضعين.

ثم ذكر أن جميع من همز أرجئه ضم الهاء إلا ابن ذكوان فإنه كسرها.و استبعدت قراءته و تكلم فيها من جهة أن الهاء إنما تكسر بعد كسر أو ياء ساكنة و حقها الضم فى غير ذلك،فأرجئه مثل منه وزنه و أهبه.و قد اعتذر له بأن الهمز لم يعتد به حاجزا لقبوله الإبدال،فكأن الهاء و ليت الجيم المكسورة،أو كأنها بعد ياء ساكنة فى التقدير لو أبدلت الهمزة ياء.و يضعف هذا الاعتذار وجوه.

الأوّل أن الهمز معتدّ به حاجزا بإجماع فى(أنبئهم و نبئهم)و الحكم واحد فى ضمير الجمع و المفرد فيما يرجع إلى الكسر و الضم.

الثانى أنه كان يلزمه صلة الهاء إذ هى فى حكمه كأنها قد وليت الجيم.

الثالث أن الهمز لو قلب ياء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صريح الياء نظرا إلى أن أصلها همزة فما الظن بمن يكسر الهاء مع صريح الهمزة،و سيأتى تحقيق ذلك فى باب وقف حمزة؛فضم الهاء مع الهمز هو الوجه

********

(1) سورة التوبة،آية:106.

(2) سورة الأحزاب،آية:51.

ص: 111

فلهذا قال فيه:لف دعواه حرملا؛و الهاء فى دعواه للضم.و الحرمل:ثبت معروف له فى الأدوية مدخل، أشار بذلك إلى ظهور وجه الضم مع الهمز،أى فى طى الدعوى به ما يبين حسنه و جودة القراءة به.و ذكر ابن جنى فى كتابه المحتسب قال:و روى عن ابن عامر(أنبئهم)بهمزة و كسر الهاء.قال ابن مجاهد:و هذا لا يجوز.قال ابن جنى:طريقه أن هذه الهمزة ساكنة،و الساكن ليس بحاجز حصبن عندهم،فكأنّ لا همز هناك أصلا.ثم قرر ذلك بنحو مما تقدم،و اللّه أعلم قال:

167-[و أسكن(ن)صيرا(ف)از و اكسر لغيرهم

وصلها(ج)وادا(د)ون(ر)يب(ل)توصلا]

نصيرا حال من فاعل أسكن:أى ناصرا فائزا بظهور الحجة،و قد تقدم وجه الإسكان،و قرأ به ؟؟؟منا عاصم و حمزة و لا همز فى قراءتهما؛فصار أرجه كألقه و هما يسكنانهما،و أبو عمرو وافقهما على ألقه و لم يمكنه الإسكان فى أرجه لأنه يهمز؛ففي الإسكان جمع بين ساكنين،ثم قال:و اكسر لغيرهم أى لغير الذين ضموا و الذين سكنوا و هم نافع و الكسائى و ابن ذكوان.و قد مضى الكلام فى قراءة ابن ذكوان،و نافع و الكسائى كسرا الهاء لكسرة الجيم قبلها إذ ليسا من أصحاب الهمز.

ثم ذكر الذين وصلوا الهاء و هم أربعة:اثنان من أصحاب الضم و الهمز،و هما ابن كثير و هشام،و اثنان من أصحاب الكسر بلا همز و هما الكسائى و ورش و صلاها بياء على أصلهما فى صلة ما قبله متحرك،و ابن كثير وصلها بواو على أصله فى صلة ما قبله ساكن.و هشام وافقه و خالف أصله فى ترك صلة ما قبله ساكن،فقد وافق ابن كثير على مذهبه فى الصلة راويان كل واحد منهما فى حرف واحد:أحدهما فى صلة الضم بواو و هو هشام فى هذا الحرف.و الآخر فى صلة الكسر بياء و هو حفص فى:

(فِيهِ مُهاناً 1) .

و قد تقدم و أبو عمرو ضم من غير صلة على أصله،و قالون قصر الهاء فكسرها من غير صلة على أصله فى المواضع المجزومة كلها.

فالحاصل أن فى كلمة أرجه ست قراءات:ثلاث لأصحاب الهمز،لابن كثير و هشام وجه،و لأبى عمرو وجه،و لابن ذكوان وجه.و ثلاث لمن لم يهمز لعاصم و حمزة وجه،و للكسائى و ورش وجه،و لقالون وجه، و قد جمعت هذه القراءات الست فى بيت واحد فى النصف الأول قراءات الهمز الثلاث،و فى النصف الآخر قراءات من لم يهمز الثلاث فقلت:

و أرجئه مل و الضم خر صله دع لنا و أرجه ف نل صل جى رضى قصره بلا

فابتدأت بقراءة ابن ذكوان و لم أخف تصحيفها بغيرها،إذ لا يمكن فى موضعها من جهة الوزن شيء من القراءات الست إلا قراءة أبى عمرو و هى مبينة بعدها،و قراءة قالون على زحاف فى البيت،و قراءة قالون سنبين فى آخر البيت مع أن صورة الكتابة مختلفة،فتعين ما ابتدأ به لابن ذكوان،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة الفرقان،آية:69.

ص: 112

و جميع الكلمات المجزومة الخمسة عشر توصل بالياء إلا كلمتين يرضه و يره فإنهما يوصلان بالواو.و فى أرجئه الوجهان،من وصل هامزا فبالواو،و غير الهامز يصل بالياء.و قوله جوادا حال من فاعل صلها.

و الريب:الشك،و قوله لتوصل من محاسن الكلام.

باب المد و القصر

المد فى هذا الباب:عبارة عن زيادة المد فى حروف المد لأجل همزة أو ساكن.و القصر:ترك الزيادة من المد،و قد يستعمل المد فى إثبات حرف المد و القصر فى حذفه،و ذلك يأتى فى فرش الحروف نحو:و مد أنا فى الوصل،و فى(حاذرون)المد،و قصر:

(آتَيْتُمْ مِنْ رِباً 1) .

و آتاكم فقصر حفيظا،و معنى القصر:المنع؛من قولهم قصرت فلانا عن حاجته:أى منعته منها؛و منه (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ 2) .

فلهذا سمى منع المد قصرا،و اللّه أعلم.

168-[إذا ألف أو ياؤها بعد كسرة أو الواو عن ضمّ لقى الهمز طوّلا]

ألف فاعل فعل مضمر فسره قوله لقى الهمز:أى إذا لقيت الألف الهمز،و الهاء فى ياؤها تعود على الألف لأنها أختها فى المد،أو تعود على حروف الهجاء للعلم بها،و قوله:عن ضم أى بعد ضم لأن عن للمجاوزة، و أسكن الياء فى لقى ضرورة،و الضمير فى طول الحرف المد مطلقا:أى الذى لقى الهمز،و معنى طول مد،لأن حرف المد كلما طوّل ازداد مدا؛و قد تقدم أن حروف الهجاء يجوز تأنيثها و تذكيرها،فلهذا أنث فى قوله ياؤها؛ و ذكر فى قوله لقى الهمز طول،و ذكر فى هذا البيت حروف المد الثلاثة،و هن،الألف و الياء و الواو،و لم يقيد الألف لأنها لا تقع إلا بعد فتحة،و قيد الياء بكسرة قبلها و الواو بضمة قبلها،لأن كل واحدة منهما يجوز أن يقع قبلها فتحة(كهيئة،و سوأة)و لذلك حكم سيأتى و شرط الياء و الواو أيضا أن يكونا ساكنين،و أما الألف فلا تكون إلا ساكنة،فالألف لا يزال حرف مدّ.

و أما أختاها فبشرطين:

أحدهما السكون.

و الثانى أن يكون حركة ما قبلهما من جنسهما قبل الياء كسرة و قبل الواو ضمة،فحينئذ يكونان حرفى مد نحو قال و قيل و يقول.ينطق فى هذه الثلاثة بعد القاف بمدة ثم لام.

فإذا اتفق وجود همز بعد أحد هذه الحروف طول ذلك المد،استعانة على النطق بالهمز محققا،و بيانا لحرف المد خوفا من سقوطه عند الإسراع لخفائه و صعوبة الهمز بعده،و هذا عام لجميع القراء إذا كان ذلك فى كلمة واحدة،نص على ذلك جماعة من العلماء المصنفين فى علم القراءات من المغاربة و المشارقة.

********

(1) سورة الروم،آية:39.

(2) سورة الرحمن،آية:72.

ص: 113

و منهم من أجرى فيه الخلاف المذكور فى كلمتين على ما سيأتى.و بعضهم اختار تفضيل الألف على أختيها فى المد،و تفضيل الياء على الواو،و اللّه أعلم و أحكم.

169-[فإن ينفصل فالقصر(ي)ادره(ط)البا بخلفهما(ي)رويك(د)رّا و مخضلا]

أى فإن ينفصل المذكور بعضه من بعض،و المذكور هو أن يلقى حرف المد همزا.و هو فى اصطلاح القراء على ضربين:متصل و منفصل.فالمتصل:أن يلتقيا فى كلمة واحدة،و قد سبق ذكره.و المنفصل:

أن يلتقيا و حروف المد آخر كلمة و الهمز أوّل كلمة أخرى،و يسمى مد حرف لحرف،و هذا هو المذكور فى هذا البيت.فالقراء فيه على قسمين:منهم من جرى على المد كما فى المتصل.و منهم من لم يطول المد،بل اقتصر على ما فى حرف المد من المد الذى فيه إذا لم يصادف همزة،فهذا هو الذى عبر عنه بالقصر،و سواء فى ذلك حرف المد المرسوم فى المصحف و الذى لم يرسم له صورة نحو(ها أنتم،و يا آدم)لم يرسم فى كل كلمة غير ألف واحدة هو صورة الهمزة و ألف ها و يا محذوفة،و نحو صلة هاء الكناية و ميم الجمع نحو:

(بِهِ أَنْ يُوصَلَ (1) - وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ 2) .

يجرى الأمر فيه كغيره من المد و القصر على ما تقتضيه مذاهب القراء فالذين قصروا هم ابن كثير و السوسى، و كذا قالون و الدورى عن أبى عمرو بخلاف عنهما.و الباقون على المد (3)و لم يذكر صاحب التيسير القصر عن الدورى،فهو من زيادات القصيدة،و قد ذكره غيره على ما نقلناه فى الشرح الكبير.

و منهم من نقل الخلاف عن أبى عمرو نفسه.و وجه القصر الانفصال،لأن لكل كلمة حكم الاستقلال، فلم يقو الالتقاء قوته إذا كان فى كلمة واحدة.و منهم (4)من حكى عن ابن كثير المد فى كلمة الشهادة.

و قد ذكر جماعة من المصنفين تفصيلا بين أصحاب المد فجعل بعضهم أطول مدا من بعض،و لم يتعرض الشيخ الشاطبى رحمه اللّه فى نظمه لذلك.

و حكى عنه الشيخ أبو الحسن رحمه اللّه فى شرحه أنه كان يرى فى المنفصل مدتين:طولى لورش و حمزة؛ و وسطى لمن بقى.

و يجوز فى قوله فالقصر الرفع و النصب أجود،و يرويك جملة مستأنفة أو حال من الهاء فى بادره:أى بادره طالبا مرويا،فيكون طالبا حالا من الفاعل و مرويا حالا من المفعول،نحو:لقيته مصعدا منحدرا.

و يجوز أن يكون يرويك جوابا للأمر فى بادره و لم يجزمه ضرورة،و درا مصدر فى موضع الحال:أى دارّا و مخضلا عطف عليه،و هما حالان من فاعل يرويك العائد على القصر،يقال درت الناقة و در الضرع باللبن يدر و يدر درورا و درا.و الدر:اللبن نفسه أيضا،و درت السماء:كثر مطرها.و أخضلت الشيء فهو مخضل:

إذا بللته،و شيء خضل أى رطب.و الخضل:النبات الناعم،و كل هذا ثناء على القصر:أى بادره يثلج له

********

(1) سورة البقرة،آية:27.

(2) سورة البقرة أيضا،آية:87.

(3) و فى الشرح الكبير هذا اختيار صاحب القصيدة و الذى أخذناه عن شيخنا أبى الحسن و المتصل وجهان.مد طويل لورش و حمزة.و مد متوسط للباقين و فى المنفصل كذلك اه.

(4) كالحافظ أبى العلا الهمدانى و الهذلى و الطبرى و ليس من طريق الناظم ا ه ضياع.

ص: 114

صدرك بما يدر من فوائده و ينسكب من معانى استحسانه و هو اختيار المبرد،ثم مثل القسمين فقال:

170-[كجىء و عن سوء و شاء اتّصاله و مفصوله فى أمّها أمره إلى]

أى اتصال الهمز بحرف المد فى كلمة واحدة مثل جىء فى قوله:

(وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ 1) .

فهذا مثال الياء و مثله سىء بهم و الواو كقوله:

(أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ 2) .

و ثلاثة قروء الألف فى نحو شاء و جاء ثم مثل المفضول و هو الالتقاء فى كلمتين بقوله سبحانه:

(فِي أُمِّها رَسُولاً 3) .

فهذا مثال الياء و مثله:

(أُولِي أَجْنِحَةٍ (4) - يا بَنِي آدَمَ 5) و الواو نحو: (قُوا أَنْفُسَكُمْ (6) - قالُوا آمَنّا 7) .

و مثل الشاطبى رحمه اللّه بقوله:أمره إلى،إعلاما بأن واو الصلة التى لا رسم لها فى المصحف كغيرها.و مثله على قراءة ورش و غيره إنهمو أناس-عليهمو آياتنا-و مثال الألف:

(لا إِلهَ إِلاَّ اللّهُ (8) - أَنَّها إِذا جاءَتْ (9) - لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ 10) .

و ضاق على الناظم تمثيل الألف من القرآن فى هذا البيت و إن كان حاصلا من جمعه بين المثالين فى قوله أنها أمره.لأن الغرض تصوير المثال،كما أنه فى بيت آخر سيأتى مثل بأوهلا فى آخر باب الهمز المفرد فقال:كآدم أوهلا و ليس أوهل فى القرآن،و الهاء فى اتصاله و مفصوله لحرف المد.و مفصوله مبتدأ و ما بعده الخبر على حذف مضاف:أى مثل هذا اللفظ و غلط من قال الخبر فى الجار و المجرور:أى مستقر فى المذكور،لأن فى أمها لم يقصد به فى البيت إلا حكاية ما فى القرآن.و فى نحو قوله تعالى-هؤلاء-مدان مد ألف ها من المنفصل و مد الألف الأخيرة من المتصل،فاعلم ذلك و اللّه أعلم.

171-[و ما بعد همز ثابت أو مغيّر فقصر و قد يروى لورش مطوّلا]

أى و الذى وقع من حروف المد بعد همز سواء كان ذلك الهمز ثابتا أو مغيرا،و يعنى بالثابت الباقى على لفظه و صورته،و بالمغير ما لحقه نقل أو تسهيل أو إبدال على ما نبينه.و تقدير الكلام:فإن انعكس ما ذكرناه فوقع حرف المد بعد الهمز،و هذا لا يكون إلا فى المتصل لأن حرف المد لا يقع أوّل كلمة لاستحالة ذلك من أجل سكونه.فقوله:و ما مبتدأ و خبره قوله فقصر:أى فهو ذو قصر أو فحكمه قصر،و دخلت الفاء لما

********

(1) سورة الفجر،آية:23.

(2) سورة النساء،آية:149.

(3) سورة القصص،آية:59.

(4) سورة فاطر،آية:1.

(5) سورة الأعراف،آية:26.

(6) سورة التحريم،آية:6.

(7) سورة البقرة،آية:14.

(8) سورة القتال،آية:19.

(9) سورة الأنعام،آية:109.

(10) سورة الكافرون،آية:2.

ص: 115

فى المبتدإ من معنى الشرط،و هذا القصر لجميع القراء ورش و غيره،و لم يذكر ابن مجاهد عن أحد خلاف ذلك و لا عامة كتب العراقيين،ثم قال أو قد يروى ذلك لورش مطوّلا:أى ممدودا مدا طويلا،قياسا على ما إذا تقدم حرف المد على الهمز.و نص على المذكور ابن شريح و ابن الفحام و صاحب العنوان و مكى و المهدوى و غيرهم من المغاربة و المصريين فى مصنفاتهم،و وجه القصر عدم المعنى الذى لأجله مد حرف المد إذا تقدم على الهمز، و اللّه أعلم.

172-[و وسّطه قوم كآمن هؤلا ء آلهة آتى للإيمان مثّلا]

أراد وسط المد لورش فى ذلك جماعة ليكون المد فى هذا النوع أقل منه فيما إذا تقدم حرف المد على الهمز لظهور الفارق بينهما،و لم يذكر صاحب التيسير غيره،و ذكره أيضا أبو على الأهوازى و غيره،و لا مانع من أن يكون لفظ قوم فى بيت الشاطبى رحمه اللّه رمزا لخلاد على اصطلاحه كما قال فيما مضى:حمى صفوه قوم، فكان ينبغى له أن يأتى بلفظ يزيل هذا الاحتمال،نحو أن يقول و بالمدة الوسطى،أو يقول و وسطه أيضا كآمن فقد صار لورش ثلاثة أوجه فى هذا النوع:القصر كسائر القراء؛و المد المتوسط،و المد الطويل.ثم مثل ما فيه هذه الأوجه بأربعة أمثلة:اثنان فيهما الهمز ثابت و هما آمن و آتى و بعد الهمز ألف،و مثال ما بعده واو أوحى و أوتى،و مثال ما بعده ياء:

(إِيلافِهِمْ (1) - وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى 2) .

و إن كان الهمز فى بعض ذلك يجوز أن تلقى حركته على الساكن قبله فيصير من باب الهمز المغير،نحو:

(قُلْ أُوحِيَ (3) - مَنْ آمَنَ 4) .

و اثنان من أمثلة الناظم فيهما الهمز مغير أحدهما:

(لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً 5) .

فقراءة ورش بإبدال همزة آلهة ياء فى الوصل بعدها ألف فهى حرف مد بعد همز مغير،و الثانى للإيمان بنقل حركة همزة إيمان إلى اللام،و نحو:

(جاءَ آلَ لُوطٍ 6) .

يسهل ورش همزة آل بين بين،فالياء من إيمان و الألف من آل بعد همز مغير و بعض (7)من يرى المد لم يذكره بعد الهمز المغير،و وجهه عدم الهمز،و وجه المد ترك الاعتداد بالعارض،فالوجهان جائزان فى قصر حرف المد قبل الهمز المغير على ما يأتى فى باب الهمزتين من كلمتين،فقصر حرف المد بعد الهمز المغير أولى.

ثم إن بعض القائلين بالمد فى هذا النوع قد استثنوا له مواضع فلم يمدوها،و قد ذكرها الناظم فقال:

********

(1) سورة قريش،آية:2.

(2) سورة النحل،آية:90.

(3) سورة الجن،آية:؟؟؟.

(4) سورة سبأ،آية:37.

(5) سورة الأنبياء،آية:99.

(6) سورة الحجر،آية:61.

(7) (قوله و بعض الخ)و لكن العمل الآن من طريق النظم على تسوية المغير بالمحقق فليعلم ا ه ضباع.

ص: 116

173-[سوى ياء إسراءيل أو بعد ساكن صحيح كقرآن و مسئولا اسألا]

فى كلمة إسرائيل حرفا مد،الألف قبل الهمزة و الياء بعدها،فمد الألف من باب المتصل و مد الياء من هذا النوع المختص لورش،و أكثر ما تجىء كلمة إسرائيل بعد كلمة بنى،فيجتمع ثلاث مدات:مد يا بنى من المنفصل، و فى إسرائيل مدتان مع طول الكلمة و كثرة دورها،فاستثنى مد الياء تخفيفا فترك.

فإن قلت:

(وَ جاؤُ أَباهُمْ 1) .

فيه أيضا ثلاث مدات،فمد الألف قبل الهمزة من المتصل،و مد الواو لهمزة أباهم من المنفصل،و مدها للهمزة قبلها من النوع المختص لورش.

قلت:مدها لما بعدها و ما قبلها متحد فتدخلا،فلم يبق إلا مدتان،و أو فى قوله:أو بعد ساكن بمعنى الواو،كما قال بعد ذلك:و ما بعد همز الوصل،أراد و ما بعد ساكن ثم حذف الموصول اكتفاء بصلته، يعنى و استثنوا من ذلك ما وقع من الهمز الذى بعده حرف مد بعد ساكن صحيح:أى ليس بحرف علة،مثل جاءوا و الموءودة و سوآت و النبيئين،فإن المد فى كل هذا منصوص عليه،و الذى قبله ساكن صحيح،نحو:

قرآن و ظمئان و مسئولا،و عللوه بأن الهمزة معرضة للنقل إلى الساكن قبلها،و هذه علة فاسدة من وجوه.

الأوّل:أنه ليس من مذهب ورش النقل فى كلمة واحدة.

الثانى:أنه فيما تحقق فيه النقل يمد نحو للايمان،فما الظن بما يتوهم جواز نقله لغة.

الثالث:أنه منقوض بالموءودة،فإن النقل فيها سائغ كقرآن،و قد نص مكى و الدانى فى كتاب الإيجاز على مدها فعندى أن علة استثنائه مشكلة،و أن الناظم نبه على ذلك فى قوله اسألا،و هو فعل أمر مؤكد بالنون، الخفيفة ثم أبدل منها ألفا فى الوقف كنظائر له سلفت:أى اسألن عن علته و ابحث عنها و اكشفها ثم ذكر باقى المستثنى فقال:

174-[و ما بعد همز الوصل ايت و بعضهم يؤاخذكم آلآن مستفهما تلا]

ما بمعنى الذى مجرورة المحل عطفا على إسرائيل،و قوله ايت مثل:

(ائْتِ بِقُرْآنٍ (2) - اِئْتُوا صَفًّا (3) - اِئْذَنْ لِي (4) - اُؤْتُمِنَ 5) .

إذا ابتدأت بهذه الكلمات و نحوها وقع حرف المد بعد همز الوصل و حرف المد فى الجميع بدل من الهمزة التى هى فاء الكلمة من آتى و آذن و آمن،و لهذا:إذا وصلت الكلمة بما قبلها ذهبت همزة الوصل و نطقت بفاء الكلمة همزة فى موضع حرف العلة،فوجه ترك المد ظاهر،و هو أن أصل أحرف المد همزة،و لأن همزة الوصل قبله عارضة.

و ذكر بعض المصنفين فى مده وجهين،و علة المد النظر إلى صورة الكلمة الآن و الإعراض عن الأصل.

********

(1) سورة يوسف،آية:16.

(2) سورة يونس،آية:15.

(3) سورة طه،آية:64.

(4) سورة التوبة،آية:49.

(5) سورة البقرة،آية:283.

ص: 117

و اتفقوا على منع المد فى الألف المبدلة من التنوين بعد الهمزة نحو خطأ و ملجأ و ماء و غثاء؛و أما نحو:

(رَأَى الْقَمَرَ (1) -و تَراءَا الْجَمْعانِ (2) -و تَبَوَّؤُا الدّارَ 3) .

مما حذف منه حرف العلة لساكن بعده فى الوصل،فإذا وقفت عليه وقفت على حرف العلة و مددته لأجل الهمزة قبله،فهذا آخر ما استثنى بعد همز ثابت،و هذا آخر باب المد و القصر فى كتاب التيسير.و زاد صاحب القصيدة عليه فى هذا الباب من قوله:و بعضهم يواخذكم إلى آخر قوله و فى واو سوآت البيت،إلا أن الدانى ذكر مد نحو شيء و سوء فى أوّل البقرة.

ثم ذكر الناظم ما استثنى من هذا النوع بعد همز مغير فلم يمد لورش فقال:و بعضهم أى و بعض أهل الأداء استثنى لورش مواضع أخر ليست فى كتاب التيسير كالمهدوى و مكى و الحصرى فى قصيدته و محمد بن شريح فى كتاب التذكير قال:و لم يمد يواخذكم:

(عاداً الْأُولى (4) -و اَلْآنَ 5) .

فى الموضعين فى يونس،أعنى الألف التى بعد اللام و قال أبو عمرو الدانى فى كتاب الإيجاز:أجمع أهل الأداء على ترك زيادة تمكين فى قوله:

(يُؤاخِذُكُمُ (6) -و لا تُؤاخِذْنا (7) -و لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ 8) .

حيث وقع،و كأن ذلك عندهم من و اخذت غير مهموز.

قلت:فقد نص الدانى على أن استثناء يواخذكم مجمع عليه،فكان يلزمه ذكره فى كتاب التيسير؛ثم قال:

و زاد بعضهم ثلاثة أحرف فى آلآن فى الموضعين فى يونس:و عادا الأولى فى النجم،قلت:فهذه الثلاثة هى التى جعلها الدانى من استثناء بعضهم،فأدخل الشاطبى فيها يؤاخذكم لما رأى بعض المصنفين قد قرنها بهنّ،و لم يذكر استثناء ما تصرف منها،و كان يلزمه ذكره لئلا يتوهم تخصيصها بذلك،ثم قال آلآن مستفهما:أى هو من جملة ما استثنى بعضهم،و تلا خبر و بعضهم،و مستفهما حال من فاعل تلا:أى و بعضهم تلا يؤاخذكم كيف ما وقع و آلآن فى حال استفهامه به و عادا الأولى بغير مد،و دل على هذا التقدير كونه يعدّ فى تعداد ما استثنى من الممدود،و يجوز أن يكون مستفهما حالا من الآن لما كان الاستفهام فيه،و يجوز على هذا أن تكون الهاء مفتوحة أى مستفهما به.

و فيه مدتان لم يبين المستثنى منهما:إحداهما بعد همزة الاستفهام.و الثانية بعد اللام و هى المستثناة،بين ذلك المهدوى و ابن شريح كما نقلناه من كلامه.و وجه استثنائه استثقال الجمع بين مدتين من هذا النوع المختص بورش فى كلمة واحدة،و لا نظير لذلك،فمد بعد الهمزة الأولى الثابتة و ترك المد بعد الثانية المغيرة بالنقل و أما:

(الْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ 9) .

********

(1) سورة الأنعام،آية:77.

(2) سورة الشعراء،آية:61.

(3) سورة الحجر،آية:9.

(4) سورة النجم،آية:5.

(5) سورة الأنفال،آية:66.

(6) سورة البقرة،آية:225.

(7) سورة البقرة أيضا،آية:286.

(8) سورة المائدة،آية:89.

(9) سورة الأنفال،آية:66.

ص: 118

فليس فيه إلا مدة واحدة،و احترز بقوله مستفهما عن هذا و نحوه لأن ما لفظ به فى البيت يمكن قراءته باستفهام قبضا لخبن مفاعيلن،و نظمت أنا بيتا نطقت فيه بما لا يحتمل غير الاستفهام،و أدرجت يؤاخذ مع المجمع عليه فى الاستثناء على ما ذكره الدانى،و لم أقيده بالضمير ليشمل المواضع كلها،و أوضحت ما بعد همز الوصل بأن ذلك فى حال الابتداء،و صرحت بالتمثيل بايت فقلت:

و ما بعد همز الوصل بدءا كايت مع يؤاخذ زاد البعض آلآن قصر لا

أى موضع الاستثناء فى آلآن قصر لفظها لامها و هو ترك المد بعد الهمزة الثانية المنقول حركتها إلى اللام.

ففي البيت الذى نظمته خمسة أشياء فاتت بيت الشاطبى رحمه اللّه،و هى تصريح التمثيل بايت،و ذكر البدء، و إدراج يؤاخذ مع المستثنى المتفق عليه،و تعريته من الضمير ليعم،و بيان موضع المستثنى من الآن،ثم تمم المستثنى فقال:

175-[و عاد الأولى و ابن غلبون طاهر بقصر جميع الباب قال و قوّلا]

لم يسمح له النظم أن يلفظ بعادا الأولى على قراءة ورش فلفظ بها على قراءة حمزة إذا وقف عليها فى بعض الوجه.و أما قراءة ورش فبادغام التنوين فى اللام بعد نقل حركة الهمزة إليها فلم يمد واو لولى هنا و إن كان يمدها فى:

(سِيرَتَهَا الْأُولى 1) .

لأن الحركة هنا صارت كاللازمة من أجل التنوين فيها،فكأن لا همز فى الكلمة لا ظاهرا و لا مقدرا،فإن وقفت لورش على عادا فلك فى ابتداء لولى مذهبان:المد إن لم تعتد بالعارض،و تركه إن اعتددت بها ذكرهما المهدوى،و قوله:و ابن غلبون مبتدأ،و طاهر عطف بيان ميزه بذلك من أبيه:كل واحد منهما يقال له ابن غلبون؛ و كلاهما من علماء القراءات المصنفين فيها،فالأب مصنف كتاب(الإرشاد)و شيخ أبى محمد مكى بن أبى طالب، و هو أبو الطيب عبد المنعم بن عبد اللّه بن غلبون الحلبى نزيل مصر،و ابنه أبو الحسن طاهر بن عبد المنعم،و هو مصنف كتاب[التذكرة]و شيخ صاحب التيسير،و قوله بقصر جميع الباب متعلق بقال،و قال هو خبر المبتدإ أتى بذلك و أخذ به و عنى بجميع الباب كل ما كان حرف المد فيه بعد همز ثابت أو مغير،و قولا عطف على قال:

أى و قوّل ورشا بذلك:أى جعله هو المذهب له،و ما سواه غلطا و وهما قد قرر ذلك فى كتاب التذكرة فأحسن، و ما قال به ابن غلبون هو الحق،و هو اختيار ناظم القصيدة فى ما أخبرنى الشيخ أبو الحسن عنه رحمهما اللّه تعالى.

و غلبون اسم مشتق من الغلبة،و هو فى الزنة كحمدون من الحمد و سعدون من السعد،و استعمله الناظم هنا غير منصرف،و فى باب الهمز المفرد منصرفا،و النظم يحتمل الأمرين.و قد نقل ابن برهان فى شرح(اللمع) عن أبى على أن حمدون يمتنع صرفه،و وقع فى نظم المتنبى حمدون مصروفا و غير مصروف فى بيت واحد،فقال ابن جنى فى شرحه:ترك صرف حمدون ضرورة و قد أجازه الكوفيون،فدل هذا الكلام على أن رأى ابن جنى فيه الصرف فتحصلنا على وجهين فى حمدون و غلبون مثله،فالصرف رأى أبى الفتح،و تركه رأى شيخه أبى على رحمه اللّه،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة طه،آية:21.

ص: 119

176-[و عن كلّهم بالمدّ ما قبل ساكن و عند سكون الوقف وجهان أصّلا]

أى و ما وقع من حروف المد قبل ساكن فحكمه المد عن كل القراء،فهذه الجملة معطوفة على قوله:

و ما بعد همز ثابت أو مغير،فقوله ما قبل ساكن،ما فيه بمعنى الذى،و هى مبتدأ خبره أحد الجارين قبله مع مجروره و بالمد و عن كلهم،فأيهما قدرته خبرا علقت الآخر به،فإن جعلت الخبر بالمد كان التقدير:و الذى قبل ساكن مقروء بالمد عن كلهم،و إن قلت الخبر عن كلهم قدرت مروىّ عن كلهم بالمد؛و لو لا الباء فى بالمد لكان ما قبل ساكن مفعولا به.

و اعلم أن الساكن الواقع بعد حرف المد،تارة يكون مدغما،و تارة غير مدغم.و المدغم على ضربين:

واجب الإدغام لغة و جائزه.فالواجب نحو:

(دَابَّةٍ (1) -و اَلصَّاخَّةُ (2) -و اَلطَّامَّةُ (3) -و اَلضّالِّينَ (4) -و أَ تُحاجُّونِّي (5) -و آلذَّكَرَيْنِ (6) - و (آللّهُ خَيْرٌ 7) و الجائز نحو (الْكِتابَ (8) - اَلْأَبْرارَ لَفِي (9) - نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا 10) على قراءة أبى عمرو (وَ لا تَعاوَنُوا 11) .

على قراءة البزى،و الساكن غير المدغم نحو ما يأتى فى فواتح السور:

(آلْآنَ 12) فى موضعى يونس،و كذا(و اللائي (13)- وَ مَحْيايَ 14) فى قراءة من أسكن،و كذا ما يأتى فى قراءة ورش من الإبدال فى نحو:

(أَ أَنْذَرْتَهُمْ (15) -و شاءَ أَنْشَرَهُ 16) و شرط الإدغام المذكور:أن يكون فى كلمة،أو واقعا بعد التقاء الكلمتين كما مثلنا من قراءتى أبى عمرو و البزى،فإن كان الإدغام فى الكلمة الثانية سابقا لالتقائهما مستمرة حاله على ذلك،فإن حروف المد تحذف حينئذ،و لا يقنع بالمد فيها نحو:

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (17) - وَ قالُوا اتَّخَذَ (18) - وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ 19) .

و كذا الساكن غير المدغم نحو:

(وَ إِذَا الْجِبالُ (20) - وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ (21) - وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ 22) .

********

(1) سورة هود،آية:56.

(2) سورة عبس،آية:33.

(3) سورة النازعات،آية:34.

(4) سورة الفاتحة،آية:7.

(5) سورة الأنعام،آية:80.

(6) سورة الأنعام أيضا،آية:143.

(7) سورة النمل،آية:59.

(8) سورة فاطر،آية:32.

(9) سورة الأنفال،آية:13.

(10) سورة يوسف،آية:56.

(11) سورة المائدة،آية:2.

(12) سورة يونس،آية:91.

(13) سورة الطلاق،آية:5.

(14) سورة الأنعام،آية:162.

(15) سورة البقرة،آية:6.

(16) سورة عبس،آية:22.

(17) سورة التكوير،آية:1.

(18) سورة يونس،آية:68.

(19) سورة الحج،آية:65.

(20) سورة التكوير،آية:3.

(21) سورة فاطر،آية:34.

(22) سورة العنكبوت،آية:40.

ص: 120

فقوله ما قبل ساكن ليس على إطلاقه،بل يختص بما كان من ذلك فى كل ما يعد كلمة واحدة.قوله:و عند سكون الوقف.

يعنى إذا كان الساكن بعد حرف المد إنما سكنه الوقف،و قد كان محركا فسكونه عارض،فهل يمد لأجله لأنه سكون فى الجملة؛أو لا يمد نظرا إلى عروض السكون و يكتفى بما فى حرف المد من المد فيه وجهان:

و ذلك نحو:

(الْمَصِيرُ (1) - وَ يُؤْمِنُونَ (2) -و اَلْأَلْبابِ 3) .

و ذلك أيضا عام لجميع القراء؛و إنما قال:سكون الوقف و لم يقل و عند الوقف،احترازا من الروم؛ فلا مد مع الروم،و يمد مع الإشمام،لأنه ضم الشفتين بعد سكون الحرف.

ثم إذا قيل بالمد فهل هو مد متوسط أو مشبع؟فيه وجهان.و ذكر الشيخ و غيره أن الناظم أشار إلى هذين الوجهين بقوله وجهان أصلا:أى جعلا أصلا يعتمد عليه،و أشار بقوله أصلا إلى وجه ثالث،و هو الاختصار على ما فى حرف المد من المد،و لا يظهر لى أنه أراد بالوجهين إلا القصر و المد،لأنه ذكر المد لما قبل ساكن، و لم يبين طوله و لا توسطه،و قال بعد ذلك و عند سكون الوقف وجهان أصلا:فعلم أنه المد و ضده و هو القصر، و لو كان أشار إلى الطول و التوسط لكان ممدودا بلا خلاف،و إنما الخلاف فى المقدار،و المد لا يفهم من عبارته فى نظمه،فالظاهر ما ذكرته،لكن ما ذكره الشيخ يقويه ما يأتى فى شرح البيت الآتى،و قوله أصلا تنبيه على الوجوه الثلاثة،كأنه قال:اختلف فى مده و قصره بالنظر إلى أصل الكلام فى ذلك.ثم إذا قيل بالمد فهل هو مشبع أو متوسط،فيه وجهان و لا يمتنع أن يكون أصلا رمزا لنافع،فهو لفظ موهم كما ذكرناه فى:و وسطه قوم،و قوله قبل ذلك:و عن كلهم،لا يدفع هذا الإبهام،لاحتمال أن يقال الذى هو عن كلهم هو غير سكون الوقف.ثم لا فرق فى حرف المد بين أن يكون مرسوما نحو:

(قالَ 4) أو غير مرسوم نحو (الرَّحْمنُ 5) .

أو كان بدلا من همزة نحو:

(الذِّئْبُ (6) - وَ يُؤْتِ 7) و الرأس.

و اختار أبو الحسن الحصرى وجه القصر فى سكون الوقف،لأنه كسائر ما يوقف عليه مما قبله ساكن صحيح نحو:

(وَ الْعَصْرِ (8) -و- خُسْرٍ (8) -و- بِالصَّبْرِ 8) .

فما الظن بما قبله حرف مد؟فقال فى قصيدته التى نظمها فى قراءة نافع:

********

(1) سورة الحج،آية:48.

(2) سورة البقرة،آية:3.

(3) سورة آل عمران،آية:7.

(4) سورة البقرة،آية:33.

(5) سورة الرحمن،آية:1.

(6) سورة يوسف،آية:13.

(7) سورة النساء،آية:40.

(8) الآيات:1 و 2 و 3 من سورة العصر.

ص: 121

و إن يتطرف عند وقفك ساكن فقف دون مد ذاك رأيى بلا فخر

فجمعك بين الساكنين يجوز إن وقفت و هذا من كلامهم الحر

177-[و مدّ له عند الفواتح مشبعا و فى عين الوجهان و الطّول فضّلا]

له:أى للساكن،لأن كلامه فى البيت السابق فيما يمد قبل الساكن،فكأنه قال:و يمد لأجل الساكن أيضا فى موضع آخر و هو فواتح السور،و مشبعا حال من فاعل مد،و يجوز بفتح الباء على معنى مدا مشبعا، فيكون نعت مصدر محذوف،و يجوز فى دال مد الحركات الثلاث.و الفواتح:جمع فاتحة؛و هى الأوائل، و منه سميت فاتحة الكتاب،و عنى بها أسماء حروف التهجى التى تبتدأ بها السور نحو:كاف قاف نون لام ميم سين،إذ لا مد فى فاتحة سورة لأجل ساكن إلا فيها،و فى:

(وَ الصَّافّاتِ (1) -و اَلْحَاقَّةُ 2) .

و ذلك قد علم مما قبل.و قوله:عند الفواتح،أى فيها و بحضرتها،كما قال فى الباب السابق:و يأته لدى طه،و لا بعد فى أن يتجوز بحضرة الشيء عن الشيء،و هذا المد أيضا لجميع القراء،و لأن السكون لازم قال مشبعا كمدا دابة:بخلاف المد لسكون الوقف.و منهم من اختار تفضيل مد المدغم على غيره،ففضل مد لام، من ألف لام على مد ميم.و منهم من سوى،فإن تحرك الساكن نحو ميم أول آل عمران لجميع القراء و أول العنكبوت على قراءة ورش،ففي المد وجهان ظاهران.و الأقيس عندهم المد و ترك الاعتداد بالعارض.ثم قال:

و فى عين الوجهان،يعنى فى لفظ عين من حروف الفواتح،و ذلك فى.

(كهيعص (3) ،و عسق 4) .

و إنما أعرب آخرها و كسر و نوّن،و كان الوجه أن ينطق بها على لفظها ساكنة من أجل أن الشعر لا يجمع فيه بين ساكنين.

و لما انتفى هذا المانع فى ألف طه نطق بهن على لفظهن فى البيت الذى يأتى.و لو قال فى عينها الوجهان لكان أيضا جيدا:أى فى عين الفواتح.

و ظاهر كلامه أن الخلاف فى مدعين لجميع القراء،لأن السابق كذلك،و هو اختيار مكى.و نص المهدوى و ابن شريح أن ذلك مختص بورش.

و وجه الخلاف انفتاح ما قبل الياء،فلم يقو المد فيها قوته فى الياء لينكسر ما قبلها.و قوله:الوجهان،الألف و اللام فيه للعهد:أى الوجهان المذكوران فى المد لسكون الوقف فى البيت قبله هما فى عين مطلقا وصلا و وقفا.ثم قال:

و الطول فضلا،يعنى المد فى عين لأنه لاجتماع الساكنين مع أن الثانى ليس بعارض،بخلاف سكون الوقف.

و يحتمل أنه عنى أن الطول فضل فى عين و فى المد لسكون الوقف لشبه الجميع بباب دابة،و لا نظر إلى عروض السكون فى الوقف.

و الأولى أن يكون قوله الوجهان إشارة إلى إشباع المد،و هو المراد بالطول،و إلى عدم إشباع المد مع أنه لا بدّ من المد،فلهذا قال:و الطول فضلا،يعنى الإشباع،و لم يقل و المد فضلا لأن المد فى الوجهين.

********

(1) سورة الصافات،آية:1.

(2) سورة الحاقة،آية:1.

(3) سورة مريم،آية:1.

(4) سورة الشورى،آية:2.

ص: 122

178-[و فى نحو طه القصر إذ ليس ساكن و ما فى ألف من حرف مد فيمطلا]

أى إذ ليس فيه ساكن فيمد حرف المد لأجله،فوجب القصر فى كل ما كان من حروف الهجاء على حرفين، و ذلك خمسة أحرف:حا.را.طا.يا.ها.و أما ألف فآخره ساكن،و لكن ليس فيه حرف مد،و قوله فيمطلا:

أى فيمد،و كل ممدود ممطول،يقال،مطلت الحديدة أمطلها مطلا،إذا ضربتها بعد ما حميت فى النار و مددتها لتطول،و منه اشتقاق المطل بالدين،لأنه مد فى المدة،و نصب فيمطلا فى جواب النفى بالفاء.

فقد تحرر من هذين البيتين أن حروف الفواتح على أربعة أقسام،الأول ما هو على ثلاثة أحرف و التقى فيه حرف المد و الساكن،و قبل حرف المد حركته المجانسة له فهو ممدود بلا خلاف،و ذلك فى سبعة أحرف، للألف أربعة:صاد قاف كاف لام،و للياء اثنان:سين ميم،و للواو واحد نون.القسم الثانى مثل ذلك إلا أنه عدم مجانسة الحركة للحرف،ففي مده خلاف و هو حرف واحد و هو عين،و الثالث و الرابع المذكوران فى هذا البيت لا مد فيهما لفقد الساكن فى حا و أخواتها،و لفقد حرف المد فى ألف،و اللّه أعلم.

179-[و إن تسكن اليا بين فتح و همزة بكلمة أو واو فوجهان جمّلا]

يعنى إذا كان قبل الياء و الواو فتح و بعدهما همزة فى كلمة واحدة نحو:(كهيئة-و سوأة)فلورش فى مد ذلك وجهان جميلان،و هذا هو مد المتصل بعينه الذى تقدم فى أول الباب،لم يعدم من شرطه إلا كون حرف المد ليس حركة ما قبله من جنسه،فصار هذا من الممدود لأجل الهمز بمنزلة:

(عين (1)، وَ جَرَيْنَ 2) .

فى الممدود لأجل الساكن،و المتصل بمنزلة لام ميم.و كان الأولى وصل الكلام فى هذا الفصل بالكلام فى المتصل و المنفصل،لأنه كله من باب واحد و هو مد حرف المد لهن بعده،ثم يذكر مده لهمز قبله،ثم يذكر مده للساكن بعده،و يقسمه إلى مدغم و غير مدغم مبينا ما يحذف حرف المد لأجله مما يمد على ما سبق تفصيله، إلى فواتح و غير فواتح،و إلى ما يمد و صلا و وقفا،و إلى ما يمد وقفا لا غير،و لكن لما لم يكن ذلك فى التيسير فى هذا الباب أخره إلى الفراغ من نظم ما فى التيسير و الجيم من قوله:جملا يجوز أن تكون رمزا لورش،و لا يضر ذلك تسميته فى البيت الآتى،فهو كما يتكرر الرمز،فهذا أولى.و يجوز أن يكون أتى به لمجرد الوصف، و استغنى بالتسمية عن الرمز،و التقدير:ففيه وجهان،فحذف خبر المبتدإ للعلم به،ثم بين الوجهين فقال:

180-[بطول و قصر وصل ورش و وقفه و عند سكون الوقف للكلّ أعملا

وصل ورش و وقفه مبتدأ،و خبره بطول و قصر:أى الوجهان له فى الوصل و الوقف،لأنه لما مدّ ذلك وصلا كان ذلك من باب مدّ المتصل،و كل من مدّ المتصل وصلا مدّه وقفا لوجود الهمز الموجب لذلك، و المراد بالوجهين المدّ المشبع و المتوسط،نص على ذلك المهدوى و غيره،و نبه على ذلك بقوله بطول،أى بتطويل المدّ و القصر عدم تطويل المدّ مع بقاء أصل المدّ،و لو لا إرادته لهذا المعنى لقال بمد و قصر،فوجه الإشباع جعله كالمتصل،و وجه التوسط حطه عن تلك الرتبة قليلا لضعفه عن ذلك بانفتاح ما قبله،و قد بين ذلك الحصرى فى قصيدته فقال:

********

(1) سورة الواقعة،آية:22.

(2) سورة يونس،آية:22.

ص: 123

و فى مدّ عين ثم شيء و سوأة خلاف جرى بين الأئمة فى مصر

فقال أناس مدّه متوسط و قال أناس مفرط و به أقرى

فإن قلت:كيف عبر الناظم رحمه اللّه عن المدّ المتوسط بلفظ القصر:و هلا كان المفهوم منه عدم المدّ مطلقا،كما استعمله بهذا المعنى فى قوله فيما تقدم،فإن ينفصل فالقصر،و قوله،و فى نحو طه القصر.

قلت:كأنه قال بمد طويل و مد قصير.

و وجه التعبير عنه بالتوسط أنه مذهب بين مذهبين الإفراط فى المد و عدمه الذى هو لسائر القراء،لأن الياء و الواو متى ما انفتح ما قبلهما لم يكن فيهما مد و إن كانا قابلين له لو فعل فيهما لأجل همز أو ساكن كما سيأتى.

و الدليل على أنهما لا مد فيهما له إجراؤهما مجرى الحروف الصحيحة فى إدغامهما فى مثلهما نحو:

(عَصَوْا وَ كانُوا (1) -و آوَوْا وَ نَصَرُوا 2) .

و اخشعى يا هند.

و إذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما فلا إدغام لما فيهما من المدّ،فجاز أن يعبر عن ذلك المدّ بالقصر:

أى لا يزاد عليه:و هنا لما لم يكن فيهما مد كان القصر عبارة عن مد يسير يصيران به على لفظهما إذا كانت حركة ما قبلهما من جنسهما.

و وجه قراءة ورش أن العرب أعطتهما و إن انفتح ما قبلهما حكم ما لم ينفتح فى إدغام ما هما قبله،نحو:ثوب بكر،و دويبة.و فى اجتماع النوعين ردفا فى الشعر،و لا يدغمان فى مقاربهما،و لا ينقل إليهما حركة الحرف الموقوف عليه فى نحو زيد و عون من لغته النقل فى بكر و نصر،و ذلك للمد المقدر فيهما فينزل منزلة الحركة.

ثم قال:و عند سكون الوقف،أراد أن يبين حكم الياء و الواو المفتوح ما قبلهما عند لقائهما للساكن بعد أن بين حكمهما عند الهمز،و هذا كما ذكر حكم حروف المد و اللين عند الهمز،ثم ذكر حكمهما عند الساكن، و قد تقدم.

يعنى إذا وقعت الياء و الواو المفتوح ما قبلهما قبل حرف سكن للوقف همزة كان أو غيره،فالوجهان المذكوران و هما المد المشبع و المتوسط أعملا لجميع القراء،نحو:شيء،و سوء،و ميت،و خوف.و أعملا بمعنى استعملا كقول نابغة بنى شيبان:

أمدح الكاس و من أعملها و أهج قوما قتلونا بالعطش

181-[و عنهم سقوط المدّ فيه و ورشهم يوافقهم فى حيث لا همز مدخلا]

ذكر وجها ثالثا عن القراء،و هو عدم المد فى حرف اللين قبل الساكن للوقف،فصار لهم فيه ثلاثة أوجه،و وافقهم ورش عليها فى الوقف على كل ما لا همز فيه،نحو:

(رَأْيَ الْعَيْنِ (3) -و إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ (4) -و- فَلا فَوْتَ (5) -و- اَلْمَوْتُ 6) .

********

(1) سورة آل عمران،آية:112.

(2) سورة الأنفال،آية:72.

(3) سورة آل عمران،آية:13.

(4) سورة التوبة،آية:52.

(5) سورة سبأ،آية:51.

(6) سورة المائدة،آية:106.

ص: 124

فيكون له أيضا ثلاثة أوجه.

و أما ما كان ساكنه همزة نحو:شيء،و سوء،فله فيه الوجهان المقدمان وقفا و وصلا،لأن مد ورش هو لأجل الهمز لا لأجل سكون الوقف،و هذه الأوجه الثلاثة فى الوقف هنا هى الأوجه التى سبقت فى حروف المد و اللين عند سكون الوقف،و لم ينص ثم على وجه سقوط المد.و فى نصه عليه هنا تنبيه على ذلك.و احترز أيضا بقوله:هنا و عند سكون الوقف عن الوقف بالروم،فلا مد فيه كما سبق فى حروف المد و اللين،إلا فى روم الهمزة فالمد باق لورش وحده لأجل الهمز،فقد بان لك أن حرف اللين و هو الياء و الواو المفتوح ما قبلهما لا مد فيه إلا إذا كان بعده همز أو ساكن عند من رأى ذلك،فإن خلا من واحد منهما لم يجز مده،فمن مد:عليهم، و إليهم،و لديهم،و نحو ذلك وقفا أو وصلا أو مد نحو:

(الصَّيْفِ (1) ،-و- اَلْبَيْتِ (1) ،-و- اَلْمَوْتِ ،-و- اَلْخَوْفُ 3) .

فى الوصل فهو مخطئ.و قوله مدخلا نعت لما قبله،و الألف فيه للإطلاق إن قدرناه مبنيا على الفتح كموصوفه، و هى بدل من التنوين إن قدرناه منصوبا منوّنا،و كلاهما جائز فى صفة اللفظ المفرد المبنى بعد لا،و خبر لا محذوف تقديره لا همز فيه:أى يوافقهم فى مكان عدم الهمز،و اللّه أعلم.

182-[و فى واو سوآت خلاف لورشهم و عن كلّ الموءودة اقصر و موئلا]

هذا الخلاف هو سقوط المد و المد.

فإن قلنا بالمد كان على الوجهين فى طوله و توسطه،فوجه المد ظاهر.و وجه تركه النظر إلى أصل ما تستحقه هذه الواو و هو الفتح،لأن ما وزنه فعلة بسكون العين جمعه فعلات بفتحها كتمرات و جفنات،و أسكن حرف العلة تخفيفا.

و يقال ترك مدها لئلا يجمع بين مدتين فى كلمة واحدة مقتضيهما ضعيف،لأن مد ما قبله فتح ضعيف، و مد ما بعد الهمز ضعيف كما سبق،و لهذا جاء فى الكل،بخلاف اجتماع المدتين فى نحو:

(جاؤُ (4) -و النبيين (5).

فإن المد قبل الهمز مجمع عليه،فلم يكن فى الكلمة مد مقتضيه ضعيف غير واحد،و هو ما بعد الهمز.

فإن قلت:كيف يمد ما بعد الهمزة فى سوآت،و قبل الهمز ساكن،و ليس من أصل ورش مد ذلك كما تقدم.

قلت:لأن الواو حرف علة و المانع هو الساكن الصحيح،على أن الواو و إن كانت ساكنة لفظا فهى متحركة تقديرا على ما بيناه،فلو حظ الأصل فى ترك مدها فى نفسها و فى مد ما بعد الهمزة،فالعلة واحدة و الحكم

********

(1) سورة قريش،آية:3،2.

(3) سورة الأحزاب،آية:19.

(4) سورة الفرقان،آية:4.

(5) سورة آل عمران،آية:81.

ص: 125

مختلف فيهما،و لهذا ألغز الحصرى هذه الكلمة فى أبيات له قد ذكرناها (1)و الجواب عنها من نظم جماعة من المشايخ فى الشرح الكبير،و أطلق لفظ سوءات ليتناول ما أضيف إلى ضمير التثنية،و إلى ضمير الجمع نحو:

(بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما (2) - يُوارِي سَوْآتِكُمْ 3) و أما (الْمَوْؤُدَةُ 4) .

فأجمعوا على ترك المدة فى واوها الأولى،لأن الثانية بعد الهمزة ممدودة،فلم يجمع بين مدتين و التزم ذلك فيها خلاف(سوآت)لثقل مد الواو و الهمزة المضمومة،بخلاف الهمزة المفتوحة و مد الألف بعدها،و أما موئلا فترك مده مشاكلة لرءوس الآى،لأن بعده موعدا.

و قد ذكر فيه فى(الموءودة)علل أخر ضعيفة تركت ذكرها هنا اختصارا،و هى مذكورة فى الشرح الكبير،و اللّه سبحانه أعلم،و هو على كل شيء قدير.

باب الهمزتين من كلمة

أى باب حكم الهمزتين المعدودتين من كلمة،و كذا معنى باب الهمزتين من كلمتين،و بعض المصنفين يجعل موضع من فى،و هى ظاهرة المعنى،و الهمز أول حروف المعجم،و الهمز جمع همزة كتمرة و تمر و مصدر همز همزا،و الهمز فى أصل اللغة مثل الغمز و الضغط،و سمى الحرف همزة لأن الصوت بها يغمز و يدفع،لأن فى النطق بها كلفة،و لذلك تجرأ على إبدالها و تسهيلها بجميع أنواع التسهيل على ما سيأتى فى أبوابه.

و الكلام فى الهمز على طريقة مذاهب القراء يأتى فى خمسة أبواب سوى ما تأخر ذكره فى فرش الحروف كالمذكور فى سورة الرعد من لفظ الاستفهامين،و فى الزخرف:

********

(1) لغز الحصرى هو قوله: سألتكم يا مقرئى الغرب كله و ما من سؤال الحبر عن علمه بد

بحرفين مد و إذا و ما المد أصله و ذا لم يمدوه و من أصله المد

و قد جمعا فى كلمة مستبينة على بعضكم تخفى و من بعضكم تبدو اه و أجابه الإمام الشاطبى بقوله: عجبت لأهل القيروان و ماجدوا لدى قصرى سوآت و فى همزها مدوا

لورش و مد اللين للهمز أصله سوى مشرع الثنيا إذا عذب الورد

و ما بعد همز حرف مد يمده سوى ما سكون قبله ما له مد

و فى همز سوآت يمد و قبله سكون بلا مد فمن أين ذا المد؟

يقولون عين الجمع فرع سكونها فذو القصر بالتحريك الأصلى يعتد

و يوجب مد الهمز هذا بعينه لأن الذى بعد المحرك ممتد

و لو لا لزوم الواو قلبا لحركت يجمع بفعلات فى الأسما له عقد

و تحريكها واليا هزيل و إن فشا فليس له فيما روى قارئ عقد

و للحصرى نظم السؤال بها و كم عليه اعتراض حين زايله الجد

و من يعن وجه اللّه بالعلم فليعن عليه و إن عنى به خانه الجد اه و قوله سوى مشرع الثنيا:أى موضع الاستثناء من الموءودة و موئلا اه.

(2) سورة الأعراف،آية:22.

(3) سورة الأعراف أيضا،آية:26.

(4) سورة التكوير،آية:8.

ص: 126

(أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ (1) - أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ 2) .

و الهمز إما أن يأتى منفردا أو منضما إلى مثله،فالمفرد ذكره فى ثلاثة أبواب متوالية ستأتى و المنضم إلى همز آخر ينقسم إلى قسمين:إلى ما هو فى كلمة،و إلى ما هو فى كلمتين،فرسم لكل قسم منهما بابا.

و اعلم أن جميع ما ذكر أنه من كلمة فالهمزة الأولى منهما همزة استفهام منفصلة تقديرا من الكلمة إلا حرفا واحدا و هو:

(أَئِمَّةً 3) .

و أخر عن هذا الباب ما كان ينبغى أن يذكر فيه،و هو إذا اجتمعت همزتان الثانية ساكنة،فتلك كانت أولى بهذا الباب،لأن الكلمة مبنية على تلك الزنة بالهمزتين معا،فذكر ذلك فى آخر باب الهمز المفرد،و كان ينبغى أن يذكر هنا عند ذكر أئمة،فكلا اللفظين فيه همزتان الثانية أصلها السكون كما سيأتى بيانه،و باقى المذكور فى هذا الباب الأولى منهما مفتوحة أبدا لا يتعلق بها حكم إلا فى كلمة:

(أ آمنتم (4).

و معظم الخلاف إنما هو فى الثانية،و هى مفتوحة و مكسورة و مضمومة.قال رحمه اللّه تعالى:

183-[و تسهيل أخرى همزتين بكلمة (سما)و بذات الفتح خلف(ل)تجملا]

لما كانت الهمزة حرفا جلدا على اللسان فى النطق بها كلفة بعيد المخرج يشبه بالسعلة لكونه نبرة من الصدور توصل إلى تخفيفه فسهل النطق به كما تسهل الطرق الشاقة و العقبة المتكلف صعودها.فلهذا سمى تخفيفها تسهيلا، ثم تخفيفها يكون على ثلاثة أنواع:الإبدال و النقل،و جعلها بين بين،و تجتمع الأنواع الثلاثة فى باب وقف حمزة و هشام،و للنقل باب مختص به و الإبدال له باب الهمز المفرد،و هو يقع فى المتحركة و الساكنة.و أما النقل و بين بين فلا يكونان إلا فى المتحركة و هذا الباب و ما بعده مختصان بما يسهل بين بين،و يقع فيهما ذكر الإبدال قليلا،و لفظ التسهيل و إن كان يشمل هذه الأنواع الثلاثة تسمية من حيث اللغة و المعنى،إلا أنه قد صار فى اصطلاح القراء و كثرة استعمالهم و تردّده فى كلامهم كالمختص ببين بين:أى تكون الهمزة بينها و بين الحرف الذى منه حركتها،و قد بين ذلك فى آخر الباب الذى بعد هذا.

ثم الهمزة الأولى فى هذا الباب لا تكون إلا مفتوحة محققة إلا أن يأتى قبلها ساكن فتنقل حركتها إليه فى مذهب من يرى ذلك بشرطه نحو:

(قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ (5) - قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ (6) - قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ 7) .

و هذا سيأتى ذكره فى بابه إن شاء اللّه تعالى.و أخرى:بمعنى أخيرة،أى الهمزة الأخيرة من همزتين واقعتين بكلمة و هى الثانية،و الأصل:الأخرى تأنيث آخر بفتح الخاء كقوله تعالى:

********

(1) سورة الزخرف،آية:22.

(2) سورة الزخرف،آية:58.

(3) سورة السجدة،آية:24.

(4) سورة طه،آية:22.

(5) سورة آل عمران،آية:15.

(6) سورة البقرة،آية:140.

(7) سورة فصلت،آية:9.

ص: 127

(وَ لَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى 1) .

ثم استعملت أخرى بمعنى أخيرة كقوله تعالى:

(وَ أَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى 2) .

و قال تعالى فى موضع آخر:

(ثُمَّ اللّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ 3) .

فقابل بهما سبحانه لفظ الأولى فى قوله تعالى:

(وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى 4) .

و قال تعالى أيضا:

(قالَتْ أُخْراهُمْ -و- قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ 5) .

أى الفرقة المتقدمة للفرقة المتأخرة،و منه قوله:جاء بى فى أخريات الناس:أى أواخرهم،و لا أفعله أخرى الليالى:أى أبدا.

فالهمزة الأخيرة من همزتين و هى الثانية،تستهيلها بأن يجعل لفظها بين الهمزة و الألف إن كانت مفتوحة، و بين الهمزة و الياء إن كانت مكسورة،و بين الهمزة و الواو إذا كانت مضمومة،و الذين فعلوا هذا التسهيل مدلول قوله سما و هم نافع و ابن كثير و أبو عمرو،و سما خبر قوله:و تسهيل أخرى همزتين؛و إنما صح الابتداء بلفظ تسهيل،و هو نكرة لتخصيصه بإضافته إلى مضاف إلى موصوف إن جعلنا بكلمة صفة لهمزتين:أى كائنتين بكلمة كقولك:بيت رجل ذى علم مقصود،و يجوز أن تجعل بكلمة صفة تسهيل:أى و تسهيل واقع بكلمة فى همزة ثانية سما:أى ارتفع شأنه و ظهر وجهه،و عليه أكثر العرب،و اختارته الأئمة من أهل العربية، لأنهم إذا كانوا يستثقلون الهمزة المفردة فيخففونها بجميع أنواع تخفيفها فما الظن بما إذا اجتمعت مع همزة أخرى و قراءة باقى القراء بتحقيق الهمزة الثانية كالأولى؟فضد التسهيل تركه،و هو إبقاء الهمز على حاله،و هذا الخلاف مختص بالهمزة المتحركة لأنها هى التى يمكن جعلها بين بين.

أما إذا كانت ساكنة فإبدالها واجب على ما يأتى فى موضعه.

قوله:و بذات الفتح:أى و بالهمزة الأخيرة ذات الفتح على حذف الموصوف:أى و بالهمزة المفتوحة خلف لهشام فى التسهيل و التحقيق،و اللام فى لتجملا رمز لهشام،و الضمير فيها يرجع إلى الهمز أو إلى الكلمة، و هو متعلق بالتسهيل لأنه مصدر:أى و سهلت الهمزة الأخيرة لتجمل،لأن تسهيلها يخفف النطق بها فهو جمال لها،و لا يتعلق بالاستقرار المتعلق به و بذات الفتح،لأنه ليس فى الخلف جمال لها،و الجمال:الحسن،و قد جمل الشيء بالضم فهو جميل،و سيأتى لهشام تسهيل موضع من المكسورة و موضعين من المضمومة بخلاف عنه فيهما؟كما أن الخلاف عنه فى المفتوحة،لكنه استوعبها بالتسهيل لثقل اجتماع المثلين،و ليس فى كتاب التيسير

********

(1) سورة طه،آية:38.

(2) سورة النجم،آية:47.

(3) سورة العنكبوت،آية:20.

(4) سورة الواقعة،آية:62.

(5) سورة الأعراف،آية:39،38.

ص: 128

و العنوان و المستنير غيره،و كذا ذكر ابنا غلبون و مكى و المهدى و ابن شريح،و ذكر له التحقيق ابن مجاهد و النقاش،و صاحب الروضة.و ممن لم يذكر له إلا التحقيق أبو معشر و ابن مريم و الشيخ أبو محمد البغدادى، و هو رواية إبراهيم بن عباد عن هشام.و ذكر الوجهين أبو على الأهوازى و ابن رضوان و ابن الفحام و الحافظ أبو العلا الهمدانى،و اللّه أعلم:

184-[و قل ألفا عن أهل مصر تبدّلت لورش و فى بغداد يروى مسهّلا]

ألفا مفعول تبدلت:أى تبدلت الهمزة الثانية المفتوحة ألفا لورش،قل ذلك عن أهل مصر:أى انقله عنهم و انسبه إليهم،و الضمير فى يروى عائد على المذكور و هى الهمزة بالصفة المتقدمة:أى يروى ذلك مسهلا أى بين بين كما سبق،و هى رواية العراقيين و غيرهم،و إنما ذكر يروى بعد تأنيث تبدلت،و الضمير فيهما للهمزة لأجل قوله مسهلا،ثم رجع إلى التأنيث فى البيت الآتى فقال:و حققها فى فصلت،فالتأنيث الأصل،و التذكير على تأوّل يروى ذلك كما تقدم،أو يروى الهمز و التسهيل هو الوجه المختار الجارى على القياس.

و أما البدل فى مثل هذا فلا يكون إلا سماعا،لأنه على خلاف قياس تخفيف الهمز على ما سيأتى بيانه فى باب وقف حمزة.

و قد قيل:إنه لغة لبعض العرب فعلى هذا إن كان بعد الهمزة الثانية المبدلة ساكن طوّل المد لأجله نحو:

(أَ أَنْذَرْتَهُمْ 1) .

أخذا من قوله:و عن كلهم بالمد ما قبل ساكن.و على رواية التسهيل لا مد،لأن المسهلة بزنة المحققة.

و قيل يمد لأن المسهلة قريبة من الساكنة و لهذا لاتبتدأ بها،و ليس فى القرآن متحرك بعد الهمزتين فى كلمة سوى موضعين الذى فى هود،و هو قوله تعالى:

(أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ (2) -و أَ أَمِنْتُمْ 3) فى تبارك.

فهذه أصول مطردة لمن حقق أو سهل أو أبدل تأتى فى جميع المواضع.

ثم ذكر التى خرج فيها بعضهم عن أصله و كان الخلاف فيها غير الخلاف المقدم ذكره،و هى تسعة مواضع فى طريقته،و بعضهم زاد عليها،و إنما ذكرها صاحب التيسير فى سورها فقال:

185-[و حقّقها فى فصّلت(صحبة)ء أع جمىّ و الأولى أسقطنّ(ل)تسهلا]

أى و حقق الهمزة الثانية التى هى ذات الفتح فى حرف فصلت صحبة فقرءوا:

(ءَ أَعْجَمِيٌّ 4) .

و خالف ابن ذكوان و حفص أصلها فسهلاها كما يقرؤها ابن كثير،و أسقط هشام الأولى فقرأ على لفظ الخبر:أى هو أعجمى و عربى،أو و الرسول عربى،أو يكون معنى الاستفهام باقيا،و إن سقطت همزته للعلم بها من قرينة الحال كنظائر له فيتفق حينئذ معنى القراءتين،و الاستفهام هنا للإنكار.

********

(1) سورة البقرة،آية:6.

(2) آية:72.

(3) آية:16.

(4) سورة فصلت،آية:44.

ص: 129

و يجوز أن يكون قوله-أعجمى-بدلا من حرف فصلت،أو عطف بيان له،و فصل بينهما بفاعل حققها و هو صحبة ضرورة،و لك أن تجعله خبر مبتدإ محذوف:أى هو ء أعجمى،و قوله لتسهلا:أى لتركب الطريق السهل أو لتسهل اللفظ بإسقاطها،ثم إن الناظم رحمه اللّه بعد ذكره لحرف فصلت أتبعه ما وقع فيه الخلاف بعده فلهذا ذكر ما فى الأحقاف و نون،ثم ذكر ما قبل فصلت على الترتيب فقال:

186-[و همزة أذهبتم فى الأحقاف شفّعت بأخرى(ك)ما(د)امت وصالا موصّلا]

شفعت:أى جعلت شفعا بزيادة همزة التوبيخ عليها،ابن كثير و ابن عامر يقرءانها بهمزتين و كل واحد منهما على أصله من التحقيق و التسهيل و إدخال الألف بينهما على ما يأتى،فالتحقيق لابن ذكوان،و لهشام التسهيل و إدخال الألف،و لابن كثير التسهيل من غير ألف،و لم أر فى تصانيف من تقدم الناظم من ذكر لهشام التحقيق هنا،فإن كان فالمد معه،و لكن ليس هذا مما يؤخذ قياسا،أ لا ترى أن ابن عامر بكماله شفع فى نون مع التسهيل كما يأتى.

و ظاهر نظم الشاطبى أن وجه التحقيق لهشام يجرى هنا لإطلاقه القول فى ذلك و إجماله له مع أنه بين الذى فى سورة ن،و للحافظ أبى عمرو الدانى رحمه اللّه كتاب مستقل فى إيضاح مذاهب القراء فى الهمزتين الملتقيتين فى كلمة أو كلمتين متفقتين أو مختلفتين،فحكى فيه عن ابن ذكوان فى:

(أَذْهَبْتُمْ 1) .

وجهين:أحدهما تحقيق الهمزتين،و الثانى بهمزة و مدة.

قال:و اختلف أصحاب هشام عنه،فروى الحلوانى عنه بهمزة مطولة قال:يعنى أنه حقق همزة الاستفهام و سهل همزة القطع بعدها فجعلها بين بين،و أدخل ألفا فاصلة بينهما طردا لمذهبه فى سائر الاستفهام.و قال أحمد ابن يونس:حدثنا هشام عن أصحابه عن ابن عامر-أأذهبتم بهمزتين و لم يذكر فصلا بينهما.

قلت:و لم يذكر تحقيقا و لا تسهيلا،و الظاهر التسهيل توفيقا بين الروايتين؛و يصدق على ذلك إطلاق عبارة الهمزتين.قال الدانى:و قياس رواية إبراهيم بن عباد عن هشام أن يحققها و يفصل بألف بينهما،و قوله كما دامت نعت لمصدر محذوف:أى شفعت تشفيعا دائما دواما كدوام همزة-أذهبتم-فى نفسها:أى ثابتا ثباتا كثباتها:

و المعنى أن ثبات التشفيع فى قراءة ابن عامر و ابن كثير كثبات همزة أذهبتم لا تبرح و لا تذهب،أو شفعت بأخرى دائمة كدوامها فتواصلا وصالا موصلا ينقله بعض القراء إلى بعض.و قيل كما دامت كذلك مشفعة بهمزة التوبيخ مواصلة لها فى مواضع كثيرة نحو:

أَ أَشْفَقْتُمْ 2) .

و يؤيده قوله فى آخر السورة:

(أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ 3) .

********

(1) سورة الأحقاف،آية:20.

(2) سورة المجادلة،آية:13.

(3) سورة الأحقاف،آية:34.

ص: 130

و لا يمتنع الاستفهام بطريق التوبيخ عما وجد و كان كقوله تعالى:

(أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (1) - أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي 2) .

و وجه القراءة على الخبر ظاهر و اللّه أعلم.

187-[و فى نون فى أن كان شفع حمزة و شعبة أيضا و الدّمشقى مسهّلا]

أى و فى حرف نون،ثم أبدل منه قوله فى أن كان بإعادة حرف الجر،يريد قوله تعالى:

(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ 3) .

أى لا تطعه لأن كان ذا مال؛و من زاد همزة الإنكار فمعناه أ لأن كان ذا مال و بنين تطيعه؟فحمزة و أبو بكر و هو شعبة عن عاصم زادا همزة و حققاهما على أصلهما،و الدمشقى و هو ابن عامر زاد همزة و سهل الثانية:أى و شفع الدمشقى فى حال تسهيله.خالف أصله،فسهل هذا الموضع بلا خلاف،و هشام يدخل ألفا بين الهمزتين على أصله كما يأتى و ابن ذكوان يقرأ هنا كابن كثير فى غير هذا الموضع.

و ذكر صاحب التيسير فى سورة فصلت قال:على أن بعض أهل الأداء من أصحابنا يأخذ لابن ذكوان بإشباع المد هنا،يعنى فى-ء أعجمى-و فى ء أن كان ذا مال قياسيا على مذهب هشام،قال:و ليس ذلك بمستقيم من طريق النظر،و لا صحيح من جهة القياس،و ذلك أن ابن ذكوان لما لم يفصل بهذه الألف بين الهمزتين فى حال تحقيقهما مع ثقل اجتماعهما علم أن فصله بها بينهما فى حال تسهيله إحداهما مع خفة ذلك غير صحيح فى مذهبه.

188-[و فى آل عمران عن ابن كثيرهم يشفّع أن يؤتى إلى ما تسهّلا]

أى مضافا إلى ما تسهلا فى مذهبه:أى أنه و إن شفع:

(أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ 4) .

فهو يسهل الثانية على أصله،و قراءة الباقين فى هذه المواضع الثلاثة أذهبتم و أن كان و أن يؤتى بعدم التشفيع و هو الإتيان بهمزة واحدة،و صاحب التيسير يعبر عن مذهب من سهل فى هذه المواضع بهمزة و مدة،و مراده بين بين،و اللّه أعلم.

189-[و طه و فى الأعراف و الشّعرا بها ء آمنتم للكلّ ثالثا ابدلا]

أى و طه بها و فى الأعراف و الشعراء لفظ آمنتم،و قيل بها:أى بهذه السور الثلاث على زيادة فى من قوله و فى الأعراف،و وجه الكلام:و طه و الأعراف و الشعراء بها ء آمنتم،و لو قال مع الأعراف لما احتاج إلى هذا التكلف،و ثالثا نصب على التمييز،و قد تقدم على عامله،و فى جواز مثل ذلك خلاف النحويين،و لو قال ثالثه أبدلا لخلص من ذلك و ظهر المراد،و لكن فيه وصل همزة القطع،و مثل ذلك فى التمييز قولك زيد ضربته ظهرا لأن الظهر بعضه،و كذا ثالث حروف-أ آمنتم-بعضها،و قيل هو نصب على الحال:أى أبدل

********

(1) سورة آل عمران،آية:106.

(2) سورة النمل،آية:84.

(3) سورة القلم،آية:14.

(4) سورة آل عمران،آية:73.

ص: 131

همزه فى حال كونه ثالثا،و لا دليل على هذا،بل الضمير فى أبدل يعود إلى المذكور و هو-أ آمنتم-و أصل آمن أأمن بهمزة ثانيا ساكنة ثم دخلت همزة الترفيع فاجتمعت ثلاث همزات فأبدلت الثالثة ألفا بلا خلاف لسكونها و انفتاح ما قبلها،و الثانية مختلف فى تسهيلها على ما سنذكر،فعلى قراءة من سهلها يكون قد اجتمع همزتان مخففتان ليس بينهما حاجز،و قد جرى بمجلس أبى محمد مكى ذكر اجتماع همزتين مخففتين فى القرآن ليس بينهما حاجز فى قراءة ورش،فأجاب بأربعة أوجه:اثنان منها نقلت حركة الأولى إلى ساكن قبلها، و الثانية مسهلة بين بين،أو مبدلة نحو:

(قُلْ أَ أَنْتُمْ (1) - مَنْ آمَنَ 2) .

و الثالث منها:الأولى بين بين،و الثانية مبدلة و هى:

(أ آمنتم (3)- آلِهَتُنا خَيْرٌ 4) و الرابع نحو: (مِنَ السَّماءِ آيَةً (5) -و هؤُلاءِ آلِهَةً 6) .

الأولى من آية و آلهة مبدلة ياء و بعدها ألف منقلبة من همزة،و اللّه أعلم.

190-[و حقّق ثان(صحبة)و لقنبل بإسقاطه الأولى بطه تقبّلا]

أى و حقق الهمزة الثانية من:أ آمنتم صحبة على أصولهم،و سهلها الباقون بين بين،و من أبدل لورش الثانية فى نحو:ء أنذرتهم ألفا أبدلها أيضا ألفا ثم حذفها هنا لأجل الألف التى بعدها نص عليه أبو عمرو الدانى فى كتاب الإيجاز،فتبقى قراءة ورش على هذا على وزن قراءة حفص بإسقاطه الهمزة الأولى كما يأتى،فلفظهما متحد،و أخذهما مختلف.

و اعلم أن كل من أسقط الهمزة الأولى حقق الثانية أيضا،و هو حفص فى المواضع الثلاثة،و قنبل فى طه كما يأتى،فليس تحقيق الثانية من خصائص صحبة إلا بتقدير اجتماعها مع الأولى،فإذا سقطت الأولى فالثانية فى قراءة صحبة صارت أولى لمن أسقط الأولى،و مدلول صحبة هم حمزة و الكسائى و أبو بكر،و قال ثان لأنه أراد الحرف و لم ينصبه ضرورة كما قال الآخر:لعلى أرى باق على الحدثان،و قنبل أسقط الأولى فى طه و حقق الثانية فقرأ على لفظ الخبر.

و فيه أيضا معنى التقريع و التوبيخ و إن انحذفت همزته،كما يبقى معنى الاستفهام بعد حذف همزته،لأن قرينة الحال دالة عليها،و الضمير فى تقبلا للفظ أ آمنتم:أى تقبل هذا الحرف لقنبل بسبب إسقاطه الأولى منه بسورة طه،و قيل الضمير فى تقبل يعود إلى الإسقاط و ليس بشيء.

191-[و فى كلّها حفص و أبدل قنبل فى الأعراف منها الواو و الملك موصلا]

أى و فى المواضع الثلاثة أسقط حفص الهمزة الأولى كما فعل قنبل فى طه،و أبدل قنبل فى سورة الأعراف منها:أى من الأولى واوا،لأن ما قبلها ضمة فى:

(قالَ فِرْعَوْنُ 7) .

********

(1) سورة البقرة،آية:140.

(2) سورة البقرة،آية:62.

(3) سورة الأعراف،آية:132.

(4) سورة الزخرف،آية:58.

(5) سورة الشعراء،آية:40.

(6) سورة الأنبياء،آية:199.

(7) سورة الأعراف،آية:132.

ص: 132

و الهمزة المفتوحة بعد الضمة إذا أريد تسهيلها قلبت واو،و فى سورة الملك:

(أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ 1) .

أبدل أيضا قنبل من همزتها الأولى واوا كذلك،لأن قبلها:

(وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ 2) .

و الهمزة الثانية فى الموضعين يسهلها بين بين على أصله،و هو فى التى فى الشعراء يقرأ كما يقرأ من يحقق الثانية، فقد غاير فى قراءته بين المواضع الثلاثة فى الهمزة الأولى،فأسقطها فى طه،و أبدلها فى الأعراف،و أثبتها فى الشعراء،و حكم ما فى الملك حكم ء أنذرتهم و شبهه،لأن ليس فيها إلا همزتان،و لم يكن له حاجة بذكر التى فى الملك هنا،فإنها ليست بلفظ هذه الكلمة،و لأنه قد أفرد لها بيتا فى سورتها،فلو قال هنا فى الأعراف منها الواو فى الوصل موصلا بفتح الصاد من موصلا لكان أولى و أبين،و قوله موصلا بكسر الصاد حال من قنبل:

أى أبدل الأولى موصلا لها إلى ما قبلها،احترز بذلك من الوقف على فرعون أو النشور،فإنه لو ابتدأ بما بعدهما لم يكن إبدال لانفصال الضمة من الهمزة،و الناظم رحمه اللّه يستعمل كثيرا فى هذه القصيدة موصلا بمعنى واصلا كما يأتى فى البقرة و النمل.و فيه نظر،فإن موصلا اسم فاعل من أوصله:إذا بلغه،و يقال وصله به،و منه الواصلة للشعر،و يقرن لفظ الوصل بالإيصال.

و وجه الاعتذار له أنهما يتلاقيان فى المعنى،لأن الشيء إذا أوصلته إلى الشيء فقد وصلته به.و كان يمكنه من جهة وزن الشعر أن يقول واصلا،و لكنه عدل عنه تجنبا للسناد الذى هو عيب من عيوب القوافى و هو تأسيس بعضها دون بعض.

192-[و إن همز وصل بين لام مسكّن و همزة الاستفهام فامدده مبدلا]

هذه مسألة ليست فى كتاب التيسير فى هذا الباب،و إنما ذكرها فى سورة يونس تبعا لذكر نقل الحركة لنافع فى:

(آلْآنَ 3) .

و لم يجعل هذه المسألة أصلا،فلم يذكرها هنا و لا فى سورة الأنعام لأنها مما أجمع القراء عليه،و لم توضع كتب القراءات إلا لبيان الحروف المختلف فيها لا المتفق عليها،و لكن جرت عادة أكثر المصنفين أن يذكروا فى بعض المواضع من المتفق عليه ما يشتد إلباسه بالمختلف فيه ليحصل التمييز بينهما،و هذا الموضع من ذلك القبيل، و منه ما ذكر فى آخر باب الهمز المفرد و الإدغام الصغير،و مسألة:

(لا تَأْمَنّا 4) .

فى يوسف و غير ذلك.قوله:و إن همز وصل يعنى و إن وقع همز وصل،فحذف الفعل و لم يذكر له مفسرا ظاهرا،و كذا فى قوله فى الباب الذى بعد هذا:و إن حرف مد قبل همز مغير،و لا بد بعد إن الشرطية من وقوع صريح أو مقدر بمفسر ظاهر نحو:

********

(1) آية:17،16.

(2) الآية:15.

(3) سورة يونس،آية:91.

(4) آية:11.

ص: 133

(وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ 1) .

و من العجز من شعر الحماسة (2):

إن ذو لوثة لاثا

و وجه ما ذكره أن الظرف فى البيتين دال على المفسر،و هو ما يتعلق الظرف به فالتقدير:و إن همز وصل وقع بعد لام إلى آخره،و إن حرف مد وقع قبل همز مغير،و أراد أن همزة الوصل التى دخلت على لام التعريف إذا دخل عليها همزة الاستفهام أبدلت ألفا و مدت لأجل سكون اللام بعدها؛و كان القياس أن تحذف همزة الوصل، لأنه استغنى عنها بدخول همزة الاستفهام عليها،كما فى قوله:

(أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً 3) فى سورة سبأ (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ 4) .

و لكن فى لغة العرب الفرق بينهما،لأنها لو حذفت مع لام التعريف لاقتبس الاستفهام بالخبر؛لأن همزة الوصل فيه مفتوحة كهمزة الاستفهام،و هى فى(أ فترى،و أصطفى)مكسورة،ففتح همزتها دليل على أنها للاستفهام لا للخبر،فأعرضت العرب عن حذف همزة الوصل مع لام التعريف إذا دخل الاستفهام عليها و أبدلتها ألفا،و الهاء فى قوله:فامدده لهمز الوصل،و كذا فى قوله و يقصره فى البيت الآتى،و هو مجاز،فإن الهمزة لا تقبل المد و لا القصر كسائر الحروف غير حروف العلة الثلاثة،و لكن أطلق عليه صفة ما يبدل منه و هو الألف، و مبدلا حال؟و لو كان بفتح الدال لقوى هذا المعنى.و يجوز أن يكون من باب القلب لأمن الإلباس،كأنه أراد:

فأبدله مادا أى حرف مد،و هذا هو حقيقة المعنى المراد،و جملة ما وقع فى القرآن من ذلك ستة مواضع متفق عليها،و هى:

(آلذَّكَرَيْنِ 5) .

موضعان فى الأنعام:

(آلْآنَ 6) .

موضعان فى يونس،و فيها:

(آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ 7) و فى النمل (آللّهُ خَيْرٌ 8) .

و فى يونس موضع سابع مختلف فيه و هو:

(السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ 9) .

فهو فى قراءة أبى عمرو من هذا الباب،و هو فى قراءة الباقين خبر،و اللّه أعلم:

********

(1) سورة التوبة،آية:6.

(2) أوله( إذا لقام بنصرى معشر خشن عند الحفيظة.. ).

(3) آية:8.

(4) سورة الصافات،آية:153.

(5) آية:143.

(6) آية:51 و 91.

(7) سورة يونس،آية:9.

(8) سورة النمل،آية:59.

(9) سورة يونس،آية:81.

ص: 134

193-[فللكلّ ذا أولى و يقصره الّذى يسهّل عن كلّ كالآن مثّلا]

أى فهذا الوجه أولى لكل القراء:أى إبدال همزة الوصل هنا ألفا أولى من تسهيلها بين بين كما ذكر بعضهم عن كل القراء أيضا،لأن همزة الوصل لا قدم لها فى الثبوت فتسهل،و القائل بالتسهيل لا يمد،لأن المسهلة بزنة المحققة،فلم يجتمع ساكنان بدليل اتزان الشعر فى نحو قوله:

*أ أن رأت رجلا أعشى أضرّ به (1)* سواء أنشدت الثانية محققة أو مسهلة بين بين مع أن بعدها نونا ساكنة.و يحتمل أن يقال بالمد على مذهب التسهيل تخريجا من الوجه المحكى فى أوّل الباب على قراءة ورش،و هذا فى مد يكون فاصلا بين المسهلة و الساكن بعدها،أما المد الذى يفصل بين المحققة و المسهلة لثقل اجتماعهما على ما سيأتى فلا جريان له هنا على مذهب التسهيل، و قد بينه فى البيت الآتى،و قوله:عن كل يتعلق بيسهل أو بيقصر،و قوله كالآن خبر مبتدإ محذوف:أى و ذلك كالآن،ثم استأنف جملة خبرية بقوله مثلا.أى حصل تمثيل ذلك بما ذكرناه قال بآلآن مثلا لكان المعنى ظاهرا و لم يحتج إلى هذه التقديرات،و اللّه أعلم.

194-[و لا مدّ بين الهمزتين هنا و لا بحيث ثلاث يتّفقن تنزّلا]

هنا،يعنى فى هذا الذى سهلت فيه همزة الوصل:أى من مذهبه المد بين الهمزتين على ما سيأتى لا يفعل ذلك هنا،لأن همزة الوصل لا قدم لها فى الثقل،لأن ثبوتها عارض و حقها الحذف فى الوصل؛و كذلك لا مد بين الهمزتين فى كلمة اجتمع فيها ثلاث همزات،و ذلك لفظان:

(أ آمنتم).

فى الأعراف و طه و الشعراء:

(أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ 2) .

فى الزخرف،فالهمزة الثالثة مبدلة ألفا بإجماع على ما تقدم بيانه،و سيأتى أيضا فى سورة الزخرف،و الثانية مختلف فى تحقيقها و تسهيلها،و لم يمد أحد بينهما و بين الأولى خوفا من ثقل الكلمة باجتماع همزتين بينهما همزة، و قيل لئلا يجمعوا بين أربع ألفات و ليس فى ذلك اللفظ أربع ألفات،و إنما فيه همزتان و ألفان،نعم فى الخط ألفان هما صورة الهمزتين،و قوله:بحيث ثلاث،ثلاث مرفوع بالابتداء،و لا يجوز جرها بإضافة حيث إليها، لأن حيث إنما تضاف إلى الجمل لا إلى المفردات،و قد شذ ما لا قياس عليه،و يتفقن صفة ثلاث،و الخبر محذوف:

أى مجتمعة،و قد كثر حذف الخبر بعد حيث لدلالة الكلام عليه،و لا يكون يتفقن خبرا لئلا يبقى الابتداء بنكرة من غير وجود شرطها،و إدخال الباء على حيث كإدخال من عليها فى نحو:

(وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ 3) .

و نصب تنزلا على التمييز:أى اتفق نزولهن،و اللّه أعلم.

********

(1) بيت شعر الأعشى ميمون،و آخره: ريب النون و دهر مفند خبل

(2) الآية:58.

(3) سورة البقرة،آية:149.

ص: 135

195-[و أضرب جمع الهمزتين ثلاثة ء أنذرتهم أم لم أئنّا أءنزلا]

أى أن اجتماع الهمزتين فى كلمة واحدة يأتى فى القرآن على ثلاثة أضرب،ثم بينها بالأمثلة،و الهمزة الأولى مفتوحة فى الأضرب الثلاثة،و الثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة،و كان الأولى تقديم هذا البيت فى أول الباب،و إنما احتاج إلى ذكر هذا التقسم ليبنى عليه الخلاف فى المد بين الهمزتين كما سيأتى، و موضع قوله:

(أَ أَنْذَرْتَهُمْ) .

و ما بعده رفع على أنه خبر مبتدإ محذوف،تقديره:أمثلتها كذا و كذا على حذف حرف العطف،و أم لم تتمة لقوله أ أنذرتهم احتاج إليها الوزن الشعر،و لا مدخل لها فى الأضرب الثلاثة،فقوله- أَ أَنْذَرْتَهُمْ -فى سورة البقرة و يس مثال المفتوحتين:

(أَ إِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا 1) .

و نحوه مثال ما الثانية فيه مكسورة و الأولى مفتوحة،و قوله أءنزل عليه الذكر مثال ما الثانية فيه مضمومة و الأولى مفتوحة فى الجميع و لا تكون إلا همزة الاستفهام و اللّه أعلم.

196-[و مدّك قبل الفتح و الكسر(ح)جّة ب(ها(ل)ذّ و قبل الكسر خلف له و لا]

أى قبل ذات الفتح و ذات الكسر،يعنى أن أبا عمرو و قالون و هشاما مدوا قبل الهمزة الثانية المفتوحة و قبل المكسورة،و حجة خبر قوله و مدك على تقدير حذف مضاف:أى ذو حجة،و هى إرادة الفصل بين الهمزتين لثقل اجتماعهما،و لأن الأولى ليست من بنية الكلمة،ففصل بينهما ايذانا بذلك؛و لهذا ضعف المد فى كلمة أئمة،لأن الأولى من بنية الكلمة و هى لغة فاشية،قال ذو الرمة:

* (2)

آأنت أم أمّ سالم

«بهالذ»أى الجأ إليها و تمسك بها،ثم قال.و قيل ذات الكسر خلف لهشام إلا فيما يأتى ذكره،و الهاء فى له يعود على الخلف،و الولا:النصر:أى لكل وجه دليل ينصره،و اللّه أعلم.

197-[و فى سبعة لا خلف عنه بمريم و فى حرفى الأعراف و الشّعرا العلا]

لا خلف لهشام فى مد هذه السبعة،أو يكون التقدير:و فى مد سبعة لا خلف عنه،ثم بينها بما بعدها:أى هى بمريم،أو يكون قوله بمريم بدلا من قوله و فى سبعة،لأن معنى مريم أى بمريم لا خلف عنه فى المد،و كذا فى حر فى الأعراف و ما بعد ذلك،و الذى فى مريم قوله تعالى:

(أَ إِذا ما مِتُّ 3) .

و فى الأعراف موضعان:

********

(1) سورة الصافات،آية:36.

(2) أوله:أيا ظبية الوعاء بين جلاجل.و بين النقا..

(3) آية:66.

ص: 136

(أ ئنكم لتأتون (1)-أ ئن لنا لأجرا (2)و فى الشعراء(أ ئن لنا لأجرا (3).

و العلا نعت السور الثلاث،فهذه أربعة مواضع من السبعة،ثم قال:

198-[أئنّك آئفكا معا فوق صادها و فى فصّلت حرف و بالخلف سهّلا]

يريد قوله تعالى فى و الصافات:

(أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (4) - أَ إِفْكاً آلِهَةً 4) .

أى و فى أءنك أئفكا،و قوله معا حال منهما،كما تقول جاء زيد و عمرو معا:أى مصطحبين:أى إنهما فى سورة واحدة فوق صادها و هى سورة الصافات،و فى قوله معا يوهم أن أئفكا موضعان كقوله:

(نعما).

معا فلو قال موضعها هما فوق صادها لزال الإيهام،و الضمير فى صادها لسور القرآن،و فوق ظرف للاصطحاب الذى دل عليه معا.أى اصطحبا فوق صادها أو ظرف الاستقرار:أى و لا خلف فى مد أئنك أئفكا اللذين فوق صادها،و فى فصلت خرف و هو:

(أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ 6) .

و بالخلف سهلا:أى روى عن هشام تسهيله و لم يسهل من المكسور و غيره،و فى جميع المفتوح خلف مقدم سوى حرف نون و الأحقاف و أأعجمى و أ أمنتم،و لم يذكر صاحب التيسير فى حرف فصلت لهشام غير التسهيل، و لم يذكر صاحب الروضة فيه لابن عامر بكماله غير التحقيق.

فإن قلت:من أين يعلم أن لهشام المد فى هذه المواضع السبعة بلا خلاف و كل واحد من الأمرين محتمل لأنه ذكر الخلاف له فى المد قبل المكسور و استثنى هذه المواضع؛فمن أين تعلم المدّ دون القصر.

قلت:هذا سؤال جيد.و جوابه أنه قد قدم أنه يمد قبل الفتح و الكسر،ثم استثنى الخلاف له قبل الكسر إلا فى سبعة،فلو لم يذكر الخلف فى المكسورة لأخذنا له المد فى الجمع عملا بما ذكر أولا،فغايته أنه عين ما عدا السبعة للخلاف،فنزل هذا منزلة استثناء من استثناء،فكأنه قال يمد مطلقا إلا قبل الكسر فإنه لا يمد إلا فى سبعة مواضع،فمعناه أنه يمد فيها لأن الاستثناء من النفى إثبات،على أنه لو قال سوى سبعة فالمد حتم بمريم لزال هذا الإشكال،و اللّه أعلم.

199-[و آئمّة بالخلف قد مدّ وحده و سهّل(سما)وصفا و فى النّحو أبدلا]

لم يمد هنا بين الهمزتين غير هشام بخلاف عنه،لأن الأولى من بنية الكلمة كما سبق ذكره،و لأن الهمزة الثانية حركتها عارضة فلم يتحكم ثقلها إذا أصلها السكون،و ذلك أن أئمة جمع إمام و أصله أئمة على وزن مثال

********

(1) سورة الأعراف،آية:81.

(2) سورة الأعراف،آية:113.

(3) الآية:41.

(4) الآية:52 و 86.

(6) الآية:9.

ص: 137

و أمثلة،ثم نقلت حركة الميم إلى الهمزة فانكسرت و أدغم الميم فى الميم،فمن حقق فعلى هذا و هم الكوفيون و ابن عامر على أصولهم،و من سهل أيضا فهو على أصله و هم مدلول سما إذ قد اجتمع همزتان متحركتان الآن، و لا نظر إلى كون الحركة عارضة،فإن ذلك الأصل مرفوض.و قوله:أئمة مفعول مقدم بالخلف:أى مدها مدا ملتبسا بالخلف،و وصفا تمييز:أى سما وصف التسهيل.ثم قال:و فى النحو أبدلا:أى رأى أهل النحو إبدال الهمزة ياء فى أئمة،نص على ذلك أبو على فى الحجة و الزمخشرى فى مفصله«و وجهه النظر إلى أصل الهمزة و هو السكون،و ذلك يقتضى الإبدال مطلقا،و تعينت الياء هنا لانكسارها الآن فأبدلت ياء مكسورة،ثم لم يوافق أبو القاسم الزمخشرى أهل النحو فى ذلك و اختار مذهب القراء،فقال فى تفسيره فى سورة براءة فى قوله تعالى:

(فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ 1) .

فإن قلت:كيف لفظ أئمة.

قلت:همزة بعدها همزة بين بين:أى بين مخرج الهمزة و الياء،و تحقيق الهمزتين قراءة مشهورة و إن لم تكن مقبولة عند البصريين.

قال و أما التصريح بالياء فليس بقراءة.و لا يجوز أن تكون،و من صرح بها فهو لاحن محرف.

قلت:و لم يذكر صاحب التيسير إبدالها ياء و لا ذكر مسألة أئمة فى هذا الباب،و إنما ذكرها فى سورة براءة،و لفظ الناظم بأئمة على قراءة هشام بالمد،و الضمير فى قوله:أبدلا للمسهل المفهوم من قوله و سهل و هو الهمز المكسور.

و قال ابن جنى فى باب شواذ الهمز من كتاب الخصائص:و من شواذ الهمز عندنا قراءة الكسائى أئمة بالتحقيق فيهما،فالهمزتان لا تلتقيان فى كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين نحو:سأال و سأار و جأار.و أما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا و ليس لحنا،و ذلك نحو،قرأ أبوك و:

(السُّفَهاءُ أَلا (2) - وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ (3) -و أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ 4) .

فهذا كله جائز عندنا على ضعف،لكن التقاؤهما فى كلمة واحدة غير عينين لحن إلا ما شذ مما حكيناه فى خطاء و بابه.

200-[و مدّك قبل الضّمّ(ل)بّى(ح)بيبه بخلفهما(ب)رّا و جاء ليفصلا]

مضى الكلام فى المد قبل الفتح و الكسر،ثم ذكر المد قبل الضم،فنص على أن لهشام و أبى عمرو خلافا فى ذلك،و لم يذكر عن قالون خلافا فى المد،و قد ذكره ابن الفحام فى تجريده.و أما أبو عمر فالمشهور عنه

********

(1) الآية:12.

(2) سورة البقرة،آية:13.

(3) سورة الحج،آية:65.

(4) سورة البقرة،آية:27.

ص: 138

ترك المد؛و لم يذكر له صاحب التيسير غيره،و ذكره غيره.و أما هشام فله ثلاثة أوجه:اثنان كالوجهين عن أبى عمرو،و الثالث فصله فى البيت الآتى،و الهاء فى حبيبه تعود إلى المد:أى لباه حبيبه،و يكون الحبيب كناية عن القارئ كأن المد ناداه ليجعله فى قراءته فأجابه بالتلبية و القبول له،و برا حال من حبيبه:أى لباه فى حال بره و شفقته عليه،أو يكون برا مفعول لبى حبيبه قارئا بارا بالمد مختارا له.و البر و البار.بمعنى واحد، و هو ضد العاق المخالف،و الضمير فى جاء للمد:أى جاء المد للفصل بين الهمزتين.

201-[و فى آل عمران رووا لهشامهم كحفص و فى الباقى كقالون و اعتلا]

فصل فى هذا البيت الوجه الثالث الذى لهشام.و شرحه أن يقال:إن هذه الهمزة المضمومة بعد المفتوحة جاءت فى القرآن فى ثلاثة مواضع،و جاءت لبعضهم فى موضع رابع.أما الثلاثة ففي آل عمران:

(قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ 1) و فى ص (أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ 2) و فى القمر (أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ 3) و لرابع فى الزخرف (أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ 4) .

على قراءة نافع وحده و سيأتى فى سورته،و الباقون بهمزة واحدة،فلا مد فيه لغير نافع.

و مذهب هشام فى الثلاثة على ما فى التيسير أنه فى آل عمران بلا خلاف،فإنه قال:و هشام من قراءتى على أبى الحسن بتحقيق الهمزتين من غير ألف بينهما فى آل عمران،و يسهل الثانية و يدخل قبلها ألفا فى الباقيتين كقالون،و الباقون يحققون الهمزتين فى ذلك،و هشام من قراءتى على أبى الفتح كذلك و يدخل بينهما ألفا.

فقد اتفق الشيخان أبو الحسن و أبو الفتح على التحقيق فى آل عمران،و على المد فى ص و القمر،و اختلفا فى المد فى آل عمران و التسهيل فى ص و القمر،فتكون قراءة هشام فى ص و القمر كقراءته(أ ئنكم)فى فصلت:

مد بلا خلاف؛و تسهيل بخلاف،فيكون قد فعل فى المكسورة فى بعض مواضعها،و جماعتنا أشكل عليهم تنزيل النظم على ما فى التيسير.و صوابه أن يقال:لهشام فى هذه الثلاثة ثلاثة أوجه.

القصر و التحقيق فى الجميع،و هذا الوجه ذكره صاحب الروضة و غيره،و هو من زيادات هذه القصيدة.

و الوجه الثانى المد فى الجميع مع التحقيق،و هذا الذى قرأه صاحب التيسير على أبى الفتح فارس بن أحمد، و هو شيخه الذى ذكره فى آخر باب التكبير.

و الوجه الثالث التفصيل،القصر و التحقيق فى آل عمران،و المد و التسهيل فى الباقيين،و هذا الذى قرأه صاحب التيسير على أبى الحسن طاهر بن غلبون الذى سبق ذكره فى باب المد و القصر،فالوجهان الأولان لهشام يماثل فيهما أبا عمرو فى أنه يمد فى الجميع و لا يمد،فلهذا أدرجه الناظم معه؛فقال فى البيت الأول:بخلفهما، ثم ذكر لهشام الوجه الثالث فى البيت الثانى،و لو أنه نظم مقتصرا على ما فى التيسير لقال،ما كنت قد نظمته قديما تسهيلا على الطلبة:

********

(1) سورة آل عمران،آية:15.

(2) الآية:8.

(3) الآية:25.

(4) الآية:19.

ص: 139

و مدك قبل الضم بر حبيبه بخلف هشام فى الثلاثة أصلا

ففي آل عمران يمد بخلفه و فى غيرها حتما و بالخلف سهلا

أى مدّ حتما بلا خلاف،و اللّه أعلم.

باب الهمزتين من كلمتين

يعنى الهمزتين المجتمعتين من كلمتين،و ذلك أن تكون أولاهما آخر كلمة و الثانية أوّل كلمة أخرى؛و ذلك يأتى على ضربين.

أحدهما أن يتفقا فى الفتح أو الكسر أو الضم.و الآخر أن لا يتفقا فى شيء من ذلك بل يختلفا فيه،و لكل واحد من الضربين حكم يخصه،و قد بين كلا منهما و بدأ بقسم الاتفاق فقال:

202-[و أسقط الأولى فى اتّفاقهما معا إذا كانتا من كلمتين فتى العلا]

فتى العلا فاعل أسقط:يعنى ولد العلا و هو أبو عمرو بن العلاء،أسقط الهمزة الأولى من المتفقتين بالفتح و الكسر و الضم،و هذا نقل علماء القراءات عن قراءة أبى عمرو بإسقاط الهمزة.

ثم منهم من يرى أن الساقطة هى الأولى؛لأن أواخر الكلم محل التغيير غالبا،و منهم من يجعل الساقطة هى الثانية،لأن الثقل بها حصل.

و الذى نقله النحاة عن أبى عمرو أنه يخفف الأولى من المتفق و المختلف جميعا.

قال أبو على فى التكملة:أهل التحقيق يحققون إحداهما،فمنهم من يخفف الأولى و يحقق الثانية،و منهم من يحقق الأولى و يخفف الثانية،و هو الذى يختاره الخليل،و يحتج بأن التخفيف وقع على الثانية إذا كانتا فى كلمة واحدة نحو آدم و آخر،فكذلك إذا كانتا من كلمتين.

قال الخليل:رأيت أبا عمرو قد أخذ بهذا القول فى قوله:

(يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ 1) .

قال العبدى فى شرحه:مذهب أبى عمرو تخفيف الأولى.و مذهب الخليل تخفيف الثانية،و القراء على خلاف ما حكاه النحويون عنه،و ذلك أنهم يقولون الهمزتان إذا التقيا بحركة واحدة حذفت إحداهما حذفا من غير أن تجعلها بين بين،و إذا اختلفت الحركة عادوا إلى ما قلناه.قال:و قياس قول أبى عمرو المحذوفة هى الأولى،لأنه حكى مذهبه أن تكون الأولى بين بين.

قلت:و من فوائد هذا الاختلاف ما يظهر فى نحو:

(جاءَ أَمْرُنا 2) .

من حكم المد فيه.

********

(1) سورة هود،آية:72.

(2) سورة هود،آية:8.

ص: 140

فإن قبل الساقطة هى الأولى كان المد فيه من قبيل المنفصل.و إن قبل هى الثانية كان المد من قبيل المتصل.

و قد نص مكى فى كتاب التبصرة على قول أن الساقطة هى الأولى.

ثم إن القارئ لأبى عمرو إذا وقف على جاء فإنه يمد و يهمز،فإن الحذف إنما يكون فى الوصل لأن الاجتماع إنما يحصل فيه.

و لم أر أن النحويين ذكروا لغة الإسقاط.و وجهها على ما نقله القراء أن من مذهب أبى عمرو الإدغام فى المثلين،و لم يمكن هنا لثقل الهمز غير مدغم فكيف به مشددا مدغما،فعدل الإسقاط و اكتفى به.و قوله و قوله معا حال من ضمير التثنية الذى أضيف إليه الاتفاق لأنه بمنزلة قولك اتفقا معا،و لا فائدة لقوله معا فى هذا الموضع إلا مجرد التوكيد،كما لو قال كليهما،و فى غير هذا الموضع معا يذكر لفائدة سننبه عليها فى الباب الآتى،و الهاء فى اتفاقهما عائدة (1)على الهمزتين فى قوله فى أوّل الباب السابق:و تسهيل أخرى همزتين، ثم مثل صورة الاتفاق فقال:

203-[كجا أمرنا من السّما إنّ أوليا أولئك أنواع اتّفاق تجمّلا]

فمثل المفتوحتين بقوله تعالى جاء أمرنا و المكسورتين بقوله فى سبأ:

(مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ 2) .

و المضمومتين بقوله فى الأحقاف:

(أَوْلِياءُ أُولئِكَ 3) .

و ليس فى القرآن العزيز غيره،و لفظ بالأمثلة الثلاثة على لفظ قراءة أبى عمرو؛فالهمزة المسموعة فى جاء أمرنا هى أول أمرنا،و مثله:

(ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ 4) .

الهمزة أوّل أنشره لأنها همزة قطع،فإن اتفق بعد ما آخره همزة:همزة وصل حذفت فتبقى الهمزة المسموعة هى آخر الكلمة الأولى لجميع القراء:

(فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ (5) - فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ 6) .

الهمزة آخر شاء و آخر الماء.

و قوله أنواع خبر مبتدإ محذوف:أى هى أنواع اتفاق تجمل:أى تزين.

ثم بين مذهب قالون و البزى فقال:

204-[و قالون و البزّىّ فى الفتح و القا و فى غيره كانيا و كالواو سهّلا]

أى وافقا أبا عمرو فى ذواتى الفتح فأسقطا الأولى منهما،و فى غير الفتح جعلا المكسورة كالياء و المضمومة كالواو:أى سهلا كل واحدة منهما بين بين فجمعا بين اللغتين.

********

(1) بعيد و الأولى عودها على الهمزتين فى هذا الباب و مثلها الألف فى كانتا ا ه ضباع.

(2) سورة هود،آية:40.

(3) الآية:32.

(4) سورة عبس،آية:22.

(5) سورة المزمل،آية:19.

(6) سورة الحج،آية:5.

ص: 141

205-[و بالسّوء إلاّ أبدلا ثمّ أدغما و فيه خلاف عنهما ليس مقفلا]

يعنى قوله تعالى فى سورة يوسف:

(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمّارَةٌ بِالسُّوءِ 1) .

خالفا فيها أصلهما فعدلا عن تسهيل همزة السوء بين بين،لأن لغة العرب فى تخفيف همزة مثل ذلك على وجهين سيأتى ذكرهما فى باب وقف حمزة و هشام.

أحدهما أن تلقى حركة الهمزة على الواو و بحذف الهمز،و هذا لم يقرأ به لهما،و هو الوجه المختار فى تخفيف همز ذلك،و قد نبه عليه مكى رحمه اللّه فى التبصرة.

و الثانى أن تبدل الهمزة واوا و تدغم الواو التى قبل الهمزة فيها،و هذا الوجه هو المذكور لهما فى هذا البيت:

أى أبدلا الهمزة واوا ثم أدغما فيها الواو التى قبلها،و إنما اختارا هذا على وجه نقل الحركة،لأن النقل يؤدى هنا إلى أن تنكسر الواو بعد ضمة فتصير مثل قول و هو مرفوض فى اللغة،و قول بالتشديد مستعمل و هو أخف من قول،و لعل سببه حجز الساكن بين الضمة و الكسرة.و قد فعل قالون نحو ذلك فى لفظ النبى فى موضعين فى سورة الأحزاب لأنه يهمز لفظ النبى و قبل الهمز ياء فأبدل الهمزة ياء و أدغم فيها الياء التى قبلها،و ذلك متعين، ثم لا يجوز فيه نقل حركة الهمزة إلى الياء،لأنها زائدة،بخلاف الواو هنا،و هذا سيأتى ذكره فى سورة البقرة إن شاء اللّه تعالى،ثم قال و فيه:أى و فى تخفيف بالسوء خلاف عن قالون و البزى،ليس مقفلا،أى ليس مغلقا أو ليس مقفلا عليه،أى ممنوعا لا يوصل إليه،بل هو مشهور معروف فى كتب مصنفة،منها التبصرة لمكى،و إن كان صاحب التيسير ما ذكره و لم يذكر هذه المسألة إلا فى سورتها،و الخلاف المشار إليه أنهما قرءاها بين بين على أصلهما،و لا يمنع من ذلك كون الواو ساكنة قبلها،فإنها لو كانت ألفا لما امتنع جعلها بين بين بعدها لغة.على ما يأتى،فالواو قريبة منها،و اللّه أعلم.

قال مكى:ذكر عن قالون فيها أنه يجعل الأولى كالياء الساكنة،قال:و الأحسن الجارى على الأصول إلقاء الحركة،و لم يرو عنه،و يليه فى الجواز الإبدال و الإدغام،و هو الأشهر عن قالون،و هو الاختيار لأجل جوازه،و الرواية،قال فأما البزى فقد روى عنه الوجهان أيضا،و الاختيار الإبدال و الإدغام لجريه على الأصول.

قلت:فهذا آخر الكلام فى مذهب من يخفف الهمزة الأولى،إما بإسقاط و إما بتسهيل.و ذلك فى الوصل، فلو وقف عليها لحققت الهمزة،و سنذكر ذلك أيضا فى سورة البقرة بتوفيق اللّه تعالى.

206-[و الأخرى كمدّ عند ورش و قنبل و قد قيل محض المدّ عنها تبدّلا]

مذهب أبى عمرو و قالون و البزى كان متعلقا بالهمزة الأولى،و مذهب ورش و قنبل يتعلق بالثانية،لأن الثقل عندها حصل،و هى المرادة بقوله«و الأخرى»و روى عنهما فى تسهيلها وجهان:أحدهما جعلها بين بين، لأنها همزة متحركة ما قبلها،كذلك قياس تسهيلها،و هو المراد بقوله«كمد»«و الوجه الثانى لم يذكر فى التيسير، و هو أن تبدل حرفا ساكنا من جنس حركتها،و هو مذهب عامة المصريين كما فعلوا ذلك فى المفتوحتين فى كلمة

********

(1) الآية:53.

ص: 142

واحدة،إلا أن البدل هنا عام فى المفتوحة و المكسورة و المضمومة لأنه أمكن إبدال المكسورة ياءً ساكنة و المضمومة واوا ساكنة،لأن حركة ما قبلهما من جنسهما،و لم يمكن ذلك فى كلمة واحدة،لأن قبلهما فتحا و بعدهما ساكنا، و الهمز المتحرك:المتحرك ما قبله لا يبدل إلا سماعا،و هذا المراد بقوله«محض المدّ»قالوا:

و أما (جاءَ آلَ 1) .

فالبدل فيه ممتنع،و التسهيل متعين خوفا من اجتماع ألفين:

قلت:و أى مانع فى ذلك إذا اجتمع ألفان زيد فى المدّ لهما لو حذف إحداهما،كما ذكر هذان الوجهان لحمزة فى وقفه على مثل:يشاء-و من السماء-و هو قوله فيما يأتى و يقصر أو يمضى على المد أطولا،إلا أنه اغتفر ذلك فى وقف حمزة لتعينه،و أما «جاءَ آلَ» فلنا عنه مندوحة إلى جعل الهمزة بين بين،فصير إليه.

و قوله:محض المد مبتدأ و خبره قوله عنها تبدلا،أى تبدل المدّ المحض عن الهمزة.

و قال بعض الشارحين محض المدّ منصوب بقوله نبدل.

قلت:فالمعنى حينئذ تبدل الهمز محض المد،فيبقى قوله عنها لا معنى له فنصب محض المد فاسد، و اللّه أعلم.

207-[و فى هؤلا إن و البغا إن لورشهم بياء خفيف الكسر بعضهم تلا]

قال صاحب التيسير (2)و أخذ على ابن خاقان لورش بجعل الثانية ياء مكسورة فى البقرة فى قوله:

(هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ 3) و فى النور (عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ 4) .

فقط،قال:و ذلك مشهور عن ورش فى الأداء دون النص.

قلت:و هذا الوجه مختص بورش فى هذين الموضعين،و فيهما له و لقنبل الوجهان السابقان:

208-[و إن حرف مدّ قبل همز مغيّر يجز قصره و المدّ ما زال أعدلا]

هذا الخلاف يجيء على مذهب أبى عمرو،و قالون،و البزى،لأنهم يغيرون الأولى إسقاطا أو تسهيلا فوجه القصر زوال الهمز أو تغيره عن لفظه المستثقل،و المد إنما كان لأجله،و وجه المد النظر إلى الأصل، و هو الهمز و ترك الاعتداد بما عرض من زواله،و نبه على ترجيح وجه المدّ بقوله:«و المدّ ما زال أعدلا» لقول صاحب التيسير:إنه أوجه،فإنه قال:و متى سهلت الهمزة الأولى من المتفقتين أو أسقطت فالألف التى قبلها ممكنة على حالها مع تخفيفها،اعتدادا بها،و يجوز أن يقصر الألف لعدم الهمزة لفظا،و الأوّل أوجه.

ثم اعلم أن هذين الوجهين على قراءة الإسقاط،إنما هما فى مذهب من يقصر فى المنفصل كالبزى و السوسى و قالون و الدورى فى أحد الروايتين عنهما،فإنهم يمدون المتصل نحو:

(جاء-و-السّماء-و-أولياء).

********

(1) سورة الحجر،آية:61.

(2) هذه عبارة اصطلاحية فيقال أخذ على القراءة بمعنى قرأت عليه ا ه ضباع.

(3) الآية:31.

(4) الآية:33.

ص: 143

فلما تغيرت الهمزة فى قراءتهم اتجه الخلاف المذكور:إما فى قراءة من يمد المتصل و المنفصل جميعا فكل ذلك ممدود له بلا خلاف كالرواية الأخرى عن قالون و الدورى،لأنه كيف ما فرض الأمر،فهو إما متصل أو منفصل،فليس لهم إلا المدّ،و كذا على قول من زعم أن الهمزة الساقطة هى الثانية ليس إلا المدّ فى قراءته، لأن الكلمة التى فيها المدّ المتصل بحالها،و يجرى الوجهان لحمزة فى وقفه على نحو:

(الملائكة-و-إسرائيل).

و كل هذه تنبيهات حسنة و اللّه أعلم.

و مضى وجه قوله«و إن حرف مد بغير فعل»مفسر فى شرح قوله«و إن همز وصل»فى الباب السابق.

209-[و تسهيل الأخرى فى اختلافهما(سما) تفيء إلى مع جاء أمّة انزلا]

فرغ الكلام فى أحكام المتفقتين؛ثم شرع فى بيان حكم المختلفتين إذا التقتا فى كلمتين،فالأولى محققة بلا خلاف عند القراء،و إن كان يجوز تسهيلها عند النحاة على ما سبق ذكره.

و وجه ما اختاره القراء أن حركة الثانية مخالفة للأولى،فلم يصح أن تكون خلفا منها،و دالة عليها بخلاف المتفقتين،ثم إن الذين سهلوا فى المتفقتين على اختلاف أنواع تسهيلهم،و هم مدلول سماهم أيضا الذين سهلوا الثانية من المختلفتين متفقين على لفظ تسهيلها،على ما يأتى بيانه.

ثم شرع يعدد أنواع اختلافها،و هى خمسة أنواع،و السمة العقلية تقتضى ستة،إلا أن النوع السادس لا يوجد فى القرآن،فلهذا لم يذكر.

أما الخمسة الموجودة فى القرآن فهى أن تكون الأولى مفتوحة و الثانية مكسورة أو مضمومة،و أن تكون الثانية مفتوحة و الأولى مضمومة أو مكسورة،فهذه أربعة أنواع،و الخامس أن تكون الأولى مضمومة و الثانية مكسورة،و النوع السادس الساقط أن تكون الأولى مكسورة و الثانية مضمومة،نحو فى الماء أمم، فذكر فى هذين البيتين النوعين الأولين من الخمسة المكسورة بعد المفتوحة،بقوله:

(تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ 1) .

و المضمومة بعد المفتوحة بقوله:

(جاءَ أُمَّةً 2) .

فى سورة قد أفلح،و ليس فى القرآن من هذا الضرب غيره،و أما-تفيء إلى-فمثله كثير نحو:

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ 3) .

و وضع قوله تفيء إلى رفع،لأنه خبر مبتدإ محذوف أى هى نحو:

(تفيء إلى).

و كذا و كذا،و قوله أنزلا جملة معترضة:

********

(1) سورة الحجرات،آية:9.

(2) الآية:44.

(3) سورة البقرة،آية:133.

ص: 144

210-[نشاء أصبنا و السّماء أو ائتنا فنوعان قل كاليا و كالواو سهّلا]

و هذان نوعان على العكس مما نقدم،و هما مفتوحة بعد مضمومة،كقوله تعالى فى سورة الأعراف:

(أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ 1) و مثله (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ 2) .

فى قراءة نافع و مفتوحة بعد مكسورة كقوله فى الأنفال:

(مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا 3بِعَذابٍ أَلِيمٍ) .

فأما النوعان الأوّلان فى البيت السابق فالثانية فيهما مسهلة بين بين،و هو المراد بقوله كاليا و كالواو، لأنها همزة متحركة بعد متحرك،و أما النوعان اللذان فى هذا البيت فأبدلت فيهما ياء و واوا،كما قال:

211-[و نوعان منها أبدلا منهما و قل يشاء إلى كالياء أقيس معدلا]

منها أى من الأنواع المتقدمة،و الضمير فى أبدلا عائد إلى الياء و الواو فى قوله كاليا و كالواو،و فى منهما للهمزتين،أى أبدل الياء و الواو من همزهما،و هذا قياس تخفيف الهمزة المفتوحة بعد الضم،أن تبدل واوا، و بعد الكسرة أن تبدل ياء،و هذا مما استثنى من تسهيل الهمز المتحرك بعد حرف متحرك بين بين،لمعنى اقتضى ذلك على ما نبين فى باب وقف حمزة إن شاء اللّه تعالى،فأبدلت فى:

(نشاء أصبناهم-واوا،و فى-السّماء أو ائتنا)ياء.

و لا يضر كونه فى البيت السابق قدم ذكر الياء على الواو فى قوله كاليا و كالواو سهلا.

ثم قال:و نوعان منهما أبدلا،فعاد الضمير إليهما،و الواو فى هذا البيت متقدمة على الياء من لفظ ما مثل به من الآيتين،فإنا نرد كل شيء إلى ما يليق به و له نظائر،فقوله:و نوعان مبتدأ،و منها صفته و أبدلا خبره و نوعان فى البيت السابق أيضا مبتدأ؛و مهلا صفته،و خبره محذوف قبله،أى فمنها نوعان سهلا،كالياء و كالواو، و منها نوعان أبدلا منهما،فلما ذكر منهما بعد نوعان صارت صفة له،ثم ذكر النوع الخامس،و هو مكسورة بعد مضمومة نحو:

(وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 4) .

فقياسها أن تجعل بين الهمزة و الياء،لأنها مكسورة بعد متحرك،أى جعلها كالياء أقيس من غيره لغة، و معدلا،تمييز،أى أقيس عدول عن هذه الهمزة هذا العدول،ثم ذكر مذهب القراء فيها فقال:

212-[و عن أكثر القرّاء تبدل واوها و كلّ بهمز الكلّ يبدا مفصّلا]

واوها ثانى مفعولى تبدل،فلهذا نصبه و الهاء عائدة على الهمزة،لأنها تبدل منها فى مواضع،أو على الحروف للعلم بها أى تبدل الهمزة واوا مكسورة.

و قال صاحب التيسير:المكسورة المضموم ما قبلها تسهل على وجهين:تبدل واوا مكسورة على حركة

********

(1) الآية:100.

(2) سورة الأحزاب،آية:6.

(3) الآية:32.

(4) سورة البقرة،آية:213.

ص: 145

ما قبلها،و تجعل بين الهمزة و الياء على حركتها،و الأول:مذهب القراء،و هو آثر و الثانى:مذهب النحويين؛ و هو أقيس.

قلت:و لم يذكر مكى فى التبصرة،و لا ابن الفحام فى التجريد،و لا صاحب الروضة غير الوجه الأقيس، و ذكر ابن شريح ثلاثة أوجه،فذكر الوجه الأقيس.

ثم قال:و بعضهم يجعلها بين الهمزة و الواو،و منهم من يجعلها واوا،و الأول أحسن.

قلت:فلهذا قال الشاطبى:«عن أكثر القراء تبدل واوها،لأن متهم من سهلها باعتبار حركة ما قبلها لأنها أثقل من حركتها،و هذا الوجه أقرب من وجه الإبدال الذى عليه الأكثر،و هذان الوجهان سيأتيان فى باب وقف حمزة منسوبا،الإبدال إلى الأخفش،و وجه التسهيل موصوف ثم بالإعضال،و سيأتى الكلام على ذلك.

و قوله:و كل بهمز الكل يبدأ،أى و كل من سهل الثانية من المتفقتين و المختلفتين،و إنما ذلك فى حال وصلها بالكلمة قبلها،لأن الهمزتين حينئذ متصلان،و تلتقيان،فأما إذا وقف على الكلمة الأولى فقد انفصلت الهمزتان، فإذا ابتدأ بالكلمة الثانية حقق همزتها،و لو أراد القارئ تسهيلها لما أمكنه لقرب المسهلة من الساكن،و الساكن لا يمكن الابتداء به.

و قوله:يبدأ؛أبدل فيه الهمزة ألفا ضرورة أو يقدر أنه وقف عليه فسكنت الهمزة،فجاز قلبها حينئذ ألفا؛و مفصلا أى مبينا لفظ الهمزة محققا له.

فإن قلت:كما بين الابتداء للكل،كان ينبغى أن يبين الوقف على الأولى للكل،لأن التسهل قد وقع فى الأولى و فى الثانية فى حال الاتصال،فبقى بيان حالهما فى الانفصال،فلم تعرض لبيان حال الثانية دون الأولى؟ قلت:من حقق الهمزة الأولى وقف عليها ساكنة،إلا من عرف من مذهبه أنه يبدلها،كما يأتى فى باب وقف حمزة و هشام،و من سهلها وقف أيضا بسكونها إذ لا تسهيل مع السكون،و للكل أن يقفوا بالروم و الإشمام بشرطهما،على ما سيأتى فى بابه،فلما كان للوقف باب يتبين فيه هذا و غيره،أعرض عنه،و أما الابتداء فلا باب له،فبين هنا ما دعت الحاجة إلى بيانه،و اللّه أعلم و أحكم:

213-[و الإبدال محض و المسهّل بين ما هو الهمز و الحرف الّذى منه أشكلا]

لما كان يستعمل كثيرا لفظى الإبدال و التسهيل احتاج إلى بيان المراد منهما فى اصطلاح القراء فقال:

«الإبدال محض»أى ذو حرف محض،أى يبدل الهمز حرف مد محضا ليس يبقى فيه شائبة من لفظ الهمز،بخلاف التسهيل،فإنه عبارة عن جعل الهمز بينه و بين الحرف المجانس لحركة الهمزة،فمن أبدل فى موضع التسهيل،أو سهل فى موضع الإبدال فهو غالط،فما فى قوله:«بين ما»بمعنى الذى،أى بين الذى،هو الهمز،و بين الحرف الذى منه،أى من جنس لفظه أشكل الهمز،أى ضبط بما يدل على حركته.

قال الجوهرى:يقال شكلت الكتاب:قيدته بالإعراب،قال:و يقال أشكلت الكتاب بالألف، كأنك أزلت عنه الإشكال و الالتباس،و يقع فى كثير من عبارات المصنفين غير ذلك فيرى بعضهم يقول:

ص: 146

قرأ ورش و ابن كثير بهمزة و بعدها مدة فى تقدير ألف،و قرأ قالون و أبو عمرو و هشام بهمزة و بعدها مدة مطولة فى تقدير ألفين،فكملت هذه العبارة كثيرا من الناس على أن مدوا بعد الهمزة؛و كان بعض أهل الأداء يقرب الهمزة المسهلة من مخرج الهاء.

و سمعت أنا منهم من ينطق بذلك،و ليس بشيء،و اللّه أعلم.

باب الهمز المفرد

يعنى بالمفرد الذى لم يجتمع مع همز آخر،و ما مضى فى البابين السابقين،فهو حكم الهمز المجتمع مع همز آخر فى كلمة و كلمتين،ثم شرع فى بيان الهمز المفرد فذكر حكمه فى ثلاثة أبواب متوالية،هذا أولها.

و تخفيف الهمز يقع على ثلاثة أضرب نقل،و إبدال،و بين بين.

فالذى مضى فى البابين تخفيفه فى عموم الأحوال بين بين،و جاء منه شيء قليل بالإبدال و الإسقاط.

و الذى فى هذا الباب كله إبدال.

و الذى فى الباب بعده كله نقل.

و باب وقف حمزة فيه جميع الأنواع،و إنما قدم الأبواب التى كثر مسهلوها و أخر ما ينفرد به واحد أو اثنان:

و اللّه المستعان:

214-[إذا سكنت فاء من الفعل همزة فورش يريها حرف مدّ مبدّلا]

أى إذا سكنت همزة فى حال كونها فاء من الفعل،لأنه حال بمعنى متقدمة،و يجوز أن يكون ظرفا،لأنه بمعنى أولا،و معنى كونها فاء للفعل أن الكلمة التى تكون فيها همزة لو قدرتها فعلا لوقعت الهمزة موضع فائه، أى أول حروفه الأصول،و ذلك نحو:

(مَأْتِيًّا 1) .

لأنك لو قدرت هذا فعلا لكان أتى،و وزن أتى فعل،فالهمزة موضع الفاء،و تقريبه أن يقال:هى كل همزة ساكنة بعد-همزة وصل،أو تاء،أو فاء،أو ميم،أو نون،أو واو،أو ياء،يجمعها قولك:«فيتمنوا» و همزة الوصل نحو قوله:

(ائْتِ بِقُرْآنٍ (2) - ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا (3) - اَلَّذِي اؤْتُمِنَ 4) .

لأن وزنها أفعل:

و افتعل:يؤمنون-فأتوا-فائيا-:

(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ (5) - وَ أْمُرْ أَهْلَكَ (6)- وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ (7).

لأن وزنهما أفعل و افتعلوا-:

********

(1) سورة مريم،آية:61.

(2) سورة يونس،آية:15.

(3) سورة طه،آية:64.

(4) سورة البقرة،آية:283.

(5) سورة البقرة،آية:55.

(6) سورة طه،آية:122.

(7) سورة الطلاق،آية:6.

ص: 147

(يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ 1) .

و لا فرق بين أن تكون هذه الحروف أو الكلمة أول فى وسطها،نحو:

(أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ (2) - وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ (3) - فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ 4) .

فإذا علمت همزة فاء الفعل بالحد و العلامة،فإذا وقعت ساكنة أبدلها ورش حرف مد من جنس حركة ما قبلها،ففي يأتين إبدالها ألفا؛و فى الذى اؤتمن ياء؛و فى نؤمن لك واوا،و قوله يريها أى يريك إياها، و حرف مد مفعول ثالث إن كان يرى بمعنى يعلم،أى ورش و من يقوم مقامه من المعلمين قراءته يعلمونك أيها الطالب بأنها فى قراءته حرف مد،و يجوز أن يكون يرى من رؤية البصر،فيكون حرف مد حالا،أى يبصرك إياها على هذه الصفة،كقولك أ رأيت زيدا فقيرا،و أ رأيته إياه غنيا،أى بصرته به فأبصره فى هاتين الحالتين و إنما خص ورش همزة فاء الفعل بالإبدال دون همزة عينه و لامه،و هى الواقعة فى الوزن فى موضع العين أو اللام،لأن همزة فاء الفعل،كأنها مبتدأة،و ورش من أصله نقل حركة الهمزة المبتدأة،كما يأتى فأجرى هذه مجرى تيك فى التعبير،أو لأنه لما وجب إبدالها فى نحو:

(آمَنَ (5) - وَ آتَى الْمالَ 5) .

مما وقعت فيه بعد همزة طرد الباب،فأبدلها مطلقا،كما فعلت العرب فى مضارع أفعل،حذفوا الهمزة لأجل حذفها مع همزة المتكلم مع سائر حروف المضارعة،و أبدل ورش ثلاثة مواضع من همزات عين الفعل و هى-بئر-و-بئس-و الذئب-و سيأتى.

و مبدلا حال من ضمير ورش،و هو فاعل يريها؛و بدّل و أبدل لغتان،قرئ بهما فى مواضع،و هما كنزّل و أنزل،و فى التشديد معنى التكثير،ثم ذكر ما استثناه ورش من همز فاء الفعل،فلم يبد له،فقال:

215-[سوى جملة الإيواء و الواو عنه إن تفتّح إثر الضّمّ نحو مؤجّلا]

أى سوى كل كلمة مشتقة من لفظ الإيواء،نحو-تؤوى-و تؤويه-و مأواهم-و مأواكم-و المأوى-و-فأووا إلى- و علته أن الهمز فى تؤوى أخف من إبداله،فطرد جميع الباب لأجله،و جمع بين اللغتين،ثم استأنف كلاما آخر بقوله و الواو عنه،أى مبدلة نائبة عن همز فاء الفعل إن تفتح الهمز بعد ضم،و ذلك قياس تخفيف كل همز مفتوح بعد ضم أن يبدل واوا،و لم يخفف غير هذا من همز فاء الفعل،نحو:

(يتأخّر-و مآرب-و تؤزّهم).

لأنه كان يلزمه فيه التسهيل،و إنما مذهبه الإبدال فى همز فاء الفعل فلم يخرج عنه،و قيل الهاء فى عنه تعود على ورش،و الواو مروية عن ورش إن يفتح الهمز.و الأول أولى لأن فيه عود الضمير فى عنه،و تفتح إلى شيء واحد،و قد روى عن ورش تسهيل باقى الباب فى فاء الفعل،على ما يقتضيه القياس،و المشهور الأول.

و إثر ظرف،يقال:إثر،و أثر و مؤجلا فى موضع جر،و إنما نصبه حكاية للفظه فى القرآن العزيز، و هو قوله تعالى:

********

(1) سورة الحج،آية:37.

(2) سورة النمل،آية:54.

(3) سورة الأحزاب،آية:13.

(4) سورة النمل،آية:37.

(5) سورة البقرة،آية:177.

ص: 148

(كِتاباً مُؤَجَّلاً (1) -و مثله- يُؤاخِذُكُمُ (2)- يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ (3)- لا تُؤاخِذْنا (4)- وَ الْمُؤَلَّفَةِ (5) و يؤيد-و غير ذلك.

و أما نحو(فؤادك-و سؤال).

فالهمزة فيه عين الفعل،فلا يبدلها،و اللّه أعلم:

216-[و يبدل للسّوسيّ كلّ مسكّن من الهمز مدّا غير مجزوم ن اهملا]

و هذا الإبدال منسوب فى كتاب التيسير و غيره إلى أبى عمرو نفسه.لم يختص السوسى بذلك،و ذكره فى باب مستقل غير الباب الذى بين فيه مذهب ورش.

و قال الشيخ فى شرحه،أما قوله و يبدل للسوسى،فلأن القراءة به وقعت من طريقه لا من طريق الدورى، و عن السوسى اشتهر ذلك اشتهارا عظيما دون غيره.

قلت:و ممن نسبه إلى السوسى من المصنفين:ابن شريح،و ابن الفحام،و غيرهما.

قوله«كل مسكن»أى كل همزة ساكنة سواء كانت فاء أو عينا أولا،ما يبدلها حرف مد من جنس حركة ما قبلها،ففاء الفعل مضى تمثيله فى مذهب ورش و عين الفعل مثل:رأس،و بأس،و بئر،و بئس،و لام الفعل نحو:

( فَادّارَأْتُمْ فِيها (6)-و جئت-و شئت).

فإن قلت:لم أبدلت الساكنة و لم تبدل المتحركة.

قلت:لأن الساكنة أثقل لاحتباس النفس معها.و الإجماع على إبدالها إذا اجتمعت مع المتحركة فى كلمة و هذا مدرك بالحس،و هو من خصائص الهمز،و سائر الحروف ساكنها أخف من متحركها،هذا قول جماعة و يرد عليه إسكان أبى عمرو-بارئكم-طلبا للتخفيف،و قول النحويين:إن سكون الوسط يقاوم أحد سببى منع الصرف،و لم يفرقوا بين حروف و حرف.و قيل إنما خص الساكنة بالتخفيف لأن تسهيلها يجرى مجرى واحدا،و هو البدل،و المتحركة تخفيفها أنواع فآثر أن يجرى اللسان على طريقة واحدة،و مدا ثانى مفعول يبدل،أى حرف مد و غير مجزوم استثناء من كل مسكن،أى أهمل فلم يبدل.

ثم ذكر المجزوم فقال:

217-[تسؤ و نشأ ستّ و عشر يشأ و مع يهيّئ و ننسأها ينبّأ تكمّلا]

أى:و المجزوم المهمل هو كذا و كذا،و قوله«ست»صفة«تسؤ و نشأ»أو خبر مبتدأ محذوف،أى كلتاهما ست كلمات أى كل لفظة منهما فى ثلاثة مواضع-تسؤ-فى آل عمران.و فى المائدة،و فى التوبة-و نشأ- بالنون فى الشعراء،و سبأ-و يس-و يشأ-بالياء عشر كلمات فى النساء،و إبراهيم،و فاطر،و فى الأنعام،ثلاث و فى سبحان ثنتان،و فى الشورى ثنتان،و عشر فى النظم مضاف إلى يشأ:أى و عشر هذا اللفظ و لو نوّن لاستقام النظم،و لكن كان يوهم عوده إلى ما قبله فيكون-تسؤ و يشأ-بالنون ست عشر أى-و تسؤ-ست و-و يشأ- -عشر-فلهذا الخوف من الإيهام عدل إلى الإضافة،-و بهىء لكم-فى الكهف-و ننسأها-فى البقرة-و أم

********

(1) سورة آل عمران،آية:145.

(2) سورة البقرة آية:225.

(3) سورة النور،آية:42.

(4) آخر سورة البقرة،آية:286.

(5) سورة التوبة،آية:60.

(6) سورة البقرة،آية:72.

ص: 149

لم ينبأ-فى النجم تسع عشرة كلمة،و لم يستوعب صاحب التيسير ذكر مواضعها كما حصرها الناظم رحمه اللّه، فالهمزة فى جميع ذلك ساكنة للجزم،و لهذا قال:تكملا»أى تكمل المجزوم،و استثناه لعروض السكون، و الأجل؟؟؟ الحركة،و لئلا يجمع على الهمز أمرين:إسكانا،ثم إبدالا،و يرد على هاتين العلتين نحو:

جئتم-و شئتم-و الأولى أن يقال:حافظ على الهمز كراهة لصورة ثبوت حرف المد فى موضع الجزم أو الوقف،أو يقال حافظ على ما سكونه علامة الإعراب،فلم يغيره و يرد عليه ما روى من إسكانه علامتى الإعراب فى الرفع و الجر،من نحو:

.يأمركم-و بارئكم-على ما يأتى.

و لكن الأصح عنه أنه كان (1)يختلس الحركة فى ذلك،فتوهم بعض الرواة أنها سكون.

و قوله تعالى- وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها -يبدل همزه،و ليس من المستثنى،لأن سكون الهمز فيه لأجل ضمير الفاعل لا للجزم.

218-[و هيّئ و أنبئهم و نبّئ بأربع و أرجئ معا و اقرأ ثلاثا فحصّلا]

و جميع ما فى هذا البيت سكونه علامة للبناء،فحافظ عليه،فقوله:و هيئ عطف على مجزوم فى قوله غير مجزوم أهملا.أى و غير هيئ و ما بعده و وقع تسؤ و نشأ بيانا للمجزوم؛و يجوز أن يكون و هيئ مبتدأ، و ما بعده من البيتين عطف عليه،و الخبر قوله:كله تخيره إلى آخر البيت،و أراد:

(وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا (2) - أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ 3) .

نبىء-بأربع أى بأربع كلمات:

(نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ (4) - نَبِّئْ عِبادِي (5) - وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (6) - وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ 6) .

و أرجئه-فى الأعراف و الشعراء،و لذلك قال:معا أى فى موضعين،و حقيقة الكلام فى السورتين معا، و كذا معنى هذا اللفظ،و فائدته حيث جاء خصصه الناظم بذلك،و هو فى اللغة يستعمل للاثنين فما فوقها، و قد استشهدت على ذلك بأبيات العرب فى موضعين من شرح«الشقراطسية،و وقع فى قصيدة متمم ابن نويرة الأمران فقال:

إذا جنب الأولى شجعن لها معا

فهى هنا حال من جماعة،و قال فى الاثنين:

قلّما تغرّبنا كأنّى و مالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

و كذا تستعمل العرب جميعا،قال مطيع بن أياس:

كنت و يحيى كيدى واحد نرمى جميعا و نرامى معا

********

(1) قوله و الأصح عنه أنه كان يختلس:غريب،و وجه غرابته أنه لا يتصور مثله فى الرواية المتواترة اه.

(2) سورة الكهف،آية:10.

(3) سورة البقرة،آية:33.

(4) سورة يوسف،آية:36.

(5) سورة الحجر،آية:49.

(6) سورة الحجر،آية:15 و سورة القمر،آية:28.

ص: 150

فجميعا هنا حال من اثنين،و اصطلاح الناظم على أن معا للاثنين،و جميعا لما فوقها.

و قوله:و اقرأ ثلاثا،أراد اقرأ كتابك-اقرأ باسم ربك الذى-اقرأ و ربك الأكرم:

و قوله: (إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ 1) .

مبدل فجملة المبنى المستثنى إحدى عشرة كلمة و قوله فحصلا الألف فيه بدل من نون التأكيد أراد فحصلن و قد سبق له نظائر ثم ذكر مواضع أخر مستثناة و عللها فقال:

219-[و تؤوى،و تؤويه،أخفّ بهمزه و رئيا بترك الهمز يشبه الامتلا]

يعنى أنه استثنى أيضا:

(وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ (2) - وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 3) .

فهمزها لثقل الإبدال فيهما و لم يطرد ذلك فى جملة ما هو مشتق من لفظ الإيواء كما فعل ورش لزوال هذه العلة،و استثنى أيضا:

(هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً 4وَ رِءْياً) .

لأنه لو أبدل الهمزة ياء لوجب إدغامها فى الياء التى بعدها،كما قرأ قالون و ابن ذكوان فكان يشبه لفظ الرى،و هو الامتلاء بالماء،و يقال أيضا رويت ألوانهم و جلودهم ريا،أى امتلأت و حسنت،و رءيا بالهمز من الرواء،و هو ما رأته العين من حال حسنة و كسوة ظاهرة،و بترك الهمز يحتمل المعنيين،فترك أبو عمرو الإبدال لذلك:

و قول الناظم:و تؤوى،و تؤويه،معطوفان على ما تقدم باعتبار الوجهين المذكورين فى هيئ،و قوله:

أخف خبر مبتدأ محذوف،أى ذلك بهمزة أخف منه بلا همز؛و كذا قوله و رءيا عطف على ما تقدم أيضا، و ما بعده جملة مستأنفة،أى يشبه بترك الهمز الامتلاء،و كذا قوله فى البيت الآتى،و هو مؤصدة،أو صدت، يشبه و يجوز أن يكون تؤوى و رءيا و مؤصدة-مبتدآت،و ما بعد كل واحد خبره و اللّه أعلم.

220-[و مؤصدة أوصدتّ يشبه كلّه نخيّره أهل الأداء معلّلا]

أى و استثنى أيضا مؤصدة فهمزها لأنها عنده من آصدت أى أطبقت،فلو أبدل همزها لظن أنها من لغة أو صدت كما يقرأ غيره،فلهذا قال أوصدت يشبه فأوصدت مفعول يشبه،أى مؤصدة بترك الهمز يشبه لغة أو صدت،ثم قال:كله،أى كل هذا المستثنى تخيره المشايخ،و أهل أداء القراء معللا بهذه العلل المذكورة، قيل:إن ابن مجاهد اختار ذلك و روى عن أبى عمرو بعضه،و قاس الباقى عليه و قيل الجميع مروى عن أبى عمرو، و مؤصدة موضعان:فى آخر سورة البلد و الهمزة،فهذه خمس و ثلاثون كلمة لم يقع فيها إبدال لأبى عمرو، و مؤصدة موضعان:فى آخر سورة البلد و الهمزة،فهذه خمس و ثلاثون كلمة لم يقع فيها إبدال لأبى عمرو، و إن كان حمزة فى الوقف يبدل الجميع على أصله كما يأتى،و لا ينظر إلى هذه العلل،و هى على خمسة أقسام كما

********

(1) سورة يوسف،آية:27.

(2) سورة الأحزاب،آية:15.

(3) سورة المعارج آية:13.

(4) سورة مريم،آية:74.

ص: 151

تقدم:ما سكونه علامة للجزم،و ما سكونه علامة للبناء فى مثال الأمر،و ما همزه أخف من إبداله،و ما ترك همزه يلبسه بغيره؛و ما يخرجه الإبدال من لغة إلى أخرى،و قد اتضح ذلك و للّه الحمد.

و حكى ابن الفحام فى التجريد أن منهم من زاد على هذا المستثنى،و منهم من نقص،و منهم من لم يستثن شيئا:

221-[و بارئكم بالهمز حال سكونه و قال ابن غلبون بياء تبدّلا]

و بارئكم عطف على المستثنى أى و غير بارئكم المقروء للسوسى بهمزة ساكنة،على ما يأتى فى سورة البقرة أى المقروء بالهمز فى حال سكونه،فنصب حال سكونه على الحال،و إن قدرنا و هيئ و ما بعده مبتدآت كان قوله و بارئكم على تقدير و بارئكم كذلك،و يجوز قراءة و بارئكم فى البيت بكسر الهمزة و إسكان الميم،و بسكون الهمزة و صلة الميم،و لكل وجه.

و لم يذكر صاحب التيسير بارئكم فى المستثنى و لا نبه عليها فى سورتها أنها تبدل،و ذكر فيها مكى الوجهين:

الهمزة و الإبدال،و اختار ترك الإبدال،و وجهه أن سكونها عارض للتخفيف،فكأنها محركة فاستثناؤه أولى من المجزوم الذى سكونه لازم لأمر موجب له.

قال مكى فى كتاب التبصرة:اختلف المعقبون فيما أسكنه أبو عمرو استخفافا نحو بارئكم فى رواية الرقيين عنه،فمن القراء من يبدل منها ياء و يجريها مجرى ما سكونه لازم،و منهم من يحققها لأن سكونها عارض،و لأنها قد تغيرت فلا نغيرها مرة أخرى،قياسا على ما سكونه علم للجزم،و هو أحسن و أقيس،لأن سكونها ليس بلازم، و قال أبو الحسن طاهر بن غلبون فى كتاب التذكرة:و كذا أيضا هو يعنى السوسى يترك الهمزة من قوله تعالى-بارئكم-فى الموضعين فى البقرة فيبدلها ياء ساكنة،لأنه يسكنها فى هذه الرواية تخفيفا من أجل توالى الحركات،فلذلك تركها كما يترك همزة-و إن أسأتم-و يبدلها ياء ساكنة،كما يبدل همز الذئب و ما أشبهه.

قلت:و الإبدال عندى أوجه من القراءة بهمزة ساكنة،و إليه مال محمد بن شريح فى كتاب التذكير، و الضمير فى قوله«تبدلا»للهمز؛و مما يقوى وجه البدل التزام أكثر القراء و العرب إبدال همزة البرية،فأجرى ما هو مشتق من ذلك مجراه،و اللّه أعلم:

222-[و والاه فى بئر و فى بئس ورشهم و فى الذّئب ورش و الكسائى فأبدلا]

أى و تابع ورش السوسى فى إبدال همزة-بئر-و-بئس-ياء و هو عين الفعل،و تابعه فى-الذئب- ورش الكسائى معا؛فأبدلا همزه أيضا ياء،و كل ذلك لغة فالذئب موضعان فى يوسف،و بئر فى سورة الحج، و بئس فى مواضع،و سواء اتصلت به فى آخره ما أوفى أوله واو،أو فاء،أو لام،أو تجرد عنها.

فأما الذى فى الأعراف:

(بعذاب بئيس (1).

فنافع بكماله يقرؤه كذلك بالياء من غير همز،و هو غير هذا.

********

(1) آية:165.

ص: 152

223-[و فى لؤلؤ فى العرف و النّكر شعبة و يألتكم الدّورى و الابدال(ي)جتلا]

أى و تابعه شعبة عن عاصم فى إبدال همزة لؤلؤ الأولى واوا سواء كانت الكلمة معرفة باللام،نحو:

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا 1اللُّؤْلُؤُ) .

أو منكرة نحو:

(مِنْ ذَهَبٍ 2وَ لُؤْلُؤاً) .

و ذكر صاحب التيسير هذا الحكم فى سورة الحج،و وجه اختيار شعبة تخفيف لؤلؤ دون غيره:استثقال اجتماع الهمزتين فيه،و الساكنة أثقل فأبدلها.

قوله و يألتكم الدورى:أى قراءة الدورى بهمزة ساكنة،و أبدلها السوسى على أصله،فالياء من يجتلا و مزه،و هذا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد،فكأنه قال:بالهمز و قراءة الباقين بضد ذلك،و هو ترك الهمز فإذا ترك صار:يلتكم،و كذلك قرءوا،و إنما تعين أن لفظ يألتكم بالهمز للدورى،و الوزن مستقيم بالهمز و بالألف،لأنه قال بعده:و الإبدال يجتلا،فتعين أن قراءة الدورى بالهمز،و هو من:ألت يألت،و قراءة الباقين من لات يليت،و هما لغتان بمعنى نقص،و إنما كان موضع ذكر هذا الحرف سورته،و هناك ذكره صاحب التيسير.قال:قرأ أبو عمرو:و لا يألتكم بهمزة ساكنة بعد الياء،و إذا خفف أبدلها ألفا،و الباقون بغير همز و لا ألف.

224-[و ورش لئلاّ و النّسيء بيائه و أدغم فى ياء النّسيء فثقّلا]

أى قرأ-لئلا-حيث وقع بياء،لأن الهمزة مفتوحة بعد كسر،فهو قياس تخفيفها،و أبدل أيضا من همزة النسيء فى سورة التوبة ياء،و أدغم الياء التى قبلها فيها،و هذا أيضا قياس تخفيفها،لأن قبلها ياء ساكنة زائدة،و هكذا يفعل حمزة فيهما إذا وقف عليهما،و رسما فى المصحف بالياء؛فالهاء فى بيانه للهمز الموجود فى لئلا و النسيء،أى بيائه التى رسم بها أو بياء هذا اللفظ التى رسم بها،أو أراد بياء الهمز المبدل، لأنه قد:علم و ألف.

أن الهمزة تبدل تارة ألفا،و تارة واوا،ياء،باعتبار حركة ما قبلها،على الأوضاع المعروفة فى ذلك، فقال:ورش يقرأ لئلا-و النسيء-بياء الهمزة المعروف إبدالها منه:

و قوله و أدغم فى ياء-النسيء-أى أدغم فى هذه الياء المبدلة من الهمزة،و لم يذكر المدغم لضيق النظم عنه،و اكتفى بما يدل عليه،لأن المبدلة من الهمزة إذا كانت مدغما فيها علم أن المدغم ما كان قبلها،و هو الياء التى بعد السين،و قوله«فثقلا»أى فشدد،لأن الإدغام يحصل ذلك،و قيل الهاء فى بيائه لورش،أضافها إليه لأنه يبدلها من الهمزة.

********

(1) سورة الرحمن،آية:22.

(2) سورة الحج،آية:23 و سورة فاطر،آية:33.

ص: 153

و ذكر صاحب التيسير-النسيء-فى سورتها-و لئلا-فى هذا الباب،و أصلها لأن لا فأدغم.

225-[و إبدال أخرى الهمزتين لكلّهم إذا سكنت عزم كآدم أوهلا]

هذه المسألة موضعها«باب الهمزتين من كلمة،لا هذا الباب،فإنه للهمز المفرد.

و أخرى بمعنى آخرة،أى إذا اجتمع همزتان فى كلمة،و الثانية ساكنة،فإبدالها عزم،أى واجب لا بدّ منه،و فى الحديث«فكانت عزمة»و الأصل:ذو عزم،أى إبدالها أمر معزوم عليه،و هو أن تبدل حرف مد،من جنس حركة ما قبلها،لثقل الهمزة الساكنة،و لا حركة لها فتسهل بين بين،فتعين البدل و لا يكون ذلك إلا فى كلمة واحدة،و قال أبو بكر الأنبارى فى كتاب الوقف و الابتداء:و قد أجاز الكسائى أن يثبت الهمزتين فى الابتداء،فأجاز للمبتدئ أن يقول-ائت بقرآن-بهمزتين.قال:و هذا قبيح،لأن العرب لا تجمع بين همزتين الثانية منهما ساكنة.

ثم قال:و أجاز الكسائى أن تبتدئ-اؤتمن-بهمزتين.

قلت:ثم مثل الناظم بمثالين فيهما نظر،أحدهما-آدم-و أصله على هذا الرأى أأدم،كأنه مشتق من أديم الأرض،أو من الأدمة،فوزنه أفعل،و قيل إنما وزنه فاعل،لأن التسمية بهذا الوزن غالبة فى الأسماء القديمة التى هى عمود النسب بين إبراهيم و نوح صلوات اللّه عليهما،و ذكره الزمخشرى فى باب تخفيف الهمز من مفصله، و قال فى تفسيره:أقرب أمره أن يكون على فاعل كعازر،و عابر،و شالح،و فالغ.

قلت:و الوجهان محتملان أيضا فى آزر،و إنما تعين مثالا لذلك:آخر،و آمن،و آتى،و نحوه.

المثال الثانى قوله:أو هلا،لفظ ليس فى القرآن،و هو من قولهم«أو هل فلان،لكذا،أى جعل له أهلا،هكذا فى شرح الشيخ،و يشهد له قول صاحب المحكم:آهله لذلك الأمر،و ءأهله،و يجوز أن يكون من قولهم آهلك اللّه فى الجنة إيهالا،أى أدخلكها و زوجك فيها،حكاه الجوهرى عن أبى زيد،و قد استعمل الناظم اسم المفعول من هذا فى باب ياءات الإضافة فى قوله:«وافق موهلا«و استعمل اسم الفاعل من ثلاثى هذا لازما فى قوله:«فاهمز آهلا متأهلا»على ما سيأتى شرحه فى موضعه إن شاء اللّه تعالى:

فقوله:أوهل،مثاله فى القرآن:

(أُوتِيَ مُوسى (1) - أُوذِينا مِنْ قَبْلِ (2) - اُؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ 3) .

إذا ابتدأت،فهذه أمثلة قلبها ألفا و واوا؛و مثال قلبها ياء:

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ (4) - اِئْتِ بِقُرْآنٍ 5) .

إذا ابتدأت به،و هذا أمر مجمع عليه لغة،و لا يختص بقراءة القرآن،و لهذا صح تمثيله بأوهل و هو بدل لازم لا يرتد تصغيرا و لا تكسيرا،كأواخر،و أو يخر،بخلاف قولهم ميقات و مواقيت،و موسر و مياسير، و مويقت و مويسر،فرد الجمع و التصغير ياء ميقات إلى أصلها،و هو الواو،لأنه من الوقت وردا واو موسر

********

(1) سورة البقرة،آية:136.

(2) سورة الأعراف،آية:129.

(3) سورة البقرة،آية:283.

(4) سورة قريش،آية:1 و 2.

(5) سورة يونس،آية:15.

ص: 154

إلى أصلها و هو الياء،لأنه من اليسار و أماما لا أصل له فى الهمز،و يشبه فى اللفظ ما هو مهموز،فيخفى على من لا خبرة له،فتعرض لبيانه بعض المتقدمين فقال:لا يجوز همز-يوقنون-و-الموقنين-و يوفون-و الموفون- و-تورون-و لا همز-يولى-و-يوقى-و-موهن-مما لا أصل له فى الهمز،قال الحصرى:

و لا تهمزن ما كانت الواو أصله كقولك فى الإنسان يوفون بالنّذر

و اللّه أعلم.

باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها

اشارة

هذا نوع من أنواع تخفيف الهمز المفرد،و أدرج معه فى الباب مذهب حمزة فى السكت،و هو مذكور فى كتاب التيسير بعد باب الوقف على مرسوم الخط فى باب يخصه،و ذكر فى الباب أيضا مسألة آلآن-و عادا لولى- و هما فى التيسير فى سورتى يونس و النجم،و هكذا-ردءا-ذكرها الدانى فى سورة القصص.

و باللّه التوفيق:

226-[و حرّك لورش كلّ ساكن آخر صحيح بشكل الهمز و احذفه مسهلا]

وصف الساكن بوصفين:أحدهما أن يكون آخر الكلمة،و الهمز أول الكلمة التى بعدها؛لأن الأطراف أنسب للتغيير من غيرها،و الثانى أن يكون الساكن الآخر صحيحا أى ليس بحرف مد و لين نحو:

(فِي أَنْفُسِهِمْ (1) -و- قالُوا آمَنّا 2) .

لأن حرف المد لما فيه من المد بمنزلة المتحرك،فلم ينقل إليه كما لم ينقل إلى المتحرك و يدخل فى هذا ميم الجمع قبل الهمز،لأن ورشا يصلها بواو،فلا ينقل حركة ذلك الهمز فى نحو.

(وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) :

لأن قبله حرف مد و لين؛و هو الواو التى هى صلة الميم،فإن كان قبل الهمزة ياء أو واو ليسا بحرفى مد و لين، و ذلك بأن ينفتح ما قبلهما،فإنه ينقل حركة الهمزة إليهما نحو:

(ابْنَيْ آدَمَ (3) - ذَواتَيْ أُكُلٍ (4) - خَلَوْا إِلى (5) - تَعالَوْا 6أَتْلُ - وَ لَوْ أَنَّهُمْ 7) .

و دخل فى الضابط أنه ينقل حركة الهمزة فى-أحسب الناس-إلى الميم من ألف لام ميم،فى أول العنكبوت و ينقل إلى تاء التأنيث،نحو:

(قالَتْ أُولاهُمْ 8) .

و إلى التنوين نحو:

(كُفُواً أَحَدٌ 9) .

********

(1) سورة النساء،آية:65.

(2) سورة البقرة،الآيتان:14 و 16.

(3) سورة المائدة،آية:37.

(4) سورة سبأ،آية:16.

(5) سورة البقرة،آية:14.

(6) سورة الأنعام،آية:151.

(7) سورة النساء،آية:64.

(8) سورة الأعراف،آية:39.

(9) سورة الإخلاص،آية:4.

ص: 155

و إلى لام التعريف نحو:-الارض و الآخرة-لأنها منفصلة مما بعدها،فهى و همزتها كلمة مستقلة،نحو:

قد؛و هل:حرف دخل لمعنى،فكانت لذلك آخر كلمة،و إن اتصلت خطا،و التنوين معدود حرفا،لأنه نون لفظا،و إن لم تثبت له صورة فى الخط،و قد نص فى التيسير على النقل إلى جميع ما ذكرناه من الأمثلة، و ليس هذان الشرطان بلازمين فى اللغة،فالنقل جائز فى وسط الكلمة كما يجوز فى آخرها،و هذا سيأتى فى مذهب حمزة فى الوقف،و يجوز النقل إلى حرف المد غير الألف؛مثل:قاضو أبيك،و ابتغى أمره،نص الزمخشرى عليهما فى المفصل،و فى كتاب سيبويه من ذلك أمثلة كثيرة،و لو كانت الألف تقبل الحركة لجاز النقل إليها، و قيل لانتقل إلى الواو و الياء حركة همزة مضمومة و لا مكسورة لثقل ذلك،و الغرض من النقل تخفيف اللفظ بتسهيل الهمز و النقل فى ذلك أثقل من عدم النقل،فترك الهمز بحاله،و قد استعمل الناظم هنا قوله،ساكن صحيح باعتبار أنه ليس بحرف مد و لين،و لم يرد أنه ليس بحرف علة،بدليل أنه ينقل بعد حرف اللين فى نحو:

ابني آدم-و خلوا إلى-كما تقدم،و هذا بخلاف استعماله فى باب المد و القصر حيث قال:أو بعد ساكن صحيح،فإنه احترز بذلك عن حرف العلة مطلقا،بدليل أنه لا يمد واو-الموءودة-بعد الهمزة،و قد تقدم بيان ذلك.

و قوله بشكل الهمز أى حرك ذلك الساكن الآخر بحركة الهمز الذى بعده،أى حركة كانت.

قوله و احذفه:يعنى الهمز بعد نقل حركته،لأن بقاءه ساكنا أثقل منه متحركا،و ربما يكون بعده ساكن، فى مثل-قد افلح-فيؤدى إلى الجمع بين الساكنين،و مسهلا حال،أى راكبا للطريق الأسهل.

227-[و عن حمزة فى الوقف خلف و عنده روى خلف فى الوقف سكتا مقلّلا]

يعنى حكى عن حمزة فى الوقف على الكلمة التى نقل همزها لورش،مثل قراءة ورش؛و مثل قراءة الجماعة،و هذا مطرد فيما نقل إليه ورش و فيما لم ينقل إليه،و لكنه داخل فى الضابط المذكور فى البيت الأول نحو:

(يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ 1) .

فإن ورشا وصل الهاء بياء،و فى ميم الجمع وجوه ستأتى،و لم يذكر صاحب التيسير النقل لحمزة فى هذا كله،و ذكره جماعة غيره،و سيأتى له فى بابه أنه يخففه الهمز إذا كان وسطا أو آخرا،و هذا الباب الهمز أولا، و سيأتى له فى بابه خلاف فى الهمز المتوسط بسبب دخول حروف زوائد عليه،هل يخفيه أولا ثم ذكر صاحب التيسير من هذا نحو-الأرض-و الآخرة-دون-قد أفلح-و شبهه.

فإن قلنا:لا يخفف ذاك:فهذا أولى،لأن هذا مبتدأ حقيقة و ذاك مبتدأ تقديرا.

و إن قلنا يخفف ذلك ففي هذا وجهان:

ثم لا ينبغى أن يختص الخلاف بالهمزة المنقولة إلى الساكن قبلها،بل يعطى لجميع الهمزات المبتدآت حكم المتوسط فيما يستحقه من وجوه التخفيف،فإن كانت المبتدأة ساكنة و ذلك لا يتصوّر إلا فيما دخل عليها همزة وصل و حذفت لاتصال الكلمة التى قبلها بها نحو:

********

(1) سورة آل عمران،آية:75.

ص: 156

(يا صالِحُ ائْتِنا 1) .

فإذا وقف عليها أبدلها واوا،و فى-لقاءنا ائت-يبدلها ألفا،و فى-:

(الَّذِي اؤْتُمِنَ) .

يبدلها ياء،و صاحب التيسير ذكر ما كان من هذا القبيل فى الهمز المتوسط فقال:تفرد حمزة بتسهيل الهمزة المتوسطة نحو:

(المؤمنون-و-يأكلون-و الذّئب).

قال:و كذلك:

(الَّذِي 2اؤْتُمِنَ -و- لِقاءَنَا ائْتِ (3) -و- فِرْعَوْنُ ائْتُونِي 4) و شبهه.

قلت:و وجهه أن دخول همزة الوصل قبلها فى الابتداء صيرها متوسطة،فإذا أبدل هذا الهمز حرف مدّ، و كان قبله من جنسه،و كان يحذف لأجل سكون الهمزة اتجه وجهان:أحدهما:عود الحرف المحذوف لزوال ما اقتضى حذفه،و هو الهمزة الساكنة،فإن الجمع بين حرفى مدّ من جنس واحد ممكن بتطويل المدّ.و الوجه الثانى:حذفه لوجود الساكن،و هذان الوجهان هما المذكوران فى باب وقف حمزة و هشام على الهمز

فى قوله:و يبدله مهما تطرف مثله و يقصر أو يمضى على المد أطولا

و ينبنى على الوجهين جواز الإمالة فى قوله تعالى:

(الْهُدَى 5ائْتِنا) .

لحمزة و لورش أيضا،فإن أثبتنا الألف الأصلية أملنا،و إن حذفناها فلا؛و يلزم من الإمالة إمالة الألف المبدلة،فالاختيار المنع،و اللّه أعلم.

و إن كانت همزة الابتداء متحركة و قبلها متحرك جعلت بين بين مطلقا،نحو:

(قالَ إِبْراهِيمُ (6) - إِنَّ أَبانا (7) - وَجَدَ عَلَيْهِ 8أُمَّةً) .

إلا أن تقع مفتوحة بعد كسر أو ضم فتبدل ياء أو واوا نحو:

(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ (9) - مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ 10) .

و إن كانت متحركة و قبلها ساكن صحيح أو حرف لين نقل الحركة إليه على ما يتبين فى مذهب ورش،و إن كان حرف مد و لين امتنع النقل فى الألف،فتجعل الهمزة بين بين،كما يفعل فى المتوسطة،و على قياس مذاهب القراء فى الواو و الياء يجوز قلب الهمزة و الإدغام،و يجوز النقل إلى الأصليتين نحو:

********

(1) سورة الأعراف،آية:77.

(2) سورة البقرة،آية:282.

(3) سورة يونس،آية:15.

(4) سورة يونس،آية:79.

(5) سورة الأنعام،آية:71.

(6) سورة البقرة،آية:258.

(7) سورة يوسف،آية:8.

(8) سورة القصص،آية:23.

(9) سورة آل عمران،آية:97.

(10) سورة آل عمران،آية:7.

ص: 157

يدعو إلى (1)-تزدرى أعينكم-.

و الزائدتان هما نحو:

(قالُوا آمَنّا (2) - نَفْسِي إِنَّ 3النَّفْسَ) .

و يجوز النقل إليهما لغة،و أما إذا كان الساكن قبل الهمزة ميم الجمع نحو:

(عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ 4) .

فقال الشيخ فى شرحه:لا خلاف فى تحقيق مثل هذا فى الوقف عندنا،قلت:قد ذكر أبو بكر بن مهران فى كتاب له قصره على معرفة مذهب حمزة فى الهمز:فيه مذاهب؛أحدا،و هو الأحسن:نقل حركة الهمزة إليها مطلقا؛فتضم تارة و تفتح تارة،و تكسر تارة،نحو:

(وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ (5) - عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ (6) - ذلِكُمْ إِصْرِي 7) .

الثانى:تضم مطلقا؛و إن كانت الهمزة مفتوحة أو مكسورة حذرا من تحرك الميم بغير حركتها الأصلية، الثالث تنقل فى الضم و الكسر دون الفتح،لئلا يشبه لفظ التثنية،فإن كانت الهمزة قبلها همزة و هما متفقتان أو مختلفتان،سهل الثانية بما تقتضيه،لأنها فى الكلمة الموقوف عليها.و فى نحو:

(أَ أَنْذَرْتَهُمْ 8) تنقل الأولى و تسهل الثانية،و يكون تخفيف الثانيد مخرجا على الخلاف فيما هو متوسط بزائد دخل عليه، لأن همزة الاستفهام زائدة على كلمة أنذر،فإن تحققت هذه القواعد انبنى عليها مسألة حسنة،و هى قوله تعالى:

(قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ 9) .

فيها ثلاث همزات،فنص ابن مهران فيها على ثلاثة أوجه:أحدها أنه يخفف الثلاثة:الأولى تنقل حركتها إلى لام قل،و الثانية و الثالثة تجعلان بين الهمزة و الواو،لأنهما مضمومتان بعد متحرك،أما تسهيل الثالثة فلا خلاف فيه لأنها همزة متوسطة أو متطرفة إن لم يعتد بالضمير،و فى ذلك بحث سيأتى فى موضعه،و فى كيفية تخفيفها وجوه ستأتى؛و أما الثانية فهى متوسطة بسبب الزائد،ففي تخفيفها خلاف،و أما الأولى فمبتدأة،ففي نقل حركتها الخلاف المذكور فى هذا الباب.

الوجه الثانى:تخفيف الثالثة فقط،و ذلك رأى من لا يرى تخفيف المبتدأة و لا يعتد بالزائد.

الوجه الثالث:تخفيف الأخيرتين فقط،اعتدادا بالزائد و إعراضا عن المبتدأة،و كان يحتمل وجها رابعا، و هو:أن يخفف الأولى و الأخيرة دون الثانية،لو لا أن من خفف الأولى يلزمه تخفيف الثانية بطريق الأولى، لأنها متوسطة صورة،فهى أحرى بذلك من المبتدأة،فهذا الكلام كله جره قوله«و عن حمزة فى الوقف خلف» فاحتجنا إلى استيعاب الكلام فى وقفه على كل همزة مبتدأ،و فهمت كل ما ذكرته من كلام الأئمة مفرقا فى كتبهم، حتى قال ابن مهران بتركها،و إن كانت فى أول الكلمة قال و على هذا يدل كلام المتقدمين و به كان يأخذ أبو بكر

********

(1) سورة يس،آية:25.

(2) سورة البقرة،الآيتان 14 و 76.

(3) سورة يوسف،آية:53.

(4) سورة المائدة،آية:105.

(5) سورة البقرة،آية:78.

(6) سورة المنافقين،آية:6.

(7) سورة آل عمران،آية:81.

(8) سورة البقرة،آية:6 و يس الآية:10.

(9) سورة آل عمران،آية:15.

ص: 158

ابن مقسم،و يقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها،إلا إذا ابتدأ بها،فإنه لا بدّ له منها،و لا يجد السبيل إلى تركها،و قال مكى:ذكر ابن مجاهد أنه يسهل لحمزة فى الوقف ما كان من كلمتين نحو:

(يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ 1) .

قال يلحقها بواو،و نحو:

(أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ 2) .

قال يجعلها بين الهمزة و الواو أجرى الباب كله على أصل واحد.

فصل

قوله:و عنده أى و عند الساكن المذكور قبل،و هو كل ساكن آخر صحيح،روى خلف عن سليم عن حمزة أنه يسكت عليه قبل النطق بالهمز سكتا مقللا،أى قليلا لطيفا،و هذا حكم آخر غير نقل الهمزة،وقع معترضا فى هذا الباب لتعلقه به.و غيره من المصنفين يقرر له بابا؛و ذكره صاحب التيسير بين مرسوم الخط و ياءات الإضافة،و الغرض بهذا السكت الاستعانة على إخراج الهمز و تحقيقه بالاستراحة قبله؛و لهذا يسبق لسان كثير من الناس إلى نقل الحركة،و السكت مطرد لخلف فى كل ما نقل فيه ورش الحركة،حتى فى الميم من قوله تعالى:

(الم أَ حَسِبَ النّاسُ 3) .

بقى عليه أن يسكت أيضا على ميم الجمع قبل الهمزة نحو:

(عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ 4) .

و ورش لا ينقل إليه الحركة،و لكنه ساكن آخر صحيح،فيدخل فى عموم البيت و إن كان مراده الخصوص فى تبيين مذهب ورش.و إذا كان الساكن قبل الهمزة حرف مد استغنى بمده عن السكت.

و قال أبو القاسم الهذلى:قال سليم فى رواية خلف و غيره.المد يجزئ عن السكت عند الزيات.

و قال فى رواية غيره:الجمع بين المد و السكت أحسن.

و الهاء فى قوله«و عنده»تعود على الساكن كما تقدم،و لا تعود على حمزة لنبوّ اللفظ عن ذلك و ركته، و لأنه يبقى موضع السكت غير مبين،و إذا عادت الهاء على الساكن الموصوف بان موضع القراءة و خلص من قبح العبارة،و قوله«فى الوصل»يريد به إذا وصلت الكلمة التى آخرها ذلك الساكن بالكلمة التى أوّلها همزة لأنك إذا وقفت على كلمة الساكن كنت ساكتا لجميع القراء،و إنما يظهر سكت خلف فى الوصل،فنبه على ذلك.

فإن قلت بتقدير أن يقف القارئ على كلمة الهمز يكون الناظم قد استعمل لفظ الوقف حيث استعمل لفظ

********

(1) سورة محمد صلّى اللّه عليه و سلم،آية:30.

(2) سورة،المطففين آية:4.

(3) سورة،العنكبوت آية:1.

(4) سورة المائدة،آية:26.

ص: 159

الوصل،لأنه قد سبق أن المراد من قوله«و عن حمزة فى الوقف خلف»هو وقوفه على كلمة الهمز،فهو واقف باعتبار نقل الحركة واصل باعتبار السكت،بيانه أن القارئ إذا قرأ-قد أفلح-و وقف فهو مأمور بشيئين:

أحدهما السكت على الدال لأنه وصلها بهمزة أفلح،و الثانى نقل حركة الهمزة إليها،لأنه قد وقف فيوصف القارئ أنه واقف واصل و الحالة واحدة.

قلت:لا بعد فى ذلك لأنهما باعتبارين فموضع الوصل غير موضع الوقف فإن الوقف على آخر الكلمة الثانية،و الوصل وصل آخر الكلمة الأولى بأول الثانية،ثم يقال:لا يلزم من كونه يصل الساكن بالهمز أن يقف على كلمة الهمز فقد يصلها بما بعدها،و إنما يتوجه الإشكال فى بعض الصور،و ذلك عند الوقف على كلمة الهمز،و جوابه ما تقدم،و مثاله:شخص له رحم يصل بعض أقاربه و يقطع بعضهم،فيصح أن يوصف ذلك الشخص بأنه واصل و أنه قاطع نظرا إلى محل الوصل و القطع،و اللّه أعلم.

و لا يمكن حمل قوله فى الوصل على وصل كلمة الهمزة بما بعدها كما توهمه بعضهم،لأن ذلك لم يشترطه أحد فكيف يشترط الناظم ما لم يشترط،و كلام صاحب التيسير دال على ما قاله الناظم رحمه اللّه،فإنه قال:

كان يسكت سكتة لطيفة من غير قطع بيانا للهمز،فقوله من غير قطع هو قول الشاطبى فى الوصل،أى من غير وقف؛ثم قال:و قرأ الباقون بوصل الساكن مع الهمزة من غير سكت،و هذا نص فيما ذكرنا،و اللّه أعلم.

228-[و يسكت فى شيء و شيئا و بعضهم لدى اللاّم للتّعريف عن حمزة تلا]

أى و سكت خلف أيضا على الساكن قبل الهمزة فى هاتين الكلمتين،و هو الياء،و هما كلمة واحدة و إنما غاير بينهما باعتبار لفظ النصب و غيره،لاختلاف ذلك فى خط المصحف؛فالمنصوب بألف دون المرفوع و المجرور،و هذه عبارة المصنفين من القرّاء،فسلك سبيلهم فى ذلك،و إنما فعلوا ذلك مبالغة فى البيان لئلا يتوهم من الاقتصار على لفظ أحدهما عدم جريان الحكم فى الآخر،و مثله قوله«و جزأ و جزء ضم الإسكان صف».

فإن قلت لم لم يفعل ذلك فى-صراط-و-بيوت-مع أنهما فى القرآن بلفظ النصب و غيره نحو:

(وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (1) - فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً 2) قلت:كأنه لما ضبط ذلك لخلوه عن لام التعريف استغنى عنه،و إنما احتاج إلى ذكر شيء و شيئا،لأنهما لا يدخلان فى الضابط السابق لورش،لأن ورشا لا ينقل فيهما الحركة،لأن ساكنهما ليس بآخر كلمته،فحاصله أن خلفا يسكت بين الكلمتين و لم يسكت فى كلمة واحدة إلا فى هاتين اللفظتين.

و حكى صاحب التيسير هذا السكت عن حمزة فى الكلمة الواحدة مطلقا،نحو:

(قُرْآنٍ (3) -و لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ 4) .

كما فى شيء،و هو متجه،لأن المعنى الذى لأجله فعل السكت موجود فى الجميع،و الذى قرأه الدانى على أبى الفتح لخلف هو ما ذكره الناظم،و كان لا يرى لخلاد سكتا فى موضع ما،و قرأ الدانى على طاهر بن غلبون

********

(1) سورة الفتح،آية:2.

(2) سورة النور،آية:61.

(3) سورة يونس،آية:15.

(4) سورة فصلت،آية:39.

ص: 160

بالسكت لخلف و خلاد جميعا على لام التعريف،و شيء و شيئا فقط،و هو المراد بقوله«و بعضهم»أى و بعض أهل الأداء تلا بالسكوت لحمزة عند لام التعريف،كالأرض و الآخرة،و عنه سكوت شيء و شيئا،و تمم ذلك بقوله:

229-[و شيء و شيئا لم يزد و لنافع لدى يونس آلآن بالنّقل نقّلا]

أى لم يزد بعضهم على ذلك شيئا،بل اقتصر على السكت،و قال الشيخ،المراد لم يزد المذكور،فقد صار لخلف وجهان:أحدهما السكوت عند كل ساكن بالشرط المقدم،و فى شيء و شيئا؛و الثانى يختص السكت بلام المعرفة و شيء و شيئا،فسكوته على لام التعريف و شيء و شيئا بلا خلاف عن خلف،لأن الطريقتين اجتمعتا عليه،و فى غير ذلك له خلاف،و صار لخلاد وجهان،أحدهما السكوت على لام التعريف و شيء و شيئا فقط،و الوجه الثانى لخلف؛و الآخر لا سكوت لخلاد فى موضع أصلا،و هذا الموضع من مشكلات القصيدة فافهمه،فإن وقفت لحمزة على الكلمة من ذلك،فإن كانت لفظ شيء و شيئا وقفت بتخفيف الهمزة،و له وجهان على ما يأتى،و إن كانت غيره نحو-قد أفلح-و الأرض فإن قلنا:إن حمزة ينقل الحركة فى الوقف نقلت لأن تخفيف الهمزة فى الوقف هو مذهبه،فيقدم على غيره،كما قلنا فى وقفه على شيء و شيئا،و إن قلنا:لا ينقل وقفت لخلف بالسكت فى-الأرض-و بالسكت و عدمه فى-قد أفلح-و وقفت لخلاد بعدم السكت فى-قد أفلح- و بالسكت و عدمه فى-الأرض-فلهما ثلاثة أوجه لخلف،و لخلاد وجهان.النقل و عدمه،و فى نحو-الأرض- بالعكس لخلاد ثلاثة أوجه،و لخلف وجهان:النقل و السكوت،و هذا من عجيب ما اتفق،و أما ميم الجمع فإن قلنا يجوز النقل إليها فهى مثل-قد أفلح-و إلا ففيها لخلف وجهان:السكوت و عدمه وصلا و وقفا،و خلاد كغيره وصلا و وقفا.

فصل

لما فرغ الناظم من بيان مذهب السكت الذى وقع معترضا به فى هذا الباب،رجع إلى تتمة باب نقل الحركة،فذكر مسألة الآن-فى يونس-فى موضعين:

(آلْآنَ وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ (1) - آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ 2) .

وافق قالون ورشا فى نقل الحركة إلى اللام لثقل هذه الكلمة بهمزتين،و كون اللام قبلها ساكن،فقوله آلآن مبتدأ و خبره نقلا،أى الآن الذى فى يونس نقل لنافع بالنقل،أى نقل عنه على هذه الصفة،و شدد نقلا مبالغة و تكثيرا لنقله،لأنه نقله قوم بعد قوم حتى وصل إلينا:

230-[و قل عادا الأولى بإسكان لامه و تنوينه بالكسر(ك)اسيه(ظ)لّلا]

يعنى إسكان لام التعريف و كسر التنوين الذى فى عادا لالتقاء الساكنين،هو و اللام،و هذه القراءة جاءت على الأصل كما تقول رأيت زيدا الطويل؛فلهذا أثنى عليها بقوله كاسيه ظللا،أى حجتها قوية بخلاف قراءة

********

(1) سورة يونس،آية:51.

(2) سورة يونس،آية:91.

ص: 161

الباقين ففيها كلام،و كنى بكاسيه،عن قارئه لأنه كساه تنوينا فظلله بذلك،أى ستره عن اعتراض معترض تعرض للقراءة الأخرى،و إن كان لا يؤثر اعتراضه،و الحمد للّه.

و هذا الحرف فى سورة النجم و أنه أهلك عادا الأولى (1):

231-[و أدغم باقيهم و بالنّقل وصلهم و بدؤهم و البدء بالأصل فضّلا]

يعنى بالباقى نافعا و أبا عمرو لأن القراءة الأولى عليها الكوفيون و ابن كثير و ابن عامر،و يعنى بالإدغام إدغام تنوين عادا فى لام التعريف من الأولى،بعد ما نقل إلى اللام حركة الهمزة تخفيفا و اعتدادا بالحركة،و إن كانت عارضة لأنهما لما نقلا و التنوين ساكن أدغماه فى اللام المتحركة بناء على قاعدة إدغام التنوين فى اللام، على ما سيأتى فى باب أحكام النون الساكنة و التنوين.

و حكى أبو عمرو بن العلا إدغام مثل ذلك فى قولهم:رأيت زيادا لعجم،فى زيادا الأعجم،و وجه الاعتراض على هذه القراءة أن تحريك اللام عارض،فكأنها تعد ساكنة،و لا يصح فى الساكن إدغام،و جواب هذا أن الممتنع هو ما يدغم فى ساكن حقيقى،أما ما هو ساكن تقديرا فلا،و ليس كل عارض لا يعتد به،و لا ذلك بمجمع عليه؛و قد تقدم له نظائر،فمن أدغم كان معتدا بالحركة كما يعتد بها من لغته لحمر،إذا ابتدأ بكلمة الأحمر بعد نقل الحركة على ما سيأتى،و الهاء فى وصلهم و بدؤهم تعود على مدلول باقيهم و جمع الضمير،و الباقى اثنان:إما على مذهب من يرى أن أقل الجمع اثنان،و إما باعتبار رواتهما،أى أن النقل إلى اللام ثابت وصلا و بدأ،و يعنى بالوصل وصل الأولى بعادا،فالنقل لهما فيه لازم لأجل أنهما أدغما التنوين فيها،فإن وقفا على عادا ابتدأ الأولى بالنقل أيضا ليبقى اللفظ حاكيا بحالة الوصل،و فى كيفيته وجهان يأتيان،فأما ورش فيتعين النقل له على أصله فى النقل إلى لام التعريف،و أما قالون و أبو عمرو فالأولى لهما أن يبتدئا بالأصل كما يقرأ الكوفيون و ابن كثير و ابن عامر،لأنهما ليس من أصلهما النقل،و ما نقلا هنا إلا لأجل الإدغام لتخفيف الكلمة، و قد زال الإدغام بالوقف فيرجع إلى الأصل،و هو لأبى عمرو أولى منه لقالون،لأن قالون فى الجملة قد نقل الحركة فى آلآن فى موضعى يونس،و نقل أيضا فى ردءا كما سيأتى.

ثم ذكر من فضل له البدء بالأصل.و البدء أيضا مصدر بدأ.فقال:

232-[لقالون و البصرى و تهمز واوه لقالون حال النّقل بدءا و موصلا]

أى أن قالون يهمز واو لولى إذا بدأ بالنقل،و فى الوصل مطلقا،أى حيث قلنا لقالون بالنقل،سواء ابتدأ الأولى أو وصلها بعادا،فواو لولى مهموز بهمزة ساكنة؛و إن قلنا يبتدئ بالأصل فلا همز،لئلا يجتمع همزتان،فهذا معنى قوله«حال النقل»و وجه الهمز ضمة اللام قبلها،فهمزت لمجاورة الضم كما همزت إذا كانت مضمومة فى أجوه و أدور،و هى لغة لبعض العرب كقوله:أحب المؤقدين إلى موسى،و هذا توجيه أبى على فى الحجة و قيل الأصل فى الواو الهمز،و أبدل لسكونه بعد همز مضموم واوا كأولى،فلما حذفت الهمزة الأولى بعد نقل حركتها إلى لام الأولى زال اجتماع الهمزتين،فرجعت تلك الهمزة،ذكر ذلك مكى و غيره.و اللّه أعلم.

********

(1) الآية:50.

ص: 162

و مادة هذه الكلمة مختلف فيها،و هى من المشكلات،و سنتكلم عليها فى شرح النظم إن شاء اللّه تعالى كلاما شافيا،و باللّه التوفيق.

و قوله«بدءا و موصلا»مصدران فى موضع الحال،أى بادئا و واصلا.

ثم ذكر كيفية البدء فى حال النقل فقال:

233-[و تبدأ بهمز الوصل فى النّقل كلّه و إن كنت معتدّا يعارضه فلا]

أبد من همز و تبدأ ألفا بعد إسكانها ضرورة.

و قوله«بهمز الوصل»يعنى همزة الوصل التى تصحب لام التعريف تقول إذا ابتدأت كلمة دخل فيها لام التعريف على ما أوله همزة قطع نحو-الأرض-و-الآخرة-و الإنسان-و-الإحسان-فنقلت حركة الهمزة إلى اللام، ثم أردت الابتداء بتلك الكلمة بدأت بهمزة الوصل كما تبتدئ بها فى صورة عدم النقل لأجل سكون اللام، فاللام بعد النقل إليها كأنها بعد ساكنة،لأن حركة النقل عارضة فتبقى همزة الوصل على حالها لا تسقط إلا فى الدرج.و هذا هو الوجه المختار لغة و قراءة،على ما سيأتى تقريره،ثم ذكر وجها آخر،و هو:أن لا يحتاج إلى همزة الوصل،لأنها إنما اجتلبت لأجل سكون اللام،و قد زال سكونها بحركة النقل العارضة،فاستغنى عنها فهذا معنى قوله:«و إن كنت معتدا بعارضه»أى منزلا لحركة النقل منزلة الحركة الأصلية فلا تبدأ بهمز الوصل إذ لا حاجة إليه،فتقول على الوجه الأوّل-الرض-ألنسان-و على الثانى-لرض-لنسان-و عادة أهل النحو يمثلون فى هذه المسألة بالاحمر،فتقول على الوجه الأول:الحمر،و على الثانى:لحمر.

و قوله«فى النقل كله»ليشمل جميع ما ينقل إليه ورش من لام المعرفة،و يدخل فى ذلك الأولى من-عادا لولى-فيكون الوجهان لورش فى جميع القرآن،و يكونان لأبى عمرو و قالون فى هذا الموضع إن قلنا إنهما يبدآن بالنقل كما فى الوصل،و إن قلنا يبدآن بالأصل من غير نقل فلا بد من همزة الوصل،فقد صار لكل واحد منهما ثلاثة أوجه فى صورة الابتداء بقوله تعالى-الأولى-من عادا لولى-و لورش وجها.كما له فى سائر القرآن على ما ذكرنا،هكذا ذكر صاحب التيسير و غيره من المصنفين فى القراءات،و تبعهم الشيخ الشاطبى رحمه اللّه فى نظمه هذا و فيه إشكال،و هو:أن النحاة ذكروا وجهين فى أن حركة النقل يعتد بها أولا،و أجروا على كل وجه ما يقتضى من الأحكام،لم يخصوا بذلك دخول همزة الوصل و عدم دخولها،بل قالوا:إن اعتددنا بالعارض فلا حاجة إلى تحريك النون فى«من»لأن«بل»تبقى على سكونها إذ لم يلتق ساكنان،و إن لم نعتد بالعارض أبقينا فتحة النون على حالها قبل النقل،فإذا اتضح ذلك وجب النظر فى مواضع النقل فى القرآن،فما رأينا فيه أمارة الاعتداد بالعارض حذفنا همزة الوصل فى الابتداء به،و ما رأينا فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض أبقينا همزة الوصل فيه،و ما لا أمارة فيه على واحد منهما ففيه الوجهان؛و هذا تحقيق البحث فى ذلك إن شاء اللّه تعالى،فنقول:

فى مسألة-عادا لولى-ظهرت أمارة الاعتداد بالعارض فى قراءة أبى عمرو و نافع معا،و ذلك أنهما أدغما فى الوصل التنوين فى اللام،فهذه أمارة الاعتداد بحركة اللام.فإذا ابتدأ القارئ لهما بالنقل لم يحتج إلى همزة الوصل لأنا قد علمنا أن الحركة معتد بها عندهما وصلا،فابتنى الابتداء عليه،و قد نص أبو محمد مكى فى كتاب الكشف على أن ورشا لا يمد-الأولى-و إن كان من مذهبه مد حرف المد بعد الهمز المغير،لأن هذا و إن كان همزا مغيرا إلا أنه قد اعتد بحركة اللام،فكان لا همز فى الكلمة فلا مد.

ص: 163

قلت:هكذا ينبغى فى القياس أن لا تعود همزة الوصل فى الابتداء.و اللّه أعلم.

و نقول فى جميع ما نقل فيه ورش الحركة إلى لام المعرفة فى جميع القرآن غير-عادا لولى-هو على قسمين:

أحدهما:ما ظهرت فيه أمارة عدم الاعتداد بالعارض كقوله تعالى:

(إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ (1) - وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا 2فِي الْآخِرَةِ - وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ (3) - قالُوا الْآنَ (4) - أَزِفَتِ الْآزِفَةُ 5) .

و نحو ذلك أ لا ترى أنه بعد نقل الحركة فى هذه المواضع لم تردّ حروف المدّ التى حذفت لأجل سكون اللام، و لم تسكن تاء التأنيث التى كسرت لسكون-الآزفة-فعلمنا أنه ما اعتد بالحركة فى مثل هذه المواضع،فينبغى إذا ابتدأ القارئ له فيها أن يأتى بهمزة الوصل،لأن اللام و إن تحركت فكأنها بعد ساكنة.

القسم الثانى:ما لم تظهر فيه أمارة نحو:

(وَ قالَ الْإِنْسانُ ما لَها 6) .

فإذا ابتدأ القارئ لورش هنا اتجه الوجهان المذكوران؛و اللّه أعلم:

فصل

هذا الذى فعله نافع و أبو عمرو فى عادا لولى من النقل و الإدغام،و مثله جاء فى قراءة شاذة فى قوله تعالى فى سورة المائدة:

(إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ 7) .

لما نقل الحركة و اعتدّ بها سكنت نون«من»فوجب الإدغام،و كان يمكن فى-عادا لولى-ثلاث قراءات صحيحات الوجوه غير ما تقدم،و هى:حذف التنوين من-عادا-سواء نقل الحركة فى-الأولى-أو لم ينقل، و وجه حذفه التقاء الساكنين على لغة من قال:و لا ذاكر إلا قليلا،و يكون حذفه مع النقل على لغة من لم يعتد بالعارض من نقل الحركة،و القراءة الثالثة على مذهب من نقل الحركة أن يكسر التنوين و لا يدغمه،لأن إدغام المتحرك ليس بواجب،و لا يمكن القراءة بسكون التنوين مع الاعتداد بالحركة إلا بالإدغام،و هى قراءة نافع و أبى عمرو،و قد سهل اللّه سبحانه فى هذا الباب مباحث حسنة،و للّه الحمد:

234-[و نقل ردا عن نافع و كتابيه بالإسكان عن ورش أصحّ تقبّلا]

لو أتى بهذا البيت قبل مسألة-عادا لولى-لكان أحسن،ليتصل مذهب نافع بكماله:يتلو بعضه بعضا، و ليفرغ مما روى عن ورش الانفراد بنقله،ثم يذكر من وافقه فى شيء من مواضع النقل،كما هى عادته غالبا فى باقى الأبواب،و إنما أخر هذا البيت لأن النقل فى كتابيه ضعيف،و النقل فى ردا على خلاف أصل ورش،

********

(1) سورة الكهف،آية:7.

(2) سورة الرعد،آية:26.

(3) سورة الإسراء،آية:11.

(4) سورة البقرة،آية:71.

(5) سورة النجم،آية:57.

(6) سورة الزلزلة،آية:3.

(7) آية:106.

ص: 164

لأنه لا ينقل فى كلمة و أراد قوله تعالى:

(فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً 1) .

أى معينا قراءة نافع بغير همز كما يقف عليه حمزة بنقل حركة الهمزة إلى الدال الساكنة،و قيل هو من أردى على كذا أى زاد،فلا همز فيه أى أرسله معى زيادة،و أما قوله تعالى فى الحاقة:

(كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ 2) .

فروى عن ورش نقل حركة همزة«إنى»إلى هاء«كتابيه»لأنه ساكن آخر صحيح،فدخل فى الضابط المذكور أوّل الباب،و روى ترك النقل،و هو الصحيح فى العربية،لأن هذه الهاء هاء سكت،و حكمها السكون لا تحرك إلا فى ضرورة الشعر على قبح،و أيضا فإنها لا تثبت إلا فى الوقف،فإذا خولف الأصل فأثبتت فى الوصل إجراء له مجرى الوقف لأجل ثباتها فى خط المصحف؛فلا ينبغى أن يخالف الأصل من وجه آخر،و هو تحريكها، فتجتمع فى حرف واحد مخالفتان،و هذه المسألة من الزيادات،لم يذكرها الدانى رحمه اللّه فى التيسير،و ذكرها فى غيره.

قال مكى:أخذ قوم بنقل الحركة فى هذا و تركه أحسن و أقوى.

قلت:فلهذا قال الناظم أصح تقبلا»-أى و كتابيه-بالإسكان أصح تقبلا منه بالتحريك،و ذلك أن التحريك تقبله قوم و تقبل الإسكان قوم،فالإسكان أصح تقبلا من حيث الدليل على ما سبق،و نصبه على التمييز، و بالإسكان حال أى و كتابيه ساكنا أصح تقبلا منه متحركا،فهو مثل قولهم هذا بسرا أطيب منه رطبا و اللّه أعلم.

باب وقف حمزة و هشام على الهمز

هذا الباب من أصعب الأبواب نظما و نثرا فى تمهيد قواعده و فهم مقاصده،و قد أتقنه الناظم رحمه اللّه، و لكثرة تشعبه أفرد له أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران المقرئ رحمه اللّه تصنيفا حسنا جامعا،و ذكر أنه قرأ على غير واحد من الأئمة فوجد أكثرهم لا يقومون به حسب الواجب فيه،إلا فى الحرف بعد الحرف:

235-[و حمزة عند الوقف سهّل همزه إذا كان وسطا أو تطرّف منزلا]

سبق الكلام فى مذهبه فى الهمزة المبتدأة فى شرح قوله فى الباب السابق«و عن حمزة فى الوقف خلف» و الكلام فى هذا الباب فى الهمزة المتوسطة و المتطرفة التى فى آخر الكلمة،و يأتى فيهما إن شاء اللّه تعالى جميع أنواع تخفيف الهمز،و هى:إبداله و حذفه بعد إلقاء حركته على ساكن قبله،و جعله بين بين.

و لفظ التسهيل يشمل الجميع،و قد يخص القراء لفظ التسهيل بين بين كما سبق،و هذه الأنواع هى التى نقلها أهل العربية فى ذلك،و عند القراء نوع آخر،و هو تخفيف الهمز باعتبار خط المصحف،و سيأتى الكلام عليه و على تفاريع هذه الأنواع على ما تقتضيه أصول العربية و القراءات.

********

(1) سورة القصص،آية:34.

(2) الآية:19 و 20.

ص: 165

و الهاء فى همزه تعود إلى حمزة أو إلى الوقف،لملابسة كل واحد منهما هذا بفعله فيه،و هذا بأنه محل الفعل و الشيء يضاف إلى الشيء بأدنى ملابسة بينهما،و وسطا ظرف،و كان تامة،أى إذا وقع فى وسط الكلمة أى بين حروفها،كما تقول جلست وسط القوم،و يجوز أن يكون خبر كان الناقصة لأن وسطا مصدر،من قولهم وسطت القوم أوسطهم وسطا وسطة أى توسطتهم.ذكره الجوهرى،فالمعنى ذا وسط أى إذا كان متوسطا أو تطرف آخرها،و منزلا تمييز،أى تطرف منزله،أى موضعه و إنما اختص تسهيل حمزة للهمزة بالوقف، لأنه محل استراحة القارئ و المتكلم مطلقا،و لذلك حذفت فيه الحركات و التنوين،و أبدل فيه تنوين المنصوب ألفا،قال ابن مهران:و قال بعضهم هذا مذهب مشهور و لغة معروفة:يحذف الهمز فى السكت كما يحذف الإعراب فرقا بين الوصل و الوقف،و هو مذهب حسن.

قال:و قال بعضهم لغة أكثر العرب الذين هم أهل الجزالة و الفصاحة ترك الهمزة الساكنة فى الدرج و المتحركة عند السكت.

قلت:و فيه أيضا تآخى رءوس الآى فى مثل:

(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ 1) .

-و الخاطئة-فى الحاقة-و خاطئة-فى سورة اقرأ،و أنا أستحب ترك الهمز فى هذه المواضع فى الوقف لذلك.

و أما الحديث الذى رواه موسى بن عبيدة عن نافع عن ابن عمر قال:ما همز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و لا أبو بكر و لا عمر و لا الخلفاء،و إنما الهمز بدعة ابتدعها من بعدهم،فهو حديث لا يحتج بمثله لضعف إسناده فإن موسى بن عبيدة هو الزيدى،و هو عند أئمة الحديث ضعيف.

ثم شرع الناظم فى بيان ما يفعل حمزة بالهمز المتوسط و المتطرف فقال:

236-[فأبدله عنه حرف مدّ مسكّنا و من قبله تحريكه قد تنزّلا]

أى فأبدل الهمز عن حمزة حرف مد من جنس حركة ما قبله بشرطين:أحدهما أن يكون الهمز ساكنا، و الثانى أن يتحرك ما قبله،سواء توسط أو تطرف نحو-يؤمنون-و إن يشأ-و قال الملأ و الهمزة فى الملأ متحركة، و لكن لما وقف عليها سكنت،و هذا قياس تخفيف الهمزات السواكن إذ لا حركة لها،فتجعل بين بين، أو تنقل.

و قال مسكنا بالكسر،و هو حال من الضمير المرفوع فى فأبدله،و لم يقل مسكنا بالفتح،و لو قاله لكان حالا من الهاء فى فأبدله،و هى عائدة على الهمز،لئلا يوهم أنه نعت لقوله حرف مدّ،فعدل إلى ما لا إيهام فيه و حصل به تقييد الهمز بالسكون،و لأنه أفاد أن القارئ و إن سكن الهمز المتحرك فى الوقف فحكمه هكذا؛ أى أبدل الهمز فى حال كونك مسكنا له،سواء كان ساكنا قبل نطقك به أو سكنته أنت للوقف.

و الواو فى قوله و من قبله تحريكه للحال،و الجملة حال من الهمز،أى فأبدله مسكنا محركا ما قبله،فتكون

********

(1) سورة الرحمن،آية:20.

ص: 166

الحال الأولى من الفاعل،و الثانية من المفعول،نحو لقيته مصعدا و منحدرا،و اشتراط تحرك ما قبل الهمز إنما يحتاج إليه فى المتحرك الذى سكنه القارئ فى الوقف،نحو:

(قالَ الْمَلَأُ) .

ليحترز به من نحو:

(يشاء-و-قروء-و-هنيئا-و-شيء-و-سوء).

و سيأتى أحكام ذلك كله.

و أما الهمزة الساكنة قبل الوقف فلا يكون ما قبلها إلا متحركا،و فى هذا القسم الذى تسكنه للوقف و تبدله حرف مدّ من جنس حركة ما قبله وجهان آخران سنذكرهما:

أحدهما:تسهيله على اعتبار مرسوم الخط،و الآخر تسهيله بالروم.

فإن قلت:لم كانت الهمزة الساكنة تبدل حرفا من جنس حركة ما قبلها،و لم تكن من جنس حركة ما بعدها؟ قلت لأن ما قبلها حركة بناء لازمة،و ما بعدها يجوز أن تكون حركة إعراب،و حركة الإعراب تنتقل و تتغير من ضم إلى فتح إلى كسر،فأى حركة منها تعتبر،و لا ترجيح لإحداهن على الأخريين،فينظر إلى ما لا يتغير،و هو حركة ما قبلها.

فإن قلت:كان من الممكن أن تعتبر كل حركة فى موضعها.

قلت:يلزم من ذلك أن ينقلب الهمز مع الضم واوا،و مع الفتح ألفا،و مع الكسر ياء؛فتختل بنية الكلمة نحو-رأس-يصير عين الكلمة فى الرفع واوا،و فى النصب ألفا و فى الجر ياء،و فى ذلك اختلال الألفاظ و اختلاط الأبنية،و أيضا فاعتبار الحرف بما قبله أقرب إلى قياس اللغة من اعتباره بما بعده،أ لا تراهم التزموا فتح ما قبل الألف دون ما بعدها نحو-قالوا-و قائل-و لأن اعتبار الأوّل أخف،و مما ينبه عليه فى هذا الموضع أن كل همزة ساكنة،للجزم أو للوقف،إذا أبدلت حرف مدّ بقى ذلك الحرف بحاله لا يؤثر فيه الجازم،نحو:

(وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (1) - وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ 2) .

و نقل صاحب الروضة شيئا غريبا فقال:و نقف على:

(نَبِّئْ عِبادِي 2) بغير همز؛فإن طرحت الهمزة و أثرها.قلت نبا،و إن طرحتها و أبقيت أثرها قلت نبى،و اللّه أعلم.

237-[و حرّك به ما قبله متسكّنا و أسقطه حتّى يرجع اللّفظ أسهلا]

به أى بالهمز،يعنى بحركته على حذف مضاف،يعنى إذا كان متحركا و قبله ساكن،فألق حركته على

********

(1) سورة الكهف،آية:16.

(2) سورة الحجر،آية:49 و 51.

ص: 167

الذى استقر قبله متسكنا،و أسقط الهمز كما تقدم فى باب نقل الحركة حتى يرجع اللفظ أسهل مما كان،أو سهلا و ذلك نحو-موئلا-و دفء-تلقى الحركة إلى الواو و الفاء،و يسقط الهمز،ثم تسكن الفاء من دفء للوقف، و لك فيها الروم و الإشمام كما يأتى.

فإن قلت:لم كان نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها،و لم ينقل إلى الساكن بعدها؛فى نحو:

(قَدْ أَفْلَحَ 1) .

قلت:لو نقل إلى الساكن بعدها لالتبست الأبنية؛فإنه كان يقال قد فلح فيظن أنه فعل ثلاثى،و إذا نقل إلى الساكن قبله بقى فى اللفظ ما يدل على بناء أصل الكلمة،و هو السكون بعد الهمزة،و كذا فى أشياء،و أزواج و نحوهما،ثم استثنى من هذا أن يكون الساكن قبل الهمزة ألفا فقال:

238-[سوى أنه من بعد ألف جرى يسهّله مهما توسّط مدخلا]

أى سوى أن حمزة يسهل الهمز المتحرك الجارى من بعد ألف مهما توسط،و ما زائدة،و مدخلا تمييز، و من بعد متعلق بيسهله،أو بتوسط؛أى يسهله من بعد ألف أو مهما توسط،من بعد ألف و قوله جرى، حشو لا فائدة فيها على هذا التقدير؛فإنه لو حذف لم يختل المعنى المقصود،و حيث قد أتى به،فأقرب ما تقدره به أن يكون حالا،و يتعلق به من بعد ما ألف،و قد مقدرة قبله،كما قيل ذلك فى قوله تعالى:

(أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ 2) .

و التقدير يسهله جاريا من بعد ألف أى فى هذه الحالة؛أو مهما توسط جاريا من بعد ألف،و مراده بالتسهيل هنا بين بين،و ذلك لأن نقل الحركة إلى الألف متعذر،لأنها لا تتحرك،لأنها بما فيها من المدّ كأنها حرف متحرك فيسهل الهمز بعدها بين بين،كما سنذكره فى الهمز المتحرك بعد متحرك،فإذا سهله بعد الألف،هل يمكن مد الألف الذى كان لأجل الهمز أو يقصر،فيه تردد سبق،لأنها حرف مد قبل همز مغير و ذلك نحو:

(دُعاؤُكُمْ (3) - وَ نِداءً 4) .

لأن بعد الهمزة فى نداء ألف التنوين،و هى لازمة،فصارت الهمزة متوسطة.

قال صاحب التيسير فى هذا النوع:إن شئت مكنت الألف قبلها و إن شئت قصرتها،و التمكين أقيس (5)ثم ذكر حكم المتطرفة بعد ألف.فقال:

239-[و يبدله مهما تطرّف مثله و يقصر أو يمضى على المدّ أطولا]

مثله أى حرفا مثله،يريد مثله ما قبله،يعنى ألفا،و ذلك لأن الهمزة المتطرفة سكنت للوقف،و قبلها ألف،

********

(1) سورة المؤمنون،آية:1.

(2) سورة النساء،آية:90.

(3) سورة الفرقان،آية:77.

(4) سورة البقرة،آية:171.

(5) و إنما كان التمكين أقيس؟؟؟،لأن الألف يستحق المد المشبع؟؟؟ مع بقاء تحقيق الهمز،فلما سهلت بين بين،حصلت بها الخفة و هى فى زنة المحققة،و من قال بالقصر قال:كان لقوة الهمزة؛و قد ضعفت بالتسهيل.

ص: 168

و قبل الألف فتحة،فلم تعد الألف حاجزا،فقلبت الهمزة ألفا لسكونها و انفتاح ما قبلها،فاجتمع ألفان، فإما أن يحذف إحداهما فيقصر و لا يمد،أو يبقيهما،لأن الوقف يحتمل اجتماع ساكنين،فيمد مدّا طويلا، و يجوز أن يكون متوسطا،لقوله فى باب المد و القصر:«و عند سكون الوقف وجهان أصلا»و هذا من ذلك، و يجوز أن يمد على تقدير حذف الثانية،لأن حرف المد موجود،و الهمزة منوية،فهو حرف مد قبل همز مغير و إن قدر حذف الألف الأولى فلا مد،و ذلك نحو:

(صَفْراءُ (1) - وَ السَّماءَ) .

و المد هو الأوجه،و به ورد النص عن حمزة من طريق خلف و غيره،و هذا مبنى على الوقف بالسكون، فإن وقف بالروم-كما سيأتى فى آخر الباب-فله حكم آخر،و إن وقف على اتباع الرسم أسقط الهمزة،فيقف على الألف التى قبلها فلا مد أصلا،و اللّه أعلم و أطول حال من المد،على معنى زائدا طوله،فهذه فائدة مجيئه على وزن أفعل،و اللّه أعلم.

240-[و يدغم فيه الواو و الياء مبدلا إذا زيدتا من قبل حتّى يفصّلا]

فيه أى فى الهمز بعد إبداله،يعنى إذا وقع قبله واو أو ياء زائدتان فأبدله حرفا مثله،ثم أدغم ذلك الحرف فيه،كما تقدم لورش فى:

(النّسيء)و ذلك نحو(خطيئة-و-قروء).

و قوله:حتى يفصلا،أى حتى يفصل بين الزائد و الأصل؛فإن الواو و الياء الأصليتين ينقل إليهما الحركة لأن لهما أصلا فى التحريك بخلاف الزائدة،و الزائد ما ليس بقاء الكلمة و لا عينها و لا لامها،بل يقع ذلك؛و فى هذه الكلمات وقع بين العين و اللام،لأن النسيء فعيل،و الخطيئة فعيلة،و قروء فعول،و الأصلى بخلافه، نحو-هيئة،و شيء لأن وزنهما فعلة و فعل،فهذا النوع تنقل إليه الحركة كما فعل فى:

(موئلا-و-دفء).

و بعضهم روى إجراء الأصلى مجرى الزائد فى الإبدال و الإدغام،و سيأتى ذلك فى قوله:و ما واو أصلى تسكن قبله،أو الياء،و هذا كان موضعه،و إنما أخره لمعنى سنذكره،و لو قال بعد هذا البيت:

و إن كانتا أصلين أدغم بعضهم كشيء و سوء و هو بالنّقل فضّلا

لكان أظهر و أولى،و اللّه أعلم.و فرغ الكلام فى الهمزة المتحركة الساكن ما قبلها،ثم شرع فى ذكر المتحركة المتحرك ما قبلها فقال:

241-[و يسمع بعد الكسر و الضّمّ همزه لدى فتحه ياءً و واوا محوّلا]

أى و يسمع حمزة همزه المفتوح بعد كسر ياء و بعد ضم واوا،مبدلا من الهمزة،فقوله:محولا:نعت للواو، و حذف نعت ياء لدلالة الثانى عليه،و أراد ياء محولا،واوا محولا،و لو كسر الواو من محولا لكان جائزا، و يكون حالا من حمزة،أى محولا للهمزة ياء و واوا.

********

(1) سورة البقرة،آية:69.

ص: 169

و قوله:همزة ثانى مفعولى يسمع،و الأوّل محذوف؛أى يسمع الناس همزه الموصوف إذا قرأه ياء و واوا أى يسمعهم إياه على هذه الصفة،و بعضهم جعل يسمع متعديا إلى ثلاثة،مفعوله الثالث قوله:محولا ياء و واوا.

و هذا البيت فصيح النظم،حيث لف الكلام فجمع بين الكسر و الضم،ثم ردّ إليهما قوله ياء و واوا فردت الفطنة الياء إلى الكسر،و الواو إلى الضم،فهو من باب قوله تعالى:

(وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ 1) .

و قول امرئ القيس:

كأنّ قلوب الطّير رطبا و يابسا لدى و كرها العنّاب و الخشف البالى

و اعلم أن قياس العربية فى كل همزة متحركة متحرك ما قبلها إذا خففت أن تجعل بين بين،إلا المفتوحة بعد كسر أو ضم،فإنها تقلب ياء و واوا،قالوا:لأنها لو جعلت بين بين لقربت من ألف،و الألف لا يكون قبلها إلا فتح،و مثال ذلك-فئة-و لئلا و مؤجلا-و يؤده-و نحو ذلك:

242-[و فى غير هذا بين بين و مثله يقول هشام ما تطرّف مسهلا]

أى و يسمع همزه فى غير ما تقدم ذكره،بلفظ بين بين،و هذا الغير الذى أشار إليه هو ما بقى من أقسام الهمز المتحرك بعد متحرك،و مجموعهما تسعة،لأن الحركات ثلاث كل واحدة قبلها ثلاث حركات،فثلاثة فى ثلاثة تسعة.

ذكر فى البيت السابق منها قسمين:مفتوحة بعد كسر،مفتوحة بعد ضم،و حكمهما الإبدال كما سبق، فبقى لبين بين سبعة أقسام:

مفتوحة بعد مفتوح،نحو-سأل-مآرب-.

مكسورة بعد فتح و كسر و ضم،نحو-بئس-و خاسئين و سئلوا.

مضمومة بعد فتح و كسر و ضم نحو:

(رءوف-فمالئون-برءوسكم).

و قد عرفت أن معنى قولهم بين بين،أن تجعل الهمزة بين لفظها و بين لفظ الحرف الذى منه حركتها أى بين هذا،و بين هذا،ثم حذفت الواو و المضاف إليه منهما،و بنيت الكلمتان على الفتح،فهذه أصول مذهب حمزة فى تخفيف الهمز على ما اقتضته لغة العرب.

ثم يذكر بعد ذلك فروعا على ما تقدم وقع فيها اختلاف و وجوها أخر من التخفيف غير ما سبق ذكره.

ثم قال:و مثله أى:و مثل مذهب حمزة مذهب هشام فيما تطرف من الهمز،أى كل ما ذكرناه لحمزة فى المتطرفة فمثله لهشام،و لم يوافقه فى المتوسطة،لأن المتطرفة أحرى بالتخفيف،لأنها آخر لفظ القارئ،و موضع

********

(1) سورة القصص،آية:73.

ص: 170

استراحته و انقطاع نفسه،و يقع فى النسخ،و مثله بضم اللام و نصبها أجود،لأنه نعت مصدر محذوف،أى:

و يقول هشام فى تسهيل ما تطرف من الهمز قولا مثل قول حمزة و«ما»فى قوله ما تطرف ظرفية،كقوله:

(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ 1) .

أى مهما تطرف الهمز فهشام موافق لحمزة فى تخفيفه،أو تكون«ما»مفعول يقول،لأن يقول هنا بمعنى يقرأ،أى يقرأ ما تطرف كقراءة حمزة له؛و مسهلا حال من هشام،أى راكبا للسهل:و أجاز الشيخ أن يكون حالا من الهاء فى مثله،العائدة على حمزة ثم ذكر الناظم فروعا للقواعد المتقدمة،فقال:

243-[و رءيا على إظهاره و إدغامه و بعض بكسر الها لياء تحوّلا]

أى-و رءيا-مقروء أو مروى أو مستقر على إظهاره و إدغامه-أو-و رءيا-على إظهاره و إدغامه جماعة، أى اختار قوم الإظهار و آخرون الإدغام؛يريد قوله تعالى فى مريم:

(هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً 2) .

و قد روى عن حمزة أنه استثناها فهمزها،كما استثناها أبو عمرو فيما تقدم ذكره،ثم قياس تخفيف همزها أن يبدل ياء،لأنه ساكن بعد كسر،فإذا فعل ذلك اجتمع ياءان،فروى الإدغام لاجتماع ياءين،و روى الإظهار نظرا إلى أصل الياء المدغمة،و هو الهمز،و كذلك الخلاف فى-تؤوى-و تؤويه-لاجتماع واوين،فكأن الناظم أراد«و رءيا»و ما كان فى معناه؛و كان يمكنه أن يقول«و رءيا و تؤوى»أظهرن أدغمن معا.

قال صاحب التيسير:اختلف أصحابنا فى إدغام الحرف المبدل من الهمز و فى إظهاره فى قوله:و«رئيا و تؤوى و تؤويه»فمنهم من يدغم اتباعا للخط،و منهم من يظهر لكون البدل عارضا،و الوجهان جائزان،ثم ذكر أن بعضهم يكسر هاء الضمير المضمومة لأجل ياء قبلها،تحولت تلك الياء عن همزة،و يكون الضمير فى تحولا للياء، و ذكر ضميره لأن حروف الهجاء كما ذكرنا فيها وجهان:التذكير،و التأنيث،و يجوز أن يكون فاعل تحولا ضمير الهمز،أى تحول الهمز إلى تلك الياء،ثم مثل ذلك فقال:

244-[كقولك أنبئهم و نبّئهم و قد رووا أنّه بالخطّ كان مسهّلا]

يعنى (أَنْبِئْهُمْ (3) -فى البقرة- وَ نَبِّئْهُمْ 4) فى الحجر و القمر.

قال صاحب التيسير:اختلف أهل الأداء فى تغيير حركة الهاء مع إبدال الهمز ياء قبلها فى قوله: «أَنْبِئْهُمْ و نَبِّئْهُمْ» فكان بعضهم يرى كسرها من أجل الياء،و كان آخرون يبقونها على ضمتها،لأن الياء عارضة،قال:و هما صحيحان، يعنى الوجهين،و وجه قلب الهمزة فى هاتين الكلمتين ياء أنها ساكنة بعد كسر،فهو قياس تخفيفها،فوجه كسر الهاء وجود الياء قبلها،فصار نحو«فيهم و يهديهم»و هو اختيار ابن مجاهد،و أبى الطيب بن غلبون و قال ابنه أبو الحسن:كلا الوجهين حسن،قال ابن مهران سمعت أبا بكر بن مقسم يقول:ذهب ابن مجاهد إلى أبى أيوب الضبى،فقال له:كيف يقف حمزة على قوله تعالى:

(يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ) .

********

(1) سورة التوبة،آية:7.

(2) الآية:74.

(3) الآية؟؟؟:33.

(4) سورة الحجر،آية:51 و القمر،آية:28.

ص: 171

فقال:أنبيهم خفف الهمزة و ضم الهاء،فقال له ابن مجاهد:أخطأت،و ذكر تمام الحكاية.

و وجه ضم الهاء أن الياء عارضة،لأن الهمزة لم تترك أصلا،و إنما خففت،و هى مرادة،و هو اختيار مكى و ابن مهران،و هو الأشبه بمذهب حمزة،أ لا تراه ضم هاء-عليهم-و إليهم-و-لديهم-لأن الياء قبلها مبدلة من ألف،و هاتان المسألتان:

(رءيا-و أنبئهم).

فرعان لقوله فأبدله عنه حرف مد مسكنا،ثم ذكر قاعدة أخرى مستقلة،فقال:و قد رووا أنه بالخط كان مسهلا،أى أن حمزة كان يعتبر تسهيل الهمز بخط المصحف الكريم،على ما كتب فى زمن الصحابة رضي اللّه عنهم،و ذلك يعرف من مصنفات موضوعة له.

روى سليم عن حمزة أنه كان يتبع فى الوقف على الهمز خط المصحف الكريم.

قال صاحب التيسير:و اعلم أن جميع ما يسهله حمزة،فإنما يراعى فيه خط المصحف الكريم دون القياس.

قلت:و ضابط ذلك أن ينظر فى القواعد المتقدم ذكرها،فكل موضع أمكن إجراؤها فيه من غير مخالفة الرسم،لم يتعد إلى غيره نحو جعل:

(بارِئِكُمْ 1) .

بين الهمزة و الياء،و إبدال همز-أبرئ ياء و همز-ملجأ-ألفا،و إن لزم فيها مخالفة الرسم فسهل على موافقة الرسم فاجعل:

(تَفْتَؤُا 2) .

بين الهمزة و الواو:

(مِنْ نَبَإِ 3) .

بين الهمزة و الياء،و لا تبدلهما ألفا،و كان القياس على ما مضى،ذلك لأنهما يسكنان للوقف و قبلهما فتح،فيبدلان ألفا و هذا الوجه يأتى تحقيقه فى قوله«فالبعض بالروم سهلا»و مثله فى المتوسطة:

(أُنَبِّئُكُمْ 4) .

تجعل من بين الهمزة و الياء أو تبدل ياء،على خلاف يأتى،و حكى ابن مهران خلافا فى نحو:

(تائبات-سائحات).

بين بين،و إبدال الياء المحضة،و كذا فى نحو:

(رءوف-تؤزّهم).

بين بين،و إبدال الواو المحضة اتباعا للرسم.

********

(1) سورة البقرة،آية:54.

(2) سورة يوسف،آية:85.

(3) سورة الأنعام،آية:34.

(4) سورة آل عمران،آية:81.

ص: 172

قال غيره:و قد تأتى مواضع يتعذر فيها اتباع الرسم،فيرجع فيها إلى الأصول المتقدمة،و ما روى عن حمزة رحمه اللّه تعالى يحمل على ما يسوغ فيه ذلك،و اللّه أعلم.

245-[ففي اليا يلى و الواو و الحذف رسمه و الأخفش بعد الكسر و الضّمّ أبدلا]

بين بهذا مذهبه فى اتباع الخط عند التسهيل،و معنى«بلى»يتبع،و رسمه مفعول به،أى يتبع رسم الخط فى الياء و الواو و الحذف،أى أن الهمز تارة تكتب صورته ياء،و تارة واوا،و تارة يحذف،أى لا تكتب له صورة.

و إنما ذكر هذه الأقسام الثلاثة،و لم يذكر الألف،و إن كانت الهمزة تصور بها كثيرا،لأن تخفيف كل همزة صورت ألفا على القواعد المتقدمة لا يلزم منه مخالفة الرسم،لأنها إما أن تجعل بين بين،نحو:

(سأل).

أى بين الهمزة و الألف،أو تبدل ألفا فى نحو:

(ملجأ).

فهو موافق للرسم و إنما تجىء المخالفة فى رسمها بالياء و الواو،و فى عدم رسمها،و قد بينا المخالفة فى الياء و الواو فى كلمتى:

(تفتؤا-و من نبأ).

و قد رسم الهمز فى كلمة واحدة رسمين،مرة ألفا؛و مرة واوا نحو:

(الملأ).

رسم بالألف إلا فى أربعة مواضع:ثلاثة فى النمل،و واحد فى أول المؤمنون؛فسهل فى كل موضع باعتبار رسمه؛و أما الحذف ففي كل همزة بعدها و او جمع؛نحو:

(فمالئون-يطئون-مستهزءون).

فكل هذا لو خفف همزه باعتبار ما تقدم من القواعد لجعل الجميع بين بين؛باعتبار حركته فى نفسه؛ فإذا أريد تخفيفه باعتبار خط المصحف حذف الهمز حذفا؛حتى أنهم نصوا أنه يقول فى-الموءودة المودة؛بوزن الموزة،و فى نحو:

(برءاء).

كتبت الأولى بالواو،و الثانية بالألف،فلزم من اتباع الرسم أن تبدل الأولى واوا مفتوحة إذ لم يمكن تسهيلها بين الهمزة و الواو،لأن الهمزة مفتوحة؛و إنما تسهل على قياس ما تقدم بين الهمزة و الألف،و الثانية تبدل ألفا على القاعدتين معا،و هما اتباع الرسم و القياس،لأنها سكنت للوقف و قبلها فتحة فأبدلت ألفا و اتفق أن كان الرسم كذلك؛فلا وجه غيره؛و على اتباع الخط تكون الهمزة فى:

ص: 173

(تَراءَا الْجَمْعانِ (1) -و فى- رَأَى الْقَمَرَ 2) .

متطرفة فلها حكم المتطرفة،لأنه لم يرسم بعد الهمز فيهما شيء،بل كتبا على لفظ الوصل.

ثم بين الناظم رحمه اللّه تعالى مذهب الأخفش النحوى،و هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة،و هو الذى يأتى ذكره فى سورة الأنعام،و غير الذى ذكره فى سورة النحل.

و وجه اتصاله بما تقدم من وجهين:

أحدهما أن ذكره استئناسا لمذهب حمزة فى إبدال الهمزة المتحرك المتحرك ما قبله،حرف مد اتباعا للخط، حيث يلزم من تسهيله على القياس المقدم مخالفة الرسم،فذكر أن من أئمة العربية الأكابر من رأى بعض ذلك فى هذا الموضع بشرطه.

و قد ذكره صاحب التيسير فقال نحو:

(أُنَبِّئُكُمْ (3) -و سَنُقْرِئُكَ 4) .

يبدلها ياء مضمومة اتباعا لمذهب حمزة فى اتباع الخط عند الوقف على الهمز،و هو قول الأخفش-أعنى التسهيل-فى ذلك بالبدل.

الوجه الثانى أن يكون فى المعنى متصلا بقوله،و فى غير هذا بين بين،كأنه قال:إلا فى موضعين،فإن الأخفش أبدل فيهما فتصير مواضع الإبدال على قوله أربعة من تسعة،هذان نوعان،و نوعان وافق فيهما سيبويه و هما المذكوران فى قوله،و يسمع بعد الكسر و الضم،و قوله ذا الضم مفعول أبدلا أى أبدل الهمز المضموم بعد الكسر بياء،و تمم بيان مذهب الأخفش،فقال:

246-[بياء و عنه الواو فى عكسه و من حكى فيهما كاليا و كالواو أعضلا؟؟؟]

أى و عن الأخفش إبدال الواو فى عكس ذلك،و هو أن تكون الهمزة مكسورة بعد ضم،نحو-سئل- و الأول نحو:

(تُنَبِّئُهُمْ بِما 5) .

فأبدل المضمومة ياء و المكسورة واوا،أبدلهما حرفين من جنس حركة ما قبلها،فتارة يوافق مذهبه الرسم فى نحو:

(تنبّئهم).

و مذهب سيبويه ما تقدم،و هو جعل كل واحدة منها بين بين،قال من قرر مذهب الأخفش:لو جعلت هنا بين بين لقربت من الساكن،فيؤدى إلى واو ساكنة قبلها كسرة،و ياء ساكنة قبلها ضمة،و لا مثل لذلك فى العربية،كما أن المفتوحة بعد كسر أبدلت ياء،و بعد ضم واوا كذلك.

********

(1) سورة الشعراء،آية:61.

(2) سورة الأنعام،آية:77.

(3) سورة آل عمران،آية:14.

(4) سورة الأعلى،آية:6.

(5) سورة التوبة،آية:64.

ص: 174

و أجيب بأنه يلزمه أيضا فى مذهبه أن تكون ياء مضمومة بعد كسرة،و واو مكسورة بعد ضمة،و ذلك مطرح الاستعمال حقيقة،و ما اختاره سيبويه يشبه ما اطرح استعماله،فما ذكره أفظع:و أما إلزامه المفتوحة؛ فلأن إبدالها لا يؤدى إلى ما اطرح استعماله،بخلاف ما ذكره.

ثم قال:و من حكى فيهما أى فى المضمومة بعد كسر؛و المكسورة بعد ضم،أن تجعل المضمومة كالياء، و المكسورة كالواو،أى تسهل كل واحدة منها بينها و بين حرف من جنس حركة ما قبلها لا من جنس حركتها» ليسلم من الاعتراضين الواردين على مذهب سيبويه و الأخفش،فمن حكى ذلك أعضل،قال الشيخ:أى أتى بعضلة،و هى الأمر الشاق؛لأنه جعل همزه بين بين مخففة بينها و بين الحرف الذى منه حركة ما قبلها.

قلت:و هذا الوجه مذكور فى كتاب[الكشف]لأبى محمد مكى بن أبى طالب و غيره عن الأخفش، و يقوى فى مواضع توافق خط المصحف الكريم،كالوقف على:

(لؤلؤ).

المخفوض بروم الحركة،لأنه يجعلها بين الهمزة و الواو،و ذلك موافق للخط،و على رأى سيبويه تصير بين الهمزة و الياء،فتخالف الخط؛فيوقفه بلا روم،ليجد قبلها واوا فيوافق الرسم،نص عليه مكى،و قد تقدم مثل هذين الوجهين المحكيين عن الأخفش فى مذهب الفراء فى نحو:

(يَشاءُ إِلى 1) .

أكثرهم أبدل الثانية واوا،و بعضهم جعلها بين الهمزة المكسورة و الواو،و قد غلط بعض الجهال لسوء فهمه،فظن أن من سهل الهمزة بينها و بين الحرف الذى من جنس حركة ما قبلها قدّر أن الحركة تكون على الهمزة من جنس حركة الحرف قبلها،ففي:

(تُنَبِّئُهُمْ (2) -و يستهزءون).

تسهل بين الهمزة المكسورة و الياء الساكنة،و فى نحو:

(سئل-و-يشاء إلى).

تسهل بين الهمزة المضمومة و الواو الساكنة،و هذا جهل مفرط و غلط بين،و لو لا أنى سمعته من قائله لما صدقت أن أحدا يقوله،فإن الهمزة محركة،و الحاجة داعية إلى تسهيلها،و ذلك ممكن مع بقائها على حركتها فأى حاجة إلى تغير حركتها و نختل فى وزنها و لفظها،و إنما لما احتيج إلى الحرف الذى يسهل إليه،قال أهل المذهب الصحيح:يكون الحرف من جنس حركتها،فهو أقرب إليها؛و قال قوم:يجعل الحرف من جنس حركة ما قبلها،كما لو كانت الهمزة ساكنة،و الفرق أن الساكنة لما لم تكن لها حركة اضطررنا إلى إبدالها حرفا من جنس حركة ما قبلها،إذ لم يكن اعتبارها بنفسها و فيما ذكرناه لها حركة،فاعتبارها بها أولى،و هذا واضح لمن تأمله،و اللّه أعلم.

و يقال:قد أعضل الأمر:أى اشتد و غلظ و استغلق،و أمر معضل:لا يهتدى لوجهه،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة البقرة،آية:213.

(2) سورة التوبة،آية:64.

ص: 175

247-[و مستهزءون الحذف فيه و نحوه و ضمّ و كسر قبل قيل و أخملا]

هذا مفرع على القول بالوقف على مرسوم الخط،فتحذف الهمزة منه،لأنها لم تكتب لها فيه صورة، و كذلك فيما أشبهه مما فيه همزة مضمومة بعد كسر،و بعدها واو ساكنة نحو:

(فمالئون (1)-ليطفئوا (2)- وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ (3) -و متكئون).

و هذا قد عرف مما تقدم،و إنما عرضه بهذا البيت بيان الحركة لما قبل الواو بعد حذف الهمز،و هذه مسألة ليست فى التيسير.

و قال الشيخ فى شرحه:منهم من وقف:

(مُسْتَهْزِؤُنَ -و مُتَّكِؤُنَ) .

فضم ما قبل الواو،و منهم من كسر ما قبلها و لم يمد ثم قال:و أخملا،يعنى المذهبين المذكورين،و إنما أخملا لأن حركة الهمزة ألقيت على متحرك.

و فى الوجه الآخر واو ساكنة قبلها كسرة،و ليس ذلك فى العربية.

قلت:هذا الذى ذكره الشيخ فيه نظر،و إن كان قد تبعه فيه جميع من رأيت له كلاما على شرح هذا البيت، سوى الشيخ أبى عمرو رحمهما اللّه تعالى.

و الصواب أن يقال:ضم ما قبل الواو وجه جيد،و ليس نقلا لحركة الهمزة إليه،و إنما بنى الكلمة على فعلها.

قال الفراء:من العرب من يبدل الهمز-يعنى فى الفعل-فيقول:استهزيت،مثل استقضيت،فمن وقف على:

(مُسْتَهْزِؤُنَ 4) .

فعلى ذلك مثل مستقضون،و قد ذكر الشيخ ذلك فى شرحه،و قال ابن مهران:حكى عن الكسائى أنه قال:من وقف بغير همز،قال:

(مستهزون).

فرفع الزاى،و مثله متكون و ليطفوا و أشباه ذلك،قال:و قال الزجاج:أما.

(مستهزون).

فعلى لغة من يبدل من الهمز ياء فى الأصل،فيقول فى استهزئ،استهزيت،فيجب على استهزيت:يستهزون:

قلت:و قد قرئ.

(لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ 5) .

********

(1) سورة الصافات،آية:66.

(2) سورة الصف آية:8.

(3) سورة يونس،آية:53.

(4) سورة البقرة،آية:14.

(5) سورة الحاقة،آية:37.

ص: 176

بضم الطاء،و ترك الهمز،رويت عن نافع كما قرأ:

(و الصّابون (1).

فلا وجه لإخمال هذا الوجه،أما كسر ما قبل الواو الساكنة فحقيق بالإخمال،لأنه لا يوجد فى العربية نظيره، و هو الذى أراده الناظم رحمه اللّه تعالى إن شاء اللّه.

و تقدير البيت الحذف فيه،و ضم؟يعنى فى الحرف الذى قبل الهمز،لأله صار قبل الواو الساكنة فضم:

كما فى قاضون و نحو،ثم قال؟و كسر قبل قيل،يعنى قبل بالكسر قبل الواو،و أخمل هذا القول لأنه على خلاف اللغة العربية،و لو أراد الناظم المعنى الأوّل لقال قيلا بالألف،و الوزن مؤات له على ذلك،فلما عدل عنه إلى قيل،دل على أنه ما أراد إلا وجها واحدا،فيصرف إلى ما قام الدليل على ضعفه؛و هو الكسر؛و لا معنى لصرفه إلى الضم مع كونه سائغا فى اللغة،و الألف فى أخملا للإطلاق،لا للتثنية،و الخامل:الساقط الذى لا نباهة له،و قد خمل يخمل خمولا،و أخملته أنا،و اللّه أعلم.

248-[و ما فيه يلفى واسطا بزوائد دخلن عليه فيه وجهان أعملا]

أى و اللفظ الذى فيه يوجد الهمز متوسطا بسبب روف زوائد دخلن عليه و اتصلن به خطا أو لفظا،و لم يأته التوسط من انتظام حروف الكلمة فيه وجهان أعملا،أى استعملا،مأخذ الوجهين أنه:هل يعطى ذلك الهمز حكم المتوسط فيسهل تسهيل مثله على ما سبق تفصيله؛أو حكم المبتدأ فيحقق،و أصل ذلك الاعتداد بالزائد العارض،و عدم الإعتداد به.

قال فى التيسير:و المذهبان جيدان،و بهما ورد نص الرواة.

قلت:و لا ينبغى أن يكون الوجهان إلا تفريعا على قول من لا يرى تخفيف الهمز المبتدإ لحمزة فى الوقف خلف،أما من يرى ذلك فتسهيله لهذا أولى،لأنه متوسط صورة،و قد سبق التنبيه عليه،و قوله:يلفى،أى يوجد؛و منه قوله تعالى:

(ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا 2) .

أى ما وجدنا،كما قال تعالى ذلك فى سورة لقمان.

و قوله:واسطا،هو اسم فاعل من وسطت القوم،و قد سبق ذكره،ثم مثل ذلك فقال:

249-[كما هاويا و اللاّم و البا و نحوها و لا مات تعريف لمن قد تأمّلا]

ما فى قوله كما زائدة،أى الزائد مثل لفظ ها و يا،أما ها ففي نحو:

(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ 3) .

لأن الكلمة التى للإشارة إلى الجماعة أولاء دخل عليها حرف التنبيه،و هو ها و يا لحرف النداء،نحو:

(يا ءيّها-يا آدم-يا أولى- يا أُخْتَ هارُونَ 4) .

********

(1) سورة المائدة،آية:69.

(2) سورة البقرة،آية:170.

(3) سورة النساء،آية:109.

(4) سورة مريم،آية:28.

ص: 177

و إنما عد الهمز فى هذين الموضعين متوسطا،و إن كان الزائد الداخل عليه كلمة مستقلة بنفسها من جهة الاتصال خطا،لأن ألف«ها»و«يا»،محذوفة فى رسم المصحف الكريم،و اتصلت الهاء و الياء بالهمزة بعدهما،و الألف المتصلة بالياء فى نحو:

(يأيّها).

هى صورة الهمزة،و ليست ألف يا،و الدليل على ذلك:أنه إذا لم تكن بعد يا همزة لم يكتبوا ألفا أصلا نحو:

(يقوم (1)-و ينوح)و اللام نحو:(لأنتم أشدّ-و لأبويه)و الباء مثل(بأنّهم).

و نحو هذه الزوائد:(فأمنوا-و أمر-كأنّهم-ء أنذرتهم-أ فأنت-فبأىّ-لبإمام- سأريكم)و نحو ذلك.

و لا مات التعريف نحو:

(الآخرة-و الأرض).

فالهمز فى كل ذلك متوسط باعتبار أن ما دخل عليه متصل به خطا أو لفظا،لا يمكن انفصاله منه،و الزائد ما أمكن فصله من الكلمة،و لا تختل بنيتها،فحروف المضارعة لا تعطى حكم الزوائد،و الهمز بعدها متوسط بلا خلاف،نحو:

(يؤمن-يأكل)و كذا(و أمر-فأووا-و ألحق به بعضهم- يا صالِحُ ائْتِنا -و إِلَى الْهُدَى ائْتِنا 2) .

و الاختيار التحقيق لتأتى الوقف على ما قبل الهمزة،فإن وقف بتخفيف-الهدى ائتنا-لم يمل الألف لأنها بدل الهمزة،و ليست ألف الهدى،و هو اختيار أبى عمرو الدانى،و قيل:بل هى ألف الهدى و حذفت المبدلة من الهمزة،و يحتمل أن ترجع ألف الهدى.و يجمع بين الألفين بزيادة المد،فعلى هذا تسوغ الإمالة فى ألف الهدى،لمن مذهبه الإمالة،و قد سبق ذكر الوجهين و اللّه أعلم.

و قوله تعالى: (هاؤُمُ 3) .

فى الحاقة ليس لها حكم هأنتم،لأن همزة هاؤم متوسطة،لأنها من تتمة كلمة ها،بمعنى:خذ،ثم اتصل بها ضمير الجماعة المتصل،و ها أنتم،الهاء فيه للتنبيه،دخل على أنتم،و تسهل همزة هاؤم بلا خلاف بين بين، و يوقف هاؤم،و منع مكى من الوقف عليها ظنا منه أن الأصل هاؤموا،بواو،و إنما كتبت على لفظ الوصل فحذفت؛فقال:لا يحسن الوقف عليها؛لأنك إن وقفت على الأصل بالواو خالفت الخط،و إن وقفت بغير و خالفت الأصل،و ذكر الشيخ معنى ذلك و شرحه،و هو سهو،فإن الميم فى هاؤم مثل الميم فى أنتم،الأصل فيها الصلة بالواو،على ما سبق فى بيان قراءة ابن كثير،و رسم المصحف الكريم فى جميع هذا الباب بحذف الواو فيما ليس بعده ساكن،فما الظن بما بعده ساكن،فالوقف على الميم لجميع القراء،و إذا كان ابن كثير الذى

********

(1) سورة غافر آية:29.

(2) سورة الأعراف،آية:77.

(3) سورة الأنعام،آية:71.

ص: 178

يصل ميم الجمع بواو فى الوصل لا يقف بالواو على الأصل،فما الظن بغيره،فإن قلت:هلا جرى الوجهان فى نحو:

(دعاؤكم-و-هاؤم).

لأن الهمز فيها متوسط بزائد دخل عليه بعده،كما لو كان الزائد قبله،قلت:لأن الهمز هنا دائر بين أن يكون متوسطا أو متطرفا،و أياما كان فحمزة يسهله،بخلاف ما إذا كان الزائد متقدما؛فإن الهمز يصير مبتدأ و المبتدأ فيه الخلاف كما سبق،و لم تكن له حاجة إلى ذكر لام التعريف،لأنه قد فهم له الخلاف فيه مما سبق فى مذهب ورش،و لكنه أراد إعلام أنه من هذا النوع،و النقل فيه أولى من غيره،و اللّه أعلم.

250-[و اشمم ورم فيما سوى متبدّل بها حرف مدّ و اعرف الباب محفلا]

هذا عطف على كلام مقدر دل عليه ما تقدم،أى افعل ما ذكرت لك من تخفيف الهمزة،و أشمم ورم فى مواضع ذلك بشرطه،أى أن تخفيف الهمز المتطرف ليس بمانع من جريان الروم و الإشمام فقطع بهذا الكلام و هم من توهم ذلك،و الروم و الإشمام من خصائص الأطراف،يجريان فى المضموم دون المفتوح عند القراء، و يجرى الروم وحده فى المكسور،فمعنى البيت:أنهما جائزان فى كل ما تقدم بشروطهما إلا فى موضع يبدل طرفه بالهمزة حرف مد،أى ألفا،أو واوا،أو ياء؛سواكن و قبلهن حركات من جنسهنّ أو ألف،فلا روم و لا إشمام حينئذ،لأن هذه حروف سواكن لا أصل لهنّ هنا فى الحركة،فصرن مثلهنّ فى يخشى،و يدعوا، و يرمى،و ذلك نحو-الملأ-و لؤلؤ-و البارئ-و يشأ-و ضابطه كل همز طرف قبله متحرك أو ألف،و قد سبق ذكر النوعين فى قوله:فأبدله عنه حرف مد مسكنا،و يبدله مهما تطرف مثله،فأما ما قبله ساكن غير الألف فيصح رومه و إشمامه،و هو نوعان:أحدهما ما ألقى فيه حركة الهمز على الساكن،نحو دفء،و الثانى ما أبدل فيه الهمز حرفا و أدغم فيه ما قبله،نحو:

(قروء-و شيء).

فكل واحد من هذين النوعين قد أعطى حركة،فترام تلك الحركة.

أما ما ألقى عليه حركة الهمز فظاهر،و أما نحو-قروء-فقد أدغم فى الحرف المبدل من الهمز ما قبله،و لا يدغم إلا فى متحرك،و ضابطه:كل همز طرف قبله ساكن غير الألف،و هذا معنى قول صاحب التيسير:

و الروم و الإشمام جائزان فى الحرف المتحرك بحركة الهمزة،و فى المبدل منها غير الألف.

و محفل القوم مجتمعهم:أى هذا الباب موضع اجتماع أنواع تخفيف الهمز،فاعرفه،و نصبه على الحال.

251-[و ما واو أصلىّ تسكّن قبله أو اليا فعن بعض بالادغام حمّلا]

أى و الهمز الذى تسكن قبله واو أصلى،يعنى إذا وقعت واو أصلية ليست بزائدة،و هى ساكنة قبل الهمز نحو:

(سوء-و السّوأى أو ياء كذلك نحو-شيء-و استيأس (1).

********

(1) سورة يوسف،آية:110.

ص: 179

فقد ذكر أن مثل هذا تنقل إليه الحركة،و تقدم أنهما لو كانا زائدين أبدل الهمز مثلهما و أدغما فيه،فروى بعضهم عنه إجراء الأصلى مجرى الزائد فى الإبدال و الإدغام،و حكى جواز ذلك عن العرب يونس و سيبويه، و كان الأحسن أن يذكر هذا البيت عقيب قوله و يدغم فيه الواو و الياء مبدلا»إذا زيدتا البيت،و يقول عقيبه و إن و لو أصلى،بلفظ حرف إن الشرطية،فهى أحسن هنا من لفظ ما،و أقوم بالمعنى المراد،و لو فعل ذلك لاتصل الكلام فى الإدغام و اتصل هنا كلامه فى الروم و الإشمام،فإن هذا البيت الآتى متعلق بقوله و أشمم ورم، على ما سنبينه،فوقع هذا البيت فاصلا فى غير موضعه من وجهين و بعضهم صوّب ما فعله الناظم،و قال:

قصد أوّلا أن يلخص من أحكام التسهيل حكما واحدا اشتهر،ثم يذكر بعد ذلك أحكاما أخر،كما فعل فى:

(مُسْتَهْزِؤُنَ 1) و غيره و اللّه أعلم.

252-[و ما قبله التحريك أو ألف محرّكا طرفا فالبعض بالرّوم سهّلا]

المذكور فى هذا البيت هو ما امتنع رومه و إشمامه لأجل البدل،على ما تقدم بيانه،حكى فيه وجه آخر، عن حمزة أنه كان يجعل الهمز فى ذلك بين بين،كأنه لما كان البدل يفضى إلى تعطيل جريان الروم المختار لجميع القراء على ما سيأتى فى بابه،لم يبدل و خفف الهمز بالتسهيل،كما لو كان الهمز متوسطا،إلا أن الوقف لا يكون على متحرك،بل على ساكن أو مروم؛فالوقف بالسكون لا تسهيل معه إلا بالبدل و الوقف بالروم يتأتى التسهيل معه بلفظ بين بين،فنزل النطق ببعض الحركة،و هو الروم،منزلة النطق بجميعها،و كل ذلك حركة الهمزة فسهلها بين بين،فهذا معنى قوله:«بالروم سهلا»أى فى حال الروم،أى وقع التسهيل بحالة الروم.

و خفى هذا المعنى على قوم فقالوا:لا معنى لبين بين إلا روم الحركة فعبر عن الروم بكونه يجعلها بين بين، و هذا التأويل ليس بشيء،فإن النطق بالروم غير النطق بالتسهيل،برهانه أن الروم عبارة عن النطق ببعض حركة الحرف،فلا يلزم من ذلك تغيير ذلك الحرف،كما إذا رام الدال من زيد،و التسهيل بين بين يغير لفظ النطق بالهمزة،و الروم نطق ببعض حركة الهمزة أو حركة ما جعل بدلا عنها؛و هو كونها بين بين،و هذا أوضح،و للّه الحمد.

فحاصل ما فى هذا البيت أن ما دخل فى الضابط الذى ذكره،و سنبينه فلحمزة فيه وجهان:

أحدهما:أن يقف بالسكون،فيلزم إبدال الهمز حرف مد،فلا روم إذا و لا إشمام،كما سبق ذكره، و هذا الذى تقدم استثناؤه له.

و الثانى:أنه يروم حركة الهمزة و يجعلها بين بين،ثم إذ قلنا بهذا الوجه فهل يجرى فى المفتوح جريانه فى المضموم و المكسور،أو لا يجرى فيه،إذ لا روم فيه عند القراء:فيه اختلاف.

و قد ذكر هذا الوجه مكى فى الكشف،و جعله المختار فيما يؤدى فيه الوقف بالسكون إلى مخالفة الخط نحو:

(تفتأ (2).

و اختار الوقف بالسكون فيما يوافق الخط نحو:

(يبدئ (3).

********

(1) سورة البقرة،آية:14.

(2) سورة يوسف،آية:85.

(3) سورة البروج،آية:13.

ص: 180

و قوله«محركا طرفا»حالان من الهمز المعبر عنه بما فى قوله:«و ما قبله التحريك أو ألف»أى و الهمز المحرك الذى هو طرف إذا وقع قبله تحريك نحو:

(قال الملأ)أو ألف نحو(يشاء).

فالبعض وقف بالروم و سهل،و يجوز أن يكون طرفا حالا من الضمير المستكن فى محركا،و يجوز أن يكون محركا حالا من مفعول سهل المحذوف تقديره،فالبعض بالروم سهلة محركا طرفا.و فيه ضعف لتقدمه على فاء الجزاء؛و لا يستقيم أن يكون طرفا تمييزا،على معنى محركا طرفه،لأن المراد بالمحرك هو الطرف،و هو اهمز و لو كان المراد بالمحرك اللفظ لاستقام ذلك،لكن لا يمكن أن يكون المراد به اللفظ،لقوله«و ما قبله التحريك أو ألف»لأن المراد أن الحركة أو الألف قبل الهمزة لا قبل اللفظ،و لا يكون فى هذا النوع إشمام،لأن حالة الروم لا حاجة إلى الإشمام،و أن يبدل الهمز حرف مد،فلا إشمام أيضا و لا روم على ما سبق،فلو كان هذا البيت جاء عقيب قوله«و أشمم ورم»لكان أوضح للمقصود و أبين،.

و قلت أنا بيتين قربا معنى بيتيه على ما شرحناهما به:

و أشمم ورم فى كلّ ما قبل ساكن سوى ألف،و امنعهما المدّ مبدلا

أى فى كل همزة قبلها ساكن غير الألف،و هما نوعان:النقل،و الإدغام كما سبق،أو يقول:

و أشمم ورم تحريك نقل و مدغم كشيء دف و امنعهما المدّ مبدلا

أى و امنع المد،أى فى حرف المد المبدل من الهمز من الروم و الإشمام.

ثم بين ذلك الذى يمنعه منهما فقال:

و ذلك فيما قبله ألف أو الّذى حرّكوا و البعض بالرّوم سهّلا

فانضبط فى هذين البيتين على التفصيل كل ما يدخله الروم و الإشمام و ما يدخلانه و اللّه أعلم.

253-[و من لم يرم و اعتدّ محضا سكونه و ألحق مفتوحا فقد شذّ موغلا]

أى و من الناس من لم يرم لحمزة فى شيء من هذا الباب،أى ترك الروم فى الموضع الذى ذكرنا أن الروم يدخله،و هو كل ما قبله ساكن غير الألف،فنفى الروم فيه،و ألحق المضموم و المكسور بالمفتوح فى أن لا روم فيه،فلم يرم:

(لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ (1) -كما لم يرم- يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ 2) .

فقال الناظم:هذا قد شذ مذهبه موغلا فى الشذوذ،لأنه قد استقر و اشتهر أن مذهب حمزة الروم فى الوقف؛ إلا فيما ثبت استثناؤه،و يجوز أن يكون هذا القائل بنى مذهبه فى ترك الروم على أن حمزة وقف على الرسم، فأسقط الهمزة،إذ لا صورة لها فى نحو:

(سوء-و شيء-و دفء-و قروء).

********

(1) سورة النحل،آية:5.

(2) سورة النمل،آية:25.

ص: 181

فما قبل الهمز فى ذلك كله حرف ساكن لا حظ له فى الحركة فلا روم،و هذا مأخذ حسن و للّه الحمد.

و يجوز أن يكون نظر إلى أن حركة النقل و المدغم من جنس الحركة العارضة،و تلك لا يدخلها روم و لا إشمام فقاس هذه عليها.

و يقال فى نظم هذا.

و من لم يرمه أو يشم و قاسه بعارض شكل كان فى الرأى محملا

و لو أتى بهذا البيت بعد قوله«و أشمم ورم»كان أحسن،لأنه متعلق به،و ليس هو من توابع قوله:

«فالبعض بالروم سهلا»و الهاء فى سكونه عائدة على«من»فى قوله«و من لم يرم،أو على الحرف الذى لا يرام لأن سياق الكلام دال عليه،و لا تعود على صاحب القراءة،لأنهما اثنان:حمزة و هشام؛إلا أن يريد حمزة وحده،أو القارئ من حيث هو قارئ،و يقطع النظر عن تعدده.

فإن قلت:لم لم تعد على«ما فى»قوله و ما قبله التحريك»و التقدير؛فالبعض سهله بالروم،و من لم يرمه و اعتد محضا سكونه فقد شذ؛و يكون هذا البيت من تبع البيت الذى قبله،لا من أتباع قوله«و أشمم ورم» أى و من لم يرم فى هذا المتحرك الطرف الذى قبله متحرك،أو ألف و لم ير الوقوف عليه إلا بالسكون فقذ شذ؟ قلت:يمنع من ذلك أنه قد منع الروم و الإشمام فى موضع يبدل فيه الهمز حرف مد،و الموضع الذى يبدل فيه الهمز حرف مد هو المحرك الطرف،الذى قبله محرك أو ألف،فإذا كان هذا مختارا فيه ترك الروم،كيف يعود يقول«و من لم يرم فقد شذ؟»و إنما أشار بهذا إلى الموضع الذى نص على جواز رومه.

فإن قلت:إن كان هذا هو المراد،فهل لا قال:و من لم يرم و لم يشم،و لم اقتصر على ذكر الروم دون الإشمام؟قلت:يجوز أن يكون هذا الفريق الذى نفى الروم جوّز الإشمام و لم ينفه لأنه إشارة بالعضو لانطق معه، فهو أخف من الروم،و الباب باب تخفيف،فناسب ذلك ذلك،و يجوز أن يكون أيضا نفى الإشمام،و اقتصر الناظم على ذكر الروم اجتزاء به عن الإشمام،لأن الكلام فيه من القوة و الوضوح ما يدل على ذلك،فهو من باب قوله تعالى:

(سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ 1) .

و لم يقل تعالى:و البرد،لأنه معلوم،و اللّه أعلم.

على أن من الناس من جعل هذا البيت متعلقا بما قبله،و قال:من الناس من أنكر الروم فى هذا النوع،فتعذر التسهيل،و أخذ فى ذلك بالبدل لا غير،فهذا قد أتى بقول شاذ،لكونه أنكر هذا الوجه،و هو مروى عن حمزة،قال:و منهم من أجرى التسهيل بالروم بالمفتوح أيضا،و هذا أتى أيضا بقول شاذ مخالف لما عليه اختيار القراء،فأشار الناظم فى هذا البيت إلى إبطال هذين القولين:أى و من لم يأخذ بالتسهيل فى ذلك و أخذ به فى الحركات كلها فقد شذ،و إنما ينبغى الأخذ به فى المضموم و المكسور،لأنهما محل الروم عند القراء.

********

(1) سورة النحل،آية:81.

ص: 182

و قوله محضا:أى ليس فيه للتحريك شائبة ما،لأن الروم بخلاف ذلك،و هو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله اعتد،لأنه بمعنى حسب و ظن،و اعتقد،و نحو ذلك و مفتوحا:ثانى مفعولى ألحق،على حذف حرف الجر،و المفعول الأول محذوف،أى ألحق مضموم هذا البيت و مكسوره بالمفتوح الذى أجمعوا على ترك رومه،و الإيغال السير السريع و الإمعان فيه.

254-[و فى الهمز أنحاء و عند نحاته يضيء سناه كلّما اسودّ أليلا]

أى و روى فى تخفيف الهمز وجوه كثيرة و طرائق متعددة،اشتمل عليها كتب القراءات الكبار،و الانحاء المقاصد و الطرائق،واحدها نحو،و هو القصد و الطريقة،و قد ذكر الناظم رحمه اللّه تعالى من تلك الطرائق أشهرها و أقواها لغة و نقلا،و ذكر شيئا من الأوجه الضعيفة،و نبه على كثرة ذلك فى كتب غيره،و الهاء فى نحاته و سناه للهمز،أى يضيء ضوءه عند النحاة لمعرفتهم به و قيامهم بشرحه،كلما أسود عند غيرهم، لأن الشيء الذى يجهل كالمظلم عند جاهله،و النحويون هم المتصدون لكشف ما أشكل من هذا و نحوه مما يتعلق باللسان العربى.

هذا إن كان كلما مفعولا ليضيء،و تكون«ما»نكرة موصوفة أى كل شيء أسود و يجوز أن يكون ظرفا لازما،لأن«ما»يجوز أن تكون ظرفية،و لفظ«كل»إذا أضيف إلى الظرف صار ظرفا؛كقوله تعالى:

(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ 1) .

فمعناه على هذا كلما أسود الهمز عند غير النحاة أضاء عندهم سناه،أى كثر ضوؤه،فيكون يضيء بلا مفعول، لأن أضاء يستعمل لازما و متعديا.

قال اللّه تعالى:

(كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ 2) .

و قال «فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ» فعبر الناظم بالإضاءة عن وضوحه عند العلماء به،و بالسواد عن إشكاله عند الجاهلين له«و أليلا»حال أى مشبها ليلا أليل فى شدة سواده،يقال ليل أليل و لائل،أى شديد الظلمة كقولهم شعر شاعر للتأكيد و المبالغة،و اللّه تعالى أعلم.

باب الإظهار و الإدغام

اشارة

هذه عبارة مكى و غيره فى هذا الباب،و زاد صاحب التيسير للحروف السواكن،و هذه زيادة حسنة فيها تمييز هذا الباب من الإدغام الكبير،فإنه إدغام للحروف المتحركة،و من المصنفين من يسمى هذا:الإدغام الصغير لذلك،و لأنه يختص ببعض الحروف،بخلاف الكبير.

و ضابط هذا الباب أنه إدغام حرف ساكن فى مقاربه المتحرك،و هو ينقسم ثلاثة أقسام:

الأول:إدغام حرف من كلمة عند حروف متعددة من كلمات،و ذلك حيث وقع،و هو المذكور فى فصول:إذ،و قد تاء التأنيث،و بل،و هل.

********

(1) سورة الرحمن،آية:29.

(2) سورة البقرة،آية:20.

ص: 183

الثانى:إدغام حرف فى حرف من كلمة أو كلمتين،أو حيث وقع،و هو الذى عبر عنه بحروف قربت مخارجها،و يتعلق به بحث سنذكره فى أول بابه إن شاء اللّه تعالى.

الثالث:الكلام فى أحكام النون الساكنة و التنوين على الخصوص،لأنه يتعلق به أحكام أخر غير الإدغام و الإظهار من الإخفاء و القلب،كما سيأتى و اللّه أعلم.

255-[سأذكر ألفاظا تليها حروفها بالإظهار و الإدغام تروى و نجتلا]

أراد بالألفاظ كلمات تدغم أواخرها السواكن،و هى لفظ إذ،و قد،و بل،و هل،و نفس تاء التأنيث، و قوله تليها حروفها:أى يتبع كل لفظ منها ذكر الحروف التى تدغم أواخر هذه الألفاظ فيها،و تظهر على اختلاف القراء فى ذلك،و إنما يذكر تلك الحروف فى أوائل كلمات،على حدّ ما مضى فى شفا لم تضق،و للدال كلم،ترب،سهل،و نحو ذلك،و اللّه أعلم.

256-[فدونك إذ فى بيتها و حروفها و ما بعد بالتقييد قده مذلّلا]

إذ،منصوب المحل على الإغراء كقوله و دونك الإدغام،أى خذ من تلك الألفاظ كلمة إذ،فهى السابقة فى الذكر فى بيتها،أى تفرد لذكرها بيت مستقل تذكر فيه هى و الحروف التى تدغم الذال منها فيها،فقوله و حروفها بالنصب عطف على إذ،و ما بعد معطوف أيضا،أى و خذ ما أذكره بعد ذلك و سنبينه فى البيت الآتى و يجوز أن يكون مبتدأ و ما بعده خبره،أى و ما يأتى بعد ذلك قده مذللا،أى خذه سهلا بسبب التقييد الذى أبينه به؛أى لا أدع فيه إلباسا؛و هو من قولهم بعير مذلل إذا كان سهل القياد،و هو الذى خزم أنفه ليطاوع قائده،ثم بين ذلك فقال.

257-[سأسمى و بعد الواو تسمو حروف من تسمّى على سيما تروق مقبّلا]

يعنى أسمى القراء إما بأسمائهم أو بالرمز الدال عليهم،ثم آتى بواو فاصلة بعد الرمز،و أتى بعد الواو الفاصلة بحروف من سميت من القراء،يعنى الذى يظهر ذلك القارئ ذال إذ عندها أو يدغم،و هذا فى غير القراء الذين اطرد أصلهم فى إظهار واحدة من الألفاظ المذكورة عند جميع حروفها و إدغامها،فإنه يقول فى هذا أظهرها فلان،و أدغمها فلان،ثم يذكر من انقسم مذهبه إلى إظهار و إدغام،فيقول:و أظهر فلان كذا، و أدغم فلان كذا.

و حكمة الواو الفاصلة أن لا تختلط الحروف الدالة على القراء بالحروف المدغم فيها،و لهذا إذا صرح باسم القارئ لا يأتى بالواو،كقوله:و أدغم ورش ضر-ظمئان،و أدغم ورش ظافرا،و إن رمز أتى بالواو،كقوله:

و أظهر-ريا-قوله:واصف جلا،فالواو فى واصف فاصلة بين رمز القراء و الحرف المدغم فيه،و لو لا الواو لم تعرف كلمة رمز القراء من كلمة رمز الحروف،و مثله و أدغم مرو و اكف ضير،و أدغم كهف،وافر سيب،لو لا الواو لكانت الضاد من ضير،و السين من سيب،محتملة أن تكون رمز القارئ و رمز الحرف المدغم فيه،و إذا صرح بالاسم لم يكن إلباس،لأنه قد تمهد من معرفة اصطلاحه أنه لا يجمع بين رمز و مصرح باسمه،و السمو الارتفاع و العلو،كنى به عن ذكر الحروف على وجه ظاهر لا إلباس فيه،بسبب أنه قد فصل بالواو بينها و بين رمز القارئ.

ص: 184

و السيما:العلامة،و راق الشيء:صفا أى أذكر ذلك على طريقة واضحة مستحسنة،و المقبل:التقبيل، أو نفس الثغر،و هو منصوب على التمييز،أو عبر به عن نفس الفم،لأن الفم منه يخرج الكلام،فأشار إلى ما يحصل بالإثبات من العلم،كأنها خاطبتك به،فيحصل منها ما يشفيك،و يروقك:أى يقوم بما تريده منها، و كل هذه الألفاظ استعارات حسنة المعنى متجانسة الألفاظ،نبه بها على حسن ذكره لاختلاف القراء فى هذا الباب،لأنه احتاج فيه إلى زيادة لم يكن محتاجها فى غيره،ثم ذكر أن هذا الصنيع يصنعه أيضا فى غير إذ، من باقى الألفاظ،فقال.

258-[و فى دال قد أيضا و تاء مؤنث و فى هل ويل فاحتل بذهنك أحيلا]

أى أذكر ذلك أيضا فى باقى الألفاظ.

و قوله احتل من الحوالة أو من الحيلة،و أحيلا من الحيلة،يقال:هو أحيل منك،و أحول منك،أى أكبر حيلة،و هو منصوب على الحال،و الذهن:الفطنة و الحفظ،أى احتل بذهنك على ما وعدتك به، أو احتل فى استخراجه.

و هذه الأبيات الأربعة غير وافية بالتعريف بما صنعه فى هذه الأبواب،على ما ستراه،و تهيأ لى مكانها أربعة أبيات لعلها تفى بأكثر الغرض،فقلت:سأذكر ألفاظا أخيرا حروفها البيت،أى الحرف الأخير من كل لفظ منها هو الذى يروى بالإظهار و الإدغام،فهو أولى من نسبة ذلك إلى اللفظ بكماله،ثم ذكرت الألفاظ،فقلت:

فدونك إذ قد بل و هل تا مؤنث لدى أحرف من قبل واو تحصلا

أى أذكر كل واحد منها،و حروفها التى عندها يختلف فى إظهارها و إدغامها؛فإذا تمت الحروف جاءت كلمة أولها واو دليلا على انفصالها.

و قراءها المستوعبين و بعدهم أسمى الذى فى أحرف اللفظ فصلا

أى و دونك القراء الذين استوعبوا الإظهار عند الحروف و الإدغام،أى أول ما أبدأ أن أقول أظهر هذا الحرف عند جميع الحروف،أو أدغم فلان و فلان،و بعد ذلك أذكر من فصل فأدغم فى بعض و أظهر فى بعض، فإذا فرغ ذكر من فصل علمت أن باقى القراء استوعبوا الإدغام فى الجميع،إن كان الأولون أظهروا، و الإظهار إن كان المستوعبون الأولون أدغموا،ثم ذكرت كيفية نظمه لمن استوعب أو فصل من القراء،فقلت:

و يرمز مع واو و بعد حروفه أوائل كلم بعدها الواو فيصلا

أى بعد الفراغ من الرمز للقراء تأتى الواو الفاصلة،فهى بعد المستوعبين فاصلة بين المسائل على ما جرت به العادة فى سائر المسائل،ففصل بها هنا بين المستوعبين و المفصلين،كقوله فإظهارها أجرى دوام نسيمها و أظهر، قالوا و فى أظهر مثال ما ذكرناه،و الواو الآتية بعد رمز المفصلين فاصلة بين القراء و حروفهم التى أدغموا عندها أو أظهروا،فإذا تمت حروف ذلك الرمز جاءت واو أخرى فاصلة بين المسائل،و هى التى تجرى فى سائر المواضع.

فحاصل الأمر أنه احتاج فى هذا الباب إذا ذكر القارئ المفصل بالرمز إلى واوين فاصلتين.

ص: 185

الأولى:بين القارئ و الحروف،و الثانية بين المسائل.و تأتى أمثلة ذلك فى استعماله،و قوله أوائل كلم بيان لكيفية ذكر الحروف،ثم ذكر ذال إذ فقال.

(ذكر ذال إذ)

259-[نعم(إ)ذ(ت)مشت(ز)ينب(ص)ال(د)لّها (س)مىّ(ج)مال واصلا من توصلا]

كأنه قدر أن مستدعيا طلب منه الوفاء بما وعد فى قوله سأذكر،فقال مجيبا:نعم،و هو على عادته فى تضمين الكلمات المأخوذ حروف أوائلها،إما تغزل كما تقدم فى شفا لم تضق،و إما بثناء على صالح كقوله:ترب سهل،و حيث تغزل عنى واحدة من نساء أهل الجنة،على ما هو لائق بحاله رضي اللّه عنه.

وصال بمعنى استطال و وثب،و الدل الدلال،و سمى جمال و إصلاحا لأن من الدل،و السمى الرفيع،و معنى واصلا من توصلا أى يصل من توصلا إليه،أى الحروف التى تدغم فيها ذال إذ هى هذه الستة من التاء إلى الجيم، و واو واصلا فاصلة و أمثلة ذلك:

(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ (1) - وَ إِذْ زَيَّنَ (2) وَ إِذْ صَرَفْنا (3) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ (4) لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ (5) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ 6) .

ثم ذكر من أظهرها فى الكل فقال:

260-[فإظهارها(أ)جرى(د)وام(ن)سيمها و أظهر(ر)يا(ق)و له واصف جلا]

أى أظهر ذال إذ عند جميع حروفها الستة نافع و ابن كثير و عاصم؛و تابعهم الكسائى و خلاّد عند الجيم فقط، و أدغما عند البواقى،و الإظهار فى جميع هذه الأبواب هو الأصل،و وجه الإدغام التخفيف لقرب المخارج، و من فرق جمع بين اللغتين،و قيل ليست الجيم كالبواقى فى القرب من الذال و الواو فى«و أظهر»و فى «واصف»للفصل.

و النسيم الريح الطيبة،و الريا بالقصر:الرائحة الطيبة،و الهاء فى قوله لواصف و ريا،مفعول أظهر،أى أظهر واصفها طيب رائحة قوله،أى لما وصفها واصف،و جلا وصفها أى كشفه.

أظهر بقوله ذلك ثناء عطرا،و ما أظهرته من الجمال و الزينة أجرى دوام نسيمها،ثم ذكر باقى المفصلين الذين أدغموا فى بعض و أظهروا فى بعض،فقال:

261-[و ادغم(ض)نكا واصل توم(د)رّه و ادغم(م)ولى وجده(د)آئم و لا]

أى أدغم خلف عند التاء و الدال،و أظهر عند الأربعة الباقية؛و أدغم ابن ذكوان عند الدال وحدها، و أظهر عند الخمسة الباقية،و باقى القراء،و هم:أبو عمرو،و هشام فقط على الإدغام عند الستة،و الواو فى و أدغم فى الموضعين و فى و لا للفصل بين المسائل،و الواو فى واصل و فى وجده للفصل بين الرمز و الحرف،

********

(1) سورة البقرة،آية:66.

(2) سورة الأنفال،آية:48.

(3) سورة الأحقاف،آية:29.

(4) سورة الحجر،آية:52.

(5) سورة النور،آية:12.

(6) سورة الأحزاب،آية:10.

ص: 186

و الضنك:الضيق،و التوم:جمع تومة؛و هى:الحبة تعمل من الفضة كالدر،أى أدغم الضيق رجل وصل توم دره،و المولى هنا هو الولى المحب،و الوجد بضم الواو:الغنى،و مولى فاعل أدغم.

و قوله وجده دائم:جملة ابتدائية فى موضع الصفة لمولى،أى غناه بها دائم ستر أمره و كتم ضره،و الولا بالكسر:المتابعة،و يكون صفة لمولى أيضا على تقدير ذو و لا،أو يكون محله نصبا على التمييز،أى متابعة دائمة و لو كان و لا بالفتح بمعنى الموالاة لكان حسنا،و كان مفعول أدغم الثانى أى أدغم المولى ولاه و محبته، و يكون موافقا لأدغم الأول،فإن ضنكا مفعوله،و اللّه أعلم.

(ذكر دال قد)

262-[و قد(س)حبت(ذ)يلا(ض)فا(ظ)لّ(ز)رنب (ج)لته(ص)باه(ش)ائقا و معلّلا]

أى و الحروف التى تدغم فيها دال قد و تظهر،فى هذه الثمانية،من السين إلى الشين أمثلتها:

(قَدْ سَمِعَ اللّهُ (1) - وَ لَقَدْ ذَرَأْنا (2) - قَدْ ضَلُّوا (3) - فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ (4) - وَ لَقَدْ زَيَّنَّا (5) - وَ لَقَدْ جاءَهُمْ (6) - وَ لَقَدْ صَرَّفْنا (7) -و قَدْ شَغَفَها حُبًّا 8) .

و الواو فى«و معللا»فاصلة،و الضمير فى سحبت لزينب المقدم ذكرها،و ضفا:طال،و الزرنب:

ضرب من النبات طيب الرائحة،جلته:صباه أى كشفته ريحه،و شائقا:خبر ظل،أى يشوق من وجد ريحه و معللا عطف عليه،أى مرويا لظمائه إليه مرة بعد مرة،أو ملهيا له عن كل شيء يقال علله بالشيء،أى ألهاه به، و الهاء فى جلته لزرنب،و فى صباه للذيل:يعنى أن طيب ريح ذيلها كشف عن طيب الزرنب،و أبان محله، كأنه إذا شم الزرنب تذكر به ريح ذيلها،فيظل الزرنب شائقا و معللا- و للشعراء فى هذا المعنى و ما يقاربه نظوم كثيرة،و اللّه أعلم.

263-[فاظهرها(ن)جم(ب)دا(د)لّ واضحا و أدغم ورش(ض)رّ(ظ)مآن و امتلا]

أى فأظهر دال«قد»عند جميع حروفها:عاصم.و قالون.و ابن كثير،و أدغمها ورش عند الضاد و الظاء فقط،و أظهرها عند باقى الحروف،فهو فى هذا الباب و الذى بعده مفصل،و كان من المستوعبين الإظهار فى ذال إذ،و الواو فى واضحا و امتلأ للفصل و قد تكررت فى الموضعين بواو و أدغم بعدهما.

و النجم يكنى به عن العالم.

264-[و ادغم(م)رووا كف(ض)ير(ذ)ابل (ز)وى(ظ)لّه وغر تسدّاه كلكلا]

أى و فصل ابن ذكوان أيضا فأدغم عند الضاد و الذال و الزاى و الظاء،و أظهر عند الأربعة الباقية.

و الواو فى«واكف»و فى«وغر»فاصلة،و مرو،و اسم فاعل من أروى يروى،و يقال:وكف البيت

********

(1) سورة المجادلة،آية:1.

(2) سورة الأعراف،آية:179.

(3) سورة الأنعام،آية:140.

(4) سورة البقرة،آية:231.

(5) سورة الملك،آية:5.

(6) سورة النحل،آية:113.

(7) سورة الكهف،آية:54.

(8) سورة يوسف،آية:30.

ص: 187

أى قطر،و الضير:الضر،و الذابل:الذاوى،و زوى من زويت الشيء،أى جمعته،و منه زوى فلان المال عن ورثته،و الوغر:جمع وغرة،و هى شدة توقد الحر،و تسداه:أى علاه،و كلكلا بدل من الهاء فى تسداه [بدل البعض من الكل]على حذف الضمير أى كلكله،و الكلكل الصدر أى لم يبق الوغر له ظلا لنحافته و ضره.

265-[و فى حرف زيّنا خلاف و مظهر هشام بص حرفه متحمّلا]

أى اختلف عن ابن ذكوان فى:

(وَ لَقَدْ زَيَّنَّا) .

فروى له فيه الإظهار و الإدغام.

قال صاحب التيسير:روى النقاش عن الأخفش الإظهار عند الزاى،و أظهر هشام:

(لَقَدْ ظَلَمَكَ 1) .

فى ص فقط،و لم تجىء دال قد عند الزاى إلا فى:

(وَ لَقَدْ زَيَّنَّا 1) .

الذى فيه الخلاف لابن ذكوان،فلهذا لم يضره تخصيص لفظ زينا،و أما دال قد عند الظاء؛فجأت فى غير حرف ص،فلهذا قيد بص،و ليس فيها غير هذا الموضع،فتعين.

فقد صار ابن عامر بكماله مفصلا،أدغم بعضا و أظهر بعضا،و ورش كذلك،و الباقون و هم:أبو عمرو و حمزة،و الكسائى،أدغموها فى الجميع،و هشام مبتدأ و مظهر خبره مقدم عليه،و حرفه مفعول بالخبر، و متحملا حال أى تحمل هشام ذلك،و نقله،و الهاء فى حرفه تعود على هشام،لأنه لم يظهر غير هذا الموضع، فهو حرفه الذى اشتهر بإظهاره،و لو عاد على ص لقال حرفها،و اللّه أعلم.

(ذكرت تاء التأنيث)

266-[و أبدت(س)نا(ث)غر(ص)فت(ز)رق(ظ)لمه (ج)معن ورودا باردا عطر الطّلا]

أى تاء التأنيث الساكنة المتصلة بالأفعال فى أى كلمة وقعت اختلفوا فى إظهارها و إدغامها عند هذه الحروف الستة،من السين إلى الجيم؛و تجمع أمثلتها بهذا البيت.

مضت كذبت لهدمت كلما خبت و مع نضجت كانت لذلك مثلا

أى هذا المذكور مثل ذلك،و إنما نظمتها لأن أمثلتها تصعب،لأنها ليست بلفظ واحد،فيستذكر به ما بعده، بخلاف:إذ،و قد.

و قد أتيت بالأمثلة على ترتيب الحروف المذكورة فى البيت،إلا أن الجيم قد تقدمت على الظاء،و هى:

********

(1) آية:24.

ص: 188

(مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (1) - كَذَّبَتْ ثَمُودُ (2) - لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ (3) - كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ (4) - نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ (5) - كانَتْ ظالِمَةً 6) .

و الواو فى ورودا فاصلة،ثم تمم البيت بما يلائم معناه المقصود بظاهر اللفظ.

و الضمير فى أبدت لزينب،و السنا:الضوء،و الثغر:ما تقدم من الأسنان،و زرق:جمع أزرق بوصف الماء لكثرة صفائه بذلك،و يقولون:نطفة زرقاء،أى صافية،و قال زهير:

فلما وردن الماء زرقا حمامه و ضعن عصى الحاضر المتخيّم

و الظلم:ماء الأسنان،و بريقها هو كالسواد داخل عظم السن من شدة البياض،كفر ند السيف و قال الشاعر:

إلى شنباء مشربة الثّنايا بماء الظّلم طيّبة الرّضاب

الشنباء:ذات الشنب،و هو حدة في الأسنان حين تطلع،يراد حداثتها،و قيل.هو بردها و عذوبتها.

و الرضاب:الريق.

و قوله جمعن:يعنى الزرق،ورودا:أى ذا ورود،يعنى الريق،و الورود:الحضور،ثم وصفه بأنه بارد عطر،و الطلاء بالمد:ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه،و يسمى به الخمر أيضا،و العطر:الطيب الرائحة،و من عادة الشعراء تشبيه الريق بالخمر لجلالتها عند الجاهلية،و تبعهم فى ذلك من بعدهم من الشعراء.

قال الشيخ:أو يكون الطلا بمعنى الشفا،من طلا الإبل،قلت:و قصره فى الوقف على ما مضى فى أجذم العلا،و اللّه أعلم.

267-[فإظهارها(د)رّ(ن)مته(ب)دوره و أدغم ورش(ظ)افرا و مخوّلا]

أى أظهرها عند جميع حروفها الستة ابن كثير و عاصم و قالون،و هم الذين أظهروا دال قد عند حروفها الثمانية و إنما غاير بين ألفاظ الرمز فى الموضعين،كما غاير فى عبارة الإظهار بين اللفظين،فقال فى دال قد،فأظهرها نجم بجملة فعلية،و قال هنا بجملة اسمية حذرا من تكرار الألفاظ و اشتراكها،و معنى نمته:رفعته،و أدغم ورش عند الظاء فقط،كما فعل فى دال قد،إلا أنه ليس هنا ضاد معجمة،و أظهرها عند الباقى،و المخول:

الملك،و كما اتحد فى البابين أسماء المستوعبين للإظهار اتحد أيضا المستوعبون للإدغام،فهم:أبو عمرو و حمزة و الكسائى،و اتحد أيضا من فصل،و هو ابن عامر،و ورش،و قد تمم ذلك بقوله:

268-[و أظهر(ك)هف وافر(س)يب(ج)وده (ز)كىّ وفىّ عصرة و محلّلا]

أى و ظهر ابن عامر عند ثلاثة:السين و الجيم و الزاى و الواو فى وافر،و فى قوله وفىّ فاصلة،و العصرة الملجأ،و المحلل المكان الذى يحل فيه،و هما حالان من فاعل و أظهر،أى الذى أظهر كان بهذه الصفات تشدّ

********

(1) سورة الأنفال،آية:28.

(2) سورة الحاقة،آية:4.

(3) سورة الحج،آية:40.

(4) سورة الإسراء،آية:97.

(5) سورة النساء آية:56.

(6) سورة الأنبياء،آية:11.

ص: 189

إليه الرحال و يقتبس من فوائده،و السيب:العطا و قد تقدم:أى عطاؤه وافر،وصف الكهف بثلاث صفات:و هى أنه وافر العطا،و أنه زكىّ،وفىّ ،ثم نصب عنه حالين لأجل القافية و إلا كانتا صفتين، و اللّه أعلم.

269-[و أظهر راويه هشام لهدّمت و فى وجبت خلف ابن ذكوان يفتلا]

أى راوى مدلول كهف أى أظهر هشام راوى ابن عامر:

(لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ 1) .

زيادة على ما مضى دون باقى مواضع الصاد نحو:

حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ (2) -و فى- وَجَبَتْ جُنُوبُها 3) .

خلاف لابن ذكوان دون قوله تعالى:

(نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ 4) .

فإنه يظهره على أصله.

و قوله يفتلى أى يتدبر و يبحث عنه،من فليت الشعر،إذا تدبرته و استخرجت معانيه،و كذلك فليت شعر الرأس و فليته،شدد للتكثير،و إنما قال ذلك لأن الإظهار هو المشهور عن ابن ذكوان،و عليه أكثر، الأئمة،و لم يذكر فى التيسير غيره،و ذكر الإدغام فى غير التيسير فى قراءته على فارس ابن أحمد لابن ذكوان و هشام معا،و ذكر أبو الفتح فى كتابه عن هشام الإدغام فيه،و عن ابن ذكوان الإظهار عند الجيم،حيث وقع؛فقد صار الخلاف فى-وجبت جنوبها-عن ابن عامر بكماله و الأولى الإظهار على ما أطلقه فى البيت الأول.

(ذكر لام«و هل»و«بل»)

270-[ألا بل و هل(ت)روى(ث)نا(ظ)عن(ز)ينب (س)مير(ف)واها(ط)لح(ض)ر و مبتلا]

أى لام هاتين الكلمتين لها هذه الحروف الثمانية،من التاء إلى الضاد،اختلف فى إدغامها و إظهارها عندها و كذا أطلق غيره هذه العبارة،و هى موهمة أن كل واحدة من الكلمتين تلتقى مع هذه الثمانية فى القرآن العزيز، و ليس كذلك؛و إنما تختص كل واحدة منها ببعض هذه الحروف،و تشتركان فى بعض،فمجموع ما لها ثمانية أحرف،واحد يختص بهل،و هو الثاء نحو:

-هل ثوّب- و خمسة تختص«ببل»و هى السين،و الظاء،و الضاد،و الزاى،و الطاء،نحو:

-بل سوّلت-بل ظننتم-بل ضلوا-بل زيّن-بل طبع اللّه.

********

(1) سورة الحج،آية:40.

(2) سورة النساء،آية:90.

(3) سورة الحج،آية:26.

(4) سورة النساء،آية:56.

ص: 190

و اثنان لهما معا،و هما التاء و النون نحو-هل ترى-بل تأتيهم.

(هل ننبئكم بل نحن).

فلو أن الناظم قال:

ألا بل و هل،تروى نوى،هل ثوى،و بل سرى،ظل ضر زائد،طال و ابتلا

لزال ذلك الإيهام،أى لام هل و بل،لهما التاء و النون،و لهل وحدها الثاء،و ليل الخمسة الباقية، و الأحرف تنبيه يستفتح به الكلام،ثم قال:بل،فأضرب عن الأول،و هو الإخبار؛ثم استفهم،فقال:

هل تروى،أى هل تروى هذا الكلام الذى أقوله،و هو:ثنا ظعن زينب،إلى آخره،كأنه يستدعى منه أن يسمعه ذلك؛و معنى ثنا:كف و صرف؛و الظن:السير،و السمير و المسامر:هو المحدث ليلا،و أضافه إلى نواها لمخالطته إياه،كأنه يسامره أى سير زينب صرف محبها عن حاجته،و الطلح بكسر الطاء:الغبى، و أضافه إلى الضر؛لأنه منه نشأ،و هو منصوب على الحال من سمير نواها،و مبتلا عطف عليه أى صرفته فى هذه الحال،و يجوز أن يكون ضمن ثنى:معنى صير،فيكون طلح ضر مفعولا ثانيا،و اللّه أعلم بالصواب.

271-[فأدغمها(ر)او و أدغم فاضل و قور(ث)ناه(س)رّ(ت)يما و قد حلا]

أى فأدغم لا مهما الكسائى عند جميع الحروف،و الباقون على إظهارها عند الجميع،إلا حمزة و أبا عمرو و هشاما،فإنهم فصلوا فأدغموا فى بعض،و أظهروا فى بعض.

أما حمزة فأدغم فى ثلاثة أحرف:الثاء،و السين،و التاء،و أظهر عند البواقى،و الواو فى وقور،و فى و قد حلا،فاصلة،و الوقور ذو الحلم و الرزانة،و تيم اسم قبيلة مستقلة من غير قريش،و ينسب حمزة إليها بالولاء أو بالنسب،فقد وافق التضمين معنى لائقا بالقارئ،أى ثناؤه سر قومه و مواليه،و الثناء ممدود، و إنما قصره فى قوله ثناء،و اللّه أعلم بالصواب.

272-[وبل فى النّسا خلّادهم بخلافه و فى هل ترى الإدغام حبّ و حمّلا]

أى أن خلادا له خلاف فى قوله تعالى:

(بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْها 1) .

فى سورة النساء و أدغم أبو عمرو-هل ترى-و هو فى موضعين:

- هَلْ تَرى مِنْ 2فُطُورٍ - فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (3) -.

و أظهر باقى جميع هذا الباب.

********

(1) الآية:155.

(2) سورة الملك،آية:3.

(3) سورة الحاقة،آية:8.

ص: 191

273-[و اظهر لدى واع(ن)بيل(ض)ماته و فى الرّعد هل و استوف لا زاجرا هلا]

أى أظهر هشام عند النون و الضاد مطلقا،و عند التاء فى الرعد،فى قوله تعالى:

(أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ 1) .

و أدغم الباقى،و لم يدغم أحد الذى فى الرعد،لأن حمزة و الكسائى يقرءان:

(يستوى).

بالياء،و هما أهل الإدغام،أو هشام استثناه،لأنه يقرؤه بالتاء،و باقى القراء أهل الإظهار،و الواو فى واع و استوف فاصلة،أى و استوف جميع هذا الباب غير زاجر بهلا؛و هى كلمة يزجر بها الخيل،فحذف الخافض،و التقدير لا قائلا هلا،لأن الزجر قول،فعداه تعديته،و المعنى خذه بغير كلفة و لا تعب لأنى قد أوضحته و قربته إلى فهم من أراده،و اللّه أعلم.

باب اتفاقهم فى إدغام:إذ،و قد،و تاء التأنيث،و هل،و بل

هذا الباب ليس فى التيسير،و هو من عجيب التبويب فى مثل هذا الباب،فإنه لم ينظم هذه القصيدة إلا لبيان مواضع خلاف القراء،لا لما أجمعوا عليه،فإن ما أجمعوا عليه أكثر مما اختلفوا فيه،فذكر ما أجمعوا عليه يطول،و لكن قد يعرض فى بعض المواضع ما يختلفون فيه و ما يجمعون عليه،و الكل من باب واحد،فينص على المجمع عليه مبالغة فى البيان،و لأن من هذا الباب ما أجمعوا على إظهاره فى الأنواع كلها نحو:

-إذ قالوا-قد ترى-و قالت لأخته-هل ينصرونكم-بل قالوا-بل هو شاعر -بل أدركه-.

و ما أجمعوا على إدغامه و ما اختلفوا فيه،فلما ذكر المختلف فيه بقى المجمع عليه،و هو منقسم إلى مدغم و مظهر،فنظم المدغم لقلته،فبقى ما عداه مظهرا.

274-[و لا خلف فى الإدغام إذ(ذ)لّ(ظ)الم و قد(ت)يّمت(د)عد و سيما تبتّلا]

أى أدغموا ذال إذ فى مثلها نحو:

(إِذْ ذَهَبَ) .

و فى الظاء،لأنها من مخرجها نحو:

(إِذْ ظَلَمْتُمْ) .

و أدغموا دال قد فى مثلها نحو:

(وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) .

********

(1) سورة البقرة،آية:16.

ص: 192

و فى التاء لأنها من مخرجها نحو:

(وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي) .

و لم يقع فى القرآن إذ عند الثاء المثلثة،و لا عند الطاء المهملة؛و إلا لوجب الإدغام للموافقة فى المخرج، و الوسيم:الحسن الوجه،و تبتل:أى انقطع،و كذلك لا خلاف فى إظهار ذال إذ،و دال قد،عند خمسة أحرف يجمعها.بل نفر:

275-[و قامت(ت)ريه(د)مية(ط)يب وصفها و قل بل و هل(ر)اها(ل)بيب و يعقلا]

أى و لا خلاف فى إدغام تاء التأنيث فى مثلها،و فى الحرفين اللذين من مخرج التاء،و هما الدال و الطاء المهملتان نحو:

(رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ (1) وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ (2) فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ (3) أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما (4) فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ كَفَرَتْ طائِفَةٌ (5) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ 6) .

و الواو فى وصفها فاصلة،و قد تكررت،و الدمية الصورة من العاج و نحوه،و تشبه بها المرأة،و جمعها دمى،ثم ذكر أن اللام من هل و بل،واجبة الإدغام فى مثلها نحو:

(بَلْ لا تُكْرِمُونَ - فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ) .

و فى الراء لقربها منها؛نحو:

(بَلْ رانَ -هل رأيتم).

و اللام من-قل-مثلهما فى ذلك نحو:

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ - قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ) .

فيجوز أن يكون قصد ذلك فى قوله-و قل-بل-و هل-أى لام هذه الكلمات الثلاث،تدغم فى مثلها،و فى الراء و يجوز أن يكون لم يقصد ذلك،و إنما وقع منه كلمة-و قل-تتميما للنظم،كما وقع مثل ذلك فى كلم عديدة من هذه القصيدة،و هذا الوجه هو الظاهر،لأن الباب معقود فيما اتفق عليه من إدغام ما سبق الخلاف فيه،و الذى سبق ذكره من اللامات المختلف فيها هو:لام بل،و هل،و لم يجمع هذا الباب ذكر جميع ما اتفق عليه،و لهذا لم يذكر-قل-فى ترجمة الباب.

فإن قلت لم أدغم-هل ترى-بل تأتيهم و لم يدغم-قل تعالوا-قلت:لأن قل فعل قد أعل بحذف عينه، فلم يجمع إلى ذلك حذف لامه بالإدغام من غير ضرورة،و بل و هل كلمتان لم يحذف منهما شيء فأدغم لامهما.

فإن قلت:فقد أجمعوا على إدغام-قل ربى-قلت لشدة القرب بين اللام و الراء،و بعد اللام من التاء، و اللّه أعلم.

********

(1) سورة البقرة،آية:16.

(2) سورة الكهف،آية:17.

(3) سورة الأعراف،آية:189.

(4) سورة يونس،آية:89.

(5) سورة الصف،آية:14.

(6) سورة آل عمران،آية:69.

ص: 193

و قوله رآها بألف بعد الراء،أراد راءها بهمزة بعد الألف؛مقلوب رآها بألف بعد الهمزة،و كلاهما لغة كقوله و يلمه لو راءه مروان،فقصر الناظم الممدود من هذه اللغة و نصب قوله و يعقلا على جواب الاستفهام بالواو،و اللّه أعلم.

276-[و ما أول المثلين فيه مسكّن فلا بدّ من إدغامه متمثّلا]

لما ذكر أن الذال من«إذ»و الدال من«قد»و تاء التأنيث،و اللام من«بل»«و هل»تدغم كل واحدة فى مثلها،خاف أن يظن أن ذلك مختص بهذه الكلمات،فتدارك ذلك بأن عمم الحكم،و قال:كل مثلين التقيا و أولهما ساكن فواجب إدغامه فى الثانى لغة و قراءة،و سواء كان ذلك فى كلمة،نحو-يدرككم الموت-أو فى كلمتين نحو:

-ما تقدّم-.

و لا يخرج من هذا العموم إلا حرف المد نحو:

(وَ أَقْبَلُوا (1) -فى يومين).

فإنه يمد عند القراء،و لا يدغم،و قرأت فى حاشية نسخة قرئت على المصنف رحمه اللّه قوله متمثلا:يريد متشخصا لا هوائيا،و احترز بهذا عن الياء و الواو إذا كانتا حرفى مد.

قلت:و هذا احتراز فيه بعد من جهة أن متمثلا غير مشعر بذلك إذا أطلق،و اللّه أعلم.

(و فى مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ 2) .

خلاف،و المختار الوقف على ماليه،فإن وصل لم يتأت الوصل إلا بالإدغام أو تحريك الساكن،و قال مكى فى التبصرة:يلزم من ألقى الحركة فى:

(كتابيه إنّى-أن يدغم-ماليه هلك).

لأنه قد أجراها مجرى الأصلى حين ألقى الحركة و قدر ثبوتها فى الوصل.

قال:و بالإظهار قرأت و عليه العمل،و هو الصواب إن شاء اللّه تعالى.

قلت:يعنى بالإظهار أن يقف على-ماليه-وقفة لطيفة و أما إن وصل فلا يمكن غير الإدغام أو التحريك و إن خلا اللفظ من أحدهما كان القارئ واقفا و هو لا يدرى بسرعة الوصل،و إن كان الحرفان فى كلمة واحدة مختلفتين،إلا أنهما من مخرج واحد،نحو:

(حصدتم-و-وعدتّم-و-أ لم نخلقكم-و-إن طردتهم).

فالإدغام لكونهما من مخرج واحد فى كلمة واحدة،ذكره الشيخ فى شرحه و هذا مما يدل على أن الساكن من المثلين و المتقاربين أثقل من المتحرك؛حيث أجمع على إدغام الساكن و اختلف فى إدغام المتحرك،و نظير هذا ما تقدم من اجتماع الهمزتين و الثانية ساكنة،فإنهم أوجبوا إبدالها،و إن كانت متحركة جوزوا تسهيلها و لم

********

(1) سورة يوسف،آية:71.

(2) سورة المعارج،آية:29.

ص: 194

يوجبوه،و ما ذكرناه من أن حرف المد لا يدغم،قد ادعى فيه أبو على الأهوازى الإجماع،فقال فى كتابه الكبير المسمى بالإيضاح:المثلان إذا اجتمعا و كانا واوين قبل الأولى منهما ضمة،أو ياءين قبل الأولى منهما كسرة،فإنهم أجمعوا على أنهما يمدان قليلا،و يظهران بلا تشديد و لا إفراط فى التلبين،بل بالتجويد و التبيين،مثل:

(آمَنُوا وَ كانُوا (1) - فِي يُوسُفَ - فِي يَتامَى النِّساءِ 2) .

قال:و على هذا وجدت أئمة القراءة فى كل الأمصار و لا يجوز غير ذلك،فمن خالف هذا فقد غلط فى الرواية و أخطأ فى الدراية.

قال:فأما الواو إذا انفتح ما قبلها و أتى بعدها واو من كلمة أخرى،فإن إدغامها حينئذ إجماع مثل:

(عفوا و قالوا-عصوا و كانوا-آووا و نصروا-و اتّقوا و آمنوا).

و نحو ذلك،و ذكر أن بعض شيوخه خالف فى هذا،و اللّه سبحانه أعلم.

باب حروف قربت مخارجها

هذه العبارة من الناظم،و سبقه إليها غيره،و إنما ذكر صاحب التيسير ما فى هذا الباب فى فصل و كذا الباب الذى بعده فى فصل آخر،و فى هذه العبارة بحث،و ذلك أن جميع ما سبق هو إدغام حروف قربت مخارجها، فما وجه اختصاص ما فى هذا الباب بهذه العبارة،و لو كان زادها لفظ«أخر»فقال«باب حروف أخر» قربت مخارجها»لكان حسنا،و وجه ما ذكره أن الذى سبق هو كما نبهنا عليه فى أول الباب:إدغام حرف عند حروف متعددة من كلمات،و الذى فى هذا الباب هو إدغام حرف فى حرف،كالباء فى الفاء،و عكسه فى عكسه،و اللام فى الذال؛و الذال فى التاء،و الراء فى اللام،و الباء فى الميم،أو فى حرفين كالثاء فى التاء، و الذال نحو:

(أُورِثْتُمُوها - لَبِثْتُمْ - يَلْهَثْ ذلِكَ) .

و الدال فى الثاء و الذال،نحو:

(يُرِدْ ثَوابَ -ص ذكر).

و النون فى الواو و الميم،نحو:

(يس وَ الْقُرْآنِ - ن وَ الْقَلَمِ - طسم) .

فكأنه نزل ما فى هذا الباب منزلة فرش الحروف من أبواب الأصول،لقلة حروفه و دوره،أى باب حروف منشورة فى مواضع مخصوصة،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة يوسف،آية:57.

(2) سورة النساء،آية:127.

ص: 195

277-[و إدغام باء الجزم فى الفاء(ق)د(ر)سا (ح)ميدا و خيّر فى يتب(ق)اصدا و لا]

أضاف الباء إلى الجزم الداخل عليها،أراد الباء المجزومة،و هى فى خمسة مواضع،أما ثلاثة منها فالباء فيها مجزومة بلا خلاف عند النحويين:

(أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ (1) وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ (2) وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ 3) .

و الموضعان الآخران الباء فيهما مجزومة عند الكوفيين دون البصريين،و هما:

(قالَ اذْهَبْ فَمَنْ - فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ) .

فلأجل الاختصار سمى الكل جزما،و اختار قول الكوفيين،و البصريون يسمون نحو هذا وقفا،فلو عبر عن الكل بالوقف لكان خطأ،لأن أحدا لم يقل فى الثلاثة الأول إنها موقوفة،و الاختصار منعه أن ينص على كل ضرب باسمه و صفته،أى أدغم الباء الموصوفة فى الفاء خلاد و الكسائى،و أبو عمرو،و لخلاد خلاف فى قوله تعالى فى الحجرات:

(وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ) .

و عبر عن الخلاف بلفظ التخيير،إذ لا مزية لأحد الوجهين على الآخر،فأنت فيها مخير،لأن الكل صحيح و مثله ما تقدم فى سورة الفاتحة،«و قالون بتخييره جلا»و هذه عبارة صاحب التيسير هنا،فإنه قال:

و خير خلاد فى:

(وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ) .

و أظهر ذلك الباقون،و أثنى على الإدغام بأنه«قد رسا حميدا»أى ثبت محمودا،خلافا لمن ضعفه هنا، و قاصدا حال،و الولاء بالفتح،النصر،أى قاصدا بالتخيير نصر الوجهين المخير فيهما.

فإن قلت:لم قال:و إدغام باء الجزم.

قلت:لأن الباء غير مجزومة لم تدغم إلا فى رواية شاذة عن أبى عمرو فى الإدغام الكبير،لأنه إدغام متحرك لا ريب فيه:

(وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما - مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ) .

278-[و مع جزمه يفعل بذلك(س)لّموا و نخسف بهم(ر)اعوا و شذّا تثقلا]

الهاء فى جزمه ليفعل لأنه مؤخر فى المعنى،نحو:فى بيته يؤتى الحكم،أى:و إدغام لفظ يفعل مع جزمه أى حال كونه مجزوما،و حرف العطف كما يجوز دخوله على الجملة يدخل أيضا على ما يتعلق بها نحو قوله تعالى:

(وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ 4) .

أى و ترى يوم،و معناه أدغم أبو الحارث عن الكسائى اللام المجزومة من يفعل ذال«ذلك»و هو:

********

(1) سورة النساء،آية:74.

(2) سورة الرعد آية:5.

(3) سورة الحجرات،آية:11.

(4) سورة الزمر،آية:60.

ص: 196

(وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) .

فى ستة مواضع فى القرآن فى البقرة،و آل عمران،و فى النساء موضعان،و فى سورة المنافقين،و الفرقان فإن لم يكن يفعل مجزوما لم يدغم نحو:

(فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ 1) .

و قوله سلموا أى سلموه من الطعن بما احتجوا له به.

(و يخسف بهم).

فى سورة سبأ،راعوا إدغامه،أى راقبوه فقرءوا به،و لم يلتفتوا إلى من رده أى أدغم الفاء المجزومة فى الباء الكسائى وحده،فإن تحركت لم تدغم،نحو:

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ 2) .

و الألف فى قوله«و شذا»ضمير يفعل و يخسف:أى شذ إدغام هذين الحرفين عند أهل النحو،فهم يضعفونه،و تثقلا:أى إدغاما،و هو تمييز:أى و شذ إدغامهما أو حال على تقدير ذوى تثقل:

279-[و عذت على إدغامه و نبذتها شواهد(ح)مّاد و أورثتوا(ح)لا]

280-[(ل)ه(ش)رعه و الرّاء جزما يلامها كو اصبر لحكم(ط)ال بالخلف(ي)ذبلا]

أى أدغم حمزة و الكسائى،و أبو عمرو الذال فى التاء فى كلمتين،و هما:

(وَ إِنِّي عُذْتُ 3) .

فى غافر الذنب؛و الدخان،و فى طه:

(فَنَبَذْتُها 4) .

و أدغم الثاء فى التاء فى:

(أُورِثْتُمُوها 5) .

فى الأعراف و الزخرف هؤلاء مع هشام و نبذتها عطف على الهاء فى إدغامه أى على إدغام عذت و إدغام نبذتها، شواهد حماد،أو التقدير و نبذتها كذلك،و الضمير فى له لحماد،أى شواهد قارئ كثير الحمد،و شواهد حماد و حلا له شرعه،كلام حسن ظاهرا و باطنا،و معنى شرعه طريقه،و الراء جزما أى مجزومة،أى ذات جزم؛و نصبه على الحال،أى أدغمت فى حال جزمها بلامها،أى فى اللام المعهود إدغامها فيها،كما سبق فى الإدغام الكبير نحو:

(وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ (6) - أَنِ اشْكُرْ لِي (7) - يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ 8) .

********

(1) سورة البقرة،آية:85.

(2) سورة الأنبياء،آية:18.

(3) سورة،آية:27.

(4) سورة غافر،آية:96.

(5) سورة الأعراف،آية:43.

(6) سورة الطور،آية:48.

(7) سورة لقمان،آية:14.

(8) سورة نوح،آية:4.

ص: 197

أدغمها السوسى لأنه يدغمها متحركة،فساكنة أولى،و عن الدورى خلاف،لأن الساكن يدغم منه ما لا يدغم من المحرك،على ما سبق فى الياء و اللام و الفاء،و لم يذكر صاحب التيسير هذا التفصيل؛بل ذكر الإدغام عن أبى عمرو نفسه،و قال بخلاف بين أهل العراق فى ذلك،و يذبل اسم جبل،أى طال الإدغام فى شهرته عن أبى عمرو و يذبل،أى علاء،خلافا لما قاله النحاة.

و إلى هنا ثم كلام الناظم فى الإدغام فيأخذ للباقين الإظهار فى جميع ذلك،ثم عبر فى المواضع الباقية من هذا الباب بالإظهار،فيأخذ للمسكوت عنه الإدغام فقال:

281-[و يس اظهر(ع)ن(ف)تى(ح)قه(ب)دا و ن و فيه الخلف عن ورشهم خلا

حرك النون من هيجاء ياسين و ن بالفتح؛و حقها أن ينطق بها ساكنة على الحكاية،و إنما فعل ذلك لضرورة الشعر،إذا الساكنان لا يلتقيان فى حشو النظم؛و كذا نون من:

(طس).

كما يأتى و دال صاد مريم،و اختار حركة الفتح على حد قوله فى أول آل عمران:

(الم اَللّهُ) .

فإنه لما وجب تحريك الميم للساكن بعدها فتحت،فكذا فى هذه المواضع،و لا يجوز أن يكون إعرابها ففتحها،لأنه مفعول به،كما تعرّب المبنيات من الحروف عند قصد الألفاظ كما يأتى فى شرح قوله و كم لو وليت لأنه لو قصد ذلك لنون،إذ لا مانع من الصرف على هذا التقدير،لأنه لم يرد اسم السورة،و إنما أراد هذا اللفظ و الوزن مستقيم له فى-يس-و-ن-فيقول:و ياسينا أظهر،بنقل حركة همزة أظهر إلى التنوين،ثم يقول:

و نونا،ثم هو على حذف مضاف؛أى و نون ياسين أظهر،و كذا نون نون،و دال صاد،و نون طس؛ و كان ينبغى أن يذكر النون من هذه الحروف فى باب أحكام النون الساكنة و التنوين،لأنه منه،و فرع من فروعه،و إنما ذكره هنا لأجل صاد مريم؛لئلا يتفرق عليه ذكر هذه الحروف،و لم يذكرها صاحب التيسير إلا فى مواضعها من السور،أى أظهر النون من:

(يس و- ن) .

حفص،و حمزة،و ابن كثير،و أبو عمرو،و قالون،و أدغم الباقون،و عن ورش وجهان فى نون:

(ن وَ الْقَلَمِ) خاصة.

و معنى خلا:مضى،أى سبق ذكر المتقدمين له،و وجه الإدغام فى ذلك ظاهر،قياسا على كل نون ساكنة قبل واو،على ما يأتى فى الباب الآتى،و وجه الإظهار:أن حروف الهجاء فى فواتح السور و غيرها حقها أن يوقف عليها مبينا لفظها،لأنها ألفاظ مقطعة غير منتظمة،و لا مركبة،و لذلك بنيت و لم تعرب:

282-[و(حرمىّ)(ن)صر صاد مريم من يرد ثواب لبئت الفرد و الجمع وصّلا]

أى أظهر نافع و ابن كثير و عاصم جميع ما فى هذا البيت،و هو ثلاثة أحرف:الدال من هجاء صاد فى:

ص: 198

(كهيعص ذِكْرُ) .

و لا خلاف فى إظهارها من:

(وَ الْقُرْآنِ 1) .

فلهذا ميزها منها بقوله:صاد مريم،و أظهروا الدال عند الثاء المثلثة من قوله:

(وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ 2) .

حيث وقع،و أظهروا الثاء عند التاء من-لبثت-كيفما وقع،فردا و جمعا،فالفرد-لبثت-بضم التاء و فتحها نحو:

(قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ 3) و الجمع نحو قال: (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً 4) دون قوله (لَبِثْنا يَوْماً 5) .

فهو و إن كان جمعا إلا أنه ليس فيه تاء،و المدغم إنما هو الثاء عند التاء،لأن المثال الذى ذكره كذلك، و هو لبثت،ثم قال:الفرد و الجمع يعنى من هذا اللفظ دون غيره،و قوله صاد مريم مفعول وصل فى آخر البيت،و كذا ما بعده،و لهذا نصب نعت لبثت،و هو الفرد و الجمع،أى وصل هذا المجموع،و يجوز أن يكون ذلك مفعول فعل مضمر،أى أظهر صاد مريم و ما بعده،لأن الكلام فى الإظهار،و يقع فى بعض النسخ الفرد و الجمع بالضم.

قال الشيخ رحمه اللّه،هو مثل:

(وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ 6) .

فى قراءة ابن عامر،و لا حاجة إلى العدول عن النصب عطفا على صاد مريم،لأن حكم الكل واحد، فلا معنى لقطع بعضه عن بعض،و اللّه أعلم.

ثم قال:وصل،أى وصل هذه الجملة إلينا بالإظهار و الضمير فى وصل عائد على لفظة«حرمى نصر»،لأنه مفرد دال على مثنى كما سبق تقريره فى الرموز؛فهو كقوله فى موضع آخر:حرميه كلا؛و لا تكون الألف فى وصلا ضمير تثنية،لأن القارئ ثلاثة لا اثنان،فلم يبق إلا أن تكون الألف للإطلاق:

383-[و طس عند الميم(ف)ازا اتخذتم أخذتم و فى الإفراد(ع)اشر(د)غفلا]

أى و نون-طس-فاز بالإظهار عند الميم يعنى-طسم-فى أول الشعراء و القصص،احترازا من الذى فى أول النمل،فإن نونه مظهرة بلا خلاف،و الفاء رمز حمزة،و أظهر حفص و ابن كثير الذال من نحو:

********

(1) سورة ص،آية:1.

(2) سورة آل عمران،آية:145.

(3) سورة البقرة،آية:259.

(4) سورة المؤمنون،آية:114.

(5) سورة المؤمنون،آية:113.

(6) سورة النساء،آية:95،و سورة الحديد آية:10.

ص: 199

(اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللّهِ (1) - وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي 2) .

فهذا ضمير الجمع،ثم قال:و فى الإفراد،يعنى نحو:

(فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (3) لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي (4) - لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (5) - ثُمَّ أَخَذْتُها وَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ 6) .

و تقدير الكلام إظهار اتخذتم فى الجميع،و فى الإفراد عاشر دغفلا،و يقال عيش دغفل،أى واسع و عام دغفل أى مخصب،يشير إلى ظهور الإظهار و سعة الاحتجاج له و لا مانع من توهم أن إظهار اتخذتم و أخذتم لفاز، ثم قال و فى الإفراد حفص و ابن كثير و الواو فصل.

284-[و فى اركب(ه)دى(ب)رّ(ق)ريب بخلفهم

(ك)ما(ض)اع(ج)ا يلهث(ل)ه(د)ار(ج)هّلا

أى و الإظهار فى اركب هدى قارئ ذى بر متواضع،يعنى قوله تعالى فى سورة هود:

(ارْكَبْ مَعَنا) .

أظهر الباء البزى و قالون و خلاد بخلف عنهم،و أظهرها ابن عامر و خلف و ورش بلا خلاف،و أظهر الثاء من:

(يَلْهَثْ ذلِكَ 7) .

هشام و ابن كثير و ورش،و يلهث موضعان فى الأعراف،الخلاف فى الثانى منهما،و الأول لا خلاف فى إظهار ثائه،فكان ينبغى أن يقيده كما قيد صاد مريم.

فإن قلت:الثاء لا تدغم فى الهمزة،فلهذا اغتفر أمرها،قلت:و الدال لا تدغم فى الواو،فهلا اغتفر أمرها؛و البر بفتح الباء ذو البر،و ضاع أى انتشر و اشتهر،من ضاع الطيب:إذا فاحت رائحته،و دار فعل أمر من دارى يدارى،و جهلا جمع جاهل،و ما أطبع اقتران هذه الكلمة فى الظاهر،كما ضاع جايلهث:

285-[و قالون ذو خلف و فى البقرة فقل يعذّب(د)نا يا لخلف(ج)ودا و موبلا

قد تقدم فى شرح الخطبة:أنه إنما سمى قالون هنا بعد الرمز؛لأنه يذكر الخلف له،كأنه مستأنف مسألة أخرى،كقوله و بصروهم أدرى،و لهذا قال:ذو خلف بالرفع،لأنه خبر،و قالون الذى هو مبتدأ،و لو عطف قالون على ما قبله لقال ذا خلف نصبا على الحال،يعنى لقالون خلاف فى الثاء من يلهث،و أما:

(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ 8) .

فى آخر البقرة؛فابن عامر و عاصم يضمان الباء كما سيأتى فى موضعه،و الباقون من القراء يسكنونها،ثم

********

(1) سورة الجاثية،آية:35.

(2) سورة آل عمران،آية:81.

(3) سورة المؤمنون،آية:5.

(4) سورة الشعراء،آية:186.

(5) سورة الكهف،آية:77.

(6) سورة الحج،آية:18.

(7) سورة الأعراف،آية:176.

(8) الآية:281.

ص: 200

ثم انقسموا،فمنهم من أظهرها،و هو ورش،و عن ابن كثير خلاف،و أدغم الباقون،و أسكن الناظم الهاء من البقرة ضرورة،و كذا ما يأتى مثله،و هو جائز للشاعر فى الضرورة،قال الراجز:

لمّا رأى أن لا دعه و لا شبع

و الجود:المطر الغزير،و نصبه على الحال،أى ذا جود،و موبلا عطف عليه،و هو اسم فاعل،من أو بلا و قد استعمل فعله فى سورة الأنعام،فقال:

(حمى صوبه بالخلف درّ و أوبلا) و المعروف:بلت السماء فهى وابلة،و الوابل:المطر الغزير،فيجوز أن يكون أوبلا مثل أغدّوا جرب أى صار ذا وبل،و قيل الموبل الذى أتى بالوبل،و هو المطر و اللّه أعلم.

باب أحكام النون الساكنة و التنوين

التنوين:نون ساكنة أيضا.و إنما جمع بينهما فى الذكر،لأن التنوين اسم لنون ساكنة مخصوصة،و هى التى تلحق الكلمة بعد كمال لفظها،لا للتأكيد،و لا ثبات لها فى الوقف،و لا فى الحط.

و أحكامها أربعة،و هى:الإظهار،و الإدغام،و القلب،و الإخفاء.

ثم الإدغام يكون بغنة فى موضع؛و بعدمها فى موضع،و مختلف فيها فى موضع،و سيأتى جميع ذلك.

و لأجل هذه الأحكام الزائدة على ما مضى أفرد لهما بابا،و اللّه أعلم:

286-[و كلّهم التّنوين و النّون ادغموا بلا غنّة فى اللاّم و الرّا ليجملا]

أى كل القراء أدغموهما فى اللام و الراء للقلب،و أسقطوا غنة التنوين و النون منهما.لتنزلهما من اللام و الراء منزلة المثل،لشدة القرب،و الضمير فى ليجملا،للام و الراء،أو التنوين و النون،و لم يقيد النون فى نظمه بالسكون اجتزاء بذكر ذلك فى ترجمة الباب،و لو قال:و قد أدغموا التنوين و النون ساكنا لحصل التقييد،و لم يضر إسقاط لفظ كل لأن الضمير فى أدغموا يغنى عنه.

287-[و كلّ لينمو أدغموا مع غنّة و فى الواو و اليا دونها خلف تلا]

جرت عادة المصنفين أن يقولوا:النون الساكنة تدغم فى حروف كلمة يرملون،فلما قدم الناظم فى البيت السابق ذكر اللام و الراء،جمع الباقى من حروف يرملون فى لممة ينمو:أى كل القراء أدغموا النون الساكنة و التنوين فى حروف ينمو،و هى أربعة:الياء،و النون،و الميم،و الواو،و لم يذهبوا غنتهما معها،لأن حروف ينمو ليست فى القرب إليها كقرب اللام و الراء.

قال الشيخ رحمه اللّه:اعلم أن حقيقة ذلك فى الواو و الياء إخفاء،لا إدغام،و إنما يقولون له إدغام مجازا، و هو فى الحقيقة إخفاء على مذهب من يبين الغنة،لأن ظهور الغنة يمنع تمحض الإدغام،لأنه لا بدّ من تشديد يسير فيهما،و هو قول الأكابر،قالوا:الإخفاء ما بقيت معه الغنة،و أما عد النون و الميم،فهو إدغام محض لأن فى كل واحد من المدغم و المدغم فيه غنة،و إذا ذهبت إحداهما بالإدغام بقيت الأخرى،و خلف أدغمهما عند الواو و الياء بلا غنة،كما يفعل عند اللام و الراء،فهو إدغام محض على قراءته،و قوله دونها أى دون الغنة

ص: 201

و فى اللغة:حذف الغنة و إبقاؤها جائز عند الحروف الستة،و يستثنى مما نسبه فى هذا البيت إلى الكل،و إلى خلف ما سبق ذكره من نونى:يس،و ن،و القلم.

288-[و عندهما للكل أظهر بكلمة مخافة إشباه المضاعف أثقلا]

أى و عند الواو و الياء أظهر النون الساكنة إذا جاءت قبلهما فى كلمة واحدة،نحو:صنوان،و قنوان، و الدنيا،و بنيانه،لأنك لو أدغمت لأشبه ما أصله التضعيف،و هذا كاستثناء السوسى همزة:

(رِءْياً 1) .

يبدلها خوفا من أن يشبه لفظه لفظ الرىّ كما تقدم،و لم تلتق النون الساكنة فى كلمة بلام و لا راء و لا ميم فى القرآن العزيز،فلهذا لم يذكر من حروف يرملون غير الواو و الياء،و أما النون إذا لقيها فيجب الإدغام للمثلية،و أما التنوين فلا مدخل له فى وسط الكلمة و لا فى أولها،و أثقلا حال من فاعل إشباه،و هو الذى فيه الكلام،و إشباه مصدر أشبه كإكرام مصدر أكرم،و أضيف إلى المفعول،و هو المضاعف،أى مخافة إشباه هذا الذى ذكرناه،و هو صنوان و نحوه فى حال كونه ثقيلا،أى مدغما المضاعف،فالمضاعف هو المفعول،أضيف إليه المصدر نحو عجبت من إكرام زيد،أى من إكرام عمرو له،و المضاعف:هو الذى فى جميع تصرفاته يكون أحد حروفه الأصول مكررا،نحو حيان،و حتان و رمان و اللّه أعلم.

289-[و عند حروف الحلق للكل أظهرا (أ)لا(ه)اج(ح)كم(ع)مّ(خ)اليه(غ)فّلا]

يعنى أظهر التنوين و النون الساكنة لكل القراء إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق لبعدهما منها،سواء كان ذلك فى كلمة أو كلمتين:ثم بين حروف الحلق بأوائل هذه الكلمات،من ألا إلى آخر البيت،و حروف الحلق سبعة،ذكر منها ستة و بقى واحد،و هو الألف،و إنما لم يذكرها لأنها لا تأتى أول كلمة و لا بعد ساكن أصلا.لأنها لا تكون إلا ساكنة،فمثالهما عند الهمزة:

(كُلٌّ آمَنَ - وَ يَنْأَوْنَ - مَنْ أَسْلَمَ) و لا توجد نون ساكنة قبل همزة فى القرآن فى كلمة غير ينأون،و مثالهما عند الهاء:

(جُرُفٍ هارٍ - مِنْها - مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) .

و مثالهما عند الحاء:

(نارٌ حامِيَةٌ - وَ انْحَرْ - مَنْ حَادَّ اللّهَ .و عند العين- حَقِيقٌ عَلى - أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 2) .من عمل- و عند الخاء- يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ - وَ الْمُنْخَنِقَةُ -و- مَنْ خافَ .و- فَإِنْ خِفْتُمْ -و- مِنْ خِزْيِ -و عند الغين- مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ - فَسَيُنْغِضُونَ - مِنْ غِلٍّ) .

و قوله:خاليه،أى ماضيه،و غفلا جمع غافل،و كأنه أشار بهذا الكلام إلى الموت أو إلى البعث،و مجازاة كل بعمله،فهذا حكم عظيم عم الغافلين عنه،كقوله:

********

(1) سورة مريم،آية:74.

(2) سورة الفاتحة،آية:6.

ص: 202

(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ 1) .

و فى مواعظ الحسن البصرى رحمه اللّه:أيها الناس إن هذا الموت قد فضح الدنيا،فلم يبق لذى لب فرحا.

و ما أحسن قول بعضهم:

يا غفلة شاملة للقوم كأنّما يرونها فى النّوم ميت غد يحمل ميّت اليوم

و قوله:ألا،استفتاح كلام،و هاج بمعنى هيج الغافل هذا الحكم،أى حركه فلم يدع له قرارا و لا هناء بعيش أيقظنا اللّه تعالى بفضله من هذه الغفلة:

290-[و قبلهما ميما لدى اليا و أخفيا على غنّة عند البواقى ليكملا]

أى الموضع الذى تقلبان فيه ميما هو عند الباء،يعنى إذا التقت النون الساكنة مع الباء فى كلمة نحو:

(أَنْبِئْهُمْ -أو فى كلمتين نحو- أَنْ بُورِكَ) .

و إذا التقى التنوين مع الباء و لا يكون ذلك إلا فى كلمتين،نحو:

(سَمِيعٌ بَصِيرٌ) .

قلبا ميما ليخف النطق بهما،لأن الميم من مخرج الباء،و فيها غنة كغنة النون،فتوسطت بينهما،و لم يقع فى القرآن و لا فيما دوّن من كلام العرب ميم ساكنة قبل ياء فى كلمة واحدة،فلم يخف إلباس فى مثل:عنبر؛ و منبر،و عند باقى الحروف غير هذه الثلاثة عشر،و غير الألف أخفى التنوين و النون مع بقاء غنتهما،لأنها لم يستحكم فيها البعد و لا القرب منهما،فلما توسطت أعطيت حكما وسطا بين الإظهار و الإدغام،و هو الإخفاء، و سواء فى ذلك ما كان فى كلمة،و ما كان فى كلمتين نحو:

(أَنْتُمْ - أَنْذِرِ النّاسَ - أَنْشَأَكُمْ - أَنْفُسَكُمْ - إِنْ تَتُوبا - مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ - إِنْ كُنْتُمْ -أن قالوا بِخَلْقٍ جَدِيدٍ - غَفُورٌ شَكُورٌ - عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ - أَزْواجاً ثَلاثَةً) .

و قوله ليكملا،أى ليكملا بوجوههما،و هى لام العاقبة،أى لتؤل عاقبتهما إلى كمال أحكامهما،لأن هذه الوجوه هى التى لهما فى اللغة،و هى الإدغام فى حروف يرملون الستة،و الإظهار فى حروف الحلق الستة أيضا،و القلب عند الباء،و الإخفاء فى البواقى،ثم الإدغام بغنة و بغير غنة،فكمل ذكرها فى النظم من هذه الوجوه،و اللّه أعلم.

باب الفتح و الإمالة و بين اللفظين

الفتح هنا ضد الإمالة؛و هو منقسم إلى فتح شديد،و فتح متوسط،فالشديد هو نهاية فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف الذى بعده ألف،و يسمى التفخيم،و القراء يعدلون عنه،و لا يستعملونه،و أكثر ما يوجد فى ألفاظ أهل خراسان،و من قرب منهم،لأن طباعهم فى العجمة جرت عليه،فاستعملوه كذلك فى اللغة العربية،و هو

********

(1) سورة ص،آية:67 و 68.

ص: 203

فى القراءة مكروه معيب،هذا قول أبى عمرو الدانى فى كتاب[الموضح]قال:و الفتح المتوسط هو ما بين الفتح الشديد و الإمالة المتوسطة،و هذا الذى يستعمله أصحاب الفتح من القراء،قال:و الإمالة أيضا على ضربين:

إمالة متوسطة،و إمالة شديدة،و القراء يستعملونهما معا فالإمالة المتوسطة حقها أن يؤتى بالحرف بين الفتح المتوسط و بين الإمالة الشديدة،و الإمالة الشديدة حقها أن تقرب الفتحة من الكسرة،و الألف من الياء،من غير قلب خالص،و لا إشباع مبالغ،قال:و الإمالة و الفتح لغتان مشهورتان فاشيتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم،فالفتح لغة أهل الحجاز،و الإمالة لغة عامة أهل نجد،من تميم و قيس و أسد قال و علماؤنا مختلفون فى أى هذه الأوجه الثلاثة أوجه و أولى،و أختار الإمالة الوسطى التى بين بين،لأن الغرض من الإمالة حاصل بها،و هو الإعلام بأن أصل الألف الياء أو التنبيه على انقلابها إلى الياء فى موضع، أو مشاكلتها للكسر المجاور لها أو الياء،ثم أسند حديثا عن حذيفة بن اليمان أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول.

«اقرءوا القرآن بألحان العرب»و فى رواية«بلحون العرب و أصواتها،و إياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكتابين».

قال فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة،و من لحون العرب و أصواتها،و هى مذاهبها و طباعها.و قال أبو بكر بن أبى شيبة:حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم،قال:كانوا يرون أن الألف و الياء فى القراءة سواء،قال يعنى بالألف و الياء التفخيم و الإمالة.

قلت:و صنف كل واحد من أبى الطيب بن غلبون،و أبى عمرو الدانى فى هذا الباب مجلدة،قصراها على حكم الإمالة و ما يتعلق بها،و كتاب الدانى متأخر عن كتاب ابن غلبون،فلذلك فوائده أكثر،و ذكر الشيخ رحمه اللّه فى هذا الباب معظم ما تقع فيه الإمالة فى القرآن من أصول مطردة،و حروف منفردة و أخر من ذلك قليلا فذكره فى مواضعه من السور،تبعا لصاحب التيسير ك(التّوراة-و-ناداه-فى آل عمران-و-وفّاه-و-استهواه).

و رأى فى الأنعام و-را-،و-طا-و-ها-،و-يا-من فواتح السور-و أدرى-فى أول سورة يونس:

(و بشراى) فى يوسف و غيره،ذكر ذلك فى الباب أو بعضه،و يجوز فى قوله و بين اللفظين:فتح النون من بين على الظرفية،أى و الحالة هى بين اللفظين،أى بين لفظى الفتح و الإمالة،و يجوز كسر النون عطفا على الفتح و الإمالة و لفظ بين تارة يجرى بوجوه الإعراب،كقوله:

(هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ 1) .

و تارة ينصب على الظرف و الإعراب يجرى على ما هى تابعة له،و قرئ بالوجهين قوله سبحانه:

(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ 2) بالرفع و النصب عاما سيأتى تقريره فى موضعه إن شاء اللّه تعالى و اللّه أعلم:

********

(1) سورة الكهف،آية:77.

(2) سورة الأنعام،آية:94.

ص: 204

291-[و حمزة منهم و الكسائىّ بعده أمالا ذوات الياء حيث تأصّلا]

منهم أى من القراء،كقولهم أنت منهم الفارس الشجاع،أى من بينهم،و الكسائى بعده،لأنه أخذ عنه أما لا ذوات الياء؛يعنى الألفات التى انقلبت عن الياء احترازا عن ذوات الواو،و هى الألفات التى انقلبت عن الواو،فاجتزأ بالصفة لشهرتها عن الموصوف،و الإمالة تقع فى الألف و الهاء و الراء،و هذا الباب جميعه فى إمالة الألف،و الذى بعده فى إمالة الهاء؛و الثالث فى إمالة الراء على ما سيأتى بيانه،ثم الألف تكون أصلية و منقلبة،و تارة زائدة،و اعلم أن كل ألف منقلبة عن ياء فجائز إمالتها،و هى أن تكون عينا أو لاما،فالعين نحو باع و سار،لأنهما من البيع و السير،و هذا النوع جائز الإمالة لغة مطلقا،و قراءة فى بعض المواضع الآتية نحو:

(جاء-و-شاء-و اللام نحو-هدى-و-رمى (1).

فهذا هو الذى يمال مطلقا عند القراء،لمن مذهبه الإمالة،و أطلق الناظم ذوات الياء،و هو لفظ يقع على الضربين،و مراده:الضرب الثانى،و لم يبين فى نظمه الحرف الذى تقع فيه الإمالة،و لو أنه قال:

أمال الكسائى بعد حمزة إن تطر فت ألفات حيث ياء تأصلا

لذكر الحرف الممال و شرطيه،و هما كونه عن ياء،و كونه طرفا أى تكون لام الفعل،و إنما خص القراء الإمالة بذلك،لأنه طرف،و الأطراف محل التغيير غالبا،و الإمالة تغيير،فإنها إزالة الألف عن استقامتها و تحريف لها عن مخرجها إلى نحو مخرج الياء و لفظها،و أخذ لها هذا الإسم من أملت الرمح و نحوه إذا عوجته عن عن استقامته؛أى أما لا ألفات الياء إن تطرفت،احترازا من المتوسطة فقوله تعالى:

(وَ سارَ بِأَهْلِهِ (2) يمال،و كذا- فَأَثابَهُمُ اللّهُ 3) .

لتوسط الألف فيها،و الألف فى أثاب عن واو فى الأصل،و إنما يجوز إمالتها لغة،لأن الفعل قد زادت حروفه،فرجع إلى ذوات الياء على ما سيأتى فى شرح قوله،و كل ثلاثى يزيد فإنه ممال،و قوله حيث تأصلا قال الشيخ:أى حيث كان الياء أصلا،و هو أحد أسباب الإمالة،و أكثر أنواعها استعمالا،و إنما أميلت الألف لتدل على الأصل.

قلت:فكأن قوله حيث تأصلا،خرج مخرج التعليل،فإن«حيث»من ظروف المكان،«و إذ من ظروف الزمان،تأتى كل واحدة منهما،و فيها معنى التعليل،نحو قولك:حيث جاء زيد فلا بد من إكرامه، و إذ خرج فلا بد من التزامه،أى لأجل أن الياء أصلها أميلت،و لم يخرج ذلك مخرج الاشتراط،فإن هذا شرط مستغنى عنه بقوله ذوات الياء كما قال صاحب التيسير:كان حمزة و الكسائى يميلان كل ما كان من الأسماء و الأفعال من ذوات الياء،و لم يرد على ذلك،لكنه ما أراد بذوات الياء إلا كل ألف تنقلب ياء فى تثنية أو جمع أو عند رد الفعل إلى المتكلم أو غيره،فيدخل فى ذلك ما الياء فيه أصل و ما ليست بأصل و لهذا مثل ب:

********

(1) سورة طه،الأنفال:17.

(2) القصص آية:27.

(3) سورة المائدة،آية:85.

ص: 205

و نحوه مما ألفه للتأنيث،ثم قال:و كذلك.

(الهدى-و-العمى).

و نحوه مما الألف فيه منقلبة عن ياء،فجمع بين النوعين،فعبر عنهما بذوات الياء،فيجوز أن يكون الناظم سلك هذا المسلك،و قسم ذوات الياء إلى ما الألف فيه أصل،و إلى ما الألف فيه للتأنيث،و سيأتى كل ذلك؛و يجوز أن يكون المراد تأكيد ما تقدم أى أن الإمالة لا تقع فى قراءتهما إلا حيث كانت الياء التى انقلبت عنها الألف أصلا،و هذا و إن كان معلوما من قوله ذوات الياء،فإن ذلك لا يقال إلا لما كانت الياء فيه أصلا، فإنه غير معلوم من اللفظ،بل من قاعدة علم التصريف،فنص عليه لفظا،و غرضه إعلام أن الإمالة لهما لا تقع فى الألفات الزوائد كألف نائم،و لاعب ،و إنما تقع فى ألف منقلبة عن ياء هى لام الكلمة،و يجوز أن يكون المعنى حيث تأصلا الياء،أى تمكنت تمكنا تاما،بحيث رسمت الكلمة بها لا بالواو،فأميلت الألف موافقة للرسم، فهذه ثلاثة أوجه فى معنى هذا الكلام إن كان فاعل تأصلا ضميرا عائدا على الياء،و الألف فيه للاطلاق، و يجوز أن تكون الألف للتثنية،و هى ضمير عائد على حمزة و الكسائى و له وجهان من المعانى:

أحدهما فى المواضع التى تأصلاها،أى أنهما أصّلا لها أصلا،فكل ما دخل فى ذلك الأصل و الضابط أمالاه ثم بين الأصل و الضابط بالبيت الآتى.

و الثانى أن المعنى حيث تأصلاهما أى كانا أصلا فى باب الإمالة لاستيعابهما منهما ما لم يستوعب غيرهما، فكل من أمال شيئا فهو تابع لهما أو لأحدهما فى الغالب،أى فعمما جميع ذوات الياء لأنهما ليس من مذهبهما تخصيص أفراد من الكلم بالإمالة،بخلاف ما فعل غيرهما،كما ستراه،ثم لا فرق فى إمالة هذه الألف المنقلبة عن الياء لهما بين ما هى مرسومة فى المصحف بالياء و ما هى مرسومة بالألف فإن من ذوات الياء ما رسم فى المصحف بالألف كما ترسم ذوات الواو نحو:

(طغا-و-تولاّه-و-أقصا المدينة-و-الأقصا-و-العليا-و-الدّنيا) و غير ذلك.و أما الحياة فلم تمل و إن كانت ألفها منقلبة عن ياء عند قوم،لأن ألفها رسمت واوا فى المصحف و لأن الخلاف قد وقع فى أصل ألفها فوقع الشك فى سبب الإمالة،فتركت و عدل إلى الفتح،فإنه الأصل، و كل ما أميل ففتحه جائز،و ليس كل ما فتح إمالته جائزة،ثم من ضرورة إمالة الألف حيث تمال أن ينحى بالحرف الذى قبلها نحو الكسرة،ثم إن حمزة و الكسائى يميلان الألف الموصوفة بالأوصاف المذكورة حيث وجدت،إلا فى مواضع خالف فيها بعضهم أصله،و فى مواضع زاد معهم غيرهم،ثم بين ذات الياء فقال:

292-[و تثنية الأسماء تكشفها و إن رددت إليك الفعل صادفت منهلا]

الهاء فى تكشفها لذوات الياء؛أو الألف الممالة المفهومة من سياق الكلام،أى تكشف لك أصلها إن كانت فى اسم تثنية نحو، (قالَ لِفَتاهُ) .

لأن هذا لو ثنى لانقلبت الألف ياء نحو:

ص: 206

(وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ (1) -و كذا- فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى 2) .

لو ثنيته لقلت:عميان،و هذا بخلاف:

(الصّفا-و- شَفا جُرُفٍ (3) -و- سَنا بَرْقِهِ -و-عصاه-و-عصاى-و-أبا أحد).

فإن الألف فى ذلك كله أصلها الواو،و يثنى جميع ذلك بها،و أما الألف فى الأفعال فيكشفها أن تنسب الفعل إلى نفسك و إلى مخاطبك،فإن انقلبت فيه ياء أملتها نحو:

(رمى-و-سعى).

لأنك تقول:رميت و سعيت،بخلاف:دعا،و عفا،و خلا،و بدا،و علا،و نجا،فإنك تقول فيهما دعوت و عفوت،إلى آخرها،و يكشفها لك أيضا لفظ المضارع،نحو:يدعو و يعفو،و لحوق ضمير التثنية نحو دعوا و عفوا،و الاشتقاق يكشف الأمرين،نحو:الرمى و السعى،و العفو و العلو،فإن قلت من جملة الأسماء الممالة ما لا تظهر التثنية ياءه التى انقلبت الألف عنها،نحو:الحوايا،جمع حاوية فالألف عن ياء كائنة فى المفرد و فى تثنية المفرد،و لكن اللفظ الممال فى القرآن لا يثنى،فلم يكشف هذا اللفظ تثنية،فكيف قال:و تثنية الأسماء تكشفها؟قلت:ذكر ذلك كالعلامة،و العلامة قد لا تعم و لكنها تضبط الأكثر،و الحد يشمل الجميع و هو قوله ذوات الياء و الألف من آخر الحوايا،من ذوات الياء،و أصلها حواوى،على حد ضوارب،لأنه جمع حاوية،و هى:المباعر،على أنك لو قدرت من هذا فعلا و رددته إلى نفسك،لظهرت الياء،نحو حويت و صاحب التيسير ذكر هذا الحرف مع:يتامى و أيامى،فجعل الجميع فى باب فعالى،الذى يأتى ذكره؛و قوله:

صادفت منهلا أى موردا للإمالة،و هذه استعارة حسنة،لأن طالب العلم يوصف بالعطش،فحسن أن يعبر عن بغيته و مطلوبه بالمورد،كما يعبر عن كثرة تحصيله بالرى،فيقال هو ريان من العلم.ثم مثل ذوات اليا من الأسماء و الأفعال فقال:

293-[هدى و اشتراه و الهوى و هداهم و فى ألف التأنيث فى الكلّ ميّلا]

لأنك تقول:هديت و اشتريت،و هويان و هديان،فمثل بفعلين و اسمين ثم ذكر أن حمزة و الكسائى ميلا أيضا ألف التأنيث فى كل موضع وقعت فيه؛فقوله و فى ألف متعلق بميلا،أى أوقعا الإمالة فيها فهو من باب قول ذى الرمة:يجرح فى عراقيبها نصلى،و قوله:فى الكل بدل من ألف التأنيث،أى و فى كل ما فيه ألف التأنيث أوقعا الإمالة و خالف حمزة،أصله فى الرؤيا على ما يأتى،و ليست ألف التأنيث منقلبة عن ياء،و إلا لاستغنى عنها بما تقدم.و إنما هى مشبهة بالمنقلبة عن الياء لأجل أنها تصير ياء فى التثنية و الجمع،تقول حبليان و حبليات.

فإن قلت:ظهرت فائدة قوله فيما قبل:حيث تأصلا فإن ألف التأنيث ليست أصلا،فاحترز عنها.

قلت:و لما ذا يحترز عنها و هى ممالة لهما،كما أن الأصلية ممالة لهما،فلا وجه للاحتراز إن كانت ألف التأنيث داخلة فى مطلق قوله«ذوات الياء»و هو ممنوع،و إذا لم تكن داخلة فلا احتراز و لم يبق فيه إلا التأكيد أو المعانى التى تقدم ذكرها،ثم ذكر الأمثلة التى توجد فيها ألف التأنيث المقصورة و هى الممالة فقال:

********

(1) سورة يوسف،آية:36.

(2) سورة فصلت،آية:17.

(3) سورة التوبة،آية:109.

ص: 207

294-[و كيف جرت فعلى ففيها وجودها و إن ضمّ أو يفتح فعالى فحصّلا]

أى وجود ألف التأنيث فى موزون فعلى كيف جرت:بفتح الفاء،أو بكسرها،أو بضمها نحو:السلوى و التقوى،و الموتى،و مرضى،و إحدى،و سيما،و ذكرى،و الدنيا،و القربى،و الأنثى،و كذلك فى فعالى:

بضم الفاء و فتحها نحو:-كسالى-،و-يتامى-،و التحق بهذا الباب:موسى و عيسى،و يحيى،و هو مذهب القراء اعتمادا على أنها فعلى فعلى و فعلى،و الفاء فى فحصلا،ليس برمز لأن مراده بهذا البيت بيان محل ألف التأنيث، و لأنه سيقول بعد هذا«و عسى أيضا أمالا»و الضمير لحمزة و الكسائى،و لو كان فحصلا رمز اللزوم بعد ذلك إذا ذكر مسألة أن يرمز لها أو يصرح باسم القارئ،و لا يأتى بضمير من تقدم إلا إذا كان الباب كله واحدا على أنه يشكل على هذا أنه سيذكر اختصاص الكسائى بإمالة مواضع،ثم قال بعدها:و أما ضحاها و الضحى، و الربى،مع:القوى،فأما لاها،و يذكر أيضا ما تفرد به حفص عن الكسائى،ثم قال«و مما أمالاه.و جوابه أنه صرح باسم الكسائى و حفص،فلا إلباس،و أما بعد الرمز فلم يفعل مثل ذلك لما فيه من الإلباس،و أراد فحصلا بالنون الخفيفة ثم أبدل منها ألفا فى الوقف،ثم ذكر أنهما أمالا أشياء أخر لم تدخل فى الضابط المتقدم من ذوات الياء الأصلية،و لا فى ضابط ألف التأنيث،و لكنها من المرسومات بالياء فقال:

295-[و فى اسم فى الاستفهام أنّى و فى متى معا و عسى أيضا أمالا و قل بلى]

أى و أوقع الإمالة فى اسم استعمل فى الاستفهام،و هو أنى و إن كان قد استعمل غير استفهام،و هو إذا وقع شرطا،نحو أنى تقم أقم معك،إلا أنه فى القرآن للاستفهام،و لهذا قال صاحب التيسير:أما لا أنّى التى بمعنى كيف نحو قوله تعالى:

(أَنّى شِئْتُمْ (1) - أَنّى لَكِ هذا 2) .

قلت:و غرضهم من هذا القيد أن يفصلوها من أنّا المركبة من أن و اسمها نحو:

(أَنّا دَمَّرْناهُمْ 3) .

و هو احتراز بعيد.فإن أحدا لا يتوهم الإمالة فى مثل ذلك،ثم قال و فى متى،أى و أوقعا الإمالة أيضا فى متى «و معا»حال من حمزة و الكسائى،أى أوقعا معا الإمالة فى ذلك،أو حال من أتى و متى،بمعنى أنهما اصطحبا فى الإمالة و الاستفهام.

و قال الشيخ:مراده أن ألف التأنيث أيضا فى اسم استعمل فى الاستفهام.و هو أنى و متى،فأما أنى فكان ابن مجاهد يختار أن يكون فعلى فقال الدانى وزنها فعلى،و هو كقولهم:قوم«تلا»أى صرعى،و ليلة«غمّى» إذا كان على السماء غيم،و ألف متى مجهول،فأشبهت ألف التأنيث فى ذلك،فأميلت،و نص النحاة على أنه لو سمى بها وبيلى لثنيا بالياء،و هذا صحيح،و لكن من أين يلزم إذا كانت ألفها مجهولة أن تكون للتأنيث، و إنما وزنها فعل،و الألف لام الكلمة،على أن الحروف و ما تضمن معناها من الأسماء لا يتصرف فيها بوزن، و لا ينظر فى ألفاتها،ف«متى»كإلى و بلى فى ذلك.

********

(1) سورة البقرة،آية:223.

(2) سورة آل عمران،آية:27.

(3) سورة النمل،آية:51.

ص: 208

ثم قال:و أمالا عسى و بلى،أما عسى ففعل،تقول فيه:عسيت،فالألف منقلبة عن ياء،فهو داخل فى ما تقدم،فلم يكن له حاجة إلى إفراده بالذكر و لكنه تبع صاحب التيسير فى ذلك،فإنه قال بعد أنى:

و كذلك،متى،و بلى،و عسى،حيث وقع،و لعله إنما أفرده بالذكر لأنه لا يتصرف؛و قيل:إن بعض النحاة زعم أنها حرف،كما أطلق الزجاجى على كان و أخواتها أنها حروف،بمعنى أنها أدوات المعانى التى اكتسبتها الجمل معها،و لما كفت بلى فى الجواب ضارعت بذلك الإسم و الفعل،فأميلت ألفها،و قيل إن ألف بلى أيضا،بل للتأنيث،و هو حرف لحقه ألف التأنيث كما لحقت تاء التأنيث:ثم،و رب؛و أصلها بل، فيجوز على هذا أن يقال:ألف«أنى»كذلك،و أصلها أنّ ثم خرج هذان الحرفان عن معناهما المعروف بلحوق ألف التأنيث لهما،إلى معنى آخر،فصار:أنى على وزن شتى،و رسمت:أنى،و متى،و بلى،بالياء، و كذا:عسى،و عيسى،و يحيى،و موسى،و إلحاق الألف فى شيء من ذلك بألف التأنيث بعيد،بل هى قسم برأسها،فكأنه قال:أمالا ذوات الياء الأصلية و غير الأصلية،مما رسمت ألفه ياء،و غير الأصلية على ضربين،ألف تأنيث،و ملحق بها،و لو قال عوض هذا البيت:

و موسى عسى عيسى و يحيى و فى متى و أنى للاستفهام تاتى و فى بلا

لكان أحسن و أجمع للغرض،و تبعناه فى ذكر عسى،و إن كانت داخلة فى قسم الياء الأصلية،و خلصنا من جزرفة العبارة،فى قوله:و فى اسم فى الاستفهام أنى،و الضمير فى تأتى للإمالة،و ما أبعد دعوى أنّ الألف فى موسى و عيسى و يحيى للتأنيث،فموسى و عيسى معربان،و يحيى إن كان عربيا فوزنه يفعل،و الكلام فى النبى المسمى بيحيى صلّى اللّه عليه و سلم،و أما نحو قوله تعالى:

(لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى (1) -و قوله- وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ 2) فوزنه يفعل،و اللّه أعلم:

296-[و ما رسموا بالياء غير لدى و ما زكى و إلى من بعد حتّى و قل على]

أى و أمالا كل ما رسم فى المصحف بالياء من الألفات،و إن لم تكن الياء أصلية اتباعا للرسم،و لأنها قد تعود إلى الياء فى صورة،و ذلك«ضحى»فى الأعراف و طه:

(و ضحاها-و دحيها).

فى و النازعات و فى و الشمس و ضحيها:

(و تلاها-و طحاها-و الضّحى-و سجى) فهذا جميع ما رسم من ذوات الواو بالياء على ما ذكره فى قصيدته الرائية،لكن:

(تلاها-و طحاها-و سحى).

لم يملها إلا الكسائى وحده،كما يأتى و إمالتها«ضحى»فى لأعراف و طه تبنى على خلاف يأتى فى آخر الباب،و أما:

********

(1) سورة طه،آية:74.

(2) سورة الأنفال،آية:42.

ص: 209

(ويلتا،-و-حسرتى،-و-أسفى).

فألفاتها مع كونها مرسومة بالياء منقلبة عن ياء الإضافة،فقويت الإمالة فيها،و هذا البيت لا يظهر له فائدة إلا فى هذه الألفاظ الثلاثة،فإن الياء التى انقلبت عنها الألف ليست بأصل فى الكلمة فلم تدخل فى قوله«حيث تأصلا»و يظهر أيضا فائدته فى إمالة-ضحى-فى الأعراف على قول من يقول:إنه إذا وقف عليه كان الوقف على ألفه الأصلية،و أما باقى الكلمات التى ذكرت أنها رسمت بالياء و هى من ذوات الواو،فكانت نعرف من ذكره إمالة رءوس الآى،و أما نحو:

(أدنى-و-أزكى-و-يدعى-و-تتلى).

فتعلم إمالته من البيت الآتى،فإنه من الثلاثى الزائد،ثم ذكر أنه استثنى مما رسم بالياء،و ليست الياء، أصله خمس كلمات:فلم تمل و هى:اسم و فعل،و ثلاثة أحرف،فالاسم لدى لم يمل،لأنه رسم بالألف فى يوسف،و بالياء فى غافر،و ألفه مجهولة،فلم يمل ليجرى مجرى واحدا و الفعل:

(ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً 1) .

هو من ذوات الواو:فلم يمل تنبيها على ذلك،و الحروف:إلى،و حتى،و على،لم تمل،لأن الحروف لا حظ لها فى الإمالة بطريق الأصالة إنما هى للأفعال و الأسماء،فلم يؤثر فيها رسمها بالياء و كل ما أميل من الحروف بلى،و يا فى الندا،و لا فى أمالا،لإغنائها عن الجمل فأشبهت الفعل و الاسم،و قول الناظم«من بعد حتى» الدال من بعد:مجرورة،و بعضهم اختار ضمها،و قدر حذف واو العطف من قوله حتى،و معنى الوجهين ظاهر و إذا كسرنا الدال،كان التقدير من بعد استثناء حتى،و كذا معنى قولى أنا فيما تقدم«أمال الكسائى بعد حمزة»أى بعد إمالة حمزة:

297-[و كلّ ثلاثىّ يزيد فإنّه ممال كزكّاها و أنجى؟؟؟ مع ابتلى]

أى كل لفظ ثلاثى ألفه عن واو،إذا زيد فى حروفه الأصول حرف فأكثر،فصار كلمة أخرى أميل، لأن واوه تصير ياء،إذا اعتبرتها بالعلامات المقدم ذكرها،و ذلك كالزيادة فى الفعل بحروف المضارعة و آلة التعدية و غيرها نحو:

(ترضى (2)-و تدعى (3)-و تتلى (4)-و يدعى (5)-و تبلى (6)-و يزّكىّ (7)-و تزكى (8)-و زكاها (9)-و نَجّانَا اللّهُ مِنْها (10) - فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ (11) - وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ (12) - فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ (13)

********

(1) سورة النور،آية:21.

(2) سورة طه،آية:130.

(3) سورة سبأ،آية:43.

(4) سورة آل عمران،آية:101.

(5) سورة الجاثية،آية:28.

(6) سورة الطارق،آية:9.

(7) سورة عبس،آية:3.

(8) سورة الأعلى،آية:14.

(9) سورة الشمس،آية:9.

(10) سورة الأعراف،آية:89.

(11) سورة العنكبوت،آية:24.

(12) سورة البقرة،آية:124.

(13) سورة الأعراف،آية:143.

ص: 210

فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1) فَتَعالَى اللّهُ (2) مَنِ اسْتَعْلى 3) .

و من ذلك أفعل فى الأسماء نحو:

(أدنى-و أرنى-و أزكى-و أعلى).

لأن لفظ الماضى من ذلك كله تظهر فيه الياء إذا رددت الفعل إلى نفسك نحو:زكيت و رضيت؛و ابتليت و أعليت،و أما فيما لم يسم فاعله نحو-تدعى-فلظهور الياء فى:دعيت،و يدعيان فقد بان أن الثلاثى المزيد يكون اسما نحو:أدنى؛و فعلا ماضيا:نحو:أنجى؛و ابتلى و مضارعا مبنيا للفاعل،نحو:يرضى و للمفعول نحو:يدعى.

و لو قال الناظم رحمه اللّه تعالى:

و كل ثلاثى مزيد أمله مثل يرضى و تدعى ثم أدنى مع ابتلى

لجمع أنواع ذلك،و قد نص صاحب التيسير و غيره على أن ذلك يمال،و جعل سببه الزيادة؛فقال الإمالة شائعة فى-تدعى-و-تتلى-و-اعتدى-و-استعلى-و-أنجى-و-نجى-و شبهه لانتقاله بالزيادة إلى ذوات الياء.

قلت:الزيادة فى أوله إذا كانت مفتوحة ظهرت الواو،نحو:يدعو،و يتلو،فإذا ضمت قلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها،فمن أين تجىء الياء؟و أين الزيادة التى اقتضت ذلك؟لا جائز أن تكون حرف المضارعة فإنها موجودة فى حالة الضم وجودها فى حالة الفتح و الضم،و الفتح حركتان متقابلتان فليس إمامة هذا لأجل الزيادة،و إنما لأجل أن الياء ظهرت فى الماضى،فى قولك دعى،قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها؛و المضارع فرع عن الماضى،فلهذا اعتقد فى ألف تدعى أنها ياء؛و أميلت،مع أن رسم المصحف الكريم فيها بالياء؛ و قوله تعالى:

(فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا 4) .

وارد على ما ذكره فى هذا البيت؛فإنه ثلاثى زاد،و لا يمال لأن ألفه ليست طرفا،و هو لم يشترط الطرف فلهذا ورد و اللّه أعلم:

298-[و لكنّ أحيا عنهما بعد واوه و فيما سواه للكسائى ميّلا]

أى إذا جاء أحيا أو يحيى بعد الواو،فإنهما أمالاه؛قال فى التيسير:و اتفقا:يعنى الكسائى مع حمزة، على الإمالة فى قوله-و يحيى و لا يحيى-.

(أَماتَ وَ أَحْيا 5) .

إذا كان منسوقا بالواو،و تفرد الكسائى دون حمزة بإمالة أحياكم-و-فأحيا به-و-أحياها-حيث وقع إذا نسق ذلك بالفاء أو لم ينسق لا غير،و إنما ذكر هذا البيت ليبين ما انفرد به الكسائى،و لهذا أتى بحرف«لكن»

********

(1) سورة البقرة،آية:194.

(2) سورة المؤمنون،آية:116.

(3) سورة طه،آية:64.

(4) سورة المائدة،آية:85.

(5) سورة النجم،آية:44.

ص: 211

التى للاستدراك،و إلا فما اجتمعا عليه من ذلك داخل فى ذوات الياء،فكأنه قال:أمالا الجميع،لكن كذا و كذا تفرد به الكسائى،ثم استوفى جميع ما انفرد به الكسائى من ذلك و غيره فقال:

299-[و رؤياى و لرؤيا و مرضات كيفما أنى و خصايا مثله متقبّلا]

رؤيا:فعلى مستثناة مما فيه ألف التأنيث،و مرضاة:مفعلة،من الرضوان،ترجع ألفها إلى الياء فى التثنية و الجمع،فهى كمغزى و مدعى،لأن ألفها ترجع إلى الياء فى الماضى،نحو رضيت و ذكر مكى فى الثلاثى الزائد مرضاة،و كمشكاة لأن ضابطه ما كانت ألف الإمالة فيه رابعة فصاعدا،فمرضاة مستثناة من ذلك لحمزة بخلاف مزجاة،فإنها ممالة لهما،و قوله كيف ما أتى يعنى نحو مرضاة اللّه،و مرضاتى بخلاف الرؤيا فإنه لم يملها كيف ما أتت،لأن رؤياك لم يملها إلا الدورى عنه كما يأتى،فلهذا قال:و رؤياى و الرؤيا:أى هاتان اللفظتان مع ما بعدهما ممال للكسائى،و خطايا مثله،أى مثل مرضاة،يميلها كيف ما أتت نحو:

(خطايانا-خطاياكم-و خطاياهم).

و الإمالة فى ألفها الأخيرة لأجل الياء قبلها؛و لأنها من ياء لأنها جمع خطية بغير همز عند الفراء،كهدية و هدايا، و عند غيره أصلها خطايىء بياء بعدها همزة؛فمنهم من يقول:همزت الياء كما تهمز فى صحائف،فاجتمع همزتان فأبدلت الثانية ياء فاجتمع بعد ألف الجمع همزة عارضة فى الجمع،و ياء،فوجب قلب الهمزة ياء و الياء ألفا،على قياس قولهم:مطايا،و منهم من يقول:قدمت الهمزة و أخرت الياء ثم فعل ذلك-و أما الحوايا-فأمالها حمزة و الكسائى و ألفها عن ياء،و هو على وزن خطايا،«و متقبلا»حال من خطايا أو من ضمير مرضاة،و يجوز أن يكون تمييزا،على أن يكون متقبلا بمعنى قبولا،مثل قولهم على التمرة مثلها زيدا،و لا مانع من حيث اصطلاحه من أن يكون متقبلا رمزا،و كذا ما بعده من قوله:ليس أمرك مشكلا،«و يجتلا و الذى أذنت به»إلى آخره، و يكون ما فى كل بيت لمن رمز له.

فإن قلت هو فى باب إمالة حمزة و الكسائى فجميعه لا يخلو عنهما أو عن أحدهما،و لهذا يذكر ما انفرد به الكسائى.ثم يذكر ما اتفقا عليه،فيقول مع-القوى-فأمالاها،و لو كان ما اعترض به رمزا لما صح له هذا الضمير.إذ تقدم جماعة.فلا يتعين من يعود إليه الضمير،و كذا يذكر ما تفرد به الدورى،ثم يقول:و مما أمالاه،و ذلك مما يدل على أن قوله«قد انجلا»ليس برمز.

قلت:كل هذا صحيح،معلوم أنه ليس برمز فى نفس الأمر،و لكن من حيث اصطلاحه يوهم ذلك، و اللّه أعلم.

300-[و محيا هموا أيضا و حق تقاته و فى قد همدانى ليس امرك مشكلا]

أراد سَواءً مَحْياهُمْ (1) فى الجاثية و حَقَّ تُقاتِهِ (2) .

فى آل عمران،و واثق حمزة الكسائى على إمالة الأول فيها.و هو قوله تعالى:

(إلاّ أن تتّقوا منهم تقية (3).

********

(1) سورة الجاثية،آية:21.

(2) سورة آل عمران،آية:102.

(3) سورة آل عمران،آية:28.

ص: 212

لأنه رسم بالياء فى الأول،و فى الثانى بالألف،فاتبع الرسم فيهما،و كلاهما من ذوات الياء، و الأصل تقية.

(وَ قَدْ هَدانِ 1) .

فى أول الأنعام،و صوابه فى البيت بغير ياء،لأن قراءة الكسائى كذلك؛و البيت متزن بالقبض و قيده بقد احترازا من الذى فى آخر السورة.

(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي (2) و فى الزمر- لَوْ أَنَّ اللّهَ هَدانِي 3) .

فإن ذلك ممال لحمزة و الكسائى معا،على أصلهما،و الياء فيهما ثابتة بإجماعهم.

301-[و فى الكهف أنسانى و من قبل جاء من عصانى و أوصانى بمريم يجتلا]

أراد (وَ ما أَنْسانِيهُ) .

و من قبل الكهف جاء فى إبراهيم:

(وَ مَنْ عَصانِي (4) - وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ 5) .

فى مريم و يجتلا ليس برمز:

302-[و فيها و فى طس آتانى الّذى اذعت به حتّى تضوّع مندلا]

أى و فى مريم و النمل لفظ:

(آتانى-يريد- آتانِيَ الْكِتابَ (6) - آتانِيَ اللّهُ 7) .

بخلاف الذى فى هود،فإنه ممال لهما،و قوله أذعت به أى أفشيته من قوله تعالى:

(وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ 8) .

أى أفشوه،و المراد أنى جهدت بالنص على إمالته،و لم أسر ذلك،و لكن فى اللفظ إشكال،لأنه إن كان فعل هذا قبل هذا الكلام،فأين ذكره،و إن كان ما فعله إلا بهذا الكلام لم تصح هذه العبارة،لأن حق ما يوصل به الذى يكون معلوما للمخاطب:و هذا لم يعلمه بعد إلا من هذه العبارة،فإن جاز ذلك فينبغى أن يجوز أن يقال:

جاءنى الذى أكرمته،و يكون إكرامك له لم يعرف إلا من هذا اللفظ،و هذا لا يجوز،فالوجه فى هذا أن يقال:

الذى:مفعول فعل مقدر،و تضرع:محذوف إحدى تاءيه،و هو مضارع لا ماض،و تقدير الكلام خذ هذا الذى أذعت به،لكى تتضوع أنت،أى تفوح رائحة عملك مشبها مندلا،و المندل نوع من الطيب،و موضع فى بلاد الهند،ينسب إليه العطر،و قيل المندل:العود الهندى.

********

(1) آية:80.

(2) سورة الأنعام،آية:161.

(3) سورة الزمر،آية:57.

(4) سورة إبراهيم،آية:36.

(5) سورة مريم آية:31.

(6) سورة مريم،آية:30.

(7) سورة النمل،آية:36.

(8) سورة النساء،آية:83.

ص: 213

303-[و حرف تلاها مع طحاها و فى سجى و حرف دحاها و هى بالواو تبتلا]

(تلاها-و طحاها).

فى سورة و الشمس:

(و سجى-فى و-الضحى-و-طحاها) فى و النازعات،و أشار بقوله:و هى بالواو إلى علة استثناء حمزة لها،و هى كون ألفها عن واو،و ما تقدم كانت ألفه عن ياء،و معنى«تبتلا»تختبر،و إنما حسن إمالتها للكسائى كونها رءوس آى،فأميلت تبعا لذوات الياء؛فهو من باب إمالة لإمالة،و لأنها رسمت فى المصحف بالياء،كأخواتها من ذوات الياء،فلما ألحقت بها كتابة طلبا للمشاكلة ألحقت بها إمالة لذلك،و اللّه أعلم.

304-[و أمّا ضحاها و الضّحى و الرّبا مع ال قوى فأمالاها و بالواو تختلا]

تختلا أى تجتنى و تحصل،من قولهم اختليت الخلا،و هو الحشيش إذا جززته و قطعته،أمال حمزة و الكسائى هذه الأربعة،و إن كانت من ذوات الواو،لأن أوائلها إما مضموم أو مكسور،فالكسر فى واحد،و هو -الربا-و الضم فى الثلاثة البواقى،و هى رءوس آى،و من العرب من يثنى ما كان بهذه الصفة بالياء،و إن كان من ذوات الواو،فيقول:ربيان،و ضحيان:فرار من الواو إلى الياء،لأنها أخف حيث ثقلت الحركتان، بخلاف المفتوح الأول؛قال مكى مذهب الكوفيين أن يثنوا ما كان من ذوات الواو مضموم الأول أو مكسورة بالياء،فأمالا على أصل مذهبهما،لأنهما كوفيان،و لم يعتبر الأصل،و إنما أفرده الناظم بالذكر،و إن كان داخلا تحت قوله:و مما أمالاه أواخر آى ما كما يأتى،لأن منه ما ليس برأس آية،و هو«الربا»و ليبين أن الجميع من ذوات الواو،و القوى:جمع قوة،و هو رأس آية فى و النجم (1)و لم يبق عليه إلا ذكر العلا،و لكنه لما كان جمع عليا،و قد قلبت الواو فى عليا ياء،صار كأنه من ذوات الياء،و اللّه أعلم.

و أما«الزنا»بالزاى و النون،فمن ذوات الياء.فلم يحتج إلى ذكره لأنه ممال لهما على أصلهما.

305-[و رؤياك مع مثواى عنه لحفصهم و محياى مشكاة هداى قد انجلا]

جمع ما فى هذا البيت تفرد بإمالته الدورى عن الكسائى،دون أبى الحارث،و حفص هو،اسم أبى عمرو الدورى،و الهاء فى عنه تعود إلى الكسائى،و أراد:و رؤياك المضاف إلى الكاف،و هى فى أول يوسف دون المضاف إلى الياء و المعرف باللام.فهما للكسائى بكماله،كما تقدم،و ذكر مكى و غيره أن أبا الحارث وافق الدورى فى إمالة الرؤيا حيث وقعت،فلم يستثن المضاف إلى الكاف،و أما مثواى ففي يوسف:

(إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ 2) .

فالذى تفرد به الدورى هو المضاف إلى الياء،دون قوله تعالى:

(أَكْرِمِي مَثْواهُ (3) -و مثواكم (4)-و مثواهم).

********

(1) الآية:5.

(2) الآية:23.

(3) سورة يوسف،آية:21.

(4) سورة الأنعام،آية:128

ص: 214

فأمال الثلاثة حمزة و الكسائى على أصلهما فى إمالة ذوات الياء:

(و محياى).

المضاف إلى الياء فى آخر الأنعام،دون:

(و محياهم).

فذاك للكسائى بكماله كما سبق:

و(مشكاة).

فى النور؛و وجه إمالتها الكسرة بعد الألف،الميم أيضا كما تميل العرب شملال،و أما-هدى-ففي سورة البقرة و طه.أراد المضاف إلى الياء دون المضاف إلى غيرها نحو:

(فبهداهم-و هداها-و الهدى).

و نحوه،فذلك ممال لحمزة و الكسائى:

306-[و ممّا أمالاه أواخر آى ما بطه و آى النّجم كى تتعدّلا]

أى أواخر آى القرآن الذى تراه بسورة طه،مما أماله حمزة و الكسائى على الأصول المتقدمة،و آى:جمع آية كتمر و تمرة،و ما بمعنى الذى،و بطه صلتها.كما تقول عرفت ما بالدار،أى الذى فيها أراد الألفات التى هى أواخر الآيات مما جميعه لام الكلمة سواء فيها المنقلب عن الياء و المنقلب عن الواو،إلا ما سبق استثناؤه،من أن حمزة لا يميله،فأما الألف المبدلة من التنوين فى الوقف نحو-همسا-و-ضنكا-و-نسفا-و-علما-و-عزما-فلا تمال، لأنها لا تصير ياء فى موضع،بخلاف المنقلبة عن الواو،فإن الفعل المبنى للمفعول تنقلب فيه ألفات الواو ياء، فألف التنوين كألف التثنية لا إمالة فيها،نحو:

(فَخانَتاهُما - إِلاّ أَنْ يَخافا - اِثْنَتا عَشْرَةَ) .

و أما المنون من المقصور نحو:

(هدى-و سوى-و سدى).

ففي الألف الموقوف عليها خلاف يأتى ذكره فى آخر الباب،ثم قال:و آى النجم،أى أواخر سورة و النجم ثم بين حكمة ذلك فقال:كى تتعدلا،يعنى رءوس الآى؛فتصير على منهاج واحد،و هذه حكمة ترك الإمالة أنسب لها منها،لأن الفتح يناسب فى كل المواضع الممالة و غيرها،فإن فى أواخر الآى من السور المذكورة ما لا يمال، و ليس فيها ما لا يفتح.

فإن قلت:أراد بالتعديل إلحاق ذوات الواو بذوات الياء فى الإمالة،لم يتم له هذا،لأن حمزة استثنى أربعة مواضع من رءوس الآى؛فلم يملها،فلم يكن فى إمالة الباقى تعدل،و لو لم يمل الجميع حصل التعدل،على أنى أقول:لم يكن له حاجة إلى ذكر إمالة أواخر الآى،لأن جميع ذلك قد علم مما تقدم من القواعد من ذوات الياء أصلا و رسما،و قد نص على ذوات الواو منها،فلم يبق منها شيء،و لهذا لم يتعرض كثير من المصنفين الذكر هذه السور،و لا ذكرها صاحب التيسير.

ص: 215

فإن قلت:فيها نحو:

(وَ أَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى 1) فمن أين تعلم إمالته؟ قلت من قوله و ما رسموا بالياء،و قد نبهنا عليه،ثم:و كذلك العلى،ثم ذكر باقى السور،فقال:

307-[و فى الشّمس و الأعلى و فى اللّيل الضّحى و فى اقرأ و فى و النّازعات تميّلا]

308-[و من تحتها ثمّ القيامة فى ال معارج يا منهال أفلحت منهلا]

الضمير فى«تميلا»المذكور،و مراده تميل أواخر أى هذه السور أيضا و الضمير فى«و من تحتها»للنازعات أراد سورة عبس،و الجار و المجرور صفة موصوف محذوف،كقوله تعالى:

(وَ ما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) .

أى و فى سورة من تحت النازعات،ثم فى القيامة،ثم فى المعارج،أى و فى سورة سأل سائل،أ لا ترى كيف ذكر ما قبلها و ما بعدها بحرف فى،فجملة هذه السور إحدى عشر،منها أربع شملت الإمالة أواخر آياتها كلها لقبولها لذلك،و هى:

(وَ النَّجْمِ إِذا هَوى - سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى - وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها - وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى) .

و سبع سور دخلت الإمالة فى بعض آياتها،و هى التى تقبل الإمالة،و هى:طه،و المعارج،و القيامة؛ و النازعات،و عبس،و الضحى،و اقرأ باسم ربك.ثم الإمالة فى الجميع ليس بعدها ضمير مؤنث إلا فى سورتين:و الشمس؛و النازعات،أما و الشمس فاستوعب ضمير المؤنث أواخر آيها،و أما و النازعات ففيها الأمران مرتين،و لم يأت آيات فى آخرهن ألف مقصورة نسقا إلا فى هذه السور،و المنهال الكثير الإنهال، و الإنهال إيراد الإبل المنهل،و منهلا أى موردا أو معطيا إذ يقال:أنهلت الرجل إذا أعطيته،و انتصب على الحال،فكأنه نادى نفسه أو جميع من يعلم العلم،و حروف القرآن و رواياته الثابتة من ذلك،و قد صح عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال:

(خيركم من تعلم القرآن و علّمه).

و اللّه أعلم.

309-[رمى(صحبة)أعمى فى الإسراء ثانيا سوى و سدى فى الوقف عنهم تسبّلا]

جميع ما فى هذا البيت إمالة صحبة،و هو من ذوات الياء،و سدى،من أسديت الشيء،إذا أهملته، و لا يمال.

(سوى و سدى)

********

(1) سورة طه،آية:59.

ص: 216

فى الوصل،لأنهما منوّنان و تبنى إمالتهما فى الوقف،على خلاف يأتى،و الأرجح الإمالة على ما سنوضحه إن شاء اللّه تعالى،و أراد- (وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى (1) - فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى (2) - مَكاناً سُوىً (3) - أَنْ يُتْرَكَ سُدىً 4) .

و هذه الأربعة معلوم إمالتها لحمزة و الكسائى من القواعد المقدمة،و إنما ذكرها بعد ذلك لموافقة أبى بكر عن عاصم لهما فيها،و كان يمكنه أن يقول رمى شعبة،و إنما عدل عنه خوفا من وهم أن ذلك مختص بشعبة، و هذه عادته فى مثل ذلك،على ما سيتضح فيما بعد.

قال الشيخ:«و قوله تسبلا»أى تحبس،يشير إلى ثبوته.

قلت:أظن معناه أبيحت إمالته عنهم،من سبلت الماء فتسبل،لأن غيرهم لم يسبل إمالته،و هو خبر أعمى،فما بعده أى إضجاع ذلك نقل عنهم،و الإضجاع من أسماء الإمالة،و إنما قدرت المحذوف بها لتذكير الضمير فيه و فى الإسراء فى موضع الحال،عاملها المضاف المحذوف،أى إمالة أعمى فى حال كونه فى الإسراء ثانيا.

(و سوى و سدى).

عنهم تسبل و رمى صحبة،أى أماله صحبة،و اللّه أعلم.

309-[وراء تراءى(ف)از فى شعرائه و أعمى فى الإسرا(ح)كم(صحبة)أوّلا]

الهاء فى شعرائه تعود على الراء؛أو لفظ تراءا،لأن كل واحد منهما فى السورة المذكورة،فهو كقولك غلام زيد فى داره،و لفظ تراءا وزنه تفاعل،ففيه ألفان بينهما همزة،الأولى زائدة،و الثانية لام الكلمة منقلبة عن ياء،فإذا وقف عليها أميلت الثانية لحمزة و الكسائى،على أصلهما فى إمالة ما كان من الألفات من ذوات الياء طرفا،غير أن حمزة يجعل الهمزة بين بين،على أصله،و أضاف إلى ذلك أن إمالة الألف الأولى لمجاورة الثانية،فهو من باب إمالة الإمالة،و لهذا لم يمل الراء من قوله تعالى:

(فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ 5) .

لما لم تكن فيها إمالة تسوغ ذلك،و ليست الألف أصلية منقلبة عن ياء،بل هى زائدة،لأنها ألف تفاعل و لم يجاورها كسر،فلا إمالة فيها،و لا نظر إلى كونها بعد راء،و العرب تستحسن إمالة الألف قبل الراء و بعدها،نحو-ترى-و-النار-ما لا تستحسنه فى غير ذلك،و لهذا أمالهما أبو عمرو،لأن الألف فى كل ذلك إما منقلبة عن ياء،أو هى ألف تأنيث،أو مجاورة لكسر-نحو:

(ترى-و بشرى-و أبصارهم).

و الراء المفتوحة تمنع الإمالة،إلا أن يوجد أحد أسباب الإمالة،ثم من ضرورة إمالة الألفين فى تراءا

********

(1) سورة الأنفال،آية:17.

(2) سورة الإسراء،الآية:72.

(3) سورة طه،الآية:58.

(4) سورة القيامة،الآية:36.

(5) سورة الأنفال،آية:48.

ص: 217

إمالة الراء و الهمزة قبلها،فبقيت الهمزة المسهلة بين ألفين ممالتين،و هى فى نفسها ممالة،فتجاورت أربعة أحرف ممالة فى الوقف،فإذا وصلت سقطت الألف الثانية لوجود الساكن بعدها،فبطلت الإمالة فى الهمزة و بقيت إمالة الألف الأولى،و الراء قبلها لحمزة وحده،فعبر الناظم عن ذلك بإمالة الراء،لأن من ضرورتها إمالة الألف بعدها،و هى عبارة صاحب التيسير،و لم يذكر ذلك فى باب الإمالة،بل فى سورة الشعراء، فقال حمزة:

(فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ 1) .

بإمالة فتحة الراء،و إذا وقف أتبعها الهمزة فأمالها مع جعلها بين بين،على أصله،فتصير بين ألفين ممالتين:الأولى أميلت لإمالة فتحة الراء،و الثانية أميلت لإمالة فتحة الهمزة،أ لا ترى كيف عبر عن إمالة الألفين بإمالة ما قبلهما مجازا،و جعلهما أصلين فى ذلك،و الحق عكس ذلك،و هو أن ما قبل الألفين أميلا لإمالة الألفين تبعا لهما،و التعبير بذلك فى الراء أقرب منه فى الهمزة،لأن الراء فى الجملة قد أميلت،حيث لا ألف مجاورة لها،كما يأتى فى باب ترقيق الراءات فى (رَأَى الْقَمَرَ) .

فى الوصل،و به قرأ حمزة:أمال الراء و الألف بعدها،و قد تجوّز الناظم أيضا بهذه العبارة فيه هنا عن إمالة الألف الذى بعد الراء بإمالة الراء،فقال وراء تراءا،فاز:أى إضجاعها،أو فاز بالإمالة،و عبر فى سورة الأنعام فى نحو:

(رَأى كَوْكَباً -و رَأَى الْقَمَرَ) .

عن إمالة الألف بإمالة الهمزة،فقال:و فى همزه حسن،و قال:و قل فى الهمز خلف،مع أن الهمز لو تجرد عن الألف لم تقع فيه إمالة أبدا،و إنما أماله من أمال فى الوصل فى:

(رَأَى الْقَمَرَ) .

نظرا إلى الأصل،و لم يعتد بعارض حذف الألف للساكن،و سيأتى الكلام فى نحو هذا فى آخر هذا الباب و لما لم يكن هذا المذهب فى قراءة حمزة،فى:

(رَأَى الْقَمَرَ) .

بل اقتصر على إمالة الراء،فعل مثل ذلك فى:

(رَأَى الْقَمَرَ) .

(تَراءَا الْجَمْعانِ) .

فى الوصل،فأمال الراء دون الهمزة و أما:

(أعمى).

الأول فى سورة الإسراء،فأماله أبو عمرو موافقا لصحبة و خالفهم فى الثانى،كما سبق،إما جمعا بين اللغتين

********

(1) سورة الشعراء،الآية:61.

ص: 218

و إما لفرق ذكروه،و هو:أن الثانى عنده أفعل التفضيل،فكأن ألفه لم يقع طرفا لافتقاره إلى«من»المقدرة، و ساغ ذلك لأنه من العمى المجازى،و هو عمى القلب،دون الحقيقى الذى هو عمى العين،فلهذا بنى أفعل منه أى:من كان جاهلا للحق فى الدنيا فهو فى الآخرة أجهل و أضل،و من أمالهما أو فتحهما سوّى بينهما، و إن اختلفا فى المعنى،لأن الألف فيهما عن ياء،و لهم أن يقولوا ليس الثانى أفعل تفضيل،بل هو اسم فاعل من العمى،كالأول،أى من كان أعمى فى الدنيا عن الحق،فهو أعمى أيضا فى الآخرة،و عند هذا يجوز أن يكون من العمى المجازى،كالأول،و يجوز أن يكون حقيقة،كما فى قوله تعالى فى طه:

(وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً 1) ، فهذا دليل على أنه عمى العين،إذ كان بصيرا بها قبل ذلك،و لم يكن المذكور بصيرا بقلبه،و قال سبحانه فى آخر سورة الإسراء:

(وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا 2) .

فقول الناظم أولا ليس برمز و إنما هو بيان لموضع أعمى،فهو من تتمة بيان الحرف المختلف فيه،و هو حال من أعمى،أى و إمالة أعمى أولا فى الإسراء حكم صحبة،فهو من القبيل الذى جاء الرمز فيه متوسطا فى أثناء التقييد،كما نبهنا عليه فى شرح الخطبة،مثل قوله:دارو اقصر مع مضعفة،و قد فصل الناظم بمسألة-تراءا- بين لفظى أعمى فى الإسراء،و لو اتصلا لكان أولى،فيقول:

و اعمى فى الاسرا أو لا حكم صحبة وراء تراءا بالإمالة فصلا

فيجىء الرمز لأعمى بعد كمال قيده بقوله أولا،و لو لا أن همزة تراءا لا تمال إلا فى الوقف،لقلت وراء تراءا فاز و الهمز شمللا،و اللّه أعلم.

310-[و ما بعد راء(ش)اع(ح)كما و حفصهم

يوالى بمجراها و فى هود أنزلا]

حكما تمييز،أى ما وقع من الألفات بعد راء،فقل شاع حكمه فى الإمالة،و ذلك لما ذكرته من مجاورتها للراء،قال الكسائى:للعرب فى كسر الراء رأى ليس لها فى غيره،و روى عن أبى عمرو أنه قال:أدركت أصحاب ابن مجاهد و هم لا يكسرون شيئا من القرآن إلا نحو:

(و ما أدراك-و-أ فترى-و ترى).

أى أمال ذلك حمزة و الكسائى و أبو عمرو،و مثاله:

(ذكرى-و-اشترى-و-النّصارى-و-القمر).

و تابعهم حفص فى إمالة:

(مجريها).

********

(1) سورة طه،الآيتان:124 و 125.

(2) الآية:97.

ص: 219

فى سورة هود،و لم يمل غيره،و هو و حمزة و الكسائى يقرءونها بفتح الميم،كما يأتى فى السورة،و غيرهم بالضم،و أما إمالة ألف مرساها فلحمزة و الكسائى على أصلهما،لأنها عن ياء،و لم تجاور راء،و قوله:يوالى أى يتابع،و وجه الكلام:و حفص يواليهم،فنقل الضمير من يوالى إلى حفص،فقال و حفصهم يوالى، و الكل صواب،و جعل فى هذا البيت الإمالة لما بعد الراء،و هو الألف على ما ذكرنا،أن هذا هو الحق فى التعبير عن ذلك،و إمالة الراء قبل الألف تبع لها،و ما ذكره فى إمالة:

(تراءا).

مجاز،و اللّه أعلم.

311-[نأى(ش)رع ي(من باختلاف و شعبة

فى الاسرا و هم و النّون(ض)وء(س)نا(ت)لا]

أى إمالة ألف-نأى-شرع يمن لأنها عن ياء،و المشهور عن السوسى الفتح،و وافقهم شعبة على إمالتها فى سورة الإسراء دون فصلت،فلهذا قال:و هم،أى و هم و شعبة أمالوا التى فى سبحان،و إنما احتاج إلى قوله:و هم،لما ذكرناه فى قوله:رمى صحبة،و لم يقل شعبة،ثم قال:و النون،يعنى إمالة النون من-نأى- أمالها خلف و الكسائى لأجل إمالة ما بعدها،و هو سبب من أسباب الإمالة،و أسباب الإمالة التى يذكرها أهل العربية هى انقلاب الألف عن الياء،أو عن كسرة،أو مجاورتها لواحدة منها،أو لإمالة،و لم يأت ذلك للقراء فى غير هذا الحرف،فلم يقرأ:

(هدى-و لا-رمى-و لا-نهار).

و لا نحو ذلك فى هذه الطرق المشهورة،و قوله،و النون:مبتدأ،و ضوء سنا خبره،أى و إمالة النون ضوء أى ذات ضوء،أى لها وجه ظاهر مضىء،و أضافه إلى السنا،و معناه الضوء لاختلاف اللفظين،نحو:

كجلمود صخر خطّه السّيل من عل

و تلا:خبر بعد خبر،و معناه تبع،أى أميل تبعا لما بعده،لا بطريق الأصالة،و يجوز نصب ضوء سنا بقوله تلا،و يكون تلا وحده خبر المبتدأ،و الثناء على هذا لإمالة ما بعد النون،و اللّه أعلم.

312-[إناه(ل)ه(ش)اف و قل أو كلاهما

(ش)فا و لكسر أو لياء تميّلا]

أى لإمالته دليل شاف،و هو أن ألفه منقلبة عن ياء:من أنى يأتى،بمعنى آن يئين،آى حان يحين،و منه قول الشاعر فجمع بين اللغتين:

أ لمّا يئن لى أن تقضى عمايتى و أعرض عن ليلى:بلى قد أناليا

ص: 220

و قال اللّه تعالى:

(أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا 1) .

و أصل أنا أنى تحركت الياء و انفتح ما قبلها قلبت ألفا،فقال:أنا الطعام يأنى إناء،إذا بلغ حال النضج، فمعنى قوله تعالى غير ناظرين إناه،أى غير متحينين وقت نضجه و إدراكه،فأمال ألف إناه هشام مع حمزة و الكسائى،و أما كلاهما فى سبحان،فوجه إمالة ألفه كسرة الكاف إن قلنا:إن الألف منقلبة عن واو؛ و لا يضرنا حجز اللام بينهما،كما أمالت العرب عماد،و إن قلنا ألفه عن ياء فظاهر،فلهذا قال:و لكسر أولياء تميلا،و قياس هذا أن تمال كلتا إذا وقف عليها من قوله:

(كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ 2) .

و لأنها على وزن فعلى عند قوم،قال الدانى فى كتاب الإمالة:يجوز إمالتها مشبعة و غير مشبعة،فى مذهب من تقدم،و عامة القراء و أهل الأداء على القول الأول،يعنى عدم الإمالة،و اللّه أعلم.

و ذكر مكى أيضا فيها الوجهين،و إنما احتاج الناظم إلى ذكر الإمالة فى كلمة كلاهما،خوفا من عدم دخولها فى قاعدة ذوات الياء،على قولنا إنها من ذوات الواو،و لم ترسم بالياء،فنص عليها لذلك،و إلا فلم يوافق حمزة و الكسائى على إمالتها غيرهما،و لم يذكر من قوله رمى صحبة إلى هاهنا،إلا المواضع التى وافقهما على الإمالة فيها غيرهما،مما لو تركه لاندرج فيما سبق،و أما راء:

(تراءا).

فلا اندراج لها فيما تقدم،فنص عليها لحمزة وحده،و اللّه أعلم.

313-[و ذو الرّاء ورش بين بين و فى أرا كهم و ذوات اليا له الخلف جمّلا]

شرع يبين مذهب ورش عن نافع،و جميع إمالته فى القرآن بين بين،إلا الهاء من:

(طه) .

فإنها إمالة محضة،على ما سيأتى فى أول سورة يونس،و صفة إمالة بين بين:أن يكون بين لفظى الفتح و الإمالة المحضة،كما تقول فى همزة بين بين:إنها بين لفظى الهمز و حرف المد،فلا هى همزة و لا حرف مد.

فكذا هنا،لا هى فتح و لا إمالة،و أكثر الناس ممن سمعنا قراءتهم أو بلغنا عنهم يلفظون بها على لفظ الإمالة المحضة،و يجعلون الفرق بين المحضة و بين بين:رفع الصوت بالمحضة و خفضه بين بين،و هذا خطأ ظاهر،فلا أثر لرفع الصوت و خفضه فى ذلك ما دامت الحقيقة واحدة،و إنما الغرض:تمييز حقيقة المحضة من حقيقة بين بين،و هو ما ذكرناه،فلفظ الصوت بين بين يظهر على صورة اللفظ بترقيق الراآت،و قد أطلق العلماء على ترقيق الراآت لفظ بين بين،فدل على ما ذكرناه،و إن كان الأمر فى اتضاحه لا يحتاج إلى شاهد.

قال صاحب التيسير:اعلم أن ورشا كان يميّل فتحة الراء قليلا بين اللفظين.

********

(1) سورة الحديد،آية:16.

(2) سورة الكهف،الآية:33.

ص: 221

و قال فى باب الإمالة:و قرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين،فعبر فى البابين بعبارة واحدة،فدل على اتحاد الحقيقة فيهما،و كذا ذكر فى كتاب الإمالة هو و أبو الطيب ابن غلبون قبله.

و معنى قوله و ذو الراء ورش،أى يقرؤه ورش بين بين.

و معنى قولهم بين بين،و بين اللفظين واحد.

و اللفظان هما الفتح و الإمالة:أى بين هذا و بين هذا،و هو معنى قول مكى:هو صوت بين صوتين، و حكى ابن مهران عن خلف،قال:سمعت الفراء النحوى:«يحيى ابن زياد»يقول:أفرط عاصم فى الفتح، و أفرط حمزة فى الكسر.

قال:و أحب إلى أن تكون القراءة بين ذلك.

قال:خلف،فقلت له:و من يطيق هذا؟قال:كذلك ينبغى أن تكون القراءة،بين الفتح و الكسر، مثل قراءة أبى عمرو رحمه اللّه،و إنما يترك ذلك من يتركه لما لا يقدر عليه،لأنه أمر صعب شديد:

قلت:صدق،و لصعوبته غلب على ألسنة الناس جعله كالإمالة المحضة،و فرقوا بينهما برفع الصوت و خفضه،و هو خطأ،و أسهل ما يظهر فيه إمالة بين بين:الراء،فهو فى نحو:

(ذكرى).

أشد بيانا،فافهم ذلك و ابن عليه.

و عنى الناظم بقوله:و ذو الراء؛ما كانت الألف الممالة المتطرفة فيه بعد الراء،نحو:

(قد نرى-و-القرى).

و هو الذى وافق أبو عمرو و حمزة و الكسائى فى إمالته فى قوله:و ما بعد راء شاع حكما،و لا يدخل فى ذلك ما بعد راء:

(تَراءَا الْجَمْعانِ 1) .

فإنها ليست بمتطرفة،و لكنها واردة على إطلاقه،فإنه لم يقيدها بالألف المتطرفة،كما لم يقيد ألفات ذوات الياء فى أول الباب،و أما قوله تعالى:

(وَ لَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً 2) .

فعن ورش فيه وجهان:الفتح،و بين بين،و الفتح رواية المصريين،لبعد الألف عن الطرف،لكثرة الحروف المتصلة بها بعدها،و الوجهان جاريان له فى ذوات الياء،و الصحيح وجه بين بين،و عليه الأكثر.

قال فى التيسير:و هو الذى لا يوجد نص بخلافه عنه،و قال فى موضع آخر:و هو الصحيح الذى يؤخذ به رواية و تلاوة.

و ليس يريد الناظم بقوله«ذوات الياء»تخصيص الحكم بالألفات المنقلبات عن الياء،فإن إمالة ورش أعم

********

(1) سورة الشعراء،الآية:61.

(2) سورة الأنفال،الآية:43.

ص: 222

من ذلك،فالأولى حمله على ذلك؛و على المرسوم بالياء مطلقا،مما أماله حمزة و الكسائى،أو تفرد به الكسائى أو الدورى عنه،أو زاد مع حمزة و الكسائى فى إمالته غيرهما،نحو:

(رمى-و-أعمى-و-نأى-و-إناه).

و دخل فى ذلك ما فيه ألف التأنيث من فعلى و فعالى،كيف تحركت الفاء،و كذلك:

(ألّ-و-متى-و-عسى-و-بلى).

و كل ثلاثى زائد:

ك(أزكى-و-تدّعى-و كذا-خطايا-و مزجاة-و تقاة-و حقّ تقاته-و الرّءيا-كيف أتت-و-مثواى-و-محياى-و-هداى).

و قد نص على ذلك كله أبو عمرو الدانى فى كتاب الإمالة،مفرقا فى أبوابه،و كشفت الأبواب التى فيها ذوات الواو مما جازت إمالته لحمزة و الكسائى،أو الكسائى وحده،فوجدته لم يذكر لورش بين بين،فى:

(مشكاة-و لا-مرضاة-و لا-كلاهما-و أما-تلاها-و-دحاها-و-طحاها).

فساقها فى باب فعل المعتل اللام،نحو:

(أتي-و-سعى-و-قضى-و-سجى).

و قال فى آخره:و قرأ نافع الباب كله على نحو ما تقدم من الاختلاف عنه فى ذوات الياء،و أقرأنى ابن غلبون لورش بفتح جميع ذلك،إلا ما وقع منه رأس آية فى سورة،أواخر آيها على ياء،و ليس بعد الياء كناية مؤنث، فإنه بين اللفظين.

قلت:فخرج من مذهب ابن غلبون أن ورشا يميل:

(سجى).

فى سورة و الضحى،لأنه رأس آية،و ليس فى آخرها هاء،و لا يميل:

(دحاها-و-تلاها-و-طحاها).

و يميل الجميع على الرواية الأولى و سنوضح ذلك أيضا فى البيت الآتى،و أما ما كسر أوله أو ضم من ذوات الواو،و هو الذى اتفق حمزة و الكسائى على إمالته،و هو:

(ضحاها-و-الضّحى-و-الربا-و-القوى).

ففيه نظر،فإن الدانى جمع فى باب واحد من كتاب الإمالة ذكر الأسماء المقصورة فى القرآن،سواء انفتح أولها،نحو:

(الهوى-و-فتاها).

أو انكسر نحو:

ص: 223

(الرّبا-و الزّنا).

أو انضم نحو:

(الهدى-و الضّحى-و القوى).

و قال فى آخره:و قرأ نافع جميع ذلك على ما تقدم من الاختلاف عنه فى باب فعل.

و اقرأنى ابن غلبون لورش ما كان من ذلك فيه راء أو وقع رأس آية و لم يتصل بها ضمير مؤنث بين اللفظين و ما عدا ذلك بإخلاص الفتح.

قلت:فحصل لنا من ظاهر مجموع ذلك أن رءوس الآى مما لا هاء فيه تمال بلا خلاف.

(كالضّحى-و-القوى).

و ما فيه الهاء من رءوس الآى كالذى لا هاء فيه من غير رءوس الآى ففيه الوجهان:

ك(ضحاها-و-تلاها-و جلاها-و-بناها).

و استخراج ذلك من كتاب التيسير مشكل،فإنه ذكر ذوات الياء،ثم قال:و قرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين،إلاّ ما كان من ذلك فى سورة أواخر آيها،على هاء،فإنه أخلص الفتح فيه،على خلاف بين أهل الأداء فى ذلك.

هذا،ما لم يكن فى ذلك راء،يعنى فإنه يميله بلا خلاف بين بين،نحو:

(ذكراها-كما يميل-ذكرى).

فى غير رءوس الآى،و هو داخل فى قوله:و ذو الراء ورش بين بين،ثم ذكر صاحب التيسير ما تفرد الكسائى بإمالته،و فيه أربع كلمات من ذوات الواو:

(سجى-و-دحاها-و-تلاها-و-طحاها-و فيه-مرضاة).

و ذكر فى الفصل بعينه ما اتفقا عليه من إمالة:

(الضّحى-و-الرّبا-و-كلاهما).

ثم قال:و قد تقدم مذهب ورش فى ذوات الياء،و هذه العبارة تحتمل معنيين:

أحدهما أن يريد أنه فعل فى هذا الفصل ما فعله فى ذوات الياء،فيلزم من ذلك أنه يميل.

(مرضاة-و-كلاهما-كما يميل-الرّيا-و-الضّحى-و-سجى-و-دحاها).

و لم أره فى كتاب الإمالة ذكر لورش إمالة فيهما.

و الثانى أن يريد أنه أمال من هذا الفصل ما كان من ذوات الياء كما تقدم،فيلزم من ذلك أن لا يميل ذوات الواو فى رءوس الآى،و لا الرّبا،و قد ذكرنا عبارته من كتاب الإمالة،و هى تقتضى إمالة ذلك،ثم ذكر صاحب التيسير ما انفرد الدورى بإمالته،ثم قال:و فتح الباقون ذلك كله،إلا قوله عز و جل:

ص: 224

(رؤياك).

فإن أبا عمرو و ورشا يقرءانه بين بين،على أصلهما،و لم يستثن:

(مثواى-و لا-محياى-و-هداى).

و هى ممالة لورش بين بين،لأنها من ذوات الياء،فأعمل على ما ذكره فى كتاب الإمالة فإنه بين فيه مذهب ورش فى كل فصل و باب و حرف،و أما:

(الدّنيا-و-العليا).

فممالان،إذ أنهما من باب فعلى؛إلا أنهما من ذوات الواو،و لم يرسما بالياء،فلا يمكن إدخالهما فى قوله و ذوات اليا،فإنهما ليسا من ذوات الياء أصلا و لا رسما،و إنما هما منها إلحاقا،فإن ألفهما ألف تأنيث ترجع ياء فى التثنية و الجمع،و اللّه أعلم.

فهذا البيت و الذى بعده من مشكلات هذه القصيدة،و استخراج مذهب ورش منهما صعب،لا سيما إذا أريد ضبط مواضع الوفاق و الخلاف،و قد تحيلنا فى إدخال كثير مما أماله فى قوله ذوات اليا باعتبار الأصل و الرسم،و الإلحاق،و أما كل ما أماله من ذوات الواو فهو رأس آية سيأتى بيانه و شرحه فى البيت الآتى،إلا لفظ (الرّبا).

فإنه ليس برأس آية،و فى إمالته نظر عن ورش،على ما دل عليه كلام الدانى فى كتاب الإمالة، و لكنه نص فى كتاب إيجاز البيان على أن جميع ما كان من ذوات الواو فى الأسماء و الأفعال نحو:

(الصّفا-و-الرّبا-و-عصاى-و-سنابرقه-و-شفا جرف-و-مرضاة اللّه-و-خلا و-عفا-و-دعا-و-بدا-و-دنا-و-علا-و-ما زكى).

فورش يخلص الفتح فى جميعه إلا ما وقع آخر آية،نحو:

(الضّحى-و-سجى-و كذا- وَ أَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى 1) .

عند الوقف و اللّه أعلم.

314-[و لكن رءوس الآى قد قلّ فتحها له غير ماها فيه فاحضر مكمّلا]

يعنى أن رءوس الآى لا يجرى فيها الخلاف المذكور،بل قراءته لها على وجه واحد،و هو بين اللفظين، و عبر عن ذلك بقوله:قد قل فتحها،يعنى أنه قلله بشيء من الإمالة،و قد عبر عن إمالة بين بين بالتقليل فى مواضع،كقوله:و ورش جميع الباب كان مقللا،و التقليل جادل فيصلا،و قلل فى جود،و عن عثمان فى الكل قللا،و أراد برءوس الآى:جميع ما فى السور المذكورة الإحدى عشرة،سواء كان من ذوات الواو، أو من ذوات الياء،و قد نص الدانى على ذلك فى كتاب:إيجاز البيان،و إنما لم يجيء وجه الفتح فيها إرادة أن تتفق ألفاظها،و لا يختلف ما يقبل الإمالة منها،و ذلك أن منها ما فيه راء،نحو:

********

(1) سورة طه،الآية 59.

ص: 225

(الثرى-و-الكبرى).

و ذاك ممال لورش بلا خلاف،فأجرى الباقى مجراه ليأتى الجميع على نمط واحد،ثم استثنى من ذلك ما فيه هاء،أى غير ما فيه لفظ هاء،نحو:

(ذكراها-و-بناها-و-طحاها).

و هذا التقدير أولى من أن يقول:تقديره غير ما هاء فيه،أى ما فيه هاء بالمد،لما يلزم فى ذلك من قصر الممدود و الابتداء بالنكرة من غير ضرورة إلى ذلك،و لأنه يوهم أيضا استثناء ما فيه مطلق الهاء،فيدخل فى ذلك هاء المذكر،نحو:

(تقواهم-و-ذكراهم).

و إنما المراد هاء ضمير المؤنث.

قال الشيخ:و هو ينقسم على ثلاثة أقسام:ما لا خلاف عنه فى إمالته نحو:

(ذكراها).

و ذلك داخل فى قوله:و ذو الراء ورش بين بين.

و ما لا خلاف عنه فى فتحه،نحو:

(ضحاها).

و شبهه من ذوات الواو.

و ما فيه الوجهان،و هو:ما كان من ذوات الياء.

قلت:و تبع الشيخ غيره فى ذلك،و عندى أنه سوى بين جميع ما فيه الهاء،سواء كانت ألفه عن ياء أو واو،فيكون فى الجميع وجهان،و قد تقدم ما دل على ذلك من كلام الدانى فى كتاب الإمالة،و قال أيضا فى الكتاب المذكور:اختلف الرواة و أهل الأداء عن ورش فى الفواصل إذا كن على كناية المؤنث،نحو آى:

(وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها) .

و بعض آى:

(وَ النّازِعاتِ) .

فأقرأنى ذلك أبو الحسن عن قراءته باخلاص الفتح،و كذلك رواه عن ورش:أحمد بن صالح،و أقرأنيه أبو القاسم و أبو الفتح عن قراءتهما بإمالة بين بين،و ذلك قياس رواية أبى الأزهر و أبى يعقوب و داود عن ورش.

قلت:وجه المغايرة بين ما فيه ضمير المؤنث و غيره من رءوس الآى:أن الألف فى:

(ضحاها).

و نحوه ليست طرفا للكلمة يحصل بإمالتها مشاكلة رءوس الآى،بل المشاكلة حاصلة بضمير المؤنث،فلم

ص: 226

تكن حاجة إلى إمالة الألف قبله،فصارت الكلمة كغيرها مما ليس برأس آية،فجرى فيها الخلاف،و من سوّى فى الإمالة بين:

(ضحاها-و-الضّحى).

قصد قوة المشاكلة بالإمالة و ضمير المؤنث،فتقع المشاكلة طرفا و وسطا،و قوله:فاحضر مكملا،أى لا تغب عنه،فالمذكور مكمل البيان،فيكون مكملا مفعولا به،أى احضر كلاما مكملا،أو يكون التقدير احضر رجلا مكملا فى هذا العلم يفهمك إياه،أى لا تقتد و لا تقلد إلا مكمل الأوصاف،كمالا شرعيا،معتادا، فالكمال المطلق إنما هو للّه عز و جل،و يجوز أن يكون مكملا نعت مصدر محذوف،أو حالا،أى احضر حضورا مكملا،أى لا تكن حاضرا ببدنك،غائبا بذهنك و خاطرك،أو احضر فى حال كونك مكملا،أى بجملتك من القلب و القالب،و اللّه أعلم.

و إنما قال ذلك-على أى معنى قصده من هذه المعانى-لصعوبة ضبط مذهب ورش هنا،فأشار إلى تفهمه و البحث عنه و إلقاء السمع لما يقوله الخبير به،و قد تخلص من مجموع ما تقدم:أن ورشا يميل بين اللفظين كل ألف بعد راء،و رءوس الآى غير المؤنثة بلا خلاف،و فى المؤنثة الخالية من الراء،و فى كلمة:

(أراكهم).

و فى ذوات الياء انقلابا أو رسما أو إلحاقا خلاف،و لا يميل:

(مرضاة-و لا-كلا-و لا-كمشكاة-و لا-الرّبا).

من مجموع ما تقدم إمالته،و باقى ما تقدم لورش على التفصيل المذكور،و وقع لى فى ضبط ذلك بيتان، فقلت:

و ذو الراء ورش بين بين و فى رءو س الآى سوى اللاتى تحصلا

بها و أراكهم و ذى اليا خلافهم كلا و الربا مرضاة مشكاة أهملا

فذكر أولا ما يميله بلا خلاف،ثم ما فيه وجهان،ثم ما امتنعت إمالته،و اللّه أعلم.

315-[و كيف أتت فعلى و آخر آى ما تقدّم للبصرى سوى راهما اعتلا]

أى و أميل لأبى عمرو بين بين:فعلى،كيف أتت،بفتح الفاء،نحو:تقوى-و-شتى-و-يحيى-أو بكسرها،نحو:إحدى-و-عيسى-أو بضمها نحو:الحسنى-و-موسى-و كذا أواخر الآى من السور المقدم ذكرها،و عطف ذلك على قراءة ورش،فعلم أنها بين اللفظين فلا يزال فى ذلك إلى أن يذكر الإمالة لحمزة مثل:ما أنه قال،و إدغام باء الجزم،و عطف عليها مسائل أخر،و لم يذكر الإدغام،فحملت عليه إلى أن قال:و يس أظهر؛و عطف المسائل إلى آخر الباب،و حمل الجميع على الإظهار،و قوله:سوى راهما اعتلا،أى سوى ما وقع من بابى:فعلى،و رءوس الآى،بالراء قبل الألف،نحو:

ص: 227

(ذكرى- وَ ما كُنّا ظالِمِينَ (1) - هُدىً وَ بُشْرى (2) - رُسُلَنا تَتْرا (3) - وَ ما تَحْتَ الثَّرى (4) - و- مَآرِبُ أُخْرى (5) - وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى 6) .

فإنه يميله إمالة محضة على ما تقدم له من ذلك فى قوله و ما بعد رآء شاع حكما،فالضمير فى راهما يعود على فعلى،و على آخر آى:ما تقدم،و قصر لفظ الراء ضرورة،كما قصر الياء من قوله،و ذوات اليا له الخلف، و فى جملا ضمير يعود على الخلف،و يجوز أن تكون الألف فيه للتنبيه،لأن معنى الخلف وجهان،فكأنه قال وجهان جملا،كما قال ذلك فى باب المد و القصر؛و قوله اعتلا الضمير فيه عائد على الراء،أى اعتلا فى الإمالة أو يعود على الإضجاع،أى اعتلت الإمالة فيه،فكانت محضة،و قد اختلف فى سبعة مواضع من تلك السور أ هي رأس آية أم لا،فيبنى مذهب أبى عمرو و ورش على ذلك الأول فى طه:

(وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى 7) .

عدها الشامى وحده،و الثانى فيها أيضا:

(هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى) .

عدها المدنى الأول،و الكوفى و الثالث فيها أيضا:

(فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً 8) .

لم يعدها الكوفى،و الرابع فى و النجم:

(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى 9) .

عدها الشامى،و الخامس فى و النازعات:

(فَأَمّا مَنْ طَغى) .

لم يعدها المدنى و الساس فى و الليل:

(إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) .

لم يعدها بعض أهل العدد،و هو غلط،و السابع فى اقرأ:

(أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) .

تركها الشامى،و ليس قوله:

********

(1) سورة الشعراء،آية:209.

(2) سورة البقرة،آية:97.

(3) سورة المؤمنون،آية:44.

(4) سورة طه،آية:6.

(5) سورة طه،آية:18.

(6) سورة طه،آية:61.

(7) سورة طه،آية:88.

(8) سورة البقرة،آية:28.

(9) سورة النجم،آية:290.

ص: 228

(فَأَمّا مَنْ أَعْطى) .

فى سورة و الليل برأس آية،و قوله تعالى:

(فَأَوْلى لَهُمْ - أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) .

قيل:هو أفعل،و قيل:هو فعلى،و قوله تعالى:

(يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى) .

هو مفعل و ليس فعلى،قال مكى.

و اختلف عنه فى:

(يحيى).

فمذهب الشيخ أنه بين اللفظين،و غيره يقول بالفتح،لأنه يفعل.

قلت:يعنى يحيى اسم النبى عليه الصلاة و السلام،و أما نحو:

(و يحيى من حىّ).

فهو يفعل بلا خلاف:

(كيسعى-و-يخشى-و يصلى)فاعلم ذلك.

316-[و يا ويلتا أنّى و يا حسرتى(ط)ووا و عن غيره قسها و يا أسفى العلا]

يعنى أن الدورى عن أبى عمرو أمال هذه الكلم الأربع بين بين،و هذا الحكم منقول فى التيسير و غيره عن أبى عمرو البصرى نفسه،لكنه قال من طريق أهل العراق،و تلك طريق الدورى،قال:و من طريق أهل الرقة بالفتح،يعنى طريق السوسى،و روى عنه فتحها،و روى فتح:

(يا أَسَفى) .

و إمالة الثلاثة الباقية،و هذه طريق أبى الحسن ابن غلبون و والده أبى الطيب،فلهذا اختزل الناظم:

(يا أَسَفى) .

عن أخواتها،و ألحقها بها،أرادوا يا أسفى كذلك،و كأنه أشار بقوله طووا إلى ذلك،أى طووه و لم يظهروه إظهار غيره،فوقع فيه اختلاف كثير،ثم قال:و عن غير الدورى قسها على أصولهم،فتميل لحمزة و الكسائى،لأن الجميع من ذوات الياء رسما و قد تقدم الكلام فى:

(ألّى).

و الألف فى:

(ويلتا-و-حسرتى-و-أسفى).

منقلبة عن ياء،و الأصل إضافة هذه الكلمات إلى ياء المتكلم،و تميل لورش بين اللفظين على أصله فى ذوات

ص: 229

الياء،بخلاف عنه،و افتح للباقين،و إن كان ظاهر ما فى التيسير أن ورشا لا يميلها،لأنه ذكر مذهب أبى عمرو ثم قال:و أمال ذلك حمزة و الكسائى على أصلهما،و قرأه الباقون بإخلاص الفتح فى جميع ما تقدم،و قوله:

«العلا»صفة لهذه الكلمات،أى هى العلا،و لو قال و يا أسفى على لكان أحسن،لأنه لفظ القرآن.

فإن قلت:إنما عدل عنه لئلا يلتبس،و يوهم أن على من جملة الكلمات الممالة،و أن التقدير:و يا أسفا و على.

قلت:زال هذا الإلباس بنصه فيما سبق على أن على لا تمال،سلمنا الإلباس،لكنا نقول الإلباس أيضا واقع فى قوله العلا،فإنه من ألفاظ القرآن أيضا،فيقال لعله أراد.و العلا،و لفظ العلا لا يختص الدورى بإمالته بين اللفظين،بل ذلك لأبى عمرو بكماله و لورش،لأنها رأس آية،ثم إنه يلتبس أيضا من وجه آخر، لأنه يوهم أنه رمز لنافع فى و يا أسفى،و تكون الواو فى يا أسفى للفصل،و اللّه أعلم.

317-[و كيف الثّلاثى غير زاغت بماضى أمل خاب خافوا طاب ضاقت فتجملا]

أى و كيف أتى اللفظ الذى على ثلاثة أحرف من هذه الأفعال العشرة التى يأتى ذكرها بشرط أن تكون أفعالا ماضية،فإمالتها لحمزة،و كلها معتلة العين،و الإمالة واقعة فى وسطها بخلاف ما تقدم كله،فإن الإمالة كانت واقعة فى الطرف،و كلها من ذوات الياء إلا واحد،و هو:خاف،أصله خوف،فأميل لأجل الكسرة التى كانت فى الواو،و لأن الخاء قد تنكسر فى نحو:خفت،إذا رددت للفعل إلى نفسك أو إلى مخاطبك كما تكسر أوائل أخواتها لذلك،و لأن الألف قد تنقلب ياء إذا بنى الفعل لما لم يتم فاعله،نحو:خيف زيد» (وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) .

و زيد فى المال،و رين على قلبه،ذكر فى هذا البيت أربعة من العشرة،و هى:خاب،و خاف،و طاب و ضاق،و مثل بالفعل المجرد فى:خاب،و طاب،و المتصل بالضمير فى:خافوا،و بالملحق به تاء التأنيث فى ضاقت،و استثنى من هذا لفظا واحدا فى موضعين،و هو زاغت فى الأحزاب و ص،و معنى قوله:

و كيف الثلاثى،أى سواء اتصل به ضمير،أو لحقته تاء تأنيث،أو تجرد عن ذلك:أى أمله على أى حالة جاء بعد أن يكون ثلاثيا نحو:

(وَ خافَ وَعِيدِ -و- خافُوا عَلَيْهِمْ - خافَتْ مِنْ بَعْلِها) .

و احترز بالثلاثى عن الرباعى،فإنه لا يميله،و هو:

(فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ - أَزاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ) لا غير.

و المرد بالثلاثى هنا أن يكون الفعل على ثلاثة أحرف أصول،و الرباعى ما زاد على الثلاثة همزة فى أوله، دون ما زاد فى آخره ضمير أو علامة تأنيث؛فلهذا أمال نحو:

(خافت-و لم يمل-أزاغ اللّه قلوبهم).

و إن كانت عدة الحروف فى كل كلمة أربعة،فإن الهمزة مقومة للفظ الفعل،بخلاف التاء و الواو فى:

(خافت-و-خافوا).

و احترز بقوله بماضى عن غير الفعل الماضى،فلا يميل:

ص: 230

(يَخافُونَ رَبَّهُمْ -و لا- وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ -و لا-تخاف-و لا- ما تَشاؤُنَ) .

و نحوه،و لا يتصور الألف فى مضارع باقى الأفعال العشرة،بل تنقلب فيها ياء نحو:يخيب،يطيب، و استثنى من الماضى أيضا زاغت،كما مضى جمعا بين اللغتين،إلا أنه فى التيسير قال:زاغ فى النجم (1).و زاغوا فى الصف (2)لا غير،و كذا قال مكى،و قال الدانى فى كتاب الإمالة:أما زاغ فجملته ثلاثة مواضع فى الأحزاب:

(وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) .

و فى النجم و الصف،فأما فى ص:

(أَمْ زاغَتْ -و فى الصف- أَزاغَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ) .

فلا خلاف فى فتحهما،و استثنى ابن شريح فى الجميع ما اتصل بتاء تأنيث،و لم يستثن ابن الفحام ذلك، و طاب فى القرآن موضع واحد:

(ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ -و إنما لم يمل-أجاءها).

و أزاغ تخفيفا،لأن فى إمالة ذلك ثقلا من جهة انحدار اللفظ بعد همزة،ثم صعوده إلى مثلها،و إلى حرف استعلاء، فهو مشبه بنزول واد و الصعود منه،فاختير اتصال اللفظ على سنن واحد،كما يختار السنن كذلك،و إنما لم يمل:

(يخاف-و-يشاء).

لأن الألف فى المضارع من هذين الفعلين مفتوح الأصل،إذ التقدير (يخيف و يشيأ).

و لا ينكسر أوله إذا رد الفعل إلى المتكلم و المخاطب،و لا تنقلب ألفه ياء إذا بنى لما لم يسم فاعله،بخلاف الماضى فى هذه الوجوه كلها،فلهذا أمال الماضى دون المضارع.

و قوله بماضى كسر الياء و نونها،و هذا هو الأصل،و لكنه متروك،لا يأتى إلا فى ضرورة الشعر قال جرير:

فيوما يجازين الهوى غير ماضى

و وجه الكلام ماض بحذف الياء و إبقاء التنوين على كسر الضاد فى الرفع و الجر.

و الفاء فى فتجملا رمز لحمزة،و نصب الفعل بإضمار أن بعدها فى جواب الأمر فى قوله:أمل،و هو من أجمل إذا فعل الجميل ثم ذكر باقى الأفعال العشرة فقال:

318-[و حاق و زاغوا جاء شاء و زار(ف)ز و جاء ابن ذكوان و فى شاء ميّلا]

فهذه خمسة أفعال،و تقدم أربعة،و العاشر يأتى فى البيت الآتى؛و الفاء فى فز:رمز حمزة أيضا،ثم ذكر أن ابن ذكوان وافق حمزة فى امالة ألف:جاء،و شاء،و زاد على ما يأتى فى البيت الآتى،و وجهه خلو هذه الأفعال الثلاثة من حروف الاستعلاء قبلها و بعدها،بخلاف الستة الباقية،فإن ثلاثة منها حرف الاستعلاء فى أوائلها و هى:خاب-خاف-طاب-و اثنان حرف الاستعلاء فى آخرهما،و هما-حاق-و-زاغ-و واحد حرف الاستعلاء فى أوله و آخره،و هو-ضاق-و حروف الاستعلاء تمنع الإمالة إذا وليت الألف قبلها أو بعدها فى الأسماء،فتجنبها ابن ذكوان أيضا فى الأفعال.

********

(1) الآية:17.

(2) الآية:5.

ص: 231

و قوله جاء مبتدأ و ابن ذكوان خبره،أى و جاء ممال ابن ذكوان على حذف مضاف و فى شاء ميلا،أى و أوقع الإمالة فى شاء،و لو قال:و جاء و فى شاء ابن ذكوان ميلا لكان جاء مفعول ميل،و من لا يعرف مقاصد هذا الكتاب يعرب جاء ابن ذكوان فعلا و فاعلا،ثم ذكر الفعل الثالث الذى أماله فقال:

319-[فزادهم الأولى و فى الغير خلفه و قل(صحبة)بل(ران و اصحب معدّلا]

يعنى أول ما فى القرآن من كلمة زاد،و هى قوله تعالى فى أول البقرة:

(فَزادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) .

هذه يميلها ابن ذكوان بلا خلاف،و فى غير هذا الموضع له فى إمالة لفظ زاد كيف أتى خلاف و لا يقع فى القرآن إلا متصلا بالضمير،إلا أنه على وجوه نحو:

(فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ - وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً - فَزادُوهُمْ رَهَقاً) .

و قول الناظم فزادهم إما أن يكون معطوفا على ما قبله و حذف حرف العطف،فإن حذفه لضرورة الشعر جائز إذا دل عليه دليل،و إما أنه مبتدأ و خبره محذوف،أى فزادهم الأولى كذلك،أى أماله ابن ذكوان، و أما الفعل العاشر،فقوله سبحانه:

(بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) .

وافق حمزة الكسائى على إمالته،و أبو بكر عن عاصم و لم يملها ابن ذكوان،لأن الراء غير المكسورة إذا وليت الألف كان لها حكم حروف الاستعلاء،و قوله و اصحب معدلا،مثل قوله فيما سبق:فاحضر مكملا على قولنا:أن المعنى رجلا مكملا،كأنه لمح من لفظ صحبة ما يختار فى نفس الصحبة،فحث عليه رحمه اللّه:

320-[و فى ألفات قبل را طرف أتت يكسر أمل(ت)دعى(ح)ميدا و تقبلا]

و هذا نوع آخر من الممالات،و هى كل ألف متوسطة قيل راء مكسورة،تلك الراء طرف الكلمة احترازا من نحو:

(نمارق- فَلا تُمارِ فِيهِمْ ).

لأن الراء فيهما عين الكلمة،أما فى-نمارق-فظاهر،و أما فى-فلا تمار-فلأن لام الفعل ياء،و حذفت للجزم و اشترط صاحب التيسير و مكى و ابن شريح فى الراء أن تكون لام الفعل،و هو منتقض بالحواريين، فإن الراء فيهما لام الكلمة،و لا تمال الألف قبلها،فإن ياء النسبة حلت محل الطرف،فأزالت الراء عن الطرف بخلاف الضمائر المتصلة فى نحو أبصارهم،فإنها منفصلة تقديرا باعتبار مدلولها،فلم تخرج الراء عن كونها طرف كلمة أيضا،و أما الياء فى حوارىّ فأزالت الراء عين الطرف،و لهذا انتقل الإعراب إلى ياء النسبة،و حرف الإعراب من كل معرب آخره،و المسوغ للإمالة فى هذه الألف كسرة الراء بعدها.

و قوله و فى ألفات مفعول أمل أى أوقع الإمالة فيها،و قوله تدعى مجزوم،تقديرا لأنه جواب الأمر، و إنما أجراه مجرى الصحيح،فلم يحذف ألفه،كما قرئ.

(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ) .

ص: 232

بإثبات الياء كما يأتى و نصب و تقبلا،لأنه فعل مضارع بعد الواو فى جواب الأمر،كما تقول زرنى و أكرمك و ليس بمعطوف على تدعى،بل على مصدره و سيأتى نظير هذا فى قوله تعالى:

(وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ) .

بالنصب فى سورة الشورى،و قد استعمل الناظم هذه العبارة أيضا فى سورة الرحمن عز و جل،فقال:

(يطمث).

فى الأولى ضم تهدى و تقبلا،و قال الشيخ و غيره أراد و تقبلن،أى و لتقبلن ثم حذف اللام،و أبدل من النون ألفا.

321-[كأبصارهم و الدّار ثمّ الحمار مع حمارك و الكفّار و اقتس لتنضلا]

مثل هذا النوع بأمثلة متعددة،خاليا من الضمير و متصلا به،غائبا و مخاطبا،و هو يأتى فى القرآن على عشرة أوزان،ذكر الناظم منها أربعة أفعال و فعل و فعال و فعال،و بقى ستة فعال نحو:كفار و سحار،و فعال،نحو:

نهار،و بوار،و فعال،نحو:دينار،أصله دنار فأبدلت النون الأولى ياء،و فعلال،و هو قنطار،و مفعال و هو بمقدار،و إفعال،و هو إبكار،و اقتس:أى قس على ما ذكرته ما لم أذكره،فهو مثل قرأ و اقترأ،و قوله «لتنضلا»أى لتغلب،يقال:ناضلهم فنضلهم،إذا رماهم فغلبهم فى الرمى و يلزم أن يكون من هذا الباب:

(مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ 1) .

و هو الذى انفرد الدورى بإمالته كما يأتى،فإن الراء طرف و الياء ضمير كالضمير فى:

(أبصارهم-و-حمارك).

322-[و مع كافرين الكافرين بيائه

و هار(ر)وى(م)رو بخلف(ص)د(ح)لا]

أى و أمالا الكافرين مع كافرين،يعنى معرفا و منكرا،و بيائه فى موضع الحال،أى أمالا هذا اللفظ فى هذه الحالة،و هى كونه بالياء التى هى علامة النصب و الجر،احترز بذلك عن المرفوع نحو:كافرون،و الكافرون فإن ذلك لا يمال،لأن الراء غير مكسورة،و لا يميلان أيضا ما هو على وزن كافرين بالياء،نحو،صابرين- و قادرين-و-بخارجين-و-الغارمين،و أما-هار-من قوله تعالى:

(عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) .

فأصله هاور أو هاير،من هار يهور،و يهير،ثم قدمت اللام إلى موضع العين،و أخرت العين إلى موضع اللام،و فعل فيه ما فعل بقاض،فالراء على ما استقر عليه الأمر آخرا ليست بطرف،و بالنظر إلى الأصل هى طرف،و لكن على هذا التقرير لا تكون الألف تلا الراء التى هى طرف،بل بينهما حرف مقدر فصار مثل كافرين،بين الألف و الراء حرف محقق،و قوله مرو،هو اسم فاعل،من أروى غيره،و هو فاعل روى

********

(1) سورة الصف،آية:14.

ص: 233

أى نقل رجل عالم معلم،و صد نعته و معناه العطشان،أى هو مرو لغيره بالعلم صد إلى تعلم ما لم يعلم كقوله عليه الصلاة و السلام:

«منهومان لا يشبعان:طالب علم،و طالب دنيا».

أو يكون صد مفعولا و لم ينصبه ضرورة،أى أمال هار الكسائى بكماله،و ابن ذكوان،بخلاف عنه، و أبو بكر و أبو عمرو،فإن قلت يظهر من نظم هذا البيت أن الذين أمالوا هار أمالوا كافرين،لأنه قال:و مع كافرين،و لا مانع من أن تكون الواو فى و مع فاصلة بعد واو و اقتس،و إذا كان الأمر كذلك و لم يذكر بعده من أماله فيظهر أن قوله و هار عطف عليه،و الرمز بعده لهما،فيكون كقوله فى آل عمران:

(سنكتب).

ياء ضم البيت ذكر فيه ثلاث قراءات فى ثلاث كلمات،ثم رمز لهن رمزا واحدا قلت:لا مانع من توهم ذلك،و يقويه أن كافرين و هار كلاهما ليس داخلا فى الضابط المقدم لأبى عمرو و الدورى على ما شرحناه،فإنه فصل بين الألف و الراء الفاء فى كافرين،و فى هار حرف مقدر،إما واو،و إما ياء،و على الوجه الآخر لا تكون الراء طرفا،و إذا خرجا من ذلك الباب قوى الوهم فى أن من أمال أحدهما أمال الآخر،و لو كان أسقط الواو من و مع،و قال مع الكافرين كافرين لزال الوهم،أى أمالا هذا مع الكافرين،و لو قال كذا كافرين الكافرين لحصل الغرض،و اللّه أعلم.

323-[(ب)دار و جبّارين و الجار(ت)مّموا و ورش جميع الباب كان مقلّلا]

بدار رمز قالون،لأنه من جملة من أمال هار،و معناه:بادر مثل قولهم:نزال،أى:انزل،أى بادر إلى أخذه و معرفته،و أما الدورى وحده جبارين فى المائدة و الشعراء و الجار فى موضعين فى النساء و الشعراء، فتمموا الباب بإمالة هذين له،و ورش قلل جميع هذا الباب،أى أماله بين اللفظين،من قوله و فى ألفات قبل را طرف إلى هنا،و اللّه أعلم.

334-[و هذان عنه باختلاف و معه فى ال بوار و فى القهّار حمزة قلّلا]

يعنى جبارين و الجار عن ورش خلاف فى تقليلهما،و وافق حمزة ورشا فى تقليل-البوار-و-القهار- فقط؛و اللّه أعلم.

235-[و إضجاع ذى راءين(ح)جّ(ر)واته كالأبرار و التّقليل(ج)ادل(ف)يصلا]

الإضجاع الإمالة،و حج رواته رمز،و معناه غلبوا فى الحجة،أى إضجاع ذى راءين مما ذكرناه؛أى تكون الألف قبل راء مكسورة طرف،و مثاله:

(من الأشرار-و-دار القرار-و-كتاب الأبرار-فقوله-إنّ الأبرار).

لا يمال،لأن الراء مفتوحة،كما لا يمال-خلق الليل و النهار-و فيصلا حال من الضمير فى جادل العائد على التقليل،لأن التقليل متوسط بين الفتح و الإمالة،أى أمال ذلك أبو عمرو و الكسائى بكماله و قرأه ورش و حمزة بين اللفظين،و اللّه أعلم.

ص: 234

326-[و إضجاع أنصارى(ت)ميم و سارعوا نسارع و البارى و بارئكم(ت)لا]

يريد قوله تعالى:

(مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ) .

فى آل عمران و الصف- وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ - نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ -و البارئ-فى الحشر-و بارئكم- فى موضعين فى البقرة،انفرد بإمالة ما فى هذا البيت و الذى بعده الدورى عن الكسائى،و التاء فى تميم،و تلا رمز:كل واحد منهما رمز لما سبقه من الألفاظ،و كذا آخر البيت الآتى،و أشار بقوله:تميم إلى أن الإمالة هى لغة تميم،على ما سبق نقله فى أول الباب،و هو على حذف مضاف:أى الإضجاع لغة تميم،و لو قال:و اضجع:

(أنصارى).

تميم،لكان حسنا،و لم يحتج إلى حذف مضاف و الضمير فى تلا فاعل يعود إلى المقصود بقوله تميم،و هو القارى،كما قال فى البيت الآتى عنه،و يجوز أن يريد تبع هذا المذكور ما قبله فى الإمالة و وجه إمالة الألف فى هذه المواضع ما بعدها من الكسر على الراء،مع أن الراء ظرف فى أنصارى،و لو لم يذكر هاهنا مع ما اختص بالدورى لكانت واجبة الإمالة فى مذهب أبى عمرو أيضا على القاعدة السابقة.

327-[و آذانهم طغيانهم و يسارعو ن آذاننا عنه الجوارى(ت)مثّلا]

و جميع فى هذا البيت انفرد بإمالته الدورى عن الكسائى،و الضمير فى عنه له،و التاء فى تمثلا رمزه لأجل لفظ الجوارى،و قيل:الرمز هو قوله تميم،و ما ذكرناه واضح،و إنما أميلت هذه الألفاظ الخمسة للكسر المجاور للألف بعدها،مع كون الكسرة على راء فى-يسارعون-و-الجوار-و مع زيادة-فى طغيانهم-و هى مجاورة الياء للألف من قبلها-و آذانهم-فى القرآن فى سبعة مواضع فى البقرة و الأنعام و سبحان و الكهف فى موضعين و فصلت و نوح-و-طغيانهم-فى خمس سور فى البقرة و الأنعام و الأعراف و يونس و المؤمنون و لا يمال طغيانا كبيرا إلا فى رواية شاذة عن الكسائى،و يسارعون فى سبعة مواضع:فى آل عمران موضعان، و فى المائدة ثلاثة،و فى الأنبياء و المؤمنون-و-آذاننا-فى فصلت فقط،و الجوار فى ثلاث سور فى حم عسق و الرحمن،و كورت،و صواب قراءته فى النظم بغير ياء،لأن قراءة من أمالها كذلك فى حم عسق،و أجمعوا على حذفها فى:الرحمن،و كورت،للساكن بعدها،ثم ذكر ما اختلف فيه عن الدورى،فقال:

328-[يوارى أوارى فى العقود بخلفه ضعافا و حرفا النّمل آنيك(ق)وّلا]

العقود هى:سورة المائدة،يريد قوله تعالى:

(كَيْفَ يُوارِي (1) - فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي 1) .

و لم يذكر صاحب التيسير فيهما إمالة،و قال فى كتاب الإمالة:اجتمعت القراءة على إخلاص الفتح فيهما،

********

(1) آية:31.

ص: 235

إلا ما حدثنا به عبد العزيز بن جعفر بن محمد[هو ابن أبى غسان الفارسى]قال:حدثنا أبو طاهر بن أبى هاشم:

قال:قرأت على أبى عثمان الضرير عن أبى عمرو عن الكسائى:

(يوارى-فأوارى).

بالإمالة،قال و قرأت على أبى بكر بالفتح و لم ترو الإمالة عن غيره؟قال أبو عمرو:و قياس ذلك الموضع الذى فى الأعراف و هو قوله:

(يُوارِي سَوْآتِكُمْ 1) .

و لم يذكره،ثم ذكر ضعافا من قوله تعالى فى النساء:

(ذُرِّيَّةً ضِعافاً) .

فوجه إمالة ألفها كسرة الضاد،و لا اعتبار بالحاجز كما تميل العرب عمادا،و فى النمل:

(أَنَا آتِيكَ بِهِ) .

فى موضعين أميلت ألف آتيك لكسرة التاء بعدها،و استضعف إمالتها قوم من جهة أن أصلها همزة،لأنه مضارع أتى،و يمكن منع هذا،و يقال هو اسم الفاعل منه كقوله تعالى:

(وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ) .

أى أنا محضره لك،فقوله:ضعافا مبتدأ و حرفا النمل عطف عليه،و آتيك عطف بيان له،و وجه الكلام أن يقول آتيك آتيك مرتين،و إنما استغنى بأحدهما عن الآخر،و قولا خبر المبتدإ،و ما عطف عليه،و نزل حرفى النمل منزلة حرف واحد،لأنهما كلمة واحدة تكررت،و هى آتيك،و كأنه قال ضعافا و آتيك قولا، فالألف فى قولا للتثنية،أى قيلا بالإمالة،و القاف رمز خلاد،ثم قال:

329-[بخلف(ض)ممناه مشارب(لا)مع و آنية فى هل أتاك(ل)أعدلا]

أى الخلف عن خلاد فى إمالتها،و الضاد فى ضممناه رمز خلف،أمالهما من غير خلاف،ثم قال مشارب لامع،و هما مبتدأ و خبر،أى ظاهر واضح،كالشيء اللامع،أراد أن هشاما أمال:

(مشارب).

فى سورة يس لكسرة الراء بعدها،و ألف:

(آنية).

فى سورة الغاشية لكسرة النون بعدها،و للياء التى بعد الكسرة و وزنها فاعلة،و هى قوله تعالى:

(تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) .

أى حارة و أما:

********

(1) الآية:26.

ص: 236

(آنية).

التى فى سورة هل أتى:قوله تعالى:

(وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) .

فوزنها أفعلة،لأنها جمع إناء و لم يمل ألفها أحد،و لعل سببه أن ألفها بدل عن همزة،فنظر إلى الأصل فلم تمل،فقوله فى هل أتياك،أى في سورة:

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) .

احترازا من التى فى:

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) .

و اللام فى لأعدلا،رمز لهشام،أى لقارئ زائد العدل،أى أماله من هذه صفته،و الألف للإطلاق، و اللّه أعلم.

330-[و فى الكافرون عابدون و عابد و خلفهم فى النّاس فى الجرّ(ح)صّلا]

أى فى سورة الكافرون أمال هشام:

(وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ -فى موضعين- وَ لا أَنا عابِدٌ) .

لكسرة الباء بعد الألف،و احترز بذلك من قوله تعالى:

(وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) .

ثم قال:و خلفهم أى خلف الناقلين من أهل الأداء فى إمالة لفظ الناس،إذا كان مجرورا نحو:

(جميع).

الذى فى سورة الناس،فروى عن أبى عمرو الوجهان،و اختار الدانى الإمالة فى كتاب الإمالة،و وجهها كسرة السين بعد الألف،و قيل إن ذلك لغة أهل الحجاز،قال الشيخ:و كان شيخنا-يعنى الشاطبى رحمه اللّه-يقرئ بالإمالة،يعنى لأبى عمرو من طريق الدورى،و بالفتح من طريق السوسى،و هو مسطور فى كتب الأئمة كذلك قلت:و كذلك أقرأنا شيخنا أبو الحسن،و لم يذكر أبو الحسن ابن غلبون غيره،و يتجه فى هذا البيت من الإشكال ما اتجه فيما مضى فى قوله:و مع كافرين:الكافرين بيائه،من أنه يحتمل أن تكون الواو فى قوله و فى الكافرون فاصلة و إذا كان كذلك فلم يذكر لقارئها رمزا،فيكون حصلا رمزا لها و للناس،و تكون الواو فى:و خلفهم عاطفة،و لو قال:و فى الكافرون عابدون و عابد له خلفهم فى الناس لخلص من ذلك الإيهام،و لا يحتاج إلى واو فاصلة فى خلفهم،لأن هذا من باب قوله سوى أحرف لا ريبة فى اتصالها،كما قال بعد هذا حمارك و المحراب،إلى آخره و لم يأت بواو فاصلة،فإن قلت:فقد سنح إشكال آخر،و هو أنه يحتمل أن يكون بعض ما فى البيت الآتى لأبى عمرو،إذ لم يأت بواو و الباقى من عند الواو،لابن ذكوان فمن أين يتمحض الجميع لابن ذكوان؟قلت:من جهة استفتاحه ذلك بقوله:حمارك،و هو مما قد علم أن أبا عمرو يميله،فدل

ص: 237

ذلك على أنه إنما ساقه مع ما عطف عليه لغير أبى عمرو،فينتظر من يرمز له،و ليس إلا قوله مثلا،و اللّه أعلم.

331-[حمارك و المحراب إكراههنّ و ال حمار و فى الإكرام عمران مثّلا]

أى أمال ابن ذكوان جميع ما فى هذا البيت:

(حمارك-فى البقرة.و-الحمار).

فى الجمعة.و المحراب.و عمران حيث وقعا،و-إكراههن-فى النور،-و الإكرام-فى موضعين فى سورة الرحمن عز و جل،و وجهه كسرة أوائل الجميع،و ما بعد الألف غير عمران،و المحراب المنصوب،و وافق فى حمارك و الحمار مذهب أبى عمرو و الدورى عن الكسائى فى ذلك،فإن قلت:فماله لم يذكرهما معه عند ما ذكر حمارك و الحمار كما أعاد ذكر حمزة و الكسائى مع من وافقهما في إمالة-رمى-و-نأى-و-إناه؟.قلت:لأنه نص على الحمار و حمارك فى إمالة أبى عمرو و الدورى فى قوله كأبصارهم،و الدار ثم الحمار مع حمارك،فلم يضره بعد ذلك أن يذكر مذهب ابن ذكوان وحده،و مثل ذلك قوله فيما مضى:و جاء ابن ذكوان و فى شاء ميلا، و إن كان حمزة يقرأ كذلك،لأنه قد تقدم ذكره له معينا بخلاف-رمى-و-نأى-و-إناه-فإنه لم يتقدم النص عليها معينة،و إنما اندرجت فى قاعدة ذوات الياء،فلو لم يعد ذكر حمزة و الكسائى لظن أن ذلك مستثنى من الأصل المقدم،كما تفرد الكسائى بإمالة مواضع من ذلك،و اللّه أعلم.

332-[و كلّ بخلف لابن ذكوان غير ما يجرّ من المحراب فاعلم لتعملا]

أى كل هذه الألفاظ الستة فى إمالتها لابن ذكوان خلاف،إلا المحراب المجرور،فلم يختلف عنه إمالته، و هو موضعان فى آل عمران و مريم،فتفرد ابن ذكوان بإمالة هذه الكلم الأربع-المحراب-و-إكراههن- و الإكرام-و عمران،و باقى القراء على فتحها إلا ورشا فإنه يقرؤها بين اللفظين إلا عمران،و هو المعبر عنه بترقيق الراء على ما يأتى فى بابه،و يتضح لك الفرق بين الإمالة و بين اللفظين بقراءة ورش و ابن ذكوان فى هذه الكلمات،و هو عين ما نبهنا عليه فى شرح قوله:و ذو الراء ورش بين بين،و أكثر الناس يجهلون ذلك، و اللّه أعلم.

333-[و لا يمنع الإسكان فى الوقف عارضا إمالة ما للكسر فى الوصل ميّلا]

فى الوقف معمول عارضا،و لو جعلناه معمول الإسكان لقلّت فائدته،فإن إسكان الوقف لا يكون إلا عارضا،و معنى البيت:كل ألف أميلت فى الوصل لأجل كسرة بعدها نحو-النار-و-الناس-فتلك الكسرة تزول فى الوقف و توقف بالسكون،فهذا السكون فى الوقف لا يمنع إمالة الألف،لأنه عارض،و لأن الإمالة سبقت الوقف،و لم يذكر فى التيسير غير هذا الوجه،و ذهب قوم إلى منع الإمالة لزوال الكسر الموجب لها، فإن رمت الحركة فالإمالة لا غير،و اللّه أعلم.

334-[و قبل سكون قف بما فى أصولهم و ذو الرّاء فيه الخلف فى الوصل(ي)جتلا]

أى كل ألف قبل ساكن لو لم يكن بعدها ساكن لجازت إمالتها،ففي الوصل لا يمكن إمالتها لذهابها،فإن وقف عليها،كانت على ما تقرر من أصول القراء:تمال لمن يميل،و تفتح لمن لم يمل،و تقرأ بين اللفظين لمن

ص: 238

مذهبه ذلك،لكن الألف التى قبلها راء اختلف عن السوسى فى إمالتها فى الوصل،و لا يظهر إلا كسر الراء، و لم يذكر صاحب التيسير للسوسى إلا الإمالة،و ابن شريح و غيره من المصنفين لم يذكروا وجه الإمالة أصلا، و شرط ما يميله السوسى من هذا الباب:أن لا يكون الساكن تنوينا،فإن كان تنوينا لم يمل بلا خلف نحو-قرى- و-مفترى-ثم مثل النوعين،و هما:ذو الراء،و ما ليس فيه راء،و الألف طرف الكلمة،فقال:

335-[كموسى الهدى عيسى ابن مريم و القرى ال

لتى مع ذكرى الدّار فافهم محصّلا]

إذا وقفت على موسى من قوله تعالى:

(وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) .

أملت ألف موسى لحمزة و الكسائى؛و جعلتها بين بين لأبى عمرو و ورش،و فتحت للباقين،و كذا فى:

(عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) .

فهذا مثال ما ليس فيه راء،و منه:

(إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ) .

نص مكى و غيره على أن الوقف على طغا بالإمالة لحمزة و الكسائى،و مثال ما فيه الراء:

(الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) .

فى سبأ:

(ذِكْرَى الدّارِ) .

فى ص،فإذا وقفت على القزى و ذكرى أملت لأبى عمرو و حمزة و الكسائى،و لورش بين اللفظين،و هاهنا أمر لم أر أحدا نبه عليه،و هو أن:

(ذِكْرَى الدّارِ) .

و إن امتنعت إمالة ألفها وصلا،فلا يمتنع ترقيق رائها فى مذهب ورش على أصله،لوجود مقتضى ذلك، و هو الكسر قبلها،و لا يمنع ذلك حجز الساكن بينهما،فيتخذ لفظ الترقيق و إمالته بين بين فى هذا،فكأنه أمال الألف وصلا،و ما ذكره الشيخ فى شرح قوله:و حيران بالتفخيم بعض تقبلا،من قوله الترقيق فى (ذكرى).

من أجل الياء،لا من أجل الكسر،أراد بالترقيق الإمالة فهو من أسمائها و اللّه أعلم.

و السوسى فى أحد الوجهين يكسر الراء فى الوصل،و مثله:

(حَتّى نَرَى اللّهَ -و- يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) -بخلاف قوله- أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) .

لأن ألف يرى قد ذهبت للجازم،فإذا وقفت عليها:قلت أو لم ير،ثم ذكر ما حذفت فيه الألف لأجل التنوين،لأنه ساكن،فقال:

ص: 239

336-[و قد فخّموا التّنوين وقفا و رقّقوا و تفخيمهم فى النّصب أجمع أشملا]

هذا فرع من فروع المسألة المتقدمة داخل تحت قوله:و قبل سكون قف بما فى أصولهم،و أفردها بالذكر لما فيها من الخلاف،و الأصح و الأقوى:أن حكمها حكم ما تقدم،تمال لمن مذهبه الإمالة،و هو الذى لم يذكر صاحب التيسير غيره،و جعل للمنون و لما سبق ذكره حكما واحدا،فقال كلما امتنعت الإمالة فيه فى حال الوصل من أجل ساكن لقيه تنوين أو غيره،نحو:

(هدى-و-مصفّى-و-مصلّى-و-مسمّى-و-ضحى-و-غزّى-و-مولى-و-ربا -و-مفترى-و-الأقصا الذى-و-طغا الماء-و-النّصارى المسيح-و-جنا الجنّتين).

و شبهه،فالإمالة فيه سائغة فى الوقف لعدم ذلك الساكن،و ذكر مكى فى المنون وجهين،أحدهما هذا، و هو الذى اختاره،و قرأه على شيخه أبى الطيب ابن غلبون،قال:و نص على:

(مصلّى-و-غزّى).

أن الوقف عليهما بالإمالة لحمزة و الكسائى،و كلاهما فى موضع نصب،و الوجه الثانى الفرق بين المنصوب و غيره،فلا يمال المنصوب،و يمال المرفوع و المجرور،قال الشيخ:و قال قوم يفتح ذلك كله،فقد صار فى المسألة ثلاثة أوجه،و هى مبنية على أن الألف فى الوقف على جميع الأسماء المقصورة المنونة هى الأصلية، رجعت لما سقط الموجب لحذفها،و هو التنوين،أو يقال:هى مبدلة من التنوين إذا كانت منصوبة المحل، و هى الأصلية فى الرفع و الجر،لأنه قد ألف من اللغة الفصيحة التى نزل بها القرآن:أن تبدل من التنوين ألفا فى جميع الأحوال،لأن التنوين إنما يبدل ألفا فى النصب لانفتاح ما قبله،و الانفتاح موجود فى الأحوال كلها:

فى الأسماء المعتلة المقصورة،بخلاف الصحيحة،و هذه الأوجه الثلاثة معروفة عند النحويين،فإن قلنا:

الوقف إنما هو على الألف المبدلة فى جميع الأحوال،أو فى حال النصب،فلا إمالة،لأن ألف التنوين لا حظ لها فى الإمالة،كما لو وقف على:

(أمتا-و-همسا-و-علما).

و قد سبق بيان ذلك،فقد صار المنصوب مفخما على قولين و ممالا على قول،فلهذا قال«و تفخيمهم فى النصب أجمع أشملا»و ليس ذلك منه اختيارا لهذا القول،و إنما أشار إلى أن الوجهين اتفقا عليه،و الأجود وجه الإمالة مطلقا،و الرسم دالّ عليه،و النقل أيضا،و من وجهة المعنى:أن الوقف لا تنوين فيه،و إنما كانت الألف الأصلية تحذف للتنوين فى الوصل،فالنطق بالكلمة على أصلها إلى أن يلقاها ما يغيرها و أيضا فإن المبدل من التنوين إنما هو الألف،و الأصلية أيضا ألف،فلا حاجة إلى حذف ما هو أصل و جلب ما هو مثله فى موضعه، فترك اعتقاد الحذف فيه أولى،و قول الناظم«و قد فخموا التنوين»فيه تجوز،فإن التنوين لا يوصف بتفخيم و لا إمالة،لعدم قبوله لهما،فهو على حذف مضاف تقديره:ذا التنوين،و لا تقول التقدير ألف التنوين لما فيه من الإلباس بألف نحو:

(أمتا-و-همسا).

ص: 240

مما لا يمال،و سمى فى هذا الموضع الفتح تفخيما،و الإمالة ترقيقا،كما سمى ترقيق الراء إمالة على ما سيأتى، «و أشملا»جمع شمل و نصبه على التمييز،أى اجتمع شمل الأصحاب على الوجهين فيه،بخلاف المرفوع و المجرور، فإن كل واحد منهما مفخم على قول واحد،و هو أضعف الأقوال،و ممال على قولين،فهما فى الترقيق أجمع أشملا،لاقى التفخيم،ثم مثل ذلك فقال:

337-[مسمّى و مولى رفعه مع جرّه و منصوبه غزّى و تترى تزيّلا]

أى لفظ(مسمّى-و-مولى).

وقع كل واحد منهما فى القرآن مرفوعا و مجرورا كقوله تعالى:

(وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ - إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى -و قال تعالى- يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى -و أما- غزّى-و-تترى).

فلم يقعا فى القرآن إلا منصوبين فى قوله تعالى فى آل عمران:

(أَوْ كانُوا غُزًّى) .

و نصبه على أنه خبر كان،و هو جمع غاز،و وزنه فعل،مثل كافر و كفر،و أما:

(تترى).

ففي سورة قد أفلح (1)منصوب على الحال،و إنما ينفع التمثيل به على قراءة أبى عمرو،فهو الذى نونه، و أما حمزة و الكسائى فلا ينونانه،فهو لهما ممال بلا خلاف فى الوقف و الوصل،و كذا ورش يميله بين اللفظين وصلا و وقفا،لأنه غير منون فى قراءته أيضا،فلم يمنع فتح من نون إمالة من لم ينون،و هذا مما يقوى ما ذكرناه من ترقيق ورش راء:

(ذِكْرَى الدّارِ) .

فى الوصل،فلا يمنع ترك الإمالة لزوال محلها ترقيق الراء،لوجود مقتضيه،و اللّه أعلم.

و قوله«تزيلا»أى تميز المذكور،و هو التنوين،أى ظهرت أنواعه و تميز بعضها من بعض بالأمثلة المذكورة و منه قوله تعالى:

(لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً 2) .

فزيلنا بينهم،و الهاء فى رفعه مع جره و منصوبه:راجعة إلى التنوين أيضا،و الكل على تقدير ذى التنوين، و هو المنون،و قال الشيخ:تميز المنصوب من غيره بالمثال،فإن قلت:الألف الممالة فى:

(غزّى).

********

(1) فى قوله تعالى: «ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا» :الآية 44.

(2) سورة الفتح،آية:25.

ص: 241

منقلبة عن واو،لأنه من غزا يغزو،فكيف تمال؟قلت:هو داخل فى قوله«و كل ثلاثى يزيد»فإنه ممال:

(كزكّاها)و اللّه أعلم.

باب مذهب الكسائى فى إمالة هاء التأنيث فى الوقف

و هى الهاء التى تكون فى الوصل تاء،نحو:

(رحمة-و-نعمة).

أمالها بعض العرب كما تميل العرب الألف،و هى اللغة الغالبة على ألسنة الناس،و قيل للكسائى:إنك نميل ما قبل هاء التأنيث؟فقال:هذا طباع العرصة،قال الدانى:يعنى بذلك أن الإمالة هنا لغة أهل الكوفة،و هى باقية فيهم إلى الآن،و هم بقية أبناء العرب،يقولون أخذت أخذه،و ضربت ضربه،و حكى نحو ذلك عنهم الأخفش سعيد،و إنما أميلت لشبه الهاء بالألف لخفائهما و اتحاد مخرجهما،و خص هاء التأنيث بذلك حملا لها على ألف التأنيث لتآخيهما فى ذلك،و كون ما قبلهما لا يكون إلا مفتوحا أو ألفا،و لم تقع الإمالة فى الهاء الأصلية،نحو:

(وَ لَمّا تَوَجَّهَ) .

و إن كانت تقع فى الألف الأصلية،لأن الألف أميلت،لأن أصلها الياء،و الهاء لا أصل لها فى ذلك،و كذا لا تقع فى هاء الضمير نحو:

(فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) .

ليقع الفرق بين هاء التأنيث و غيرها،و الهاء من-هذه-لا يحتاج إلى إمالة،لأن قبلها كسر،و اللّه أعلم.

و كذا لا تمال هاء السكت نحو:

(كِتابِيَهْ) .

لأن من ضرورة إمالتها كسر ما قبلها،و هى إنما أتى بها بيانا للفتحة قبلها،ففي إمالتها مخالفة للحكمة التى اجتلبت لأجلها،قال الدانى فى كتاب الإمالة:و النص عن الكسائى و السماع من العرب إنما ورد فى هاء التأنيث خاصة،قال:و قد بلغنى أن قوما من أهل الأداء منهم أبو مزاحم الخاقانى كانوا يجرونها مجرى هاء التأنيث فى الإمالة،و بلغ ذلك ابن مجاهد فأنكره أشد النكير،و قال فيه أبلغ قول،و هو خطأ بيّن،و اللّه أعلم.

338-[و فى هاء تأنيث الوقوف و قبلها ممال الكسائى غير عشر ليعدلا]

احترز بقوله«هاء تأنيث»عن هاء السكت و هاء الضمير،و قد تقدم بيان ذلك،و الوقوف مصدر بمعنى الوقف،و أضاف هاء التأنيث إليه احترازا من الهاء فى:

(هذه).

فإنها هاء تأنيث،لكنها لا تزال هاء:وقفا و وصلا،فأراد أن الإمالة واقعة فى هاء التأنيث التى هى فى الوقف

ص: 242

هاء،و فى الوصل تاء،سواء كانت مرسومة فى المصحف بالتاء أو بالهاء،لأن من مذهب الكسائى الوقف على جميع ذلك بالهاء،على ما يأتى بيانه،فإن قلت:ما وجه إضافة التأنيث إلى الوقوف؟قلت:لم يضف التأنيث وحده،فإن التأنيث من حيث هو التأنيث وقفا و وصلا،و إنما أضاف إلى الوقوف ما يخصه،و هو كون حرف التأنيث صار هاء،فيكون من باب قولهم:حب رمانى،لم يضف إلى الياء الرمان وحده،و إنما أضاف حب الرمان،و قد تقدم بيان ذلك فى شرح قوله«أبو عمرهم»و يدخل تحت قوله«هاء تأنيث»ما جاء على لفظها، و إن لم يكن المقصود بها الدلالة على التأنيث،كهمزة:

(لمزة-كاشفة-بصيرة).

و لهذا قال صاحب التيسير:اعلم أن الكسائى كان يقف على هاء التأنيث و ما ضارعها فى اللفظ بالإمالة، و مثل المضارع بما ذكرناه و غيره،فقوله«و ما قبلها»أى و فى الحروف التى قبلها،و ممال بمعنى الإمالة كمقام بمعنى إقامة،أى أنّ إمالة الكسائى واقعة في هاء التأنيث فى الوقف و فى الحرف الذى قبلها لقرب الهاء من الياء و لقرب ما قبلها من الكسرة،كما يفعل مثل ذلك فى إمالة الألف لا بدّ من تقريب ما قبلها من الكسر،و يوصف ذلك بأنه إمالة له،و على ذلك شرحنا قوله وراء:

(تراءى).

فإن قلت:لمّا ذكر فى الباب المتقدم إمالة الألفات:لم ينص على إمالة ما قبلها من الحروف،فلم ينص هنا على إمالة الحرف الذى قبل هاء التأنيث؟قلت:لأن الألف الممالة لم يستثن من الحروف الواقعة قبلها شيء، و هنا بخلاف ذلك على ما ستراه.

قوله«غير عشر»مستثنى من موصوف قبلها المحذوف،و التقدير و فى الحروف التى قبلها غير عشرة من تلك الحروف،فإنه لم يملها،و من ضرورة ذلك أن لا يميل الهاء،و إنما أنث لفظ عشر،و إن كان الوجه تذكيره،لأن معدوده حروف؛و هى مذكرة،لأنها جمع حرف،من أجل أن تلك الحروف عبارة عن حروف الهجاء،و أسماء حروف الهجاء جاء فيها التذكير و التأنيث،فأجرى ذلك فى العبارة عنها اعتبارا بالمدلول لا اعتبارا باللفظ،و العرب تعتبر المدلول تارة،و العبارة أخرى كقوله:

و أنّ كلابا هذه عشر أبطن

فأنث أبطنا،و هو جمع مذكر،و هو بطن،لما كان البطن بمعنى القبيلة،و لهذا تم البيت بقوله:

و أنت برىء من قبائلها العشر

و أشار بقوله ليعدلا إلى أن تلك الحروف تناسب الفتح دون الإمالة،فلهذا استثناها،ثم بين تلك الحروف العشرة فى كلمات جمعها فيها فقال:

339-[و يجمعها(حقّ ضغاط عص خظا) و(أكهر)ببعد الياء يسكن ميّلا]

أى يجمع تلك الحروف هذه الكلمات الأربع،و ضغاط جمع ضغطة،و عص بمعنى عاص،و خظا بمعنى سمن،و اكتنز لحمه،يشير إلى ضغطة القبر؛و هى عصرته و الضيق فيه،و العاصى حقيق بذلك،و لا سيما

ص: 243

إذا كان سمينا،و كأنه يشير بالسمن إلى كثرة ذنوبه،كما يوصف من كثر ماله بذلك،و السمن الحقيقى مكروه فى ذاته لأهل الدين و العلم،لأنه يشعر غالبا بقلة اهتمامه بالآخرة و بالبلادة أيضا،و الهم يذيب الجسم و ينحفه، و لهذا جاء فى الحديث:

«أما علمت أنّ اللّه يبغض الحبر السّمين».

و قال النبى صلّى اللّه عليه و سلم فى ذم قوم:

«قليل فقه قلوبهم،و كثير شحم بطونهم».

قال العلماء:فيه تنبيه على أن الفطنة قل ما تكون مع كثرة اللحم،و الاتصاف بالسمن و الشحم،و فى أخبار الإمام الشافعى رضي اللّه عنه أنه قال:ما رأيت سمينا عاقلا قط إلاّ رجلا واحدا،و فى رواية:«ما رأيت سمينا أخف روحا من محمد بن الحسن رضي اللّه عنه»و مثال ذلك:

(النّطيحة-و-الحاقّة-و-قبضة-و-بالغة-و-حياة-و-بسطة-و-القارعة-و- خصاصة-و-الصّاخّة-و-موعظة).

و هذه الحروف العشرة سبعة منها هى حروف الاستعلاء،تستعلى إلى الحنك الأعلى،فتناسب الفتح،و هى تمنع إمالة الألف فى الأسماء،فكيف لا تمنع إمالة الهاء التى هى مشبهة بها،فإن كان قبل حرف الاستعلاء كسرة فإن الإمالة جائزة فى الألف،نحو:

(ضعافا).

و لم يقرأ الكسائى بها فى هاء التأنيث نحو:

(القارعة).

و البالغة طردا للباب،و لأن الإمالة فى الهاء ضعيفة،فجاز أن يمنعها ما لا يمنع إمالة الألف،فإن فصل بين حرف الاستعلاء و بين الهاء فاصل جازت الإمالة،نحو:

(رقبة-و-مسبغة-و-نحلة-و-بطشة-و-عصبة).

و الأحرف الثلاثة الباقية هى من حروف الحلق:الألف،و الحاء،و العين،أما الألف فلأنها ساكنة لا يمكن كسرها،و لو كسر ما قبلها،لكانت الإمالة للألف لا للهاء،و أما الحاء و العين،فلأنها أقرب حروف الحلق إلى حروف الاستعلاء،فأعطيا حكمها،ثم قال:«و أكهر»أى حروف أكهر،و هى أربعة:الهمزة، و الكاف،و الهاء،و الراء،إذا وقعت قبل هاء التأنيث،بعد ياء ساكنة أو كسرة أميلت،فذكر الباء فى هذا البيت،و الكسر فى البيت الآتى،و يلزم من إمالة هذه الحروف إمالة الهاء بعدها،«و الأكهر»:الشديد العبوس،يقال كهره:إذا استقبله بذلك،و الكهر ارتفاع النهار مع شدة الحر،و يسكن فى موضع الحال من الياء و الضمير فى ميلا:عائد على لفظ أكهر،دون معناه،و هما مبتدأ و خبر،و ذكر ميلا معاملة للمضاف إليه بعد حذف المضاف لما أقيم مقامه،فهو من باب قوله تعالى:

ص: 244

(و كم من قرية أهلكناها فجاءها).

و شبهه،و لو عامل المضاف المحذوف لقال:ميلت،كما قال تعالى بعد ذلك:

(أَوْ هُمْ قائِلُونَ) .

و إنما اختار الناظم ذلك لأجل القافية،فمثال الهمزة بعد الياء الساكنة:

(خطيئة-هيئة-و بعد الكسر-خاطئة).

و مثال الكاف بعد الياء الساكنة:

(الأيكة-و بعد الكسر-الملائكة).

و مثال الهاء بعد الكسر:

(آلهة-و-فاكهة).

و لا مثال لها بعد الياء الساكنة فى القرآن،و مثال الراء بعد الياء:

(لكبيرة-و-صغيرة-و بعد الكسر-تبصرة-و الآخرة).

و قد ذكر الكسر قبل الأربعة فى قوله:

340-[أو الكسر و الإسكان ليس بحاجز و يضعف بعد الفتح و الضّمّ أرجلا]

إذا وقع بين الكسر و بين الراء حرف ساكن لم يكن ذلك بحاجز،أى بمانع للكسر من اقتضائه الإمالة، فكأنه قال:أو تقع هذه الحروف الأربعة بعد كسر يليها،أو بعد ساكن يليه كسر،و لا مثال لهذا فى الهمزة و الكاف،و إنما مثاله فى الهاء،نحو:وجهة،و فى الراء،نحو-عبرة-و-سدرة-و اختلف فى-فطرة-لأجل أن الساكن حرف الاستعلاء،فقوى المانع،و هذا وجه جيد،و يقويه ما يأتى فى الراءات فإنه اعتد به حاجزا فمنع الترقيق فكذا يمنع الإمالة و لكن هما بابان كل باب لقارئ فلا يلزم أحدهما مذهب الآخر،و الكل جائز:

الإمالة و الترك فى اللغة،و مثاله ترك ورش ترقيق راء عمران للعجمة،و ابن ذكوان رققها تبعا لإمالة الألف بعدها،و لم ينظر إلى العجمة،ثم قال:و يضعف،يعنى أكهر:ضعفت حروفه عن تحمل الإمالة إذا وقعت بعد الفتح و الضم،و أرجلا،جمع رجل،و نصبه على التمييز:استعار ذلك لما كان يقال لكل مذهب ضعيف هذا لا يتمشى،و نحوه،لأن الرجل هى آلة المشى،فمثال الهمزة بعد الفتح امرأة،فإن فصل بين الفتح و بين الهمزة فاصل ساكن فإن كان ألفا منع أيضا،نحو:

(براءة).

و إن كان غير ألف اختلف فيه نحو:

(سوأة).

و كهيئة و النشأة،قال الدانى:و القياس الفتح،كأنه أراد القياس على الألف،أو لأن الإسكان لمّا لم يحجز الكسر عن اقتضاء الإمالة فى نحو:

ص: 245

(عبرة).

فكذا لا يحجز الفتح عن منع الإمالة فى نحو:

(سوأة).

مثال الكاف بعد الفتح نحو:

(مباركة-و-الشّوكة).

سواء فى ذلك ما فيه فصل و ما لا فصل فيه،و بعد الضمة نحو:

(التّهلكة).

و مثال الهاء بعد الفتح مع فصل الألف-سفاهة-و لا يقع غير ذلك،و مثال الراء بعد الفتح:شجرة،و ثمرة و كذا مع فصل الألف و غيرها من الساكن،نحو-سيارة-و-نضرة-و بعد الضم مع الحاجز نحو-عسرة-، و-محشورة-و يجمع ذلك كله أن تقع حروف أكهر بعد فتح أو ضم،بفصل ساكن و بغير فصل،فلهذا أطلق قوله بعد الفتح و الضم،و وجه استثناء هذه الحروف الأربعة فى بعض الصور،أما الهمزة و الهاء فمن حروف الحلق،فألحقا بالألف و الحاء و العين و الخاء و الغين،و أما الكاف فقريبة من القاف فمنعت منعها،و أما الراء فلما فيها من التكرير،تشبه المستعلية،فمنعت،فأما إذا وقع قبل هذه الأحرف الأربعة كسرة أو ياء ساكنة،فإن أسباب الإمالة تقوى و تضعف المانع،فتمال الهاء،ثم مثل ما قبله ساكن بعد كسر،و ما قبله كسر أو ياء ساكنة،فقال:

341-[لعبره مائه وجهه و ليكة و بعضهم سوى ألف عند الكسائى ميّلا]

أراد قوله تعالى:

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) .

فهذا مثال ما قبله ساكن بعد كسر و مثله-و لكل وجهة-و مثال ما قبله كسر:

(فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ 1) .

و مثال ما قبله ياء:

(أَصْحابُ الْأَيْكَةِ 2) .

و وقع فى نظم البيت:

(ليكة).

باللام،و هذا و إن كان قرئ به فى سورتى:الشعراء،و ص (3)فليس صاحب الإمالة ممن قرأ هذه

********

(1) سورة الأنفال،آية:66.

(2) سورة الحجر،آية:78.

(3) سورة الشعراء،آية:176 و ص،آية:13.

ص: 246

القراءة،فالأولى أن يقع المثال بما هو قراءة له،فيقال:و أيكة،بهمزة قبل الياء،و لا يضر حذف لام التعريف فإنها منفصلة من الكلمة تقديرا.و وجه ثان،و هو:أن الأيكة جاءت فى القرآن فى غير هاتين السورتين،غير مقروءة باللام بإجماع على ما فى التيسير و نظمه،فإذا وقع المثال بهمزة عم جميع المواضع،مع موافقة القراءة بخلاف التمثيل بقراءة اللام،و لعله أراد:

(الأيكة).

على قراءته،و إنما نقل حركة الهمزة إلى اللام لضرورة النظم،كما يقرأ ورش،فالصواب كتابته على هذه الصورة فى هذا البيت،ليشعر بذلك و لا يوهم أنه أراد تلك القراءة،فهو كقوله فى الأنعام:

(و الآخرة).

المرفوع بالخفض-و-كلا-و اللّه أعلم.

ثم قال:و بعضهم:أى و بعض المشايخ من أهل الأداء:ميّل:

للكسائى جميع الحروف قبل هاء التأنيث مطلقا من غير استثناء شيء إلا الألف،قال صاحب التيسير:

و النص عن الكسائى فى استثناء ذلك معدوم،و بإطلاق القياس فى ذلك قرأت على أبى الفتح عن قراءته.ثم قال و الأوّل أختار،إلاّ ما كان قبل الهاء فيه ألف،فلا تجوز الإمالة فيه،و قال فى كتاب الإمالة:لم يستثن خلف عن الكسائى شيئا،و كذلك بلغنى عن أبى مزاحم الخاقانى،و كان من أضبط الناس لحرف الكسائى،و إليه ذهب أبو بكر ابن الأنبارى و جماعة من أهل الأداء و التحقيق،و به قرأت على شيخنا أبى الفتح عن قراءته على أصحابه قال:و كان أبو بكر بن مجاهد و أبو الحسين بن المنادى،و أبو طاهر بن أبى هاشم و جميع أصحابهم:يخصون من ذلك بالفتح ما كان فيه قبل هاء التأنيث أحد عشرة:أحرف،فذكرها،ثم قال:جعلوا للهمزة و الراء و الكاف إذا وقعت قبل هاء التأنيث أحوالا،فأمالوا بعضا و فتحوا بعضا،ثم شرح ذلك على نحو ما تقدم،فأما الألف قبل هاء التأنيث فأتت فى عشر كلم:

(الصّلاة-و-الزّكاة-و-الحياة-و-النّجاة-و-منوة-و-هيهات هيهات-و-ذات- -و-لات-و-اللاّت).

لأن الكسائى يقف على هذه الكلم الخمس بالهاء،و هو و غيره يقفون على ما عداها كذلك،فلا تمال الهاء فى هذه الكلم العشر،لأنه يلزم من ذلك إمالة الألفات،و هى لا تقبل الإمالة،لأنها من ذوات الواو فى بعضها، و مجهولة فى بعضها،و لا حظ للجميع فى الإمالة،فلو وقعت إمالة لظن أنها للألف،لا للهاء،لأن الألف هى الأصل فى الإمالة،و الهاء فرع لها،و مشبهة بها،أ لا ترى أن:

(تقاة-و-مرضات-و-مزجاة-و-التّوراة-و-كمشكاة).

معدودة فى باب إمالة الألف،لا فى باب إمالة الهاء،و ذكر مكى فى-مناة-خلافا مبنيا على أصل الألف، و اختار عدم الإمالة،و ذكر الدانى فى ألف الحياة خلافا أنها منقلبة عن واو و،عن ياء،و إنما لم تمل على هذا القول لكونها مرسومة فى المصحف بالواو،و اللّه أعلم.

ص: 247

باب الراءات

أى باب حكم الراءات أو باب الإمالة الواقعة فى الراءات،و قد سبق إمالة الألفات و الهاءات،و قد عبر فى هذا الباب عن الإمالة بالترقيق:تنبيها على أنها إمالة بين اللفظين،و قد عبر عنه الدانى فى التيسير بالإمالة، و الترقيق من أسماء الإمالة،فلهذا قال الشاطبى:«و قد فخموا التنوين وقفا و رققوا»و قد تقدم ذكر إمالة ورش لذوات الراء بين بين،و هذا الباب تتمة لمذهبه فى إمالة الراء،حيث لا يميلها غيره،و هو إذا لم يكن بعدها ألف،أو كان،و لكنها ألف غير طرف أو ألف تثنية نحو:

(فراش-و-ساحران).

فقوله:«و ما بعد راء شاع حكما»لا يدخل فيه هذان النوعان،لأن الإمالة المذكورة فى ذلك البيت للألف لا للراء،و جاءت إمالة الراء تبعا لها،و المذكور فى هذا الباب إمالة الراء لا الألف،فلم يضر وقوع ألف التثنية بعدها و لا غيرها،و إن كان قد خالف فى بعض هذا مخالف،على ما سنذكره إن شاء اللّه سبحانه،و اللّه أعلم.

342-[و رقّق ورش كلّ راء و قبلها مسكّنة ياء أو الكسر موصلا]

رقق:أى أمال بين بين،قال فى التيسير:اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين،و كذا قال فى باب الإمالة،و قال مكى:كان ورش يرقق الراء،فيعلم من هذا الإطلاق أن الترقيق فى هذا الباب عبارة عن إمالة بين بين.و يستخرج من هذا أن إمالة الألفات بين بين،على لفظ الترقيق فى هذا الباب،على ما ينطق به قراء هذا الزمان،و قد نبهنا على ذلك فى شرح قوله:«و ذو الراء ورش بين بين»فالمراد من ترقيق الراء تقريب فتحها من الكسرة،و قوله كل راء:يعنى ساكنة كانت أو متحركة بأى حركة تحركت على الشروط المذكورة،إلا ما يأتى استثناؤه،و قوله مسكنة:حال مقدمة لو تأخرت لكانت صفة للياء،و الواو فى و قبلها للحال:أى رققها فى حال كون الياء الساكنة قبلها،نحو:

(غير-و-الخير-و-لا ضير-و-ميراث-و-فقيرا-و المغيرات).

و لا يكون قبل الياء الساكنة إلا مفتوح أو مكسور،و قد مثلنا بالنوعين،ثم قال:أو الكسر،أى أو أن يكون قبل الراء كسر،نحو:

(الآخرة-و-باسرة-و-المدبّرات).

و لا فرق فى المكسور بين أن يكون حرف استعلاء أولا،و تقع حروف الاستعلاء قبلها إلا الغين نحو:

(- ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ -قاصرات-قطران).

و نحوه،فهذه ستة،و دخل ذلك كله تحت قوله:«كل راء»أى سواء توسطت أو تطرفت لحقها تنوين أو لم يلحقها،كان المكسور قبلها حرف استعلاء أو غير حرف استعلاء،فالراء مرققة محالة بين اللفظين لورش سواء وصل الكلمة أو وقف عليها،و قوله موصلا:حال من الكسر،أى:يكون الكسر موصلا بالراء فى كلمة واحدة،احترازا مما يأتى ذكره،و هو:الكسر العارض،و المفصل،و الغرض من الإمالة و الترقيق مطلقا

ص: 248

اعتدال اللفظ و تقريب بعضه من بعض،بأسباب مخصوصة،و أسباب ترقيق الراء هنا لورش:أن يكون قبلها ياء ساكنة،أو كسرة لازمة متصلة:لفظا أو تقديرا،و اللّه أعلم.

343-[و لم ير فصلا ساكنا بعد كسرة سوى حرف الاستعلا سوى الخا فكمّلا]

أى لم يعتد بالحرف الساكن الذى وقع فصلا بين الكسرة اللازمة و الراء،فأعمل الكسرة ما تقتضيه من الترقيق،كأنها قد و ليت الراء،و ذلك نحو:

(إكراه-و-إكرام-و-سدرة).

فرقق لضعف الفاصل بسكونه،فإن كان الفاصل الساكن حرف استعلاء قوى المانع،فإنه لقوته فى منع الإمالة لا يضعف بكونه ساكنا كما يضعف غيره،و لا يقع كذلك من حروف الاستعلاء إلا:الصاد،و الطاء، و القاف،نحو:

(إصرا-و-قطرا-و-وقرا).

و استثنى من حروف الاستعلاء الخاء،فلم يعتد بها فاصلا،نحو إخراجا،لأنها ضعفت عن أخواتها بالهمس،و الصاد و إن كانت مهموسة إلا أنها مطبقة ذات صفير،فقويت فمنعت،فإن قلت:قوله:و لم ير:

من رؤية القلب،فأين مفعولاه؟قلت:«فصلا»هو المفعول الثانى،و ساكنا هو الأول،أى لم ير الساكن فصلا و قوله ساكنا:نكرة فى سياق النفى،فهى للعموم فاستثنى من ذلك العموم حروف الاستعلاء،فقوله حرف،بمعنى حروف؛اكتفى بالمفرد عن الجمع للدلالة على الجنس،ثم استثنى الخاء من هذا الجنس،فهو استثناء من استثناء،و الاستثناء مغاير فى الحكم للمستثنى منه،فحروف الاستعلاء فاصلة،و الخاء ليست فاصلة،فهو كقولك:خرج القوم إلا العبيد:إلا سالما،فيكون سالم قد خرج،و قصر الناظم لفظى الاستعلاء و الخاء ضرورة،و الضمير فى«و لم ير»و فى«فكملا»لورش،أى كمل حسن اختياره بصحة نظره حين اختزل الخاء من حروف الاستعلاء فرقق بعدها.

344-[و فخّمها فى الأعجمىّ و فى إرم و تكريرها حتّى يرى متعدّلا]

ذكر فى هذا البيت ما خالف فيه ورش أصله،فلم يرققه مما كان يلزم ترقيقه على قياس ما تقدم،و التفخيم ضد الترقيق،أى:و فخم ورش الراء فى الإسم الأعجمى،أى الذى أصله العجمة،و تكلمت العرب به و منعته الصرف بسببه،و الذى منه فى القرآن ثلاثة:

(إبراهيم-و-إسرائيل-و-عمران).

كان يلزمه ترقيق رائها،لأن قبلها ساكنا بعد كسرة،و ليس الساكن حرف استعلاء،ثم قال«و فى إرم» أى و فخم الراء فى:

(إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ 1) .

********

(1) سورة الفجر،آية:7.

ص: 249

و كان يلزمه ترقيقها،لأنها بعد كسرة،و إرم أيضا اسم أعجمى،و قيل عربى،فلأجل الخلاف فيه أفرده بالذكر،و وجه تفخيم ذلك كله التنبيه على العجمة،و رقق أبو الحسن بن غلبون:

(إرم).

لأن الكسرة و ليت الراء،بخلاف البواقى،و أما:

(عزير).

فلم يتعرضوا له،و هو أعجمى،و قيل عربى على ما يبين فى سورته،فيتجه فيه خلاف مبنى على ذلك،ثم قال:و تكريرها،أى و فخم الراء أيضا فى حال تكريرها،أو فى ذى تكريرها،أى فى الكلمة التى تكررت الراء فيها،يعنى إذا كان فى الكلمة راءان نحو:

(فرارا-و-ضرارا-و-لن ينفعكم الفرار-و-إسرارا-و-مدرارا).

لم ترقق الأولى،و إن كان قبلها كسرة لأجل الراء التى بعدها،فالراء المفتوحة و المضمومة تمنع الإمالة فى الألف،كما تمنع حروف الاستعلاء،فكذا تمنع ترقيق الراء،و قوله حتى يرى متعدلا،يعنى اللفظ و ذلك أن الراء الثانية مفخمة،إذ لا موجب لترقيقها،فإذا فخمت الأولى اعتدل اللفظ و انتقل اللسان من تفخيم إلى تفخيم،فهو أسهل،و اللّه أعلم.

345-[و تفخيمه ذكرا و سترا و بابه لدى جلّة الأصحاب أعمر أرحلا]

ذكر فى هذا البيت ما اختلف فيه مما فصل فيه بين الكسر و الراء ساكن غير حرف استعلاء،فذكر مثالين على وزن واحد،و هما:

(ذكرا-و-سترا).

ثم قال:«و بابه»أى و ما أشبه ذلك،قال الشيخ«و بابه»يعنى به كل راء مفتوحة لحقها التنوين،و قبلها ساكن قبله كسرة نحو:

(حجرا-و-صهرا-و-شيئا إمرا-و-وزرا).

فالتفخيم فى هذا هو مذهب الأكثر،ثم علل ذلك بأن الراء قد اكتنفها الساكن و التنوين،فقويت أسباب التفخيم،قلت:و لا يظهر لى فرق بين كون الراء فى ذلك مفتوحة أو مضمومة،بل المضمومة أولى بالتفخيم،لأن التنوين حاصل مع ثقل الضم،و ذلك قوله تعالى:

(هذا ذِكْرٌ 1) .

فإن كان الساكن الذى قبل الراء قد أدغم فيها،فالترقيق بلا خلاف نحو:

(سرّا-و-مستقرّا).

********

(1) سورة ص،آية:49.

ص: 250

لأن الكسرة كأنها و ليت الراء من جهة أن المدغم فيه كالحرف الواحد،فالمدغم كالذاهب،و رقق أبو الحسن ابن غلبون جميع الباب إلا:

(مصرا-و-إصرا-و-قطرا).

من أجل حرف الاستعلاء،فألزمه الدانى:

(وقرا).

و منهم من لم يرقق:

(إلاّ صهرا).

لخفاء الهاء،و فخم أبو طاهر بن أبى هاشم،و عبد المنعم بن غلبون و غيرهما أيضا من المنون نحو:

(خبيرا-و-بصيرا-و-مدبرا-و-شاكرا).

مما قبل الراء فيه ياء ساكنة أو كسرة؛فكأنه قياس على:

(ذكرا-و-سترا).

قال الدانى:و كان عامة أهل الأداء من المصريين يميلونها فى حال الوقف،لوجود الجالب لإمالتها فى الحالين و هو الياء و الكسرة،و هو الصواب،و به قرأت،و به آخذ،و قال فى:

(ذكرا-و-سترا).

أقرأنى ذلك غير أبى الحسن بن غلبون بالفتح،و عليه عامة أهل الأداء من المصريين و غيرهم،و ذلك على مراد الجمع بين اللغتين،قلت:فحصل من هذا أن المنصوب المنون الذى قبل رائه ما يسوغ ترقيقها:على ثلاثة أقسام ما يرقق بلا خلاف،و هو نحو:

(سرّا-و-مستقرّا).

و ما يرقق عند الأكثرين،و هو نحو:

(خبيرا-و-شاكرا).

و ما يفخم عند الأكثر و هو نحو:

(ذكرا-و-سترا).

و قلت فى ذلك بيتا جمع الأنواع الثلاثة على هذا الترتيب،و هو:

و سرا رقيق قل خبيرا و شاكرا للاكثر ذكرا فخم الجلة العلا

و كأنهم اختاروا تفخيم هذا النوع،لأنه على وزن ما لا يمال،نحو:

ص: 251

(علما-و-حملا).

و الخلاف فى ذلك إنما هو فى الأصل،و لهذا عد التنوين مانعا،أما فى الوقف فعند بعضهم لا خلاف فى الترقيق لزوال المانع،و قال أبو الطيب بن غلبون:اختلف عن ورش فى الوقف،فطائفة يقفون بين اللفظين و طائفة يقفون بالفتح من أجل الألف التى هى عوض من التنوين،و اللّه أعلم.

و الجلة:جمع جليل،و أرحلا جمع رحل،و نصبه على التمييز،و تفخيمه مبتدأ،و أعمر أرحلا خبره، و عمارة الرحل توزن بالعناية و التعاهد له،فكأنه أشار بهذه العبارة إلى اختيار التفخيم عند جلة الأصحاب من مشايخ القراء،و بابه النصب،عطف على مفعول تفخيم.

346-[و فى شرر عنه يرقّق كلّهم و حيران بالتّفخيم بعض تقبّلا]

أراد قوله تعالى:

(إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ 1) .

رقق كل الأصحاب عن ورش راءه الأولى،لأجل كسر الثانية،و هذا خارج عن الأصل المقدم،و هو ترقيق الراء لأجل كسر قبلها،و هذا لأجل كسر بعدها،و كسرة الراء تعد بكسرتين لأجل أنها حرف تكرير، قال الدانى:لا خلاف عن ورش فى إمالتها و إن وقف عليها،قال:و قياس ذلك عند قوله فى النساء:

(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ 2) .

غير أن أصحابنا يمنعون من إمالة الراء فيه من أجل وقوع الصاد،و هى حرف استعلاء قبلها،قال:و ليس ذلك مما يمنع من الإمالة هاهنا لقوة جرة الراء،كما لم يمنع منها لذلك فى نحو:

(الغار-و-أنصار-و-كالفخّار-و-بقنطار).

و شبهه،مع أن سيبويه قد حكى إمالة راء الضرر سماعا،و عليه أهل الأداء غير أنى بالفتح قرأت ذلك،و به آخذ،قال و أجمعوا عنه على تفخيمها فى قوله تعالى:

(عَلى سُرُرٍ) .

حيث وقع،قال:و قياس ما أجمعوا عليه عنه من ترقيقها فى قوله:

(بِشَرَرٍ) .

لأجل جرة الراء بعدها يوجب ترقيقها هنا،قال:و زادنى ابن خاقان فى الاستثناء إخلاص الفتح للراء فى قوله:

(حَيْرانَ) .

فى الأنعام (3)قال:و قرأت على غيره بالترقيق،قال:و هو القياس من أجل الياء؛و قد ذهب إلى التفخيم جماعة من أهل الأداء،و قال:قرأت بالوجهين فى:

********

(1) سورة المرسلات،آية:32.

(2) آية:95.

(3) الآية:71.

ص: 252

(حيران-و-إجرامى-و-عشيرتكم).

فى سورة براءة خاصة (1)قلت:و علل بعضهم تفخيم حيران بالألف و النون فيه،فى مقابلة ألف التأنيث فى حيرى،و إذا وقعت الراء قبل ألف حيرى رققت،لأجل الألف الممالة،لا لأجل الياء،فكما لم يكن للحاء حكم مع وجود الألف فى حيرى،لم يكن لها حكم مع وجود الألف و النون فى حيران،قلت:و هذا كلام ضعيف لمن تأمله،ثم قال:و نظير ارتفاع حكم الياء مع الألف الممالة ارتفاع حكم الكسرة معها فى نحو:

(ذِكْرَى الدّارِ) .

أ لا ترى أنك إذا وقفت رققت،و إذا وصلت فخمت،قلت:و هذا ممنوع،بل إذا وصل رقق لأجل الكسرة،و إذا وقف أمال تبعا للألف،و قد سبق التنبيه على هذا فى باب الإمالة،و اللّه أعلم.

347-[و فى الرّاء عن ورش سوى ما ذكرته مذاهب شذّت فى الأداء توقّلا]

توقلا:تمييز،يقال:توقل فى الجبل إذا صعد فيه،أى شذ ارتفاعها فى طرق الأداء،و لفظة الأداء كثيرة الاستعمال بين القراء،و يعنون بها تأدية القراء القراءة إلينا بالنقل عمن قبلهم،كأنه لما ذكر هذه المواضع المستثناة من الأصل المتقدم،قال:و ثم غير ذلك من المواضع المستثناة اشتمل عليها كتب المصنفين،فمن تلك المذاهب ما حكاه الدانى عن شيخه أبى الحسن بن غلبون:أنه استثنى تفخيم كل راء بعدها ألف تثنية نحو:

(طهّرا-و-ساحران).

أو ألف بعدها همزة نحو:

(افْتِراءً عَلَيْهِ) .

أو بعدها عين نحو:

(سراعا-و-ذراعا-و-ذراعيه).

و فخم قوم إذا كان بين الراء و بين الكسر ساكن:نحو:

(جذركم-و-ذكركم-و-لعبرة).

مطلقا،و منهم من اقتصر على تفخيم:

(-وزر).

حيث وقع،و منهم من اقتصر على:

(وزرك-ذكّرك).

و منهم من فخم فى موضعين،و هما:عشرون:

(كبره-و- ما هُمْ بِبالِغِيهِ ).

********

(1) الآية:24.

ص: 253

248-[و لا بدّ من ترقيقها بعد كسرة إذا سكنت يا صاح للسّبعة الملا]

أى إذا سكنت الراء و قبلها كسرة رققت لجميع القراء،نحو:

(مرية-و-شرذمة-و-اصبر-و-يغفر-و-فرعون).

قالوا:لأن الحركة مقدرة بين يدى الحرف،و كأن الراء هنا مكسورة،و لو كانت مكسورة لوجب ترقيقها،على ما يأتى،و من ثم امتنع ترقيق نحو:

(مرجع).

لأن الكسرة تبعد عنها،إذا كانت بعدها،و تقرب منها إذا كانت قبلها،بهذا الاعتبار،قل:و من ثم همزت العرب نحو مؤسى و السؤق،لما كانت الضمة كأنها على الواو،و الواو المضمومة بجوز إبدالها همزة، فأجروا الساكنة المضموم ما قبلها مجرى المضمومة لهذه العلة،و كثر فى نظم العرب و من بعدهم قوله يا صاح، و معناه:يا صاحب،ثم رخم كما قرأ بعضهم:

(يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ 1) .

قال إلا أن ترخيم صاحب من الشذوذ المستعمل لأنه غير علم بخلاف مالك و نحوه و الملا الأشراف.

349-[و ما حرف الاستعلاء بعد فراؤه لكلّهم التفخيم فيها تذلّلا]

أى و اللفظ الذى وقع فيه حرف الاستعلاء بعد رائه فراء ذلك اللفظ تذلل التفخيم فيها لكلهم،أى انقاد بسهولة، لأن التفخيم أليق بحروف الاستعلاء من الترقيق،لما يلزم المرقق من الصعود بعد النزول،و ذلك شاق مستثقل و حرف الاستعلاء إذا تأخر منع الإمالة مطلقا،بخلافه إذا تقدم،فإنه لا يمنع إلا إذا لم يكن مكسورا،أو ساكنا،بعد مكسور و هذا البيت مشكل النظم فى موضعين:أحدهما أن«ما»فى أوله عبارة عن«ما ذا»،و الثانى الهاء فى«راؤه» إلى ما ذا تعود؟و الذى قدمته من المعنى هو الصواب إن شاء اللّه تعالى،و هو أن«ما»عبارة عن اللفظ الذى فيه الراء بعد كسر،و الهاء فى«راؤه»تعود على ذلك اللفظ،و قال الشيخ فى شرحه:يعنى و الذى بعده من الراءات حرف الاستعلاء،فراؤه إن شئت رددت الضمير إلى«ما»و إن شئت أعدته على حرف الاستعلاء،قلت:

كلاهما مشكل،فإن ما مبتدأ،و قد جعلها عبارة عن الراء،فإذا عادت الهاء إلى ما يصير التقدير،فراء الراء، و ذلك فاسد،لأنه من باب إضافة الشيء إلى نفسه،و ذلك لا يجوز،و إن عادت إلى حرف الاستعلاء بقى المبتدأ بلا عائد يعود إليه،ثم جمع حروف الاستعلاء،فقال:

350-[و يجمعها قظ خصّ ضغط و خلفهم بفرق جرى بين المشايخ سلسلا]

أى يجمعها هذه الكلمات،فهى سبعة أحرف،و ربما ظن السامع أن جميعها يأتى بعد الراء فيطلب أمثلة ذلك فلا يجد بعضه،إنما أراد الناظم أى شىء وجد منها بعد الراء منع،و الواقع منها فى القرآن فى هذا الغرض أربعة:

الصاد،و الضاد،و الطاء،و القاف،و لم يقع:الخاء،و الظاء،و الغين،و لو أنه قال:

********

(1) سورة الزخرف،آية:77.

ص: 254

و ما بعده صاد و ضاد و طا و قا ف فخم لكل خلف فرق تسلسلا

لبان أمر البيتين فى بيت واحد،و خلصنا من إشكال العبارتين فيهما،و اللّه أعلم.

أما الصاد فوقعت بعد الراء الساكنة بعد كسر،و هى المرققة لجميع القراء،فمنعت الترقيق حيث وقعت،نحو:

(إرصادا-و-لبالمرصاد).

و أما الضاد فوقعت فى مذهب ورش فى نحو:

(إعراضا-و-إعراضهم).

و أما الطاء و القاف فوقعا فى الأمرين،نحو:

(قرطاس-و-فرقة-و-صراط-و-فراق).

و ليس من شرط منع حرف الاستعلاء أن يلى الراء،بل يمنع و إن فصل بينهما الألف،و لا يقع فى مذهب ورش إلا كذلك غالبا،نحو:

(صراط-و-فراق-و-إعراض).

حتى نص مكى فى التبصرة على أن:

(حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) .

لا ترقق فى الوصل لأجل صاد:

(صدورهم).

فإن وقفت على:

(حصرت).

وقفت لزوال المانع،قلت:و تفخيم راء:

(حصرت)لأجل صاد(صدورهم).

بعيد،لقوة الفاصل،و هو التاء،بخلاف فصل الألف،و لأن حرف الاستعلاء مفصل من الكلمة التى فيها الراء؛فلا ينبغى أن يعتبر ذلك إلا فى كلمة واحدة،و على قياس ما ذكروه يجب التفخيم فيها إذا كانت الراء آخر كلمة،و حرف الاستعلاء أول كلمة بعدها،نحو:

(لِتُنْذِرَ قَوْماً - أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ - وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ - فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) .

و التفخيم فى هذا يكون أولى عن التفخيم فى:

(حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) .

لوجود الفاصل فى حصرت دون ما ذكرناه،و لا أثر للصاد فى حصرت،فإنها مكسورة،فلا تمنع،لأنها مثل:

ص: 255

(تبصرون).

و الأظهر الترقيق فى الجميع،قياسا للمانع على المقتضى،و سيأتى فى البيت بعد هذا أن ما جاء بعد الكسر المفصل فلا ترقيق فيه،فلم ينظر إلى المفصل ترقيقا،فلا ينظر أيضا إلى المفصل تفخيما،فيعطى كل كلمة حكمها، و اللّه أعلم.

و معنى قوله«قظ خص ضغط»أى:أقم فى القيظ فى خص ذى ضغط،أى خص ضيق،أى اقنع من الدنيا بمثل ذلك و ما قاربه،و اسلك طريقة السلف الصالح،فقد جاء عن أبى وائل شقيق بن سلمة رحمة اللّه عليهما،و هو من المخضرمين و أكابر التابعين من أصحاب عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنهما نحو من ذلك،قال عبد اللّه بن عمير:كان لأبى وائل خص من قصب،يكون فيه هو و دابته،فإذا غزا نقضه،و إذا رجع بناه و أما قوله فى الشعراء:

(فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ 1) .

فالراء فيه رقيقة لوقوعها بين كسرتين،و ضعف منع حرف الاستعلاء بسبب كسره،و نقل الاتفاق على ترقيق هذا الحرف مكى و ابن شريح و ابن الفحام.

قال الشيخ رحمه اللّه:و فخمها بعضهم لمكان حرف الاستعلاء،قال الحافظ أبو عمرو:و الوجهان جيدان قال:و إلى هذا أشار بقوله جرى بين المشايخ سلسلا،قلت:و قال الدانى فى كتاب الإمالة:كان شيخنا أبو الحسن يرى إمالة الراء فى قوله:

(و الإشراق).

لكون حرف الاستعلاء فيه مكسورا،قال:فعارضته بقولى:

(إلى صراط).

و ألزمته الإمالة فيه،قال:و لا أعلم خلافا بين أهل الأداء لقراءة ورش عن نافع من المصريين و غيرهم فى إخلاص فتح الراء فى ذلك،و إنما قال ذلك شيخنا رحمه اللّه فيما أحسبه قياسا دون أداء،لاجتماع الكل على خلاف ما قاله،و اللّه أعلم.

351-[و ما بعد كسر عارض أو مفصّل ففخّم فهذا حكمه متبذّلا]

أى و الذى يوجد من الراءات بعد كسر عارض،و هو كسر ما حقه السكون،ككسر همزة الوصل،نحو:

(امرأة-و-ارجعوا).

إذا ابتدأت،و كسرة التقاء الساكنين،نحو:

(وَ إِنِ امْرَأَةٌ - أَمِ ارْتابُوا - يا بُنَيَّ ارْكَبْ) .

********

(1) آية:63.

ص: 256

إذا وصلت،أو بعد كسر مفصل،أى يكون الكسر فى حرف مفصل من الكلمة التى فيها الراء لفظا أو تقديرا،نحو ما سبق من كسرة التقاء الساكنين نحو:

(لحكم ربّك-بحمد ربّهم-و-برسول-و-لرسول).

لأن حروف الجر فى حكم المنفصل من الكلمة الداخلة هى عليها،لأن الجارّ مع مجروره كلمتان:حرف، و اسم،فلعروض الكسرة فى القسم الأول،و تقدير انفصال الراء عن الكسرة فى الثانى،فخمها ورش فى المتحركة،و جميع القراء فى الساكنة،قال ابن الفحام:لم يعتد أحد بالكسرة فى قوله:

(بربّهم-و لا-بروح القدس-و لا فى-ارجعوا).

قال:و أما المبتدأة،فلا خلاف فى تفخيمها،نحو:

(أ رأيت).

قلت:فيعلم من هذا أن نحو قوله تعالى:

(مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ - اَلَّذِي رُزِقْنا) .

لا ترقق،و إن كان قبل الراء ياء ساكنة،لأنها منفصلة عنها،و لم ينبه الناظم على الياء المنفصلة،كما نبه على الكسر المفصل،و قد نبه عليه غيره،و اللّه أعلم.

و قوله متبذلا:حال،يشير إلى أن التفخيم مشهور عند القراء،مبذول بينهم.

352-[و ما بعده كسر أو اليا فما لهم بترقيقه نصّ وثيق فيمثلا]

أى و ما وقع من الراءات بعده كسرة أو ياء،على ضد ما سبق،لأن الذى تقدم الكلام فيه أن تكون الراء بعد كسر أو ياء،و ليس هذا على عمومه،بل مراده أن ما حكوا ترقيقه مما بعده كسر أو ياء لا نص لهم فيه، و الذى حكوا ترقيقه من ذلك نحو:

(مريم-و لفظ-المرء).

و عموم ما ذكره فى هذا البيت يجيء فى الراء الساكنة،نحو:

(مريم-و-يرجعون).

و لا تكون الياء بعدها إلا متحركة نحو:

(لبشرين-و-البحرين-و-إلى ربّهم).

و كان القياس يقتضى أن هذا كله يرقق،كما لو تقدمت الياء أو الكسر،فإن الترقيق إمالة،و أسباب إمالة الألف تكون تارة بعدها،و هو الأكثر و تارة قبلها،فينبغى أن تكون الراء كذلك،و لكن عدم النص فى ترقيق مثل ذلك،و نقل مكى الترقيق فى نحو:

(مريم-و-قرية).

ص: 257

فقال:أما الراء الساكنة فلا اختلاف فيها أنها غير مغلظة إذا كان قبلها كسرة لازمة،أو بعدها ياء نحو:

(مريم-و-فرعون-قال و نقلت-بين المرء).

بالتغليظ و تركه لورش و للجماعة بالتغليظ،قال الدانى على الترقيق عامة أهل الأداء من المصريين القدماء، قال:و القياس إخلاص فتحها لفتحة الميم قبلها،قوله:فيمثلا،أى فيظهر،ثم قال:

353-[و ما لقياس فى القراءة مدخل فدونك ما فيه الرّضا متكفّلا]

أى لو فتح قياس ما بعد الراء على ما قبلها لا تسع الأمر فى ذلك،فيقال:يلزم من إمالة:

(مريم-إمالة نحو-يرتع).

فلا فرق بين أن تكون الياء المفتوحة بعد الراء و قبلها،بل مراعاة ما قبلها أولى،بدليل أن الياء الساكنة اعتبرت قبل الراء،و لم تعتبر بعدها نحو:

(وَ جَرَيْنَ بِهِمْ) .

و قد اعتذر قوم عن ذلك بما فيه تكلف،و لو رققت الراء من:

(يرتع).

لرققت لورش فى نحو:

(يرون).

فدونك ما فيه الرضى:أى ما نقل ترقيقه و ارتضاه الأئمة متكفلا بتقديره و إظهاره للطلبة،أى خذه و الزمه متكفلا به،و يجوز أن يكون متكفلا حالا من ما،و هو المفعول،أى خذ الذى تكفل بالرضى للقراء،و المعنى أنهم يرضون هذا المذهب دون غيره،و أما نفى أصل القياس فى علم القراءة مطلقا فلا سبيل إليه،و قد أطلق ذلك أبو عمرو الدانى فى مواضع،و قد سبقت عبارته فى:

(بَيْنَ الْمَرْءِ) .

بأن القياس إخلاص فتحها،و قال فى آخر باب الراءات من كتاب الإمالة:فهذه أحكام الوقف على الراءات على ما أخذناه عن أهل الأداء،و قسناه على الأصول إذ عدمنا النص فى أكثر ذلك،و استعمل ذلك أيضا فى بيان إمالة ورش الألف بين اللفظين فى مواضع كثيرة فى كتاب الإمالة و غيره.

354-[و ترقيقها مكسورة عند وصلهم و تفخيمها فى الوقف أجمع أشملا]

يعنى إذا كانت الراء مكسورة،فكلهم يرققها إذا وقعت وسطا مطلقا نحو:

(قادرين-و-الصّابرين).

أو أولا نحو:

(ريح-و-رجال).

ص: 258

و إن وقعت الراء المكسورة آخر كلمة رققت للجميع فى الوصل،سواء كان الكسر أصلا أو عارضا نحو:

(مِنْ أَمْرِ اللّهِ -و- أَنْذِرِ النّاسَ) .

فإن وقفت زالت كسرة الراء الموجبة لترقيقها،فتفخم حينئذ،و فيه إشكال،فإن السكون عارض،و قد تقدم فى باب الإمالة أن السكون العارض فى الوقف لا يمنع الإمالة،فيتجه مثل ذلك هنا،و قد أشار إليه مكى فقال:أكثر هذا الباب إنما هو قياس على الأصول،و بعضه أخذ سماعا،و لو قال قائل إننى أقف فى جميع الباب كما أصل،سواء سكنت أو رمت،لكان لقوله وجه،لأن الوقف عارض،و الحركة حذفها عارض، و فى كثير من أصول القراءات لا يعتدون بالعارض،قال فهذا وجه من القياس مستتب،و الأول أحسن، قلت:و قد ذكر الحصرى الترقيق فى قصيدته فقال:

و ما أنت بالترقيق واصله فقف عليه به إذ لست فيه بمضطر

و يمكن الفرق بين إمالة الألف و ترقيق الراء،بأن إمالة الألف أقوى و أقيس و أفشى فى اللغة من ترقيق الراء،بدليل أن الألف تمال و لا كسر يجاورها،كذوات الياء،و يمال أيضا نحو:

(خاف).

لأن الخاء قد تكسر إذا قيل خفت،فاتسع فى إمالة الألف كثيرا،فجاز أن يمنع الأضعف ما يمنع الأقوى، لكن يضعف هذا الفرق نصهم على ترقيق الراء الأولى من:

(شرر).

فى الوقف،فهذا دليل على اعتبار الكسر فيها بعد ذهابه بسكون الوقف،قالوا:و ترقيق الثانية لأجل إمالة الأولى،و هذا دليل على عدم اعتبار الكسر فيها،و إلا لآثر فى نفسها الترقيق و لم يعتبر بإمالة ما قبلها، و وجه ذلك:أن ترقيق الأولى أشبه إمالة الألف فى نحو:

(النّار).

و كلاهما رقق لكسرة بعده،فبقى الترقيق بعد زوال الكسرة فى الوقف كما تقدم فى الألف،و قوله:

و ترقيقها مبتدأ،و خبره قوله:عند وصلهم،و أجمع أشملا:خبر قوله و تفخيمها،و أشملا تمييز،و هو جمع شمل و المعنى:هو أجمع أشملا من ترقيقها إشارة إلى كثرة القائلين به و قلة من نبه على جواز الترقيق فيه،كما نبه عليه مكى،و الحصرى،فإن قلت:ما تقول فى قوله تعالى:

(فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) .

هل تمنع القاف من ترقيق الراء المكسورة؟قلت:لا،لقوة مقتضى الترقيق،و هو الكسر فى نفس الراء، و إنما يمنع حرف الاستعلاء ترقيق غير المكسورة،لأن مقتضى ترقيقها فى غيرها،فضعف،فقوى حرف الاستعلاء على منع مقتضاه،قال الدانى:أما الراء المكسورة فلا خلاف فى ترقيقها بأى حركة تحرك ما قبلها، و لا يجوز غير ذلك،و اللّه أعلم.

ص: 259

355-[و لكنّها فى وقفهم مع غيرها ترقّق بعد الكسر أو ما تميّلا]

الضمير فى«و لكنها»للمكسورة،أى مع غيرها من الراءات:المفتوحة و المضمومة،و الساكنة،ترقق فى الوقف إذا كان قبلها أحد أسباب ثلاثة،ذكر منها فى هذا البيت اثنين:الكسر،و الإمالة،و الثالث يأتى فى البيت الآتى،و هو الياء الساكنة،فمثال ذلك بعد الكسر:

(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ - يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ - إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ - فَانْتَصِرْ) .

و من ذلك ما كان بين الراء و بين الكسر فيه ساكن نحو-الذكر-و-السحر-و-الشعر:

نص عليه الدانى فى كتاب الإمالة،فكأن الشاطبى أراد بعد الكسر المؤثر فى مذهب ورش،و قد علم ذلك من أول الباب،و مثال ذلك بعد الإمالة:

(عَذابِ النّارِ) .

فى مذهب الدورى و أبى عمرو،و:

(بشرر).

فى مذهب ورش،نص عليه الدانى و غيره،و هو مشكل من وجه أن الراء الأولى إنما أميلت لكسرة الثانية فإذا اعتبرت الكسرة بعد سكون الوقف لأجل إمالة الأولى،فلم لا تعتبر لأجل ترقيقها فى نفسها؟و لا يقع هذا المثال إلاّ فى المكسورة و على مذهب بعض القراء،بخلاف المثال بعد الكسر،فإنه وقع فى أنواع الراء الأربعة و فى مذهب جميع القراء،و سبب الترقيق سكون الراء بعد الكسر أو ما يناسبه،و هو الإمالة و قد سبق قوله:

و لا بد من ترقيقها بعد كسرة،و هذا الاستدراك المفهوم من قوله:و لكنها لأجل قوله فى البيت السابق و تفخيمها فى الوقف أجمع أشملا،فكأنه استثنى من هذا فقال:إلا أن تكون بعد كسر أو حرف؛تميّل،ثم ذكر الياء الساكنة فقال:

356-[أو الياء تأتى بالسّكون و رومهم كما وصلهم فابل الذّكاء مصقّلا]

لا تقع الراء الساكنة بعد الياء الساكنة،و إنما تقع بعدها الراء المتحركة بالحركات الثلاث فى قراءة جميع القراء،نحو:

(ذلِكَ خَيْرٌ - وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ - وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ) .

و لا يستقيم التمثيل بالمنصوب المنون،فإن الوقف لا يكون فيه على الراء،بل على الألف المبدلة من التنوين، فيبقى الترقيق فيه لورش وحده بشرطه،هذا كله إذا وقفت على الراء بالسكون،فإن وقفت بالروم،على ما سيأتى شرحه،كان حكم الوقف حكم الوصل؛لأنه قد نطق ببعض الحركة،فترقق المكسورة للجميع و غيرها لورش بشرطه،و يفخم الباقى للجميع،و ما فى قوله:كما زائدة أى رومهم كوصلهم و فابل،بمعنى:اختبر، و مصقلا نعت مصدر محذوف،أى بلاء مصقلا،أى مصقولا يشير إلى صحة الاختبار و نقائه مما يكدّره و يشوبه من التخاليط،فبذلك يتم الغرض فى تحرير هذه المسألة،لأنها مسائل متعدّدة عبر عنها بهذه العبارة الوجيزة، و بسط هذا أن نقول:لا تخلو الياء إما أن تكون مكسورة أو غير مكسورة،فإن كانت مكسورة رققت وصلا

ص: 260

و روما،و فخمت إن وقفت بالسكون،إلا فى ثلاث صور،و هى أن يكون قبلها كسر أو ياء ساكنة،فترقق لجميع القراء فى هاتين الصورتين،الصورة الثالثة:أن يكون قبلها إمالة،فترقق لأصحاب الإمالة دون غيرهم، و إن كانت غير مكسورة فهى مفخمة لجميع القراء وقفا بالسكون،إلا أن يكون قبلها أحد الثلاثة فالحكم ما تقدم فى الوصل و الروم،مفخمة لغير ورش،مرققة لورش بعد الكسر و الياء الساكنة على ما فى أول الباب،و لا يقع الروم فى المنصوبة،فاعتبر ذلك و قس عليه.

ثم أشار إلى أن الأصل التفخيم بقوله:

357-[و فيما عدا هذا الّذى قد وصفته على الأصل بالتّفخيم كن متعمّلا]

أى كن متعملا بالتفخيم على الأصل،و متعملا بمعنى:عاملا،و فى الصحاح تعمّل فلان لكذا،و قال غيره سوف أتعمّل فى حاجتك،أى:أقضى،فيجوز فى موضع بالتفخيم بالباء،للتفخيم باللام؛على ما نقله الجوهرى،و اللّه أعلم.

باب اللامات

أى تغليظها

و هذا باب لم يذكره أكثر المصنفين فى القراءات،إنما اعتنى به المغاربة و المصريون،دون البغداديين و الشاميين،و لا شك أنه إن ثبت لغة فهو لغة ضعيفة مستثقلة،فإن العرب عرف من فصيح لغتها الفرار من الأثقل إلى الأخف،و التغليظ عكس ذلك،ثم هو على مخالفة المعروف من قراءة ورش،فإنها مشتملة على ترقيق الراءات و إمالة بين بين،و تخفيف الهمز نقلا و تسهيلا و إبدالا،و لهذا أكثر الروايات عن ورش:ترك التغليظ،كقراء الجماعة،هذه رواية يونس بن عبد الأعلى و داود بن أبى طيبة و غيرهما.

و قال مكى:اعلم أن هذا الباب قد اضطرب النقل فيه عن ورش،و قليل ما يوجد فيه النص عنه.

358-[و غلّظ ورش فتح لام لصادها أو الطّاء أو للظّاء قبل تنزّلا]

التغليظ فى هذا الباب زيادة عمل فى اللام إلى جهة الارتفاع،و ضده ترك ذلك،و منهم من يعبر عن تركه بالترقيق،و عن التغليظ بالتفخيم،ثم التغليظ إشباع الفتحة فى اللام،فلهذا لم يجئ فى المكسورة و لا المضمومة و لا الساكنة نحو:

(يُصَلِّي عَلَيْكُمْ - تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ - وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) .

و بعضهم غلظ اللام من:

(صلصال).

لوقوعها بين حرفين مستعليين،فالتغليظ عند الأكثر لا يقع إلا فى اللام المفتوحة،و لا فرق بين أن تكون مخففة أو مشددة،نحو:

(أَوْ يُصَلَّبُوا - وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ) .

ص: 261

و حكى مكى عن شيخه أبى الطيب ابن غلبون أنه رقق المشددة بعد الظاء دون الصاد،و قوله:لصادها،أى لأجل الصاد الواقعة قبلها،أو أضافها إليها لاتصالها بها،أى إذا تنزل أحد هذه الأحرف الثلاثة قبل اللام المفتوحة غلظت اللام،و لم يعتبر أبو الطيب بن غلبون الطاء المهملة،و اعتبر قوم الضاد المعجمة أيضا،نحو:

(أضللتم-و-ضللنا).

و منهم من اعتبر أيضا كل لام مفتوحة بين حرفين مستعليين مطلقا،نحو:

(خلطوا-و-أخلصوا-و- غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ -فاستغلظ- ما ذا خَلَقُوا) .

و كل هذا قياس على رواية ضعيفة نقلا و لغة،و اللّه أعلم.

309-[إذا فتحت أو سكّنت كصلاتهم و مطلع أيضا ثمّ ظلّ و يوصلا]

أى شرط تأثير هذه الحروف الثلاثة و هى:الصاد،و الطاء،و الظاء،فى التغليظ فى اللام المفتوحة أن تكون مفتوحة أو ساكنة،فإن حرف الاستعلاء إذا فتح أو سكن عظم استعلاؤه،بخلافه إذا انكسر أو انضم،نحو:

(فصّلت-و-عطّلت-و-ظلال-و- فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ ).

فمثال الصاد المفتوحة:

(الصّلاة).

و مثال الساكنة:

(فيصلب-و الطاء نحو-طلّقتم-و-مطلع-و الظاء نحو-ظلموا-و-إذا أظلم).

و مثل الشاطبى رحمه اللّه بقوله تعالى:

(ظَلَّ وَجْهُهُ -و- يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) .

و هذان و ما أشبههما نحو:

(بطل-و-فصل).

وقعت اللام فيها طرفا،فالمتوسطة نحو:

(صلاتهم-و-مطلع).

مغلظة وصلا و وقفا،و المتطرفة مغلظة وصلا،و أما فى الوقف فقال أبو عمرو الدانى:يحتمل وجهين:

الترقيق و التفخيم،فالترقيق نظرا إلى السكون العارض بالوقف،و التفخيم نظرا إلى الأصل،قال:و هو أوجه.

360-[و فى طال خلف مع فصالا و عند ما يسكّن وقفا و المفخّم فضّلا]

أراد قوله تعالى:

ص: 262

(أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ (1) - فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ (2) - فَإِنْ أَرادا فِصالاً (3) -و كذلك- يصّالحا ).

و شبهه مما بين اللام فيه و بين حرف الاستعلاء ألف فاصل،و ظاهر النظم يوهم اقتصار الخلاف على:

(طال-و-فصالا).

و لو قال:

و فى طال خلفت مع فصالا و نحوه و ساكن وقف و المفخم فضلا

لزال الإيهام.

قال الدانى:فى اللام وجهان:التفخيم اعتدادا بقوة الحرف المستعلى،و الترقيق للفاصل الذى فصل بينهما قال:و الأوجه التفخيم،لأن ذلك الفاصل ألف،و الفتح منه.

قلت:و أما اللام المشدّدة نحو:

(ظلّ-و-يصلّبوا).

فلا يقال فيها إنه فصل بينها و بين حرف الاستعلاء فاصل:فينبغى أن يجرى الوجهان،لأن ذلك الفاصل أيضا لام أدغمت فى مثلها،فصارا حرفا واحدا،فلم تخرج اللام عن أن حرف الاستعلاء وليها،و أما الذى سكن للوقف،فنحو:

(أن يوصل).

إذا وقفت عليه،ففيه وجهان سبق ذكرهما،أى:و عند الذى يسكن فى الوقف،و قوله:وقفا،مصدر فى موضع الحال،أى ذا وقف،أى موقوفا عليه،و قوله:و المفخم فضلا يعنى فى المسألتين المذكورتين كما نقلناه من كلام الدانى.

فإن قلت:لم كان التفخيم أفضل فيما سكن للوقف،و لقائل أن يقول:ينبغى أن لا يجوز التفخيم أصلا كما سبق فى الراء المكسورة أنها تفخم وقفا و لا ترقق لذهاب الموجب للترقيق و هو الكسر،و هاهنا قد ذهب الفتح الذى هو شرط فى تغليظ اللام،و كلا الذهابين عارض.

قلت:سبب التغليظ هنا قائم،و هو:وجود حرف الاستعلاء،و إنما فتح اللام شرط،فلم يؤثر فيه سكون الوقف لعروضه و قوّة السبب،فعمل السبب عمله لضعف المعارض،و فى باب الوقف على الراء المكسورة زال السبب بالوقف،و هو الكسر،فافترقا.

361-[و حكم ذوات الياء منها كهذه و عند رءوس الآى ترقيقها اعتلا]

منها أى من هذه الألفاظ التى فيها اللام المستحقة للتفخيم،و يعنى الكلمات المقصورة التى آخرها ألف منقلبة عن ياء،و لا يقع ذلك فى القرآن إلا مع الصاد وحدها،فى خمسة مواضع،فى:سبحان:

********

(1) سورة طه،آية:86.

(2) سورة الحديد،آية:16.

(3) سورة البقرة،آية:233.

ص: 263

(يَصْلاها مَذْمُوماً (1) -و فى الانشقاق- وَ يَصْلى سَعِيراً (2) -و فى الغاشية- تَصْلى ناراً (3) -و فى الليل- لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (4) -و فى تبت- سَيَصْلى ناراً ذاتَ (5) -و كذا- وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى 6) .

فى الوقف،ففي تفخيم اللام وجهان كالوجهين فيما سكن فى الوقف،و ذلك أنه قد تقدم أن له فى إمالة ذوات الياء وجهين،فإن أمال فلا تغليظ،و إن لم يمل فالتغليظ،فهما ذانك الوجهان،و يجوز أن يقال:إن الخلاف على قول من يميل ذوات الياء لأن اللام جاورها ما يقتضى تغليظها و ما يقتضى ترقيقها،لكن التغليظ يكون هاهنا أولى من الإمالة،لأنه شبه الخلاف الذى هنا بالخلاف الذى فيما سكن للوقف،و قد ذكر أن المفخم ثمّ:

فضل،فكذا ينبغى أن يكون هنا،و قد نص عليه الدانى فى كتاب الإمالة،فقال:و الأوجه هنا التفخيم، و لم يذكر مرجحا،و إنما فرق بين هذا و بين رءوس الآى،على ما سنذكره.

و أقول:سبب ترجيح التفخيم وجود سببه سابقا،و تقدم اللام المغلظة على الألف الممالة،فعمل السبب عمله قبل وجود ما تدخله الإمالة.ثم قال:و عند رءوس الآى:أى إذا وجد مثل ذلك،و هو ما يقتضى التغليظ و الإمالة فى كلمة هى رأس آية من السور الإحدى عشرة المتقدم ذكرها،غلبت الإمالة التغليظ،لأن ورشا يميل رءوس الآى بلا خلاف،لمؤاخاة رءوس الآى،و التغليظ يخالف بينها،و قد روى التغليظ،قال الدانى:

كلا الوجهين حسن جميل،غير أن الترقيق أقيس و أوجه.

قلت:فلهذا قال:ترقيقها اعتلا،أى اعتلى على التغليظ،و استعمل الترقيق هنا بمعنى الإمالة،و جملة ما وقع من ذلك فى رءوس الآى ثلاثة مواضع فى سورة القيامة:

(وَ لا صَلّى (7) -و فى سبح- فَصَلّى (8) -و فى اقرأ- إِذا صَلّى (9) -و أما- مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) .

ففيه التغليظ فى الوصل،لأنه منون،و فى الوقف الوجهان السابقان،و لا تترجح الإمالة،و إن كان رأس آية،إذ لا مؤاخاة لآى قبلها و لا بعدها،قوله:كهذه:أى كهذه المواضع المذكورات فى البيت السابق،و هى ما فى باب طال و المسكن وقفا.

362-[و كلّ لدى اسم اللّه من بعد كسرة يرقّقها حتّى يروق مرتّلا]

أى:و كل القراء و غيرهم أيضا اجتمعوا على أن اللام من اسم اللّه تعالى إذا كان قبلها حرف مكسور أنهم يرققونها،و الترقيق هنا ضد التغليظ،و ليس المراد به الإمالة،بخلاف قوله:و ترقيقها اعتلا،على ما سبق،

********

(1) الآية:18.

(2) الآية:12.

(3) الآية:4.

(4) الآية:15.

(5) الآية:4.

(6) سورة البقرة،الآية:125.

(7) الآية:31.

(8) الآية:15.

(9) الآية:10.

ص: 264

و اسم اللّه تعالى التزم فيه التغليظ تفخيما له و تعظيما،اختص بذلك اسمه سبحانه من غير وجود حرف استعلاء فيه فإذا وقع بعد كسرة رققت اللام تحسينا للفظ به،فهذا معنى قوله:حتى يروق مرتلا،أى:يروق فى اللفظ به حال ترتيله،و ذلك لكراهة التصعد بعد التسفل،و أما سائر اللامات فمرققة مطلقا،كالليل،و اللبن،و اللحم.

363-[كما فخّموه بعد فتح و ضمّة فتمّ نظام الشّمل وصلا و فيصلا]

الهاء فى فخموه،لاسم اللّه تعالى،و لو قال فخموها،يعنى اللام،كما قال ترقيقها لكان جيدا،و قوله وصلا و فيصلا حالان من الهاء،أى ذات وصل و فيصل،أى:سواء كانت الحركات المذكورة على حروف متصلة بالاسم العظيم؛أو على حروف منفصلة منه فى كلمة أخرى،فلا يتغير الحكم بشيء من ذلك فى الترقيق و التفخيم،فمثال المتصل:باللّه،و للّه،و مثال المنفصل:

(بسم اللّه-قال اللّه-رسل اللّه).

و كذا يرقق بعد الكسر العارض،نحو:

(قل اللّه).

و هذا بخلاف ما سبق فى ترقيق الراء،فإنهم قالوا:لا يؤثر فى ترقيقها كسرة مفصولة و لا عارضة،و الفرق أن المراد من ترقيق الراء إمالتها،و ذلك يستدعى سببا قويا للإمالة،و أما ترقيق اللام فهو الإتيان بها على ماهيتها و سجيتها،من غير زيادة شيء فيها،و إنما التغليظ هو الزيادة فيها،و لا تكون الحركة قبل لام اسم اللّه تعالى إلا مفصولة لفظا أو تقديرا،و أما الحركة قبل الراء،فتكون مفصولة و موصولة،فأمكن اعتبار ذلك فيها، بخلاف اللام،هذا كله فيما إذا وصلت اسم اللّه تعالى بما قبله،فإن ابتدأت به فخمته،لأن الهمزة قبل اللام مفتوحة،فهذه حركة متصلة،و ذلك كأوّل آية الكرسى،و نحوه،و الراء المرققة غير المكسورة كغير المرققة، يجب بعدها التفخيم،لأن الترقيق لم يغير فتحها و لا ضمها،و أما إذا وقع اسم اللّه تعالى بعد إمالة،نحو:

قراءة السوسى:

(ترى اللّه).

ففيه وجهان:التفخيم،كالذى بعد الراء المرققة الغير المكسورة،و الترقيق،لأن فى الراء بالإمالة شيئا من الكسر،و قال شيخنا أبو الحسن:التفخيم أولى،و حكاه عن شيخه الشاطبى،و قال لى الشيخ أبو عمرو:الترقيق أولى لأمرين:

أحدهما أن أصل هذه اللام الترقيق،و إنما فخمت للفتح و الضم،و لا فتح و لا ضم هنا،فعدنا إلى الأصل.

و الثانى:اعتبار ذلك بترقيق الراء فى الوقف بعد الإمالة،على ما سبق فى باب الراءات.

و قوله تعالى:( رُسُلُ اللّهِ -اللّه).

الاسم الأول مفخم.و الثانى مرقق،و قوله تعالى فى أوّل إبراهيم:

(إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ- اَللّهِ) .

هو مرقق فى الوصل و مفخم إذا ابتدئ به سواء قرئ برفع الهاء أو يجرها و اللّه أعلم.

ص: 265

باب الوقف على أواخر الكلم

هذه ترجمة كان ينبغى أن يذكر فى بابها جميع ما يتعلق به فى تلاوة القرآن،فإن قوله:أواخر الكلم يشمل آخر كل كلمة،و من جملة الكلم المنصوب المنوّن يقف القراء عليه بألف مبدلة من التنوين و المرفوع المنوّن، و المجرور المنوّن يوقف عليهما بالسكون من غير أن يبدل من تنوينهما واوا أو ياء،و هذه هى اللغة الفصيحة و من العرب من يبدل فى الجميع،و منهم من لا يبدل فى الجميع،فترك بيان هذا و هو مهم،و لم يذكر فى الباب إلا الكلام فى الروم و الإشمام،و هما أيضا وجهان للعرب فى الوقف،فهذه خمس لغات،و فى الوقف أيضا لغتان:

النقل و التضعيف،و لم يقرأ بهما أحد إلا قليلا.

و حكى مجاهد عن أبى عمرو:

(وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ) .

يشم الباء شيئا من الجر،و لا يشبعه،قال:و هذا لا يجوز إلا فى الوقف،لأنه ينقل كسرة الراء إلى الباء، و حكى الأهوازى عن الضبى عن حمزة:

(دفء-و-جزء-و-ملء).

بالتشديد من غير همز فى حال الوقف.

قلت:و فى الطرق المشهورة أن القراءة إنما جاءت باللغة الأولى:الفصحى،و بالروم و الإشمام،و هما أيضا.

فصيحتان،فكان ينبغى أن تكون ترجمة هذا الباب«باب الروم و الإشمام»و لكن تبع الناظم فى هذا عبارة التيسير،و اللّه أعلم.

364-[و الاسكان أصل الوقف.و هو اشتقاقه

من الوقف عن تحريك حرف تعزّلا]

أى اشتقاق الوقف،من قولك:وقفت عن كذا إذا لم تلابسه،فلما كان هذا وقفا عن الإتيان بالحركة سمى وقفا،لأن لغة العرب أن لا يوقف على متحرك،فالأصل أن يكون الوقف بالإسكان لهذا،و لأنه أخف، و الوقف موضع تخفيف،و قوله:تعزلا،يعنى:أن الحرف صار بمعزل عن الحركة،يقال اعتزله و تعزله، و منه:الأعزل الذى لا سلاح معه،فيجوز أن يكون تعزلا:صفة لحرف،و قد ذكرنا معناه،و يجوز أن يكون صفة لتحريك حرف،أى لتحريك انعزل عن محله.

فإن قلت فى قوله:و هو اشتقاقه:إشكال،لأن المعنى يؤول إلى تقدير،و الوقف اشتقاقه من الوقف، و لا يكون اللفظ مشتقا من نفسه،و وجه الكلام إنما يسمى وقفا،من قولهم:وقفت عن كذا،لأنه وقف من الحركة.

ص: 266

قلت:يجوز أن يكون،و هو ضمير الشأن لا ضمير الوقف،فيلتئم الكلام و لا يتنافر،و هذا الذى ذكره تبرع منه،و ليس فى كتاب التيسير الذى نظمه.

365-[و عند أبى عمرو و كوفيّهم به من الرّوم و الإشمام سمت تجمّلا]

به:أى فيه،و الهاء ضمير الوقف،و السمت الهيئة،و السمت الطريق،و السمت القصد نفسه،يقال سمت يسمت:إذا قصد،و السمت الناحية المقصودة،و كل ذلك محتمل هنا،و وصفه بالتجمل،أى عندهم من ذلك أمر جميل،من الاحتفال به و الاهتمام بشأنه،و القصد له فى التلاوة به،قال صاحب التيسير:وردت الرواية عن الكوفيين و أبى عمرو بالوقف،بالإشارة إلى الحركة سواء كانت إعرابا أو بناء،و الإشارة تكون روما و إشماما،و الباقون لم يأت عنهم فى ذلك شيء،و استحباب أكثر شيوخنا من أهل القرآن،أن يوقف فى مذاهبهم بالإشارة لما فى ذلك من البيان.

قلت:فهذا معنى قوله:

366-[و أكثر أعلام القرآن يراهما لسائرهم أولى العلائق مطولا]

أعلام:جمع علم يشير إلى المشايخ أهل أداء القراءة،و جعلهم أعلاما لحصول الهداية بهم،كالأعلام فى الطرق،و أضافهم إلى القرآن الذى هو اسم للكتاب العزيز؛لأنهم أهله،أو أراد به القراءة،لأنها صناعتهم و أتى به بغير همز،كما فى قراءة ابن كثير له كما يأتى،و القرآن بمعنى القراءة،و أراد فى قوله تعالى:

(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ) .

و قوله:يراهما:يعنى الروم و الإشمام،لسائرهم:أى لباقى القراء السبعة،و هم:نافع،و ابن كثير، و ابن عامر،و العلائق:جمع علاقة،و المطول الحبل،و نصبه على التمييز،أى يراهما أولى حبل يتعلق به، و الحبل يكنى به عن السبب الموصل إلى المطلوب،فكأنه قال:أولى الأسباب سببا،أو يكون العلائق البضائع و مطولا حال من الضمير المستتر فى يراهما،الراجع على أكثر.

قال الشيخ:لأنه يكون بذلك سببا للطول أو الطول:

367-[و رومك إسماع المحرّك واقفا بصوت خفىّ كلّ دان تنوّلا]

أخذ يبين حقيقة الروم،فقال:هو أن تسمع الحرف المحرك احترازا من الساكن فى الوصل نحو:

(لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ) .

فهذا لا روم فيه،إنما يكون الروم فى المحرك فى حالة الوصل،فترومه فى الوقف،بأن تسمع كل قريب منك ذلك المحرك بصوت خفى،قال فى التيسير هو تضعيفك الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها، فتسمع لها صوتا خفيا يدركه الأعمى بحاسة سمعه،و قال الشيخ:هو الإشارة إلى الحركة مع صوت خفى و كلاهما واحد،و هذا أخصر،فقول الناظم:كل دان:مفعول إسماع،و المفعول الأول أضيف إليه إسماع،و هو المحرك:أراد إسماعك المحرك كل قريب منك،كقولك أسمعت زيدا كلاما.

ص: 267

و قوله واقفا حال من فاعل إسماع،و تنولا صفة لدان،و هو مطاوع نولته،أى:أعطيته نوالا،كأنه يشير إلى السماع،أى كل دان سامع منصت لقراءتك فهو المدرك لذلك،بخلاف غيره من غافل أو أصم،و قال صاحب صحاح اللغة:روم الحركة الذى ذكره سيبويه:هى حركة مختلسة مخفاة بضرب من التخفيف،و هى أكثر من الإشمام،لأنها تسمع،و هى بزنة الحركة،و إن كانت مختلسة مثل همزة بين بين؛ثم أخذ يبين الإشمام فقال:

368-[و الاشمام إطباق الشّفاه بعيد ما يسكّن لا صوت هناك فيصحلا]

أى بعد ما يسكن الحرف المحرك،و الشفاه بالهاء:جمع شفة،و إنما جمع اعتبارا بالقارئين،أو هو من باب قولهم:هو عريض الحواجب عظيم المناخر،و يقال:صحل صوته بكسر الحاء يصحل بفتحها،إذا صار أبحّ أى كانت فيه بحوحة لا يرتفع الصوت معها،فكأنه شبه إضعاف الصوت فى الروم بذلك،فقال:ليس فى الإشمام مثل ما فى الروم،قال فى التيسير:الإشمام ضمك شفتيك بعد سكون الحرف أصلا،و لا يدرك معرفة ذلك الأعمى،لأنه لرؤية العين لا غير،إذ هو إيماء بالعضو إلى الحركة،و قال الشيخ:هو الإشارة إلى الحركة من غير تصويت،و قال فى موضع آخر:حقيقته أن تجعل شفتيك على صورتهما إذا لفظت بالضمة،و قال الجوهرى إشمام الحرف أن تشمه الضمة أو الكسرة،و هو أقل من روم الحركة،لأنه لا يسمع،و إنما يتبين بحركة الشفة العليا،و لا يعتد بها حركة لضعفها،و الحرف الذى فيه الإشمام ساكن،أو كالساكن.

قلت:و هذا خلاف ما يقوله القراء و النحاة فى حقيقة الإشمام،و فى محله أيضا،لكن قال مكى:قد روى عن الكسائى الإشمام فى المخفوض،قال و أراه يريد به الروم،لأن الكوفيين يلقبون ما سميناه روما إشماما،و ما سميناه إشماما روما.

قلت:فعبر الجوهرى بما لا يوافق المذهبين فكأنه كان فى ذلك بين بين،و قال أبو على فى التكملة الإشمام هو:أن تضم شفتيك بعد الإسكان؛و تهيئهما للفظ بالرفع أو الضم،و ليس بصوت يسمع،و إنما يراه البصير دون الأعمى،و ذكر نصر بن على الشيرازى فى كتابه الموضح:أن الكوفيين و من تابعهم ذهبوا إلى أن الإشمام هو الصوت،و هو الذى يسمع،لأنه عندهم بعض حركة،و الروم هو الذى لا يسمع،لأن روم الحركة من غير تفوّه به.

قال:و الأول هو المشهور عند أهل العربية.

قلت:و زعم بعضهم أن ابن كيسان و من وافقه من الكوفيين ترجموا عن الإشمام بالروم،و عن الروم بالإشمام،و زعموا أن ذلك أقرب إلى استعمال اللفظين فى وضع اللغة،و لا مشاحّة فى التسمية إذا عرفت الحقائق.

ثم ذكر الناظم مواضع استعمال الروم و الإشمام فقال:

369-[و فعلهما فى الضّمّ و الرّفع وارد و رومك عند الكسر و الجرّ وصّلا]

أى فعل الروم و الإشمام ورد عنهم فى المضموم و المرفوع،و يختص الروم بالمكسور و المجرور.

370-[و لم يره فى الفتح و النّصب قارئ و عند إمام النّحو فى الكلّ أعملا]

الهاء في:

ص: 268

(يره).

للروم أى مذهب القراء أن لا روم فى المفتوح و المنصوب،قالوا:لأن الفتحة خفيفة،فإذا خرج بعضها خرج سائرها،لأنها لا تقبل التبعيض كما تقبله الضمة و الكسرة،لما فيهما من الثقل،و لأن المنصوب المنون لما تبينت فيه الفتحة لإبدال التنوين فيه ألفا لم يرم الباقى،لأن لا يبقى ذلك على التقريب من لفظه،و قال مكى:

يجوز فيه الروم،غير أن عادة القراء أن لا يروموا فيه،و أن يقفوا بالسكون للجميع،و قال:و قد اختلف لفظ أبى الطيب رحمه اللّه تعالى فى ذلك،و بالإسكان قرأت عليه فى المنصوب لجميع القراء،و أما أهل النحو فأجازوا الروم فى الفتح كما فى الكسر و الضم،من غير فرق،فقوله:إمام النحو:يحتمل أن يريد به أئمة النحو،فهو لفظ مفرد أريد به الجنس،و يجوز أن يريد به المشهور فيهم،المقتدى به منهم،و هو:سيبويه،الذى كتابه قدوة هذا العلم،و الضمير فى«أعملا»للروم،و ليست الألف للتثنية،إنما هى للإطلاق،فالإشمام لا مدخل له فى حركة الفتح،كما لا مدخل له فى الكسر،و إنما يختص بحركة الضم،لأن حقيقته ضم الشفتين،و ذلك لا يحصل به إلا الدلالة على الضم فقط،و قوله فى الكل:يعنى فى الحركات كلها،و لم يتعرض صاحب التيسير لبيان مذهب النحويين،قال سيبويه فى كتابه:أما ما كان فى موضع نصب أو جر،فإنك تروم فيه الحركة،فأما الإشمام فليس إليه سبيل.

371-[و ما نوّع التّحريك إلاّ للازم بناء و إعرابا غدا متنقّلا]

هذا اعتذار منه عن كونه لفظ بستة أسماء للحركات،و هن ثلاث،فخاف من إشعار ذلك بتعدد الحركات فقال ما نوعت التحريك و قسمته هذه الأقسام إلا لأعبر عن حركات الإعراب و حركات البناء،ليعلم أن حكمهما واحد فى دخول الروم و الإشمام،و فى المنع منهما أو من أحدهما،و لو اقتصر على ألقاب أحدهما لخيف أن يظن أن الآخر غير داخل فى ذلك،و حركة البناء توصف باللزوم،لأنها لا تتغير ما دام اللفظ بحاله،فلهذا قال للازم بناء،أى ما نوعته إلا لأجل أنه منقسم إلى لازم البناء،و إلى ذى إعراب،غدا بذلك متنقلا،من رفع إلى نصب إلى جر،باعتبار ما تقتضيه العوامل المسلطة عليه،فألقاب الإعراب:رفع،و نصب،و جر،و ربما قيل:

و خفض،و ألقاب البناء:ضم،و فتح،و كسر،و قد ذكرها سيبويه فى أوّل باب من كتابه،و اعتذر عن تعدد الأسماء و اتحاد المسمى فى اللفظ،بنحو من ذلك،فإن الرفع و الضم لفظهما واحد،و كذا النصب و الفتح و الجر و الكسر،و كذا الذى آخره ساكن،للإعراب يسمى جزما،و الذى للبناء يسمى وقفا،و اللّه أعلم.

فمثال حركات البناء فى القرآن:

( مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ -و-من حيث-و-من عاد-و-هؤلاء).

و حركات الإعراب نحو:

( قالَ الْمَلَأُ - إِنَّ الْمَلَأَ - إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) .

و نصب بناء فى قوله للازم بناء على أنه مفعول للازم أو تمييز،و التقدير:و إن اختلفا فهما متفقان فى المعنى لأن الكلمة لزمت البناء،و البناء لزم الكلمة؛إما مطلقا.

ص: 269

(كحيث-و-أين-و-هؤلاء).

و إما فى حالة من أحواله مطلقا،نحو:

(من قبل-و-لا ظلم- لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا )-و اللّه أعلم.

372-[و فى هاء تأنيث و ميم الجميع قل و عارض شكل لم يكونا ليدخلا]

شرع يبين ما يمتنع فيه الروم و الإشمام على رأى القراء،فالألف فى:

(يكونا).

ليدخلا:ترجع إلى الروم و الإشمام،أى لم يقعا فى هذه المواضع الثلاثة حيث كانت،الموضع الأول هاء التأنيث،و هى التى تكون تاء فى الوصل و يوقف عليها بالهاء،نحو:

(رحمة-و-نعمة).

فلا يدخلان فيها،لأن الحركة إنما كانت للتاء،و الهاء بدل عنها فى الحالة التى تعدم الحركات فيها،و هى الوقف،فلا حركة للهاء،فترام و تشم،فأما ما وقف عليه بالتاء من هذا الباب لأجل رسمه،فيدخله الروم و الإشمام،لأن الحركات داخلة فى التاء،نص عليه مكى،و قال:لم يختلف القراء فى هاء التأنيث أن الوقف عليها بالإسكان،و لا يجوز الروم و الإشمام فيها،لأن الوقف على حرف لم يكن عليه إعراب،إنما هو بدل من الحرف الذى كان عليه الإعراب،إلا أن تقف على شيء منه بالتاء اتباعا لخط المصحف،فإنك تروم و تشم إذا شئت،لأنك تقف على الحرف الذى كانت الحركة لازمة له،فيحسن فيه الروم و الإشمام.

الموضع الثانى:ميم الجمع،أى الدالة على جماعة،نحو:

(عليهم-و-إليهم-و-منهم-و-عنهم).

فى المواضع التى توصل بواو على ما تقدم بيانه،لم يدخلا فيها،لأنها ساكنة و تحريكها فى حال صلتها على مذهب من وصلها،إنما كان لأجل الصلة،و لهذا إذا وقف عليها ترك الصلة،فيسكن الميم،و أجاز مكى رومها و إشمامها كهاء الضمير على ما يأتى،ورد عليه الدانى و قال:خالف فى ذلك الإجماع،و أتى بخطإ من القول.

قال مكى:ميم الجمع أغفل القراء الكلام عليها،و الذى يجب فيها على قياس شرطهم أن يجوز فيها الروم و الإشمام،لأنهم يقولون:لا فرق بين حركة الإعراب و حركة البناء فى جواز الروم و الإشمام،فالذى يروم و يشم حركة الميم على النص غير مفارق له،للإجماع،و الذى لا يروم حركة الميم خارج عن النص بغير رواية، اللهم إلا أن يوجد الاستثناء فيها منصوصا،فيجب الرجوع إليه إذا صح،قال:و ليس ذلك بموجود،و مما يقوى جواز ذلك فيها نصهم على هاء الكناية بالروم و الإشمام،فهى مثل الهاء،لأنها توصل بحرف بعد حركتها كما توصل الهاء،و يحذف ذلك الحرف فى الوقف،كما يحذف مع الهاء،فهى مثلها فى هذا،غير أن الهاء أخفى منها،فلذلك امتنعت الهاء عند القراء من الروم و الإشمام،إذا كانت حركتها مثل حركة ما قبلها.أو كان قبلها ساكن من جنس حركتها،و هذا لا يكون فى الميم،لأنها ليست بالخفية،و لو كانت فى هذا مثل الهاء لم يجز الإشمام فى:

ص: 270

(يا قوم-و-يحكم).

و ليس فى جوازه اختلاف،و ليس قول من يمنع ذلك لأجل أن الميم من الشفتين بشيء،لإجماع الجميع على الروم و الإشمام فى الميم التى فى أواخر الأفعال و الأسماء،التى ليست للجمع،و لو تم له منع الإشمام فيها لم يتم له منع الروم،فقياس ميم الجمع لمن ضمها و هو يريد بالضم أصلها أن يقف عليها كغيرها من المتحركات، و الإسكان حسن فيها،فأما من حركها لالتقاء الساكنين،فالوقف له بالسكون لا غير،قلت:فنحو:

(عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) .

حركة الميم بالضم أو الكسر هى لالتقاء الساكنين عند الأكثر،فلا ترام ضما و لا كسرا،و لا تشم ضما، و هى فى مذهب من يرى الصلة ليست لالتقاء الساكنين،فيجوز فيها الروم و الإشمام على مذهب ابن كثير؛على ما ذكره متى،و فرق الدانى بين ميم الجمع و هاء الكناية،بأن الهاء محركة قبل الصلة،بخلاف الميم،يعنى بدليل قراءة الجماعة،فعوملت حركة الهاء فى الوقف معاملة سائر الحركات،و لم يكن للميم حركة فعوملت بالسكون، فهى كالتى تحرك لالتقاء الساكنين كما يأتى.

الموضع الثالث قوله:و عارض شكل،الشكل عبارة عن الحركة هنا تجوّزا على تجوّز،و ذلك أن استعماله فى دلالة الخط على الحركات و السكون مجاز،لأنه تقييد كالشكل فى الدواب،ثم استعماله مخصصا بالحركة تجوز آخر،و دلت قرينة الكلام فى الروم و الإشمام على هذا التجوز.لأنهما لا يدخلان إلا فى متحرك،أى و فى شكل عارض،أى حركة عارضة،فهو من باب حسن وجه،إلا أنه لا يجوز أن تقول:مررت بحسن وجه،و أنت تريد بوجه حسن،لما فيه من إضافة الصفة إلى الموصوف،و إنما يجوز على تقدير:مررت بشخص حسن وجه،فعلى هذا يكون تقدير البيت:و فى لفظ عارض شكل لم يدخلا،و ذلك حركة التقاء الساكنين.نحو:

لم يكن الذين:

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ - وَ عَصَوُا الرَّسُولَ - فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ - وَ يَوْمَئِذٍ) .

لأنه ليس هنا حركة فتفتقر إلى دلالة،و العلة الموجبة للتحريك فى الوصل مفقودة فى الوقف،لأن الساكن الذى من أجله تحرك الحرف الأوّل قد باينه و انفصل عنه،فأما حركة نحو القاف من قوله تعالى:

(وَ مَنْ يُشَاقِّ اللّهَ) .

فترام،و إن كانت حركة التقاء الساكنين أيضا،لأن الأصل يشاقق،فأدغم و حرك،و سببه دوام مصاحبة الساكن المدغم وقفا و وصلا،و مما يمتنع رومه من الحركات العارضة حركة الهمزة المنقولة فى قراءة ورش نحو:

(مِنْ إِسْتَبْرَقٍ -و- قُلْ أُوحِيَ) .

قال مكى:فأما إن كان الذى أوجب الحركة فى الحرف لازما،فالروم و الإشمام جائزان فيه،على ما قدمناه فى الوقف على:

(جزء-و-ملء-و-دفء).

ص: 271

إذا ألقيت حركة الهمزة على ما قبلها فى قراءة حمزة و هشام،لأنها حركة الهمزة،و هى تدل عليها،فكأن الهمزة ملفوظ بها،قال:فأما:

(يومئذ-و-حينئذ).

فبالإسكان تقف عليه،لأن الذى من أجله تحركت الذال يسقط فى الوقف،فترجع الذال إلى أصلها، و هو السكون،فهو بمنزلة:

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ) .

و شبهه،قال:و ليس هذا بمنزلة:

(غواش-و-جوار).

و إن كان التنوين فى جميعه دخل عوضا من محذوف.لأن التنوين دخل فى هذا على متحرك،فالحركة أصلية و الوقف عليه بالروم حسن،و التنوين-فى يومئذ-دخل على ساكن،فكسر لالتقاء الساكنين على الأصل، و اللّه أعلم.

373-[و فى الهاء للإضمار قوم أبوهما و من قبله ضمّ أو الكسر مثّلا]

374-[أو امّا هما واو و ياء و بعضهم يرى لهما فى كلّ حال محلّلا]

يعنى هاء الضمير،و هى هاء الكناية التى سبق لها باب أبى قوم الروم و الإشمام فيها،إذا كان قبلها ضم أو كسر،نحو:

(بمزحزحه-لا نخلفه).

أو يكون قبلها،إما الضم أو الكسر،و هما الواو و الياء نحو:

(فيه-و-عقلوه).

و طلبوا بذلك التخفيف لئلا يخرجوا من ضم أو واو إلى ضمة أو إشارة إليها،و من كسر أو ياء إلى كسرة و الهاء فى قبله تعود إلى الإضمار،أو إلى الهاء،و لو قال قبلها لجاز على هذا،و كان أحسن،لأنه أوضح، و الوزن موات له قوله مثلا،أى شخص قبل الهاء،و الألف للإطلاق،و يجوز أن يكون ضمير التثنية على حد قوله تعالى:

(إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّهُ أَوْلى بِهِما) .

و ليس هذا مثل قولك:زيد أو عمرو قائم،فإنه لا يجوز قائما،لأنك لم ترد الإخبار عنهما،بل عن أحدهما و هاهنا يريد الإخبار عنهما معا،و إنما حرف«أو»أفاد نفى اجتماعهما،فلا يكون إلا أحدهما،فلهذا عدل عن الواو إلى أو،فهى قريبة الشبه من قولهم:جالس الحسن أو ابن سيرين،فإن المعنى جالسهما،و عدل إلى لفظ أو ليفيد أن لك أن تجالس واحدا منهما منفردا،كما لك أن تجالسهما معا،ثم قال:أو أماهما فنقل حركة همزة

ص: 272

أم إلى الواو،و جعل الواو أمّا للضم،و الياء أمّا للكسر،أى أن الضم و الكسر تولدا منهما،و هذه مسئلة قد اختلف الناس فيها،و هى:أن الحركات الثلاث:أصول حروف العلة،أو حروف العلة أصول الحركات، و قد سبق الناظم إلى هذه العبارة أبو الحسن الحصرى،فقال فى باب الكناية من قصيدته:

و أشمم ورم ما لم تقف بعد ضمة و لا كسرة أو بعد أميهما فادر

و قوله:واو و ياء،بدلان من أمّا،ثم قال:و بعضهم،أى و بعض الشيوخ يرى محللا لهما،أى مجوزا الروم و الإشمام فى هاء الإضمار كيف كانت،و على أى حال وجدت،و لم يستثن ما ذكره هؤلاء القوم،فقوله محللا اسم فاعل من التحليل الذى هو ضد التحريم،و نصبه على أنه مفعول ثان لقوله يرى،و هذه المسألة لم تذكر فى التيسير،و قد ذكرها مكى فقال:إذا وقفت على هاء الكناية و كانت مضمومة و قبلها ضمة أو واو ساكنة،أو كانت مكسورة و قبلها كسرة،أو ياء ساكنة:وقفت بالإسكان لا غير عند القراء.

قال:و قد ذكر النحاس جواز الروم و الإشمام فى هذا،و ليس هو مذهب القراء،و يقف عليها فيما عدا هذين الأصلين،كسائر الحروف بالروم و الإشمام على ما ذكرناه،و اللّه أعلم.

باب الوقف على مرسوم الخط

يعنى خط المصحف:على ما وضعته عليه الصحابة رضي اللّه عنهم لما كتبوا المصاحف فى زمن عثمان رضى اللّه عنه و أنفذها إلى الأمصار،ففيها مواضع وجدت الكتابة فيها على خلاف ما الناس عليه اليوم فى الكتابة، و قد صنف فى ضبط ذلك تصانيف،و لأبى عمرو الدانى فى ذلك كتاب«المقنع»و قد نظمه الشيخ الشاطبى أيضا فى قصيدته الرائية،و لا يعرف ذلك إلا من وقف على تصنيف منها،و أصل الرسم:الأثر،فمعنى مرسوم الخط:ما أثره الخط.

375-[و كوفيّهم و المازنىّ و نافع عنوا باتّباع الخطّ فى وقف الابتلا]

المازنى هو:أبو عمرو،و عنوا أى اعتنوا باتباع خط المصحف،و الابتلا:الاختبار،أى إذا اختبروا بالوقف على كلمات ليست بموضع وقف،ليعلم به معرفة القارئ بحقيقة تلك الكلمة،أو إذا انقطع نفس القارئ فوقف على تلك الكلمة،فقد وردت الرواية عن هؤلاء الأئمة المذكورين باتباع الرسم فيها،فيوقف عليها على وفق رسمها فى الهجاء،و ذلك باعتبار الأواخر فى تفكيك الكلمات بعضها من بعض،و تقطيعها،فما كتب من كلمتين موصولتين لم يوقف إلا على الثانية منهما،و ما كتب منهما مفصولا:يجوز أن يوقف على كل واحدة منهما،و ذلك نحو:عن ما هما،كتبتا بالقطع فى موضع و بالوصل فى آخر،فيقفون فى المقطوع على عن،و فى الموصول على هما،و فى الوصل لا يظهر لذلك أثر،فلهذا خص الباب بالوقف.

376-[و لابن كثير يرتضى و ابن عامر و ما اختلفوا فيه حر أن يفصّلا]

أى يرتضى لهما الوقف على المرسوم و إن لم يرد به عنهما رواية،و ذلك لما فيه من التنبيه على الرسم،قال فى التيسير:اعلم أن الرواية ثبتت لدينا عن نافع و أبى عمرو و الكوفيين،أنهم كانوا يقفون على المرسوم،و ليس

ص: 273

فى ذلك عندنا شيء يروى عن ابن كثير و ابن عامر،و اختيار أئمتنا أن يوقف فى مذهبهما على المرسوم كالذين روى عنهم ذلك.

قلت و ذلك منقسم إلى متفق عليه و مختلف فيه،و لم توضع هذه القصيدة إلا لبيان المختلف فيه،فلهذا قال و ما اختلفوا فيه حر أن يفصلا،أى حقيق تفصيله،أى تبيينه بطريق التفصيل واحدا بعد واحد،فقوله:حر مثل:عم،و شج،و هو خبر قوله و ما اختلفوا فيه،و قوله:أن يفصلا،فى موضع رفع على أنه فاعل حر يقال حر و حرا:منقوصا و مقصورا،و كلاهما مستقيم هنا وزنا و معنى،و الكل بمعنى خليق و جدير و حقيق، إلا أن المنقوص يثنى و يجمع،بخلاف المقصور،أما المتفق عليه،فنحو الوصل و القطع بين الكلمات،و الإثبات و الحذف فى حروف العلة،نحو:

(وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ -فى الشورى (1)-و- يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ - يَدْعُ الدّاعِ - سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) .

كتبت هذه المواضع الأربعة بحذف الواو،فيوقف عليها كذلك،و كتب:

(يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ) .

فى الرعد (2)بإثبات الواو،فالوقف عليه كذلك،و:

(عمّا).

موصولة إلا قوله تعالى:

(فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) .

فإنها مفصولة،و كذا:

(إمّا).

موصولة إلا فى الرعد:

(وَ إِمّا نُرِيَنَّكَ 3) .

و هو كثير يؤخذ من المصنفات فى ذلك فلا يطول بذكره.

ثم شرع يبين الذى اختلف فيه القراء فقال:

377-[إذا كتبت بالتّاء هاء مؤنّث فبالهاء قف(حقّ)ا رضى و معوّلا]

يعنى كل هاء تأنيث فى الوقف،و هى تاء فى الوصل؛منها ما رسم فى المصحف على لفظ الوقف،و منها ما رسم على لفظ الوصل بالتاء،فما كتب من ذلك بالهاء فلا خلاف فى الوقف عليها كذلك،لأنها هى اللغة الفصحى،و الرسم موافق لها،فلا معدل عنها،و ما كتب من ذلك بالتاء فوقف عليها بالهاء ابن كثير و أبو عمرو و الكسائى،و خالفوا الرسم اتباعا لأفصح اللغتين،و وقف الباقون بالتاء لأنها لغة ثابتة،و فى القراءة بها موافقة

********

(1) آية:24.

(2) آية:39.

(3) آية:40.

ص: 274

للرسم،و قوله«حقا رضى و معولا»أحوال على حذف مضاف،أى ذا حق و رضى و تعويل،و يجوز أن تكون مفعولات مطلقة،و أفعالها مضمرة،أى حق ذلك حقا،و رضى ذلك رضى،و عول عليه معولا،ثم استثنى من ذلك فقال:

378-[و فى اللاّت مع مرضات مع ذات بهجة

و لات(ر)ضى هيهات(ه)ادبه رفّلا]

أى الوقف بالهاء فى هذه الأماكن مرضى،يريد قوله تعالى:

(أَ فَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّى -و-مرضاة).

حيث وقعت،و ذات من قوله:

(ذاتَ بَهْجَةٍ -بخلاف قوله- ذاتَ بَيْنِكُمْ) .

و نحوها،و ليس الكلام فى بهجة،فإن الوقف عليها بالهاء بإجماع،لأنها رسمت كذلك،و أما:و لات ففي قوله تعالى:

(وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ) .

رسم الجميع بالتاء،و وقف الكسائى عليهن بالهاء طردا لمذهبه،و لم يوافقه أبو عمرو و ابن كثير لمعان اختصت بهذه المواضع،أما اللات،فإذا وقف عليها بالهاء أشبه لفظ الوقف على اسم اللّه،و أما مرضاة فالوقف عليه بالهاء يشبه لفظ مرضى جمع مريض:إذا أضيفت إلى هاء الضمير،و أما ذات فمؤنث ذو،و لم يجر على لفظ مذكره فوقف عليه بالتاء،كبنت و أخت،بخلاف ابنة ففيها اللغتان،لأنها على لفظ مذكرها،و هو ابن، فزيد فيه هاء التأنيث،و أما لات فالتاء فيها تأنيث بمنزلة التى:تدخل الأفعال،نحو:قامت،و قعدت،و إنما حركت لالتقاء الساكنين،و للفرق بين تاء التأنيث فى الأفعال و بينها فى الحروف،أ لا تراها لا تزال مفتوحة، فهى محركة كما حركوا تاء:ثمت و ربت،إلا أن هذه يجوز إسكانها،إذ لا ساكن قبلها،و ما كان من هذا القبيل فحقه أن يوقف عليه بالتاء،و وقف عليها الكسائى بالهاء،لأنها أشبهت تاء التأنيث فى الأسماء،للزومها الحركة و قرأت فى كتاب أبى بكر بن مهران فى شرح كتاب سيبويه،قال.يقال:لات ولاه فى الوقف،و ثمة و ثمه، فى الوقف و ربت و ربه،فى الوقف،قلت:و قد حكى أن التاء كتبت مع حين،فعلى هذا يكون الوقف على لا،و بعدها تحين،و قال الفراء:الوقف على و لات،و اللات،و ذات بالتاء أحب إلىّ من الهاء،و قد رأيت الكسائى سأل أبا فقعس الأسدي،فقال:ذاة لذات،و-أ فرأيتم اللاه-للات.و قال فى-و لات حين مناص-:

ولاه،و خص الوقف بالهاء على ذات،فى:

(ذات بهجة-دون-ذات بينكم).

و شبهه،جمعا بين اللغتين،و وافقه البزى على:

(هيهات).

ص: 275

فوقفا بالهاء،و لهذا قال:رفلا،لأن الترفيل:التعظيم،و هو اسم زيادة سبب خفيف فى قافية مجزوّ؟؟؟ الكامل فى الضرب الأول منه،و إنما قال هاديه:رفل،لانضمام البزى إلى الكسائى فى ذلك.

379-[وقف يا أبه(ك)فؤا(د)نا و كأيّن ال

وقوف بنون و هو بالياء(ح)صّلا]

كفوا حال من الضمير فى قف،أى كفؤا فى إقامة الحجة،أى قف بالهاء قائلا يا أبه،أراد يا أبت حيث جاء،وقف عليه بالهاء ابن عامر و ابن كثير.لأنها تاء تأنيث لحقت الأب فى باب النداء خاصة،فكان الوقف عليها كغيرها،فابن كثير جرى على أصله فى ذلك،و خالفه أبو عمرو،و الكسائى لأنها ليست طرفا،فإن ياء الإضافة مقدرة بعدها،و قد قال أبو بكر الأنبارى:يقف بالتاء من كسر و لا يجوز أن يقف بالهاء،لأن الكسرة التى فى التاء دالة على ياء المتكلم،مثل:

(يا قوم-و-يا عباد).

و خالف ابن عامر هنا أصله،فلم يقف بالتاء،لأنه فتحها وصلا،على ما يأتى،فأراد أن يفرق بينها و بين غيرها من التاءات لما اختصت به هذه من أحكام لم توجد فى الباقية،و من وقف بالتاء اتبع الرسم فى جميع الباب،و كذا من وقف على:

(كأيّن).

بالنون،و هم جميع القراء،إلا أبا عمرو،فإنه وقف على الياء تنبيها على الأصل،لأن التنوين يحذف فى الوقف،و هى كلمة أى،دخل عليها كاف التشبيه،و هى مجرورة منونة مثل زيد،فحصل ذلك المعنى منه بسبب الوقف عليه بالياء و الواو فى قوله:

(و كأيّن).

للعطف،ليشمل ما جاء من ذلك بالواو و الفاء،و قوله الوقوف بنون:مبتدأ و خبر،أى الوقوف فيه كائن بالنون،أى عندها كما تقول:قف بالديار،و قوله:و هو بالياء مثله،أى و الوقوف أيضا:

(كأيّن).

بالياء و الألف فى حصلا،ضمير الموقفين،و لا يجوز أن يكون بالياء متعلقا بضمير الوقوف الذى هو:

و هو،و يكون:حصلا:خبره،لمنعهم جواز قولك:مرورى يزيد حسن،و هو بعمرو قبيح،و يجوز أن يتعلق بالياء بقوله:حصلا،فتكون الألف فى حصّلا:للإطلاق،و اللّه أعلم.

380-[و مال لدى الفرقان و الكهف و النّسا

و سال على ما(ح)جّ و الخلف(ر)تّلا]

يريد قوله تعالى:

(ما لِهذَا الرَّسُولِ -و- ما لِهذَا الْكِتابِ - فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ - فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا) .

ص: 276

كتبت لام الجر مفصولة فى هذه المواضع الأربعة،تنبيها على انفصالها من مجرورها فى المعنى،فوقف أبو عمرو على-ما-لأن حرف الجر من الكلمة الآتية،و وقف باقى القراء على اللام:اتباعا للرسم،و اختلف عن الكسائى فروى عنه مثل أبى عمرو،و مثل الجماعة،و تقدير البيت:و مال فى هذه السور الأربع الوقف فيها على لفظ ما حج:أى غلب فى الحجة،لأن الكلمة مستقلة،فوقف عليها و لم يقف على اللام الخافضة،لأنها مع ما بعدها كالكلمة الواحدة،و لفظه بقوله:و مال:تنبيه على أن الرسم كذلك،فمنه نأخذ أن وقف المسكوت عنه من القراء على اللام،و قوله:رتلا،أى بين،و منه:ترتيل القراءة،و هو الترتيل فيها و التبيين،أى نقل الخلاف عن الكسائى فى الكتب المشهورة،و اللّه أعلم.

381-[و يا أيّها فوق الدّخان و أيّها لدى النّور و الرّحمن(ر)افقن حمّلا]

يعنى أن فى الزخرف:

(يا أَيُّهَا السّاحِرُ 1) .

و فى سورتى النور و الرحمن:

(أيّها).

بغير حرف النداء،فلهذا أعاد لفظ أيها يريد قوله تعالى:

(وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ - سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (2) .

وقف بهذا اللفظ الكسائى و أبو عمرو،و هو لفظ الوصل،و إنما سقطت الألف للساكن بعدها،فوقفا على أصل الكلمة،و وقف الباقون على الهاء من غير ألف:اتباعا للرسم،لأن الألف لم ترسم فى هذه المواضع الثلاثة فكتبت على لفظ الوصل،من غير نظر إلى الأصل،كما كتبت.

(وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ) . (3)

بغير واو،و وقف الجميع كذلك،و أما سائر المواضع نحو:

(يا أَيُّهَا النّاسُ - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا - يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) .

فالوقف بالألف لجميع القراء،لأن الرسم كذلك.

فإن قلت:تلفظ فى البيت بغير لفظ الرسم،فمن أين تعلم قراءة الباقين،قلت:من البيت الآتى،و الضمير فى رافقن:لهذه المواضع،أى رافقن حاملين لهن من القراء النقلة،يشير إلى أن القراءة نقل،فالاعتماد عليه، و إن كان أصل الكلمة شاهدا لها،و حملا:جمع حامل.

382-[و فى الها على الإتباع ضمّ ابن عامر لدى الوصل و المرسوم فيهنّ أخيلا]

يعنى أن ابن عامر ضم الهاء فى الوصل فى هذه المواضع الثلاثة،قال الشيخ:قدرت الهاء فى المعنى كما هى

********

(1) آية:49.

(2) الرحمن،آية:31.

(3) النور،آية:31

ص: 277

فى اللفظ،فضمت كما يضم المنادى المفرد،و هى لغة عربية حكاها الكسائى و الفراء.قال الفراء:هى لغة بنى أسد،يقولون:أيه الرجل أقبل،و ذلك أنهم شبهوا هذه الهاء بهاء الضمير،فضموها،و كذلك حركوا هاء السكت تشبيها لها بهاء الضمير،و أسكنوا هاء الضمير،تشبيها بهاء السكت،و فى قراءة ابن عامر:تحريك هاء السكت،يعنى فى الأنعام:

(فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ 1) .

و قول الناظم:على الإتباع،بيان لمأخذ هذه اللغة و حركتها،و هى أنهم ضموا الهاء اتباعا لضمة الياء قبلها،و الوجه فتح الهاء،و هى قراءة الجماعة،لأنها ها التى للتنبيه،حذفت ألفها للساكن الذى بعدها،و يعلم من قوله:إن ابن عامر ضم الهاء على الإتباع:أنه رسم بغير ألف،و أن من عدا الكسائى و أبا عمرو:وقفوا على الهاء،لأن الألف لا يمكن ضم ما قبلها،و كأن هذا من باب الإثبات و الحذف،فكأنه قال أثبت الألف فى الوقف أبو عمرو و الكسائى،فالباقون على حذفها وقفا،و زاد ابن عامر فضم الهاء فى الوصل اتباعا،و الإتباع فى اللغة وجه مقصود فى مواضع كثيرة.قال الشيخ:و أجاز صاحب القصيدة ضم ابن عامر بالرفع على الابتداء و ضم ابن عامر على أنه فعل و فاعل.قلت:فعلى هذا تقدير الكلام:أوقع الضم فى الهاء،فهو من باب يجرح فى عراقيبها نصلى.ثم قال الشيخ:و المرسوم مبتدأ،و فيهن،الخبر و أخيلا:منصوب على الحال،و التقدير و المرسوم استقر فيهن أخيلا:أى مشبها ذلك،و الأخيل:الحبرة اليمانية شبه الرسم بها.قلت:و تبع الشارحون الشيخ فى هذا المعنى و اللفظ،و هو مشكل لفظا و معنى؛فإن الأخيل،طائر،و الرجل المتكبر،و ما رأيت أحدا من أهل اللغة ذكر أنه الحبرة؛و قد كشفت الكتب المشهورة فى ذلك فلم أجده،ثم:لا طائل المعنى المفهوم من هذا اللفظ على تقدير صحته:و قد طال فكرى فى معنى صحيح أحمل اللفظ عليه،فوقع لى أن قوله أخيلا فعل ماض هو خبر،و المرسوم بمعنى الرسم:مصدر على وزن مفعول،كالمجلود،و المفتون،أى و الرسم أخيل فيهن ذلك،من قولهم:أخالت السماء،و أخيلت إذا كانت ترجى المطر،حكاه الجوهرى و ابن سيده،فاستعارة الناظم هنا:أى أن الرسم أخيل ضم الهاء الذى قرأ به ابن عامر فى هذه المواضع الثلاثة؛لأنها لما رسمت على هذه الصورة بلا ألف أوقع ذلك فى ذهن من رآه،ظنا أنه رسم على لغة بنى أسد المذكورة.قال الجوهرى:

و قد أخلت السحابة و أخيلتها إذا رأيتها مخيلة للمطر،ثم إنى رأيت بعد ما وقع لى هذا المعنى الصحيح فى شرح هذا اللفظ:نسخة صحيحة من القصيدة فى طرة هذا الموضع،منها حاشية منقولة من حواشى نسخة الشيخ أبى عبد اللّه القرطبى رحمة اللّه عليه،يقال:سحاب.مخيل:أى حقيق بالمطر،و رأيت هذا أيضا فى طرة نسخة أخرى مقروءة على المصنف،و لا شك أن ما كان فيها من الحواشى هو من كلامه و زاد،فكأن الرسم حقيق بضم الهاء،إذا جاء بغير ألف،و رأيت فى حاشية نسخة أخرى قرئت على الناظم غير مرة،و هو من قولهم أخال السحاب و أخيل:إذا كان حقيقا بالمطر،و لما رسمت هذه المواضع بغير ألف إجماعا كان فيه حجة لابن عامر، قلت:فدل ذلك على أنه مراد الناظم،و أن أبا عبد اللّه و غيره سمعوه منه،و اللّه أعلم.

و رسمت يا أيها فى جميع القرآن بالألف آخرها،إلا فى هذه المواضع الثلاثة،و كأنهم أشاروا بذلك إلى جواز

********

(1) آية 90.

ص: 278

كتابتها على هذا الوجه:إما اجتزاء بالفتحة عن الألف على قراءة الجماعة،و إما على اللغة الأخرى التى قرأ عليها ابن عامر،و اكتفى بذلك فى هذه الثلاثة دون باقى المواضع،لأنها جمعت الأنواع الثلاثة،و هى نداء المفرد و المثنى و المجموع،فالمفرد:

(يا أيّه السّاحر-و المثنى-أيّه الثّقلان-و المجموع-أيّه المؤمنون)و اللّه أعلم.

383-[وقف ويكأنّه ويكأنّ برسمه و بالياء قف(ر)فقا و بالكاف(ح)لّلا]

أى هكذا رسمتا،فقف على هذه الصورة لجميع القراء إلا الكسائى و أبا عمرو،فإن الكسائى وقف على الياء لأنه جعل:

(وى-كلمة-و-كأنّ-كلمة).

و وى كلمة يقولها المتندم و المتعجب،و وجه الكاف بعدها تشبيه الحالة للراهنة بحال الوقوع لحصول اليقين،و المتيقن كالمعاين.قلت:تقدير البيت:

كأنك بالدنيا غير كائنة

أى غير موجودة:أى إنها ذاهبة واجبة الذهاب.

و كأنك بالآخرة غير زائلة

أى إذا وجدت،فهى واجبة الدوام،و اللّه أعلم.

و منه قوله عليه الصلاة و السلام:

«كأنّك بالدّنيا لم تكن،و بالآخرة لم تزل».

و قول امرئ القيس:

كأنى لم أركب جوادا للذة

و قول عبد يغوث بن وقاص:

كأنى لم أركب جوادا و لم أقل

و قول الجرهمى:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس و لم يسمر بمكة سامر

و وقف أبو عمرو على الكاف جعل:

(ويك).

كلمة و يكون أصلها ويلك حذفت منها اللام،و هى لغة.

قال عنترة:

و لقد شفا نفسى و أبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم

و قال آخر:

ألا ويك المسرة لا تدوم و لا يبقى على البوسى النعيم

و فتح أن بعدها على إضمار اعلم،أو إضمار لام الجر،أى لأنه.

ص: 279

و قراءة الجماعة تحتمل معنى قراءة للكسائى،و معنى قراءة أبى عمرو،قال أبو الفتح بن جنى فى باب توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين من ذلك قوله تعالى:

(وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) .

مذهب الخليل و سيبويه فيه أنه:

(وى).

مفصول،و هو اسم سمى به الفعل فى الخبر،و هو اسم أعجب،ثم قال مبتدئا:

( وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ -و أنشد فيه:

وى كأن من يكن له نشب يح بب و من يفتقر يعش عيش ضر

و ذهب أبو الحسن فيه إلى أنه:

(ويك).

أراد بويك أعجب،أى اعجب لسوء اختيارهم،فعلق أن بما فى ويك من معنى الفعل،و جعل الكاف حرف خطاب بمنزلة كاف ذلك،و هنالك قال أبو على ناصرا لقول سيبويه قد جاءت كأن كالزائدة،و أنشد بيت عمر:

كأننى حين أمسى لا يكلمنى ذو بغية يشتهى ما ليس موجودا

أى أنا كذلك،و كذلك قوله:

(لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) .

أى هم لا يفلحون،و قوله رفقا:أى رافقا مصدر فى موضع الحال،أى أرفق فى تقدير وجه ذلك،و فهم معناه،و حللا من التحليل:أى جوز الوقف على الكاف ردا على من أنكر ذلك،و قوله برسمه فى موضع الحال أى ملتبسا برسمه،فكأنه قال على رسمه،و أفاد قوله هذا:أن الرسم على هذه الصورة،فلا تقتصر على بعض هذا اللفظ فى الكلمتين،و هما فى آخر سورة القصص (1)و اللّه أعلم.

384-[و أيّا بأيّا ما(ش)فا و سواهما بما و بوادى النمل باليا(س)نا تلا]

يريد قوله تعالى:

(أَيًّا ما تَدْعُوا) .

فى آخر سورة سبحان (2)هى كلمة«أى»زيدت عليها«ما»فهى مثل:حيثما و كيفما،و عما،فوقف حمزة و الكسائى على:

********

(1) آية:82.

(2) آية:110.

ص: 280

(أيّا).

وحدها،و أبدلا من التنوين ألفا،لأنها كلمة مستقلة مفصولة من«ما»خطا و معنى،و وقف الباقون على«ما»و هو مشكل،فإنها لم تتصل بما قبلها خطا،فصارت مثل«عن ما»المفصولة،فإنهم يقفون على«عن»دون«ما»و قد تقدم بيان ذلك،و لكن الفرق تحقق الانقطاع فى نحو:«عن ما»لأن الاتصال كان ممكنا،و هاهنا لم يتحقق ذلك،فإن الألف لا يتصل بها شيء فى الخط بعدها،و الأكثر فى الخط اتصال ما المزيدة بما قبلها،فاحتاطوا و أجروا هذا الموضع مجراها خوفا من أن يكونوا قصدوا الاتصال،و لحظوه حال الكتابة معنى و تعلقا؛كما لحظوه فيما تحقق اتصاله،ثم منعهم من ذلك خطا أن الألف لا تقبل ذلك فتركوه فقوله:

و أيا بأيامّا،أى و الوقف على أيا فى قوله«أياما شفا»لظهور دليله بالفصل فى الخط،و سوى مدلول شفا، و هما حمزة و الكسائى،وقفوا ب«ما»أى عليها.يقال:وقفت به و عليه،قال طرفة

وقفت بها أبكى

و قال عنترة:

قف على دراسات الدمن

و كذلك الياء فى قوله:«و بواد النمل»أى وقف الكسائى عليها بالياء،لأنها الأصل،و الباقون بحذفها على الرسم،و كان ينبغى أن يذكر هذا فى سورته كما ذكر-هاد- و-وال-و-واق-و-باق-فى سورة الرعد (1)و ذكر:

(يَوْمَ يُنادِ) .

فى سورة ق (2)فالجميع اختلفوا فى إثبات يائه فى الوقف،و اتفقوا على حذفها فى الوصل،و لهذا لم يذكرها فى باب الزوائد،على ما يأتى شرحه إن شاء اللّه تعالى.

385-[و فى مه و ممّه قف و عمّه لمه بمه بخلف عن البزّىّ و ادفع مجهّلا]

انفرد البزى فى رواية عنه بزيادة هذه الهاء فى الوقف على«ما»الاستفهامية الداخل عليها حرف الجر، و هى هاء السكت،لأن بعض العرب يلحقها فى هذه المواضع جبرا لما حذف من«ما»و هو ألفها،و إبقاء لحركة الميم،لئلا تذهب فى الوقف فيجتمع فى«ما»و هى حرفان حذف أحدهما و إسكان الآخر،و أنشدوا

صاح الغراب بمه

و أراد بما ذكره:

(فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها - مِمَّ خُلِقَ - عَمَّ يَتَساءَلُونَ - لِمَ تَقُولُونَ - بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) .

و شبه ذلك،و وقف غير البزى بلا هاء:اتباعا للرسم،و هى اللغة المشهورة،و قوله مجهلا:منصوب على أنه مفعول به،أراد أن من جهل قارئ هذه القراءة فهو كالصائل الظالم،فادفعه عنه،و حجة من يردعه و يزجره عن تجهيله له،و يجوز أن يكون حالا من فاعل ادفع،و المفعول محذوف،أى ادفع من ردّ هذه القراءة مجهلا له بقلة معرفته،و فى حواشى النسخة المقروءة على الناظم قال الحوفى فى البرهان:لا يجوز هذا،و احتج بالرسم،قال:فيقال له:أ ليس ابن كثير و غيره يثبت الزوائد فى الوقف،و ليست فى الرسم،و قد وقف قوم بخلاف الرسم فى مواضع،و المعوّل عليه صحة النقل لا غير.

قلت:و حكى صاحب المستنير:أن يعقوب كان يقف على هو،و هى و النون المفتوحة نحو:

********

(1) الآيات:7 و 33-11 و 34 و 37.و باق فى سورة النحل الآية:96.

(2) آية:41.

ص: 281

(العالمين-و-الّذين).

بهاء السكت،كما فعل البزى فى هذا،فيقول:

(هوه-و-هيه-العالمينه-الّذينه).

و شبهه،و حكى الحافظ أبو العلاء عن ابن جبير عن أبى عمرو:

(يا ويلتاه-و-أسفاه-و-يا حسرته-و اللّه أعلم.

باب مذاهبهم فى ياءات الإضافة

ياء الإضافة هى:ياء المتكلم،بها تكون متصلة بالاسم و الفعل و الحرف،نحو:

(عذابى-ليبلونى-إنّى-ولى).

فهى تارة مجرورة المحل،و تارة منصوبة المحل،و قد أطلق الناظم و غيره من مصنفى كتب القراءات هذه التسمية عليها،و إن كانت منصوبة المحل غير مضاف إليها نحو:

(إنّى-و-آتانى-و-يحزننى-و-ذرونى).

تجوّزا،و قد جاءت فى المصحف على ضربين:محذوفة و ثابتة،فالمحذوفة يأتى الكلام فيها فى الباب الآتى، و الثابتة فيها لغتان:الفتح و الإسكان،فوجه الفتح:أنها ضمير على حرف واحد،قابل لحركة الفتح،واقع فى موضع النصب و الجر،فحرك؛كالكاف و الهاء،و قولنا:قابل لحركة الفتح،لأن الياء المكسور ما قبلها لا تحرك بغير الفتح إلا فى ضرورة شعر،و قولنا واقع فى موضع النصب و الجر،احترازا من باب افعلى، فى خطاب المرأة،و وجه الإسكان التخفيف،لأن حرف العلة تثقل عليه الحركة،و إن كانت فتحة،و لأن المد يخلف الحركة،فيصير الحرف بالمد كأنه محرك،و كلاهما لغة فصيحة؛و قد جمعهما امرؤ القيس فى بيت واحد،فقال:

ففاضت دموع العين منى صبابة على النحر حتى بلّ دمعى محملى

فقال:منى،بالإسكان،و دمعى بالفتح،و عند هذا نقول:كل ضمير مفرد متصل:منصوب أو مجرور لا ينفك من أن يكون ياء المتكلم أو كاف الخطاب أو هاء الغائب،فالياء تسكن،لما فيها من المد،و لأنها حرف علة تثقل عليه الحركة،و إن كانت فتحة بدليل إجماعهم على إسكان الياء من معدي كرب ،و لزموا الفتح فى نحو القاضى لأجل الإعراب،و الكاف حرف صحيح محرك،و الهاء مع كونها حفا صحيحا فيها ضعف،فقويت بالصلة إما بواو،أو ياء،على حسب ما قبلها من الحركة،على ما سبق فى بابها،ثم ياء الإضافة الثابتة فى المصحف منها ما أجمع القراء على تسكينه،و هو كثير،نحو:

(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي - وَ مَنْ عَصانِي - اَلَّذِي خَلَقَنِي - يُطْعِمُنِي -و- يُمِيتُنِي - إِنِّي جاعِلٌ - فَقُلْ لِي عَمَلِي - يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) .

ص: 282

و منها ما أجمع على فتحه،و هو:

(بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ - أَرُونِيَ الَّذِينَ - نِعْمَتِيَ الَّتِي) .

و نحوه،مما بعده لام التعريف،أو شبهها،غير ما يأتى الخلاف فيه،و منه ما وقع فيه قبل ياء الإضافة ألف،نحو:

(هداى-و-عصاى-و-بشراى-و اختلف فى-محياى).

على ما يأتى،و إن وقع قبلها ياء ساكنة أدغمت فيها،و فتحت نحو:

(لدىّ-و-علىّ-و-إلىّ-و-بيدىّ-و اختلف فى-بمصرخيّ-و-يا بنىّ).

فى الفتح و الكسر،و منهم من أسكن.

(يا بنىّ-كما يأتى).

و قد صنف الإمام أبو بكر بن مجاهد رحمه اللّه كتابا مستقلا فى الياءات:إثباتا و حذفا،و فتحا و إسكانا، و ذكر المتفق عليه و المختلف فيه،على ترتيب القرآن،سورة سورة،و سيأتى فى آخر كل سورة ذكر ما فيها من ياءات الإضافة.

و هاهنا بيان أحكامها،فابتدأ الناظم ببيان حقيقتها فقال:

386-[و ليست بلام الفعل ياء إضافة و ما هى من نفس الأصول فتشكلا]

أى تكون آخر كلمة،و لكن ليست من حروف تلك الكلمة،بل زائدة عليها،و شرح هذا الكلام أن تقول:الكلمة إن كانت مما يوزن،و وقع فى آخرها ياء،فزنها بالفاء و العين و اللام،فإن صادفت اللام مكان الياء،فتعلم أنها لام الفعل،مثاله:

(أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً - نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ - وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ - فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي - وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ - يَهْدِي بِهِ اللّهُ) .

فحكم مثل هذه الياء فى المضارع السكون فى الرفع،و الفتح فى النصب،و الحذف فى الجذم،و فى الماضى الفتح،نحو:

(أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ - وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ) .

و مثاله فى الأسماء نحو:

(الدّاعى-و-المهتدى-و-الزّانى-و-النّواصى).

فهذا و شبهه يقع الاختلاف فيه فى الياء بالحذف و الإثبات،منها ما اتفق على إثباته-كالزانى-و النواصى- و منها ما اختلف فيه-كالداعى-و-التلاق-على ما سيأتى بيانه فى بابه،و إن كانت الكلمة مما لا يوزن و ذلك فى الأسماء المبهمة،نحو:الذى،و التى،و اللاتى،و فى الضمائر هى،فالياء فيها ليست بياء إضافة،لأنها من

ص: 283

نفس أصول الكلمة،ليست زائدة عليها،و إن كان يجوز فى ياء الذى و أخواته الحذف و التشديد،و يجوز فى ياء هى فى الشعر الإسكان و التشديد،فاحترز بقوله:و ما هى من نفس الأصول،من مثل ذلك،و لم يكتف بقوله:و ليست بلام الفعل لما ذكرت من الفرق بين الكلمات الموزونة و غيرها،و قوله:و ما هى من نفس الأصول،يشمل الجميع،و لكن أراد التنبيه على مثل هذه الفوائد،و إذا تقرر أنها ليست من نفس الأصول لم تبق مشكلة،فلهذا قال:فتشكلا،و نصبه على الجواب بالفاء بعد النفى،و كان ينبغى أن يأتى بما يحترز به أيضا عن ياء ضمير المؤنث،فى نحو:

(اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي - وَ هُزِّي إِلَيْكِ) .

و عن الياء فى جميع السلامة نحو:

(حاضِرِي الْمَسْجِدِ -و- عابِرِي سَبِيلٍ - غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ - بِرَادِّي رِزْقِهِمْ - وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ - مُهْلِكِي الْقُرى) .

فهذا كله ليس من باب ياءات الإضافة،و كان يكفيه فى تعريفها أن يقول:هى ياء المتكلم،أى ضميره المعبر عنه به،فى موضع النصب و الجر متصلا،ثم عرفها بالعلامة فقال:

387-[و لكنّها كالهاء و الكاف كلّ ما تليه يرى للهاء و الكاف مدخلا]

أى أنها كهاء الضمير و كافه،كل لفظ تليه ياء الإضافة،أى كل موضع تدخل فيه،فإنه يصح دخول الهاء و الكاف فيه مكانها،فنقول فى:

(ضيفى-و-يحزننى-و-إنّى-ولى ضيفه-و-يحزنه-و-إنّه و-له-و ضيفك-و- يحزنك-و-إنّك-و-لك-و-لكنّ).

هاهنا إشكال،و هو:أن من المواضع ما لا يصح دخول الكاف فيه،نحو:

(فاذكرونى-و-حشرتنى).

فلا يبقى قوله:كل ما،على عمومه،و لو قال:كل ما تليه يرى للها،أو الكاف،لزال هذا الإشكال بحرف أو و قصر الهاء،و قوله:كل ما:مبتدأ،و حق كلمة ما بعدها أن تكتب مفصولة منها،لأنها مضاف إليها، و هى نكرة موصوفة،أى كل شيء يليه،و لا تكاد تراها فى النسخ إلا متصلة بكل،و منهم من ينصب كل ما يعتقد أنه مثل قوله تعالى:

(كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) .

و ذلك خطأ و يرى خبر المبتدأ،أى كل شيء يليه الياء يرى ذلك الشيء مدخلا للهاء و الكاف،أى موضع دخول لهما،و قوله:تليه يجوز أن يكون من:ولى هذا هذا،أى تبعه،و أتى بعده،أى كل موضع اتصل به ياء الإضافة يرى موضعا لاتصال الها و الكاف به مكان الياء،و يجوز أن تكون تليه من الولاية التى بمعنى الإمرة

ص: 284

أى كل موضع وليته الياء،أى حكمت عليه بحلولها فيه،فذلك الموضع يصح أن يكون مدخلا للضميرين:الهاء و الكاف،ضميرى الغائب و المخاطب،فيحكما حكمها فيه،و اللّه أعلم.

و وقع لى بيتان فى تعريفها حدا و تمثيلا باتصالها بالاسم و الفعل و الحرف،و تمثيل ما احترز عنه مما تقدم ذكره،فقلت،

هى الياء فى أنى على متكلم تدل و ضيفى فاذكرونى مثلا

و ليست كيائى و هى أوحى و اسجدى و ياء التى و المهتدى حاضرى انجلا

فالحد أن تقول:هى الياء التى تدل على المتكلم،و عند ذلك تتصل بالحروف الجارة و الناصبة،نحو:لى -و-إنى،و بالأسماء نحو:ضيفى،و دونى،و تحتى،و عندى،و بالأفعال الماضية و المضارعة،و مثال الأمر (كحشرتنى-و-يحزننى-فاذكرونى).

و البيت الثانى فيه أمثلة ما الياء فيه أصل،لا عبارة عن متكلم،و اللّه أعلم.

قال رحمه اللّه تعالى:

388-[و فى مائتى ياء و عشر منيفة و ثنتين خلف القوم أحكيه مجملا]

منيفة،أى زائدة:يقال أناف على كذا:أى أشرف عليه،و أنافت الدراهم على مائة إذا زادت عليها، و ناف الشيء فى نفسه ينوف:أى طال و ارتفع ذكره،أى جملة ياءات الإضافة هى العدة،و هى:مائتان و اثنتا عشرة ياء،و عدها صاحب التيسير مائتين و أربع عشرة ياء،فزاد ثنتين،و هما:

(آتانِيَ اللّهُ) .

فى سورة النمل (1)،و قوله فى الزمر:

(فَبَشِّرْ عِبادِ اَلَّذِينَ 2) .

و ذكرهما الناظم فى باب الزوائد لأن الياء حذفت منهما فى الرسم،و هذه حقيقة باب الزوائد،ثم إن صاحب التيسير لما ذكر:

(آتانِيَ اللّهُ) .

فى سورتها،عدها مع الزوائد،و لم يعدها مع ياءات الإضافة،وعد:

(فَبَشِّرْ عِبادِ) .

فى سورتها مع ياءات الإضافة،و لا شك أنهما أخذا من كل باب من هذين البابين حكمه،فإن الخلاف فهما فى فتح الياء و إسكانها،و فى إثباتها و حذفها،و أما:

(يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) .

********

(1) آية:36.

(2) آية:17.

ص: 285

فى الزخرف (1)فذكرها الشيخ الشاطبى رحمه اللّه فى باب ياءات الإضافة،و بين حكمها،لأن المصاحف لم تجتمع على حذف يائها،كما يأتى بيانه،بخلاف ياء:

(آتانى-فى النمل-و-عبادى-فى الزمر).

فإن المصاحف اجتمعت على حذف الياء منهما،و ذكر صاحب التيسير حكم الياء التى فى الزخرف فى باب الزوائد،و لذلك عدها إحدى و ستين ياء،و أدرجها فى باب ياءات الإضافة فى العدد،و لم ينص على حكمها، فإنه عد الياءات التى ليس بعدها همز:ثلاثين،كما عدها الشاطبى،و لا يتم هذا العدد إلا بالتى بالزخرف و ذكرها صاحب التيسير فى سورتها مع ياءات الإضافة،فقد عدها فى البابين،و عذره فى ذلك أنها حذفت فى بعض الرسوم،كما يأتى ذكره.و قوله:أحكيه مجملا،يعنى خلف القراء فيها بالفتح و الإسكان،و لم يذكر فى هذا الباب حذفا و إثباتا،إلا فى التى فى الزخرف،فإنه ذكر فيها الأمرين،فإن من أثبتها اختلفوا فى فتحها و إسكانها؛و كذا فعل فى باب الزوائد فى اللتين فى النمل و الزمر.و قوله:مجملا:حال من الهاء فى أحكيه، أو نعت مصدر محذوف،أى ذكرا مجملا،فهو مصدر قرن بغير فعله،لأنه بمعناه،مثل قعدت جلوسا،لأن معنى أحكيه و أذكره واحد،أى أذكره على الإجمال بضابط يشملها من غير بيان مواضع الخلاف كلها؛ تنصيصا على أعيانها فى سورها؛و ستأتى معينة فى آخر كل سورة،و إنما أحكامها تؤخذ من هذا الباب،و قيل هو من إجمال العدد،و هو ما كان منه متفرقا،و يجوز أن يكون من أجمل:إذا أتى بالجميل،من قولهم أحسن فلان،و أجمل أى أذكره ذكرا جميلا سهلا،و يروى مجملا بكسر الميم،و هو حال من الفاعل بالمعانى السابقة.

389-[فتسعون مع همز بفتح و تسعها (سما)فتحها إلاّ مواضع همّلا]

أى فمن جملة المائتين و الاثنتى عشرة ياء المذكورة:تسع و تسعون ياء بعدها همزة مفتوحة،نحو:

(إنّى أعلم-إنّى أرى).

فتحها كلها مدلول سما،و هم:نافع،و ابن كثير،و أبو عمرو،إلا مواضع خرجت عن هذا الأصل، ففتحها بعضهم أو زاد معهم غيرهم،جمعا بين اللغتين،أو اختلف عن بعضهم فى شيء من ذلك،و معنى هملا متروكة،و هو جمع هامل،يقال:بعير هامل من إبل هوامل،و همّل و همل،و قد همل هذا إذا ترك بلا راع و الشيء الهمل هو السدى المتروك،و قد رتب الناظم ذكر الياءات المختلف فيه ترتيبا حسنا،و هو ترتيب صاحب التيسير،و حاصل المختلف فيه منها ستة أنواع،فإن الياء لا تخلو إما أن يكون بعدها همزة أو.لا،فالتى بعدها همزة لا تخلو من أن تكون همزة قطع أو همزة وصل،فهمزة القطع لا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة،و إن كانت همزة وصل فلا تخلو من أن يكون معها لام التعريف أو.لا،فهذه ستة أنواع:خمسة منها لما بعده همز،و واحد مع غير همز.فابتدأ بذكر ما بعده همزة قطع،على الترتيب المذكور،و بدأ بما بعده همزة مفتوحة لكثرة ذلك،و لأن الفاتحين له من القراء ثلاثة،عبر عنهم بسما،و ربما زادوا فى بعض المواضع كما يأتى بيانه،ثم ذكر ما بعده همزة مكسورة،لأنه دون ذلك فى العدة،و على فتحه من جملة مدلول سما اثنان

********

(1) آية:68.

ص: 286

ثم ذكر ما بعده همزة مضمومة لقلته و على فتحه واحد من مدلول سما؛ثم ذكر ما بعده همزة وصل،و قدّم ما معه لام التعريف لكثرته،ثم ذكر النوع الآخر ثم ذكر ما لا همز بعده،و هو آخر الأنواع الستة.

و اعلم أن الغالب على ياء الإضافة فى القرآن الإسكان،و أكثر ما فتح منها ما بعده همزة قطع،و سببه الخلاص بالفتح من المد،و قد ذكر ابن مجاهد فى كتابه:قال الفراء:و قد زعم الكسائى أن العرب تستحب نصب الياء عند كل ألف مهموزة،سوى الألف و اللام.قال الفراء:و لم أر ذلك عند العرب:رأيتهم يرسلون الياء فيقولون:عندى أبواك،و لا يقولون عندى أبواك إلا أن يتركوا الهمزة،فيحولوا الفتحة فى الياء.قال ابن مجاهد:فأما قولهم:لى ألفان،و بى أخواى كفيلان،فإنهم ينصبون فى هذين لقلتهما.قلت:يعنى قلة حروف الكلمتين:لى،و بى،فحيث تقل الحروف يحسن الفتح ما لا يحل فى كثرتها،و قد أفادنا ما حكاه عن الفراء:

أن معظم العرب على الإسكان،و أن من فتح منهم؛فأكثر فتحه فيما بعده همزة قطع،و أما ما بعده همزة وصل فلا،لأنه يلزم من إسكان الياء المد فى القطع دون الوصل،و مذهب أكثر القراء عكس ذلك،و هو اختيار الفتح قبل لام التعريف،لتظهر الياء و لا تحذف لالتقاء الساكنين،و فيما بعده همزة وصل بغير لام التعريف من الخلاف نحو مما بعده همزة قطع،و لعل سببه أن همزة لام التعريف مفتوحة،فكأن فتحتها نقلت إلى الياء و همزة الوصل فى غيرها مكسورة أو مضمومة،و قد أشار أبو عبيد إلى قريب من هذا الفرق فى سورة الصف و الخلاف فى هذا الباب جميعه فى الفتح و الإسكان،و ليس أحدهما ضدا للآخر،فكان الواجب عليه فى اصطلاحه أن ينص فى كل ما يذكره على القراءتين معا،لكن كان يطول عليه،فاكتفى بدلالة النظم فى جميع الباب على ذلك فإنه تارة ينص على الفتح،و تارة على الإسكان،ففهم من ذلك الأمران؛و اللّه أعلم.

390-[فأرنى،و تفتنّى،اتّبعنى سكونها لكلّ،و ترحمنى أكن،و لقد جلا]

يعنى أن هذه الياءات الأربع و إن كان بعدها همزات مفتوحة،فقد أجمعوا على إسكانها،و ليست من جملة التسع و التسعين التى ذكرها،و أراد:

(أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) .

و أتى به على قراءة ابن كثير و السوسى:

(و-لا تفتنّى ألا-اتّبعنى أهدك-و-إلاّ تغفر لى و ترحمنى أكن).

و فائدة ذكره لهذه المواضع الأربعة من بين المجمع عليه:أن لا يلتبس المختلف فيه بها،لأنها داخلة فى الضابط المذكور،و هو ما بعده همزة مفتوحة،فلو لا تنصيصه عليها بالإسكان للكل لظن أنها من جملة العدة،فتفتح لمن يفتح تلك العدة،فعلم من ذكره لهذه المواضع أن المختلف فيه غيرها،مما بعده همزة مفتوحة،و كذا يفعل فيما بعده مكسورة و مضمومة،فلهذا قال:«و لقد جلا»أى كشف مواضع الخلاف و بينها،و فاعل جلا ضمير يرجع إلى الناظم،أو إلى المذكور.و قيل:يعود الضمير على السكون،أى كشف فصاحة هذه اللغة،و هى الإسكان بسبب الاتفاق عليه فى هذه المواضع،و كذا فيما بعده همزة مكسورة أو مضمومة كما يأتى،و قد ذكرنا فيم مضى أن أكثر الياءات فى غير كلمات الخلاف مسكنة،و المجمع على فتحه من ذلك ما قبله ساكن مدغم أو ألف،نحو:

ص: 287

(لدىّ-و-هداى).

للضرورة،أو كان بعده لام التعريف،نحو:

(بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) .

حرصا على بيان الياء.و قيل:حسن الإسكان فى:

(أرنى-أن بعده-لن ترانى-و-سوف ترانى).

ساكنى الياء،و فى:

(تفتىّ-أن قبله-ائذن لى).

ساكن الياء،و أنه محل الوقف،و فى:

(اتّبعنى-أن قبله-جاءنى من العلم).

ساكن الياء،و فى:

(ترحمنى-أن قبله-إنّ ابني من أهلى).

ساكن الياء،و اللّه أعلم.

391-[ذرونى و ادعونى اذكرونى فتحها (د)واء و أوزعنى معا(ج)اد(ه)طّلا]

أراد (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى - اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ - فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) .

فتح هذه المواضع من مدلول سما ابن كثير وحده:

(أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ) .

فى النمل و الأحقاف (1)و هو معنى قوله:معا،و تقدير الكلام:و فتح ياءى كلمتى أوزعنى معا،و قد تقدم بيان اصطلاحه فى ذلك فى قوله:و أرجئ معا،و فتح ياءى أوزعنى فى الموضعين:ورش و البزى،و الضمير فى جاد يرجع إلى الفتح،و هطلا جمع هاطل،و الهطل تتابع المطر،و يقال:جاد المطر إذا غزر و هطلا:حال،أى ذا هطل،أى سحائب هطل.قال الجوهرى:سحائب هطل:جمع هاطل،و يجوز أن يكون جاد من الجودة،أى جاد فى نفسه،أو يكون من جاد بماله،إذا سمح به،و نصب هطلا على ما ذكرناه، و قيل:هطلا تمييز،على حد تفقأ زيد شحما،أى جاد هطله،و اللّه أعلم.

392-[ليبلونى معه سبيلى لنافع و عنه و للبصرى ثمان تنخّلا]

معه أى مع ليبلونى-سبيلى:فتحهما لنافع،أراد:

(لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ - قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا) .

********

(1) سورة النمل،آية:19 و الأحقاف،آية:15.

ص: 288

و عنه:يعنى عن نافع،و لأبى عمرو فتح ثمان ياءات،تنخل:أى اختير فتحها،و لو قال تنخلا:أى اختارا فتحها،و تكون الألف ضمير التثنية،كان أبين و أحسن،ثم بين مواضعها فقال:

393-[بيوسف إنّى الأوّلان ولى بها و ضيفى و يسّر لى و دونى تمثّلا]

أراد (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً - إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ) .

احترز بقوله:الأولان،عن ثلاث ياءات أخر فى يوسف بلفظ إنى،و بعدها همزة مفتوحة،و هى:

(إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ - إِنِّي أَنَا أَخُوكَ - إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ) .

فهذه الثلاث يفتحها سما على أصلهم،و وجه الكلام ياء كلمتى إنى الأولان،أو إنى إنى الأولان،و لكنه حذف أحدهما لدلالة المراد من هذا الكلام على المحذوف،و كذا قوله:و أوزعنى معا،أى أوزعنى أوزعنى معا.و قوله:ولى بها:أى بسورة يوسف أيضا،أراد:

(حَتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي -و- ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ) فى هود (1)-و- يَسِّرْ لِي أَمْرِي -فى طه (2)- مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) .

فى آخر الكهف (3)و قوله:تمثلا،أى تشخص ذلك و بان،فهذه ست ياءات،ثم ذكر الياءين الباقيتين،فقال:

394-[و ياءان فى اجعل لى و أريع(إ)ذ حمت

(ه)داها و لكنّى بها اثنان و كلّا]

أراد (اجْعَلْ لِي آيَةً) .

فى آل عمران و مريم (4)فهذه آخر الياءات الثمانية لنافع و أبى عمرو فتحها،ثم ذكر أربعا فتحها لهما و للبزى فقال:و أربع:أى و فتحت أربع إذ حمت تلك الأربع هداها،أى ذوى هداها،أى المهتدى لفتحها، و هم قراؤها،حمتهم من أن يطعن عليهم فى فتحهم لها.لحسن الفتح فيها،ثم أخذ يبينها فقال:و لكنى،و الواو من نفس التلاوة و ليست عطفا،أراد قوله تعالى:

(وَ لكِنِّي أَراكُمْ) .

فى هود و الأحقاف (5)و هو معنى قوله:بها اثنان،و الهاء فى بها عائدة على:و لكنى،أى و كل بهذا اللفظ موضعان،ثم ذكر ما بقى فقال:

395-[و نحتى و قل فى هود إنّى أراكمو و قل فطرن فى هود(ه)اديه(أ)وصلا]

********

(1) آية:78.

(2) آية:36.

(3) آية:102.

(4) آل عمران آية:41 و مريم آية:10.

(5) هود،آية:29،و الأحقاف،آية:33.

ص: 289

أراد (مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ) .

فى الزخرف (1):

(إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ 2) .

و فتح البزى و نافع:

(فطرنى- أَ فَلا تَعْقِلُونَ) .

و حذف الناظم الياء من فطرنى و أسكن النون ضرورة،لأنه لا يستقيم الوزن فى بحر الطويل بلفظ فطرنى لما فيه من توالى أربع حركات،و يستقيم فيه اجتماع ثلاث حركات،و معنى قوله:هاديه أوصلا،أى أوصل فتحه،و هاديه ناقله.

396-[و يحزننى(حرميّ)هم تعداننى حشرتنى أعمى تأمرونى وصّلا]

و جميع ما فى هذا البيت وصل الحرميان فتحه،و ليست الألف فى وصلا للتثنية،و إنما فى وصل ضمير مستكن يرجع إلى لفظ حرمى،لأنه مفرد،و إن كان مدلوله اثنين،و يجوز أن تكون الألف ضمير التثنية اعتبارا للمدلول،أراد:

(لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا 3بِهِ - أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ (4) - حَشَرْتَنِي أَعْمى 5) .

فى طه:

(تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ 6) .

فى الزمر،فهذه أربع ياءات لفظ باثنتين منها ساكنتين و باثنتين مفتوحتين على ما اتفق نظمه على أن فتحته ياء:

(حشرتنى).

يحتمل أن تكون حركة ياء الإضافة،و وصل همزة أعمى ضرورة،و يحتمل أن تكون حركة الهمزة نقلت إليها،و هو أولى فهذا آخر ما أهمل فتحه بعض مدلول سما،ثم ذكر ما زاد معهم على فتحه غيرهم،فقال:

397-[أ رهطي(سما م)و لى و ما لى(سما ل)وى

لعلّى(سما ك)فؤا معى(نفرا)العلا]

يريد قوله تعالى:

(أَ رَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ) .

********

(1) آية:51.

(2) سورة هود،آية:84.

(3) آية:13.

(4) الأحقاف،آية:17.

(5) آية،125.

(6) آية:64.

ص: 290

زاد على فتحه ابن ذكوان:

(ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) .

زاد على فتحه هشام لعلى زاد على فتحه ابن عامر بكماله و هو فى ستة مواضع فى القرآن:

(لَعَلِّي أَرْجِعُ) .

فى يوسف (1):

(لَعَلِّي آتِيكُمْ) .

فى طه و القصص (2).

(لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً 3) .

فى قد أفلح:

(لَعَلِّي أَطَّلِعُ) فى القصص (4):

(لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) .

فى غافر (5)و نصب:مولى،ولوا،و كفؤا،على التمييز،أو على الحال.و المولى:الناصر،و لوى مقصورا لواء.و يكنى به عن الشهرة.و سموه موافق لذلك،أى ارتفع لواؤه،هذا إن نصبناه على التمييز، و إن كان حالا فالتقدير:ذا لواء،و الكفؤ:المماثل،و أما-معى-فى قوله تعالى:

(مَعِيَ أَبَداً) .

فى براءة (6):

(مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا) .

فى تبارك (7)فزاد على فتحه ابن عامر أيضا و حفص،و هو المذكور فى أوّل البيت الآتى.و معى مبتدا و نفر العلا خبره؛أى ذو نفر العلا:أى نفر الأدلة العلا،أو يكون نفرا لعلا مبتدأ ثانيا،و خبره أول البيت الآتى،و هو قوله:

398-[(ع)ماد و تحت النّمل عندى(ح)سنه (إ)لى(د)رّه بالخلف وافق موهلا]

********

(1) آية:46.

(2) طه،آية:10،و القصص آية:29.

(3) آية:100.

(4) آية:38.

(5) آية:37.

(6) آية:83.

(7) آية:28.

ص: 291

أى هم عماد له فى فتحه،فالجملة خبر معى.و قوله:عندى،مبتدأ،و تحت النمل خبر،أراد قوله تعالى فى القصص:

(إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي - أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ 1) .

و هذا الموضع هو الذى اختلف فيه عن بعض مدلول سما،و هو ابن كثير،و لو لا الخلف لما كان له حاجة لذكره،فإنه داخل فى عموم ما تقدم لهم.و قوله:حسنه:مبتدأ أيضا:أى حسن الفتح إلى دره وافق موهلا و قوله وافق:هو خبر المبتدأ.و موهلا؛حا،أى مجعولا أهلا للموافقة للصواب،من قولهم:أهّلك اللّه لكذا،أى:جعلك أهلا له،أو هو مفعول به،أى وافق قارئا هذه صفته،أو ذا أهل،يشير إلى أن له أدلة و براهين.

و هذا آخر الكلام فيما بعده همزة مفتوحة.

ثم ذكر النوع الثانى،و هو:ما بعده همزة مكسورة فقال:

399-[و ثنتان مع خمسين مع كسر همزة بفتح(أ)ولى(ح)كم سوى ما تعزّلا]

أى استقرت بفتح أولى حكم،أى بفتح جماعة أصحاب حكم و عدل،و ذلك نحو:

(فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ - فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ - رَبِّي إِلى صِراطٍ) .

سوى ما تعزلا:أى ما انعزل عن هذا الأصل،ففتحه بعض مدلول قوله:أولى حكم أو زاد معهم غيرهم و من المواضع:ما لم تزد فيه العدة و لم تنقص و خرج عن الأصل السابق،و هو موضعان:أحدهما خلف فيه قارئ عن قارئ،و هو:

(رسلى).

فى سورة المجادلة (2)فتحه ابن عامر،و أسكنه أبو عمرو،و هو مذكور فى البيت الآتى،و الثانى:

(ربّى).

فى حم السجدة (3)فتحه نافع و أبو عمرو على أصلهما،لكن عن قالون فيه وجهان،و قد ذكر الخلاف فيه فى سورته فهو نظير ما تقدم فيما بعده همزة مفتوحة،من قوله:

(عندى).

فى القصص (4)و تعزل و اعتزل واحد.قال الأحوص:

يا بيت عاتكة الذى أتعزل حذر العدا،و به الفؤاد موكل

********

(1) آية:78.

(2) آية:21.

(3) آية:66.

(4) آية:78.

ص: 292

400-[بناتى و أنصارى عبادى و لعنتى و ما بعده بالفتح إن شاء أهملا]

جميع ما فى هذا البيت فتحه نافع وحده،فأهمل فلم يجر عليه الحكم المتقدم،و هو فتحه لمدلول قوله أولى حكم؛بل فتح لبعضهم،و أراد:

(هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ - مَنْ أَنْصارِي إِلَى) .

فى آل عمران و الصف (1):

(أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ) .

فى الشعراء (2)فحذف الباء ضرورة،و ليس فى القرآن لفظ«عبادى»بعده همزة مكسورة غير هذا،فلا تلتبس هذه العبارة:

(لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) .

و الذى بعده إن شاء،هو قوله تعالى:

(سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ) .

حيث جاء،و هو فى الكهف و القصص،و الصافات (3)،و إنما عبر عنه الناظم بهذه العبارة.لأن مثله لا يستقيم فى وزن الشعر،لكثرة حركاته المتوالية،و ليس فى القرآن ياء إضافة بعدها إن شاء غير هذه اللفظة:

فتعينت،و عبر عنها فى آخر الكهف بقوله:و ما قبل إن شاء،و فى آخر القصص و الصافات بقوله:و ذو الثنيا أى الاستثناء،و اللّه أعلم.

401-[و فى إخوتى ورش يدى(ع)ن(أ)ولى(ح)مى

و فى رسلى(أ)صل(ك)سا وافى الملا]

أراد (وَ بَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي) .

فتحها ورش وحده،و أما:

(يَدِيَ إِلَيْكَ) .

فى المائدة (4)فزاد حفص فى أصحاب الفتح،و هم:نافع و أبو عمرو و أما:

(رُسُلِي إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) .

ففتحها نافع و ابن عامر،و الملا:جمع ملاءة،و هى الملحفة البيضاء،أراد إنها كسوة سابغة وافية، و انتصاب وافى الملا،على أنه مفعول ثان لكسا،أى كسا الفتح كسوة وافية،و يجوز أن يكون حالا،أى هذا الأصل الكاسى:حاله أنه وافى الملا،أى سابغ الكسوة جيدها،و اللّه أعلم.

********

(1) آل عمران،آية:52 و الصف،آية:14.

(2) آية:52.

(3) الكهف،آية:69 و القصص،آية:27 و الصافات،آية:102.

(4) آية:128.

ص: 293

402-[و أمّى و أجرى سكنّا(د)ين(صحبة)

دعائي و آبائي لكوف تجمّلا]

أراد (وَ أُمِّي إِلهَيْنِ -و- إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ) .

حيث جاء،زاد على فتحهما ابن عامر و حفص،و نصب قوله:دين صحبة على أنه مصدر مؤكد،مثل (صِبْغَةَ اللّهِ -و- كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ) و الدين:العادة،أى هى عادة صحبة إسكان ياءات الإضافة،أى مذهبهم و طريقتهم و ما يتدينون به فى قراءة القرآن.و قيل:نصبه على الحال من الإسكان المفهوم من قوله سكنا،أى أوقع الإسكان فيهما فى حال كونه دين صحبة،و عبر فى هذا الباب تارة بالفتح و تارة بالإسكان على قدر ما سهل عليه فى النظم،كما فعل فى باب حروف قربت مخارجها،عبر تارة بالإدغام،و تارة بالإظهار،فمن أول الباب إلى هنا كان كلامه فى الفتح،و فى هذا البيت و ما بعده إلى انقضاء الكلام فيما بعده همزة مكسورة:كلامه فى الإسكان،و ما بعد ذلك يأتى أيضا تارة فتحا و تارة سكونا،و تعبيره فى هذا الباب بالإسكان أولى من تعبيره بالفتح،لأنه إذا قال فلان أسكن تأخذ لغيره بضد الإسكان،و هو التحريك المطلق،و التحريك المطلق هو الفتح على ما تقرر فى شرح الخطبة،و أما إذا قال:افتح فليس ضده أسكن،إنما ضده عند الناظم اكسر،و لو قال موضع الفتح حرك بفتح لصحت العبارة،كما أن عادته أن يقول فى الضم و الكسر و الفتح:و حرك عين الرعب ضما،و محرك ليقطع بكسر اللام،و ليحكم بكسر،و نصبه يحركه،فإن ضد ذلك كله الإسكان لأجل لفظ التحريك،و أما:

(دُعائِي إِلاّ) .

فى نوح (1):

(مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ) .

فى يوسف (2)فأسكنهما الكوفيون،فزاد على فتحهما ابن كثير و ابن عامر،و قوله لكوف متعلق بتجملا، و هو خبر دعائى و آبائى،و الألف ضمير التثنية:أى حسنا فى نظرهم بالإسكان،فأسكنوهما،فقوله تجملا بالجيم،و يأتى فى سورة النساء بالحاء،على ما نبينه إن شاء اللّه تعالى.

403-[و حزنى و توفيقى(ظ)لال و كلّهم يصدّقنى انظرنى و أخّرتنى إلى]

(وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ -و- ما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ) .

أسكنهما الكوفيون و ابن كثير،فيكون قد زاد على فتحهما ابن عامر،و ظلال جمع ظل:أى هما ذوا ظلال لمن استظل بهما،و هو المتصف بهما[وفقنا اللّه تعالى للحزن على ما فرطنا فيه من أعمارنا]أى حزنه على ما سلف و توفيق اللّه إياه لطاعته ظلال واقية من النار.ثم قال:و كلهم،أى و كل القراء أسكنوا ستة ألفاظ،ذكر فى هذا البيت منها ثلاثة،و الباقى فى البيت الآتى،و ليست من جملة العدة السابقة،و السبب فى ذكره المتفق على

********

(1) آية:6.

(2) آية:38.

ص: 294

إسكانه هنا:هو ما ذكرناه عند ذكر ما التقى؟؟؟على إسكانه فيما بعده همزة مفتوحة،غير أنه فى ذلك النوع بدأ بذكر المتفق على إسكانه،و هنا ختم به هذا النوع،و أراد:

(يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ) .

فى القصص (1):

(و أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ) .

فى الأعراف،و الحجر،و ص (2):

(لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) .

فى آخر المنافقين (3)و أما قوله تعالى فى سبحان:

(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ 4) .

فمذكور فى باب ياءات الزوائد،و حكم ياءات الزوائد أن من أثبتها لا يفتحها إلا فى المواضع المستثناة،و هى ثلاثة؛فى:النمل،و الزمر،و الزخرف،ففيهما اختلاف و سيأتى ذكر الذى فى الزخرف آخر هذا الباب، و الذى فى النمل و الزمر فى باب الزوائد.

فإن قلت:كيف يلفظ فى البيت بقوله-يصدقنى-أنظرنى؟ قلت:يحتمل وجهين،و كلاهما لا يخلو من ضرورة:أحدهما بضم القاف على قراءة عاصم و حمزة،فيلزم من ذلك وصل همزة القطع فى:

(أَنْظِرْنِي) .

و حذف الياء لالتقاء الساكنين،و الثانى بإسكان القاف على قراءة الجماعة،فيلزم من ذلك فتح الياء،و هى لم يفتحها أحد من القراء مع وصل همزة القطع،و يجوز أن يعتذر عن هذا بأن يقال:لم يصل همزة القطع على هذا الوجه،بل نقل حركة الهمزة إلى الياء،كما تقول العرب:أبتغى أمره،فالياء على هذا كأنها ساكنة فى التقدير،لأن الفاء جاء من عارض نقل حركة الهمزة،و ليس الفتح من باب فتح ياء الإضافة.

فإن قلت:فحذف الهمزة من:

(أنظرنى).

لا يقرأ به أحد؟ قلت:حذف الهمزة لا بدّ منه فى الوجهين المذكورين،فما فيه إثبات الياء أولى مما فيه حذفها،إلا أنه يعارض هذا أن فتح الياء قراءة،و حذفها معلوم يوهم أنه لالتقاء الساكنين،فالوجهان متقاربان لتعارض الكلام

********

(1) آية:34.

(2) الأعراف،آية:14،و الحجر،آية:36،ص آية:79.

(3) آية:10.

(4) آية 62.

ص: 295

فيهما،و يحتمل وجها ثالثا بإسكان القاف و حذف الياء مع بقاء كسرة النون،و تبقى همزة:

(أنظرنى).

ثابتة مفتوحة بحالها،و يكون هذا أولى بالجواز من قوله قبل ذلك و قل:

(فطرن).

فى هود،فإنه حذف الياء من:

(فطرنى).

و أسكن النون،فحذف الياء مع بقاء كسرة النون أولى.

404-[و ذرّيّتى يدعوننى و خطابه و عشر يليها الهمز بالضّمّ مشكلا]

أراد (وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ - مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) .

فى يوسف (1)و أراد بقوله:و خطابه أن يأتى هذا اللفظ بالتاء،و هو موضعان فى غافر:

(وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ -و- لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ 1) .

فهذه أربع ياءات،و تقدم خمس،فالمجموع تسع مجمع على إسكانها فى ستة ألفاظ،تكرر واحد مرتين و هو:

(تدعوننى).

بالخطاب،و تكرر آخر ثلاثا،و هو:

(أنظرنى).

ثم ذكر النوع الثالث،فقال:و عشر،أى و عشر ياءات تليها الهمزة المضمومة،و مشكلا:حال من الهمز يقال:شكلت الكتاب و أشكلته،و قد تقدم ذكره فى آخر باب الهمزتين من كلمتين،و العشر قوله:

(إِنِّي أُعِيذُها - إِنِّي أُرِيدُ) .

فى المائدة و القصص:

(فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ - إِنِّي أُمِرْتُ) .

فى الأنعام و الزمر (3):

(عَذابِي أُصِيبُ بِهِ - إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ - أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ - إِنِّي أُلْقِيَ) .

فتحها جميعا نافع وحده،و أسكنها الباقون،و أجمعوا على إسكان ياءين،و قد ذكر ذلك فى قوله:

********

(1) آية:33.

(3) الآيتان:41 و 43.

ص: 296

405-[فعن نافع فافتح و أسكن لكلّهم بعهدى و آتونى لتفتح مقفلا]

يريد قوله تعالى:

(بِعَهْدِي أُوفِ - آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ) .

و إنما ذكرهما للمعنى الذى ذكرناه فى المفتوحة و المكسورة،و لم يتعرض صاحب التيسير لذكر المجمع عليه من ذلك،لا في التى قبل الهمزة المفتوحة و لا المكسورة و لا المضمومة،و كأنه اتكل على بيان المختلف فيه فى آخر كل سورة،و حسنت المقابلة فى قوله:لتفتح مقفلا،بعد قوله:و أسكن،أى:لتفتح بابا من العلم كان مقفلا قبل ذكره،و اللّه أعلم.

406-[و فى اللاّم للتّعريف أربع عشرة فإسكانها(ف)اش و عهدى(ف)ى(ع)لا]

هذا النوع الرابع،و هو ما بعده همزة وصل بعدها لام التعريف،و مجموع الهمزة و اللام عند قوم،هو المعرف،و تقدير قوله:و فى اللام.أى و فى قبل اللام،فحذف المضاف للعلم به،و لو قال و فى قبل اللام لكان على حذف الموصول،تقديره و فى الذى قبل اللام،و كل ذلك قد جاءت له نظائر فى اللغة،و نون قوله أربع عشرة ضرورة،كما قال العرجى،فجاءت تقول الناس فى تسع عشرة،و جوز الفراء الإضافة مع التنوين فى الشعر،قال فى كتاب[المعانى]أنشدنى أبو ثروان:

كلف من عنائه و شقوته بنت ثمانى عشرة من حجته

قلت:فعلى هذا يجوز فى بيت الشاطبى أربع عشرة،برفع أربع و جر عشرة مع التنوين فأسكن الأربع عشرة جميعها حمزة،و وافقه غيره فى بعضها،و قوله فاش:أى منتشر شائع،خلافا لما نقل عن الكسائى عن العرب من ترك ذلك،و قد تقدم ذكره،و وافق حفص حمزة على إسكان:

(لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ) .

407-[و قل لعبادى(ك)ان(ش)رعا و فى النّدا

(ح)مى(ش)اع آياتى(ك)ما(ف)اح منزلا]

أراد (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) .

وافق على إسكانها ابن عامر و الكسائى،و وافق على إسكان عبادى إذا جاء بعد حرف النداء أبو عمرو و الكسائى،و ذلك فى موضعين:فى العنكبوت:

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) -و فى الزمر- (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا 1) .

و هو ملبس بالتى فى أوّل الزمر:

(يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ 2) .

********

(1) العنكبوت،آية:56 و الزمر آية:53.

(2) آية:10.

ص: 297

و إنما لم يأت فيها خلاف،لأن الياء محذوفة منها فى الرسم باتفاق،و إذا لم تكن ياء فلا فتح،و أما:

(آياتى-ففي الأعراف- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ (1) ).

وافق ابن عامر على إسكانها،و تقدير معنى البيت:كان إسكانه شرعا،و هو فى الندا حمى شاع و فاح:

أى تضوع و ظهوت رائحته،و منزلا:تمييز،ثم عد هذه الأربع عشرة ياء فقال:

408-[فخمس عبادى اعدد و عهدى أرادنى و ربّى الّذى آتان آياتى الحلا]

409-[و أهلكنى منها و فى صاد مسّنى مع الأنبيا ربّى فى الأعراف كمّلا]

تقدم ذكر عهدى و آياتى،و ثلاثة من لفظ عبادى،و بقى اثنان:

(عِبادِيَ الصّالِحُونَ - عِبادِيَ الشَّكُورُ -و أما- فَبَشِّرْ عِبادِ اَلَّذِينَ) .

فيأتى فى باب الزوائد،و أنث لفظ الخمس بحذف الهاء منه،على تأويل إرادة الكلمات،و قوله:

أرادنى:أراد:

(إِنْ أَرادَنِيَ اللّهُ بِضُرٍّ - رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي - آتانِيَ الْكِتابَ) .

فى مريم (2)و أما:

(فَما آتانِيَ اللّهُ) .

فيأتى ذكره فى باب الزوائد،و الحلا:جمع حلية،و هى صفة للكلمات المذكورة،و حذف الياء من آتانى ضرورة،و يجوز إثبات الياء و فتحها نقلا لحركة همزة آياتى إليها،على حد قوله:

(حَشَرْتَنِي أَعْمى) .

و لو حذف الياء ثم و أثبت الهمزة لكان سائغا،كما فعل هنا فى:

(آتان-آياتى).

فالحاصل:أن كل واحد من الموضعين يجوز فيه ما نظمه فى الآخر،و منها:

(إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللّهُ - مَسَّنِيَ الضُّرُّ) .

فى الأنبياء (3):

(مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) .

فى ص (4):

(حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) .

فى الأعراف (1)فهذه أربع عشرة ياء،و عدها صاحب التيسير ست عشرة،فزاد ما فى النمل و الزمر:

********

(1) آية:146.

(2) آية:30.

(3) آية:83.

(4) آية:41.

ص: 298

(آتانِيَ اللّهُ - فَبَشِّرْ عِبادِ 1اَلَّذِينَ) .

و إنما بين سورتى مسّنى دون سور باقى الياءات،لأن فى الأعراف:

(وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ) .

مجمعا على فتحه،و إنما عد الشاطبى ياءات هذا النوع دون الأنواع التى سبقت،لئلا تشتبه بغيرها،نحو:

(شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ - نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ - بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) (2) لأنه لم يذكر المجمع عليه من هذا القسم لكثرته،فرأى عده أيسر عليه،و المجمع عليه من هذا القسم مفتوح و المجمع عليه من ما مضى مسكن،ثم ذكر النوع الخامس فقال:

410-[و سبع بهمز الوصل فردا و فتحهم أخى مع إنّى(ح)قّه ليتنى(ح)لا]

أى و سبع ياءات إضافة بعدها همزة الوصل دون لام التعريف،فلهذا قال:فردا،و هو حال من الهمز ثم أخذ يذكرها واحدة بعد واحدة،و لم يعمها بحكم لأحد كما فعل فى الأنواع السابقة،لأن كل واحدة منها تختص برمز،إلا واحدة وافقت أخرى فى الرمز بهذا البيت فجمعهما،و بدأ بهما،فقال-أخى-مع إنى، أراد:

(أَخِي اُشْدُدْ) .

فى طه،فهمز الوصل بعدها فى قراءة من فتحها و غيره.و هى همزة قطع فى قراءة ابن عامر،كما يأتى، و فى الأعراف:

(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) .

فتحهما ابن كثير و أبو عمرو،و انفرد أبو عمرو بفتح- (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ) .

و هو يفتح الجميع،و ابن كثير يفتح ما عدا:

(يا لَيْتَنِي) .

فى رواية البزى و نافع يفتح ما عدا هذا البيت ثم تممها فقال:

411-[و نفسى(سما)ذكرى(سما)قومى(ا)لرّضا

(ح)ميد(ه)دى بعدى(سما ص)فوه و لا]

********

(1) النمل آية:36 و الزمر آية:17.

(2) آية:40

ص: 299

أراد فى طه:

(وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اِذْهَبْ - وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي اِذْهَبا 1) فتحهما مدلول سما،و كرر لهما الرمز من غير حاجة إلى تكريره سوى ضرورة النظم،و خرج منهم قنبل فى فتح:

(إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا) .

فى الفرقان (2)و زاد مع سما أبو بكر ففتحوا (مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .

و الولاء بكسر الواو و المد:التابعة و نصبه على التمييز:أى سمت متابعة صفوة.

412-[و مع غير همز فى ثلاثين خلفهم و محياى(ج)ى بالخلف و الفتح(خ)وّلا]

و هذا النوع السادس الذى ليس بعده همز أصلا،لا همز قطع و لا همز وصل؛ثم شرع يذكرها واحدة بعد واحدة،فبدأ بقوله تعالى:

(وَ مَحْيايَ) .

فى آخر الأنعام،فالواو من جملة التلاوة لا عاطفة،فذكر أن قالون أسكنها،و لورش فيها خلاف،و فتحها الباقون،و هو لأقيس فى العربية،فلذا قال:خولا،أى ملك،و إنما ضعف الإسكان لما فيه من الجمع بين الساكنين،و لا يليق بفصاحة القرآن إلا ذلك.أ لا ترى كيف أجمعوا على فتح:

(مثواى-و-هداى)و كلاهما مثل(محياى).

و شنع بعض أهل العربية على نافع رحمه اللّه متعجبا منه:كيف أسكن:

(محياى-و فتح بعدها-مماتى).

و كان الوجه عكس ذلك،أو فتحهما معا،و الظن به أنه فتحهما معا،و هو أحد الوجهين عن ورش عنه و هى الرواية الصحيحة،فقد أسندها أبو بكر بن مجاهد فى كتاب الياءات عن أحمد بن صالح عن ورش عن نافع:الياء فى:

(مَحْيايَ وَ مَماتِي) .

مفتوحتان،و فى أخرى عن ورش قال:كان نافع يقرأ أولا محياى ساكنة الياء.ثم رجع إلى تحريكها بالنصب،قلت:فهذه الرواية تقضى على جميع الروايات،فإنها أخبرت بالأمرين،و معها زيادة علم بالرجوع عن الإسكان إلى التحريك،فلا تعارضها رواية الإسكان،فإن الأولى معترف بها و مخبر بالرجوع عنها،و كيف و إن رواية إسماعيل بن جعفر،و هو أجلّ رواة نافع:موافقة لما هو المختار،قال ابن مجاهد:أخبرنى محمد

********

(1) الآيتان:41 و 42.

(2) آية:30.

ص: 300

ابن الجهم،عن الهاشم عن إسماعيل بن جعفر عن أبى جعفر و شيبة و نافع،أنهم ينصبون الياء فى:

(مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلّهِ) .

قلت:و هذه الآية مشتملة على أربع ياءات:

(إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي) .

فالأولتان ساكنتان بلا خلاف فى هذه الطرق المشهورة،فكأن نافعا أسكن اثنتين و فتح اثنتين،و لا ينبغى لذى لب إذا نقل له عن إمام روايتان احداها أصوب وجها من الأخرى:أن يعتقد فى ذلك الإمام إلا أنه رجع عن الضعيف إلى الأقوى،و لا يغتر بما ذكره الدانى فى كتاب«الإيجاز»من اختياره الإسكان،و ذكر وجهه من جهة العربية،فإن غاية ما استشهد به قول بعض العرب:التقت حلقتا البطان،و له ثلثا المال،بإثبات الألف فيهما،و هذا ضعيف شاذ،لم يقرأ بمثله؛أ لا ترى أن الإجماع على أن الألف محذوفة من نحو هذا، مثل:

(ادْخُلاَ النّارَ - وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) .

و أما استشهاده بقراءة أبى عمرو:

(و اللاّي).

بإسكان الياء،فسيأتى الكلام عليه فى سورة الأحزاب،و حكمه حكم:

(محياى).

و قول الناظم:جىء بالخلف،أى ائت به،و انظر فى اختلاف الروايات بين لك الصواب،إن شاء اللّه تعالى.

413-[و(عمّ علا)وجهى و بيتى بنوح(ع)ن

(ل)وى و سواه(ع)د(أ)صلا(ل)يحفلا]

يريد(وجهى للّه).

فى آل عمران (1)(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ 2) .

فى الأنعام:

(بَيْتِيَ مُؤْمِناً 3) .

و سواه يعنى سوى الذى فى نوح،و هو:

********

(1) آية:20.

(2) آية:79.

(3) آية:125.

ص: 301

(بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ) .

فى البقرة و الحج (1)و تقدير البيت:و عم فتح وجهى علا،و فتح بيتى وارد لواء،أى عن ذى لواء و شهرة قصروه ضرورة،كما قال:لو كنت من هاشم،أو من بنى أسد،أو عبد شمس،أو أصحاب اللوى الصيد، يريد بأصحاب اللواء:بنى عبد الدار بن قصى،و قوله عد أصلا:أى عده أصلا لفتح الذى بنوح،ليتضح عذر من عمم الفتح للجميع،يقال:حفلته أى جلوته،و حفلت كذا:أى باليت به،و فلان محافل على حسبه إذا صانه.

414-[و مع شركائى من وراءى(د)وّنوا و لي دين(ع)ن(ه)اد يخلف(ل)ه(ا)لحلا)

يريد (أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا - مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ - وَ لِيَ دِينِ) .

آخر سورة الكافرين له،أى للخلف،و الحلا جمع حلية.

415-[مماتى(أ)تى أرضى صراطى ابن عامر

و فى النّمل ما لى(د)م(ل)من(ر)اق(ن)وفلا]

لو أتى بهذا البيت بعد محياى كان أولى،لأنه يتصل الكلام فى:

(وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي) .

و أراد:

(إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ - وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً - ما لِيَ لا أَرَى) .

و راق الشيء:صفا،و النوفل:السيد المعطى،و هذا الكلام مليح:أى دم نوفلا لمن راق و صفا باطنه و ظاهره.

416-[و لي نعجة ما كان لى اثنين مع معى ثمان(ع)لا و الظّلّة الثّان(ع)ن(ج)لا]

أى و فتح هذه المواضع علا،و اثنين حال من قوله ما كان لى،يريد:

(وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ) .

فى إبراهيم (2):

(ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ) .

فى ص (3)و معى فى ثمانية مواضع:

(مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) .

فى الأعراف (4):

********

(1) البقرة:125 و الحج،آية:26.

(2) آية:22.

(3) آية:69.

(4) آية:105.

ص: 302

(مَعِيَ عَدُوًّا) .

فى التوبة (1):

(مَعِيَ صَبْراً) .

ثلاثة فى الكهف (2):

(ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) .

فى الأنبياء (3):

(إِنَّ مَعِي رَبِّي) .

فى الشعراء (4):

(مَعِي رِدْءاً) .

فى القصص (5)فتح الجميع خفض،و تابعه ورش على الثانى فى سورة الظلة،و هى سورة الشعراء، لأن فيها:

(عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) .

يريد قوله تعالى فى قصة نوح:

(وَ مَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 6) .

أى و حرف الظلة،الثانى فتحه عن جلا،أى كشف،و جلوت الشيء كشفته.

417-[و مع تؤمنوا لى يؤمنوا بى(ج)اويا

عبادى(ص)ف و الحذف(ع)ن(ش)اكر(د)لا]

يريد (وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) .

فى الدخان (7):

(وَ لْيُؤْمِنُوا بِي) .

فى البقرة (8)فتحهما ورش:

(يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) .

فى الزخرف (9)فتحها أبو بكر،و حذفها عن شاكر دلا،أى أخرج دلوه ملأى،يشير إلى قوة مذهبهم

********

(1) آية:83.

(2) الكهف آيات:67 و 72 و 75.

(3) آية:24.

(4) آية:62.

(5) آية:34.

(6) آية:118.

(7) آية:21.

(8) آية:68.

(9) آية:68.

ص: 303

لأن الياء حذفت فى بعض المصاحف،و حذفها فى باب الندا أفصح من إثباتها،و أسكنها الباقون،و قوله فى الزمر:

(يا عِبادِ فَاتَّقُونِ 1) .

ياؤها محذوفة فى جميع المصاحف،و انضاف إلى ذلك أن حذفها فى النداء أفصح لغة،فلهذا لم يأت فيها خلاف فى حذفها من هذه الطرق المشهورة،و إن كان قد حكى إثباتها و فتحها فى طرق أخرى.

418-[و فتح و لي فيها لورش و حفصهم و ما لى فى يس سكن(ف)تكملا]

يريد (وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى - وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ) .

أسكنها حمزة وحده،و نصب فتكملا على جواب الأمر بالفاء،أى فتكمل معرفة مواضع الخلاف فى هذا الباب،و اللّه أعلم.

باب مذاهبهم فى الزوائد

أى فى الياءات الزوائد على الرسم،و هى ياءات أواخر الكلم،يقع ذلك فى الأسماء و الأفعال،نحو:

(الواد-و-المناد-و-التّناد-و-يأت-و-نبغ-و-نرتع).

فهى فى هذا و نحوه لام الكلمة،و قد تكون ياء إضافة فى موضع الجر و النصب،نحو:

(دعائي-و-أخّرتنى).

و تنقسم إلى ما هو رأس آية نحو:

(المتعالى).

و إلى غير ذلك،نحو:

(وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ) .

فما كان من هذه الياءات ثابتا رسما فلا خلاف فى إثباته،و ما كان منها محذوفا رسما؛فمنه ما اتفق على حذفه و هو الأكثر،و منه ما اختلف فيه،و هو ما يأتى ذكره فى هذا الباب،و فى بعض السور،و ضابط ما يذكر فى هذا الباب أن تكون الياء مختلفا فى إثباتها و حذفها فى الوصل،أو فى الوصل و الوقف معا،و ضابط فى السور أن تكون الياء مختلفا فى إثباتها و حذفها الوقف فقط،و مجمعا على حذفها فى الوصل،و ذلك نحو ما ذكره فى:

سورة الرعد،و سورة:ق:

(من هاد-و-وال-و-واق-و-باق-و-يناد).

و قد سبق التنبيه على:

********

(1) آية:16.

ص: 304

(وادِ النَّمْلِ) .

أنه كان ينبغى أن يكون من هذا،ثم بين ياءات الزوائد فقال:

419-[و دونك ياءات تسمّى زوائدا لأن كنّ عن خطّ المصاحف معزلا]

أى إنما سميت زوائد،لأنها زادت على رسم المصحف عند من أثبتها،و المعزل هاهنا مصدر بمعنى العزل كالمرجع،أى:لأن كن ذوات عزل،أى إنهن عزلن عن الرسم،فلم تكتب لهنّ صورة،ثم بين حكمها فقال:

420-[و تثبت فى الحالين(د)رّا(ل)وامعا بخلف و أولى النّمل حمزة كمّلا]

أى إن القراء مختلفون فى هذه الياءات الموصوفة بأنها زوائد،فمنهم من أثبتها فى حالى الوصل و الوقف، و هم المذكورون فى هذا البيت،و منهم من أثبتها فى الوصل دون الوقف،و هم المذكورون فى البيت الآتى، و ليس الأمران على العموم،هؤلاء أثبتوا الجميع فى الحالين،و أولئك فى الوصل،بل معنى هذا الكلام:أن كل من أذكر عنه أنه أثبت شيئا و لم أقيده فانظر فيه؛فإن كان من المذكورين فى هذا البيت فاعلم أنه يثبته فى الحالين،و إن كان من المذكورين فى البيت الآتى فاعلم أنه يثبته فى الوصل فقط،فحصل من هذا أن ابن كثير من طريقيه أو من أحدهما،و هشاما يثبتان الياء فى الحالين فى المواضع التى يأتى ذكرها لهما،لكن ابن كثير له مواضع كثيرة،و أما هشام فليس له إلا موضع واحد فى الأعراف سيأتى ذكره،و فيه خلاف عنه وقفا و وصلا و أثبت حمزة فى الحالين موضعا واحدا،و هو:

(أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ) .

و هو يقرؤه بتشديد النون،على ما سيأتى فى سورته،و هذا الموضع هو أول النمل؛لأن فيها ياءين زائدتين على رأى الناظم،و كلتاهما فى آية واحدة؛و هذه الياء هى الأولى،و بعدها:

(فما آتان اللّه).

فاحترز بقوله و أولى النمل عن ياء-آتانى-و قوله كملا،ليس برمز،لأن الرمز لا يجتمع مع المصرح به، و إنما معناه أن حمزة كمل عدة المثبتين فى الحالين،و درا لوامعا:حالان من ضمير الياءات فى و تثبت،أى مشبهة ذلك،لأن هذه القراءة موافقة للأصل،لأن الياء إما لام الكلمة،أو كناية عن المتكلم،و أياما كان فالأصل إثباتها،و أما حذفها و الاجتزاء بالكسرة عنها،ففرع عن ذلك الأصل،و حكى ابن قتيبة أن إثباتها لغة أهل الحجاز،ثم الإثبات فى نحو-الداعى-و-الجوارى-مما الياء فيه لام الفعل،و فيه الألف و اللام أحسن عند أهل العربية من الحذف،إلا فى الفواصل و القوافى،فالحذف أحسن،و كذا الياء التى هى لام الفعل،نحو (نبغى-و-يأتى).

إثباتها أحسن من حذفها،فإن قلت بقى على الناظم ذكر جماعة لهم خلاف فى الإثبات فى الحالين، فى ثانية النمل:

ص: 305

(فَما آتانِيَ اللّهُ) .

و هم قالون،و أبو عمرو،و حفص كما يأتى،و كذا قنبل:له خلاف فى الوقف على:

(بِالْوادِ) .

فى سورة الفجر (1)قلت:هذا كله يجيء مفصلا مبينا،و إنما ذكر فى هذا البيت ما يأتى مجملا مطلقا،فتعلم من إجماله و إطلاقه أن الإثبات فى الحالين للمذكورين،و أما المبين فمتضح فى نفسه،فلا يحتاج إلى هذه المقدمة ثم ذكر المثبتين فى الوصل فقط فى المواضع التى تذكر لهم،فقال:

421-[و فى الوصل(ح)مّاد(ش)كور(إ)مامه

و جملتها ستون و اثنان فاعقلا]

أى إمامه حماد شكور،لأن هؤلاء جمعوا فى قراءتهم بين الأصل و موافقة الرسم،و خصوا الوقف بالحذف لأنه الأليق بالتخفيف،على ما مضى فى تخفيف الهمز فى الوقف،فالمثبتون فى الوصل وحده هم:أبو عمرو، و حمزة،و الكسائى،و نافع،على ما رمز لهم فى البيت،فأما الكسائى و ورش فاطرد لهما ذلك،فلم يثبتا فى الوقف شيئا،و أما حمزة فقد تقدّم أنه أثبت فى الوقف و الوصل:

(أَ تُمِدُّونَنِ) .

فى النمل و حدها و ما (2)عدها مما سيذكر له أنه يثبته،يختص بوصله دون وقفه،و ذلك موضع واحد:

(و تقبّل دعائى).

فى سورة إبراهيم (3)و أما أبو عمرو و قالون فلهما خلاف فى الوقف على:

(آتانِيَ اللّهُ) .

فى النمل (4)كما يأتى،و الباقون على حذف الجميع فى الحالين اتباعا للرسم.و هم:عاصم،و ابن عامر، فقط،لكن لهشام خلاف فى الموضع الواحد المقدم ذكره،و كذا لحفص موضع واحد،و هو:

(آتانِيَ اللّهُ) .

فى النمل على ما يأتى،فما يصفو من أهل الحذف على الإطلاق أحد غير أبى بكر و ابن ذكوان،و الحذف لغة هذيل،قال أبو عمرو:و أنشد الفراء:

كفاك كف ما تليق درهما وجود أخرى تعط بالسيف الدما

لقد تخف بشارتى قدر يوم و لقد تخف شيمتى إعسارى

و قال آخر:

و أخو الغوان متى يشأن صر منه

********

(1) آية:9.

(2) آية:36.

(3) آية:4.

(4) آية:36.

ص: 306

و أنشد سيبويه:

أ محمد نفد نفسك كلّ نفس إذا ما خفت من شيء تبانى

و حمله هو و النحاة على حذف لام الأمر،و جعلوه لذلك شاذا،و الأولى جعله من هذا الباب،ثم ذكر الناظم عدد الياءات التى اختلف القراء فى إثباتها و حذفها،و هى محذوفة فى الرسم،فقال:جملتها اثنان و ستون ياء،و عدها صاحب التيسير إحدى و ستين،لأنه أسقط:

(فَما آتانِيَ اللّهُ -فى النمل-فبشّر عبادى).

فى الزمر (1)و عدهما فى باب ياءات الإضافة.

فإن قلت:فينبغى أن يبقى ستون،فما هى الواحدة الزائدة.

قلت هى:

(يا عبادى).

التى فى الزخرف (2)ذكرها فى البابين،و قد تقدم التنبيه على ذلك،و ذكر الناظم فى هذا الباب لفظ العدد فقال:اثنان،و أنثه فى باب ياءات الإضافة فى قوله:و عشر و تسعها و ثنتان و أربع عشرة و سبع و أربع و ثمان و الكل فى البابين عبارة عن الياءات،و كلا اللفظين من التذكير و التأنيث سائغ فى العبارة عن الياء،لأنها من حروف المعظم،و كلها يجوز فيها الأمران على ما قد ذكرناه مرارا،ثم شرع يذكر الزوائد مفصلة فقال:

422-[فيسرى إلى الدّاع الجوار المناد يه دين يؤتين مع أن تعلّمنى و لا]

و أراد (وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ - مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ - وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ) .

فى سورة الشورى (3)دون اللتين فى سورة الرحمن و كوّرت،و دلنا على ذلك أنهما لا يمكن إثبات الياء فى الوصل لأجل الساكن بعدهما،فتعينت التى فى الشورى،و هذا بخلاف إمالة الدورى للجوارى،فإنها فى المواضع الثلاثة كما سبق:

(و المنادى).

فى سورة ق (4)- يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ -و الثلاثة الباقية فى الكهف:

(وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي - فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ - عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ) .

و الولاء (5)المتابعة:يعنى أن هذه الثلاثة تتابعت فى سورة واحدة على هذا النسق،و دلنا على أن مراده يهدين التى فى الكهف:أن التى فى القصص مثبتة بإجماع،و سيأتى ذلك،و ليس غيرهما،فتعينت التى فى الكهف و اللّه أعلم.

********

(1) آية:18.

(2) آية:68.

(3) آية:32.

(4) آية:41.

(5) الآيات:24 و 40 و 66.

ص: 307

423-[و أخّرتنى الإسرا و تتّبعن(سما) و فى الكهف نبغى يأت فى هود(ر)فّلا]

أراد (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ 1) و أضافها إلى الإسراء؛احترازا من التى فى سورة المنافقين:

(لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ 2) .

فإنها مثبتة فى الحالين بلا خلاف،و أراد:

(أَلاّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ) .

فى طه (3)،أثبت هاتين الياءين مع اللاتى فى البيت السابق،جميعها مدلول قوله:سما،فابن كثير أثبتها فى الحالين،و نافع و أبو عمرو فى الوصل فقط،و أما:

(ذلك ما كنّا نبغى-و-يوم يأتى لا تكلّم).

فوافقهم فيهما الكسائى فأثبتها فى الوصل،و إنما قيد:

(نبغى).

فى الكهف احترازا من التى فى يوسف:

(يا أَبانا ما نَبْغِي 4) .

فإنها مثبتة بإجماع،و قيد يأتى بهود،احترازا مما أجمع أيضا على إثباته،نحو:

(يَأْتِي بِالشَّمْسِ - يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ - أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) .

و رفل معناه:عظم.

424-[سما)و دعائي(ف)ى(ج)نا(ح)لو(ه)ديه

و فى اتّبعون أهدكم(ح)قّه(ب)لا]

سما من تتمة رمز نبغى،و يأتى،و أراد:

(و تقبّل دعائي).

أثبتها فى الوصل حمزة و ورش و أبو عمرو،و أثبتها البزى فى الحالين:

(وَ اتَّبِعُونِ) .

فى غافر (5)أثبتها فى الوصل أبو عمرو و قالون،و فى الحالين ابن كثير.و بلا بمعنى اختبر:أى اختبر الحق ما ذكرته فكان صوايا،دون ما روى من خلاف ذلك،فإن قلت:من أين علمنا أن مراده بقوله:

********

(1) آية:62.

(2) آية:10.

(3) آية:93.

(4) آية:65.

(5) الآية:38.

ص: 308

(دعاء).

التى فى إبراهيم،دون التى فى نوح:

(دعائي إلاّ فرارا).

قلت:لأن تلك دخلت فى حساب ياءات الإضافة فى عده ما بعده همزة مكسورة،و قد نص عليها فى قوله:

(دعائي-و-آبائي).

لكوف تجملا و الفرق بينهما أن التى فى نوح ثابتة فى الرسم،و التى فى إبراهيم محذوفة،و ذلك فصل ما بين ياء الإضافة و الزائدة،و كذلك القول فى:

(اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ) .

إذ لقائل أن يقول:لم لا تدخل هذه فى ياءات الإضافة التى بعدها همزة مفتوحة،فيكون الجواب:أن هذه الياء محذوفة رسما،غير ثابتة فيه،و علم ذلك من موضع آخر،-و قيد اتبعونى-بقوله-أهدكم-احترازا من الذى فى الزخرف لأبى عمرو وحده،و سيأتى،و من الذى أجمع على إثباته نحو:

(فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ - فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي) و اللّه أعلم.

425-[و إن ترنى عنهم تمدّوننى(سما) (ف)ريقا و يدع الدّاع(ه)اك(ج)نا(ح)لا]

عنهم أى عن مدلول حقه،بلا أراد:

(إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ -و- أَ تُمِدُّونَنِ) .

فى النمل،لمدلول سما فريقا،و هذا الموضع هو الذى يثبته حمزة فى الحالين،و نصب فريقا على التمييز:أى ارتفع فريقه،و هم قراؤه،و روى عن حمزة فيه الحذف فى الحالين،و الإثبات فى الوصل دون الوقف:

(يَدْعُ الدّاعِ) .

فى سورة القمر (1)،أثبتها فى الحالين البزى،و فى الوصل ورش و أبو عمرو،و ما احلا قوله:هاك جناحلا، أى خذ ثمرا حلوا،و هو ما نظمه الناظم رحمه اللّه:

426-[و فى الفجر بالوادى(د)نا(ج)ريانه و فى الوقف بالوجهين وافق قنبلا]

أى وافق بالودى قنبلا بالوجهين،يعنى روى عن قنبل لحذف و الإثبات فى الوقف،و أما فى الوصل فيثبت بلا خلاف كورش،و أثبت البزى فى الحالين،و ما أحسن ما وافقه لفظ لجريان بعد ذكر الواد.

427-[و أكرمنى معه أهانن(إ)ذ ه(د)ى

و حذفهما للمازنى عدّ أعدلا]

يعنى أن المشهور عن أبى عمرو حذفهما،و قد روى عنه إثباتهما فى الوصل كنافع،و أثبتهما البزى فى الحالين،أراد:

********

(1) الآية:6.

ص: 309

(رَبِّي أَكْرَمَنِ -و- رَبِّي أَهانَنِ) .

كلاهما فى سورة الفجر (1)،أتبعهما ذكر بالواد،لأن الجميع فى سورة واحدة.

428-[و فى النّمل آتانى و يفتح(ع)ن(أ)ولى

(ح)مى و خلاف الوقف(ب)ين(ح)لا(ع)لا]

يعنى جمع هؤلاء بين إثبات الياء و فتحها،فى قوله تعالى:

(يعنى جمع هؤلاء بين الياء و فتحها،فى قوله تعالى:).

(فَما آتانِيَ اللّهُ خَيْرٌ مِمّا آتاكُمْ) .

و يلزم من الإثبات الفتح،و إلا لانحذفت لالتقاء الساكنين،و الباقون على حذفها اتباعا للرسم،فمن حذف فى الوصل حذف فى الوقف،و أما من أثبت فى الوصل فقياسه أيضا الحذف فى الوقف،لأنه ليس فيهم من المثبتين فى الحالين أحد،فأما ورش فجرى على القياس فحذفها فى الوقف،و أما قالون و أبو عمرو و حفص، فاختلف عنهم فى إثباتها و حذفها فى الوقف،و وجه إثباتها أن هذه الياء أخذت شبها من ياء الإضافة،لكونهم فتحوها،و ياءات الإضافة لا تحذف فى الوقف،فكذا هذه،و قوله بين حلا متعلق بقوله علا.

429-[و مع كالجواب الباد(حقّ ج)نا(ه)ما

و فى المهتد الإسرا و تحت(أ)خو(ح)لا]

أراد (وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ - سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ) .

و تقدير الكلام و الباد مع كالجواب حق جناهما،فالباد مبتدا،و حق خبره،و جناهما فاعل حق،و هذا أولى بالجواز من قوله:عليك و رحمة اللّه السلام،و الجنا المجنى،و يجوز أن يكون خبر الباد ما تقدم عليه، كقولك مع زيد درهم،كأنه قال اشترك هذان فى إثبات الياء لقارئ مخصوص،ثم بينه،و حق خبر مقدم، و جناهما مبتدأ،و كذا أعرب الشيخ و غيره قوله:و فى المهتدى الإسرا،و تحت،قال:فإن قلت كان الوجه أن يقول:و فى الإسرا المهتدى؟قلت:معناه و اشترك فى المهتدى الإسراء و الكهف،و هو أخو حلا،قلت أنا:يجوز أن يكون المهتدى مضافا إلى الإسراء،لأن المراد هذه اللفظة و الكلمة،فلا يمنع وجود الألف و اللام فيها من إضافتها،كما لو كانت فعلا أو حرفا،لأن المراد حكاية ما فى القرآن،كما قال:و أخرتنى الإسراء، فأضاف أخرتنى إلى الإسراء.و قوله:و تحت،أى و الذى تحت،أى و الإثبات فى حرفى الإسراء و الكهف، الذى هو المهتدى أخو حلا،و احترز بذلك من الذى فى الأعراف،فإن الياء فيه ثابتة بلا خلاف،و هو:

(مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) .

و كذا لفظ ما فى الإسراء و الكهف،إلا أنه بغير ياء فى الرسم.

430-[و فى اتّبعن فى آل عمران عنهما و كيدون فى الأعراف(ح)جّ(ل)يحملا]

عنهما:يعنى عن نافع و أبى عمرو،أثبتا ياء:

********

(1) الآيتان:15 و 16.

ص: 310

(وَ مَنِ اتَّبَعَنِ) .

فى آل عمران (1)يريد:

(أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ) .

و احترز بذكر السورة عن التى فى آخر سورة يوسف:

(عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي) .

فهى ثابتة بلا خلاف،و قيد-كيدون-بالأعراف احترازا من المجمع على إثباته فى هود و على حذفه فى المرسلات و قوله:و كيدون حج،أى غلب فى الحجة بإثبات يائه،ليحمل ذلك،و يقرأ به،و هذا هو الموضع الذى أثبته هشام فى الحالين،بخلاف عنه فيهما،و روى عن ابن ذكوان إثباتها فى الحالين أيضا.قال أحمد بن يزيد الحلوانى:رحلت إلى هشام بن عمار بعد وفاة ابن ذكوان ثلاث مرات،ثم رجعت إلى حلوان،فورد على كتابه يقول فيه:إنى أخذت عليكم:

(ثُمَّ كِيدُونِ) .

فى سورة الأعراف بياء فى الوصل،و هو بياء فى الحالين،يعنى الوصل و الوقف.

431-[بخلف و تؤتونى بيوسف(ح)قّه و فى هود تسألنى(ح)واريه(ج)مّلا]

إنما أعاد ذكر الخلف عن هشام لئلا يظن أن الذى تقدم كان للوقف وحده فأبان بهذا أن له أيضا فى الوصل خلافا،و قيل إنما أعاده تأكيدا،لأن بعض المصنفين لم يذكر له هذا الخلاف،و قوله-حتى تؤتون موثقا-أثبتها مدلول حق،و أما:

(فلا تسألنى ما ليس لك به علم).

فأثبت الياء أبو عمرو مع تخفيف الكلمة،و أثبتها ورش مع تشديدها،و يأتى الكلام فى التخفيف و التشديد فى سورة هود،و حواريه:ناصره،و خفف الياء ضرورة كما تقدم فى أول الخطبة.

432-[و تخزون فيها(ح)جّ أشركتمون قد

هدان اتّقون يا أولى اخشون مع ولا]

فيها:أى فى هود:

(وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي 2) .

و جميع ما فى هذا البيت أثبته أبو عمرو فى الوصل،أراد:

(أشركتمونى من قبل).

فى إبراهيم (3):

********

(1) الآية:20.

(2) آية:78.

(3) آية:22.

ص: 311

(قَدْ هَدانِ -فى الأنعام (1)-و- اِتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) .

فى البقرة (2)،و قيد-هدان-بقوله-قد-احترازا من نحو:

(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي - لَوْ أَنَّ اللّهَ هَدانِي) .

فهى ثابتة باتفاق،و قيد:اتقون بقوله:

(يا أُولِي) .

احترازا من قوله:

(وَ إِيّايَ فَاتَّقُونِ) .

فإنها محذوفة باتفاق،و قوله:

(وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا) .

فى المائدة فقيده بقوله:و لا،أى الذى بعده و لا،احترز بذلك عن الذى فى أول المائدة:

(وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ) .

فإنها فيه محذوفة فى الحالين باتفاق،و من الذى فى البقرة:

(وَ اخْشَوْنِي وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي) .

فإنه ثابت فى الحالين باتفاق،اتباعا للرسم فيهما،مع أن الذى فى أوّل المائدة واجب الحذف فى الوصل لأن بعده ساكنا،فأجرى الوقف مجراه.

433-[و عنه و خافون و من يتّقى(ز)كا بيوسف وافى كالصّحيح معلّلا]

أى و عن أبى عمرو إثبات:

(وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ) .

فى آل عمران،قالوا و فى قوله و خافون من التلاوة،و ليست عاطفة فى النظم،ثم قال:و من يتقى زكا أراد:

(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ) .

زكا:أى طهر،من طعن فى قراءة قنبل،لأنه أثبت الياء فى محل الجزم،و لا شك أنها قراءة ضعيفة، لأنه زاد على الرسم حرفا،و ارتكب المحذور بزيادته وجها ضعيفا فى العربية،بخلاف الياءات المثبتة فيما تقدم، فإنها لغة فصيحة،و هو من الاختلاف فى الهجاء،فلم يضر من جهة الرسم،كقراءة:

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) .

********

(1) الآية:80.

(2) آية:197.

ص: 312

بالألف،ثم ذكر وجه هذه القراءة،و هو أن من العرب من يجرى المعتل مجرى الصحيح،فلا يحذف منه شيئا من حروفه للجزم،كما لا يحذف شيئا من الصحيح،و يكتفى بإسكان آخره،و منه قوله:

أ لم يأتيك و الأنباء تنمى

و وجه آخر،و هو أن الكسرة أشبعت فتولدت منها ياء،و الإشباع قد ورد فى اللغة فى مواضع،و وجه ثالث،و هو أن من فى قوله:

(فَمَنْ يَتَّقِي) .

تكون بمعنى الذى،لا شرطية فلا جزم،و لكن يضعفه أنه عطف عليه قوله:و يصبر.

فأجيب بأنه أسكنه تخفيفا كما يأتى عن أبى عمرو فى-يأمركم-و نحوه،و أكد ذلك أبو على بأن جعله من باب هل المعطوف على المعنى نحو:

(وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ - وَ يَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ - وَ أَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ) .

لأن من يتق فى الجزاء بمنزلة الذى يتقى لدخول الفاء فى جوابهما،فقد تضمنا معا معنى الجزاء،و كل هذه وجوه ثابتة،و لكنها ضعيفة فى الفصيح على خلاف فى اللغة،و قال الحصرى:

و قد قرأ من يتقى قنبل فانصر على مذهبه قنبلا

و اختار الناظم الوجه الأوّل،و قوله وافى أى جاء معللا كالصحيح،أى بأنه أجرى مجراه،قال أبو بكر ابن مجاهد:أخبرنى قنبل عن القواس عن أصحابه أنهم يقرءون:

(إنّه من يتّقى و يصبر).

بالياء فى الوصل و الوقف،و قرأت فى حاشية نسخة مقروءة على الناظم،و أظن الحاشية من إملائه،قال معللا أى مروى بعذوب الاحتجاج له،فهو على هذا من العلل.

434-[و فى المتعالى(د)رّه و التّلاق و الت تنا(د)را(ب)اغيه بالخلف(ج)هّلا]

(المتعالى (1)-فى الرعد-و-التّلاق-و-التّناد).

فى غافر أثبت الثلاثة فى الحالين ابن كثير،و أثبت ورش و قالون بخلاف عنه ياء التلاق و التناد فى الوصل، و درا بمعنى دفع،فأبدل من الهمزة ألفا،و باغيه بمعنى طالبه:يقال بغيت الشيء إذا طلبته،و جهلا جمع جاهل،و هو مفعول درا،أى دفع قارئه الجهال عن تضعيفه بكونه رأس آية،فلا ينبغى أن يثبت الياء لئلا يخرج عن مؤاخاة رءوس الآى،فأتى بالخلف ليرضى به كل فريق،لأن كلا الأمرين لغة فصيحة.

435-[و مع دعوة الدّاع دعانى(ح)لا(ج)نا

و ليسا لقالون عن الغرّ سبّلا

يريد قوله تعالى:

********

(1) الرعد،الآية:9 و غافر الآيتان:15 و 32.

ص: 313

(أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ) .

أثبتهما أبو عمرو و ورش،و جنا فى موضع نصب على التمييز،و ليسا-يعنى الياءين فى هاتين الكلمتين- لقالون،أى لم يشتهر إثباتهما له،و إن كان قد روى عنه إثباتهما و إثبات الأوّل دون الثانى و عكسه،و الغر:

المشهورون جمع أغر،أى عن النقلة الغر،و سبلا:حال منهم،و هو جمع سابلة،و هم المختلفون فى الطرق يريد أنهم سلكوا طرق النقل و قبلوها خبرة بها،و لو جاز أن يكون جمع سبيل لقلنا هو نصب على التمييز،أى عن القوم المنيرة طرقهم،و اللّه أعلم.

436-[نذيرى لورش ثمّ تردين ترجمو ن فاعتزلون ستّة نذرى جلا]

437-[و عيدى ثلاث ينقذون يكذّبو ن قال نكيرى أربع عنه وصّلا]

هذا كله أثبته ورش فى الوصل وحده،أراد:

(فستعلمون كيف نذير-إن كدت لتردين-و فى الدخان-أن ترجمون-و إن لم تؤمنوا لى فاعتزلون).

و نذر ستة مواضع فى سورة القمر،و جلا:فيه ضمير لورش،و عيدى ثلاث:أى ثلاث كلمات، واحدة فى إبراهيم،و اثنتان فى ق:

(لا يُنْقِذُونِ -فى يس- إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) .

فى القصص (1)و قيده بقوله:قال،لأن بعده قال:

(سَنَشُدُّ) .

احترز بذلك عن:

(يَكْذِبُونَ) .

الذى ليس بعده قال،نحو:

(أَنْ يُكَذِّبُونِ -و- يَضِيقُ صَدْرِي) .

فهذه محذوفة باتفاق فى الحالين،و:

(نكيرى).

أربع كلمات،فى:الحج،و سبأ،و فاطر،و تبارك،و ليس الذى فى الشورى من هذا الباب،و هو قوله تعالى:

(ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ 2) .

********

(1) آية:34.

(2) آية:47.

ص: 314

و الضمير فى عنه لورش،فهذه تسع عشرة زائدة انفرد بها ورش،و الألف فى فصلا:ليست ضمير تثنية؛فإن الذى تقدم متعدد.أى وصل المذكور عنه،فالألف للإطلاق.

438-[فبشّر عبادى افتح وقف ساكنا(ي)دا

و و اتّبعوني(ح)جّ فى الزّخرف العلا]

لما فتح السوسى هذه الياء فى الوصل وقف عليها بالإسكان كسائر ياءات الإضافة،و هو القياس كما فعل فى حرف النمل:

(فما آتان اللّه (1).

على وجه،و حذفها الباقون فى الحالين اتباعا للرسم،و وقع فى نقل مذهب السوسى اختلاف كثير فى غير التيسير،فروى عنه الحذف فى الوقف،و روى عن أبى عمرو نفسه الحذف فى الحالين،و روى عنه الفتح فى الوصل،و الحذف فى الوقف،و أشار الناظم بقوله:وقف ساكنا يدا،إلى ترك الحركة باليد،لأن المتكلم فى إبطال الشيء أو إثباته قد يحرك يده فى تضاعيف كلامه:فكأنه قال:لا تتحرك فى رد ذلك بسبب ما وقع فيه من الخلاف،هكذا ذكر الشيخ،فقوله يدا فى موضع نصب على التمييز،و كأن هذا زجر عن سؤال مقدر، و اعتراض وارد من حيث القياس و الجدل،و ذلك أن الخلاف محكى عن أبى عمرو نفسه فى:

(فَما آتانِيَ اللّهُ) .

فى النمل و العمل فى الاثنين واحد،فعرف الناظم أن من سمع من جهة نظمه أن السوسى يقف بياء ساكنة دون الدورى،و لم يذكر خلافا أنه يورد حرف النمل،و يطلب الفرق بينهما،و يستطيل باعتراضه،لأنه وارد فسكنه و ثبته بقوله وقف ساكنا يدا،أى النقل كذا،فلا ترده بقياس و جدل،و هذا معنى جيد و تفسير حسن لظاهر اللفظ،و لكن يلزم منه أن تكون السين من ساكنا رمزا لأبى الحارث،كما لو قال باسطا يدا،فإن الباء حينئذ كانت تكون رمز قالون،و إنما المراد من هذا اللفظ بيان قراءة السوسى فى الوقف،و هى غير مبينة من هذا التفسير،فإن أريد ذلك جعل ساكنا حالا من مفعول محذوف،أى وقف عليه ساكنا،و يكون يدا حالا من الفاعل،أى ذا يد،فتظهر قراءة السوسى حينئذ،و اللّه أعلم.

ثم قال:-و اتبعون-أراد قوله تعالى فى سورة الزخرف:

(وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ) .

فأدخل واو العطف على كلمة القرآن،و فيها واو،فاجتمع واوان ليحصل حكاية لفظ القرآن،فهو كقوله فى أوّل القصيدة:بدأت ببسم اللّه،كأنه قال:و حرف الزخرف الذى هو-و اتبعونى-أثبت ياءه فى الوصل أبو عمرو وحده،و العلا مفعول حج،و ليس برمز،و هو مشكل،إذ يحتمل ذلك،و لا يدفعه كونه فصل بين الرمزين بقوله فى الزخرف،فإن هذا فصل تقييد،فليس أجنبيا،فلا يضر،فهو كفصله بلفظ الخلف فى أثناء الرمز،كقوله لبى حبيبه بخلفهما برا،و كما قد جاء الفصل بالرمز بين تقييدين،كقوله كم دار و اقصر،فلقائل أن يقول:كما جاز الفصل بين التقييدين بالرمز،كذا يجوز الفصل بين الرمزين بالتقييد،و يؤيد الإشكال أنه

********

(1) الآية:36.

ص: 315

قد التزم فى خطبته أنه يسمى الرجال بعد ذكر الحرف،و متى انقضى ذلك أتى بالواو الفاصلة،و الواو لم تأت هنا إلا بعد قوله:العلا،فى أوّل البيت الآتى،فليته قال:و (و اتّبعونى).

زخرف حج و اعتلا،أو:و-و اتبعونى-الزخرف اتبع فتى العلا،و يكون قد أضاف و اتبعونى إلى اسم السورة،لأنه لفظ،و كلمة و حرف من حروف القراءة،فهو كما قدمناه فى قوله:

(و أخّرتنى).

الإسراء،و فى-المهتدى-الإسراء،و اللّه أعلم.

439-[و فى الكهف تسألنى عن الكلّ ياؤه

على رسمه و الحذف بالخلف مثّلا]

يعنى أنه رسم بالياء،فأثبتها الكل وقفا و وصلا،و روى عن ابن ذكوان حذفها فى الحالين.

فإن قلت:من أين يعلم أنه أراد فى الحالين.

قلت:هو فى التيسير كذلك،و إنما لم ينبه عليه الناظم اتكالا على فهم الذكى،من جهة أنه لا جائز أن يكون أراد أنه حذفها وصلا لا وقفا،إذ ليس فى هذا الباب له نظير،إذ كل من أثبت ياء فى الوقف أثبتها فى الوصل و لا ينعكس هذا القسم،ثم لو كان أراد هذا القسم لذكره فى سورته،كما ذكر ما يشبه ذلك فى الرعد،و إذا بطل هذا القسم فلا يجوز أن يظن بالناظم أنه أراد عكسه،و هو أنه حذفها وقفا و أثبتها وصلا،لأنه لم يذكره مع من هذا فعله فى سائر الباب،فى قوله:و فى الوصل حماد شكور إمامه،فبان أنه أراد حذفها فى الحالين، و هذه الياء التى فى الكهف زائدة على العدة،بخلاف التى فى هود،فإنها منها،لأن تلك محذوفة رسما،و هذه ثابتة فيه.

440-[و فى نرتعى خلف(ز)كا و جميعهم بالإثبات تحت النّمل يهدينى تلا]

ليته وصل هذا البيت بالبيت الذى فيه يتقى،لأن إثبات الياءين فيهما لقارئ واحد فى سورة واحدة، و كلاهما فى موضع الجزم،و ما عطف عليهما مجزوم،أوليته قدم هذا البيت على الذى قبله لتتصل الياءات المعدودة،ثم بذكر الخارج من العدة،أراد قوله تعالى:

(أرسله معنا غدا نرتع و نلعب).

و سيأتى الخلاف فيه فى سورته،و أما وجه إثبات الياء فإجراء المعتل مجرى الصحيح،أو الإشباع،و يجيء الوجه الآخر على أن يكون-نرتعى-فى موضع الحال،و سكن و نلعب تخفيفا على ما تقدم فى:

(يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ) .

و الباقون على حذف الياء،لكن منهم من كسر العين،و منهم من أسكنها،و أجمعوا على إثبات ياء:

ص: 316

(يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) .

فى القصص (1)لثبوتها فى الرسم،و إنما نص عليها من بين ما أجمعوا على إثباته؛لأنه ذكر فيما تقدم من جملة ما اختلفوا فيه-يهدين-و لم يعين أنها التى فى الكهف،فخشى أن تلتبس بهذه فاستدرك و بين أن هذه مجمع عليها فتعينت تلك للخلاف،و قد نظم الشيخ رحمه اللّه فى الياءات المجمع على إثباتها أبياتا جمعت أشياء مما يشكل منها، و لم يحتج الناظم إلى ذكر غير حرف القصص،مما أجمع عليه إذ لا التباس لشيء منه بما ذكره،لأنه استوعب ذكر العدة ببيان مواضعها بخلاف ما فعل فى ياءات الإضافة،فلهذا ذكر المجمع عليه فى الأنواع التى لم يستوعب ذكرها مفصلة،على ما تقدم شرحه،و لم يحتج إلى ذكر غير الملتبس بما ذكره من المجمع عليه إسكانا و فتحا، هكذا هاهنا لم يذكر ما أجمع عليه حذفا و إثباتا،و اللّه أعلم.

441-[فهذى أصول القوم حال اطّرادها أجابت بعون اللّه فانتظمت حلا]

أى تم الكلام فى الأصول،و حال اطرادها منصوب على الحال،كقوله تعالى:

(وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً) .

أو يكون العامل فيه أجابت،أى أجابت مطردة لما دعوتها،أى انقادت لنظمى طائعة بإعانة اللّه تعالى، فانتظمت مشبهة حلا:جمع حلية،فيكون حلا فى موضع نصب على الحال،و يجوز أن يكون تمييزا أى انتظمت حلاها،و قد ذكر نحو ذلك صاحب التيسير فقال بعد فراغه من باب الزوائد:فهذه الأصول المطردة قد ذكرناها مشروحة،و أقول المراد من إفراد الأصول بأبواب قبل الشروع فى السور الفرق بين ما يطرد حكمه و ما لا يطرد،و المطرد هو المستمر الجارى فى أشباه ذلك الشيء،و كل باب من أبواب الأصول لم يخل من حكم كلى يستمر فى كل ما تحقق فيه شرط ذلك الحكم،و هو فى جميع الأبواب ظاهر،و هو خفى فى ياءات الإضافة و الزوائد،و هو فى الزوائد أخفى،فوجهه فى ياءات الإضافة أن فيه ما يطرد حمله،مثل قوله:فتح سما ما بعده همزة مفتوحة،و فى الزوائد و تثبت فى الحالين،و فى الوصل حماد،فإن ذلك مطرد فى الجميع،و باقى الكلام فى البابين أشبه بالفرش منه بالأصول،و شاهده ذكر التاءات المشادة للبزى فى الفرش،و هى قريبة من الزوائد و اللّه أعلم.

442-[و إنّى لأرجوه لنظم حروفهم نفائس أعلاق تنفّس عطّلا]

أى أرجو عون اللّه أيضا لتسهيل نظم الحروف المنفردة غير المطردة،و هو ما سيأتى ذكره فى السور،و هو معنى قول صاحب التيسير:و نحن مبتدئون بذكر الحروف المتفرقة،و نفائس:جمع نفيس،و أعلاق:جمع علق،و هو الشيء النفيس،يقولون هو علق مضنة أى يضن به و يبخل بإعادته فلا يسمح به،قال الشاعر:

و سلمى لعمر اللّه علق مضنة

أى لا يسمح بفراقها،فمعنى نفائس أعلاق على هذا؟نفائس أشياء نفائس،كقولك خيار الخيار،ثم هو منصوب إما على الحال من حروفهم،أو هو مفعول ثان،كما تقول:

نظمت الدر عقدا،فيكون قد كنى بالأعلاق عن القلائد،و يجوز أن يكون كنى بها عن أنواع النظم النفيسة،

********

(1) آية:22.

ص: 317

فيكون نفائس منصوبا على المصدر،و تقديره انظم حروفهم أنفس نظم تنفس تلك لنفائس أجيادا عطلا،أى أعناقا لا قلائد لها،أى تجعلها ذات نفاسة،قال الشيخ:و معنى ذلك أنه إذا نظمها فحفظها من لا علم له،كان كمن تحلى جيده بعقد نفيس،قلت فهذا مما يقوى جعل نفائس أعلاق:مفعولا ثانيا،و لم يذكر الشيخ إلا أنها حال من حروفهم.

443-[سأمضى على شرطى و باللّه اكتفى و ما خاب ذو جدّ إذا هو حسبلا]

أى سأستمر على ما شرطته فى الرموز و القيود،و الجد ضد الهزل،و حسبل إذا قال:حسبى اللّه،ركب من لفظى الكلمتين،كلمة تدل عليهما،كما تقدم ذكره فى باب البسملة.و قوله و باللّه اكتفى،هو:معنى حسبى اللّه؛فلهذا أخبر أنه قد حسبل،و المعنى أنى لا أخيب فيما قصدته،لأنى اكتفيت به سبحانه و تعالى فى تتمة ذلك،و استعنت به عليه،فأناب رحمه اللّه و ما خاب،بل اشتهر ذكره و طاب،و انتفع بما نظمه الأصحاب،و اللّه أعلم.

و هذا آخر شرح الأصول و الحمد للّه،و صلواته على سيدنا محمد و آله و صحبه الأكرمين أجمعين.

و حسبنا اللّه و كفى و نعم الوكيل.و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلى العظيم.

ص: 318

باب فرش الحروف

اشارة

و هو الكلام على كل حرف فى موضعه،على ترتيب السورة

سورة البقرة

قال الشيخ رحمه اللّه:القراء يسمون ما قل دوره من الحروف:فرشا،لانتشاره،فكأنه انفرش،إذ كانت الأصول ينسحب حكم الواحد منها على الجميع.

قلت:و سماه بعضهم:الفروع على مقابلة الأصول،و يأتى فى الفرش مواضع مطردة حيث وقعت و هى بالأصول أشبه منها بالفرش،مثل إمالة التوراة،و فواتح السور،و الكلام فى-هأنتم-و الاستفهامين و تاءات البزى،و التشديد،و التخفيف فى-ينزل-و بابه،و يقع فى نسخ القصيدة ترجمة سورة البقرة فى هذا الموضع، و لم يزد صاحب التيسير على قوله:«باب ذكر فرش الحروف»،و قدم ترجمة سورة البقرة فى أول باب هاء الكناية و قد تقدم ثم معنى ذلك،و بيان صحة ما فعله،و باللّه التوفيق.

444-[و ما يخدعون الفتح من قبل ساكن

و بعد(ذ)كا و الغير كالحرف أوّلا]

قوله:و ما:تقييد للحرف المختلف فيه،احترازا من الأول،و هو قوله:

(يُخادِعُونَ اللّهَ 1) .

فإنه ليس قبله و ما و الساكن الخاء؛و الفتح قبله فى الياء،و بعده فى الدال،و هذا تقييد لم يكن محتاجا إليه لأنه قد لفظ بالقراءة،و نبه على القراءة الأخرى بما فى آخر للبيت،لأنه لا يمكن أخذها من أضداد ما ذكر، فهو زيادة بيان.

فإن قلت:احترز بذلك عن أن يضم أحد الياء.

قلت:ليس من عادته،الاحتراز عن مثل هذا،أ لا تراه يقول:سكارى معا سكرى،و لم يقل بضم السين اكتفاء باللفظ.

فالوجه أن يقال هو زيادة بيان لم يكن لازما له،و هو مثل قوله فى سورة الحج،و يدفع حق بين فتحيه ساكن،و ذكا بمعنى اشتعل و أضاء،و أولا،ظرف،أى و قراءة الغير كالحرف الواقع أولا،و أجاز الشيخ أن يكون حالا،و أطلق الناظم الحرف على الكلمة على ما سبق فى قوله:لعل حروفهم،و قوله:و فى أحرف وجهان،و ما يأتى من قوله:و فى الروم و الحرفين فى النحل أولا،و ذلك سائغ،و منه قول أبى القاسم الزجاجى «باب الحروف التى ترفع الاسم و تنصب الخبر»يعنى كان و أخواتها،أى اقرءوا:

********

(1) آية:9.

ص: 319

(يخادعون اللّه و الّذين آمنوا و ما يخادعون (1).

ففي هذه القراءة رد لفظ ما ابتدأ به،و أجمع عليه؛و من قرأ الثانية:

(يخدعون).

نبه على أن الأولى بهذا المعنى،و أن فاعلت هنا بمعنى فعلت،نحو طارقت النعل،و سافرت،و عاقبت، و قيل جعلوا خادعين لأنفسهم،لما كان ضرر ذلك عائدا إليهم كقوله تعالى فى موضع آخر:

(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ 2) .

و إنما أجمع على الأول،و عدل فيه من فعل إلى فاعل كراهة التصريح بهذا الفعل القبيح أن يتوجه إلى اللّه سبحانه،فأخرج مخرج المحاولة لذلك و المعاناة له،و اللّه أعلم.

445-[و خفّف كوف يكذبون و ياؤه بفتح و للباقين ضمّ و ثقّلا]

عنى بالتخفيف إسكان الكاف و إذهاب ثقل الذال،و الباقون ثقلوا موضع تخفيف هؤلاء،فلزم تحريك الكاف و إن لم يتعرض له،إذ لا يمكن تثقيل الذال إلا بفتح الكاف و ضم الياء،و القراءتان ظاهرتان،فإن المنافقين لعنهم اللّه قد وصفوا فى القرآن بأنهم كاذبون فى مواضع كثيرة،و مع أنهم كاذبون هم يكذبون،لأن اللّه تعالى وصفهم بقوله:

(وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) .

و من لم يكن مصدقا فهو مكذب،و لا خلاف فى تخفيف:

(بِما أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ 3) .

كما أنه لا خلاف فى تثقيل قوله تعالى:

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) .

و نحوه،و لا يرد على الناظم ذلك،لأنه لم يقل:جميعا،و لا بحيث أتى،و لا نحو ذلك،و تلك عادته فيما يتعدى الحكم فيه سورته،إلا مواضع خرجت عن هذه القاعدة سننبه عليها فى مواضعها،منها ما فى البيت الآتى:

(و التّوراة-و-كائن).

وضى فعل ماض لا أمر،بل هو من جنس ما عطف عليه من قوله:و ثقلا،و اللّه أعلم.

446-[و قيل و غيض ثمّ جىء يشمّها لدى كسرها ضمّا(ر)جال(ل)تكملا]

447-[و حيل بإشمام و سيق(ك)ما(ر)سا و سىء و سيئت(ك)ان(ر)اويه(أ)نبلا]

أراد(و إذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض-و إذا قيل لهم آمنوا).

********

(1) آية:9.

(2) سورة النساء،آية:142.

(3) سورة التوبة،آية:77.

ص: 320

و ما جاء من لفظ قيل،و هو فعل ماض:

(وَ غِيضَ الْماءُ - وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ - وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ - وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ - وَ سِيقَ الَّذِينَ) .

موضعان فى آخر الزمر:

(سِيءَ بِهِمْ) .

فى هود و العنكبوت:

(سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) .

فأطلق هذه الأفعال و لم يبين مواضع القراءة،و فيها ما قد تكرر،و العادة المستمدة منه فيما يطلق أن يختص بالسورة التى هو فيها،كما فى-يكذبون-السابقة،و لكن لما أدرك مع قيل هذه الأفعال الخارجة عن هذه السورة،كان ذلك قرينة واضحة فى طرد الحكم حيث وقعت قيل،و غيرها من هذه الأفعال،و رجال فاعل يشمها،و ضما مفعول ثان،و المراد بالإشمام فى هذه الأفعال:أن ينحى بكسر أوائلها نحو الضمة،و بالياء بعدها نحو الواو،فهى حركة مركبة من حركتين:كسر و ضم،لأن هذه الأوائل،و إن كانت مكسورة فأصلها أن تكون مضمومة،لأنها أفعال ما لم يسم فاعله،فأشمت الضم دلالة على أنه أصل ما يستحقه،و هو لغة للعرب فاشية،و أبقوا شيئا من الكسر تنبيها على ما استحقته هذه الأفعال من الاعتلال،و لهذا قال:لتكملا،أى لتكمل الدلالة على الأمرين،و هذا نوع آخر من الإشمام غير المذكور فى الأصول،و قد عبروا عنه أيضا بالضم و الروم و الإمالة،و منهم من قال:حقيقته أن تضم الأوائل ضما مشبعا،و قيل مختلسا،و قيل:بل هو إيماء بالشفتين إلى ضمة مقدرة مع إخلاص كسر الأوائل،ثم القارى مخير فى ذلك الإيماء،إن شاء قبل اللفظ أو معه أو بعده،و الأصح ما ذكرناه أوّلا،و من أخلص الكسر،فلأجل الياء الساكنة بعده،كميزان،و ميقات، و هو اللغة الفاشية المختارة،و قال مكى:الكسر أولى عندى،كما كان الفتح أولى من الإمالة،و نافع و ابن ذكوان جمعا بين اللغتين،ورسا:أى استقر و ثبت،و أنبلا:أى زائد النبل،و أما قيل الذى هو مصدر فلا يدخل فى هذا الباب،إذ لا أصل له فى الضم،و هو فى نحو:

(وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً - وَ قِيلِهِ يا رَبِّ - إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً - وَ أَقْوَمُ قِيلاً) .

و الرمز فى هذين البيتين:رجال لتكملا كما رسا؛كان راويه أنبلا،و اللّه أعلم.

448-[و ها هو بعد الواو و الفا و لامها و ها هى أسكن(ر)اضيا(ب)اردا(ح)لا]

أى إذا كانت الهاء من لفظ هو،و الهاء من لفظ هى،بعد واو أو فاء أو لام زائدة،نحو:

(وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ - فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ -و إنّ اللّه لهو الولىّ- وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ - فَهِيَ كَالْحِجارَةِ - لَهِيَ الْحَيَوانُ) .

فأسكن الهاء فى هذه المواضع الكسائى و قالون و أبو عمرو،لأن اتصال هذه الحروف بها صيرت الكلمة مشبهة لفظ:عضد،و كتف،فأسكنت الهاء كما أسكنا تخفيفا،و قولنا:زائدة احترازا من نحو:

ص: 321

(لَهْوَ الْحَدِيثِ - إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ) .

فالهاء ساكنة باتفاق،لأنها ليست هاء هو الذى هو ضمير مرفوع منفصل،و ذلك معروف،و لكنه قد يخفى على المبتدئ،فبيانه أولى،و قصر لفظ«ها»فى الموضعين ضرورة،و الضمير فى لامها للحروف،أو للفظ«هو»لكثرة دخولها عليها،و راضيا حال،و باردا مفعول به،و حلا صفة باردا،كما تقول:رضيت شيئا جيدا و باردا،من قولهم:غنيمة باردة،أى حاصلة من غير مشقة،و يمكن جعل الكل أحوالا، و يكون راضيا حال من الفاعل،و باردا حالا من المفعول،نحو لقيته مصعدا منحدرا،و قيل باردا نعت مصدر محذوف،أى إسكانا باردا حلوا،يروى عن من قرأ به كالماء البارد،و هذا الحكم المذكور فى هذا البيت أيضا مطرد حيث جاءت هذه الألفاظ،لا يختص بهذه السورة،و لم يصرح بذلك،و كأنه اكتفى بضابط قوله بعد الواو و للفاء و لامها،لأن المجموع ليس فى سورة البقرة،و اللّه أعلم.

449-[و ثمّ هو(ر)فقا(ب)ان و الضّمّ غيرهم

و كسر و عن كلّ يملّ هو انجلا]

أراد (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) .

لم يسكنه أبو عمرو،لأن«ثم»ليس اتصالها«بهو»كاتصال الواو و الفاء و اللام بها لأن«ثم»كلمة مستقلة و أسكنه الكسائى و قالون حملا لثم على هذه الحروف لمشاركتها لها فى الحرفية و الواو و الفاء فى العطفية،و قوله رفقا بان،حال:أى أسكنه ذا رفق بين،أى أرفق به فى تقرير وجه إسكانه و الضم غيرهم فى لفظ هو بعد هذه الحروف،و الكسر فى لفظ هى بعدها،و إنما بين قراءة الباقين،لأنها لا تفهم من ضد الإسكان المطلق، فإن ضده-على ما سبق فى الخطبة-هو الفتح،على أنه كان يمكنه أن لا يتكلف ببيان قراءة الباقين،فإنها قد علمت من تلفظه بها فى قوله:و ها هو،و ها هى،فكأنه قال:أسكن ضم هذه و كسر هذه:و لو قال ذلك تصريحا لم يحتج إلى بيان قراءة الباقين،فهذا المذكور فى معناه،و أما قوله تعالى فى آية الدين:

(أَنْ يُمِلَّ هُوَ) .

فلم يسكن الهاء أحد،لأن يمل كلمة مستقلة،و ليست حرفا فتحمل على أخواتها،و إنما ذكره لأن هو قد جاء فيها بعد لام،فخشى أن تدخل فى عموم قوله و لامها،فقال ضمها عن كل القراء،و لم يصرح بذلك، و لكن لفظه أنبأ عنه،و لهذا قال:انجلا،أى انكشف الأمر فى ذلك،و بعض المصنفين ذكر عن قالون إسكانها.

450-[و فى فأزلّ اللاّم خفّف لحمزة و زد ألفا من قبله فتكمّلا]

يريد قوله تعالى:

(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ 1) .

********

(1) سورة البقرة،آية:36.

ص: 322

و الهاء فى«قبله»تعود إلى اللام،فيصير فأزال،و معناهما واحد،أى فنحاهما عنها،و قيل يجوز أن يكون معنى قراءة الجماعة أوقعهما فى الزلة،و هى الخطيئة،و الفاء فى فتكملا ليست برمز،لأنه قد صرح بقوله لحمزة،و إنما أتى بالفاء دون اللام لئلا يوهم رمزا،فإن قلت لا يكون رمز مع مصرح باسمه،قلت:

يظن أنها قراءة ثانية بالألف،و قراءة حمزة بالتخفيف فقط فاختار الفاء لئلا يحصل هذا الإيهام،و أراد فتكمل الألف الكلمة،أو تكمل أنت الكلمة بزيادتك للألف،و هو منصوب على جواب الأمر بالفاء.

451-[و آدم فارفع ناصبا كلماته بكسر و للمكّيّ عكس تحوّلا]

أى القراءة (فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ 1) .

فيكون آدم فاعلا،و كلمات مفعولا،و علامة نصبه الكسرة،و عكس ابن كثير فجعل آدم مفعولا فنصبه و كلمات فاعلا فرفعها،و المعنى واحد،لأن ما تلقيته فقد تلقاك،و كذا ما أصبته فقد أصابك،و قوله:و للمكى عكس:أى عكس ما ذكر،و حقيقة العكس لا تتحقق هنا من جهة أن نصب آدم ليس بكسر،بل بفتح، فهو عكس مع قطع النظر عن لفظ الكسر،و لم يمكنه أن يقول:و للمكى رفع،لأنه لا يعرف الخلاف فى آدم حينئذ:لمن هو؟لأن رفع المكى مخصوص بكلمات.و قوله:تحولا،أى المذكور إليه أو عكس تحول إلى هذا،و اللّه أعلم.

451-[و يقبل الأولى أنّثوا(د)ون(حا)جز و عدنا جميعا دون ما ألف(ح)لا]

يريد قوله تعالى:

(وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ 2) .

يقرأ بالتأنيث،و التذكير،أى بالتاء و الياء،فوجه التأنيث ظاهر،لأن الشفاعة مؤنثة،و لهذا قال:دون حاجز،أى مانع،و وجه التذكير:أن تأنيث الشفاعة غير حقيقى،و كل ما كان كذلك جاز تذكيره،لا سيما و قد وقع بينه و بين فعله فاصل،و سيأتى له نظائر كثيرة،و احترز بقوله:الأولى،أى الكلمة الأولى عن الأخيرة،و هى:

(وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) .

فإن الفعل مذكر بلا خلاف،لأنه مسند إلى مذكر،و هو عدل،و بعده:

(وَ لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) .

لم يختلف فى تأنيثها،لأنه لم يفصل بينهما كلمة مستقلة،بخلاف الأولى،و قرأ أبو عمرو:

(وعدنا).

فى البقرة و الأعراف و طه،بغير ألف بعد الواو،لأن اللّه تعالى وعده،و قرأ غيره-واعدنا-بألف بعد

********

(1) الآية:37.

(2) الآية:48.

ص: 323

الواو،على معنى وعدنا كقوله فحاسبناها،و قيل يصح فيه معنى المفاعلة فإن قلت:من أين يعلم من النظم أن قراءة الباقين بألف بعد الواو دون أن يكون بألف قبلها،فيكون أوعدنا،لأنه قال:دون ما ألف،و لم ينطق بقراءة الجماعة،و لو كان لفظ بها لسهل الأمر قلت:يعلم ذلك من حيث أنه لو أراد أو عدنا للزمه أن يبين إسكان الواو و تحريكها،فلما لم يتعرض لذلك علم أنه غير مراد و أيضا فإن حقيقة الألف ثابتة فى لفظ:

(واعدنا).

و أما أوعدنا،فهى همزة قبل الواو،فإطلاق الألف عليها مجاز،و الأصل الحمل على الحقيقة،فيزول الإشكال على هذا،مع ظهور القراءتين و اشتهارهما و عدم صحة معنى الوعيد فى هذه المواضع،و لو قال:و فى الكل واعدنا،أو:و جملة واعدنا بلا ألف حلا،بطل هذا الإشكال،لكن فى-وعدنا-و-واعدنا-ألف بعد النون كان ينبغى الاحتراز عنها أيضا فإن قلت:تلك لا يمكن حذفها.فإن قلت:و ليس كل ما لا يمكن حذفه لا يحترز منه،فإنه سيأتى فى قوله:و قالوا،الواو الأولى سقوطها،و لا يمكن إسقاط الثانية مع بقاء ضمة اللام،ثم إنه أيضا يرد عليه ما فى سورة القصص.

(أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ) وعدا حسنا (1).

فهو بغير ألف بلا خلاف،و كذا الذى فى الزخرف:

(أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ 2) .

فإن اعتذر له بأنه قال:وعدنا،بغير هاء،و الذى فى القصص بزيادة هاء،و الذى فى الزخرف بزيادة هاء و ميم،فلا ينفع هذا الاعتذار،فإن الذى فى طه بزيادة كاف و ميم،و هو قوله تعالى:

(وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ 3) .

و صاحب التيسير نص على أن الخلاف فى-وعدنا-و-وعدناكم-،فخرج الذى فى القصص،فإنه لفظ ثالث، و الذى فى الزخرف،فإنه لفظ رابع،فلو قال الناظم:وعدنا وعدناكم بلا ألف حلا،لخلص من هذا الإشكال،و لكن خلفه إشكال آخر،و هو أنه لم يقل:جميعا،و لكن يكون له أسوة بما ذكر فى بيتى الإشمام، و يبقى عليه الإشكالان المتقدمان فى موضع الألف،و«ما»فى قوله دون ما ألف زائدة،و اللّه أعلم.

452-[و إسكان بارئكم و يأمركم له و يأمرهم أيضا و تأمرهم تلا]

453-[و ينصركم أيضا و يشعركم و كم جليل عن الدّورىّ مختلسا جلا]

أى أسكن أبو عمرو فى هذه المواضع كلها،حيث وقعت حركة الإعراب تخفيفا،و قد جاء ذلك عنه من طريق الرقيين كذا ذكر الدانى و مكى و غيرهما،و رواية العراقيين عن أبى عمرو الاختلاس،و هى الرواية الجيدة المختارة،فإن الإسكان فى حركات الإعراب لغير إدغام و لا وقف و لا اعتلال منكر،فإنه على مضادة حكمة مجىء الإعراب،و جوّزه سيبويه فى ضرورة الشعر،لأجل ما ورد من ذلك فيه،نحو:

********

(1) آية:61.

(2) آية:42.

(3) آية:80.

ص: 324

و قد بدا هنك من الميزر فاليوم أشرب غير مستحقب

و لا أعلام قد تعلل بالمناة فما تعرفكم العرب

و نحوه:إذا اعوججن،قلت:صاحب مقوم.

قال أبو على فى الحجة:أما حركة الإعراب فمختلف فى تجويز إسكانها،فمن الناس من ينكره،فيقول:

إن إسكانها لا يجوز من حيث كان علما للإعراب،قال:و سيبويه يجوز ذلك فى الشعر.قال الزجاج:روى عن أبى عمرو ابن العلا أنه قرأ:

(بارئكم).

بإسكان الهمزة.قال:و هذا رواه سيبويه باختلاس الكسر،قال و أحسب الرواية الصحيحة،ما روى سيبويه،فإنه أضبط لما روى عن أبى عمرو.و الإعراب أشبه بالرواية عن أبى عمرو؛لأن حذف الكسر فى مثل هذا،و حذف الضم إنما يأتى فى اضطرار الشعر،و فى كتاب أبى بكر بن مجاهد،قال سيبويه:كان أبو عمرو يختلس الحركة:

(من بارئكم-و-يأمركم).

و ما أشبه ذلك مما تتوالى فيه الحركات،فيرى من يسمعه أنه قد أسكن،و لم يسكن قال أبو بكر:و هذا القول أشبه بمذهب أبى عمرو،لأنه كان يستعمل فى قراءته التخفيف كثيرا،كان يقرأ:

(وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ -و يَلْعَنُهُمُ اللّهُ) .

يشم الميم من يعلمهم-و النون من-يلعنهم-الضم من غير إشباع،و كذلك:

(عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ) .

يشم التاء شيئا من الخفض،و كذلك:

(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) .

يشمها شيئا من الضم،و فى كتاب أبى على الأهوازى،عن المازنى،عن الأصمعى،عن أبى عمرو بن العلا قال:سمعت أعرابيا يقول:

(بارئكم).

فاختلس الكسر حتى كدت لا أفهم الهمزة،قال أبو على الفارسى:و هذا الاختلاس و إن كان الصوت فيه أضعف من التمطيط و أخفى،فإن الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك،قال:و على هذا المذهب حمل سيبويه قول أبى عمرو:

(على بارئكم).

فذهب إلى أنه اختلس الحركة و لم يشبعها،فهو بزنة حرف متحرك،فمن روى عن أبى عمرو الإسكان

ص: 325

فى هذا النحو،فلعله سمعه يختلس فحسبه لضعف الصوت به و الخفاء إسكانا،و قال أبو الفتح بن جنى فى كتاب الخصائص الذى رواه صاحب الكتاب:اختلاس هذه الحركة لا حذفها البتة،و هو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذين رووه ساكنا.قال:و لم يؤت القوم فى ذلك من ضعف أمانة،لكن أتوا من ضعف دراية، قال الشيخ فى شرحه:و قد ثبت الإسكان عن أبى عمرو،و الاختلاس معا،و وجه الإسكان أن من العرب من يجتزئ بإحدى الحركتين عن الأخرى،قال:و قد عزا الفراء ذلك إلى بنى تميم و بنى أسد و بعض النجديين، و ذكر أنهم يحققون مثل-يأمركم-فيسكنون الراء لتوالى الحركات.

قلت:و كان الناظم رحمه اللّه مائلا إلى رواية الاختلاس،و هو الذى لا يليق بمحقق سواه،فقال:و كم جليل:أى كثير من الشيوخ الجلة:جلوا الاختلاس عن الدورى،و كشفوه و قرروه و عملوا به،و مختلسا حال من الدورى،أى جلا عن مذهبه فى حال اختلاسه،و نسب الناظم ذلك إلى الدورى،و هو محكىّ عن أبى عمرو نفسه،كما نسب إبدال الهمز الساكن إلى السوسى،و هى محكىّ عن أبى عمرو كما سبق،و سبب ذلك أن رواية الرقيين هى رواية السوسى و من وافقه،و رواية العراقيين هى رواية الدورى و أضرابه،قال أبو على الأهوازى و معنى الاختلاس أن تأتى بالهمز و بثلثى حركتها،فيكون الذى تحذفه من الحركة أقل مما تأتى به،قال و لا يؤخذ ذلك إلا من أفواه الرجال.

قلت:و قراءة الباقين بإشباع الكسر فى:

(بارئكم).

و إشباع الضم فى البواقى فإن قلت:من أين يؤخذ ذلك؟.

قلت:ما بعد:

(بارئكم).

قد لفظ به مضموما،فهو داخل فى قوله:و باللفظ استغنى عن القيد إن جلا،و قد سبق فى شرح الخطبة أن قوله:و إسكان:

(بارئكم).

لا يفهم منه القراءة الأخرى،فإنه ليس ضد السكون الكسر،و لو حصل التلفظ بالكسر لصار كالذى بعده،و لو قال:و بارئكم سكن لاستقام،و قوله له:أى لأبى عمرو.

فإن قلت:لم لم يكن رمزا لهشام كما قال فى موضع آخر يخلف له و لا يكون له ثوى؟ قلت:له لفظ صريح حيث يكون له ما يرجع إليه،كهذا المكان،و إن لم يكن له ما يرجع إليه فهو رمز و علامة ذلك اقترانه فى الغالب برمز آخر معه،و متى تجرد و كان له ما يرجع فحكمه حكم الصريح،و قوله:

تلا،ليس برمز،و هو مشكل،إذ لا مانع من جعله رمزا،و يكون إسكان يأمرهم و ما بعده للدورى عن

ص: 326

الكسائى،و كان ينبغى أن يحترز عنه بأن بقوله:و تأمرهم حلا،أو غير ذلك مما لم يوهم رمزا لغير أبى عمرو، و أما جلا فظاهر أنه ليس برمز لتصريحه بالدورى،و اللّه أعلم.

454-[و فيها و فى الأعراف نغفر بنونه و لا ضمّ و اكسر فاءه(ح)ين(ظ)لّلا]

فيها يعنى فى البقرة:

(نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ 1) .

و لا ضم يعنى الفتح فى النون،فتأخذ للغير بالضم و فتح الفاء،و ضد النون الياء،و وجه النون أن قبله:

(وَ إِذْ قُلْنا) .

فهى نون العظمة،فأشار بقوله:حين ظللا إلى أنهم فى ظل غفرانه سبحانه و تعالى:

455-[و ذكّر هنا(أ)صلا و للشّام أنّثوا و عن نافع معه فى الأعراف وصّلا]

ذكر فى هذا البيت مذهب من بقى،و هو نافع و ابن عامر:فقراءة نافع هنا على الضد من قراءة الجماعة، بضم الياء و فتح الفاء،و قراءته فى الأعراف كقراءة ابن عامر فى الموضعين:بضم التاء المثناة من فوق،و هو معنى قوله:أنثوا،و قوله و ذكر:أى اجعل موضع النون ياء مثناة من تحت،و قد تقدم أن التأنيث غير الحقيقى يجوز فيه التذكير،فلهذا قال:أصلا،لأن الخطايا راجعة إلى معنى الخطأ،و نافع يقرأ فى الأعراف:

(خطيئتكم (2).

على جمع السلامة،ففيه تاء التأنيث لفظا،فترجح اعتبار التأنيث،فلهذا أنث فيها،و فى البقرة يقرأ -خطايا-و هو جمع تأنيثه معنوى،فضعف أمر التأنيث فذكر،و ابن عامر أنث اعتبارا للمعنى،و هو فى الأعراف آكد،لأنه يقرأ فيها بالإفراد:

(خطيئتكم).

و الضمير فى وصلا راجع إلى التأنيث المفهوم من قوله:أنثوا،أى وصل التأنيث إلينا بالنقل عن نافع مع ابن عامر فى الأعراف.

456-[و جمعا و فردا فى النّبيء و فى النّبو ءة الهمز كلّ غير نافع ابدلا]

جمعا و فردا حالان من-النبيء-،و الهمز مفعول أبدل،و تقدير البيت كل القراء غير نافع أبدل الهمزة فى لفظ النبيء مجموعا و مفردا،فالمجموع نحو:

(الأنبياء-و النّبيّين-و-النّبيّون).

و المفرد،نحو:النبيء-و نبىء-و نبيئا-و فى لفظ-النبوءة-أيضا،يريد قوله تعالى:

********

(1) آية:58.

(2) آية:161.

ص: 327

(وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ) .

فلهذا كانت فى البيت منصوبة على الحكاية،و فى تقدم حال المجرور عليه خلاف عند النحويين،فإن كان جائزا فإعراب جمعا و فردا على ما ذكرناه،و إن لم يكن جائزا كان ذلك منصوبا بفعل مضمر،أى و خذ جمعا و فردا فى لفظ-النبيء-أو دونك ذلك،ثم بين ما يفعل به،فقال:أبدل كل القراء الهمز فيه،غير نافع،يعنى أن أصل هذه اللفظة الهمز،لأنه من أنبأ إذا أخبر،ثم فعل فيه بطريق تخفيف الهمز ما يفعله حمزة فى نحو:

(خطيئة-و-قروء-و-لئلاّ).

من البدل و الإدغام فى نبى-و-نبوة-و من البدل فى-أنبيا-أبدلت الهمزة الأولى ياء،و الأصل الهمز، كما قال العباس بن مرداس.

يا خاتم النبآء إنك مرسل.

فلما جمعه على فعلاء ظهرت الهمزتان،و لما جمع على أفعلاء أبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها،فعلى هذا:

القراءتان بمعنى واحد،لأن الهمز و إبداله لغتان،لأن لغة الإبدال هى الفصيحة الفاشية،حتى أن بعض النحاة رحمهم اللّه يقول:التزمت العرب الإبدال فى-النبى-و-البرية-و قال أبو على فى الحجة.قال سيبويه:بلغنا أن قوما من أهل التحقيق يخففون-نبى-و-برية-قال:و ذلك رديء،قال:و إنما استردأه لأن الغالب فى استعماله التخفيف على وجه البدل من الهمز،و ذلك الأصل كالمرفوض.

قلت:و قيل إن قراءة الجماعة يجوز أن تكون من:نبا ينبو،إذا ارتفع،و النباوة الرفعة،فلا يكون فى الكلمة همز؛و الأول أصح لمجيء الهمز فيه،فيكون-النبيء-فعيلا بمعنى مفعول،بمعنى أنه مخبر من جهة للّه تعالى بما لا يخبر به غيره،صلوات اللّه على جميع الأنبياء و سلامه.

قال أبو عبيد:الجمهور الأعظم من القراء و العوام على إسقاط الهمز من-النبى-و-و الأنبياء و النبيين- فى كل القرآن،و كذلك أكثر العرب مع حديث رويناه مرفوعا إن كان حفظ:حدثنا محمد بن ربيعة،عن حمزة الزيات،عن حمران بن أعين،أن رجلا أتى النبى صلّى اللّه عليه و سلم فقال:يا نبىء اللّه،فقال:لست بنبىء و لكنى نبى اللّه.قال أبو عبيد:و معناه أنه أنكر عليه الهمز،و قال لى أبو عبيدة:العرب تترك الهمز فى ثلاثة أحرف-النبى-و-البرية-و الخابية-و أصلهن جميعا الهمز،قال أبو عبيد:و فيها حرف آخر رابع- الذرية-و هو من قوله:

(يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) .

قلت:سأذكر إن شاء اللّه تعالى شرح هذه الأربعة الأحرف فى شرح ما نظمته فى النحو،و أما هذا الحديث الذى ذكره أبو عبيد فقد أوله شيخنا أبو الحسن رحمه اللّه فى شرحه بعد أن قال إنه غير صحيح الإسناد،و قد أخرجه الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ فى كتابه المستدرك،فقال حدثنى أبو بكر أحمد بن العباس بن الإمام المقرئ، حدثنا عبد اللّه بن محمد البغوى،حدثنا خلف بن هشام،حدثنى الكسائى،حدثنى حسين الجعفى،عن حمران ابن أعين،عن أبى الأسود الدؤلى،عن أبى ذر،قال جاء أعرابى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فذكره، قال الحاكم:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين،و لم يخرجاه.

قلت:و لا يظهر لى فى تأويله إلا ما قاله أبو عبيد:إنه أنكر عليه الهمز،لأن تخفيفه هو اللغة الفصيحة،

ص: 328

و ما أول الشيخ به الهمز لا ينفيه تخفيفه،فإن-النبى-سواء كان من الإخبار أو غيره،فتخفيف همزه جائز أو لازم،و اللّه أعلم.

457-[و قالون فى الأحزاب فى للنّبىّ مع بيوت النّبىّ الياء شدّد مبدلا]

يريد قوله تعالى:

(إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ -و- لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) .

خالف قالون أصله فى الهمز فى هذين الموضعين،فقرأهما كالجماعة اعتبارا لا أصل له آخر،تقدم فى باب الهمزتين من كلمتين،لأجل أن كل واحد من هذين الموضعين بعده همزة مكسورة،و مذهبه فى اجتماع الهمزتين المكسورتين أن يسهل الأولى،إلا أن يقع قبلها حرف مد فتبدل،فيلزمه أن يفعل هاهنا ما فعل فى:

(بِالسُّوءِ إِلاّ) .

أبدل ثم أدغم غير أن هذا الوجه متعين هنا لم يرو غيره،و هذا يفعله قالون فى الوصل دون الوقف،لأن الوقف لا يجتمع فيه الهمزتان،فإذا وقف وقف على همزة،لا على ياء،و قد أشار صاحب التيسير إلى ذلك حين قال:و ترك قالون الهمز فى قوله فى الأحزاب:

(لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ 1) .

و-بيوت النبى (2)إلا فى الموضعين فى الوصل خاصة على أصله فى الهمزتين المكسورتين.

458-[و فى الصّابئين الهمز و الصّابئون خذ و هزؤا و كفؤا فى السّواكن(ف)صّلا]

أى خذ الهمز فيهما لأنه الأصل،و روى الهمز رفعا على الابتداء،أى و فى-الصابئين-فى البقرة و الحج (3)و فى-الصابئون-فى المائدة (4)الهمز،ثم قال:خذ،أى خذ ما ذكرت بنية و اجتهاد،يقال:صبأ يصبأ إذا خرج من دين إلى آخر،و أبدل نافع الهمز،فكأنه من صبا،بلا همز،كرمى و رعى،فقرأ-الصابون- و-الصابين-كقولك الداعون،و الداعين،و مثل هذا البدل لا يكون إلا سماعا،لأنه همز متحرك بعد متحرك فهو كما قرئ-سأل سائل-بالهمز و بالألف،كما يأتى،فاجتمع فى قراءة نافع همز-النبى-و ترك همز- الصابئين،و العكس الذى هو قراءة الجماعة أفصح و أولى،و هذا نحو مما مضى فى قراءة ورش ترقيق الراءات و تغليظ اللامات،و أسند أبو عبيد عن ابن عباس أنه قال:ما-الخاطون-إنما هى-الخاطئون-ما- الصابئون-إنما هى-الصابون-قال أبو عبيد:و إنما كرهنا ترك الهمزة هاهنا،لأن من أسقطها لم يترك لها خلفا،بخلاف-النبيين-و قرأ حمزة وحده:

(هزؤا-و-كفؤا).

بإسكان الزاى و الفاء تخفيفا،و الأصل الضم،و هو قراءة الجماعة،و قيل:هما لغتان ليست إحداهما

********

(1) آية:50.

(2) آية:53.

(3) البقرة آية:62.و الحج آية:17.

(4) آية:99.

ص: 329

أصلا للأخرى.قال مكى:حكى الأخفش عن عيسى بن عمر قال:كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ففيه لغتان:التخفيف و التثقيل،و قوله فى السواكن فصّلا:أى ذكرا فى السواكن مفصلين،أى عدا من جملة الأسماء التى سكن وسطها،نحو:قفل،و شكر،و كفر،ثم ذكر قراءة الجماعة فقال:

459-[و ضمّ لباقيهم و حمزة وقفه بواو و حفص واقفا ثمّ موصلا]

يجوز فى ضمّ.

هنا أن يكون أمرا،و أن يكون ماضيا لم يسم فاعله،و رسمت الهمزة فى هاتين الكلمتين بواو،فوقف حمزة عليهما بالواو اتباعا للرسم مع كونه يسكن الوسط،فهو يقول:

(هزوا-و-كفوا).

على وزن جزؤا،و لم يفعل مثل ذلك فى جزأ،و إن كان يسكن زاؤه أيضا،لأن الهمزة فى جزأ لم ترسم واوا،فيقف على ما تمهد فى باب وقفه على الهمز بنقل حركة الهمزة إلى الزاى الساكنة،فيقول:

(جزا).

على وزن هدى،و مثل ذلك جار فى-هزؤا-و-كفؤا-قياسا،و قلّ من ذكره هنا،قال صاحب التيسير:قراءة حمزة بإسكان الزاى و الفاء و بالهمز فى الوصل،فإذا وقف أبدل الهمز واوا اتباعا للخط،و تقديرا لضمة الحرف المسكن قبلها،يعنى فلهذا لم ينقل حركة الهمز إلى الساكن،و قال مكى:وقف حمزة ببدل واو من الهمزة،على غير قياس،تباعا لخط المصحف،قال:و أما جزأ،فكل القراء يسكن إلا أبا بكر،فإنه صم الزاى،و وقف حمزة بإلقاء الحركة على الزاى،يقول:

(جزا).

على الأصل المتقدم،و قال فى الكشف:كلهم همز فى-هزوا-و كفوا-إلا حفصا،فإنه أبدل من الهمزة واوا مفتوحة،على أصل التخفيف،لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة،فهى تجرى على البدل،كقوله-السفهاء إلا-فى قراءة الحرميين و أبى عمرو،و كذلك يفعل حمزة إذا وقف،كأنه يعمل الضمة التى كانت على الزاى و الفاء فى الأصل،قال:و كان يجب عليه على أصل التخفيف لو تابع لفظه أن يلقى حركة الهمزة على الساكن الذى قبلها،كما فعل فى-جزأ-فى الوقف،فكان يجب أن يقول-كفا-و هزا-لكنه رفض ذلك لئلا يخالف الخط،فأعمل الضمة الأصلية التى كانت على الزاى و الفاء فى الهمزة،فأبدل منها واوا مفتوحة ليوافق الخط، ثم تأتى بالألف التى هى عوض من التنوين بعد ذلك،فقوله:و حفص مبتدا و خبره محذوف،أى و حفص يقرأ بالواو فى حال وقفه و إيصال الكلمة إلى ما بعدها،يقال:وصلت الشيء بالشيء،و أوصلته إليه:أى بلغته إليه و ألصقته به،و المستعمل فى مقابلة الوقف هو الوصل لا الإيصال،و لكنه عدل عن واصلا إلى موصلا كراهة السناد فى الشعر،فإنه عيب،لأن هذا البيت كان يبقى مؤسسا،بخلاف سائر أبيات القصيدة،و إنما أبدل حفص هذه الهمزة واوا لأنها همزة مفتوحة قبلها ضم،أراد تخفيفها،و هذا قياس تخفيفها على باب ما سبق فى باب وقف حمزة،و انفرد حفص بهذه القراءة،لأن كل من ضم الفاء لا يبدل هذه الهمزة:أما السوسى فلأنها

ص: 330

متحركة،و أما ورش فلأنها لام الفعل،و أما هشام فى الوقف فلأنها متوسطة،و أما حمزة فإنه و إن أبدل فإنه لم يضم الزاى و الفاء،و من شأن حفص تحقيق الهمزة أبدا،و إنما وقع له الإبدال فى هاتين الكلمتين و سهل -أعجمى-جمعا بين اللغات،و من عادته مخالفة أصله فى بعض الكلم كصلته:

(فِيهِ مُهاناً) .

و إمالته مجراها و لم يصرح الناظم بقراءة حفص هنا،و حذف ما هو المهم ذكره،و لو أنه قال فى البيت الأول-و هزؤا-و كفؤا-ساكنا الضم فصلا لاستغنى عن قوله«و ضم لباقيهم»،ثم يقول بدل البيت الثانى:

و أبدل واوا حمزة عند وقفه و حفص كذا فى الوصل و الوقف أبدلا

و رأيت فى بعض النسخ،و هو بخط بعض الشيوخ،و منقول من نسخة الشيخ أبى عبد اللّه القرطبى رحمه اللّه و مقروءة عليه و مسموعة من لفظه عوض هذا البيت:

و فى الوقف عنه الواو أولى و ضم غيره و لحفص الواو وقفا و موصلا

و كتب عليهما معا،و رأيت فى حاشية نسخة أخرى مقروءة على المصنف هذا البيت يتفق مع و«ضم لباقيهم» فى المعنى و مخالفة فى اللفظ،و خير المصنف بينهما،لأن كل واحد منهما يؤدى معنى الآخر.

قلت:و هذا البيت أكثر فائدة،لبيان قراءة حفص فيه،و التنبيه على أن أصل حمزة فى الوقف يقتضى وجها آخر،و هو نقل الهمز،و إنما إبداله واوا أولى من جهة النقل،و إتباع الرسم،على أن أبا العباس المهدوى قال فى شرح الهداية:الأحسن فى-هزوا-و كفوا-أن يلقى حركة الهمزة على الزاى و الفاء كما ألقيت فى-جزأ- و اللّه أعلم.

460-[و بالغيب عمّا تعملون هنا(د)نا و غيبك فى الثّانى(إ)لى(ص)فوه(د)لا]

هنا أى بعد هزؤا و هو قوله تعالى:

(أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً 1) .

و دنا،أى:دنا مما فرغنا منه،يعنى:

(عَمّا يَعْمَلُونَ - أَ فَتَطْمَعُونَ) .

و وجه الغيب قطعه عن الأول و استئناف أخبار عنهم،و لهذا قال بعده:

(أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) .

و وجه الخطاب رده على قوله:

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ -و يعنى بالثانى- عَمّا تَعْمَلُونَ - أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ) .

و وجه الغيب فيه ظاهر،و هو موافقة ما قبله و ما بعده،و لهذا قال:إلى صفوه دلا،أى أخرج دلوه ملأى بعد أن أدلاها إلى صفوه،و قيل:دلوت الدلو و أدليتها بمعنى،و هذه عبارة حلوة،شبه هذه القراءة بماء صاف

********

(1) سورة البقرة،آية:67.

ص: 331

أرسل القارئ إليه آنية فاستخرجها وافية الامتلاء،يشير إلى اختياره على ما هو أهل للاختيار،و وجه الخطاب رده على قوله:

(فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ) .

و فاعل قوله دنا ضمير:

(عَمّا يَعْمَلُونَ) .

و فاعل دلا ضمير قوله:و غيبك،و اللّه أعلم.

461-[خطيئته التّوحيد عن غير نافع و لا يعبدون الغيب(ش)ايع(د)خللا]

لم يأت بواو فاصلة بين هاتين المسألتين،لأن قوله خطيئته لا يلتبس أنه رمز،لأنه رمز لنافع فيما قبله،و لأنه من لفظ القرآن،و هو فى البيت مبتدأ،و التوحيد صفته،على معنى ذو التوحيد،أو يكون مبتدأ ثانيا،أى التوحيد فيه كقولهم:السمن منوان بدرهم،و لو قال-خطيئاته-وحده عن غير نافع لكان أحسن،لأن فيه التلفظ بقراءة،و تقييد أخرى،و لئلا يوهم أن قراءة نافع بجمع التكسير،كما قرئ شاذا-خطايا-و التوحيد فى مثل هذا يفيد معنى الجمع،كقوله تعالى:

(وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها) .

و وجه الجمع ظاهر،لأن الذنوب متعددة،و فى الإفراد موافقة قوله قبله:

(مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) .

أى و أحاطت به تلك السيئة،و قيل فى قراءة الجمع:إن المراد بالسيئة الشرك،فيبقى على موازنة:

(وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ) .

فالمعنى:من أشرك و عمل السيئات،و اللّه أعلم،و قوله شايع:أى تابع،و الدخلل الذى يداخلك فى أمورك و هو حال من الضمير فى شايع،و الضمير عائد على الغيب،أو على يعبدون،فإن عاد على الغيب كان يعبدون مبتدأ،و الغيب مرفوع على أنه مبتدأ ثان،أو بدل منه:بدل اشتمال،نحو:زيد ثوبه حسن،أى الغيب فيه تابع ما قبله،و هو قوله:

(مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) .

أى تابعه فى حال كونه دخللا:أى ليس بأجنبى،و يجوز أن يكون دخللا مفعولا على هذا،أى تابع دخيلا له،و هو ما قبله من الغيبة،و إن عاد الضمير على-يعبدون-كان الغيب مفعولا به،أى تابع الغيب، فيكون الغيب منصوبا،و دخللا حال،و وجه الخطاب أن بعده-و قولوا للناس-و هو حكاية حال الخطاب فى وقته،و لهذا يقال:قلت لزيد لا تضرب عمرا بالياء و التاء،و هو نهى بلفظ الخبر،كما يجيء الأمر كذلك نحو- وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ -

ص: 332

(وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ - تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) .

فى سورة الصف (1)و نحو القراءتين هنا ما يأتى فى آل عمران:

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) .

بالياء و التاء (2)فالخطاب كقوله تعالى:

(وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا) .

و الغيب-كقوله تعالى:

(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) .

و ذلك قريب من قولهم:يا تميم كلكم،و يا تميم كلهم بالخطاب و الغيب،نظرا إلى النداء و إلى الاسم.

462-[و قل حسنا(ش)كرا و حسنا بضمّه

و ساكنه الباقون و احسن مقوّلا]

شكرا حال أو مفعول له،أى لأجل شكر اللّه،أى اشكر نعمة اللّه بسبب ما يصدر منك من القول الحسن ثم بين قراءة الباقين و قيدها بالضم و الإسكان،و لزم من ذلك تقييد القراءة الأخرى،و إن كان لفظها قد جلا عنها،لأن الضم ضده الفتح،و الإسكان ضده التحريك المطلق،و التحريك المطلق هو الفتح،و كان يمكنه جعل هذا البيت و الذى بعده واحدا فيقول:

و قل حسنا شكرا و حسنا سواهما و تظاهروا تظاهرا خف ثملا

و يكون حذف النون للضرورة،كقوله قل فطرن فى هود،و لم يقرأ أحد بحذف الياء و إسكان النون ثم لو قال و إسكانه الباقون،أو و تسكينه لكان أولى من قوله و ساكنه،ليعطف مصدرا على مصدر،و لا يصح ما ذكر إلا بتقدير بذى ضمه و ساكنه،أى بالمضموم و الساكن،و قوله بضمه و إسكانه أخصر و أولى،و أوضح معنى،و القراءتان بمعنى واحد،كلا اللفظين نعت مصدر محذوف،أى و قولوا للناس قولا حسنا،و قولا حسنا هذا،إن قلنا هما لغتان كالرشد و الرشد،و البخل و البخل،و الحزن و الحزن،و إن قلنا:الحسن بالضم و الإسكان مصدر،فتقديره قولا ذا حسن،و مقولا:أى ناقلا،لأن الناقل يقول غيره ما ينسبه إليه أى أحسن فى نقلك و توجيه ما تنقله من هذه القراءات،و نصبه على التمييز،كقولك:للّه دره فارسا،و حسبك به ناصرا لأن النسبة فى المعنى إلى مصادر هذه المنصوبات،أى للّه در فروسيته،و حسبك نصرته،و ليحسن تقويلك و أداؤك لهذه الوجوه من القراءات فى نسبتها إلى أربابها،و اللّه أعلم.

463-[و تظاهرون الظّاء خفّف(ث)ابتا و عنهم لدى التّحريم أيضا تحلّلا]

أى الظاء فيه خفف،و ثابتا حال،أى فى حال ثبوته،و التقدير تخفيفا ثابتا،فهو نعت مصدر محذوف،

********

(1) آية:11.

(2) آية:13.

ص: 333

و تحللا من الحلول،أو التحليل،أى:و حل التخفيف عنهم أيضا فى سورة التحريم،فى قوله تعالى:

(وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) .

و الذى هنا-تظاهرون عليهم بالإثم-و وجه القراءتين ظاهر،الأصل تتظاهرون،و تتظاهرا فمن شدد أدغم التاء فى الظاء،و من خفف حذف إحدى التاءين،و أيّتهما المحذوفة؟فيه اختلاف لأهل العربية،و سيأتى له نظائر كثيرة،و قابل بين لفظى التحريم،و قوله:تحللا،و هو اتفاق حسن،و اللّه أعلم.

464-[و حمزة أسرى فى أسارى و ضمّهم تفادوهمو و المدّ(إ)ذ(ر)اق(ن)فّلا]

أى و قراءة حمزة:أسرى،أو حمزة يقرأ أسرى فى موضع أسارى،فلفظ بالقراءتين فلم يحتج إلى تقييد، و أسرى جمع أسير،كقتيل و قتلى،و أسارى قيل أيضا جمع أسير،كقديم و قدمى،و قيل جمع جمع ككسلان، لما جمعهما لمعنى،و هو عدم النشاط،فكما قالوا كسالى:قالوا أسارى،و قيل:هو جمع أسرى،و فداه و فاده:واحد،و قيل معنى المفاعلة محقن؟؟؟ فى فاد؟؟؟ا،و قوله و ضمهم يعنى فى التاء و المد:يعنى به الألف و يلزم من ذلك فتح الفاء،و الباقون بفتح التاء و القصر،و إسكان الفاء،و لو قال:

أسارى قل أسرى فز و ضم محركا لتفدوهم و المد إذ رق نفلا

لحصلت قيود القراءتين،و راق الشراب:أى صفا،و راقنى الشيء:أعجبنى،و نفل:أى أعطى النفل و هو الغنيمة،يشير بذلك إلى ظهور معنى القراءة،يريد قوله تعالى:

(وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ) .

465-[و حيث أتاك القدس إسكان داله (د)واء و للباقين بالضّم أرسلا]

إنما كان إسكان داله دواء،لأنه أخف،و هما لغتان:الضم لأهل الحجاز،و لإسكان لتميم؛و إنما احتاج إلى بيان قراءة الباقين،لأن لإسكان لمطلق ضده الفتح لا الضم،و أرسل أى طلق،و مرفوعه ضمير القدس أو الدال،و حيث:متعلق بالإسكان،و تقديمه على عامله و هو مصدر من باب الاتساع فى الظروف،و قد نص على جوازه غير واحد من المحققين،و كأن الناظم رحمه للّه كان يرى ذلك،فقد تكرر ذلك فى نظمه، و قد سبق فى قوله:و إن تزد لربك تنزيها،و كان يمكنه أن يحترز هنا عن ذلك بأن يقول:و إسكان دال القدس فى كل موضع دواء.

466-[و ينزل خفّفه و تنزل مثله و تنزل(حقّ)و هو فى الحجر ثقّلا]

التخفيف فى هذا و التشديد لغتان،و قيل فى التشديد دلالة على التكثير و التكرير،و بناء فعل يكون كذلك غالبا،و أنزل و نزّل واحد فى التعدية،و أنزل أكثر استعمالا فى القرآن،و يدل على أن نزل المشدد فى معنى أنزل إجماعهم على قوله تعالى:

(لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) .

و إنما كرر الناظم هذه الألفاظ الثلاثة،لأن مواضع الخلاف فى القراءتين لا يخرج عنها،من جهة أن أوائل

ص: 334

الأفعال،لا تخلو من ياء أو تاء أو نون،و قوله:و هو عائد على آخر الألفاظ الثلاثة المذكور،و هو ننزل، لأن الذى فى الحجر موضعان أحدهما لحمزة و الكسائى و حفص:

(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ 1) .

و الآخر لجميع القراء و هو قوله:

(وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ 2) .

و فى هذا البيت نقص فى موضعين:أحدهما أن الألفاظ التى ذكرها لا تحصر مواضع الخلاف،من جهة أن مواضع الخلاف منقسمة إلى فعل مسند للفاعل،كالأمثلة التى ذكرها،و إلى أمثلة مسندة للمفعول،و لم يذكر منها شيئا،نحو:

(أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ - مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) .

فضابط مواضع الخلاف أن يقال:كل مضارع من هذا اللفظ ضم أوله،سواء كان مبنيا للفاعل أو للمفعول و قوله:ضم أوله احترازا من مثل قوله:

(وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها) .

و بذلك ضبطه صاحب التيسير فقال:إذا كان مستقبلا مضموم الأول،و كذا قال مكى و غيره:الموضع الثانى الذى فى الحجر،لم يبين من ثقله،و ليس فى لفظه ما يدل على أن تثقيله لجميع القراء،إذ من الجائز أن يكون المراد به مثقل لحق دون غيرهما،خالفا أصلهما فيه كما خالف كل واحد منهما أصله فيما يأتى فى للبيت الآتى،و صوابه لو قال:

و ينزل حق خفه كيفما أتى و لكنه فى الحجر للكل ثقلا

و هذا اللفظ يشمل الموضعين فى الحجر،لأن الأول و إن اختلفت القراءات فيه مشدد للجميع،على ما يأتى بيانه فى سورته،أو يقول ننزله فى الحجر للكل ثقلا.فينص على ما يوهم أنه مختلف فيه،و لا حاجة إلى التنبيه على الموضع الآخر،لأن ذلك سيفهم من ذكره فى سورته،و قلت أيضا فى نظم بدل هذا البيت،و ما بعده فى هذه المسألة ثلاثة أبيات ستأتى إن شاء اللّه.

467-[و خفّف للبصرى بسبحان و الّذى فى الأنعام للمكّى على أن ينزّلا]

خالف أبو عمرو أصله فى الأنعام،فثقل لأنه جواب قوله:

(وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ) .

و خالف ابن كثير أصله بسبحان،و فيها موضعان،و هما:

(وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ - حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً 3) .

********

(1) آية:8.

(2) آية:21.

(3) الآيتان:82 و 93.

ص: 335

فثقل فيهما جمعا بين اللغتين،و بين الذى فى الأنعام بقوله:على أن ينزل،فهو عطف بيان،و لو عكس فقال:و ثقل للمكى بسبحان،و الذى فى الأنعام للبصرى لأوهم انفراد كل واحد منهما بذلك،و ليس الأمر كذلك.

468-[و منزلها التّخفيف(حقّ)شفاؤه و خفّف عنهم ينزل الغيث مسجلا]

وافق حمزة و الكسائى على تخفيف:

(إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ 1) .

فى المائدة كقوله تعالى قبله:

(رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً -و على تخفيف- يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) .

فى لقمان و الشورى (2)لقوله فى غير موضع:

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً - وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) .

و مسجلا:أى مطلقا،و هو نعت مصدر محذوف،أى تخفيفا مطلقا،ليعم الموضعين،و قلت أنا ثلاثة أبيات بدل هذه الثلاثة:

و ينزل مضموم المضارع خفه لحق على أى الحروف تنقلا

و خفف للبصرى بسبحان و الذى فى الأنعام للمكى و فى الحجر ثقلا

لكل و حق شاء منزلها و ين زل الغيث تخفيفا بحرفين أسجلا

469-

[و جبريل فتح الجيم و الرّاء و بعدها وعى همزة مكسورة(صحبة)و لا]

470-

[بحيث أتى و الياء يحذف شعبة و مكيّهم فى الجيم بالفتح وكّلا]

وعى:أى حفظ،و همزة مفعوله،و صحبة فاعله،أى همزوا بعد فتحهم الجيم و الراء،و حذف أبو بكر الياء بعد الهمزة:فقرأ جبرئل،و الباقون أثبتوا الياء،فقرأ حمزة و الكسائى جبرءيل،و ابن كثير لم يفتح إلا الجيم و ليس من أصحاب الهمز،فقرأ:

(جبريل).

و الباقون بكسر الجيم و الراء:

(جبريل).

و كل هذه لغات فى هذا الاسم،و فيه غير ذلك،و اللّه أعلم.

471-[ودع ياء ميكائيل و الهمز قبله (ع)لى(ح)جّة و الياء يحذف(أ)جملا]

********

(1) الآية:115.

(2) لقمان،الآية:34،و الشورى،آية:28.

ص: 336

أى حذف أبو عمرو و حفص الهمز،فبقى:

(ميكال).

على وزن ميثاق،و حذف نافع الياء وحدها،فقرأ:

(ميكائل):

و الباقون أثبتوهما،و كل ذلك لغات فيه أيضا،و أجملا:حال أو نعت مصدر محذوف،أى حذفا جميلا و فى ميكائيل ياءان:الأولى بعد الميم،و الثانية بعد الهمزة،و دلنا على أنه أراد الثانية قوله:و الهمز قبله،فلما عرف ذلك أعاد ذكرها بحرف العهد،فقال و الياء يحذف أجملا.

472-[و لكن خفيف و الشّياطين رفعه

(ك)ما(ش)رطوا و العكس(ن)حو(سما)العلا]

أى كما شرط أهل العربية أن لكنّ إذا خففت بطل عملها،فارتفع ما بعدها،أى خفف ابن عامر و حمزة و الكسائى:(لكن)فلزم كسر النون لالتقاء الساكنين،فقرءوا:

(وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) .

و لم ينبه على حركة النون،و لو نبه عليها و ترك ذكر قراءة الباقين،لأنها تعلم من الضد،كان أولى فيقول:

و النون بالكسر و كلا أو وصلا،فتكون قراءة الباقين تشديد النون و فتحها و نصب الشياطين:و هذه أضداد ما تقدم ذكره،و قوله:و العكس نحو:يعنى تشديد لكن و نصب الشياطين،على أنه اسم لكن،أى:هذا أيضا وجه من وجوه علم النحو،سما العلا:أى طال العلا،يعنى أنه نحو رفيع،أى ذلك وجه قوى أيضا، و هو اختيار الفراء،قال:تشديد لكن بعد الواو أوجه من تخفيفها و أفصح،لأنها إذا خففت صارت حرف عطف،و الواو حرف عطف،فلزم أن لا تعمل كسائر حروف العطف،و نحوهما؟؟؟ العلا رمز قراءة الباقين، و لم يكن محتاجا إليه،فإنه لو قال:و العكس غيرهم تلا لحصل المراد،و استعمل العكس بمعنى الضد الذى اصطلح عليه،و هذا كما قال فى سورة الإسراء و فى مريم بالعكس:حق شفاؤه.

473-[و ننسخ به ضمّ و كسر(ك)فى و نن سها مثله من غير همز(ذ)كت(إ)لى]

يعنى ضم أوله و كسر ثالثه،من أنسخ أى أمر بالنسخ،و النسخ:الإزالة،و قوله كفى:أى كفى ذلك فى الدلالة على القراءتين لفظا و ضدا،فإن ضد الضم و الكسر معا الفتح،ثم قال:و ننسها مثله،أى بضم أوله و كسر ثالثه أيضا،و قد اتفق فى الكلمتين أن المضموم فيهما حرف النون و المكسور،حرف السين،و زاد فى ننسها أن قال:من غير همز،لتأخذ الهمز فى القراءة الأخرى،و مطلق الهمز لا يقتضى حركته،فيقتصر على أقل ما يصدق عليه اسم الهمز،و هو الإتيان بهمزة ساكنة،فهو بلا همز من النسيان،أى تذهب بحفظها من القلوب

ص: 337

و قيل هو من نسيت الشيء:إذا تركته،و أنسيته،أمرت بتركه،أى نأمر بترك حكمها أو تلاوتها،فكل من هذه المعانى قد وقع فيما أنزل من القرآن،و قراءة الهمز من الإنساء:الذى هو التأخير،أى نؤخرها إلى وقت هو أولى بها و أصلح للناس،أى:نؤخر إنزالها،و الضمير فى ذكت:للقراء و إلى واحد الآلاء،و هو النعم،يقال المفرد بفتح الهمزة و كسرها،و هو فى موضع نصب على التمييز،أو الحال:أى ذات نعمة.

474-[عليم و قالوا الواو الأولى سقوطها و كن فيكون النّصب فى الرّفع(ك)فّلا]

يعنى أسقط ابن عامر الواو الأولى من-و-قالوا-الذى قبله-عليم-يعنى قوله تعالى:

(إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ - وَ قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً) .

احترز بتقييده عما قبله من قوله:

(وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) .

و هذه الواو التى أسقطها ابن عامر:اتبع فيها مصاحف أهل الشام،فإنها لم ترسم فيها،فالقراءة بحذفها على الاستئناف،و لأن واو العطف قد تحذف إذا عرف موضعها،و ربما كان حذفها فى أثناء الجمل أحسن، و لا سيما إذا سيقت للثناء و التعظيم،أ لا ترى إلى حسنه فى قوله تعالى فى أول سورة الرعد:

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ 1) .

و فى قوله:

(الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ. عَلَّمَهُ الْبَيانَ) .

و قول الناظم:عليم،و قالوا هذا المجموع مبتد،و قوله:الواو الأولى بدل من المبتدا بدل البعض، و سقوطها بدل من الواو بدل الاشتمال،و يجوز أن يكون الواو الأولى مبتدأ ثانيا:أى الواو الأولى من هذا اللفظ و سقوطها مبتدا ثالثا،و احترز بقوله:لأولى من الواو التى بعد اللام،و قوله:و كن فيكون،أيضا مبتدا معطوف على المبتدا الأول،و النصب فى الرفع مبتدا ثان لهذا المبتدأ،أى النصب فيه فى مواضع الرفع، و فى كفلا ضمير تثنية يرجع إلى لمبتدأين،فهو خبر عنهما:أى سقوط الواو الأولى من عليم،و قالوا:

و النصب فى الرفع من كن فيكون كفلا:أى حملا،فهو كما تقول:زيد ثوبه،و عمرو قميصه مسلوبان،كأنك قلت،قميص زيد،و قميص عمرو مسلوبان،و يجوز أن يكون خبر سقوطها محذوفا،دل عليه قوله كفلا الذى هو خبر النصب فى الرفع،فالألف فى كفلا على هذا للإطلاق،لا ضمير تثنية،و جعلها ضمير تثنية أولى، لترتبط المسألتان لقارئ واحد،على ما هو غرض الناظم فإن هذا موضع ملبس،إذ لا مانع من أن تكون المسألة الأولى للرمز السابق فى البيت الذى قبل هذا البيت،فإنه لم يأت بينهما بواو فاصلة،و قد أتى بين هاتين المسألتين بواو فاصلة،و هى قوله:و كن فيكون،فيظهر كل الظهور التحاق المسألة الأولى بما تقدم،و إذ كان قد ألحق قراءة:

********

(1) الآية:2.

ص: 338

(فتثبّتوا).

بالرمز السابق فى إشمام أصدق على ما سيأتى،مع وجود الواو الفاصلة بينهما:فإلحاق هذا يكون أولى، و كذا قوله:فى الأنفال،و النعاس ارفعوا،و لا هو:لحق المرموز لقراءة يغشاكم.

فإن قلت:قد جمع الناظم بين ثلاث مسائل لرمز واحد فى قوله فى آل عمران-سنكتب-ياء ضم البيت فلا بعد فى جمع مسألتين لرمز واحد.

قلت:ذلك البيت ليس فيه الإلباس المذكور،فإنه ما ابتدأ به إلا بعد واو فاصلة قبله،فلم يبق ما يوهم التحاقه بما قبله،و تعين أن يكون رمزه بعده،و لم يأت رمز إلا فى آخر البيت،فكان لجميع ما هو مذكور فى البيت.

فإن قلت:ففيه واو فى قوله:و قتل ارفعوا.

قلت:هو من نفس التلاوة فى قوله تعالى:

(وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ) .

و لو لم تكن من التلاوة لما أوهمت الفصل،إذ ما قبلها لا رمز له،فيكون لعطف مسئلة على مسئلة،أى قراءة هذا و هذا فلان،و ما أحسنه لو قال:عليم،و قالوا:الشام لا واو عنده،و لا حاجة إلى الاحتراز عن الواو التى بعد اللام لبعد و هم ذلك،و كان البيت قد خلص من هذا البحث الطويل،ففي النظر فى وجه قراءة النصب فى فيكون شغل شاغل.قال الزجاج:كن فيكون،رفع لا غير من جهتين،إن شئت على العطف على يقول،و إن شئت على الاستئناف،المعنى:فهو يكون.و قال ابن مجاهد،قرأ ابن عامر:

(كُنْ فَيَكُونُ) .

نصبا،قال:و هذا غير جائز فى العربية،لأنه لا يكون الجواب للأمر هاهنا بالفاء إلا فى:يس،و النحل فإنه صواب،و ذلك نسق فى ذينك الموضعين،لا جواب،و قال:فى سورة آل عمران قرأ ابن عامر وحده:

(كُنْ فَيَكُونُ) .

بالنصب،قال:و هو وهم،و قال هشام:كان أيوب بن تميم،يقرأ فيكون نصبا،ثم رجع،فقرأ:

(فيكون).

رفعا،و اعلم أن قراءة ابن عامر بالنصب مشكلة،لأن النصب بالفاء فى جواب الأمر حقه أن ينزل منزلة الشرط و الجزاء،فإن صح صح،فتقول:قم فأكرمك،أى:إن تقم أكرمتك،و لو قدرت هذا فيما نحن فيه،فقلت:إن يكن يكن لم يكن مستقيما،كيف و أنه قد قيل:إن هذا ليس بأمر على الحقيقة،و إنما معناه أن للّه إذا أراد شيئا أوجد مع إرادته له،فعبر بهذه العبارة عنه،فليس هذا مثل:قم فتقوم،فقيل جاز النصب لوجود لفظ الأمر،و لا اعتبار بالمراد به،فلا يضر أن يكون المراد به غير ذلك،قال أبو على الفارسى

ص: 339

أماكن،فإنه و إن كان على لفظ الأمر،فليس بأمر،و لكن المراد به الخبر،أى يكوّن،فيكون:أى يوجد بإحداثه،فهو مثل أكرم بزيد،أى إنه أمر بمعنى الخبر،قال:و منه:

(فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) .

و التقدير:مده الرحمن،و بنى أبو على على هذا أن جعل،فيكون بالرفع عطفا على كن،من حيث المعنى و ضعف عطفه على يقول،لأن من المواضع ما ليس فيه،يقول كالموضع الثانى فى آل عمران-و هو:

(ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .

و لم ير عطفه على قال من حيث أنه مضارع،فلا يعطف على ماض،فأورد على نفسه عطف الماضى على المضارع فى

و لقد أمر على اللئيم يسبنى فمضيت

فقال أمر بمعنى:مررت،فهو مضارع بمعنى الماضى،فعطف الماضى عليه.

قلت:و-يكون-فى هذه لآية بمعنى-كان-فليجز عطفه على قال،ثم قال أبو على:و قد يمكن أن يقول فى قراءة بن عامر لما كان على لفظ لأمر،و إن لم يكن المعنى عليه حمل صورة اللفظ،قال:و قد حمل أبو الحسن نحو قوله تعالى:

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) .

على أنه أجرى مجرى جواب لأمر،و إن لم يكن جوابا له فى الحقيقة،فكذلك قول ابن عامر:يكون قوله فيكون بمنزلة جواب الأمر،نحو ائتنى فأحدثك،لما كان على لفظه.

475-[و فى آل عمران فى الأولى و مريم و فى الطّول عنه و هو باللّفظ أعملا]

أى فى الآية لأولى،و هى التى بعد يكون فيها:

(وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ 1) .

احترازا من الثانية،و هى التى بعدها:

(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ 2) .

و التى فى مريم بعدها:

(وَ إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ 3) .

و الطول سورة غافر و التى فيها بعدها:

(أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ 4) .

و الضمير فى عنه:لابن عامر،و قوله:و هو يعنى النصب باللفظ أعملا،أى اعتبر فيه لفظ الأمر،

********

(1) آل عمران،آية:48.

(2) آل عمران،آية:60.

(3) مريم،آية:36.

(4) غافر،آية:69.

ص: 340

لا حقيقته،فاستعمل فى فيكون فى هذه المواضع الأربعة.و إن لم يكن جوابا على الحقيقة،و قد اعتبرت المراعاة اللفظية فى قوله:

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُنْفِقُوا - قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا - وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .

و قال جرير قولا لحجاج يدع مدح كودن،و قال عمر بن أبى ربيعة:

فقلت لجناد خذ السيف و اشتمل عليه برفق و ارقب الشمس تغرب

و أسرج لى الدهماء و اعجل بممطرى و لا يعلمن خلق من الناس مذهبى

فجعل تغرب جوابا لقوله:ارقب،و هو غير متوقف عليه،و لكنها معاملة لفظية.

476-[و فى النّحل مع يس بالعطف نصبه (ك)فى(ر)اويا و انقاد معناه يعملا]

هذان موضعان آخران،إلا أن يقول:الذى قبله منصوب فيهما،و هو:

(أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .

فالنصب فى-فيكون-عطفا على-أن يقول-فهذا معنى قوله:بالعطف نصبه،ثم قال:كفى راويا،أى كفى راويه النصب فى توجيهه،و انقاد معناه مشبها يعمل،و هو الجمل القوى يعمل فى السير،و لهذا تابع الكسائى ابن عامر فى نصبهما،و قد ذكر هذا التوجيه غير واحد من أئمة العربية و القراءة،و يؤيده أن قراءة الرفع فى غير هذين الموضعين:قد ذكر الزجاج و غيره أنها معطوفة على يقول المرفوع،فإن قلت:هذا مشكل من جهة أخرى،و هى:أنه يلزم منه أن يكون-فيكون-خبرا للمبتدإ الذى هو-قولنا-فى النحل (1)-و أمره- فى يس (2)لأن قوله-أن يقول-خبر عنهما،فما عطف عليه يكون خبرا أيضا،كما تقول:المطلوب من زيد أن يخرج فيقاتل فيكون المطلوب منه أمرين،هما:الخروج و القتال،و هذا المعنى لا يستقيم هاهنا.لأن التقدير بصير:إنما قولنا لشيء قول كن فيكون،فيؤول المعنى إلى إنما قولنا كون،فهو كما ترى مشكل،و ليس مثل قول علقمة

فإن المندى رحله فركوب

لأن كل واحد منهما يصح أن يكون خبرا عن المندى على الجهة التى قصدها من التجويز،قلت:القول فى الآية ليس المراد منه حقيقته كما سبق ذكره،و إنما عبر به عن سرعة وقوع المراد،فهو لقوله تعالى:

(وَ ما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) .

فكأنه سبحانه قال إذا أردنا شيئا وقع و لم يتخلف عن الإرادة،فعبر عن ذلك بقول-كن فيكون- فالعطف غير مناف لهذا المعنى،فصح،فهذه ستة مواضع،وقع فيها قراءة النصب منها،الموضعان الآخران نصبهما بالعطف،و الأربعة السابقة منصوبة على لفظ جواب الأمر،و بقى موضعان لم يختلف فى رفعهما،و هما الثانى فى آل عمران (3)و فى الأنعام (4):

********

(1) الآية:40.

(2) آية:82.

(3) آية:47.

(4) آية:73.

ص: 341

(وَ يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ) .

و علل ذلك بعضهم بأنه معطوف على ماض لفظا فى آل عمران،و تقديرا فى الأنعام،و اللّه أعلم.

477-[و تسأل ضمّوا التّاء و اللاّم حرّكوا برفع(خ)لودا و هو من بعد نفى لا]

يعنى قوله تعالى:

(وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) .

فقرأه الجماعة بعد لا النافية،فهذا معنى قوله،و هو من بعد نفى لا،و المعنى أنت غير مسئول عنهم،و قراءة نافع بجزم الفعل على النهى،أى:لا تسئل عنهم،أى احتقرهم و لا تعدهم،و خلودا:مصدر:أى خلد ذلك خلودا،و ثبت و استقر،أو التقدير،تحريكا،ذا خلود،و اللّه أعلم.

478-[و فيها و فى نصّ النّساء ثلاثة أواخر إبراهام(ل)لاح و جمّلا]

و فيها يعنى فى سورة البقرة،و فى نص النساء،أى و فيها نص اللّه سبحانه عليه فى سورة النساء،كما تقول:

فى نص الشافعى كذا،أى فى منصوصه الذى نص عليه،ثم نضيف النص إلى محله،فنقول:فى نص الأم كذا أى فيهما نص عليه الشافعى فى كتاب الأم،كذا،و لو قال:و فى آى النساء لكان أحسن و أظهر،و قوله أواخر صفة لثلاثة،و إبراهام:مبتدا،و فيها متعلق بالخبر،أى إبراهام لاح فى سورة البقرة،فى جميع ما فيها من لفظ إبراهيم:يقرؤه هشام إبراهام بالألف،و فى النساء ثلاثة مواضع،كذا،و هى أواخر ما فيها يعنى:

(وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً - وَ أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ 1) .

احترازا من الأول،و هو:

(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ 2) .

فقرأه هشام بالياء،و جعل بعضهم إبراهام بدلا من ثلاثة أواخر،على حذف مضاف،أى كلمات إبراهام و جعل قوله:و فيها خبر المبتدا الذى هو قوله:ثلاثة أواخر إبراهام،و فى نص النساء عطف على الخبر، و يلزم من هذا الإعراب أن تكون الثلاثة الأواخر فى البقرة،و هو خطأ،و الصواب فى الإعراب ما قدمته، و اللّه أعلم.

و لا يفهم من القصيدة قراءة الجماعة،لأنه ليس فى اصطلاحه أن ضد الألف الياء،و إنما القراءة المشهورة أظهر من ذلك،و كان طريقه المعلومة من عادته فى مثل ذلك أن يلفظ بالقراءتين معا،كقوله:و حمزة أسرى فى أسارى،سكارى معا،سكرى،و عالم قل:علام،و ليس ذلك من باب استغنائه باللفظ عن القيد،لأن الوزن يستقيم له على القراءتين،و لو قال:

و فى يا إبراهيم جا ألف و فى ثلاث النساء آخرا لاح و انجلا

لحصل الغرض.

********

(1) الآيتان:125 و 163.

(2) آية:54.

ص: 342

479-[و مع آخر الأنعام حرفا براءة أخيرا و تحت الرّعد حرف تنزّلا]

فى الأنعام لفظ إبراهيم فى مواضع،وقع الخلاف فى آخرها،و هو قوله تعالى:

(دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ 1) .

و فى براءة أيضا مواضع الخلاف منها فى حرفين من آخرها،و هما:

(وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ -و- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ 2) .

و تحت الرعد:يعنى سورة إبراهيم فيها:

(وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ 3) .

و أخيرا ظرف أى وقفا أخيرا و اللّه أعلم.

480-[و فى مريم و النّحل خمسة أحرف و آخر ما فى العنكبوت منزّلا]

أى فى مجموعهما خمسة:اثنان فى النحل:

(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً - ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ 4) .

و فى مريم ثلاثة:

(وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ - أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ - وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ 5) .

و آخر ما فى العنكبوت هو قوله تعالى:

(وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ 6) .

احترازا مما قبله و هو:

(وَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ 7) .

و منزلا حال من ما،و هى بمعنى الذى.

481-[و فى النّجم و الشّورى و فى الذّاريات و ال

حديد و يروى فى امتحانه الأوّلا]

يريد (وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى - وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ - حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ - وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ).

********

(1) الآية:116.

(2) الآية:114.

(3) الآية:35.

(4) الآيتان:119 و 123.

(5) الآيات:41 و 46 و 58.

(6) آية:31.

(7) آية:19.

ص: 343

و فاعل يروى،هو:هشام،و الهاء فى امتحانه تعود إلى القرآن للعلم به،أو إلى لفظ إبراهيم،لأنه مذكور فيها،و الأول مفعول يروى،أى يروى الأول فى سورة الممتحنة،كذلك بالألف:يعنى:

(أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) .

احترازا من قوله بعده:

(إِلاّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) .

فجملة ما وقع فيه الخلاف ثلاثة و ثلاثون موضعا منها خمسة عشر فى البقرة،و إبراهيم لفظ أعجمى،هو بالعبرانية بالألف،و تصرفت العرب فيه فقالته بالياء،و جاء فى أشعارهم إبراهيم:ليس بين الهاء و الميم حرف و جاء أيضا إبراهيم بحذف الألف التى بين الراء و الهاء،و حكى أبو على الأهوازى عن الفراء فيه ست لغات، بالياء و الألف و الواو،إبراهيم،إبراهام،إبراهوم،و بحذف كل واحد من هذه الحروف الثلاثة،و إبقاء الحركة التى قبلها.

(إبراهم-إبراهم-إبراهم).

قال:و جملة ما فى القرآن من لفظ إبراهيم:تسعة و ستون موضعا؛رواها كلها إبراهام بألف من غير استثناء شيء منها:العباس بن الوليد عن عبد الحميد ابن بكار عن ابن عامر،و قرأتها كلها كذلك عن النوفل عن عبد الحميد عنه،و لم أقرأ عن العباس بن الوليد عنه كل ذلك إلا بالياء،ثم ذكر فى بعض الطرق، الألف فى الأحزاب و الزخرف،و الأعلى،قال:

و المشهور عن أصحاب ابن عامر إثبات الألف فى ثلاثة و ثلاثين موضعا،يعنى ما تقدم نظمه،قال:و هو مكتوب فى مصاحف الشام فى ثلاثة و ثلاثين موضعا بألف،و هو الذى قدمنا ذكره،و فى ستة و ثلاثين موضعا بالياء،قال:و رأيت من يقول:بل مصاحف الأمصار الخمسة على ذلك،قال:و حدثنى أبو بكر محمد ابن أحمد السلمى،قال:قال لى أبو الحسن محمد النضر بن الأخرم:كان الأخفش يقرأ مواضع إبراهام بالألف و مواضع إبراهيم بالياء،ثم ترك القراءة بالألف،و قال لى أبو بكر السلمى أيضا:قال لى أبو الحسن السلمى كان أهل الشام يقرءون إبراهام بألف،فى مواضع دون مواضع،ثم تركوا القراءة بالألف،و قرءوا جميع القرآن بالياء،قال أبو على:و هى لغة أهل الشام قديما،كان قائلهم إذا لفظ إبراهيم فى القرآن و غيره:قال إبراهام بألف،و قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعى دخلت بعض قرى الشام،فرأيت بعضهم يقول لبعض يا إبراهام؛فاعتبرت ذلك فوجدتهم ما يعرفون غيره،قال أبو زرعة الدمشقى:حدثنا محمد بن أسامة الحلبى،و كان كيسا حافظا،قال حدثنا ضمرة عن على عن أبى جميل،عن يحيى بن راشد،قال صليت خلف ابن الزبير صلاة الفجر،فقرأ-صحف ابراهام و موسى-قال أبو زرعة:و سمعت عبد اللّه بن ذكوان بحضرة المشايخ و تلك الطبقة العالية قال:سمعت أبا خليد القارئ يقول:فى القرآن ستة و ثلاثون موضعا إبراهام قال أبو خليد:فذكرت ذلك لمالك بن أنس فقال:عندنا مصحف قديم،فنظر فيه،ثم أعلمنى أنه وجدها فيه كذلك،و قال أبو بكر بن مهران روى عن مالك بن أنس أنه قيل له:إن أهل دمشق يقرءون إبراهام، فقال:أهل دمشق يأكل البطيخ أبصر منهم بالقراءة،فقيل:إنهم يدعون قراءة عثمان رضي اللّه عنه،فقال

ص: 344

مالك:ها مصحف عثمان عندى،ثم دعا به فإذا فيه كما قرأ أهل دمشق،قال أبو بكر:و كذلك رأيت أنا فى مصاحفهم.و كذلك هو إلى وقتنا هذا؛قال:و فى سائر المصاحف.

(إبراهيم).

مكتوب بالياء فى جميع القرآن إلا فى البقرة،فإن فيها بغير ياء،و قال مكى:الألف لغة شامية قليلة، قال أبو الحسن محمد بن الفيض:سمعت أبى يقول:صلّى بنا عبد اللّه ابن كثير القارئ الطويل،فقرأ:

(و إذ قال إبراهام لأبيه (1).

فبعث إليه نصر بن حمزة،و كان الوالى بدمشق إذ ذاك،فخفقه بالدرة خفقات،و نحاه عن الصلاة، قال الأهوازى:لعله جعل ذلك سببا لشيء كان فى نفسه عليه،و اللّه أعلم و أحكم.

قلت:و يحتمل أنه فعل به ذلك لكون هذا الموضع ليس من المواضع المذكورة المعدودة[ثلاثة و ثلاثون] أو لأنه لما ترك أهل الشام ذلك استغرب منه ما قرأ،و خاف من تجرؤ الناس على قراءة ما ليس بمشهور فى الصلاة فأدبه على ذلك،و اللّه أعلم.

482-[و وجهان فيه لابن ذكوان هاهنا و و اتّخذوا بالفتح عمّ و أوغلا]

هاهنا يعنى فى سورة البقرة،و وجه تخصيصها بذلك اتباع الخط،قال أبو عمرو الدانى:قال أبو عبد اللّه محمد بن عيسى عن نصير فى سورة البقرة إلى آخرها:فى بعض المصاحف-إبراهم-بغير ياء،و فى بعضها بالياء،قال أبو عمرو:و لم أجد ذلك كذلك فى مصاحف العراق،إلا فى البقرة خاصة،قال:و كذلك رسم فى مصاحف أهل الشام،و قال أبو عبيد:تتبعت رسمه فى المصاحف فوجدته كتب فى البقرة خاصة بغير ياء.

قلت:لم يكتب فى شيء من المصاحف الألف على وفق قراءة هشام،و إنما لما كتب بغير ياء أو هم أن الألف محذوفة،لأنها هى المعتاد حذفها،كالألف التى بعد الراء فى هذا الإسم،و فى-إسحاق-و فى-إسمعيل- و غير ذلك،و من قرأ بالياء قال:كتابتها فى أكثر المواضع بالياء دليل على أنها المحذوفة؛و فى ذلك موافقة للغة الفاشية الصحيحة.

فهذا وجه الخلاف،و قوله تعالى:

(وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) .

يقرأ بكسر الخاء و فتحها،فهو بالكسر أمر،و بالفتح خبر؛و إنما جعل الفتح أعم،لأن الضمير يرجع إلى عموم الناس،فيكون الفعل موجها إلى الأمم قبلنا نصا،و إلينا بطريق الاتباع لهم،لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ،و أما قراءة الكسر فتختص بالمأمورين،و يجوز أن يكون التقدير:و قلنا لهم-اتخذوا- فيتحد العموم فى القراءتين،و هذا الوجه أولى،و قوله:و أوغلا:أى أمعن،من الإيغال:و هو السير السريع و الإمعان فيه.

483-[و أرنا و أرنى ساكنا الكسر(د)م(ي)دا

و فى فصّلت(ي)روى(ص)فا(د)رّه(ك)لا]

********

(1) سورة الأنعام،آية:74.

ص: 345

اليد النعمة،و هو فى موضع نصب على التمييز،أى دامت نعمتك،أو يكون حالا،أى دم ذا نعمة، و السكون فى هذين اللفظين حيث وقعا للتخفيف،كقولهم فى:

(وَ أَرِنا مَناسِكَنا - أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً - أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى - أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) .

و الذى فى فصلت:

(أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا 1) .

وافق على إسكانه أبو بكر و ابن عامر،و الكلا جمع كلية،و الصفا ممدود،و قصره ضرورة،يشير إلى قوّة القراءة،لأن الإسكان هنا فى حركة البناء،بخلافه فى يأمركم و نحوه،و اللّه أعلم.

484-[و أخفاهما(ط)لق و خفّ ابن عامر فأمتّعه أوصى بوصّى(ك)ما(ا)عتلا]

الطلق:السمح،يريد بالإخفاء:الاختلاس الذى تقدم ذكره فى:

(بارئكم-و-يأمركم).

و هو اللائق بقراءة أبى عمرو،و الضمير فى أخفاهما لقوله:

(و أرنا-و-أرنى).

و خف ابن عامر مبتدأ،و الخبر:فأمتعه،أى المخفف لابن عامر،قوله تعالى-فأمتعه-و قوله أوصى بوصى،أى:يقرأ فى موضع:

(وصّى-أوصى).

و متع،و أوصى و وصى:لغات كأنزل و نزل.و حسن تخفيف فأمتعه:قوله بعده قليلا

485-[و فى أم يقولون الخطاب(ك)ما(ع)لا

(ش)فا و رءوف قصر(صحبته ح)لا]

يريد قوله تعالى:

(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ) .

وجه الخطاب:أن قبله (قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا -و بعده- قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ) .

و وجه الغيبة أن قبله:

(فَإِنْ آمَنُوا) .

********

(1) الآية:29.

ص: 346

أو يكون على الالتفات و رؤف و رءوف لغتان،و لا يختص لخلاف فى رءوف بما فى هذه السورة،فكان حقه أن يقول:جميعا،أو نحو ذلك،و كان الأولى لو قال:

صحاب كفى خاطب تقولون بعد أم و كل رءوف قصر صحبته حلا

486-[و خاطب عمّا يعملون(ك)ما(ش)فا و لام مولّيها على الفتح(ك)مّلا]

يريد الذى بعده:

(وَ لَئِنْ أَتَيْتَ) .

و هو ملتبس بالذى فى آخر الآية التى أوّلها:

(أَمْ تَقُولُونَ) .

و لا خلاف فى الخطاب فيها،و إن اختلفوا فى-أم تقولون-و سببه أنه جاء بعد-أم تقولون-ما قطع حكم الغيبة،و هو-قل ء أنتم أعلم-و يزيل هذا الالتباس كونه ذكره بعد رءوف،و ذلك فى آخر الآية التى بعد آية رءوف،فالخطاب للمؤمنين،و الغيبة لأهل الكتاب،و فتح ابن عامر اللام من قوله:

(وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) .

فانقلبت الياء ألفا،و إنما قال:كملا،لأن قراءة ابن عامر لا تحتاج إلى حذف مفعول،أى لكل فريق وجهة هو موليها،مبنى لما لم يسم فاعله،لأن مولى بفتح اللام اسم مفعول،و بكسرها اسم فاعل،فعل قراءة الجماعة يحتاج مولى إلى مفعولين حذف أحدهما،و الفاعل هو اللّه تعالى أو الفريق،أى اللّه موليها إياهم،أو الفريق موليها نفسه.

487-[و فى يعملون الغيب(ح)لّ و ساكن

بحرفيه يطّوّع و فى الطّاء ثقّلا]

يعنى الذى بعده:

(وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) .

الخطاب للمؤمنين،و الغيبة لأهل الكتاب،و الهاء فى بحرفيه عائدة إلى يطوع،أى و تطوع ساكن فى موضعيه،و هما:

(أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما - وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً -و قوله- فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) .

و يعنى بالساكن العين،لأنه فعل مستقبل فانجزم بالشرط،و علامة الجزم هنا السكون،و إنما عدل عن لفظ الجزم إلى لفظ السكون،و كان لفظ الجزم أولى من حيث أن يطوّع فعل مضارع معرب،لأن الجزم فى اصطلاحه ضده الرفع،و ضد السكون الحركة المطلقة،و هى فى اصطلاحه:الفتح،و هو المراد هنا فى قراءة الباقين لا الرفع،فاستعمل اللفظ الموافق لغرضه،مع أن الضد،و هو الفتح،حركة بناء،فلم يكن له بدّ من تسمح،و هذا كما يأتى فى قوله:تضارر،و ضم الراء حتى،و نحوه:و قراءة الجماعة على أن تطوّع فعل ماض

ص: 347

و تثقيل الطاء من أجل أن أصله على قراءتهم بتطوّع،فأدغمت التاء فى الطاء كما فى قوله:

(أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) .

ثم ذكر تمام القراءة،و هو أن أولها يا موضع التاء،فقال:

488-

[و فى التّاء ياء(ش)اع و الرّيح وحّدا

و فى الكهف معها و الشّريعة وصّلا]

كان ينبغى أن يبين بالتقييد لفظ التاء من لفظ الياء،فإنهما متفقان فى الخط،و عادته:بيان ذلك،كقوله بالثا مثلثا،و كثيرا نقطة تحت نفلا،فلو قال:

و فى التاء ياء نقطها تحت وحد الر ياح مع الكهف الشريعة شمللا

لاستغنى بالرمز آخر البيت للمسألتين كما تقدم فى كفلا،أى قرأ هاتين القراءتين من شملل:أى أسرع، و أراد:

(وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ) .

و فى الكهف:

(تَذْرُوهُ الرِّياحُ 1) .

و فى الجاثية:

(وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ 2) .

قرأ حمزة و الكسائى هذه المواضع الثلاثة بالتوحيد،أى بلفظ الإفراد،و هو:الريح،و هو بمعنى الجمع، لأن المراد الجنس،و أجمعوا على توحيد ما جاء منكرا نحو:

(وَ لَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) .

و على توحيد بعض المعرف نحو:

(وَ فِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) .

و الهاء فى معها تعود إلى السورة التى نحن فيها،و هى سورة البقرة:

489-

[و فى النّمل و الأعراف و الرّوم ثانيا و فاطر(د)م(ش)كرا و فى الحجر(ف)صّلا]

أى وافقهما ابن كثير على التوحيد فى هذه السورة،و إعراب قوله:دم شكرا،كما تقدم فى دم يدا،أى ذا شكر،أو دام شكرك،فهو أمر بمعنى الدعاء،و الذى فى النمل:

(وَ مَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً 3) .

********

(1) الآية:45.

(2) آية:5.

(3) آية:63.

ص: 348

و فى الأعراف:

(وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ 1) .

و الثانى الذى فى الروم:

(اللّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً 2) .

و أما الأوّل فيها،فمجموع بالإجماع،و هو:

(وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) .

و ثانيا:حال؛لأن المعنى و فى الذى فى الروم ثانيا،و اختص حمزة بتوحيد الذى فى الحجر،و هو قوله:

(وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ 3) .

و خالفه غيره لأجل قوله:لواقح،كما جمعوا الذى فى الروم لأجل قوله مبشرات،و حجة حمزة أن ذلك غير مانع،لأن المراد بالمفرد الجمع،فلواقح-مثل-نشرا-بضم النون،لأنه جمع نشور فى قراءة ابن كثير و أما الكسائى فلا يلزمه ذلك،لأنه يقرأ بفتح النون:

490-[و فى سورة الشّورى و من تحت رعده

(خ)صوص و فى الفرقان(ز)اكيه(ه)لّلا]

يعنى قوله تعالى:

(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) .

و فى سورة إبراهيم:

(كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ 4) .

و فى الفرقان:

(وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً 5) .

انفرد نافع بجمع الذى فى الشورى و إبراهيم،و انفرد ابن كثير بتوحيد الذى فى الفرقان،و قوله:خصوص مبتدأ،خبره ما قبله،أى خصوص لبعض القراء دون بعض،و الهاء فى رعده كما تقدم فى امتحانه،فإن الريح و إن كانت مؤنثة يعود الضمير إليها مذكرا باعتبار أنها حرف القراءة،و موضعها،و الهاء فى زاكية:للموضع أيضا،أو للتوحيد المفهوم من قوله:واحدا،و هلل:إذا قال:لا إله إلا اللّه،و هذا آخر الكلام فى مسئلة الرياح،و اللّه أعلم.

491-[و أىّ خطاب بعد(عمّ)و لو ترى و فى إذ يرون الياء بالضّمّ(ك)لّلا]

********

(1) آية:57.

(2) آية:48.

(3) آية:22.

(4) آية:18.

(5) آية:48.

ص: 349

بعد،يعنى:بعد ذكر الريح:

(وَ لَوْ تَرى) .

مبتدا خبره ما قبله كقولك أىّ رجل زيدا؟على سبيل التعظيم و التفخيم لشأنه،لا على محض الاستفهام،أى هو خطاب عظيم يتعلق به أمر فظيع من شدة عذاب اللّه يوم القيامة،لمتخذى الأنداد من دون اللّه،و قيل:و أى خطاب مبتدأ،و عم:خبره،و أشار بقوله:عم إلى أنه خطاب عام لكل إنسان،أى:و لو ترى أيها الإنسان القوم الظالمين حين يرون العذاب يوم القيامة لرأيت أمرا فظيعا و شدة شديدة لا يماثلها شدة،و إن كان الخطاب للنبى صلّى اللّه عليه و سلم،فهو من باب مخاطبة رئيس القوم بما هو مطلوب منه و من جميع قومه،و هو مثل قوله تعالى:

(أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ - يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) .

فأشار بقوله:عم،إلى أنه و إن كان على لفظ الخطاب للمفرد،فالمراد به تعميم كل مخاطب.فالذين ظلموا-مفعول-ترى-على قراءة الخطاب و-إذ يرون-ظرف للرؤية،و هى فى الموضعين من رؤية البصر و يجوز أن يكون-إذ يرون-بدلا من-الذين ظلموا-بدل الاشتمال كما قيل ذلك فى نحو:

(وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) .

أى و لو ترى زمان رؤية الظالمين العذاب،و قد صرح بهذا المعنى فى آيات كثيرة،نحو:

(وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ - وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ - وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ - وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ - وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ - وَ لَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) .

و على قراءة الغيبة يكون-الذين ظلموا-فاعل-يرى-و-إذ يرون-مفعوله على سياق هذه الآيات المذكورة،و جواب-لو-محذوف على القراءتين.و-أن القوة-و ما بعده معمول الجواب المحذوف،أى لرأيت أو لرأوا،أو لعلموا أن القوة للّه أى لشاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقنوا معه،أنه قوى عزيز،و أن الأمر ليس ما كانوا عليه من جحورهم لذلك،و شكهم فيه،و قيل:الجواب بجملته محذوف،مثل:

(وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) .

و إنما أبهم تفخيما للأمر،كما يقول القائل:لو رأيت فلانا و السياط تأخذه،و لو رأيته و السيوف تغشاه من كل جانب،أى لرأيت أمرا شاقا لا صير على رؤيته،فكيف صبر من حل به،أو تقديره:لعلموا مضرة اخّاذهم للأنداد،و أن القوة على تقدير،لأن القوة،فهو تعليل للجواب،و قيل:

(أنّ القوّة).

على قراءة الغيبة،مفعول يرى،و عند هذا يجوز أن يكون يرى من رؤية القلب،و سدت أن مسد المفعولين و قيل:إن القوة على قراءة الخطاب بدل من العذاب،و قيل على قراءة الغيبة:التقدير-و لو يرى الذين ظلموا

ص: 350

-فى الدنيا حالهم-حين يرون-لأقلعوا عن اتخاذ الأنداد،و قيل-الذين ظلموا-مفعول كما فى قراءة الخطاب و الفاعل ضمير عائد على لفظ-«من»فى قوله:من يتخذ،و قيل التقدير:و لو يرى راء أو إنسان فى الدنيا حال الظالمين،إذ يرون العذاب لعلم أن القوة للّه،كما قيل فى قوله تعالى:

(وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) .

أى و لا يحسبن حاسب،و قيل:التقدير،و لو يرى أحد حالهم فى ذلك الوقت فرأى أمرا هائلا،و قيل:

المعنى:و لو تيقن الذين ظلموا زمان رؤية العذاب فيكون المراد به الإيمان بالبعث على أن يرى بمعنى عرف، و هذا من المواضع المشكلة؛و ما قدمته أحسن الوجوه فى تفسيره،و إذ فيه لمجرد الزمان من غير تعرض لمضى، كما تستعمل إذا كذلك من غير تعرض للاستقبال،نحو:

(وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى) .

و قال أبو على:إنما جاء على لفظ المضى لما أريد فيها من التحقيق و التقريب،و على هذا جاء:

(وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ) .

و منه:قد قامت الصلاة،و الخلاف فى يرون بفتح الياء و ضمها ظاهر،فإن اللّه تعالى يريهم ذلك فيرونه، و ما أحسن ما عبر عن الضمة على الياء بأن الياء كللت بها شبه الضمة بالإكليل،و هو تاج الملك،و اللّه أعلم.

492-[و حيث أتي خطوات:الطّاء ساكن

و قل ضمّه(ع)ن(ز)اهد(ك)يف(ر)تّلا]

أى كيفما رتل القرآن،فإنه يضم الطاء،و ضمها و إسكانها لغتان:فالإسكان موافق للفظ المفرد،لأنه جمع خطوة،و هو اسم ما بين القدمين:من خطا يخطو،و المصدر بفتح الخاء،فمعنى قوله تعالى:

(لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) .

أى لا تسلكوا مسالكه،و لا تفعلوا فعله،و ضم الطاء فى الجمع للاتباع،و يجوز الفتح فى اللغة أيضا،و قوله عن زاهد،أى الضم محكى مروى عن قارئ زاهد،إشارة إلى عدالة نقلته،و اللّه أعلم.

493-[و ضمّك أولى السّاكنين لثالث يضمّ لزوما كسره(ف)ى(ن)د(ح)لا]

و ضمك:مبتدأ،و ما بعده مفعول به،و تعليل،و كسره:مبتدأ ثان،و هو و ما بعده خبر الأول،أى كسر ذلك الضم فى«ند»حلو فى محل رطب لين،أو التقدير كسره حلا فى ند،و يجوز أن يكون:لثالث خبر و ضمك،أى ضم أول كل ساكنين واقع عند كل ثالث يضم ضما لازما،فتكون هذه اللام للتوقيت لا للتعليل، ثم بين القراءة الأخرى،فقال:كسره فى:ندحلا،و كان الوجه أن يقول:أول الساكنين بالتذكير،فلم يتزن له البيت،فعدل إلى التأنيث،و لم يتعرض الشيخ رحمه اللّه لبيانه،و قال غيره التقدير:و ضمك السواكن الأولى،من باب التقاء الساكنين،ثم حذف الموصوف،و لام التعريف و أضاف قال،و نظيره:

(وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ - وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) .

ص: 351

أى الطائفة الأخرى منهم،قلت:يجوز أن يكون أنث باعتبار المدلول،كما ذكرنا فى شرح قوله غير عشر ليعدلا،لأن السكون واقع فى حرف من حروف الهجاء،و أسماء حروف الهجاء يجوز تأنيثها،فأنث لفظ أولى بهذا الاعتبار،و ذكّر لفظ الساكنين على الأصل،و يجوز أن يكون التأنيث فى أولى،باعتبار الحركة،أى أولى حركتى الساكنين،و ذلك لأن الساكنين متى التقيا،فتارة يحرك الأول،و تارة يحرك الثانى،نحو:من الرجل،و انطلق،لما سكنت اللام تخفيفا،كما جاء فى خاء،فخذ،و كانت القاف ساكنة للأمر،فتحت القاف لالتقاء الساكنين،فحركة الساكن الأول فى:من الرجل؟هى أولى حركتى الساكنين،و لا يحرك الساكن الأول إلا إذا كان التقاء الساكنين فى كلمتين،أو ما هو فى حكم الكلمتين،كهمزة الوصل،أو تقول:الحركة الأولى هى حركة الساكن الأول فى الوصل،و الحركة الثانية هى حركة الهمزة إذا ابتدأت بها و وقفت على الأول و الحركتان معا لا يجتمعان،فمهما حركت الأول بطلت حركة الهمزة،و إذا بطلت حركة الأول تحركت الهمزة و قوله:لثالث يضم أى:لحرف ثالث مضموم،و عده إياه ثالثا بأحد اعتبارين:أحدهما:أنه عدّ قبله الساكن،و قبل الساكن همزة الوصل اعتبارا بالكلمة لو ابتدئ بها،لأن الكلام فى مثل:انقص،و اخرج، و لأن ذلك فى الخط أربعة أحرف:الثالث منها هو المضموم.الثانى:أنه عد ذلك ثالثا باعتبار الساكن الأول، لأن الحكم متعلق به،فبعده فى الوصل الساكن الثانى،و بعدهما الحرف المضموم،و همزة الوصل انحذفت فى الدرج،فالتقى الساكن الذى هو آخر الكلمة بالساكن الذى هو بين همزة الوصل و الحرف المضموم فوجب تحريك الأول،فمنهم من كسر على أصل التقاء الساكنين،و منهم من ضم للاتباع كراهة الخروج من كسر إلى ضم،و لم يعتد بالحاجز،لأنه ساكن،فهذا معنى التعليل المفهوم من قوله لثالث يضم،و هذا التعليل بمجرده لا يكفى،فكم من ضمة لازمة لا يضم لها الساكن الأول،نحو:

(قُلِ الرُّوحُ) .

و شبهه كما يأتى،فلا بد من أن يضم إلى ذلك الدلالة على حركة همزة الوصل المحذوفة فى ذلك،و هى الضمة و قوله:لزوما،أى ذا لزوم،و اللزوم مصدر لزمت الشيء ألزمه لزوما،أى يكون الضم لازما لا عارضا، و ذلك مثل أخرج ادعوا ضمة الراء،و العين لازمة لهذه البنية،مستحقة فيها بطريق الأصالة،احترز بذلك من الضمة العارضة غير اللازمة،و ذلك نحو:

(إِنِ امْرُؤٌ) .

فإن ضمة الراء إنما جاءت لأجل ضمة الهمزة،فلو فتحت الهمزة أو كسرت لفتحت الراء و كسرت، و كذلك الضمة فى قوله تعالى:

(أَنِ امْشُوا) .

لأن حق هذه الشين أن تكون مكسورة،و أصله امشيوا،كاضربوا،و كذلك ضمة الإعراب فى نحو:

(بِغُلامٍ اسْمُهُ - عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ) .

فكل هذا يكسر فيه أوّل الساكنين،و لا يضمه أحد،لأجل عروض الضمة فى الثالث،و التمثيل بقوله:

-عزير-إنما ينفع فى قراءة من نونه،و الذى نونه اثنان:عاصم و الكسائى،فكلاهما بكسر التنوين.

ص: 352

أما عاصم فعلى أصله فى كسر أوّل الساكنين مطلقا،و أما الكسائى فلأجل عروض الضمة فى-ابن- و قوله:

(أَنِ اتَّقُوا اللّهَ) .

الضمة فيه على حرف رابع،لا على ثالث،لأن التاء مشددة،فهى حرفان،هذا كله مع أن الضمة عارضة،كما فى:

(أَنِ امْشُوا) .

فهذا تمام الكلام فى تقدير الضابط الذى ذكره الناظم،و قد أورد عليه قوله تعالى:

(قُلِ الرُّوحُ) .

فهو مما اتفق على كسره،مع أن ضمة الراء فيه لازمة،و مثله:

(إِنِ الْحُكْمُ - غُلِبَتِ الرُّومُ - بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ - عادٌ الْمُرْسَلِينَ) .

و صاحب التيسير قال:إذا كان بعد الساكن الثانى ضمة لازمة،و ابتدئت الألف بالضم،فهذا لقيد الثانى يخرج جميع ما ذكرناه من:

(إِنِ امْرُؤٌ - أَنِ امْشُوا -و- عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ -و- قُلِ الرُّوحُ) .

و شبهه لأن همزة الوصل فى أول الكلمة الثانية منهما مكسورة عند الابتداء بها فى الثلاثة الأول؛و مفتوحة فى-الروح-و ما بعده،مما ذكرناه،و هذا القيد كاف وحده،فلا حاجة إلى ذكر الضمة اللازمة،و مكى رحمه اللّه لم يذكرها،و اقتصر على ذلك القيد.فقال:اختلفوا فى الساكنين إذا اجتمعا من كلمتين،و كانت الألف التى تدخل على الساكن الثانى فى الابتداء،تبتدأ بالضم،و كذا قال ابن شريح:الاختلاف فى الساكن الذى بعده فعل فيه ألف وصل يبتدئ بالضم،فلو أن الناظم قال:

و إن همز وصل ضم بعد مسكن فحركه ضما كسره فى ندحلا

أى فحرك ذلك المسكن بالضم أو الكسر لمن رمز له لكان أبين و أسهل على الطالب،إلا أن فى بيت الشيخ الشاطبى رحمه اللّه إشارة إلى علة الضم،و اللّه أعلم.

494-

[قل ادعوا أو انقص قالت اخرج أن اعبدوا

و محظورا انظر مع قد استهزئ اعتلا]

هذه أمثلة ما تقدم ذكره،و قد حصر أنواعه فى هذه الأمثلة الستة،و ذلك أن الساكن الأول لا يخلو من أن يكون أحد هذه الأحرف الستة:اللام،و الواو،و التاء،و النون،و التنوين،و الدال،قال ابن الفحام:

يجمعهن من غير التنوين«لتنود»و إنما ذكر هذه القاعدة فى هذه السورة لأجل قوله تعالى:

(فَمَنِ اضْطُرَّ) .

ص: 353

و لم يتفق له التمثيل به،و أغنى عنه قوله:

(أَنِ اعْبُدُوا -و مثله- وَ لكِنِ انْظُرْ) .

الساكن فى الجميع نون،و لو قال:من اضطرا،و انقص،قالت اخرج،قل انظروا،لحصلت النصوصية على موضع السورة التى هو فيها،و لا يضر وصل همزة،أو إسكان راء اضطر،فإن لكليهما نظائر جائزة فى اللغة،و مثل:

(قُلِ ادْعُوا - قُلِ انْظُرُوا) .

فى يونس (1)لا غير،و مثل-أو انقص-أو اخرجوا-أو ادعوا الرحمن-لا غير و مثل-أن اعبدوا (أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ -و- أَنِ اعْبُدُونِي -و- أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ - أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ - أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) .

و لا نظير لقوله:

(وَ قالَتِ اخْرُجْ - وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ) .

و مثال التنوين اثنا عشر موضعا،و اللّه أعلم.

495-[سوى أو و قل لابن العلا و بكسره لتنوينه قال ابن ذكوان مقولا]

يعنى ضم أبو عمرو الواو من«أو»و اللام من«قل»حيث وقعا،نحو:

(قُلِ... ادْعُوا الرَّحْمنَ - أَوِ انْقُصْ مِنْهُ - أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ - قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) .

و ذلك لأن كسر الواو أثقل من ضمها،و اللام من«قل»قبلها ضمة،فترجح مقتضى الضم فيها،و الهاء فى بكسره:تعود على ابن العلاء،و كذا الهاء فى لتنوينه،أو أراد لتنوين هذا الكلام،و قوله لتنوينه مفعول بكسره،كما تقول عجبت من ضربه لابنه،و ليست لام التعليل بخلاف اللام فى الثالث،أى قرأ ابن ذكوان:

التنوين بالكسر الذى لأبى عمرو فيه،و وجه ذلك أن التنوين ليس له استقرار غيره من الحروف،فإنه يحذف و يبدل،فلما لم يكن لازما لا يضمه لأجل الاتباع،لأنه كأنه زائل،كما أنهم لم يضموا لأجل الضمة العارضة التى هى غير مستقرة لذلك،و يقال أقوله مثل قوّله،أى معلما القول بذلك،و اللّه أعلم.

496-[بخلف له فى رحمة و خبيثة و رفعك ليس البرّ ينصب(ف)ى(ع)لا]

يعنى قوله تعالى فى الأعراف:

(بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ 2) .

********

(1) آية:101.

(2) آية:19.

ص: 354

و فى إبراهيم:

(كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ 1) .

روى عن ابن ذكوان ضمهما جمعا بين اللغتين،و لم يفعل ذلك فى نحو:

(عُيُونٍ اُدْخُلُوها -و نحو- مُتَشابِهٍ انْظُرُوا -و أما- لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) .

فقرأ حمزة و حفص بنصب-البر-على أنه خبر ليس و رفع الباقون على أنه اسمها،و-أن تولوا-هو الاسم على قراءة النصب،و هو الخبر على قراءة الرفع،و إنما جاز كونه اسما لأنه مقدر بالمصدر،معناه:توليتكم وجوهكم.قال الفارسى:كلا الوجهين حسن،و قوله فى علا أى فى علا و رفعة،أو فى حجج معتلية،لأن علا بالضم و القصر يحتمل الإفراد و الجمع،و لا خلاف فى رفع:

(وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) .

لأن-بأن تأتوا-قد تعين لأن يكون خبرا بدخول الباء عليه،و لا يرد على الناظم،لأنه قال-ليس البرّ- بلا واو،و هذا الذى لا خلاف فى رفعه هو بالواو،و قد تعين النصب فى القرآن فى مواضع الحصر بإلا، و إنما،نحو:

(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا - ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا - وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا - إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا) .

و جاء الخلاف فى الأنعام فى:

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا 2) .

لكن الأكثر على النصب،حملا على نظائره،و وجه الرفع أنه جائز على ما ذكرناه،و فى:

(لَيْسَ الْبِرَّ) .

بالعكس الأكثر على الرفع،لأنه ليس للحصر،و فى:

(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا) .

اختلف أيضا على ما يأتى فى موضعه،و اللّه أعلم.

497-[و لكن خفيف و ارفع البرّ(عمّ)في

هما و موصّ ثقله(ص)حّ(ش)لشلا]

فيهما يعنى:

********

(1) آية:26.

(2) آية:23.

ص: 355

فيهما يعنى (وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ - وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) .

و الكلام فيهما كما تقدم فى:

(وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) .

و هو على حذف مضاف:أى برّ من آمن،-و موص-من أوصى،و موصّ من وصى،و قد تقدم أنهما لغتان،كأنزل و نزل.و معنى الشلشل:الخفيف،و هو حال من فاعل صح،العائد على ثقله أى صح تشديده فى حال كونه خفيفا،و إنما خف بسبب كثرة نظائره فى القرآن المجمع عليها،نحو:

(وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ - ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ -فى مواضع- وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ) .

و أجمعوا أيضا على التخفيف فى:

(يُوصِيكُمُ اللّهُ -و- يُوصِي بِها -و-يوصين-و-توصون).

فى سورة النساء.

498-[و فدية نوّن و ارفع الخفض بعد فى

طعام(ل)دى(غ)صن(د)نا و تذلّلا]

قراءة نافع و ابن ذكوان على إضافة فدية إلى طعام،من باب خاتم حديد،و قراءة الجماعة على أن طعام بدل من فدية،أو عطف بيان،و لقرب هذه القراءة من الأفهام جعلها كالغصن الدانى المتذلل الذى لا يعجز الضعيف عن نيل ثمره،أراد قوله تعالى:

(وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) .

ثم ذكر الخلاف فى جمع مساكين و إفراده،و كل من أضاف فدية إلى طعام،جمع مساكين،و من نونه أفرد إلا هشاما،و اللّه أعلم.

499-[مساكين مجموعا و ليس منوّنا و يفتح منه النّون(عمّ)و أبجلا]

مجموعا:حال،أى عم فى حال كونه مجموعا،لأن الذين يطيقونه جماعة،على كل واحد إطعام مسكين فعلى الجماعة إطعام مساكين،و قراءة الباقين بالإفراد،على أن المراد:و على كل واحد إطعام مسكين كقوله تعالى فى موضع آخر:

(فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) .

أى كل واحد منهم،فإذا أفرد مسكين كان مكسور النون منوّنا،لأنه مضاف إليه،و إذا جمع فتحت النون من غير تنوين،لأنه غير منصرف،كقناديل و دنانير،و حركة النون حركة إعراب على القراءتين، و الفتح فيها لا ينصرف علامة الجر،فلم يمكن التعبير بالنصب،لأن الكلمة مجرورة،فكان التعبير عنها بالنصب ممتنعا،و يقال أبجله الشيء أى:كفاه،و اللّه أعلم.

ص: 356

500-[و نقل قران و القران(د)واؤنا و فى تكملوا قل شعبة الميم ثقّلا]

أراد نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها،كما يفعل حمزة فى الوقف،قرأها ابن كثير كذلك فى الوصل و الوقف،و عطف قوله و القران بالجر على قران،أى نقل هذين اللفظين،أراد أن ينص على المنكر و المعرّف باللام،و من جملة ما فيه الخلاف-قرآنه-فى موضعين،فى سورة القيامة (1)و قد نص عليه صاحب التيسير و غيره،و ليس هو واحدا من اللفظين المذكورين فى البيت،إلا أن يكون قصد ما دخله لام التعريف و ما خلا منها،و لو أنه قال:و نقل قرآن كيف كان أو كيف جاء دواؤنا لكان أعم و أبين،و ما أحلى هذا اللفظ:حيث كان،موجها،أى:ذو وجهين حصل منه بيان القراءة بنقل حركة الهمزة لابن كثير،و ظاهره أن نقل القرآن و هو قراءته و تلاوته و تعليمه دواء لمن استعمله مخلص من أمراض المعاصى،قال النبى صلّى اللّه عليه و سلم:

«خيركم من تعلم القرآن و علمه»ثم قراءة ابن كثير هذه تحتمل أن تكون من باب نقل حركة الهمزة كما ذكر، و تحتمل أن تكون من قرنت بلا همز،أى جمعت،و منه القران فى الحج (2)و صح عن الإمام الشافعى رحمه اللّه أنه قال:قرأت على إسماعيل بن قسطنطين،و كان يقول:القران اسم،و ليس بمهموز،و لم يؤخذ من قرأت و لو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا،و لكنه اسم للقرآن مثل:التوراة و الإنجيل.قال:و كان يقول:

و إذا قرأت القرآن يهمز قرأت،و لا يهمز القران.قلت:و القرآن بالهمز مصدر من قرأت كالشكران و الغفران و الذى فى سورة القيامة المراد به المصدر،و الخلاف فيه أيضا،و ذلك دليل على أن من لم يهمز نقل حركة الهمز و التسمية بالمصادر كثيرة،و اللّه أعلم،و كمل و أكمل:لغتان،فالخلاف فى-و لتكملوا العدّة-كالخلاف فى -ينزل-و فى-بأمتعة-و نحو ذلك،و الميم مفعول ثقل،و بقى عليه فتح الكاف،لم ينبه عليه،و كان له أن يقول لشعبة حرك تكملوا الميم ثقلا،أو و فى تكملوا حرك لشعبة أثقلا،كما قال فى سورة الحج ثم-و ليوفوا-فحركه لشعبة أثقلا.

501-[و كسر بيوت و البيوت يضمّ(ع)ن

(ح)مى(ج)لّة وجها على الأصل أقبلا]

الكلام فى عطفه و البيوت،كما تقدم فى قوله:و القرآن،ليجمع بين ما خلا من لام التعريف و بين ما هى فيه،و الخالى منها تارة يكون معرفة بالإضافة نحو-بيوتكم-و-بيوتهن-و-بيوت النبى-و تارة يكون نكرة منصوبة أو غير منصوبة،نحو:

(فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً - فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ) .

فإذا صح لنا دخول المضاف تحت قوله:بيوت صح لنا دخول قرآنه المضاف،تحت قوله قران،و هاهنا كان يحسن ذكر الخلاف فى الغيوب،و العيون،و شيوخا،و جيوب.لأن الباب واحد،و قد جمع ذلك ابن مجاهد و غيره هنا،و جمعها الناظم فى سورة المائدة،و الأصل ضم أوائل الجميع،لأن فعلا يجمع على فعول، كفلوس،و فروج،و قلوب،و من كسر فلأجل الياء،و قال الزجاج:أكثر النحويين لا يعرفون الكسر،

********

(1) الآيتان:17 و 18.

(2) آية:30.

ص: 357

و هو عند البصريين رديء جدا،لأنه ليس فى الكلام فعول بكسر الفاء،ذكر ذلك فى سورة النور.و قال أو على:مما يدل على جواز ذلك أنك تقول فى تحقير عين و بيت:عيينة بييت،فكسر الفاء هاهنا لتقريبه من الياء،ككسر الفاء من فعول،و ذلك مما قد حكاه سيبويه قال فكما كسرت الفاء من عيينة و نحوه،و إن لم يكن من أبنية التحقير على هذا الوزن لتقريب الحركة مما بعدها،كذلك كسروا الفاء من جيوب و نحوها.و قوله و كسر بيوت،يعنى كسر الباء و يضم،جر الكسر فى اللفظين و جلة:جمع جليل،كصبية جمع صبى،و وجها تمييز لهم،أى هم أجلاء الوجوه،و يجوز أن تكون حالا من فاعل يضم،و يجوز أن يكون مفعولا لحمى،أى حموا قراءتهم بالضم عن طعن من طعن فى الكسر،لكون الضم جاء على الأصل،و يجوز أن يكون وجها حموا قراءتهم بالضم عن طعن من طعن فى الكسر،لكون الضم جاء على الأصل،و يجوز أن يكون وجها منصوبا بفعل مضمر،أى:خذ وجها،و قوله:على الأصل أقبلا:صفة للوجه على الوجوه كلها،غير وجه التمييز.

502-[و لا تقتلوهم بعده يقتلوكمو فإن قتلوكم قصرها(ش)اع و انجلا]

أى قصر هذه الألفاظ الثلاثة،و هى:

وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ،فإن قاتلوكم).

فقراءة المد من قاتل،و قراءة القصر من قتل،و لا خلاف فى قوله-فاقتلوهم-كذلك-:

(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ) .

أى لا تبدءوهم بقتل و لا قتال حتى يبدءوكم به،و معنى:

(فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) .

أى فإن قتلوا منكم أحدا فاقتلوا منهم:أى فإن قتلوا بعضكم،على حذف مضاف للعلم به،كما سيأتى فى قراءة:

(و كأيّن من نبىّ قتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا).

أى فما وهن من لم يقتل منهم،و اللّه أعلم.

503-[و بالرّفع نوّنه فلا رفث و لا فسوق و لا(ح)قّا و زان مجمّلا]

فلا رفث و ما بعده مبتدأ،و بالرفع نونه خبره،و أضمر قبل الذكر،لأن الخبر فى نية التأخير،فهو كقولك:فى داره زيد،و المعنى نونه بالرفع،أى ملتبسا به،فيقرأ للباقين بغير تنوين،ملتبسا بصورة النصب و هو الفتح،و قيل:يجوز أن تكون الهاء فى نونه ضميرا مبهما،قدمه بشرط التفسير،و جعل:

(فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ) .

تفسيرا له،و أتى بقوله و لا بعد قوله فسوق،إقامة لوزن البيت،و إلا فقوله:و لا جدال،لا خلاف فى فتحه،و لا شك أنّ لا يبنى معها اسمها على الفتح إذا كان نكرة،و يجوز رفعه إذا كرر،و تجوز المغايرة بين ما تكرر من ذلك،ففي نحو:لا حول و لا قوّة إلاّ:خمسة أوجه،فعلى هذا جاءت القراءتان،و إنما غابر

ص: 358

أبو عمرو و ابن كثير فرفعا الأولين،على أن المراد النهى عنهما،و إن أتيا بلفظ الخبر،أى فلا يكونن رفث، و هو الجماع،و لا فسوق،و هو السباب أو المعاصى،و أما و لا جدال،فهو إخبار محض،أى قد ارتفع المراء فى زمن الحج،و فى مواقفه بعد ما كان الاختلاف فيه بين العرب من النسيء،و وقوف بعضهم بعرفة، و بعضهم بمزدلفة،و فى الحديث الصحيح عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم:«من حج فلم يرفت و لم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»فاشترط عدم الرفث و الفسوق،و لم يذكر الجدال،فدل على أن سياقه فى الآية لمعنى آخر،غير ما سبق له الرفث و الفسوق،و هو ما ذكرناه،و قراءة الجماعة تحتمل هذا التفريق أيضا، و يحتمل أن يكون الجميع منهيا عنه،و المراد به:مخاصمة الرفقاء و الخدم و المكاريين،و يحتمل هذا المعنى قراءة أبى عمرو أيضا،و تكون على لغة من غاير فى الإعراب،فقال لا حول و لا قوّة،و الرفع فى الآية أقوى منه فى الحوقلة لتكرر المرفوع قبل المفتوح،و قوله:حقا:مصدر مؤكد لقوله نونه بالرفع،فى وزان مجملا معطوف على الفعل الذى نصب حقا،أى حق ذلك حقا،و زان القارئ الذى حمل هذه القراءة لحسن المعنى الذى ذكرناه فى التفريق بين الثلاثة،و اللّه أعلم.

504-

[و فتحك سين السّلم(أ)صل(ر)ضى(د)نا

و حتّى يقول الرّفع فى اللاّم(أ)وّلا]

يعنى قوله تعالى:

(ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) .

فتح السين و كسرها لغتان،و قد قرئ بهما الذى فى الأنفال و القتال على ما سيأتى فى الأنفال،و قيل الكسر بمعنى الإسلام و الفتح بمعنى الاستسلام و المصالحة،و لهذا كسر أكثر القراء هنا و فتحوا فى الأنفال و القتال، لظهور معنى الإسلام فى البقرة،فظهور معنى المصالحة فى غيرها،فنافع و ابن كثير و الكسائى فتحوا الثلاثة، و أبو بكر كسر الثلاثة،و أبو عمرو و ابن عامر و حفص كسروا فى البقرة وحدها،و حمزة فتح فى الأنفال وحدها و أما الرفع فى:

(حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ) .

فعلى تأويل أن الفعل بمعنى المضى،أى:حتى قال الرسول،أو هى حكاية حال ماضية،و الفعل إذا كان كذلك و وقع بعد حتى رفع،و وجه النصب أن يكون الفعل مستقبلا،و إذا كان كذلك نصبته على تقدير:إلى أن يقول،أو كى يقول،على ما عرف فى علم النحو،و اللّه أعلم.

505-

[و فى التّاء فاضمم و افتح الجيم ترجع ال

أمور(سم)ا نصّا و حيث تنزّلا]

ترجع الأمور مبتدأ،و ما قبله خبره،أى و ترجع الأمور اضمم تاءه و افتح جيمه،فيصير الفعل مبنيا للمفعول،لأن اللّه رجعهن،و القراءة الأخرى على تسمية الفاعل،كقوله تعالى:

(كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) .

ص: 359

و رجع ثلاثى،سواء كان لازما أو متعديا،و سما نصا خبر آخر،لترجع الأمور،و نصا منصوب على التمييز أى سما نصه بهذا،و حيث تنزلا:عطف على ظرف محذوف،أى هنا،و حيث تنزل ترجع الأمور.

أى حيث جاء فى سور القرآن،و اللّه أعلم.

506-[و إثم كبير(ش)اع بالثّا مثلّثا و غيرهما بالباء نقطة اسفلا]

القراءتان بمعنى واحد،لأن ما كبر فقد كثر،و أجمعوا على:

(أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) .

و قيد الثانية بقوله مثلثا،و الباء بقوله:نقطة أسفلا،احترازا من التصحيف،و التقدير:هى ذات نقطة أسفلها على حذف المبتدا،أو التقدير لها نقطة أسفل،على حذف الخبر،و لو أنه قال:نقطة بالنصب،لكان حالا من الباء،أى فانقطه،ثم حذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه.و قوله:و غيرهما بالباء،أى يقرأ بالباء،و اللّه أعلم.

507-[قل العفو للبصريّ رفع و بعده لأعنتكم بالخلف أحمد سهّلا]

قل العفو:مبتدأ،و رفع:خبره،أى ذو رفع،و العفو:الفضل هنا،و هو ما يسهل إخراجه،و تقدير وجه الرفع الذى ينفقونه:العفو،و النصب على تقدير:انفقوا العفو،و أحمد هو:البزى،سهل همزة:

(لَأَعْنَتَكُمْ) .

بين بين فى وجه،و ليس من أصله تسهيل الهمزة الواحدة فى كلمة،ففعل ما فعله حمزة فى الوقف فى وجه لأنها همزة مفتوحة بعد مفتوح،فقياس تسهيلها جعلها بين بين،كسأل،ففي قراءته جمع بين اللغتين،و هو نظير إبدال حفص همزة:

(هزؤا-و-كفؤا).

واوا فى الوصل و الوقف كما سبق،و اللّه أعلم.

508-[و يطهرن فى الطّاء السّكون و هاؤه

يضمّ و خفّا(إ)ذ(سما)كيف(ع)وّلا]

و خفا يعنى الطاء و الهاء،و الباقون و هم حمزة و الكسائى و أبو بكر:فتحوهما و شددوهما،لأن السكون مهما جاء مطلقا فضده الفتح،و الضم ضده الفتح،و معنى كلمات الرمز:أن هذه القراءة كيف ما عول فى تأويلها فهى سامية رفيعة محتملة للأمرين،و هما:انقطاع الدم و الغسل،و القراءة الأخرى ظاهرة فى إرادة الاغتسال و أصلها:يتطهرن،فأدغمت التاء فى الطاء،أى حتى يغتسلن،فتعين حمل القراءة الأخرى على هذا المعنى أيضا و فى الحديث الصحيح عن أم سلمة أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال لها«إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات،ثم تفيضى عليك الماء فتطهرين»و فى رواية«فإذا أنت قد طهرت»أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذى و قال هذا حديث حسن صحيح،فيكون من قوله حتى يطهرن بهذا المعنى،أو تنزل القراءتان منزلة اجتماعهما

ص: 360

فكأنه قيل:حتى يطهرن،و يتطهرن أى حتى يجتمع الأمران،و هما:انقطاع الدم و الاغتسال،فأحدهما لا يكفى،بدليل ما لو اغتسلت قبل انقطاع الدم فإن ذلك لا يبيح الوط ء،فكذا إذا انقطع الدم و لم تغتسل، و اللّه أعلم.

509-[و ضمّ يخافا(ف)از و الكلّ أدغموا تضارر و ضمّ الرّاء(حقّ)و ذو جلا]

قرأ حمزة على ما لم يسم فاعله،كيقال،فقوله تعالى:

(أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ) .

يكون بدلا من ضمير التثنية فى-يخافا-و هو بدل الاشتمال،كقولك:خيف زيد شره،فالخائف غير الزوجين من الولاة و الأقارب و نحو ذلك،و على قراءة الجماعة،هما الخائفان،و أن لا يقيما مفعول به و الخطاب فى قوله تعالى:

(وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ) .

يجوز أن يكون للأزواج،و أن يكون للولاء،و قوله سبحانه:

(لا تُضَارَّ والِدَةٌ) .

أصله:لا تضارر بكسر الراء الأولى،أو بفتحها مبنيا للفاعل أو للمفعول،على اختلاف فى تفسيره، و الكل صحيح المعنى فى الآية،أدغمت الراء الأولى فى الثانية،فمن رفع جعله خبرا بمعنى النهى،و من فتح فهو نهى انجزمت الراء له،ففتحت لالتقاء الساكنين،كقولك:لا تعض زيدا،لأن المدغم ساكن،و مثله فى المائدة:

(مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ (1) -و قرئ-من يرتدد).

على الأصل،و لم يقرأ هنا تضارر،فقوله:و ضم الراء:يعنى الراء المشددة الثانية من الراءين،المدغمة و المدغم فيها،و إنما قال الناظم:و ضم الراء،و لم يقل و رفع الراء،لأن القراءة الأخرى بالفتح،لأنها حركة بناء،فلا بد من الإخلال بإحدى العبارتين،و قوله:و ذو جلا:أى ذو جلاء بالمد،أى انكشاف و ظهور، و يروى بفتح الجيم و كسرها،و ذو جلا:ليس برمز،و كذا قوله فى آخر آل عمران،و ذو ملا،لأن الواو فاصلة،و لا تجعل الواو فى ذلك كالواو فى:و حكم صحاب،على ما تقدم فى شرح الخطبة.

510-[و قصر أتيتم من ربا و أتيتمو هنا(د)ار وجها ليس إلاّ مبجّلا]

(آتَيْتُمْ مِنْ رِباً) .

فى سورة الروم و هنا:

(إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ) .

********

(1) آية:54.

ص: 361

فالقصر بمعنى فعلتم،و المد بمعنى أعطيتم،و فى دار ضمير يعود على،و قصر أتيتم و وجها:تمييز أو حال أو مفعول،فعل مضمر كما تقدم فى قوله:وجها على الأصل أقبلا،و اسم ليس:ضمير يعود إلى الوجه، و المبجل:الموقر،يثنى على قراءة القصر،خلافا لمن عابها،و قرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه اللّه:إنما قال:ليس إلا مبجلا،لأن قصره من باب المجيء،لا من باب الإعطاء،و إنما يتضح بتبجيله مع تفسير سلمتم بالإخلاص من المنة و الخصام،من قوله سبحانه:

(مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها) .

أى سالمة،و اللّه أعلم.

511-[معا قدر حرّك(م)ن(صحاب)و حيث جا

يضمّ تمسّوهنّ و امدده(ش)لشلا]

قدر مفعول حرك،و معا:حال مقدمة أى حرك قدر»و قدر معا،أى:أنهما اثنان،و هما قوله تعالى:

(عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) .

و يعنى بالتحريك:فتح الدال،لأنه مطلق،و قراءة الباقين بإسكانها،و هما:لغتان،و قوله:من صحاب يتعلق بمحذوف ذلك المحذوف:حال من فاعل حرك،أو مفعوله،أى آخذا له،أو مأخوذا من صحاب،أى منقولا عن جماعة ثقات،معروفة صحبة بعضهم لبعض،و تمسوهن:فاعل جاء،أى حيث جاء لفظ.

(تمسّوهنّ).

و هو فى موضعين هنا،و ثالث فى الأحزاب (1)يضم حمزة و الكسائى تاءه،و يمدان الميم،فيصير-تماسوهن- من فاعلت بمعنى فعلت،أو هو على بابه و المراد به الجماع على القراءتين،لم يختلف فى ذلك،و إن اختلف فى معنى:لامستم،و لمستم فى سورة النساء و المائدة،على ما يأتى،و الشلشل:الخليف،و هو رمز،و لهذا لم يوهم أنه تقييد للقراءة،و إن كان فيها تشديد فى السين،لأنه لا يقيد إلا بالألفاظ الواضحة،لا بالألفاظ المشكلة المعنى،و اللّه أعلم.

512-[وصيّة ارفع(ص)فو(حرميّه ر)ضى

و يبصط عنهم غير قنبل اعتلا]

وصية:مفعول ارفع،و الهاء فى حرميه تعود إلى لفظ وصية،أو إلى الرفع الدال عليه ارفع،و صفو، مبتدا،و رضى خبره،أراد-وصية لأزواجهم-رفعها على أنها خبر مبتدا محذوف،أى أمرهم وصية؛أو على حذف مضاف قبلها،أى:أهل وصية،أو ذوو وصية،أو قبل المبتدا،أى و حكم الذين يتوفون وصية أو هى مبتدا خبرها محذوف قبلها،أى عليهم وصية،و النصب على المفعول المطلق،و هو المصدر،أى يوصون وصية،و قرأ هؤلاء إلا قنبلا

********

(1) آية:49.

ص: 362

(وَ اللّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ) .

بالصاد،و الباقون بالسين على ما ذكره فى البيت الآتى،و الكلام فى وجه القراءتين،نحو ما تقدم فى الصراط و قوله:و يبصط مبتدا،و اعتلا خبره،أى اعتلا عن المذكورين غير قنبل،و حسّن قوله اعتلا أن الصاد من حروف لاستعلاء،بخلاف السين،و من خالف جمع بين اللغتين،و اللّه أعلم.

513-[و بالسّين باقيهم و فى الخلق بصطة و قل فيهما الوجهان قولا موصّلا]

(فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) .

مبتدا محذوف الخبر،أى يقرؤه المذكورون بالصاد أيضا،أى و:

(بصطة).

فى الأعراف (1)كذلك،و لا خلاف فى:

(بسطة).

فى البقرة أنه بالسين،و هو:

(وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ 2) .

إلا ما رواه مكى و غيره من أنه قد جاء عن نافع و الكسائى فى بعض الطرق بالصاد،و روى عن خلاد و ابن ذكوان فى-يبصط-و-بصطة-الوجهان،الصاد و السين،و معنى موصلا منقولا إلينا،و ذكر فى التيسير الخلاف عن خلاد فيهما،قال و روى النقاش عن الأخفش هنا بالسين،و فى الأعراف بالصاد،و قال فى غير التيسير:و رأيت ابن داود قد رواهما عن أبى سهل عن ابن السفر عن الأخفش بالسين،و قرأتهما على أبى الفتح و أبى الحسن جميعا بالصاد،و لم يذكر مكى عن خلاد غير السين،و عن ابن ذكوان غير الصاد،قال و روى عن حفص السين و الصاد فيهما،و بالوجهين قرأت لحفص.

514-

[يضاعفه ارفع فى الحديد و هاهنا (سما ش)كره و العين فى الكلّ ثقّلا]

515-

[(ك)ما(د)ار و اقصر مع مضعّفة و قل

عسيتم بكسر السّين حيث أتى(ا)نجلا]

يريد (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ) .

هنا و فى سورة الحديد،وجه الرفع الاستئناف،أى فهو يضاعفه،أو يكون معطوفا على يقرض،و وجه النصب أنه جواب الاستفهام،فنصب بأن مضمرة بعد الفاء،و ابن عامر و ابن كثير:شددا للعين فى جميع هذا اللفظ كيفما دار،و ذلك معنى قوله:و العين فى الكل ثقلا،كما دار نحو:

********

(1) آية:69.

(2) آية:247.

ص: 363

(يضعّف لهم-يضعّف لها-يضعّفه لكم).

و كذا مضعفة فى آل عمران،فى قوله:

(أَضْعافاً مُضاعَفَةً) .

و هما لغتان:ضاعف،و ضعف واحد،و عنى بقوله:و اقصر حذف الألف،و الباقون بالمد و تخفيف العين:

(و عسيتم).

هنا و فى سورة القتال،قراءة نافع بالكسر،قال أبو بكر الأُدفُوّيّ:هو لغة أهل الحجاز،يكسرونها مع المضمر خاصة،و الفتح هو الأصل،و قال أبو على و غيره:هما لغتان.

قلت:و باقى الأفعال الموازنة لعسى لا يختلف حاله مع المضمر،نحو-أتى-و-أتيتم-و-رمى-و-رميتم- و أثنى الناظم رحمه اللّه على رفع-فيضاعفه-بقوله سما شكره،أى شكر العلماء له،فهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول.

516-[دفاع بها و الحجّ فتح و ساكن

و قصر(خ)صوصا غرفة ضمّ(ذ)و و لا]

أراد (وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ) .

هنا و فى سورة الحج،و الفتح فى الدال،و السكون فى الفاء،و القصر حذف الألف،و هو مصدر دفع و دفاع كذلك،مثل كتبت كتابا،أو مصدر دافع بمعنى دفع،نحو-قاتلهم اللّه-أى قتلهم اللّه،قال أبو ذؤيب فجمع بين اللغتين:

و لقد حرصت بأن أدافع عنهم و إذا المنية أقبلت لا تدفع

و أراد ذو فتح و قصر،و لهذا توسط بينهما،قوله و ساكن،فكأنه قال مفتوح ساكن مقصور و خصوصا مصدر،و يأتى الخلاف فى:

(إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ) .

فى سورة الحج:

(غرفة).

بالفتح المصدر،و بالضم المغروف،و ذو ولاء بالمد أى:ذو نصرة للضم أى ضمه من هذه صفته، و اللّه أعلم.

517-[و لا بيع نوّنه و لا خلّة و لا شفاعة و ارفعهنّ(ذ)ا(إ)سوة تلا]

أى متأسيا بمن سبق،و الكلام فيهن كما سبق فى

ص: 364

(فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ) .

غير أن الرفع هنا فى الثلاث،و ثم فى اثنتين،و الذين رفعوا هنا فتحوا ثم،و بالعكس،و النفى هنا خبر محض،و ثم نفى بمعنى النهى و اللّه أعلم.

518-[و لا لغو لا تأثيم لا بيع مع و لا خلال بإبراهيم و الطّور وصّلا]

أى:و كذلك الخلاف فى:

(لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ) .

فى سورة الطور،و:

(لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ) .

فى سورة إبراهيم عليه السّلام.

519-[و مدّ أنا فى الوصل مع ضمّ همزة و فتح(أ)تى و الخلف فى الكسر(ب)جّلا]

يريد(أنا أحى- أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً - إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ) .

كلهم يثبت بالألف فى الوقف،و أثبتها فى الوصل نافع وحده،و حذفها فى الوصل هو الفصيح،و قال الأُدفُوّيّ:و إثباتها لغة بعض بنى قيس و ربيعة،قال الأعشى:

فكيف أنا و انتحالى القوافيا

و قال الآخر:

أنا سيف العشيرة فاعرفونى

و خص نافع بالإثبات ما بعده همزة مضمومة أو مفتوحة،و فيما بعده همزة مكسورة خلاف عن قالون، و المشهور عنه الحذف،و هو ثلاثة مواضع فى:الأعراف،و الشعراء،و الأحقاف،و لا خلاف فى قصر نحو (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ 1) و اللّه أعلم.

520-[و ننشزها(ذ)اك و بالرّاء غيرهم و صل يتسنّه دون هاء(ش)مردلا]

ننشزها بالزاى،من النشز،و هو:الرفع،يعنى تركيب العظام بعضها على بعض،و ذاك معناه واضح بين،من ذكت النار:أى اشتعلت،أو من:ذكا الطيب إذا فاح،-و-ننشرها-بالراء:نحييها،من أنشر اللّه الموتى،أى:أحياهم،فهو موافق لقوله تعالى:

(قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا 2) .

و يقال راء بالهمز كسائر الحروف من نحو:ياء،و حاء،و طاء،و فاء،و هاء،و أخواتها التى على صورتها خطا،و أما التى على صورة الزاى فآخر اسمها ياء فى اللغة الفصيحة،و هى الزاى.

فإن قلت:من أين يعلم من نظم هذا البيت أن القراءة الأولى بالزاى المنقوطة؟قلت:من جهة أنه بين

********

(1) سورة الأعراف،آية:12 و س آية:76.

(2) سورة يس،78 و 79 و 78 و 79.

ص: 365

قراءة الباقين بالراء المهملة،و قد لفظ بالأولى،و لا يمكن أن يصحف الراء إلا بالزاى،إذ ليس لنا حرف على صورتها فى الخط غيرها.

فإن قلت:فلقائل أن يقول:لعله ابتدأ الكلمة بالمهملة،ثم قال:و بالزاى غيرهم،يعنى:المنقوطة؟ قلت:قد تقدم جواب هذا،و هو:أنه اعتمد فى ذلك على ما هو الأفصح فى لغة الزاى،و لهذا استغنى الأمير أبو نصر بن ماكولا فى كتاب«الإكمال»فى ضبط الأسماء بلفظ الزاى و الراء،و لا يقيد بنقط و لا إهمال للمغايرة بينهما فى الخط،و غيره من المصنفين،و غيره من المصنفين يقيد ذلك زيادة فى البيان.

قوله:و صل-يتسنه-أى إذا وصلتها بما بعدها فاحذف الهاء لحمزة و الكسائى دون غيرهما،و أما فى الوقف فثباته للجميع.لثبوتها فى رسم المصحف،و وجه حذفها فى الوصل أنها هاء السكت،و هذا حكمها،و وجه إثباتها فى الوصل أنه وصل بنية الوقف،إن قلنا:إنها للسكت،أو يقال:هى من أصل الكلمة و سكنت للجزم و معنى لم يتسنه.لم تغيره السنهات،و أصل سنة سنهة،فمنهم من يصغرها على ذلك،فيقول:سنيهة،و يقولون سانهت،و فى الجمع سنهات،و منهم من يقول:سانيت،و سنية و سنوات،فلا يأتى بالهاء،فقراءة الحذف من هذه اللغة و قراءة الإثبات من اللغة الأولى،و الشمر دل:الخفيف،و هو حال من يتسنه،لأنه خف بحذف الهاء و الشمردل:أيضا الكريم،فيكون حالا من الضمير المرفوع فى صل،و اللّه أعلم.

521-[و بالوصل قال اعلم مع الجزم(ش)افع

فصرهنّ ضمّ الصّاد بالكسر(ف)صّلا]

قال اعلم:مبتدا،و شافع خبره،أى هو ذو شفع بالوصل مع الجزم،أى جمع بين همزة الوصل مع إسكان آخره على أنه فعل أمر،أو يكون معنى شافع من الشفع بمعنى الزيادة،لأنه زاد على ما تقدم من أفعال الأمر، نحو:

(فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ (1) - وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ (1) - وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ 1) .

أى اعلم بما عاينت قدرة اللّه على ما لم تعاين،و الآمر له هو:اللّه تعالى،و يجوز أن يكون هو آمرا نفسه، كما قال سحيم:

عميرة ودع إن تجهزت غاديا

فيكون موافقا لقراءة الجماعة بالإخبار عن نفسه،فهو بهمزة القطع و الرفع.

فإن قلت:من أين يلزم إذا كانت همزة قطع أن تكون مفتوحة لا مضمومة.

قلت:لأنه فعل أمر،من ثلاثى،فهمزة قطعه بالفتح؛سواء وقف على قال،أو وصلها بها،و من قرأ بالأمر و وقف على قال:ابتدأ بهمزة مكسورة،و كان ينبغى أن يبين ذلك كما بين الضم فى لفظ:

(اشْدُدْ) .

********

(1) سورة البقرة،آية:79.

ص: 366

فى سورة طه (1)فقال:و ضم فى ابتدأ غيره،و لو بينه لأخذ ضده،و هو الفتح لقراءة الباقين،و عنى بالوصل الإتيان بهمزة الوصل،و جعل آخرا علم مجزوما،ليؤخذ ضد الجزم عنده،و هو الرفع للقراءة الأخرى و لو لفظ موضع الجزم بالسكون للزم أن تكون القراءة الأخرى بالفتح،و قد نظمت بدل هذا البيت ضاما إليه البيت الذى فيه خلف ربوة فى بيتين يتضمنان إيضاح القراءتين فى:قال اعلم،و يتأخر بيت و جزءا بعدهما، و لا يضر ذلك،فإن ربوة مقدمة فى التلاوة على أكلها،فقلت:

و صل همز قال اعلم مع الجزم و ابتد بكسر شفا و اكسر فصرهن فيصلا

و ضم لباق و افتحوا ضم ربوة على الرا هنا و المؤمنين ندكلا

و صرهن بالضم و الكسر لغتان،و معناه:الإمالة و التقطيع،يقال صاره يصيره و يصوره فى المعنيين، و قيل الكسر للقطع،و الضم للإمالة،و قوله فصلا.أى بين معنى الضم بقراءة الكسر،لأن الكسر متمحض للتقطيع عند بعضهم،و الضم يحتمل التقطيع و الإمالة،و اللّه أعلم.

522-[و جزءا و جزء ضمّ الاسكان(ص)ف و حي

ثما أكلها(ذ)كرا و فى الغير(ذ)و(ح)لا]

أى و جزء المنصوب و غير المنصوب،و إنما قدم ذكر المنصوب لأنه هو الذى فى سورة البقرة فى قوله تعالى (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً 2) .

فكان هو الأصل،و أتبعه ما ليس بمنصوب نحو:

(جُزْءٌ مَقْسُومٌ 3) .

و إنما حافظ على لفظ المنصوب هنا دون صراط،و قران،و بيوت،كما تقدم،لأنه اكتفى فى تلك بضبطها بدخول لام التعريف فيها و خلوها منها،و اجتزأ هنا بتعداد اللفظين المختلفين خطا لما لم تأت لام التعريف فى واحدة منهما،فهو مثل-شيء-و-شيئا-و قد تقدم البحث فيه فى باب نقل الحركة.و قوله:صف،أى اذكره،أى صف ضم الإسكان فيهما،و قد سبق أن مثل هذا فيه لغتان:الضم و الإسكان،و قوله حيثما أكلها أى و حيثما اكلها موجود،فصف ضم إسكانه أيضا لمدلول الذال من ذكرى،نحو:

(فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ (4) - أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها (5) -و- ذِكْرى 6) .

مصدر من معنى صف،لأن الواصف ذاكر،أو يكون فى موضع الحال،أى صف ذاكرا،أو مذكرا أو لأجل الذكرى،أو هذه ذكرى.و قوله:و فى الغير،يعنى فى غير أكلها،مما هو من لفظه،إلا أنه لم يصف إلى ضمير المؤنث نحو:

********

(1) آية:31.

(2) سورة البقرة،آية:260.

(3) سورة الحجر،آية:44.

(4) سورة البقرة،آية:265.

(5) سورة الرعد،آية:35.

(6) سورة الشعراء،آية:209.

ص: 367

(أُكُلٍ خَمْطٍ - مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ (1) - وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ 2) .

زاد معهم أبو عمرو:على الضم لخفة هذا و ثقل ما فيه ضمير المؤنث،و ذو حلا:خبر مبتدإ محذوف يتعلق به فى الغير:أى و الضم فى غير ذلك ذو حلا،أى صاحب زينة و حلية،و اللّه أعلم.

523-[و فى ربوة فى المؤمنين و هاهنا

على فتح ضمّ الربوة؟؟؟(ف)بّهث(ك)فّلا]

يريد قوله:

(كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ (3) - وَ آوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ 4) .

و الفتح و الضم فى الراء لغتان،و يقال أيضا بكسر الراء،و كفلا جمع كافل،و هو الضامن و الذى يعول غيره،و كنى به عن طالب العلم و خدمه.

524-[و فى الوصل للبزّيّ شدّد تيمّموا و تاء توفّى فى النّسا عنه مجملا]

مجملا حال من الضمير فى شدد،أو من الهاء فى عنه،و هو من أجمل:إذا أتى بالجميل.و قوله:فى الوصل لأن قراءة البزى هذه،لا تمكن فى الوقف،لأنه يشدد التاء فى أوائل هذه الكلم الآتى ذكرها،و الحرف المشدد معدود حرفين،أولهما ساكن،و الابتداء بساكن غير مقدور عليه،فخص التشديد بحالة الوصل لتتصل التاء بما قبلها،و هذا التشديد إنما هو إدغام تاء فى مثلها،لأن هذه المواضع التى وقع التشديد فى أوائلها هى أفعال مضارعة،أولها تاء المضارعة،ثم التاء التى من نفس الكلمة،فأدغم البزى الأولى فى الثانية،و غيره حذف إحدى التاءين تخفيفا،ثم هذه التاءات على ثلاثة أقسام،منها ما قبله متحرك،كالذى فى النساء:

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ 5) .

و منها ما قبله حرف مد،مثل:

(وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ 6) .

فالتشديد فى هذين القسمين سائغ،إذ لم يجتمع ساكنان على غير حدهما،فإن:

(وَ لا تَيَمَّمُوا -مثل-دابّة).

فتمد الألف لذلك،و القسم الثالث ما قبله ساكن صحيح،نحو:

(هَلْ تَرَبَّصُونَ 7) .

فهذا فى إدغامه جمع بين الساكنين على غير حدهما،و سيأتى الكلام عليه،و من المصنفين من يذكر هذه التاءات فى باب الإدغام،و هذا التشديد وارد فى أحد و ثلاثين موضعا،بلا خلاف عن البزى،و له موضعان

********

(1) سورة الرعد،آية:141.

(2) سورة الرعد،آية:8.

(3) سورة البقرة،آية:265.

(4) سورة الرعد،آية:50.

(5) آية:97.

(6) سورة البقرة،آية:267.

(7) سورة التوبة،آية:52.

ص: 368

مختلف عنه فيهما،سيذكرهما بعد الفراغ من المتفق عليه له،و قد قال مكى فى التبصرة:و قد روى عن البزى أنه شدد هذا،و ما كان مثله فى جميع القرآن.قال:و المعول عليه هذه المواضع بعينها،و قد ذكر الناظم منها فى هذا البيت موضعين،ثم أخذ فى ذكر الباقى فقال:

525-[و فى آل عمران له لا تفرّقوا و الأنعام فيها فتفرّق مثّلا]

يريد (وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ (1) - فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ 2) .

و لفظ به على صفة قراءة البزى له بالتشديد،و لم يلفظ بغيره على ذلك،إلا قوله:

(لِتَعارَفُوا) .

و هو ممكن قراءته على رواية البزى و على غيرها،و فاعل مثلا:ضمير عائد على البزى،يعنى مثله:أى أحضره لك و أظهره،و لا تفرقوا:مثل و لا تيمموا،و التاء فى فتفرق بعد متحرك،فكل هذا تشديده مستقيم

526-[و عند العقود التّاء فى لا تعاونوا و يروى ثلاثا فى تلقّف مثّلا]

مثلا جمع ماثل،من قولهم:مثل بين يديه،إذا قام،و هو نعت،ثلاثا:أى روى التشديد فى ثلاث متشخصات من لفظ تلقف،و ذلك فى الأعراف،و طه،و الشعراء،و كلها بعد متحرك،و لا تعاونوا مثل و لا تيمموا.

527-[تنزّل عنه أربع و تناصرو ن نارا تلظّى إذ تلقّون ثقّلا]

فى الحجر (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ 3) .

و فى الشعراء موضعان:

(عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ. تَنَزَّلُ 4) .

و فى القدر من:

(أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ 5) .

و فى الصافات:

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ 6) .

فالذى فى الحجر:

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ 6) .

********

(1) سورة آل عمران،آية:103.

(2) سورة الأنعام،آية:153.

(3) سورة الحجر،آية:8.

(4) آية:221 و 222.

(5) آية:5 و 6.

(6) آية:25.

ص: 369

مثل:و لا تيمموا،و الثانى من تنزل فى الشعراء بعد متحرك،فتشديد هذه الثلاثة جيد،و أما الأول فى الشعراء،و الذى فى القدر.

(ناراً تَلَظّى (1) -و- إِذْ تَلَقَّوْنَهُ 2) .

فممتنع ذلك فيها،لأنها بعد ساكن،قال مكى:وقوع الإدغام فى هذا قبيح صعب،و لا يجيزه جميع النحويين،إذ لا يجوز المد فى الساكن الذى قبل المشدد.قال:و قد قال بعض القراء فيه:إنه إخفاء،و ليس بإدغام،و هذا أسهل قليلا من الإدغام،لأن الإخفاء لا تشديد فيه.

528-[تكلّم مع حرفى تولّوا بهودها و فى نورها و الامتحان و بعد لا]

يريد (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ 3) .

فى هود و فيها:-تولوا-فى موضعين أحدهما فى أولها:

(وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ 4) .

و الآخر فى قصة عاد و فى النور:

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ 5) .

و فى الممتحنة:

(أَنْ تَوَلَّوْهُمْ 6) .

فقوله:لا تكلم:مثل-و لا تيمموا-و البواقى فى إدغامها جمع بين ساكنين،ثم قال:و بعد لا يعنى لفظ -تولوا-جاء أيضا مشددا بعد حرف لا،ثم ذكر مكانه فقال:

529-[فى الأنفال أيضا ثمّ فيها تنازعوا تبرّجن فى الأحزاب مع أن تبدّلا]

يعنى (وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ 7).

و فى القرآن غير ذلك من لفظ تولوا،و لم يشدد،لأنه ماض نحو ما فى سورة المائدة:

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللّهُ 8) .

و الذى فى آل عمران:

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ 9) .

و كذا الذى فى آخر براءة:

********

(1) سورة الليل،آية:14.

(2) سورة النور،آية:15.

(3) سورة هود،آية:105.

(4) آية:3 و 26.

(5) آية:54.

(6) آية:9.

(7) سورة الأنفال،آية:20.

(8) سورة المائدة،آية:49.

(9) سورة آل عمران،آية:32.

ص: 370

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ 1) .

يحتمل الوجهين،و لكن لم يذكر فى التاءات المشددة،و فى الأنفال أيضا:

(وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا (2) - وَ لا تَبَرَّجْنَ 3) .

فهذه الثلاثة من قبيل-و لا تيمموا-و أما:

(وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ 4) .

فمن قبيل اجتماع الساكنين،فهذه تسعة مواضع،ثم ذكر العاشر فقال:

530-[و فى التّوبة الغرّاء هل تربّصو ن عنه و جمع السّاكنين هنا انجلى]

قال الشيخ:و قوله و جمع الساكنين،أراد به:و جمعنا للساكنين،فى النظم هنا انجلا،أى انكشف و ذهب لأن انقضاءه فى النظم وقع هاهنا،و هى ثمانية مواضع،فذكرها،و إن تولوا-فإن تولوا،فى هود، و فى النور:

(فَإِنْ تَوَلَّوْا (5) - إِذْ تَلَقَّوْنَهُ (6) - عَلى مَنْ تَنَزَّلُ (6) - ناراً تَلَظّى (6) - شَهْرٍ تَنَزَّلُ (6) - هَلْ تَرَبَّصُونَ 10) .

و بقى عليه اثنان.

(أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ (11) - أَنْ تَوَلَّوْهُمْ (12) .

و ذكرها غيره تسعة،فأسقط-أن تبدل-و إنما هى عشرة،فى هذا البيت واحدة،و فى الذى قبله واحدة و فى كل واحدة من البيتين قبلهما أربعة،و قد بينا كلا فى موضعه.

قال:أو يكون قوله:هنا،أى فى هذه القراءة.

قلت:على هذا المعنى يحتمل أن يكون الناظم أشار إلى عسر هذه القراءة،و عدم تحقق النطق بالتشديد مع وجود الساكن الصحيح قبل التاء،كما أشار إلى ذلك فى آخر باب الإدغام الكبير،أى انكشف أمره،و بانى عسره،و ظهر تعذره،و على الوجه الأول يكون المعنى:أن المواضع التى يلزم من تشديدها الجمع بين الساكنين.قد ذكرت فيما تقدم،و فرغ منها هنا،و ليس يفهم من ذلك أنه ذكرها مرتبة،بل تفرق ذكرها فى أثناء المواضع،و لكلامه هذا فائدة جليلة،سيأتى ذكرها بعد شرح بيتين آخرين،ثم تمم ذكر التاءات، و لم يبق إلا ما هو بعد متحرك أو حرف مد،فقال:

531-[تميّز يروى ثمّ حرف تخيّروا ن عنه تلهّى قبله الهاء وصّلا]

********

(1) سورة التوبة،آية:129.

(2) الأنفال،آية:46.

(3) الأحزاب،آية:33.

(4) الأحزاب،آية:52.

(5) آل عمران،آية:20.

(6) سبق تخريجها.

(10) سورة التوبة،آية:52.

(11) سبق تخريجها.

(12) سورة الممتحنة،آية:9.

ص: 371

يعنى (تَكادُ تَمَيَّزُ (1) - لَما تَخَيَّرُونَ (2) - فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى 3) .

و لا يمنع تشديد التاء من صلة الهاء فى عنه بواو على أصله،بل يصل و يشدد،فيقع التشديد بعد حرف مد هو الواو،فيبقى مثل-و لا تيمموا-فهذا معنى قوله:قبله الهاء وصلا،أى وصل الهاء بواو،و تمم الناظم البيت بذلك زيادة فى البيان خوفا من ترك الفطن لذلك،كما أنه يترك الصلة فى نحو-لعلمه الذين-و يستظهر بقول الناظم:و لم يصلوا:ها مضمر قبل ساكن،و قد تقدم الفرق بينهما فى سورة أم القرآن،فى شرح قوله و من دون وصل ضم:ها قبل ساكن،و فى أول باب هاء الكناية،و قد ذكر مكى-عنه تلهى-فى جملة ما قبله حرف مد،و لو لا الصلة لعده فى جملة ما قبله متحرك،و اللّه أعلم.

532-[و فى الحجرات التّاء فى لتعارفوا و بعد و لا حرفان من قبله جلا]

يريد قوله تعالى:

(وَ لا تَجَسَّسُوا - وَ لا تَنابَزُوا 4) .

فهذان موضعان كل واحد منهما بعد لفظ و لا،و هما من قبل قوله-و قبائل لتعارفوا-و الكل فى سورة الحجرات،و قوله:جلا ليس برمز لورش،فهو موهم ذلك،فإن جميع الأبيات يقيد فيها بأنها عنه أوله، و يروى:فيفهم عود ذلك إلى البزى،و كل بيت خلا من شيء من ذلك لم يكن فيه ما يوهم رمزا،لأنه مجرد تعداد المواضع،فيكون القيد فيما بعدها شاملا للجميع،كقوله:تكلم فى الأنفال البيتين،فإن الجميع تقيد بقوله فى البيت الآخر:

(هَلْ تَرَبَّصُونَ 5) .

عنه؛فإن قلت:فهذا البيت أيضا قد تقيد فى البيت بعده من قوله عنه على وجهين؟قلت:تكون الهاء فى عنه عائدة على مدلول جلا،فالإيهام باق بحاله،بخلاف ما تقدم فإنه لم يسبقه ما يوهم الرمز به،و الضمير فى جلا لقوله:

(لِتَعارَفُوا 6) .

أى كشف عن الحرفين اللذين قبله،بدلالاته عليهما،فهذا آخر الكلمات المعدودة:أحدا و ثلاثين،المشددة للبزى بلا خلاف،منها سبعة بعد متحرك،و أربعة عشر بعد حرف مد،و عشرة بعد ساكن صحيح،و الذى قبله حرف مد منه واحد بعد الواو،و هو-عنه تلهى-و ثلاثة عشر بعد الألف،ثم ذكر له موضعين آخرين اختلف عنه فيهما،فقال:

533-[و كنتم تمنّون الّذى مع تفكّهو ن عنه على وجهين فافهم محصّلا]

********

(1) سورة تبارك،آية:8.

(2) سورة ن،آية:38.

(3) سورة عبس،آية:10.

(4) سورة الحجرات،آية:12.

(5) سبق تخريجها.

(6) سورة الحجرات،آية:13.

ص: 372

يعنى (وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) .

فى آل عمران (1):

(فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) .

فى الواقعة (2)،و يصل الميم قبل ذلك كما تقدم فى:

(عَنْهُ تَلَهّى 3) .

فيبقى من قبيل-و لا تيمموا.

فإن قلت:لم ينص الناظم على صلة الميم،قلت:لا حاجة إلى ذلك،فإنه معلوم من موضعه،و لو لم ينص على صلة:

(عَنْهُ تَلَهّى) .

لما احتيج إلى ذلك كما سبق،و لهذا لم يذكر فى التيسير صلة شيء من ذلك اتكالا على ما علم من مذهبه، و من المشتغلين بهذه القصيدة من يظن أنه لا صلة فى الميمين،لعدم نص الناظم عليها،و ذلك و هم منه،و الناظم و إن لم يصرح بالصلة،فقد كنى عن ذلك بطريق لطيف،لمن كان له لب و فهم مستقيم،و ذلك أنه لو لم تكن هنا صلة لأدى التشديد إلى جمع الساكنين على غير حدهما،و قد قال الناظم فيما قبل.و جمع الساكنين هنا انجلا.

و كان من هذه العبارة وجود الصلة فى هذه الميم،تصديقا لقوله إن اجتماع الساكنين قد انقضى عند قوله:

(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ 4) .

و ما أدرى ما وجه الخلاف فى تشديد هاتين التاءين،و ليت الخلاف كان عند وجود الساكنين،و إلى مثل هذه الدقائق و المعانى أشار بقوله:*فافهم محصلا أى فى حال تحصيل و اشتغال،و بحث و سؤال،لا فى حال كلال و ملال،و عدم احتفال و الحمد للّه على كل حال:

534-[نعمّا معا فى النّون فتح(ك)ما(ش)فا

و إخفاء كسر العين(ص)يغ(ب)ه(ح)لا]

معا:يعنى هنا و فى النساء فالذى هنا-إن تبدوا الصدقات فنعما هى-و الذى فى سورة النساء-إن اللّه نعما يعظكم به-و كذلك حيث ذكر الناظم معا،فإن معناه أن هذا الحرف فى موضعين:أحدهما أو كلاهما فى هذه الصورة،كما قال:معا،قد حرك،فإن كان الحرف فى أكثر من موضعين،لم يقل معا؛بل يقول:حيث أتى،أو جميعا،أو الكل،و نحو ذلك؛و لو قال:معا فى الزائد على الاثنين لكان سائغا فى اللغة،و قد سبق تقريره فى باب الهمز المفرد،و لكنه فرق بين المعنيين بذلك،و ليس بحتم أن يقول معا فى موضعى الخلاف، بل قد يأتى بعبارة أخرى،نحو قوله:و فى لام للّه الأخيرين حذفها:

********

(1) آية:143.

(2) آية:65.

(3) سورة عبس،آية:10.

(4) سورة التوبة،آية:52.

ص: 373

(عسيتم).

بكسر السين حيث أتى انجلا،و هو فى موضعين فقط،كما مر ذكره،فإن كان الخلاف فى موضعين لكلمة واحدة،و تلك الكلمة قد جاءت على أحد الوجهين فى موضع ثالث بلا خلاف،لم يقل فيه معا،لأنه لا يفهم من ذلك موضع الخلاف من موضع الاتفاق،بل ينص على موضعى الخلاف،كقوله و كسرك:

(سخريّا).

بها و بصادها،لأن الكلمة قد جاءت أيضا فى الزخرف،و لكنها مضمومة بلا خلاف،و اعلم أن:

(نعمّا).

كلمتان كتبتا متصلتين،و التقى المثلان،فأدغمت الميم فى الميم،و اتفق القراء على الإدغام موافقة لخط المصحف،فإنهما كتبتا بميم واحدة،و هذا موضع اتفق عليه من باب الإدغام الكبير،لأن الميم من نعم متحركة مفتوحة،و قد أدغمت فى الميم من ما الداخلة عليها،و كان الأصل نعم ما،كما تقول بئس ما،و لما أريد الإدغام لم يمكن مع سكون العين قبلها:فكسرت،فمن القراء من أشبع الكسر فى الموضعين معا،و هم:ابن كثير و ورش و حفص،و كل من فتح النون،و منهم من أخفى الكسر و اختلسه تنبيها على أن أصل هذه العين السكون و هم و أبو عمرو،و قالون و أبو بكر.و ما أحسن ما عبر عنهم الناظم بقوله

صيغ به حلا

و باقى القراء،و هم:

ابن عامر و حمزة و الكسائى فتحوا النون و كسروا العين،و هذه هى اللغة الأصلية فى هذا الفعل،كحمد و علم، ثم سكن عينه تخفيفا لكثرة استعماله،و نقلت كسرة العين إلى النون فصارت هذه هى أفصح اللغات فيه،كما قال تعالى فى موضع لا يتصل به ما:

(نِعْمَ الْعَبْدُ 1) .

فلما اتصلت به ما وجب الإدغام لأجل الخط،و لزم كسر العين لأجل الساكنين،بقيت كسرة النون على حالها،و من فتحها عدل عن اللغة الأصلية ليأتى بالكسر الأصلى للعين،و لا يحتاج إلى كسر لالتقاء الساكنين، و يجوز أيضا فى اللغة أن يقال فى نعم المجردة عن كلمة،ما:نعم بكسر النون و العين،و نعم بفتح النون و سكون العين،نص على ذلك أبو جعفر النحاس و غيره،و قد ذكر بعض المصنفين فى القراءات إسكان العين مع الإدغام،و ذلك غير مستقيم فى التحقيق،و نسبه صاحب التيسير إلى من حكى لهم الإخفاء هنا،فقال:قالون و أبو بكر و أبو عمرو بكسر النون،و إخفاء حركة العين،و يجوز إسكانها،و بذلك ورد النص عنهم، و الأوّل أقيس.

قلت:و لم يعرج الناظم على هذه الرواية،و ترك ذكرها كما ترك ذكر نظيرها فى:

(لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ 2) .

كما يأتى،و أصاب فى ذلك،قال مكى فى التبصرة،و قد ذكر عنهم الإسكان،و ليس بالجائز،و روى

********

(1) سورة ص،آية:30.

(2) سورة الأعراف،آية:163.

ص: 374

عنهم الاختلاس،و هو حسن قريب من الإخفاء،و قال فى الكشف:روى عن أهل الإخفاء الاختلاس، و هو حسن،و روى الإسكان للعين،و ليس بشيء،و لا قرأت به،لأن فيهما جمعا بين ساكنين،ليس الأول حرف مد و لين،و ذلك غير جائز عند أحد من النحويين،و قال أبو على:من قرأ (فنعمّا).

بسكون العين لم يكن قوله مستقيما عند النحويين،لأنه جمع بين ساكنين:الأوّل منهما ليس بمد و لين، و قد أنشد سيبويه شعرا قد اجتمع فيه الساكنان على حد ما اجتمعا فى نعما،و أنكره أصحابه،قال:و لعل أبا عمرو أخفا ذلك كأخذه بالإخفاء فى نحو:

(بارئكم-و-يأمركم).

فظن السامع الإخفاء إسكانا للطف ذلك فى السمع،و خفائه،و قال أبو جعفر النحاس،فأما الذى حكى عن أبى عمرو و نافع من إسكان العين فمحال.

حكى عن محمد بن يزيد أنه قال:أما إسكان العين و الميم مشددة،فلا يقدر عليه أحد أن ينطق به،و إنما يروم الجمع بين ساكنين،و يحرك،و لا يأبه:أى لا ينتبه للتحريك،و لا يفطن به.

و قد اختار قراءة الإسكان الإمام أبو عبيد:القاسم بن سلام،و هو من عجيب اختياراته،فذكر قراءة الإسكان فى كتابه أولا،ثم ذكر قراءة فتح النون و كسر العين،ثم قال:و بالقراءة الأولى قرأت،لأنها فيما يروى:لغة النبى صلّى اللّه عليه و سلم حين قال لعمرو بن العاص:

«نعمّا المال الصّالح للرّجل الصّالح».

قال:هكذا يروى عنه صلّى اللّه عليه و سلم على هذا اللفظ،قال:ثم أصل الكلمة أيضا إنما هى:نعم زيدت فيها ما،و إنما قرأ تلك القراءة الأخرى من قرأها لكراهة أن يجمعوا بين ساكنين:العين و الميم فحركوا العين،قال:و هو مذهب حسن فى العربية،و لكنه على خلاف الحديث و الأصل جميعا.

قال أبو إسحاق الزجاج بعد ذكره كلام أبى عبيد:و لا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا،و لا هذه القراءة عند البصريين النحويين جائزة البتة،لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد و لا لين.

قلت:صدق أبو إسحاق،فكما قيل عمن روى قراءة الإسكان:إنه سمع الإخفاء فلم يضبط،كذلك القول فى رواة الحديث،بل أولى،لكثرة ما يقع فى الأحاديث من الروائق،على خلاف فصيح اللغة،و قد أخرج هذا الحديث الحاكم فى كتابه المستدرك،و قال فى آخره،يعنى بفتح النون و كسر العين:هذا حديث صحيح.

قلت و الحديث بتمامه مذكور فى ترجمة عمرو بن العاص فى تاريخنا الشامى و غيره،و الباء فى بالمال زائدة مثلها فى (وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً 1) و اللّه أعلم.

********

(1) سورة الفتح،الآية:28.

ص: 375

535-[و يا و نكفّر(ع)ن(ك)رام و جزمه

(أ)تى(ش)افيا و الغير بالرّفع وكّلا]

يعنى أن حفصا و ابن عامر بالياء،و الباقون بالنون،و هى ظاهرة،و أما الياء فإخبار عن اللّه،أو عن المذكور،و هو الإخفاء و لإيتاء الذى دل عليه قوله تعالى:

(وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ 1) .

أى هذا الفعل خير لكم و هو يكفر عنكم،و جزم الراء من القراء نافع و حمزة و الكسائى،لأنه معطوف على موضع:

(فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) .

و موضعه جزم على جواب الشرط،و سيأتى مثل ذلك فى الأعراف:

(مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَ يَذَرُهُمْ 2) .

قرئ بالياء و النون و الجزم و الرفع،و الأكثر ثم على الياء و الرفع،و وجه الرفع فيهما الاستئناف،و استقل الجواب بما قبل ذلك،و قوله و الغير بالرفع:زيادة فى البيان لم تدع إلى ذكر ضرورة،لأن الرفع ضد الجزم كما أن النون ضد الياء،فكما لم يذكر النون كان له أن لا يذكر الرفع،و اللّه أعلم.

536-[و يحسب كسر السّين مستقبلا(سما)

(ر)ضاه و لم يلزم قياسا مؤصّلا]

مستقبلا حال من يحسب،و لو لا هو لما كان الخلاف إلا فى الذى فى سورة البقرة فقط:

(يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ) .

فقال:مستقبلا ليشمل كل فعل مستقبل فى القرآن،سواء كان بالياء أو بالتاء،متصلا به ضمير أو غير متصل،نحو:

(أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ (3) - أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ (4) - وَ لا تَحْسَبَنَّ (5) - وَ هُمْ يَحْسَبُونَ (6) - فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ 7) .

و لو قال موضع مستقبلا:كيف أتى كان أصرح،لكنه خاف أن يلتحق بذلك الفعل الماضى نحو:

(وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ (8) - أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا 9) .

********

(1) سورة البقرة،آية:271.

(2) آية:186.

(3) سورة القيامة،آية:3.

(4) سورة الفرقان،آية:44.

(5) سورة آل عمران،آية:269.

(6) سورة الكهف،آية:104.

(7) سورة المائدة،آية:71.

(8) سورة آل عمران،آية:188.

(9) سورة العنكبوت،آية:2.

ص: 376

مما لا خلاف فى كسره،و كسر السين مبتدأ ثان،و العائد إلى المبتدأ الأول،و هو:يحسب محذوف تقديره كسر السين منه،و سما رضاه خبره،و الكسر و الفتح فى ذلك لغتان مشهورتان،و الفتح هو الجارى على القياس، لأن ماضيه مكسور السين،و الغالب على الأفعال التى ماضيها كذلك أن مستقبلها بالفتح،كعلم يعلم،و شرب يشرب.و أما إتيان المستقبل بالكسر كالماضى،فخارج عن القياس،و لم يأت إلاّ فى أفعال يسيرة،منها:

حسب،و نعم،و بئس،فهذا معنى قوله:و لم يلزم قياسا مؤصلا:أصلته العرب و علماء العربية،و فاعل يلزم ضمير يرجع على يحسب،أى لو لزم القياس لكانت سينه مفتوحة،و اختار أبو عبيد قراءة الكسر؛و ذكر حديثا عن لقيط بن صبرة،قال:«كنت وافد بنى المنتفق إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فبينا نحن عنده إذ روّح الراعى غنمه،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:ما أولدت؟قال:بهمة،قال:اذبح مكانها شاة،ثم قال[لا تحسبن].و لم يقل«لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها»قال أبو عبيد بالكسر نقرؤها فى القرآن كله، اختيارا لما حفظ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من لغته،و اتباعا للفظه،و اللّه أعلم.

537-[و قل فأذنوا بالمدّ و اكسر(ف)تى(ص)فا

و ميسرة بالضّمّ فى السّين(أ)صّلا)

فتى صفا:حال من الضمير فى و اكسر،و أراد كسر الذال،و بالمد أراد به ألفا يزيدها بعد الهمزة،و يلزم من ذلك تحريك الهمزة،و العبارة مشكلة على من لا يعرف القراءة،إذ قد يفهم أن الكسر فى الهمزة،فيكون المد بعدها ياء،أو يريد بالمد الألف بعد الألف التى هى بدل من الهمزة الساكنة،و يكون الكسر فى الدال، فيلبسن ذلك على من لا يعرف،فيحتاج إلى موقف،و لو قال:و مد و حرك فأذنوا اكسر فتى صفاه،لظهر الأمر فقراءة حمزة و أبى بكر من الأعلام،أى فأعلموا من وراءكم بحرب من اللّه،لأن آذن بمعنى أعلم،و قراءة الجماعة من أذن به،أى علم به:فهو أذين أى كونوا على إذن بحرب من اللّه و رسوله،و أما ميسرة بالفتح و الضم فلغتان،و الفتح أفصح و أشهر و أقيس،و هى اختيار أبى عبيد و غيره،و اللّه أعلم.

538-[و تصّدّقوا خفّ(ف)ما ترجعون قل

بضمّ و فتح عن سوى ولد العلا]

يريد (وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ 1) .

و أصله تتصدقوا،فحذف عاصم إحدى التاءين،و غيره أدغم الثانية فى الصاد،فمن ثم جاء التشديد، و أراد:

(وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ 1) .

و الخلاف فيه على ما سبق معناه فى ترجع الأمور.

********

(1) سورة البقرة،الآية:280.

ص: 377

539-[و فى أن تضلّ الكسر(ف)از و خفّفوا

فتذكر(حقّ)ا و ارفع الرّا(ف)تعدلا]

إنما قال:فاز لأن وجهه ظاهر،أى إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرى،و لهذا رفع فتذكر،لأنه جواب الشرط،نحو:

(وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ 1) .

فلما لم يستقم مع الكسر إلا الرفع،قال:فتعدلا،و من فتح أن،فعلى التعليل،و عطف فتذكر على تضل و إن كان التعليل فى الحقيقة،إنما هو الإذكار،و لكنه تقدم ذكر سببه،و هو الإضلال،و نظيره أعددت السلاح أن يجيء عدوّ فأدفعه به،و علة إعداد السلاح إنما هو دفع العدوّ لا مجيئه،و لكن ذكر مجىء العدوّ توطئة له،لأنه سبب الدفع،و التخفيف و التشديد فى فتذكر لغتان،يقال:اذكر،و ذكر،كأنزل و نزل، و اللّه أعلم.

540-[تجارة انصب رفعه فى النّسا(ث)وى

و حاضرة معها هنا عاصم تلا]

الذى فى النساء:

(إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (2) -و هنا- إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً 3) .

فنصب التى فى النساء الكوفيون،و نصب التى فى البقرة عاصم،مع صفتها،و هى حاضرة،فقوله:

و حاضرة معها،أى و انصب حاضرة مع تجارة هنا،ثم قال:عاصم،تلا ذلك،أو التقدير عاصم تلا حاضرة معها،أى نصبهما،و أجاز الناظم مع هاهنا،أى مع الحرف الذى هاهنا،فوجه النصب فى الموضعين،جعل كان ناقصة،و اسمها مضمر:يعنى الأموال ذات تجارة،و من رفع جعلها تامة،و قيل:إنها أيضا هنا ناقصة، و الخبر تديرونها،و يجوز أن يقدر فى النساء دائرة بينكم،و اللّه أعلم.

541-[و(حقّ)رهان ضمّ كسر و فتحة

و قصر و يغفر مع يعذّب(سما)العلا]

أى:حق جمع رهان أن يكون مضموم الراء و الهاء،و أن تحذف ألفه،و هو المراد بقوله:و قصر فيقال:

رهن،يشير إلى أن رهن جمع رهان،و هو قول الأكثر،و رهان جمع رهن،و هو قياس جمعه،كفرخ و فراخ و بغل و بغال،و كبش و كباش،و الرهن فى الأصل مصدر،ثم استعمل استعمال الكتاب،فكما يسمى المكتوب كتابا كذلك يسمى المرهون رهنا،و قيل:رهن أيضا جمع رهن كسقف و سقف،و أما قوله تعالى:

(فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ 4) .

********

(1) سورة المائدة،آية:95.

(2) سورة النساء،آية:29.

(3) سورة البقرة،آية:282.

(4) سورة البقرة،آية:284.

ص: 378

فقرئتا بالجزم عطفا على:

(يُحاسِبْكُمْ) .

و بالرفع قرأ ابن عامر و عاصم على الاستئناف،أى فهو يغفر و يعذب،ثم ذكر تتمة رمز الجزم فقال:

542-[(ش)ذا الجزم و التّوحيد فى و كتابه

(ش)ريف و فى التّحريم جمع(ح)مى(ع)لا]

شذا فاعل سما فى البيت الماضي،و العلا مفعول،أى:طال شذا جزم يغفر مع يعذب العلا،و الشذا حدة الطيب،و توحيد الكتاب هنا أريد به القرآن،أو جنس الكتاب،و فى التحريم أريد به الإنجيل أو الجنس، و لم يقرأ بالجمع فى التحريم إلا أبو عمرو و حفص،لأنه ليس معه،و رسله بخلافه هنا،و روينا فى جزء المخزومى عن على بن عاصم قال:أخبرنا خالد الحذاء،عن عكرمة،عن ابن عباس أنه كان يقرأ:

(وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَ كُتُبِهِ 1) .

و يقول الكتاب أكثر من الكتب،قال على بن عاصم:فسألت أهل العربية،فقالوا الكتاب جماع الجميع قلت:كأنهم أشاروا إلى أن الكتاب مصدر،فجميع الكتب كتابه:المشهورة و غير المشهورة،و وجه قراءة من جمع فى البقرة و أفرد فى التحريم،أنه نظر إلى من أسند الفعل إليه فى الموضعين،و هو فى البقرة مسند إلى المؤمنين،و مؤمنو كل زمان لهم كتاب يخصهم،و فى التحريم الفعل مسند إلى مريم وحدها،فأشير إلى الكتاب المنزل فى زمانها،و وجه الجمع أن قبلها:

(بِكَلِماتِ رَبِّها) .

و فى البقرة قبلها:

(وَ مَلائِكَتِهِ -و بعدها- وَ رُسُلِهِ 2) .

543-[و بيتى و عهدى فاذكرونى مضافها

و ربّى و بى منّى و إنّى معا حلا]

أى فى هذه السورة من ياءات الإضافة المختلف فى فتحها و إسكانها؛على ما تقرر فى بابها ثمانى ياءات،و إنما ذكر فى آخر كل سورة ما فيها من ياءات الإضافة،لأنه لم ينص عليها بأعيانها فى بابها،و إنما ذكرها على الإجمال فبين ما فى كل سورة من الياءات المختلف فيها لتنفصل من المجمع عليها،و يأخذ الحكم فيما يذكره من الياءات السابق فى أحكامها،و لم يذكر الزوائد،لأنها كلها منصوص عليها بأعيانها فى بابها،و صاحب التيسير لما لم ينص على الجميع بأعيانها فى البابين احتاج إلى ذكر الأمرين فى آخر كل سورة،و بيان حكم كل ياء منها فتحا و إسكانا،حذفا و إثباتا،و زاد بعض المصنفين فى آخر كل سورة ذكر ما فيها من كلمات الإدغام الكبير مفروشة

********

(1) سورة التحريم،آية:12.

(2) سورة البقرة،آية:285.

ص: 379

أما الياءات الثمانى المنصوصة،فنشرحها و نبين أحكامها استذكارا لما سبق بيانه،قوله تعالى:

(بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ 1) .

فتحها نافع و هشام و حفص:

(عَهْدِي الظّالِمِينَ 2) .

سكنها حمزة و حفص:

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ 3) .

فتحها ابن كثير وحده:

(رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي 4) .

سكنها حمزة وحده:

(بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ 5) .

فتحها ورش وحده:

(مِنِّي إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ 6) .

فتحها نافع و أبو عمرو:

(إنّى أعلم ما لا تعلمون (7)-إنّى أعلم غيب السّماوات (8).

فتحها الحرميان و أبو عمرو،فهذا معنى قوله:و إنى معا،أى تكررت مرتين،و حلا:أى هى حلا.

و فى هذه السورة من ياءات الزوائد ثلاث ياءات:

(أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ 9) .

أثبتها أبو عمرو و ورش فى الوصل،و قالون على رواية:

(وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ 10) .

أثبتها أبو عمرو وحده فى الوصل،و كنت قد طلب منى نظم الزوائد فى أواخر السور تبعا لياءات الإضافة، ففعلت ذلك فى نيف و عشرين بيتا سيأتى ذكرها مفرقة فى أواخر السور التى تكون فيها،و قلت فى آخر سورة البقرة بيتا ابتدأته بعد ياءات الإضافة المنظومة،و هو:

فتلك ثمان و الزوائد و اتقو ن من قبلها الداعى دعانى قد انجلا

و اللّه أعلم.

********

(1) سورة البقرة،آية:125.

(2) سورة البقرة،آية:124.

(3) سورة البقرة،آية:152.

(4) سورة البقرة،آية:358.

(5) سورة البقرة،آية:186.

(6) سورة البقرة،آية:149.

(7) سورة البقرة،آية:30.

(8) سورة البقرة،آية:33.

(9) سورة البقرة،آية:186.

(10) سورة البقرة،آية:197.

ص: 380

(سورة آل عمران)

مدنية:مائتا آية

544-[و إضجاعك التّوراة(م)ا ردّ(ح)سنه

و قلّل(ف)ى(ج)ود و بالخلف(ب)لّلا]

الإضجاع من ألفاظ الإمالة،و أميلت ألف التوراة،لأنها بعد راء،و قد وقعت رابعة فأشبهت ألف التأنيث،-كتترى-و-النصارى-فلهذا قال:ما رد حسنه،و قيل الألف منقلبة عن ياء،و أصلها تورية، من ورى الزند،و هذا تكلف ما لم تدع إليه حاجة،و لا يصح،لأن إظهار الاشتقاق إنما يكون فى الأسماء العربية،و التوراة و الإنجيل من الأسماء الأعجمية.قوله:و قلل فى جود يعنى أميل إمالة قليلة،و هى التى يعبر عنها بقولهم:بين بين،و بين اللفظين،و قد سبق الكلام فى تحقيقها فى باب الإمالة،و الجود:المطر الغزير، أى فى شهرة و استحسان كالجود الذى تحيا به الأرض،يشير إلى أن التقليل محبوب مشهور فى اللغة،و بالخلف بللا،يعنى قالون،لأنه لم يدم على التقليل،فهو دون الجود،إذ كان مرة يفتح و مرة يقلل،فاختلف الرواة عنه لذلك و هذا الموضع من جملة ما الحكم فيه عام،و لم ينبه عليه الناظم،لأن إمالة التوراة لا تختص بما فى هذه السورة،و كان موضع ذكرها باب الإمالة،و لو ذكرها فيه لظهر إرادة العموم،لأنه ليس بعض السور بأولى به من بعض،كما ذكر،ثم ألفاظا كثيرة،و عمت كقوله:و إضجاع-أنصارى-و آذانهم- طغيانهم-و إنما ذكر إمالة التوراة هنا موافقة لصاحب التيسير،و لكن صاحب التيسير قال:فى جميع القرآن، فزال الإشكال،و ظاهر إطلاق الناظم يقتضى الاقتصار على ما فى هذه السورة،على ما سبق تقريره مرارا، و من الدليل على أن من عادته بالإطلاق الاقتصار على ما فى السورة التى انتظم فيها،و إذا أراد العموم نص عليه بما يحتمل ذلك.قوله فى أوّل سورة المؤمنين-أماناتهم وحد-،و فى سال داريا،ثم قال:صلاتهم شاف، فأطلق،و فى سأل أيضا-صلواتهم-و لا خلاف فى إفراده،فلما لم يكن فيها خلاف أطلق،لعلمه:أن لفظه لا يتناولها إلا بزيادة قيد،و لما عم الخلاف فى أماناتهم قيد،فقال:و فى سال،و فى هذه السورة موضعان آخران عم الحكم فيهما،و لم ينبه عليهما،و هما-هأنتم-و كأين-كما سيأتى،و كان يمكن أن يقول هنا:أمل جملة التوراة مارد حسنه،و اللّه أعلم.

545-[و فى تغلبون الغيب مع تحشرون(ف)ى

(ر)ضا و ترون الغيب(خ)صّ و خلّلا]

فى رضى:فى موضع نصب على الحال من الغيب،أو فى موضع رفع خبرا له،أى الغيب مستقر فى هذين اللفظين كائنا فى وجه مرضى به،أو الغيب فيهما كائن فى رضى،و الغيب،و الخطاب فى مثل واحد كما تقول:

قل لزيد يقوم،و قل لزيد قم،و قد تقدم مثله فى البقرة:

ص: 381

(لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ 1) .

بالتاء و بالياء،و قد جاء فى القرآن العزيز الغيب وحده فى قوله تعالى:

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ 2) .

و الخطاب وحده فى قوله سبحانه:

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ 3) .

و قيل:ليقول لهم اليهود،و الإخبار عن مشركى مكة،و قوله:و يرون الغيب:و يرون مبتدأ،و الغيب بدل منه بدل الاشتمال،أى و غيب يرون خص،و يجوز أن يكون الغيب خص:مبتدأ و خبرا،و هما خبر يرون،و العائد محذوف،أى الغيب فيه،و خلل بمعنى خص،و إنما جمع بينهما تأكيدا لاختلاف اللفظين،

كقول عنترة: أقوى و أقفر بعد أم الهيثم

يريد قوله( يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ

(4).

أى خص الذين حضروا القتال،فهم الذين رأوا الخطاب،قيل لليهود،و قيل لمن غاب عن الوقفة من المسلمين أو المشركين،فلم يختص الرائى على قراءة الخطاب بالحاضرين،فالمعنى على قراءة الغيب:يرى المشركون المسلمين مثلى المشركين،أو مثلى المسلمين،أو يرون أنفسهم مثلى المسلمين،أو يرى المسلمون المشركين مثلى المسلمين،و ذلك أيضا تقليل،لأنهم كانوا أكثر من ثلاثة أمثالهم،أو يرون أنفسهم مثلى المشركين،و على قراءة الخطاب:يحتمل أن يكون الخطاب للمسلمين،أى ترون المشركين ببدل مثلى المسلمين الحاضرين لها،أو ترون المسلمين الحاضرين مثلى المشركين.أو ترون المسلمين مثلى المسلمين تكثيرا لهم،و يحتمل أن يكون الخطاب للمشركين،أى:ترون المسلمين مثلى المشركين،ترغيبا لهم،أو ترون المشركين مثلى المسلمين حقيقة،و مع هذا نصر المسلمون عليهم،و يحتمل أن يكون الخطاب لليهود،أى ترون المشركين مثلى المسلمين حقيقة،أو ترون المسلمين مثلى المشركين:آية من اللّه تعالى،أو ترون المسلمين مثلى المسلمين،و على الجملة فهذه الوجوه كلها ما كان منها دالا على التقليل من الطريقين فهو على وفق ما كان فى سورة الأنفال من قوله تعالى:

(وَ إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَ يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ 5) .

و ما كان منها دالا على التكثير،فوجه الجمع بين الآيتين أن التكثير وقع بعد التقليل،و كان حكمة تقليل المسلمين أولا أن لا يكترث لهم الكفار و يستهينوا أمرهم،فلا يكثروا الاستعداد لهم،و حكمة تقليل المشركين ظاهرة،و هى أن لا يهابهم المسلمون،و لا يرغبوا بسبب كثرتهم،فلما حصل الغرض من الجانبين،و التقى الجمعان،كثر اللّه تعالى المسلمين فى أعين الكفار ليجتنبوا عنهم،فينهزموا،و ليس بقوى عندى فى معنى هذه الآية،إلا أن المراد تقليل المسلمين و تكثير المشركين،فهو موضع الآية التى ذكرها اللّه سبحانه بقوله:

********

(1) سورة البقرة،آية:83.

(2) سورة الأنفال،آية:38.

(3) سورة الفتح،آية:16.

(4) سورة آل عمران،آية:13.

(5) آية:44.

ص: 382

(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا 1) .

و يدل عليه قوله بعد ذلك:

(وَ اللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) .

أى ليس ذلك بسبب قلة و لا كثرة،فلا تغتروا بكثرتكم،فإن النصر من عند اللّه،و الهاء فى ترونهم للكفار سواء قرئ بالغيب أو الخطاب،و الهاء فى مثليهم للمسلمين.فإن قلت:إن كان المراد هذا فهلا قيل:يرونهم ثلاثة أمثالهم،و كان أبلغ فى الآية،و هى نصر القليل على هذا الكثير،و العدة كانت كذلك،أو أكثر؛قلت أخبر عن الواقع،و كان آية أخرى مضمومة إلى آية النصر،و هى تقليل الكفار فى أعين المسلمين،و قللوا إلى حد وعد المسلمون النصر عليهم،و هو أن الواحد من المسلمين يغلب الاثنين،فلم تكن حاجة إلى التقليل أكثر من هذا،و فيه فائدة وقوع ما ضمن لهم من النصر فى ذلك،و اللّه أعلم.

546-[و رضوان اضمم غير ثانى العقود كس

ره(ص)حّ إنّ الدّين بالفتح رفّلا]

ضم الراء و كسرها فى رضوان:لغتان.قيل:الضم لبنى تميم،و الكسر لأهل الحجاز،و أجمع على كسر الثانى فى سورة المائدة،و قوله تعالى:

(مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ 2) .

و الأول فيه الخلاف و هو:

(يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً) .

و الأولى فى البيت أن يكون:و رضوانا اضمم بالنصب،فهو مثل زيدا اضرب،و ليس تصح إرادة الحكاية هنا،لأن لفظ رضوان المختلف فيه جاء بالحركات الثلاث،فرفعه نحو:ما فى هذه السورة،و نصبه نحو الأول فى المائدة.و جره مثل نحو:

(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ 3) .

فإذا لم تستقم إرادة لفظ واحد منها على الحكاية تعين أن يسلك وجه الصواب فى الإعراب،و هو النصب:

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ 4) .

بالفتح رفل:أى عظم.يعنى فتح همزة إن و وجهه:جعله بدلا من قوله:

(أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ 5) .

قال أبو على:فيكون البدل من الضرب الذى الشيء فيه هو هو،أ لا ترى أن الدين هو الإسلام:يتضمن

********

(1) سورة آل عمران،آية:13.

(2) سورة المائدة،آية:16.

(3) سورة التوبة،آية:21.

(4) سورة آل عمران،آية:190.

(5) سورة آل عمران،آية:15.

ص: 383

التوحيد،و العدل،و هو هو فى المعنى.قال:و إن شئت جعلته من بدل الاشتمال؛لأن الإسلام يشتمل على التوحيد و العدل.قال:و إن شئت جعلته بدلا من القسط،لأن الدين الذى هو الإسلام:قسط و عدل،فيكون من البدل الذى الشيء فيه هو هو،و قيل:إن الدين مفعول شهد اللّه،و قيل:إن الدين معطوف على أنه، و حرف العطف محذوف،و البدل أوجه هذه الأوجه،و وجه الكسر الاستئناف،لأن الكلام الذى قبله قد تم و اللّه أعلم.

547-[و فى يقتلون الثّان قال يقاتلو ن حمزة و هو الحبر ساد مقتّلا]

يعنى (وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ 1) .

و احترز بقوله:اثنان عن الأول،و هو:

(وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ 1) .

فلا خلاف فيه أنه من قتل،و أما الثانى فقرأه حمزة:من قاتل،ثم أثنى على حمزة بقوله،و هو الحبر:أى العالم،يقال بفتح الحاء و كسرها،و المقتل و المجرب للأمور،و هو حال من فاعل ساد العائد على حمزة،بشير إلى شيخوخته و خبرته بهذا العلم،يقال:رجل مقتل:إذا كان قد حصلت له التجارب فتعلم و تحنك بها، و اللّه أعلم.

548-[و فى بلد ميت مع الميت خفّفوا (ص)فا(نفرا)و الميتة الخفّ خوّلا]

أى الخلف وقع فى هذين اللفظين حيث أتيا.قال فى التيسير:الحى من الميت،و الميت من الحى،و إلى بلد ميت،و شبهه إذا كان قد مات و التخفيف و التثقيل فى مثل هذا لغتان.قال الشاعر:فجمع بين اللغتين:

إنما الميت ميّت الأحياء

و قوله:صفا نفرا:نصب نفرا على التمييز،و قد استعمل هذا اللفظ بعينه فى موضعين آخرين،أحدهما فى أواخر هذه السورة فى:و متم و مت،فقال فيه:صفا نفر،بالرفع على الفاعلية.و الموضع الآخر فى سورة التوبة،ترجئ همزة صفا نفر بالجر على الإضافة،و قصر صفا الممدود.و قوله:و الميتة الخف الخف:يقع فى بعض النسخ منصوبا،و فى بعضها مرفوعا.فوجه النصب أن يكون مفعولا ثانيا،لقوله:خولا،أى ملك هذا اللفظ الخف،من قولهم:خوله اللّه الشيء إذا ملّكه إياه،و وجه الرفع أنه مبتدأ ثان،و العائد إلى الأول محذوف،أى الخف فيه،كقوله:

«السمن منوان بدرهم»:أى:التخفيف فيه خوّل أى حفظ،من خال الراعى يخول فهو خائل، إذا حفظ،و التشديد للتكثير،و يجوز أن يكون الخف صفة الميتة،أى انفرد نافع بتثقيله،و أشار بقوله:

خولا،أى حفظ إلى أن لفظ الميتة الذى وقع فيه الخلاف معروف مشهور،بين القراء و هو الذى فى سورة يس (وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ 3) .

********

(1) سورة آل عمران،آية:21.

(3) آية:33.

ص: 384

و لا شك أن إطلاق الناظم لفظ الميتة يلبس على المبتدئ بقوله:

(الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ 1) .

فى سورتى المائدة و النحل،أما الذى فى البقرة فلا يلبس،لأنه تعداه،و لم يذكره،فدل على أنه غير مختلف فيه،و قول من قال:لما لم يذكر الذى فى البقرة علم أنه لا خلاف فيه،و لا ما كان من نوعه غير مستقيم،فكم من ألفاظ متفقة وقع الخلاف فى بعضها على ما نظم،نحو-بسطة-فى البقرة (2)بالسين اتفاقا، و فى الأعراف تقرأ بالصاد و السين (3)و لو كان أخر ما فى يس إلى سورته لكان أولى،و ليته ذكره فى الأنعام، كما فعل صاحب التيسير؛و اللّه أعلم.

549-[و ميتا لدى الأنعام و الحجرات(خذ)

و ما لم يمت للكلّ جاء مثقّلا]

يريد قوله تعالى- أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ -أن يأكل لحم أخيه ميتا-انفرد نافع أيضا بتثقيلهما كالميتة فى يس،ثم أخذ يذكر ما أجمعوا على تثقيله،فقال:هو ما لم يمت،أى ما لم يتحقق فيه بعد صفة الموت، كقوله:و ما هو بميت:

(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (4) - ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ 5) .

و كذلك أجمعوا على تخفيف الميتة فى غير يس،و ذلك فى البقرة و المائدة و النحل و- إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً - فى الأنعام و فيها:

(إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ (6) -و فى ق- وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً 6) .

و نحوه،فقول صاحب التيسير فى ضبط ما وقع فيه الخلاف:إذا كان قد مات،يرد عليه هذا الذى أجمع على تخفيفه،و الناظم أخذ مفهوم عبارة صاحب التيسير فقال:و ما لم يمت للكل جاء مثقلا،و لم يتعرض لما أجمعوا على تخفيفه،و تعرض له مكى،فقال:لم يختلفوا فى تشديد ما لم يمت،و لا فى تخفيف ما هو نعت لما فيه هاء التأنيث،نحو:

(بَلْدَةً مَيْتاً) .

فقد بان أن ما أجمع عليه منه ما ثقل،و منه ما خفف،و قلت بدل هذا البيت بيتا نبهت فيه على ذلك؛و بينت ما وقع فيه الخلاف من الميتة،و هو بعد قوله:و الميتة الخف خولا:

بياسين فى الأنعام ميتا خذوا و فو ق ق و باقى الباب خف و ثقلا

********

(1) سورة المائدة،آية:3 و النحل آية:115.

(2) سورة البقرة،آية:247 و الأعراف،آية:69.

(3) سورة الزمر،آية:30.

(4) سورة المؤمنون،آية:15.

(5) سورة الأنعام،آية:139.

(6) سورة ق،آية:11.

ص: 385

أى هذه مواضع الخلاف قد لعن عليها،و ما عدا ذلك مجمع عليه،لكن بعضه وقع الاتفاق على تحقيقه و بعضه على تشديده،و اللّه أعلم.

و وقع فى كتاب السبعة لابن مجاهد،تخفيف سائر القرآن مما لم يمت،زاد فى نسخة كقوله:و إن يكن ميتة و بلدة ميتا،و نحوه:

550-[و كفّلها الكوفى ثقيلا و سكّوا

وضعت و ضمّوا ساكنا(ص)حّ(كفّلا]

أى يقرؤه الكوفى ثقيلا،أى كفلها اللّه زكريا،و قرأ الجماعة على إسناد الفعل إلى زكريا،و هو موافق لقوله تعالى:

(أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ 1) .

و قراءة وضعت بإسكان العين و ضم الفاء على إخبار أم مريم عليها السلام،عن نفسها،و قراءة وضعت بفتح العين،و سكون التاء إخبار من اللّه تعالى عنها،و ليس الضمير فى سكنوا،و لا فى ضموا عائد على الكوفى، و إنما يعودان على مطلق القراءة،و لو قال:

و كفلها الكوفى ثقيلا وضعت سا كن العين و اضمم ساكنا صح كفلا

لارتفع هذا الوهم،و كفلا:جمع كافل،و هو منصوب على التمييز،و اللّه أعلم.

551-[و قل زكريّا دون همز جميعه (صحاب)و رفع غير شعبة الأوّلا]

أى دونه جماعات يقومون بنقله و دليله،و العرب تنطق بزكريا ممدودا و مقصورا،و هو اسم أعجمى، و من عادتهم كثرة التصرف فى الألفاظ الأعجمية،و يقال أيضا:زكرى،و زكر،بالصرف فيهما لإلحاق الأول بالنسب،فهو كصرف:معافرى،و مدائنى،و لخفة الثانى بإسكان الوسط،فهو كنوح و لوط و غير شعبة من الذين همزوا زكريا،رفعوا الأول،و هو قوله تعالى:

(وَ كَفَّلَها زَكَرِيّا 2) .

على أنه فاعل و كفلها،و شعبة نصبه على أنه مفعول به،لأنه يقرؤه،و كفلها بالتشديد،و قوله غير شعبة مبتدأ،و رفع:خبره،أى ذو رفع،و قيل غير فاعل رفع،و الأوّلا:مفعول رفع لأنه مصدر،و اللّه أعلم.

552-[و ذكّر فناداه و أضجعه(ش)اهدا

و من بعد أنّ اللّه:بكسر(ف)ى(ك)لا]

إسناد الفعل إلى الجماعة يجوز تذكيره و تأنيثه،فلما ذكر حمزة و الكسائى فناداه الملائكة،أمالا ألفه على أصلها فى إمالة ذوات الياء،و لهذا قال:شاهدا،أى شاهدا بصحته،و إن اللّه من بعد فناداه،يعنى:

********

(1) سورة آل عمران،آية:44.

(2) سورة آل عمران،آية:27.

ص: 386

(أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى 1) .

يكسر فى كلأ،أى فى حراسة و حفظ،و الكسر على تقديره،فقالت-إن اللّه-أو يكون أقام النداء مقام القول،فكسر أن بعده،و من فتح فعلى تقدير فنادته بأن اللّه:أى بهذا اللفظ،ثم حذف الجار،و حذفه من نحو هذا شائع،لكن:هل تبقى:

(إنّ).

و ما بعدها فى موضع نصب أو جر،فيه خلاف بين النحويين،و هذه العبارة فى قوله:

(أَنَّ اللّهَ) .

يكسر فى النفس منها نفرة،و كذا قوله فى أول براءة:

(لا أَيْمانَ) .

عند ابن عامر،و الأولى فتح همزة-أيمان-هناك،أو يقال و يفتح لا أيمان إلا لشامهم و يقال هنا و يكسر أن اللّه من بعد فى كلا،و اللّه أعلم.

553-[مع الكهف و الإسراء يبشر(ك)م(سما)

(ن)عم ضمّ حرّك و اكسر الضّمّ أثقلا]

أى:لفظ يبشر هنا،و فى سورتى الإسراء و الكهف،أما فى آل عمران فموضعان:

(أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى 1) .

(إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ 3) .

و فى أول الإسراء و الكهف:

(وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ 4) .

الخلاف فى هذا الفعل المضارع فى هذه الأربعة،هل هو مضارع فعل بتخفيف العين،كخرج أو مضارع فعل بتشديدها،كسوّل،و هما لغتان،إلا أن المشدد مجمع عليه فى القرآن فى الفعل الماضى و الأمر:

(وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ (5) - فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ 6) .

فهذا مما يقوى التشديد فى المضارع و قال الشاعر:

بشرت عيالى إذ رأيت صحيفة

و أنشد أبو على:

فأعنهم و أبشر بما بشروا به

********

(1) سورة آل عمران،آية:39.

(3) سورة آل عمران،آية:45.

(4) سورة الكهف،آية:2.

(5) سورة الصافات،آية:112.

(6) سورة لقمان،آية:7.

ص: 387

و حكى لغة ثالثة:أبشر يبشر،كأكرم يكرم،فالبشر و الإبشار،و التبشير:ثلاث لغات فيه،و يقال:

بشر بكسر الشين،و أبشر كأدبر،إذا سرّ و فرح،و أنشد الجوهرى بيت أبى على بفتح الشين فى الأمر و كسرها فى الماضى،و أبشر بالهمز مطاوع،و بشر،و منه قوله تعالى:

(وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ 1) .

و كان المعنى و اللّه أعلم:بشروا أنفسكم بها،و كم فى قوله كم سما خبرية؛أى سما سموا كثيرا،و تقديره:

كم مرة سما،و نعم:جواب سؤال مقدر،كأنه قيل له صف ما شأنه،فقال:نعم،فهو مثل قوله فيما سبق، نعم إذ تمشت،و أراد ضم الياء و فتح الباء،لأنه أطلق التحريك و كسر الشين،لأنها هى المضمومة فى قراءة التخفيف،و أراد بالضم المضموم،أى ذا الضم،و أثقلا:حال منه،أى فى حال كونه ثقيلا،أى يصير مكسورا مشددا،و اللّه أعلم.

554-[(ن)عم(عمّ)فى الشّورى و فى التّوبة اعكسوا

لحمزة مع كاف مع الحجر أوّلا]

أى عم هذا الحكم فى الشورى،و هو التثقيل،و هو قوله تعالى:

(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللّهُ عِبادَهُ 2) .

وافق أبو عمرو و ابن كثير فيه من خفف،و وافق ابن عامر فيه من شدد،و قرأ حمزة وحده بعكس التثقيل يعنى بالتخفيف فى التوبة:

(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ 3) .

و فى مريم،و هى المرادة بقوله مع كاف،لأن أولها كهيعص كما تسمى سورة ص و ق و ن بالحرف الذى فى أولها،و صرفه ضرورة،و قد ترك صرفه فى قوله:و كم صحبة يا كاف،و فى كاف فتح اللام،و كذا استعمل ص فقال هشام بصاد حرفه متحملا،و فى ص غيطلا،و فيها موضعان:

(يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ 4) .

و فى آخرها:

(لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ 5) .

و الأول الذى فى الحجر:

(إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ 6) .

و احترز بقوله:أولا عن الثانى،و هو:

********

(1) سورة فصلت،آية:30.

(2) سورة الشورى،آية:23.

(3) سورة التوبة،آية:21.

(4) سورة مريم،آية:7.

(5) سورة مريم،آية:97.

(6) سورة الحجر،آية:53.

ص: 388

(فَبِمَ تُبَشِّرُونَ 1) .

و لا خلاف فى تشديده،فهذه المواضع الأربعة خففها حمزة وحده.فقد صار الخلاف فى تسعة مواضع منها فى آل عمران موضعان،و فى التوبة،و الحجر،و الإسراء،و الكهف،و الشورى،منها واحد بالتاء، و هو آخر مريم،و اثنان بالنون فى الحجر،و أول مريم،و البواقى بالياء.

555-[نعلّمه بالياء(ن)صّ(أ)ئمّة

و بالكسر أنّى أخلق اعتاد أفصلا]

الخلاف فى (وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ 2) .

بالنون و الياء ظاهر،و نص أئمة:خبره،أى هو منصوص عليه للأئمة،و يجوز نصبه مثل:كتاب اللّه.

و صبغة اللّه،و الكسر فى:

(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ 3) .

على الابتداء،فلا يبقى له تعلق بما قبله،فلهذا قال:اعتاد أفصلا أو:

(أَنِّي أَخْلُقُ) .

مبتدأ،و بالكسر خبره،و اعتاد بمعنى تعود،و الضمير فيه راجع إلى الكسر،و يجوز أن يعود إلى:

(أَنِّي أَخْلُقُ) .

فيكون بالكسر حالا منه،أى هو بالكسر اعتاد الفصل،و أفصلا بمعنى فاصلا،و هو حال؛أو فى موضع المصدر؛كقوله و لا خارجا من فىّ ذور كلام،أى اعتاد فصلا،أى اعتاد الكسر أو المكسور؛و هو أنى.

أن يفصل ما بعده مما قبله؛فيجوز على قراءة الكسر الوقف على:

(بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ 4) .

ثم يبتدئ بقوله-أنى أخلق-إما استئنافا و إما تفسيرا.فموقعها كموقع قوله:

(خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) .

بعد قوله:

(كَمَثَلِ آدَمَ 5) .

و وجه قراءة الفتح:البدل من:

(أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) .

********

(1) سورة الحجر،آية:54.

(2) سورة آل عمران،آية:48.

(3) سورة آل عمران،آية:49.

(4) سورة آل عمران،آية:49.

(5) سورة آل عمران،آية:59.

ص: 389

أو من آية فى قوله:

(بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) .

أو خبر مبتدأ محذوف،أى هى-أنى أخلق-فيكون فى موضع نصب أو جر أو رفع

558-[و فى طائرا طيرا بها و عقودها

(خص)وصا و ياء فى نوفّيهم(ع)لا]

أى قرءوا طيرا فى موضع طائر،هنا و فى المائدة،دون غيرهما و أشار إلى ذلك بقوله:خصوصا،و هو مصدر،و الطائر مفرد،و الطير اسم جمع،و يقع على المفرد،و جمعه طيور و أطيار.و جمع طائر:أيضا أطيار كصاحب و أصحاب،و أما:

(فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) .

فالياء فيه و النون ظاهران.

557-[و لا ألف فى ها هأنتم(ز)كا(ج)نا

و سهّل(أ)خا(ح)مد و كم مبدل(ج)لا]

هذا من جملة المواضع التى الحكم فيها عام،و لم يبينه،بل أطلقه؛فيوهم إطلاقه أنه مختص بسورته فقط، و صاحب التيسير و غيره قالوا:حيث وقع،و استعمل الناظم«لا»بمعنى:ليس،فارتفع ألف بعدها، و قوله فى ها:

(هأنتم).

أى لا ألف فى لفظ ها،من:

(هأنتم (1).

و يشكل على هذا التأويل أنه لفظ ب«هأنتم»بغير ألف،و جوابه،أنه أراد فى لفظ هامن ها أنتم الذى صار لفظه بعد حذف الألف منه:

(هأنتم (2).

و حذف هذا المقدر كله للعلم به،فهو قريب من قوله:و فى بلد ميت مع الميت خففوا،أى خففوا المثقل حتى صار على هذا اللفظ،و كذا قوله:قل:سارعوا،لا واو و قل قال موسى،و احذف الواو،أى:

احذفها من:

(وَ قالَ الَّذِي 3) .

********

(1) سورة النساء،آية:109.

(2) سورة النمل،آية:4.

(3) سورة طه،آية:71.

ص: 390

صار بعد الحذف،قال:و يجوز أن يكون أراد فى ها-ها أنتم-و قصر الممدود،أى الألف بعدها هاء-ها أنتم- و وجه التجوّز فى التعبير عن ذلك بحرف«فى»أن الألف لما كانت عقيب الهاء تجوز لشدة القرب بأن جعلها فيها قريبا من قوله تعالى:

(وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) .

و هذا الوجه أوفق للفظة أنتم-بغير ألف،و لو قال:و-ها أنتم-اقصر حيث جا.زكا.جنا لخلص الكلام من هذا التكلف فى تأويله،و جنا فى موضع نصب على التمييز،و أخا حمد:حال أو منادى على حذف حرف الندا،و معنى البيت من جهة القراءة أن الألف فى قراءة قنبل و ورش محذوف،و الباقون أثبتوا الألف،إلا أن نافعا و أبا عمرو سهلا الهمزة،أى جعلاها بين بين،فهى فى قراءة أبى عمرو و قالون واقعة مسهلة بعد الألف و فى قراءة ورش مسهلة بعد الهاء،إذ الألف فى قراءته و الهمزة المفتوحة بعد الألف كالمفتوحة بعد مفتوح، قياس تسهيلهما أن تجعلا بين بين،و جماعة من أهل الأداء و شيوخ الإقراء أبدلوها له ألفا،و هذان الوجهان لورش هما كما سبق له فى باب الهمزتين من كلمة،فى قوله عن الهمزة الثانية.

و قل ألفا عن أهل مصر تبدلت لورش و فى بغداد يروى مسهلا

و قراءة قنبل على نحو:فعلتم،نحو:هزمتم،و هشمتم،و كذا يكون وزن قراءة ورش على وجه التسهيل لأن الهمزة المسهلة بزنة المحققة فيما يرجع إلى الوزن،و وزن قراءة الباقين فاعلتم نحو قاتلتم و ضاربتم إلا أن غير قالون و أبى عمرو،و هم:الكوفيون و ابن عامر و البزى حققوا الهمزة.ثم أخذ يبين هذه الكلمة و يشرحها على ما تقرر من أصولهم،و فى عبارة صاحب التيسير عن قراءة نافع و أبى عمرو إشكال،فإنه قال نافع و أبو عمرو -و ها أنتم-حيث وقع بالمد من غير همز؛و كذا قال شيخه أبو الحسن بن غلبون.و مكى؛و كأنهم يعنون من غير همز محقق.بل هو مسهل بين بين،و كذلك شرحه أبو على الفارسى رحمه اللّه،و صرحه مكى فى الكشف قال:و بين بين أموى فى العربية فى ذلك كله لورش،ثم قال:الدانى و ورش أقل مدا،و هذا هو الوجه الثانى له الذى أبدل فيه الهمزة ألفا،قال المهدوى:أبدلها ورش ألفا و حذف إحدى الألفين لالتقاء الساكنين،و قال صاحب الروضة:قرأ أهل المدينة و أبو عمرو-هأنتم-بتليين الهمزة،و الباقون بتحقيقها،و كلهم أثبتوا ألفا قبل الهمزة إلا ابن مجاهد عن قنبل،فإنه حذفها،و كان نافع فى غير رواية ورش أقصرهم مدا؛و فى كتاب أبى عبيد:قرأ أهل المدينة و أبو عمرو-هأنتم-غير ممدودة و لا مهموزة فى جميع القرآن،و كان حمزة و الكسائى يقرءانها بالمد و الهمز معا،قال:و كذلك نقرؤها بالإشباع و التحقيق.قلت:و هذا خلاف ما نقله الجماعة من المد لأبى عمرو و قالون،و اللّه أعلم.

558-[و فى هائه التّنبيه(م)ن(ث)أبت(ه)دى

و إبداله من همزة(ز)ان(ج)مّلا]

يعنى الهاء من-ها أنتم-فيها معنى التنبيه فى قراءة ابن ذكوان و الكوفيين و البزى؛لأن لفظ ها،من حروف التنبيه،و هو يدخل على أسماء الإشارة،و على الضمائر،فيكون داخلا هنا على الضمير الذى هو:أنتم،كما تقول:ها أنت فعلت كذا،و دل على أنها للتنبيه فى قراءة هؤلاء كونهم مدوا بعد الهاء،و ليس من-مذهبهم

ص: 391

المد بين الهمزتين،بخلاف غيرهم،و قوله:من ثابت:متعلق بالتنبيه،و هدى تمييز،مثل:زكا جنا،أى ثابت هداه،يعنى المتكلم ب(ها أنتم)و هو اللّه جل و عز،ثم قال:و إبداله:أى إبدال الهاء من همزة زان و جمل فجملا معطوف على زان،بإسقاط حرف العطف،و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر،أى الهاء فى ها أنتم على قراءة قنبل و ورش،تكون بدلا من همزة الاستفهام،و الأصل:أأنتم،لأنهما مما مدا بعد الهاء،و لو كانت للتنبيه لأتوا بألف ها،و الهاء تبدل من الهمز فى مواضع كثيرة،فيجوز أن يكون هذا منها،و إنما لم يسهل قنبل الثانية،لأنه قد أبدل الأولى هاء،فلم تجتمع همزتان،و سهل ورش اعتبارا بالأصل،أو كما سهل البزى فى (لَأَعْنَتَكُمْ 1) .

وقفا و وصلا،و هو كما يفعل حمزة فيهما فى الوقف على وجه،و كل ذلك جمع بين اللغات:

559-[و يحتمل الوجهين عن غيرهم و كم وجيه به الوجهين للكلّ حمّلا

أى و يحتمل الهاء فى قراءة غير من تقدّم،و هم أبو عمرو و قالون و هشام:أن تكون بدلا من همزة،لأن من مذهب هؤلاء الثلاثة المد بين الهمزتين من كلمة،كما سبق فى بابه،و الألف هنا فى قراءتهم ثابتة،و من مذهب أبى عمرو و قالون:التسهيل فى مثل هذا،و قد سهلا فكان من هذا الباب بدليل التسهيل و المد،و يحتمل أن تكون ها التى للتنبيه،و الألف الثانية هى ألف ها،و إنما سهل أبو عمرو و قالون الهمز على خلاف أصلهما جمعا بين اللغتين،كما فعل البزى فى-لأعنتكم-ثم ذكر أن جماعة من القراء[من له وجاهة و قول مقبول]حمل الهاء على الوجهين لجميع القراء السبعة،فالهاء فى به للهاء و الباء زائدة،و هذه الطريقة غير مذكورة فى التيسير و لكن قد ذكرها جماعة مثل مكى و المهدوى و أبى على الفارسى،و إن كانت هذه الطريقة ظاهرة فى بعض القراءات أكثر من بعض،و قد تقرر الوجهان فى مذهب الغير على ما ذكر،و أما احتمال التنبيه فى قراءة ورش و قنبل، فوجهه أن يقال:حذفت ألف ها تخفيفا،و لالتقاء الساكنين فى قول من أبدل لورش،و أما احتمال البدل فى قراءة ابن ذكوان و الكوفيين و البزى فلا مانع منه إلا كونهم مدوا بين الهمزتين و هذا لا يضر جمعا بين اللغتين لأن الهمزة الأولى مقدرة منونة،و أريد بالمد الإشارة إلى ذلك،و الذى استحسنه الجماعة أن تكون الهاء للتنبيه فى قراءة هؤلاء،قال المهدوى:إذ ليس أحد من القراء يدخل بين الهمزتين المفتوحتين من كلمة ألفا مع التحقيق فيقدر له هذا التقدير.قال مكى و هذا أولى بقراءة البزى،و على ذلك تحمل قراءة الكوفيين و ابن عامر،إلا هشاما فإنه قد يدخل بين الهمزتين ألفا فى غير هذا،فيجوز أن يحمل هذا على أصله فى غيره،قلت:الأولى فى هذه الكلمة على جميع وجوه القراءات فيها أن تكون ها للتنبيه لأنا إن جعلنا الهاء بدلا من همزة،كانت تلك الهمزة همزة استفهام،و-ها أنتم-أينما جاءت فى القرآن إنما هى للخبر لا للاستفهام و لا مانع من ذلك إلا تسهيل من سهل و حذف من حذف،أما التسهيل فقد سبق تشبيه بقوله-لأعنتكم-و شبهه،و أما الحذف فنقول:

ها مثل أما،كلاهما حرف تنبيه.و قد ثبت جواز حذف ألف أمّا،فكذا حذف ألف ها،و ذلك قولهم:

أم و اللّه لأفعلن،و قد حمل البصريون قولهم:

********

(1) سورة البقرة،آية:220.

ص: 392

(هَلُمَّ إِلَيْنا 1) .

على أن أصله ها لم،ثم حذفت ألفها فكذا-ها أنتم-.

560-[و يقصر فى التنبيه ذو القصر مذهبا

و ذو البدل الوجهان عنه مسهّلا]

ذكر فى هذا البيت تفريع ما يقتضيه الخلاف فى البيت السابق على التقديرين:من أن الهاء للتنبيه،أو بدل من همزة،و نبه بقوله:و يقصر،على أن كلامه فى من فى قراءته ألف،فخرج من ذلك قنبل و ورش،إذ لا ألف فى قراءتهما،و القصر و المد لا يكونان إلا فى حرف من حروف المد،فقال:إذا حكمنا بأن الهاء للتنبيه صار المد فى ذلك على قراءة من أثبت الألف من قبيل المنفصل مثل:

(و ما لنا أن لا).

و ذلك أن ها كلمة؛و أنتم كلمة أخرى؛فيقصر من مذهبه القصر،و يمد من مذهبه المد،فخرج من هذا أن للبزى و السوسى القصر،و لقالون و الدورى خلاف تقدم،لكن على رواية المد لهما يتجه هاهنا خلاف آخر، مأخوذ من قوله:و إن حرف مد قبل همز مغير،البيت قد تقدم شرحه،و الباقون على المد؛فقوله و ذو البدل يعنى من ذكرنا أن الهاء فى مذهبه بدل من الهمزة،عنه وجهان فى حال تسهيله،فلا يكون ذلك إلا فى مذهب الدورى و قالون على رواية،أما السوسى فإنه من ذوى القصر مذهبا،و أما ورش فلا ألف فى قراءته،فلا مدّ و على الوجه الآخر الذى أبدل فيه الهمزة ألفا:مده بمقدار نطقه بألف،نحو:قال،و باع،لا زيادة عليه، بقى من ذوى البدل هشام،فله المد،قولا واحدا،لأنه ليس بمسهل،و كل هذا تفريع على أن-ها-للتنبيه لأصحاب البدل و غيرهم،أما إذا قلنا:إن الهاء بدل من الهمزة،فالكل مستوون فى المد بمقدار ألف،كما يقرءون:

(أَ أَنْذَرْتَهُمْ 2) .

و كما يقولون:قال،و باع،لأنها ألف بين همزتين،فليس هذا من المد المنفصل و لا المتصل،و قول الناظم:و ذو البدل،و إن كان يعنى به بدل الهاء من الهمز،فلم يقل ذلك ليبنى الخلاف على البدل،إذ لا مناسبة فى ذلك،و إنما ذكره تعريفا لمن عنه الوجهان،لا شرطا.فقال:من ذكرنا إن الهاء مبدلة من همزة فى مذهبه إذا فرعنا على أنها أيضا فى حقه للتنبيه،هل يكون له مد نظر،إن كان مسهلا فوجهان،لأن الألف حرف مد قبل همز مغير،و إن كان محققا مد بلا خلاف،و هو هشام،هذا قياس مذهبهم و ما يقتضيه النظم و المعنى، فلا تختلف القراءة بالمد و القصر إلا على قولنا إن ها للتنبيه،فما فرع الناظم إلا على هذا القول و لم يفرع على قول البدل،لوجهين:أحدهما أن كون ها للتنبيه هو الأصح،على ما اخترناه فى شرح البيت السابق،الثانى أنه ترك التفريع على ذلك لظهوره،لأنه لا يقتضى تفاوتا فى المد للجميع،لأن التقدير تقدير أنهم أدخلوا ألفا بين همزتين،بعضهم جرى على أصله،و بعضهم خالف فى ذلك أصله،و إدخال ألف بين همزتين لا يختلف فى النطق

********

(1) سورة الأحزاب،آية:18.

(2) سورة يس،آية:10.

ص: 393

بها كما سبق تقريره،و ذكر بعض من شرح:أن إدخال الألف بين الهمزتين يقتضى أن الأمر يصير من قبيل المتصل،كأن الألف من نفس الكلمة،فعلى هذا القول أيضا يستوون فى المد:و لا يجيء القصر إلا على قولنا إن حرف المد الذى قبل الهمز المغير لا يمد،إلاّ أنّ هذا القول عندى غلط،فإن من يقول بمد الألف بعد إدخالها بين الهمزتين يكون بقدر ألفين و أكثر،و المنقول أنهم يدخلون بينهما ألفا للفصل،فلا حاجة إلى زيادة المد،بل يقتصر على مقدار النطق بألف على حدها فى نحو:قال،و باع،و ذكر الشيخ فى شرحه أن قوله:

و ذو البدل:يعنى ورشا الوجهان عنه،يعنى المد و القصر فى حال كونه مسهلا،و يعنى بالتسهيل مذهبيه،و هما إبدال الهمز.و بين بين،فالمد على قول البدل و القصر على بين بين،و لم يرد بمسهلا حالة بين بين فقط،فإنه لا يتجه له فيها إلا القصر،و قد تقدم فى الأصول أن التسهيل يطلق على كل تغيير للهمز،و إنما ذكر مسهلا ليفصل ورشا من قنبل،لأن كليهما ذو بدل:أى الهاء بدل من همزة عندهما،إلا أن قنبلا لا يمد لإسقاطه الألف، و ورش بمد لأجل الألف المبدلة من الهمزة،فمده هو الإتيان بالألف المبدلة،لا أمر زائد على ذلك،هذا شرح ما ذكره فى الشرح،و هو معلوم مما تقدم،فلم تكن حاجة إلى ذكره،و قال لى الشيخ أبو عمرو رحمه اللّه:يعنى بقوله:و ذو البدل أبا عمرو و قالون،لأنهما هما اللذان من مذهبهما إدخال ألف بين الهمزتين،و جاء عنهما هنا خلاف،لأجل أن الهمزة الأولى مبدلة و الثانية مسهلة،فلم يستصعب الجمع بينهما،فلا حاجة إلى طول المد،و احترز بقوله:مسهلا من هشام،فإنه أيضا من ذوى البدل،و لا حاجة إلى ذكر قنبل و ورش،إذ لا ألف فى قراءتهما،قلت:و هذا مشكل،فإنه يقتضى أن الألف فى قراءتهما على وجه،و ليس الأمر كذلك فإنهما يثبتان الألف،و أهل علم القراءات عبروا عن هذه الألف لهما بأنها مدهما الذى ثبت لهما فى باب الهمزتين من كلمة،و قال صاحب التيسير:من جعلها للتنبيه و ميز بين المنفصل و المتصل فى حروف المد لم يزد فى تمكين الألف،سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها،و من جعلها مبدلة،و كان ممن يفصل بالألف زاد فى التمكين، سواء أيضا حقق الهمزة أو لينها،و قال ابن غلبون فى التذكرة:اعلم أن أبا عمرو و رجال نافع يتفاضلون فى المد فى-ها أنتم-إذا جعلوا لهاء بدلا من همزة الاستفهام على ما بيناه فى تفاضلهم فى:

(أَ أَنْذَرْتَهُمْ) .

و نحوه،يريد أن من أدخل الألف أطول مدا مثل قالون،و من لم يدخل فلا مد،أو له مد قصير،كقراءة ورش،ثم قال:فأما إذا جعلت الهاء للتنبيه،فإنهم يستوون فى المد فى-ها أنتم-لأنه ليس أحد منهم يدخل بين الألف و بين الهمزة الملينة التى بعد-ها-ألفا-كما فعل ذلك من فعله منهم فى قوله:

(أَ أَنْذَرْتَهُمْ) .

و نحوه،و كذا الباقون ممن عدا قنبلا يتفاضلون فى المد هاهنا،على ما بيناه من تفاضلهم فى المد فى حرف اللين الواقع قبل الهمزة فى باب المد و القصر فيما كان من كلمة أو كلمتين على الوجهين من جعل الهاء بدلا من همزة الاستفهام أو للتنبيه،قلت:معنى عبارتهما أن الاختلاف فى إدخال الألف إنما يأتى على قولنا:إنها بدل من الهمزة،أما إذا كانت للتنبيه،فلم يجتمع همزتان،لا لفظا و لا تقديرا،فلا سبيل إلى القول بإدخال الألف فاستووا فى لفظ المد من هذه الجهة،لكنهم يتفاضلون فيه على ما سبق ذكره فى باب المد و القصر،و يعتبر الحلاف المستفاد من قوله:و إن حرف مد قبل همز مغير،و نظير إتيان الناظم بقوله:و ذو البدل تعريفا لا شرطا

ص: 394

قول العلماء مثل ذلك فى معنى الحديث الصحيح«أن امرأة كانت تستعير المتاع و تجحده فقطع النبى صلّى اللّه عليه و سلم يدها»قالوا ذكر استعارة المتاع و جحده إنما كان تعريفا لا سببا للقطع،و السبب سرقة لم تذكر للعلم بها، و كان الغرض تعريف المرأة التى قطعت يدها فعرفت بما كانت مشهورة به،و اللّه أعلم.

561-[و ضمّ و حرّك تعلمون الكتاب مع

مشدّدة من بعد بالكسر(ذ)لّلا]

يعنى:ضم التاء و حرك العين،أى افتحها،لأنه ذكر التحريك مطلقا غير مقيد،مع لام مشدّدة مكسورة من بعد ذلك،فيصير:تعلمون،من التعليم،و القراءة الأخرى من العلم،و قد لفظ بها مع كونها معلومة من أضداد ما ذكره،و المفعول الأول على قراءة التشديد محذوف،أى:

(تعلّمون النّاس الكتاب (1).

يعنى حفظه و فهمه،و التعليم يستلزم علم المعلم،فكان فيه دلالة على القراءة الأخرى،و يؤيد تعلمون بالتخفيف قوله بعد ذلك:

(تَدْرُسُونَ) .

أى أنتم جامعون لفهم الكتاب و تلاوته.و قوله ذللا،أى قرب،و اللّه أعلم.

562-[و رفع و لا يأمركموا(ر)وحه(سما)

و بالتّاء آتينا مع الضّمّ(خ)وّلا]

ينبغى أن لا يقرأ يأمركم فى البيت إلا بتحريك الراء،إما برفع أو بنصب على القراءتين،و الوزن مستقيم على ذلك،على كف الجزء السباعى،و إن قرئ بسكون الراء و ضم الميم استقام الوزن بلا كف،لكن يكون التلفظ بما لم يقرأ به فى القرآن مع ضعف الإسكان فى الراء على ما سبق،و موضع و لا يأمركم:جر بإضافة،و رفع إليه؛و وجه نصب يأمركم العطف على ما قبله من قوله:

(أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ -ثم يقول- وَ لا يَأْمُرَكُمْ 2) .

و وجه الرفع القطع مما قبله على تقدير:و هو لا يأمركم،أو و لا يأمركم اللّه،و أبو عمرو على أصله فى الاختلاس السابق ذكره،و هو فائدة ذكره مع أهل الرفع،و هو دليل على ترجيح الاختلاس على الإسكان فى ظنه على ما هو الحق،و قد سبق بيانه.قال صاحب التيسير:و أبو عمرو على أصله فى الاختلاس و الإسكان.قوله:

و بالتاء آتينا،يعنى:

(آتيناكم من كتاب و حكمة (3).

اجعل مكان النون تاء مضمومة،و هى تاء المتكلم موضع نون العظمة،و لم ينبه على إسقاط الألف،لأنه

********

(1) سورة آل عمران،آية:79.

(2) سورة آل عمران،آية:80.

(3) سورة آل عمران،آية:81.

ص: 395

لازم من ضم التاء،فإن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا،و وجه القراءتين ظاهر،و خوّل معناه:ملك، و اللّه أعلم.

563-[و كسر لما(ف)يه و بالغيب ترجعو

ن(ع)اد و فى تبغون(ح)اكيه(ع)وّلا]

أى كسر اللام من:

(لما آتيناكم من كتاب و حكمة (1).

حمزة،فالهاء فى فيه عائدة على آتينا،لأنه معه و متصل به،و هذا مما يقوى قوله:و لا ألف فى:

ها-هأنتم-أى بعدها،و هاهنا قبلها،و وجه التجوز فيها واحد،و هو الاتصال المذكور،أى:الكسر مستقر فيما هو متصل بهذا الكلام،و متعلق به،و يجوز أن تعود الهاء على الكسر،و يكون خبر مبتدأ محذوف،أى فيه كلام و بحث كما سنذكره،أو تعود الهاء على:

(لما).

أى كسره مستقر فيه غير خارج عنه،و اللام على قراءة حمزة لام التعليل،و ما مصدرية أو موصولة أى لأجل إيتائى إياكم بعض الكتاب و الحكمة،ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم،أو الذى آتيتكموه،و جاءكم رسول مصدق له،و اللام فى:

(لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) .

جواب القسم الذى دل عليه أخذ الميثاق،و الخطاب للأنبياء،و المراد أتباعهم،و التقدير:ميثاق أمم النبيين،و على قراءة الجماعة:اللام فى:

(لما).

هى الموطئة للقسم،و ما إما موصولة أو شرطية،و الفعلان بعدها ماضيان فى اللفظ مستقبلان فى المعنى، و يظهر لك المعنى إذا قدرت موضع ما حرف إن الشرطية أى إن آتيتكم ذلك تؤمنوا،ثم أخرج مخرج الأقسام و المعاهدة،و أخذ الميثاق تأكيد للأمر و تقوية له،و لتؤمنن:جواب القسم،و مثله:

(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ 2) .

و قوله:حاكيه عولا،أى حاكى الغيب عول عليه،و الغيب فى:

(يبغون).

راجع إلى ما قبله من قوله:

(هُمُ الْفاسِقُونَ 3) .

********

(1) سورة البقرة،آية:81.

(2) سورة الأعراف،آية:18.

(3) سورة البقرة،آية:82.

ص: 396

و الخطاب على الالتفات أو الاستئناف،و الغيب فى-يرجعون-عاد:أى عاد على يبغون،لأن حفصا قرأهما بالغيب،و اللّه أعلم.

564-[و بالكسر حجّ البيت(ع)ن(ش)اهد و غي

ب ما تفعلوا لن تكفروه لهم تلا]

الكسر و الفتح فى الحج لغتان،و لم يقرأ بالكسر إلا فى هذا الموضع،أى:-و حج البيت-بكسر الحاء منقول عن شاهد،أى عن ثقة شاهد له بالصحة،و أضاف:و غيب إلى جملة ما بعده من الفعلين،أى غيب هذا المجموع لهم،أى لمدلول عن شاهد،و فى تلا ضمير يعود على:و غيب،أى أنه تبع ما قبله من الغيبة، من قوله:

(مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ -إلى قوله- وَ أُولئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ 1) .

و الخطاب لهذه الأمة،أو على طريق الالتفات أو التقدير،و قلنا لهم ذلك،و اللّه أعلم.

565-[يضركم بكسر الضّاد مع جزم رائه

(سما)و يضمّ الغير و الرّاء ثقّلا]

يريد (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً 2) .

ضار يضير،وضر يضر:لغتان:و الفعل مجزوم فى القراءتين على جواب الشرط،و الضم فى الراء على قراءة من شدّد ضمة بناء،اتباعا لضمة الضاد،كما نقول:لا يرد،و يجوز فى اللغة الفتح و الكسر،و ظاهر كلامه يدل على أن ضمة الراء حركة إعراب،لأنه ضد الجزم،و قد قيل به على أن يكون فى نية التقديم على الشرط،و قيل على حذف الفاء،و كلاهما ضعيف،و الأصح ما تقدّم،و لكن ضاقت على الناظم العبارة، كما تقدّم فى تضارر فى سورة البقرة،و أراد بقوله:و يضم الغير ضمة الضاد،لأن الكسر ضده الفتح لا الضم فاحتاج إلى بيانه،و أما جزم الراء فيفهم من القراءة الأخرى،لأن الجزم ضده الرفع،و الراء بالنصب،لأنه مفعول ثقلا،و إنما نص عليه فى القراءة الأخرى،و لم ينص على التخفيف فى الأولى،لأنه مستغن عن ذكر التخفيف فى الأولى لعدم إمكان النطق بمشدد مجزوم فى وسط كلمة،و لا يتعذر النطق بمرفوع خفيف،فذكره فى موضع الحاجة إليه،و اللّه أعلم.

566-[و فيما هنا قل منزلين و منزلو ن لليحصبى فى العنكبوت مثقّلا]

أى و فى جملة الحروف المختلف فيها هنا هذا الحرف الذى هو:

(بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ 3) .

أو التقدير اقرأ لليحصبى-منزلين-فى الحرف الذى هنا-و منزلون-فى حرف العنكبوت،و هو:

********

(1) سورة آل عمران،آية:113 و 114.

(2) سورة آل عمران،آية:120.

(3) سورة آل عمران،آية:124.

ص: 397

(إِنّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ 1) .

و اليحصبى هو ابن عامر،و مثقلا بكسر القاف حال من فاعل قل،و قل بمعنى اقرأ لأن القراءة قول و منه:

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ 2) .

أو التقدير-منزلين-هنا-و-منزلون-فى العنكبوت استقر لليحصبى مثقلا لهما،و إن كان مثقلا صح بفتح القاف،فالتقدير:استقر ذلك له مثقلا،و التخفيف و التثقيل فى ذلك لغتان من أنزل و نزل.

567-[و(حقّ ن)صير كسر واو مسوّمي

ن قل سارعوا لا واو قبل(ك)ما(ا)نجيلى]

السومة:العلامة و سوم أى:أعلم:فمن كسر الواو أسند الفعل إليهم،و هو من الإعلام الذى يفعله الشجاع فى الحرب من لباس مخصوص و غيره،و من فتح الراء،فلأن اللّه تعالى فعل بهم ذلك،و حذف الواو من:

(وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ 3) .

تقدم مثله فى:

(وَ قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً 4) .

و الواو منه ساقطة فى مصاحف المدينة و الشام دون غيرها،و احترز بقوله:قبل عن الواو التى بعد العين، و انجلا:أى:انكشف،و اللّه أعلم.

568-[و قرح بضم القاف و القرح(صحبة)

و مع مدّ كائن كسر همزته(د)لا]

أى قرأه صحبة،و الضم و الفتح لغتان،و جاء ذل فى ثلاثة مواضع فى هذه السورة:اثنان بلفظ التنكير:

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ 5) .

و الثالث بلفظ التعريف:

(مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ 6) .

و لفظ كائن جاء فى مواضع:هنا،و فى الحج،و الطلاق،و الخلاف فى جميعها،و لم يبين النظم أنه حيث أتى،و فاعل دلا ضمير كسر همزته،و معنى:دلا فى اللغة:أخرج دلوه ملآى،و استعاره هنا لحصول الغرض و تمام الأمر بالمد مع الكسر،و أراد بالمد زيادة ألف بعد الكاف،و الباقون بلا ألف مع فتح الهمزة،ثم ذكر باقى قيود القراءة فقال:

********

(1) آية:34.

(2) سورة التكوير،آية:19.

(3) سورة آل عمران،آية:133.

(4) سورة البقرة،آية:116.

(5) سورة آل عمران،آية:130.

(6) سورة آل عمران،آية:173.

ص: 398

569-[و لا ياء مكسورا و قاتل بعده يمدّ و فتح الضّمّ و الكسر(ذ)و ولا]

الياء المكسورة زيادة فى قراءة غير ابن كثير،و هى مشدّدة،و لم يتسع له مجال البيت لذكر ذلك،و لو قال فى البيت السابق:و كل كائن كسر همزته دلا،ثم قال:و مد و لا ياء لكان وافيا بالغرض،و لا حاجة إلى قوله مكسورا حينئذ،لأنه لفظ بقراءة الجماعة،أى:و لا يثبت ابن كثير الياء التى فى هذا اللفظ،و-كأين -و كئن-لغتان،و فيها غير ذلك من اللغات،و هى كلمة:أى دخل عليها كاف التشبيه،كما دخل على ذا فى كذا ثم كثر استعمالهما كالكلمة الواحدة،بمعنى كم الخبرية،فتصرفوا فيها على وجوه و كتب تنوينها نونا.

قوله:و قاتل بعده أى بعد كأين،قوله تعالى:

(وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ -قتل معه (1).

القراءتان ظاهرتان،إلا أن معنى قوله-قتل معه ربيون كثير فما وهنوا-أى فما و هن من لم يقتل منهم، و الضم فى القاف،و الكسر فى التاء إذا فتحا مع المد صارت الكلمة قاتل،فقوله ذو ولا أى فتح الضم و الكسر ذو متابعة للمد مصاحبة له،و اللّه أعلم.

570-[و حرّك عين الرّعب ضمّا كما(ر)سا

و رعبا و يغشى أنّثوا(ش)ائعا تلا]

يريد الرعب المعرف باللام،و رعبا المنكر المنصوب حيث أتى ذلك،فالضم فيه و الإسكان لغتان،و قيل:

الضم الأصل،فأسكن تخفيفا،و هو فى أربعة مواضع،قيل:و الأصل الإسكان اتباعا،ورسا أى:ثبت و استقر،و التأنيث فى-تغشى-للأمنة و التذكير للنعاس،و هما واحد،لأنه أبدل النعاس من الأمنة،و شائعا تلا:حالان من مفعول أنثوا،أى أنثوا شائعا تابعا ما قبله،و هو الأمنة،أو يكون شائعا حالا من الضمير فى تلا العائد على يغشى.

571-[و قل كلّه للّه بالرّفع(ح)امدا

بما يعملون الغيب(ش)ايع(د)خللا]

كله مبتدأ،و اللّه الخبر،و الجملة خبر:

(إِنَّ الْأَمْرَ 2) .

و قد أجمعوا على قراءة:

(إِنّا كُلٌّ فِيها 3) .

و هو على هذا الإعراب و كله بالنصب تأكيدا للأمر،و الغيب فى:

********

(1) سورة آل عمران،آية:146.

(2) سورة آل عمران آية:154.

(3) سورة غافر،آية:48.

ص: 399

(بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 1) .

شايع دخللا له و هو:

(حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ 2) .

و وجه الخطاب قوله:

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا 3) .

و بعده (وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ 4) .

و الدخلل:الدخيل،و قد تقدّم:

572-[و متّم و متنا متّ فى ضمّ كسرها

(ص)فا(نفر)وردا و حفص هنا اجتلا]

أى حيث جاءت هذه الكلمات،و فهم ذلك من حيث أنه عددها،و فيها ما ليس فى هذه السورة فقام ذلك مقام قوله حيث أتى،و نحوه،و ضم الميم و كسرها فى جميع ذلك لغتان،يقال مات يموت،فعلى هذا جاء الضم كقولك من قام:يقوم قمت،و يقال مات يمات كخاف يخاف،فعلى هذا جاء الكسر كخفت،فيكون الضم من فعل يفعل،كقتل يقتل،و الثانى من فعل يفعل كعلم يعلم،و وردا:نصب على التمييز،أى صفا وردهم، و وافقهم حفص على ضم ما فى آل عمران و كسر ما فى غيرها جمعا بين اللغتين،و الذى فى آل عمران موضعان:

(وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ -و- لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى 4) .

و هذا معنى قوله:و حفص هنا اجتلا؛أى اجتلا الضم،و هو من قولهم اجتليت العروس،و هذه عبارة مشكلة،فإنه لا يفهم منها سوى أن حفصا خصص هذه السورة بقراءة،و سائر المواضع بخلافها،فيحتمل أن يكون الذى له فى آل عمران ضما،و أن يكون كسرا،لأنه استأنف جملة ابتدأها لحفص و لم يخبر عنه إلا بقوله اجتلا،فاحتمل الأمرين،فإن قلت:اجعل حفصا عطفا على الرمز السابق،قلت:كان جمعا بين الرمز و المصرح به فى مسئلة واحدة،و ذلك غير واقع فى هذا النظم،و أيضا فقد فصل بالواو فى قوله وردا،ثم لو سلمنا أن هذا اللفظ يفيد الضم كان مشكلا من جهة أخرى،و هى أنه يوهم أن حفصا منفردا بالضم هنا،إذ لم يعد معه الرمز الماضى،كقوله:رمى صحبة،و لو قال صفا نفر معهم هنا حفص اجتلا،حصل الغرض و بان و زال الإبهام،و لم يضر عدم الواو الفاصلة،لعدم الريبة فى اتصال ذلك،و اللّه أعلم.

573-[و بالغيب عنه تجمعون و ضمّ فى

يغلّ و فتح الضّمّ(إ)ذ(ش)ع(ك)فّلا]

********

(1) سورة الأنفال،آية:39.

(2) سورة آل عمران،آية:156.

(3) سورة آل عمران،آية:156.

(4) سورة آل عمران،آية:157.

ص: 400

عنه يعنى عن حفص،و الغيب و الخطاب فى قوله:

(خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ 1) .

كما تقدم فى:

(بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ -و أما- وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ 2) .

فقواه إذ شاع كفلا على البناء للمفعول،و معنى كفل:أى حمل،يعنى أن هذه القراءة حملها السلف الخلف لما كانت شائعة،و معناها يوجد غالاّ،أو ينسب إلى الغلول،أو يغل منه،أى يخان بأن يؤخذ من الغنيمة قبل أن يقسمها،و الغلول الأخذ فى خفية،و من قرأ يغل على البناء للفاعل،فهو ظاهر:أى أنه لا يفعل ذلك، و اختار ذلك أبو عبيد و أبو على،و قالا:أكثر ما يجيء الفعل بعد ما كان لكذا أن يفعل منسوبا إلى الفاعل نحو:

(وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ 3) .

(ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ (4) - وَ ما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ 5) .

فإن قلت:كل واحدة من القراءتين مشتملة على ضم و فتح،فكيف تميز إحداهما من الأخرى،قلت:

كأنه استغنى بالترتيب عن تقييد ذلك،فضم أولا ثم فتح الضم،فيكون الضم فى الياء و فتح الضم فى الغين،و الواو و إن كانت لا تقتضى الترتيب على المذهب المختار،إلا أن المذكور بها جائز أن يكون مرتبا فى نفس الأمر،و لا بدّ أن يريد بذلك إحدى القراءتين،و دلنا على هذه القراءة ظاهر لفظه؛إذ لو أراد الأخرى لقال:و فتح أن يغل و ضم الفتح حقك نولا،أو دام ندحلا،أو نل دائما حلا،و نحو ذلك:

576-[بما قتلوا التّشديد(ل)بّى و بعده و فى الحجّ للشّامى و الآخر(ك)مّلا]

أى التشديد بهذا اللفظ و هو قوله تعالى:

(لَوْ أَطاعُونا - ما قُتِلُوا) .

و الذى بعده:

(وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا (6) -و الآخر- وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا 7) .

يقرأ جميع ذلك بالتشديد و التخفيف،و فى التشديد معنى التكثير،فأما قوله قبل ذلك:

(ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا - لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً 8) .

فمخفف بلا خلاف،و يعلم ذلك من كونه تعداه و لم يذكره،و اشتغل بذكر:متم،و يغل،و يجمعون، و يمتاز هنا أيضا من الأول المختلف فيه بكون هذا فى أوله واو،و ذلك لا واو فى أوله،فقوله-بما قتلوا-

********

(1) آل عمران،آية:157.

(2) سورة آل عمران،آية:161.

(3) سورة آل عمران،آية:145.

(4) سورة يوسف،آية:38.

(5) سورة العنكبوت،آية:40.

(6) سورة آل عمران،آية:169.

(7) سورة آل عمران،آية:195.

(8) سورة آل عمران،آية:156.

ص: 401

لا يتناول ظاهره إلا ما ليس فى أوله واو،فالتشديد فى-ما قتلوا-لهشام وحده،و هو المشار إليه بقوله:لبى، أى لبى بالتشديد من دعاه،-و الذين قتلوا-مع الذى فى الحج،و هو:

(ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) .

شددهما ابن عامر:

(وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا) .

شدده ابن عامر و ابن كثير،و هو المرموز فى هذا البيت الآتى.

577-[(د)راك و قد قالا فى الانعام قتّلوا

و بالخلف غيبا يحسبنّ(ل)ه و لا]

معنى دراك أدرك كما تقدم فى بدار،و الذى فى الأنعام:

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ 1) .

شدده أيضا ابن عامر و ابن كثير،و أما الغيب فى:

(و لا يحسبنّ الّذين قتلوا فى سبيل (2).

فعن هشام فيه خلاف،و معنى الغيب فيه و لا يحسبن الرسول،أو حاسب واحد،أو يكون-الذين قتلوا- فاعلا؛و المفعول الأول محذوف،أى أنفسهم أمواتا،قال الزمخشرى:و جاز حذف المفعول الأول،لأنه فى الأصل مبتدأ،فحذف كما حذف المبتدأ فى قوله-بل أحياء-أى بل هم أحياء لدلالة الكلام عليهما،و قوله غيبا:نصب على الحال من يحسبن،و العامل فيها ما يتعلق به بالخلف،أى لا يحسبن استقرار بالخلف غيبا،أى ذا غيب له،و لا أى نصر،و اللّه أعلم.

فإن قلت:جاء يحسبن فى هذه السورة فى مواضع،فمن أين علم أنه الذى بعده-الذين قتلوا- قلت:لأنه أطلق ذلك فأخذ الأول من تلك المواضع،و لأنه قد ذكر بعده:-أن و يحزن-فتعين هذا، لأن باقى المواضع ليس بعده:أن و يحزن،و اللّه أعلم.

و أكثر المصنفين فى القراءات السبع لا يذكرون فى هذا الموضع خلافا،حتى أن ابن مجاهد قال:لم يختلفوا فى قوله-و لا تحسبن الذين قتلوا-أنها بالتاء،و ذكرها أبو على الأهوازى فى كتاب الإقناع فى القراءات الشواذ و نسبها إلى ابن محيصن وحده،و اللّه أعلم.

578-[و أنّ اكسروا(ر)فقا و يحزن غير الأن

بياء بضمّ و اكسر الضّمّ(أ)حفلا]

يعنى قوله تعالى:

********

(1) آية:140.

(2) سورة آل عمران،آية:169.

ص: 402

(وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ 1) .

الكسر على الاستئناف،و الفتح على العطف على:

(بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ 2) .

فيكون من جملة ما بشر به الشهداء،و هو أن اللّه سبحانه يفعل بغيرهم من المؤمنين مثل ما فعل بهم من حسن الخاتمة،و قال أبو على:المعنى يستبشرون بتوفر ذلك عليهم و وصوله إليهم،لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم،فلم يبخسوه و لم ينقصوه،و حزن و أحزن:لغتان،و قيل حزنه بمعنى جعل فيه حزنا،مثل كحله و دهنه،أى جعل فيه كحلا و دهنا،و مثل حزنه فى هذا المعنى:فتنه،قال سيبويه:و قال بعض العرب:أفتنت الرجل و أحزنته، أراد جعلته حزينا،و فاتنا،و استثنى نافع من ذلك ما فى الأنبياء و هو:

(لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ 3) .

فقرأه كالجماعة بفتح الياء و ضم الزاي،فقوله:غير الأنبياء،أى غير حرف الأنبياء،و رفقا مصدر فى موضع الحال،أى ذوى رفق،بمعنى:رافقين،و أحفلا:حال من فاعل أكسر،أى حافلا بهذه القراءة.

579-[و خاطب حرفا يحسبنّ(ف)خذ و قل

بما يعملون الغيب(حقّ)و ذوملا]

حرفا يحسبن فاعل خاطب:جعلهما مخاطبين لما كان الخطاب فيهما،و قد استعمل هذا التجوز كثيرا فى هذه القصيدة نحو:و خاطب فيها تجمعون له ملا،و أراد بالحرفين:

(و لا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملى لهم خير (4)-و لا تحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرا (5).

فأما الأول فعلى قراءة الجماعة بالغيب يكون- أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ -سد مسد مفعولى حسب،نحو:

(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ 6) .

و فى الثانى يكون المفعول الأول محذوفا،أى البخل خبرا لهم،و قراءة حمزة بالخطاب مشكلة،و قد صرح جماعة من أهل العربية بعدم جوازها،قال أبو جعفر النحاس:زعم أبو حاتم أنه لحن لا يجوز،قال:و تابعه على ذلك جماعة،و قال الزجاج:من قرأ-و لا يحسبن-بالتاء لم يجز عند البصريين إلا كسر إنّ المعنى لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا لهم خير لهم،و دخلت أنّ مؤكدة،فإذا فتحت صار المعنى:و لا تحسبن الذين كفروا إملاءنا خيرا لهم،قال أبو إسحاق:و هو عندى يجوز فى هذا الموضع على البدل من الذين:المعنى و لا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم،و قد قرأ بها خلق كثير،و مثل هذه القراءة من الشعر قول الشاعر:

********

(1) سورة آل عمران،آية:171.

(2) سورة آل عمران،آية:174.

(3) سورة الأنبياء،آية:103.

(4) سورة آل عمران،آية:178.

(5) سورة آل عمران،آية:180.

(6) سورة الفرقان،آية:44.

ص: 403

فما كان قيس هلكه هلك واحد*جعل هلكه بدلا من قيس،المعنى:فما كان هلك قيس هلك واحد قال أبو على فى الإصلاح لا يصح البدل إلا بنصب خير،من حيث كان المفعول الثانى لحسبت،فكما انتصب هلك واحد فى البيت لما أبدل الأول من قيس بأنه خبر كان،كذلك ينتصب خير إذا أبدل الإملاء من-الذين كفروا-بأنه مفعول ثان لتحسبن،قال:و سألت أحمد بن موسى:يعنى ابن مجاهد عنها،فزعم أن أحدا لم يقرأ بها،يعنى بنصب خير،و قال فى الحجة-الذين كفروا-فى موضع نصب بأنه المفعول الأول،و المفعول الثانى فى هذا الباب هو المفعول الأول فى المعنى،فلا يجوز إذا فتح أن فى قوله:

(أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ 1) .

لأن إملاءهم لا يكون إياهم.قال:فإن قلت:فلم لا يجوز الفتح فى أن،و تجعله بدلا من-الذين كفروا- كقوله:

(وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ 2) .

و كما كان أن من قوله سبحانه:

(وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ 3) .

قيل لا يجوز ذلك،و إلا لزمك أن تنصب خيرا على تقدير:لا تحسبن إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم، من حيث كان المفعول الثانى لتحسبن،و قيل:إنه لم ينصبه أحد،فإذا لم ينصب علم أن البدل فيه لا يصح، و إذ لم يصح البدل لم يجز إلا كسر إن على أن يكون إن و خبرها فى موضع المفعول الثانى من تحسبن.و قال الزمخشرى:الذين كفروا فى من قرأ بالتاء نصب-و إنما نملى لهم خيرا لأنفسهم-بدل منه،أى و لا تحسبن أنما نملى للكافرين خير لهم،و أن مع خبره ينوب عن المفعولين،و ما مصدرية.فإن قلت:كيف صح مجىء البدل و لم يذكر إلا أحد المفعولين،و لا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد.قلت:صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل و المبدل منه فى حكم المنحّى،أ لا تراك تقول:جعلت متاعك بعضه فوق بعض،مع امتناع لكونك على متاعك.قال:و يجوز أن يقدر مضاف محذوف على-و لا تحسبن الذين كفروا-أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم،أو و لا تحسبن حال الذين كفروا إن الإملاء خير لأنفسهم.و قال النحاس:زعم الكسائى و الفراء أنها جائزة على التكرير،أى و لا تحسبن الذين كفروا و لا تحسبن أنما نملى لهم،يعنى مثل:

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) .

-فلا تحسبنهم (2)-كما سيأتى.قال النحاس:و قراءة يحيى بن وثّاب بكسر إنّ حسنة،كما تقول حسبت عمرا أخوه خارج:و قال مكى:إنما و ما بعدها بدل من الذين،فسدّ مسد المفعولين،كما فى قراءة من قرأ بالياء و قال المهدوى،قال قوم:قدم الذين كفروا توكيدا ثم جاء لهم من قوله-إنما نملى لهم-ردا عليهم و التقدير:

و لا تحسبن أن إملاءنا للذين كفروا خير لهم،و قال أبو الحسن الحوفى:إن و ما عملت فيه فى موضع نصب على

********

(1) سورة آل عمران،آية:178.

(2) سورة الكهف،آية:64.

(3) سورة الأنفال،آية:7.

ص: 404

البدل من الذين كفروا،و الذين:المفعول الأول،و الثانى محذوف.و قال أبو القاسم الكرمانى فى تفسيره المسمى باللباب:يجوز أن تكون التاء للتأنيث،كقوله:

(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ 1) .

و لا تحسبن القوم الذين،و الذين وصف للقوم،كقوله:

(وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا 2) .

قلت فيتحد معنى القراءتين على هذا لأن الذين كفروا فاعل فيهما،و كذا يتحد معنى القراءتين على قول من يقول:إن الذين كفروا مفعول على قراءة الياء أيضا،و الفاعل الرسول،أو أحد،كما تقدّم فى:

(وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) .

و قيل:إنما نملى،بدل من الذين كفروا،بدل الاشتمال،أى إملاءنا خير،بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أى هو خير لأنفسهم،و الجملة هى المفعول الثانى.قلت:و مثل هذه القراءة بيت الحماسة:

منا الأناة و بعض القوم تحسبنا أنا بطاء و فى إبطائنا سرع

كذا جاءت الرواية بفتح أنا بعد ذكر المفعول الأول،فعلى هذا،يجوز أن تقول:حسبت و زيد أنه قائم، أى حسبته ذا قيام،فوجه الفتح أنها وقعت مفعوله،و هى و ما عملت فيه فى موضع مفرد،و هو المفعول الثانى لحسبت،و اللّه أعلم.

و أما-و لا تحسبن الذين يبخلون-على قراءة الخطاب،فتقديرها على حذف مضاف،أى بخل الذين يبخلون و الغيب فى-بما يعملون خبير-رد على-سيطوقون ما بخلوا به-و الخطاب رد على:

(وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا 3) .

و الملأ بالمد مصدر لملا،و بالقصر:الجماعة الأشراف،و كلاهما مستقيم المعنى هنا،و اللّه أعلم.

580-[يميز مع الأنفال فاكسر سكونه

و شدّده بعد الفتح و الضّمّ(ش)لشلا]

يريد (حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ 3) .

و فى الأنفال:

(لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ) .

أى يميز هنا مع حرف الأنفال اكسر الياء الساكنة و شدّدها بعد الفتح فى الميم،و الضم فى الياء،و ماز يميز

********

(1) سورة آل عمران،آية:188.

(2) سورة الشعراء،آية:105.

(3) سورة آل عمران،آية:179.

ص: 405

و ميز يميز لغتان،و شلشلا:حال من فاعل شدده،أو من مفعوله،و معناه:خفيفا،لأنه قبل التشديد خفيف و يستحب للقارئ تخفيف اللفظ بالحروف المشددة،و أن لا يتقعر فيها،و يزعج السامع،و يتكلف فى نفسه ما لا يحتاج إليه،و اللّه أعلم.

581-[سنكتب ياء ضمّ مع فتح ضمّه

و قتل ارفعوا مع يا نقول(ف)يكملا]

أى ياء ضمت مع فتح ضم التاء،فيصير الفعل مبنيا للمفعول،و قد كان الفاعل،و رفع قتل و نصبه عطفا على محل ما قالوا،و هو رفع إن كان سنكتب مبنيا للمفعول،و نصب إن كان للفاعل،و ياء يقول اللّه تعالى، و النون:نون العظمة.و قوله:مع يا يقول،أى مع قراءة يا يقول،و نصب فيكملا بالفاء فى جواب ارفعوا، لأنه أمر،و اللّه أعلم:أى قرأ ذلك كله حمزة.

580-[و بالزّبر الشّامى كذا رسمهم و بال كتاب هشام و اكشف الرّسم مجملا]

يعنى قرأ ابن عامر:

(جاءوا بالبيّنات و بالزّبر).

بزيادة الباء فى-و بالزبر- (1)و كذلك رسم فى مصاحف أهل الشام،و انفرد هشام بزيادة الباء فى-و بالكتاب- فقرأ الآية التى فى آل عمران كالتى فى فاطر بإجماع.و قد روى أبو عمرو الدانى من طرق أنه فى مصحف الشام كذلك.قال فى المقنع:هو فى الموضعين بالباء.و قال:رأيت هارون بن موسى الأخفش يقول فى كتابه:

إن الباء زيدت فى الإمام،يعنى الذى وجه به إلى الشام فى-و بالزبر-وحدها.قلت:و كذلك رأيته أنا فى مصحف عندنا بدمشق هو الآن بجامعها بمشهد على ابن الحسين،يغلب على الظن أنه المصحف الذى وجهه عثمان رضى اللّه عنه إلى الشام،و رأيته كذلك فى غيره من مصاحف الشام العتيقة.قال الشيخ فى شرح العقيلة:و الذى قاله الأخفش هو الصحيح إن شاء اللّه،لأنى رأيته كذلك فى مصحف لأهل الشام عتيق،يعنى المصحف المقدم ذكره،فإلى هذا الاختلاف أشار بقوله:و اكشف الرسم مجملا،أى آتيا بالجميل من القول و الفعل، و اللّه أعلم.

582-[(ص)فا(حقّ)غيب يكتمون يبيّنن

ن لا تحسبنّ الغيب(ك)يف(سما)اعتلا]

أى يكتمون و يبينن صفا حق غيب فيهما،يريد قوله تعالى:

(ليبيّننّه للنّاس و لا يكتمونه (2).

الغيب فيهما و الخطاب على ما تقدّم فى-لا يعبدون إلا اللّه-و يقوى الخطاب الاتفاق عليه فى الآية المتقدّمة

********

(1) سورة آل عمران،آية:184.

(2) سورة آل عمران،آية:187.

ص: 406

(وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ -و أما- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ 1) .

فقرئ بالغيب و الخطاب،و سيأتى توجيههما.

583-[و(ح)قّا بضمّ البا فلا يحسبنّهم

و غيب و فيه العطف أو جاء مبدلا]

نصب حقا على المصدر أى حق ذلك حقا،و هو أن-فلا يحسبنهم-بضم الباء و الغيب،و فى بعض النسخ و حق بالرفع،فيكون خبر المبتدا الذى هو-فلا يحسبنهم-أى أنه بالضم و الغيب حق،و وجه ضم الباء أن الأصل فلا يحسبون،فالواو ضمير-الذين يفرحون-لأن ابن كثير و أبا عمرو قرءا بالغيب فيهما،فانحذفت النون للنهى و انحذفت الواو لسكون نون التأكيد،فبقيت ضمة الباء على حالها دالة على الواو المحذوفة،و يكون يحسبن على قراءتهما قد حذف مفعولاه لدلالة ظهور المفعولين فى:

(فلا يحسبنّهم بمفازة من العذاب).

أى لا يحسبن الفارحون أنفسهم فائزين،و قرأ نافع و ابن عامر بالغيبة فى الأول،و الخطاب فى الثانى مع فتح الباء لأجل النون المؤكدة،و لولاها لكانت الباء ساكنة،و القول فى مفعولى الأول كما تقدّم،و قرأ الباقون، و هم:عاصم و حمزة و الكسائى بالخطاب فيهما،و وجه ذلك أن يقال:الذين يفرحون هو المفعول الأول،و الثانى محذوف،لأنه فى الأصل خبر المبتدأ،فحذف كما يحذف خبر المبتدأ،عند قيام الدلالة عليه.و قوله-فلا يحسبنهم بمفازة قد استوفى مفعوليه،و هما فى المعنى مفعولا الأول،فاستغنى عنهما فى الأول بذكرهما فى الثانى على قراءة الغيبة فى الأول،و على قراءة الخطاب استغنى عن أحدهما دون الآخر،تقوية فى الدلالة.و قال الزمخشرى:أحد المفعولين-الذين يفرحون-و الثانى-بمفازة-و قوله-فلا يحسبنهم-تأكيد تقديره:لا تحسبنهم فلا تحسبنهم فائزين و قوله:و فيه العطف،أى فى تحسبنهم فائدة العطف على الأول،فلهذا كرر،أو جاء مبدلا منه،فذكر وجهين لمجيء فعل النهى عن الحسبان فى هذه الآية مكررا،و ما ذكرناه من تأويل هذه القراءات الثلاث لا يخرج عن الوجهين اللذين ذكرهما،لأن الجملة الثانية إن وافقت الأولى فى الغيبة و الخطاب صح أن تكون بدلا منها،على أن تكون الفاء فى-فلا-زائدة كقوله.

و إذا هلكت فعند ذلك فاجزعى.

و وجه البدل أن الكلام إذا طال الفصل بينه و بين ما يتعلق به جاز إعادته ليتصل بالمتعلق به،كقوله تعالى:

(فلمّا جاءهم كتاب من عند اللّه).

فلما طال الفصل قبل الجواب أعاد الفصل بالفاء؛فقال تعالى:

(فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) .

********

(1) سورة آل عمران،آية:187.

ص: 407

و تجوز الإعادة بلا فاء،قال سبحانه فى موضع آخر.

(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ 1) .

سمى نحو هذا بدلا باعتبار أنه عوض منه،و إلا فهو بالتأكيد أشبه على اصطلاح النحويين،و بهذا عبر عنه الزمخشرى كما سبق ذكره،و أما على قراءة من غاير بين الفعلين غيبة و خطابا،فالثانية عطف على الأولى، لا بدل،كقولك:ما قام زيد فلا تظننه قائما،و ذكر الشيخ أبو على فى الحجة وجه البدل،و نص على زيادة الفاء فى-فلا-و منع من وجه العطف،و قال:ليس هذا موضع العطف،لأن الكلام لم يتم،أ لا ترى أن المفعول الثانى لم يذكر بعد،و فيما قاله نظر،و اللّه أعلم.

584-[هنا قاتلوا أخّر(ش)فاء و بعد فى

براءة أخّر يقتلون(ش)مردلا]

يعنى قوله تعالى:

(وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا -و فى براءة- فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ) .

قدم الجماعة فى الموضعين:الفعل المبنى للفاعل على الفعل المبنى للمفعول،و عكس ذلك حمزة و الكسائى فى الموضعين.فأخرا المبنى للفاعل،و قدما المبنى للمفعول،و وجهه من جهة المعنى أنهم-قاتلوا و قتلوا-بعد ما وقع القتل فيهم،و قتل بعضهم،لا أن القتل أتى على جميعهم،و هو كالمعنى السابق فى قوله-قتل معه ربيون كثير فما وهنوا-و قوله شفاء:مصدر فى موضع الحال،أى أخره ذا شفاء،و الشين فيه و فى شمردلا،رمز، و لو اختصر على الأخير:لحصل الغرض،و لكن كرر زيادة فى البيان،لأنه محتاج إلى كلمة يتزن بها البيت فى موضع شفاء،فلو أتى بكلمة ليس أولها شين،لكانت رمزا لمن دل عليه أول حروفها،فعدل إلى كلمة أولها رمز القارئ،خوفا من اللبس،و الشمردل:الخفيف،و اللّه أعلم.

584-[و يا آتها وجهى و إنّى كلاهما و منّى و اجعل لى و أنصارى الملا]

يعنى-وجهى للّه-فتحها نافع و ابن عامر و حفص،و إنى موضعان أحدهما:

(وَ إِنِّي أُعِيذُها 2) .

فتحها نافع وحده و الآخر:

(أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ 3) .

فتحها نافع و ابن كثير و أبو عمرو غير أن:

(أنّى).

مفتوحة فى قراءة غير نافع،فلفظ بها فى البيت على قراءة نافع:

********

(1) سورة يوسف عليه الصلاة و السلام،آية:4.

(2) سورة آل عمران،آية:36.

(3) سورة آل عمران،آية:49.

ص: 408

(فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ 1) .

فتحها نافع و أبو عمرو،و (اجْعَلْ لِي آيَةً 2) .

فتحها أيضا أبو عمرو و نافع، (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ 3) .

فتحها نافع وحده،و الملاء:بكسر الميم و المد جمع ملىء و هو الثقة،و هو صفة لأنصارى أو صفة لقوله:

و ياءاتها،أى و ياءاتها الملاهى كذا و كذا،فهذه ست ياءات إضافة مختلف فى إسكانها و فتحها،و فى هذه السورة من ياءات الزوائد المختلف فى إثباتها و حذفها ياءان:

(وَ مَنِ اتَّبَعَنِي) .

أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو:

(وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 4) .

أثبتها أبو عمرو وحده فى الوصل،و قلت فى ذلك:

مضافاتها ست و جاء زيادة و خافون إن كنتم من اتبعن و لا

أى و جاء و خافون و من اتبعن زيادة،أى ذوى زيادة فيهما الياء الزائدة على الرسم،و الولا المتابعة،أى ولى هذا هذا ولاء بكسر الواو،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة آل عمران،آية:35.

(2) سورة آل عمران،آية:14.

(3) سورة آل عمران،آية:53.

(4) سورة آل عمران،آية:؟؟؟.

ص: 409

سورة النساء

587-[و كوفيّهم تسّاءلون مخفّفا و حمزة و الأرحام بالخفض جمّلا]

نصف هذا البيت هو نصف هذه القصيدة أى الكوفيون قرءوا تساءلون بالتخفيف و الأصل تتساءلون فمن خفف حذف التاء الثانية و من شدّد أدغمها فى السين و له نظائر مثل-تذكرون-تزكى-تصدى،و أما قراءة و الأرحام بالنصب فعطف على موضع الجار و المجرور أو على اسم اللّه تعالى،أى و اتقوا الأرحام،أى اتقوا حق الأرحام فصلوها و لا تقطعوها و فى الحديث«أنا الرحمن و هى الرحم،شققت لها من اسمى من قطعها قطعته»فهذا وجه الأمر بالتقوى فيها مع للّه تعالى و قرأها حمزة و الأرحام بالجر و عبر الناظم عنه بالخفض،و استحسنه الشيخ هنا و قال:فيه تورية مليحة لأن الخفض فى الجوارى الختان،و هو لهن جمال،و الخفض الذى هو الإعراب جمال الأرحام لما فيه من تعظيم شأنها قلت:يعنى بسبب عطفها على اسم اللّه تعالى أو بسبب القسم بها،و بهذين الوجهين عللت هذه القراءة و فى كل تعليل منهما كلام،أما العطف فالمعروف إعادة حرف الجر فى مثل ذلك، كقوله-و إنه لذكر لك و لقومك-فخسفنا به و بداره الأرض-و نحو ذلك.و قال الزجاج القراءة الجيدة نصب الأرحام،المعنى:و اتقوا الأرحام أن تقطعوها؛فأما الخفض فخطأ فى العربية لا يجوز إلا فى اضطرار شعر، و خطأ أيضا فى أمر الدين عظيم،لأن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال«لا تحلفوا بآبائكم»فكيف يكون تتساءلون باللّه و الأرحام على هذا قال:و رأيت إسماعيل بن إسحاق ينكر هذا،و يذهب إلى أن الحلف بغير اللّه أمر عظيم، و أن ذلك خاص للّه تعالى على ما أتت به الرواية،فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر فى حال الخفض إلا بإظهار الخافض.قال بعضهم:لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين فى الاسم فقبح أن يعطف اسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه.و قال المازنى،كما لا تقول مررت بزيد و بك لا تقول مررت بك و زيد قلت هاتان العلتان منقوضتان بالضمير المنصوب و قد جاز العطف عليه فالمجرور كذلك و أما إنكار هذه القراءة من جهة المعنى لأجل أنها سؤال بالرحم و هو حلف و قد نهى عن الحلف بغير اللّه تعالى فجوابه أن هذا حكاية ما كانوا عليه فحضهم على صلة الرحم،و نهاهم عن قطعها و نبههم على أنها بلغ من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون بها ثم لم يقرهم الشرع على ذلك بل نهاهم عنه و حرمتها باقية و صلتها مطلوبة و قطعها محرم و جاء فى الحديث أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم تلا هذه الآية عند حثه على الصدقة يوم قدم عليه وفد مضر و هو إشارة إلى هذا سواء كان قرأها نصبا أو خفضا فكلاهما محتمل و خفى هذا على أبى جعفر النحاس فأورد هذا الحديث ترجيحا لقراءة النصب و لا دليل له فى ذلك فقراءة النصب على تقدير و اتقوا الأرحام التى تتساءلون بها فحذف استغناء بما قبله عنه و فى قراءة الخفض حذف و اتقوا الأرحام و نبه بأنهم يتساءلون بها على ذلك و حسن حذف الياء هنا أن موضعها معلوم فإنه كثر على ألسنتهم قولهم سألتك باللّه و الرحم و بالرحم فعومل تلك المعاملة مع الضمير فهو أقرب من قول رؤبة خير لمن قال له كيف أصبحت أى بخير لما كان ذلك معلوما قال الزمخشرى فى كتاب الأحاجى فى قولهم لا أبا لك اللام مقدرة منوية و إن حذفت من اللفظ الذى شجعهم على حذفها شهرة

ص: 410

مكانها و أنه صار معلوما لاستفاضة استعمالها فيه و هو نوع من دلالة الحال التى لسانها أنطق من لسان المقال و منه حذف،لا،فى:

(تَاللّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ 1) .

و حذف الجار فى قوله روبة خير إذا أصبح و حمل قراءة حمزة-تساءلون به و لأرحام-عليه سديد لأن هذا الكلام قد شهر بتكرير الجار فقامت الشهرة مقام الذكر.و قال فى الكشاف و ينصره قراءة ابن مسعود:

(تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ 2) .

قال الفراء:حدثنى شريك بن عبد اللّه عن الأعمش عن إبراهيم قال:و الأرحام خفض الأرحام قال هو كقولهم أسألك باللّه و الرحم:قال و فيه قبح،لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض قد كنى عنه،قال:و قال الشاعر فى جوازه:

فعلق فى مثل السوارى سيوفنا و ما بينهما و اللعب غوط نفانف

قال:و إنما يجوز هذا فى الشعر لضيقه.قال الزجاج و قد جاء ذلك فى الشعر،أنشد سيبويه:

فاذهب فما بك و الأيام من عجب

و قال العباس بن مرداس:

اكر على الكتيبة لا أبالى أ حتفي كان فيها أم سواها

و أنشده الحق فى إعرابه لحسان بن ثابت فانظر بنا و الحق كيف نوافقه و الأبيات المتقدمة و زاد:

إذا أوقدوا نارا لحرب عدوهم فقد خاب من يصلى بها و سعيرها

ثم أخذ فى الاستدلال على صحة ذلك و قوته من حيث النظر و أصاب رحمه اللّه،فإن الاستعمال قد وجد و كل ما يذكر من أسباب المنع فموجود فى الضمير المنصوب مثله،و قد أجازوا العطف عليه فالمجرور كذلك قياسا صحيحا، و قول أبى على فى الحجة هو ضعيف فى القياس قليل فى الاستعمال ممنوع،و لقائل أن يقول العطف على الضمير المنصوب كذلك،فقال الشيخ فى شرحه:حكى قطرب ما فيها غيره و فرسه و قال فى شرح المفصل و قد أجاز جماعة من النحويين الكوفيين أن يعطف على الضمير المجرور بغير إعادة الخافض و استدلوا بقراءة حمزة و هى قراءة مجاهد و النخعى و قتادة و ابن رزين و يحيى بن و؟؟؟ناب و طلحة و الأعمش و أبى صالح و غيرهم،و إذا شاع هذا فلا بعد فى أن يقال مثل ذلك فى قوله تعالى- وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ -أى و بحرمة المسجد الحرام و لا حاجة أن يعطف على سبيل اللّه كما قاله أبو على و غيره و لا على الشهر الحرام كما قاله الفراء لوقوع الفصل بين المعطوف و المعطوف عليه و إن كان لكل وجه صحيح و اللّه أعلم.و الوجه الثانى فى تعليل قراءة الخفض فى الأرحام أنها على القسم و جوابه إن اللّه كان عليكم رقيبا أقسم سبحانه بذلك كما أقسم بما شاءا من مخلوقاته من نحو:و التين و الزيتون،و العصر و الضحى و لليل:إما بها أنفسها أو على إضمار خالقها عز و جل و هو كإقسام بالصافات و ما بعدهما على أن إلهكم لواحد و هذا الوجه و إن كان لا مطعن عليه من جهة العربية،فهو بعيد لأن قراءة النصب و قراءة ابن مسعود بالباء

********

(1) سورة يوسف،آية:75.

(2) سورة النساء،آية:1.

ص: 411

مصرحتان بالوصاة بالأرحام على ما قررناه،و أما رد بعض أئمة العربية ذلك فقد سبق جوابه،و حكى أبو نصر ابن القشيرى رحمه اللّه فى تفسيره كلام أبى إسحاق الزجاج الذى حكيناه،ثم قال:و مثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التى قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم تواترا يعرفه أهل الصنعة و إذا ثبت شيء عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم فمن رد ذلك فقد رد على النبى صلّى اللّه عليه و سلم و استقبح ما قرأ به، و هذا مقام محذور لا تقلد فيه أئمة اللغة و النحو،و لعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح،و إن كان غيره أفصح منه، فإنا لا ندعى أن كل القراءات على أرفع الدرجات فى الفصاحة،قلت:و هذا كلام حسن صحيح و اللّه أعلم.

588-[و قصر قياما(عمّ)يصلون ضمّ(ك)م

(ص)فا نافع بالرّفع واحدة جلا]

القيم و القيام واحد يوصف به الذى يقوم بالمصالح،و معناه الثبات و الدوام،و هما مصدران وصف بهما الأموال هنا و الكعبة فى المائدة،و وصف الدين فى الأنعام بالقيم،و القيم،أى:هو مستقيم،قال حسان بن ثابت:

فنشهد أنك عبد الإله أرسلت نورا بدين قيم

فابن عامر قرأ الثلاثة فيما على وزن عنب و نافع هنا فقط-و سيصلون سعيرا-بضم الياء و فتحها ظاهر، و واحدة التى رفعها نافع وحده و هو-و إن كانت واحدة-جعل كان تامة و من نصب طابق به قوله-فإن كن نساء فإن كانتا اثنتين-أى إن كان الوارث واحدة و إنما أنث الفعل و ألحق علامتى الجمع و التثنية فى كن و كانتا ليطابق الاسم الخبر لفظا و لم يأت الناظم فى هذا البيت بواو فاصلة و ذلك فى موضعين إذ لا ريبة فى اتصال المسائل الثلاث و جلا فى آخر البيت ليس برمز إذ قد تقدّم مرارا بيان أنه لم يرمز قط مع التصريح بالاسم و لم يصرح بالاسم مع الرمز و لو لا أن ذلك اصطلاحه لكان نافع محتملا أن يكون من جملة قراء سيصلون بالضم و رفع واحدة لورش وحده،و اللّه أعلم.

589-[و يوصى بفتح الصّاد(ص)حّ(ك)ما(دنا)

و وافق حفص فى الأخير مجمّلا]

الكسر و الفتح فى هذا ظاهر أن و الأخير هو الذى بعده-غير مضار وصية من اللّه-و مجملا حال من حفص، أى مجملا ذلك على أئمته و ناقلا لفتحه ذلك عنهم و فى قراءته جمع بين اللغتين و حق هذا البيت أن يكون بعد البيتين اللذين بعده لأن فلأمه فى السورة في قبل قوله يوصى بها،و اللّه أعلم.

590-[و فى أمّ مع فى أمّها فلأمّه

لدى الوصل ضمّ الهمز بالكسر(ش)مللا]

أراد (وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ (1) -أول الزخرف- فِي أُمِّها رَسُولاً 1) .

فى القصص (3)-فلأمه-فى موضعين هنا ضم الهمزة فى هذه المواضع أسرع بالكسر و الأصل الضم و وجه كسر

********

(1) سورة الزخرف،آية:4.

(3) الآية:59.

ص: 412

الهمزة وجود الكسرة قبلها أو الياء و هى من جنس الكسر فكسروا الهمزة استثقالا للخروج من كسر و شبهه إلى ضم و هذا كما فعلوا فى كسر هاء الضمير نحو بهم و فيهم و الهمز مجترئا عليه حذفا و إبدالا و تسهيلا فغير بعيد من القياس تغيير حركته و قد غيروا حركة حروف عدة كما مضى فى بيوت و ما سيأتى فى جيوب و عيون،و شيوخ و غيوب،قال أبو جعفر النحاس رحمه اللّه فى كسر-فلأمه-هذه لغة حكاها سيبويه قال هى لغة كثير من هوازن و هذيل و قوله لدى الوصل يريد به وصل حرف الجر بهمزة أم فلو فصلت بأن وقفت على حرف الجر ضمت الهمزة بلا خلاف لأنه لم يبق قبلها ما يقتضى كسرها فصارت كما لو كان قبلها غير الكسر و الياء نحو-ما هن أمهاتهن- و أمه آية-و كذا إذا فصل بين الكسر و الهمزة فاصل غير الياء نحو-إلى أم موسى فرددناه إلى أمه-لا خلاف فى ضم كل ذلك فقول الناظم:و فى أم قيده بذكر فى احترازا من مثل ذلك،و قوله و فى أم و ما بعده مبتدأ و ضم الهمزة بدل اشتمال من المبتدا و شمللا خبر المبتدأ و معناه أسرع.

591-[و فى أمّهات النّحل و النّور و الزّمر

مع النّجم(ش)اف و اكسر الميم(ف)يصلا]

فى هنا حرف جر و ليس كقوله و فى أم فإن فى ثم من لفظ القرآن فلهذا أعربنا ذلك مبتدإ و هذا خبره مقدم و المبتدأ قوله شاف أى و فى هذه الكلمة التى هى أمهات من هذه السور الأربع كسر شاف أو يكون تقدير الكلام و أسرع ضم الهمز بالكسر فى هذه المواضع و شاف خبر مبتدإ محذوف أى هو شاف،و أسكن الراء من الرمز ضرورة نحو:

فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من اللّه و لا واغل

و هذه المواضع الأربعة-و اللّه أخرجكم من بطون أمهاتكم-أو بيوت أمهاتكم-يخلقكم فى بطون أمهاتكم- (وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ 1) .

فالجميع قبله كسر فلهذا كسرت الهمزة اتباعا و كسر حمزة دون الكسائى الميم بعد الهمزة تبعا لها فى هذه المواضع الأربعة،و فيصلا حال من الضمير فى اكسر،أى فاصلا بين قراءتهما فحمزة كسر الهمزة و الميم معا، و الكسائى كسر الهمزة وحدها،و كل ذلك فى الوصل،فإن وقفت على حرف الجر و ابتدأت الكلمات ضمت الهمزة و فتحت الميم كقراءة الجماعة،و اللّه أعلم.

592-[و ندخله نون مع طلاق و فوق مع

نكفّر نعذّب معه فى الفتح(إ)ذ(ك)لا]

أى ذو نون هاهنا فى موضعين-ندخله جنات-و-ندخله نارا-مع الذى فى آخر الطلاق و ندخله جنات و الذى فوق الطلاق يعنى سورة التغابن فيها ندخله مع نكفر يعنى قوله تعالى-نكفر عنه سيئاته و ندخله-ثم قال نعذب معه أى مع ندخله فى الفتح أى اجتمعا فى سورة الفتح فى قوله-و من يطع اللّه و رسوله ندخله جنات تجرى من تحتها الأنهار و من يتول نعذبه عذابا أليما-فذلك سبعة مواضع قرأهن بالنون نافع و ابن عامر و الباقون بالياء،و وجه

********

(1) سورة النجم الآية:32.

ص: 413

القراءتين ظاهر و ضاق عليه البيت عن بيان أن فى هذه السورة موضعين كما قال فى البقرة معا قدر:حرك،و مثله قوله فى الأعراف و الخف أبلغكم حلا،و لم يقل معا و هو فى قصتى نوح و هود و كلا أى كلاه أى حفظه قارئه فرواه لنا.و اللّه أعلم.

593-[و هذان هاتين اللّذان اللّذين قل

يشدّد للمكّى فذانك(د)م(ح)لا]

التشديد فى هذه الكلمات فى نوناتها و لم يبينه لظهوره أو لأن كلامه فى النون فى قوله ندخله نون فكأنه قال تشدد نون هذه الكلمات لابن كثير،و التشديد و التخفيف فى ذلك كله لغتان،و أراه:

(هذانِ خَصْمانِ (1) - إِنْ هذانِ لَساحِرانِ (2) - إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ (3) - وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ (4) - أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا (5) - فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ 6) .

التشديد عوض من الألف المحذوفة من هاذان و هاتين و فذانك و من الياء المحذوفة فى اللذان و اللذين حذفتا لكون ألف التثنية بعدهما،شدد الجميع ابن كثير و وافقه أبو عمرو على تشديد-فذانّك-،و قراءة الباقين بالتخفيف على قياس نونات التثنية مطلقا،و قوله دم حلا،أى:ذا حلا،و أراد-فذالك-بالتشديد.لأن الكلام فيه،و لقائل أن يقول:إنما لفظ به مخففا فيدخل فى قوله:و باللفظ استغنى عن القيد،و جوابه أنه لم يمكنه اللفظ به مشددا لامتناع اجتماع الساكنين فى الشعر،فلم يبق اللفظ جاليا للمقصود:

594-[و ضمّ هنا كرها و عند براءة

(ش)هاب و فى الأحقاف(ث)بّت(م)عقلا]

الضم و الفتح فى هذا لغتان،كالضّعف و الضّعف،و فى الأحقاف موضعان.و قوله:عند براءة،أى فيها كما تقول عندى كذا،أى فى ملكى،يريد فيما حوته براءة من الآيات،و كما تجوز عما هو عندى بقى فى قوله و لا ألف فى ها-هانتم-على ما سبق،تجوز هنا بعكس ذلك،و كان له أن يقول:و ما فى براءة أو وكر هاهنا و فى براءة ضمه شهاب،و معقلا تمييز أو حال،و الضمير فى ثبت للحرف لمختلف فيه،أو لشهاب،أى ثبت معتلا أو مشبها معقلا؛المعقل الملجأ،يقال فلان معقل لقومه،و أصله الحصن:

595-[و فى الكلّ فافتح يا مبيّنة(د)نا

(ص)حيحا و كسر الجمع(ك)م(ش)رفا(ع)لا]

أى كم علا شرفا،و المميز محذوف،أى كم مرة علا شرفا،و الجمع يعنى به:مبينات،جمع مبينة فوجه الفتح فيهما ظاهر،أى بينها من يدعيها-و آيات مبينات-بينها اللّه سبحانه،و بالكسر يجوز أن يكون لازما،

********

(1) سورة الحج،آية:19.

(2) سورة طه،آية:64.

(3) سورة القصص،آية:27.

(4) سورة النساء،آية:16.

(5) سورة فصلت،آية:29.

(6) سورة القصص،آية:32.

ص: 414

أى هى بينة فى نفسها،ظاهرة و بينات جمعها،يقال:بينت الشيء تبين،مثل تبين،و يجوز أن يكون متعديا أى مبينة صدق مدعيها،فهو لازم و متعد،و صحيحا حال من فاعل دنا،و كسر الجمع أى كسريا المجموع من ذلك،و اللّه أعلم.

596-[و فى محصنات فاكسر الصّاد(ر)اويا

و فى المحصنات اكسر له غير أوّلا]

يعنى اكسر المنكر و المعرف إلا الأول،و هو:

(وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ 1) .

فى رأس الجزء؛لأنه بمعنى المزوجات فالكسر على معنى أنهن أحصن فروجهنّ.إما بالأزواج أو بالحفظ، و الفتح على أن اللّه تعالى أحصنهن،أو يكون بمعنى الكسر،قال الشيخ فى شرحه يقال:أحصن فهو محصن، و ألفح:إذا أفلس فهو ملفح،و أشهب فهو مشهب،نذرت بالفتح هذه الثلاثة،و أولا مخفوض بغير،و لكنه غير منصرف،و التقدير غير حرف أول،و اللّه أعلم.

597-[و ضمّ و كسر فى أحلّ صحابه

وجوه و فى أحصنّ(ع)ن(نفر)العلا]

يعنى (وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ 1) .

و معنى صحابه:وجوه،أى رواته رؤساء من قولهم:هم وجوه القوم،أى أشرافهم و كبارهم،و عاد الضمير مفردان صحابه و إن كان الذى عاد إليه مثنى،و هما:الضم و الكسر لأنهما فى معنى المفرد،و هو اللفظ و الحرف،أو صحاب هذا الفعل وجوه،و هذه القراءة على مطابقته:

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ 3) .

و وجه الفتح إسناد الفعل إلى اللّه تعالى لقوله قبله:

(كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ 1) .

قوله و فى أحصن،أى:و الضم و الكسر فى الموضعين الفتح فى الحرفين أما كونه ضد الكسر،فمطرد و منعكس،و أما كونه ضد الضم فمطرد غير منعكس،على ما سبق بيانه فى شرح الخطبة،و لم يقرأ أحد بالضم و الكسر فى الكلمتين معا إلا حفص،و قرأ أبو بكر بالفتح فيهما معا،و أما باقى القراء فمن ضم و كسر فى-أحل- فتح فى-أحصن-و من فتح فى-أحل-ضم و كسر فى-أحصن-فالفتح فى-أحصن-كالكسر فى-محصنات- أسند الفعل إليهنّ،و الضم و الكسر فى-أحصن-كفتح صاد-محصنات-و اللّه أعلم.

********

(1) سورة النساء،آية:24.

(3) سورة النساء،آية:23.

ص: 415

598-[مع الحجّ ضمّوا مدخلا(خ)صّه و سل

فسل حرّكوا بالنّقل(ر)اشده(د)لا]

أى خص بالخلف مدخلا هنا و فى الحج:

(وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (1) - لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ 2) .

دون الذى فى-سبحان-:

(مُدْخَلَ صِدْقٍ 3) .

فإنه بالضم اتفاقا،و خصه فعل أمر و فتح الصاد لغة صحيحة،خلافا لمن لم يجز فيه إلا الضم عند اتصال ضمير الغائب به اتباعا،و يجوز أن يكون خصه فعل ما لم يسم فاعله.على حذف حرف الجر اتساعا،أى خص به، و مدخلا بالضم:إما مصدر،أو اسم مكان،من أدخل،و بالفتح أيضا كذلك،من دخل،فيكون على قراءة الفتح قد قرن بالفعل غير مصدره و اسم مكانه،أو يقدر له فعله على معنى:فيدخلون مدخلا،و أما فعل الأمر من سأل،فإن لم يكن قبله واو و لا فاء فقد أجمع القراء على حذف الهمزة بعد نقل حركتها إلى السين،نحو:

(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ 4) .

و إن كان قبله واو أو فاء،و كان أمرا لغير المخاطب،فأجمعوا على همزه،نحو:

(وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا 5) .

و إن كان أمرا للمخاطب فالقراء أيضا أجمعوا على الهمز،لا ابن كثير و الكسائى،و علته أن أمر المخاطب كثير الاستعمال فخففوه،و المستعمل بغير واو و لا فاء أكثر،فناسب التخفيف،و الهمز الأصل،و الراشد:

السالك طريق الرشد،و دلا:أى وافق فى حصول مقصوده،فإن معناه لغة:أخرج دلوه ملآء،و ذلك مقصود من أدلى دلوه،فاستعاره الناظم لهذا المعنى و ما يناسبه،و اللّه أعلم و أحكم.

599-[و فى عاقدت قصر(ث)وى و مع الحدي

د فتح سكون البخل و الضّمّ(ش)مللا]

فى المفاعلة:عاقدت ظاهرة،و معنى عقدت أى عقدت أيمانكم عهودهم،و الأيمان هنا جمع يمين التى هى اليد،و هنا و فى سورة الحديد:

(وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ 6) .

********

(1) سورة النساء،آية:31.

(2) سورة الحج،آية:59.

(3) سورة الإسراء،آية:80.

(4) سورة البقرة،آية:211.

(5) سورة الممتحنة،آية:10.

(6) سورة الحديد،آية:24.

ص: 416

فتح السكون فى الخاء،و فتح الضم فى الباء،شملل:أى أسرع،أى قراءة حمزة و الكسائى بفتح الحرفين و الباقون بالضم و الإسكان،و هما لغتان،كالحزن و الحزن،و العرب و العرب،و اللّه أعلم.

600-[و فى حسنه(حرمىّ)رفع و ضمّهم

تسوّى(ن)ما(حقّا)و(عمّ)مثقّلا]

يعنى (وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً 1) .

الرفع على أن كان تامة،و النصب على أنها ناقصة،و الاسم ضمير عائد على الذرّة أو على المثقال،و أنث ضميره،لأنه مضاف إلى مؤنث كقوله:

كما نهلت صدر القناة من الدم

و أسكن الناظم الهاء من-حسنة-ضرورة كما سبق فى هذه السورة،و فى أمهات النحل و النور و الزمر، و فى الأصول،و فى البقرة فقل:

(يُعَذِّبُ 2) .

و قوله سبحانه:

(لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ 3) .

بضم التاء على البناء للمفعول و التثقيل،أراد به التشديد مع فتح التاء،أصله:لو تتسوى،فأدغم التاء فى السين،و حمزة و الكسائى على حذفها مع فتح التاء،مثل ما مضى فى تسألون أول السورة،و نما أى ارتفع، و حقا تمييز أو حا،و مثقلا حال،و فاعل نما ضمير الضم،و فاعل عم:ضمير تسوى،و اللّه أعلم.

601-[و لامستم اقصر تحتها و بها(ش)فا

و رفع قليل منهم النّصب(ك)لّلا]

يعنى قوله (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ 4) .

هنا و فى المائدة،إذا قصر صار لمستم،فيجوز أن يكون لامس بمعنى لمس،و يجوز أن يكون على بابه، و اختلف الصحابة و من بعدهم من الفقهاء فى أن المراد به الجماع أو اللمس باليد،مع اتفاقهم على أن المراد باللمس الجماع فى قوله تعالى:

(ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ 5) .

حيث وقع،سواء قرئ بالمد أو بالقصر،و الذين مدوا لامس:قصروا تمسوهن.و بالعكس،مع أن معنى اللفظين واحد من حيث أصل اللغة،و قد حققنا الكلام فى هذا،و للّه الحمد فى المسائل الفقهية فى الكتاب المذهب

********

(1) سورة النساء،آية:40.

(2) سورة البقرة،آية:284.

(3) سورة النساء،آية:42.

(4) سورة المائدة،آية:6.

(5) سورة البقرة،آية:236.

ص: 417

سهل اللّه إتمامه،و أما:

(ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ 1) .

فالرفع فيه هو الوجه الأقوى عند النحويين،على البدل من فاعل فعلوه،كأنه قال ما فعله إلا قليل منهم، و لو كان بهذه العبارة لم يكن إلا بالرفع،و معنى اللفظين واحد،و النصب جائز على أصل باب الاستثناء،كما فى الإيجاب:او قلت فعلوه إلا قليلا لم يجز إلا النصب،و قد أجمعوا على رفع:

(وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ 2) .

و اختلفوا فى:

(وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ 3) .

و فيه بحث حسن سيأتى إن شاء اللّه تعالى،قوله و رفع قليل:أى مرفوعه،و هو اللام الأخيرة كلل النصب، أى بالنصب،أى جعل له كالإكليل،و هو التاج أو يكون من قولهم:روضة مكللة أى محفوفة بالنّور،فيكون قوله:رفع،على ظاهره ليس بمعنى مرفوع،يعنى أن النصب فى مثل هذا تابع للرفع،كالنور التابع للروضة لأن أصل هذا الباب عند النحويين البدل كما ذكرنا،فكأن النصب طارئ على ما هو وجه الكلام و أصله.

602-[و أنّث يكن(ع)ن(د)ارم(تظلمون غي

ب شهد(د)نا إدغام بيّت(ف)ى(ح)لا]

يعنى(كأن لم يكن بينكم و بينه مودّة (4).

التأنيث لأجل لفظ مودّة،و التذكير لأجل الفصل الواقع بين الفعل و الفاعل،مع أن المودة بمعنى الود، و الدارم:الذى يقارب الخطا فى مشيه،أى القراءة منقولة عن شيخ هذه صفته،و دارم أيضا:اسم قبيلة من تميم،و ليس ابن كثير منهم،خلافا لما وقع فى شرح الشيخ رحمه اللّه،و قد بينا الوهم فى ذلك فى الشرح الكبير فى ترجمة ابن كثير،و أما:

(و لا يظلمون فتيلا (5)- أَيْنَما تَكُونُوا 5) .

فقرئ بالغيب،ردا على ما قبله من قوله:

(أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ 7) .

إلى آخر الآية،و الخطاب على الالتفات،و إن كان المراد:قل لهم،فالغيب و الخطاب من باب قولك قل زيد لا يضرب و لا تضرب،بالياء و التاء،و منه ما سبق:

********

(1) سورة النساء،آية:66.

(2) سورة النور،آية:6.

(3) سورة هود،آية:81.

(4) سورة النساء،آية:73.

(5) سورة النساء،آية:77 و 78.

(7) سورة النساء،آية:77.

ص: 418

(قل للّذين كفروا سيغلبون (1)-و-لا يعبدون إلاّ اللّه (2).

و لا خلاف فى الأول أنه بالغيبة،و هو:

(لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً - اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ (3) -و أما- بَيَّتَ طائِفَةٌ 4) .

فأبو عمرو على أصله فى إدغامه،و وافقه حمزة فيه،كما وافقه فى مواضع أخر تأتى فى أول سورة و الصافات و لو لا حمزة لما احتاج إلى ذكر هذا الحرف لأبى عمرو هنا،بل كان ذلك معلوما من إدغام الحرفين المتقاربين فلما احتاج إلى ذكره لأجل حمزة رمز لأبى عمرو معه خشية أن يظن أنه لحمزة وحده،و لهذا نظائر سابقة و لا حقة و كان يلزمه مثل ذلك فى أول و الصافات،فلم يفعله،و قد قيل إن إدغام:

(بَيَّتَ طائِفَةٌ) .

ليس من باب الإدغام الكبير،بل من الصغير،و التاء ساكنة للتأنيث،مثل:

(وَ قالَتْ طائِفَةٌ 5) .

و قد ذكرنا وجه هذا القول على بعده فى الشرح الكبير فى باب الإدغام،و فى هذا البيت ثلاث مسائل وصلها بغير واو فاصلة بينها.إذ لا ريبة فى ذلك،و اللّه أعلم.

603-[و إشمام صاد ساكن قبل داله

كأصدق زاء(ش)اع و ارتاح أشملا]

يعنى نحو (تَصْدِيَةً (6) -و- يَصْدِفُونَ (7) -و- يُصْدِرَ (8) -و- تَصْدِيقَ (9) -و- فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ (10) -و- عَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ (11) -و- مَنْ أَصْدَقُ 12) .

وجه هذا الإشمام ما تقدم فى-الصراط-لأن الدال مجهورة،و قراءة الباقين بالصاد الخالصة،و قوله:

زاء بالنصب هو ثانى مفعولى و إشمام،و الأول أضيف إليه،و هو صاد،لأنك تقول اشم الصاد زاء و المصدر يتعدى تعدية فعله،و أشملا تمييز،و الارتياح:النشاط،و أشملا:جمع شمال بكسر الشين،و هو:الخلق و اليد يشير إلى حسنه فى العربية،و اللّه أعلم.

604-[و فيها و تحت الفتح قل فتثبّتوا من الثّبت و الغير البيان تبدّلا]

********

(1) سورة آل عمران،آية:12.

(2) سورة البقرة،آية:83.

(3) سورة النساء،آية:49 و 50.

(4) سورة النساء،آية:81.

(5) سورة آل عمران،آية:72.

(6) سورة الأنفال،آية:35.

(7) سورة الأنعام،آية:46.

(8) سورة يونس،آية:37.

(9) سورة الحجر،آية:94.

(10) سورة النحل،آية:39.

(11) سورة النساء،آية:94.

(12) سورة النساء،آية:94.

ص: 419

يعنى (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا (1) - فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا 1) .

و فى الحجرات:

(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا 1) .

قرأها حمزة و الكسائى من الثبات فى الأمر،و الثبت هو خلاف الإقدام،و المراد:التأنى و خلاف العجلة.

و منه قوله تعالى:

(وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً) .

أى و أشد وفقا لهم عما وعظوا بأن لا يقدموا عليه،و قرأها الباقون من بيان الأمر،و هو ثمر التثبت فيه، فيستعمل فى موضعه،قال الأعشى:

كما اشد تجدنّ أمرا تبين ثم ارعوى؟؟؟ أو قدم

قدم:أى أقدم،قال أبو على:فاستعمل التبيين فى الموضع الذى يقف فيه ناظرا فى الشيء حتى يقدم عليه أو يرتدع عنه،و قال:فى موضع:الزجر النهى و التوقف:

لزيد مناة توعد يا ابن تيم تبين أين تاه بك الوعيد

و قال الفراء:هما متقاربان فى المعنى،يقول ذلك للرجل:لا تعجل بإقامة الحد حتى يتبين و يتثبت،و قول الناظم من الثبت أى اشتقاقه من كلمة الثبت،يقال رجل ثبت أى:ثابت القلب،و استعمله العلماء الحائزون أحوال الرواة و نقلة الأحاديث فى الحافظ الذاكر لما حدّث به،الضابط له،الذى لا تدخله شبهة فى ذلك و لا تشكك فيه،فيقولون هو:ثقة ثبت،و هو من ذلك،و عسر على الناظم أن يقول من التثبت أو التثبيت، و كان هو وجه الكلام كما قال غيره،فعدل إلى كلمة فيها الحروف الأصول التى مرجع جميع ما اشتق من ذلك إليها،و قال الشيخ:أشار إلى أن معنى القراءة طلب الثبت،و هو تفعلوا بمعنى استفعلوا من طلب ثبات الأمر و القراءة الأخرى أمر بطلب بيان الأمر.ثم قال الناظم:و الغير تبدل من الثبت البيان،أى جعله مشتقا من البيان،لا من الثبت،و لم يذكر للقراءة من الثبت رمزا اعتمادا على الرمز السابق فى إشمام-أصدق-و بابه،لأنه أوّل رمز يليه.

فإن قلت:فلقائل أن يقول ينبغى أن يؤخذ لها ما يرمز به فى المسألة التى بعدها،كما أنه جمع بين مسألتين لرمز واحد فيما مضى فى البقرة،و هما:

(قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً -و- كُنْ فَيَكُونُ) .

و جمع بين ثلاث مسائل لرمز واحد فى آل عمران فى البيت الذى أوّله:سنكتب.

قلت:اهتمامه ببيان قراءة الغير فى هذا البيت قطع ذلك الاحتمال،لأنه يعلم أنه ما شرع فى بيان قراءة الغير إلا و قد تمّ بيانه للقراءة الأخرى قيدا و رمزا،فتعين اعتبار الرمز السابق،إذ ليس غيره،فكأنه قال:اشما،

********

(1) سورة البقرة،آية:116 و 117.

ص: 420

و قرءا فتثبتوا من الثبت،و كان النظم يحتمل زيادة بيان فيقال فى الثبت السابق كأصدق زاء شاع،و التثبت شمللا إليها،و تحت الفتح فى-فتثبتوا-و غيرهما لفظ الثبات تبدلا،أى أسرع الثبت إلى هذه السورة و إلى الحجرات فى لفظ-فتثبتوا-و غير حمزة و الكسائى يبدل عن ذلك لفظ البيان،و اللّه أعلم.

605-[و(عمّ ف)تى قصر السّلام مؤخّرا

و غير أولى بالرّفع(ف)ى(حقّ ن)هشلا]

فتى مفعول عم،أى عم قصر السلام قارئا ذا فتوة،أو سخيا بعلمه،أو قويا فى العلم،لأن الفتى يكنى به عن الشاب،و الشاب مظنة القوة،فهو كما سبق شرحه فى قوله:و كم من فتى كالمهدوى،و قال الشيخ:فتى حال من قصر السلام،و مؤخرا حال من السلام،يريد قوله سبحانه و تعالى:

(لمن ألقى إليكم السّلم (1).

احترازا من اللتين قبله،و لا خلاف فى قصرهما-و ألقوا إليكم السلم-و بعده- (وَ يُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ 2) .

و كذا لا خلاف فى قصر التى فى النحل:

(وَ أَلْقَوْا إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ 3) .

فلعله أشار بالعموم إلى هذا،إذ سخا القصر فى الجميع يقال:ألقى السلام،و السلم،إذا استسلم و انقاد، و قيل السلام هنا التسليم:

(غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) .

بالرفع صفة للقاعدين،كقوله-غير المغضوب-لأن القاعدين كانوا نوعين:أولى الضرر و أصحاء،فمعناه غير أولى الضرر منهم،فحصل الحصر بين القسمين،أو يكون بدلا من القاعدين،لأنه استثناء من المنفى، فيجوز فيه البدل و النصب،و قراءة النصب على الحال من القاعدين،أو على الاستثناء،و قرئ شاذا بالجر على أنه صفة المؤمنين،و نهشل:اسم قبيلة،فلهذا لم يصرفه،و أشار باشتقاقه إلى أولى الضرر،لأنه من قولهم:

نهشل الرجل:إذا أسن و اضطرب،أو بكون قوله:نهشلا فعلا ماضيا على حذف الموصوف،أى فى حق الذى نهشل:أى جاء غير أولى بالرفع فى حق هؤلاء المعذورين،لأنه وصف«القاعدون»بذلك،ليخرج منهم أولى الضرر،و اللّه أعلم.

606-[و نؤتيه باليا(ف)ى(ح)ماه و ضمّ يد

خلون و فتح الضّمّ(حقّ ص)رى حلا]

********

(1) سورة النساء،آية:94.

(2) سورة النساء،آية:91.

(3) سورة النحل،آية:87.

ص: 421

يريد (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً 1) .

القراءة بالنون و الياء ظاهرة،و الهاء فى حماه،عائدة على يؤتيه،كقولك زيد بماله فى داره،و يدخلون الجنة بضم الياء و فتح الخاء على بناء الفعل للمفعول،و بفتح الياء و ضم الخاء على بنائه للفاعل،و كلاهما ظاهر المعنى،و الصرى بكسر الصاد و فتحها:الماء المجتمع المستنقع.يشير إلى عذوبة القراءة و كل عذب.

607-[و فى مريم و الطّول الأوّل عنهم

و فى الثّان(د)م(ص)فوا و فى فاطر(ح)لا]

وقع فى نسخ القصيدة الأول بالرفع،و الأولى أن يكون مجرورا على أنه بدل من الطول،أو و فى مريم، و حرف الطول الأول،و يدل عليه قوله بعد ذلك:و فى الثان أى فى الأول عنهم،و فى الثان عن دم صفوا، و قوله:عنهم أى عن المذكورين بضم الياء و فتح الخاء،و الذى فى مريم:

(فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً 2) .

و الأول فى الطول:

(يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها 3) .

و الثانى فيها (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ 4) .

دم صفوا:أى ذا صفوا،أو دام صفوك،نحو طب نفسا،و قرّ عينا،فهو حال على الأول،تمييز على الثانى،و حلا فى آخر هذا البيت ليس بمعنى حلا فى آخر البيت الذى قبله،و إن اتفقا لفظا،بل هو من حلا فلان امرأته:أى جعلها ذات حلى،كأن حرف فاطر،و هو قوله تعالى:

(جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها 5) .

لما صحبه ذكر الحلية كأنه قد حلا،و قال الشيخ:كأن هذا الحرف على قراءة أبى عمرو قد جعل المعنى:

ذا حلية لحسن القراءة و مشاكلتها للمعنى،أو من حلوت فلانا:إذا أعطيته حلوانا،و اللّه أعلم.

608-[و يصّالحا فاضمم و سكّن مخفّفا

مع القصر و اكسر لامه(ث)ابتا تلا]

يعنى قرأ الكوفيون:

(أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً 6) .

********

(1) سورة النساء،آية:74.

(2) سورة مريم،آية:60.

(3) سورة غافر،آية:40.

(4) سورة غافر،آية:60.

(5) سورة غافر،آية:32.

(6) سورة النساء،آية:128.

ص: 422

من أصلح يصلح،و قرأ الباقون بهذا اللفظ المنظوم،و أصله يتصالحا،فأدغمت التاء فى الصاد،و ثابتا:

حال من اللام أو من الهاء فى لامه،أو من فاعل اكسر:أى فى حال ثباتك فيما تفعل،فإنك على ثقة من أمرك و بصيرة من قراءتك،أو يكون نعت مصدر محذوف:أى كسرا ثابتا تلا ما قبله من الحركات المذكورة.أو هو:مفعول تلا،أى تبع هذا المذكور أمرا ثابتا،و هو كل ما تقدم ذكره من الحروف،و قال الشيخ:

التلاء بالمد:الذمة،و هو منصوب على التمييز.

609-[و تلووا بحذف الواو الأولى و لامه

فضمّ سكونا(ل)ست(ف)يه مجهّلا]

يقال:لويت فلانا حقه إذا دفعته و مطلته،و قد جعلت القراءة الأخرى التى بحذف الواو بمعناها،على تقدير أن الواو المضمومة همزت،ثم ألقيت حركتها على اللام و حذفت،ذكر ذلك الفراء و الزجاج و النحاس و أبو على،غير أن أبا على قدم قبله وجها آخر اختاره،و هو:أن جعله من الولاية،و قال:ولاية الشيء إقبال عليه،و خلاف الإعراض عنه،و تابعه الزمخشرى على هذا و لم يذكر غيره،قال:و إن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها،و قول الناظم و لامه،فضم الفاء زائدة،و لامه مفعول فعل مضمر يفسره ما بعده،أى حرك لامه أو ضم لامه،ثم فسره بقوله فضم سكونا،و لا بدّ من ضمير يرجع إلى اللام،كقولك:زيدا اضرب رأسه،و لا تقول:رأسا،فقوله سكونا،أى سكونا فيه،أو سكونه و قوله:لست فيه مجهلا،جملة فى موضع الصفة لقوله سكونا،أو هى مستأنفة،و لو كان قدم لفظ فيه على لست،لكان جيدا،و رجع الضمير فى فيه إلى اللام،فيقول:فضم سكونا فيه لست مجهلا،و يكون فيه رمزا بحاله،كقوله فى آل عمران،و كسر لما فيه و إن كان موهما فى الموضعين أنه تقييد للقراءة.

فإن قلت:سكونا مصدر فى موضع الحال من اللام،أى ضم لامه فى حال كونها ساكنة،فلا حاجة إلى ضمير يرجع إلى اللام،و لا إلى تقديم فيه على لست.

قلت:ضم اللام فى حال السكون محال،و الحال تقييد للفعل،بخلاف الصفة،فإذا قيل اضرب زيدا راكبا،تعين ضربه فى حال ركوبه،و إذا قيل:اضرب زيدا الراكب،كان الراكب صفة مبينة لا غير،فله ضربه،و إن ترك الركوب،فعلى هذا:يجوز أن يقال:ضم اللام الساكنة،و لا يجوز:ضم اللام ساكنة.

فاعرف ذلك.

610-[و نزّل فتح الضّمّ و الكسر(حصن)ه

و أنزل عنهم عاصم بعد نزّلا]

يريد قوله تعالى:

(وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ 1) .

********

(1) سورة النساء،آية:136.

ص: 423

(وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ 1) .

و القراءة فى المواضع الثلاثة دائرة بين بناء الفعل للفاعل أو للمفعول،و هما ظاهرتان،و الهاء فى حصنه:

تعود على نزل،و هو خبر فتح الضم و الكسر،و هما خبر نزل،ثم قال:و أنزل كذلك عنهم،و اللّه أعلم.

611-[و يا سوف تؤتيهم(ع)زيز و حمزة

سيوتيهم فى الدّرك كوف تحمّلا]

يريد (سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ كانَ اللّهُ (2) - أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً 3) .

الياء و النون فيهما ظاهرتان،و قد سبق لهما نظائر،و الدرك من قوله تعالى:

(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ 4) .

تحمله الكوفيون بإسكان رائه،و الباقون بفتحها،و هما لغتان كالقدر و القدر،و الشمع و الشمع،و تحريك الراء اختيار أبى عبيد،و اللّه أعلم.

612-[بالإسكان تعدوا سكّنوه و خفّفوا

(خ)صوصا و أخفى العين قالون مسهلا]

قوله بالإسكان:متعلق بآخر البيت السابق،ثم ابتدأ:تعدوا،أى قرأه غير نافع بإسكان العين و تخفيف الدال،من عدا يعدو،كما قال سبحانه فى موضع آخر:

(إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ 5) .

و قرأ نافع بفتح العين و تشديد الدال،و كان الأصل يعتدوا كقوله:

(وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ 6) .

ثم أدغمت التاء فى الدال،و ألقيت حركة التاء على العين،و أخفى قالون حركة العين إيذانا بأن أصلها السكون و الكلام فيه كما سبق فى إخفاء كسر العين فى نعما،و قوله:مسهلا،أى راكبا للطريق الأسهل،و كأنه أشار بذلك إلى طريق آخر وعر روى عنه،لم ير الناظم ذكره لامتناع سلوكه،قال صاحب التيسير:و النص عنه بالإسكان.

قلت:و كذا ذكر ابن مجاهد عن نافع،قال أبو على:و كثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثانى منهما مدغما،و لم يكن الأول حرف لين،نحو-دابة-و ثمود-الشرب-و قيل لهم-و يقولون:

إن المد يصير عوضا من الحركة،ثم قال:و إذا جاز نحو:أصيم،و مديق،و دويبة:مع نقصان المد الذى فيه لم يمتنع أن يجمع بين الساكنين فى نحو تعدوا-لأن ما بين حرف اللين و غيره يسير.

********

(1) سورة النساء،آية:149.

(2) سورة النساء،آية:152.

(3) سورة النساء،آية:162.

(4) سورة النساء،آية:145.

(5) سورة الأعراف،آية:163.

(6) سورة البقرة،آية:65.

ص: 424

قلت:ذلك القدر اليسير هو الفارق،لأنه هو القائم مقام الحركة و ما ليس فيه ذلك اليسير فلا حركة فيه و لا ما يقوم مقامها،فلا ينبغى أن يتكلف جوازه و صحته مع عسره على اللسان أو استحالته،و قد سبق فى-نعما هى-تحقيق ذلك أيضا،و إنكار أبى على و غيره من أئمة العربية جواز إسكان العين،و عجبت منه:كيف سهل أمره هنا.قال ابن النحاس:لا يجوز إسكان العين،و الذى يقرأ بهذا إنما يروم الخطأ.قال الحوفى:و هذا شيء لا يجوز،و لعل القارئ بذلك أراد الإخفاء،فتوهم عليه الإسكان،و اللّه أعلم.

613-[و فى الأنبيا ضمّ الزّبور و هاهنا زبورا و فى الإسرا لحمزة أسجلا]

أسجلا،أى أبيح لحمزة القراءة به،و المسجل:المطلق المباح الذى لا يمتنع عن أحد،و أسجل الكلام إذا أرسله من غير تقييد،و فتح الزاى من الزبور و ضمها،لغتان فى اسم الكتاب المنزل على داود عليه السلام، و إن كانت اللفظة عربية،و هما مصد ان سمى بهما الزبور،و هو المكتوب،يقال:زبر،إذا كتب،و يقال:

زبرت الكتاب،إذا أحكمت كتابته.و قال مكى:زبرت الكتاب:أى جمعته فهو مثل تسمية المكتوب كتابا، و مثل الزبور بالفتح القبول،و بالضم الشكور،و قيل:المفتوح يصلح للمفرد و الجمع،كالعدو،و ذكر أبو على فى المضموم وجهين:أحدهما أنه جمع زبرا وقع على الزبور اسم الزبر،كقولهم ضرب الأمير،و نسج اليمن، ثم جمع الزبر على زبور،كما جمع الكتاب على كتب،و الآخر أن يكون جمع زبور،على تقدير حذف الحرف الزائد و هو الواو،و لا ضرورة إلى هذا التكلف،و وقع فى شرح الشيخ أنه جمع زبر،و هو الكتاب كقدر و قدور.و قال مكى:هو جمع زبر كدهر و دهور.

قلت:الإفراد وجهه ظاهر،لأن المتيقن كتاب واحد،أنزل على داود اسمه الزبور،كالتوراة و الإنجيل و القرآن،أما وجه الجمع إن كان مرادا فله معنيان،أحدهما أن الجمع توجه إلى أنواع ما فيه،فكل نوع منها زبر،و الآخر أن يكون نزل على داود صحف متعددة كما جاء:

(صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى 1) .

و ليس فى سورة النساء شيء من ياءات الإضافة و لا ياءات زوائد المختلف فيها،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة الأعلى،آية:19.

ص: 425

سورة المائدة

614-[و سكّن معا شنآن(ص)حّا(ك)لاهما

و فى كسر أن صدّوكم(حا)مد دلا]

أى و سكن كلمتى-شنآن-معا يعنى:

(وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ 1) .

فى موضعين فى هذه السورة،و ضد الإسكان المطلق:الفتح،فقوله:صحا،كلاهما رمز قراءة الإسكان و أشار بهذا اللفظ إلى صحة الإسكان و الفتح،أى صحت القراءة بهما فى هذه الكلمة،و معناها شدة البغض،و هما لغتان،و من الإسكان قول الأحوص:

و إن لام فيه ذو الشنان و فندا

لأنه خفف الهمز بإلقاء حركته على الساكن قبله،و حذفه على ما تقرر فى باب وقف حمزة-و أن تعتدوا- مفعول ثان لقوله-و لا يجرمنكم-أى لا يلبسنكم الشنآن العدوان و أن صدوكم،بالفتح:تعليل،أى لأنهم صدوكم،و كان الصد قد وقع سنة ست،و نزلت هذه الآية سنة ثمان،فاتضح معنى التعليل،و قراءة الكسر على معنى:إن حصل صد،و يصح أن يقال مثل ذلك،و إن كان الصد قد وقع كقوله تعالى:

(وَ إِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ 2) .

أى إن يكونوا قد صدوكم،و قال أبو على معناه:إن وقع مثل هذا الفعل،و على ذلك قول الفرزدق:

أ تغضب أن أذنا قتيبة حزنا

و دلا:معناه ساق سوقا رقيقا،و دلا:أى أخرج دلوه ملآء،و قد سبق وجه التجوّز به فى مثل هذه المواضع،و هو أنه أنجح و حصل مراده،و لم يحقق مسعاه و نحو ذلك،و اللّه أعلم.

615-[مع القصر شدّد ياء قاسية(ش)قا

و أرجلكم بالنّصب(عمّ ر)ضا(ع)لا]

يريد (وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ 3) .

فإذا قصر بحذف الألف و شددت الياء صار:قسية،على وزن العيلة،فالقراءتان بمعنى:عالمة و عليمة، و قيل:قسية ردية مغشوشة،من قولهم:درهم قسى.قال الزمخشرى و هو من القسوة،لأن الذهب و الفضة

********

(1) سورة المائدة،آية:2.

(2) سورة يونس،آية:41.

(3) سورة المائدة،آية:13.

ص: 426

الخالصين فيهما لين،و المغشوش فيه يبس و صلابة،قال أبو على:و القسوة خلاف اللين و الرقة،و قد وصف اللّه تعالى قلوب المؤمنين باللين فقال:

(ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ 1) .

و يشهد لقراءة المد:

(فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ (1) -و أما- وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ 3) .

فقرئت بنصب اللام و جرها،أما النصب فوجهه العطف على وجوهكم و أيديكم،لأن الجميع ثابت غسله من جهة السنة،و إنما فصل بين المعطوف و المعطوف عليه بقوله-و امسحوا برءوسكم-للتنبيه على الترتيب المشروع،سواء قيل بوجوبه أو استحبابه،و أما الجر فوجهه ظاهر،و هو:العطف على برءوسكم،و المراد به المسح على الخفين،و على ذلك حمل الشافعى رحمه اللّه القراءتين،فقال:أراد بالنصب قوما،و بالجر آخرين:

فإن قلت:التحديد يمنع من ذلك،فإن قوله-إلى الكعبين-كقوله-إلى المرافق-.

قلت:التحديد لا دلالة فيه لى غسل و لا مسح،و إنما يذكر عند الحاجة إليه،فلما كانت اليد و الرجل لو لم يذكر التحديد فيهما لاقتصر على ما يجب قطعه فى السرقة،أو لوجب استيعابها غسلا و مسحا إلى الإبط و الفخذ اعتنى بالتحديد فيهما،و لما لم يحتج إلى الحديد لم يذكره،لا مع الغسل و لا المسح،كما فى الوجه و الرأس.

فإن قلت:استيعاب المحدود بالمسح على الخف غير واجب بالإجماع.

قلت:فائدة التحديد أن الاقتصار على مسح ما جاوز ذلك غير مجز،فليس المطلوب إلا المسح،فيما دون الكعبين إلى أطراف الأصابع،فهذا أرجح ما وجدت من الأقوال فى تفسير هذه الآية و إعرابها،و رضى:

فى موضع نصب على التمييز أو الحال،أشار إلى أن قراءة النصب ظاهرة الموافقة لما ثبت فى السنة،و قراءة الجر خفية الموافقة،و هى ما ذكرناه،و اللّه أعلم.

616-[و فى رسلنا مع رسلكم ثمّ رسلهم

و فى سبلنا فى الضّمّ الاسكان(ح)صّلا]

يريد (وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ 4) .

و ضم إلى ذلك ما يناسبه حيث جاء،فالإسكان لأبى عمرو فى سين هذه الكلمات،و فى باء-سبلنا-للتخفيف و الباقون بضمها على الأصل،و هما لغتان،و أجمعوا على ضم المضاف إلى ضمير المفرد نحو-رسله-و على ضم ما لا ضمير معه نحو-الرسل-و-سبل السلام-.

617-[و فى كلمات السّحت(عمّ ن)هى(ف)تى

و كيف أتى أذن به نافع تلا]

********

(1) سورة الزمر،آية:22 و 23.

(3) سورة المائدة،آية:6.

(4) سورة المائدة،آية:32.

ص: 427

السحت:ما لا يحل،و إنما قال كلمات السحت،لأنه تكرر فى مواضع من هذه السورة،و فى عم ضمير يعود إلى الإسكان،و النهى جمع نهية،و هى:الغاية و النهاية،و الهاء فى به للإسكان أيضا،أى كيفما أتى لفظ أذن-منكرا أو معرفا،مفردا أو مثنى.نحو:

(و يقولون هو أذن (1)-و الأذن بالأذن (2)-فى أذنيه وقرا (3).

الضم و الإسكان لغتان،و اللّه أعلم.

618-[و رحما سوى الشّامى و نذرا(صحاب)هم

(ح)موه و نكرا(ش)رع(ح)ق(ل)ه(ع)لا]

ألحق بالألفاظ السابقة ما يشاكلها مما وقع فيه الخلاف المذكور فى غير هذه السورة،أراد:

(وَ أَقْرَبَ رُحْماً (4) -فى الكهف- عُذْراً أَوْ نُذْراً (5) -فى المرسلات- لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً 6) .

فى الكهف،و لا خلاف فى إسكان عذرا.

619-[و نكر(د)نا و العين فارفع و عطفها

(ر)ضى و الجروح ارفع(ر)ضى(نفر)ملا]

يريد (إِلى شَيْ ءٍ نُكُرٍ 7) .

فى سورة القمر،سكنها ابن كثير وحده،قوله و العين فارفع،يريد:

(وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) .

قوله:و عطفها،أى و معطوفها:يعنى ما عطف عليها،و هو الأنف،و الأذن،و السن.

و للرفع ثلاثة أوجه.

أحدها:الرفع على استئناف جملة و عطفها على الجملة السابقة،كقولك:فعلت كذا،و زيد فعل كذا، و عمرو و بكر،قال أبو على:الواو عاطفة جملة على جملة،و ليست للاشتراك فى العامل،كما كان كذلك فى قول من نصب،و لكنها عطفت جملة على جملة كما يعطف المفرد على المفرد.

قال و الوجه الثانى:أنه حمل الكلام على المعنى،لأنه إذا قال:

(وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ 8) .

********

(1) سورة التوبة،آية:61.

(2) سورة المائدة،آية:45.

(3) سورة لقمان،آية:7.

(4) سورة الكهف،آية:81.

(5) سورة المرسلات،آية:6.

(6) سورة الكهف،آية:74.

(7) سورة القمر،آية:6.

(8) سورة المائدة،آية:45.

ص: 428

فمعنى الحديث:قلنا لهم النفس بالنفس،فحملت العين بالعين على هذا.

قلت لأنّ أنّ هاهنا لو حذفت لاستقام معنى الكلام بحذفها استقامته بثبوتها،و تكون النفس مرفوعة، فصارت أنّ هنا كإن المكسورة فى أن حذفها لا يخل بالجملة،فجاز العطف على محل اسمها،كما يجوز على محل اسم المكسورة،و قد حمل على ذلك:

(أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ 1).

قال الشيخ أبو عمرو:و رسوله بالرفع معطوف على اسم أنّ،و إن كانت مفتوحة،لأنها فى حكم المكسورة و هذا موضع لم ينبه عليه النحويون،ثم وجّه ذلك و قرره بما سنذكره إن شاء اللّه تعالى فى شرح النظم فى النحو و قال الزمخشرى:و العين بالرفع عطف على محل:

(أَنَّ النَّفْسَ) .

لأن المعنى:و كتبنا عليهم النفس بالنفس،إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا،و إما لأن معنى الجملة التى هى النفس بالنفس مما يقع عليه الكتب،كما تقع عليه القراءة.قال الزجاج:رفعه على وجهين:العطف على موضع النفس بالنفس،و على الاستئناف،قال:و فيها وجه آخر:أن يكون عطفا على الضمير فى-بالنفس-المعنى أن النفس مأخوذة هى بالنفس،و العين معطوفة على هى.

قلت:و رفع الجروح على الابتداء،و قصاص:خبره،و على قراءة نصب الجروح يكون قصاص خبر أن،و لا يستقيم فى رفع الجروح.

الوجه الثالث و هو:أنه عطف على الضمير الذى فى خبر النفس،و إن جاز فيما قبلها،و سببه استقامة المعنى فى قولك مأخوذة هى بالنفس،و العين مأخوذة بالعين،و لا يستقيم،و الجروح مأخوذة قصاص،هذا معنى قول بعضهم لما خلا و له الجروح و قصاص،عن الباقى الخبر خالف الأسماء التى قبلها فخولف بينها فى الإعراب و قال بعضهم:إنما رفع الجروح و لم ينصب تبعا لما قبله،فرقا بين الجملة و المفسر،و قيل خولف ذلك الإعراب لاختلاف الجراحات و تفاوتها،فإذن الخلاف بذلك الاختلاف،قال أبو على:فأما-و الجروح قصاص-فمن رفعه يقطعه عما قبله،فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التى ذكرناها فى قول من رفع،و العين بالعين،قال:

و يجوز أن يستأنف-و الجروح قصاص-ليس على أنه مما كتب عليهم فى التوراة،و لكن على استئناف إيجاب و ابتداء شريعة فى ذلك،قال:و يقوى أنه من المكتوب عليهم فى التوراة نصب من نصبه.

قلت:و فى هذا البيت رضى مرتين،فالأول:حال من الضمير فى ارفع،و الثانى:حال من مفعول ارفع و الملا:الأشراف،أى أنه مرضى لهم،و اللّه أعلم.

620-[و حمزة و ليحكم بكسر و نصبه يحرّكه يبغون خاطب(ك)مثلا]

أى:و حمزة يحرك-و ليحكم-بكسر و نصبه،فالهاء فى نصبه لحمزة،أو للفظ و ليحكم،و الهاء فى يحركه

********

(1) سورة التوبة،آية:3.

ص: 429

لقوله:و ليحكم،فالكسر فى اللام،و النصب فى الميم،و إنما زاد قوله:يحركه لتأخذ ضد التحريك للقراءة الأخرى،و هو الإسكان فى الحرفين،و لو لم يذكر لكان ضد الكسر الفتح،و ضد النصب الخفض،أراد قوله تعالى:

(وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما 1) .

قرأه حمزة على التعليل،أى لأجل الحكم بما فيه-آتيناه الإنجيل-و قرأه الباقون على الأمر،و قوله:

(أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ 2) .

الخطاب فيه لأهل الكتاب،و الغيبة:إخبار عنهم،و جعل يبغون كأنه خطاب الكمّل مجازا لما كان الخطاب فيه،و عنى بالكمّل:أهل الكتاب،أى:إنهم أهل علم و فهم،فحسن توبيخهم و لومهم لصدهم عن حكم اللّه تعالى،و هم يعلمونه،و اللّه أعلم.

621-[و قبل يقول الواو(غ)صن و رافع

سوى ابن العلا من يرتدد(عمّ)مرسلا]

يعنى (وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ 3) .

يثبت الواو فى مصاحف أهل العراق دون غيرهم،و جعل الواو غصنا،لأنها تصل ما بعدها بما قبلها،لأنها عاطفة،كغصن امتد من شجرة إلى أخرى،و وجه حذف الواو أنه على تقدير سائل سأل:ما ذا يقول المؤمنون حينئذ،و رفع يقول ظاهر على الاستئناف،و نصبه أبو عمرو وحده عطفا على:

(فَيُصْبِحُوا 4) .

لأن فيصبحوا منصوب بالفاء فى جواب الترجى بعسى،و هذا وجه جيد أفاده الشيخ أبو عمرو رحمه اللّه، و لم أر أحدا ذكره،و ذكروا وجوها كلها بعيدة متعسفة،قيل:هو عطف على:

(أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ 4) .

و لا يستقيم على ظاهره،إذ يبقى التقدير فعسى اللّه أن يقول الذين آمنوا فتحيّل أبو على لصحته وجهين، تبعه فيهما الناس،أحدهما:أنه عطف على معناه،لأن معنى:عسى اللّه أن يأتى،و عسى أن يأتى اللّه واحد، فالتقدير:عسى أن يأتى اللّه،و أن يقول الذين آمنوا،و الثانى أن يكون قوله:-أن يأتى-بدلا من اسم اللّه تعالى،فيكون المعنى كما سبق،و قيل:التقدير:و يقول الذين آمنوا به،أى باللّه.و أما الزمخشرى فلم يقدر شيئا من ذلك،بل أطلق القول بأنه عطف على-أن يأتى-و ذكر ابن النحاس وجها آخر،و هو:أن يكون عطفا على بالفتح،لأن معناه بأن يفتح،فأضمر أن قبل يقول،ليكون عطف مصدر على مصدر،كقوله:

للبس عباءة و تقرّ عينى

********

(1) سورة المائدة،آية:47.

(2) سورة المائدة،آية:50.

(3) سورة المائدة،آية:53.

(4) سورة المائدة،آية:52.

ص: 430

و أظن أن الذى حملهم على ارتكاب هذه الأوجه البعيدة،و تركهم الوجه الواضح الذى ذكرته أولا، اعتقادهم أن فيصبحوا ليس نصبا على جواب الترجى،لأن الترجى من اللّه تعالى إيجاب و تحقيق،فلم يكن متى الترجى حاصلا،فيكون-فيصبحوا-عطفا على-أن يأتى بالفتح-و لا يستقيم عطف-و يقول-على ظاهر قوله-أن يأتى-فتأولوا هذه التأويلات،و نحن نقول:و إن كان الأمر كذلك فلا يمتنع النصب اعتبارا بلفظ الترجى،و هذا متعين فى تعليل قراءة عاصم:

(فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى 1) .

بالنصب؛فى سورة عبس،فهو فى جواب:

(لَعَلَّهُ يَزَّكّى 1) .

فكذا هاهنا،و اللّه أعلم.

و قول الناظم:و رافع سوى ابن العلا:رافع خبر مقدم،و المبتدأ قوله سوى ابن العلا،أى غير ابن العلا رافع ليقول،و فى هذه العبارة نظر،فإن أكثر النحويين يقولون إن سوى التى بمعنى غير،لازمة للنصب على الظرفية،فلا يجوز أن يليها عامل يقتضى غير ذلك،إلا أن المختار خلاف ما ذكروه،ففي أبيات الحماسة:

و لم يبق سوى العدوان

فإذا جاز وقوع سوى فاعلة جاز وقوعها مبتدأ؛و أما:

(مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ 3) .

فرسم بدالين فى مصاحف المدينة و الشام،و بدال واحدة فى المصاحف الباقية،فكل من القراء وافق مصحفه،و هما لغتان:الإدغام لتميم،و الإظهار لأهل الحجاز،و قد جاء التنزيل بالأمرين:

(وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى (4) - وَ مَنْ يُشَاقِّ اللّهَ 5) .

و المرسل المطلق:يعنى أنه أطلق من عقال الإدغام،و الضمير فى عم:لقوله من يرتد،ثم بين قراءة الباقين،فقال:

622-[و حرّك بالإدغام داله

و بالخفض و الكفّار(ر)اويه(ح)صّلا]

يعنى:الدال الثانية حركت بالفتح مصاحبة لإدغام الأولى فيها،فالباء فى بالإدغام باء المصاحبة،مثل:

دخل عليه بثياب السفر،و ليست باء الاستعانة بالآلة،نحو:كتبت بالقلم،فإن الإدغام لا يصلح آلة للتحريك فإن قلت:من أين علم أن مراده بالتحريك الفتح؟قلت:لأنه ذكره غير مقيد،و ذلك هو الفتح فى اصطلاحه

********

(1) سورة عبس،آية:3 و 4.

(3) سورة المائدة،آية:54.

(4) سورة النساء،آية:115.

(5) سورة الحشر،آية:4.

ص: 431

كما سبق فى شرح الخطبة،و إنما فتحت الدال الثانية لسكون الأولى قبلها بسبب الإدغام،و يجوز كسرها لغة،لا قراءة-:

(وَ الْكُفّارَ أَوْلِياءَ 1) .

بخفض الراء عطفا على قوله:

(مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ 1) .

و بالنصب عطفا على:

(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ 3) .

و الواو فى-و الكفار-من التلاوة،و هى مبتدأ،و التقدير:و الكفار بالخفض راويه حصله،و اللّه أعلم.

624-[و با عبدا اضمم و اخفض التّا بعد(ف)ز

رسالته اجمع و اكسر التّا(ك)ما(ا)عتلا]

يريد (وَ عَبَدَ الطّاغُوتَ 4) .

اضمم باء عبد،و اخفض التاء من الطاغوت،فيكون عبد اسما مضافا إلى الطاغوت،و يكون معطوفا على القردة،و هو المبالغ فى البودية المنتهى فيها،كما يقال فطن و حذر،للبليغ فى الفطنة،قال طرفة بن لبنى:

إن أمّكم أمة و إن أباكم عبد

و عبد فى قراءة الجماعة فعل،و الطاغوت مفعول،و الجملة عطف على صلة من،و أما:

(فما بلّغت رسالاته (5).

بالجمع فظاهر،لأنه أريد جمع ما أرسل به من التوحيد و الأحكام،و ما يشتمل عليه ذلك أنواع كثيرة، و الإفراد يدل على ذلك أيضا،لأن رسالته صلّى اللّه عليه و سلم تضمنت تلك الأشياء كلها،و استعمل الناظم لفظ الكسر فى العبارة عن حركة التاء فى الجمع،و استعمل لفظ الفتح فى العبارة عن حركة المفرد فى قوله فى سورة الأنعام-رسالات-فردوا-فتحوا دون علة،و الحركتان فى الموضعين حركتا إعراب على القراءتين فى كل حرف منها،و وجهه أن كل كلمة منهما فى القراءتين منصوبة،غاية ما فى الأمر أن علامة النصب فى إحداهما فتحة، و فى الأخرى كسرة،فلفظ فى الموضعين بعلامة النصب فى إحدى القراءتين،لتأخذ ضدها فى القراءة الأخرى و لو قال انصبوا لتحير السامع،إذ القراءة الأخرى فى الموضعين منصوبة،و مثل ذلك قوله فى الأعراف:و يقصر ذريات مع فتح تائه،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة المائدة آية:57.

(3) سورة المائدة،آية:60.

(4) سورة المائدة،آية:67.

(5) سورة المائدة،آية:83.

ص: 432

624-[(ص)فا و تكون الرّفع(ح)جّ(ش)هوده

و عقّدتم التّخفيف(م)ن(صحبة)و لا]

صفا من جملة رمز من قرأ رسالاته بالجمع،و هم:بن عامر،و نافع،و أبو بكر،و أما (و حسبوا أن لا تكون فتنة (1).

فنصبه،و رفعه لوقوع حرف أن قبله من بعد فعل الحسبان،و ما كان كذلك جاز فيه الوجهان،فالنصب بناء على أنّ أن هى الناصبة للأفعال المضارعة،و الرفع بناء على أنّ أن هى المخففة من الثقيلة،و أما إذا جاءت أن بعد فعل علم فالرفع لا غير،نحو:

(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (2) -أ فلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا (3).

و فى غير ذلك النصب لا غير،نحو (أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي (4) - إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ 5) .

و لم يختلف فى نصب.

(إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ (6) - تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (7) -و أما- عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ 8) .

فالتخفيف فيه و التثقيل سيان،و فى التشديد معنى التكثير و التكرير،و قوله:عقدتم مبتدأ،و التخفيف بدل منه بدل اشتمال أو مبتدأ ثان،أى التخفيف فيه و خبره و لا:أى متابعة من صحبة النقل،و يجوز أن يكون التقدير ظهر من صحبة متابعة،فيكون:و لا:حالا و من صحبة خبر المبتدأ،و يجوز أن يكون من صحبة متعلقا بالتخفيف و الخبر،و لا:و يجوز أن يكون التخفيف:خبر و عقدتم،أى هو ذو التخفيف من صحبة،و ولا على هذا حال،و اللّه أعلم.

625-[و فى العين فامدد(م)قسطا فجزاء نو

وتوا مثل ما فى خفضه الرّفع(ث)مّلا]

يعنى فى عين عقدتم أى اتبع فتحها،فيتولد منها ألف عبر عنها بالمد،و جعل المد فى العين تجوزا،و هو على المعنى الذى ذكرناه فى قوله:و لا ألف فى هاء هأنتم،يعنى أن ابن ذكوان زاد ألفا بعد العين،و هو ممن خفف القاف،فتصير قراءته-عاقدتم-و هو بمعنى عقدتم،أو يكون من اثنين على أصل فاعلتم،فههنا ثلاث قراءات،و الذى سبق فى سورة النساء فيه قراءتان:المد و التخفيف،و الثالثة هنا التشديد،و المقسط:العادل و ثملا:حال من الضمير فى نوّنوا و هو جمع ثامل،و هو المصلح و المقيم أيضا،يقال ثمل يثمل بضم الميم و كسرها

********

(1) سورة المائدة،آية:71.

(2) سورة الأعراف،آية:148.

(3) سورة المائدة،آية:29.

(4) سورة القصص،آية:27.

(5) سورة البقرة،آية:230.

(6) سورة القيامة،آية:25.

(7) سورة المائدة،آية:89.

(8) سورة المائدة،آية:89.

ص: 433

فى المضارع ثملا،فهو ثامل،و قوله:مثل ما فى خفضه الرفع:جملة معترضة بين الحال و صاحبها،و انتظامها كانتظام قولك:زيد فى داره عمرو:أى قرءوا (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ 1) .

بتنوين جزاء و رفع مثل،فمثل فى هذه القراءة صفة جزاء،و كذا من النعم،أى فعليه جزاء مماثل ما قتل، و ذلك الجزاء من النعم،و القراءة الأخرى بإضافة جزاء إلى مثل،و قد أشكلت على قوم حتى قالوا:الجزاء إنما هو للصيد لا لمثله من النعم،و وجهها أنها إضافة تخفيف،لأن مثل مفعول جزاء،أصله:فجزاء مثل ما،أى فعليه أن يجزى المقتول مثله من النعم،فمن النعم على قراءة الإضافة يجوز أن يكون متعلقا بالجزاء،و يجوز أن يكون صفة له،كما أنه متعين للصفة على قراءة التنوين،و سببه أنك إذا نوّنت جزاء فقد و صفته بمثل، و متى وصف المصدر أو أكد أو عطف عليه امتنع تعلق شيء به،نص أبو على على ذلك كله،و على قراءة الإضافة لم يوصف،فجاز تعلق من النعم به،و جرى هنا بمنزلة قضى،فكما تقول:قضيت زيدا حقه،كذا تقول جزيت الصيد مثله،فظهر أن تقدير الآية فعليه أن يجزى المقتول مثله من النعم.ثم حذف المفعول الأول لما فى قوة الكلام من الدلالة عليه،ثم أضيف الجزاء إلى المثل تخفيفا،كما تقول:أعجبنى عزمك على إكرام زيد غدا،و قال أبو على:هو من قولهم:أنا أكرم مثلك،يريدون:أنا أكرمك،فكذا إذ قال فجزاء مثل ما قتل،فالمراد:جزاء ما قتل،فالإضافة كغير الإضافة،قال:و لو قدرت الجزاء تقدير المصدر فأضفته إلى المثل،كما تضيف المصدر إلى المفعول به؛لكان فى قوله:من جر:مثلا على الاتساع الذى وصفنا،أى يكون مثل زائد،و اللّه أعلم.

626-[و كفّارة نوّن طعام برفع خف

ضه دم(غ)نى و اقصر قياما(ل)ه(م)لا]

يريد (أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ 2) .

الكلام فى القراءتين هنا بالتنوين و الإضافة،كما سبق فى البقرة (فِدْيَةٌ طَعامُ 3) .

و لكن مساكين فى هذه السورة لا خلاف فى جمعه،و قوله:دم غنا:أى غنيا،أو دام غناك بالعلم و القناعة إن القنوع الغناء لا كثرة المال،القناعة كنز لا ينفد،و تقدم الكلام فى سورة النساء فى-قياما-و قيما-و الملا:

بضم الميم جمع ملأة،و هى:الملحفة،كنى بها عن حجج القراء،لأنها تسترها من طعن طاعن،كما تستر الملا،و اللّه أعلم.

627-[و ضمّ استحقّ لحفص و كسره

و فى الأوليان الأوّلين(ف)طب(ص)لا]

********

(1) سورة المائدة،آية:95.

(2) سورة المائدة،آية:95.

(3) سورة البقرة،آية:184.

ص: 434

يعنى افتح الياء المضمومة و الحاء المكسورة،و كان يمكنه أن يقول:و تاء استحق افتح لحفص حاءه،و لكن المعنى كان يختل فى التاء دون الحاء،فإن ضد الفتح الكسر،و التاء فى قراءة غير حفص مضمومة،فاحتاج أن يقول:و ضم استحق،ثم قال:و كسره فهو أولى من أن يقول و حاءه لوجهين:أحدهما المقابلة بين حركتى الضم و الكسر؛و الثانى زيادة البيان لقراءة الغير،و إذا ابتدئت هذه الكلمة كسرت همزتها فى قراءة حفص،و ضمت فى قراءة غيره،و أرادوا قرأ-الأولين-فى موضع-الأوليان-أو-الأولين-استقر مكان -الأوليان-و أراد بالصلا:الذكاء،لأنهم يقولون:هو يتوقد ذكاء،أو أراد:نار الضيافة،كقوله:

متى نأتنا تلمم بنا فى ديارنا تجد حطبا جزلا و نارا تأججا

و هو إشارة إلى حصول العلم منه،فموضع صلا نصب على التمييز أو الحال،مثل:دم غنا،و دم يدا، و الأوليان على قراءة حفص رحمه اللّه فاعل استحق،كأنهما استحقا على أصحابهما أن يقيموهما للشهادة،و الأوليان تثنية الأولى،و هو فى غير قراءة حفص مفعول ما لم يسم فاعله،على حذف مضاف،أى استحق عليهم إقامة الأولين منهم للشهادة،و قيل بدل من آخران،أو من الضمير فى يقومان،أو على تقديرهما الأوليان،و قيل:

هو مبتدأ خبره آخران المقدم عليه،أى فالأوليان آخران،و قيل:هو صفة لآخران،و إن كان لفظه نكرة، لأنه قد اختص بالصفة فى قوله:يقومان،و مرفوع استحق على هذه الأقوال غير القول الأول محذوف.أى استحق عليهم الإثم،فاستغنى عنه بقوله:عليهم،كما تقول:جنى عليهم،و قيل معناه استحق خصومهم الحق عليهم،و الأولين فى قراءة حمزة و أبى بكر:صفة الذين استحق،لأنهم أول المذكورين فى القصة،و هم أولياء الميت،أو لأنهم هم الذين دفعوا الحكومة أولا،و اعلم أن الآية من أشكل آى القرآن تفسيرا و إعرابا وفقها، قال أبو محمد مكى فى كتاب الكشف:هذه الآية فى قراءتها و إعرابها و تفسيرها و معانيها و أحكامها من أصعب آية فى القرآن و أشكلها،قال:و يحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم فى ثلاثين ورقة أو أكثر،قال:و قد ذكرناها مشروحة فى كتاب منفرد،قلت:و سأجتهد إن شاء اللّه تعالى فى بيانها و كشف غامضها و تفصيل أحكامها فى الكتاب[المذهب فى علم المذهب]أو فى كتاب[إيضاح مشكلات الآيات].

628-[و ضمّ الغيوب يكسران عيونا ال

عيون شيوخا(د)انه(صحبة م)لا]

يعنى أن حمزة و أبا بكر كسرا الغين من الغيوب،لما تقدم من التعليل فى بيوت،ثم أردفه ما اختلف القراء فى كسره من هذا القبيل،و هو عيون المنكر و المعرف،نحو (فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ (1) - وَ فَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ 2) .

و شيوخا»فى غافر،كسر هذه الثلاثة ابن كثير و حمزة و الكسائى و أبو بكر و ابن ذكوان،و معنى:دانه، أى دان به،أى تدين بقراءته،أى:دان له،أى:أطاعه،ملاء بكسر الميم و المد:جمع ملآن،و هو صفة لصحبة،يعنى أنهم ملئوا علما،ثم ذكر موضعا آخر،فقال:

********

(1) سورة الحجر،آية:45.

(2) سورة يس،آية:34.

ص: 435

629-[جيوب(م)نير(د)ون(ش)كّ و ساحر

بسحر بها مع هود و الصّفّ(ش)مللا].

أراد (عَلى جُيُوبِهِنَّ 1) .

فى النور كسره الجماعة المتقدمون غير أبى بكر و قرأ حمزة و الكسائى«ساحر»فى موضع سحر»هنا و فى أول هود (إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ (2) -و فى الصف- قالُوا هذا سِحْرٌ 3) .

كذلك على تقدير ذو سحر،و عبر عنه بالمصدر مبالغة أو تكون الإشارة إلى ما جاء به،و شملل:أى أسرع ساحر بسحر فى هذه السورة،أى جاء به،أشار بذلك إلى رجوع معنى سحر إلى معنى ساحر على ما ذكرناه، و اللّه أعلم.

630-[و خاطب هل يستطيع(ر)واته

و ربّك رفع الباء بالنّصب(ر)تّلا]

أى قرءوا بالخطاب للكسائى،و معنى:قرأته ظاهر،أى هل تطلب طاعة ربك فى إنزال المائدة؛يريدون استجابة اللّه سبحانه دعاءه،و قراءة الجماعة على معنى:هل يطلب ربك الطاعة من نزول المائدة،و يجوز أن يكون عبر عن الفعل بالاستطاعة،لأنها شرطه،و المعنى:هل ينزل ربك علينا مائدة من السماء إن دعوته بها،و مثله.

(فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ 4) .

أى ظن أن لن نؤاخذه،فعبر بشرط المؤاخذة،و هو القدرة على المشروط،و هو المؤاخذة،و مثله فى حديث الذى أوصى بنيه بتحريقه و تذرية رماده فى البحر قوله:لئن قدر اللّه على ليعذبنى عذابا ما عذبه أحدا»أى لئن حكم بتعذيبى ليكوننّ عذابا عظيما،و يقول الرجل للرجل بصورة المستفهم:تقدر تفعل كذا؟ و هو يعلم قدرته عليه و إنما معناه:افعله فإنك قادر على فعله،و هذا معنى حسن،يعم جميع هذه المواضع المشكلة،و اللّه أعلم.و مثل ذلك فى الإشكال ما رواه الهيثم ابن جمار و هو ضعيف عن ثابت عن أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبى صلّى اللّه عليه و سلم فقال؟يا ابن أخى ادع ربك الذى تعبد فيعافينى،فقال:اللهم اشف عمى فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال،فقال يا ابن أخى إن ربك الذى تعبد ليطيعك،قال:و أنت يا عماه لو أطعته [أو قال لئن أطعته،أو قال:لئن أطعت اللّه]ليطيعنك،أى ليجيبنك إلى مقصودك،و اللّه أعلم.

631-[و يوم برفع(خ)ذ و إنّى ثلاثها

ولى و يدى أمّى مضافاتها العلا]

********

(1) سورة النور،آية:31.

(2) سورة هود،آية:7.

(3) الآية:6.

(4) سورة الأنبياء،آية:87.

ص: 436

يريد (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ) .

فالرفع على أن يوم خبر هذا،أى هذا اليوم يوم ينفع الصادقين،و هو يوم القيامة،و النصب على الظرف أى قال اللّه تعالى ما تقدم ذكره فى هذا اليوم،أو قال اللّه هذا الذى قصصته عليكم ينفع ذلك اليوم،و قال الفراء:يوم:خبر المبتدأ،على معنى قراءة الرفع،و إنما بنى على الفتح لإضافته إلى غير اسم،يعنى إلى غير اسم متمكن،و منع البصريون بناء ما يضاف إلى المضارع و خصوا ذلك بالمضاف إلى الماضى،نحو.على حين عاتبت.لأن المضارع معرب و الماضى مبنى،فسرى البناء إلى ما ضيف إليه،ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة، و هى ست،منها ثلاث فى لفظ إنى،فهذا معنى قوله:و إنى ثلاثها،فالضمير فى ثلاثها يعود إلى إنى الأول-إنى أخاف-فتحها الحرميان و أبو عمرو،و الأخريان (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ (1) - فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً 2) .

فتحهما نافع وحده،و الثلاث الأخر (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ 3) .

فتحها الحرميان و أبو عمرو.

(يَدِيَ إِلَيْكَ 4) .

فتحها نافع و أبو عمرو و حفص (وَ أُمِّي إِلهَيْنِ 5) .

فتحها هؤلاء و ابن عامر،و فيها زائدة واحدة.

(وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا) .

أثبتها فى الوصل أبو عمرو وحده،و قلت فى ذلك:

فياءاتها ست و فيها زيادة و عبر عنها قوله اخشون مع و لا

********

(1) سورة المائدة،آية:29.

(2) سورة المائدة،آية:115.

(3) سورة المائدة،آية:116.

(4) سورة المائدة،آية:28.

(5) سورة المائدة،آية:44.

ص: 437

سورة الأنعام

632-[و(صحبة)يصرف فتح ضمّ و راؤه

بكسر و ذكّر لم يكن شاع و انجلا]

أى الذى صحب يصرف فتح يائه،و كسر رائه كما تقول:صحبة زيد عمرو،و بكر:و إنما قال فتح ضم و لم يقل فتح ياء،لما ذكرناه فى فتح ضم استحق،يريد قوله تعالى:

(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ 1) .

قراءة صحبة على معنى من يصرف اللّه عنه العذاب،و قراءة الباقين على بناء الفعل للمفعول،و أما:

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا 2) .

فقراءة حمزة و الكسائى يكن بالياء،و هذا معنى التذكير الذى أشار إليه بقوله:و ذكر،فإن الباقين قرءوا بالتاء على التأنيث،فسم يكن على قراءتهما قوله:أن قالوا،و فتنتهم الخبر،و أما قراءة الباقين فمن نصب فتنتهم،فهذا وجهها،و من رفع فتنتهم جعلها الاسم،و الخبر:أن قالوا،و اللّه أعلم.

633-[و فتنتهم بالرّفع(ع)ن(د)ين(ك)امل

و با ربّنا بالنّصب(ش)رّف وصّلا]

من رفع الفتنة مع تأنيث يكن فقراءته ظاهرة،و من نصبها ففي قراءته إشكال،فإن الاسم إن قالوا،و هو مذكر،فما وجه التأنيث؟و هى قراءة أبى عمرو و نافع و أبى بكر؟فقال أبو على:أنث أن قالوا لما كان الفتنة فى المعنى،و فى التنزيل:

(فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها 3) .

و قال لبيد:

فمضى و قدمها و كانت عادة منه إذ هى غردت إقدامها

فأنث الإقدام لما كان العادة فى المعنى،قال:و قد جاء فى الكلام:ما جاءت حاجتك،فأنث ضمير ما حيث كان الحاجة فى المعنى،و نصب الحاجة،و مثل ذلك قولهم من كانت أمك؟فأنث ضمير من حيث كان، الأم،و مثله:

(وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ 4) .

********

(1) سورة الأنعام،آية:16.

(2) سورة الأنعام،آية:23.

(3) سورة الأنعام،آية:190.

(4) سورة الأحزاب،آية،:32.

ص: 438

قال الزجاج:و يجوز أن يكون تأويل أن قالوا إلا مقالتهم،أى فيؤنث الفعل على هذا التقدير،لأن المقالة مؤنثة و النصب فى:

(وَ اللّهِ رَبِّنا) .

على النداء أو بإضمار أعنى،و الخفض على النعت،و الثناء،و قوله و صلا جمع واصل،و هو مفعول شرف و الفاعل ضمير يعود على الباء،أى شرف هذا النداء الواصلين إلى اللّه،لا هؤلاء الكفرة.

634-[نكذّب نصب الرّفع(ف)از(ع)ليمه

و فى و نكون انصبه(ف)ى(ك)سبه(ع)لا]

أى انصب الرفع،و كان يمكنه أن يقول،و فى نكون النصب،و لكن كان يلزم من تلك العبارة أن يكون ضده الخفض،و لما قال:انصبه علم أن القراءة الأخرى الرفع،و الرفع فى الفعلين على العطف على:

(نُرَدُّ) .

أى يا ليتنا نرد و نوفق للإيمان و التصديق،أو يكون على القطع،أى و نحن لا نكذب و نكون من المؤمنين، أى قد عاينا و شاهدنا ما لا نكذب معه أبدا،و منه قولهم:دعنى و لا أعود و يجوز أن يكونا فى موضع الحال، أى يا ليتنا نرد غير مكذبين و كائنين من المؤمنين،و النصب فيهما على جواب التمنى بالواو،و ابن عامر نصب -و نكون-على الجواب،و رفع و لا نكذب على ما سبق من الوجوه الثلاثة،و يشكل على قراءة النصب و على قراءة الرفع أن جعلنا لجميع متمنى،أو قلنا الواو للحال،قوله سبحانه بعد ذلك:

(وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ 1) .

و المتمنى لا يوصف بصدق و لا كذب،فيحمل ذلك على أنه استئناف إخبار عنهم بصفة ذم من جملة صفاتهم كما لو قال-و إنهم لظالمون:

635-[و للدّار حذف اللاّم الأخرى ابن عامر

و الآخرة المرفوع بالخفض و كلّا]

يعنى حذف ابن عامر لام التعريف،و أبقى لام الابتداء،و أضاف الدار إلى الآخرة،على تقدير و لدار الساعة الآخرة،أو لدار الحياة الآخرة،و كتبت فى مصاحف الشام بلام واحدة،و قراءة الجماعة بالتعريف، و جعل الآخرة صفة للدار.

636-[و(عمّ ع)لا لا يعقلون و تحتها

خطابا و قل فى يوسف(عمّ ن)يطلا]

********

(1) سورة الأنعام،آية:28.

ص: 439

علا:تمييز أو حال،أى عم علاه أو عاليا،و فاعل عم:لا يعقلون و خطابا أيضا حال أى مخاطبا،و ذا خطاب،و يجوز أن يكون خطابا تمييز على قولنا إن علا حال،و نيطلا أيضا تمييز،أى نصيبا،و قال الشيخ:

هو مفعول من أجله،أى عطاء،لأنه يستعمل فى العطاء،و أصله الدلو،ثم استعير للنصب كما قال تعالى:

(ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ 1) .

و الغيبة و الخطاب فى ذلك ظاهران،و لفظه فى السور الثلاث:

(أَ فَلا تَعْقِلُونَ) .

و بعده فى الأنعام:

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ 2) .

و فى الأعراف و هى المراد بقوله و تحتها،أى تحت هذه السورة بعده (وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ 3) .

و بعده فى يوسف:

(حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ 4) .

الخطاب فى الثلاث لعم علا،و تابعهم أبو بكر فى يوسف،و الذى فى يس لابن ذكوان و نافع،و ذلك قوله

637-[و ياسين(م)ن(أ)صل و لا يكذبونك ال

خفيف(أ)تى(ر)حبا و طاب تأوّلا]

يعنى الذى بعده:

(وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ 5) .

و بقى موضع آخر فى القصص ذكره فى سورته:

(وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى أَ فَلا تَعْقِلُونَ 6) .

الخطاب فيه لغير أبى عمرو،و أما:

(فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ 7) .

فالتخفيف فيه و التشديد من باب واحد:أكذب و كذب،مثل أنزل و نزل،و تأولا تمييز،و رحبا حال من الضمير فى أنى العائد على يكذبونك،أو مفعول به أى صادف مكانا رحبا من صدور قرائه،لقبولهم له،

********

(1) سورة الذاريات،آية:59.

(2) سورة الأنعام،آية:33.

(3) سورة الأعراف،آية:170.

(4) سورة،آية:110.

(5) سورة يس،آية:69.

(6) آية:60.

(7) سورة الأنعام،آية:33.

ص: 440

و توجيههم لمعانيها،إذ يحتمل أن يكون من أكذبته،أى وجدته كاذبا،و أكذبته أيضا إذا نسبته إلى الكذب

كقول الكميت: فطائفة قد أكفرتنى بحبكم أى نسبتنى إلى الكفر.

638-[أريت فى الاستفهام لا عين(ر)اجع

و عن نافع سهّل و كم مبدل جلا]

يعنى إذا جاء لفظ ايت،أو رأيتم،بعد همزة الاستفهام،فالكسائى وحده يسقط عين الكلمة،و هى الهمزة لأنها عين الفعل تخفيفا لاجتماعها مع همزة الاستفهام،و هى لغة للعرب مشهورة،كقوله:

أ رأيت امرأ كنت لم أبله أتانى فقال:اتخذنى خليلا

و قد أجمع على إسقاطها فى المضارع،نحو-يرى-مع الاستفهام و غيره،فلم ترجع فى الماضى فى هذا الموضع،و هو الاستفهام،فقوله راجع صفة لعين،أى باعتبار الموضع،و يجوز نصبه على هذا،نحو:لا رجل ظريفا فيها:و لا رجل ظريف فيها،كلاهما لغة،و خبر لا محذوف.أى:راجع فيه،و لو جعلت راجع خبر لا،لم يبق عائد إلى المبتدأ الذى هو رأيت،فهذا كقولك زيد لا غلام ظريف له،أو فى الدار،و يجوز أن يكون راجع خبر المبتدأ،و لا عين على تقدير لا عين فيه:جملة حالية أى رأيت محذوف العين راجع فى المعنى إلى الثابت العين،لأنهما لغتان بمعنى واحد،و هذا الوجه أولى ليكون قد رمز بعد كمال التقييد،و على الوجه الأول يلزم أن يكون راجع من جملة التقييد و هو رمز،و ليس ذلك من عادته،و لأن هذا الباب لو فتح للزم أن تكون كلمات التقييد رمزا،و إلا فجعل البعض رمزا دون بعض فيه إلباس،و قد سبق التنبيه على أن لفظ:«فيه»،فى قوله:و كسر لما فيه ملبس،و أنه لو قال فضم سكونا فيه لكان فيه محتملا للتقييد،و هو رمز،و أما قوله:

و فى و نكون انصبه،فلو لم يكن ظاهرا كل الظهور أن لفظ النصب لا يأتى إلا بيانا للقراءة،و تقييدا لها،و إلا لأوهم أنه رمز نافع،و لم تكن له حاجة بذلك البيان،فإن الكلمة التى قبلها مثلها فى القراءة.فكانت الثانية داخلة فى قيدها،و هذه عادته كقوله فيما يأتى إذا فتحت شدد لشام،و هاهنا فتحنا،و لم يحتج أن يعيد لفظ شدد و كذا«و إن بفتح عم نصر أو بعدكم نما»،و كذا«و ينذر صندلا»،و لم يحتج أن يقول بالغيب،و قال بعضهم:تقدير البيت اذكر رأيت كائنا فى الاستفهام،ثم قال:و عن نافع سهل،أى جعل الهمزة التى أسقطها الكسائى بين بين،على قياس تخفيف الهمز،و أبدلها جماعة من مشايخ مشيخة المصريين لورش ألفا،و هذا على ما تقدم له من الخلاف فى-أنذرتهم-و أنتم-و اللّه أعلم.

639-[إذا فتحت شدّد لشام و هاهنا فتحنا و فى الأعراف و اقتربت كلا]

يعنى (إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ (1) - فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ ءٍ (2) - وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ (3) - فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ 4) .

********

(1) سورة الأنبياء،آية:96.

(2) سورة الأنعام،آية:44.

(3) سورة الأعراف،آية:96.

(4) سورة القمر،آية:11.

ص: 441

و التخفيف و التشديد فى كل ذلك لغتان،و من عادته أن يجمع النظائر مقدما لما فى سورته مهما أمكن،و هنا لم يمكنه،فقدم الذى فى الأنبياء ثم رجع إلى ما فى سورة الأنعام،و غيرها،و معنى«كلا»حفظ،و هو مهموز كما قال تعالى:

(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ 5) .

و لكن وقف عليه فأبدل من الهمزة ألفا لسكونها.و اللّه أعلم.

640-[و بالغدوة الشّامىّ بالضّمّ هاهنا و عن ألف واو و فى الكهف وصّلا]

أى يقرأ بن عامر بالغدوة و العشىّ بضم الغين و سكون الدال،و بالواو موضع الألف فتصير بالغدوة، و لم ينبه على كون الدال ساكنة استغناء باللفظ به،و كان له أن يستغنى أيضا باللفظ عن ذكر الضم و الواو و إنما ذكرهما لتعرف القراءة الأخرى،فنبه بالضم على الفتح،و نص على الألف بدلا عن الواو،و بقى فتح الدال استغنى عن التنبيه عليه لأن الألف لا يكون قبلها إلا مفتوح أو تركه لأنه قد لفظ بالدال فى قراءة ابن عامر ساكنة،فكأنه قال:بسكون الدال و لو قال:ذلك لكان ضدا،لكون المطلق الحركة المطلقة و هى:الفتح و معنى قوله عن ألف واو أى و ثبت له بدلا عن واو،ثم قال:«و فى الكهف وصلا»أى اتبع الذى فى الكهف الذى فى الأنعام،فقرأ ذلك كما قرأ هذا،أو و فى الكهف وصل،هذه القراءة إلينا و رسمت الغدوة بالواو فى جميع المصاحف،كالصلوة و الزكوة و الحيوة،قال الفراء فى سورة الكهف من كتاب المعانى:قرأ أبو عبد الرحمن السلمى بالغدوة و العشىّ،و لا أعلم أحدا قرأ بها غيره.العرب لا تدخل الألف و اللام فى الغدة لأنها معرفة بغير ألف و لام،سمعت أبا الجراح يقول:ما رأيت كغدوة قط،يعنى بردا أصابه،يريد:كغداة يومه،أ لا نرى أن العرب لا تضيفها،فكذلك لا تدخلها الألف و اللام،إنما يقولون:أتيتك غداة لخميس، و لا يقولون غدوة الخميس،فهذا دليل على أنها معرفة،و قال أبو عبيد:كان عبد اللّه بن عامر و أهل الشام أو كثير منهم يقرءونها بالغدوة،على واو،كذلك يروى عن أبى عبد الرحمن السلمى،و أما القراءة فعلى غير هذا قرءوا جميعا بالغداة قال:و كذلك هى عندنا و إنما نرى ابن عامر و السلمى،قرءا تلك القراءة اتباعا للخط،قال:و الذى نقول به:ليس فى إثباتهم الواو فى الكتاب دليل على القراءة بها،لأنهم قد كتبوا الصلاة و الزكوة بالواو.و لفظهما على تركها،و كذلك الغداة على هذا وجدنا ألفاظ العرب،قال ابن النحاس قرأ أبو عبد الرحمن السلمى و عبد اللّه بن عامر و مالك بن دينار:بالغدوة.قال:و باب غدوة أن يكون معرفة إلا أنه يجوز تنكيرها،كما تنكر الأسماء الأعلام.فإذا نكرت دخلتها الألف و اللام للتعريف،و عشى و عشية نكرتان لا غير قال أبو على:وجه دخول لام المعرفة عليها أنه قد يجوز و إن كان معرفة أن ينكر،كما حكاه زيد من أنهم يقولون:لقيته فينة،و الفينة بعد الفينة ففينة مثل الغدوة فى التعريف،بدلالة امتناع الانصراف و قد دخلت عليه لام التعريف و ذلك أن يقدر من أمة كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك،و قول من قال:بالغداة أبين،قال سيبويه:زعم الخليل أنه يجوز أن يقول أتيتك اليوم غدوة و بكرة،

********

(5) سورة الأنبياء،آية:42.

ص: 442

فجعلهما بمنزلة ضحوة،قال أبو العباس المهدوى:حكى سيبويه و الخليل:أن بعضهم ينكره،فيقول رأيته غدوة بالتنوين،و بذلك قرأ ابن عامر نكرة،فأدخل عليها الألف و اللام.و اللّه أعلم.

641-[و أنّ بفتح(عمّ ن)صرا و بعد(ك)م

(ن)ما يستبين(صحبة)ذكّروا و لا]

نصرا،تمييز أو حال،كما تقدم فى وعم علا،و نما أى:ورد،من قولهم:نما الحديث،قال:من حديث نمى إلىّ عجيب،أى كم مرة نمى،أى نقل:أراد أنه:

(مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ 1) .

و الذى بعده:

(فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

قرأهما ابن عامر و عاصم بالفتح،و نافع فتح الأوّل و كسر الثانى،و الباقون بكسرهما،فكسرهما معا ظاهر أما الأول فوقع مستأنفا على وجه التفسير،و الثانية واقعة بعد فاء الجزاء،فكانت مكسورة كقوله سبحانه:

(وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ 2) .

أجمعوا على كسرها،و هذا وجه كسر نافع لها،و أما فتح الأول فعلى البدل من الرحمة،أو على تقدير:

لأنه.و فتحت الثانية،و إن كانت بعد فاء الجزاء على حذف مبتدا أى فأمره-أنه غفور رحيم-أو على تقدير حذف الخبر،فالغفران حاصل له،و قد أجمع على الفتح فى:

(أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ (3) - كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ 4) .

و منهم من جعل الثانية تكريرا للأولى،لأجل طول الكلام على حد قوله:

(أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ 5).

و دخلت الفاء فى:

(فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

على حد دخولها فى:

(فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ) .

********

(1) سورة الأنعام،آية:54.

(2) سورة الجن،آية:23.

(3) سورة التوبة،آية:63.

(4) سورة الحج،آية:4.

(5) سورة المؤمنون،آية:35.

ص: 443

على قول من جعله توكيدا لقوله:

(و لا تحسبنّ الّذين يفرحون).

إلا أن هذا ليس مثل:

(أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) .

لأن هذه لا شرط فيها،و تلك فيها شرط فيبقى بغير جواب،فقيل:الجواب محذوف لدلالة الكلام عليه، تقديره:غفور له،و منهم من جعل الثانية معطوفة على الأولى بالفاء،و كل هذا تكلف،و الوجه ما قدمناه، و أجاز الزجاج كسر الأولى مع فتح الثانية،و إن لم يقرأ به،و أما:

(وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ) .

فذكره صحبة متابعة للرواية،أى قرءوه بالياء،لأن لفظ السبيل مذكر فى قوله تعالى:

(وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً - وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً 1) .

و من قرأه بالتاء أنثوه،كما جاء:

(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي (2) - وَ يَبْغُونَها عِوَجاً 3) .

و كل هذا على قراءة من رفع«سبيل»على أنه فاعل تستبين:و هم كل القراء غير نافع،على ما سيأتى فى أول البيت الآتى،و أما قراءة نافع بنصب سبيل،فعلى أنها مفعول تستبين،و التاء للخطاب،لا للتأنيث،أى -و لتستبين-أنت-سبيل المجرمين-أى تتبينها و تعرفها،فقول الناظم:«صحته ذكروا»،يريد أن غيرهم أنثوا، و نافع لم يؤنث،و إنما جاء بتاء المخاطبة.و لكن العبارة ضاقت عليه،فلم يمكنه التنبيه عليه،و اغتفر أمره،لأن قراءته كقراءة الجماعة لفظا بالتاء،إلا أنهما يفترقان فى المعنى،و ذلك لا يقدح فى التعريف بصورة القراءة، و قوله:و لا:أى متابعة،و هو فى موضع نصب على الحال،أو هو مفعول من أجله،و اللّه أعلم.

642-[سبيل برفع(ح)ذ و يقض بضمّ سا

كن مع ضمّ الكسر شدّد و أهملا]

مضى الكلام فى رفع سبيل و نصبه،و أما يقضى الحق،فقرئ بضم الساكن،و هو القاف،و بضم الكسر فى الصاد مع تشديد الصاد و إهمالها،و هو أن نجعلها غير منقوطة فتعود صادا،فتصير الكلمة يقص من القصص من قوله تعالى:

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ 4) .

و بمعنى الإتباع من قوله سبحانه:

********

(1) سورة الأعراف،آية:146.

(2) سورة يوسف،آية:108.

(3) سورة الأعراف،آية:85.

(4) سورة الكهف،آية:130.

ص: 444

(فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً 1) .

أى يتبع الحق فيما يفعل،و القراءة الأخرى:من القضاء،و الحق:نعت مصدر محذوف،أى يقضى القضاء الحق،أو مفعول به على إسقاط الخافض،أى يقضى بالحق كما قال:

(وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ 2) .

و هو مفعول صريح،على أن يقضى بمعنى يصنع الحق و تفعله،و الياء منه محذوفة فى الرسم باتفاق،فلهذا احتمل القراءتين،ثم رمز لمن قرأ يقص من القصص فى أول البيت الآتى فقال:

643-[(ن)عم(د)ون(إ)لباس و ذكّر مضجعا

توفّاه و استهواه حمزة منسلا]

ما أحسن ما عبر عن القراءتين فى يقص،و كأنه جعل حسن ذلك حالة نظمه فقال بعده:«نعم دون إلباس» قدّر كأن سائلا سأل فقال:هل استوعبت قيود هاتين القراءتين؟فقال:نعم،من غير إلباس،بل هو أمر واضح ظاهر،و وقع لى أنه كان غنيا عن تكلف هذه العبارة،و ذلك بأن يلفظ بالقراءتين معا،فهو أسهل مما أتى فلو قال:

سبيل برفع خذ و يقض يقص صا د حرمى نصر إذ بلا ياء انزلا

لحصل الغرض،و اجتمع فى بيت واحد بيان اللفظين فى القراءة.و رمزها و عرف بأن رسمها بلا ياء، و لكن فيما عبر به الناظم رحمه اللّه صناعة حسنة،و أسلوب غريب.و أما:

(تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا (3) - كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ 4) .

فقرأهما حمزة:توفاه،و استهواه،و الخلاف فيهما كالذى سبق فى:

(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ 5) .

فى آل عمران،أى ذكر حمزة لفظ هذا الفعل،و أضجع ألفه،أى أمالها على أصله،و لو لم يذكر الإمالة لكان ذلك معلوما من أصله،كما أنه فى البيت الآتى لما ذكر الكوفيين قرءوا-أنجانا-فى موضع-أنجيتنا-لم يتعرض للإمالة،و كان ذلك مفهوما من بابها،فهمزة و الكسائى يميلان الألف،و عاصم لا يميل على أصله، و ضد تذكير الفعل تأنيثه،و ذلك بإلحاق تاء ساكنة آخره،فيلزم حذف الألف من آخر الفعل لسكونها،و قوله منسلا،ليس برمز،لأنه صرح باسم القارئ،و لم يأت بعده بواو فاصلة لظهور الأمر،يقال:انسلت القوم:

إذا تقدمتهم،و هو حال من حمزة،و اللّه أعلم.

644-[معا خفية فى ضمّه كسر شعبة و أنجيت للكوفيّ أنجى تحوّلا]

********

(1) سورة الكهف،آية:64.

(2) سورة غافر،آية:20.

(3) سورة الأنعام،آية:61.

(4) سورة الأنعام،آية:71.

(5) آية:39.

ص: 445

الضم و الكسر فى«خفية»لغتان،و قوله معا يعنى هنا و فى الأعراف:

(تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً (1) - اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً 2) .

أى مظهرين للضراعة و الاستكانة،و مضمرين ذلك فى أنفسكم،أى ادعوا ربكم و ارغبوا إليه ظاهرا و باطنا و أما التى فى آخر الأعراف:

(وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً 3) .

فذلك من الخوف،بتقديم الياء على الفاء،و وزنه فعلة،كجلسة و ركبة،فأبدلت الواو ياء لأجل الكسرة قبلها،و أما قوله:

(لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ 4) .

فعلى الخطاب،و قراءة الكوفيين على الغيبة،أى:أنجانا اللّه،و هما ظاهران،أى و أنجيت تحول للكوفى أنجا،و هم فى ذلك على أصولهم فى الإمالة فيميلها حمزة و الكسائى،و لم يبين ذاك كما بين فى-توفاه-و استهواه و«فناداه الملائكة»لضيق العبارة عليه،و اللّه أعلم.

645-[قل اللّه ينجيكم يثقّل معهم هشام و شام ينسينّك ثقّلا]

أى هشام مع الكوفيين،على تشديد«ينجيكم»،و ابن عامر وحده على تشديد:

(يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ 5) .

و التخفيف و التشديد فيهما لغتان،أنجى و نجى،و أنسى و نسى،كأنزل و نزل،و أكمل و كمل، و أمتع و متع.

646-[و حرفى رأى كلاّ أمل(م)زن صحبة

و فى همزه(ح)سن،و فى الرّاء(ي)جتلا]

كلا بمعنى جميعا،فهو حال من رأى،أى:حيث أتى رأى فأمال حرفيه،أى أمل حرفى رأى جميعا، و ليس كلا تأكيدا لحرفى،لأن تأكيد المثنى إنما يكون بلفظ كلا،و لو أراد ذلك لأتى بلفظ«معا»،و اتزن النظم به،و لا هو تأكيد لرأى،و إلا لكان مخفوضا كما قال:المخلصين الكل،فلا يتجه أن يكون كلا هنا إلا بمنزلة جميعا فى نحو قوله:عليهم إليهم حمزة،و لديهم جميعا فيكون منصوبا على الحال من رأى،و رأى هنا معرفة،أى:

و حرفى هذا اللفظ،فجاز نصب الحال عنه،و إن كان مضافا إليه،لأنه من باب رأيت وجه القوم جميعا.

و مزن صحبة منصوب على الحال أيضا،أو على المدح،و كنى بالمزن،و هو السحاب عن العلم،و عنى بالحرفين الراء و الهمزة،و على التحقيق:الهمزة غير ممالة،و إنما الإمالة فى الألف التى بعدها،و إنما من ضرورة ذلك

********

(1) سورة الأنعام،آية:63.

(2) سورة الأعراف،آية:55.

(3) سورة الأعراف،آية:205.

(4) سورة يونس،آية:22.

(5) سورة الأنعام،آية:68.

ص: 446

إضجاع فتحة الهمزة،و العرب تستحسن إمالة الراء،لا سيما إذا كان بعدها ألف ممالة،ثم قال:و فى همزه حسن،أى:و اقتصر على إمالة همز رأى:أبو عمرو،و فى إمالة الراء خلاف عن السوسى،و«مزن صحبة»أمالوهما معا،و اللّه أعلم.

647-[بخلف و خلف فيهما مع مضمر

(م)صيب و عن عثمان؟؟؟فى الكلّ قلّلا]

أى:و عن ابن ذكوان الخلف فى إمالة الهمزة و الراء معا.إذا اتصلت الكلمة بالمضمر،نحو:

(وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (1) - رَآها تَهْتَزُّ (2) - فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ 3) .

وجه الخلاف بعد الألف عن الطرف باتصال الضمير بها.و عثمان هو:ورش،أمال الحرفين حيث جاءت كلمة رأى:بين بين،نحو:

(رَأى كَوْكَباً (4) - رَأى ناراً 5) .

و قوله:بخلف فى أول البيت،يعنى عن السوسى المرموز فى البيت السابق،ثم ابتدأ«و خلف فيهما»،فقوله فيهما:خبر المبتدإ إن كان مصيب صفته،و إلا فهو صفته إن كان مصيب الخبر،و فى«قللا»ضمير تثنية يرجع إلى حرفى رأى،و«الكل»هنا هو كلا فى البيت السابق.

648-[و قبل السّكون الرّا أمل(ف)ى(ص)فا يد

بخلف و قل فى الهمز خلف(ي)قى(ص)لا]

يعنى:إذا وقع رأى قبل ساكن،نحو:

(رَأَى الْقَمَرَ (6) - رَأَى الشَّمْسَ (6) - وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ (8) - وَ إِذا رَأَى الَّذِينَ) .

فقد تعذرت إمالة الألف لسقوطها لأجل الساكن،و إضجاع الهمز إنما كان لأجل إمالة الألف،فأمال هؤلاء الراء تقدير أن الألف كلها موجودة ممالة بخلف عن السوسى وحده و أما إمالة الهمزة ففيها الخلاف عن السوسى و عن أبى بكر،لأنه إذا قدم ذكر الخلف و أطلقه كان لجميع من يأتى بعده،و إن قدم ذكر القراء:اختص الخلف المطلق بالأخير منهم،و إن قيد الخلف ظهر أمره،و خلف السوسى:أنه يميل الراء و الهمزة معا،و لا يميلهما معا،و مثله الخلف المذكور لهشام فى باب الزوائد،فى إثبات ياء-كيدونى-فى الأعراف و صلا و وقفا،أو لا يثبتها وصلا و وقفا،و وجه إمالة الهمزة اعتبار الأصل أيضا،فإن التقاء الساكنين عارض،و لينبه على أنه لو وقف على الكلمة لأمال،و قوله فى«صفا يد»:أى فى صفا نعمة،و قوله«يقى صلا»،يعنى:العلم،لأن معرفة الخلف تستلزمه،أى يقى صلاء النار إن شاء اللّه تعالى،و صلاء النار حرها،صح بالكسر و المد،و الفتح و القصر.

********

(1) سورة النجم،آية:13.

(2) سورة الصافات،آية:55.

(3) سورة الأنعام،آية:76.

(4) سورة طه،آية:10.

(5) سورة الكهف،آية:53.

(6) سورة الأنعام،الآيتان:77 و 78.

(8) سورة الكهف،آية:53.

ص: 447

649-[وقف فيه كالأولى و نحو رأت رأوا

رأيت بفتح الكلّ وقفا و موصلا]

فيه:بمعنى عليه،أى إذا وقفت على هذا الذى لقيه ساكن،فالحكم فيه كالحكم فى الكلمة لأولى، و هى:

(رَأى كَوْكَباً 1) .

و نحوه،فتميل الحرفين لحمزة و الكسائى و أبى بكر و ابن ذكوان،و تميل لأبى عمرو فتحة الهمزة وحدها، و أما السوسى فلا يختلف حكمه،فإن الخلف له فى إمالة الراء فى الكلمتين،و ورش أمال الحرفين بين بين، فهذه تفاصيل مذاهبهم فى نحو-رأى كوكبا-تطرد فى نحو:

(رَأَى الْقَمَرَ 2) .

إذا وقفت على-رأى-لأن الساكن قد زال،فرجعت الألف،فأما إذ كان بعد الهمز ساكن لا ينفصل من الكلمة نحو:

(فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً (3) - رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (4) -و- إِذا رَأَوْكَ (5) - فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً (6) -و- إِذا رَأَوْهُمْ قالُوا (7) - فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ (8) - وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ (9) - إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ 10) .

فكل القراء يفتحون الراء و الهمزة،لأن الألف التى بعد الهمزة هنا معدومة لا ترجع أبدا،و كسر فتحة الهمزة إنما كان لأجل إمالة الألف،و كذلك الذين أمالوا الراء،إنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يميلونها لإمالة الألف أو مع كونها فى حكم الموجودة فى نحو-أى القمر-فأما فى موضع سقطت فيه الألف و ليست فى حكم الموجودة فإنهم فتحوا على الأصل فى الوقف و الوصل،و قوله بفتح الكل أى مقروء بفتح القراء كلهم،واقفين و واصلين

650-[و خفّف نونا قبل فى اللّه(م)ن(ل)ه

بخلف(أ)تى و الحذف لم يك أوّلا]

يعنى نون (أَ تُحاجُّونِّي فِي اللّهِ 11) .

و لم يمكنه النطق بالكلمة فى نظمه لما فيها من اجتماع الساكنين،و ذلك لا يقع متزنا،و مثله ما يأتى فى سورة

********

(1) سورة الأنعام،آية:76.

(2) سورة الأنعام،آية:77.

(3) سورة النمل،آية:44.

(4) سورة الفرقان،آية:12.

(5) سورة الفرقان،آية:41.

(6) سورة الأحقاف،آية:24.

(7) سورة المطففين،آية:32.

(8) سورة يوسف،آية:80.

(9) سورة الأنعام،آية:68.

(10) سورة الدهر،آية:19.

(11) الأنعام،آية:80. سورة سبأ،آية:33. سورة الزمر،آية:64.

ص: 448

النحل،و من قبل فيهم يكسر النون نافع،و يشبه ذلك تعبيره عن-ستجدنى-بقوله:و ما بعده إن شاء،لأن فى ستجدنى خمس متحركات متواليات،و ذلك ممتنع فى الشعر،و الأصل أ تحاجونني بنونين،الأولى علامة رفع الفعل،و الثانيد نون الوقاية،فللعرب فى مثل ذلك ثلاث لغات:إبقاء النونين على حالهما،كما قال تعالى فى سورة سبأ:

(إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللّهِ 1).

و إدغام الأولى فى الثانية على أصل قاعدة الإدغام،فيلزم من ذلك النطق بنون مشددة،و اللغة الثالثة حذف إحدى النونين فبقى نون واحدة مخففة كرهة للتضعيف،و قد قرئ بهذه اللغات الثلاث فى سورة الزمر:

(أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ 2) .

كما يأتى،و قرئ:

(أَ تَعِدانِنِي 3) .

فى الأحقاف بالإظهار و الإدغام دون الحذف،و لم يقرأ هنا بالإدغام و الحذف،و قيل:إن الحذف لغة غطفان،و قوله:من له أتى،أى خفف النون القارئ الذى أتى التخفيف له،أى الذى وصل إليه نقله، و ورد إليه خبره،و عرفه قراءة و لغة،خلافا لمن أنكر الحذف،و قوله بخلف يعنى:من هشام وحده لإطلاقه فرجع إلى من يليه،و هو المرموز فى«له»دون«من»و قوله:و«الحذف لم يك أولا»يعنى:أن المحذوفة من النونين هى الثانية دون الأولى،لأن الاستثقال بها وقع،و لأن الأولى تقوم مقامها فى وقاية الفعل،و هى دالة على رفع الفعل،ففي حذفها إخلال،و لأن الأولى قد تكون ضمير الفاعل،و ذلك نون جماعة المؤنث،نحو أكرمننى،و قد جاء الحذف فى فليتي و تخوفنى،و الأصل فليتنى،فلا ينبغى أن يقال الفاعل حذف،و بقى نون الوقاية،و أيضا فقد حذفت نون الوقاية حيث لم يجتمع مع غيرها فى نحو قدى و ليتى؛و لعلى ففهم أنها هى المجترئ على حذفها فى جميع المواضع،و لا ضرورة تلجئ إلى الكشف عن مثل هذا،و البحث عنه،و لكنه من فوائد علم العربية،و قد تعرض له أبو على فى الحجة،و يأتى مثل هذا فى سورة الحجر.

651-[و فى درجات النّون مع يوسف(ث)وى

و و اليسع الحرفان حرّك مثقّلا]

يعنى (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ 4) .

هنا مع حرف يوسف،و عنى بالنون:التنوين فى درجات،و ثوى:أى أقام التنوين فيها،و تقديرها نرفع درجات من نشاء،فيكون درجات منصوبا على التمييز أو الحال،أى ذوى درجات،أو على إسقاط الخافض أى فى درجات،و يشهد لهذه القراءة قوله تعالى:

********

(1) الآية:33.

(2) سورة الزمر،آية:64.

(3) سورة الأحقاف،آية:17.

(4) سورة الأنعام،آية:83.

ص: 449

(و رفع بعضهم درجات و آتيناه (1)- وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ (2) - وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ 3) .

القراءة الأخرى على إضافة درجات،إلى أصحابها،فتكون هى المرفوعة،و منه قوله تعالى:

(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ 4) .

و فى الحديث:

«اللّهمّ ارفع درجته فى علّيّين،و من رفعت درجته فقد رفع».

قوله:و و الليسع،لفظ القرآن-و اليسع-فأدخل واو العطف الفاصلة على ذلك لتحصل حكاية لفظ القرآن و هى فى موضعين:هنا،و فى سورة ص،و إليهما أشار بقوله:الحرفان،لأن الحرف فى اصطلاح القراء عبارة عن الكلمة المختلف فى قراءتها،و فى إعراب الحرفان نظر،و ذلك أنه جاء بلفظ الرفع،فلزم أن يكون و و الليسع قبله مبتدأ،و الحرفان بدل منه بدل الاشتمال،كأنه قال حرفاه،أى موضعاه،و يجوز أن يكون مبتدءا ثانيا.أى الحرفان من هذا اللفظ،و لو قال:الحرفين بالنصب لكان أجود إعرابا،و أقل إضمارا،فإن قولك زيدا اضرب بنصب زيد،أولى من رفعه بدرجات،و قوله:و و الليسع حرك،مثل زيدا اضرب سواء، و أراد بالتحريك فتح اللام،لأنه ليس فى كلمة اليسع ساكن سواها،و مثقلا حال من فاعل حرك،أى مشددا اللام ثم تمم الكلام فقال:

652-[و سكّن(ش)فاء و اقتده حذف هائه

(ش)فاء و بالتّحريك بالكسر(ك)فّلا]

يعنى سكن الياء و ضاق عليه النظم عن بيان محل التسكين،فإنه محتمل أن يكون فى الياء و السين،و شفاء:

حال،أى ذا شفاء،فقرأ حمزة و الكسائى على أن اسمه ليسع،على وزن لحمر،فدخلت عليه آلة التعريف، و على قراءة الجماعة يكون اسمه كأنه يسع،على و من يضع،ثم دخله الألف و اللام،كقوله:رأيت الوليد ابن اليزيد،و كل هذا من تصرفاتهم فى الأسماء الأعجمية،و اختار أبو عبيد قراءة التخفيف،و قال:كذلك وجدنا اسم هذا النبى فى الأنباء و الأحاديث،و قال الفراء فى قراءة التشديد:هى أشبه بأسماء العجم،و قوله تعالى:

(فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ 5) .

الهاء فى اقتده هاء السكت،فحذفها فى الوصل شفاء كما تقدم فى-يتسنه-و من أثبتها فى الوصل أجراه مجرى الوقف،و اتبع الرسم،و أجمعوا على إثبات هاء السكت فى الوصل فى-كتابيه-و حسابيه-فى موضعين

********

(1) سورة البقرة،آية:253.

(2) سورة الأنعام،آية:165.

(3) سورة الزخرف،آية:32.

(4) سورة المؤمن،آية:15.

(5) سورة الأنعام،آية:309.

ص: 450

فى الحاقة،و اختلفوا فى-ماليه-و-سلطانيه-و-ماهيه-فى سورة القارعة،على ما يأتى و ابن عامر حرك هاء -اقتده-بالكسر،قال ابن مجاهد:يشم الهاء الكسر من غير بلوغ ياء،قال:و هذا غلط،لأن هذه الهاء هاء وقف،لا تعرف فى حال من الأحوال،أى لا تحرك،و إنما تدخل ليتبين بها حركة ما قبلها،و قال أبو على:

ليس بغلط،و وجهها أن تجعل الهاء كناية عن المصدر؛لا التى تلحق الوقف،و حسن إضماره لذكر الفعل الدال عليه،و على هذا قول الشاعر:

هذا سراقة للقرآن يدرسه

فالهاء كناية عن المصدر،و دل يدرس على الدارس،و لا يجوز أن يكون ضمير القرآن،لأن الفعل قد تعدى إليه اللام،فلا يجوز أن يتعدى إليه و إلى ضميره،كما أنك إذا قلت:زيدا ضربته،لم تنصب زيدا بضربت،لتعديه إلى الضمير،قلت:فالهاء على هذا ضمير الاقتداء الذى دل عليه اقتد،و قيل:ضمير الهدى و قيل:إن هاء السكت تشبه بهاء الضمير،فتحرك كما تشبه هاء الضمير بهاء السكت،فتسكن،و قوله:

كفلا،أى جعل له كافل،و هو الذى ينصره،و يذب عنه ثم قال:

653-[و مدّ بخلف(م)اج و الكلّ واقف

بإسكانه يذكو عبيرا و مندلا]

أى:مد كسرة الهاء ابن ذكوان بخلاف عنه،و المد فرع تحريكها،فجرى فيها على القياس،إذ هاء الضمير بعد المتحرك موصولة فى قراءة-يؤده-و-فألفه-و نحوهما،و هشام من مذهبه القصر فى ذلك، فقصرها هنا،و قوله:ماج،أى:اضطرب،و هو صفة لخلف،و هو من زيادات هذه القصيدة،فلم يذكر صاحب التيسير فيه عن ابن ذكوان غير المد،و ذكر النقاش عن هشام حذف الهاء،كقراءة حمزة و الكسائى، و ذكر عن ابن ذكوان مثل قراءة نافع و غيره،بالإسكان،و يجوز فى قراءة الإسكان أن تكون الهاء ضميرا، على ما ذكر فى قراءة ابن عامر،و أسكنت كما أسكنت فى-فألقه-و ينقه-و نحوهما،فإذا وقفت على-اقتده- فكلهم أثبتوا الهاء ساكنة،لأنها إن كانت هاء السكت فظاهر،و إن كانت ضميرا فالوقف يسكنها،فهذا معنى قوله:و الكل واقف بإسكانه،أى بإسكان الهاء،و يذكو معناه:يفوح،من ذكت النار:أى اشتعلت و العبير أخلاط تجمع بالزعفران:عن الأصمعى؛و قال:أبو عبيدة،هو الزعفران وحده،و المندل:العود.

يقال له المندل،و المندلى،ذكره المبرد،و أنشد:

إذا أخمدت يلفى عليها المندل الرطب

و قال صاحب الصحاح رحمه اللّه المندلى عطر ينسب إلى المندل،و هى بلاد الهند،و انتصب عبيرا و مندلا على التمييز،و يجوز أن يكونا حالين،أى:مشبها ذلك،و الضمير فى يذكو للهاء.أو الإسكان،و موضع الجملة من يذكو نصب على الحال،لأن إثبات الهاء فى الوقف ساكنة لا كلام فيه،و اللّه أعلم.

654-[و تبدونها تخفون مع تجعلونه

على غيبه(ح)قّا و ينذر(ص)ندلا]

ص: 451

يعنى(يجعلونه قراطيس يبدونها و يخفون كثيرا (1).

وجه الغيب فيه الرد على قوله:

(إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى بَشَرٍ 1) .

و الخطاب لقوله:

(قُلْ إِي 3).

قل لهم ذلك،و قوله:و علمتم على قراءة للغيب التفات،و الغيب فى:

(و لينذر أمّ القرى).

يرجع إلى الكتاب،فيكون فعل الإنذار مسندا إلى الكتاب،و الخطاب للنبى صلّى اللّه عليه و سلم،و صندلا تمييز أو حال،على ما سبق فى«عبيرا و مندلا»،عطف جميع ما فى هذا البيت على ما فى البيت السابق،أى و هذا المذكور فى هذا البيت يذكو صندلا،كما ذكا ذاك عبيرا و مندلا،و قوله على غيبة،أى:على ما فيه من الغيبة فهو فى موضع الحال،كقولك:هو على حداثته يقول الشعر،أى:و يذكو يبدونها و ما بعده على غيبه حقا، مصدر مؤكد،و الصندل شجر طيب الرائحة،و اللّه أعلم.

655-[و بينكم ارفع(ف)ى(ص)فا(نفر)و جا

عل اقصر و فتح الكسر و الرّفع(ث)مّلا]

أى:كائنا فى صفا نفر،فقصر الممدود،أو أراد فى صلابة الصفا لمقصورة لقوة الحجة فيه،قال أبو عبيد و كذلك نقرؤها بالرفع،لأنا قد وجدنا العرب تجعل بين اسما من غير«ما»و يدل على ذلك قوله:

(فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما 3) .

فجعل«بين»اسما من غير«ما»و كذلك قوله:

(هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ 5) .

و قد سمعناه فى غير موضع من أشعارها،و كان أبو عمرو يقول:معنى-تقطع بينكم-تقطع وصلكم، فصارت هاهنا اسما من غير أن يكون معها ما،قال:و قرأها الكسائى نصبا و كان يعتبرها بحرف عبد اللّه،لقد تقطع ما بينكم.

قال الزجاج:الرفع أجود،و معناه لقد تقطع وصلكم،و النصب جائز المعنى،لقد تقطع ما كان من الشرك بينكم،قال أبو على:لما استعمل بين مع الشيئين المتلابسين فى نحو:بينى و بينك شركة،و بينى و بينه رحم و صداقة،صارت لاستعمالها فى هذه المواضع بمنزلة الوصلة،و على خلاف الفرقة،فلهذا جاء لقد تقطع وصلكم.

********

(1) سورة الأنعام،آية:91.

(3) سورة الكهف،آية:61.

(5) سورة الكهف،آية:78.

ص: 452

قلت:و قيل المعنى تفرق جمعكم و تشتت،و قيل اتسع فى الظرف،فأسند الفعل إليه مجازا،كما أضيف إليه فى قوله تعالى:

(شَهادَةُ بَيْنِكُمْ (1) -و- مَجْمَعَ بَيْنِهِما 2) .

و (هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ) .

و قال عنترة:كأنها أقص الأكام عشية بقريب بين المنشمين مصلم

و قول أبى عمرو:لقد تقطع وصلكم،يعنى أن البين يطلق بمعنى الوصل،فلا يكون الظرف متسعا فيه، هذا وجه آخر،و قراءة النصب على أنه ظرف على أصله،و الفاعل مضمر دل عليه سياق الكلام،أى:لقد تقطع الاتصال بينكم،و قيل لقد تقطع الذى بينكم؛فحلف الموصول،و قيل:تقطع الأمر بينكم،و قيل:

بينكم صفة موصوف محذوف،أى:لقد تقطع وصل بينكم،كقولهم:ما منهما مات،أى:أحد مات، و قيل الفاعل:

(ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) .

أى لقد تقطع وصل ما زعمتم،كقولك:قام و قعد زيد فأحد الفعلين رافع للفاعل الموجود،و الآخر فاعله مضمر لدلالة الموجود عليه،و أما قوله تعالى:

(و جاعل اللّيل سكنا (3).

فهذه القراءة موافقة لقوله تعالى:

(فالِقُ الْإِصْباحِ 3) .

كلاهما اسم فاعل أضيف إلى مفعوله،و قرأه الكوفيون،-و جعل الليل-جعلوه فعلا ماضيا و مفعولا به،لأن فالق بمعنى فلق،فعطفوا-و جعل-عليه أراد فتح الكسر فى العين،و فتح الرفع فى اللام و معنى ثمل أصلح، و اللّه أعلم.

656-[و عنهم بنصب اللّيل و اكسر بمستقر

ر القاف(ح)قّا خرّقوا ثقله(ا)نجلا]

أى عن الكوفيين،لأنه صار مفعولا و فى قراءة الباقين هو مضاف إليه،فكان مجرورا،و قوله سبحانه بعد ذلك-و الشمس و القمر-بالنصب يقوى قراءة الكوفيين:أى و جعل ذلك حسبانا و قوله تعالى:

(وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ 5) .

هما بفتح القاف و الدال موضع الاستقرار و الاستيداع فالتقدير فلكم مستقر و هو حيث يستقر الولد فى الرحم

********

(1) سورة البقرة،آية:180.

(2) سورة الكهف،آية:61.

(3) سورة الأنعام،آية:96.

(5) سورة الأنعام،آية:98.

ص: 453

و لكم مستودع و هو حيث أودع المنى فى صلب الرجل و إذا كسرت القاف كان اسم فاعل أى فمنكم مستقر فى الرحم أى قد صار إليها و استقر فيها و منكم من هو مستودع فى صلب أبيه فعلى هذه القراءة يكون مستودع اسم مفعول لأن فعله متعد و لم يتجه فى مستقر بفتح القاف أن يكون اسم مفعول لأن فعله لازم فلهذا عدل إلى جعله اسم مكان و عطف مستودع عليه لفظا و معنى لإمكان ذلك فيهما و التخفيف و التشديد فى-و خرقوا له بنين-لغتان و التخفيف أكثر و فى التشديد معنى التكثير و لهذا قال انجلا أى ظهر وجهه و انكشف معناه و هو التكثير لأن المشركين،قالوا:الملائكة بنات اللّه،و قالت اليهود عزيز ابن اللّه،و قالت النصارى المسيح ابن اللّه،و كل طائفة من هؤلاء عالم لا يحصى،و معنى:و خرقوا،أى افتروا ذلك،يقال خرق،و اختلق،و اخترق،إذا افترى و الباء فى بنصب زائدة،أو التقدير:و ثمل الفتح أيضا بنصب الليل عنهم.

657-[و ضمّان مع ياسين فى ثمر(ش)فا

و دارست(حقّ)مدّه و لقد حلا]

أى:هنا،ويس،يريد:

(انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ (1) - لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما عَمِلَتْهُ 2) .

فالضمان فى الثاء و الميم فيكون جمع ثمرة،كخشب فى جمع خشبة،أو جمع ثمار،ككتب فى جمع كتاب أو جمع ثمر،كأسد فى جمع أسد،و قيل:هو اسم مفرد لما يجنى،كطنب و عنق،و أما ثمر بفتح الثاء و الميم، فجمع ثمرة،كبقر و شجر،و خرز،و اختلفوا أيضا فى الذى فى الكهف،كما يأتى،إلا أن حمزة و الكسائى جريا فيه على ضم الحرفين،كما ضما هنا و فى يس،و عاصم وحده جرى على الفتحتين فى الجميع،و نافع و ابن كثير و ابن عامر ضموا فى الكهف وحدها،و زاد أبو عمرو:إسكان الميم فيها،و كل ذلك لغات،و قرأ ابن كثير و أبو عمرو:

(و ليقولوا دارست (3).

على وزن فاعلت،أى دارست غيرك هذا الذى جئتنا به،و الباقون بلا ألف-درست-أى قرأت،و هو فى الرسم بغير ألف كما فى:

(جاعل اللّيل).

إلا أن الألفات كثير حذفها فى أوساط الكلم من الرسم،ثم ذكر قراءة أخرى،فقال:

658-[و حرّك و سكّن(ك)افيا و اكسر أنّها

(ح)مى(ص)وبه بالخلف(د)رّ و أوبلا]

أى:حرك السين،أى افتحها و سكن التاء،فقل:درست،على وزن خرجت،فالتاء على هذه القراءة

********

(1) سورة الأنعام،آية:99.

(2) سورة يس،آية:35.

(3) سورة الأنعام،آية:105.

ص: 454

هى تاء التأنيث الساكنة،اللاحقة لأواخر الأفعال الماضية،و التاء فى القراءتين السابقتين تاء الخطاب المفتوحة و معنى هذه القراءة:أى امحيت هذه الآيات و عفت و مضت عليها دهور،فكانت من أساطير الأولين،فأحييتها أنت و جئتنا بها،و كافيا حال،ثم قال:و اكسر أنها:أراد:

(أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ 1) .

فألقى حركة الهمزة فى أنها على الراء الساكنة من اكسر،فيجوز كسر الراء و فتحها على بناء حركة الهمزة المنقولة،و فيها قراءتان:الكسر لأبى عمرو و ابن كثير،و لأبى بكر بخلاف عنه،و هى ظاهرة،لأنها استئناف إخبار عنهم:أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية،و معنى و ما يشعركم-و ما يدريكم إيمانهم إذا جاءت،فحذف المفعول و ابتدأ بالإخبار بنفى وقوعه،و القراءة الأخرى بالفتح يوهم ظاهرها أنه عذر للكفرة،فقيل:إن أنها بمعنى:لعلها،و هى فى قراءة:أبىّ-لعلها-ذكر ذلك أبو عبيد و غيره،و لعل تأتى كثيرا فى مثل هذا الموضع،نحو:

(وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ (2) - وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى 3) .

و قيل إنها و ما بعده مفعول يشعركم،على أن لا زائدة،نحو:

(وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ 4) .

و هو قول الكسائى و الفراء،و قيل هو عذر للمؤمنين أنهم لا يعلمون ما سبق به القضاء على الكفار من أنهم لا يؤمنون إذا جاءت الآية،على ما قاله تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَ لَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ 5) .

و قيل التقدير لأنها إذا جاءت:أى منعنا من الإتيان بالآية أنهم لا يؤمنون إذا جاءت،قال الزجاج:زعم سيبويه عن الخليل أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون،و هى قراءة أهل المدينة،قال:و هذا الوجه أقوى و أجود فى العربية،و الذى ذكر أنّ«لا»لغو:غالط،لأن ما كان لغوا لا يكون بمنزلة لغو،و من قرأ بالكسر فالإجماع على أن«لا»غير لغو،فليس يجوز أن يكون معنى لفظه:مرة لنفى و مرة لإيجاب،و قد أجمعوا على أن معنى أنّ هاهنا إذا فتحت معنى لعل،قلت:و قد تكلم أبو على فى الاصطلاح على هذا،و اقتصر لمن قال أنّ«لا»لغو،و اختار أن يكون التقدير:لأنها،أى:فلا نؤتيهموها لإصرارهم على كفرهم عند ورودها،فتكون هذه الآية كقوله تعالى:

(وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ 6) .

أى بالآيات المقترحة،و قول الناظم:«حمى صوبه»أضاف حمى إلى الصوب،و هو نزول المطر

********

(1) سورة الأنعام،آية:109.

(2) سورة الشورى،آية:42.

(3) سورة عبس،آية:3.

(4) سورة الأنبياء،آية:95.

(5) يونس،الآيتان:96 و 97.

(6) سورة الإسراء،آية:59.

ص: 455

و الهاء فى صوبه للكسر المفهوم من قوله«و اكسر و در»أى:تتابع صبه و سيلانه،و أو بل أى:صار ذا وبل و قد مضى الكلام فيه فى قوله«جودا و موبلا»فى الإدغام الصغير،و أشار إلى ظهور حجة قراءة الكسر، و اللّه أعلم.

659-[و خاطب فيها يؤمنون(ك)ما(ف)شا

و صحبة(كفؤ فى الشّريعة وصّلا]

فيها،أى:فى هذه الآية،و فاعل خاطب:تؤمنون،جعله مخاطبا لما كان فيه خطاب،و قد تقدم نظيره، فمن قرأ بالخطاب كان-و ما يشعركم-خطابا للكفار،و من قرأ بالغيبة فالخطاب للمؤمنين،و يجوز أن يكون للكفار على قراءة الكسر،و على تقدير لعل،و الخطاب فى الشريعة وصله صحبة كفؤ،يعنى:فى قوله تعالى:

(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ 1) .

الخطاب للمرسل إليهم،و الغيبة ظاهرة،و اللّه أعلم.

660-[و كسر و فتح ضمّ فى قبلا(ح)مى

ظهيرا و للكوفيّ فى الكهف وصّلا]

ضم،إما فعل ما لم يسم فاعله،أو أمر،فإن كان لم يسم فاعله فهو صفة لفتح،و حذف مثله بعد قوله:

و كسر تخفيفا،و أراد كسر ضم و فتح ضم،أى القاف و الباء من قبلا مضمومتان،فهو كقوله تعالى:

(وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ 2) .

و هذه الصفة المقدرة هى التى سوّغت جواز الابتداء بقوله و كسر،و فى قبلا:خبره،و إن كان ضم فعل أمر:كان عدولا عن الوجه الأقوى فى الإعراب،مع إمكانه إلى الوجه الأضعف حين رفع و كسر و فتح، و كان الوجه نصبهما،لأنهما مفعول ضم،و الظاهر أنه قصد هذا الوجه و غفل عن ضعف الرفع فى مثل هذا، فقد تكرر منه هذا النظم فى قوله المتقدم،و«و الليسع»الحرفان حرك،و فاعل حمى ضمير الضم المفهوم من قوله ضم و ظهيرا حال منه أو مفعول به،أى حمى من كان له ظهيرا،أى:معينا يحتج له و ينصره،و إذا كان حلا فمعناه أن قراءة الضم ظهرت على الأخرى بكثرة وجوهها،و الخلاف فى قوله تعالى:

(وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلاً 3) .

و فى الكهف:

(أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً 4) .

يقرءان بضم القاف و الباء،و بكسر القاف و فتح الباء،قيل القراءتان بمعنى واحد،أى:عيانا،و قيل:

المضموم هنا جمع قبيل،و هو الكفيل،أى كفلاء بما وعدناهم،و القبيل أيضا:الجماعة،أى جماعات تشهد

********

(1) سورة الجاثية،آية:6.

(2) سورة التوبة،آية:62.

(3) سورة الأنعام،آية:111.

(4) سورة الكهف،آية:55.

ص: 456

بصدقك،قال الفراء،فى سورة الأنعام:قبلا:جمع قبيل،و هو:الكفيل،قال:و إنما اخترت هاهنا أن يكون القبيل فى معنى الكفالة،لقولهم:

(أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلاً 1) .

يضمون ذلك،قال:و قد يكون قبلا،من قبل وجوههم،كما تقول:أتيتك قبلا،و لم أك دبرا،و قد يكون القبيل:جمعا للقبيلة،كأنك قلت:أو تأتى باللّه و الملائكة قبيلة قبيلة،و جماعة جماعة،و قال فى الكهف -قبلا عيانا،و قد يكون قبلا بهذا المعنى،و قد يكون قبلا،كأنه طوائف من العذاب،مثل:قبيل و قبل، قال أبو على:قال أبو زيد:يقال لقيت فلانا قبلا و مقابلة،و قبلا و قبلا،و قبليا و قبيلا،كله واحد،و هو المواجهة،ثم أتبع ذلك بكلام طويل مفيد رحمه اللّه.

661-[و قل كلمات دون ما ألف(ث)وى

و فى يونس و الطّول(ح)اميه(ظ)لّلا]

يعنى قرأ هؤلاء كلمة بالإفراد،و هو يؤدى معنى الجمع،كما تقدم فى-رسالاته-فى المائدة،و يأتى له نظائر،و أراد:

(و تمّت كلمات ربّك صدقا و عدلا (2)-إنّ الّذين حقّت عليهم كلمات ربّك لا يؤمنون (3)- و كذلك حقّت كلمات ربّك على الّذين كفروا أنّهم أصحاب النّار (4).

أفرد الكوفيون الثلاثة،و وافقهم ابن كثير و أبو عمرو فى يونس و الطول،و ما فى قوله«دون ما ألف»:

زائدة.

662-[و شدّد حفص منزل و ابن عامر

و حرّم فتح الضّمّ و الكسر(إ)ذ(ع)لا]

أراد (أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ 5) .

التخفيف و التشديد لغتان،من أنزل و نزل،و حرم بفتح الحاء و الراء،على إسناد الفعل إلى اللّه،و بضم الحاء و كسر الراء على بناء الفعل للمفعول،و كذا توجيه الخلاف فى-فصل لكم-الذى قبله،و هو قوله:

663-[و فصّل(إ)ذ(ث)نّى يضلّون ضمّ مع

يضلّوا الّذى فى يونس(ث)ابتا و لا]

فقراءة نافع و حفص بإسناد الفعلين إلى الفاعل و قراءة ابن كثير و أبى عمرو و ابن عامر بإسنادهما إلى المفعول

********

(1) سورة الإسراء،آية:92.

(2) سورة الأنعام،آية:115.

(3) سورة يونس،آية:97.

(4) سورة غافر،آية:6.

(5) سورة الأنعام،آية:114.

ص: 457

و قراءة حمزة و الكسائى و أبى بكر بإسناد فصل إلى الفاعل،و إسناد حرّم إلى المفعول،و لم يأت عكس هذا، و معنى:إذ ثنى:أى أعاد الضمير فى فصل إلى اسم اللّه تعالى قبله،فهو مثن بذكره،و يقال:ضل فى نفسه و أضل غيره،و أراد:

(وَ إِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ (1) - رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ 2) .

فى يونس،و لا خلاف فى فتح التى فى صاد:

(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ 3) .

و سيأتى الخلاف فى التى فى إبراهيم و غيرها،و قوله:ثابتا حال من مفعول ضم،و ولا:تمييز،أى نصرا أو يكون حالا،على تقدير:«ذا»،و«لا»،و ساق الناظم رحمه اللّه هذه الأبيات الثلاثة على خلاف ترتيب التلاوة، و لكن على ما تهيأ له نظمه،و كان يمكنه أن يقول:

و شدد حفص منزل و ابن عامر و فى كلمات القصر للكوف رتلا

و فى يونس و الطول ظلل حاميا و فصل فتح الضم و الكسر ثق ألا

و حرم إذ علا يضلون ضم مع يضلوا الذى فى يونس ثابتا و لا

664-[رسالات فردا،و افتحوا دون علّة و ضيقا مع الفرقان حرّك مثقلا]

يريد قوله تعالى:

(اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ 4) .

وجه الإفراد و الجمع فيه كما سبق فى:

(فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ 5) .

فى سورة المائدة،و تكلمنا ثم على فتح التاء و خفضها،و قوله:و ضيقا مع الفرقان،أراد-يجعل صدره ضيقا حرجا-.

(إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً 6) .

شدد الياء،و كسرها كل القراء،سوى ابن كثير،و القراءتان كما سبق فى الميت و الميّت،ثم تمم الكلام فقال:

665-[بكسر سوى المكّى و را حرجا هنا

على كسرها(ا)لف(ص)فا و توسّلا]

بين التحريك،أنه بالكسر و لو لم يبين لكان فتحا لإطلاقه،و قوله:سوى المكى،مستثنى من محذوف

********

(1) سورة الأنعام،آية:119.

(2) سورة يونس،آية:88.

(3) سورة ص،آية:26.

(4) سورة الأنعام،آية:124.

(5) سورة المائدة،آية:67.

(6) سورة الفرقان،آية:13.

ص: 458

أى:لكل سوى المكى،و الرواية بكسر التنوين،و إلا لجاز أن يكون«بكسر»،مضافا إلى سوى المكى،و قوله و را حرجا،أراد:وراء حرجا بالمد،و إنما قصره ضرورة،يريد:

(ضَيِّقاً حَرَجاً 1) .

كسر راءه نافع و أبو بكر،و فتحها الباقون،و هما بمعنى واحدا عند قوم،و قيل هما كدنف و دنف يحتاج الفتح إلى تقدير مضاف،أى ذا حرج،لأنه مصدر،و الكسر اسم فاعل:كحذر و حذر،قال الشيخ:و إذا تضايق الشجر و التف فلم تطق الماشية تخلله لتضايقه سمى حرجا و حرجة،فشبه به قلب الكافر،لضيقه عن الحكمة و الإلف الأليف وصفا أخلص،يعنى:على كسر هذه الراء قارئ أليف مخلص،متوسل إلى اللّه تعالى:أى متقرب إليه،و قوله:هنا زيادة فى البيان،و للّه أعلم.

666-[و يصعد خفّ ساكن(د)م و مدّه

(ص)حيح و خفّ العين(د)اوم(ص)ندلا]

أى:ذو خف أى ذو حرف خفيف ساكن،و هو الصاد فى قراءة ابن كثير،و الباقون على تحريك الصاد بالفتح و تشديدها،دم:يعنى على القراءة به،ثم ذكر أن شعبة زاد مدا يعنى:بعد الصاد،و أنه و ابن كثير معا خففا العين،فقرأ ابن كثير:

(كَأَنَّما يَصَّعَّدُ 2) .

على وزن يذهب و يعلم،و هو ظاهر لأنه مضارع صعد،كعلم و قرأ شعبة يصاعد:أصله يتصاعد،فأدغم التاء فى الصاد،و قرأ الجماعة:

(يصّعّد).

بتشديد الصاد و العين،أصله يتصعد،فأدغم،و مفعول قوله:داوم،محذوف،أى:داوم خف الصاد فى قراءة ابن كثير،و داوم المد بعدها فى قراءة أبى بكر،و صندلا:حال،أى عطرا مشبها صندلا.

667-[و يحشر مع ثان بيونس و هو فى

سبأ مع نقول اليا فى الأربع(ع)مّلا]

يعنى يحشر الذى بعد يصعد:و هو:

(وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ 3) .

و الثانى فى يونس هو الذى بعده:

(كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا 4) .

********

(1) سورة الأنعام،آية:125.

(2) سورة الأنعام،آية:125.

(3) سورة الأنعام،آية:128.

(4) الآية:45.

ص: 459

و قوله و هو يعنى يحشر فى سبأ مصاحب لقوله يقول،يعنى:

(وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ 1) .

الياء فى الأربع،يعنى فى يقول مع يحشر فى السور الثلاث لحفص،و الباقون بالنون،و وجه القراءتين ظاهر:و لا خلاف فى الأول بيونس،و الأول بالأنعام أنهما بالنون،و قوله و نحشر مع ما بعده مبتدأ،و الياء مبتدأ ثان،و خبره عملا،أى اعمل فيها،و قوله:فى الأربع من باب إقامة الظاهر مقام المضمر،و فيه زيادة فائدة العددية التى اندرج بسببها لفظ يقول فيما فيه الخلاف،لأن العدة لانتم إلا بيقول،و عمل و أعمل:واحد، كأنزل و نزل،و قصر لفظ الياء،و نقل حركة الهمزة فى الأربع،و أبدل همزة سبإ ألفا بعد أن أسكنها بنية الوقف على قراءة قنبل،كما يأتى،و كل ذلك سبق له نظائر،و اللّه أعلم.

668-[و خاطب شام تعلمون و من تكو

ن فيها و تحت النّمل ذكره(ش)لشلا]

يعنى (وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ (2) - وَ رَبُّكَ الْغَنِيُّ 3) .

وجه الخطاب أن بعده:

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) .

و ما بعده إلى آخر الآية،و الغيب:رد على ما قبله من قوله:

(و لكلّ درجت ممّا عملوا (4)-و أما-من يكون له عاقبة الدّار (5).

هنا و فى القصص،فتذكيره و تأنيثه على ما سبق فى:

(و لا تقبل منها شفاعة (6).

لأن تأنيث العاقبة غير حقيقى،و شلشلا،أى:خفيفا.

669-[مكانات مدّ النّون فى الكلّ شعبة

بزعمهم الحرفان بالضّمّ رتّلا]

مكانات جمع مكانة و قد تقدم الكلام فى نظير ذلك من الجمع و الإفراد من-كلمات-و-رسالات- و غيرهما،و قوله مد النون،لأنه إذا أشبع فتحها صارت ألفا،فكان المد فيها،و هو كما سبق فى سورة المائدة و فى العين فامدد،و قوله فى الكل يعنى حيث جاء،و الزعم بفتح الزاى و ضمها لغتان،و قوله بزعمهم:

الحرفان مبتدأ نحو:السمن منوان بدرهم،أى الموضعان منه،رتلا بالضم،و ليس مثل ما تقدم من قوله:

و اليسع الحرفان،فقد سبق أنه لو قال:ثم الحرفين بالنصب،لكان أجود و أما هنا فالرفع لا غير.

********

(1) سورة سبإ،آية:40.

(2) سورة الأنعام،آية:133.

(3) سورة الأنعام،آية:132.

(4) سورة الأنعام،آية:135

(5) و القصص،آية:37.

(6) سورة البقرة،آية:48.

ص: 460

670-[و زيّن فى ضمّ و كسر و رفع قت

ل أولادهم بالنّصب شاميّهم تلا]

671-[و يخفض عنه الرّفع فى شركاؤهم

و فى مصحف الشّامين بالياء مثّلا]

يعنى قوله تعالى:

(وَ كَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ 1) .

قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين،و المفعول قتل المضاف إلى أولادهم،و قراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله،و قتل بالرفع،على أنه أقيم مقام الفاعل،و أولادهم بالنصب مفعول قتل،لأنه مصدر و شركائهم بالجر على إضافة قتل إليه،أى قتل شركاءهم أولادهم كقولك:عرف ضرب زيد عمرا،أضيف المصدر إلى الفاعل،فانجر و بقى المفعول منصوبا،لكن فى قراءة ابن عامر زيادة على هذا،و هو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة،و سيأتى توجيه ذلك،فقوله و زين مبتدأ،و فى ضم و كسر فى موضع الحال؛أى كائنا فى ضم الزاى و كسر الياء،و رفع قتل عطف على:و زين أولادهم كذلك،على حذف حرف العطف، و بالنصب فى موضع الحال،أى منصوبا،و شاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان،و خبر،هى خبر وزين،و ما بعده أى تلا على هذه الصورة،أو بكون و زين و ما بعده مفعولا لقوله تلا،مقدما عليه،أى ابن عامر تلا ذلك، و كان التعبير على هذا التقدير يقتضى أن يقول:و قتل بالرفع،فلم يتزن له،فقلب اللفظ لأمن الإلباس،لأن من تلا قتل بالرفع،فقد تلا الرفع،و قيل:و رفع قتل مبتدإ،خبره محذوف،أى و له رفع قتل،و له أولادهم بالنصب،و قوله:و فى مصحف الشامين،حذف منه ياء النسبة المشددة؛و هذا سنتكلم عليه إن شاء اللّه تعالى فى باب التكبير،فى قوله:و فيه عن المكين:أراد أن مصحف أهل الشام الذى أرسله عثمان رضي اللّه عنه إليهم رسم فيه شركائهم بالياء،فدل ذلك على أنه مخفوض،فهو شاهد لقراءته كذلك،و لكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم،فهو الذى استنكر من قراءته،فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله، و شركائهم صفة له،قال أبو عمرو الدانى،فى مصاحف أهل الشام:

(أولادهم شركائهم).

بالياء،و فى سائر المصاحف شركاؤهم بالواو،قال أبو البرهسم فى سورة الأنعام فى إمام أهل الشام و أهل الحجاز:أولدهم شركائهم،و فى إمام أهل العراق شركاؤهم،قلت:و لم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء،و يحتمل أيضا قراءة أبى عبد الرحمن السلمى،على إسناد زين إلى القتل،كما فعل ابن عامر،و لكنه خفض الأولاد بالإضافة،و رفع شركاؤهم على إضمار فعل،كأنه قيل:من زينه؟فقال شركاؤهم،فهو مثل ما يأتى فى سورة النور-يسبح له فيها-بفتح الياء،ثم قال:رجال،أى يسبحه رجال،و هى قراءة ابن عامر و أبى بكر،و أما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر،و يحتمل أن يكون نعتا للأولاد،

********

(1) سورة الأنعام،آية:137

ص: 461

و على قراءة أبى عبد الرحمن السلمى السابقة،و هذا أوجه من القراءة،لا استبعاد فيه:لفظا و لا معنى،قال الزجاج و قد رويت شركائهم،بالياء فى بعض المصاحف،و لكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم لأن نعت أولادهم شركاؤهم فى أموالهم،و قال ابن النحاس:فيها أربع قراءات،فذكر ما ذكرناه،و نسب قراءة السلمى إلى الحسن أيضا،و نسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام،فقال:و حكى غير أبى عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا زين بالضم،قتل،بالرفع و خفض أولادهم شركائهم بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولدهم،لأنهم شركاؤهم فى النسب و الميراث،و ذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم،ثم قال:و فى بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء،فإن تكن مثبتة عن الأولين.فينبغى أن يقرأ زين،و يكون الشركاء هم الأولاد،لأنهم منهم فى النسب و الميراث،فإن كانوا يقرءون زين بفتح الزاى،فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون أتيتها عشايا،و يقولون فى تثنية حمراء حمرايان،فهذا وجه أن يكونوا أرادوا:

(زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم).

يعنى بياء مضمومة،لأن شركائهم فاعل زين،كما هو فى القراءة العامة،قال:و إن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد.قلت:يعنى تقدير الكلام زين مزين،فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد،سواء قرئ زين بالفتح أو بالضم،و تفسير الشركاء على قراءة الجماعة، هم:خدم الأصنام أو الشياطين،زينوا للكفرة أن يقتلوا أولادهم بالوأد،و بالنحر للآلهة،و على قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين،لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين فى المعنى و اللّه أعلم.

672-[و مفعوله بين المضافين فاصل و لم يلف غير الظرف فى الشّعر فيصلا]

يعنى أن المفعول فى قراءة ابن عامر و هو-أولادهم-الذى هو مفعول القتل،وقع فاصلا بين المضاف و المضاف إليه،لأن قتل مضاف إلى شركائهم،و أكثر النحاة على أن الفصل بين المضافين لا يجوز إلا بالظرف فى الشعر خاصة:فهذا معنى قوله:و لم يلف،أى لم يوجد غير الظرف فيصلا بين المضاف و المضاف إليه، و أما فى كلام غير الشعر فلم يوجد الفصل بالظرف،فكيف بغيره،ذكر الناظم-رحمه اللّه-ما اعترض به على قراءة ابن عامر،ثم مثل بالظرف فقال:

673-[كللّه درّ اليوم من لامها فلا تلم من سليمى النّحو إلاّ مجهّلا]

أراد:بيتا أنشده سيبويه و غيره،و هو لعمرو بن قميئة:

لما رأت ساتيدما استعبرت للّه در اليوم من لامها

يريد:للّه درّ من لامها اليوم،أنشد سيبويه أيضا لأبى حية النميرى

كما خط الكتاب بكف يوما يهودى

أى بكف يهودى يوما،و أنشد لدرنا بنت عتبة:

ص: 462

هما أخوا فى الحرب من لا أخا له

أى اخوا من لا أخا له فى الحرب،قال:و قال ذو الرمة:

كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريخ

أى كأن أصوات أواخر الميس،و كل هذه الأبيات فصل فيها بالظرف الصريح،و بالجار و المجرور بين المضاف و المضاف إليه،و لا يجوز ذلك فى غير الشعر،قال سيبويه فى قوله:

يا سارق الليلة أهل الدار

بخفض الليلة على التجوز،و نصب أهل على المفعولية،و لا يجوز يا سارق الليلة أهل الدار إلا فى شعر:كراهية أن يفصلوا بين الجار و المجرور،ثم.و قال مما جاء فى الشعر قد فصل بينه و بين المجرور قول عمرو بن قميئة،فذكر الأبيات المتقدمة و غيرها،ثم قال:و هذا قبيح،و يجوز فى الشعر على هذا مررت بخير و أفضل من ثم،قال أبو الفتح ابن جنى:الفصل بين المضاف و المضاف إليه بالظرف و حرف الجر كثير،لكنه من ضرورة الشاعر،و قوله:مليم،هو اسم فاعل من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه،أى من مليم أهل النحو،و هو اسم جنس،هكذا وقع فى روايتنا بلفظ المفرد.و لو كان بلفظ الجمع كان أحسن،أى من مليمى النحو،ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين،و تقع كذلك فى بعض النسخ،و هو الأجود،و حذفها إنما جاء من الكاتب،لأن الناظم أملى،فخفيت الياء على الكاتب،لأنها ساقطة فى اللفظ، أى الذين تعرضوا لإنكار قراءة ابن عامر هذه من النحاة على قسمين،منهم من ضعفها،و منهم من جهّل قارئها و كلهم قد أتى بما يلام عليه،لأنه أنكر قراءة قد صحت عن إمام من أئمة المسلمين،لكن من نفى ذلك و لم يجهل فأمره أقرب،إذ لم يبلغ علة أكثر من ذلك،و من جهل فقد تعدى طوره،فبين أمره و لمه و جهله بما قد خفى عنه،فإنّ هذه القراءة قد نقلها ابن عامر عمن قرأها عليه،و لم يقرأها من تلقاء نفسه،و سيأتى توجيهها.قال أبو عبيد:و كان عبد اللّه بن عامر و أهل الشام يقرءونها-زين-بضم الزاى.

(قتل).

بالرفع-أولادهم-بالنصب.

(شركائهم).

بالخفض،و يتأوّلونه-قتل شركائهم أولادهم-فيفرقون بين الفعل و فاعله،قال أبو عبيد:و لا أحب هذه القراءة،لما فيها من الاستكراه،و القراءة عندنا هى الأولى لصحتها فى العربية،مع إجماع أهل الحرمين و البصرتين بالعراق عليها،و قال أبو على:فصل بين المضاف و المضاف إليه بالمفعول و المفعول به مفعول المصدر و ه-ا قبيح قليل فى الاستعمال،و لو عدل عنها إلى غيرها كان أولى،أ لا ترى أنه إذا لم يفصل بين المضاف و المضاف إليه بالظرف فى الكلام،و حال السعة مع اتساعهم فى الظروف حتى أوقعوها مواقع،لا يقع فيها غيرها،نحو:

(إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ 1) .

********

(1) سورة المائدة،آية:22.

ص: 463

تلقون للهجر حولا كميلا:

و لا تلحنى فيها فإنى لحبها أخاك مصاب القلب جم بلابله

أ لا ترى أنه قد فصل بين أن و اسمها بما يتعلق بخبرها،و لو كان بغير الظرف لم يجز ذلك فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف و المضاف إليه بالظرف فى الكلام،مع اتساعهم فى الظرف فى الكلام،و إنما جاء فى الشعر،فأن لا يجوز فى المفعول به الذى لم يتسع فيه بالفصل به أجدر،و قال الزمخشرى:و أما قراءة ابن عامر بالفصل بينهما بغير الظرف،فشيء لو كان فى مكان الضرورات،و هو الشعر،لكان سمجا مردودا،فكيف به فى الكلام المنثور،فكيف به فى القرآن المعجز بحسن نظمه و جزالته.

قال:و الذى حمله على ذلك أنه رأى فى بعض المصاحف-شركائهم-مكتوبا بالياء،و لو قرئ يجر الأولاد و الشركاء،لأن الأولاد شركاؤهم فى أموالهم،لوجد فى ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.

قلت:فإلى هذا الكلام و شبهه أشار الناظم يلوم قائله،ثم ذكر وجه هذه القراءة،فقال:

674-[و مع رسمه زجّ القلوص أبى مزا دة الأخفش النّحويّ أنشد مجملا]

أى و مع كون الرسم شاهدا لقراءة ابن عامر،و هو جرّ-شركائهم-و أما نصب الأولاد،فليس فيه إلا النقل المحض،لأن الرسم كما يحتمل نصب الأولاد يحتمل أيضا جرها،كما سبق،و هو الذى رجحه أهل النحو على القول باتباع هذا الرسم،أى مع شهادة هذا البيت الذى ورد أيضا بالفصل بين المضافين بالمفعول به،و هو ما أنشده الأخفش،و لعله أبو الحسن سعد بن مسعدة النحوى،صاحب الخليل و سيبويه:

فزججتها بمزجة زجّ القلوص أبى مزادة

أى زجّ أبى مزادة القلوص،فالقلوص مفعول،و يروى فزججتها متمكنا،و يروى فتدافعت،قال الفراء [فى كتاب المعانى]بعد إنشاده لهذا البيت:و هذا مما كان يقوله نحويو أهل الحجاز،و لم نجد مثله فى العربية، و قال فى موضع آخر:و نحويو أهل المدينة ينشدون هذا البيت،و الصواب:زجّ القلوصى بالخفض،و قال أبو العلاء أحمد بن سليم المعرّى[فى كتاب شرح الجمل]:و اختار قوم أن يفصلوا بين المضاف و المضاف إليه بالمصدر،كما يفصل بينهما بالظرف،قال:و ليس ذلك ببعيد،و قد حكى أن بعض القراء قرأ:

(فَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) .

على تقدير مخلف رسله وعده،قال:و زعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا البيت:

فزججته متعرضا زجّ القلوص أبى مزاح

قال:هكذا الرواية عنه،و قد روى أبى مزادة،قال أبو على الفارسى:وجه ذلك على ضعفه و قلة الاستعمال له:أنه قد جاء فى الشعر الفصل،على حد ما قرأ،قال الطرماح:

يطفن بحوزىّ المراتع لم ترع بواديه من قرع القسى الكنائن

قال:و زعموا أن أبا الحسن أنشد«زجّ القلوص أبى مزادة»فهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر،قال ابن جنى فى بيت الطرماح:لم نجد فيه بدّا من الفصل،لأن القوافى مجرورة،قال فى زجّ القلوص فصل بينهما بالمفعول

ص: 464

به،هذا مع قدرته على أن يقول زجّ القلوص أبو مزادة،كقولك سرنى أكل الخبز زيد،قال:و فى هذا البيت عندى دليل على قوّة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم،و أنه فى نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول،أ لا تراه ارتكب هنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها،لا لشيء غير الرغبة فى إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول قال أبو الحسن الحوفىّ،احتج ابن الأنبارى لهذه القراءة فقال:قد جاء عن العرب:هو غلام إن شاء اللّه أخيك ففرق بإن شاء اللّه،و يروى أن عبد اللّه بن ذكوان قال:سألنى الكسائى عن هذا الحرف و ما بلغه من قراءتنا فرأيته كأنه أعجبه،و نزع بهذا البيت:

تنفى يداها الحصى فى كل هاجرة نفى الدراهم تنقاد الصياريف

فنصب الدراهم،و رواه غيره بخفض الدراهم،و رفع تنقاد على الصحة.قلت:و إنما أعجب الكسائى لأنه وافق عنده ما بلغه من جواره لغة،و مثله ما أنشده غيره:

فداسهم دوس الحصاد الدائس

أى دوس الدائس الحصاد،و فى شعر أبى الطيب،

سقاها الحجى سقى الرياض السحائب

أى سقى السحائب الرياض،قال أبو الحسن ابن خروف:يجوز الفصل بين لمصدر و المضاف إليه بالمفعول لكونه فى غير محله،فهو فى نية التأخير،و لا يجوز بالفاعل لكونه فى محله،و عليه قراءة ابن عامر:

قلت:و قد أنشد الشيخ أبو العلاء المعرى فى شرحه بيتا فيه الفصل بالفاعل و بالجار و المجرور معا،و هو

تمر على ما تستمر و قد شفت غلائل عبد القيس منها صدورها

أى:شفت عبد القيس غلائل صدورها منها و جاء الفصل أيضا بالمنادى المضاف،أنشد ابن جنى فى كتاب الخصائص:

كأن برذون أبا عصام زيد حمار دق باللجام

قال أى كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام قلت:و وجدت فى شعر أسند إلى الفرس معاوية يخاطب به عمرو بن العاص رحمهما اللّه تعالى:

نجوت و قد بل المرادى سيفه من ابن أبى شيخ الأباطح طالب

أى من ابن أبى طالب شيخ الأباطح،ففصل بين مضاف و مضاف إليه،و هو صفة لذلك المضاف و المضاف إليه،و ابن أبى طالب هو:علىّ رضي اللّه عنه،و لا يعدّ فيما استبعده أهل النحو من جهة المعنى،و ذلك أنه قد عهد تقدم المفعول على الفاعل لمرفوع لفظا،فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا،فإن المصدر لو كان منونا لجاز تقدم المفعول على فاعله،نحو أعجبنى ضرب عمرا زيد،فكذا فى الإضافة،و قد ثبت جواز الفصل بين حرف الجر و مجروره مع شدة الاتصال بينهما أكثر من شدته بين المضاف و المضاف إليه،فى نحو قوله تعالى:

ص: 465

(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ (1) - فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ 2) .

فإن قالوا:ما زائدة،فكأنها ساقطة في اللفظ لسقوطها فى المعنى.

قلت:و المفعول المقدم هو فى غير موضعه معنى،فكأنه مؤخر لفظا،و لا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت فى الكلام المنثور مثله،لأنه ناف،و من أسند هذه القراءة مثبت و الإثبات مرجح على النفى بإجماع،و لو نقل لى هذا الزاعم عن بعض العرب أنه استعمله فى النثر لرجع عن قوله،فما باله لا يكتفى بناقلى القراءة عن التابعين،عن الصحابة رضي اللّه عنهم أجمعين،ثم الذى حكاه ابن الأنبارى فيه الفصل فى غير الشعر بجملة مستقلة مركبة من فعل و فاعل،مع حرف شرط،مما يقوى ما ذكرناه أنهم التزموا أن انفصل بالجار و المجرور لم يأت إلا فى الشعر،و قد روت الرواة فى أحاديث النبى صلّى اللّه عليه و سلم الفصل بهما،و هو نحو قوله صلّى اللّه عليه و سلم:

«فهل أنتم تاركوا لى صاحبى»،و«تاركوا لى أمرائي».

أى تاركوا صاحبى لى،و تاركوا أمرائى لى،فلم يبق لهم تعلق بأنه لم يأت فى الكلام المنثور فصل بالمفعول و لا بالظرف و نحوه،و اللّه أعلم.

قال أبو القاسم الكرمانى فى لباب التفاسير:قراءة بن عامر و إن ضعفت فى العربية للإحالة بين المضاف و المضاف إليه،فقويت فى الروية عالية،و فى كتاب الخصائص لابن جنى بأن ما يرد عن العربى مخالفا للجمهور إذا تفق شيء من ذلك،نظر فى حال العربى،و فيما جاء به،فإن كان فصيحا و كان ما أورده مما يقبله القياس، فإن الأولى أن يحسن الظن به،و قد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها و عفا رسمها، أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد بن أبى الحجاج،عن أبى خليفة الفضل ابن الحباب،قال:قال ابن عون عن ابن سيرين،قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه:كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه،فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد و غزو فارس و الروم،و لهيت عن الشعر و روايته،فلما كثر الإسلام و جاءت الفتوح و اطمأنت العرب فى الأمصار راجعوا رواية الشعر،فلم يثوبوا إلى ديوان مدوّن و لا كتاب مكتوب، و ألفوا ذلك،و قد هلك من هلك من العرب بالموت و القتل فحفظوا أقل ذلك،و ذهب عنهم كثيره،قال:

و حدثنا أبو بكر عن أبى خليفة قال:قال يونس بن حبيب قال أبو عمرو بن العلاء:ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله،و لو جاءكم وافرا لجاءكم علم و شعر كثير،قال أبو الفتح:إذا كان الأمر كذلك لم يقطع على الفصيح يسمع منه ما يخالف الجمهور بالخطإ،ما وجد طريق إلى تقبل ما يورده إذا كان القياس يعاضده.

قلت:و قد بينا وجه القياس فى هذه القراءة،و قد حان نقلها من طريق صحيح،و باللّه التوفيق:

و قول الناظم رحمه اللّه أبى مزادة الأخفش بفتح الهاء من مزادة:أراد أن يأتى بلفظ الشاعر فأبقى الهاء ساكنة فلقيها سكون اللام فى الأخفش،فلزم تحريكها ففتحها،على حدّ قوله سبحانه:

(الم اَللّهُ) .

********

(1) سورة النساء،آية:155 و المائدة،آية:13.

(2) سورة آل عمران،آية:159.

ص: 466

فى أوّل آل عمران،و لو أبدل الهاء تاء على الأصل و فتحها لكان له وجه،لأنه واصل و شاعرها أبدلها هاء للوقف،و لكن كان يفوت لفظ الحكاية،و كان بعض الشيوخ يجيزوا قراءته بالتاء،و لم نسمعه من الشيخ أبى الحسن رحمه اللّه إلا بالهاء،و اتفق أنى رأيت الشيخ الشاطبى رحمه اللّه فى المنام،و سألته عنه:أ هو بالتاء أو بالهاء،فقال بالهاء،و اللّه أعلم.

675-[و إن يكن أنّث(ك)فؤ صدق و ميتة

(د)نا(ك)افيا و افتح حصاد(ك)ذى(ح)لا]

فتح نون يكن بإلقاء حركة همزة أنث إليها،ثم حذف الهمزة و كسر الدال من حصاد،على حكاية لفظ القرآن،و كفؤ صدق:منصوب على الحال،و كذا كافيا،و كذى حلا،فى موضع الحال،أى كائنا كصاحب حلا،و هو جمع حلية،أراد:

(و إن تك ميتة فهم فيه شركاء (1).

فرفع ميتة على أن كان تامة،أى و إن يوجد فى بطنها ميتة،و تأنيث ميتة غير حقيقى،فلهذا ذكر ابن كثير و من نصب ميتة و أنث تكن فدّر:و إن تكن الأجنة ميتة،و هى قراءة أبى بكر،و قراءة الباقين على و إن يكن ما فى بطونها ميتة،و قول الناظم رحمه اللّه:و ميتة،يعنى بالرفع،و إطلاقه دال على ذلك،و الحصاد بفتح الحاء و كسرها،لغتان،فالفتح قراءة ابن عامر و أبى عمرو،و عاصم،و رمزه فى البيت الآتى،و هو:

676-[(ن)ما و سكون المعز(حصن)و أنّثوا

يكون(ك)ما(ف)ى(د)ينهم ميتة(ك)لا]

أشار بقوله:نما إلى عاصم،و معناه اشتهر و انتشر،من نما المال و غيره ينمى،إذا زاد،و المعز بإسكان العين و فتحها،لغتان:اسم جمع لماعز كتجر و خدم،و من أنث يكون،و رفع ميتة:جعل كان تامة،و من نصب ميتة،و أنث يكون،فعلى ما تقدم فى مثلها،فى:

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ 2) .

بنصب الفتنة،و تأنيث تكن،أنث الفعل لتأنيث الخبر،أو على تقدير إلاّ أن تكون الأنعام،أو الجنة،أو النفس ميتة،و من نصب ميتة،و ذكر يكون قدر إلا أن يكون الموجود ميتة،و كلا:معناه حرس،لأن الرفع مع التأنيث قراء واضحة،بخلاف التأنيث مع النصب،و موضع قوله:إن يكون ميتة نصب على البدل من محرما،كما تقول لا أحد كريما إلا زيدا،أو عمرا،فقوله:

(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ... أَوْ فِسْقاً 3) .

كلها معطوفات على موضع أن يكون ميتة،سواء قرئت صفة بالنصب أو بالرفع،كأنه قال:لا أجد

********

(1) سورة الأنعام،آية:139.

(2) سورة الأنعام،آية:23.

(3) سورة الأنعام،آية:145.

ص: 467

محرما إلا ميتة أو دما أو لحم خنزير أو فسقا،و يجوز على قراءة ميتة بالنصب أن تكون المنصوبات بعدها عطفا عليها،و اللّه أعلم.

677-[و تذّكّرون الكلّ خفّ(ع)لى(ش)ذا

و أنّ اكسروا(ش)رعا و بالخفّ(ك)مّلا]

الكل:يعنى حيث جاء،و التخفيف فى الذال لا فى الكاف،الأصل تتذكرون،فمن خفف حذف التاء الثانية،و من شاد أدغمها فى الذال،و الشذا:بقية القوة:و الشدة،أى خف على قوة من الحجج:

(وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً 1) .

كسرة على لاستئناف،و الفتح على حذف حرف الجر،أى:و لأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه،قال أبو على:من فتح أنّ،فقياس قول سيبويه أنه حملها على فاتبعوه لأنه قال فى قوله:

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (2) - وَ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (3) - وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ 4) .

إن المعنى:لهذا فليعبدوا رب،و لأن هذه أمتكم،و لأن المساجد للّه:

(فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً 4) .

فكذلك قوله:

و ل (أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ 6) .

قال:و من خفف،يعنى و فتح،فإن المخففة فى قوله تتعلق بما تتعلق به المشددة،و موضع هذا رفع بالابتداء و خبره:صراطى،و فى أن ضمير القصة و الحديث،و الفاء فى قوله فاتبعوه:مثل الفاء فى قولك بزيد فامرر، و على قراءة الكسر عاطفة جملة على جملة،و على القول الأول زائدة،و قال الفراء:تفتح إن بوقوع اتل عليها و إن شئت جعلتها خفضا،يريد:

(ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ (6) -و بأنّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ 6) .

و قول الناظم:و بالخف كملا،أى:كملت وجوه القراءة فيها،لأنها ثلاثة،و قد ذكرها،و اللّه أعلم.

678-[و يأتيهم(ش)اف مع النّحل فارقوا

مع الرّوم مدّاه خفيفا و عدّلا]

********

(1) سورة الأنعام،آية:153.

(2) سورة قريش،آية:1.

(3) سورة المؤمنون،آية:52.

(4) سورة الجن،آية:18.

(6) سورة الأنعام،آية:153.

ص: 468

يعنى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ 1) .

هنا و فى النحل،قرأهما بالياء حمزة و الكسائى على التذكير،و الباقون بالتاء،و وجههما ظاهر،لأن تأنيث الجماعة غير حقيقى،و قرأ حمزة و الكسائى أيضا:

(فارقوا دينهم (2).

و فى الروم على وزن:قاتلوا،و الباقون-فرقوا-بتشديد الراء،من التفريق و الأول من المفارقة،و هما متقاربان لأن من فرق دينه فآمن ببعض و كفر ببعض،فقد فارق الدين المأمور به،و اللّه أعلم.

679-[و كسر و فتح خفّ فى قيما ذكا

و يا آتها وجهى مماتى مقبلا]

خف صفة و فتح،أى افتح من غير تشديد،فالقراءة الأخرى بالكسر،و التشديد فى الياء مع فتح القاف و قد تقدم الكلام فى:

(قيّما).

فى سورة النساء،ثم ذكر من ياءات الإضافة ياءين:أحدهما:

(وجهى).

الذى فتحها نافع و ابن عامر و حفص،و الثانية«و مماتى»فتحها نافع وحده،و قول الناظم:مقبلا،حال من محذوف تقديره:خذه مقبلا عليه،و هو اعتراض بين عدد الياءات،و يجوز أن يكون التقدير:أتى ذلك مقبلا و ظاهر الكلام فيه معنى حسن،فإن الوجه معناه:القصد،فكأنه قال:وجهى مماتى،فى حال كون الممات مقبلا إلى الانفكاك لى منه،و اللّه أعلم.

680-[و ربّى صراطى ثمّ إنّى ثلاثة و محياى و الإسكان صحّ تحمّلا]

أراد (رَبِّي إِلى صِراطٍ 3) .

فتحها نافع و أبو عمرو،و (صِراطِي مُسْتَقِيماً 4) .

فتحها ابن عامر وحده،«إنى»فى ثلاثة مواضع:

(إِنِّي أُمِرْتُ 5) .

فتحها نافع وحده:

********

(1) سورة الأنعام،آية:158.

(2) سورة الأنعام،آية:159.

(3) سورة الأنعام،آية:161.

(4) سورة الأنعام،آية:153.

(5) سورة الأنعام،آية:14.

ص: 469

(إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ (1) - إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ 2) .

فتحهما الحرميان و أبو عمرو،و-محياى-أسكنها قالون و ورش بخلاف عنه،فهى ثمان ياءات،ثم أكد صحة الإسكان فى-محياى-من جهة النقل بقوله:و الإسكان صح تحملا،لأن النحاة طعنوا فيه،كما سبق ذكره،و نصب تحملا على التمييز،و إنما قال ذلك لأجل ما قاله أبو عمرو الدانى فى كتاب الإيجاز،قال:أوجه الروايتين و أولاهما بالصحة رواية من روى الإسكان،إذ هو الذى رواه ورش عن نافع دون غيره،و إنما الفتح اختيار من ورش،و قد كان له اختيار يأخذ به،يخالف فيه ما رواه ورش عن نافع دون غيره،و إنما الفتح اختيار من ورش،و قد كان له اختيار يأخذ به،يخالف فيه ما رواه عن نافع،و ربما لم يبينه للقارئ متحملة عنه،على أنه يرويه عن نافع،و قال أبو الأزهر و داود بن أبى طيبة:أمرنى عثمان بن سعيد أن أنصبها مثل مثواى،و زعم أنه أقيس فى النحو،و قال يونس بن عبد الأعلى،قال لى عثمان بن سعيد:و أحب إلىّ أن بنصب-محياى-و يوقف-مماتى-.

قلت:و نعم ما اختاره ورش من فتح ياء-محياى-و قد أتى فى باب ياءات الإضافة تقرير ذلك،و فيها زائدة واحدة:

(وَ قَدْ هَدانِ - وَ لا أَخافُ 3) .

أثبتها فى الوصل أبو عمرو وحده،و انتظمت لى موضع قوله،و الإسكان صح تحملا،فقلت زيدت-قد هدانى-لمن تلا.

********

(1) سورة الأنعام،آية:15.

(2) سورة الأنعام،آية:74.

(3) سورة الأنعام،آية:80.

ص: 470

سورة الأعراف

681-[و تذّكّرون الغيب زد قبل تائه

(ك)ريما و خفّ الذّال(ك)م(ش)رفا(ع)لا]

أى زاد ابن عامر ياء،فقرأ:

(قليلا ما يتذكّرون (1).

و خفف الذال،و الباقون لم يزيدوا هذه الياء الدالة على الغيب،و هم فى تخفيف الذال و تشديدها مختلفون، على ما سبق فى الأنعام،و إنما احتاج إلى إعادة الكلام فى تخفيف الذال هنا لأجل زيادة ابن عامر على تخفيفها، و قد سبق الكلام فى تعليل مثل هذه القراءات،و فى معنى قوله:كم شرفا علا فى سورة النساء،و اللّه أعلم.

682-[مع الزّخرف اعكس تخرجون بفتحة

و ضمّ و أولى الرّوم(ش)افيه(م)ثّلا]

أراد (وَ مِنْها تُخْرَجُونَ. يا بَنِي آدَمَ 2) .

و فى الزخرف:

(بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ 3) .

و الأولى من الروم:

(وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ وَ مِنْ آياتِهِ 4) .

احترز من الثانية،و هى:

(ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ 5) .

فإنهم أجمعوا على أن الفعل فيه مسندا إلى الفاعل،فاختلفوا فى المواضع الثلاثة المذكورة،فقرأها حمزة و الكسائى و ابن ذكوان كذلك مسماة للفاعل،و قرأها غيرهم على بناء الفعل للمفعول،و وجه القراءتين ظاهر، لأنهم أخرجوا فخرجوا،فقوله بفتحة:يعنى فى التاء،و ضم يعنى فى الراء،و لو قال:بفتحة فضم فعطف بالفاء كان أجود من الواو هنا،لأن قراءة الباقين أيضا بضم و فتحة،و الواو لا تقتضى ترتيبا،و إذا قيل ذلك بالفاء بان أن الضم بعد الفتحة،فيفهم أنها على إسناد الفعل إلى الفاعل و فائدة قوله:اعكس،أن يجعل مكان فتحة التاء ضمة،و مكان الضم فتحا،و لو لا قوله:اعكس لجعلت مكان الفتحة كسرة،لأنها ضدها.

********

(1) سورة الأعراف،آية:30.

(2) سورة الأعراف،آية:26 و 27.

(3) سورة الأعراف،آية:11.

(4) سورة الروم،آية:19 و 20.

(5) سورة الروم،آية:25.

ص: 471

683-[بخلف(م)ضى فى الرّوم لا يخرجون(ف)ى

(ر)ضا و لباس الرّفع(ف)ى(حقّ ن)هشلا]

أى عن ابن ذكوان خلاف فى أولى الروم المذكورة،و قوله:مضى رمزه،و لو لم يرمز لكان معلوما،لأن ذكره للخلف مهما أطلقه بعد رمزين أو أكثر رجع إلى آخر رمز،هذه عادته،و لكنه اضطر هنا إلى كلمة يتزن البيت بها،فلو أتى بغير ما فى أوله ميم لأوهم رمزا لغير ابن ذكوان،فكان رمز الميم أولى،و لأن فيه زيادة بيان،و يجوز أن يقال:هذا الموضع لا نظير له،فإن المواضع التى يطلق فيها الخلف بعد رمز متعدد،يكون الخلف فيها راجعا إلى الحرف المرموز له،و هنا رجع الخلف إلى بعض المذكور،و هو موضع واحد من ثلاثة:

فلو قال:بخلف الذى فى الروم،لظن أن الخلف فيه للجميع،و أن الموضعين الآخرين لا خلف فيهما،فأزال الوهم بالرمز،و اللّه أعلم.

ثم قال:-لا يخرجون-يعنى الذى فى الجاثية:

(فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها 1) .

انفرد حمزة و الكسائى عن ابن ذكوان بقراءته بفتح الياء و ضم الراء،و هو مشتبه بالذى فى الحشر:

(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ 2) .

فليس فى فتح يائه خلاف،و قوله:فى رضى،أى كائن فى رضى من قبول العلماء له،و فى ظاهر العبارة أيضا معنى حسن و هو:أن الكفار لا يخرجون مرضيا عنهم،بل يخرجون من عذاب إلى عذاب،أعاذنا اللّه برحمته و القراءتان فى جميع ذلك مثل-يرجعون-و-يرجعون-و أما:

(وَ لِباسُ التَّقْوى 3) .

بالنصب فعطف على ما قبله،قال أبو على:و من رفع قطع اللباس فى الأول،و استأنف به،فجعله مبتدا و قوله:ذلك صفة أو بدل أو عطف بيان،و من قال:إن ذلك لغو:يعنى فصلا لم يكن على قوله دلالة،لأنه يجوز أن يكون على حد ما ذكرنا،و خير خبر اللباس،و المعنى لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به،و أقرب له إلى اللّه تعالى مما خلق له من اللباس و الرياش،الذى يتجمل به،و أضيف اللباس إلى التقوى،كما أضيف إلى الجوع و الخوف فى قوله تعالى:

(فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ 4) .

و قال غير أبى على:و لباس بالرفع خبر مبتدأ،أى و هو لباس التقوى،فيكون و هو ضمير اللباس الموارى للسوأة،سماه لباس التقوى لستره العورة،لأن كشفها محرم ينافى التقوى،و إليه الإشارة بقوله-ذلك خير- أى خير فى نفس الأمر،أى خير من الريش المتجمل به،و الذى يظهر من قراءة النصب أنه استعار التقوى

********

(1) سورة الجاثية،آية:26.

(2) سورة الحشر،آية:12.

(3) سورة الأعراف،آية:26.

(4) سورة النحل،آية:112.

ص: 472

لباسا،كما استعار للجوع و الخوف مجازا،ثم أشار إليه بقوله-ذلك خير-أى مما تقدم،أو المجموع خير فى نفسه،أو خير من عدمه،كما قال سبحانه فى موضع آخر:

(ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ 1) .

و إذا دلتنا قراءة النصب على أن لباس التقوى غير اللباس الموارى للسوأة،فالأولى جعل قراءة الرفع كذلك فيكون مبتدأ،و ذلك إشارة إليه للعلم به و الحث عليه من الشارع فى عدة مواضع،و ما أحسن قول الشاعر:

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا و إن كان كاسيا

و إعراب قول الشاطبى:«و لباس الرفع»كما سبق فى قوله؛و الميتة الخف خولا،فى آل عمران،و قد سبق تفسير قوله:«فى حق نهشلا»فى سورة النساء أى:يتسلى بذلك المنقول من الضعفاء العاجزين عن لباس الزينة فى الدنيا،و اللّه أعلم.

684-[و خالصة(أ)صل و لا يعلمون قل

لشعبة فى الثّانى و يفتح(ش)مللا]

هذا البيت جامع لثلاث مسائل استعمل فيها الرفع و الغيب و التذكير،و هى الأمور التى يستغنى بها لفظا عن القيد.

المسألة الأولى:

(خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ 2) .

القراءة فيها دائرة بين الرفع و النصب،فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلا على أنه أراد الرفع لمن رمز له، و هو نافع وحده،فالباقون بالنصب فوجه الرفع أن يكون-خالصة-خبر المبتدأ الذى-هو«هى»و قوله -للذين آمنوا-متعلق بالخبر،و فى الحياة:معمول آمنوا،أى هى خالصة يوم القيامة للمؤمنين فى الدنيا، و يجوز أن يكون للذين آمنوا خبر المبتدا،و خالصة خبر بعد خبر،و فى الحياة الدنيا معمول الأول،أى استقرت فى الدنيا للمؤمنين،و هى خالصة يوم القيامة،و خالصة بالنصب على الحال،أى:هى للمؤمنين فى الدنيا، على وجه الخلوص يوم القيامة،بخلاف الكافرين،فإنهم و إن نالوها فى الدنيا فما لهم فى الآخرة منها شيء و ذكر أبو على وجوها كثيرة فيما يتعلق به قوله فى الدنيا،قال الشيخ:و معنى قوله:أصل،أنها خلقت للذين آمنوا بطريق الأصالة فى الدنيا و الآخرة،و إنما شاركهم غيرهم فى الدنيا بطريق التبعية.

المسألة الثانية:

(قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَ لكِنْ لا تَعْلَمُونَ 3) .

القراءة فيها دائرة بين الغيب و الخطاب،فكان إطلاقه لها من غير قيد دليلا على أنه أراد الغيب لشعبة وحده و الباقون بالخطاب،و وجه القراءتين ظاهر سبق لهما نظائر،و قوله:فى الثانى،احترز به من قوله تعالى:

********

(1) سورة البقرة،آية:232.

(2) سورة الأعراف،آية:32.

(3) سورة الأعراف،آية:38.

ص: 473

(و أن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون (1).

فإنه بالخطاب من غير خلاف،فإن قلت:هلا قال فى الثالث،فإنّ قبل هذين الموضعين ثالثا،و هو:

(إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ 2) .

و هو أيضا بالخطاب بلا خلاف،قلت:أراد الثانى بعد كلمة خالصة التى ذكر الخلاف فيها،و لم يحتج إلى الاحتراز عما تقدم خالصة،فإن ذلك يعلم أنه لا خلاف فيه،لأنه تعداه،و لو كان فيه خلاف لذكره قبل خالصة،هذا غالب نظمه،و إن كان فى بعض المواضع يقدم حرفا على حرف،على ما يواتيه النظم،و لكن الأصل ما ذكرناه،و نظير ما فعله هنا ما يأتى فى سورة يونس من قوله:و ذاك هو الثانى،يعنى لفظ ننجى بعد نجعل و هو ثالث إن ضممت إليه آخر قبل نجعل على ما سيأتى فى موضعه إن شاء اللّه تعالى،و الدليل على أنه يراعى ترتيب الحروف،و لا يحتاج إلى أن يحترز عن السابق قوله فى سورة المؤمنين:«صلاتهم شاف»،أراد التى بعد أماناتهم و لم يحترز عن قوله:

(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ 3) .

لأنها سبقت ذكر أماناتهم،و هذه مواضع حسنة لطيفة يحتاج من يروم فهم هذا النظم أن ينظر فيها،و لو أنه قال:و خالصة أصل،و شعبة يعلمون بعد«و لكن لا»لما احتاج إلى ذكر ثان و لا ثالث.

المسألة الثالثة:

(لا يفتّح لهم أبواب السّماء (4).

اختلف فيها فى موضعين:أحدهما المذكور فى هذا البيت،و هو التذكير و التأنيث،و كان إطلاق الناظم فى قوله و يفتح«شمالا»دليلا على أنه أراد التذكير لحمزة و الكسائى،و وجه القراءتين ظاهر،لأن تأنيث الأبواب ليس بحقيقى،و قد وقع الفصل بين الفعل و بينها،ثم ذكر الموضع الثانى فقال:

685-[و خفّف(ش)فا(ح)كما و ما الواو دع(كفى

و حيث نعم بالكسر فى العين(ر)تّلا]

أى وافق أبو عمرو حمزة و الكسائى على تخفيف-يفتح لهم-و لم يوافقهما فى التذكير،فصار فيها ثلاث قراءات:التذكير مع التخفيف،و التأنيث مع التخفيف،و قراءة الباقين التأنيث مع التشديد،فالتخفيف من فتح؛و التشديد من فتح،و قد تقدّم نظيرهما،و قوله:و ما الواو دع الواو بالنصب:مفعول دع،أى اترك الواو:أسقطها من قوله تعالى:

(وَ ما كُنّا لِنَهْتَدِيَ 5) .

قرأها ابن عامر كذلك،لأن الواو لم ترسم فى مصحف الشام،و هو نظير قراءته فى سورة البقرة:

********

(1) سورة الأعراف،آية:33.

(2) سورة الأعراف،آية:28.

(3) سورة المؤمنون،آية:2.

(4) سورة الأعراف،آية:40.

(5) سورة الأعراف،آية:43.

ص: 474

(قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ 1) .

و الباقون بالواو فيهما،على ما رسم فى مصاحفهم،و وجه إثبات الواو فائدة العطف و سقوطها الاستئناف أو الاستغناء عنها،و إليه الإشارة بقوله:كفى؛قال أبو على كأن الجملة ملتبسة بما قبلها،فأغنى القياس به عن حرف العطف،قبل:و مثل ذلك قوله تعالى:

(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ 2) .

فاستغنى عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى،و نعم:بفتح العين و كسرها،لغتان، و هو حرف مستعمل تارة عدة و تارة تصديقا،و قوله:و حيث نعم،أى و حيث هذا اللفظ موجود فى القرآن، ففيه هذا الخلاف،و اللّه أعلم.

686-[و أن لعنة التّخفيف و الرّفع(ن)صّه

(سما)ما خلا البزّى و فى النّور(أ)وصلا]

يريد (أَنْ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ 3) .

و تخفيفه فى نون أن و الرفع فى آخر-لعنة-لأنه إذا خففت أن بطل عملها و ارتفع ما بعدها بالابتداء و الخبر و أضمر بعد أن ضمير الشأن،و قرأ نافع وحده بمثل هذا فى سورة النور فى قوله سبحانه:

(أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ 4) .

و كذلك يقرأ أيضا:

(أَنَّ غَضَبَ اللّهِ 4) .

على ما سيأتى فى مكانه،و قراءة الباقين ظاهرة فى المواضع الثلاثة بتشديد أنّ و نصب ما بعدها على أنه اسمها و أسكن«يا»البرى و خففها ضرورة،و اللّه أعلم.

687-[و يغشى بها و الرّعد ثقّل(صحبة)

و الشّمس مع عطف الثّلاثة كمّلا]

يريد (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ 6) .

بهذه السورة و بالرعد،التخفيف فيها،و التشديد لغتان،و يقال أغشى و غشّى مثل:أنزل و نزل،و أما (وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ 7) .

قرئت الأربعة بالرفع،و النصب أما لرفع فعلى الابتداء،و الخبر مسخرات،و أما النصب فعلى تقدير:

********

(1) سورة الكهف،آية:4.

(2) سورة الكهف،آية:22.

(3) سورة الأعراف،آية:44.

(4) سورة النور،آية:7 و 9.

(6) سورة الأعراف،آية:7.

(7) سورة النحل،آية:12.

ص: 475

و خلق الشمس و القمر و النجوم مسخرات،فيكون نصب مسخرات على الحال،أو يكون على إضمار جعل، فيكون مسخرات مفعولا به،فقوله:-و الشمس-أدخلا واو العطف الفاصلة على واو التلاوة،و أطلق لفظ الشمس و لم يقيد حركتها ليعلم أنها رفع،ثم قال:مع عطف الثلاثة،يعنى بالثلاثة-و القمر و النجوم مسخرات- و هذه الثلاثة منها اثنان معطوفا،و الثالث و هو-مسخرات-ليس معطوفا،لكنه فى حيز ما عطف،فأعطاه حكمه،فلهذا قال:مع عطف الثلاثة،أى مع الثلاثة المتصفة بالعطف،فهو من باب:سحق عمامة،أى عمامة موصوفة بأنها سحق،أى ذات سحق،بمعنى بالية،فكذا هذه الثلاثة موصوفة بأنها ذات عطف،أى معطوفا و قوله كمل الرفع فى الأربعة،و الفاعل هو القارئ،أو هذا للفظ لأن التكميل فيه كما سبق فى خاطب.

688-[و فى النّحل معه فى الأخيرين حفصهم

و نشرا سكون الضّمّ فى الكلّ(ذ)لّلا]

معه:أى مع ابن عامر فى رفع الأخيرين حفص،أى وافقه على رفع-النجوم مسخرات-فى سورة النحل و لم يوافقه على رفع-و الشمس و القمر-فى النحل،و لا على رفع الأربعة هنا،فى عبارة الناظم نظر،و ذلك أنها لا تخلو من تقديرين،و كلاهما مشكل:أحدهما أن يكون تقدير الكلام:حفص و ابن عامر على الرفع فى الأخيرين فى النحل،فهذا صحيح،و لكن لا يبقى فى نظمه دلالة على أن ابن عامر يرفع الأولين فى النحل، لأن لفظه فى البيت الأول،لم يأت فيه بما يدل على الموضعين،و لفظه فى هذا البيت لم يتناول إلا الأخيرين، و التقدير الثانى أن يكون فى النحل متعلقا بالبيت الأول،كأنه قال يرفع هذه الأربعة هنا و فى النحل،ثم ابتدأ و قال معه فى الأخيرين حفص،و هذا و إن كان محصلا لعموم رفع الأربعة فى الموضعين لابن عامر،فلا يبقى فى اللفظ دلالة على أن حفصا لم يوافقه لا على رفع الأخيرين فى النحل فقط،بل يبقى ظاهر الكلام أن حفصا موافقة على رفع الأخيرين فى الموضعين،فلو قال:و فى النحل حفص معه،ثم فى الأخيرين نشرا الى آخر البيت لاتضح المعنى بقوله ثم لدلالته على تخصيص موافقة حفص بما فى النحل فقط،و الذى فى النحل هو:

(وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ،وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ 1) .

فرفع الأربعة ظاهر على ما سبق،و رفع الأخيرين على الابتداء و الخبر،و الشمس و القمر نصبهما على ما توجه به نصب الأربعة،و ذلك بفعل مضمر،و هو و خلق الشمس،أو و جعل الشمس و ما بعدها،فيكون مسخرات حالا أو مفعول به؛كما مضى،أو يقدر هذا الفعل قبل و النجوم،و يكون الشمس و القمر معطوفين على الليل و النهار،و انما لم نقل ذلك فى و النجوم مسخرات،لأن الفعل الناصب هو:سخر فيصير المعنى؛ و سخر النجوم مسخرات،و هذا غير مستقيم،و يجوز أن يكون المعنى و نتعلم هذه الأشياء فى حال كونها مسخرات لما خلقن له،أو يكون مسخرات بمعنى تسخيرات،فيكون مصدرا،أى سخرها أنواعا من التسخير،كقوله سرحه مسرحا،و وقع فى تفسير الواحدى خلل فى نقل قراءة حفص فى النحل:فقال و قرأ حفص مسخرات بالرفع وحدها،و جعلها خبر مبتدإ محذوف،كأنه قال هى مسخرات،و أما نشرا من قوله تعالى:

********

(1) سورة النحل،آية:12.

ص: 476

(و هو الّذى يرسل الرّياح نشرا (1).

و حيث تاء،فأسكن شيئا مدلول ذللا،و معنى ذلك سهل و قرب،و قوله و مكان الضم مبتدأ ثان، و قامت الألف و اللام فى الكلمة مقام الضمير العائد على المبتدإ الأول،أى في كله أى فى جميع مواضعه، ثم قال:

689-[و فى النّون فتح الضمّ(ش)اف و عاصم

روى نونه بالباء نقطة اسفلا]

قرأ حمزة و الكسائى بفتح النون و سكون الشين،على أنها مصدر فى موضع الحال،أو مؤكدا أى ذات نشر أو ننشرها أى نحييها،فنشرت نشرا أى حييت،من أنشر اللّه الموتى فنشرها،و أقام قوله يرسل الريح مقام ينشرها،قال أبو زيد أنشر اللّه الريح إنشارا إذا بعثها،و قراءة نافع و ابن كثير و أبى عمرو نشرا بضم النون و الشين جمع نشور،أو نشر،و هى الريح الحية،و قراءة ابن عامر على تخفيف هذا القراءة،بضم النون و إسكان الشين،و قراءة عاصم-بشرا-بباء مضمومة،و إسكان الشين جمع بشير من قوله تعالى:

(يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ 2) .

أى تبشر بالمطر و الرحمة،و قد مضى إعراب لفظ:نقطة أسفلا،و فى سورة البقرة أى لها نقطة أسفلها، قيدها بذلك خوفا من التصحيف،و اللّه أعلم.

690-[و را من إله غيره خفض رفعه

بكلّ(ر)سا و الخفّ أبلغكم(ح)لا]

مجموع قوله-من إله غيره-فى موضع خفض بإضافة راء إليه،أى وراء هذا اللفظ،حيث الباء خفض رفعها رسا،أى ثبت و وجه الخفض أنه صفة إله لفظا،و الرفع صفة له معنى،لأن التقدير:ما لكم إله غيره، و من زائد و أبلغ و بلغ لغتان،كأغشى و غشى،و القراءة بهما هنا فى موضعين،و فى الأحقاف،فقول الناظم و الخف:مبتدأ،و خبر حلا.و أبلغكم منصوب بالمبتدإ،لأنه مصدر،كأنه قال:و تخفيف أبلغكم حلا،فأقام الخف مقام التخفيف،فلما أدخل عليه لام التعريف نصب المضاف إليه مفعولا به،و كان التخفيف مضافا إلى المفعول،كما تقول:ضرب زيد حسن؛ثم تقول:الضرب زيد أحسن،و منه قول الشاعر:

كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا

و الأصل عن ضرب مسمع،و اللّه أعلم.

691-[مع احقافها و الواو زد بعد مفسدي

ن(ك)فؤا و بالإخبار إنّكمو(ع)لا]

أى مع كلمة أحقافها،و هى:

********

(1) سورة الأعراف،الآية:57.

(2) سورة الروم،الآية:46.

ص: 477

(وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ،وَ لكِنِّي 1) .

و الهاء عائدة على سور القرآن،للعلم بها،ثم قال:و زد واوا،بعد قوله مفسدين،يريد قوله تعالى فى قصة صالح:

(وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (2) - وَ قالَ الْمَلَأُ 3) .

رسمت الواو فى مصحف الشام دون غيره،فقرأها ابن عامر كذلك،و حذفها الباقون،كما أنه حذف واو (وَ ما كُنّا لِنَهْتَدِيَ) .

و أثبتها الباقون،و كفرا:حال من فاعل زد،أو من الواو،أى إثباتها مكافئ لحذفها،إذ المعنى فيهما واحد،قوله:و بالإخبار،متعلق بعلا،أى أئنكم علا و ارتفع بقراءته على الخبر،أى بهمزة واحدة فى قوله (أ ئنّكم لتأتون الفاحشة (4).

أخبر عنهم بما كانوا عليه توبيخا لهم،و قرأه الباقون بزيادة همزة الاستفهام الذى بمعنى الإنكار،و هم على أصولهم فى تحقيق الثانية و تسهيلها،و المد بين الهمزتين،و ترك المد،و الذى قرأ بالإخبار حفص و نافع،و قد رمز له فى أوّل البيت الآتى.

فإن قلت:من أين يتعين أن الاستفهام ضد الإخبار حتى تعلم منه قراءة الباقين،و إنما هما قسمان من أقسام الكلام،و الأمر و النهى و التمنى و الترجى كذلك.

قلت:قد نطق بلفظ الاستفهام فى قوله أئنكم علا،فأغنى عن أحد الضدين:الإخبار؛و كأنه قال:

يقرأ هذا اللفظ على الخبر،فيعلم أن قراءة الباقين بهذا اللفظ،و يجوز أن يندرج ذلك تحت الإثبات و الحذف، فالإخبار حذف لهمزة لاستفهام،و ضد إثباتها،و اللّه أعلم.

692-[(أ)لا و(ع)لى ال(حرمىّ)إنّ لنا هنا

و أو أمن الإسكان(حرميّ)ه(ك)لا]

ألا من تتمة رمز ما سبق،و على فى قوله:و على الحرمى:فعل ماض ارتفع به الحرمى،و ألا:حرف تنبيه،أخبر بعد بأن قراءة الحرميين:

(إِنَّ لَنا لَأَجْراً 5) .

بالإخبار قد علمت،و لو كان على حرف جر لكان له معنى مستقيم أيضا،أى على الحرميين قراءة-إن لنا- بالإخبار،و الواو فى:و على،للفصل،و العين رمز حفص،لأن الواو زائدة على الكلمة،فكأنه قال:

و حفص بخلاف العين فى قوله:وعى نفر،فإنها متوسطة،و سيأتى لهذا نظائر،و كم صحبة يا كاف،و دون

********

(1) سورة الأحقاف،الآية:23.

(2) سورة الأعراف،الآية:74.

(3) سورة العنكبوت،الآية:28.

(4) سورة الأعراف،الآية:113.

(5) سورة الشعراء،الآية:43.

ص: 478

عناد عم،و حكم صحاب قصر همزة جاءنا و قد سبق فى شرح الخطبة الكلام على هذا،و قوله:هنا،احترازا من الذى فى الشعراء،فإنه بالاستفهام اتفاقا،كقراءة الباقين هنا،و أما:

(أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى 1) .

ففي واوه الإسكان و الفتح،فالإسكان على أنها حرف أو،أى أ فأمنوا هذا أو هذا،و قراءة الجماعة على أنها واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام،و هو استفهام بمعنى النفى،و قوله:الإسكان:مبتدأ ثان، و العائد إلى الأول محذوف،أى الإسكان فيه،و معنى كلا:حفظ و حرس،و اللّه أعلم.

693-[علىّ على(خ)صّوا و فى ساحر بها

و يونس سحّار(ش)فا و تسلسلا]

أى خصوا علىّ موضع على،فى قوله تعالى:

(حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ 2) .

فقراءة نافع واضحة،أى واجب على قول الحق،و أن لا أقول على اللّه غيره،و على فى قراءة الجماعة متعلقة برسول،و حقيق صفته أى انى رسول على هذه الصفة،و هى أنى لا أقول إلا الحق،و حقيق بمعنى حق أى أنا رسول حقيقة،و رسالتى موصوفة بقول الحق،قال ابن مقسم:حقيق من نعت الرسول؛أى رسول حقيق من رب العالمين أرسلت،على أن لا أقول على اللّه إلا الحق،و هذا معنى صحيح واضح،و غفل أكثر المفسرين من أرباب اللغة عن تعلق حرف على برسول،و لم يخطر لهم تعلقه إلا بقوله:حقيق،فقال الأخفش و الفراء على بمعنى الباء،أى حقيق بأن لا أقول إلا الحق،كما جاءت الباء بمعنى على فى:

(وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ 3) .

و تبعهما الأكثرون على ذلك،و ذكر الزمخشرى أربعة أوجه أخر.

أحدها:أن يكون من المقلوب لا من الإلباس،كقوله:

و تشقى الرماح بالضياطرة الحمر

و معناه:و تشقى الضياطرة بالرماح يعنى،فتكون بمعنى قراءة نافع،أى قول الحق حقيق على،فقلب اللفظ،فصار أنا حقيق على قول الحق،قال:

و الثانى:أن ما لزمك فقد لزمته،فلما كان قول الحق حقيقا عليه،كان هو حقيقا على قول الحق،أى لازما له.

و الثالث:أن تضمن حقيق معنى حريص،كما ضمن هيجنى:معنى ذكرنى فى بيت الكتاب:يعنى قوله:

إذا تغنى الحمام الورق هيجنى و لو تغربت عنها:أمّ عمار

********

(1) سورة الأعراف،الآية:98.

(2) سورة الأعراف،الآية:105.

(3) سورة الأعراف،الآية:86.

ص: 479

نصب أم عمار بهيجنى،لأنه استعمله بمعنى ذكرنى.

قال:و الرابع:أن يغرق موسى صلّى اللّه عليه و سلم فى وصف نفسه بالصدق،أى أنا حقيق على قول الحق،أى واجب على أن أكون أنا قائله،و القائم به،و كل هذه وجوه متعسفة،و ليس المعنى إلا على ما ذكرته أولا،و قراءة حمزة و الكسائى:

(يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحّارٍ عَلِيمٍ 1) .

و الباقون-بكل ساحر-و كذا فى يونس:

(وَ قالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ 2) .

و لا خلاف فى الذى فى الشعراء أنه سحّار بألف بعد الحاء،كما قرأ حمزة و الكسائى فى الأعراف و يونس و ساحر و سحار مثل عالم و علاّم،و فى التشديد مبالغة،و تقدير نظم البيت و سحار شفا فى موضع ساحر فى الأعراف و يونس،و المتسلسل الماء الذى يجرى فى الحلق سائغا سهل الدخول فيه،يشير إلى الميل إليه لموافقته لفظ ما أجمع عليه فى الشعراء.

694-[و فى الكلّ تلقف خفّ حفص و ضمّ فى

سنقتل و اكسر ضمّه متثقّلا]

لفظ فى هذا البيت بقراءة حفص،و لفظ بقراءة الجماعة فى البقرة عند:ذكر تاءات البزى،و يروى:

ثلاثا فى تلقف،و التخفيف و التشديد فى القاف،و يلزم التخفيف سكون اللام و التشديد فتحها،و لم ينبه عليه للعلم به من لفظه،و قد سبق له نظائر،و قوله:و فى الكل يعنى:هنا تلقف،و فى طه و الشعراء،فقراءة حفص من:لقف يلقف،كعلم يعلم،و قراءة الباقين أصلها:تتلقف:فحذفت التاء الثانية تخفيفا،كقوله تعالى:

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها 3) .

و تقدير النظم:و تلقف مخفف حفص فى الكل،و أما:

(سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) .

فالضم فى النون،و كسر الضم مع التشديد فى التاء،و متثقلا:حال من المكسور،و هو الضم الذى بمعنى المضموم،ثم تمم الكلام فى ذلك فقال:

695-[و حرّك(ذ)كا(ح)سن و فى يقتلون(خ)ذ

معا يعرشون الكسر ضمّ(ك)ذى(ص)لا]

أى:حرك القاف بالفتح،فيصير مستقبل قتل بتشديد التاء،و القراءة الأخرى مستقبل قتل بتخفيف

********

(1) سورة الشعراء،الآية:37.

(2) سورة يونس،الآية:79.

(3) سورة القدر،الآية:5.

ص: 480

التاء،و هما ظاهرتان،و فى التشديد معنى التكثير،و ذكا بضم الذال و المد:اسم الشمس،و قصره ضرورة أى هى ذكا حسن،يعنى القراءة:أى حرك مشبها شمس حسن،ثم قال:و فى يقتلون خذ:أى فيه بما قيد به فى سنقتل،يعنى:

(يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ 1) .

لم يخففه غير نافع،و أما سنقتل فخففه نافع و ابن كثير،ثم قال:معا يعرشون،يعنى:هنا و فى النحل، ضم الراء و كسرها لغتان،و قوله:كذى صلا،أى كصاحب صلا،و الصلاء بالمد:ذكا النار بالقصر، و استعارها،و ذلك يستعار للتعبير به عن الذكاء الممدود،و هو الفطنة،أى ضم الكسر فيه مشبها ذلك، و اللّه أعلم.

696-[و فى يعكفون الضّمّ يكسر(ش)افيا

و أنجى بحذف الياء و النّون(ك)فّلا]

ضم الكاف و كسرها لغتان،و قرأ ابن عامر:

(و إذ أنجاكم من آل فرعون (2)-و الباقون-أنجيناكم)و كلاهما ظاهر.

697-[و دكّاء لا تنوين و امدده هامزا

(ش)فا و عن الكوفىّ فى الكهف وصّلا]

الدكاء بالمد:الرابية الناشرة من الأرض،كالدكة،أى جعله كذلك،يعنى الجبل،هاهنا و السد فى الكهف، أو جعله أرضا مستوية،و منه:ناقة دكاء:للمستوية السنام،و دكا بالقصر و التنوين فى قراءة الجماعة مصدر، بمعنى مدكوكا،أو مندكا،أى مندقا،و المعنى دكه دكا:مثل قعد جلوسا،و مرفوع وصلا،ضمير عائد على دكا الممدود،غير المنون أى:وصل إلينا نقله عن الكوفيين فى حرف الكهف،و اللّه أعلم.

698-[و جمع رسالاتى(ح)مته(ذ)كوره

و فى الرّشد حرّك و افتح الضّمّ(ش)لشلا]

يريد قوله تعالى:

(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي 3) .

و قد سبق الكلام فى إفراد رسالة و جمعها فى سورة المائدة و الأنعام و ذكوره بمعنى سيوفه،يشير بذلك إلى حجج القراءة و عدالة من نقلها،و الرشد و الرشد:لغتان كالبخل و البخل،و قيل الرشد بالضم:الصلاح،و بالفتح الدين و لهذا أجمع على ضم-فإن آنستم منهم رشدا-و على فتح-فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا-أى حرك الشين بالفتح و افتح ضم الراء فى حال خفته.

********

(1) سورة الأعراف،الآية:141.

(2) سورة الأعراف،الآية:141.

(3) سورة الأعراف،الآية:144.

ص: 481

699-[و فى الكهف(ح)سناه و ضمّ حليّهم

بكسر(ش)فا واف و الاتباع ذو حلا]

أى و فتح الذى فى الكهف أبو عمرو وحده و هو قوله تعالى-على أن تعلمن مما علمت رشدا-و ضمه الباقون و قبل هذا الحرف فى الكهف موضعان لا خلاف فى فتحهما و هما-و هيئ لنا من أمرنا رشدا-و قل عسى أن يهدين ربى لأقرب من هذا رشدا-و ذلك لموازنة رءوس الآى قبلهما و بعدهما نحو-عجبا-عددا-أحدا-و أما وجه الإسكان فى الثالث المختلف فيه فلأن قبله-علما-و بعده-صبرا-فرشدا بالضم و الإسكان يوافقه،فاتفق أن اللفظ المختلف فيه فى الصورتين هو واقع فى قضية موسى عليه السلام و لعل الناظم أشار بقوله«حسناه»إلى حسن القراءتين و هو مصدر على فعلى كحسنى أو هو تثنية حسن،أى حسنا هذا اللفظ،و حسناه قراءتاه،و حلى جمع حلى:الأصل ضم الحاء و من كسرها أتبعها كسرة اللام فلهذا قال!و الاتباع ذو حلا تعليلا لهذه القراءة أى الإتباع معروف فى لغة العرب مستحسن عندهم،و ليس قوله ذو حلا برمز،فإن رمز قراءة الكسر فى قوله شفا،و الاتباع هى بكسر الحاء و هو يوهم أنه رمز لقراءة أخرى فى بادئ الرأى،فلو كان حذفه و قيد موضع الخلاف فى الكهف كان أولى فيقول:

و فى ثالث فى الكهف حز و حليهم بكسر لضم الحاء الاتباع شمللا و اللّه أعلم.

700-[و خاطب يرحمنا و يغفر لنا(ش)ذا

و با ربّنا رفّع لغيرهما انجلا]

أى مشبها شذا،أو ذا شذا و هو العود؛لأنهما قرءا على الخطاب و نصبا ربنا على حذف حرف النداء و قراءة الباقين على الغيب و إسناد الفعلين إلى ربنا،فلهذا رفع على الفاعلية.

701-[و ميم ابن أمّ اكسر معا(كفؤ)(صحبة)

و آصارهم بالجمع و المدّ(ك)لّلا]

معا يعنى:هنا ونى طه،و فتح الميم و كسرها لغتان،و إفراد الإصر و جمعه مضت نظائره،و هو الثقل من التكاليف و غيرها،و كفؤا:حال من فاعل اكسر،أو مفعوله،و قد مضى فى النساء معنى كللا.

702-[خطيئاتكم وحده عنه و رفعه

(ك)ما(أ)لّفوا و الضّمير بالكسر عدّلا]

عنه أى عن ابن عامر،و رفع التاء له و لنافع لأنهما قرءا يغفر:بإسناد الفعل إلى المفعول،فلزم رفع خطيئتكم لابن عامر،و خطيئاتكم لنافع،و إنما كسر الباقون التاء علامة للنصب فى-خطيئاتكم-لأنهم يقرءون نغفر،بإسناد الفعل إلى الفاعل،فخطيئاتكم مفعوله،و أبو عمرو قرأ خطايا،على جمع التكسير:فموضعها نصب،و معنى ألفوا:أجمعوا.

703-[و لكن خطايا(ح)جّ فيها و نوحها

و معذرة رفع سوى حفصهم تلا]

ص: 482

أى:و قرأ أبو عمرو فى هذه السورة،و فى سورة نوح-خطايا-على وزن مطايا،و الذى فى نوح:

(ممّا خطاياهم أغرقوا (1).

و قرأ الباقون بجمع السلامة-مما خطيئاتهم-و هو مشكل،إذ لقائل أن يقول:من أين يعلم ذلك،فلعل الباقين قرءوا بالإفراد،أو بعضهم بجمع السلامة و بعضهم بالإفراد،كما قرءوا فى الأعراف،فلو أنه قال:

بعد قوله:و الغير بالكسر عدلا*كنوح خطايا فيهما حج وحده*أى كحرف نوح،و أبو عمرو يقرأ فيهما، أى فى الأعراف و نوح:خطايا،لم يبق مشكلا،و لعله اجتزأ عن ذلك بقوله أولا«خطيئاتكم وحده»عنه فكأنه قال:و هذا اللفظ قرأه أبو عمرو هنا و فى نوح خطايا،فبقى الباقون فى السورتين على ما لفظ به،و هو خطيئاتكم.

فإن قلت:هلا قال:و الغير بالخفض أو بالجر،لأنها حركة إعراب لا بناء؟.

قلت:هذه العبارة جيدة فى حرف نوح،لأنه مجرور،و أما الذى فى الأعراف فمنصوب،و علامة نصبه الكسرة،فعدل إلى لفظ الكسر،لأنه يشمل الموضعين،و اللّه أعلم.

و أما (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ 2) .

فهو بالرفع:خبر مبتدإ محذوف،و بالنصب مصدر،أو مفعول له،و قال سيبويه بعد قوله:فقالت حنان ما أتى بك هاهنا،و مثله فى أنه،على الابتداء،و ليس على فعل قوله تعالى- قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ -لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليسوا عليه،و لكنهم قيل لهم-لم تعظون قوما-فقالوا-معذرة- أى موعظتنا معذرة إلى ربكم-قال:و لو قال رجل لرجل:معذرة إلى اللّه و إليك من كذا و كذا لنصب،و اللّه أعلم.

704-[و بيس بياء(أ)مّ و الهمز(ك)هفه

و مثل رئيس غير هذين عوّلا]

أراد (بِعَذابٍ بَئِيسٍ 3) .

و معنى أمّ:قصد،فقرأه نافع بتسهيل قراءة ابن عامر،و قراءة ابن عامر بهمزة ساكنة محققة من بئس،كحدر كما يقال كبد فى كبد،و قراءة غيرهما على وزن فعيل ظاهرة،و الكل صفة عذاب،و معناه الشدّة من قولهم:

بؤس الرجل يبؤس بأسا،إذا كان شديد البأس،فعذاب بئيس:مثل عذاب شديد،و يجوز أن يكون وصفا بالمصدر من البأساء،يقال:بئس يبأس بؤسا و بئسا و بأسا،و قال أبو على[فى قراءة نافع]بيس،فجعل بئس الذى هو فعل اسما،فوصف به مثل:

«إنّ اللّه ينهى عن قيل و قال».

و قوله:عول،ليس برمز،لأنه صرح بالقارئ فى قوله:غير هذين،و عولا:خبر غير هذين،أى عول عليه،أى على مثل رئيس،فقرأ به،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة نوح،آية:25.

(2) سورة الأعراف،آية:164.

(3) سورة الأعراف،آية:165.

ص: 483

705-[و بيئس اسكن بين فتحين(ص)ادقا

بخلف و خفّف يمسكون(ص)فا و لا]

ألفى همزة اسكن على تنوين بئيس،فانفتح و حذفت الهمزة،أى أسكن الياء بين فتح الباء و فتح الهمزة، و لو قال:و بيس:الياء بين فتحتين،كأن الأولى،لئلا يقرأ بهمزة ساكنة بين الباء و الياء،على وزن فعيل و كان يستفاد سكون الياء من لفظه بالحرف،أى:قرأه أبو بكر على وزن فيعل،و هو صفة أيضا كضيغم، و الوجه الآخر لأبى بكر مثل الجماعة،فهم ذلك من قوله:غير هذين،و أمسك و مسّك:لغتان وصفا بالتنوين؟؟؟،أى قويا،و ولاء:متابعة،و هو تمييز من معناه،أى قويا متابعته،أو حال بعد حال،أى ذا متابعة،و يجوز أن يكون صفا بلا تنوين فعلا ماضيا،و فى و لا:الوجهان،و يجوز أن يكون صفا:بلا تنوين مضافا إلى:و لا،أى قوى متابعته،و يجوز أن يكون مقصورا من الممدود،و اللّه أعلم.

706-[و يقصر ذرّيّات مع فتح تائه

و فى الطّور فى الثّانى(ظ)هير تحمّلا]

يريد(و إذ أخذ ربّك من بنى آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم (1).

قصره الكوفيون و ابن كثير،أى حذفوا ألفه فصار مفردا بعد أن كان جمعا،فلزم فتح الياء لأنه مفعول به و إنما كانت مكسورة فى قراءة الباقين بالجمع،لأن الكسر هو علامة النصب فى جمع المؤنث السالم و قال:فتح تائه و لم يقل نصب،لما سبق تقريره فى رسالته فى سورة المائدة،و الثانى فى الطور هو:

(ألحقنا بهم ذرّيّاتهم).

الخلاف فى الموضعين واحد،و كلتا القراءتين ظاهرة ثم قال:

707-[و ياسين(د)م(غ)صنا و يكسر رفع أو

ول الطّور للبصرى و بالمدّ(ك)م(ح)لا]

زاد معهم أبو عمرو فى إفراد الذى فى يس،و هو:

(أنّا حملنا ذرّيّتهم (2).

و معنى:دم غصنا،أى مشبها غصنا فى الانتفاع بظله و ثمره،و كنى بذلك عن تعليم العلم،و أول الظهور هو:

(وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) .

قصره أيضا ابن كثير و الكوفيون،كما فعلوا بالثانى،لكن تاء الأول مرفوعة،لأنه فاعل،و أبو عمرو

********

(1) سورة الأعراف،آية:172.

(2) سورة يس،آية:41.

ص: 484

و ابن عامر:جمعاهما،و هو معنى قوله:و بالمد كم حلا،فتاء الثانى مكسورة لهما،لأنه مفعول،و تاء الأول مضمومة لابن عامر،لأنه فاعل،و مكسورة لأبى عمرو،لأنه مفعول،لأنه يقرأ:

(و أتبعناهم ذرّيّاتهم).

مع ما يأتى فى سورة.

فإن قلت:لم قال:و بكسر،و لم يقل:و يخفض،و هى حركة إعراب؟.

قلت:لأنه نصب علامته الكسرة.

فإن قلت:هلا قال:و بنصب؟.

قلت:لما كان المألوف من علامة النصب إنما هو الفتحة خاف على من لا يعرف النحو أن يفتح التاء فى جمع المؤنث السالم،فعدل إلى التعبير بعلامة النصب هنا،و هى الكسرة لهذا المعنى،و هو حسن.

708-[يقولوا معا غيب(ح)ميد و حيث يل

حدون بفتح الضمّ و الكسر(ف)صّلا]

يريد (شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا 1) .

-و بعده-أو يقولوا-الغيب.حميد لأنه قبله ما يرجع إليه،و الخطاب على الالتفات،و لحد و ألحد لغتان و هو فى ثلاث سور،هنا:

(وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ 2) .

و فى النحل:

(لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ 3) .

و فى فصلت:

(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا 4) .

ثم ذكر أن الكسائى وافق حمزة فى حرف النحل،فقال.

709-[و فى النّحل والاه الكسائى و جزمهم

يذرهم(ش)فا و الياء(غ)صن تهدّلا]

والاه:أى تابع حمزة،و الجزم و الرفع فى:

(يذرهم فى طغيانهم (5).

********

(1) سورة الأعراف،آية:173.

(2) سورة الأعراف،آية:180.

(3) سورة النحل،آية:103.

(4) سورة فصلت،آية:40.

(5) سورة الأعراف،آية:186.

ص: 485

تقدم مثله فى البقرة:

(وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ 1) .

و الياء للّه،و النون للعظمة،و يقال:تهدل الغصن،أى استرخى لكثرة ثمرته،فقراءة حمزة و الكسائى بالياء و الجزم،و قراءة عاصم و أبى عمرو بالياء،و الرفع:و الباقون بالنون و الرفع.

710-[و حرّك و ضمّ الكسر و امدده هامزا

و لا نون شركا(ع)ن(ش)ذا(نفر)ملا]

شركا مفعول،و حرك و لا نون:يعنى لا تنوين فيه،و ضم الكسر يعنى فى الشين،و التحريك عبارة عن فتح الراء،فيصير شركاء:جمع شريك،على وزن كرماء،و شركا على تقدير ذا شرك،و يجوز أن يكون سمى الشريك شركاء على المبالغة،و قوله عن شذا متعلق بمحذوف،أى آخذا ذلك،و الشذا يجوز أن يكون بمعنى بقية النفس،أى:خذه عن بقية نفر ملا،أى ثقاة،و يجوز أن يكون عبارة عن الطيب،و كنى به عن العلم أى آخذا ذلك عن علم نفر هذه صفتهم،و عبر عن العلم بالشذا؛لأن العلم طيّب العلماء،و اللّه أعلم.

711-[و لا يتبعوكم خفّ مع فتح بائه

و يتبعهم فى الظّلّة(ا)حتلّ و اعتلا]

يريد (وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ 2) .

التخفيف من تبع،مثل علم،و التشديد من اتبع مثل اتسق،و الظلّة هى:سورة الشعراء:فى آخرها (وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ) .

التخفيف فى الموضعين لنافع وحده،و كذلك و يتبعهم فى الظلة،و قوله احتل:أى حمل ذلك فى هاتين الكلمتين،و هو تخفيف التاء بإسكانها و فتح الباء،و اعتلا:ارتفع،و اللّه أعلم.

712-[و قل طائف طيف(ر)ضى(حقّ)ه و يا

يمدّون فاضمم و اكسر الضّمّ(أ)عدلا]

قل هنا بمعنى:اقرأ،أى اقرأ هذه الكلمة التى هى طائف اقرأها طيف للكسائى و أبى عمرو و ابن كثير، يريد قوله تعالى:

(إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ 3) .

قال أبو عبيدة-طيف من الشيطان-أى يلم به لما قالوا أبو زيد:طاف الخيال يطيف طيفا-و طاف الرجل يطوف طوفا إذا أقبل و أدبر،فمن قرأ-طائف-كان اسم فاعل من أحد هذين،و من قرأ-طيف-

********

(1) سورة البقرة،آية:271.

(2) سورة الأعراف،آية:183.

(3) سورة الأعراف،آية:201.

ص: 486

فهو مصدر أو تخفيف طيف كميت،و يكون طيف بمعنى:طائف،يحتمل الوجهين،و قال أبو على:الطيف مصدر،فكان المعنى:إذا مسهم و خطر لهم خطرة من الشيطان تذكروا،قال:و يكون طائف بمعناه،مثل العاقبة و العافية،و يجوز ذلك مما جاء المصدر فيه على فاعل و فاعلة،و الطيف أكثر،لأن المصدر على هذا الوزن أكثر منه على وزن فاعل،فالطيف كالخطرة،و الطائف كالخاطر،و قوله رضى حقه،أى حقه رضى،أى مرضى،و أما:

(وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ 1) .

فقراءة الجماعة من مدّ،مثل شدّ،لأنه هو المستعمل فى المكروه،نحو.

(وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ (2) - وَ نَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا 3) .

و قراءة نافع وحده من أمد،مثل أعد،و هو أكثر ما يستعمل فى المحبوب،نحو:

(وَ أَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ (4) -أ تمدّوننى بمال (5)- وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ (6) - أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ (7) - أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ 8) .

قال أبو على:فوجهه هاهنا أنه بمنزلة قوله تعالى:

(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (9) -و قوله- فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى 10) .

و قيل مدّ و أمدّ لغتان،يقال مدّ النهر و أمدّه بحر آخر،و أمددت الجيش بمد:إذا أعنتهم،و مددتهم صرت لهم مددا،و قال:سيل أبىّ مدّه أنّى،و أعدلا حال:أى عادلا فى بيان وجه ذلك.

713-[و ربّى معى بعدى و إنّى كلاهما عذابى آياتى مضافاتها العلا]

فيها سبع ياءات إضافة:

(رَبِّيَ الْفَواحِشَ 11) .

أسكنها حمزة وحده:

(مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) .

فتحها حفص وحده:

(مِنْ بَعْدِي أَ عَجِلْتُمْ (12) .

********

(1) سورة الأعراف،آية:202.

(2) سورة البقرة،آية:15.

(3) سورة مريم،آية:79.

(4) سورة الطور،آية:22.

(5) سورة النمل،آية:36.

(6) سورة نوح،آية:12.

(7) سورة الأنفال،آية:9.

(8) سورة المؤمنون،آية:55.

(9) سورة آل عمران،آية:21.

(10) سورة الليل،آية:10.

(11) سورة الأعراف،آية:33.

(12) سورة الأعراف،آية:33.

ص: 487

فتحها الحرميان و أبو عمرو:

(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ 1) .

فى قصة نوح،كذلك فتحها أبو عمرو و الحرميان:

(إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ 2) .

فتحها أبو عمرو و ابن كثير،فهذا معنى قوله:كلاهما،أى«إنى و إنى»كلاهما،أى جاء لفظ«إنى»فى موضعين و هذا كما سبق فى معنى قوله:معا.

(قالَ عَذابِي أُصِيبُ 3) .

فتحها نافع وحده:

(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ 4) .

أسكنها ابن عامر و حمزة،و يقع فى بعض النسخ-عذابى-و آياتى-بإسكان ياء-عذابى-و إثبات واو العطف فى-و آياتى-و فى بعضها بفتح الياء و حذف الواو،و فيها زائدة واحدة فى آخرها:

(ثُمَّ كِيدُونِ فَلا 5) .

أثبتها أبو عمرو فى الوصل،و عن هشام خلاف فى الوصل و الوقف،و قلت فى ذلك:

مضافاتها سبع و فيها زيادة تحلت أخيرا ثم كيدون مع فلا

أى هى (كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ 6) .

********

(1) سورة الأعراف،آية:150.

(2) سورة الأعراف،آية:59.

(3) سورة الأعراف،آية:144.

(4) سورة الأعراف،آية:146.

(5) سورة الأعراف،آية:195.

(6) سورة النازعات،آية:7.

ص: 488

سورة الأنفال

714-[و فى مردفين الدّال يفتح نافع و عن قنبل يروى و ليس معوّلا]

أى:و ليس معولا عليه،قال صاحب التيسير:قرأ نافع-مردفين-بفتح الدال،و كذلك حكى لى محمد ابن أحمد عن ابن مجاهد أنه قرأ على قنبل،قال:و هو واهم.

قلت:و القائل بأنه وهم،هو ابن مجاهد،فإنه قال فى كتاب السبعة[له]من رواية ابن بدهن:قرأت على قنبل مردفين بفتح الدال،مثل نافع،و هو وهم.حدثنى الجمال أحمد ابن يزيد عن القواس عن أصحابه مردفين بكسر الدال.

قلت:و القواس هو شيخ قنبل،و كان قنبل سنة قرأ عليه ابن مجاهد قد اختلط على ما بيناه عند اسمه فى الخطبة فى الشرح الكبير،و اختار أبو عبيد قراءة الفتح،قال:و تأويله:أن اللّه تعالى أردف المسلمين بهم،قال:و كان مجاهد يفسرها ممدين،و هو تحقيق هذا المعنى،قال:و فسرها أبو عمرو[على قراءة الكسر] أردف بعضهم بعضا،قال أبو عبيدة:فالإرداف:أن يحمل الرجل صاحبه خلفه،و لم يسمع هذا فى نعت الملائكة يوم بدر،فإن تأول بعضهم مردفين،بمعنى رادفين:لم أحبه أيضا،لأن القرآن لم ينزل بهذه اللغة،أ لا تسمع قوله تعالى:

(تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ 1) .

و لم يقل المردفة،و كذلك قوله تعالى:

(رَدِفَ لَكُمْ 2) .

يقول:أردف لكم،و قال الفراء:مردفين:متابعين،يردف بعضهم بعضا،و مردفين فعل بهم:قال الزجاج.يقال:أردفت الرجل إذا جئت بعده،فمعنى مردفين:يأتون فرقة بعد فرقة قال أبو على:من قال مردفين احتمل وجهين.أحدهما:أن يكونوا مردفين مثلهم،تقول أردفت زيدا،فيكون المفعول محذوفا فى الآية،و الآخر أن يكونوا جاءوا بعدهم:قال أبو الحسن:تقول العرب بنو فلان مردفوننا،أى يجيئون بعدنا.قال أبو عبيدة:مردفين جاءوا بعد،و ردفنى و أردفنى واحد،فمردفين:صفة للألف،الذين هم الملائكة،و مردفين على أردفوا الناس،أى أنزلوا بعدهم،فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب فى ممدكم،مردفين بألف من الملائكة،و اللّه أعلم.

715-[و يغشى(سما)خفّا و فى ضمّه افتحوا

و فى الكسر(حقّ)ا و النّعاس ارفعوا و لا]

********

(1) سورة النازعات،آية:7.

(2) سورة النمل،آية:72.

ص: 489

خفا:تمييز،أو حال أى ارتفع تخفيفه،أو ارتفع خفيفا أى ذا خف يعنى تخفيف الشين مع سكون الغين،و الباقون بفتح الغين و تشديد الشين،و هما لغتان سبق ذكرهما فى الأعراف،و زاد ابن كثير و أبو عمرو على تخفيف الشين:فتحها و فتح الياء الأولى،و انقلبت الياء الأخيرة ألفا لانفتاح ما قبلها؛فقرءا مما يغشاكم مضارع غشى،كعمى يعمى،فهذا معنى قوله:و فى ضمه افتحوا،يعنى ضم الباء و فى الكسر يعنى كسر الشين فتحوا ايضا فتحا حقا،و التقدير حق ذلك حقا،و لزم من قراءتهما يغشى أن يرتفع النعاس على الفاعلية و أن ينتصب فى قراءة غيرهما على المفعولية،ليتعدى الفعل إليه بالزيادة على غشى همزة أو تضعيفا،فهذا معنى قوله:و النعاس ارفعوا،أى لمدلول حقا،و لا بالكسر،أى:ذوى ولاء،أى متابعة.

716-[و تخفيفهم فى الأوّلين هنا و ل

كن اللّه و ارفع هاءه(ش)اع(ك)فّلا]

يعنى الأولين (وَ لكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ (1) - وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى (1) -احتراز من- وَ لكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ (3) - وَ لكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ 4) .

فإنهما مشددان بلا خلاف،و موضع قوله-و لكن اللّه-نصب على أنه مفعول،و تخفيفهم أى:و تخفيفهم -و لكن اللّه-فى الموضعين الأولين أى:تخفيف هذا اللفظ،و لهذا قال:و ارفع هاءه،أى:الهاء من اللفظ المذكور،و هى التى فى اسم اللّه تعالى،و فى الأولين،هو:خبر المبتدإ،و يجوز أن يكون من جملة ما تعلق بالمبتدإ،و الخبر شاع،و قوله:و ارفع هاءه:وقع معترضا،لأنه من تتمة القراءة،فليس بأجنبى،و قد سبق تعليل القراءتين فى:

(وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا 5) .

و كفلا:جمع كافل،و نصبه على التمييز.

717-[و موهن بالتّخفيف(ذ)اع و فيه لم

ينوّن لحفص كيد بالخفض عوّلا]

يريد (مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ 6) .

و هنت الشيء و أوهنته واحد،أى جعلته واهنا ضعيفا،و تنوين موهن و نصب كيد هو الأصل،لأنه اسم فاعل نصب مفعوله،و إضافة حفص إضافة تخفيف،نحو-بالغ الكعبة-فى قراءة الجميع،و بالغ أمره- فى قراءة حفص أيضا،كما سيأتى،و معنى:ذاع،انتشر و قوله:لم ينوّن،أى لم يقع فيه تنوين لحفص، فالفعل مسند إلى الجار و المجرور،و لا ضمير فيه يرجع إلى موهن،أغنى عن ذلك قوله:و فيه،و كيد مبتدأ و خبره عوّل عليه.

********

(1) سورة الأنفال،آية:17.

(3) سورة الأنفال،آية:43.

(4) سورة الأنفال،آية:63.

(5) سورة البقرة،آية:102.

(6) سورة الأنفال،آية:18.

ص: 490

718-[و بعد و إنّ الفتح(عمّ ع)لا و في

هما العدوة اكسر(حقّ)ا الضّمّ و اعدلا]

يعنى:و بعد موهن:

(وَ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ 1) .

الفتح فيه عم علاه،أو عم ذا علا،و هو على إضمار حرف الجر،أى و لأن اللّه مع المؤمنين؛امتنع عنا فئتكم،و قرأ الباقون بكسر و أن على الاستئناف،و العدوة بكسر العين و ضمها:لغتان،و هم جانب الوادى و قيل المكان المرتفع،و قوله:فيهما لأنها فى موضعين:

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى 2) .

و هى مخصوصة فى العلم حكاية لما فى القرآن،و إنما موضعها رفع بالابتداء،و تقدير الكلام:و العدوة اكسر الضم فى موضعيها،و يجوز أن يكون العدوة بدلا من الضمير فى فيهما،أو فى عطف بيان،أى اكسر الضم فيهما،ثم بين ما أضمره فقال:العدوة كقولك:رأيته زيدا و مررت به زيد.

فإن قلت:كيف بدل مفردا من ضمير تثنية،و أنت لا تقول رأيتهما زيدا،بل يجب أن تقول زيدا و عمرا أو الزيدين،أو نحو ذلك؟قلت:لما كان المضمر فى هذا النظم لفظا متحدا،لم يحتج إلى تثنية اللفظ المثنى، بل اللفظ المفرد كاف فى البيان،كالتمييز فى عشرون رجلا،لما كان الغرض بيان حقيقة المعدود المتحد الجنس كفى فى بيانه لفظ مفرد،فكذا هذا،و لما كان المضمر فى قولك:رأيتهما و مررت بهما يحتمل الاختلاف لزم البيان بلفظ التثنية،أو ما يقوم مقامه،و الكلام فى حقا كما سبق،إما نعت مصدر محذوف،أى اكسر الضم كسرا حقا،و هو مصدر مؤكد،أى حق ذلك حقا،و الألف فى«و اعدلا»:بدل عن نون التأكيد الخفيفة، أراد:و اعدلن.قال الشيخ:لأن أبا عبيد زعم أن الضم أعرب اللغتين و أكثرهما،و قد ذكر اليزيدى أن الكسر لغة أهل الحجاز،و أنكر أبو عمرو الضم،فاعدل أنت،و يقال:العدوة بالفتح أيضا،و اللّه أعلم.

719-[و من حيى اكسر مظهرا(إ)ذ(ص)فا(ه)دى

و إذ يتوفّى أنّثوه(ل)ه(م)لا]

يريد (وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ 3) .

أصل هذا المدغم حيى بياءين،على وزن عمى،فأدغم،أراد اكسر الياء الأولى مظهرا لما كان أدغم فى قراءة الغير،و للباقين افتح مدغما و هما لغتان:نحو عيى وعى،و هدى:تمييز أو حال،أى صفا هداه وصفا ذا هدى،كما سبق فى عم علا و غيره،و التأنيث و التذكير فى:

(يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) (4) .

********

(1) سورة الأنفال،آية:19.

(2) سورة الأنفال،آية:42.

(3) سورة الأنفال،آية:42.

(4) سورة الأنفال،آية:50.

ص: 491

سبق نظيرهما فى-تأتيهم الملائكة-فى آخر الأنعام،و للفظ الفاصل هنا بين الفعل و الفاعل أكثر منه ثم، فلهذا كان الأكثر هنا على التذكير،و ثم على التأنيث«و الملا»بضم الميم جمع ملاءة،و هى الملحفة كنى بذلك عن الحجج،و قد سبق أيضا تفسيره.

720-[و بالغيب فيها تحسبنّ(ك)ما(ف)شا

(ع)ميما و قل فى النّور(فا)شيه(ك)حلا]

يريد(و لا تحسبنّ الّذين كفروا سبقوا (1).

فقراءة الخطاب ظاهرة:الذين كفروا سبقوا:مفعول بلا تحسبن،و الخطاب للنبى صلّى اللّه عليه و سلم، و أما القراءة بالغيب،فعلى تقدير:و لا يحسبن الرسول أو حاسب،فبقى الذين كفروا سبقوا:مفعولين كما ذكرنا،و قيل الذين كفروا فاعل يحسبن،و سبقوا:المفعول الثانى،و الأول محذوف تقديره:إياهم سبقوا، كذا قدره أبو على،و هو معنى تقدير أبى عبيد و غيره حين قالوا لا تحسبنهم سبقوا،و قيل سد سبقوا مسد المفعولين،على تقدير أنهم سبقوا؛أو أن سبقوا أو بأن:قدره أبو على أيضا ثم حذفت أن و اسمها اختصارا للعلم بمكانها،و معنى سبقوا:فاتوا،كما قال سبحانه فى موضع آخر:

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا) .

و الذى فى النور:

(لا يحسبنّ الّذين كفروا معجزين فى الأرض (2).

يتوجه فيه جميع الوجوه المذكورة،إلا الأخير منها،و هو تقدير:أنهم سبقوا لأن لفظ معجزين:منصوب، نعم يقوم مقامه وجه آخر لا يتأتى هناك،و هو أن يكون معجزين:مفعولا أولا،و فى الأرض:مفعولا ثانيا، أى:لا تحسبن أن فى الأرض من يعجز اللّه،و قوله عميما:حال من الضمير فى فشا،و معناه:اشتهر فى حال عمومه،يشير إلى أنه مقدر بقولنا:لا يحسبن أحد،و كحلا بالتشديد،مبالغة فى كحل عينه،استعاره هنا على أنه شفا،أو بصر،و نور،و عدى،و نحو ذلك،و اللّه أعلم.

721-[و إنّهم افتح(ك)افيا و اكسروا لشع

بة السّلم و اكسر فى القتال(ف)طب(ص)لا]

يريد (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ 3) .

كسره على الاستئناف،و الفتح على تقدير:لأنهم،و قيل:هو مفعول:لا يحسبن،على تقدير أنّ لا زائدة لأن ابن عامر الذى فتح أنهم،يقرأ لا يحسبن،بالغيب؛و تكون زيادة لا هنا كما سبق فى الأنعام:

********

(1) سورة الأنفال،آية:59.

(2) سورة النور،آية:57.

(3) سورة الأنفال،آية:52.

ص: 492

(أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ 1) .

بكسر السين و فتحها لغتان،و اللام ساكنة فيهما،و يقال أيضا:بفتح السين و اللام،و معنى الجميع:

المسالمة،و المصالحة،يريد- وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ -و لهذا قال:فاجنح لها،لما كان السلم بمعنى المسالمة،و الذى فى سورة القتال:

(فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ 2) .

و معنى قوله:فطب صلا أى:ذكاء،لأنه قد سبق أن صلاء النار هو استعارها،و يعبر به عن الذكاء، كما يقال:هو يتوقد ذكاء،و يجوز أن تكون:إشارة إلى نار القرى التى يهتدى بها الأضياف،و التى تصلح طعامهم،أى:طب نارا،على معنى:طب قرى لأضيافك،أى طب علما لمن قصدك مستفيدا،فصلا:

تمييز،و اللّه أعلم.

722-[و ثانى يكن(غ)صن و ثالثها ثوى

و ضعفا بفتح الضّمّ(ف)اشيه(ن)فلا]

يريد (وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً 3) .

هذه هى الثانية تذكير يكن و تأنيثها،لأن الفعل مسند إلى مائة،و تأنيثها غير حقيقى،و قد وقع الفصل بين الفعل و بينها،فحسن التذكير،و أما التأنيث فهو الأصل نظرا إلى لفظ علامة التأنيث فى مائة،و الثالث قوله تعالى-بعد ذلك:

(فإن تكن منكم مائة صابرة (4).

الكلام فيه كما سبق فى الثانية.لكن أبو عمرو فرق بينهما فى قراءته،فأنث الثالث كما وصف المائة بقوله صابرة،فتأكد التأنيث فى الموصوف بتأنيث الصفة،فقوى مقتضى مشاكلة التأنيث فى يكن،و إنما قال:

ثانى و ثالث،لأن قبلهما أول لا خلاف فى تذكيره،و هو:

(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ 5) .

و بعدهما رابع لا خلاف فى تذكيره أيضا و هو:

(وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ) .

و دلنا على أن مراده التذكير فى الثانى و الثالث:إطلاقه و عدم تقييده،و أما:

********

(1) سورة الأنعام،آية:109.

(2) سورة محمد-صلّى اللّه عليه و سلم-،آية:35.

(3) سورة الأنفال،آية:65.

(4) سورة الأنفال،آية:66.

(5) سورة الأنفال،آية:65.

ص: 493

(وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً 1) .

ففتح الضاد و ضمها فيه لغتان،و معنى نفلا:أى أعطى نفلا،و هى الغنيمة،و اللّه أعلم.

723-[و فى الرّوم(ص)ف(ع)ن خلف(ف)صل و أنّت ان

يكون مع الأسرى الأسارى حلا(ح)لا]

يريد قوله تعالى:

(اللّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً 2) .

الخلاف فى الثلاثة كالتى فى الأنفال،سير؟؟؟ أن حفصا اختار الضم فى ثلاثة:الروم لما نذكر،فصار له وجهان،فلذا ذكر عنه خلافا دون أبى بكر و حمزة،قال صاحب التيسير فى سورة الروم:أبو بكر و حمزة من ضعف فى الثلاثة بفتح الضاد،و كذلك روى حفص عن عاصم فيهن،غير أنه ترك ذلك و اختار الضم اتباعا منه لرواية حدّثه بها الفضل بن مرزوق،عن عطية العوفى عن ابن عمر أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم أقرأه ذلك بالضم ورد عليه الفتح و أباه.قال:و عطية يضعف،و ما رواه حفص عن عاصم عن أئمته:أصح،و بالوجهين آخذ فى روايته لأتابع عاصما على قراءته،و أوافق حفصا على اختياره.

قلت:و هذا معنى قول ابن مجاهد:عاصم و حمزة من ضعف بفتح الضاد،ثم قال حفص عن نفسه:بضم الضاد،فقوله عن نفسه،يعنى:اختيارا منه،لا نقلا من عاصم،و فى كتاب مكى:قال حفص:ما خالفت عاصما فى شيء مما قرأت به عليه إلا ضم هذه الثلاثة الأحرف.قال أبو عبيد:و بالضم يقرأ اتباعا للغة النبى صلّى اللّه عليه و سلم،سمعت الكسائى يحدث عن الفضل بن مرزوق عن عطية العوفى:قال:قرأت على ابن عمر -اللّه الذى خلقكم من ضعف بالفتح-فقال-إنى قرأتها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كما قرأت-فقال لى من ضعف.قال أبو عبيد:يعنى بالضم،قوله:و أنث أن يكون أراد قوله تعالى:

(أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى 3) .

فألقى حركة أنّ على ثاء أنث،و قد سبق أن تأنيث الجمع غير حقيقى،فيجوز تذكير الفعل المسند إليه، ثم قال:مع الأسرى:الأسارى يعنى:

(قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى 4) .

يقرؤه أبو عمرو-الأسارى-و كلاهما جمع أسير،و لا خلاف فى الأولى-أن يكون له أسرى-و هو غير ملبس،لأنه ذكرها معرّفة باللام،و تلك هى الثانية،و اتفق للناظم هنا اتفاق حسن،و هو تكرير الرمز فى حلاحلا بعد تكرر كلمتى القراءة،و هما:تكون،و الأسارى،فأنث أبو عمرو تكون،و قرأ الأسارى،و لم يرمز لقراءة تكون،فجاء تكرير الرمز بعد الأسارى مناسبا حسنا،و إن كان لو لم يكرره لجاز،كما جمع فى

********

(1) سورة الأنفال،آية:54.

(2) سورة الروم،آية:67.

(3) سورة الأنفال،آية:67.

(4) سورة الأنفال،آية:70.

ص: 494

البقرة مسألتين لابن عامر فى قوله-عليم و قالوا-و قال فى آخر البيت كفلا،و كما جمع لحمزة ثلاث مسائل فى آل عمران فى قوله-سنكتب،و قال فى آخر البيت:فتكمل،و تارة يكرر الرمز من غير تكرار الحرف المختلف فيه،نحو:اعتاد أفضلا،يمنى علا علا،و إنما اتفق له مناسبة التكرار هنا،و قوله:مع الأسرى،أى مع قراءة موضع الأسرى:الأسارى،و من الممكن أن يقدر مع قراءة الأسرى موضع الأسارى،فيفيد ضد المقصود،و لكنه هنا لفظ بقراءتين من غير قيد،فالرمز للثانية منهما،كقوله:سكارى معا سكرى:و عالم قل علام شاع،و لو كان قال:و فى الأسرى الأسارى،لكان أظهر،و لكنه قصد مزج الموضعين من غير تخلل واو فاصلة بينهما،و لو قال:بالواو لكان له أسوة بقوله و-كن فيكون-و حلا:فى موضع نصب على الحال من فاعل أنث،أى أنث تكون مع قراءتك الأسارى ذا حلا،و حلا صفة حلا،و قال الشيخ رحمه اللّه معنى أن يكون مع الأسرى،أى أنثه مصاحبا له،و الأسارى مبتدأ و حلاحلا خبره.

قلت:هذا مشكل،فإن تكون فى القراءة مصاحبة للأسارى،لا للأسرى إن أراد أن يجمع قراءتى أبى عمرو و إن أراد بالمصاحبة المذكور فى التلاوة بعد،يكون فتلك أسرى لا أسارى كما سبق بيانه،ثم لو كان بعد يكون لفظ الأسرى لبقيت قراءة الجماعة فى موضع الخلاف،لا دليل عليها،فإن ذلك لا يفهم من لفظ الأسارى، و اللّه أعلم.

724-[ولايتهم بالكسر(ف)ز و بكهفه

(ش)فا و معا إنّى بياءين أقبلا]

يريد (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ 1) .

و فى الكهف:

(هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلّهِ الْحَقِّ 1) .

قال أبو عبيد:يقال مولى بين الولاية من ولايتهم،إذا فتحت،فإذا كسرت فهو من وليت الشيء.قال الزجاج:الولاية من النصرة و النسب بفتح،و التى بمنزلة الإمارة مكسورة.قال:و قد يجوز كسرها،لأن فى تولى بعض القوم بعضا جنسا من الصناعة و العمل،و كلما كان من جنس الصناعة مكسور،مثل القصارة و الخياطة.قال أبو على.قال أبو الحسن:ما لكم من ولايتهم من شيء،هذا من الولاية،فهو مفتوح،و أما فى السلطان:فالولاية مكسورة،و كسر الواو فى الأخرى لغة،و ليست بذلك.قال أبو عبيد:و الذى عندنا فى هذا الأخذ بفتح الواو فى الحرفين جميعا،يعنى فى الأنفال و الكهف.قال:لأن معناهما من الموالاة فى الدين و أما الولاية فإنما هى من السلطان و الإمارة.و لا أحبها فى هذا الموضع،و قال الفراء:

(ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ 3) .

يريد من مواريثهم من شيء و كسر الواو فى-من ولايتهم-أعجب إلىّ من فتحها،لأنها إنما تفتح إذا

********

(1) سورة الأنفال،آية:72.

(3) سورة الأنفال،آية:44.

ص: 495

كانت نصرة أكثر ذلك؛و كان الكسائى يذهب إلى النصرة بفتحها،و لا أظنه علم التفسير،و يختارون فى وليته ولاية الكسر،و قد سمعناها بالفتح و الكسر فى معنييهما جميعا،و الهاء فى قوله:و بكهفه،للقرآن للعلم به، و إنى:بياءين،أى فى موضعين و هما:

(إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ - إِنِّي أَخافُ اللّهَ 1) .

فتحها الحرميان و أبو عمرو.و قوله:معا،تأكيد،و كذا أقبلا،و الألف فى آخره ضمير الياءين،أى:

إنى ملتبس بياءين أقبلا معا،و إن كان أقبل:خبر إنى،و التقدير إنى أقبل بياءين معا،فالألف للإطلاق.

********

(1) سورة الأنفال،آية:48.

ص: 496

سورة التوبة

725-[و يكسر لا أيمان عند ابن عامر

و وحّد(حقّ)مسجد اللّه الأوّلا]

أراد (إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ 1) .

الفتح جمع يمين،و الكسر بمعنى الإسلام،أو بمعنى الأمان،أى لا تؤمنهم من القتل،و تقدير البيت:و يكسر عند ابن عامر-لا إيمان-و لا ينبغى من جهة الأدب أن يقرأ إلا بفتح الهمزة و إن كان كسرها جائزا فى التلاوة و ذلك لقبح ما يوهمه تعلق-عند-بأيمان-و موضع لا أيمان-رفع:أى يكسر همز هذا اللفظ،فليته قال:

و همزة لا أيمان كسر ابن عامر،و قوله تعالى:

(ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد اللّه).

وحّده ابن كثير و أبو عمرو لأن المراد به المسجد الحرام؛و ليدل على أنه إنما جمع ثانيا باعتبار أن كل مكان منه مسجدا،و أريد به جميع المساجد،و التوحيد يؤدّى معناه،كما تقدم فى مواضع،و من جمع فلهذا المعنى و لموافقته الثانى-إنما يعمر مساجد اللّه-فجمعه متفق عليه.

726-[عشيراتكم بالجمع(ص)دق و نوّنوا

عزير(ر)ضى(ن)صّ و بالكسر وكّلا]

جمع أبو بكر:عشيراتكم،كما جمع مكانات،و عبر عن قراءته ثم بمد النون،و هنا بالجمع،لأنه لم يمكنه هنا أن يقول بمد الراء،و لو قال بالمد لم يحصل الغرض،لأن فى عشيرتكم مدين:الياء و الألف،فلو قال بالمد موضع بالجمع لظن أنه الياء،فعدل إلى لفظ الجمع،و كذا لو كان أطلق لفظ المد فى مكانات،لم يدر أى الألفين أراد،فقيد بقوله:مد النون،و قد سبق معناه،و من نون:عزير،فهو عنده اسم عربى؛فهو منصرف،و كسر التنوين لالتقاء الساكنين،و هو مبتدأ و ابن خبره،و من لم ينون فهو عنده أعجمى،فلم يصرفه،و هذا اختيار الزمخشرى*و قيل:بل عربى،و إنما ابن صفة،فحذف التنوين لوقوع ابن بين علمين و الخبر محذوف،أى:معبودنا؛أو نبينا،أو يكون المحذوف هو المبتدأ:أى المعبود أو،النبى عزير،و أنكر عبد القاهر الجرجانى فى كتاب[دلائل الإعجاز]هذا التأويل،و قرره أحسن تقرير.

و حاصله أن الإنكار ينصرف إلى الخبر،فيبقى الوصف كأنه مسلّم،كما تقول.قال فلان:زيد بن عمرو قادم،و إنما يستعمل مثل هذا إذا لم يقدر خبر معين،و يكون المعنى أنهم يلهجون بهذه العبارة كثيرا فى محاوراتهم لا يذكرون عزيرا إلا بهذا الوصف،و قيل حذف التنوين لالتقاء الساكنين كما قرأ بعضهم:

********

(1) سورة التوبة،آية:12.

ص: 497

(أَحَدٌ اَللّهُ الصَّمَدُ 1) .

بحذف التنوين من أحد،قال الفراء:سمعت كثيرا من الفصحاء يقرءونها،ذكر هذين الوجهين أبو على، و قال،لأن عزيرا و نحوه ينصرف:عجميا كان أو عربيا.قال الزجاج:و لا اختلاف بين النحويين أن إثبات التنوين أجود:و قوله رضى نص أى:مرضى،نص بمعنى نصه مرضى،و هو نعت مصدر محذوف،أى نونوه تنوينا مرضيا النص عليه،و بالكسر،و كل ذلك التنوين،أو يكون حالا من فاعل نونوا،أى ذوى رضى نص،أى:راضين بالنص عليه،و اللّه أعلم.

727-[يضاهون ضمّ الهاء يكسر عاصم

و زد همزة مضمومة عنه و اعقلا]

أى زد همزة بعد الهاء المكسورة،فيكون مضارع ضاهأ على وزن دارأ،و معناه شابه؛و قراءة الجماعة من دارا على زن راما،و هما لغتان،مثل أرجيت و أرجأت قال الزجاج:و الأكثر ترك الهمزة و الألف فى:و اعقل،بدل من نون التأكيد الخفيفة،و اللّه أعلم.

728-[يضلّ بضمّ الياء مع فتح ضاده

(صحاب)و لم يخشوا هناك مضلّلا]

أراد (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا 2) .

قرأه صحاب على إسناد الفعل للمفعول،و أسنده الباقون إلى الفاعل،و كلاهما ظاهر،و تمم البيت بقوله:

و لم يخشوا،إلى آخره،أى:لم يخافوا من عائب لقراءتهم.

729-[و أن تقبل التّذكير(ش)اع وصاله

و رحمة المرفوع بالخفض(ف)اقبلا]

يريد (أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ 3) .

و التذكير و التأنيث كما سبق فى:

(و لا تقبل منها شفاعة (4).

و غيره؛و أما:

(وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ 5) .

بالرفع لمعطوف على-أذن خير-أى هو أذن خير،و هو رحمة،و قرأ حمزة بالخفض عطفا على خير،

********

(1) سورة الإخلاص،آية:1 و 2.

(2) سورة التوبة،آية:37.

(3) سورة التوبة،آية:5.

(4) سورة البقرة،آية:48.

(5) سورة التوبة،آية:61.

ص: 498

و الفاء فى فاقبلا:زائدة،و أرادا:قبله بالخفض،و الألف فى آخره كالألف فى آخر و اعتلا.

730-[و يعف بنون دون ضمّ و فاؤه

يضمّ تعذّب تاه بالنّون وصّلا]

731-[و فى ذاله كسر و طائفة بنص

ب مرفوعه عن عاصم كلّه اعتلا]

أراد (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً 1) .

قرأ عاصم على بناء الفعلين،و هما يعف و تعذب للفاعل المتكلم،فلزم من ذلك النون فى أولهما،و فتحها فى يعف مع ضم الفاء و كسر ذال نعذب،و نصب طائفة بعدها،و قراءة الجماعة على بناء الفعلين للمفعول الغائب،فلزم من ذلك أن يكون أول يعف ياء مضمومة،و فتح الفاء،و أول نعذب تاء،لأجل تأنيث طائفة فهى أولى من الياء لعدم الفعل،ثم فتح الذال و رفع طائفة بعدها،لأنها مفعول ما لم يسم فاعله؛و قوله:تاه، أى تاؤه،فقصر الممدود.

732-[و حقّ بضمّ السّوء مع ثان فتحها

و تحريك ورش قربة ضمّه جلا]

أراد (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ 2) .

و ثانى سورة الفتح*و هو:

(وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ 3) .

و لا خلاف فى فتح الأول،و هو:

(الظّانِّينَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ -و كذا- ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ -و- أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) .

و السوء بالضم العذاب،كما قيل له سييه،و السوء بالفتح المصدر،و الهاء فى فتحها للسور،و حذف الياء من ثانى للضرورة،و قوله تعالى:

(أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ 4) .

ضم الراء و إسكانها لغتان،و قربة فى النظم:مفعول التحريك،و إنما رفعه حكاية لفظ القرآن،و ضمه مفعول جلا،و جلا:خبر التحريك الذى هو المبتدا.

********

(1) سورة التوبة،آية:66.

(2) سورة الفتح،آية:6.

(3) سورة الفتح،آية:12.

(4) سورة التوبة،آية:99.

ص: 499

733-[و من تحتها المكّى يجرّ و زاد من

صلاتك وحّد و افتح التّا(ش)ذّا(ع)لا]

يعنى (تَحْتَهَا الْأَنْهارُ) .

فى الآية التى أولها:

(وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) .

ثبتت فى مصاحف مكة دون غيرها،فقرأها ابن كثير،و جر تحتها بها،و حذفها الباقون،فانتصب تحتها على الظرفية،فقوله:و زاد من:أى كلمة من،ثم قال:صلاتك وحد،يعنى:

(إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ 1) .

التوحيد فيه،و الجمع سبق نظيرهما،و الصلاة هنا بمعنى الدعاء،فهو مصدر يقع على القليل و الكثير، و إنما جمع لاختلاف أنواعه،فمن وحد فتح التاء،لأن الفتح علامة النصب فى المفرد،و من جمع كسرها،لأن الكسر علامة النصب فى جمع المؤنث السالم،و شذا حال أى ذا شذا علا.

734-[و وحّد لهم فى هود ترجئ همزه

(ص)فا(نف)ر مع مرجئون و قد حلا]

يعنى (قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ 2) .

أى عيادتك،و لم يتعرض للتاء،لأنها مضمومة فى قراءتى الإفراد و الجمع،لأنها مبتدأ،ثم ذكر الخلاف فى:

(تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ 3) .

فى سورة الأحزاب:

(وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ 4) .

هنا بالهمز فيهما،و بغير همز،و هما لغتان،قال صاحب المحكم:و الهمز أجود،و أرى ترجى مخففا من ترجئ،لمكان تووى:أى طلب المشاكلة بينهما،و قد تقدم فى الخطبة أن ضد الهمز لا همز،ثم ينظر فى الكلمة المهموزة،فإن كان الهمز لم يكتب له صورة نطقت بباقى حروف الكلمة على صورتها،و هو كقوله-الصابئين- الهمز-و الصابئون-خذ،و إن كانت كتبت له صورة نطقت فى موضع الهمز بالحرف الذى صورت به.كقوله و يهمز-ضيزى-و فى هذا البيت المشروح الأمران،يقرأ الباقون:ترجى بالياء التى هى صورة الهمز،

********

(1) سورة التوبة،آية:100.

(2) سورة هود،آية:87.

(3) سورة الأحزاب،آية:51.

(4) سورة التوبة،آية:106.

ص: 500

و يقرءون-مرجون-بواو بعد الجيم،إذ لا صورة للهمزة،و قوله،صفا نفر،خفض نفر بإضافة صفا المقصور أو الممدود إليه،أى الهمز قوى و صاف من الكدورة.

735-[و(عمّ)بلا واو الّذين و ضمّ فى من اسّس مع كسر و بنيانه و لا]

أى قرأ مدلول عم جميع المذكور فى هذا البيت،أراد:

(وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً 1) .

سقطت الواو فى مصاحف المدينة و الشام،فقرأها نافع و ابن عامر على الاستئناف،و قرأ الباقون بالواو عطفا لجملة على جملة،فتقدير البيت:قرأ عم الذين بلا واو،و حذف التنوين من واو لالتقاء الساكنين،و لم يرو إضافة واو إلى الذين،فإن الذين لا واو فيه،و لو كان:و الذين،لأمكن تقدير ذلك،ثم قال:و ضم، و هو فعل أمر،أى ضمه لمدلول عم أيضا،و يجوز و ضم بفتح الضاد،على أن يكون فعلا ماضيا،أى قرأ عم الذين،و ضم فى-أ فمن أسس-:ضم الهمزة و كسر السين،جعله فعلا لم يسم فاعله،فلزم من ذلك رفع بنيانه لأنه مفعوله،و قرأ الباقون ببناء الفعل للفاعل،و هو ضمير يرجع إلى من فتحوا الهمزة و السين،و نصبوا بنيانه و الخلف فى الموضعين هنا،و لم ينبه على ذلك،فهو نظير ما ذكرناه فى قوله فى سورة النساء:و ندخله نون،و لم يقل معا.

فإن قلت:يكون إطلاقه دليلا على تعميم ما فى السورة من ذلك،و قوله معا قدر حرك،زيادة بيان.

قلت:لا يستمر له هذا إذ يلزم أن يكون قوله:و عم بلا واو الذين:يشمل كل لفظ،و الذين من هذا الموضع إلى آخر السورة نحو:

(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا (2) - اَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ 3) .

و قول الناظم:و بنيانه مفعول فعل مضمر،أى:و ارفع بنيانه لمدلول عم،أو و رفع عم بنيانه،و إطلاقه له:دليل على رفعه،و ولا بكسر الواو مفعول له أى متابعة للنقل.

736-[و جرف سكون الضّمّ(ف)ى(ص)فو(ك)امل

تقطّع فتح الضّمّ(ف)ى(ك)امل(ع)لا]

الضم و الإسكان فى راء جرف:لغتان،و تقطع قلوبهم بضم التاء على بناء الفعل للمفعول،و بفتحها على بنائه للفاعل،و أصله تتقطع،فحذفت التاء الثانية مثل:

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) .

و سبق له نظائر.

********

(1) سورة التوبة،آية:107.

(2) سورة التوبة،آية:113.

(3) سورة التوبة،آية:117.

ص: 501

837-[يزيغ(ع)لى(ف)صل يرون مخاطب

(ف)شا و معى فيها بياءين جمّلا]

يعنى (كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ 1) .

قرأ حفص و حمزة بالتذكير فى يزيغ،لأن تأنيث قلوب غير حقيقى،و الباقون بالتأنيث،و إطلاقه دل على إرادته لتذكير،ثم قال:يرون مخاطب:جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه،يعنى:

(أَ وَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً 2) .

الخطاب للمؤمنين،و الغيبة للمنافقين،و فى هذه السورة يا آن للإضافة،كلاهما فى لفظ معى أحدهما:

(مَعِيَ أَبَداً) .

فتحها الحرميان و أبو عمرو و ابن عامر و حفص،و الثانية:

(مَعِيَ عَدُوًّا) .

فتحها حفص وحده،و ليس فيها،و لا فى الأنفال،و لا فى يونس شيء من الزوائد،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة التوبة،آية:119.

(2) سورة التوبة،آية:126.

ص: 502

سورة يونس عليه السلام

738-[و إضجاع را كلّ الفواتح(ذ)كره

(ح)مى غير حفص طاويا(صحبة)و لا]

ذكر فى هذا الموضع جميع ما وقع الخلاف فى إمالته من الحروف المقطعة فى أوائل السور،و يقال لها للفواتح لأن السور استفتحت بها،و إنما أميلت لأنها أسماء ما يلفظ به من الأصوات المنقطعة،و قد أمالوا يا فى الندا، و هى حرف،فإمالة هذه الأسماء أولى،فابتدأ بذكر الراء،لأنها أول حروف الفواتح إمالة،سواء كانت فى الرا،و ذلك فى:يونس،و هود،و يوسف،و إبراهيم،و الحجر،أو فى المر،فى أول الرعد،فلهذا قال:كل الفواتح،و الإضجاع هو الإمالة،و أتى بلفظ را،فقصر،را،حكاية للفظه فى القرآن،و كذا ما يأتى من:طا،و يا،و ها،و حا،و لا نقول:إنه قصر ذلك ضرورة،و أشار بقوله:ذكره حمى إلى حسن الإضجاع،أى لا يصل أحد إلى الطعن عليه،فهو فى حمى من ذلك،و استثنى منهم حفصا فإنه لا يميل شيئا فى القرآن إلا كلمة-مجراها-و قد سبق ذكره فى باب الإمالة ثم ذكر أن صحبة أمالوا طاويا فالطاء من:طه،و طسم و طس،و الياء من يس،و أما الياء من كهيعص،فوافقهم على إمالتها ابن عامر كما يأتى فى البيت الآتى، و ولا فى آخر البيت بكسر الواو فى شرح الشيخ،و رأيته فى بعض النسخ من القصيدة بفتحها،و هو أحسن، لأن قبله و بنيانه و لا بالكسر،و هو قريب منه،فالكسر بمعنى متابعة،أى:أمال صحبة طاو-يا متابعة لنقل، فهو مفعول من أجله،و الفتح على تقدير:ذا،و لا،أى نصر للإمالة و محبة لها،فهو حال من صحبة،أى أمالوهما ذوى و لا.

739-[و(ك)م(صحبة)يا كاف و الخلف(ي)اسر

و ها(صف(ر)ضى(ح)لوا و تحت(ج)نى(ح)لا]

الكاف فى كم:رمز ابن عامر،كأنه قال:و ابن عامر و مدلول صحبة على إمالة-يا-التى فى أول سورة مريم و عبر عنها بقوله:كاف،لأنه أولها كما يقال:ص،ن،ق،و كذا صنع فى غير هذا الموضع،كقوله فى يوسف و فى كاف فتح اللام فى-مخلصا-ثوى،و معنى الكلام فى الظاهر و كم صحبة أمالوها،أى:أمالها كثير من القراء،ثم قال:و الخلف فى إمالتها عن السوسى و الياسر فى اللغة هو:اللاعب بقداح الميسر،و كان لا يتعاطاه من العرب إلا الكرماء،فكأنه قال:و الخلف خلف كريم،أى هو صادر عن نقل صحيح،ثم قال:

و ها،أى و إمالة ها من-كهيعص-لأبى بكر و الكسائى و أبى عمرو،ثم قال:و تحت،أى:و إمالة ها من السورة التى تحت مريم،و هى:طه،جنا حلا،أى:حلا جناه،و إمالته لورش،و لأبى عمرو،و من يأتى ذكره فى البيت الآتى،و ليس لورش ما يميله إمالة محضة غيرها من طه،و ما عدا ذلك إنما يميله بين اللفظين.

740-[(ش)فا(ص)ادقا حم(مخ)تار(صحبة)

و بصر و هم أدرى و بالخلف(م)ثّلا]

ص: 503

حمزة و الكسائى و أبو بكر هم:تتمة من أمال-ها-من-طه-ثم قال-حم-أى أمال«حا»من-حم- فى السور السبع ابن ذكوان و صحبه،ثم قال:و هم و أبو عمرو أمالوا لفظ-أدرى-كيف أتى،نحو-أدراك- و أدراكم-و عن ابن ذكوان خلاف فيه،فقوله و بصر مبتدا و ليس عطفا على صحبة،لامتناع الجمع بين الرمز و التصريح،و اللّه أعلم.

741-[و ذو الرّا لورش بين بين و نافع

لدى مريم ها يا و حا(ج)يده(ح)لا]

جمع فى هذا البيت ذكر من أمال شيئا من ذلك بين بين،فورش فعل ذلك فى را،من:

(الر-و-المر).

و نافع بكماله فى-ها يا-أول مريم،و ورش و أبو عمرو فعلا ذلك فى«حا»من:

(حم).

فى السور السبع،و أما لفظ-أدرى-فقد علم من مذهب ورش فى إمالته بين بين من باب الإمالة،و إنما ذكره الناظم هنا لأجل زيادة أبى بكر و ابن ذكوان على أصحاب إمالته،و إلا فهو داخل فى قوله:و ما بعد راء شاع حكما،فأبو عمرو و حمزة و الكسائى فيه على أصولهم،و الجيد كل العنق،و اللّه أعلم.

742-[ففصّل يا(حقّ ع)لا ساحر(ظ)بى

و حيث ضياء وافق الهمز قنبلا]

قصر لفظ-يا-ضرورة،و الخلاف فى-نفصل الآيات-بالياء و النون ظاهر،ثم قال ساحر ظبى يعنى قوله تعالى قبل:يفصل:

(قال الكافرون إنّ هذا لسحر مبين (1).

أى ذو سحر،قرأه مدلول ظبى ساحر،فقوله ساحر هو:مما استغنى لميه باللفظ عن القيد،و لكنه لم يبين القراءة الأخرى،و الخلاف فى مثل هذا دائر تارة بين ساحر و سحار،على ما فى الأعراف،و الذى فى آخر يونس،و تارة هو دائر بين ساحر و سحر،على ما مر فى المائدة و ما يأتى فى طه،و ظبى:جمع ظبة،و هى من:

السيف،و السهم،و السنان حدها،أى هو ذو ظبى أى له حجج تحميه و تقوم بنصرته،ثم قال:و حيث ضياء،أى:حيث أتى هذا اللفظ فضياء مرفوع بالابتداء،على ما عرف فيما بعد حيث،و الخبر محذوف،أى و حيث ضياء موجود،و لا تنصب حكاية لما فى يونس،فإنه قد يكون مجرورا نحو ما فى القصص:

(مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ 2) .

ثم قال:وافق الهمز قنبلا،و هو من قولك:وافقنى كذا،إذا صادفته من غرضك،و أراد همز الياء،

********

(1) سورة يونس،آية:2.

(2) سورة القصص،آية:71.

ص: 504

و لم يبين ذلك،و فى آخر الكلمة همزة،فربما يتوهم السامع أنه هو المعنى،ثم لو فهم ذلك لم يكن مبينا للقراءة الأخرى،فإن الهمز ليس ضده إلا تركه،و لا يلزم من تركه إبداله ياء،فقد حصل نقض فى بيان هاتين المسألتين،ساحر،و ضياء،فلو أنه قال:ما تبين به الحرفان لقال:ساحر،ظبى،بسحر،ضياء،همزيا الكل زملا،قالوا:و وجه هذا الهمزة أنه أخر الياء و قدم الهمزة،فانقلبت الياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة كسقاء و وداء،و هذه قراءة ضعيفة فإن قياس اللغة القرار من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما،فكيف يتحيل بتقديم و تأخير إلى ما يؤدى إلى اجتماع همزتين لم يكونا فى الأصل،هذا خلاف حكمة اللغة.قال ابن مجاهد ابن كثير وحده ضياء بهمزتين فى كل القرآن،الهمزة الأولى قبل الألف،و الثانية بعدها،كذلك قرأت على قنبل،و هى غلط،و كان أصحاب البزى و ابن فليح ينكرون هذا،و يقرءون ضياء مثل الناس،قال أبو على:

ضياء مصدرا،و جمع ضوء،كبساط.

743-[و فى قضى الفتحان مع ألف هنا

و قل أجل المرفوع بالنّصب(ك)مّلا]

يريد (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ 1) .

قراءة ابن عامر على البناء للفاعل،فنصب أجلهم على المفعولية،و قراءة الباقين على بناء الفعل للمفعول، و هو:أجلهم،فلزم رفعه،فقول الناظم الفتحان يعنى فى القاف و الضاد،و الألف بعدهما،و القراءة الأخرى علمت بما لفظ به،لا من الضدية،و لو بين القراءة الأخرى باللفظ فقال:قضى،موضع قوله:هنا،أو موضع قوله:و قل،لكان أولى و أكثر فائدة،لما فيه من الإيضاح،و رفع و هم احتمال أن يريد زيادة ألف على الياء،فيصير قضيا،و إنما قال:هنا،احترازا من التى فى الزمر:

(قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ 2) .

فإن الخلاف فيها أيضا كهذا الخلاف و إن كان الأكثر ثم على مثل قراءة ابن عامر هنا،و كان مستغنيا عن هذا الاحتراز،فإن الإطلاق لا يعم غير ما فى السورة التى هو فى نظم خلفها،على ما بيناه مرارا،و اللّه أعلم.

744-[و قصر و لا(ه)اد بخلف(ز)كا و فى ال

قيامة لا الأولى و بالحال أوّلا]

يعنى بالقصر:حذف ألف و لا،من قوله:

(وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ 3) .

و من قوله:

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ 4) .

********

(1) سورة يونس،آية:11.

(2) سورة الزمر،آية:42.

(3) سورة يونس،آية:16.

(4) سورة القيامة،آية:1.

ص: 505

دون قوله:

(وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ 1) .

فهذا معنى قوله:لا الأولى،أى و قصر لا الواردة فى سورة القيامة أولا،فالمعنى على القصر-لو شاء لأدراكم به-فتكون اللام جواب لو،قال ابن مجاهد:قرأت على قنبل:

(وَ لا أَدْراكُمْ) .

فقال-و لأدراكم-فجعلها لا ما دخلت على أدراكم،فراجعته غير مرة فلم يرجع،ذكر ذلك فى غير كتاب السبعة،و يوجد فى بعض نسخها،و معنى القصر فى-لا أقسم-مؤول بأنها لام الابتداء دخلت على فعل الحال، أى لأنا أقسم،فهذا معنى قوله:و بالحال أولا،و قراءة الباقين بالمد ظاهرة فى:

(وَ لا أَدْراكُمْ) .

بكون لا نافية،و أما فى القيامة فيكون موافقة لما بعدها،و فى معناها:اختلاف للمفسرين.قيل:لا زائدة و قيل نافية ردا على الكفرة،ثم استأنف-أقسم بيوم القيامة-فيتفق معنى القراءتين على هذا،و اختار الزمخشرى أنه نفى للقسم،على معنى أن المذكور قدره فوق ذلك،و اللّه أعلم.

745-و خاطب عمّا يشركون هنا(ش)ذا

و فى الرّوم و الحرفين فى النّحل أوّلا]

عما يشركون،فاعل خاطب،و شذا حال منه،و لو قدمه على هنا لكان أولى،ليتصل المعطوف،و هو قوله:و فى الروم و ما بعده بالمعطوف عليه،و هو هنا،و لئلا يتوهم أن الذى فى الروم و النحل خطابه لغير حمزة و الكسائى،و لا سيما و قد قال فى آخر البيت أولا،فيتوهم أنه رمز لنافع،و إنما هو ظرف للحرفين،أى اللفظين الواقعين أول سورة النحل،و لم يحترز بذلك من شيء بعدهما و إنما هو زيادة بيان،و هذا مما يقوى ذلك الوهم، و لو كان احترازا لخف أمره،و الذى هنا بعده:

(وَ ما كانَ النّاسُ إِلاّ أُمَّةً 2) .

و الذى فى الروم بعده:

(ظَهَرَ الْفَسادُ 3) .

و اللذان فى النحل:

(سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (4) - بِالْحَقِّ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ 5) .

الخطاب فى الجميع للمشركين،و الغيب إخبار عنهم،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة القيامة،آية:1.

(2) سورة يونس،آية:19.

(3) سورة الروم،آية:41.

(4) سورة النحل،آية:1.

(5) سورة النحل،آية:3.

ص: 506

746-[يسيّركم قل فيه ينشركم(ك)فى

متاع سوى حفص برفع تحمّلا]

أى جعل مكان يسيركم ينشركم من قوله تعالى:

(فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ (1) -و- مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا 2) .

بالرفع خبر-بغيكم-أو خبر مبتدأ محذوف،أى هو متاع،و خبر:بغيكم-قوله-على أنفسكم-أى لا يتجاوزها،و نصب متاع على أنه مصدر،أى تتمتعون متاعا،و قال أبو على تبغون متاع الحياة الدنيا،أو يكون متعلقا بقوله بغيكم،و خبر بغيكم محذوف لطول الكلام.

747-[و إسكان قطعا(د)ون(ر)يب وروده

و فى باء تبلو التّاء(ش)اع تنزّلا]

القطع بسكون الطاء:الجزء من الليل الذى فيه ظلمة،قال اللّه تعالى:

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ 3) .

و قال الشاعر:

افتحى الباب فانظرى فى النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم

و بفتح الطاء:جمع قطعة،و كلتا القراءتين ظاهرة،و قوله مظلما:صفة قطعا،على قراءة الإسكان،و على قراءة الفتح هو حال من الليل،و أما:

(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ 4) .

فقرأها حمزة و الكسائى بتاءين.من التلاوة أو من التلوّ،و هو:الإتباع،و قرأها الباقون بباء موحدة قبل اللام،من الاختبار،و تنزلا:نصب على التمييز،و لم يقيد الناظم حرفى القراءة مما لا يحتمل التصحيف على عادته،مثل شاع بالثا مثلثا،و غيرهما بالباء:نقطة أسفلا،و هو مشكل إذ من الجائز أن تقرأ:و فى تاء تبلوا الباء شاع،فيكون عكس مراده،فلو أنه قال فى البيت الأول:متاع سوى حفص و قطعا رضى دلا:

بالإسكان تبلو كل نفس من التلا وة و الباقون تبلو من البلا

لا تضح المراد،و يكون الإطلاق فى متاع دالا على رفعه،فلا يحتاج إلى قيد،على ما عرف من اصطلاحه و اللّه أعلم.

748-[و يا لا يهدّى اكسر(ص)فيّا و هاه(ن)ل

و أخفى(ب)نو(ح)مد و خفّف(ش)لشلا]

********

(1) سورة الجمعة،آية:10.

(2) سورة القصص،آية:60.

(3) سورة الحجر،آية:65.

(4) سورة يونس،آية:30.

ص: 507

قصر:يا،و ها،ضرورة أراد:

(أم من لا يهدّى (1).

قرأه حمزة و الكسائى من هدى يهدى،كرمى يرمى،و هو بمعنى يهتدى،أو على أنه على تقدير إلا بأن يهدى و حرف الجر يحذف مع أن كثيرا،و قراءة الباقين:أصلها يهتدى،فأريد إدغام التاء فى الدال،فألقيت حركتها على الهاء لتدل على حركة المدغم،كما قالوا:يعض،و يرد،و يفر،و الأصل:يعضض،و يردد،و يفرر، و كسر عاصم الهاء لالتقاء الساكنين،و لم ينبه على حركة المدغم،لأنه قد علم أن تاء الافتعال لا تكون إلا مفتوحة بخلاف عين الفعل المدغمة فى يعض و يرد و يفر،فإن حركتها اختلفت كما ترى،و لم يفعل ذلك عاصم فى:

(لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ 2) .

ففتح كغيره،و لم يكسر،لأن الكسر فى لا يهدى أنسب للياء قبلها،و كسر شعبة الياء اتباعا للهاء،و لا يجوز كسر ياء المضارعة إلا فى مثل هذا،و فى ييجل،لننقلب الواو ياء،و من أخفى حركة الهاء نبه بذلك على أن أصلها السكون.قال فى التيسير:و النص عن قالون بالإسكان.

قلت:و الكلام عليه كما سبق فى-لا تعدو-و-نعما-و غيرهما،لأنه جمع بين الساكنين على غير حدهما، فلا يستقيم،و شلشلا:حال،لأنه كتب فى المصحف بغير تاء،فخفف قراءة فى حال كونها خفيفا فى الرسم، و يجوز أن يكون شلشلا:صفة قامت مقام المصدر،و هى فى معناه،لا من لفظه ل فكأنه قال:و خفف خفيفا:

أى تخفيفا،كما قال:قم قائما،أى قياما،و عنى بالتخفيف:قراءة ترك تشديد الدال،و بقى سكون الهاء لم ينبه عليه،و هذا قد سبق له نظائر،و لكنه نطق فيها بالكلمات مخففة،نحو:و فى الكل تلقف خف حفص، و لا يتبعوكم خف،و يغشى سما خفا،و موهن بالتخفيف ذاع،و لو قال فى موضع و خفف شلشلا:و يهدى شمردلا،لكان أبين،لكونه نص على لفظ القراءة،كما نص على لفظ قراءة الباقين فى قوله:و يا«لا»يهدى اكسر،فيكون المعنى،و قرئ:يهدى فى حال كونه شمر دلا أى خفيفا.

749-[و لكن خفيف و ارفع النّاس عنهما

و خاطب فيها يجمعون(ل)ه(م)لا]

أراد (وَ لكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 3) .

الخلاف فيها كما سبق فى:

(وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا (4) - وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ (5) - وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى 6) .

و قوله:عنهما،أى عن حمزة و الكسائى،و الغيبة و الخطاب فى قوله:-هو خير مما يجمعون-ظاهر أن

********

(1) سورة يونس،آية:35.

(2) سورة النساء،آية:154.

(3) سورة البقرة،آية:57.

(4) سورة البقرة،آية:102.

(5) سورة البقرة،آية:177.

(6) سورة الأنفال،آية:17.

ص: 508

الخطاب للكفار،و الغيب إخبار عنهم،و قوله فيها:أى فى هذه السورة،و ملا جمع ملاءة،و هى:

الملحفة،و قد ذكرنا المراد بها.

750-[و يعزب كسر الضّمّ مع سبأ(ر)سا

و أصغر فارفعه و أكبر(ف)يصلا]

أى مع حرف سبأ،و الكسر و الضم فى زاى يعزب:لغتان،و معناه و ما يبعد و ما يغيب،و معنى رسا، ثبت و استقر و رفع،و لا أصغر على الابتداء،و الفتح على أنه اسم لا،بنى معها كالوجهين فى لا حول و لا قوة إلا باللّه،بفتحهما و رفعهما،على ما ذكرناه.و قال كثير من الناس:أن الرفع عطف على موضع من مثقال، و الفتح على لفظ مثقال،أو على ذرة و لكنه لا ينصرف،و هو مشكل من جهة المعنى،و يزيل الإشكال أن يقدر قبل قوله-إلا فى كتاب-ليس شيء من ذلك إلا فى كتاب مبين،و كذا يقدر فى آية الأنعام:

(وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ 1) .

و أما الذى فى سورة سبأ فلم يقرأ:

(وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ 2) .

إلا بالرفع فقط،و هو يقوى قول من يقول:إنه معطوف،و سببه أن-مثقال-فيها بالرفع،لأنه ليس قبله حرف جر،و فيصلا:حال من المرفوع،و كأنه أشار إلى الوجه المذكور أوّلا،أى انفصل مما قبله فى المعنى فارتفع بالابتداء و الخبر،و قال الشيخ:فيصلا:حال من الفاعل فى ارفعه،أى حاكما فى ذلك.

751-[مع المدّ قطع السّحر(ح)كم تبوّءا

بيا وقف حفص لم يصحّ فيحملا]

أى قطع همز السحر مع ما بعدها حكم من الأحكام المنقولة فى علم القراءات،يريد قوله تعالى:

(ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) .

قرأه أبو عمرو بقطع الهمزة،على أنها للاستفهام،و بالمد بعدها بدلا من همزة الوصل،فصار مثل -آلذكرين-و هو استفهام بمعنى التقرير و الإنكار عليهم،و ما فى-ما جئتم به-استفهامية أيضا،أى:أى شيء جئتم به،ثم ابتدأ-آلسحر-أى أ هو السحر؟و قراءة الجماعة بهمزة وصل من غير مد:على أن ما موصولة بجئتم به،و هى مبتدأ،و السحر خبرها،أى الذى جئتم به السحر حقيقة،و حكى أبو على الأهوازى من طريق الأصمعى عن أبى عمرو مثل قراءة الجماعة،و أما:

(أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما 3) .

فروى عن حفص أنه إذا وقف عليه أبدل الهمزة ياء مفتوحة،و أنكر ذلك أبو العباس الأشنانى فيما حكاه

********

(1) سورة الأنعام،آية:59.

(2) سورة يونس،آية:61.

(3) سورة يونس،آية:87.

ص: 509

ابن أبى هاشم عنه،و لم يعرفه.قال:و قال فى الوقف مثل الوصل؛يعنى بالهمز،قال الدانى:و بذلك قرأت و به آخذ.

قلت:و هو أيضا فاسد من جهة العربية،فإنه ليس على قياس تسهيل الهمز،و قول الناظم:تبوّءا،مبتدأ و وقف حفص إن كان مرفوعا فهو مبتدأ ثان،أى وقف حفص عليه بياء لم يصح،و إن كان وقف مجرورا بإضافة يا إليه،فالخبر لم يصح،أى تبوّءا باليا:لم يصح،و نصب،فيحملا فى جواب النفى بالفاء.

752-[و تتّبعان النّون خفّ(م)دّا و ما

ج بالفتح و الاسكان قبل مثقّلا]

أى خف مداه،لأن الناطق بالخفيفة أقصر مدا من الناطق بالشديدة،و هى نون رفع الفعل على أن تكون لا للنفى لا للنهى،و الواو للحال:أى فاستقيما غير متعبين،أو تكون جملة خبرية معناها النهى،كقوله تعالى:

(لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ 1) .

أو يكون إخبارا محضا بجملة مستأنفة،أى:و لستما تتبعان،و إن قلنا:إن لا:نهى،كانت النون نون التأكيد الخفيفة على قول يونس و الفراء،و كسرت لالتقاء الساكنين،و قيل:خففت الثقيلة للتضعيف،كما تخفف رب و إن،ثم إن الناظم ذكر رواية أخرى عن ابن ذكوان،و ليست فى التيسير،و هى بسكون التاء، و فتح الباء و تشديد النون من تبع يتبع،و النون المشددة للتأكيد،فهذا معنى قوله:و ماج،أى اضطرب بالفتح فى الباء و الإسكان فى التاء قبل الباء،و مثقلا:حال من فاعل ماج،و هو ضمير تتبعان،و هذه قراءة جيدة لا إشكال فيها.قال الدانى فى غير التيسير:و قد ظن عامة البغداديين أن ابن ذكوان أراد تخفيف التاء دون النون،لأنه قال فى كتابه بالتخفيف،و لم يذكر حرفا بعينه،قال:و ليس كما ظنوا،لأن الذين تلقوا ذلك أداء و أخذوه منه مشافهة:أولى أن يصار إلى قولهم،و يعتمد على روايتهم،و إن لم يتفق ذلك فى قياس العربية، و لم يذكر ابن مجاهد عن ابن ذكوان غير هذا الوجه،و ذكر الأهوازى عن ابن عامر فى هذه الكلمة أربع قراءات تشديد التاء و النون كالجماعة،و تخفيفهما و تشديد التاء،و تخفيف النون،و عكسه:تخفيف التاء و تشديد النون و هما الوجهان المذكوران فى القصيدة،و ساق الأخير من طريق ابن ذكوان.

فان قلت:هل يجوز أن تكون الميم فى:و ماج،رمزا نحو الكاف من و كم صحبة،لأنها قراءة و لم يذكر لها قارئا.

قلت:لا يجوز؛لأن الرمز الحرفى إذا تمحض يجب تأخيره عن القراءة،بل تكون هذه القراءة لمن رمز له فى القراءة قبلها،كقوله:و عم بلا واو الذين:البيت،فالقراءتان متى اجتمعتا فى بيت لقارئ متحد،تارة يتقدم رمزه،و تارة يتأخر،مثل كفلا،فى البيت الذى أوله عليم،و قالوا:و قد رد القراءة فى بيت لا رمز فيه على رمز فى بيت قبله،فى قراءة فتثبتوا فى سورة النساء،فما هنا أولى،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة البقرة،آية:83.

ص: 510

753-[و فى أنّه اكسر(ش)افيا و بنونه

و نجعل(صف)و الخفّ ننج(ر)ضى(ع)لا]

يريد قوله تعالى:

(آمَنْتُ أَنَّهُ 1) .

الكسر فيه للاستئناف،أو على إضمار القول،و القول هنا هو المعبر عنه بالإيمان،أو ضمن-آمنت-معنى قلت،و الفتح على حذف الباء،أى:آمنت بأنه كذا،نحو يؤمنون بالغيب،و هو مفعوله من غير تقدير حرف جر،أى صدّقت أنه كذا،و الخلف فى قوله سبحانه:

(و نجعل الرّجس (2).

بالنون و الياء ظاهر،النون للعظمة و الياء لأن قبله-إلا بإذن اللّه-و الهاء فى قوله،و بنونه لقوله:و نجعل نحو:فى داره زيد،لأن الواو فى-و نجعل-من التلاوة،فيكون-و نجعل-مبتدا،و بنونه:خبر مقدم،أى استقر بنونه،و يجوز أن تكون-و نجعل-مفعول صف،أى:صف بنونه،و الخف مبتدأ،و ننجى مفعول به،كما ذكرنا فى قوله فى الأعراف؛و الخف أبلغكم،و رضى:خبر المبتدا،و علا:تمييز،أو خبر بعد خبر،و ننجى المختلف فى تخفيفه و تشديده،هو:

(كذلك حقّا علينا ننجى المؤمنين (3).

و هما لغتان:أنجى و نجى،كأنزل و نزل،و لا خلاف فى تشديد الذى قبله:

(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا 3) .

و لا فى تشديد-ننجيك ببدنك-فى هذه الطريقة المنظومة،و قد ذكر أبو على الأهوازى الخلاف فيهما أيضا،و نسب تخفيفهما إلى أبى عمرو و الكسائى،و كتبت ننجى المؤمنين بلا ياء فى المصاحف الأئمة؛فلهذا يقع فى كتب مصنفى القراءات بلا ياء.قال الشيخ:و الوقف عليه على رسمه بغير ياء.

قلت:و يقع فى نسخ القصيدة ننج بلا ياء،و الأصل الياء كتابة و لفظا.

فان قلت:لعله ذكره بلا ياء ليدل على موضع الخلاف،لأن الياء فيه محذوفة فى الوصل لالتقاء الساكنين.

قلت:لو كان أراد ذلك لم يحتج إلى تقييده بما ذكره فى البيت الآتى،و هو:

754-[و ذاك هو الثّانى و نفسى تاؤها

و ربّى مع أجرى و إنّى ولى حلا]

يعنى:هو الثانى بعد كلمة-و نجعل الرجس-و إلا فهو الثالث لوعد-ننجيك-و الكلام فى هذا كما سبق

********

(1) سورة يونس،آية:90.

(2) سورة يونس،آية:100.

(3) سورة يونس،آية:103.

ص: 511

فى الأعراف فى قوله-لا يعلمون-قل لشعبة فى الثانى،يعنى بعد خالصة،و إلا فهو ثالث،ثم ذكر ياءات الإضافة،و هى خمس،و أراد:

(مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ (1) - قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ 2) .

فتحها نافع و أبو عمرو:

(إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ 3) .

فتحها نافع و أبو عمرو و ابن عامر و حفص:

(إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ (4) - لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ) .

فتحهما الحرميان و أبو عمرو،و حلا:ليس برمز،و كذا كل ما كان مثله مما مضى و مما يأتى من الأبيات المذكور فيها عدد ياءات الإضافة،لأنه لم يذكر أحكامها فى أواخر السور،كما سبق بيان،و الهاء فى ياؤها للسورة،و ليس فيها من الزوائد شيء؛و اللّه أعلم.

********

(1) سورة يونس،آية:15.

(2) سورة يونس،آية:53.

(3) سورة يونس،آية:72.

(4) سورة يونس،آية:15.

ص: 512

سورة هود

755-[و إنّى لكم بالفتح(حقّ ر)واته

و بادئ بعد الدّال بالهمز(ح)لّلا]

يريد (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) .

فى أول قصة نوح:الفتح على حذف الباء،أى أرسلناه بهذا الكلام،و الكسر على:فقال-إنى لكم- و أما-بادئ الرأى-فذكر أن أبا عمرو قرأه بهمزة بعد الدال،و بدأ الشيء:أوله،و لم يبين قراءة الجماعة، و هى بياء مفتوحة،إما من بدأ إذا ظهر،أو يكون خفف الهمز الذى فى قراءة أبى عمرو،و قياس تخفيفه أنه يبدل ياء لانفتاحه و كسر ما قبله،فهو كما فى ضياء فى قراءة قنبل،و لو قال:و بادئ همز الياء عن ولد العلا، لكان أجلى و أحلى،و حللا من التحليل.

756-[و من كلّ نون مع قد افلح عالما

فعمّيت اضممه و ثقّل(ش)ذّا(ع)لا]

يريد (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) .

هنا و فى سورة:

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1) .

التنوين فى تقدير:من كل شيء زوجين،و يكون زوجين:مفعولا،و اثنين تأكيدا،و على قراءة غير حفص يكون اثنين:مفعول احمل،و أما:

(فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ 2) .

فاضمم عينه و شدّد ميمه،فيكون معناه:أخفيت،و قراءة الباقين بالتخفيف على معنى:خفيت، و وزنه،و لا خلاف فى تخفيف:

(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ 3) .

فى سورة القصص،و إعراضه عن ذكرها دليل على أن الخلف المذكور مختص بما فى هذه السورة،أ لا ترى أن-من كل زوجين-لما كان فى سورتين،ذكرهما،و هو:أول هذا البيت،و يجوز فى البيت ضم تاء، فعميت و كسرها،كما قرئ بهما قوله تعالى:

(قالَتِ اخْرُجْ) .

********

(1) سورة المؤمنون،آية:1.

(2) سورة القصص،آية:66.

(3) سورة يوسف،آية:31.

ص: 513

الكسر على التقاء الساكنين،و الضم للإتباع،و شذا:حال من الفاعل أو المفعول فى اضممه،و ثقل أى ذا شذا عال،و اللّه أعلم.

757-[و فى ضمّ مجراها سواهم و فتح يا

بنىّ هنا(ن)صّ و فى الكلّ(ع)وّلا]

أى غير حمزة و الكسائى و حفص:ضم ميم-مجراها-على أنه مصدر:أجرى،و هؤلاء فتحوها على أنها مصدر:جرى«و فى»فى قوله:و فى ضم بمعنى على،أى:على ضمها من عدا هؤلاء،و أما يا بنىّ بفتح الياء و كسرها،فلغتان:مثل ما تقدم فى-يا ابن أمّ-بفتح الميم و كسرها،ففتح حفص الجميع،و وافقه أبو بكر هنا،فعلى الكسر أصله:يبنى،فحذفت الياء كما تقول:يا غلام،و الأصل يا غلامى،و على الفتح أبدلت الياء ألفا،لتوالى الياءات و الكسرات،ثم حذفت الألف،و بقيت الفتحة دالة عليها.

758-[و آخر لقمان يواليه أحمد

و سكّنه(ز)اك و شيخه الأوّلا]

فى لقمان ثلاثة مواضع:

(يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ (1) - يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ (1) - يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ 1) .

فالوسطى على ما تقدم تفتح لحفص،و تكسر لابن كثير و غيره.و الأولى و الأخيرة فتحهما حفص، و كسرهما من عدا ابن كثير،و أما ابن كثير فسكن الأولى،و له فى الأخيرة وجهان،فتحها البزى،فوافق حفصا فى ذلك و سكنها قنبل،و وجه الإسكان:أن بعد حذف ياء الإضافة بقى ياء مشددة،هى مجموع ياء التصغير،و ياء لام الفعل،فخفف ذلك التشديد بحذف الياء الأخيرة،و هى لام:الفعل،و بقيت ياء التصغير و هى ساكنة،و كأنه عند التحقيق وصل بنية الوقف،فإذا وقف على المشدّد جاز تخفيفه،و فى قراءة ابن كثير جمع بين اللغات الثلاث،ففتح و سكن،و كسر الأكثر،و معنى يواليه:يتابعه،و أحمد هو:اسم البزى،و زاك عبارة عن قنبل،و شيخه هو:ابن كثير.

759-[و فى عمل فتح و رفع و نوّنوا

و غير ارفعوا إلاّ الكسائىّ ذا الملا]

يريد (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) .

فالفتح فى الميم،و الرفع و التنوين فى اللام،فقراءة الكسائى واضحة،أى إنه عمل عملا غير صالح،و قراءة الجماعة على تقدير إنه ذو عمل،و إن كانت الهاء فى إنه عائدة على النداء،فقراءتهم أيضا واضحة،و الملا:

الأشراف،و يريد:مشايخه أو أصحابه.

********

(1) سورة لقمان،الآيات:13 و 16 و 17.

ص: 514

760-[و تسألن خفّ الكهف(ظ)لّ(ح)مي و

هاهنا(غ)صنه و افتح هنا نونه(د)لا]

الذى فى الكهف:

(فلا تسألن عن شيء-و الذى هنا- فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ) .

و أصله:فلا تسئل،لحقته نون الوقاية،بعدها ياء المفعول،و هى ثابتة فى الكهف لثبوتها فى الرسم،إلا فى وجه:عن ابن ذكوان،تقدم ذكره فى آخر باب الزوائد،و أما هنا فحذفت الياء تخفيفا،فهذه قراءة الجماعة المرموزين فى هذا البيت،و المراد بالتخفيف:تخفيف النون،و الباقون ألحقوا نون التأكيد الخفيفة فى آخر الفعل،فأدغمت فى نون الوقاية،ففتحت اللام،و كانت ساكنة،لأجل التقاء الساكنين فبقيت نون مشدّدة مكسورة،فبهذا قرأ نافع فى الكهف،مع إثبات الياء،و كذا ابن عامر،و فى وجه حذف ابن ذكوان الياء،و أما هنا فقرأ ابن عامر و نافع و ابن كثير بالتشديد،إلا أن نافعا و ابن عامر كسرا النون من غير ياء، و ابن كثير فتح النون،لأنه ألحق الفعل نون التأكيد الثقيلة،و لم يأت بنون الوقاية،و لا ياء المفعول،و إنما لم يفعل فى الكهف مثل هذه،لأن الياء فيه ثابتة فى الرسم،و يلزم من إثبات الياء كسر النون،و أما التى فى هود فلم ترسم فيها ياء،فأمكن فيها القراءتان،و قول الناظم:خف الكهف صفة-تسألن-أى الخفيف فى سورة الكهف،و ظل حمى:خبره،و لفظ بقوله-تسألن-بلا ياء،ليشمل لفظ ما فى السورتين،و قوله و هاهنا غصنه أى فرع ذلك،لأن من خففه أقل عددا من مخفف الكهف،و قد سبق معنى و لا،و فاعله:ضمير عائد على تسألن،أى جمع وجوه القراءات فيه،من فتح و كسر،و تخفيف و تشديد فى السورتين،فهو كمن أخرج دلوه ملآنا.

761-[و يومئذ مع سال فافتح(أ)تى(ر)ضا

و فى النمل(حصن)قبله النّون(ث)مّلا]

يريد (وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) .

و فى سورة-سأل سائل- (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ 1) .

قرئ بفتح الميم و جرها،فأما جرها فظاهر،لأنه اسم أضيف إليه ما قبله،فكان مجرورا،و أما وجه الفتح فكونه أضيف إلى غير متمكن،و هو«إذ»و هذه حالة كل ظرف لزم الإضافة،إذا أضيف إلى غير متمكن، و يجوز أن لا يبنى،و عليه القراءة الأخرى.و أما الذى فى النمل،و هو:

(وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ 2) .

فزاد على فتح الميم عاصم و حمزة،لكن الكوفيون نوّنوا قبله-من فزع-فهذا معنى قوله:قبله النون،

********

(1) سورة المعارج،آية:11.

(2) آية:89.

ص: 515

أى قبل يومئذ زاد الكوفيون نونا أو تنوينا،و الباقون أضافوا-من فزع-إلى-يومئذ-فمن جرّ الميم مع الإضافة فقراءته واضحة،كما سبق شرحه،و هو ابن كثير و أبو عمرو،و ابن عامر،على أصلهم،و من فتحها مع الإضافة،و هو:نافع وحده،فوجهه ما تقدم.فقراءته فى السور الثلاث على طريقة واحدة،و أما فتح الميم بعد التنوين،فهو فى قراءة عاصم و حمزة يكون حركة إعراب،و هو ظرف منصوب إما بفزع،و إما بآمنون،و قراءة الكسائى تحتمل الأمرين،لأنه فتح الذى فى هود و سأل،لاعتقاده فيه البناء،فكذا لو وجه هذا التنكير فى فزع أنه أريد تهويله،أى من فزع عظيم،و هو الفزع الأكبر:آمننا اللّه تعالى منه،و معنى ثمل:أصلح،لأن التنوين جوّد الفتح على الظرفية،و لم يخرج إلى وجه البناء،و اللّه أعلم.

762-[ثمود مع الفرقان و العنكبوت لم

ينوّن(ع)لى(ف)صل و فى النّجم(ف)صّلا]

أراد(ألا إنّ ثمودا كفروا ربّهم).

و فى الفرقان:

(وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ 1) .

و فى العنكبوت:

(وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ 2) .

و فى النجم:

(وَ ثَمُودَ فَما أَبْقى 3) .

لم ينون الجميع حفص و حمزة،و وافقهما أبو بكر على عدم تنوين الذى فى النجم،و رمزه فى أول البيت الآتى:«نما»،لأن النون لعاصم بكماله فى اصطلاح هذه الطريقة،عبارة عن أبى بكر و حفص معا،و الباقون نونوا فى الجميع،و وجه التنوين و عدمه مبنى على صرف هذه الكلمة و عدم صرفها،و للعرب فيها مذهبان:

تارة تصرفها ذهابا إلى اسم الحى،و تارة تترك صرفها ذهابا إلى اسم القبيلة،و كذا الخلاف فى سبأ لما سيأتى فى سورة النمل.فإن قلت:أطلق قوله:ثمود هنا،فما المانع أن يظن أنه أراد التى فى أوّل القصة-و إلى ثمود أخاهم صالحا-و هو غير منصرف اتفاقا،قلت:منع منه أمران.

أحدهما أن هذا سابق على كلمة يومئذ،فلو كان فيه خلاف لذكره قبل مسئلة يومئذ،لا يقال:إنه فى بعض المواضع يقدم ما تأخر من الحروف و يؤخر ما تقدم،كقوله بعد هذا البيت:و يعقوب،ثم قال هنا:قال سلم، و مثله و درى اكسر،ثم قال:يسبح فتح الباء.كذا صف،و توقد البيت،و لفظ توقد قبل يسبح،و إنما ضرورة النظم تحوج إلى مثل هذا،فإن جوابه أنه لا ضرورة هنا،لأن مسئلة يومئذ فى بيت مستقل،فكان يمكنه تأخيره.

********

(1) الآية:38.

(2) الآية:38.

(3) الآية:51.

ص: 516

الأمر الثانى:أن جميع هذه المواضع الأربعة المختلف فيها منصوبة و الخلاف واقع فى إثبات التنوين و عدمه فقط،و أما قوله:و إلى ثمود،فمجرور،فلا يكفى فيه ذكر التنوين،بل لا بدّ من جره عند من صرفه،كما ذكر بعد ذلك فى الثمود،فلم يدخل فى مراده،و اللّه أعلم.قال سيبويه و ثمود و سبأ هما:مرة للقبيلتين،و مرة للحيين،و كثرتهما سواء.قال أبو على:فمن صرف فى جميع المواضع كان حسنا،و من لم يصرف فى جميع المواضع فكذلك،و كذلك إن صرف فى موضع و لم يصرف فى موضع آخر،إلا أنه لا ينبغى أن يخرج عما قرأت به القراء،لأن القراءة سنة،فلا ينبغى أن نحمل على ما تجوزه العربية حتى ينضم إلى ذلك الأثر من قراءة القراء و قول الناظم:على فصل:أى على قول فصل،و اللّه أعلم.

و اختار أبو عبيد قراءة التنوين فى هذه المواضع الأربعة،لأنها رسمت بألف بعد الدال،و هو دليل الصرف.

763-[(ن)ما لثمود نوّنوا و اخفضوا(ر)ضا

و يعقوب نصب الرّفع(ع)ن(ف)اضل(ك)لا]

نما من تتمة رمز الذى فى النجم،ثم ابتدأ لثمود أراد:

(أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) .

صرفه الكسائى فخفضه و نونه موافقة لما قبله،و هو:

(أَلا إِنَّ ثَمُودَ) .

و فتحه الباقون غير منون،لأنه غير مصروف،و قوله:رضى،أى:ذوى رضى و موضع لثمود نصب بما بعده،و قرئ يعقوب بالنصب و الرفع،فالنصب على تقدير و وهبنا لها يعقوب من وراء إسحاق،و دل عليه معنى قوله تعالى:

(فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) .

لأنه فى معنى وهبنا،و اختاره أبو على،و ذكر وجهين آخرين على ضعف فيهما:أحدهما أن يكون مجرورا، عطفا على إسحاق،و الثانى أن يكون منصوبا،عطفا على موضع بإسحاق،أى فبشرناها-بإسحاق-،و يعقوب، من وراء إسحاق،و ضعفهما من جهة الفصل بين واو العطف و المعطوف بالظرف،فهو كالفصل بين الجار و المجرور،و لو قلت مررت بزيد اليوم و أمس عمرو على:تقدير و بعمر و أمس،لم يحسن،و لكن فى الشعر يحتمل مثل ذلك كما جاء بكف يوما يهودى و مثله فى الفصل بين حرف العطف و المرفوع،و آونة أثالى،و فى المنصوب.

و يوما أديمها نعلا

فى بيتين معروفين أنشدهما أبو على و غيره،الأول لابن أحمر،و الثانى للأعشى،و له نظير فى إعراب بعضهم.

ص: 517

(وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ 1) .

على أن هاد عطف على منذر،أى أنت منذر و هاد لكل قوم،و قد مضى فى هذه القصيدة،و سيأتى نحو من ذلك فى نظم الناظم،و ذكر وجه العطف جماعة من أئمة العربية،و أما قراءة يعقوب بالرفع،فعلى الابتداء و خبره ما قبله،أى مولود لها من وراء إسحاق يعقوب،أو يكون فاعل من وراء،على قول الأخفش:أى و استقر لها من وراء إسحاق يعقوب.قال أبو جعفر النحاس:و تكون الجملة فى موضع الحال،و أظنه فى البشارة أى فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب،قال:و يجوز على إضمار فعل،أى:و يحدث من وراء إسحاق يعقوب و قوله نصب الرفع،أى نصب رفعه،أو نصب الرفع فيه منقول عن فاضل،كلأه:أى حفظه.

764-[هنا قال سلم كسره و سكونه

و قصر و فوق الطّور(ش)اع تنزّلا]

كسره:مبتدأ و سكونه و قصر عطف عليه،و شاع خبر المبتدا،و تنزلا تمييز،و فوق الطور:عطف على هنا،أى قوله:قال سلم موضع قال سلام-هنا و فى الذاريات،و هما لغتان،كحرم و حرام،و حل و حلال،و قيل سلم ضد حرب،و ذلك لأنه نكرهم،فقال:أنا مسالم لكم،و رفعه على حكاية قوله،أى:

سلام عليكم،أوامرى سلام و نصب-قالوا سلاما-أى قولا ذا سلامة،لم يقصد فيه حكاية قولهم،و كذا معنى قوله تعالى:

(وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً 2) .

و أما فى كل موضع يقصد التسليم،فلم يأت الأمر معرفا،و الأكثر تنكيره:

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ (3) - سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (4) - سَلامٌ عَلى نُوحٍ (5) - وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ 6) .

و جاء معرفا فى:

(وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ (7) - وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى 8) .

و قيل التقدير:سلمنا سلاما،و له نظائر،و اللّه أعلم.

765-[و فاسر أن اسر الوصل(أ)صل(د)نا و ها

هنا(حقّ)إلاّ امراتك ارفع و أبدلا]

يريد:حيث جاء هذان اللفظان،و جاء فأسر فى ثلاث سور:هنا:

********

(1) سورة الرعد،آية:7.

(2) سورة الفرقان،آية:63.

(3) سورة الرعد،آية:24.

(4) سورة يس،آية:58.

(5) سورة الصافات،آية:79.

(6) سورة مريم،آية:16.

(7) سورة مريم،آية:32.

(8) سورة طه،آية:47.

ص: 518

(فأسر بأهلك بقطع من اللّيل (1).

و مثله فى الحجر و الدخان:

(فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً 2) .

و أما (أَنْ أَسْرِ) .

ففي طه و الشعراء،عنى بالوصل:همزة الوصل و لا يظهر لفظها إلا على تقدير،أن تقف على أن،فتبتدئ:

إسر،بكسر الهمزة،و أما إذا وصلت فلا يظهر إلا أثرها،و هو حذفها فى الدرج،و كسر النون من أن لالتقاء الساكنين لورش و غيره،و أما فى كلمة فأسر،فلا يظهر أثر إلا فى حذفها،و قرأ الباقون بهمزة القطع المفتوحة،فالنون من أن ساكنة على أصلها،لكنها تفتح لحمزة إذا وقف على أن أسر،على رواية نقل الحركة له فى الوقف،و القراءتان مبنيتان على الفعل الذى منه هذا الأمر،و فيه لغتان:سرى،و أسرى،فعلى لغة سرى:جاءت همزة الوصل فى الأمر،كقولك:ارم،من رمى،و على لغة:أسرى،جاءت همزة القطع، كقولك من أعطى:أعط،و يشهد لسرى قوله سبحانه:

(وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ 3) .

و يشهد لأسرى قوله تعالى:

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى 4) .

و يتعلق بهما بحث كما ذكرناه فى تفسير آية سبحان،فأما قوله تعالى:

(وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) .

فقرئ برفع امرأتك و نصبها،فقوله:هاهنا،احترازا من الذى فى العنكبوت:

(إِنّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) .

فإنه منصوب باتفاق،لأنه مستثنى من موجب،و أما هنا فمستثنى من غير موجب،فجرى فيه الوجهان النصب و الرفع،كما سبق فى سورة النساء:

(ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ) .

و(إلاّ قليلا).

لكن لم يقرأ بالنصب ثم إلا واحد،و هاهنا الأكثر على النصب،فلهذا قال جماعة من أئمة العربية:إنه مستثنى من قوله تعالى:

********

(1) سورة الحجر،آية:65،

(2) سورة الدخان،آية:23.

(3) سورة الفجر،آية:4.

(4) أول سورة الإسراء.

ص: 519

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) .

ليكون مستثنى من موجب،و هذا فيه إشكال من جهة المعنى؛إذ يلزم من استثنائه من:

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) .

أن لا يكون أسرى بها،و إذا لم يسر بها،كيف يقال:

(لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ) .

على قراءة الرفع،فكيف تؤمر بالالتفات،و قد أمر أن لا يسرى بها،فهى لما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا،فيجوز أن يكون هو لم يسر بها،و لكنها تبعتهم،و التفتت،فأصابها ما أصاب قومها،و الذى يظهر لى أن الاستثناء على القراءتين منقطع،لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم،و لا من المنهيين عن الالتفات،و لكن استؤنف الإخبار عنها بمعنى:لكن امرأتك يجرى لها كيت و كيت،و الدليل على صحة هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت فى سورة الحجر،و ليس فيها استثناء أصلا،فقال تعالى:

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَ اتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَ امْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ 1) .

فلم تقع العناية إلا بذكر من أنجاهم اللّه تعالى،فجاء شرح حال امرأته فى سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم،و نحو ذلك قوله تعالى فى سورة الحجر:

(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ 2) .

قال كثير من المفسرين:إنه استثناء متصل،و بنى قوم على ذلك جواب الاستثناء:الأكثر من الأقل، لأن الغاوى أكثر من المهتدى،و عندى أنه منقطع،بدليل أنه فى سورة سبحان:

(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ،وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً 3) .

فأطلق و لم يستثن الغاوين،دل على أنه أراد بقوله تعالى-عبادى المخلصين-المكلفين،و هم ليس للشيطان عليهم سلطان،فلا حاجة إلى استثناء الغواة منهم،فحيث جاء فى الحجر استثناء الغواة؛كان على سبيل الانقطاع أى لكن من اتبعك من الغاوين لك عليهم سلطان،فإذا اتضح هذا المعنى لك؛علمت أن القراءتين واردتان على ما يقتضيه العربية فى الاستثناء المنقطع،ففيه لغتان،النصب و الرفع،فالنصب لغة أهل الحجاز،و عليها الأكثر،و الرفع لبنى تميم،و عليها اثنان من القراء،و لهذا قلت فى المنظومة التى فى النحو:

و احمل على المنقطع إلا امرأتك فى هود مطلقا فتقوى حجتك

و قول الناظم:ارفع و أبدلا،يجوز بضم الهمزة و فتحها،فضمها على أنه فعل لم يسم فاعله،و فتحها على الأمر،و الألف فى آخره بدل من نون التأكيد الخفيفة،و المعنى:و احكم على المرفوع أنه بدل من أحد

********

(1) سورة الإسراء،آية:65.

(2) سورة الإسراء،آية:65.

(3) أول سورة المعارج.

ص: 520

قوله- وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ -هذا على قول الجماعة إنه مستثنى من ذلك،و لم يختلفوا فيه،و إنما الخلاف بينهم فى قراءة النصب،منهم من استثناها من ذلك،و منهم من استثناها من-فأسر بأهلك-و قوله- إِلاَّ امْرَأَتَكَ - أبدل فيه الهمزة ألفا،ليتزن له النظم،و قد سمع نحو ذلك من العرب يقولون:المراة و الكماة،فيبدلونها ألفا و لزم من هذه العبارة فى نظمه إيهام،و ذلك أنه قال:ارفع و أبدلا،فيظن أنه أراد ما لفظ به من إبدال الهمزة ألفا،و إنما أراد بالإبدال من جهة الإعراب،و وقع لى فى تصحيح ما أعربه النحاة معنى حسن،و ذلك أن يكون فى الكلام اختصار،نبه عليه اختلاف القراءتين،و كأنه قيل فأسر بأهلك إلا امرأتك،و كذا روى أبو عبيد و غيره:أنها فى قراءة ابن مسعود هكذا،و ليس فيها-و لا يلتفت منكم أحد-فهذا دليل على استثنائها من المسرى بهم،ثم كأنه سبحانه قال:فإن خرجت معكم و تبعتكم من غير أن تكون أنت سريت بها فإنه أهلك عن الالتفات غيرها،فإنها ستلتفت و يصيبها ما أصاب قومها،فكانت قراءة النصب دالة على ذلك المعنى المتقدم، و قراءة الرفع دالة على هذا المعنى المتأخر،و مجموعها دال على جملة المعنى المشروح.

766-[و فى سعدوا فاضمم(صحاب)ا و سل

به و خفّ و إن كلاّ(إ)لى(ص)فوه(د)لا]

صحابا أى ذا صحاب،و يقال:سال عنه و سال به بمعنى،و عليه حمل قوله تعالى:

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ 1) .

أى عن عذاب،و منه:

(فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً 2) .

و قال علقمة:

فإن تسألونى بالنساء فإننى

و قال الشيخ:سل به بمعنى اعتن به،و اشتغل به كما يقال سل عنه،بمعنى ابحث عنه و فتش عنه،و إنما قال ذلك لصعوبة تخريج وجه الضم،لأنه يقتضى أن يكون سعد متعديا،و هى لغة مجهولة،و يدل على وجودها قولهم:مسعود،و المعروف أسعده اللّه،بالألف،و قيل إن سعد لغة هذيل،يقال:سعد كما يقال:جن، و أما:-و إن كلا لما ليوفينهم-فمعناها على القراءات من أشكل الآيات،و قد نظم فى هذا البيت الخلاف فى أن، و فى البيت الآتى الخلاف فى لما،و الخلاف فيهما فى التشديد و التخفيف،فقوله-و إن كلا-فى موضع خفض بإضافة،و خف إليه،و اعلم أنّ إنّ يجوز تخفيفها،و هى باقية على إعمالها،فقوله:كلا اسمها مخففة كانت أو مشددة،و لا يجوز أن يكون المخففة نافية،لأنها قد نصبت كلها،و قد دخلت اللام فى الخبر،إلا فى قراءة من شدد كما يأتى.فهى قراءة أبى بكر وحده،و قوله إلى صفوه دلا:خبر و خف و إن كلا و الهاء فى صفوه للخف،و فاعل دلا:ضمير عائد إلى القارئ،أى إلى صفو الخف أدلى القارئ دلوه،ثم استخرجها:أى وجد قراءة حلوة فقرأ بها،يقال:دلوت الدلو:نزعتها،و أدليتها أرسلتها فى البئر،قال اللّه تعالى:

********

(1) سورة المعارج،آية:1.

(2) سورة الفرقان،آية:59.

ص: 521

(فَأَدْلى دَلْوَهُ 1) .

و اجتزى الشاطبى بقوله:دلا عن أن يقول:أدلى،فدلا لأنه لا يوصف بأنه دلا إلا بعد أن يكون أدلى دلوه.و قال صاحب الصحاح:قد جاء فى الشعر:الدالى بمعنى المدلى،فإذا كان الأمر كذلك ظهر قول الناظم أي دلا إلى صفوه بمعنى أدلى دلوه إليه،و اللّه أعلم.

767-[و فيها و فى يس و الطّارق العلا

يشدّد لمّا(ك)امل(ف)صّ(ن)اعتلا]

العلى:نعت للطارق،و فى جعله نعتا للسور الثلاث نظر من جهة أن بعضها معبر عنه بالضمير،و المضمر لا يوصف،فأشار إلى قوة قراءة من شدد لما بقوله كامل نص فاعتلا،فالقراءات فى هاتين الكلمتين:

(أنّ و لمّا).

أربع:تخفيفهما لنافع و ابن كثير،تشديدهما لابن عامر و حمزة و حفص،تخفيف إنّ و تشديد لمّا لأبى بكر وحده،تشديد إنّ و تخفيف لمّا لأبى عمرو و الكسائى،فمن شدد إنّ و خفف لمّا،فاللام فى لما:هى التى تدخل فيما كان فى خبر إنّ و اللام فى-ليوفينهم-جواب قسم محذوف،و مثله:

(وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ 2) .

غير أن اللام فى،لمن داخلة على الاسم،و فى لمّا داخلة على موضع الخبر،و قام القسم و جوابه مقام الخبر، و-ما-فى لمّا زائدة،لتفرق بين اللامين:لام التوكيد و لام القسم،و قيل بمعنى الذى،و زاد بعضهم فجعلها بمعنى من،و قيل اللام فى لمّا موطئة للقسم،مثل:

(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 3) .

و المعنى:و إن جميعهم،و اللّه ليوفينهم ربك أعمالهم من حسن و قبح و إيمان و جحود،فهذا تعليل قراءة أبى عمرو و الكسائى.قال الفراء:جعل ما اسما للناس كما جاز:

(فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ 4) .

ثم جعل اللام التى فيها جوابا لأن،و جعل اللام التى فى ليوفينهم لا ما دخلت على نية يمين فيما بين ما وصلتها كما تقول:هذا من ليذهبن،و عندى:ما،لغيره خير منه،و مثله.

(وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) .

ثم قال بعد ذلك ما يدل على أن اللام مكررة،فقال:إذا عجلت العرب باللام فى غير موضعها أعادوها إليه،نحو إن زيدا لإليك لمحسن،و مثله:

********

(1) سورة يوسف،آية:19.

(2) سورة النساء،آية:73.

(3) سورة الزمر،آية:65.

(4) سورة النساء،آية:3.

ص: 522

و لو أن قومى لم يكونوا عزة لبعد لقد لا لقيت لا بدّ مصرعا

قال:أدخلها فى بعد و ليس بموضعها،و سمعت أبا الجراح يقول:إنى بحمد اللّه لصالح،و قال أبو على فى قراءة من شدد إن و خفف لما:وجهها بيّن،و هو أنه نصب كلا بأن،و أدخل لام الابتداء على الخبر، و قد دخل فى الخبر لام-ليوفى-و هى التى يتلقى بها القسم،و تختص بالدخول على الفعل،فلما اجتمع اللامان فصل بينهما كما فصل بين أن و اللام،فدخلت ما،و إن كانت زائدة:للفصل،و مثله فى الكلام إن زيدا لما لينطلقن.قال:هذا بين،و يلى هذا الوجه فى البيان قراءة من خفف:

(إنّ و لمّا).

و هى قراءة ابن كثير و نافع.قال سيبويه:حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول:إن عمرا لمنطلق كما قالوا:كأن ثدييه حقان،قال:و وجهه من القياس:

(أنّ:إنّ).

مشبهة فى نصبها بالفعل،و الفعل يعمل محذوفا كما يعمل غير محذوف،نحو لم يك زيد منطلقا.

(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) .

و كذلك لا أدر.

قلت:فتعليل هذه القراءة كالتى قبلها سواء،و اللام فى لمّا هى الفارقة بين المخففة من الثقيلة و النافية،و قال الفراء:و أما الذين خففوا أنّ فإنهم نصبوا،و هو وجه لا أشتهيه،لأن اللام لا يقع الفعل الذى بعدها على شيء قبله،فلو وقعت كل لصلح ذلك كما يصلح أن يقول:إن زيدا لقائم،لا يصلح إن زيدا لا ضرب،لأن تأويلها كتأويل إلا.

قلت:و استشكل أبو على و غيره قراءة من شدد لمّا هنا فى سورة هود،سواء شدد إن أو خففها،لأنه قد نصب بها-كلا-و إذا نصب بالمخففة كانت بمنزلة المنقلة،فكما لا يحسن إن زيدا إلا منطلق،لأن إلا إيجاب بعد نفى،و لم يتقدم هذا إلا إيجاب مؤكد،فكذا لا يحسن إن زيدا لما منطلق،لأنه بمعناه،و إنما شاع نشدتك باللّه إلا فعلت،و لما،لأن معناه الطلب،فكأنه قال:ما أطلب منك إلا فعلك،فحرف النفى مراد مثل:

(تَاللّهِ تَفْتَؤُا 1) .

و مثل أبو على بقولهم:شر أهر ذا ناب،أى ما أهره إلا شر،قال:و ليس فى الآية معنى النفى و لا الطلب، و حكى عن الكسائى أنه قال:لا أعرف وجه التثقيل فى لمّا.قال أبو على:و لم يبعد فيما قال:قال أبو جعفر النحاس:القراءة بتشديدها عند أكثر النحويين لحن،حكى عن محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز،و لا يقال:إن زيدا إلا لأضربنه،و لا لما لأضربنه،قال:و قال الكسائى:اللّه جل و عز أعلم بهذه القراءة،ما أعرف لها وجها قال:و للنحويين بعد هذا فيها أربعة أقوال:فذكرها مختصرة،و أنا أبسطها،و أنبه على ما فيها،ثم أذكر وجها خامسا هو الحق إن شاء اللّه تعالى.

********

(1) سورة يوسف،آية:85.

ص: 523

الأول قاله الفراء،و تبعه فيه جماعة،قال:أراد لمن ما،فلما اجتمع ثلاث ميمات حذف واحدة،فبقيت ثنتان،فأدغمت إحداهما فى الأخرى كما قال الشاعر:

و إنى لما أصدر الأمر وجهه إذا هو أعيا بالسبيل مصادر

قال نصر بن على الشيرازى:وصل من الجارة بما،فانقلبت النون أيضا ميما للإدغام،فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت احديهن،فبقى لمّا بالتشديد،قال:و ما هاهنا بمعنى:من،و هو اسم لجماعة الناس،كما قال تعالى:

(فَانْكِحُوا ما طابَ) .

إلى من طاب،و المعنى:و إن كلا من الذين ليوفينهم ربك أعمالهم،أو من جماعة ليوفينهم ربك أعمالهم، قال المهدوى:حذفت الميم المكسورة،و التقدير لمن خلق ليوفينهم،و جوز أن يكون تقدير هذا الوجه:

لمن ما،بفتح الميم،و تكون اللام داخلة على من التى بمعنى الذى،و ما بعدها زائدة.

قال:فقلبت النون ميما،و أدغمت فى الميم التى بعدها،فاجتمعت ثلاث ميمات،فحذفت الوسطى منهن،و هى المبدلة من النون،فقيل لما قلت،فقد صار لهذا الوجه الذى استنبطه الفراء تقديران،و سبق المهدوى إلى التقدير الثانى:أبو محمد مكى،و قال:التقدير:و إن كلا لخلق ليوفينهم ربك،قال:فيرجع إلى معنى القراءة الأولى التى بالتخفيف،و هذا هو الذى حكاه الزجاج،فقال:زعم بعض النحويين أن معناه لمن ما،ثم قلبت النون ميما،فاجتمعت ثلاث ميمات،فحذفت الوسطى،قال:و هذا القول ليس بشيء،لأن من لا يجوز حذفها،لأنها اسم على حرفين و قال النحاس:قال أبو إسحاق:هذا خطأ،لأنه يحذف النون من من، فيبقى حرف واحد،و قال أبو على:إذا لم يقو الإدغام على تحريك الساكن قبل الحرف المدغم فى نحو:قوم مالك،فأن لا يجوز الحذف أجدر،قال على:إن فى هذه السورة ميمات اجتمعت فى الإدغام أكثر مما كان يجتمع فى لمن ما،و لم يحذف منها شيء،و ذلك قوله:

(وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) .

فإذا لم يحذف شيء من هذا،فأن لا يحذف ثم أجدر.

قلت:و ما ذكره الفراء استنباط حسن،و هو قريب من قولهم فى:

(لكِنَّا هُوَ اللّهُ رَبِّي 1) .

أصله:لكن أنا،تم حذفت الهمزة و أدغمت النون فى النون،و كذا قولهم أما أنت منطلقا انطلقت،قالوا المعنى لأن كنت منطلقا،و ما أحسن ما استخرج الشاهد من البيت الذى أنشده،و اجتمع فى-أمم ممن معك- ثمانى ميمات،خمس ظاهرة،و التنوين فى أمم،و النون من ممن،كلاهما تقلب ميما و تدغم فى الميم بعده،على ما تمهد فى بابهما فى الأصول،ثم إن القراء أراد أن يجمع بين قراءتى التخفيف و التشديد من لمّا فى معنى واحد فقال:ثم يخفف كما قرأ بعض القراء:

(وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ) .

********

(1) سورة الكهف،الآية:38.

ص: 524

بحذف الياء عند الياء،أنشدنى الكسائى شعرا:

و اشمت العداة بنا فأضحوا لدىّ تباشرون بما لقينا

معناه يتباشرون،فحذف ياؤه لاجتماع الياءات،قلت:الأولى أن يقال:حذفت ياء الإضافة من لدى، فبقيت الياء الساكنة قبلها،المنقلبة عن ألف لدى،و هو مثل قراءة من قراءة-يا بنى-بالإسكان على ما سبق، و أما الياء من يتباشرون فثابتة لدلالتها على المضارعة،قال:و مثله كأن من آخرها القادم،يريد إلى القادم، فحذف عند اللام اللام الأولى،قلت:لأن آخر إلى حذف لالتقاء الساكنين،و همزة الوصل من القادم تحذف فى الدرج،فاتصلت لام إلى بلام التعريف فى القادم،فحذفت الثانية على رأيه،و الأولى أن يقال:حذفت الأولى،لأن الثانية دالة على التعريف،فلم يبق من حروف«إلى»غير الهمزة،فاتصلت بلام القادم،فبقيت الهمزة على كسرها،و هذا قريب من قولهم:

(ملكذب).

فى من الكذب:

(و بالعنبر).

فى بنى العنبر:

(و علماء).

بنو فلان،أى على الماء.

القول الثانى:قال الزجاج:زعم المازنى أن أصلها لما بالتخفيف،ثم شددت الميم،قال:و هذا ليس بشيء لأن الحروف نحو«رب»و ما أشبهها تخفف،و لسنا نثقل ما كان على حرفين.

الثالث:قال النحاس:قال أبو عبيد القاسم بن سلام:الأصل-و إن كلا لما ليوفينهم-بالتنوين،من لممته لما،أى جمعته،ثم بنى منه فعلى،كما قرئ-ثم أرسلنا رسلنا تترا-بغير تنوين و بتنوين.

قلت:الذى فى كتاب القراءات لأبى عبيد،و روى عن بعض القراء-و إن كلا لما-منونة يريد جميعا.

قال:و هى صحيحة المعنى،إلا أنها خارجة عن قراءة الناس،و قال الفراء:المعنى-و إن كلا-شديدا- ليوفينهم-و إن كلا-حقا-ليوفينهم-و قال أبو على:و قد روى أنه قرئ-و إن كلا لما-منونا،كما قال:

-و تأكلون التراث أكلا لما-فوصف بالمصدر،و ينبغى أن يقدر المضاف إليه كل نكرة،ليحسن وصفه بالنكرة و لا يقدر إضافته إلى معرفة،فيمتنع أن تكون لمّا وصفا له،و لا يجوز أن تكون حالا،لأنه لا شيء فى الكلام عامل فى الحال،قال:فإن قال:إن لما فيمن ثقل،إنما هى لمّا هذه،وقف عليها بالألف،ثم أجرى الوصل مجرى الوقف،فذلك مما يجوز فى الشعر.قال ابن جنى:معنى لما بالتنوين توفية جامعة لأعمالهم جمعا،و محصلة لأعمالهم تحصيلا،فهو كقولك قياما لأقومنّ،و قعودا لأقعدنّ،قال الشيخ أبو عمرو رحمه اللّه:استعمال لما فى هذا المعنى بعيد.و حذف التنوين من المنصرف فى الوصل أبعد،قال:و قيل:لما فعلى من اللم،و منع الصرف لأجل ألف التأنيث،و المعنى فيه مثل مضى لما المنصرف،قال:و هذا أبعد،إذ لا تعرف لما فعلى بهذا

ص: 525

المعنى و لا بغيره،ثم كان يلزم هؤلاء أن يميلوا لمن أمال،و هو خلاف الإجماع،و أن يكتبوها بالياء،و ليس ذلك بمستقيم.

قلت:فهذه ثلاثة أوجه،و هى خمسة فى المعنى،لأن الأول اختلف فى تقديره على وجهين:لمن ما بكسر الميم و فتحها،و هذا الثالث اختلف فى ألفه على وجهين:أحدهما أنها بدل من التنوين،و الثانى أنها للتأنيث.

القول الرابع:قال الزجاج:و قال بعضهم قولا و لا يجوز غيره:

(إن لمّا)فى معنى(إلاّ)مثل:

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ 1) .

ثم أتبع ذلك بكلام طويل مشكل،حاصله:أن معنى إن زيد لمنطلق:ما زيد إلا منطلق،فأجريت المشددة كذلك فى هذا المعنى إذا كانت اللام فى خبرها،و عملها النصب فى اسمها باق بحاله،مشدّدة و مخففة،و المعنى نفى بأن و إثبات باللام التى فى معنى إلا،و لما،بمعنى إلا،قلت:قد تقدم إنكار أبى على جواز إلا فى مثل هذا لموضع،فكيف يجوّز لما التى بمعناها،على أن من الأئمة من أنكر مجىء لمّا بمعنى إلا،قال أبو عبيد:أما من شدد لما يتأولها إلا فلم نجد هذا فى كلام العرب،و من قال هذا لزمه أن يقول:رأيت القوم لمّا أخاك،يريد إلا أخاك،و هو غير موجود.قال الفراء:و أما من جعل لما بمنزلة إلاّ فإنه وجه لا نعرفه،و قد قالت العرب مع اليمين:باللّه لما قمت عنا،و إلا قمت عنا،فأما فى الاستثناء فلم تقله فى شعر و لا غيره،أ لا ترى أن ذلك لو حاز لسمعت فى الكلام:ذهب الناس لمّا زيدا.

قالت:و قد ذكر ابن جنى و غيره أن إلا نقع زائدة،فلا بعد فى أن تقع لما التى بمعناها زائدة،فهذا وجه آخر،فصارت الوجوه سبعة؛و الصحيح فى معنى لما المشددة فى هذه السورة ما قاله الشيخ أبو عمرو رحمه اللّه فى أماليه المفرقة على مواضع من القرآن و غيره،قال:لما هذه هى لما الجازمة له،حذف فعلها للدلالة عليه،لما ثبت من جواز حذف فعلها فى قولهم:خرجت و لما،و سافرت و لما،و نحوه،و هو سائغ فصيح،فيكون المعنى:

و إن كلا لما يهملوا،و لما يتركوا،لما تقدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين،كقول تعالى:

(فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ) .

ثم ذكر الأشقياء و السعداء و مجازاتهم،ثم بين ذلك بقوله:-ليوفينهم ربك أعمالهم-قال:و ما أعرف وجها أشبه من هذا،و إن كانت الناوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع فى القرآن،قال و التحقيق يأبى استبعاد ذلك،قلت:هذا وجه مليح و معنى صحيح،و السكوت على لما دون فعلها قد نص عليه الزمخشرى فى مفصله و أنشد ابن السكيت شاهدا على ذلك فى كتاب معانى الشعر له:

فجئت قبورهم بدءا و لمّا فناديت القبور فلم يجبنه

و قال فى معناه بدءا أى سيدا،و بدء القوم أى سيدهم،و بدء الجزور،خبر أنصبائها،قال:و قوله و لما، أى لم أكرم سيدا إلا حين ماتوا،فإنى سدت بعدهم،كما قال الآخر:

********

(1) سورة الطارق،آية:4.

ص: 526

خلت الدّيار فسدت غير مدافع و من الشّقاء تفرّدى بالسّودد

قلت:و نظير السكوت على لما دون فعلها سكوت النابغة على قد،دون فعلها فى قبله:

أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا لمّا تزل برحالنا و كأن قد

أى:و كأن قدر زالت،قال الشيخ أبو عمرو:و أما قراءة أبى بكر فلها وجهان،أحدهما:الوجوه المذكورة فى قراءة ابن عامر و غيره،فتكون أن مخففة من الثقيلة فى قراءتهم،و الوجه الثانى:أن تكون أن نافية، و يكون كلا منصوبا بفعل مضمر تقديره،و إن أرى كلا أو و إن أعلم،و نحوه و لما بمعنى إلا نحو-إن كل نفس لما عليها حافظ-و من هاهنا كانت أقل إشكالا من قراءة ابن عامر،لقبولها هذا الوجه الذى هو غير مستبعد ذلك الاستبعاد،و إن كان فى نصب الاسم الواقع بعد حرف المنفى استبعاد،و لذلك اختلف فى مثل قوله:

إلا رجلا جزاه اللّه خيرا،هل هو منصوب بفعل مقدر و نون ضرورة،فاختار الخليل:إضمار الفعل،و اختار يونس التنوين للضرورة،قلت:فهذا ما يتعلق بتوجيه القرارات فى تشديدان و لما فى تخفيفها فى هذه السورة، و هو من المواضع المشكلة غاية الإشكال،و قد اتضحت و الحمد للّه،و إن كان قد طال الكلام فيها،فلا بد فى المواضع المشكلة من التطويل زيادة فى البيان و لو كان الشرح الكبير بلغ هذا الموضع لم يحتج إلى هذا التطويل فى هذا المختصر،و اللّه الموفق.

و الذى فى يس:

(إِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ 1) .

و فى الطارق:

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ 2) .

إن فى الموضعين للنفى،لأن كل مرفوع بعدها،فلم يحتج أن تجعلها المخففة من الثقيلة،على قراءة من شدد لما،و لما بمعنى إلا،و من خففها فهى لام الابتداء،و ما زائدة،و إن هى المخففة من الثقيلة،و لم تعمل، و اللّه أعلم.

768-[و فى زخرف(ف)ى(ن)صّ(ل)سن بخلفه

و يرجع فيه الضّمّ و الفتح(إ)ذ(ع)لا]

يريد- وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا -الكلام فيه كالكلام فى الذى فى يس و الطارق،و لسن جمع لسن بكسر السين،و هو الفصيح،لأن اللسن بفتح السين:الفصاحة،يقال:لسن بالكسر،فهو السن و لسن،و قوم لسن،لم يوافق ابن ذكوان على تشديد التى فى الزخرف،و عن هشام:فيها خلاف،و تقدير البيت:و التشديد فى حرف الزخرف مستقر فى نص قوم فصحاء نقلوه،و أما:-و إليه يرجع الأمر كله- فالخلاف فيه ظاهر،سبق له نظائر،و هو إسناد الفعل إلى المفعول أو الفاعل.

********

(1) آية:30.

(2) آية:4.

ص: 527

769-[و خاطب عمّا يعملون بها و آ

خر النّمل(ع)لما(عمّ)و ارتاد منزلا]

عما تعملون فاعل خاطب،جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه،و علما:مفعول خاطب،أى خاطب ذوى علم و فهم،و هم بنو آدم،و قال الشيخ:هو مصدر،أى:اعلم ذلك علما؛و آخر النمل،يروى بجر الراء و نصبها،فالجر عطفا على الضمير فى بها،مثل قراءة-به و الأرحام-و النصب عطفا على موضع الجار و لمجرور كأنه قال:هنا و آخر النمل،و كلا الموضعين فى آخر السورة (1)-و ما ربك بغافل عما تعلمون-فالخطاب هنا للنبى عليه السلام و المؤمنين،و الغيبة رد على قوله:

(وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ 1) .

و الخطاب فى آخر النمل رد على قوله:

(سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) .

و الغيبة إخبار عنهم،و ارتاد معناه:طلب،و الضمير فى عم و ارتاد:للعلم،أى علما عم العقلاء من بنى آدم المخاطبين،و اختار موضعا لنزوله و حلوله فيهم،و اللّه أعلم،ثم ذكر ياءات الإضافة فقال:

770-[و يا آتها عنّى و إنّى ثمانيا

و ضيفى و لكنّى و نصحى فاقبلا]

أراد:عنى-إنه لفرح-فتحها نافع،و أبو عمرو،و-إنى-فى ثمانية مواضع:

(إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ - إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) .

فى قصتى نوح و شعيب:

(إِنِّي أَعِظُكَ - إِنِّي أَعُوذُ بِكَ) .

إنى أعوذ بك،فتح الخمس الحرميان و أبو عمرو:

(إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ 1) .

فتحها نافع و أبو عمرو و البزى:

(إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ 4) .

فتحها نافع و أبو عمرو:

(إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ 4) .

فتحها نافع و قد ضبطت هذه الثمانية فى بيت،فقلت:

أراكم أعوذ أشهد الوعظ مع إذا أخاف ثلاثا بعد أن تكملا

********

(1) سورة النمل،آية:93.

(4) سورة هود،آية:122.

ص: 528

أى هذه الألفاظ بعد إنى،و نبهت بالوعظ على أعظكم:

و (ضَيْفِي أَ لَيْسَ) .

فتحها نافع و أبو عمرو:

(وَ لكِنِّي أَراكُمْ) .

فتحها البزى و نافع و أبو عمرو-و لا ينفعكم نصحى إن أردت فتحها نافع و أبو عمرو،فهذه اثنتا عشرة ياء و قوله ثمانيا نصب على الحال من إنى،أى خذها ثمانيا،أو فاقبلها ثمانيا،و ثمانيا مصروف،قال الجوهرى:

لأنه ليس بجمع،فيجرى مجرى:جوار،و سوار فى ترك الصرف،و ما جاء فى الشعر غير مصروف فهو على توهم أنه جمع،و أراد فاقبلن،فأبدل من نون التأكيد ألفا و ياءاتها مبتدأ و يجوز نصبه بكسر التاء مفعولا، لقوله:فاقبلا،و عنى و ما بعده بدل منه،و ما أحلى ما اتفق له من اتصال هاتين اللفظتين و نصحى فاقبلا، و اللّه أعلم.

771-[شقاقى و توفيقى و رهطى عدّها

و مع فطرن أجرى معا تحصّ مكملا]

أراد (شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ) .

فتحها الحرميان و أبو عمرو:

(وَ ما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ) .

فتحها نافع و أبو عمرو و ابن عامر:

(أَ رَهْطِي أَعَزُّ) فتحها الحرميان و أبو عمرو و ابن ذكوان:

(فَطَرَنِي أَ فَلا تَعْقِلُونَ) .

فتحها نافع و البزى:

(إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ) .

موضعان فى قصتى نوح و هود،فلهذا قال:أجرى معا،سكنهما ابن كثير و حمزة و الكسائى؛و أبو بكر و نصب معا كنصب ثمانيا،فهذه ثمانى عشرة ياء إضافة،و قوله:تحص،مجزوم لأنه جواب قوله:عدها، و مكملا حال من فاعل تحص،و فيها ثلاث زوائد:

(فَلا تَسْئَلْنِ) .

أثبتها فى الوصل أبو عمرو و ورش:

ص: 529

(وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) .

أثبتها فى الوصل أبو عمرو وحده:

(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) .

أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو و الكسائى،و أثبتها ابن كثير فى الحالين،و قلت فى ذلك:

و زيدت فلا تسألن ما يوم يأت لا تكلم لا تخزون فى ضيفى العلا

ص: 530

سورة يوسف عليه السلام

772-[و يا أبت افتح حيث جا لابن عامر

و وحّد للمكّى آيات الولا]

الخلاف فى يا أبت مثل ما سبق فى يا ابن أم و يا بنى،بالفتح و الكسر،و التاء فى يا أبت:تاء تأنيث،عوضت عن ياء الإضافة فى قراءة من كسرها،لأنه حركها بحركة ما قبل ياء الإضافة،لتدل على ذلك،و هى فى قراءة من فتح عوض من الألف المبدلة من ياء الإضافة فى قولك يا أبا،و فتحت تحريكا لها بحركة ما قبل الألف، و قيل:يجوز أن يكون الفتح على حد قولهم فى الترخيم:يا أميمة،بالفتح،و قراءة ابن كثير:

(آية للسّائلين).

بالإفراد،أى آية عجيبة،كما جاء فى آخر السورة:

(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ) .

و الباقون بالجمع،كما جاء فى مواضع:

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً - إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) .

و وجه القراءتين ظاهر،و كم من آية فى ضمنها آيات،و اختار أبو عبيد قراءة الجمع،و قال:لأنها عبر كثيرة قد كانت فيهم،و الولا:القرب،و هو صفة لقوله:

(آياتٌ لِلسّائِلِينَ) .

أى ذات الولا،أى القريبة،من قوله يا أبت،و لا خلاف فى إفراد التى فى آخر السورة:

(وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ) .

773-[غيابات فى الحرفين بالجمع نافع و تأمننا للكلّ يخفى مفصّلا]

يريد بالحرفين موضعين:و هما:

(وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ - وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) .

و الغيابة ما يغيب فيه شيء،و غيابة البئر:فى جانبه فوق الماء،فوجه الإفراد ظاهر،و وجه الجمع:أن يجعل كل موضع مما يغيب غيابة،ثم يجمع،أو كان فى الجب غيابات،أى ألقوه فى بعض غيابات الجب،أو أريد بالجب:الجنس أى ألقوه فى بعض غيابات الأجبية،و أما:

(ما لَكَ لا تَأْمَنّا) .

فأصله لا تأمننا:بنونين،على وزن:تعلمنا،و قد قرئ كذلك على الأصل،و هى قراءة شاذة،لأنها على خلاف خط المصحف،لأنه رسم بنون واحدة،فاختلفت عبارة المصنفين عن قراءة القراء المشهورين له.

ص: 531

و حاصل ما ذكروه ثلاثة أوجه:إدغام إحدى النونين فى الأخرى إدغاما محضا بغير إشمام،إدغام محض مع الإشمام،إخفاء لا إدغام،و هذه الوجوه الثلاثة هى المحكية عن أبى عمرو فى باب الإدغام الكبير،فالإخفاء هو المعبر عنه بالروم؛و لم يذكر الشاطبى فى نظمه هنا غير وجهين:الإخفاء فى هذا البيت،و الإدغام مع الإشمام فى البيت الآتى،و مال صاحب التيسير إلى الإخفاء،و أكثرهم على نفيه،قال فى التيسير:مالك لا تأمننا بإدغام النون الأولى فى الثانية،و إشمامها الضم،قال:و حقيقة الإشمام فى ذلك أن يشار بالحركة إلى النون،لا بالعضو إليها،فيكون ذلك إخفاء لا إدغاما صحيحا،لأن الحركة لا تسكن رأسا،بل يضعف الصوت بها،فيفصل بين المدغم و المدغم فيه لذلك،و هذا قول عامة أئمتنا،و هو الصواب.لتأكيد دلالته و صحته فى القياس،فهذا معنى قول الناظم«للكل يخفى مفصلا»أى تفصل إحدى النونين عن الآخر،بخلاف حقيقة الإدغام،و قال أبو بكر ابن مهران فى كتاب«الإدغام»مالك لا تأمننا،بالإشارة إلى الضمة و تركها،قال:

و لم يحك عن أحد منهم إلا الإدغام المحض،من أشار منهم و من ترك،و لو أراد من أشار الإخفاء دون الإدغام لفرقوا و بينوا،و قالوا:ادغم فلان و أخفى فلان؛فلما قالوا:ادغم فلان و أشار،و أدغم فلان و لم يشر درينا أنهم أرادوا الإدغام دون الإخفاء،و أنه لا فرق عندهم بين الإشارة و تركها،و اللّه أعلم.

و قال صاحب الروضة:لا خلاف بين جماعتهم فى التشديد،و اللّه أعلم.

774-[و أدغم مع إشمامه البعض عنهم و نرتع و نلعب ياء(حصن)تطوّلا]

أى فعل ذلك بعض المشايخ عن جميع القراء،و هذا الوجه ليس فى التيسير،و قد ذكره غير واحد من القراء و النحاة،حتى قال بعضهم:أجمعوا على إدغام لا تأمننا،قال ابن مجاهد:كلهم قرأ لا تأمنا بفتح الميم و إدغام النون الأولى فى الثانية،و الإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضم اتفاقا،قال أبو على:وجهه أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون،فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعا فى الإدراج أشموا النون المدغمة فى تأمنا،قال:و ليس هذا بصوت خارج إلى ذلك اللفظ،إنما هو تهيئة العضو لإخراج ذلك الصوت به،ليعلم بالتهيئة أنه يريد ذلك المهيأ له،قال:و قد يجوز فى ذلك وجه آخر فى العربية،و هو أن يتبين و لا يدغم،و لكنك تخفى الحركة،و إخفاؤها هو أن لا تشبعها بالتمطيط،و لكنك تختلسها اختلاسا،قلت،و هذا هو الوجه المذكور فى البيت الأول،و قال أبو الحسن الحوفى:جمهور القراء على الإشمام،للإعلام بأن النون من«تأمن»كانت مرفوعة،و صفة ذلك أنك تشير إلى الضمة من غير صوت مع لفظك بالنون المدغمة،و هو شيء يحتاج إلى رياضة،قال مكى:لا تأمنا،بإشمام النون الساكنة الضم بعد الإدغام،و قبل استكمال التشديد،هذه ترجمة القراء،قلت:و وجه الإشمام الفرق بين إدغام المتحرك و إدغام الساكن،قال القراء:تشير إلى الرفعة،و إن تركت فلا بأس،كل قد قرئ به،و الياء فى:

(يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ) .

ليوسف،و النون لجميع الإسوة؟؟؟،ثم ذكر خلاف القراء فى العين،فقال:

775-[و يرتع سكون الكسر فى العين(ذ)و(ح)ما

و بشراى حذف الياء(ث)بت و ميّلا]

ص: 532

من أسكن العين فللجزم،و قراءته من رتع يرتع،أى يتسع فى الخصب،و من كسرها فهو من ارتعى يرتعى،يفتعل من الرعى،فحذف الياء للجزم و أثبتها قنبل فى وجه على ما تقدم فى باب الزوائد،فقرأه الكوفيون بالياء و سكون العين،و قراءة نافع بالياء و كسر العين،و قراءة ابن عامر و أبى عمرو بالنون و سكون العين؛ و قراءة ابن كثير بالنون و كسر العين و بإشباع كسرتها فى وجه،ففي يرتع خمس قراءات،و فى يلعب قراءتان:

الياء لحصن،و النون للباقين،و أما:

(بشراى).

فمن حذف ياءه كأن قد نادى البشرى من غير إضافة أى:أقبلى فهذا وقتك،و الباقون على إضافة البشرى إليه،و كلاهما ظاهر،و قوله:«ثبت»أى قراءة ثبت،يقال:رجل ثبت أى ثابت القلب،ثم ذكر فى البيت الآتى أن حمزة و الكسائى أمالا الألف على أصلهما،لأنها ألف تأنيث،لا سيما و قبلها راء،فقال:

776-[(ش)فاء و قلّل(ج)هبذا و كلاهما

عن ابن العلا و الفتح عنه تفضّلا]

«شفاء»حال من الممال،أى ذا شفاء،و قلل أى أمل بين بين.و جهبذا:أى مشبها جهبذا،و هو الناقد الحاذق فى نقده،و جمعه جهابذة،كأنه أشار بذلك إلى التأنق فى التلفظ بين بين،فإنها صعبة على كثير ممن يتعاطى علم القراءة،أى أمالها ورش بين اللفظين،على أصله فى إمالة ذوات الراء،ثم قال:و كلاهما بمعنى الإمالة و التقليل،رويا عن أبى عمرو،و روى عنه الفتح،و هو الأشهر،و عليه أكثر أهل الأداء؛و ليس فى التيسير غيره،و اختاره أبو الطيب ابن غلبون بين اللفظين.قال مكى:و قد ذكر عن أبى عمرو مثل ورش، و الفتح أشهر،و حكى أبو على الأهوازى الإمالة عن أبى عمرو من طريق اليزيدى،قال مكى:أما الإمالة المحضة فهى أقيس من الوجهين الأخيرين،لأنه أمال البشرى إمالة محضة،و أمال الرؤيا بين اللفظين،فكما أمال رؤياى بين اللفظين،كذلك يقتضى أن يميل بشراى على قياس أصله،و الفتح فيه،و بين اللفظين خروج عن الأصل الذى طرده فى إمالته،قلت:و علل الدانى الفتح بأن ألف التأنيث هنا رسمت ألفا،ففتح ليدل على ذلك و يلزم على هذا القياس أن لا يميل رؤياى بين اللفظين كذلك،و اللّه أعلم.

777-[و هيت بكسر(أ)صل(ك)فؤ و همزه

(ل)سان و ضمّ التّا(ل)وى خلفه(د)لا]

أى أصل عالم كفؤ و همزه لسان،أى:لغة،و قصر لفظ التاء،و لوى ضرورة،و لوى خلفه مبتدأ، و دلا:خبره،و قد سبق معناه،يقال:هيت:كأين،و هيت:كحيث،و هيت:مثل غيظ،قرئ بهذه الثلاث اللغات،و زاد هشام الهمز،و هو من أهل كسر الهاء و ضم التاء و فتحها،و هو اسم فعل،بمعنى:هلم و أسرع،و يقال أيضا:هيت كجير،و لم يقرأ بهذه اللغة،و قيل:المهموز فعل:من هاء يهئ،كجاء يجيء إذا تهيأ،فعلى الفتح:و هو المشهور عن هشام،يكون خطابا ليوسف،على معنى حسنت هيئتك،أو على معنى تهيأ أمرك الذى كنت أطلبه،لأنها ما كانت تقدر فى كل وقت على الخلوة به،و تحتمل قراءة نافع و ابن

ص: 533

ذكوان أن أصلها الهمز،فخففت،و قال أبو على:يشبه أن يكون هيت مهموزا بفتح التاء،وهما من الراوى، لأن الخطاب يكون من المرأة ليوسف،و هو لم يتهيأ لها،و لو كان:لقالت له هئت لى،و جوابه:أن يقال:

وقع قولها لك بيانا،لا متعلقا بهيت،و المعنى:لك أقول و الخطاب لك،و مثله:

(وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ (1) - بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ 2) و اللّه أعلم.

778-[و فى كاف فتح اللاّم فى مخلصا(ث)وى

و فى المخلصين الكلّ(حصن)تجمّلا]

يريد (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) .

فى سورة مريم و سماها«كاف»لأنها استفتحت بهذه الحروف،فصارت كصاد،و نون،و قاف،و فى قوله:و فى المخلصين الكل:أى حيث جاء معرفا باللام،فقوله مخلصين له الدين،لا خلاف فى كسر لامه، و معنى الكسر:أنهم أخلصوا للّه تعالى دينهم،و معنى الفتح أخلصهم اللّه،أى اجتباهم و أخلصهم من السوء، و اللّه أعلم.

779-[معا وصل حاشا(ح)جّ دأبا لحفصهم

فحرّك و خاطب يعصرن(ش)مردلا]

يريد:أن لفظ:حاشا جاء فى موضعين فى هذه السورة:

(قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً - قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) .

أثبت أبو عمرو الألف بعد الشين فى الموضعين،إذا وصل الكلمة بما بعدها،فإن وقف عليها حذف الألف كسائر القراء وقفا و وصلا،اتباعا للرسم،و لا يكاد يفهم هذا المجموع من هذا اللفظ اليسير،و هو قوله«معا وصل حاشا حج»فإنه إن أراد بوصل حاشا إثبات ألفها فى الوصل دون الوقف على معنى وصل هذا اللفظ، فيكون من باب قوله:و باللفظ استغنى عن القيد إن جلا:فكأنه قال:وصل حاشا بالمد لم يعلم أىّ المدين يريد،ففي هذه اللفظة ألفان:أحدهما بعد الحاء،و الأخرى بعد الشين،و كل واحدة منهما قد قرئ بحذفها قرأ الأعمش-حشا للّه-و أنشد ابن الأنبارى على هذه القراءة:

حشا رهط النبى فإنّ منهم بحورا لا تكدرها الدلاء

و إن كان أراد بقوله«وصل حاشا»وصل فتحة الشين بألف،كما توصل الضمة بواو،و الكسرة بياء، لم يكن مبينا لحذفها فى الوقف،و تقدير البيت:وصل كلمتى حاشا معا حج:أى غلب،و حاشا حرف جر يفيد معنى البراءة،و بهذا المعنى استعمل فى الاستثناء،ثم وضع موضع البراءة،فاستعمل كاستعمال المصادر، فقيل:حاشا للّه،كما يقال:براءة للّه،فلما تنزل منزلة الأسماء تصرفوا فيه بحذف الألف الأولى تارة و بحذف الثانية أخرى،و تارة بتنوينه قرأ أبو السمال-حاشا للّه-هذا معنى ما ذكره الزمخشرى،و مال أبو على إلى أنه فعل،فقال:هو على فاعل،مأخوذ من الحشا الذى يعنى به الناحية،و المعنى:أنه صار فى حشا:أى فى ناحية مما قرن به،أى لم يقترنه و لم يلابسه،و صار فى عزل عنه و ناحية،و فاعله يوسف.

********

(1) سورة الصافات،آية:102.

(2) آية 51.

ص: 534

أى بعد عن هذا الذى رمى به:للّه،أى لخوفه و مراقبة أمره:

(و الدأب و الدأب:لغتان،كالمعز و المعز).

و الفاء فى«فحرك»زائدة،أى حرك دأبا لحفص،و يعصرون:بالخطاب و الغيبة ظاهر،و ما فيه الخطاب تارة يجعله مفعولا بالخطاب كهذا،و تارة فاعلا نحو و خاطب عما يعملون،و كل ذلك لأن الخطاب فيه،و شمردلا حال من فاعل خاطب،أو مفعوله،و معناه خفيفا،و اللّه أعلم.

780-[و نكتل بيا(ش)اف و حيث يشاء نو

ن(د)ار و حفظا حافظا(ش)اع عقلا]

يريد (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) .

الياء للأخ،و النون لجماعة الأخوة،و قوله تعالى:

(يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) .

الياء ليوسف،و النون نون العظمة،و لا خلاف فى قوله:

(نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) .

أنه بالنون و دار:اسم فاعل من دريت،و التقدير:ذو نون قارئ دار،و شاف كذلك،أى بياء قارئ شاف،و يجوز أن يكون«شاف»صفة يا،أو خبر نكتل،و بيا متعلق به،أى و نكتل شاف بياء،و وزن نكتل:نفتل،و العين محذوفة،و الأصل نكتال:حذفت الألف لالتقاء الساكنين فى حال الجزم،و أصل نكتال نكتيل:على وزن نفتعل،مثل نكتحل،و يتعلق بذلك حكاية ظريفة جرت بين أبى عثمان المازنى و ابن السكيت فى مجلس المتوكل أو وزيره ابن الزيات،قد ذكرتها فى ترجمة يعقوب بن السكيت فى مختصر تاريخ دمشق،و قوله حفظا مبتدأ،و خبره مضمر:أى يقرأ حافظا،أو يكون خبره شاع عقلا،و عقلا،تمييز، و هو جمع عاقل،أى شاع ذكر الذين عقلوه،و حافظا:حال،أى شاع على هذه الحالة فى القراءة،و يجوز أن يكون عقلا حال،على معنى ذا عقل،و انتصب حفظا فى الآية،و حفظا على التمييز،و جوز الزمخشرى:

أن يكون حافظا حالا،و منعه أبو على،و التمييز فى حفظا ظاهر:أى حفظ للّه خير من حفظكم،و وجه حافظا أن للّه تعالى حفظة،كماله حفظ،نحو قوله تعالى:

(وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) .

فالتقدير:حافظه خير من حافظكم،كما كان حفظه خيرا من حفظكم،و يجوز أن يكون التمييز من باب قولهم:للّه دره فارسا،أى در فروسيته،فيرجع المعنى إلى القراءة الأخرى،و هذا التمييز الذى هو حافظ:

يجوز إضافة خير إليه،و قد قرئ-خير حافظ-و لا تجوز الإضافة إلى حفظ إلا على تقدير خير ذى حفظ، و اللّه أعلم.

ص: 535

و قدم ذكر الخلاف فى-نكتل-على-حيث يشاء-ضرورة للنظم،و إلا فالأمر بالعكس،و قدمه.

781-[و فتيته فتيانه(ع)ن(ش)ذا ورد

بالاخبار فى قالوا أئنّك(د)غفلا]

أى يقرأ فتيانه،أو التقدير و قراءة فتيته بلفظ فتيانه لحفص و حمزة و الكسائى،و هم الذين قرءوا-حافظا- فلو قال«عنهم»موضع قوله«عن شذا»لاستقام لفظا و معنى،و فتية و فتيان كلاهما جمع فتى،كإخوة و إخوان:الأول للقلة،و الثانى للكثرة،فكأن الخطاب كان لجميع الأتباع،و الذين باشروا الفعل قليل منهم و قوله:ورد،أى:اطلب:من راد،و ارتاد إذا طلب الكلأ،و دغفلا مفعول به،و هو العيش الواسع، أى اطلب عيشا و سعا بالقراءة بالأخبار فى قوله:

(إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) .

لأنها ظاهرة المعنى،و ذلك أنهم جزموا بمعرفته لما اتضح لهم من قرائن دالة على ذلك،فهذه قراءة ابن كثير و قرأ الباقون بالاستفهام،و هم على أصولهم فى التحقيق و التسهيل و المد بين الهمزتين،ثم يحتمل أن يكون استفهاما على الحقيقة،و لم يكن بعد قد تحقق عندهم،و تكون قراءة ابن كثير على حذف همزة الاستفهام،كما قيل ذلك فى قوله:

(وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ 1) .

أى:و تلك نعمة،و له نظائر،و يحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الاستغراب و الاستعظام،و إن كانوا قد عرفوه حق المعرفة،أى إنك لهو،و نحن و أنت يعامل بعضنا بعضا معاملة الغرباء،و لعل بعض الإخوة قالوه خبرا،و بعضهم استفهاما،فجاءت القراءتان كذلك،و من عادة الناظم أن يجعل الاستفهام ضد الإخبار، و قد تقدّم تقرير ذلك فى سورة الأعراف،و سيأتى مثله فى الرعد،و اتفق لى نظم أربعة أبيات عوض الثلاثة المتقدمة،تبين فيها القراءتان فى حاشا وصلا و وقفا،و ذكر فيها الخبر و الاستفهام فى أئنك مع التنبيه على أنهم على أصولهم فى ذلك،تجديدا للعهد بما تقدمت معرفته،و تذكيرا بذلك خوفا من الذهول عنه،و لم يستقم لى إيضاح جميع ذلك إلا بزيادة بيت،فقلت:

و فى الوصل حاشا حج بالمد آخرا معاد،أبا حرك لحفص فتقبلا

أراد بالمد بعد الشين احترازا عن المد بعد الحاء،ثم قال:

و نكتل،بياء يعصرون الخطاب شذ و حيث يشا،النون دار و أقبلا

استغنى برمز واحد،و هو قوله شذ لقراءتين فى نكتل و يعصرون،ثم قال:

و فى حافظا حفظا صفا حق عمهم و فتيته عنهم لفتيانه انجلا

و الأخبار فى قالوا أئنك دغفلا و يستفهم الباقى على ما تأصلا

782-[و ييأس معا و استيأس استيأسوا و تي

أسوا اقلب عن البزّى بخلف و أبدلا]

********

(1) سورة الشعراء،آية:22.

ص: 536

«معا»يعنى هنا و فى الرعد:

(إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ (1) - أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا (2) - حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ (3) - فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ (4) - وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ 5) .

فهذه خمسة مواضع،استفعل فيها بمعنى:فعل،كاستعجب و استسخر،بمعنى:عجب و سحر،و كلها من اليأس من الشيء،و هو عدم توقعه،لا التى فى الرعد،قيل:إنها بمعنى علم،فقراءة الجماعة فى هذه المواضع على الأصل:الهمز فيها بين الياء و السين،و روى عن البزى أنه قرأها بألف مكان الياء،و بياء مكان الهمزة، و كذلك رسمت فى المصحف،و حمل ذلك على القلب و الإبدال قال أبو على:قلبت العين إلى موضع الفاء، فصار استفعل،و أصله:استيأس،ثم خفف الهمزة و أبدلها ألفا لسكونها و انفتاح ما قبلها،فصار مثل:راس و فاس،فهذا معنى قول الناظم:اقلب و أبدلا،و لم يذكر ما هو المقلوب و ما هو المبدل،و أراد بالقلب:

التقديم و التأخير،و عرفنا أن مراده تقديم الهمزة على الياء،قوله و أبدلا،فإن الإبدال فى الهمز،ثم لم يبين أى شيء يبدل،بل أحال ذلك على قياس تسهيلها،لأنها إذا جعلت فى موضع الياء و أعطيت حكمها بقيت ساكنة بعد فتح،و بقيت الياء مفتوحة على ما كانت عليه الهمزة،ثم لما اتصفت الهمزة بالسكون جاز إبدالها ألفا، فقرأ البزى بذلك فى وجه،و إن لم يكن من أصله إبدال الهمزة المنفردة،كما أنه سهل همزة:

(لَأَعْنَتَكُمْ) .

بين بين فى وجه،و إن لم يكن ذلك من أصله،جمعا بين اللغات:القلب فى هذه اللغة فى الفعل الماضى، يقال:يئس و أيس،فيبنى المضارع على ذلك،فقراءة الجماعة من لغة يئس،و هى الأصل عندهم،و قراءة البزى من لغة أيس،فمضارعه:ييأس،و أراد الناظم:و أبدلن،فأبدل النون ألفا.

783-[و يوحى إليهم كسر حاء جميعها

و نون علا يوحى إليه(ش)ذا(ع)لا]

أى و حيث أتى و علا خبر:أى القراءة بالكسر و بالنون ذات علا،لإسناد الفعل فيها إلى اللّه تعالى،و القراءة الأخرى بالياء و فتح الحاء،على أنه فعل ما لم يسم فاعله،و أراد بقوله:يوحى إليه،قوله تعالى فى سورة الأنبياء:

(إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) .

فقرأ حفص الجميع بالنون و كسر الحاء،و وافقه حمزة و الكسائى على الذى فى لأنبياء،و لا خلاف فى الذى فى أول الشورى:

(كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) .

********

(1) سورة يوسف،آية:87.

(2) سورة الرعد،آية:31.

(3) سورة يوسف،آية:110.

(4) سورة يوسف،آية:80.

(5) سورة يوسف،آية:87.

ص: 537

بالياء،و اختلف فى كسر الحاء و فتحها،كما سيأتى،و تقدم معنى:شذا علا:

784-[و ثانى ننج احذف و شدّد و حرّكن

(ك)ذا(ن)ل و خفّف(ك)ذّبوا(ث)ابتا تلا]

يريد حذف النون الثانية و تشديد الجيم و تحريك الياء بالفتح،فيصير فعلا ماضيا لم يسم فاعله،من أنجى، و القراءة الأخرى على أنه فعل مضارع من«أنجى»و هو قوله تعالى:

(فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) .

فالنون الأولى حرف المضارعة،و الثانية من أصل الفعل،فالمحذوف فى قراءة التشديد هى الأولى حقيقة، لأن الفعل فيها ماض،و لكن الناظم أراد حذف الثانى صورة لا حقيقة،و كانت هذه العبارة أخصر،لبقاء النون الأولى مضمومة،فلو كان نص على حذف الأولى لاحتاج إلى أن يقول:و ضم الثانية،و لو لا الاحتياج إلى هذا لأمكن أن يقال:أراد الثانى من فننجى،لأن لفظ القرآن كذلك،و الثانى من فننجى هى النون الأولى و كان يستقيم له أن يقول:و ثانى فننجى احذف،و لكنه عدل إلى تلك العبارة لما ذكرناه،و النون فى قوله:

و حركن،نون التأكيد الخفيفة التى تبدل ألفا فى الوقف،و قوله«كذا نل»دعاء للمخاطب بالنجاة،و أما:

(وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) .

فخفف الكوفيون الذال،و ثابتا:حال من التخفيف،و تلا بمعنى:تبع ما قبله من القراءات الثابتة، و قيل:أراد تلا بالمد:أى ذمة،فالتشديد وجهه ظاهر،هو من التكذيب،و يكون ظنوا بمعنى تيقنوا، و جوز أبو على:أن يكون بمعنى حسبوا،و التكذيب من الكافر كان مقطوعا به،فلا وجه للحسبان على هذا إلا ما سنذكره من تفسير صحيح عن عائشة رضى اللّه عنها،و أما قراءة التخفيف فمن قولهم:كذبته الحديث، أى لم أصدقه فيه،و منه:

(وَ قَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ) .

فالمفعول الثانى فى الآيتين محذوف،ثم فى تأويل هذه القراءة وجوه أربعة:اثنان على تقدير أن يكون الضمير فى-و ظنوا أنهم-الرسل،و اثنان على تقدير أن يكون الضمير للمرسل إليهم،و قد تقدم ذكرهم فى قوله:

(عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) .

و لفظ الرسل أيضا:دال على مرسل إليهم،فإن عاد الضمير على المرسل،و هو الظاهر لجرى الضمير على الظاهر قبله،فله وجهان:أحدهما:و ظن الرسل أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بالنصر،أو كذبهم رجاؤهم كذلك و انتظارهم له من غير أن يكون اللّه تعالى وعدهم به،و لهذا يقال:رجا صادق،و رجا كاذب،و قوله بعد ذلك جاءهم نصرنا أى جاءهم بغتة من غير موعد،و الوجه الثانى منقول عن ابن عباس،قال:و ظن من أعطاهم الرضى فى العلانية و أن يكذبهم فى السريرة،و ذلك لطول البلاء عليهم:أى على الأتباع،و قد قيل فى قراءة التشديد نحو من هذا،روى عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت:«لم يزل البلاء بالأنبياء صلوات اللّه

ص: 538

عليهم حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذّبوهم»و فى صحيح البخارى عن عائشة فى قراءة التشديد:

قالت:«هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم و صدّقوا و طال عليهم البلاء و استأخر عنهم النصر»حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم،و ظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر اللّه عند ذلك»فاتحد على ذلك معنى القراءتين،و أما إن كان الضمير فى-و ظنوا أنهم-للمرسل إليهم فلتأويله وجهان:أحدهما:و ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر،و الثانى:و ظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل فيما أخبروا به من أنهم ينصرون عليهم،و هذا قول يحكى عن سعيد بن جبير رضي اللّه عنه،سئل عن ذلك فقال نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم،و ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم،فقال الضحاك ابن مزاحم و كان حاضرا،لو رحلت فى هذه إلى اليمن كان قليلا،قال أبو على:و إن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل أن الذى وعد اللّه أممهم على لسانهم قد كذبوا فيه،فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء و لا إلى صالحى عباد للّه،قال:و كذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا و ظنوا أنهم قد أخلفوا،لأن اللّه لا يخلف الميعاد،و لا مبدل لكلمات اللّه،قلت:و إنما قال ابن عباس ما تقدم ذكره فخفى معناه على من عبر بهذه العبارة،و اللّه أعلم.

785-[و أنّى و إنّى الخمس ربّى بأربع

أرانى معا نفسى ليحزننى حلا]

أنى و ما عطف عليه مبتدا،و حلا:خبره،و الخمس:نعت لإنى المكسورة وحدها،و المفتوحة واحدة و هى-أنى أوف الكيل-فتحها نافع وحده،و الخمس المكسورة-إنى أرانى-مرتين،فتحهما نافع و أبو عمرو -إنى أرى سبع بقرات-إنى أنا أخوك-إنى أعلم من اللّه-فتحهن الحرميان و أبو عمرو،و ربى فى أربعة مواضع و-ربى أحسن مثواى-فتحها أيضا الحرميان و أبو عمرو-ذلكما مما علمنى ربى إنى تركت-إلا ما رحم ربى إن- سوف أستغفر لكم ربى إنه-فتحهن نافع و أبو عمرو،و«أرانى»معا،يعنى أرانى أعصر-أرانى أحمل-فتحهما الحرميان و أبو عمرو-و ما أبرئ نفسى إن-فتحها نافع و أبو عمرو-و قال إنى ليحزننى-فتحها الحرميان، فهذه أربع عشرة ياء من جملة اثنين و عشرين،ثم ذكر الثمانى الباقية فقال:

786-[و فى إخوتى حزنى سبيلى بى و لي

لعلّى آبائي أبى فاخش موحلا]

أراد-و بين إخوتى إن-فتحها ورش وحده-و حزنى إلى اللّه-فتحها نافع و أبو عمرو و ابن عامر-هاه سبيلى أدعو-فتحها نافع وحده-بى إذ أخرجنى-لى أبى-فتحهما نافع و أبو عمرو-لعلى أرجع-فتحها الحرميان و أبو عمرو و ابن عامر-ملة آبائي إبراهيم كذلك-أبى أو يحكم-فتحها الحرميان و أبو عمرو،و قوله«و فى إخوتى» تقديره:و الياءات المختلف فيها أيضا فى هذه الألفاظ إخوتى و ما بعده،و قوله«فاخش موحلا»يعنى فى عددها و استخراج مواضعها،فإنها ملبسة،لا سيما قوله:الخمس،فقد يظن أنه نعت لأنى المفتوحة،و تقرأ الأولى بالكسر،و إنما هو نعت للمكسورة،و الأولى مفتوحة،و قد يظن أن الخمس نعت لهما،و مجموعهما خمسة مواضع،أحدهما:اثنان،و الآخر ثلاثة كما قال:«و فى مريم و النحل خمسة أحرف»و قال-تسؤ-و-نشأ-

ص: 539

ست أى مجموعهما ست،كل واحد ثلاثة،و قد تقدم بيان ذلك،أو فاخش غلطا فى استخراجها من السورة فلا تعدّ ما ليس منها نحو-إن ربى لطيف لما يشاء-إنى حفيظ عليم-و نحو ذلك،و لا خلاف فى تسكينه، و الموحل:مصدر و حل الرجل بكسر الحاء،إذا وقع فى الوحل بفتح الحاء،و هو الطين الرقيق،و قال الشيخ رحمه اللّه:أى فاخش موحلا فى إخوتى و ما نسق عليه،كما تقول:و فى دار عمرو فاجلس،و فيها ثلاث زوائد نرتع أثبت ياءه قنبل بخلاف عنه فى الحالين-حتى تؤتونى موثقا-أثبتها ابن كثير فى الحالين،و أبو عمرو فى الوصل -من يتقى و يصبر-أثبتها قنبل وحده،و قلت فى ذلك:

رواندها نرتع و تؤتون موثقا و من يتقى أيضا ثلاث تجملا

ص: 540

سورة الرعد

787-[و زرع نخيل غير صنوان أوّلا

لدى خفضها رفع(ع)لى(حقّه)طلا]

يريد الخفض رفع فى هذه الكلمات الأربع،و هى قوله تعالى- وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ -و قوله «أو لا»قيد لصنوان،و نصبه على الظرف بعامل مقدر،أى الواقع أولا،احترز بذلك من صنوان الذى بعد غير،فإنه مخفوض اتفاقا،لأنه مضاف إليه،و وجه الرفع فى هذه الكلمات أنه عطف-و زرع و نخيل-على قوله-و فى الأرض قطع متجاورات و جنات-أى فيها ذا و ذا-و زرع و نخيل-و قوله صنوان:نعت لنخيل، و غير:عطف على صنوان،و الصنوان:جمع صنو،و هو أن يكون الأصل واحدا،و فيه النخلتان و الثلاث و الأربع،و صنو الشيء:مثله الذى أصلهما واحد،و فى الحديث«عم الرجل صنو أبيه»و يتعلق بهذه اللفظة بحث حسن يتعلق بصناعة النحو من جهة أن صنوان جمع تكسير،و قد سلم فيه لفظ المفرد،كما يسلم فى جمع السلامة،و قد ذكرت ذلك فى المجموع من نظم المفصل،و وجه قراءة الخفض فى هذه الكلمات الأربع أنها عطفت على أعناب،أى احتوت الجنات التى فى الأرض على أعناب و زرع و نخيل،كما قال تعالى:

فى موضع آخر:

(وَ جَعَلْنا فِيها جَنّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ) .

و قال تعالى:

(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ) .

و قال تعالى:

(جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) .

و قال فى سورة الأنعام:

(وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) .

و ذكر الزرع و النخل قبل ذلك،و قال فى آخر السورة:

(وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ) .

فعطف النخل و الزرع على جنات،فهذا موافق لقراءة الرفع هنا،و كل واحد من هذه الأنواع موجود، فجاءت الآيات و القراءات على وجوه ما الأمر عليه،و قوله«طلا»فى موضع نصب على التمييز:

و هو جمع طلية،و هو العنق،أى علت أعناق حقه،و منه«المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة»إشارة إلى أمنهم و سرورهم ذلك اليوم الذى يحزن فيه الكافر،و يخجل فيه المقصرون،و هذا البيت أتى به الناظم

ص: 541

مقفى كما فعل فى أول سورة الأنبياء و فى سأل،و باب التكبير كما يأتى،و هو:أنه جعل لفظ عروضه موافقا للفظ ضربه،على حد ما ابتدأ به القصيدة فقال:

و قل قال عن شهد و آخرها علا

إلى نصب فاضمم و حرك به علا

روى القلب ذكر اللّه فاستسق مقبلا

و ذلك جائز فى وسط القصيدة جوازه فى أولها،كما فعل امرؤ القيس فى التفريع.

أ لا أنعم صباحا أيها الطل البالى و هل ينعمن من كان فى الزمن الخالى

ثم قال بعد بيتين آخرين:

ديار لسلمى عافيات بذى الخال.

الخ

عليها كل أسحم هطال

و قال فى التقفية فى أثناء قصيدته المشهورة:

قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل

أ فاطم مهلا بعض هذا التدلل و إن كنت قد أزمعت صرمى فأجملى

788-[و ذكّر تسقى عاصم و ابن عامر

و قل بعده باليا يفضّل(ش)لشلا]

التذكير على تقدير:يسقى المذكور،و التأنيث على تسقى هذه الأشياء،و يفضل بعضها بالياء و النون ظاهر أن النون للعظمة،و الياء رد إلى اسم اللّه فى قوله:

(اللّهُ الَّذِي رَفَعَ) .

و ما بعده،و شلشلا:حال من فاعل قل،أى خفيفا،و اللّه أعلم.

789-[و ما كرّر استفهامه نحو آئذا

أئنّا فذو استفهام الكلّ أوّلا]

أى كل موضع تكرر فيه لفظ الاستفهام على التعاقب فى آية واحدة،أو كلام واحد،نحو هذا الذى وقع فى سورة الرعد،و هو:

(أ ءذا كنا ترابا أ ءنا لفى خلق جديد).

و هذا قد جاء فى القرآن فى أحد عشر موضعا هذا أولها،و فى سبحان موضعان كلاهما:

(أ ءذا كنا عظاما و رفاتا أ ءنا لمبعوثون خلقا جديدا (1).

********

(1) آية:98،49.

ص: 542

و فى-قد أفلح-:

(قالوا أ ءذا متنا و كنا ترابا و عظاما أ ءنا لمبعوثون (1).

و فى النمل:

(أ ءذا كنا ترابا و آباؤنا أ ءنا لمخرجون (2).

و فى العنكبوت:

(ا ءنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين.أ ءنكم لتأتون الرجال (3).

و فى الم السجدة:

(أ ءذا ضللنا فى الأرض أ ءنا لفى خلق جديد (4).

و فى الصافات موضعان:

(أ ءذا متنا و كنا ترابا و عظاما أ ءنا لمبعوثون (5).

و الثانى مثله:

(أ ءنا لمدينون (6).

و فى الواقعة:

(و كانوا يقولون أ ءذا متنا و كنا ترابا و عظاما أ ءنا لمبعوثون (7).

و فى النازعات:

(أ ءنا لمردودون فى الحافرة.أ ءذا كنا عظاما نخرة (8).

و قد جمعت ذلك،فى بيتين،و قلت:

بواقعة قد افلح النازعات سج دة عنكبوت الرعد و النمل أولا

و سبحان فيها موضعان و فوق صا د ايضا فإحدى عشرة الكل مجتلا

و نظمته على بحر البسيط فقلت:

رعد قد افلح نمل عنكبوت و سجدة واقعة و النازعات و لا

و موضعان بسبحان و مثلهما فويق صاد فإحدى عشرة النملا

********

(1) آية:82.

(2) آية:17.

(3) الآيتان:28 و 29.

(4) آية:10.

(5) آية:16.

(6) آية:53.

(7) آية:47.

(8) آية:10.

ص: 543

فالجميع واقع فى أنه واحد على لفظ واحد،و ما نظمه صاحب القصيدة-أءذا-أءنا-إلا فى موضعين فى النازعات،فإنه فى آيتين متجاورتين،و لفظه على عكس ما ذكره،و هو-أءنا-و أءذا-و الذى فى العنكبوت فى آيتين و لكنه بلفظ آخر متحد،و هو-أءنكم-أئنكم-فما أراد الناظم بقوله نحو-أءذا-أءنا-إلا تشبيه تعاقب الاستفهامين على ما بيناه،فإن قلت:قد تكرر فى سورة و الصافات-يقول:

(أ ءنك لمن المصدقين.أ ءذا متنا و كنا ترابا و عظاما أ ءنا لمدينون).

فيأخذ الوسط مع الذى قبله،أم الذى بعده؟قلت:بل مع الذى بعده،فإنهما اللفظان،و نص عليهما الناظم،فلا معدل عنهما،إلا إذا لم يجدهما كما فى العنكبوت،كيف و إن أتتك قد تقدم ذكرها فى باب الهمزتين من كلمة،فإن لم يذكر ثم شيئا من الاستفهامين،و إن كان الجميع لا خلف عن هشام فى مده،و ضابطه أن يتكرر الاستفهام،و فى كل واحد همزتان،و إلا فقد يوجد أحد الشرطين و لا يكونا من هذا الباب،بيانه أن المتكرر يوجد و ليس فى كل واحد همزتان،كالذى فى قصة لوط فى سورة الأعراف:

(أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ -أ ئنكم لتأتون).

فهذا استفهام مكرر،لكن الأول همزه واحد،و الثانى كذلك فى قراءة نافع و حفص،و فى قراءة غيرهما و يوجد الهمزتان،و لا يكرر،و هذا كثير نحو:

(أ ئن لنا لأجرا-أ ءنك لأنت يوسف-أ ءنّا لمغرمون).

كل ذلك يقرأ بالاستفهام و الخبر،و ليس من هذا الباب،و منه ما أجمع فيه على الاستفهام نحو:

(أ ءذا ما مت-أ ءنا لتاركوا آلهتنا-أ ءنك لمن المصدقين-أ ئن ذكرتم).

و لفظ الناظم بقوله-أئذا-أئنا-مد الأول و قصر الثانى لأجل الوزن،و كلاهما قرئ به كما بينه،و لكن لم يخص أحد بالمد الأول دون الثانى،بل منهم من مدهما و منهم من قصرهما فى جميع هذه المواضع،ثم بين الناظم اختلاف القرّاء فى هذا الاستفهام المكرر على الصفة المذكورة،فقال:«فذو استفهام الكل أولا»أى كل القراء يقرأ أول بلفظ الاستفهام،أى بهمزتين،و التحقيق و التسهيل يوجدان من أصولهم فى ذلك،و نصب قوله أولا على الظرف،أى أول الاستفهامين،يدل على ذلك أنه قال بعد ذلك:«و هو فى الثانى»أى و الإخبار فى اللفظ الثانى،على ما سنبينه،و لو كان قال الأول بالألف و اللام،و لو نصبه على أنه مفعول بالاستفهام لأنه مصدر، لكان جائزا،و يكون معنى استفهموه:جعلوه بلفظ الاستفهام،فقوله الكل مبتدأ،و ذو استفهام خبره مقدم عليه،و الجملة خبر،و ما كرر استفهامه و العائد إليه محذوف،أى الكل ذو استفهام فيه أولا،و يجوز أن يكون المعنى كله ذو استفهام،على أن يكون الكل عبارة عن المواضع لا عن القراء،و المعنى الأول،لقوله بعده سوى نافع،و على المعنى الثانى نحتاج أن يقدر للقراء سوى نافع،و اللّه أعلم.

790-[سوى نافع فى النّمل و الشّام مخبر

سوى النّازعات مع إذا وقعت و لا]

أى استثنى نافع وحده الذى فى النمل،فقرأ الأول فيه بالإخبار أى بهمزة واحدة:

ص: 544

(أ ءذا كنا ترابا).

و وافق الجماعة كلهم فى المواضع الباقية على الاستفهام فى الأول،ثم ذكر قراء ابن عامر،و هى أنه يقرأ بالإخبار فى جميع المواضع،ما عدا:النمل،و استثنى له أيضا من غير النمل الواقعة و النازعات فلزم من ذلك أن الأول فى النازعات و الواقعة لم يقرأ أحد بالإخبار،و الذى فى النمل الإخبار فيه لنافع وحده،و ما عدا ذلك الإخبار فيه لابن عامر وحده،إلا الذى فى العنكبوت،فإنه وافقه على الإخبار فى الأول جماعة،كما يأتى فى البيت الآتى،فهذا معنى قوله«و الشام مخبر»يعنى فى غير النمل سوى كذا و كذا،و ولا فى آخر البيت بكسر الواو،أى و الشام مخبر متابعة،فهو فى موضع نصب على أنه مفعول من أجله،فكأن أصحاب الناظم رحمه اللّه قد استشكلوا استخراج ذلك،لأنهم قدروا قوله«فذو استفهام الكل أولا»سوى نافع،فبذلك فسره الشيخ، و نظم هذا المعنى فى بيتين نذكرهما»و إذا كان المعنى كذلك لزم أن يكون قد بين الخلاف فى موضع واحد، و ليس هو فى السورة التى النظم فيها،ثم رام بيانه فى جملة المواضع،و عكس هذا أولى،فغير الشاطبى هذا البيت بما دل على أن مراده:فذو استفهام الكل فى جميع المواضع،فقال:

سوى الشام غير النازعات و واقعة له نافع فى النمل أخبر فاعتلا

أى نافع وحده قرأ فى النمل بالإخبار،و دل على أنه منفرد بذلك أنه لم يعد ذكر ابن عامر معه،و ذلك لازم كما بيناه،قوله«رمى صحبة»و فى غير ذلك قال الشيخ رحمه اللّه و معنى البيتين يعود إلى شيء واحد،و الأول أحسن،و عليه أعول.

قلت:فى البيت الثانى تنكير لفظ واقعة و إسكانها،و ذلك و إن كان جائز للضرورة فاجتنابه مهما أمكن أولى،و قوله له زيادة لا حاجة إليها،قال:و لو قال الناظم رحمه اللّه:فالاستفهام فى النمل أولا:

خصوص و بالاخبار شام بغيرها سوى النازعات مع إذا وقعت و لا

لا ارتفع الإشكال و ظهر المراد،و الخاء فى خصوص رمز.

791-[و(د)ون(ع)ناد(عمّ)فى العنكبوت مخ

برا و هو فى الثّانى(أ)تى(ر)اشدا و لا]

أى تابع ابن كثير و حفص و نافع ابن عامر فى الإخبار فى أول الذى فى العنكبوت،فقرءوا-إنكم-بهمزة إن المكسورة،و هذا أحد المواضع التى رمز فيها بعد الواو الفاصلة فى كلمة واحدة،و مخبرا حال من الضمير فى عم،و هو عائد على الأول من الاستفهامين جعله مخبرا،لأن الإخبار فيه كما يجعل ما فيه الخطاب مخاطبا فى نحو و خاطب عما تعلمون.

ثم قال:و هو«يعنى الإخبار»فى الثانى أى فى الاستفهام الثانى فى كل المواضع الأحد عشر المذكورة إلا ما يأتى استثناؤه،و كل ما تقدم ذكره كان مختصا بالاختلاف فى الأول.

و قوله«أتى راشدا،رمز لنافع و الكسائى،فهما المخبران فى الثانى فقرأ-إنا-بهمزة واحدة مكسورة و راشدا حال أو مفعول به،أى أتى الإخبار قارئا راشدا،و ولا بفتح الواو فى موضع نصب على التمييز،أى

ص: 545

راشدا و لاؤه،و هو و ما قبله المكسور الواو ممدودان،و إنما قصرا للوقف عن ما ذكرناه مرارا.

792-[سوى العنكبوت و هو فى النّمل(ك)ن(ر)ضا

و زاداه نونا إنّنا عنهما اعتلا]

أى لم يقرأ أحد فى ثانى العنكبوت بالإخبار،و هو يعنى الإخبار فى ثانى النمل لابن عامر و الكسائى،و أما نافع فاستفهم كالباقين،لأنه قرأ الأول بالخبر كما سبق،و كذا فعل فى العنكبوت لما أخبر فى الأولى استفهم فى الثانى و ابن عامر لما كان مستفهما فى أول النمل على خلاف أصله أخبر فى الثانى هنا على خلاف أصله أيضا،ثم قال:

و زاده نونا،أى زاد ابن عامر و الكسائى الثانى فى النمل نونا،فقراءة:

(أ ءنا لمخرجون).

و الباقون بنون واحدة،و الاستفهام-أئنا-ثم قال:

793-[و(عمّ)(ر)ضا فى النّازعات و هم على

أصولهم و امدد(ل)وى(ح)افظ(ب)لا]

رضى فى موضع نصب على التمييز أى عم رضا الإخبار فى ثانى النازعات،فقرئ-إذا كنا-بهمزة واحدة فوافق ابن عامر نافعا و الكسائى فى أصلهما الذى هو الإخبار فى الثانى،لأنه يقرأ-الأوّل بالاستفهام،فهو كما قرأ فى النمل،و كان القياس أن يفعل فى الواقعة كذلك،لكنه استفهم فى الموضعين.كما أن الكسائى استفهم فى موضعى العنكبوت،فخالفا أصلهما فيهما،و الباقون على الاستفهام مطلقا،و هم على أصولهم فى ذلك،لأنه اجتمع فى قراءتهم بالاستفهام همزتان فى الأوّل و همزتان فى الثانى.

فمن مذهبه تحقيق الهمزتين و هم الكوفيون و ابن عامر:حقق.

و من مذهبه تسهيل الثانية سهل،و هم الحرميان و أبو عمرو،على ما تمهد فى باب الهمزتين من كلمة.

و من مذهبه المد بين الهمزتين سواء كانت الثانية محققة أو مسهلة مدهنا،و هم أبو عمرو و قالون و هشام.و قد رمزهم هنا بقوله«و امدد لوى حافظ بلا»و إنما اعتنى ببيان ذلك و لم يكتف بما تقدم فى باب الهمزتين من كلمة«إعلاما»بأن هشاما يمد هنا بغير خلاف عنه،بخلاف ما تقدم فى الباب المذكور،و قد ذكر لهشام فيه سبعة مواضع لا خلف عنه فى مدها،فهذا الباب كذلك،و قوله«و امدد لوى»أراد«لوا»الممدود،فقصره ضرورة، و هو مفعول امدد و إذا مد اللواء ظهر و اشتهر أمره،لأن مد نشره بعد طيه،فكأنه يقول انشر علم الحفظة القراء و أشهر قراءاتهم،و معنى ابتلا:اختبر،و هو صفة لحافظ،و أشار الشيخ إلى أن لوى فى موضع نصب على الحال،أى فى علوّ لواء الحافظ و شهرته،و اعلم أن القراءة بالاستفهام فى هذه المواضع فى الأصل،و هو استفهام:الانكار و التعجب،و من قرأ بالخبر فى الأول أو الثانى استغنى بأحد الاستفهامين عن الآخر،و هو مرا فيه،و من جمع بينهما فهو أقوى تأكيدا،و العامل فى إذا من قوله-إذا كنا-فى أول المواضع التسع،

ص: 546

و ثانى النازعات فعل مضمر يدل عليه ما بعده فى الأوّل و ما قبله فى الثانى.تقديره أ نبعث إذا كنا ترابا؟أ نرد إذا كنا عظاما نخرة؟و من قرأ بالإخبار فى ثانى النازعات جاز أن يتعلق إذا بما قبله،و هو-لمردودون-و أما الإخبار فى باقى المواضع فلفظه«إنا»فلا يعمل ما بعد إن فيما قبلها،كما لا يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله،نص عليه أبو على،و أما الموضع الحادي عشر،و هو الذى فى العنكبوت،فليس فيه لفظ إذا،فالأمر فيه ظاهر.

794-[و هاد و وال قف و واق بيائه

و باق(د)نا هل يستوى(صحبة)تلا]

يعنى حيث وقعت هذه الكلم فى هذه السورة أو غيرها نحو.

(وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (1) - وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (2) - وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (3) - وَ ما لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ واقٍ (4) - ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ 5) .

ابن كثير يقف بالياء على الأصل،و أنما حذفت فى الوصل لاجتماعها مع سكون التنوين،فإذا زال التنوين بالوقف رجعت الياء»و الباقون يحذفونها تبعا لحالة الوصل،و هما لغتان،و الحذف أكثر و فيه متابعة الرسم، و أما ما يستوى المختلف فيه فهو قوله تعالى- أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ -لما كان تأنيث الظلمات غير حقيقى جاز أن يأتى الفعل المسند إليها بالتذكير و التأنيث،فقراءة صحبة بالتذكير،و إطلاق الناظم له دال على أنه ذلك، و قبل هذا-هل يستوى الأعمى و البصير لا خلاف فى تذكيره،إذ لا يتجه فيه التأنيث مع تذكير الفاعل،فلم يحتج إلى أن يقيد موضع الخلاف،بأن يقول الثانى أو نحو ذلك،و قد سبق فى الأصول أن هذا الموضع لا إدغام فيه لأحد من القرّاء،لأن من مذهبه إدغام لام هل عند التاء و هما حمزة و الكسائى قرءا هنا بالياء،و هشام استثنى هذا الموضع من أصله،و فى«تلا»ضمير يعود على صحبه لأن لفظه مفرد،و اللّه أعلم.

795-[و بعد(صحاب)يوقدون و ضمّهم

و صدّوا(ث)وى مع صدّ فى الطّول و انجلا]

أى و بعد يستوى قراءة صحاب يوقدون بالغيبة ردا إلى قوله تعالى- أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ -و قراءة الباقين بالخطاب ظاهرة،و صدوا ثوى مع صدأى أقام الضم فى-و صدوا-مع الضم فى- وَ صُدَّ عَنِ السَّبِيلِ -فى غافر للكوفيين، و الباقون بفتح الصاد،و توجيه القراءتين ظاهر،لأن اللّه تعالى لما صدهم عن سبيله صدوهم،لا راد لحكمه، و الضمير فى و ضمهم للقراء،أهل الأداء و هو يوهم أنه ضمير صحاب،و لا يمكن ذلك،لأجل أبى بكر، و لأن ثوى حينئذ لا يبقى رمزا مع التصريح.

********

(1) سورة الرعد،آية:7.

(2) سورة الرعد،آية:33.

(3) سورة الرعد،آية:11.

(4) سورة الرعد،آية:34.

(5) سورة النحل،الآية:96.

ص: 547

796-[و يثبت فى تخفيفه(حقّ ن)اصر

و فى الكافر الكفّار بالجمع(ذ)لّلا]

يريد (يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ) .

التخفيف و التشديد لغتان،من أثبت و ثبت،مثل أنزل و نزل و الكافر فى قوله تعالى-و سيعلم الكافر- أريد به الجنس،و وجه الجمع ظاهر،و لهذا قال ذللا،أى سهل معناه حين جمع،و اللّه أعلم،و فيها زائدة واحدة-الكبير المتعال-أثبتها فى الحالين ابن كثير وحده*و قلت فى ذلك.

و لا ياء فيها للإضافة وارد و فى المتعالى زائد قد تحصلا

ص: 548

سورة إبراهيم عليه السّلام

797-[و فى الخفض فى اللّه الّذى الرّفع(عمّ)خا

لق امدده و اكسر و ارفع القاف(ش)لشلا]

يريد اسم اللّه تعالى الذى فى قوله:

(إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اَللّهِ الَّذِي لَهُ) .

فرفعه على الابتداء،و الخفض على البدل من-العزيز الحميد-أو هو عطف بيان،و أما-أ لم تر أن اللّه خلق السموات-فقرأه حمزة و الكسائى-خالق-على أنه اسم فاعل،فمدا بعد الخاء و كسر اللام و رفعا القاف، لأنه خبر-أن-و قراءة الباقين خلق على أنه فعل ماض،ثم قال:

798-[و فى النّور و اخفض كلّ فيها و الأرض

هاهنا مصرخىّ اكسر لحمزة مجملا]

أى و افعل مثل ذلك فى سورة النور،فى قوله تعالى:

(وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ 1) .

و اخفض لفظ-كل-فيها بإضافة خالق إليه،و الباقون نصبوا-كل-لأنه مفعول خلق،و قوله-و الأرض- هاهنا أى و اخفض لفظ الأرض فى سورة إبراهيم على قراءة حمزة و الكسائى،لأنه معطوف على السموات، و السموات فى قراءتهما مخفوضة لإضافة خالق إليها،و السموات فى قراءة غيرهما مفعولة بقوله خلق،فهى منصوبة، و إنما علامة نصبها الكسرة،فلما اتحد لفظ النصب و الجر لم يحتج إلى ذكر السموات،و ذكر ما عطف عليها، و هو الأرض،لأن فيها يبين النصب من الجر،فمن كانت السموات فى قراءته منصوبة نصب الأرض بالعطف عليها،و قرأ حمزة-و ما أنتم بمصرخيّ-بكسر الياء المشددة و قرأ الباقون بفتحها،و هو الوجه،لأن حركة ياء الإضافة الفتح مطلقا،سكن ما قبلها أو تحرك،و قوله:مجملا،يعنى فى تعليل قراءة حمزة،و هو من قولهم أحسن و أجمل فى قوله أو فعله،أى اكسر غير طاعن على هذه القراءة،كما فعل من أنكرها من النحاة،ثم ذكر وجهها فقال:

799-[كها وصل أو للسّاكنين و قطرب

حكاها مع الفرّاء مع ولد العلا]

ذكر لها وجهين من القياس العربى،مع كونها لغة محكية،و إنما تكلف ذلك لأن جماعة من النحاة أنكروا هذه القراءة،و نسبوها إلى الوهم و اللحن.قال الفراء فى كتاب المعانى:و قد خفض الياء من مصرخىّ:الأعمش

********

(1) سورة النور،الآية:45.

ص: 549

و يحيى بن وثاب جميعا.حدثنى بذلك القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى بن وثاب،و لعلها من وهم القراء طبقة يحيى،فإنه قل من سلم منهم من الوهم.و لعله ظن أن الياء فى-مصرخىّ-حافظة للفظ كله و الياء للمتكلم خارجة من ذلك،قال:و مما نرى أنهم أوهموا فيه-نوله ما تولى و نصله-بالجزم ظنوا أن الجزم فى الهاء ثم ذكر غير ذلك،مما لم يثبت قراءة،و قد تقدم وجه الإسكان فى-نوله و نحوه و سنقرر كسر ياء بمصرخي- و قال أبو عبيد:أما الخفض فإنا نراه غلطا،لأنهم ظنوا أن الياء التى فى قوله-بمصرخي-تكسر كل ما بعدها، قال:و قد كان فى القراء من يجعله لحنا،و لا أحب أن أبلغ به هذا كله و لكن وجه القراءة عندنا غيرها.

قال الزجاج:هذه القراءة عند جميع النحويين ردية مرذولة.و لا وجه لها إلا وجيه ضعيف ذكر،و بعض النحويين يعنى:القراءة،فذكر ما سنذكره فى الحركة لالتقاء الساكنين.

و قال ابن النحاس:قال الأخفش سعيد:ما سمعت هذا من أحد من العرب و لا من أحد من النحويين قال أبو جعفر:

قد صار هذا بإجماع،لا يجوز و لا ينبغى أن يحمل كتاب اللّه تعالى على الشذوذ قال أبو نصر بن القشيرى فى تفسيره:

ما ثبت بالتواتر عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم فلا يجوز أن يقال هو خطأ أو قبيح أو ردى بل فى القرآن فصيح، و فيه ما هو أفصح.فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذى قرأ حمزة أفصح.

قلت:يستفاد من كلام أهل اللغة فى هذا ضعف هذه القراءة و شذوذها،على ما قررنا فى ضبط القراءة القوية و الشاذة،و أما عدم الجواز فلا،فقد نقل جماعة من أهل اللغة أن هذه لغة و إن شذت و قل استعمالها، قال أبو على:قال الفراء فى كتابه فى التصريف:زعم القاسم بن معن أنه صواب،قال،و كان ثقة بصيرا، و زعم قطرب أنه لغة فى بنى يربوع،يزيدون على ياء الإضافة ياء و أنشد:

ماض إذا ما هم بالمضى قال لها هل لك يا قافى

قال:و قد أنشد الفراء ذلك أيضا.

قلت:فهذا معنى قول الناظم:و قطرب حكاها مع الفراء فالهاء فى حكاها:ضمير هذه اللغة،و لم يتقدم ذكرها.و لكنها مفهومة من سياق الخفض فى تقرير هذه القراءة،فهو مثل قوله تعالى:- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها (1) -أى عالى مدائن قوم لوط و لم يتقدم لها ذكر و لكن علم ذلك من سياق القصة،و قال الفراء فى كتاب المعانى:و قد سمعت بعض العرب ينشد:

قال لها هل لك يا قافى قالت له ما أنت بالمرضى

فخفض الياء من فى،فإن يكن ذلك صحيحا فهو مما يلتقى من الساكنين،و تمام كلام سننقله فيما بعد، فانظر إلى الفراء كيف يتوقف فى صحة ما أنشده،و معناه يا هذه،هل لك فى،قال الزجاج:هذا الشعر مما لا يلتفت إليه و عمل مثل هذا سهل،و ليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب،و لا هو مما يحتج به فى كتاب اللّه تعالى اسمه،و قال الزمخشرى:هى قراءة ضعيفة،و استشهدوا لها ببيت مجهول،فذكره.

********

(1) سورة هود،آية:82.

ص: 550

قلت:ليس بمجهول،فقد نسبه غيره إلى الأغلب العجلى الراجز،و رأيته أنا فى أول ديوانه،و أول هذا الرجز:

أقبل فى ثوبى معافرى بين اختلاط الليل و العشى

و هذه اللغة باقية فى أفواه الناس إلى اليوم،يقول القائل ما فى أفعل كذا،و فى شرح الشيخ،قال حسين الجعفى:سألت أبا عمرو بن العلاء عن كسر الياء،فأجازه،و هذه الحكاية تروى على وجوه ذكرها ابن مجاهد فى كتاب«الياءات»من طرق،قال خلاد المقرئ:حدثنا حسين الجعفى،قال:قلت لأبى عمرو ابن العلاء:

إن أصحاب النحو يلحنوننا فيها،فقال:هى جائزة أيضا،إنما أراد تحريك الياء فليس يبالى إذا حركتها،و فى رواية لا تبالى إلى أسفل حركتها أو إلى فوق،و فى رواية:سألت أبا عمرو بن العلاء عنها فقال:من شاء فتح و من شاء كسر،و قال خلف:سمعت حسين الجعفى يروى عن أبى عمرو بن العلاء فقال:إنها بالخفض حسنة، و قال محمد بن عمر الرومى:حدثنى الثقة عن حسين الجعفى،قال:قدم علينا أبو عمرو بن العلاء.فسألته عن القرآن فوجدته به عالما،فسألته عن شيء قرأ به الأعمش و استشنعته-و ما أنتم بمصرخي-بالجر فقال:جائزة قال:فلما أجازها أبو عمرو،و قرأ بها الأعمش أخذت بها،قال:و هى عند أهل الأعراب ليست بذاك، فهذا معنى قول الناظم«مع ولد العلا»يعنى أن أبا عمرو حكى هذه اللغة و نقلها،و على ضعفها و شذوذها قد وجهها العلماء بوجهين:أحدهما أن ياء الإضافة شبهت بهاء الضمير التى توصل بواو إذا كانت مضمومة، و بياء إذا كانت مكسورة،و تكسر بعد الكسر و الياء الساكنة،و وجه المشابهة أن الياء ضمير،كالهاء،كلاهما على حرف واحد يشترك فى لفظه النصب و الجر،و قد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة،فكسرت كما تكسر الهاء فى عليه،و بنو يربوع يصلونها بياء كما يصل ابن كثير نحو عليه بياء،و حمزة كسر هذه الياء من غير صلة،لأن الصلة ليست من مذهبه و معنى المصرخ:المغيث،و أصل مصرخى:مصرخينى،حذفت النون للإضافة، فالتقت الياء التى هى علامة الجر،مع ياء الإضافة،فأدغمت فيها،و توجيه هذه اللغة بهذا الوجه،هو الذى اعتمد عليه أبو على فى كتاب«الحجة»فقال:وجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون فى موضع نصب أو جر،فالياء فى النصب و الجر كالهاء فيهما،و كالكاف فى أكرمتك،و هذا لك.فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة فى هذا لهو،و ضربهو،و لحق الكاف أيضا الزيادة فى قول من قال:أعطيتكاه و أعطيتكيه،فيما حكاه سيبويه و هما أختا الياء،و لحقت التاء الزيادة فى نحو قول الشاعر:

رميتيه فأصميت و ما أخطأت الرمية

كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المد،فقالوا فى،ثم حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت الزيادة من الهاء فى قول من قال له:أرقان،و زعم أبو الحسن أنها لغة.

قلت ليس التمثيل بقوله:له أرقان،مطابقا لمقصوده،فإن الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف صلتها، و ليس مراده إلا حذف الصلة فقط،فالأولى لو كان مثل بنحو:عليه،و فيه،ثم قال أبو على:و كما حذفت الزيادة من الكاف،فقيل أعطيتكه و أعطيتكيه،كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختها،و أقرت الكسرة التى كانت تلى الياء المحذوفة،فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر،قال:فإذا كانت هذه الكسرة فى الياء على هذه اللغة و إن كان غيرها أفشى منها،و عضده من القياس ما ذكرنا،لم يجز لقائل أن يقول إن القراءة

ص: 551

بذلك لحن،لاستقامة ذلك فى السماع و القياس،و ما كان كذلك لا يكون لحنا،قلت:فهذا معنى قول الشاطبى رحمه اللّه:كها وصل،أى:نزلت الياء فى-مصرخى-منزلة هاء الضمير الموصلة بحرف المد،فوصلت هذه الياء أيضا بما يليق بها،و هو الياء،ثم حذفت الصلة منها،كما تحذف من الهاء*الوجه الثانى:أشار إليه الناظم بقوله أو للساكنين أى أو يكون الكسر فى-بمصرخي-لأجل التقاء الساكنين،و ذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة،و قبلها ياء الإعراب ساكنة أيضا،و لم يمكن تحريكها لأنها علامة الجر،و لأنها مدغمة فى الثانية،فلزم تحريك ياء الإضافة فكسرت تحريكا لها بما هو الأصل فى التقاء الساكنين،و هذا الوجه نبه عليه الفراء أولا، و تبعه فيه الناس،قال الزجاج:أجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر،لأن أصل التقاء الساكنين الكسر، قال الفراء:أ لا ترى أنهم يقولون:لم أره منذ اليوم و مذ اليوم،و الرفع فى الذال هو الوجه،لأنه أصل حركة منه،و الخفض جائز،فكذلك الياء من-مصرخى-خفضت و لها أصل فى النصب،قال الزمخشرى كأنه قدّر ياء الإضافة ساكنة،و لكنه غير فصيح،لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف فى نحو-عصاى- فما بالها و قبلها ياء،و قال بعضهم:كسرها اتباعا للكسرة التى بعدها،كما قرأ بعضهم الحمد للّه بكسر الدال اتباعا لكسر اللام بعدها،فكما تقول العرب،بعير،و شعير،و رحيم،بكسر أوائلها اتباعا لما بعدها،فهذا وجه ثالث،و كلها ضعيفة،و اللّه أعلم.

800-[و ضمّ(ك)فا(حصن)يضلّوا يضلّ عن

و أفئدة باليا بخلف(ل)ه و لا]

الكفاء بكسر الكاف:النظير و المثل،أى ضم مماثلا لحصن،فهو فى موضع نصب على الحال،و هو ممدود قصره ضرورة كما قصر الهاء فى قوله فى البيت السابق«كها وصل»يريد ضموا الياء من-ليضلوا عن سبيله -و من-.

(لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ) فى الحج (1)و لقمان (2).

و (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) فى الزمر (3).

و وجه القراءتين ظاهر،و قال صاحب التيسير هشام:من قراءتى على أبى الفتح-افئدة من الناس-بياء بعد الهمزة،قال:و كذلك نص عليه الحلوانى عنه،قال الشيخ:و ذكر أبو الفتح فى كتابه فى قراءة السبعة، و روى هشام وحده عن ابن عامر-فاجعل افئدة-بياء ساكنة بعد الهمزة،قال:و هذه القراءة وجهها الإشباع،و الإشباع:أن تزيد فى الحركة حتى تبلغ بها الحرف الذى أخذت منه،و الغرض بذلك:الفرق بين الهمزة و الدال،لأنهما حرفان شديدان،و الولاء:مصدر ولى ولاء،قلت الولاء النصر،و هذه أيضا

********

(1) سورة الحج،الآية:9.

(2) سورة لقمان الآية:6.

(3) الآية:8.

ص: 552

قراءة ضعيفة بعيدة عن فصاحة القرآن،و قل من ذكرها من مصنفى القراءات،بل أعرض عنها جمهور الأكابر،و نعم ما فعلوا،فما كل ما يروى عن هؤلاء الأئمة يكون مختارا،بل قد روى عنهم وجوه ضعيفة، و عجيب من صاحب التيسير:كيف ذكر هذه القراء مع كونه أسقط وجوها كثيرة لم يذكرها،نحو ما نبهنا عليه مما زاده ناظم هذه القصيدة،و هاهنا قراءة صحيحة تروى عن عاصم و أبى عمرو-و إنما نؤخرهم ليوم- بالنون ذكرها ابن مجاهد و غيره من كبار أئمة القراءة و لم يذكرها صاحب التيسير،لأنها ليست من طريق اليزيدى،و قد أشبعت الكلام فى هذا فى الشرح الكبير فى آخر سورة أم القرآن،و ما وزان هذه القراءة إلا أن يقال فى أعمدة و أنجدة أعميدة و أنجيدة،بزيادة ياء بعد الميم و الجيم،و كان بعض شيوخنا يقول:يحتمل أن هشاما قرأها بإبدال الهمزة ياء،أو بتسهيلها كالياء،فعبر الراوى لها بالياء،فظن من أخطأ فهمه أنها بياء بعد الهمزة، و إنما كان المراد بياء عوضا من الهمزة،فيكون هذا التحريف من جنس التحريف المنسوب إلى من روى عن أبى عمرو-بارئكم-و-يأمركم-و نحوه بإسكان حركة الإعراب،و إنما كان ذلك اختلاسا،و فى هذه الكلمة قراءة أخرى ذكرها الزمخشرى فى تفسيره،و إن كان قد وهم فى توجيهها،و هى بكسر الفاء من غير همز و وجهها أنها:ألقيت حركة الهمزة على الساكن قبلها،و حذفت،فهذه قراءة جيدة،و هى صورة ما يفعله حمزة فى الوقف عليها،و لعل من روى قراءة الإشباع كان قد قرأها بلا همز،فرد هشام عليه متلفظا بالهمزة، و أشبع كسرتها زيادة فى التنبيه على الهمزة،فظن أن الإشباع مقصود،فلزمه و رواه،و اللّه أعلم.

801-[و فى لتزول الفتح و ارفعه(ر)اشدا

و ما كان لى إنّى عبادى خذ ملا]

يعنى فتح اللام الأولى و رفع الثانية.فالهاء فى«ارفعه»لهذا اللفظ،فإن على قراءة الكسائى مخففة من الثقيلة مبالغة فى الإخبار بشدة مكرهم،كقوله-و مكروا مكرا كبارا-أى قد كان مكرهم من كبره و عظمه بزبل ما هو مثل الجبال فى الامتناع على من أراد إزالتها فى ثباتها و على قراءة الباقين تكون«إن»إما شرطية،أى:و إن كان مكرهم معادلا إزالة أشباه الجبال الرواسى،و هى المعجزات،و الآيات،فاللّه مجازيهم بمكر أعظم منه،و إما أن يكون«إن»نافية،و اللام فى«لتزول»مؤكدة لها،أى و ما كان مكرهم بالذى يزيل ما هو بمنزلة الجبال،و هى الشرائع و دين اللّه تعالى،فإن قلت:على هذا كيف يجمع بين القراءتين؟.

فإن قراءة الكسائى أثبتت أن مكرهم تزول منه الجبال و قراءة غيره نفته؟ قلت تكون الجبال فى قراءة الكسائى إشارة إلى أمور عظيمة غير الإسلام و معجزاته،لمكرهم صلاحية إزالتها،و الجبال فى قراءة الجماعة إشارة لما جاء به النبى عليه السلام من الدين الحق،فلا تعارض حينئذ، و اللّه أعلم، و أريد حقيقة الجبال قراءة الكسائى،كما قال سبحانه فى موضع آخر.

(تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً 1) .

********

(1) سورة مريم،آية:90 و 91.

ص: 553

و فى قراءة غيره أريد بالجبال ما سبق ذكره،ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة،و هى ثلاثة فى هذه السورة.

(وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ 1) .

فتحها حفص وحده.

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ 2) .

فتحها الحرميان و أبو عمرو.

و (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا 3) .

فتحها هؤلاء و عاصم،و ملا جمع ملاءة،أى خذ ذا ملاءة أى ذا حجج و وجوه مستقيمة،و فيها ثلاث زوائد.

(وَ خافَ وَعِيدِ) .

اثبتها فى الوصل ورش وحده-بما أشركتمون من قبل-أثبتها فى الوصل أبو عمر وحده-دعائى-أثبتها فى الوصل أبو عمرو و حمزة و ورش،و أثبتها فى الحالين البزى وحده،و قلت فى ذلك.

دعائى بما أشركتمون و قوله و خاف وعيدى للزوائد أجملا

********

(1) سورة إبراهيم،آية:22.

(2) سورة إبراهيم،آية:37.

(3) سورة إبراهيم،آية:31.

ص: 554

سورة الحجر

802-[و ربّ خفيف(إ)ذ(ن)ما سكّرت(د)نا

تنزّل ضمّ التّا لشعبة مثّلا]

يريد (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) .

التخفيف و التشديد،فيها لغتان،و معنى نما:بلغ من قول الشاعر:

من حديث نمى إلى عجيب

أو من نمى المال إذا زاد،لأن لفظة-رب-فيه لغات كثيرة و سكرت بالتخفيف،أى حبست من قولهم و سكرت النهر،و بالتشديد،يجوز أن يكون من هذا شدد للكثرة و أن يكون بمعنى حيرت،من السكر،و يجوز أن يقرأ فى البيت مخففا و مشددا،و التخفيف أولى ليطابق الرمز بعده،و التشديد قد يوهم من قلت معرفته بهذا النظم أنه من باب،و باللفظ استغنى عن القيد،فيقرأ لابن كثير بالتشديد،و إنما هو مقيد بما تقدمه من ذكر التخفيف،كقوله:

و فصل إذ ثنى و فى أحصن عن نفر العلا

استغنى عن تقييدهما بالقيد المذكور قبل كل واحد منهما،و كذا فى هذه السورة-منجوك-و قدرنا-و قوله- ما تنزل الملائكة-بضم التاء ظاهر،و بفتحها على حذف إحدى التاءين.أصله تتنزل الملائكة،و اللّه أعلم.

803-[و بالنّون فيها و اكسر الزّاى و انصب ال

ملائكة المرفوع عن(ش)ائد علا]

أى و اقرأ بالنون فى هذه الكلمة موضع التاء و اكسر الزاى،فيصير-ينزل-على وزن يحوّل،و يلزم من ذلك نصب الملائكة،لأنه مفعول به،و من قرأ بالتاء رفع الملائكة،لأنه فاعل،على قراءة من فتح التاء،و مفعول ما لم يسم فاعله على قراءة من ضمها،و لم ينبه على ضم النون و كان الأولى أن يذكره فيقول:

و بالنون ضما أى ضم و لا حاجة إلى قوله«فيها»لأنه معلوم،و قوله«المرفوع»نعت الملائكة لأنه لفظ، و قوله«عن شائد علا»أى ناقلا له عن عالم هذه صفته،أى عن من بنى المناقب العلا و رفعها و حصلها بعلمه و معرفته،و لا خلاف فى تشديد الزاى هنا،و قد تقدم فى البقرة.

804-[و ثقّل للمكّيّ نون تبشّرو

ن و اكسره(حرميّا)و ما الحذف أوّلا]

قراءة الجماعة ظاهرة النون مفتوحة،لأنها العلامة لرفع الفعل،و من كسرها قدر أصل الكلمة تبشرننى بنونين،و ياء الضمير المفعولة،فحذف نافع نون الوقاية كما حذفها فى-أ تحاجوني فى اللّه-و أدغم ابن كثير نون علامة الرفع فيها،كقراءة الجماعة فى-أ تحاجوني-ثم حذف نافع و ابن كثير الياء كما حذفت فى نظائره من رءوس الآى،نحو-عقاب-و-متاب-و أبقيا كسرة النون دالة على الياء المحذوفة،و قوله«حرميا»حال من

ص: 555

فاعل«و اكسره»أى قارئا يقرؤه الحرمى،أو من مفعوله،لأنه فعل منسوب إلى الحرمى،و قد سبق معنى «و ما الحذف أولا»فى سورة الأنعام،يعنى أن من قرأ بالتخفيف مع الكسرة،و هو نافع حذف إحدى النونين،و ليس الحذف فى الأولى منهما،بل فى الثانية توفيرا على الفعل علامة رفعه،و التقدير:و ما وقع الحذف أولا،و لو قال الأول على تقدير:و ما المحذوف الأول من التنوين،لكان جائزا.

805-[و يقنط معه يقنطون و تقنطوا

و هنّ بكسر النّون(ر)افقن(ح)مّلا]

يريد- قالَ وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ -و فى الروم- إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ- (1) و فى الزمر- لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ - (2)فتح النون فيها و كسرها لغتان،فماضى المفتوح قنط بالكسر،و ماضى المكسور قنط بالفتح،و هى أفصح اللغتين،و قد أجمعوا على الفتح فى الماضى فى قوله تعالى فى الشورى- مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا -«و حملا»جمع حامل، و قوله و يقنط مبتدأ،و معه يقنطون خبره،أى هذه الكلمات اجتمعت و اتحد لحكم فيها،ثم ابتدأ مبينا حكمها،فقال:هن بكسر النون و فتحها،و لو قال:موضع وهن جميعا لكان أحسن و أظهر معنى،و اللّه أعلم.

806-[و منجوهم خفّ و فى العنكبوت تن

جينّ(ش)فا منجوك(صحبت)ه(د)لا]

أى ذو خف،أى خفيف،أراد-إنا لمنجوهم أجمعين-لننجينه و أهله-إنا منجوك و أهلك-التخفيف و الثقيل فيها من أنجى و نجى،كأنزل و نزل،و هما لغتان خفف الثلاثة حمزة و الكسائى،و وافقهما أبو بكر و ابن كثير على تخفيف منجوك،و لو قال:لمنجوهم خفف باللام بدل الواو لكان أحسن حكاية،لما فى الحجر، و لا حاجة إلى واو فاصلة لظهور الأمر،كما قال بعد ذلك:قدرنا بها و النمل،و قد مضى معنى دلا فى مواضع، و فيه ضمير راجع إلى لفظ صحبة،لأنه مفرد،و هو كما سبق فى الرعد:صحبة تلا،و اللّه أعلم.

807-[قدرنا بها و النّمل(ص)ف و عباد مع

بناتى و أنّى نمّ إنّى فاعقلا]

يريد- إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها -و فى النمل التخفيف و التشديد فيهما أيضا لغتان،و استغنى بقيد التخفيف فى منجوهم عن القيد فيهما،كما سبق فى-سكّرت-و هو من التقدير لا من القدرة،و مثل ذلك سيأتى فى الواقعة و المرسلات و الأعلى،ثم ذكر ياءات الإضافة،و هى أربع-بناتى إن كنتم-فتحها نافع وحده-عبادى فى أنا-و قل إنى أنا النذير-فتح الثلاث الحرميان و أبو عمرو.

********

(1) آية:36.

(2) آية:53.

ص: 556

سورة النحل

808-[و ينبت نون(ص)حّ يدعون عاصم

و فى شركائى الخلف فى الهمز(ه)لهلا]

أى ذو نون.يريد- يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ -النون للعظمة؛و الياء:زد إلى اسم اللّه تعالى فى قوله تعالى - أَتى أَمْرُ اللّهِ -و ما بعدها من ضمائر الغيبة إلى قوله-و على اللّه قصد السبيل-و هو الذى أنزل-ينبت لكم- ثم قال الناظم،يدعون عاصم،أى قرأه عاصم بالياء على الغيبة،يريد- وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ -لأن قبله- وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ -بالغيبة و الباقون قرءوا بالتاء على الخطاب،و وجهه ما قبله من قوله- وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ -:

فإن قلت:من أين علمت أن قراءة عاصم بالغيب:

قلت:لعدم التقييد،فهو أحد الأمور الثلاثة التى إطلاقه يغنى عن قيدها،و هى الرفع، و التذكير،و الغيب.

فإن قلت:لم لم يحمل هذا الإطلاق على القيد السابق فى-و تنبت-نون،فيكون كما تقدم فى-سكرت- و قدرنا.

قلت:لا يستقيم لفظ النون فى يدعون،و لو لا ذلك لا تجه هذا الاحتمال،و روى البزى ترك الهمز فى قوله- أين شركائى الذين كنتم-و لزم من ذلك عدم المد الزائد على الألف،لأجل الهمزة،و هذا معنى قول بعض المصنفين:بغير همز و لا مد،قطعا لوهم من عداه أن يظن أن المد يبقى و إن سقطت الهمزة،و إنما قرأ كذلك قصرا للمدود،و لم يفعل ذلك فى الذى فى القصص و غيرها،و لا يلزم الناظم الاحتراز عن ذلك،لما ذكرناه مرارا:أن الإطلاق لا يتناول إلا ما فى السورة التى هو فيها،و ما شذ عن ذلك كالتوراة و-كائن-فهو الذى يعتذر عنه و قصر الممدود ضعيف لا يجيزه النحويون إلا فى ضرورة الشعر،فهذه قراءة ضعيفة أيضا،فلم يكن لصاحب التيسير حاجة إلى تضمين كتابه مثل هذه القراءات الضعاف*و عن قارئها فيها خلاف،و ترك ذكر ما ذكره ابن مجاهد و غيره عن أبى بكر عن عاصم-تنزل الملائكة بالروح من أمره-بالتاء المضمومة و فتح الزاى و رفع الملائكة على ما لم يسم فاعله،فهذه قراءة واضحة من جهة العربية،و قد دونها الأئمة فى كتبهم،و لم يذكر قصر-شركائى-إلا قليل منهم،فترى من قلت معرفته و لم يطلع إلا على كتاب التيسير و نحوه يعقد أن قصر-شركائى-من القراءات السبع،و تنزل الملائكة-ليس منها،و كذا-إلا بشق الأنفس-ذكر أبو على الأهوازى و غيره عن أبى عمرو و ابن عامر أنه بفتح الشين،و لهذا نظائر كثيرة،و قول الناظم«هلهل»من قولهم:هلهل النساج الثوب،إذا خفف نسجه،و ثوب هلهل و شعر هلهل من ذلك،فإن كان فعلا فمعناه لم يتيقن الخلاف فيه،و إن كان اسما و هو منصوب على الحال،أى استقر الخلف فيه فى الهمز«هلهلا»يشير إلى ضعف الرواية بترك الهمز و ضعف القراءة.

فإن قلت:من أين تعلم قراءة الجماعة أنها بالهمز.

ص: 557

قلت:لأن تقدير كلامه الخلف فى الهمز للبزى«هلهلا»قصده لا خلف فى الهمز عن غير البزى،و هو المراد،و اللّه أعلم.

809-[و من قبل فيهم يكسر النّون نافع

معا يتوفّاهم لحمزة وصّلا]

يعنى نون-تشاقون فيهم-و إنما لم يقله بهذه العبارة لأنها لا تستقيم فى النظم إلا مخففة القاف،و لم يقرأ أحد بذلك،و كسر نافع وحده النون و فتحها الباقون،و الكلام فى ذلك كما سبق فى-تبشرون-فى الحجر.

و لم يشدد أحد النون هنا،و قوله«معا»هو حال من-يتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم-الذين تتوفاهم الملائكة طيبين-قرأهما حمزة بالياء على التذكير،و إطلاقه دل على ذلك،و الباقون قرءوهما بالتأنيث، و وجههما ظاهر،و فى«وصلا»ضمير تثنية.

810-[سما ك)املا يهدى بضمّ و فتحة

و خاطب تروا(ش)رعا و الآخر(ف)ى(ك)لا]

يريد- فَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ -كما قال فى موضع آخر-من يضل اللّه فلا هادى له-أى من يضلله فلا يهدى فالفعل مبنى لما لم يسم فاعله،فقوله يهدى فاعل«سما»و«كاملا»حال منه،و قرأ الكوفيون بفتح الياء و كسر الدال،على سناد الفعل إلى الفاعل،أى لا يهدى اللّه من يضله،أو يكون يهدى بمعنى يهتدى كما تقدم فى يونس، ثم قال الناظم:«و خاطب يروا»يريد- أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْ ءٍ -أى اقرأه بالخطاب،جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه«و شرعا»مفعول مطلق،أى شرع ذلك شرعا،أو فى موضع الحال،أى ذا شرع،فإن كان حالا من المفعول،فتقديره مشروعا،و إن كان من فاعل خاطب،فتقدير:ناطقا بما هو مشروع،ثم قال:«و الآخر»بكسر الخاء،يريد-أ لم تروا إلى الطير مسخرات-الخطاب فيه لحمزة و ابن عامر،و الأوّل لحمزة و الكسائى،و لو فتحت الخاء من الآخر لم يتضح الأمر لإبهامه،فلم يعلم الذى قرأه الكسائى من الذى قرأه ابن عامر إلا بقرينة تقدم الذكر،و ذلك قد يخفى،و قد ترك الناظم الترتيب فى مواضع،و قوله«فى كلا» أى فى اللفظ و حراسة-و هو ممدود،و وجه القراءتين فى الموضعين ظاهر،و اللّه أعلم.

811-[و را مفرطون اكسر(أ)ضا يتفيّؤا ال

مؤنّث للبصريّ قبل تقبّلا]

أى ذا أضاء،أو مشبها أضاء فى الانتفاع بعلمك كما ينتفع بمائه،و الإضاء جمع أضاة بفتح الهمزة،و هو الغدير،و الجمع بكسر الهمزة و المد،كأكام و بفتحها و القصر كفتى،و مفرطون بالكسرة من أفرط فى المعصية إذا تغلغل فيها،و بالفتح أى مقدمون إلى النار،من أفرطته:إذا قدمته فى طلب الماء،أو هم منسيون من رحمة اللّه،من أفرطت فلانا خلفى إذا تركته و نسيته،و أما يتفيؤا ظلاله-فهو فى التلاوة قبل مفرطون، أخره ضرورة النظم،فلهذا قال«قبل»أى قبل مفرطون،و وجه التأنيث و التذكير فيه ظاهر،لأن تأنيث الظلال غير حقيقى،و اللّه أعلم.

ص: 558

812-[و(حقّ صح)اب ضمّ نسقيكمو مما

لشعبة خاطب يجحدون معلّلا]

معا:يعنى هنا و فى-قد أفلح-ضم النون و فتحها لغتان،فالضم من أسقى،و الفتح من سقى،قال الشاعر فجمع بينهما.

سقى قومى بنى مجد و أسقى نميرا و للقبائل من هلال

دعاء للجميع بما يخصب بلادهم،و فى التنزيل:

(وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً 1) .

(وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً 2) .

(وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ 3) .

(وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً 4) .

و قيل الأصل فى أسقى جعل له سقيا،و فى سقى رواه من العطش،ثم استعمل فى المعنى الواحد لتقارب المعنيين و أجمعوا على الضم فى الفرقان،فى قوله تعالى:

(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ 5) .

و حكى فيه الفتح عن الأعمش و عاصم من رواية المفضل عنهما،ثم قال الناظم:«لشعبة خاطب يجحدون» يريد- أَ فَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ -وجه الخطاب أن قبله- وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ -و وجه الغيب أن قبله - فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا -و أجاز معللا بفتح اللام و كسرها.و وجه الجمع ظاهر.

813-[و ظعنكم إسكانه(ذ)ائع و نج

زينّ الّذين النّون(د)اعيه(ن)وّلا]

إسكان العين فى ظعن و فتحها لغتان،كمعز و معز،و نهر و نهر،و شعر و شعر،فلهذا قال«ذائع»أى مشتهر مستفيض،و النون فى-و لنجزين الذين صبروا-و الياء ظاهران،و لا خلاف فى التى بعدها،-و لنجزينهم- أنه بالنون،فلهذا قيد موضع الخلاف بقوله«الذين»و يجوز النون بالرفع على أنه مبتدأ ثان،و بالنصب على أنه مفعول نوّل،أى داعى نجزين نوّل النون فيه.

814-[(م)لكت و عنه نصّ الأخفش ياءه

و عنه روى النّقّاش نونا موعّلا]

********

(1) سورة الحجر،آية:94.

(2) سورة النساء،آية:94.

(3) سورة النساء،آية:49.

(4) سورة الأنعام،آية:145.

(5) سورة الأنعام،آية:139.

ص: 559

الميم فى«ملكت»رمز ابن ذكوان أى أنه فى جملة من روى عنه النون،ثم بين أن الصحيح عنه القراءة بالياء،فقال«عنه»يعنى عن ابن ذكوان نص الأخفش على الياء.و هو هارون بن موسى ابن شريك الدمشقى تلميذ ابن ذكوان،و كان يعرف بأخفش باب الجابية،و الهاء،فى ياءه ترجع إلى لفظ-نجزين-المختلف فيه، ثم قال:و عنه،يعنى عن الأخفش روى النقاش،و هو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر ابن سند البغدادى المفسر،و هو ضعيف عند أهل النقل،روى عن شيخه الأخفش فى قراءة ابن ذكوان لهذا الحرف نونا،قال صاحب التيسير ابن كثير و عاصم-لنجزين الذين-بالنون و كذلك روى النقاش عن الأخفش عن ابن ذكوان،قال:و هو عندى و هم،لأن الأخفش ذكر ذلك فى كتابه عنه بالياء،و ذكر بالأهوازى فى كتاب الإيضاح النون عن ابن ذكوان و عن هشام أيضا،و عن ابن عامر و أبى عمرو من بعض الطرق،و قال:

قال النقاش:أشك كيف قرأته على الأخفش عن ابن ذكوان،و قول الناظم«موهلا»هو حال من النقاش، أو صفة للنون،أى مغلطا،يقال:و هل فى الشيء و عنه بكسر الهاء إذا غلط و سهى،و هل و هلا،و وهلت إليه بالفتح أهل و هلا ساكن الهاء إذا ذهب،و همل إليه فأنت تريد غيره مثل و همت،هكذا فى صحاح الجوهرى،قال الشيخ:موهلا من قولهم وهله فتوهل،أى و همه فتوهم،و هو منصوب على الحال من النقاش، أى منسوعا إلى الوهم فيما نقل،يريد ما قال صاحب التيسير هو عندى و هم،و قد ذكرناه،و اللّه أعلم.

815-[سوى الشّام ضمّوا و اكسروا فتنوا لهم

و بكسر فى ضيق مع النّمل(د)خللا]

لهم أى لجميع القراء السبعة سوى الشامى،فحذف ياء النسبة،أو التقدير سوى قارئ الشام،فحذف المضاف،يريد- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا -أى فتنهم الكافر بالإكراه على النطق بكلمة الكفر،و قلوبهم مطمئنة بالإيمان،و ذلك نحو ما جرى لعمار بن ياسر و أصحابه بمكة رضي اللّه عنهم،و هو موافق للآية الأولى- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا -لم يختلف فيه أنه على ما لم يسم فاعله،و قرأ ابن عامر:«فتنوا»بإسناد الفعل إلى الفاعل بفتح الفاء و التاء،لأن الفتح ضد الضم و الكسر معا،و وجه هذه القراءة أن تكون الآية نزلت فى الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر،و أوقعوا الفتن فى الذين أسلموا و هاجروا و جاهدوا و صبروا،و ذلك نحو ما جرى لمن تأخر إسلامه كعكرمة بن أبى جهل،و عمه الحارث، و سهيل بن عمرو و أضرابهم رضي اللّه عنهم،و تكون القراءتان فى الطائفتين،الفاتنين و المفتونين،و قيل التقدير فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة الكفر،و معنى القراءتين متحد المراد بهما المفتونون،و قيل معنى فتنوا:افتتنوا،قال الشيخ:روى أبو عبيد عن أبى زيد فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع فى الفتنة،و تحوّل من الحال الصالحة إلى السيئة،و فتن إلى النساء أراد الفجور بهن،و قيل الضمير فى فتنوا يعود إلى الخاسرون.و المفعول محذوف أى من بعد ما فتنهم أولئك الخاسرون،و أما-فى ضيق مما يمكرون-هنا و فى النمل،ففتح الضاد و كسرها لغتان،كالقول و القيل،و قيل المفتوح تخفيف ضيق كهين و ميت،أى فى أمر ضيق،و قوله سوى الشامى استثنى من الضمير فى لهم كما سبق،و يجوز أن يكون مبتدأ و ما بعده الخبر،و يجوز أن يكون فى موضع نصب بفعل مضمر،كقولك زيدا اكتب الكتاب له،أى لابسه و خالطه بذلك«و دخللا»حال من قوله فى ضيق أى هو دخيل مع الذى فى النمل مشابه له فى الكسر،و اللّه أعلم.

ص: 560

سورة الإسراء

816-[و يتّخذوا غيب(ح)لا ليسوء نو

ن(ر)او و ضمّ الهمز و المدّ(ع)دّلا]

أى ذو غيب حلو لأن قبله-لبنى إسرائيل-و الخطاب حكاية ما فى الكتاب،و هما مثل ما فى البقرة- لا تعبدون إلا اللّه-كلاهما فى بنى إسرائيل،و المعنى واحد،و لو دخلت أن فى الذى فى البقرة لكانت-أن لا تعبدوا-مثل-أن لا تتخذوا سواء،فاتحد اللفظ و المعنى،و أما-ليسوءوا وجوهكم-فقراءة الكسائى بالنون ظاهرة لكثرة ما قبله من نونات العظمة،و قرأ غيره بالياء،فمن فتح الهمزة و قصره كما فعل الكسائى،فالفاعل هو اللّه تعالى،كما قال-سبحان الذى أسرى بعبده-و بعده-عسى ربكم-أو يكون الفاعل الوعد،أو البعث، و هذه قراءة ابن عامر و حمزة و أبى بكر،و ضم الهمز و مده حفص،و هو المرموز فى قوله«عدلا»و الحرميان و أبو عمرو رمز لهم فى البيت الآتى بقوله«سما»فالضمير المرفوع فى-ليسوءوا-للعباد الذين هم-أولوا بأس شديد-و اللام فى-ليسوءوا-على القراءات الثلاث متعلقة بفعل مضمر،أى بعثناهم ليقع ذلك،و قول الناظم و المد بالرفع،عطف على ضم لهمز.

817-[(سما)و يلقّاه يضمّ مشدّدا

(ك)فى يبلغنّ امدده و اكسر(ش)مردلا]

أراد كتابه يلقاه-أى يستقبله به،و قرأ الباقون يلقاه بفتح الياء و التخفيف،و ذلك ظاهر المعنى،و الهاء للكتاب أو للإنسان،لأن ما لقبك فقد لقيته-و إما يبلغن عندك الكبر-فمد بعد الغين،أى زد ألفا و اكسر النون المشددة،فيصير يبلغان و الضمير للوالدين،و أحدهما بدل منه،و هو فاعل على قراءة القصر،و النون للتأكيد فيها،و اللّه أعلم.

818-[و عن كلّهم شدّد و فا أفّ كلّها

بفتح(د)نا(ك)فؤا و نوّن(ع)لى(ا)عتلا]

يعنى أجمعوا على تشديد النون،و هذا منه زيادة فى البيان،و إلا فهو معلوم مما تقدم،لأنه لفظ بقوله «يبلغن»مشدد النون و أمر بكسرها،و لم يتعرض للتشديد بنفى و لا إثبات،فدل على أنه لا خلاف فيه،و أما «أف»ففيها لغات كثيرة،لم يقرأ فيها إلا بثلاث:الفتح،و الكسر،و التنوين مع الكسر،و هى قراءة نافع و حفص،و هو معنى قوله«على اعتلا»أى معتمدا على اعتلا،و قوله«كلها»بالجر تأكيد«لأف»يعنى حيث جاء،و هو:هنا و فى الأنبياء و الأحقاف،و اللّه أعلم.

819-[و بالفتح و التّحريك خطأ(م)صوّب

و حرّكه المكّى و مدّ و جمّلا]

يريد- إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً -فلفظ بقراءة الجماعة،و ذكر أن ابن ذكوان فتح الخاء و الطاء،و عبر عنه

ص: 561

بالتحريك المطلق،و هو الفتح ليؤخذ للباقين ضده و هو السكون،و عبر عن حركة الخاء بلفظ الفتح ليؤخذ للباقين ضده،و هو الكسر،فدخل ابن كثير من الباقين فى هذا،و لم يخالفهم فيه،و لما خالفهم فى إسكان الطاء تعرض له،فقال:و حركه المكى،و زاد مدا بعد الطاء،فقراءة الجماعة خطأ بمعنى إنما يقال:خطأ خطأ كإثم إنما،و هو فى قراءة ابن ذكوان ضد الصواب،و قيل هما لغتان كالحذر و الحذر و المثل و المثل.

قال الزجاج:و قد يكون من خطأ خطأ إذا لم يصب،و قراءة ابن كثير خاطأ خطاء،مثل خاطر خطارا.

قال أبو على:و إن لم يسمع خاطأ و لكن قد جاء ما يدل عليه،و هو:تخاطأ لأنه مطاوعه.

قال:و قد قالوا أخطى فى معنى خطى،كما أن خطى فى معنى أخطى.

قلت:فإلى هذا أشار الناظم بقوله«مصوّب»لأن قوما استبعدوا قراءة ابن ذكوان،فقالوا:الخطأ ما لم يتعمد،و جوابه أنه استعمل فى التعمد أيضا،و قول الناظم خطأ مصوّب مبتدأ و خبر،أى هو مصوّب بالفتح و التحريك،فقابل بين لفظى الخطأ و التصويب،و إخباره عن الخطأ بالتصويب من عجائب هذا النظم،و محاسنه، و اللّه أعلم.

820-[و خاطب فى يسرف(ش)هود و ضمّنا

بحرفيه بالقسطاس كسر(ش)ذ(ع)لا]

أى قراءة شهود أراد-فلا تسرف فى القتل-الخطاب للولى أو الإنسان،و الياء للولى،و ضم القسطاس و كسره لغتان،و الهاء فى«بحرفيه»للقسطاس،و الباء فى«بالقسطاس»من نفس التلاوة،أى و ضمنا هذا اللفظ بموضعيه،يعنى هنا و فى الشعراء،فأخبر عن الضم بالكسر على تقدير:و موضع ضمنا كسر هؤلاء،أى كسر ذوى شذا عال،أى ذوى بقية حسنة و طيب فائق،و اللّه أعلم.

821-[و سيّئة فى همزه اضمم و هائه

و ذكّر و لا تنوين(ذ)كرا مكمّلا]

يريد- كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ -فقوله ذلك إشارة إلى المنهى عنه،و إذا ضممت الهمز و الهاء و ذكرت:أى لم تجعل الهاء للتأنيث،بل ضمير مذكر،فلا تنوين حينئذ،فيكون السيئ مضافا إلى ما تقدم،أى كان سيئ المذكور مكروها،فيكون ذلك إشارة إلى جميع ما تقدم مما وصى به الإنسان،و فيه حسن؛و هو المأمور به، و سيّئ،و هو المنهى عنه،و مكروها على القراءة بالتأنيث خبر لكان بعد خبر،و قوله ذكرا مكملا:مصدر مؤكد من لفظ ذكر،و إن لم يكن مصدره،أراد تذكيرا مكملا،و يجوز أن يكون فعله مضمرا:أى ذكرت ذلك ذكرا مكملا لجميع قيوده،و قال الشيخ:التقدير أذكر ذكرا،و اللّه أعلم.

822-[و خفّف مع الفرقان و اضمم ليذكروا

(ش)فاء و فى الفرقان يذكر فصّلا]

ص: 562

أى خفف لفظ-ليذكروا-هنا و فى الفرقان،أراد-و لقد صرفنا فى هذا القرآن ليذكروا-و لقد صرفناه بينهم ليذكروا-و التخفيف فى هذين لحمزة و الكسائى.أراد تخفيف الذال و الكاف،و هو حذف تشديدهما، و هما مفتوحان،فنص على ضم الكاف و لم ينص على إسكان الذال لوضوحه،و هو مضارع ذكر يذكر، و المشدد مضارع تذكر،و الأصل ليتذكر،فأدغمت التاء فى الذال و قوله«شفاء»:حال من-ليذكروا- أو من فاعل«خفف»و اضمم أى ذا شفاء،ثم ذكر أن فى الفرقان موضعا آخر اختص حمزة بتخفيفه،و هو- لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا

823-[و فى مريم بالعكس(حقّ ش)فاؤه

يقولون(ع)ن(د)ار و فى الثّان(ن)زّلا]

بالعكس،أى بالتشديد و فتح الكاف،يريد أولا يذكر الإنسان،و لو كان جرى على سننه و رمز لمن خفف

كان أحسن و قلت أنا فى ذلك:

و فى كاف نل إذ كم يقولون دم علا و فى الثانى نل كفا سما و تبجلا

و أنث تسبح عن حمى شاع وصله و بعد اكسروا اسكان رجلك عملا

و لم يبق فى البيت تضمين،و اجتمع الرمز المفرق و هو قوله هنا نزلا،و فى البيت الآتى سما كفله،و يقولون فى الموضعين بالغيب،و الخطاب ظاهر،أراد بالثانى-سبحانه و تعالى عما يقولون علوا كبيرا-.

و قبله-قل لو كان معه آلهة كما يقولون.

824-[(سما ك)فله أنّث يسبّح(ع)ن(ح)مي

(ش)فا و اكسروا إسكان رجلك(ع)مّلا]

أراد تسبح له السموات السبع التأنيث و التذكير فيه ظاهران،و رجلك بإسكان الجيم اسم جمع للراجل كصحب و رجل و بكسر الجيم بمعنى راجل،كتعب و تاعب،و حذر حاذر،و بمعنى رجل بضم الجيم الذى بمعنى راجل،فيكون كسر الجيم و ضمها لغتين نحو ندس و ندس،و المعنى و جمعك الرجل و استغنى بالفرد عن الجمع لدلالته عليه بالجنسية،و قيل:يجوز أن تكون قراءة الإسكان من هذا سكنت الكسرة أو الضمة تخفيفا،نحو فخذ و عضد،و عملا جمع عامل،هو حال من الضمير فى اكسروا.

825-[و يخسف(حقّ)نونه و يعيدكم

فيغرقكم و اثنان يرسل يرسلا]

الخلاف فى هذه الخمسة دائر بين النون و الباء،فكلاهما ظاهر،أراد-أ فأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل-أم أمنتم أن يعيد فيه تارة أخرى-فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم-و قوله نرسل نرسل- كلاهما بدل من اثنان،و نصهما على الحكاية.

826-[خلافك فافتح مع سكون و قصره

(سما ص)ف نأى أخّر معا همزه(م)لا]

ص: 563

أراد:و إذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا-أى افتح الخاء مع سكون اللام و حذف الألف،و كلتا القراءتين بمعنى بعدك،ونأ و ناء،مثل أى وراء،كلاهما على وزن رعى و راع:لغتان،و تأخير الهمز من الفعلين على القلب،فيصبر وزنهما:فلع قال الشاعر:

و كل خليل رآنى فهو قائل

و نقل الشارح فى كتاب«الغاية»من أبى بكر بن مقسم قال:نأى بوزن نعى لغة قريش،و كثير من العرب و ناء بوزن باع:لغة هوازن بن سعد بن بكر و بنى كنانة و هزيل و كثير من الأنصار،قال شاعرهم

نجالد عنه بأسيافنا و ناءت معد بأرض الحرم

و قول الآخر:و ناء بكلكل

قلت:ناء فى قول امرئ القيس و أردف أعجازا و ناء بكلكل

ليس من هذا،و ذاك معناه نهض ينهض نهوضا ثقيلا لطول صدراه،و قوله معا:يعنى هنا و فى سورة فصلت:

827-[تفجّر فى الأولى كتقتل(ث)أبت

و(عمّ ن)دى كسفا بتحريكه و لا]

أى بالتخفيف على وزن تقتل،و الأولى قوله-حتى تفجر لنا من الأرض-احترازا من الثانية-فتفجر الأنهار-فلا خلاف فى تشديدها لقوله فى مصدرها:تفجيرا و فجر،و فجر كسجر و سجر،يقال:فجر الماء و فجره إذا فتح سكره و شقه،و قوله تعالى- فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ -هو:مطاوع فجر بالتخفيف،و كسفا بإسكان السين و فتحها:لغتان:جمع كسفة،و هو القطعة،و مثلها:سدرة و سدر،و لقحة و لقح،و ندى تمييز،و كسفا فاعل عم،و لا مفعول له،أى بتحريكه متابعة للنقل.

828-[و فى سبإ حفص مع الشّعراء قل

و فى الرّوم سكّن(ل)يس بالخلف مشكلا]

أراد-أو نسقط عليهم كسفا-فاسقط علينا كسفا-حركهما حفص وحده،و فى الروم:

(وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً 1) .

سكنه ابن عامر:و لم يختلف فى إسكان الذى فى الطور-و إن يروا كسفا من السماء ساقطا-و اللّه أعلم:

829-[و قل قال الأولى(ك)يف(د)ار و ضمّ تا

علمت(ر)ضى و الياء فى ربّى انجلا]

********

(1) الآية:48.

ص: 564

أراد (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) .

هذه هى الأولى،و الثانية قوله:

(قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ) .

لا خلاف فى قراءة هذه على الأمر،و قرأ الأولى بلفظ المضى ابن عامر و ابن كثير،و قول الناظم:الأولى،هو نعت لقوله:قل لا،لقوله قال،أى:و قل الأولى تقرأ قال،لمن رمز له،و مثله قوله فى أول الأنبياء«و قل قال عن شهد»و قوله:«كيف دار»أى كيف دار اللفظ،فإحدى القراءتين راجعة إلى معنى الأخرى،لأنه أمر بالقول فقال،و«تا»علمت بالضم لموسى،و بالفتح لفرعون،و«رضا»حال من فاعل ضم أو مفعوله أى ذا رضى، ثم ذكر ياء الإضافة فى موضع واحد؛و هو-ربى إذا لأمسكتم-فتحها نافع و أبو عمرو،و فيها زائدتان و لئن أخرتن إلى-أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو،و أثبتها ابن كثير فى الحالين-و من يهدى اللّه فهو المهتد-أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو،و قلت فى ذلك.

و فيها لئن أخرتنى زيد باؤه كذلك فهو المهتدى قد تكفلا

ص: 565

سورة الكهف

830-[و سكتة حفص دون قطع لطيفة

على ألف التّنوين فى عوجا بلا]

قال صاحب«التيسير»قرأ حفص عوجا،يسكت على الألف سكتة لطيفة من غير قطع و لا تنوين،ثم يقول:فيما،و قال مكى:كان حفص يقف على عوجا وقفة خفيفة فى وصله.

قلت:فهذا معنى قوله دون قطع،أى:دون قطع نفس،لأنه فى وقفه واصل،و غرضه من ذلك إيضاح المعنى لئلا يتوهم أن قيما نعت عوجا،و إنما قيما حال من الكتاب المنزل،أو منصوب بفعل مضمر،أى جعله قيما و لما التزم صورة الوقف لأجل ذلك لزمه أن يبدل من التنوين ألفا يقف عليها،لأن التنوين لا يوقف عليه، فهذا معنى قوله،على ألف التنوين،أى على الألف المبدلة من التنوين،و فى ذلك نظر،فإنه لو وقف على التنوين لكان أدل على غرضه،و هو:أنه واقف بنية الوصل،و كثير من المصنفين،كالأهوازى و ابن غلبون، يقولون:نقف على عوجا،و لا يذكرون إبدال التنوين ألفا،و قال الأهوازى:ليس هو وقفا مختارا لأن فى الكلام تقديما و تأخيرا،معناه:أنزل على عبده الكتاب قيما،و لم يجعل له عوجا،و معنى بلا:اختبر،و فاعله ضمير عائد إلى حفص ثم قال:

831-[و فى نون من راق و مرقدنا و لا

م بل ران و الباقون لا سكت موصلا]

أى و سكت فى هذه المواضع الثلاثة أيضا أحدها:النون من-من راق-فى سورة القيامة لما اندغمت النون فى الراء بغير غنة وقف على-من-ليعلم أنهما كلمتان،و ليست اللفظة على وزن فعال،و كذا الكلام فى لام-بل ران على قلوبهم (1)-و أما-من بعثنا من مرقدنا- (2)فوقف على مرقدنا،لئلا يتوهم أن هذا الذى بعده صفة للمرقد،و إنما هو مبتدأ،قال مكى:و لو اختار متعقب الوقف على-عوجا-و على-مرقدنا- لجميع القراء لكان ذلك حسنا،لأنه يفرق بين معنيين فهو تمام مختار الوقف عليه؛قال:و قرأ الباقون ذلك كله بغير وقف مروى عنهم،لأنه متصل فى الخط،و الإدغام فرع،و لا كراهة فيه،و لو لزم الوقف على اللام و النون ليظهر للزم فى كل مدغم؛فهذا معنى قول الناظم:«و الباقون»لا سكت و«موصلا»نعت لسكت، أى لا سكت لهم منقولا عنهم موصلا إلينا،و قال الشيخ:موصلا نصب على الحال،أى فى حال إيصال المذكور فى المواضع المذكورة بما بعده،قال المهدوى:و كان يلزم حفصا مثل ذلك فى ما شاكل هذه المواضع،و هو لا يفعله،فليس لقراءته وجه من الاحتجاج يعتمد عليه إلا اتباع الرواية،قلت أول من هذه المواضع بمراعاة الوقف عليها-و لا يحزنك قولهم،إن العزة للّه جميعا-فينبغى الوقف على«قولهم»،لئلا يتوهم أن ما بعده هو المفعول،و كذا-أنهم أصحاب النار.الذين يحملون العرش-ينبغى الاعتناء بالوقف على النار،ثم يبتدأ بما بعده لئلا يوهم الصفة،و لذلك نظائر،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة المطففين،آية:14.

(2) سورة يس،آية:52.

ص: 566

832-[و من لدنه فى الضّمّ أسكن مشمّه

و من بعده كسران عن شعبة اعتلا]

أى أسكن ضم الدال فى حال كونك مشمه،فالهاء فى مشمه للضم،و الكسران فى النون و الهاء،و هذا معنى قول صاحب التيسير:قرأ أبو بكر-من لدنه-بإسكان الدال و إشمامها شيئا من الضم،و بكسر النون و الهاء،و يصل الهاء بياء،و كذا قال صاحب الروضة:إشمامها شيئا من الضم،و صرح الأهوازى فقال باختلاس ضمة الدال،و أما مكى فقال:الإشمام فى هذا إنما هو بعد الدال،لأنها ساكنة فهى بمنزلة دال زيد المرفوع فى الوقف،و ليس بمنزلة الإشمام فى-سيئت-و قيل لأن هذا متحرك،و لم يذكر الشيخ فى شرحه غير هذا القول،فقال:حقيقة هذا الإشمام أن يشير بالعضو إلى الضمة بعد إسكان الدال،و لا يدركه الأعمى لكونه إشارة بالعضو من غير صوت،قال أبو على:و هذا الإشمام ليس فى حركة خرجت إلى اللفظ،و إنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة ليعلم أن الأصل كان فى الدال الضمة،فأسكنت كما أسكنت الباء فى سبع،و الكسر من النون لالتقاء الساكنين؛و كسرت الهاء بعدها لأجل كسرة النون،نحو:به،و من أجله.

833-[و ضمّ و سكّن ثمّ ضمّ لغيره و كلّهم فى الها على أصله تلا]

أى ضم الدال و سكن النون،ثم ضم الهاء لغير شعبة،و أما حكم الهاء فى الضم و الكسر و الصلة فعلى ما عرف من أصولهم فى باب هاء الكناية،فتكسر الهاء و تصلها بياء فى قراءة شعبة،لأجل كسر ما قبلها،و تضم الهاء فى قراءة غيره لعدم الكسر قبلها،و ابن كثير وحده يصلها بواو كما يقرأ-منهو-و-عنهو-و الباقون يضمون و لا يصلون كما يقرءون-منه-و عنه.

834-[و قل مرفقا فتح مع الكسر(عمّ)ه

و تزور للشّامى كتحمرّ وصّلا]

أى عم مرفقا فتح فى الميم مع الكسر فى الفاء،و الباقون بعكس ذلك:كسروا الميم و فتحوا الفاء،و هما لغتان فى مرفق اليد،و فيما يرتفق به،و قيل:هما لغتان فيما يرتفق به،و أما مرفق اليد فبكسر الميم و فتح الفاء لا غير،-و تزور-ظاهر.

835-[و تزّاور التّخفيف فى الزّاى(ث)أبت

(و حرميّ)هم ملّئت فى اللاّم ثقّلا]

أصله تتزاور،فمن شدد أدغم التاء الثانية فى الزاى،و من خفف حذفها كما مضى فى نحو-تنزل الملائكة- و تذكرون-و هما و قراءة ابن عامر سواء:الكل بمعنى العدول و الانحراف،و التخفيف و التشديد فى-ملئت- لغتان ففي التشديد تكثير.

ص: 567

836-[بورقكم الإسكان(ف)ى(ص)فو(ح)لوه

و فيه عن الباقين كسر تأصّلا]

يعنى أن الأصل كسر التاء،و الإسكان تخفيف نحو كبد و فخذ،و الورق:الفضة،و يقال له الرقة أيضا.

837-[و حذفك للتّنوين من مائة شفا

و تشرك خطاب و هو بالجزم(ك)مّلا]

يريد ثلاثمائة سنين،من حذف التنوين من مائة،أضافها إلى سنين كما يقال ثلاثمائة سنة،و إنما أوقع الجمع موقع المفرد كقوله تعالى- بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (1) -.

و قال الفرزدق:

ثلاث مئين للملوك وفى بها ردائي

و قال آخر:

و خمس مئ منها قسى و زائف

و نحو ذلك نحو قول عنترة:

فيها اثنتان و أربعون حلوبة سودا.....

فلفظ الحلوبة يستعمل للواحد و الجمع،فلما وصفها هنا بالجمع فى قوله سود أشعر ذلك بأنه استعملها جمعا، فيكون التمييز بالجمع فى موضع المفرد،و هو الأصل،بدليل أن مميز العشرة فما دونها مجموع،و إنما أفرد فيما عدا ذلك اختصارا لما كثر المعدود،قال الفراء:من العرب من يضع سنين فى موضع سنة،و أما من نون ثلاثمائة:فسنين عنده إما تمييز منصوب،كقوله إذا عاش الفتى مائتين عاما،و وجه جمعها ما سبق،و إما أن يكون عطف بيان أو بدلا من ثلاث،فهو على هذه الأوجه منصوب،و إما أن يكون عطف بيان أو بدلا من مائة، فيكون مجرورا و قيل البدل أجود من عطف البيان،لأن عطف البيان من النكرة غير سائغ عند البصريين،أى و لبثوا فى كهفهم سنين ثلاث مائة،قال الزجاج سنين عطف على ثلاث:عطف البيان و التوكيد،قال:

و جائز أن يكون سنين من نعت المائة،و هو راجع فى المعنى إلى ثلاث،كما قال:

فيها اثنتان و أربعون حلوبة سودا..

فجعل سودا نعتا لحلوبة،و هو فى المعنى نعت لجملة العدد،و كذا قال أبو جعفر النحاس:الخفض رد على مائة،لأنها بمعنى مائتين،و قال الفراء:من نون و هو يريد الإضافة نصب سنين بالتفسير للعدد،و نقل الزمخشرى فى مفصله عن أبى إسحاق أنه قال:لو انتصب سنين على التمييز لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسع مائة سنة،فكأنه قصد بذلك الرد على الفراء،و هو غير لازم،لأن قراءة الإضافة لا تشعر بذلك و سنقرر ذلك فى شرح النظم إن شاء اللّه،و أما-و لا تشرك فى حكمه أحدا فقراءة ابن عامر بلفظ النهى،و هو ظاهر،و قراءة الباقين على الإخبار على لفظ الغيبة،أى و لا يشرك اللّه أحدا فى حكمه،و قوله خطاب أى ذو خطاب،و اللّه أعلم

********

(1) سورة الكهف،آية:104.

ص: 568

838-[و فى ثمر ضمّيه يفتح عاصم

بحر فيه و الإسكان فى الميم حصّلا]

معنى الكلام فى ثمر بضم الثاء و الميم و فتحهما فى سورة الأنعام،و زاد هنا إسكان الميم تخفيفا،و كل ذلك لغات،و قوله:بحرفيه،بمعنى موضعيه فى هذه السورة،و كان له-ثمر-و أحيط بثمره-و قد تقدم ذكر الذى فى يس فى سورة الأنعام،فثمر بضمتين جمع ثمار،و ثمار جمع ثمرة،و ثمر بفتحتين جمع ثمرة،كبقر فى جمع بقرة،و ثمر بسكون الميم جمع ثمرة أيضا،كبدنة و بدن،و يجوز أن يكون مخففا من مضموم الميم الذى هو جمع ثمار،و يجوز أن يكون المضموم الميم مفردا،كعنق و طنب،و قيل الثمرة بالضم المال،و بالفتح المأكول، و قيل:يقال فى المفرد ثمرة بضم الميم،كسمرة،و اللّه أعلم.

839-[و دع ميم خيرا منهما(ح)كم(ث)أبت

و فى الوصل لكنّا فمدّ(ل)ه(م)لا]

يريد خيرا منهما منقلبا:أى من الجنتين،و منها على إسقاط الميم،رد على قوله-و خل جنته-و الميم ساقطة فى الرسم من مصاحف العراق دون غيرها،و على ذلك قراءة الفريقين،و حكم ثابت بالضم،على تقدير، هو حكم ثابت،و يجوز نصبه على أنه مصدر مؤكد نحو-صبغة اللّه-و صنع اللّه و أما-لكنا هو اللّه-فأجمعوا على إثبات ألفه فى الوقف،و اختلفوا فى الوصل،فأثبتها ابن عامر إجراء للوصل مجرى الوقف،و حذفها الباقون،لأن هذه الألف هى ألف أنا.و قد تقدم فى سورة البقرة أنها تحذف فى الوصل دون الوقف،و نافع أثبتها وصلا،و قيل الهمزة خاصة،قالوا:و أصل هذه الكلمة:لكن أنا،بإسكان النون من لكن،و بعدها ضمير المتكلم،منفصلا مرفوعا،و هو:أنا،فألقيت حركة همزة أنا على نون لكن،فانفتحت و حذفت الهمزة،فاتصلت النونان فأدغمت الأولى فى الثانية،و حذفت ألف أنا فى الوصل،على ما عرف من اللغة، و ثبت فى الوقف،و خرّجوا على هذا التقدير قول الشاعر:

و تقليننى لكن إياك لا أقلى

أى لكن أنا،قال الزجاج:إثبات ألف أنا فى الوصل شاذ،و لكن من أثبت فعلى الوقف،كما يثبت الهاء فى قوله-ماهيه-و-كتابيه-.

و أجاز أبو على أن يكون الضمير المتصل بلكن،مثل المنفصل الذى هو نحن،نحو لم يعننا،فأدغمت نون لكن فيها،فالألف ثابتة وقفا و وصلا،لأن ألف فعلنا لا تحذف،قال:و عاد الضمير على الضمير الذى دخلت عليه، لكن على المعنى،و لو عاد على اللفظ لكان لكنا هو اللّه ربنا،قال الزجاج فأما-لكنا هو اللّه ربى-فهو الجيد بإثبات الألف،لأن الهمزة قد حذفت من أنا،و صار إثبات الألف عوضا من الهمزة،قال:و قرئ-لكن بإسكان النون،و لكنن-بنونين بلا إدغام،لأن النونين من كلمتين-و لكننا بنونين و ألف،قال:و الجيد البالغ ما فى مصحف أبى-لكن أنا هو اللّه ربى فهذا هو الأصل و جميع ما قرئ به جيد بالغ،و لا أنكر القراءة بهذا،و الأجود اتباع القراءة و لزوم الرواية،فإن القراءة سنة،و كلما كثرت الرواية فى الحرف،و كثرت به القراءة،فهو المتبع،و ما جاز فى العربية و لم يقرأ به قارئ فلا نقر أنّ به،فإن القراءة به بدعة،و كل

ص: 569

ما قلت به الرواية و ضعف عند أهل العربية فهو داخل فى الشذوذ،فلا ينبغى أن يقرأ به،قال أبو عبيد، و كتبت-لكنا-يعنى بألف قال:هكذا،و رأيتها فى المصحف الذى يقال:إنه الإمام:مصحف عثمان، و الفاء فى قوله فمد زائدة و ملا جمع ملاءة أشار إلى حججه و علله،و قد سبق تفسيره.

840-[و ذكّر تكن(ش)اف و فى الحقّ جرّه

على رفعه(ح)بر(س)عيد(ت)أوّلا]

يريد- وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ -تذكير الفعل و تأنيثه ظاهران،و أما هنالك الولاية للّه الحق-فجر الحق على أنه صفة للّه،و رفعه على أنه صفة للولاية،و الحق:مصدر،فالوصف به على تقدير ذى الحق،و ذات الحق، و يشهد لقراءة الجر:قراءة ابن مسعود رضي اللّه عنه،هنالك الولاية للّه و هو الحق-و قوله تعالى- ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ -و يشهد لقراءة الرفع قراءة أبى-هنالك الولاية الحق للّه،و قوله سبحانه-الملك يومئذ الحق للرحمن قال الفراء:و الولاية الملك،و لو نصب الحق على معنى حقا كان صوابا،قال أبو على:

و معنى وصف الولاية بالحق،أنه لا يشوبها غيره،و لا يخاف فيها ما فى سائر الآيات من غير الحق،و قول الناظم:و فى الحق جره،مبتدأ و خبره،ثم استأنف على رفعه حبر،أى عالم،سعيد،نعت حبر تأول للرفع ما ذكرناه،و اللّه أعلم.

841-[و عقبا سكون الضّمّ(ن)صّ(ف)تى و يا

نسيّر و الى فتحها(نفر)ملا]

يريد-و خير عقبا ضم القاف و إسكانها لغتان،و هى العاقبة و العقبى و العقبة،و معناها الآخرة،و أما-و يوم نسير الجبال-فقرأه على البناء للمفعول نفر ملا،و هو جمع ملى،و هو الثقة،ثم ذكر تمام تقييد القراءة، فقال:

842-[و فى النّون أنّث و الجبال برفعهم

و يوم يقول النّون حمزة فضّلا]

أنث أى اجعل دلالة التأنيث موضع النون،و هى التاء،و إنما نص على النون لتعلم قراءة الباقين،و لو لم يذكر ذلك لأخذ التذكير ضدا للتأنيث،و رفع الجبال لأنه مفعول فعل ما لم يسم فاعله،و قرأ الباقون بالنون و كسر الياء،و نصب الجبال لأنه مفعول فعل مسند للفاعل،و قد شرح بمعنى القراءة الأولى فى:

(وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (1) - وَ إِذَا الْجِبالُ 2سُيِّرَتْ) .

و قد نسب السير إلى الجبال فى يوم تمور السماء مورا،و تسير الجبال سيرا و يقوى النون فى نسير قوله تعالى بعده- و حشرناهم فلم نغادر-و الضمير فى برفعهم عائد على نفر-و يوم بقول نادوا شركائى-الياء فيه للّه تعالى و النون للعظمة،و فضلها حمزة فقرأ بها:

********

(1) سورة النبأ،آية:20.

(2) سورة التكوير،آية:3.

ص: 570

843-[لمهلكهم ضمّوا و مهلك أهله

سوى عاصم و الكسر فى اللاّم(ع)وّلا]

يريد ضم الميم فى و جعلنا لمهلكهم موعدا ما شهدنا مهلك أهله (1)فى سورة النمل.و كلهم سوى عاصم ضموا الميم و فتحوا اللام،لأنه يعنى الإهلاك،و فعله أهلك،نحو:

- وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ (2) -و عاصم فتح الميم،فيكون من الهلاك،و فعله هلك،و المصدر مضاف إلى الفاعل،و على قراءة الضم إلى المفعول،و يجوز أن يكون المفتوح الميم بمعنى المضموم،فقد قيل:إن هلك استعمل لازما و متعديا،نحو رجع و رجعته،و فتح اللام مع فتح الميم قراءة أبى بكر عن عاصم،و هى أشبع اللغتين،و كسر اللام رواية حفص عن عاصم،و نظيره مرجع و محيض،و الفتح هو الباب و القياس و معنى عوّل جوز أى عوّل عليه.

844-[و ها كسر أنسانيه ضمّ لحفصهم

و معه عليه اللّه فى الفتح وصّلا]

أضاف ها إلى الكسر لما كان الكسر فيها،و قصرها ضرورة،و يجوز أن يكون من باب القلب لأمن الإلباس،أراد و كسر هاء-أنسانيه-ضم،و الضم هو الأصل فى هاء الضمير على ما سبق تقريره فى باب هاء الكناية؛و هذا حكم من أحكام ذلك الباب،و مثله ما يأتى فى أول طه.

(لِأَهْلِهِ امْكُثُوا 3) .

و وجه الكسر فيهما مجاورة الهاء للياء الساكنة و الكسرة:نحو فيه و به،و قوله فى آخر البيت وصلا، ذكره الشيخ بفتح الواو و الصاد،أى وصله حفص بما قبله،و بضم الواو و كسر الصاد،أى وصل ذلك و نقل له.

845-[لتغرق فتح الضّمّ و الكسر غيبة

و قل أهلها بالرّفع(ر)اويه(ف)صّلا]

يعنى فتح ضم الياء و كسر الراء،و غيبة:حال أى ذا غيبة،و فتح خبر-لتغرق-أى هو مفتوح الضم و الكسر فى حال غيبته،أى بالياء مكان التاء،أسند الفعل إلى الأهل فارتفع الأهل بالفاعلية،أى ليغرقوا،و فى القراءة الأخرى أسند الفعل إلى المخاطب،فانتصب أهلها على أنه مفعول به و اللام فى ليغرق لام العاقبة على القراءتين، و معنى فصل:بين،و اللّه أعلم:

846-[و مدّ و خفّف ياء زاكية(س)ما

و نون لدنّى خفّ(ص)احبه إلى]

********

(1) الآية:49.

(2) سورة يونس،آية:13.

(3) الآية:10.

ص: 571

أراد-نفسا زاكية-و كلتا القراءتين ظاهرة:الزاكى و الزكى واحد،و مثل هاتين القراءتين ما سبق فى المائدة قاسية-و قسية-و قوله-قد بلغت من لدنى عذرا-تشديد نونه،من جهة أن نون-لدن-ساكنة،الحق بها نون الوقاية لتقى نونها من الكسر الواجب قبل ياء المتكلم فى الحروف الصحيحة،كما فعل ذلك في من و عن محافظة على سكونها،فاجتمع نونان،فأدغمت نون لدن فى نون الوقاية،و نافع لم يلحق نون الوقاية فانكسرت نون لدن؛و إذا كان قد حذفها من-أ تحاجوني-و تبشرون-مع كونها قد اتصلت بنون رفع الفعل،فحذفها من هذا أولى،و إلى فى آخر البيت:واحد الآلاء،و هى:النعم،قال الجوهرى:واحدها ألى بالفتح، و قد نكسر و تكتب بالياء،مثاله:معى و أمعاء،و إعراب صاحبة مبتدأ و إلى خبره،أى ذو إلى،أى ذو نعمة، و يجوز أن يكون صاحب فاعل خف،و إلى حال،أى ذا نعمة،ثم بين قراءة أبى بكر فقال.

847-[و سكّن و أشمم ضمة الدّال(ص)ادقا

تخذت فخفّف و اكسر الخاء(د)م(ح)لا]

أى سكن الدال تخفيفا كما تسكن عضد و سبع،و أهل هذه اللغة يكسرون نون لدنّ لالتقاء الساكنين؛ فلم يحتج شعبة إلى إلحاق نون الوقاية،لأن نون لدنّ مكسورة؛فلهذا جاءت قراءته بتخفيف النون،و اما إشمامه ضمة الدال فللدلالة على أن أصلها الضم،و فى حقيقة هذا الإشمام من الخلاف ما سبق فى من لدنه فى أول السورة، و صرح ابن مجاهد هنا بما صرح به صاحب التيسير ثم،فقال:يشم الدال شيئا من الضم،و قال هناك بإشمام الدال الضمة،و فسره أبو على بأنه تهيئة العضو لإخراج الضمة،و صاحب التيسير قال:هنا أبو بكر بإسكان الدال و إشمامها الضم و تخفيف النون،و قال هناك:و إشمامها شيئا من الضم،و نقل الشيخ فى شرحه عنه أنه قال يجوز أن يكون هنا الإشارة بالضمة إلى الدال فيكون إخفاء لا سكونا،و يدرك ذلك بحاسة السمع،و قال الشيخ يشمها الضم على ما تقدم فى-من لدنه-من الإشارة بالعضو.

قلت:وجه اختلاس الضمة هنا أظهر منه هناك،من جهة أن كسر النون هناك،إنما كان لالتقاء الساكنين، فلو لم تكن الدال ساكنة سكونا محضا لم يحتج إلى كسر النون،و بقيت على سكونها،و هنا كسر النون لأجل إيصالها بياء المتكلم،كما أن نافعا يكسرها مع إشباعه لضمة الدال،غير أن الظاهر أن قراءته فى الموضعين واحدة، و قد بان أن الصواب ثم الإشارة بالعضو،فكذا هنا،و اللّه أعلم.

و أما لتّخذت عليه أجرا-فخفف التاء و كسر الخاء ابن كثير و أبو عمرو فيكون الفعل تخذ مثل علم، قال أبو عبيد هى مكتوبة هكذا،و هى لغة هذيل،و قرأ الباقون بتشديد التاء و فتح الخاء،فيكون الفعل اتخذ نحو-اتخذوا أيمانهم جنة-و اتخذوا آياتى و رسلى هزوا-و ذلك كثير فى القرآن ماضيه و مضارعه نحو-و من الناس من يتخذ-و تلك اللغة لم يأت مضارعها فى القرآن،و لا ماضيها فى غير هذا الموضع،و إعراب قوله:دم حلا، كإعراب دم يدا،أى ذا حلا،أو يكون تمييزا،نحو:طب نفسا،و اللّه أعلم.

848-[و من بعد بالتّخفيف يبدل هاهنا

و فوق و تحت الملك(ك)افيه(ظ)لّلا]

أى من بعد لتخذت-أن يبدلهما ربهما-و فوق الملك و تحتها:يعنى:سورتى التحريم،و نون:-أن يبدله أزواجا.

ص: 572

(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا 1) .

فحذف الناظم المضاف إليه بعد فوق اكتفاء بذكره له بعد تحت،و مثله:بين ذراعى و جبهة الأسد، قال أبو على:بدل و أبدل يتقاربان فى المعنى،كما أن نزل و أنزل،كذلك،إلا أن بدل ينبغى أن يكون أرجح لما جاء فى التنزيل من قوله:

(لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ 2) .

و لم يجيء فيه الإبدال،و قال-و إذا بدلنا آية مكان آية.

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا (3) - وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ 4) .

و سيأتى ذكر الخلاف فى الذى فى سورة النور:

(وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً 5) .

قال الشيخ و الهاء فى كافيه عائدة على يبدل بالتخفيف فى المواضع الثلاثة،و إنما ظلل لأنه بإجماع من أهل للعربية لا مطعن فيه،لأنه فى المواضع الثلاثة تبديل الجوهرة بأخرى،و إنما تكلم النحاة فى قراءة التشديد، لأنهم زعموا أن التشديد إنما يستعمل فى تغير الصفة دون الجوهر.

قلت:هذا قول بعضهم،و ليس بمطرد،و قد رده أبو على،و قال المبرد يستعمل كل واحد منهما فى مكان الآخر،و اللّه أعلم.

849-[فأتبع خفّف فى الثّلاثة(ذ)اكرا

و حامية بالمدّ(صحبت)ه(ك)لا]

أى خفف الباء من-فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس-ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس-ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين-فهذا معنى قوله فى الثلاثة،و الأولى أن يقرأ أول بيت الشاطبى،و أتبع خفف بالواو،و تكون الواو للعطف أنث للفصل،و يقع فى كثير من النسخ فأتبع بالفاء،و ليس جيدا إذ ليس الجميع بلفظ فأتبع بالفاء،إنما الأول وحده بالفاء،و الآخران خاليان منهما،و لم ينبه على قطع الهمزة،و لا بد منه فليته قال،و أتبع كل اقطع هنا خفف ذاكر،أى كله و ذهب التنوين لالتقاء الساكنين،و التخفيف و التشديد لغتان،و هما بمعنى تبع كعلم،قال اللّه تعالى:

(فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) .

فى البقرة،و قال فى طه:

********

(1) سورة التوبة،آية:36.

(2) سورة النور،آية:55.

(3) سورة البقرة،آية:59.

(4) سورة البقرة،آية:38.

(5) سورة سبأ،آية:16.

ص: 573

(فَمَنِ اتَّبَعَ -و قال- فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (1) - فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ 2) .

و هذه المواضع مجمع عليها،و اختلف هنا و فى الذى فى آخر الأعراف و الشعراء،و قيل اتبع يتعدى إلى لمفعولين،بدليل:

(وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً 3) .

فالتقدير أتبع أمره سببا،و قيل:اتبع الحق و اتبع بمعنى،و اختار أبو عبيد قراءة التشديد، قال:لأنها من المسير إنما هى افتعل من قولك:تبعت القوم و أما الاتباع بهمز الألف،فإنما معناه اللحاق كقولك:

(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ - فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ) .

و نحوه و اختار الفراء قراءة التخفيف فقال أتبع أحسن من اتبع،لأن اتبعت الرجل إذا كان يسير و أنت تسير وراءه.فإذا قلت اتبعته فكأنك قفوته،قال أبو جعفر النحاس و غيره:الحق أنهما لغتان بمعنى السير،فيجوز أن يكون معه اللحاق و أن لا يكون:

قلت و معنى الآية-و آتيناه من كل شيء أى من أسباب كل شيء:أراده من أغراضه،و مقاصده فى ملكه سببا طريقا موصلا إليه:و السبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم،أو قدرة،و آلة:فأراد بلوغ المغرب:

(فَأَتْبَعَ سَبَباً) .

يوصله إليه:

(حتّى بلغ).

و كذلك أراد بلوغ المشرق.

(فَأَتْبَعَ سَبَباً) .

و أراد بلوغ السدين.

(فَأَتْبَعَ سَبَباً) .

هذه عبارة الزمخشرى فى ذلك و قال أبو على:

(وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ) .

بالخلق إليه حاجة سببا أى علما و معونة له على ما مكناه فيه،فاتجه فى كل وجه وجهناه له،و أمرناه به، للسبب،الذى ينال به صلاح ما مكن منه،و قوله.

********

(1) سورة الصافات،آية:10.

(2) سورة الشعراء،آية:60.

(3) سورة القصص،آية:42.

ص: 574

(فى عين حامية).

هذه القراءة بزيادة ألف بعد الحاء،و بياء صريحة بعد الميم أى حارة من حميت تحمى فهى حامية قال أبو على:

و يجوز أن تكون فاعلة من الحمأة،فخففت الهمزة بقلبها ياء محضة،قلت:لأنها مفتوحة،بعد مكسورة، فإبدالها ياء،هو قياس تخفيفها على ما سبق فى باب وقف حمزة.و فى هذا الوجه،جمع بين معنى القراءتين كما يأتى،ثم تمم الكلام فى بيان هذه القراءة فى البيت الآتى،و أخبر عن لفظ صحبة بقوله:كلا أى حفظ،كما أخبر عنها فيما تقدم بقوله:«تلا و فى موضع آخر«و لا»لأنه مفرد:

850-[و فى الهمز ياء عنهم و(صحاب)هم

جزاء فنوّن و انصب الرّفع و أقبلا]

فالقراءة الأخرى بالقصر و الهمز حمئة أى فيها الحمأة،و هو الطين الأسود.و روى أن معاوية:سأل كعبا أين تجد الشمس تغرب فى التوراة.فقال:فى«ماء و طين»و فى رواية:فى«حمأة و طين»و فى أخرى فى طينة سوداء،أخرجهن أبو عبيد فى كتابه،و روى فى شعر تبع فى ذى القرنين.

فرأى مغيب الشمس عند مائها فى غير ذى خلب دثاط حرمد

أى فى عين ماء ذى طين،و حمأ أسود قال الزجاج:يقال حميت البئر فهى حمئة،إذا صار فيها الحمأة:

و من قرأ حامية بغير همز،أراد حارة،قال:و قد تكون حارة ذات حمأة يعنى جمعا بين القراءتين.و قرأ مدلول صحاب(فله جزاء الحسنى)أى:فله الحسنى جزاء،فجزاء مصدر منصوب،فى موضع الحال.المعنى فله الحسنى مجزية،أو مجزيا بها.و المراد بالحسنى على هذه القراءة الجنة،و قرأ الباقون بإضافة جزاء إلى الحسنى.

قال الفراء:الحسنى حسناته فله جزاؤها،و تكون الحسنى الجنة،و يضيف الجزاء إليها و هى هو،كما قال «دين القيمة»و لدار الآخرة-.و قال أبو على:له جزاء الخصال الحسنة التى أتاها و عملها،و اختار أبو عبيد قراءة النصب،و قال أبو على قال أبو الحسن:هذا لا تكاد العرب تتكلم مقدما إلا فى الشعر،و قول الناظم «و أقبلا»أراد و أقبلن،فأبدل من نون التأكيد الخفيفة ألفا.

851-[(على ح)قّ السّدّين سدّا(صحاب حق

ق الضّمّ مفتوح و يس(ش)د(ع)لا]

رمز فى المواضع الثلاثة لمن فتح السين فيها،و الفتح،و الضم،لغتان،فموضعان منها هنا حتى إذ بلغ بين السدين (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا) و الذى فى يس:موضعان:

(وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا 1) .

أى الضم مفتوح فيهما،و فى يس،و لو لا أن الخلاف فى السين واقع بين الضم،و الفتح،دون الرفع، و النصب،لكان قوله:على حق السدين موهما،أنه بالضم لإطلاقه و يكون قوله:الضم مفتوح مختصا بسدا و لكن ما ذكره فى الخطبة من قوله:و فى الرفع،و التذكير،و الغيب،مختص بالرفع،و الرفع غير الضم

********

(1) سورة يس،آية:9.

ص: 575

على ما سبق بيانه هنا لك رشد علا،من شاد البناء،اذا رفعه،و طلاه باتشيد،و هو الجص:و علا:جمع عليا أو مفرد.

852-[و يأجوج مأجوج اهمز الكلّ(ن)اصرا

و فى يفقهون الضّمّ و الكسر(ش)كلّا]

يعنى بالكل هنا:و فى الأنبياء،و هما اسمان أعجميان،لطائفتين عظيمتين،قيل لا يموت الواحد منهم حتى يخلف من صلبه ألفا،و مصداق هذا م الحديث الصحيح،لما ذكر نعت النار.قال إن منكم واحدا، و من يأجوج و مأجوج ألفا.و قيل:يأجوج اسم لذكرانهم و مأجوج اسم لأناثهم،و هما على أوزان كثير من أعلام العجمة.كطالوت،و جالوت،و داود،و هاروت،و ماروت،فالألف فيهما كالألف فى هذه الأسماء و أما همز هذه الألف فلا وجه له عندى،إلا اللغة المحكية عن العجاج،أنه كان يهمز العالم،و الخاتم،و قد حاول جماعة من أئمة العربية لهما اشتقاقا كما يفعلون ذلك فى نحو آدم،و مريم،و عيسى،على وجه الرياضة فى علم التصريف،و الا فلا خفاء أنها كلها أعجمية،و هذه طريقة الزمخشرى و غيره من المحققين.و أقرب ما قيل فى اشتقاقها،أن يأجوج من الأج،و هو الاختلاط و سرعة العدو،أو من أجيج النار،فوزن يأجوج يعفول، و مأجوج معفول،فيكون الهمز فيهما هو الأصل،و تركه من باب تخفيف الهمز،و قيل ماجوج من ماج يموج اذا اضطرب،و يشهد لهذه المعانى ما وصفهم اللّه تعالى به،فإفسادهم فى الأرض على وجه القهر و الغلبة،يشبه تأجج النار و التهابها عاصية على موقدها،و كونهم«من كل حدب ينسلون»يناسب سرعة العدو،و كون بعضهم«يموج فى بعض»هو الاختلاط،فالمانع لهما من الصرف،هو العجمة مع العلمية،و إن قبل هما عربيان،فالتأنيث عوض العجمة،لأنهما اسمان لقبيلتين،و يفقهون بفتح الياء و القاف.أى لا يفقهون لجهلهم بلسان من يخاطبهم،و بضم الياء و كسر القاف لا يفهمون غيرهم قولا لعجمة ألسنتهم،فالمفعول الأوّل محذوف نحو: (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) أو الألف فى شكلا للضم،و الكسر،أى:جعلا شكلا فى يفقهون:

853-[و حرّك بها و المؤمنين و مدّه

خراجا(ش)فا و اعكس فخرج(ل)ه(م)لا]

خراجا مفعول حرك:أى بهذه السورة،و بسورة المؤمنين أراد فتح الراء،و مد ذلك الفتح فيصير ألفا، و القراءة الأخرى بإسكان الراء:لأنه ضد التحريك،و إذا بطلت الحركة بطل مدها،و الخرج و الخراج واحد،كالنول و النوال.أى جعلا يخرج من الأموال،فالذى هنا «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً» و الذى فى المؤمنين «أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً 1» و قوله:و اعكس فخرج يعنى الثانى فى سورة المؤمنين «فَخَراجُ رَبِّكَ 1خَيْرٌ» أى اقرأه لابن عامر وحده بالإسكان،و القصر.أى ما يعطيه اللّه سبحانه خير مما يعطيه هؤلاء.فقد صار فى حرفى المؤمنين ثلاث قراءات،مدهما لحزة،و الكسائى،و قصرهما لابن عامر،و مد الأول و قصر الثانى للباقين،و أما مد الأوّل و قصر الثانى فلا و اللّه أعلم.و قد مضى معنى ملا و أنه جمع ملاءة و هى المحفة،و يمكن به الحجة لأنها جبة و سترة:

********

(1) سورة المؤمنون،آية:72.

ص: 576

854-[و مكّننى أظهر(د)ليلا و سكّنوا

مع الضّمّ فى الصّدفين عن شعبة الملا]

دليلا حال من مكننى:أى أظهره دليلا على أن القراءة الأخرى بالإدغام،هذا أصلها،النون الأولى من أصل الفعل،و الثانية نون الوقاية،فلما اجتمع المثلان ساغ الإدغام،و الاظهار،و رسم فى مصحف أهل مكة بنونين،و فى غيره بنون واحدة،فكل قراءة على موافقة خط مصحف،و قال الشيخ:دليلا حال من الضمير فى أظهر المرفوع،أو المنصوب،أو على أنه مفعول.و قوله و سكنوا يعنى المشايخ،و الرواة سكنوا الدال و ضموا الصاد ناقلين ذلك عن شعبة،و وجه الإسكان التخفيف لاجتماع ضمتين كما فى قراءة غيره كما يأتى،و أضاف شعبة إلى الملإ و هم الأشراف فلهذا جره و إلا فشعبة غير منصرف،كذا ذكره الشيخ فى شرحه، و يجوز أن يكون غير منصرف،و لم يصفه إلى الملا و يكون الملا فاعل،و سكنوا على لغة أكلونى البراغيث فيكون فيه من البحث ما فى قوله تعالى:

(عَمُوا وَ صَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ 1) .

و قوله سبحانه:

(وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا 2) .

و الملا ليس برمز مع شعبة،لأن الرمز لا يجتمع مع مصرح باسمه،و لكنه مشكل من جهة ما بعده فإن قوله:كما حقه رمز.و لا مانع من أن يكون الملا منضما إلى ذلك رمزا للقراءة الآتية،إلا كونه أضاف شعبة إليه.

و فى ذلك نظر،و كان يمكنه أن يقول عن شعبة و لا،و اللّه أعلم:

855-[(كما حقّ)ه و اهمز مسكّنا

لدى ردما ائتونى و قبل اكسر الولا]

الهاء فى حقه،و ضماه للفظ الصدفين،أى إنه يستحق فى الأصل ضمين،هذا معنى ظاهر اللفظ،و باطنه أن ابن عامر،و ابن كثير،و أبا عمرو قرءوا بضم الصاد و الدال معا،و الكاف فى كما،نحو:التى فى قوله تعالى:

(وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ 3) .

فما بعدها علة لما قبلها فى الموضعين،و الضمان علة الإسكان،و قرأ الباقون و هم نافع،و حمزة،و الكسائى، و حفص،بفتحهما فالفتح فيهما و الضم لغتان،و الإسكان لغة ثالثة.و المعنى بالصدفين ناحيتا الجبلين المرتفعين المتقابلين،و قوله و اهمز مسكنا أى ائت بهمزة ساكنة فى لفظ«ردما ائتونى»و قد لفظ فى نظمه بصورة القراءة المقصودة،و كسر التنوين قبلها،و هو المراد بقوله:و قبل اكسر،أى و قبل هذا الهمز الساكن اكسر ما وليه و دنا منه،و هو التنوين.و إنما كسره لأنه التقى مع الهمز الساكن،أى اكسر ذا الولاء يقال:والى ولاء:

********

(1) سورة المائدة،آية:71.

(2) سورة الأنبياء،آية:21.

(3) سورة الأنعام،آية:110.

ص: 577

و فعلته على الولاء،أى شيئا بعد شيء،والى هذا.هذا أى اتصل به و يقع فى بعض النسخ اكسروا بضمير الجمع و لا حاجة إليه،و الإفراد أولى لقوله قبله و اهمز،و يأتى،و ابدأ،و زد فى البيتين الباقيين،و وجه هذه القراءة أنها من أتى يأتى،أى«جيئونى بزبر الحديد»و حذفت الباء فتعدى الفعل فنصب،قال أبو على:«ايتونى» أشبه بقوله:

(فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) .

لأنه كلفهم المعونة على عمل السد،و لم يقبل الخراج الذى بذلوه له،فقوله:«ائتونى»الذى معناه«جيئونى» إنما هو معونة على ما كلفهم من قوله:«فأعينونى بقوة»ثم ذكر من له هذه القراءة فقال:

856-[لشعبة و الثّانى(ف)شا(ص)ف بخلفه

و لا كسر و ابدأ فيهما الياء مبدلا]

الثانى قوله:

قال(ائتونى أفرغ عليه).

سكن الهمزة حمزة،و عن شعبة خلاف،فكأنه فى أحد الوجهين:جمع بين القراءتين فى الموضعين، و هذا الموضع الثانى ليس قبله تنوين و لا ساكن غيره،فلهذا قال:و لا كسر،إنما قبله فتحة لام،قال و المعنى فى الموضع الثانى كما سبق فى الأول،و الياء محذوفة من قطرا،إن كان مفعوله،و إن كان قطرا مفعول أفرغ، فالتقدير«ائتونى بقطر»أفرغه عليه،فحذف الأول لدلالة الثانى عليه،و لم يحتج قطرا المذكور إلى باء،لأنه مفعول أفرغ،فهذا بيان هذه القراءة فى الموضعين فى حال الوصل،ثم شرع يبين الابتداء بالكلمتين على تقدير الوقف قبلها،فقال:و ابدأ فيهما أى فى الموضعين بإبدال الباء من الهمزتين،لأن فى كل موضع همزة ساكنة بعد كسر همزة الوصل،فوجب قلبها ياء كما يفعل فى«ائت بقرآن»فهذا معنى قوله:

857-[و زد قبل همز الوصل و الغير فيهما

بقطعهما و المدّ بدءا و موصلا]

أى قبل هذه الياء المبدلة من الهمزة الساكنة زد همزة الوصل المكسورة ليمكن النطق بالياء الساكنة قال الفراء:قول حمزة صواب من وجهين،يكون مثل أخذت الخطام،و أخذت بالخطام،و يكون على ترك الهمزة الأولى فى أتونى،فإذا سقطت الأولى همزت الثانية،قلت لهذا وجه آخر لأن المقتضى لإبدال الثانية ألفا اجتماعها مع الأولى،فإذا حذفت الأولى انهمزت الثانية،و هو مثل ما قيل فى قراءة قالون«عاد الولى»فى أحد الوجهين،و ينبغى على هذا الوجه إذا ابتدأت أن تقيد الهمزة المفتوحة التى حذفت فهى أولى من اجتلاب همزة وصل،و اللّه أعلم،ثم بين قراءة باقى القراء فقال:و الغير يعنى غير حمزة و شعبة فيهما،أى فى الموضعين بقطعهما، أى بقطع الهمزتين و لم يبين فتحهما،لأن فعل الأمر لا يكون فيه همزة قطع إلا مفتوحة،ثم قال:و المد أى

ص: 578

و بالمد بعد همزة القطع و بدأ و موصلا،حالان.أى هذه قراءة غيرهما بادئا،و واصلا لا يختلف الحال فى ذلك.و معنى هذه القراءة من الإيتاء و هو الإعطاء،فمعنى آتونى،أعطونى،و هو يحتمل المناولة و الاتهاب، و قام الدليل على أنه لم يرد الاتهاب لامتناعه عن أخذ الخرج،فتعينت الإعانة بالمناولة و تحصيل الأدلة و اللّه أعلم.

858-[و طاء فما اسطاعوا لحمزة شدّدوا

و أن ينفد التّذكير(ش)اف تأوّلا]

يريد (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) .

أى طاء هذه اللفظة،فقيده بالفاء،لأن الذى بعده بالواو،و طاء منصوب،لأنه مفعول«شدوا،و الأصل استطاعوا،فقراءة الجماعة بحذف التاء.و روى عن حمزة إدغامها فى الطاء.قال ابن مجاهد:هو رديء،لأنه جمع بين ساكنين.و قال الزجاج من قرأ بإدغام التاء فى الطاء فلاحن مخطئ،زعم ذلك النحويون،الخليل، و يونس،و سيبويه،و جميع من قال بقولهم:لأن السين ساكنة،فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة،و لا يجمع بين ساكنين،فإن قال اطرح حركة التاء على السين فخطأ أيضا.لأن سين استفعل لم تحرك قط.

قلت:إنما قال ذلك.لأنه لا يتحقق محض الإدغام إلا بتحريك السين.قال أبو جعفر النحاس:حكى أبو عبيد:أن حمزة كان يدغم التاء فى الطاء،و يشدد الطاء.قال أبو جعفر النحاس:و لا يقدر أحد أن ينطق به،لأن السين ساكنة،و التاء المدغمة ساكنة.قال سيبويه:هذا محال.و قال الجوهرى:فى باب روم من جمع بين الساكنين فى موضع لا يصح فيه اختلاس الحركة فهو مخطئ،كقراءة حمزة«فما اسطاعوا،لأن سين الاستفعال لا يجوز تحريكها بوجه من الوجوه،و أما.

(وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) .

فلم يختلفوا فى إظهار التاء فيها.و أما التذكير فى«أن تنفد كلمات ربى»و التأنيث فظاهران،و تأولا تمييز.

859-[ثلاث معى دونى و ربّى بأربع

و ما قيل إن شاء المضافات تجتلا]

ثلاث مبتدأ،و هو مضاف إلى كلمة معى،و ما بعد ثلاث عطف عليه.و المضافات خبر المبتدأ أو هو مبتدأ، و ثلاث خبره مقدم عليه.أى الياءات المضافة فى هذه السورة تجتلى،أى تكشف فى هذه الكلمات،و هى «معى»ثلاث مواضع يريد«معى صبرا»فتحهن حفص وحده«من دونى أولياء»فتحها نافع و أو عمرو «و ربى»فى أربع كلمات«قل ربى أعلم بعدتهم-فعسى ربى أن يؤتين-بربى أحدا و لو لا إذ دخلت- بربى أحدا و لم تكن له فئة»فتح الأربع الحرميان،و أبو عمرو،و قوله:و ما قبل إن شاء،أى و الذى قبل قوله إن شاء اللّه و هو«ستجدنى إن شاء اللّه صابرا»فتحها نافع وحده فهذه تسع ياءات إضافة،و فيها سبع زوائد:المهتد، أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو«أن يهدين ربى لأقرب»،«فعسى ربى أن يؤتين»على«أن تعلمنى»أثبتهن فى الوصل أيضا نافع،و أبو عمرو،و أثبتهن فى الحالين ابن كثير،«إن ترن أنا أقل»أثبتها فى الوصل أبو عمرو،

ص: 579

و قالون،و أثبتها فى الحالين ابن كثير«ما كنا نبغ فارتدا»أثبتها فى الحالين ابن كثير،و فى الوصل نافع، و أبو عمرو،و الكسائى،«فلا تسألن عن شيء»أثبتها الجميع فى الحالين،و اختلف عن ابن ذكوان فى حذفها و قلت فى ذلك:

زوائدها سبع فلا تسألن أن تعلمنى نبغى و إن ترنى تلا

و يهدنى ربى هذا المهتدى و من و يؤتينى خيرا فصادفت منهلا

ص: 580

سورة مريم عليها السلام

860-[و حرفا يرث بالجزم(ح)لو(ر)ضى و قل

خلقت خلقنا(ش)اع وجها مجمّلا]

يريد«يرثنى و يرث»الجزم على جواب«هب لى»و الرفع على أن يكون صفة«لوليا»أى وليا وارثا للعلم و النبوّة،و مثله«فأرسله معى ردأ يصدقنى»يقرأ أيضا بالجزم و الرفع،و الأقل على الجزم فى«يرث»و على الرفع فى«يصدقنى»و أجمعوا على رفع:

(أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا 1) .

و استبعد أبو عبيد:قراءة الجزم:و قال الذى يجزم يريد الشرط أى إنك إذا وهبت لى وليا ورثنى،فكيف يخبر بهذا زكرياء ربه،و هو أعلم به منه،و جوابه أن من يطلب من الأنبياء ولدا من اللّه سبحانه لا يطلبه إلا صالحا،فهذه الصفة مقدرة،فجزم بالوراثة بناء على ظاهر الحال نحو:

(أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ) .

ثم وجه الجزم مراعاة لفظ الأمر،و إن لم تكن الوراثة لازمة من الهبة،فهذا أقوى من الجزم فى مثل:

(وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .

و نحوه و قال أبو على:أوقع العام موقع الخاص،و أراد بالولى وليا وارثا:و قول الناظم«حاو رضى» خبر قوله و حرفا*فإن قلت الخبر مفرد،و المبتدأ مثنى،فكيف يسوغ هذا*قلت من وجوه:[أحدها أن التقدير و لفظ حرفى يرث بالجزم حلو،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه[و الثانى التقدير كل واحد منهما حلو،]و الثالث تنزيل لحرفين منزلة حرف واحد فكأنه قال:و يرث فى الموضعين حلو،و أنشد النحاة على ذلك:

و كان فى العين حب قرنفل أو سنبلا كحلت به فانهلت

و الرابع مجموع قوله حلو رضى خبر عن الحرفين،أى هذا حلو،و هذا رضى.و يلزم من انصاف أحدهما بأحد الوصفين اتصافه بالآخر من حيث المعنى:فإن الحلو مرضى،و المرضى حلو،و يجوز وجه خامس أن يكون بالجزم خبر حرفا أى مستقران بالجزم كما تقول الزيدان بالدار.ثم قال حاو أى الجزم فيهما حلو رضى.و أما:

(وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ) .

بالتاء و بنون العظمة فظاهر و نصب وجها على التمييز مجملا نعته.

********

(1) سورة إبراهيم،آية:44.

ص: 581

861-[و ضمّ بكيّا كسره عنهما و قل

عتيّا صليّا مع جثيّا(ش)ذا(ع)لا]

أى عن حمزة و الكسائى،و وافقهما حفص على كسر«عتيا.و صليا،و جثيا»فبكيا و جثيا جمعا باك، و جاث،«و عتيا و صليا»مصدرا عتى،و صلى،و أصل الجمع فعول،و بكيا،و صليا-لا مهما ياء و يجب إدغام و او فعول فيها،لأن اجتماع واو و ياء.و قد سبقت أحدهما بالسكون موجب لذلك بعد قلب الواو ياء، كقولهم طيا وليا.فإذا انقلبت واو فعول ياء وجب كسر ما قبلها،لأن ياء ساكنة قبلها ضمة غير موجود فى اللغة فصار بكيا،و صليا على لفظ قراءة الجماعة و من كسر الياء و الصاد فللإتباع و أما عتيا و جثيا فلا مهما واو، و قد رفضوا أن توجد واو متطرفة بعد متحرك،و لم ينظروا إلى حجز واو فعول.ففعلوا فيه ما فعلوا فى نحو:

أدل كسروا ما قبل واو فعول،فانقلبت ياء،فلزم قلب الواو الثانية ياء ثم الإدغام فصار«عتيا و جثيا»و من كسر العين و الجيم فللإتباع.و هذا الصنيع فى الغالب واجب فيما كان جمعا نحو:جثيا و غير لازم فى المصادر نحو:عتيا فيجوز عتوا كقوله تعالى:

(وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) و اختار أبو عبيد قراءة الضم و قال:هى أنصح اللغتين و أفخمها،و تقدير البيت كسر عتيا و ما بعده على شذا أى ذو شذا عال،قال:و قد تقدم معنى شذا علا فى مواضع،و أن معنى الشذا الطيب،أو نقية النفس.

862-[و همز أهب باليا(ج)رى(ح)لو(ب)حره

بخلف و نسيا فتحه(ف)ائز(ع)لا]

يريد (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) .

فالهمز للمتكلم،و الياء للرب تعالى،أو لرسوله.و إنما جاز نسبة الهبة إلى الرسول،سواء كان بالهمزة، أو الباء،لكونه أرسل لذلك و يجوز أن تكون الباء بدلا من الهمزة،لأنها همزة مفتوحة بعد مكسور،فقياس تخفيفها قلبها ياء نحو:لئلا فيتفق معنى القراءتين و لفظهما،لأن الهمزة المخففة كالمحققة،و قد كتبت فى المصحف بالألف،و قوله جرى حلو بحره عبارة حسنة و الباء من أهب مفتوحة.و لكنه أدغمها فى باء بالياء لما التقى المثلان،كما يدغم أبو عمرو«لذهب بسمعهم»و هذا أولى من حمله على أنه أسكن المتحرك للضرورة،«و نسيا» بالفتح و الكسر واحد،و هو الشيء الحقير ينسى،و قيل ما أغفل من شيء حقير.و قيل ما إذا ذكر لم يطلق، و الكل متقارب المعنى،و علا تمييز:

863-[و من تحتها اكسر و اخفض(ا)لدّهر(ع)ن(ش)ذا

و خفّ تساقط(ف)اصلا فتحمّلا]

يريد (فَناداها مِنْ تَحْتِها) .

ص: 582

أى أكسر الميم،و اخفض التاء:أى ناداها المولود من تحتها،و القراءة الأخرى بالفتح و النصب:أى ناداها الذى تحتها،و نصب الدهر على الظرف كقوله:

(إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ):

و قوله عن شذا:أى عن ذى شذا،و فى لفظ تساقط قراءات كثيرة المشهور منها فى طريقة الناظم ثلاث «تساقط»بتشديد السين،و الأصل يتساقط فأدغمت التاء الثانية فى السين،هذه قراءة الجميع غير حمزة، و حفص.و أما حمزة فحذف التاء فخففت السين،و قراءة حفص فى البيت الآتى،و قول الناظم:و خف تساقط تساقط فاعل خف،و فاصلا حال من تساقط يعنى أنه فصل بين المفعول و هو رطبا،و بين العامل فيه و هو «هزى»و هذا قول المبرد فى ما حكاه الزجاج و غيره عنه.و لهذا قال فتحملا:أى تحمله النحويون عنه، أو تحملوا ذلك،و جوّزوه لخفته فى الفصل.و قال الزمخشرى«رطبا»تمييز أو مفعول على حسب القراءة، يعنى على قراءة حفص و نحوها.

ثم قال:و عن المبرد جواز انتصابه«بهزى»و ليس«بذاك»و قال أبو على:فاعل تساقط النخلة أو جذعها، ثم حذف المضاف فأسند الفعل إلى النخلة،و يكون سقوط الرطب من الجذع أنه لها،«و رطبا»منصوب على أنه مفعول به،و يجوز أن يكون فاعل تساقط ثمرة النخلة،و رطبا حال و إن لم يجر للثمرة ذكر،فلفظ النخلة يدل عليها،و الباء فى بجذع زائدة مثل:ألقى بيده قال:و يجوز أن يكون المعنى«و هزى إليك»بهز جذع النخلة رطبا،أى إذا هززت الجذع هززت بهزه رطبا،فإذا هززت الرطب سقط،قلت يعنى هزى إليك رطبا بسبب هزك للجذع،و هذا تقرير المعنى الذى ذهب إليه المبرد،و اللّه أعلم.

864-[و بالضّمّ و التّخفيف حفصهم

و فى رفع قول الحقّ نصب(ن)د(ك)لا]

أى ضم الياء،و خفف السين،و كسر القاف:أى تساقط النخلة رطبا،فرطبا مفعول به،و نصب قول الحق على أنه مصدر مؤكد لقوله.

(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) .

أى قلت قول الصدق،أى قولا صدقا حقا،و قيل هو نصب على المدح،و الحق اسم اللّه تعالى،و الرفع على تقدير هو قول الحق:أى عيسى كلمة اللّه،أو هذا الكلام قول الحق أى الصدق،أو كلام اللّه الذى هو الحق المبين،و قوله نصب ند،أى قارى،هذه صفته.يقال فلان ند أى جواد،و كلا حفظ و حرث.

865-[و كسر و أنّ اللّه(ذ)اك و أخبروا

بخلف إذا ما متّ(م)فين وصّلا]

الكسر على الاستئناف،أو عطف على قوله (إِنِّي عَبْدُ اللّهِ) .

ص: 583

و الفتح على تقدير و لأن:

(اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) .

أو عطف على:

(وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ) .

و بأن (اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) .

و قوله (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) إلى قوله (كُنْ فَيَكُونُ) كلام معترض،و قوله:ذاك من ذكا الطيب يذكوا إذا فاحت ريحه،أى وجه الكسر بين ظاهر،و أخبروا يعنى الرواة باختلاف بينهم عن ابن ذكوان،و موفين،جمع موف،و وصلا،جمع واصل هما حالان من فاعل أخبروا،يريد قوله تعالى:

(أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ) .

قراءة الجماعة بالاستفهام الذى يقال على وجه الإنكار،و هم على أصولهم فى ذلك فيما يتعلق بتحقيق لهمزة الثانية و تسهيلها،و إدخال الألف بين الهمزتين.و روى عن ابن ذكوان حذف همزة الإنكار و هى مرادة فى المعنى،و له نظائر و مثل هذا يعبر عنه بالإخبار،لأنه على لفظ الخبر المحض،و يجوز أن يكون حكاية منه للفظ الذى قيل له بعينه كما قال لسوف،و ليس،بموضع تأكيد بالنسبة إلى حال هذا المنكر،و إنما كأنه قبل له«لسوف تخرج حيا إذا ما مت»فحكى هذا اللفظ منكرا له:و قد تقدم تقدير أن ضد الأخبار عند الناظم الاستفهام فى سورة الأعراف،و الرعد،و اللّه أعلم:

866-[و ننجّى خفيفا(ر)ض مقاما بضمّه

(د)نا رءيا ابدل مدغما(ب)اسطا(م)لا]

ذكر فى هذا البيت ثلاثة أحرف،ننجى،مقاما،رئيا،و ننجى مفعول رض،و خفيفا حال منه، و مقاما مبتدأ،و رئيا مفعول أبدل،و فتح التنوين من رئيا بإلقاء حركة همزة أبدل عليه،و مدغما باسطا حالان من فاعل أبدل،و ملا مفعول باسطا،و سبق تفسير ملا،و التخفيف و التشديد فى«ثم ننجى الذين اتقوا» لغتان.و قد سبق ذكر ذلك فى مواضع،و المقام بالضم الإقامة،و موضعها و بالفتح القيام،أو موضعه،و الخلاف فى هذه السورة فى قوله تعالى:

(خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا) .

و سيأتى الخلاف فى الذى بالأحزاب،و الدخان.و لا خلاف فى ضم الذى فى آخر الفرقان،و أما رئيا فى قوله:

(هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً) .

فأبدل قالون،و ابن ذكوان،همزه ياء لسكونه و كسر ما قبله،كما يفعل حمزة فى الوقف،فالتقى ياءان

ص: 584

فأدغم الأولى فى الثانية،و هو أحد الوجهين لحمزة،و قد سبق توجيههما فى باب وقف حمزة،و ضعف مكى وجه الإدغام نظرا إلى أن أصل الباء الهمزة،و كما أن حمزة لا يدغم-رئيا-إذا خفف همزها فى الوقف،و واجب فى غير ذلك إدغام الواو الساكنة قبل الياء،و يمكن الفرق بأن التقاء المثلين أثقل من التقاء واو و ياء،على أنه قد قيل فى قراءة من لم يهمز و أدغم إنها من الرى،و هو يستعار لمن ظهر عليه أثر النعمة،فلا يكون فى الكلمة إبدال،و لذلك امتنع السوسى من إبدال همزها،و قد تقدم،و اللّه أعلم.

867-[و ولدا بها و الزّخرف اضمم و سكّنن

(ش)فاء و فى نوح(ش)فا حقّه و لا]

هنا أربعة مواضع:

(لَأُوتَيَنَّ مالاً وَ وَلَداً - وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً - أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً - وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) .

و فى الزخرف:

(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ 1) .

أى ضم الواو و سكن اللام لحمزة،و الكسائى،و الباقون بفتحهما و هما لغتان نحو:العرب و العرب، و العجم و العجم و قيل:ولدا بالضم جمع ولد بالفتح،كأسد و أسد،و وافق ابن كثير،و أبو عمرو لحمزة و الكسائى على ضم الذى فى نوح،و هو:

(وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وَلَدُهُ 2) .

و قوله و سكنا أدخل نون التأكيد الخفيفة فى فعل الأمر،و يجوز كتابتها بالألف اعتبارا بحالة الوقف عليها، فإنها بالألف،و شفا حال،أى ذا شفاء،و ولا فى آخر البيت بالفتح و هو تمييز أو حال،أى ذا ولاء.أو و مفعول شفا كما تقول:شفى اللّه فلانا،أى شفى الحق ولاء،و ذكر الشيخ أن و لا هاهنا بالفتح،و الكسر.

قلت:الكسر بعيد فإنه سيأتى بعد بيت واحد،«حلا صفوه»و لا بالكسر،فلا حاجة إلى تكرار القافية على قرب من غير ضرورة.

868-[و فيها و فى الشّورى يكاد(أ)تى(ر)ضا

و طا يتفطّرن اكسروا غير أثقلا]

التذكير،و التأنيث.فى-يكاد السموات-فى السورتين أمرهما ظاهر،سبقت أمثاله،و رضا حال.أى أتى التذكير ذا رضى،أى مرضيا.لأن تأنيث السموات غير حقيقى،و طا يتفطرن مفعول اكسروا،و قصره ضرورة.و قوله غير أثقلا حال من الطاء:أى غير مشدد أثقل بمعنى ثقيلا.ثم ذكر تمام تقييد القراءة فقال:

********

(1) آية:81.

(2) سورة نوح،آية:21.

ص: 585

869-[و فى التّاء نون ساكن(ح)جّ(ف)ى صع(ا)

(ك)مال و فى الشّورى(ح)لا(ص)فوه و لا]

أى و فى موضع التاء نون ساكن،فيصير ينفطرن مضارع انفطر،و القراءة الأخرى مضارع تفطر، و انفطر،و تفطر،مطاوعا فطرته فطّرته و كلاهما بمعنى شققته،و فى التشديد معنى التكرير،و التكثير و المبالغة، و أكثر ما جاءنى القرآن مخففا نحو:

(إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) - اَلسَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ (2) - فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ 3) .

و لكن هنا المقصود تعظيم أمر قولهم و تهويله.فناسب التشديد،و الأكثر على التشديد فى الشورى:لم يخفف غير أبى بكر،و أبى عمرو،و ولا فى آخر البيت بالكسر،و معناه المتابعة،و هو تمييز أو حال كما سبق فى قوله:شفا حقه و لا.لكن لا يستقيم هنا أن يكون مفعولا به،لأن حلا فعل لازم بخلاف شفا فى ذلك البيت و صفا فى قوله صفا كمال ممدود،و قصره الناظم ضرورة،و اللّه أعلم-

870-[و راءى و اجعل لى و إنّى كلاهما

و ربّى و آتانى مضافاتها الولا]

فيها ست ياءات إضافة:

(مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ) .

فتحها ابن كثير وحده:

(اجْعَلْ لِي آيَةً) .

فتحها نافع و أبو عمرو:

(إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ) .

(إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ) .

فتحهما الحرميان،و أبو عمر:

(سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ) .

فتحها نافع،و أبو عمرو:

(آتانِيَ الْكِتابَ) .

سكنها حمزة وحده،و قوله:مضافاتها خبر قوله«و راءى»و ما بعده،و الولاء جمع الولياء،و الولياء، تأنيث الأولى،أى الولا بالضبط و الحفظ،و معرفة الخلف فيها،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة الانفطار،آية:1.

(2) سورة المزمل،آية:18.

(3) سورة الشورى،آية:11.

ص: 586

سورة طه

871-[لحمزة فاضمم كسرها أهله امكثوا

معا و افتحوا إنّى أنا(د)ائما(ح)لا]

قصر لفظ«ها»ضرورة،و قوله«معا»أى هنا،و فى القصص،و قد تقدم أن الضم هو الأصل فى هاء الكناية،و إنما الكسر لأجل كسر ما قبلها،و أما فتح:

(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) .

فعلى تقدير«نودى موسى»بكذا،و الكسر هنا أولى،و عليه الأكثر لقوله:يا موسى،فصرح بلفظ النداء فكان الكسر بعده واضحا نحو:

(يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ 1) .

(يا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاكِ 2) .

و ليس مثل الذى فى آل عمران:

(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) .

(أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) .

فليس ثم لفظ النداء،فأمكن تقدير فنادته بكذا،قال أبو علىّ:من كسر فلان الكلام حكاية،كأنه نودى فقيل:

(يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) .

فالكسر أشبه بما بعده مما هو حكاية،و ذلك قوله:

(إِنَّنِي أَنَا اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا) .

و قوله: (وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ) .

فهذه كلها حكاية،فالأشبه أن يكون قوله:

(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) .

كذلك أيضا.و قول النظم دائما حال من مفعول افتحوا،و حلا تمييز:أى دائما حلاه،أو حال من فاعل دائما.أى دائما ذا حلا،و يجوز أن يكون دائما نعت مصدر،أى فتحا دائما،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة مريم،آية:7.

(2) سورة آل عمران،آية:42.

ص: 587

872-[و نوّن بها و النّازعات طوى(ذ)كا

و فى اخترتك اخترناك(ف)از و ثقّلا]

طوى مفعول نوّن،و وجه تنوينه ظاهر،لأنه اسم واد،و هو مذكر مصروف،و من لم ينونه لم يصرفه جعله اسما لبقعة،أو لأرض،أو هو معدول عن طاو،تقديرا كعمر عن عامر.و اختار أبو عبيد صرفه، و قال عجبت ممن أجرى سبا،و ترك إجراء طوى،و ذلك أثقل من هذا،و قرأ حمزة وحده«و أنا اخترناك» بضمير الجمع فى الكلمتين للتعظيم،و الباقون«و أنا اخترتك»بضمير التكلم المفرد،و مفعول قوله:و ثقلا أول البيت الآتى أى شدّد لفظ و أنا.

873-[و أنا و شام قطع اشدد و ضمّ فى اب

تدا غيره و اضمم و أشركه(ك)لكلا]

أى و قراءة ابن عامر قطع همزة«اشدد به أزرى»قرأه بهمزة مفتوحة جعله فعلا مضارعا مجزوما:على جواب الدعاء فى قوله:

(وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) .

أى أشدد أنا،و لزم فتح الهمزة لأنها همزة متكلم من فعل ثلاثى كقولك أضرب أنا و أخرج و أذهب، و قراءة الباقين على الدعاء،و همزته همزة وصل مضمومة إذا ابتدئ بالكلمة ضمت،و إذا وصلت الكلمة بما قبلها سقطت،لأنه أمر من فعل ثلاثى كما تقول:يا زيد اخرج و ادخل.فهذا معنى قوله:و ضم فى ابتداء غيره، أى ضم الهمزة،و ابن عامر يفتحها و صلا و وقفا،لأنها همزة قطع و أما«و أشركه فى أمرى»فالقراءة فيه كما مضى من حيث المعنى بالعطف عليه،فالهمزة فى قراءة ابن عامر للمتكلم،إلا أن فعلها رباعى فلزم ضم الهمزة كما لزم،و أحسن أى أشدد أنا به أزرى و أشركه أنا أيضا فى أمرى،و قراءة الجماعة على أنه دعاء معطوف على على اشدد:طلب من اللّه سبحانه أن يشد به أزره،و أن يشركه فى أمره،و لفظ الأمر من الرباعى بفتح الهمزة و قطعها نحو أكرم زيدا و أحسن إليه.قال أبو على:الوجه الدعاء دون الإخبار لأن ذلك معطوف على ما تقدمه من قوله.

(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي) .

فكما أن ذلك كله دعاء فكذلك ما عطف عليه،فأما الإشراك فيبعد فيه الحمل على غير الدعاء،لأن الإشراك فى النبوّة لا يكون إلا من اللّه تعالى،اللهم إلا أن يجعل أمره شأنه الذى هو غير النبوّة،و إنما ينبغى أن تكون النبوّة لقوله:

(فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي 1) .

و قوله (كَيْ نُسَبِّحَكَ) .

********

(1) سورة القص،آية:34

ص: 588

كالجواب بعد هذه الأشياء التى سألها،فأما أشدد به أزرى،فحمله على الإخبار أسهل.و قول الناظم كلكلا بدل من قوله:و أشركه بدل البعض من الكل و الكلكل الصدر أى اضمم صدره و هو الهمزة:

874-[مع الزّخرف اقصر بعد فتح و ساكن

مهادا(ث)وى و اضمم سوى(ف)ى(ن)د(ك)لا]

أى اقصر مهادا بعد فتح ميمه و إسكان هائه فيصير مهدا،هنا و فى سورة الزخرف.

(الّذى جعل لكم الأرض مهادا (1).

و لا خلاف فى التى فى عمّ يتساءلون:

(أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً 2) .

لتشاكل الفواصل.و المهد و المهاد الشيء الممهد،سموا المفعول بالمصدر:كقوله:فى الدرهم ضرب الأمير أى مضروبه،و منه تسمية المكتوب كتابا،و فعل و فعال كلاهما مصدر،و منه مهد الصبى،و الفراش، و البساط.قال أبو على:المهد مصدر كالفرش،و المهاد كالفراش فى قوله:

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً 3) .

(وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً 4) .

و هما اسم ما يفرش و يبسط،قال و يجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء:فجمع كما يجمع فعل على فعال، و يجوز أن يكون المعنى ذا مهد،فيكون فى المعنى كقول من قال مهادا.ثم قال الناظم:«و اضمم سوى» يعنى مكانا سوى،أى عدلا،لا يكون أحد الفريقين فيه أرجح حالا من الآخر.قال أبو عبيد:يضم أوّله و يكسر مثل طوى،و طوى،قال أبو على:سوى فعل من النسوية،فكان المعنى مكانا تستوى مسافته على الفريقين،و هذا بناء يقل فى الصفات،و مثله قوم عدى.فأما فعل فهو فى الصفات أكثر،و قوله فى ند كلا أى:فى قراءة جواد حفظه،و حرسه من الطعن،أو فى مكان ند ذى كلاء،أى كائنا فى خصب،يشير إلى ما قاله أبو على:إن الضم أكثر فى مثل هذا الوزن فى الصفات من الكسر،و اختار أبو عبيد قراءة الكسر قال لأنها أفشى اللغتين:ثم بين قراءة الباقين لأن الكسر ليس ضدا للضم فقال:

875-[و يكسر باقيهم و فيه و فى سدى

ممال وقوف فى الأصول تأصّلا]

ممال بمعنى إمالة:فى هذين اللفظين:«سوى و سدى»إمالة فى الوقف لزوال التنوين المانع من إمالتهما وصلا، ثم قال فى الأصول تأصل أى تأصل ذلك و تبين فى باب الإمالة من أبواب الأصول المقدمة قبل السور فى قوله:

«سوى و سدى»فى الوقف عنهم،أى عن صحبة أمالوهما إمالة محضة،و أبو عمرو و ورش يقرءانهما بين اللفظين

********

(1) آية:10.

(2) آية:6.

(3) سورة البقرة،آية:22.

(4) سورة نوح،آية:19.

ص: 589

كغيرهما من رءوس الآى،و إنما ذكر ذلك هنا تجديدا للعهد بما تقدم و زيادة بيان.و تأكيدا لذلك،لئلا يظن أن ضم السين مانع من الإمالة لحمزة و أبى بكر،فقال:أمر الإمالة على ما سبق سواء فى ذلك من كسر السين، و هو الكسائى،و من ضمها و هو حمزة،و أبو بكر،و اللّه أعلم.

876-[فيسحتكم ضمّ و كسر(صحاب)هم

و تخفيف قالوا إنّ(ع)المه(د)لا]

أى ذو ضم فى الياء،و كسر فى الحاء،و صحابهم فاعل المصدر كأنه قال ضمه و كسره صحابهم:فقراءتهم من أسحت،و فتح غيرهم الياء و الحاء،فقراءتهم من سحت و هما لغتان،يقال سحته و أسحته إذا استأصله، و خفف حفص،و ابن كثير،إنّ من قوله سبحانه«قالوا إن هذان لساحران»و هذه قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف،فى تأويل رفع هذان بعدها لأن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب فى الإسم نحو:

(وَ إِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ 1) .

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها 2) .

و يرتفع ما بعدها على الابتداء و الخبر،و اللام فى الخبر هى الفارقة بين المخففة من الثقيلة،و بين النافية،هذه عبارة البصريين فى كل ما جاء من هذا القبيل نحو:

(وَ إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ 3) .

(وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ 4) .

و الكوفيون يقولون:إن نافية،و اللام بمعنى إلا.أى ما هذان إلا ساحران و كذلك البواقى فعالم هذه القراءة دلا أى أخرج دلوه ملأى فاستراح خاطره لحصول غرضه و تمام أمره قال الزجاج:روى عن الخليل«إن هذان لساحران»بالتخفيف قال:و الإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل:

(إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) .

بالتخفيف،قال:و الإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.

877-[و هذين فى هذان(ح)جّ و ثقله

(د)نا فاجمعوا صل و افتح الميم(ح)وّلا]

أى و قرأ أبو عمرو:«إن هذين»بنصب«هذين»لأنه اسم إن،فهذه قراءة جلية أيضا،فلهذا قال حج أى غلب فى حجته لذلك،ثم قال:و ثقله دنا أى:أن ابن كثير شدد النون من هذان،و هذا قد تقدم ذكره فى النساء،و إنما أعاد ذكره تجديدا للعهد به،و تذكيرا بما لعله نسى كما قلنا فى«سوى و سدى»و أما قراءة

********

(1) سورة يس،آية:32.

(2) سورة الطارق،آية:4.

(3) سورة الأعراف،آية:66.

(4) سورة يوسف،آية:3.

ص: 590

غير أبى عمرو،و ابن كثير،و حفص،فبتشديد إنّ،و هذان بألف.قال أبو عبيد:و رأيتها أنا فى الذى يقال:

إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان بهذا الخط-هذان-ليس فيها ألف،و هكذا رأيت رفع الاثنين فى جميع ذلك المصحف بإسقاط الألف،فإذا كتبوا النصب و الخفض كتبوهما بالياء،و لا يسقطونها.

قلت:فلهذا قرئت بالألف اتباعا للرسم،و اختارها أبو عبيد و قال:لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب و ما اجتمعت عليه الأمة.و قال الزجاج،أما قراءة أبى عمرو فلا أجيزها.لأنها خلاف المصحف،و كلما وجدت إلى موافقة المصحف سبيلا لم أجز مخالفته،لأن اتباعه سنة و ما عليه أكثر القراءة،و لكنى أستحسن إن هذان بتخفيف إن،و فيه إمامان:عاصم،و الخليل:و موافقة أبىّ فى المعنى،و إن خالفه اللفظ.يروى عنه أنه قرأ «ما هذان إلاّ ساحران»و فى رواية«إن ذان إلا ساحران»قال و يستحسن أيضا:

(إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) .

لأنه مذهب أكثر القراء،و به يقرأ.قال:و هذا حرف مشكل على أهل اللغة:و قد كثر اختلافهم فى تفسيره.

قلت:مدار الأقوال المنقولة عنهم فى ذلك على وجهين.أحدهما:أن يكون هذان اسما لأن،و الآخر:

أن يكون مبتدأ،فإن كان اسما لأن فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب،يقولون هذان فى الرفع،و النصب، و الجر،كما يلفظون لسائر الأسماء المقصورة.كعصى،و موسى.و كذا ما معناه التثنية نحو:كلا إذا أضيف إلى الظاهر اتفاقا من الفصحاء،و إلى الضمير فى بعض اللغات.قال الزجاج:حكى أبو عبيد عن أبى الخطاب و هو رأس من رؤساء الرواة،إنها لغة كنانة يجعلون ألف الاثنين فى الرفع،و النصب و الخفض،على لفظ واحد.

يقولون آتانى الزيدان،و رأيت الزيدان،و مررت بالزيدان،و يقولون ضربته من أذناه،و من يشترى منى الحقان،قال:و كذلك روى أهل الكوفة أنها لغة بنى الحارث ابن كعب،و قال أبو عبيد:كان الكسائى يحكى هذه اللغة عن بنى الحارث بن كعب،و خيثم،و زبيد،و أهل تلك الناحية.و قال الفراء:أنشدنى رجل من الأسد عن بعض بنى الحارث:

فاطرق اطراق الشجاع و لو ترى مساغا لناباه الشجاع لصمما

قال و حكى عنه أيضا هذا خط يدا أخى أعرفه.قال أبو جعفر النحاس:هذا الوجه من أحسن ما حملت عليه الآية:إذ كانت هذه اللغة معروفة قد حكاها من يرتضى علمه،و صدقه،و أمانته،منهم:أبو زيد الأنصارى و هو الذى يقال إذا قال سيبويه:حدثنى من أثق به فإنما يعنيه،و أبو الخطاب الأخفش و هو رئيس من رؤساء أهل اللغة روى عنه سيبويه و غيره و قال غيره هى لغة بنى العنبر،و بنى الهجيم.و مراد و عذرة،و بعضهم يفر من الياء مطلقا فى التثنية،و الأسماء الستة،و على و الى قال الراجز:

أى قلوص راكب تراها طاروا على هن فطر علاها

إن أباها و أبا أباها قد بلغا فى المجد غايتاها

قال هوير الحارثى:أنشده الكسائى:

تزود منا بين أذناه ضربة دعته إلى هابى التراب عقيم

ص: 591

معناه و إلى موضع هابي التراب أى ترابه،مثل الهباء يريد به القبر،ثم وصفه بأنه عقيم أى لا سكن له بعده و أنشد غيره:

كأن صريف ناباه إذا ما أمرهما ترنم أخطبان

و قال أبو حاتم.قال أبو زيد سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفا فيقول:جئت إلاك و سلمت علاك*قلت فإذا ثبتت هذه اللغة فقد وجهها النحاة بوجوه منها:ما يشمل جميع مواضع التثنية،و منها ما يختص باسم الإشارة،قيل شبهت ألف التثنية بألف يفعلان،فلم تغير.و قيل لأن الألف حرف الإعراب عند سيبويه،و حرف الإعراب لا يتغير،و قيل الألف فى هذان هى ألف هذا،و ألف التثنية، حذفت لالتقاء الساكنين،و قيل:جعلوا هذان لفظا موضوعا للتثنية مبنيا على هذه الصفة،كما قالوا فى المضمر أنتما و هما،لأن أسماء الإشارة أسماء مبنيات كالمضمرات،فلم تعرب تثنيتهما،و قيل فروا من ثقل الياء إلى خفة الألف،لما لم يكن هنا على حقيقة التثنية بدليل أنه لم يقل ذيان،كما يقال رحيان،و حبليان.و قال الفراء:الألف من هذا دعامة،و ليست بلام فعل،فلما ثنيته زدت عليها نونا، ثم تركت الألف ثابتة على حالها لا تزول فى كل حال،كما قالت العرب الذى ثم زادو نونا تدل على الجمع، فقالوا الذين فى رفعهم،و نصبهم،و خفضهم،كذا تركوا هذان فى رفعه،و نصبه،و خفضه،قلت:و إنما اكتفوا بالنون فى هذين الضربين لأنها لا نحذف لإضافة،و لما كانت النون تحذف من غيرهما للإضافة احتاجوا إلى ألف تبقى دلالة على التثنية قال و كنانة تقول ألذون،و قال النحاس:سألت أبا الحسن بن كيسان عنها فقال سألنى:عنها إسماعيل بن إسحاق فقلت لما كان يقال هذا فى موضع النصب و الخفض و الرفع على حال واحد، و كانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد:قلت:هذه سبعة أوجه صالحة لتعليل لغة من لا يقلب ألف هذا،و هى مفرقة فى كتب جماعة من المصنفين يوردونها على أنها وجوه فى الاحتجاج لهذه القراءة،و ليست الحجة إلا فى كونها لغة لبعض العرب،إذ لو لم يثبت كونها لغة لما ساغ لأحد برأيه أن يفعل ذلك لأجل هذه المعانى أو بعضها فترى بعضهم يقول،فى تقليل هذه القراءة خمسة أقوال،و بعضهم يقول ستة و بعضهم بلغ بها تسعة،و ليس لها عندى إلا ثلاثة أقوال ذكرنا منها قولا واحدا و هو:أنها على لغة هؤلاء القوم و وجهنا هذه اللغة بوجوه سبعة،و هذان فيها كلها اسم لأن،القول الثانى أن تكون أن بمعنى نعم.و قد ثبت ذلك فى اللغة كأنهم لما:

(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوى) .

أفضى بعضهم إلى بعض ذلك فقال المخاطبون نعم.هو:كما تقولون أو قال لهم فرعون و ملؤه:

(هذان ساحران).

فانظروا كيف تصنعون فى إبطال ما جاءا به؟فقالوا:نعم،ثم استأنفوا جملة ابتدائية فقالوا:

(هذانِ لَساحِرانِ) .

و هذا القول محكى عن جماعة من النحاة المتقدمين.قال النحاس:و إلى هذا القول كان محمد بن يزيد و إسماعيل

ص: 592

ابن إسحاق يذهبان،قال و رأيت أبا إسحاق،و أبا الحسن،على بن سليمان يذهبان إليه.قلت:و هذا القول يضعفه دخول اللام فى خبر المبتدإ،فأنشدوا على ذلك أبياتا وقع فيها مثل ذلك،و استنبط الزجاج لها تقديرا آخر و هو:

لهما ساحران،فتكون داخله على مبتدأ،ثم حذف للعلم به.و اتصلت اللام بالخبر دلالة على ذلك،قال:

و كنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد،و على إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن يزيد يعنى القاضى فقبلاه،و ذكرا أنه أجود ما سمعناه فى هذا و قال أبو على:هذا تأويل غير مرتضى عندى إذ يقبح أن يذكر التأكيد،و يحذف تفسير المؤكد أو شيء من المؤكد[القول الثالث]قال الزجاج:النحويون القدماء.الهاء هاهنا مضمرة.المعنى «إنّه هذان لساحران».

يعنى إنه ضمير الشأن و الجملة بعده مبتدأ و خبر،و فيه بعد من جهة اللام كما سبق،و من جهة أخرى.و هى حذف ضمير الشأن فذلك ما يجيء إلا فى الشعر و منهم من قال ضمير الشأن و القصة موجود،و هو أنها ذان فيكون اسم الإشارة خاليا من حرف التنبيه،و لكن هذا يضعفه مخالفة خط المصحف،فبان لمجموع ذلك ضعف هذه القراءة فإنها إن حملت على تلك اللغة فهى لغة مهجورة غير فصيحة،و لأن لغة القرآن خلافها بدليل قوله تعالى:

(إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) .

و جميع ما فيه من ألفاظ التثنية فإنها إنما جاءت على اللغة الفصيحة التى فى الرفع بالألف،و بالياء فى النصب و الجر،و إن حملت على أن إن بمعنى نعم،فهى أيضا لغة قليلة الاستعمال،و يلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد فى الخبر كما سبق،و إن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف،و يضعفه أيضا اللام فى الخبر و قراءة هذين بالياء،و وجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة،لكنها على مخالفة ظاهر الرسم،فليس الأقوى من جهة الرسم و اللغة معا،إلا القراءة بتخفيف إن و رفع هذان و اللّه المستعان،و قول الناظم فأجمعوا صل أى ائت بهمزة الوصل فى قوله تعالى:

(فأجمعوا كيدهم).

و افتح الميم فهو موافق لقوله:

(فَجَمَعَ كَيْدَهُ) .

المتفق عليه و قراءة الباقين بهمزة القطع،و كسر الميم من أجمع أمره إذا أحكم،و عزم عليه،و كلاهما متقارب.و الذى فى يونس بالقطع:

(فأجمعوا أمركم و شركاؤكم).

و حولا حال و هو العارف بنحو،الأمور و اللّه أعلم.

878-[و قل ساحر سحر(ش)فا و تلقّف ار

فع الجزم مع أنثى يخيّل(م)قبلا]

ص: 593

يريد«إنما صنعوا كيد سحر».أى الذى صنعوه كيد من صانعة السحر،و قرأ حمزة و الكسائى«كيد سحر»على تقدير«كيد من سحر»أو«كيد لسحر»نحو باب ساج،و ضرب زيد،و التقدير«كيد ذى سحر»أو عبر»عن الساحر بالسحر مبالغة،فيتخذ معنى القراءتين، (و تلقف ما صنعوا).

الرفع على الاستئناف،أو فى موضع الحال المقدرة من فاعل ألقى،أو مفعوله.فالتاء للخطاب على الأول، و للتأنيث على الثانى.و إنما أنث و المفعول هو ما بمعنى الذى اعتبارا بالمدلول و هو العصا،و جزم تلقف على جواب الأمر،و هى قراء الجماعة،و لم يرفع غير ابن ذكوان وحده،و هو الذى قرأ نخيل إليه بالتأنيث فقول الناظم «مقبلا»رمز للحرفين تلقف،و تخيل،و مقبلا حال من فاعل ارفع.و أقام قوله أنثى مقام تأنيثا إقامة للاسم مقام المصدر،و هو استعمال بعيد فى مثل هذا،أو أراد مع كلمة أنثى أى مؤنثة:ثم بينها بقوله:نخيل أى هى تخيل،و جعلها أنثى،لما كان التأنيث فيها،و وجه التأنيث أن يكون الضمير فى تخيل للحبال،و العصى.

و يكون قوله:أنها تسعى»بدل اشتمال منه،و على قراءة التذكير يكون قوله:«أنها تسعى»و هو مرفوع تخيل أى تخيل إليه سعيها.

879-[و أنجيتكم و أعدتكم ما رزقتكم

(ش)فا لا تخف بالقصر و الجزم(ف)صّلا]

يريد:

(قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ واعَدْناكُمْ -يا بنى إسرائيل كلوا من طيّبات ما رزقناكم).

الكل بنون العظمة فى قراءة الجماعة،و قرأ الثلاثة:حمزة و الكسائى،بتاء المتكلم على ما لفظ به الناظم، و لم يبين القراءة الأخرى لظهور أمرها،و أجمعوا على النون فى قوله:

(وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى) .

و هو متوسط بين هذه الكلم،و به احتج أبو عمرو فى اختيار قراءته،و وافقه أبو عبيد على صحة الاحتجاج، و وجه قراءة التاء قوله بعد ذلك:

(فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) .

و لم يقل غضبنا و كل ذلك من باب الالتفات و تلوين الخطاب.و هو باب من أبواب الفصاحة معروف فى علم البيان،و قرأ حمزة وحده:

(لا تخف دركا).

بالجزم على جواب الأمر و هو:قوله:

ص: 594

(فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً 1) .

أى إن تضرب لا تخف،و يجوز أن يكون استئناف نهى.و لما سكنت الفاء للجزم سقطت الألف من تخاف لالتقاء الساكنين،فعبر الناظم بالقصر عن حذف الألف،و بالجزم عن سكون الفاء،و قرأ غير حمزة لا تخاف بإثبات الألف،و رفع الفاء،و هو فى موضع الحال.أى اضرب غير خائف و لا خاش،أو يكون مستأنفا، أى لست تخاف و لا تخشى و على قراءة الجزم يكون و لا تخشى بعده منقطعا أو مشبع الفتحة لأجل الفاصلة و اللّه أعلم.

880-[و حا فيحلّ الضّمّ فى كسره(ر)ضا

و فى لام يحلل عنه وافى محلّلا]

يريد (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ 2) .

قرأهما الكسائى بضم الحاء من حلّ يحلّ إذا نزل،و غيره بالكسر من حل يحل إذا وجب،من حل الدين يحل.و قد أجمعوا على كسر:

(أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ (3) - وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ 4) .

و على صم:

(أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) .

و أشار بقوله:«واقى محللا»إلى جوازه،و فاعل وافى ضمير عائد على الضم فى كسره.أى وافى ذلك فى لام يحلل أيضا.

881-[و فى ملكنا ضمّ(ش)فا و افتحوا(أ)ولى

(ن)هى و حملنا ضمّ و اكسر مثقّلا]

يريد (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) ضم الميم حمزة و الكسائى،و فتحها نافع و عاصم،و كسرها الباقون، فالملك بالضم السلطان،و بالفتح مصدر ملك،و بالكسر ما حازته اليد.أى بسلطاننا أو بأن ملكنا أمرنا أو باختيارنا.و اختار أبو عبيد قراءة الكسر،و استبعد الضمة و قال:أى ملك كان لبنى إسرائيل يومئذ، و قوله«أولى نهى»أى أصحاب عقول،و هو حال من فاعل افتحوا أو منادى على حذف حرف الندا،و حملنا، و حملنا بضم الحاء و كسر اليم و تشديدها ظاهران،و اللّه أعلم.

882-[(ك)ما(ع)ند(حرمىّ)و خاطب تبصروا

(ش)ذّا و بكسر اللاّم تخلفه(ح)لا]

********

(1) سورة طه،آية:77.

(2) سورة طه،آية:81.

(3) سورة الزمر،آية:40.

(4) سورة الرعد،آية:31.

ص: 595

هؤلاء هم الذين قرءوا حملنا بالضم و التشديد:أى افعل كما فى مذهب هؤلاء فى هذا الحرف،و الغيبة فى يبصروا به لبنى إسرائيل،و الخطاب لأجل قوله«فما خطبك»و تبصروا فاعل خاطب لما كان الخطاب فيه، و شذا حال.أى ذا شذا.ثم قال و تخلفه حلا بكسر اللام،أى لا يقدر على إخلافه و بفتح اللام أى لا يخلفك اللّه إياه ثم قال:

883-[(دراك و مع ياء بننفخ ضمّه

و فى ضمّه افتح عن سوى ولد العلا]

دراك أى أدرك.و مراده لحق بمن سبق.و هو رمز لابن كثير على كسر لام لن تخلفه ثم ذكر-يوم ينفخ فى الصور قرأه أبو عمرو بالنون على إسناد الفعل إلى اللّه تعالى بنون العظمة،أى نأمر بالنفخ فيه،فهو موافق لقوله بعده و عشر،و قرأ الباقون بياء مضمومة و فتح الفاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله،و الهاء فى ضمه الأولى للياء،و هو مبتدأ،و ما قبله خبره كما تقول مع زيد بالدار غلامه و الهاء فى ضمه الثانية للفظ ينفخ يريد ضم الفاء و اللّه أعلم.

884-[و بالقصر للمكّى و اجزم فلا يخف

و أنّك لا فى كسره(ص)فوة(ا)لعلا]

يريد- فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً -الجزم على نهى الغائب،و الرفع على الإخبار و لا خلاف فى الذى فى سورة الجن:

(فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً 1) .

أنه مرفوع،«و أنك لا تظمؤا»بالكسر عطف على«إن لك أن لا تجوع-و إن ذلك أن لا تظمأ» و بالفتح عطف على«أن لا تجوع»و لا يلزم من ذلك إدخال إن المكسورة على المفتوحة لأن هذا هنا تقدير و لأن «لك»قد فصل بينهما و اللّه أعلم.

885-[و بالضّمّ ترضى(ص)ف(ر)ضا يأتهم مؤن

نث(ع)ن(أ)ولى(ح)فظ لعلّى أخي حلا]

يريد«لعلك»بضم التاء و فتحها ظاهر و كذا«أو لم يأتهم بينة»بالتاء و الياء لأن تأنيث بينة غير حقيقى.أى صف ترضى بالضم إذا رضى و يأتهم مؤنث عن أصحاب حفظ أى منقول عن العلماء الحفاظ،ثم ذكر ياءات الإضافة و هى ثلاث عشرة فى هذه السورة لعلى آتيكم»فتحها الحرميان و أبو عمرو و ابن عامر«أخى اشدد» فتحها ابن كثير و أبو عمرو و قوله حلا:أى ذو حلا،أو يكون أخبر بلفظ الجمع عن الاثنين،لأنهما أقل الجمع على الرأى المختار.

********

(1) آية:13.

ص: 596

886-[و ذكرى معا إنّى معا لى ضعفا؟؟؟ حشر

تنى عين نفسى إنّنى راسى انجلا]

يعنى-و أقم الصلاة لذكرى إن الساعة فتحها نافع و أبو عمرو،فى ذكرى اذهبا إنى آنست نار-إنى أنا ربك لى أمرى-لنفسى اذهب إننى أنا اللّه-فتح الستة هذه الحرميان،و أبو عمرو (وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ) فتحها ورش و حفص (حَشَرْتَنِي أَعْمى) فتحها الحرميان-على عينى إذ تمشى و لا برأسى إنى خشيت-فتحهما نافع و أبو عمرو و حذف الياء من«عينى»ضرورة و فيها زائدة واحدة-أن لا تتبعن أ فعصيت-أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو و فى الحالين ابن كثير و قلت فى ذلك:

فتلك ثلاث بعد عشر و زائد بتتبعنى الآلات من بعد لفظ لا

أى الذى أتى من بعد لفظ لا

ص: 597

سورة الأنبياء عليهم الصلاة و السلام

887-[و قل قال(ع)ن(ش)هد و آخرها(ع)لا

و قل أولم لا واو(د)اريه وصّلا]

أى مقروء قال يريد-قل ربى يعلم القول-قرأه حمزة و الكسائى و حفص على رسمها فى مصاحف الكوفة دون غيرهم،و فى آخر السورة-قل رب احكم بالحق-قرأه حفص وحده،قال أى قال الرسول،و قل أمر له بذلك و لما أمر به قاله،و الواو فى «أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا» لم تكتب فى مصاحف أهل مكة،فلم تثبت فى قراءة ابن كثير،و فائدتها العطف،و معنى«داريه وصلا»أى عالمه وصله،أى نقله و علمه،و اللّه أعلم.

888-[و تسمع فتح الضّمّ و الكسر غيبة

سوى اليحصبى و الضّمّ بالرّفع وكّلا]

يريد وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ -قراءة ابن عامر على الخطاب للنبى صلّى اللّه عليه و سلم فلزم أن تكون التاء مضمومة،و الميم مكسورة،لأنه مضارع اسمع،و نصب لفظ الضم لأنه مفعول به،و غيره جعل الصم فاعلا فرفعه،و أسند نفى السماع إليه،فلزم فتح ضم الياء و كسر الميم،لأنه مضارع سمع،و لزم أن يكون أوله ياء على الغيبة،فقوله غيبة.أى ذا غيبة.

889-[و قال به فى النّمل و الرّوم(د)ارم

و مثقال مع لقمان بالرّفع(أ)كملا]

به أى بما ذكرناه دارم.أى شيخ معمر و قد سبق معناه فى سورة النساء.يعنى أن ابن كثير وحده قرأ فى مثل هذا فى النمل،و الروم بما قرأ به الجماعة هنا،و وافق الباقون لابن عامر على ما قرأ به وحده هنا،و أما-و إن كان مثقال حبة و فى لقمان:

(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ 1) .

فرفعه نافع وحده فى الموضعين على أن«كان»تامة،كما قرأ هو و ابن كثير فى سورة النساء:

(وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها 2) .

و كما أجمعوا على و إن كان ذو عسرة و النصب على أنه خبر كان،و التقدير،و إن كان الشيء مثقال حبة و فى لقمان تك المظلمة مثقال.و على قراءة نافع يكون تأنيث الفعل على المعنى،لأن المثقال سيئة أو حسنة،كما قال:

(فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها 3) .

بقوله بالرفع أكملا إلى أن الجملة على قراءة الرفع لا تحتاج إلى تقدير اسم لكان،و اللّه أعلم.

********

(1) آية:16.

(2) آية:40.

(3) سورة الأنعام،آية:160.

ص: 598

890-[جذاذا بكسر الضّمّ(ر)او و نونه

ليحصنكم(ص)افى و أنّث(ع)ن(ك)لا)

أى قرأه راو:فالمكسور جمع جذيذ بمعنى مجذوذ،كخفاف و كرام فى جمع خفيف،و كريم،و المضموم جمع جذاذة كزجاجة،و زجاج.و قيل الضم واحد فى معنى الجمع كالرفاة و الفتاة.و هذا بناء ما كسر و فرقت أجزاؤه و قيل هما لغتان.قال أبو على:جذاذ الشيء إذا قطعته،و مثل الجذاذ الحطام و الرفات،و الضم فى هذا النحو أكثر،و الكسر فيما زعموا لغة،و هى قراءة الأعمش،و قرأ أبو بكر وحده لنحصنكم من بأسكم بالنون لقوله و علمناه صنعة لبوس لكم-فهى نون العظمة و قرأه حفص،و ابن عامر بالتاء تأنيثا للفعل على الحمل على المعنى.

أى ليحصنكم اللبوس،لأن المراد بها الدروع أو التقدير لتحصنكم الصنعة،و قرأ الباقون بالياء على التذكير أى ليحصنكم اللّه تعالى،أو«داود»،أو اللبوس.لأنه بمعنى ملبوس،أو التعليم الذى دل عليه،و علمناه كل ذلك قد قيل و هو صحيح،و اختار أبو عبيد قراءة الياء.قال لأن اللبوس أقرب الى الفعل،و هو ذكر فكان أولى به.و قول الناظم و نونه على تقدير و لنحصنكم نونه صافى على التقديم و التأخير و مثله ما سبق فى يونس،و بنونه و نجعل صف أى و نجعل صف بنونه،و يجوز أن يكون لنحصنكم،و نجعل كلاهما بدلا من الهاء كما تقول:

ضربته زيدا،و اضمر ذلك على شريطة التفسير تفخيما له وصافا فعل من المصافاة،و قراءة الجماعة بالياء يجوز أن نأخذها من كونها تذكيرا،فهو ضد للتأنيث إن عادت على اللبوس،و يجوز أن نأخذها من الضد للنون إن عادت على اللّه سبحانه،أو على داود عليه السّلام،أو على التعليم.و إنما لم يقل و بالتاء عن كلا لئلا يشتبه بلفظ الياء.

891-[و سكّن بين الكسر و القصر(صحبة)

و حرم و ننجى احذف و ثقّل(ك)ذى(ص)لا]

و حرم مفعول و سكن،أى صحبة راء هذا اللفظ و قبله كسر الحاء،و بعده حذف الألف،و هو المعبر عنه بالقصر،و قراءة الباقين«و حرام»بفتح الحاء و الراء،و إثبات الألف«و حرم و حرام»لغتان كحل و حلال،يريد قوله تعالى- وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها ،و أما- وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ -فكتبت فى المصحف بنون واحدة،فقرأه ابن عامر و أبو بكر كذلك.فهذا معنى قوله احذف:أى احذف نونه الثانية، كما قال فى سورة يوسف و ثان ننج احذف،و كلا الموضعين كتب بنون واحدة.و قوله و ثقل يعنى شدّد الجيم،و باقى القراء بنونين،و تخفيف الجيم من أنجى ينجى،و قراءة ابن عامر،و أبى بكر من نجى ينجى،كما قال قبله-و نجيناه من الغم-و اختار أبو عبيد هذه القراءة،و ضعفها النحاة و عسر تخريج وجهها على معظم المصنفين.قال أبو عبيد هذه القراءة أحب إلىّ لأنا لا نعلم المصاحف فى الأمصار كلها كتبت إلا بنون واحدة،ثم رأيتها فى الذى يسمى الإمام«مصحف عثمان بن عفان»أيضا بنون واحد و قال إنما قرأها عاصم كذلك اتباعا للخط،و قد كان بعضهم يحمله من عاصم على اللحن.

قال ابن مجاهد:قرأ عاصم وحده فى رواية أبى بكر نجى بنون واحد مشدد الجيم على ما لم يسم فاعله،قال و روى عن أبى عمرو نجى مدغمة،قال:و هذا و هم لا يجوز هاهنا الإدغام لأن النون الأولى متحركة،و الثانية

ص: 599

ساكنة،و النون لا تدغم فى الجيم،و إنما خفيت النون لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم،فحذفت من الكتاب، و هى فى اللفظ ثابتة،و من قال إنها مدغمة فقد غلط،قال الزجاج:أما ما روى عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له لأن ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل.قال:و قد قال بعضهم:المعنى نجى النجاء المؤمنين،و هذا خطأ بإجماع النحويين كلهم،لا يجوز ضرب زيدا،يريد ضرب الضرب زيدا،لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أن الذى ضربه ضرب فلا فائدة فى إضماره و إقامته مقام الفاعل،و إنما قال الزجاج ذلك،لأن الفراء و أبا عبيد تحيلا فى تخريج وجه هذه القراءة على هذا قال الفراء:القراء يقرءونها بنونين،و كتابتها بنون واحدة و ذلك لأن النون الثانية ساكنة،و لا تظهر الساكنة على اللسان،فلما خفيت حذفت،و قد قرأها عاصم فيما أعلم بنون واحدة،و نصب المؤمنين كأنه احتمل اللحن لا يعرف لها جهة إلا تلك،لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر فى نجى،فنوى به الرفع،و نصب المؤمنين فيكون كقوله:ضرب الضرب زيدا ثم يكنى عن الضرب فتقول:ضرب زيدا و كذلك نجى النجاء المؤمنين و قال أبو عبيد الذى عندنا فيه أنه ليس بلحن و له مخرجان فى العربية.

أحدهما أن يريد ننجى مشددة لقوله-و نجيناه من الغم-ثم تدغم الثانية فى الجيم.

و المخرج الآخر أن يريد نجى فعل،فيكون معناه نجى النجاء المؤمنين،فيكون نصب المؤمنين على هذا، ثم ترسل الياء فلا ينصبها.

قلت الوجه للثانى قد أبطله الزجاج على ما سبق،و الأوّل فاسد،لأنه قدر الكلمة مشدّدة الجيم،ثم جوز أن ندغم النون الثانية فى الجيم،و لا يتصور الإدغام فى حرف مشدد،و لم يكن له حاجة إلى تقدير الكلمة مشددة الجيم،بل لو ادّعى أن الأصل ما قرأ به الجماعة بتخفيف الجيم،ثم زعم الإدغام لكان أقرب على أنه أيضا ممتنع:قال النحاس:هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد البون من الجيم،فلا تدغم فيها،فلا يجوز فى-من جاء بالحسنة-مجاء بالحسنة و قال الزمخشرى:النون لا تدغم فى الجيم و من تمحل لصحته فجعله فعل:

و قال نجى النجاء المؤمنين،فأرسل الياء و أسنده إلى مصدره فمتعسف بارد التعسف.

قلت و معنى قولهم أرسل الياء أى أسكنها،و قال مكى فيه بعد من وجهين:

أحدهما أن الأصل أن يقوم المفعول مقام الفاعل دون المصدر.

و الثانى أنه كان يجب فتح الياء من نجى،لأنه فعل ماض،قال و قيل:إن هذه القراءة على طريق إخفاء النون فى الجيم قلت و هذا تأويل أبى على فى الحجة.قال مكى:و هذا أيضا بعيد.لأن الرواية بتشديد الجيم و الإخفاء لا يكون معه تشديد قال:و قيل أدغم النون فى الجيم و هذا أيضا لا نظير له،لا يدغم النون فى الجيم فى شيء من كلام العرب لبعد ما بينهما،و إنما تعلق من قرأ هذه القراءة بأن هذه اللفظة فى المصاحف بنون واحدة قال:فهذه القراءة إذا قرئت بشد الجيم و ضم النون و إسكان الياء غير ممكنة فى العربية قال أبو على:

فأما قول من قال إنه يسند الفعل إلى المصدر و يضمر لأن الفعل دل عليه،فذلك مما لا يجوز فى ضرورة الشعر و البيت الذى أنشده ابن قتيبة:

و لو ولدت فقيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا

لا يكون حجة فى هذه القراءة و إنما وجهها ما ذكرنا لأن الراوى حسب الإخفاء إدغاما.

قال الشيخ:و احتجوا لإسكان الياء بقراءة الحسن:

ص: 600

(وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا 1) .

و يقول النابغة[ردت عليه أقاضيه وليده]قال:و قد قرأ أبو جعفر ليجزى قوما أى ليجزى الجزاء قوما [قلت و كل هذا استدلال بقراءات ضعيفة شاذة،و بضرورات شعر،و كل ذلك مما يشهد بضعف هذه القراءة،و عجبت ممن يذكرها و يترك غيرها مما هو شائع لغة و نقلا،و موافق خطا نحو-و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون-ذكر ابن مجاهد رواية عن أبى عمرو بياء مضمومة،و رواية عن ابن عامر بتاء مفتوحة مع كسر الجيم،و أجود ما وقفت عليه فى توجيه هذه القراءة ما نقله أبو جعفر النحاس قال:لم أسمع فى هذا بأحسن من شيء سمعته من على ابن سليمان:قال الأصل ننجى فحذف إحدى النونين لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى- وَ لا تَفَرَّقُوا -الأصل تتفرقوا قال:و الدليل على صحة ما قال أن عاصما يقرأ نجى بإسكان الياء،و لو كان على ما تأوله من ذكرنا لكان مفتوحا،و قال أبو الفتح ابن جنى فى كتاب الخصائص فى باب امتناع العرب من الكلام بما يجوز فى القياس:أجاز أبو الحسن ضرب الضرب الشديد زيدا و قتل يوم أخاك،قال هو جائر فى القياس و إن لم يرد به الاستعمال،ثم أنشد ابن جنى[لسب بذلك الجرو الكلابا]قال هذا من أقبح الضرورة،و مثله لا يعتد به أصلا،بل لا يثبت الا محتقرا شاذا،قال:و أما قراءة من قرأ-و كذلك نجى المؤمنين-فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل،لأنه عندنا على حذف إحدى نونى ننجى كما حذف ما بعد حرف المضارعة فى قوله تعالى:-تذكرون-أى تتذكرون،و يشهد لذلك أيضا سكون لام نجى و لو كان ماضيا لانفتحت اللام إلا فى الضرورة،و قال فى كتاب المحتسب:روى عن ابن كثير و أهل مكة-و نزل الملائكة تنزيلا-يعنى فى سورة الفرقان،قال و كذلك روى خارجة عن أبى عمرو قال:

أبو الفتح ينبغى أن يكون محمولا على أنه أراد-و ننزل الملائكة-إلا أنه حذف النون الثانية التى هى فاء فعل لالتقاء النونين استخفافا،و شبهها بما حذف من أحد المثلين الزائدين فى نحو:قولك أنتم تفكرون و تظهرون و أنت تريد تتفكرون و تتظهرون.قال و نحوه قراءة من قرأ«و كذلك نجى المؤمنين»أ لا تراه يريد ننجى فحذف النون الثانية و إن كانت أصلا لما ذكرنا،قلت و نقل هذه القراءة و تعليلها المذكور الزمخشرى فى تفسيره،و ذكره المهدوى فى قراءة«ننجى المؤمنين»و هو وجه سديد غريب لا تعسف فيه،و يشهد له أيضا حذف إحدى النونين من«أ تحاجوني،و تبشرونى و تأمرونى و تأمرونى أعبد»و عجبت من شيخنا أبى الحسن رحمه اللّه كيف لم ينقل هذا التعليل فى شرحه مع كونه فى إعراب النحاس و هو كثير الأخذ منه،و قراءة الجماعة فنجى بنونين الثانية ساكنة و بتخفيف الجيم من الإنجاء،و قبله«و نجيناه من الغم»بالتشديد جمعا بين اللغتين،كما جمع بينهما فى كثير من القرآن نحو.

(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً 2) .

(وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ 3) .

********

(1) سورة البقرة،آية:278.

(2) سورة الطارق،آية:17.

(3) سورة محمد صلّى اللّه عليه و سلم،آية:20.

ص: 601

و قول الناظم«كذى صلا»إشارة إلى النظر،و الفكرة فى وجه هذه القراءة.أى كن فى الذكاء و البحث كذى صلا،و قد سبق تفسيره و يقال بكسر الصاد و فتحها و اللّه أعلم.

892-[و للكتب اجمع(ع)ن(ش)ذا و مضافها

معى مسّنى إنّى عبادى مجتلا]

أى عن ذى شذا،يريد-كطىّ السجل للكتاب-فالقراءة دائرة بين الجمع و الإفراد قد سبق لهما نظائر فالكتب جمع كتاب،و الكتاب فى الأصل مصدر كتب كتابا مثل:بنى بناء،ثم قيل للمكتوب كتاب، و قد اختلف فى معنى السجل فقيل:هو ملك يطوى صحائف بنى آدم.و قيل كاتب كان للنبى صلّى اللّه عليه و سلم، فالمعنى على هذين القولين ظاهر أى كما يطوى السجل الكتاب،أو الكتب.فالمفرد اسم جنس يغنى عن الجمع، فهو واحد يراد به الكثرة،و اللام فى الكتب،أو للكتاب زائدة و حسنها اتصالها بمعمول المصدر تقوية لتعديته نحو:عرفت ضرب زيد لعمرو،و الأصل ضرب زيد عمرا،فكهذا هنا«كطىّ السجل للكتاب» فإضافة طىّ الى السجل من باب إضافة المصدر إلى فاعله،و قيل إن السجل هو اسم الصحيفة،فيكون المصدر مضافا إلى مفعوله،نحو:

(بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ 1) .

و المعنى كطى الصحيفة للكتابة فيها،أو لأجل المكتوب فيها قال قتادة:كطى الصحيفة فيها الكتب.

قال أبو على كطىّ الصحيفة مدرجا فيه الكتب.أى لدرج الكتب فيها،فإن كان الجمع للمكتوب فظاهر، و إن كان للمصدر فلأجل اختلاف أنواعه،و قول الناظم:«مجتلا»خبر قوله و مضافها،و مع و ما بعده عطف بيان لمضافها أو صفة له على تقدير الذى هو كذا و كذا،و أراد هذا«ذكر من معى»فتحها حفص وحده-إنى إله من دونه-فتحها نافع و أبو عمرو«مسنى الضرّ»عبادى الصالحون»سكنهما حمزة و اللّه أعلم.

********

(1) سورة ص،آية:24.

ص: 602

سورة الحج

893-[سكارى معا سكرى(ش)فا و محرّك

ليقطع بكسر اللاّم(ك)م(ج)يده(ح)لا]

يريد- وَ تَرَى النّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى -قرأهما حمزة و الكسائى«سكرى»كلاهما جمع سكران،و أجمعوا على:

(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى 1) .

و نظير القراءتين«أسارى و أسرى»كما سبق فى الأنفال،و البقرة،و جمع سكران على سكارى بضم السين، السين،و بالألف بعد الكاف هو القياس،كعجلان و عجالى،و كسلان و كسالى.و إنما جمع على سكرى بفتح السين و القصر حملا له على فعيل بمعنى مفعول،إذا كان ذا آفة،و بلية فحمل سكران عليه لملاقاته إياه فى المعنى، كجرحى،و قتلى.و نظيره قولهم:«روبان و روبى»و هو الذى سكر من شرب اللبن الرائب،و المختلط من كثرة السير،و التعب قال الشاعر:

فأما تميم تميم بن مر فألقاهم القوم روبى نياما

قال سيبويه:قالوا رجل سكران،و قوم سكرى،و ذلك لأنهم جعلوه كالمرضى.قال:و قالوا رجال روبى جعلوه بمنزلة سكرى،و الروبى الذين قد استثقلوا نوما فشبهوه بالسكران.قال أبو على:و يجوز أن يجمع سكران على سكرى من وجه آخر،و هو أن سيبويه حكى:رجل سكر،و قد جمعوا هذا البناء على فعالى،فقالوا هرم و هرمى،و زمن و زمنى،و ضمن و ضمنى،لأنه من باب الأدواء و الأمراض التى يصاب بها،و أما كسر اللام فى ثم ليقطع فهو الأصل،لأنها لا أمر،فهى مكسورة بدليل أنها إذا لم يدخل عليها أحد الحروف الثلاثة الفاء،و الواو،و ثم لا تكون إلا مكسورة،و هذه الحروف إذا اتصلت بها فمنهم من سكنها تخفيفا لتوسطها باتصال حرف العطف بها،و اتصال الفاء و الواو بها أشد من اتصال ثم،لأن ثم كلمة مستقلة بخلافهما،فإنهما يصيران إذا اتصلا بكلمة كأنهما بعض حروفها،فلهذا يسكن مع الفاء و الواو من لا يسكن مع ثم،و ذلك نظير ما سبق فى أوّل البقرة فى إسكان«فهو،و هو»ثم هو و الفاء أشد اتصالا من الواو لأنها متصلة لفظا و خطا، و الواو منفصلة خطا،فلهذا اتفق القراء على إسكان اللام مع الفاء نحو«فليمدد،فلينظر»و اختلفوا مع الواو و ثم،كما يأتى فإسكانها مع الفاء أحسن،و مع ثم أبعد و مع الواو متوسط،فإن قلت:فلم اختلف القراء فى ترك الإسكان مع الفاء فى فهو و فهى،و أجمعوا على إسكان اللام مع الفاء،قلت لخفة الكلمتين لقلب؟؟؟ حروفهما بخلاف ما دخل عليه لام الأمر،فإنها أكثر حروفا،فناسبت التخفيف،و لهذا كان الأكثر على الإسكان هنا مع الواو،و مع ثم،و فى،و هو،و فهو الأكثر على التحريك،و تقدير البيت و ليقطع محرك بكسر اللام، و ميزكم محذوف.أى كم مرة«حلا جيده»و الجيد العنق.

********

(1) سورة النساء،آية:43.

ص: 603

894-[ليوفوا ابن ذكوان ليطّوّفوا له

ليقضوا سوى بزّيّهم(نفر ج)لا]

أراد ليوفوا نذورهم و ليطوفوا لم يكسرهما سوى ابن ذكوان،و أجمعوا على إسكان:

(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي) .

فى البقرة (1)،و فى النور:

(وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ 2) .

و أما ثم ليقضوا تفثهم فهو بعد ثم،فكسر اللام أبو عمرو،و ابن عامر،و قنبل،و ورش لأنه استثنى البزى من نفر،و مدلول نفر:ابن كثير،و أبو عمرو،و ابن عامر،و رمز مع نفر لورش،بقوله«جلا»فكسر قنبل ليقضوا،و لم يكسر ليقطع جمعا بين اللغتين إعلاما بجوازهما.

895-[و مع فاطر انصب لؤلؤا(ن)ظم(إ)لفة

و رفع سواء غير حفص تنخّلا]

أى انصب لؤلؤا هنا مع حرف فاطر،بريد؟؟؟:

(يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً 3) .

فوجه الخفض العطف على«أساور من ذهب»و وجه النصب العطف على موضع من أساور أو على تقدير و يحلون لؤلؤا،و رسم بالألف فى الحج خاصة دون فاطر،و القراءة نقل فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى و ليس اتباع الخط بمجرده واجبا ما لم يعضده نقل،فإن وافق فيها و نعمت ذلك نور على نور.قال الشيخ:

و هذا الموضع أدل دليل على اتباع النقل فى القراءة،لأنهم لو اتبعوا الخط و كانت القراءة إنما هى مستندة إليه لقرءوا هنا بألف،و فى الملائكة بالخفض.قال أبو عبيد:و لو لا الكراهة لخلاف الناس لكان اتباع الخط أحب إلىّ،فيكون هذا بالنصب،و الآخر بالخفض،و قول الناظم:نظم ألفة مصدر وقع وصفا للؤلؤ، و حسن ذكر النظم مع ذكر اللؤلؤ،و هو إشارة إلى الائتلاف الواقع للمؤمنين فى الجنة كقوله تعالى:

(وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً 4) .

الآية،جعلنا اللّه تعالى بكرمه منهم،و قوله و رفع سواء مفعول قوله:«تنخلا»أى غير حفص تنخل:

أى اختار رفع-سواء العاكف فيه-و حفص وحده نصبه،فوجه رفعه أنه خبر،و العاكف:مبتدأ،و الجملة ثانى مفعولى جعلناه،و نصبه على أن يكون هو المفعول الثانى،فالعاكف فاعل،لأنه مصدر،أى مستويا فيه العاكف و البادى،و يجوز أن يكون حالا من الها فى جعلناه،و للناس هو المفعول الثانى،أى جعلناه لهم فى حال استواء العاكف فيه و البادى فيه،و عند هذا يجوز أن يكون حالا من الذكر فى المستقر.

********

(1) الآية:186.

(2) آية:31.

(3) آية:33.

(4) سورة الأعراف،آية:43.

ص: 604

896-[و غير(صحاب)فى الشّريعة ثمّ و ل

يوفّوا فحرّكه لشعبة أثقلا]

أى و غير صحاب اختاروا رفع الذى فى الشريعة،يعنى فى سورة الجاثية و هو-سواء محياهم و مماتهم-ننصبه مع حفص حمزة و الكسائى على الحال،و محياهم فاعله،و رفع الباقون على أنه خبر مقدم و الجملة بدل من الكاف فى-كالذين آمنوا-فهى فى موضع نصب على المفعولية،و قرأ شعبة-و ليوفوا نذورهم-بفتح الواو و تشديد الفاء من«و فى»،و الباقون من«أوفى»و هما لغتان و هذا كالخلاف فى:

(وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) .

فى البقرة (1)فقرأ شعبة هنا كما قرأ ثم،و نبه الناظم هنا على فتح ما قبل المشدد،لم ينبه ثم على ما سبق ذكره «و أثقلا»حال من الهاء فى فحركه أى ثقيلا،و قوله ثم لإقامة الوزن،و أجمعوا على-أوفوا بالعقود- بالألف-و إبراهيم الذى و فى-بالتشديد.

و (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 2) بالألف.

897-[فتخطفه عن نافع مثله و قل

معا منسكا بالكسر فى السّين(ش)لشلا]

أى و ليوفوا فى تحريك الخاء بالفتح،و تشديد الطاء،و الأصل«فتتخطفه الطير»حذفت إحدى التاءين قال الجوهرى اختطفه و تخطفه بمعنى،و قراءة الباقين من خطف يخطف،و تعسف بعضهم فى توجية قراءة نافع وجها،ذكره الشيخ فى شرحه لا حاجة إليه،و النسك بالفتح يقال فى المصدر،و اسم الزمان و المكان و هو جار على القياس،و الكسر لغة فيه،و تقدير البيت:و قل مسرعا منسكا مستقر بالكسر فى السين معا،يعنى فى موضعين-و لكل أمه جعلنا منسكا-ليذكر اسم اللّه-لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه).

898-[و يدفع(ح)قّ بين فتحيه ساكن

يدافع و المضموم فى أذن(ا)عتلا]

يريد إن اللّه يدفع فقوله:«و يدفع»حق جملة من مبتدأ و خبر أى قراءة«يدفع حق»ثم قيد هذه القراءة بقوله بين فتحيه ساكن،يعنى سكون الدال بين فتح الياء،و الفاء.لأن القراءة الأخرى لا تعلم من ضد هذا القيد،فاحتاج إلى بيانها بقوله:يدافع،فحذف المضاف للعلم به،و لم تكن له حاجة إلى تقييد قراءة يدفع لأنه قد لفظ بالقراءتين،و كان له أن يقول:

و يدفع حق فى يدافع وارد و فى إذن اضمم ناصرا أنه حلا

و من بعد هذا الفتح فى«نا»يقاتلون،فيتصل رمز أذن فى بيت واحد،و قد مضى الكلام فى سورة البقرة فى مصدر هذين الفعلين-و لو لا دفع اللّه-و دفاع للّه،و مثله هنا أيضا فقراءة نافع يدافع موافقة لقراءة دفاع،

********

(1) الآية:185.

(2) سورة المائدة،آية:3.

ص: 605

و قراءة ابن كثير،و أبى عمرو يدفع لقراءتهما،«و لو لا دفع اللّه»،و الباقون جمعوا بينهما فقرءوا«يدافع» «و لو لا دفع»إشعارا بتقاربهما فى المعنى،فإن المراد من يدافع يدفع،فهو من باب طارقت النعل،و عاقبت اللص،و عافاه اللّه.ثم تمم الكلام فى أذن فقال:

899-[(ن)عم(ح)فظوا و الفتح فى تا يقاتلوا

ن(عمّ ع)لاه هدّمت خفّ(إ)ذ(د)لا]

أى:ضم أذن للذين نافع،و عاصم،و أبو عمر،و على ما لم يسم فاعله،و فتح الباقون على تقدير«أذن اللّه لهم»يقاتلون بفتح التاء على بناء الفعل للمفعول أيضا،و بكسرها على بنائه للفاعل،و التخفيف و التشديد فى هذين ظاهران،و سبق معنى و لا.

900-[و بصريّ أهلكنا بتاء و ضمّها

يعدّون فيه الغيب(ش)ايع(د)خللا]

يريد فكأين من قرية أهلكناها بنون العظمة قرأه أبو عمرو بتاء مضمومة أهلكتها،و الغيب فى (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ) لقوله قبله: «وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ» و هذا هو الدخلل الذى شايعه،أى المداخل أى المناسب و الخطاب ظاهر:

901-[و فى سبإ حرفان معها معاجزي

ن(ح)قّ بلا مدّ و فى الجيم ثقّلا]

يريد (وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) .

(وَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) .

هذان فى سبأ (1)، (2)و قوله«معها»أى مع حرف هذه السورة و هو «وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» فمعنى معجزين،ينسبون من تبع النبى صلّى اللّه عليه و سلم إلى العجز،و قيل مثبطين الناس عنه، و قيل معناه يطلبون تعجيزنا،و فى المد معنى أنهم يسابق بعضهم بعضا فى التعجيز،و اختار أبو عبيد قراءة المد، و رواها عن ابن عباس و قال معناها مشاقين:و قال أبو على معاجزين ظانين،و مقدرين أنهم يعجزوننا،لأنهم ظنوا أن لا بعث و لا نشور،فيكون ثواب و عقاب،و قال الشيخ سعوا معجزين و معاجزين،أى بالطعن فينا، و قولهم سحر و شعر و غم،ذلك من البهتان.

902-[و الأوّل مع لقمان يدعون غلّبوا

سوى شعبة و الياء بيتى جمّلا]

********

(1) آية:5.

(2) آية:38.

ص: 606

يريد بالأول-و أن ما يدعون من دونه-و مثله فى لقمان،و احترز بقوله الأوّل من الذى بعده،و هو-إن الذين تدعون من دون اللّه-و أراد يدعون الأوّل فلما قدم الصفة أتبعها الموصوف بيانا فهو من باب قول النابغة:

و المؤمن العائدات الطير

أى قرأ يدعون فى الموضعين بالغيبة أبو عمرو و صحاب و الباقون بالخطاب،و وجههما ظاهر،و فى هذه السورة ياء واحدة للاضافة و-طهر بيتى-فتحها نافع و هشام و حفص،و فيها زائدتان، و-الباد-أثبتها فى الحالين ابن كثير،و فى الوصل ورش و أبو عمرو-نكير-أثبتها فى الوصل ورش وحده و قلت فى ذلك:

زوائدها ياءان و الباد بعده نكير و ما شيء إلى النمل أنزلا

أى و ما شيء من الزوائد فيما بعد الحج من السور إلى سورة النمل،و اللّه أعلم.

ص: 607

سورة المؤمنون

903-[أماناتهم وحّد و فى سال(د)اريا

صلاتهم(ش)اف و عظما(ك)ذى(ص)لا]

يريد- وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ -هنا،و فى سورة سأل،وحدهما ابن كثير وحده-و الذين هم على صلاتهم يحافظون-وحده هنا حمزة و الكسائى،و لا خلاف فى إفراد الذى فى سورة سأل،و لا فى لأوّل هنا و هو قوله:

- اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ -و علم أن موضع الخلاف هو الثانى لذكره إياه بعد أماناتهم،فالتوحيد يدل على الجنس،و الجمع لاختلاف الأنواع،و قد اتفق على الجمع فى-أن تؤدّوا الأمانات-و على الأفراد فى:

(إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ 1) .

و على جمع:

(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ 2) .

و على الإفراد فى-أقيموا الصلاة-قوله:«و عظما»،أى و وحد عظما يعنى-فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما-و قد ذكره فى البيت الآتى فى قوله:مع العظم و حدهما ابن عامر،و أبو بكر.كما قال الراجز:فى حلقكم عظم،و قد شجيناه أى فى حلوقكم عظام،و العظام بالجمع،و موضع«كذى صلا» نصب على الحال من فاعل وحد و قد سبق تفسيره.

904-[مع العظم و اضمم و اكسر الضّمّ(حقّ)ه

بتنبت و المفتوح سيناء(ذ)لّلا]

يريد-ثنيت بالدهن-اضمم التاء،و اكسر الباء،فيصير من أنبت و هو بمعنى نبت،فيتحد معنى القراءتين:أى تنبت و معها الدهن،و قيل المفعول محذوف:أى ينبت زيتونها،و بالدهن فى موضع الحال من الشجرة على الوجه الأوّل.أى ملتبسة بالدهن،و على الوجه الثانى يكون حالا،إما من الشجرة،أو من المفعول المحذوف،و قيل الياء زائدة،و المعنى تنبت الدهن كقوله-و من يرد فيه بإلحاد بظلم-و من قرأه من نبت فالباء للتعدية،أو مع مجرورها للحال،و قوله«حقه»أى هو حقه(و تنبت)متعلق باضمم،أو باكسر، أو بالضم،و قوله و المفتوح«سيناء»أى و سيناء المفتوح فقدم الصفة ضرورة،و أتى بما بعدها بيانا كالعائدات الطير،و معنى ذلك قرب و سهل،أراد بفتح السين و الباقون بكسرها و هو اسم أعجمى تكلمت به العرب مفتوحا و مكسورا،و قالوا أيضا«سنين»و المانع له من الصرف مع العلمية العجمة،و قيل«طور سينا»مركب كحضر موت على لغة الإضافة.

********

(1) سورة الأحزاب،آية:72.

(2) سورة البقرة،آية:238.

ص: 608

905-[و ضمّ و فتح منزلا غير شعبة

و نوّن تترا(حقّ)ه و اكسر الولا]

التقدير غير شعبة«ذو ضم و فتح»لفظ«منزلا»فمنزلا مفعول بأحد المصدرين قبله،يريد- وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً -فضم الميم،و فتح الزاى يجعله مصدرا،أو اسم مكان من أنزل،و قرأه شعبة بفتح الميم و كسر الزاى-على أنه كذلك من نزل،و نظير القراءتين ما تقدم فى«مدخلا»و«تترى»مصدر من المواترة فمن نونه جعل وزنه فعلا كضربا،و من لم ينوّن جعله فعلى كدعوى من المصادر التى لحقتها ألف التأنيث المقصورة،و قد سبق ما يتعلق بإمالتها فى باب الإمالة،ثم قال:«و اكسر الولا»أى ذا الولا يعنى الموالى لتترى،أى الذى هو قريب منه بعده،ثم بينه فقال:

906-[و أنّ(ث)وى و النّون خفّف(ك)فى و ته

جرون بضمّ و اكسر الضّمّ(أ)جملا]

يريد- وَ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ -الكسر على الاستئناف،و الفتح على تقدير و لأن هذه على ما تقدم فى الأنعام فى قوله تعالى:

(وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ 1) .

و خفف ابن عامر النون فى الموضعين كما قال سبحانه:

(وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 2) .

و قرأ نافع وحده-سامرا تهجرون-بضم التاء و كسر الجيم،من أهجر فى منطقه إذا أفحش فيه،و قرأ غيره بفتح التاء و ضم الجيم،من هجر إذا هذى.و قال أبو على«تهجرون آياتى مما يتلى عليكم من كتابى فلا تنقادون له،و تهجرون تأتون بالهجر،و هو الهذيان،و ما لا خير فيه من الكلام.و فى الحديث فى زيارة القبور و لا تقولوا هجرا،و قال أبو عبيد:القراءة الأولى أحب إلينا ليكون من الصدود و الهجران كقوله.

(فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ 3) .

هذا يشبه الهجران،و من قرأها تهجرون أراد الإفحاش فى المنطق.و قد فسرها بعضهم على الشرك و قول الناظم«أجملا»هو حال من فاعل اكسر أو مفعول،أو نعت مصدر محذوف أى كسرا جميلا.

907-[و فى لام للّه الأخيرين حذفها

و فى الهاء رفع الجرّ عن ولد العلا]

فى هذه السورة-سيقولون للّه-فى ثلاثة مواضع:الأول لا خلاف فيه أنه للّه بإثبات لام الجر و هو جواب قوله-قل لمن الأرض و من فيها-و الخلاف فى الثانى و الثالث و هما جواب قوله-قل من رب السموات (قُلْ مَنْ

********

(1) آية:153.

(2) سورة يونس،آية:10.

(3) سورة المؤمنون،آية:66.

ص: 609

بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ ،فقرأهما أبو عمرو بحذف حرف الجر،فارتفع الإسم الجليل على أنه خبر مبتدأ،أى هو اللّه فهو جواب مطابق للفظ السؤال،و كذلك كتب فى مصاحف البصرة،و قرأهما غيره كالأول بإثبات لام الجر،و كذلك كتب فى مصاحفهم،و هو جواب من حيث المعنى،لأن قولك:من مالك هذه الدار، و لمن هذه الدار،معناهما واحد.قال أبو عبيدة:كان الكسائى يحكى عن العرب أنه يقال للرجل:من رب هذه الدار،فيقول لفلان،بمعنى هى لفلان،و قول الناظم الأخيرين هو مضاف إليه،أى و فى لام هذا اللفظ الذى فى الموضعين الأخيرين كما تقدم فى قوله«و أخرتنى»الإسراء و حذفها مبتدأ فهو كقولك فى صدر سيد الرجلين علم،و اللّه أعلم.

908-[و عالم خفض الرّفع(ع)ن(نفر)و فت

ح شقوتنا و امدد و حرّكه(ش)لشلا]

يريد سبحان اللّه عما يصفون عالم الغيب فبالخفض هو نعت لاسم اللّه تعالى،و بالرفع على تقدير هو عالم، و الشقاوة على لفظ السعادة و الشقوة كالردة و الفطنة لغتان:أى افتح الشين،و حرك القاف بالفتح و مدها، و قدم ذكر المد على التحريك لضرورة الوزن و لتعين القاف لذلك،فليس فى حرف شقوتنا ما يقبل التحريك غير القاف،لأنها ساكنة،و البواقى متحرك.و قوله«عن نفر»أى منقول عن نفر و فتح شقوتنا كذلك من حيث المعنى أى عن جماعة قرءوا به و اللّه أعلم.

909-[و كسرك سخريّا بها و بصادها

على ضمّه(أ)عطى(ش)فاء و أكملا]

يريد فاتخذتموهم سخريا و فى ص أتخذناهم سخريا من سخرت إذا ضحكت منه،و قيل الكسر فى سين ذلك و ضمها لغتان،و قيل الضم من السخرة و العبودية،و الكسر من الهزؤ و اللعب،و أجمعوا على ضم الذى فى الزخرف:

(لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا 1) .

لأن المراد المعنى الأول لينتظم قوام العالم،و الهاء فى قوله.و بصادها تعود على سور القرآن للعلم بذلك، كما أنه إذا قال حفصهم يعلم أنه أراد حفص القراء و الهاء فى على ضمه للكسر و قوله بها معمول و كسرك و على ضمه خبر المبتدأ و يجوز أن يكون بها خبر قوله:و كسرك أى اختص ذلك بهذه السورة:و بسورة ص،ثم استأنف فقال على ضمه أعطى سخريا شفاء،و فاعل أعطى ضمير عائد على سخريا لا على كسرك،و لو عاد على كسرك لكان هو خبر المبتدأ،و لزم أن يكون الرمز الكسر،و ليس الرمز إلا للضم و أشار بقوله و أكملا إلى إكمال الضم فى مواضع سخريا الثلاثة و اللّه أعلم قال أبو عبيد:و كذلك هى عندنا لأنهن إنما يرجعن إلى معنى واحد،و هما لغتان«سخرى و سخرى»و قد رأيناهم أجمعوا على ضم التى فى الزخرف فكذلك الأخريان.

********

(1) الآية:32.

ص: 610

910-[و فى أنّهم كسر(ش)ريف و ترجعو

ن فى الضّمّ فتح و اكسر الجيم و اكملا]

يريد«أنهم هم الفائزون»الكسر على الاستئناف،و الفتح على تقدير لأنهم؛أو بأنهم،أو هو مفعول جزيتهم،أى جزيتهم الفوز،فحمزة و الكسائى قرءا بالكسر،و هما قرعا (وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) بفتح التاء و كسر الجيم،و الباقون بضم التاء و فتح الجيم،و وجه القراءتين ظاهر:و قد سبق له نظائر و يأتى الخلاف فى حرف القصص فى موضعه،و حمزة و الكسائى قرءا ذلك الموضع أيضا كهذا على إسناد الفعل إلى الفاعل،و لعله أشار بقوله و اكملا إلى هذا أى كملت قراءتهما فى الموضعين فلم تختلف،أى و أكمل أيها المخاطب فى قراءتك لهما لما كان الكمال فى قراءته جعله فيه مجازا،و أراد و أكملن فأبدل من النون ألفا:

911-[و فى قال كم قل دون(ش)كّ و بعده

(ش)فا و بها ياء لعلّى علّلا]

يريد«قال كم لبثتم»قرأها ابن كثير و حمزة و الكسائى،«قل»على الأمر،و الذى بعد هذا قال«إن لبثتم»لم يقرأه على الأمر إلا حمزة و الكسائى:فجريا على الأمر فى الموضعين و هو أمر لمن عينه اللّه سبحانه للسؤال،و قرأ الباقون بالخبر فى الموضعين:أى قال اللّه،أو الملك،و قرأ ابن كثير الأولى بالأمر،و الثانية بالخبر،فكأنه مردود على المأمور أوّلا:أى قل ذلك المأمور:قال أبو على و زعموا أن فى مصحف الكوفة قل فى الوضعين.قال أبو عبيد:و القراءة عندنا على الخبر كلاهما لأن عليها مصاحف أهل الحجاز،و أهل البصرة،و أهل الشام،و لا أعلم مصاحف مكة أيضا إلا عليها،و إنما انفردت مصاحف أهل الكوفة با أخرى قال أبو عمرو الدانى:و ينبغى أن يكون الحرف الأوّل بغير ألف فى مصاحف أهل مكة،و الثانى بالألف لأن قراءتهم كذلك،و لا خبر عندنا فى ذلك عن مصاحفهم إلا ما رويناه عن أبى عبيد،ثم قال و بها ياء أى ياء إضافة واحدة،ثم بينها بقوله لعلى:أراد«لعلى أعمل صالحا،فتحها الحرميان،و أبو عمرو،و ابن عامر و قوله«عللا»أى علل قائل هذا الكلام نفسه عند الموت بذلك.فقال علله بالشيء أى ألهاه به.

و اللّه أعلم.

ص: 611

سورة النور

912-[و(حقّ)و فرّضنا ثقيلا و رأفة

يحرّكه المكى و أربع أوّلا]

يريد- وَ فَرَضْناها -أى فرضنا أحكامها،و فى التثقيل إشعار بكثرة ما فيها من الأحكام المختصة بها لا توجد فى غيرها من السور،كالزنا،و القذف،و اللعان،و الاستئذان و غض الطرف و الكتابة و غير ذلك،فسرها أبو عمرو:فصلنا،و معناها بالتخفيف أوجبنا حدودها جعلناها فرضا.و قول الناظم:«و حق»هو خبر مقدم و ثقيلا حال من المنوى فيه أى و فرضنا حق ثقيلا،و أما-و لا تأخذكم بهما رأفة-بإسكان الهمزة ففتحها ابن كثير و كلاهما لغة،و لا خلاف فى إسكان التى فى الحديد:و جعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة قال ابن مجاهد.قال لى قنبل:كان ابن أبى بزة قد أوهم و قرأهما جميعا بالتحريك،فلما أخبرته إنما هى هذه وحدها رجع.

قلت:و هذا مما جمع فيه بين اللغتين،و اختير الإسكان فى التى فى الحديد،لتجانس لفظ رحمة التى بعدها،و نظير هاتين القراءتين«دأبا و دآبا»و المعز و ظعنكم من باب الإسكان،لأجل حرف الحلق مثل:شعرة و شعرة، ثم قال«و أربع أوّلا»أى الواقع أولا،يريد فشهادة أحدهم أربع شهادات اختلف فى رفعه و نصبه،و خبر قوله:و أربع فى أول البيت الآتى،و هو صحاب،أى و أربع بالرفع،قراءة صحاب،و دلنا على الرفع إطلاقه و وجه الرفع أنه خبر«فشهادة أحدهم»و نصبه على المصدر كما تقول شهدت أربع شهادات،و الخبر محذوف أى فواجب شهادة أحدهم،أو المحذوف المبتدأ و هو فالواجب شهادة أحدهم نحو:و الذين يظهرون من نسائهم فتحرير رقبة)و الجملة خبر«و الذين»و لا خلاف فى نصب الثانى،و هو أن تشهد اربع شهادات(لأنه مصدر لا غير للتصريح بالفعل قبله،و هو قوله أن تشهد.

913-[صحاب و غير الحفص خامسة الأخي

ر أن غضب التّخفيف و الكسر أدخلا]

أى و كل القراء غير حفص رفعوا و الخامسة أن غضب اللّه و هو الأخير،و لا خلاف فى رفع الأول و الخامسة أن لعنة اللّه فالرفع فيها على الابتداء،و ما بعده خبره أى و الشهادة الخامسة هى لفظ كذا:و نصب الثانى على و تشهد الخامسة.لأن قبله«أن تشهد أربع شهادات»ثم أبدل«أن غضب اللّه»منه.قال أبو على:و يجوز فى القياس النصب فى الخامسة الأولى رفع أربع شهادات،أو نصب و قول الناظم الأخير هو نعت خامسة،و لا نظر إلى التأنيث فيها لأن المراد هذا اللفظ الأخير،و أسقط الألف و اللام من الخامسة ضرورة وزن النظم،و أدخلها فى حفص كذلك أيضا،فكأنه عوض ما حذف،و هما زائدتان فى الحفص كقول الشاعر«و الزيد زيد المعارك» و قد وقع فى مسند ابن أبى شيبة و غيره حدثنا حسين بن على الجعفى،عن شيخ يقال له الحفص عن أبيه عن جده قال:أذن بلال حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.قال الحافظ أبو القاسم حفص هو بن عمر بن سعد القرظ،و لغرابة هذه العبارة بهم كثير فيها و يسبق لسان القارئ لما إلى لفظ الخفض بالخاء و الضاد المعجمتين الذى هو أخو الكسر

ص: 612

لشهرة هذه اللفظة و كثرة دورها فى القصيدة.كقوله:«و الأرحام»بالخفض جملا،و النون بالخفض شكلا، فإن قيل لو أنه قال صحاب،و حفص نصب خامسة الأخير لحصل الغرض،و لم يبق لفظ موهم.

قلت لكن نخيل عليه قراءة الباقين فإنها بالرفع و ليس ضد النصب إلا الخفض،فاقتحم حزونة هذه العبارة لكونها وافية بغرضه،و الألف فى قوله أدخلا ضمير تثنية يرجع إلى التخفيف،و الكسر.أى أدخلا فى لفظ أن غضب فالتخفيف فى أن و الكسر فى ضاد غضب.أى قرأ نافع وحده ذلك،فيكون أن مخففة من الثقيلة،و غضب فعل ماض فاعله اسم اللّه،فيجب رفعه فهو معنى قوله فى البيت الآتى.و يرفع بعد الجر.أى بعد أن غضب يجعل الرفع موضع الجر فى الكلمة المتصلة به،و قراءة الجماعة واضحة يكون الغضب اسما مضافا إلى اللّه تعالى، و هو اسم أن المشددة مثل(أن لعنة اللّه عليه)و النحويون يقولون إن ضمير الشأن مقدر أى أنه لعنة اللّه و أن غضب اللّه و لو أن قراءة نافع بفتح ضاد غضب.كقراءة الجماعة فكانت على وزن لعنة اللّه.فيكون قد خفف أن فيها فقط،لكانت أوجه عندهم،لأنهم يستقبحون أن يلى الفعل أن المخففة حتى يفصل بينهما بأحد الحروف الأربعة بحرف النفى إن كان الكلام نفيا نحو-أن لا يرجع اليهم قولا-و ان كان ايجابا فبحرف قد فى الماضى و بالسين أو سوف فى المضارع نحو-علم أن سيكون-و كان القياس عندهم أن يقال:أن قد غضب اللّه.قال أبو على:فإن قيل فقد جاء (وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى) (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ) فليس يجرى مجرى ما،و نحوها مما ليس بفعل و قوله بورك على الدعاء قلت فكذا هنا يحمل غضب اللّه على الدعاء،فلا يحتاج إلى حرف قد.

914-[و يرفع بعد الجرّ يشهد(ش)ائع

و غير أولى بالنّصب(ص)احبه(ك)لا]

قد سبق شرح قوله و يرفع بعد الجر،فالجر منصوب لأنه مفعول يرفع و ليس مضافا إلى بعد،لأن بعد مبنى على الضم بحذف ما أضيف إليه.أى بعد قوله:«أن غضب»،و أما يوم تشهد عليهم ألسنتهم فيقرأ يشهد بالتذكير،حمزة،و الكسائى.و الباقون بالتأنيث.لأن تأنيث الألسنة غير حقيقى،فجاز فيه الوجهان.قال أبو على:كلاهما حسن.و قد مر نحوه،و أما غير«أولى الإربة»فنصبه على الحال،أو على الاستثناء، و خفضه على أنه صفة للتابعين.أى الذين لا إربة لهم فى النساء،و الإربة الحاجة،و معنى صاحبه كلا أى حفظ ذلك،و نقله أو حرسه.

915-[و درّىّ اكسر ضمّه(ح)جّة(ر)ضى

و فى مدّه و الهمز(صحبت)ه(ح)لا]

أى ضم الدال،و حجة حال من فاعل اكسر،أو مفعوله.أى اقرأه ذا حجة مرضية.و أخبر عن صحبته بلفظ حلا كما سبق فى صحبة كلا،و الهمز مجرور عطفا على و فى مده،و لو رفع لكان له وجه حسن.أى وحلا درى فى مده،و الهمز مصاحب له،و لا يمنع كون صحبته رمزا من تقدير هذا المعنى،كما لم يمنع فى قوله كما حقه ضماه.أى حق أن يضم صاد الصدفين و داله على ما سبق شرحه،فحصل من مجموع ما فى البيت أن أبا عمرو و الكسائى قرءا درى على وزن شريب و سكيت بكسر الدال و المد و الهمز،و حمزة و أبا بكر بضم الدال، و المد و الهمز على وزن مريق.قال الجرمى:زعم أبو الخطاب أنهم يقولون مريق للعصفر،و قرأ الباقون و هم

ص: 613

حفص،و ابن عامر،و الحرميان بضم الدال و تشديد الياء،فلا مد و لا همز.و هذه أجود القراءات عندهم جعلوها نسبة إلى الدر فى الصفا و الإضاءة،و إنما نسب الكوكب مع عظم ضوئه لى الدر باعتبار أن فضل ضوء ذلك الكوكب على غيره من الكواكب،كفضل الدر على غيره من الحب.قال أبو عبيد:القراءة التى نختارها درى و هو فى التفسير المنسوب إلى الدر فى إضاءته و حسنه،و فى الحديث المرفوع«إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليين كما تراءون الكوكب الدرّى فى أفق السماء»هكذا نقلته العلماء إلينا بهذا اللفظ.قال أبو على:

و يجوز أن يكون فعيلا من الدرء،فخفف الهمز فانقلبت ياء،كما تنقلب من النسى و النبى إذا خففت ياء.

قلت يعنى أنها تكون مخففة من القراءة الأخرى المنسوبة إلى حمزة،و أبى بكر.قال أبو على:هو فعيل من الدرء الذى هو الدفع.قال و مما يمكن أن يكون من هذا البناء قولهم:العلية أ لا تراه من علا.فهو فعيل و قال الزجاج:النحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه،لأنه ليس فى الكلام شيء على فعيل.قال أبو على:هذا غلط.قال سيبويه:و يكون على فعيل و هو قليل فى الكلام المرتق.حدثنا أبو الخطاب عن العرب.و قالوا:

«كوكب درّى»و هو صفة هكذا قرأنه على أبى بكر بالهمز فى درىء.قال أبو عبيد:كان بعض أهل العربية يراه لحنا لا يجوز،و الأصل فيها عندنا فعول.مثل:شيوخ.ثم تستثقل الضمات المجتمعة فيه لو قال دروء، فترد بعض تلك الضمات إلى الكسرة،فيقال درى.قال:و قد وجدنا العرب تفعل هذا فى فقول،و هو أخف من الأوّل.و ذلك كقولهم«عتوّا و عتيا»و كلتا اللغتين فى التنزيل.و أما قراءة أبى عمرو،و الكسائى بكسر الدال و الهمزة.فقال الزجاج:الكسر جيد بالهمز يكون على وزن فعيل،و يكون من النجوم الدرارى التى تدرأ.أى تنحط و تسير متدافعة.يقال،درأ الكوكب يدرأ إذا تدافع منقضا فتضاعف ضوؤه،يقال تدارأ الرجلان إذا تدافعا.قال الفراء الدرى من الكواكب الناصعة،و هو من درأ الكوكب إذا انحط،كأنه رجم به الشيطان.قالوا و العرب تسمى الكواكب العظام التى لا تعرف أسماؤها الدرارى.قال:و من العرب من يقول:كوكب درى ينسبه إلى الدر فيكسر أوله،و لا يهمز كما يقال«سخرى و سخرى»،«و بحر لجى و لجى».قال النحاس:و من قرأ درى بالفتح و تشديد الياء أبدل من الضمة فتحة،لأن النسب باب تغيير.

قلت:هى قراءة شاذة حكيت عن قتادة و غيره.قال:و ضعف أبو عبيد قراءة أبى عمرو،و الكسائى لأنه تأوّلها من درأت.أى وقعت،أى كوكب يجرى من الأفق و إذا كان التأويل على ما تأوّله لم يكن فى الكلام فائدة.و لا كان لهذا الكوكب مزية على أكثر الكواكب.قال:و روى عن محمد بن يزيد أن المعنى كوكب يندفع بالنور كما يقال اندرأ الحريق.أى اندفع،و حكى سعيد بن مسعدة درأ الكوكب بضوئه إذا امتد ضوؤه و علا-قيل هو من قولهم:درأ علينا فلان إذا طلع مفاجأة.و كذلك طلوع الكوكب،حكاه الجوهرى.

و قال:قال أبو عمرو بن العلاء:سألت رجلا من سعد بن بكر من أهل ذات عرف و كان من أفصح الناس:

ما تسمون الكوكب الضخم،فقال الدرى:و حكى أبو على عن أبى بكر،عن أبى العباس قال:أخبرنى أبو عثمان عن الأصمعى عن أبى عمرو قال:قد خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيا يقول إلا كأنه كوكب درى بكسر الدال.قال الأصمعى:فقلت أ فيهمزون.قال:إذا كسروا فبحسبك.قال أ محذوة من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت.و هذا فعيل منه،قال أبو على:يعنى أنهم إذا كسروا أوله دل الكسر على إرادتهم الهمز و تخفيفهم،قال صاحب المحكم:درأه دفعه،و درأ عليهم،خرج فجأة،و ادرأ الحريق انتشر،و كوكب

ص: 614

درى مندفع فى مضيه من المشرق إلى ذلك،و الجمع درائى على وزن دراعيع.قلت:و كونه من درأ إذا دفع أحسن،لأنه يدفع الظلام بنوره و اللّه أعلم.

916-[يسبّح فتح البا(ك)ذا(ص)ف و يوقد ال

مؤنّث(ص)ف(ش)رعا و(حقّ)تفعّلا]

يعنى«يسبح له فيها»بفتح الباء على ما لم يسم فاعله،و كسرها على تسمية الفاعل،و هو رجال،و على قراءة الفتح يكون رجال فاعل فعل مضمر.أى يسبحه رجال أو مبتدأ خبره مقدم عليه،و هو فى بيوت، و قرأ أبو بكر،و حمزة،و الكسائى،توقد بالتأنيث:أى توقد الزجاجة أو المشكاة كما تقول:أو قدت البيت و قرأ نافع و ابن عامر و حفص يوقد بالتذكير،أى يوقد المصباح،و قرأ ابن كثير و أبو عمرو توقد بفتح التاء و الواو،و تشديد القاف،و فتح الدال على أنه فعل ماض.أى توقد المصباح و هو معنى قوله«و حق تفعلا» أى قرءا على وزن تفعل،مثل تكرم و تبصر،و الألف للاطلاق لا ضمير تثنيه،و إعرابه أن يقال حق خبر مقدم،و تفعل مبتدأ مؤخر،أراد.و القراءة على وزن تفعل حق،و حكى ابن مجاهد رواية عن عاصم، و أهل الكوفة توقد على وزن قراءة أبى عمرو،إلا أن الدال مرفوعة فيكون مضارع قراءة أبى عمرو، و الأصل تتوقد،فحذفت التاء الثانية نحو«لا تكلم نفس»،و حكى أبو عبيد هذه القراءة عن ابن محيصن، و الضمير فيها للزجاجة كما سبق فى القراءة الأولى،فهذه أرفع قراءات الأولى و الأخيرة راجعة إلى الزجاجة، و الثانية و الثالثة إلى المصباح،قال أبو على:توقد على أن فاعل توقد المصباح هو البين،لأن المصباح هو الذى

يتوقد،قال:سموت إليها و النجوم كأنها مصابيح رهبان تشبه لقفال

أى و يوقد مثله يعنى بالتذكير و اللّه أعلم.

917-[و ما نوّن البزّى سحاب و رفعهم

لدى ظلمات جرّ(د)ار و أوصلا]

يريد: (سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) فقرأه البزى على إضافة سحاب إلى ظلمات:أى سحاب ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض،و هى ما تقدم تفصيله فى قوله: (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) قال أبو على أضاف السحاب إلى الظلمات لاستقلال السحاب و ارتفاعه فى وقت هذه الظلمات،كما تقول سحاب رحمة، و سحاب مطر،إذا ارتفع فى الوقت الذى يكون فيه المطر،و من نوّن سحاب و رفع ظلمات و هى قراءة غير ابن كثير كان ظلمات خبر مبتدأ محذوف،أى تلك ظلمات مجتمعة،و قرأ قنبل بالتنوين،و جر ظلمات على أنها وردت تكريرا،و بدلا من ظلمات الأولى،و قوله:و رفعهم لدى ظلمات،أى و رفع القراء فى ظلمات، جره من درى ذلك،فقوله:جر فعل ماض،و دار فاعله و أوصل عطف على جر،أى قرأ ذلك و أوصله إلينا و يجوز فى قوله و رفعهم النصب لأنه مفعول جر،و الرفع على الابتداء نحو:(و كل وعد اللّه)و النصب أقوى عند أهل العربية و اللّه أعلم.

918-[كما استخلف اضممه مع الكسر(ص)ادقا

و فى يبدلنّ الخفّ(ص)احبه(د)لا]

ص: 615

أى اضمم التاء مع أنك تكسر اللام،فيصير فعل ما لم يسم فاعله،و قراءة الباقين على إسناد الفعل للفاعل و هو اللّه تعالى فهو موافق لقراءة«ليستخلفنهم»و الخلاف فى«و ليبدلنهم»بالتخفيف و التشديد سبق فى الكهف أنهما لغتان،و سبق معنى دلا.

919-[و ثانى ثلاث ارفع سوى(صحبة)وقف

و لا وقف قبل النّصب إن قلت أبدلا]

يعنى (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) فهذا الثانى،و الأوّل لا خلاف فى نصبه،و هو ثلاث مرات،لأنه ظرف، فرفع الثانى على معنى هذه الأوقات،أوقات ثلاث عورات،فيجوز لك أن تقف على ما قبلها،و هو صلاة العشاء،ثم تبتدى«ثلاث عورات»و أما قراءة النصب فتحتمل وجهين:أحدهما:أن يكون بدلا من ثلاث مرات،فلا وقف على هذا التقدير،لأن الكلام لم يتم،و ليس برأس آية فيغتفر ذلك لأجله نحو:

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ 1) .

(وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 2) .

(لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ 3) .

فهذا قوله،و لا وقف قبل النصب إن قلت أبدلا.أى إن قلت هو بدل من الأول و إن قدرت«ثلاث عورات»منصوبا بفعل مضمر جاز الوقف مثل:قراءة الرفع،و التقدير (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) أى احفظوها و راعوها،و اللّه أعلم.

********

(1) سورة الفاتحة،آية:6.

(2) سورة الشورى،آية:52.

(3) سورة اقرأ،آية:15.

ص: 616

سورة الفرقان

920-[و يأكل منها النون(ش)اع و جزمنا

و يجعل برفع(د)لّ(ص)افيه(ك)مّلا]

يريد- أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها -الياء فى يأكل و النون ظاهران،و أما(و نجعل لك قصورا)فرفعه على الاستئناف،و جزمه على العطف على موضع جواب الشرط الذى هو جعل لك على لغة من يجزم جواب الشرط إذا كان فعل الشرط ماضيا،و هو اللغة الفصيحة،و يجوز أن تكون هذه القراءة بالرفع،و إنما أدغم اللام من يجعل فى لام لك، كما يفعل أبو عمرو فى غير هذا الموضع،فيتحد تقدير القراءتين«و كملا»جمع كامل،و هو مفعول«دل»،أى دل حسن هذا اللفظ و صفاؤه رجالا كاملين عقلا و معرفة،فقرءوا به و إن كانت القراءة الأخرى كذلك و اللّه أعلم.

921-[و نحشر يا(د)ار(ع)لا فيقول نو

ن شام و خاطب تستطيعون(ع)مّلا]

يريد-و يوم نحشرهم و ما يعبدون من دون اللّه-الياء فيه،و النون أيضا ظاهران،و أراد ذو يا قارئ دار أى عارف،و عملا صفة دار،أو صفة يا،و الخلاف أيضا فى،فيقول بالياء و النون ظاهر،فابن عامر قرأ بالنون فيهما،و ابن كثير و حفص بالياء فيهما،و الباقون بالنون فى نحشرهم،و الياء فى فيقول لقوله بعد-ء أنتم أضللتم عبادى-و كل ذلك من تلوين الخطاب كما فى أوّل سورة الإسراء،و الياء فى يستطيعون للآلهة،و الخطاب لعبادها،و تستطيعون فى البيت مفعول خاطب،جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه،و مثله فى النمل و تخفون خاطب،و تقدم فى الأنعام،و خاطب شام.و يجوز أن يكون فى كل هذه المواضع على حذف حرف الجر.أى خاطب بهذا اللفظ،و عملا جمع عامل و هو حال من فاعل خاطب،و هو و إن كان لفظه أمر المفرد فالمراد به الجمع،كأنه قال:

و خاطب أيها الرهط و القوم أو الفريق القراءة،و قال الشيخ يستطيعون،بدل من قوله و خاطب،أو عطف بيان،و عملا مفعول خاطب.

قلت لا يبين لى وجه ما ذكر فى تستطيعون،و أما جعل عملا مفعول خاطب،فيجوز على أن يكون يستطيعون مفعولا بعامل مقدر،أى قارئا يستطيعون،و أراد بالعمل المخاطبين يستطيعون،لأنهم كما قال اللّه تعالى:

(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ 1) .

و إن كان مراد الشيخ بما ذكره أن المأمور بالخطاب هو لفظ تستطيعون جعله مخاطبا لهم لما كان الخطاب فيه كقولك:قم زيد.فهذا على حذف النداء،أى قم يا زيد فكذا التقدير،و خاطب يا يستطيعون:أى يا هذا اللفظ،و لا يبعد فى التجوز تمثيل ذلك كما تخاطب الديار و الآثار،و يطرد هذا الوجه فى نحو:و خاطب تعصرون و ما أشبه.

********

(1) سورة الغاشية،آية:3.

ص: 617

922-[و نزّل زده النّون و ارفع و خفّ و ال

ملائكة المرفوع ينصب دخللا]

لفظ بقراءة ابن كثير،و بين ما فعل فيها فقال:«زده النون»أى زده النون الساكنة،لأن النون المضمومة موجودة فى قراءة الباقين،و ارفع يعنى اللام لأنه صار فعلا مضارعا،فوجب رفعه.و خف يعنى تخفيف الزاى،لأن قراءة الباقين بتشديدها على أنه فعل ماض لما لم يسم فاعله،و هو مطابق للمصدر الذى ختمت به الآية،و هو تنزيلا،و مصدر قراءة ابن كثير إنزالا إلا أن كل واحد منهما يوضع موضع الآخر،أنشد أبو على:

و قد تطوّيت انطواء الخصب

و قال:حيث كان تطوّيت و انطويت يتقاربان،حمل مصدر ذا على مصدر ذا،و لا حاجة إلى أن يقال الناظم لم ينبه على إسكان النون ذهابا إلى أن المزيدة هى الأول،بل تجعل المزيدة هى الثانية،و تخلص من الاعتراض، و من الجواب بأن خف ينبئ عن ذلك،و بأن الزاى إذا خففت لم يكن بدّ من إسكان النون،فهب أن الأمر كذلك فمن أين تعلم قراءة الباقين أنها بالضم،و هو لم يلفظ بها.

فإن قلت:فى التحقيق الزائدة هى الأولى لأنها حرف المضارعة،و الثانية هى أوّل الفعل الماضى.

قلت:صحيح إلا أن الناظم لا يعتبر فى تعريفه إلا صورة اللفظ:أ لا تراه كيف قال فى يوسف و ثان ننج احذف فأورد الحذف على الثانية ليصير الفعل ماضيا،و إنما المحذوف حرف المضارعة،فكذا هنا،و نصب ابن كثير الملائكة لأنه مفعول«و تنزّل»و رفعه الباقون،لأنه مفعول«و نزل و دخللا»حال لأن قيله (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) فهو مداخله و مرافقه فى اللفظ و المعنى.

923-[تشقّق خفّ الشّين مع قاف(غ)الب

و يأمر(ش)اف و اجمعوا سرجا و لا]

يريد (وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) و فى سورة ق.

(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً 1) .

الأصل فيها تتشقق،فمن خفف حذف إحدى التاءين،و من شدد أدغم الثانية فى الشين،قال أبو على قال أبو الحسن:الخفيفة أكثر فى الكلام لأنهم أرادوا الخفة فكان الحذف أخف عليهم من الإدغام فهذا معنى قوله:

غالب أى تخفيف الشين فيه مع حرف قاف أكثر من تشديدها فى اللغة،ثم قال:«و يأمر شاف»أراد-أ نسجد لما تأمرنا-أى بالغيب لإطلاقه،و الباقون بالخطاب الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،و الياء إخبار عنه،قال ذلك بعضهم لبعض،و خاطبه بعضهم به،و قيل-لما تأمرنا-المسمى بالرحمن،و إن كنا لا نعرفه ثم قال:«و أجمعوا سرجا»يعنى (وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً) يقرؤه حمزة و الكسائى بالجمع على إرادة الشمس،و النجوم العظام،و قال الزجاج:أراد الشمس و القمر و الكواكب العظام معهما.

********

(1) سورة الفرقان،آية:25.

ص: 618

قلت:فعلى هذا يكون قوله بعد ذلك: (وَ قَمَراً مُنِيراً) من باب قوله:و ملائكته-و جبريل و ميكال-، و الإفراد للشمس كما جاء فى سورة النبأ-و جعلنا سراجا وهاجا)و فى سورة نوح:

(وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً 1) .

و قيل المراد بالسرج النجوم دون الشمس،و هى المصابيح المذكورة فى الآية الأخرى،فكأنه سبحانه أشار إلى ما يظهر فى السماء ليلا و هو القمر و النجوم،و القراءة بالإفراد تحتمل ذلك على إرادة الجنس،كما فى نظائره أو أراد به الشمس فيكون مجموع القراءتين الصحيحتين قد أفاد مجموع النجوم،و القمرين«و ولا» بالكسر و هو مفعول له أو حال،أى لأجل المتابعة،أو ذوى متابعة.

924-[و لم يقتروا اضمم(عمّ)و الكسر ضمّ(ث)ق

يضاعف و يخلد رفع جزم(ك)ذى(ص)لا].

أى اضمم أوله،و ضم أيضا كسره،و هو فى الثانى.و إنما قال فى الثانى ضم الكسر،و لم يقل فى الأول ضم الفتح،لأن الكسر ليس ضدا للضم،و الفتح ضده،فالذين ضموا الثانى فتحوا الأوّل،و الذين ضموا الأوّل كسروا الثانى،و الباقون فتحوا الأوّل و كسروا الثانى،و هم ابن كثير،و أبو عمرو.قرءا امن قتر يقتر،مثل:ضرب،و الكوفيون من قتر يقتر،مثل يقتل،و نافع و ابن عامر من أقتر يقتر،مثل:أكرم يكرم،و كل ذلك لغات فى تضييق النفقة،و قيل أقتر خلاف أيسر يدل عليه على الموسع قدره و على المقتر قدره و قال فى معنى التضييق و كان الإنسان قتورا فهذا من قتر،و فى مضارعه لغتان الكسر و الضم مثل:يعكفون و يعرشون.و قال أبو حاتم لا وجه للإقتار هاهنا.إلا أن يذهب به إلى أن المسرف يفتقر سريعا.قال أبو جعفر النحاس:تعجب أبو حاتم من قراءة أهل المدينة هذه لأن أهل المدينة عنده لا يقع فى قراءتهم الشاذ،و تأوّل لهم أن المسرف يفتقر سريعا.قال:و هذا تأويل بعيد،و لكن التأويل لهم أن أبا عمرو الجرمى حكى عن الأصمعى أنه يقال للإنسان إذا ضيق قتر،يقتر و يقتر.و قتر يقتر،و قتر يقتر.قال فعلى هذا تتضح القراءة و إن كان فتح الياء أصح و أقرب متأولا،و أشهر و أعرف.و من أحسن ما قيل فى معناه:قول أبى عبد الرحمن الجبلى:من أنفق فى غير طاعة اللّه فهو الإسراف،و من أمسك عن طاعة اللّه فهو الإقتار،و من أنفق فى طاعة اللّه فهو القوام،و أما يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فالرفع فيهما على الاستئناف،و الجزم على البدل من يلن أثاما لأنهما فى معنى واحد.و قوله:رفع جزم.أى ذو رفع جزم فيهما.و قوله«كذى صلا»فى موضع الحال.أى مشتهرا اشتهار ذى الصلاء.أى موقد النار لقصد جمع الأصناف أو يكون التقدير«كن كذى صلا» أى تقرأ العلم لأضيافك و هم المستفيدون المستحقون لذاك.

925-[و وحّد ذرّيّاتنا(ح)فظ(صحبة)

و يلقون فاضممه و حرّك مثقّلا]

يريد ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا إفراد الذرية و جمعها ظاهران.و قد سبق مثلهما فى الأعراف.

********

(1) آية:16.

ص: 619

و أما-و يلقون فيها تحية-فاضمم ياءه،و افتح لامه،و ثقل قافه لغير صحبة من قوله-و لقاهم نضرة و سرورا-و هو موافق لقوله-يجزون الغرفة-و قرأه صحبة من لقى يلقى نحو-تحيتهم يوم يلقونه سلام-و قال فى ضدهم-فسوف يلقون غيا-و هما ظاهران أيضا و اللّه أعلم.

926-[سوى(صحبة)و الياء قومى و ليتنى

و كم لو وليت تورث القلب أنصلا]

سوى صحبة خبر قوله:-و يلقون-أى هو قراءة سوى صحبة،فحذف المضاف و اعترض بين المبتدإ و خبره بقوله:فاضممه،و حرك مثقلا،و حقه أن يتأخر،و فيها من ياءات الإضافة ياءان-إن قومى اتخذوا-فتحها نافع، و أبو عمرو،و البزى-يا ليتنى اتخذت-فتحها أبو عمرو وحده ثم أن لفظ ليتنى أذكر الناظم رحمه اللّه قصة الظالم الذى يعض على يديه يوم القيامة و يقول-يا ليتنى اتخذت مع الرسول-يا ويلتا لم أتخذ-فيندم و يتأسف،و يتمنى فى وقت لا ينفعه ذلك،فتمم الناظم البيت بما بينه العقلاء على الاستعداد خوفا من وقوع مثل ذلك«و أنصلا» جمع نصل أى تورث القلب ألما كألم وقوع النصول فى القلب،فيقول المتندم المتأسف:لو أنى فعلت كذا، و لو أنى ما فعلت،و هذه كلمة قد نهى الشرع عنها.ففي صحيح مسلم.أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«إن أصابك شيء فلا تقل لو لا أنى فعلت»و لكن قدر اللّه و ما شاء فعل؛فإن لو تفتح عمل الشيطان» و أضاف الناظم«كم»إلى حرفى«لو»و«ليت»،و المراد المرات المقولة بهذين اللفظين.حكى«لو»بلفظها و أعرب«ليت»فخفضها و نونها،لأنه أجراهما هاهنا مجرى الأسماء فى الإخبار عنها.و قد استعمل الفصحاء ذلك، فتارة حكوا،و تارة أعربوا.قال أبو زيد الطائى:

ليت شعرى و أين منى ليت إنّ ليتا و إنّ لوّا عناء

و قال أبو تمام:

قولى نعم،و نعم إن قلت واجبة قالت عسى و عسى جسرا إلى نعم

و أدخل بعضهم الألف و اللام فقال:

و المرء مرتهن بسوف و ليتنى و هلاكه فى السوف ثم الليت

و أفرد تورث،و هو خبر عن اثنين اختصارا و استغناء بالخبر عن أحدهما نحو و لا ينفقونها فى سبيل اللّه- و أنث لفظ تورث باعتبار الكلمة و يجوز تذكيره باعتبار اللفظ و الحرف:

ص: 620

سورة الشعراء

927-[و فى حاذرون المدّ(م)ا(ث)لّ فارهي

ن(ذ)اع و خلق اضمم و حرّك به(ال)علا]

يريد- وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ -قبل الحذر،و الحاذر سواء،و قيل الحذر من طبع على الحذر،و قيل المتيقظ و الحاذر الذى يحذر ما حدث،أو المستعد كأنه أخذ حذره،و معنى قوله:مائل أى ما زال من قولهم ثللت الحائط إذا هدمته،و يقال للقوم إذا اذهب عزهم قد ثل عرشهم،ثم قال«فارهين ذاع»أى قرأه بالمد من قرأ حاذرون،و زاد معهم هشام يريد- وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ -و قيل أيضا فارهين و فرهين سواء،و قيل فارهين حاذقين،و فرهين أشرين أو كيسين أو فرحين.ثم قال و خلق اضمم يريد-إن هذا إلاّ خلق الأولين- اضمم خاءه و حرك به.أى حرك اللام بالضم،و انما احتاج إلى قوله به،لأن مطلق التحريك هو الفتح، فيصير خلق أى إن هذا إلا عادة الأولين يشيرون إلى الحياة و الموت،أو إلى دينهم،أو إلى ما جاء به.كما قالوا عنه-أساطير الأولين-و خلق بفتح الخاء و سكون اللام بمعنى كذب الأولين،أو يكون إشارة إلى خلقهم.أى ما نحن إلا كالأولين فى الحياة و الموت،ثم رمز لمن ضم الخاء و اللام.فقال العلا كما فى ند فى البيت الآتى،فالعلا مبتدأ و ما يعده الخبر.أى ذو العلا كالذى فى مكان ند،أو كالذى فى كرم،أو أراد أنه خبر مبتدأ محذوف، ذاك هو العلا و اللّه أعلم.

928-[(ك)ما(ف)ى(ن)د و الايكة اللاّم ساكن

مع الهمز و اخفضه و فى صاد(غ)يطلا]

يريد- أَصْحابُ الْأَيْكَةِ -هنا،و فى صاد،قرأهما الحرميان،و ابن عامر-ليكة-بفتح اللام من غير همز:

و فتح التاء.و أجمعوا على الذى فى الحجر،و الذى فى قاف أنها الأيكة بإسكان اللام،و بعده همزة و بخفض التاء،و إنما خص ما فى الشعراء،و ص بتلك القراءة.لأن صورته فى الرسم كذلك و اختارها أبو عبيد،و ضعفها علماء العربية.قال أبو عبيد:لا أحب مفارقة الخط فى شيء من القرآن إلا ما تخرج من كلام العرب،و هما ليس بخارج من كلامها مع صحة المعنى فى هذه الحروف،و ذاك أنا وجدنا فى بعض التفسير الفرق بين الأيكة، و ليكة فقيل:ليكة هى اسم القرية التى كانوا فيها،و الأيكة البلاد كلها،فصار الفرق فيما بينهما شبيها بفرق ما بين بكة، و مكة،و رأيتهن مع هذا فى الذى يقال له الإمام مصحف عثمان مفترقات،فوجدت التى فى الحجر،و التى فى ق الايكة،و وجدت التى فى الشعراء و التى فى صاد ليكة،ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار كلها بعد، فلا نعلمها إذا اختلفت فيها،و قرأها أهل المدينة على هذا اللفظ الذى قصصنا،يعنى بغير ألف و لام،و لا إجراء، هذه عبارته،و ليست سديدة.فإن اللام موجودة فى ليكة،و صوابه بغير ألف و همزة،قال:فأى حجة تلتمس أكثر من هذا،فبهذه نقرأ على ما وجدناه مخطوطا بين اللوحين.

قال أبو العباس المبرد فى كتاب الخط:كتبوا فى بعض المواضع-كذّب أصحاب ليكة المرسلين-بغير ألف، لأن الألف تذهب فى الوصل،و لذلك غلط القارئ بالفتح فتوهم أن-ليكة-اسم شيء،و أن اللام أصل.

ص: 621

فقرأ أصحاب ليكة المرسلين قال الفراء:نرى و اللّه أعلم أنها كتبت فى هذين الموضعين على ترك الهمزة، فسقطت الألف لتحريك اللام.قال مكى:تعقب ابن قتيبة على أبى عبيد فاختار الأيكة بالألف و الهمزة.

و الخفض و قال:إنما كتبت بغير ألف على تخفيف الهمزة.قال:و قد أجمع الناس على ذلك،يعنى فى الحجر، و ق.فوجب أن يلحق ما فى الشعراء،و ص بما أجمع عليه،فما أجمعوا عليه شاهد لما اختلفوا فيه قال الزجاج:

القراءة بجر ليكة،و أنت تريد الأيكة أجود من أن تجعلها ليكة،و تفتحها لأنها لا تنصرف.لأن-ليكة- لا تعرف و إنما هو أيكة للواحد،و أيك للجمع:مثل أجمة و أجم،و الأيكة:الشجر الملتف،فأجود القراءات فيها الكسر و إسقاط الهمز لموافقة المصحف،و لا أعلمه إلا قد قرئ به،قال النحاس:أجمع القراء على خفض التى فى الحجر،و التى فى سورة ق،فيجب أن يرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه، إذا كان المعنى واحدا.فأما ما حكاه أبو عبيد من أن-ليكة-اسم القرية التى كانوا فيها،و أن الأيكة اسم البلد كله،فشيء لا يثبت و لا يعرف من قاله،و لو عرف من قاله لكان فيه نظر.لأن أهل العلم جميعا من أهل التفسير،و العلم بكلام العرب على خلافه،لا نعلم بين اللغة اختلافا أن الأيكة الشجر الملتف،فما احتجاج بعض من احتج لقراءة من قرأ فى هذين الموضعين بالفتح أنه فى السواد-ليكة-فلا حجة له فيه.و القول فيه أن أصله الأيكة،ثم خففت الهمزة فألقيت حركتها على اللام فسقطت،فاستغنت عن ألف الوصل.لأن اللام قد تحركت،فلا يجوز على هذا إلا الخفض كما تقول:«مررت بالأحمر»على تحقيق الهمزة،ثم تخففها فتقول:بلحمر فإن شئت كتبته فى الخط على ما كتبته أولا،و أن شئت كتبته بالحذف،و لم يجز إلا الخفض، فكذلك لا يجوز فى الأيكة إلا الخفض:قال سيبويه:و اعلم أن كل ما لا ينصرف إذا أدخلته الألف و اللام، أو أضفته انصرف.قال:و لا نعلم أحدا خالف سيبويه فى هذا.و قال أبو على:قول من قال ليكة ففتح التاء مشكل،لأنه فتح مع لحاق اللام الكلمة،و هذا فى الامتناع كقول من قال:مررت بلحمر،فيفتح الآخر مع لحاق لام المعرفة الكلمة.و قال:إنما كتبت-ليكة-على تخفيف الهمز و الفتح،لا يصح فى العربية لأنه فتح حرف الإعراب فى موضع الجر مع لام المعرفة،فهو على قياس من قال:مررت بلحمر قال:و يبعد أن يفتح نافع ذلك مع ما قاله ورش.

قلت:يعنى أن ورشا مذهبه عنه نقل الحركة.و قد فعل ذلك فى الحجر،و ق مع الخفض،فكذا فى الشعراء،و ص.و قال الزمخشرى:قرئ أصحاب الأيكة بالهمز و تخفيفها،و بالجر على الإضافة،و هو الوجه و من قرأ بالنصب و زعم أن-ليكة-بوزن ليلة اسم بلد فوهم قاد إليه خط المصحف،و إنما كتبت على حكم لفظ اللافظ كما تكتب أصحاب النحو لأن و لولى على هذه الصورة لبيان لفظ المخفف،و قد كتب فى سائر القرآن على الأصل،و القصة واحدة على أن ليكة اسم لا يعرف،و روى:أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف،و كان شجرهم الدوم،قلت،يعنى فهذا اللفظ مطابق لحالهم،و أما لفظ ليكة على أن تكون اللام فاء الكلمة،و هى مركبة من لام و ياء و كاف،فهذا شيء غير موجود فى لسان العرب،بل هذا التركيب مما أهملته فلم يتلفظ به،فهو مشبه بالحاء و الدال المعجمتين مع الجيم،فإنه مما نص عليه أهل اللغة أنه أهمل فلم تنطق به العرب،و لكن لا وجه لهذه القراءة غير ذلك قال الزجاج:أهل المدينة يفتحون على ما جاء فى التفسير أن اسم المدينة التى كان فيها شعيب ليكة:قال ابن القشيرى:قال أبو على:لو صح هذا فلم أجمع القراء على الهمز فى قوله-و إن كان أصحاب الأيكة-فى سورة الحجر،و الأيكة التى ذكرت

ص: 622

هاهنا،هى التى ذكرت هناك؟و قد قال ابن عباس:الأيكة الغيضة و لم يعبرها بالمدينة و البلد،قال:و هذا الاعتراض مردود إذا ثبتت هذه القراءة،و لا يبعد أن تسمى بقعة ليكة ثم يعبر عن ذلك البقعة بالغيضة، و الأيكة لكثرة أشجارها،و قال الخليل:الأيكة غيضة تنبت السدر و الأراك و نحوهما من ناعم الشجر، و قيل الأيك شجر الدوم،و هو المقل،و هو أكثر شجر مدين و قيل بعث شعيب إلى مدين،و الأيكة و هما قريتان.قال صاحب الصحاح:من قرأ أصحاب الأيكة فهى الغيضة و من قرأ-ليكة-فهى اسم القرية و يقال هما مثل بكة و مكة.

قلت إنما قال ذلك تقليدا لما ذكره أبو عبيد،و إلا فلم يذكر فى حرف الكاف فصلا للام،و لا ذكره غيره فيما علمت،و قول الناظم:«غيطلا»منصوب على الحال من مفعول أخفضه أى مفسرا بذلك،لأن الغيطل جمع غيطلة و هى الشجر الكبير،و جعله الشيخ حالا من الفاعل،فقال اخفضه مفسرا أو متأولا ذلك بالغيطل.أى أنك فى القراءة الأخرى إنما تتأوله بالبقعة،فقد صار للأيكة حالان،حال هو فيها بقعة،و حال هو فيها غيطلة،فافعل ذلك به غيطلا.

929-[و فى نزّل التّخفيف و الرّوح و الأمي

ين رفعهما(ع)لوّ(سما)و تبجّلا]

يريد نزل به الروح الأمين فمع التخفيف رفع الروح،لأنه فاعل:و الأمين صفته،و مع التشديد نصبهما على المفعولية،و يناسب التشديد ما قبله من قوله:و إنه لتنزيل رب العالمين و علو:بضم العين و كسرها نقيض السفل بضم السين و كسرها.

930-[و أنث يكن لليحصبى و ارفع آية

و فا فتوكّل واو(ظ)مئانه(ح)لا]

يريد أو لم يكن لهم آية قرأ الجماعة بتذكير يكن،و نصب آية على أنها خبر كان،و اسمها أن يعلمه علماء بنى إسرائيل أى أو لم يكن علم العلماء آية لهم على صدقك،و على قراءة ابن عامر قال الزمخشرى:

جعلت آية اسما،و أن يعلمه خبرا.قال:و ليست كالأولى لوقوع النكرة اسما،و المعرفة خبرا.

و قد خرج لها وجه آخر ليتخلص من ذلك،فقيل:فى يكن ضمير القصة،و آية أن بعلمه جملة واقعة موقع الخبر.

قال:و يجوز على هذا أن يكون لهم آية هى جملة لشان و أن يعلمه بدل عن آية،و يجوز مع نصب الآية تأنيث يكن كقوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا قلت:و لكن لم يقرأ به.و أما فتوكل على العزيز الرحيم فرسم بالفاء فى المدنى،و الشامى،و بالواو فى غيرهما،قال أبو على:الوجهان حسنان،قال الشيخ:

الواو عطف جملة على جملة،و الفاء على أنه كالجزاء لما قبله،و قال الزمخشرى:له محملان فى العطف،أن يعطف على فقل.أو فلا تدع[قلت لا حاجة إلى جعلها عاطفة بل لها حكم قوله،فلا تدع، فإن عصوك فهى فى الجميع تفيد استئناف أمر غير ما تقدم،و الهاء فى قول الناظم:ظمئانه تعود إلى الفاء، لأن الفاء لما جعلت الواو مكانها هنا،ظمئ المكان إليها فقال:الواو أيضا خلت هنا و اللّه أعلم،

ص: 623

931-[و يا خمس أجرى مع عبادى و لى معى

معا مع أبى إنّى معا ربّى انجلا]

أضاف لفظ«يا»إلى«خمس»،و قصره ضرورة كما قصر لفظ«فا»فى البيت السابق فى قوله«و فا فتوكل» يريد إن أجرى إلا فى خمسة مواضع فى قصة نوح،و هود،و صالح؛و لوط،و شعيب،عليهم السلام فتحهن نافع،و أبو عمرو،و ابن عامر،و حفص،و أراد بعبادى إنكم متبعون فتحها نافع وحده معى ربى سيهدين فتحها حفص وحده،و من معى من المؤمنين فتحها حفص و ورش عدو لى إلا اغفر لأبى إنه فتحهما نافع و أبو عمرو«إنى أخاف»موضعان فى قصة موسى،و هو عليهما السلام ربى أعلم فى قصة شعيب عليه السلام،فتح الثلاث:الحرميان،و أبو عمرو،فتلك ثلاث عشرة ياء إضافة.

ص: 624

سورة النمل

932-[شهاب بنون(ث)ق و قل يأتينّنى

(د)نا مكث افتح ضمّة الكاف(ن)وفلا]

أراد بشهاب قبس و قوله بنون:أى بزيادة تنوين للكوفيين،فيكون قبس صفة لشهاب:أى مقبوس، يقال:قبست نارا،و قيل هو بدل،و من أضاف فهو من باب ثوب خز،لأن القبس الشعلة من النار،و كذلك الشهاب،لكن الشهاب يطلق أيضا على الكوكب،و على كل أبيض ذى نور،فأضيف للبيان.و حكى أبو على عن أبى الحسن أن الإضافة أكثر و أجود فى القراءة،كما تقول دار آجر،و سوار ذهب،قال:و لو قلت سوار ذهب و دار آجر لكان عربيا إلا أن الأكثر فى كلام العرب الإضافة،ثم قال:و قل يأتيننى دنا، أى بزيادة نون أيضا،فاستغنى بقيد شهاب عن تقييده،كما استغنى فى التخفيف و التثقيل بقيد المسألة الأولى عن الثانية،نحو سكرت فاسعرت عن أولى ملاد،و فى اللفظ ما ينبئ عن ذلك،فهو فيهما من باب الإثبات و الحذف، -أراد أو ليأتينى بسلطان مبين-زاده ابن كثير نونا و هى نون الوقاية،و قبلها نون التأكيد الشديدة،و قراءة الجماعة إما على إسقاط نون الوقاية أو على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ثم أدغمت فى نون الوقاية،و أما مكث ففتح الكاف منه و ضمها لغتان و يقوى الفتح أنكم ماكثون ماكثين فيه أبدا و نوفلا حال من فاعل افتح و قد تقدم.

933-[معا سبأ افتح دون نون(ح)مى(ه)دى

و سكّنه و انو الوقف(ز)هرا و مندلا)

يريد- وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ -:

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ 1) .

فهذا معنى قوله«معا»أى هنا و فى سورة سبأ افتح الهمز من لفظ سبأ دون نون،أى من غير تنوين،لأنه لا ينصرف و حمى هدى حال،و قراءة الباقين بالصرف،كسروا الهمزة و نونوا،و هما لغتان فى لفظ سبأ و ثمود الصرف و تركه،نص سيبويه و غيره عليهما،بناء على أنه يقصد بهما الحى أو القبيلة،و حسن لفظ الصرف هنا ليناسب الكلمة التى بعده،و هى قوله«بنبإ»فهو أولى من صرف سلاسلا و قواريرا للتناسب على ما يأتى فى موضعه،و روى قنبل إسكان الهمزة،و قرأ به ابن مجاهد عليه،و قال:هو وهم،و بين الناظم علته بقوله و انو الوقف،أى تكون واصلا بنية الوقف،و هذا باب لو فتح لذهب الإعراب من كلام العرب،و استوى الوقف و الوصل،و لكن يقع مثل هذا نادرا فى ضرورة الشعر،قال مكى:الإسكان فى الوصل بعيد غير مختار و لا قوى،و قوله:زهرا و مندلا حمالان من فاعل سكنه أو مفعوله،اى ذا زهر و مندل أى ذا طيب بمعنى طيبا،أى خذه بقبول غير متكره له:

********

(1) سورة سبأ،آية:15.

ص: 625

934-[ألا يسجدوا راو وقف مبتلى ألا

و يا و اسجدوا و ابدأه بالضّمّ موصلا]

أى قراءة الكسائى بتخفيف«ألا»جعله حرف تنبيه نحو:

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ - أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ 12) .

و تقدير البيت ألا يسجدوا،قراءة راو فيكون يسجدوا بعده كلمتين تقريرهما يا اسجدوا بحرف النداء، و فعل الأمر،و المنادى محذوف أى يا قوم اسجدوا،و هذه لغة فصيحة مشهورة كثيرة،و منها قول الشماخ:

ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال

أى يا أصحابي اسقياني إلا أنه لم يكتب فى المصحف إلا على هذه الصورة،بحذف ألا يا،و حذف ألف الوصل من اسجدوا،و حذف الألف من«يا»مطرد فى رسم المصاحف،نحو ينوح يقوم فى يا نوح يا قوم،و حذفت ألف الوصل أيضا فى نحو بسم اللّه فلما اجتمعا فى هذه الكلمة حذفا،و نظيرها فى الرسم-يبنؤم-فى يا ابن أم،حذفت الألف من يا و ألف الوصل من ابن،فحصل من هذا أن الرسم احتمل ما قرأه الكسائى و ما قرأ به غيره،و اختار أبو عبيد قراءة الجماعة،و قال:لأنها فى بعض التفاسير:و زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا، قال:و من قرأها بالتخفيف جعلها أمرا مستأنفا بمعنى:ألا يا أيها اسجدوا،و هذا وجه حسن إلا أنّ فيه انقطاع الجزء الذى كان من أمر ملكة سبأ و قومها،ثم رجع بعد إلى ذكرهم،و القراءة الأولى خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع فيه،قال أبو على:و هذا هو الوجه،و لتجرى القصة على سننها،و لا يفصل بين بعضها و بعض بما ليس منها،و إن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع،لأنه يجرى مجرى الاعتراض،و ما يساد القصة و كأنه لما قيل-و زين لهم الشيطان أعمالهم-الآية قد دل هذا الكلام على أنهم لا يسجدون للّه تعالى و لا يتدينون بدين،فقال:ألا يا قوم،أو يا مسلمون اسجدوا للّه الذى يخرج الخبء فى السموات و الأرض خلافا عليهم، و حمدا للّه مكان ما هداهم لتوحيده،فلم يكونوا مثلهم فى الطغيان و الكفر،قال الفراء:قرأها أبو عبد الرحمن السلمى و الحسن و حميد الأعرج مخففة،على معنى ألا يا هؤلاء اسجدوا.فيضمر هؤلاء و يكتفى بقوله«ا»و سمع بعض العرب يقول ألا يا ارحمونا ألا يا تصدّقوا علينا،و حدثنى الكسائى أن عيسى الهمدانى قال:ما كنت أسمع الشيخة يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر،و هى فى قراءة عبد اللّه هلا تسجدوا بالتاء.فهذه حجة لمن خفف،لأن قولك ألا تقوم بمنزلة قولك قم،و فى قراءة أبى ألا يسجدون للّه الذى يعلم سركم و ما تعلنون، قال:و هو وجه الكلام،لأنها سجدة،و من قرأ أن لا يسجدوا،فشدد فلا ينبغى لها أن تكون سجدة لأن المعنى زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا،و قول الناظم:وقف مبتلا ألا يا،أورد أن يبين هذه الكلمات المتصلة لينفصل بعضها من بعض لفظا،كما هى منفصلة تقديرا،فقال:إذا ابتليت بالوقف أى اختبرت و سئلت عن ذلك على وجه الامتحان،أو أراد بالابتلاء الاضطرار.أى إذا اضطررت إلى ذلك لانقطاع نفس أو نسيان، فلك أن تقف على«ألا»لأنه عرف مستقل لا اتصال له بما بعده،بخلافها إذا شددت فى قراءة الجماعة على ما يأتى، و لك أن تقف على«يا»لأنها حرف النداء و المنادى بها محذوف،فهذا موضع الاختبار،لأن الياء متصلة بالفعل

********

(1) سورة يوسف،آية:62.

(2) سورة هود،آية:5.

ص: 626

لفظا و خطا،و أما الوقف على«ألا»فلا يحتاج إلى الاختبار إذ لا يخفى أنه كلمة،و كذا الوقف على اسجدوا،بل الوقف عليهما من باب الاضطرار لا الاختبار،فلما كان قوله مبتلا يحتمل الأمرين ذكر موجبهما على كل واحد من التقديرين،و نصب مبتلا على الحال،و كذا ما بعده،لأن التقدير قائلا:ألا،و يا،و اسجدوا،ثم قال:

و ابدأه بالضم،أى ابدأ اسجدوا بضم همزة الوصل،لأنه فعل أمر من المضارع المضموم الوسط،كاخرج و ادخل،فكما تضم الهمزة إذا ابتدأت-ادخلوا مصر-كذلك تضم فى-اسجدوا-إذا ابتدأت بها.و غير الناظم من المصنفين لا يذكرون الوقف إلا على ألا يا،لأنه موضع الاختبار،و فى شرح الغاية لابن مهران:

روى عن الكسائى أنه وقف ألا يا و ابتدأ اسجدوا،قال:فإن صح ذلك فعلى طريق إظهار الأصل،لا على طريق الاختبار فى الوقف،كأنه قيل له فعلا أثبت النون كما فى-أ لا يتقون-أ لا تقاتلون-أ لا تجدون، فأخبرهم بأصل الكلمة،و قوله موصلا:حال من أوصلته أى بلغته،أى مبلغا علم ذلك إلى من لا يعرفه، و ذكر الشيخ فيه وجهين:أحدهما أن معنى موصلا ناطقا بهمزة الوصل،و الثانى فى حال وصلك أى إنه ليس بابتداء تستمر عليه إنما أنت تبتدى للضم للاختبار ثم تصله بما قبله تاليا،قلت فهى على هذا المعنى حال مقدرة إلا أن فى استعمال موصلا بهذا المعنى نظرا و قد سبق التنبيه عليه فى باب الهمزتين من كلمة،و فى سورة البقرة لأنه بمعنى واصلا ثم

935-[أراد لا يا هؤلاء اسجدوا وقف

له قبله و الغير أدرج مبدلا]

أى أراد الكسائى هذا التقدير و قد سبق شرحه،ثم قال:وقف له أى للكسائى قبله،أى قبل ألا يسجدوا -أى يجوز لك الوقف على-فهم لا يهتدون-إذ لا تعلق لما بعده به،ثم قال و الغير أدرج أى غير الكسائى أدرج يهتدون مع ألا يسجدوا و لم يقف قبله و جعله بدلا من أعمالهم أو من السبيل على زيادة«لا»فقوله مبدلا بفتح الدل مفعول أدرج،أى أدرج لفظا مبدلا أو حال من المفعول،أى أدرجه فى حال كونه مبدلا مما قبله،ثم ذكر وجها آخر فقال:

936-[و قد قيل مفعولا و إن أدغموا بلا

و لبس بمقطوع فقف يسجدوا و لا]

أى أدرج مفعولا.و فى نصب مفعول الوجهان المقدمان:إما مفعول به،و إما حال،أى أعرب-ألا يسجدوا- بأنه مفعول،و اختلفت فى ذلك فقيل:هو مفعول به أى فهم لا يهتدون أن يسجدوا،و لا زائدة و قيل:هو مفعول له أى زين لهم لئلا يسجدوا أو قصدهم لئلا يسجدوا،و هذا الوجه،و الأوّل الذى هو بدل من أعمالهم يكون فيه«لا»غير زائدة بخلاف البدل من السبيل و النصب بيهتدون،فهى فيهما زائدة،فلا يجوز فى قراءة الجماعة الوقف على يهتدون لأجل هذا التعلق على الوجوه الأربعة بخلاف قراءة الكسائى فلا تعلق لها بما قبلها و هذا كله يقال:إظهارا لمعانى الكلام و تعريفا بتعلق بعضه ببعض ليتدرب فيه الطالب و إلا فالمختار عندنا جواز الوقت على رءوس الآى مطلقة.

قال:و إن أدغموا بلا يعنى أن ألا أصلها أن«لا»فأدغمت النون فى اللام إدغاما واجبا لسكونها على ما عرف

ص: 627

فى باب النون الساكنة فمن ثم جاء التشديد.

ثم قال و ليس بمقطوع يعنى لم يفصل بين الحرفين فى الرسم فلم يكتب أن لا بل لم تكتب النون صورة أصلا بل كتبت على لفظ الادغام فلأجل ذلك احتمل الرسم قراءة الكسائى و قراءة الجماعة و هى أن الناصبة للفعل و لا بعدها للنفى أو زائدة على ما تقرر من المعانى.

ثم قال فقف يسجدوا يعنى أنه ليس لك أن تقف فى الابتلاء ثلاث وقفات كما ذكرنا للكسائى لأن تلك المواضع كل كلمة مستقلة بمقصودها لأن إلا أفادت الاستفتاح و«يا»مع المنادى المحذوف أفادت الندا.

ثم قال اسجدوا و هو أمر تام و هاهنا إن وقفت على ألا كنت قد وقفت على أن الناصبة دون منصوبها فلا يتم الكلام الا بقوله يسجدوا و هاهنا إشكالان:

الأول أن ظاهر قوله أن لا وقف للجماعة إلا على يسجدوا فإن أراد وقف الاختيار فذاك فى آخر لآية،و إن أراد وقف الاضطرار جاز على«ألا»و هذا هو المنقول قد صرح به جماعة من المصنفين.

قال ابن الأنبارى من قرأ بالتثقيل وقف على ألا،و ابتدأ يسجدوا،و هو ظاهر كلام صاحب التيسير فإنه قال الكسائى ألا يسجدوا بتخفيف اللام و يقف ألايا،و يبتدئ اسجدوا على الأمر أى ألا يا أيها الناس اسجدوا، و الباقون يشددون اللام لاندغام النون فيها و يقفون على الكلمة بأسرها.

و قال شيخه أبو الحسن ابن غلبون:لا ينبغى أن يتعمد الوقف و الابتداء هاهنا.لأن الكلام مرتبط بعضه ببعض من حيت الندا و خطابه،فلا يفصل بعضه من بعض.

قال:و لا يجوز الوقف للباقين إلا على آخر الآية،و إن انقطع نفس القارئ لهم على«ألا»رجع الى أول الكلام،فإن لم يفعل ابتدأ يسجدوا بالياء مفتوحة قال الأهوازى:يقفون عليه ألا و يبتدئون يسجدوا كما فى الكتاب.

و قال صاحب الروضة:الوقف عليه قبيح فإن وقف واقف عليه مضطرا ابتدأ بيسجدوا كما يصل.

و قال ابن الفحام يبتدئ الياء معجمة الأسفل فى أوّل الفعل:

و جواب هذا الإشكال أن الناظم استغنى عن ذكر الوقف على ألا لظهور الأمر فيه فلم يكن لهم عنده إلا منع الوقوف،على أن من ألا،فمنع ذلك بقوله:و ليس بمقطوع ثم اهتم بمنع فصل الياء من يسجدوا،كما فعل الكسائى فقال:فقف يسجدوا و ضاق عليه البيت فلم يتمكن من التنصيص على التفاصيل كلها،و يجوز أن يكون الناظم ما أراد بقوله،و ليس بمقطوع.إلا أن هذا اللفظ متصل فى قراءة الجماعة الياء مع السين لأنها حرف المضارعة بخلافها فى قراءة الكسائى فإنها مفصولة منها تقديرا لأنها من حرف النداء لأمن الفعل.

الإشكال الثانى:لم كان حذف النون من أن فى الخط مانعا من الوقوف على هذه الكلمة للجماعة ورد النون فى الوقف.

فإن قلت لأنها لم ترسم فالألف من يا لم ترسم فى يسجدوا،و قد وقف الكسائى عليها و جوابه:أن النون من أن صارت لاما للادغام و الألف من يا حذفت و لم تتعوّض لفظا آخر فعادت فى الوقف.

فإن قلت:فقد حفص على اللام من:

ص: 628

(بل ران (1).

و هى اللفظ راء لإدغامها فى الراء،و كذا النون فى:

(مَنْ راقٍ 2) .

قلت سببه أن اللام و النون رسمتا،و لو رسمت هنا لفعل مثل ذلك،و اللّه أعلم:

و قول الناظم فى آخر البيت:«و لا»هو بفتح الواو أى ذا ولاء أى نصر،أى ناصرا للقراءة أن منصورا بها لوضوحها و عدم الكلفة فى تقديرها،لأن ما يضاف إلى المصدر يكون تارة فى المعنى فاعلا و تارة مفعولا،كما أن المصدر يضاف مرة إلى فاعله و تارة إلى مفعوله،

937-[و يخفون خاطب يعلنون(ع)لى(ر)ضا

تمدّوننى الإدغام(ف)از فثقّلا]

يريد-و يعلم ما يخفون و ما يعلنون-قرأهما الكسائى بالخطاب بناء على قراءته بالأمر بالسجود على من قص عليه حكايتهم،و قراءة حفص على ابتداء المخاطبة كما ابتدأها الكسائى فى ألا يا اسجدوا و قراءة الباقين بالغيب فيهما ظاهرة،و قوله«على رضا»أى كائنا على رضا من ناقليه له،و إن كان«علا»فعلا فرضى تمييز أو حال،أى علا رضاه أو على ذا رضى،و أما-أ تمدونن بمال-ففيه نونان فجاز الادغام كما فى أ تحاجوني و الإظهار الأصل و عليه الرسم قال أبو عبيد:إنما هو نونان فى كل المصاحف،و قوله الإدغام أى ذو الادغام فيه أى قارئه فاز فثقلا:

938-[مع السّوق ساقيها و سوق اهمزوا(ز)كا

و وجه بهمز بعده الواو وكّلا]

يريد- بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ -و- كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها :

(فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ 3) .

و سوق فى الموضعين جمع ساق فوجه الهمز فى الجميع إن الواحد مهموز،و إن لم يكن الواحد مهموزا فوجهه إن كان على وزن فعل ضمة الواو،كما قالوا-أقّتت-فى وقتت ثم أسكن تخفيفا،و إن كان على وزن فعل فوجهه مجاورة الضمة للواو كما تقدم فى عادا له لى و أما الهمز فى المفرد فقيل هو لغة كهمز رأس و كأس،و قيل أجرى على الجمع تابعا له،و قيل:من العرب من يقلب حرف المدّ همزة كما يقلب الهمزة حرف المدّ و من ذلك همز العجاج و العالم و الخاتم،و منه همز-يأجوج و مأجوج-كما سبق،فاعلم أن وجه همز الجمع أقوى من همز المفرد،قال أبو على أما الهمز فى ساق فلا وجه له،و أما على سوقه و بالسوق فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان كان قبلها ضمة قد جاء فى كلامهم،و إن لم يكن بالفاء شىء زعم أبو عثمان أن أبا الحسن أخبره:قال أبو حية النميرى:بهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة و ينشد:

لحب المؤقدان إلى مؤسى

قال ابن مجاهد همز ابن كثير وحده-و كشفت عن ساقيها-فى رواية أبى الإخريط،و لم يهمز غيره، و كذلك بالسوق و سوقه و هكذا قرأت على قنبل عن النبال و حدثنى مضر بن محمد عن ابن أبى بزة قال:كان:

********

(1) سورة المطففين،آية:14.

(2) سورة القيامة،آية:27.

(3) سورة الفتح،آية:29.

ص: 629

وهب بن واضح يهمز ذلك،و أنا لا أهمز من ذلك شيئا،و كذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا،قال:و لم يهمز أحد-يوم يكشف عن ساق-و لا وجه للهمز فى ذلك و الصواب بلا همز،ثم زاد الناظم ذكر وجه ليس فى التيسير يختص بالجمع و هو بواو بعد همز سئوق على وزن فعول و يهمز الواو الأولى لانضمامها فى نفسها، قال ابن مجاهد:و قال علىّ ابن نصر عن أبى عمرو سمعت ابن كثير يقرأ بالسئوق بواو بعد الهمز قال أبو بكر رواية أبى عمرو عن ابن كثير هذه هى الصواب من قبل أن الواو انضمت فهمزت لانضمامها،و الأول لا وجه له لم يذكر ابن مجاهد هذا الوجه الا فى حرف ص و لم ينقله فى حرف الفتح و نقله صاحب الروضة فى ص على وجه آخر فقال:روى بكار عن ابن مجاهد عن قنبل بالسؤق بضم الهمزة و روى نظيف عن قنبل بهمزة ساكنة،و كذا قال ابن الفحام رواه الفارسى عن ابن مجاهد من طريق ابن بكار عن قنبل بهمزة مضمومة،و قال ابن رضوان فى كتاب الموضح:

روى بكار عن ابن مجاهد ضم الهمز و إثبات واو بعدها من قوله تعالى-بالسوق-فيصير اللفظ فيها مثل بالسعوق و كذا قال صاحب«الشمس المنيرة»و الشيخ أبو محمد:و قالا فى قوله بالسوق خاصة يعنى فى ص دون التى فى الفتح،و أظن من عبر بهمزة مضمومة و لم يذكر الواو أراد مع الواو،لأن مرجع الجميع إلى نقل ابن مجاهد و ابن مجاهد صرح فى كتاب«السبعة»له فى سورة ص بأنه بواو بعد الهمزة و لم يخصص الناظم بهذا الوجه حرف ص و لكن لم أر من ذكره فى حرف الفتح و اللّه أعلم و لا بعد فى ذلك فإنه قد خصص ساقيها بالهمز دون.

(وَ الْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ (1) -و يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ 2) .

و أما قراءة لجماعة من غير همز فواضحة لأن وزن ساق فعل بفتح العين،فجمع على فعل بإسكانها كأسد و أسد.

939-[نقولنّ فاضمم رابعا و نبيّتن

نه و معا فى النّون خاطب(ش)مردلا]

أراد قالوا تقاسموا باللّه لنبيتنه و أهله ثم لنقولن فالنون عبارة عنهم و التاء خطاب بعضهم لبعض،و قوله اضمم رابعا أى الحرف الرابع فى الكلمتين و هو اللام و التاء،و إنما وجب ضمه لأن كل واحد من الفعلين خطاب لجماعة و الأصل تقولون و تبيتون بضم اللام و التاء فلما لحقت الفعل نون التأكيد حذفت الواو لالتقاء الساكنين و مثله لتؤمنن به و لتنصرنه و على القراءة بالنون الفعلان لا واو فيهما لأنهما نقول و نبيت،فلما اتصلت بها دون التأكيد بنى أحدهما على الفتح نحو لنصدقن و لنخرجن معكم و الفاء فى فاضمم زائدة رابعا مفعول لا ضمم إن كان تقولن مبتدأ و إن كان تقولن مفعول اضمم فرابعا تمييز،لأنه تبيين لأى الحروف بضم أو بدل البعض نحو اضرب زيدا ظهرا أى اضرب ظهره و نبيتنه عطف على نقولن و معا حال فيهما أى و خاطب فيهما معا فى موضع النون أى ائت بتاء الخطاب عوضا من نون المتكلمين و حركتهما حركة النون فهى فى نقولن مفتوحة لأنه مضارع فعل ثلاثى و هو قال و فى نبيتنه مضمومة لأنه مضارع فعل رباعى و هو نبيت و شمرد لا حال من فاعل خاطب أو مفعول به أى خاطب من يسرع إلى إجابتك و يخف فى قضاء حاجتك و حصل فى ضمن ذلك المقصود من تقييد القراءة و التعريف بها و اللّه أعلم.

********

(1) سورة القيامة،آية:29.

(2) سورة القلم،آية:42.

ص: 630

940-[و مع فتح أنّ النّاس ما بعد مكرهم

لكوف و أمّا يشركون(ن)د(ح)لا]

يريد- أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ -و الذى بعد مكرهم- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّا دَمَّرْناهُمْ - أى و مع فتح هذا الذى بعد مكرهم أى فتحهما الكوفيون،أما أن الناس فعلى تقدير تكلمهم بأن الناس أى بهذا الكلام و الكسر حكاية قول الدابة،و يجوز أن يكون على القراءتين من كلام اللّه تعالى مستأنفا على الكسر و تعليلا على الفتح،أى لكونهم كانوا لا يوقنون بالآيات أخرجنا لهم هذه الآية العظيمة الهائلة تخاطبهم بأن هذا مؤمن و هذا كافر،و نحو ذلك،و أما كسر أنا دمرناهم فعلى الاستئناف و الفتح على تقدير لأنا،أو هو خبر كان أو بدل من عاقبة أو خبر مبتدإ أى هى أنا،و الخلاف فى أما يشركون بالغيب و الخطاب ظاهر و الرمز لقراءة الغيب لأنه أطلقها كأنه قال و الغيب فيه ندحلو و اللّه أعلم.

941-[و شدّد وصل و امدد بل ادّارك(ا)لّذى

(ذ)كا قبله يذّكّرون(ل)ه(ح)لا]

أى شدد الدال وصل الهمزة أى اجعلها همزة وصل و امدد بعد الدال ثم لفظ بالقراءة التى قيدها فالقراءة الأخرى بقطع الهمزة،و قد سبق أن همزة القطع فى الماضى لا تكون إلا مفتوحة و بتخفيف الدال،و هو هنا سكونها،و لا يلزم من التخفيف السكون و لكن لظهوره تسامح بعدم ذكره و بترك المد،فيبقى أرك مثل أدغم، و لو أنه لفظ بالقراءتين كان أسهل،فيقول و بل أدرك اجعله بل ادارك الذى و معنى أدرك بلغ و انتهى،و هى قراءة ابن كثير و أبى عمرو و قراءة الباقين أصلها تدارك أى تتابع فأدغمت التاء فى الدال فاحتيج إلى همزة الوصل، لأن الأوّل صار ساكنا و مثله-اثاقلتم-اطيرنا بك و حكم همزة الوصل كسرها فى الابتداء بها و حذفها فى الوصل فتكسر اللام من«بل»لالتقاء الساكنين و لام بل ساكنة فى قراءة أدرك إذ لم يلقها ساكن،و فى هذه الكلمة أيضا عشر قراءات غير هاتين القراءتين،ذكرها أبو القاسم الزمخشرى فى تفسيره ثم قال قبله يذكرون أى قبل-بل ادارك-قليلا ما يذكرون-قرأه بالغيب أبو عمرو و هشام و فهم ذلك من الإطلاق و الباقون بالخطاب و وجههما ظاهر،و اللّه أعلم.

942-[بهادى معا تهدى(ف)شا العمى ناصبا

و باليا لكلّ قف و فى الرّوم(ش)مللا]

يريد- وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ -هنا و فى آخر الروم يقرؤه حمزة-تهدى-فيلزم نصب العمى لأنه مفعوله و هو مجرور فى قراءة غيره لأنه مضاف إليه و تقدير البيت فشا تهدى فى موضع بهادى فى حال كونه ناصبا للعمى و القراءتان ظاهرتان.

و قال الشيخ صاحب الحال:فشا لأنه يريد به حمزة،ثم قال:و بالياء لكل قف،أى فى حرف النمل سواء فى ذلك من قرأ بهادى و من قرأ تهدى لأنها رسمت بالياء.

ثم قال:و فى الروم شمللا،أى و وقف بالياء فى حرف الروم حمزة و الكسائى على الأصل و حذفها الباقون لأنها لم ترسم و هذا الموضع مما يشكل على المبتدى فيظن أن الوقوف بالياء فى الموضعين للكل و أن قوله و فى الروم

ص: 631

شملل،أى قرأ الكسائى و حمزة فى الروم بما قرأ به حمزة وحده فى النمل،و هو-تهدى العمى-و ليس كذلك، لقوله فى أول البيت«معا»قال ابن مجاهد كتب بهادى العمى بياء فى هذه السورة على الوقف و كتب الذى فى الروم بغير ياء على الوصل،و قال خلف كان الكسائى يقف عليهما بالياء.

و قال مكى:هذا الحرف فى المصاحف بالياء و الذى فى الروم بغير ياء و وقف عليهما حمزة و الكسائى بالياء و هو مذهب شيخنا يعنى أبا الطيب ابن غلبون،قال:و قد روى عن الكسائى أنه وقف عليهما بغير ياء، و وقف الباقون هاهنا بالياء،و فى الروم بغير ياء اتباعا للمصحف،و لا ينبغى أن يتعمد الوقف عليهما لأنه ليس بتمام و لا قطع كاف لا سيما الذى فى الروم لأنه كتب بغير ياء على نية الوصل،فإن وقفت بياء خالفت السواد و إنما ذكرنا مذاهب القراء فى الوقف عند الضرورة،فأما على الاختيار فلا،و كذلك ما شابه هذا فاعلمه.

943-[و آتوه فاقصر و افتح الضّمّ(ع)لمه

فشا تفعلون الغيب(حقّ ل)ه و لا]

يريد- وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ -هو بالمد جمع آت مضاف إلى الهاء كما فى سورة مريم.

(وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً 1) .

و هو كقولك عابدوه و داعوه و أتوه بالقصر و فتح التاء فعل و فاعل و مفعول،نحو رموه و قضوه و الغيب و الخطاب فى بما يفعلون ظاهران.

944-[و مالى و أوزعنى و إنّى كلاهما

ليبلونى الياءات فى قول من بلا]

الياءات خبر قوله«و ما لى»و ما بعده أى هذه ياءات الإضافة التى فى هذه السورة و لا بمعنى اختبر،أى قل ذلك فى جواب من اختبرك و سألك عنها فالقول مصدر أضيف إلى المقول له،و هو المفعول و المصدر كما يضاف إلى فاعله يضاف إلى مفعوله،و يجوز أن يكون مضافه إلى الفاعل،أى عرفت هذا من يريد أن يختبر غيره بها،و هى خمس ياءات-ما لى لا أرى الهدهد-فتحها ابن كثير و عاصم و الكسائى و هشام-أوزعنى أن أشكر-فتحها ورش و البزى-إنى آنست فتحها الحرميان و أبو عمرو-إنى ألقى ليبلونى أ أشكر-فتحهما نافع وحده،و فيها زائدتان-أ تمدونن بمال-أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو،و فى الحالين ابن كثير و حمزة،و قد سبق أن حمزة يدغم النون الأولى فى الثانية،-فما آتانى اللّه-أثبتها مفتوحة فى الوصل ساكنة فى الوقف قالون و حفص و أبو عمرو،بخلاف عنهم فى الوقف،و فتحها فى الوصل و حذفها فى الوقف ورش و قلت فى ذلك:

و فيها فما آتانى اللّه قبله تمدوننى زيدا فلا تك مغفلا

********

(1) آية:95.

ص: 632

سورة القصص

945-[و فى نرى الفتحان مع ألف و يا

ئه و ثلاث رفعها بعد(ش)كلّا]

الفتحان فى الراء و الحرف الذى قبلها و الألف بعد الراء و الياء مكان النون،و هى الحرف الذى قبل الراء فيصير اللفظ و يرى و يلزم من ذلك رفع الكلم الثلاث التى بعدها على الفاعلية و هى-فرعون و هامان و جنودهما- و فى القراءة الأخرى الثلاث منصوبة على المفعولية،و يجوز فى و يائه الجر عطفا على ألف،و يجوز و ياؤه بالرفع عطفا على الفتحان،و معنى شكل صور و القراءة بالنون المضمومة و كسر الراء و فتح الياء توجد من تلفظ الناظم بها لا من ضد ما ذكره،و وجه القراءتين ظاهر.

946-[و حزنا بضمّ مع سكون(ش)فا و يص

در اضمم و كسر الضّمّ(ظ)اميه(أ)نهلا]

قيد فى حزنا ما لفظ به ليأخذ ضده للقراءة الأخرى،و ضد الضم و السكون معا الفتح فيهما،فالحزن و الحزن لغتان مثل العجم،و العجم و العرب و العرب،و البخل،و البخل قرئ بهما هاهنا فى قوله-ليكون لهم عدوّا و حزنا-و أجمعوا على الفتح فى- (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ 1) .

و فى (وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً 2) .

-و على الضم فى- (وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ 3) .

(إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ 4) .

و ادّعى بعضهم أن الضم يكون فى المرفوع و المحرور و الفتح فى الذى ظهر فيه النصب،و أما-حتى يصدر الرعاء فأراد ضم يائه و كسر داله،فيكون مضارع أصدر،و المفعول محذوف أى يصدر الرعاء مواشيهم،و يصدر بفتح الياء و ضم الدال من صدر و هو فعل لازم،و الصدر الانصراف،و أصدرت الماشية صرفتها و إنما يصدرونها بعد ريها،فلهذا قال«ظاميه أنهلا»و يعنى بالظامئ الذى ظمئت ماشيته،أى عطشت أو يكون إشارة إلى حال موسى عليه السّلام،فإنه كان حينئذ ظمئان ذا تعب و جوع و قد سقى المواشى،و هو ظمئان منهل،أى ساق النهل و هو الشرب الأول.

********

(1) سورة فاطر،آية:34.

(2) سورة التوبة،آية:82.

(3) سورة يوسف،آية:84.

(4) سورة يوسف،آية:86.

ص: 633

947-[و جذوة اضمم(ف)زت و الفتح(ن)ل و(صح

بة ك)هف ضمّ الرّهب و اسكنه(ذ)بّلا]

جميع ما فى هذا البيت من القراءات لغات،و الأكثر على كسر الجيم،و ضمها حمزة و فتحها عاصم و أخذت قراءتهم من ضد الفتح و يقال أيضا جذية بالياء،و فى الجيم الحركات الثلاث،و قال أبو عبيد القطعة الغليظة من الخشب كأن فى طرفها نارا و لم تكن،و الرهب الخوف قرأه حفص بفتح الراء و إسكان الهاء،و أبو بكر و حمزة و الكسائى و ابن عامر بضم الراء و إسكان الهاء،و الباقون بفتحهما لأن الفتح ضد الضم و الإسكان المطلق و يجوز ضمهما لغة و وصل الناظم همزة و أسكنه ضرورة و ذلك جائز،أنشد أبو على:

إن لم أقاتل فألبسونى برقعا يابا المغيرة رب أمر مفصل

قال و هذا النحو فى الشعر غير ضيق،و ذبل جمع ذابل و هى الرماح،و نصبه على الحال أى ذا ذبل يشير إلى الحجج و الأدلة.و اللّه أعلم.

948-[يصدّقنى ارفع جزمه(ف)ى(ن)صوصه

و قل قال موسى و احذف الواو(د)خللا]

الجزم على جواب أرسله معى و الرفع على أنها جملة فى موضع الحال أى أرسله مصدقا،و إنما قال ارفع جزمه لأن الجزم ليس ضدا للرفع و إن كان الرفع ضدا للجزم و مثله ما سبق فى الفرقان.

يضاعف و يخلد رفع جزم و الواو من-و قال موسى ربى أعلم-محذوفة من المصحف المكى دون غيره فلهذا،أسقطها ابن كثير و أثبتها غيره؟و دخللا حال من قال موسى،أى هى بحذف الواو مداخل لما قبله و هو-قال رب إنى قتلت منهم نفسا-و لو قال الناظم موضع دخللا دم و لا أى ذا و لا لكان أولى لأنه لم يأت بواو فاصلة بين هذه المسألة و التى بعدها:و قد افتتح البيت الآتى بالرمز فى كلمتين،فالكلمة الأولى و هى «نما»مترددة بين أن تكون تابعة لما فى هذا البيت أو لما بعدها،بل نما نفر بجملته،يجوز أن يكون من تتمة رمز قال موسى،و يكون رمز يرجعون ما بعده و هو ثق الذى هو رمز سحران فيكون للكوفيين الحرفان كنظائر له سبقت،و اللّه أعلم.

949-[(ن)ما(نفر)بالضّمّ و الفتح يرجعو

ن سحران(ث)ق فى ساحران فتقبلا]

نما أى نقل،فالمعنى:نقل جماعة يرجعون بضم الياء و فتح الجيم على بناء الفعل للمفعول،و الباقون بفتح الياء و كسر الجيم على بناء الفعل للفاعل،و قد سبق نظيرهما يريد و ظنوا أنهم الينا لا يرجعون و قرأ الكوفيون-قالوا سحران تظاهرا-و الباقون ساحران يعنون موسى و هارون،و قيل و محمدا صلوات اللّه عليهم أجمعين،و سحران كذلك على حذف مضاف،أى كل واحد منهما ذو سحر و قيل:عنى بذلك التوراة و القرآن و نصب فتقبلا على جواب الأمر بقوله ثق،و اللّه أعلم.

950-[و يحبى خليط يعقلون(ح)فظته

و فى خسف الفتحين حفص تفخّلا]

ص: 634

الخلاف فى-يجبى إليه-بالتذكير و التأنيث ظاهر،لأن تأنيث الثمرات غير حقيقى،و معنى قوله خليط أى مألوف معروف ليس بغريب،أى تذكير يجبى خليط لم يؤنثه سوى نافع،و أما و ما عند اللّه خبر و أبقى أ فلا تعقلون فقرأه أبو عمرو وحده بالغيب و غيره بالخطاب و هما أيضا ظاهران،و أما-لخسف بنا فقرأه على بناء الفعل للفاعل حفص على معنى لخسف اللّه بنا و قرأ غيره على بناء الفعل للمفعول بضم الخاء و كسر السين و معنى تنخلا اختار حفص فى خسف الفتحين يعنى فتح الخاء و السين و لم يذكر قراءة الباقين و لا يؤخذ من الضد إلا كسر السين،و أما ضم الخاء فإن الضم ضد الجزم و نظير القراءتين هنا.

(اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ 1) .

فى المائدة و عبارته هناك جيدة و ضم استحق افتح لحفص و كسره و كأنه أشار هنا بالفتحين إلى قراءته هناك أو إلى قوله فى أوّل السورة و فى نرى الفتحان فإنهما فتحا ضم و كسر فكذا فى خسف،و اللّه أعلم.

951-[و عندى و ذو الثّنيا و إنّى أربع

لعلّى معا ربّى ثلاث معى اعتلا]

فيها اثنتا عشرة ياء إضافة عندى أو لم يعلم فتحها نافع و أبو عمرو و اختلف فيها عن ابن كثير-ستجدنى إن شاء اللّه-فتحها نافع وحده و هى التى عبر عنها بقوله و ذو الثنيا،أى و اللفظ المصاحب للثنيا و الثنيا الاسم من الاستثناء و إنما عبر عنها بذلك لأن بعدها إن شاء للّه،و هذا اللفظ يطلق عليه علماء الشريعة و غيرهم لفظ الاستثناء باعتبار أصل اللغة لأنها ثبت اللفظ المعلق بها عن القطع بوقوع موجبه و فى الحديث:«إذا حلف الرجل فقال إن شاء اللّه فقد استثنى»و قد تقدم فى باب ياءات الإضافة التعبير عنها بقوله و ما بعده إن شاء،و إنما لم ينص عليها بلفظها كما فعل فى أخواتها لأنها لفظة لا يمكن أن تدخل فى وزن الشعر أصلا لاجتماع خمس حركات فيها متوالية، ثم قال:و إنى أربع،أى أربع كلمات فتارة يؤنث هذه الألفاظ باعتبار الكلمات كقوله بعده ربى ثلاث، و تارة يذكر باعتبار اللفظ كقوله و ذو الثنيا،و ذلك على حسب ما يؤاتيه نظمه أراد-إنى آنست-إنى أنا اللّه رب العالمين-إنى أخاف أن يكذبون-فتح الثلاث الحرميان و أبو عمرو-و إنى أريد أن أنكحك-فتحها نافع وحده-لعلى آتيكم لعلى أطلع فتحهما الحرميان و أبو عمرو و ابن عامر-عسى ربى أن يهدينى-ربى أعلم بمن-ربى أعلم من فتح الثلاث الحرميان و أبو عمرو-فأرسله معى ردأ-فتحها حفص وحده،و قوله فى آخر البيت اعتلا.هو خبر و عندى و ما بعده أى اعتلا المذكور فى تبيين ياءات الإضافة فى هذه السورة،و كان الواجب على هذا التقدير نصب أربعا و ثلاثا على الحال،أى اعتلا هذا و ذا فى حال كونهما على هذا العدد،كما قال فى آخر سورة هود«و ياءاتها عنى و إنى ثمانيا،و إن جعل إنى أربع مبتدأ و خبر،و كذا ربى ثلاث.احتاج كل واحد من هذا الألفاظ إلى خبر فيترك الكلام،و يكثر الإضمار،فلا حاجة إلى ذلك،و فيها زائدة واحدة-يكذبون- قال سنشد:أثبتها فى الوصل ورش وحده،و قلت فى ذلك:

و واحدة فيها تزاد يكذبو ن قال و ما شيء إلى سبأ تلا

أى لم يبق شيء من الزوائد إلى سورة سبأ؛و تلا بمعنى تبع ما تقدم من ياءات الزوائد،و اللّه أعلم.

********

(1) آية:16.

ص: 635

سورة العنكبوت

952-[يروا(صحبة)خاطب و حرّك و مدّ فى الن

نشاءة(حقّا)و هو حيث تنزّلا]

أى تروا قراءة صحبة،فحذف المضاف للعلم به،ثم بين القراءة:ما هى،فقال خاطب أى بالخطاب،و لم و لو لم يبينها لما حملت إلا على ضد الخطاب و هو الغيب،لإطلاقه يريد- أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللّهُ الْخَلْقَ - وجه الخطاب أن قبله- وَ إِنْ تُكَذِّبُوا -و وجه الغيبة- فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ -،و النشأة بإسكان الشين و القصر على وزان الرأفة و الرحمة،و النشاءة بفتح الشين و المد على وزان الكآبة،كلاهما لغة،و قد حكى فتح همزة الرأفة و مدها أيضا،و لغة القصر أقوى،قال أبو عبيد:هى اللغة السائرة و القراءة المعروفة،قال أبو على:حكى أبو عبيد النشأة و لم يذكر الممدود،قال:و هو فى القياس كالرأفة و الرآفة و الكأبة و الكآبة،قال مكى:و هو مصدر من غير لفظ ينشى،و التقدير ثم اللّه ينشئ الأموات فينشئون النشأة الآخرة،و قوله و هو حيث تنزلا يعنى هنا و فى سورتى النجم و الواقعة و أن عليه النشأة:

(وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى 1) .

قال صاحب التيسير:و وقف حمزة على وجهين فى ذلك:أحدهما أن يلقى حركة الهمزة على الشين ثم يسقطها طردا للقياس،و الثانى أن يفتح الشين و يبدل الهمزة ألفا اتباعا للخط،قال:و مثله قد سمع من العرب و اللّه أعلم.

953-[مودّة المرفوع(ح)قّ(ر)واته

و نوّنه و انصب بينكم(عمّ ص)ندلا]

رفع«مودة»على أنها خبر«إن»إن كانت«ما»موصولة أى إن الذى اتخذتموه من دون اللّه أوثانا ذو مودّة بينكم،و إن كانت«ما»كافة فمودّة خبر مبتدأ محذوف،أى هى مودّة بينكم أو مبتدأ و الخبر فى الحياة الدنيا و من نصب مودّة فلا يكون ما فى إنما إلا كافة و نصبها على أنها مفعول من أجله،و يكون اتخذ على هذا الوجه و على قراءة الرفع متعديا إلى مفعول واحد نحو:

(أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ 2) .

و يجوز أن يكون مودّة ثانى مفعولى اتخذوا أيمانهم جنة و بينكم بالنصب ظرف منصوب بالمصدر الذى هو مودّة،و يجوز أن يكون صفة له أى مودّة كائنة بينكم،و خفض بينكم بالإضافة إلى مودّة المنصوبة و المرفوعة على وجه الاتساع فى الظروف نحو:

(شَهادَةُ بَيْنِكُمْ 3) .

********

(1) سورة الواقعة،آية:62.

(2) سورة البقرة،آية:81.

(3) سورة المائدة،آية:11.

ص: 636

و المعنى على ما تعطيه قراءة النصب و لم يقرأ أحد برفع مودّة و نصب بينكم و لو قرئ لجاز و إنما كل من رفع مودّة خفض بينكم و هم ابن كثير و أبو عمرو و الكسائى،و من نصب مودّة اختلفوا فمنهم من خفض بينكم أيضا و هم حمزة و حفص و منهم من نصبهما معا و هو نافع و ابن عامر و أبو بكر و لا يستقيم النصب إلا بتنوين مودّة،و كل من خفض بينكم أسقط التنوين من مودّة،لأجل الإضافة،سواء فى ذلك من رفع و من نصب، و قد سبق معنى صندلا فى سورة الأنعام،و نصبه هنا على التمييز أو الحال،على تقدير ذا صندل،يشير إلى حسنه و طيبه،و اللّه أعلم.

954-[و يدعون(ن)جم(ح)افظ و موحّد

هنا آية من ربّه(صحبة د)لا]

أى قراءة نجم حافظ،و العالم يعبر عنه بالنجم للاهتداء به،أراد-إن اللّه يعلم ما يدعون من دونه من شيء- فالغيب فيه و الخطاب ظاهران،فالغيبة تعود إلى مثل الذين اتخذوا و الخطاب لهم،و أما التوحيد و الجمع فى-و قالوا لو لا أنزل عليه آيات من ربه-فقد تقدم مثلهما مرارا:و موحد،خبر مقدم و آية من ربه مفعول به،و صحبة مبتدا،و قد سبق معنى«دلا»و ذكر الخبر،و لفظ«دلا»مفرد باعتبار لفظ صحبة لأنه مفرد،و يجوز أن يكون موحد مبتدأ،و صحبة فاعله،على رأى من يقول اسم الفاعل غير معتمد،و اللّه أعلم.

955-[و فى و نقول الياء(حصن)و يرجع

ن(ص)فو و حرف الرّوم(ص)افيه(ح)لّلا]

يريد- وَ يَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ -التاء و النون فيه ظاهرتان،و قد سبق لهما نظائر،و الغيب فى قوله:

-ثم إلينا يرجعون-لأن قبله- يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ -و الخطاب لقوله تعالى- يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا - و الذى فى الروم:

(ثمّ يعيده ثمّ إليه يرجعون (1).

و قيد الناظم بقوله الياء،لأن ضده النون،و أطلق يرجعون لأن ضده الخطاب و لا يجوز أن يكون استغنى عن تقييد يرجعون باليا بتقييد يقول كما قال فى سورة النساء و ياسوف يؤتيهم عزيز و حمزة سنؤتيهم،لأن الضد ثم فى القراءتين متحد،و هو النون و هنا اختلف الضد،فالقراءة بالغيب لا يقيدها بالياء أبدا إنما يطلقها و يقول بالغيب و هذا من دقائق ما اشتمل عليه هذا النظم فاعرفه،و ما أحسن قوله«صافيه حللا»أى كثير الحلول فيه لأجل صفائه.

956-[و ذات ثلاث سكّنت با نبوّئن

ن مع خفّه و الهمز بالياء(ش)مللا]

أى«با»قوله تعالى-لنبوئنّهم من الجنة غرفا-فقصر لفظ«با»ضرورة و هو مبتدأ و ذات ثلاث خبره مقدم عليه،أى

********

(1) آية:11.

ص: 637

صارت ذات ثلاث نقط،و إذا نقطت صورة الباء بثلاث صارت ثاء،و قوله سكنت صفة لذات ثلاث كما تقول:

هند امرأة حسنة،أى هذه الباء ثاء ساكنة،و الهاء فى خفة تعود على لفظ نبوئن،أراد تخفيف الواو،و هو مشكل فإن فى لفظ نبوئن حرفين مشددين الواو و النون،و ليس فى تشديد النون خلاف،و الواو فى قوله و الهمز واو الحال،أى صار ثاء ساكنة مع خفة الواو فى حال كون الهمز أسرع بالياء،أى أتى بالياء فى مكانه،أى أبدل الهمز ياء فصارت القراءة لنثوينّهم،من الثواء و هو الإقامة،قال الزجاج:يقال ثوى الرجل إذا أقام، و أثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه،قال الفراء:

و كل حسن بوّأته و أثويته منزلا

سواء معناه أنزلته،قال الزمخشرى:ثوى غير متعد فإذا تعدى بزيادة همزة النقل لم يتجاوز مفعولا واحدا نحو ذهب و أذهبته،و الوجه فى تعديته إلى ضمير المؤمنين و إلى الغرف إما إجراؤه مجرى لننزلهم و نبوءنهم أو حذف الجار و اتصال الفعل،أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم:

قلت:فهذا جواب ما روى عن اليزيدى أنه قال:لو كان لنثوينهم لكان فى غرف و اختار أبو عبيد القراءة الأخرى لإجماعهم على التى فى النحل.

(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً 1) .

قال:لا نعلم الناس يختلفون فيه،فهذا مثله و إن كان ذاك فى الدنيا و هذا فى الآخرة فالمعنى فيهما واحد قال و رأيت هذا الحرف الذى هو فى العنكبوت فى الذى يقال له الإمام مصحف عثمان بالياء معجمة.

قلت:و هذا بعد ما نقطت المصاحف،و كثر هذا اللفظ فى القرآن،نحو:

(وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ 2) .

(وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ 3) .

و قال (يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ 4) .

و قال (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ 5) .

و قال (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً 6) .

و قيل لفظ الثواء لائق بأهل الآخرة هى دار القرار،و روى عن الربيع بن خيثم أنه قرأها كذلك،و قال:

الثواء فى الآخرة و النبوّة فى الدنيا،و قد قال اللّه تعالى فى حق الكفرة:

(أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ 7) .

و هو فى آخر هذه السورة،فناسب أن يقال للمؤمنين نحو ذلك فى الجنة،و قال سبحانه و تعالى:

********

(1) آية:41.

(2) سورة يونس،آية:93.

(3) سورة الحج،آية:26.

(4) سورة يوسف،آية:56.

(5) سورة الزمر،آية:74.

(6) سورة يونس،آية:87.

(7) سورة العنكبوت،آية:68.

ص: 638

(وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ 1) .

أى مقيما عندهم مستمرا بين أظهرهم،و اللّه أعلم.

957-[و إسكان ول فاكسر(ك)ما(ح)جّ(ج)ا(ن)دى

و ربّى عبادى أرضى ألبابها انجلا]

يعنى كسر لام و ليتمتعوا و قد تقدم فى الحج أن لام الأمر يجوز كسرها و إسكانها،و هى معطوفة على-ليكفروا- و هى أيضا لام الأمر بدليل إسكان ما عطف عليها و هو أمر تهديد نحو-اعملوا ما شئتم-و قيل الأولى لام كى و الثانية لام الأمر،و نظير ذلك قوله تعالى فى النحل:

(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا 2) .

قال أبو عبيد:إنما يجوز هذا لو كانت فليتمتعوا بالفاء،لأن الفاء قد يستأنف بها الخبر،و إنما معنى الواو العطف،فكيف يترك العطف و يرجع إلى الأمر،و الفاء فى قوله فاكسر زائدة و فيها ثلاث ياءات إضافة مهاجر إلى ربى إنه-فتحها نافع و أبو عمرو-يا عبادى الذين آمنوا-أسكنها حمزة و الكسائى و أبو عمرو- إن أرضى واسعة-فتحها ابن عامر وحده.

********

(1) سورة القصص،آية:45.

(2) سورة النحل،آية:55.

ص: 639

و من سورة الروم إلى سورة سبأ

إنما ذكر هذا الترجمة على هذه الصورة لأنه لم يتمحض بيت لآخر سورة من هذه السور الأربع،فإن آخر ما يتعلق بالروم قوله و ينفع كوفى فتمم البيت بذكر رحمة التى من لقمان،ثم ذكر البحر من لقمان مع أخفى من سورة السجدة،ثم ذكر لما صبروا من سورة السجدة مع يعملون من سورة الأحزاب،فى بيت و كل موضع جمع فيه سورا فى ترجمة فهذا سببه،و سيأتى إن شاء اللّه تعالى:

958-[و عاقبة الثّانى(سما)و بنونه

نذيق(ز)كا للعالمين اكسروا(ع)لا]

يريد- ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا -هذا هو الثانى المختلف فى رفعه و نصبه.و الأول لا خلاف فى رفعه،و هو كيف كان عاقبة الذين من قبلهم-فوصف عاقبة و هو مؤنث بالثانى على تأويل و هذا اللفظ الثانى،و إنما لم ينونه لأنه حكى لفظه فى القرآن و هو غير منوّن لأنه مضاف إلى الذين،و اعتذر الشيخ عن كونه لم ينونه بأنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين،أو أراد-و عاقبة-الموضع الثانى و لا حاجة إلى هذا الاعتذار،فالكلمة فى القرآن لا تنوين فيها.و قد قال بعد هذا:يذيق ذكا بالنصب،فأى عذر لنصبه لو لا أنه حكى لفظه فى القرآن و هو لنذيقهم بعض الذى عملوا و هو ملبس بقوله تعالى- وَ لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ -و لم يقيد القراءة فى عاقبة،و كان ذلك إشارة إلى رفعها لمدلول سما،و الباقون بنصبها،فهى إن رفعت اسم كان،و إن نصبت خبرها،و السوأى بعد ذلك هو الخبر أو الاسم،و هو كناية عن العذاب،و هو تأنيث الأسوأ،و إن كذبوا على تقدير لأن كذبوا و يجوز أن يكون السوأى مصدر كالرجعى و البشرى،أى أساءوا الإساءة الشنيعة،و هى الكفر أو نعتا لموصوف محذوف أى أساء و الخلال السوأى و الخبر أو الاسم قوله-أن كذبوا-و معنى الذين أساءوا أى أشركوا، و التقدير-ثم كان عاقبة المسيء التكذيب بآيات اللّه تعالى،أى لم يظفر فى كفره و شركه بشيء إلا بالتكذيب بآيات اللّه،و يجوز أن يكون السوأى هو الخبر،أو الإسم لا على المعنى المتقدم،بل على تقدير الفعلة السوأى،ثم بينها بقوله-ان كذبوا-فيكون-ان كذبوا عطف بيان أو بدلا،و يجوز على هذا التقدير على قراءة الرفع أن لا يكون للسوأى خبرا،بل معنى أساءوا السوأى أى فعلوا الخطيئة السوأى،و خبر كان محذوف إرادة الإبهام،ليذهب الوهم إلى كل مكروه،كل هذه الأوجه منقولة،و هى حسنة،و قيل يجوز أن تكون إن فى قوله-أن كذبوا-مفسرة بمعنى أى كذبوا.و هذا فيه نظر،فإن من شرط أن المفسرة أن يأتى بعدها فعل فى معنى القول،ثم قال.و بنونه نذيق أى و نذيق زكا،و هى نون العظمة و قراءة الباقين بالياء أى ليذيقهم اللّه و كسر حفص اللام من قوله-إن فى ذلك لآيات للعالمين-جعله جمع عالم واحد العلماء،و كما قال تعالى فى آية أخرى:

(وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ 1) .

و فى موضع آخر:

(إنّ فى ذلك لآيات لقوم يعلمون (2).

********

(1) سورة العنكبوت،آية:43.

(2) سورة النمل،آية:52.

ص: 640

و فتح الباقون اللام،جعلوها جمع عالم أى لكافة الناس،و علا حال:أى ذو علا:

959-[ليربوا خطاب ضمّ و الواو ساكن

(أ)تى و اجمعوا آثار(كم)(ش)رفا(ع)لا]

أى ذو خطاب مضموم،يعنى تاء مضمومة.

و قال الشيخ،يجوز أن يكون ضم امرا قلت:خطاب على هذا التقدير يكون حالا،أى ضم لتربوا ذا خطاب،فكان الواجب نصبه أى- و ما أتيتم من ربا لتربوا-أنتم سكنت الواو لأنها واو الضمير فى تربون،و حذفت النون للنصب،هذه-قراءة نافع وحده و قراءة الباقين على الغيب بياء مفتوحة و واو منصوبة لأنه فعل مضارع خال من ضمير بارز مرفوع فظهر النصب فى آخره،و التقدير ليربوا ذلك الربا.

و أما-فانظر إلى آثار رحمة اللّه-فالإفراد فيه و الجمع سبق لهما نظائر مثل-رسالته و رسالاته،و كلمة و كلمات:و ذرية و ذريات-الافراد يراد به الجنس و وجه الجمع ظاهر،و معنى كم شرفا علاكم:كم علا شرفا، و المميز محذوف أى كم مرة وقع ذلك،و اللّه أعلم.

960-[و ينفع كوفىّ و فى الطّول(حصنه)

و رحمة ارفع(ف)ائزا و محصّلا]

يريد- فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ -و فى غافر.

(يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ 1) .

تذكير الفعل فى ذلك و تأنيثه ظاهران من قبل أن لفظ معذرة مؤنث،و لكنه تأنيث غير حقيقى،و نافع أنث هنا و ذكر فى سورة الطور جمعا بين اللغتين،و أما-و رحمة-فى أوّل لقمان فهى معطوفة على هدى، و هدى فى موضع نصب على الحال أو المدح،أو فى موضع رفع على تقدير هو هدى و رحمة أو خبر بعد خبر،أى تلك هدى و رحمة،أو يكون هدى منصوبا و رحمة مرفوعا،أى و هو رحمة و اللّه أعلم.

961-[و يتّخذ المرفوع غير(صحابه)م

تصعّر بمدّ خفّ(إ)ذ(ش)رعه(ح)لا]

يريد- وَ يَتَّخِذَها هُزُواً -النصب عطف على ليضل و الرفع على يشترى أو على الاستئناف و الهاء فى يتخذها لآيات الكتاب أو للسبيل و تقدير البيت قراءة غير صحابهم على حذف مضاف،و صاعر خده و صعّره واحد كضاعف و ضعف،و معناهما الإعراض عن الناس تكبرا و الصغر الميل فى الخد خاصة؛ و قوله:خف ليس صفة للمد و لكنه خبر بعد خبر لأن الخف فى العين أى تصاعر ممدود خفيف.

********

(1) آية:52.

ص: 641

962-[و فى نعمة حرّك و ذكّر هاؤها

و ضمّ و لا تنوين(ع)ن(ح)سن(ا)عتلا

يريد- وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ -حرّك أى افتح العين و ذكر هاؤها أى جعلت هاء الضمير التى للمذكر المفرد فى مثل.

(فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ 2) .

و ليست هاء تأنيث،ثم قال و ضم أى و ضم ذلك الهاء و لا تنوين لتأخذ بضد ذلك للقراءة الأخرى،و هى التى لفظ بها،فحاصل الخلاف أن هذا الحرف يقرأ بالإفراد و الجمع كنظائر له سلفت،و قوله-ظاهرة و باطنة-صفة لنعمة فى قراءة الإفراد،و حال فى قراءة الجمع و قد قال تعالى:

(وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها 3) .

لم يختلف فى افراده.

963-[سوى ابن العلا و البحر أخفى سكونه

(ف)شا خلقه التّحريك(حصن)تطوّلا]

و البحر مبتدأ خبره سوى ابن العلا على تقدير قراءة غير أبى عمرو فأبو عمرو وحده نصبه عطفا على اسم أن أى و لو أن البحر يمده،و الرفع على وجهين منقولين ذكرهما الزجاج و الزمخشرى و غيرهما:

أحدهما:أنه مبتدا و يمده الخبر و الجملة فى موضع الحال:

و الثانى:أن يكون عطفا على موضع إن و اسمها و خبرها،لأن الجميع فى موضع رفع،لأنه فاعل فعل مضمر.أى و لو وقع ذلك و البحر ممدودا بسبعة أبحر،فيمده على هذا الوجه حال من البحر،و هذا العطف جائز بلا خلاف و إنما الممتنع العطف محل على اسم أن المفتوحة فقط دون محل المجموع منها،و من اسمها و خبرها، و إنما يجوز العطف بالرفع على محل الاسم فقط،مع إن المكسورة و الفرق أن اسم المفتوحة بعض كلمة فى التقدير،بخلاف اسم المكسورة،فمهما وقعت المفتوحة فى موضع رفع جاز العطف بالرفع على محل المجموع منها،و من اسمها و خبرها،كما أن العطف على محل المكسورة إنما كان من أجل ذلك،و عليه يحمل قوله تعالى:

(أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ 1) .

لأن أن و ما بعدها مبتدأ،و رسوله عطف عليه-و اذان من اللّه-خبر مقدم عليه،و قد سبق تقرير هذا الفصل فى سورة المائدة،و لذلك قال أبو عبيد:الرفع هنا حجة لمن قرأ التى فى المائدة العين بالعين رفعا، فكذلك كان يلزم أهل هذه القراءة أن يرفعوا تلك،و أما فلا تعلم نفس ما أخفى بفتح الياء فعلى أنه فعل ماض

********

(1) سورة الفجر،آية:15.

(2) سورة سيدنا إبراهيم،آية:34.

(3) سورة؟؟؟،آية:3.

ص: 642

و بسكونها هو فعل مضارع مسند إلى المتكلم سبحانه،و أما-أحسن كل شيء خلقه-بفتح اللام فعل أن يكون جملة واقعة صفة لشيء قبله فيكون فى موضع خبر،و يجوز أن يكون صفة لقوله-كل شيء-فتكون فى موضع نصب،و إذا سكنت اللام بقى لفظه مصدرا و نصبه على البدل من كل شيء، أو هو منصوب على أنه مصدر دل عليه ما تقدم من قوله-أحسن كل شيء (1)-فكأنه قال خلق كل شيء فهو من باب اقتران المصدر بغير فعله اللفظى،و لكن بما هو فى معناه و الهاء فى خلقه على هذا تعود إلى اللّه تعالى:

964-[لما صبروا فاكسر و خفّف(ش)ذا و قل

بما يعملون اثنان عن ولد العلا]

أى اكسر اللام و خفف الميم،فالمعنى لصبرهم كما قال فى الأعراف:

(وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا 2) .

أى بصبرهم و القراءة الأخرى لما بفتح اللام و تشديد الميم أى حين صبروا و قوله شذا أى ذا شذاء و قرأ أبو عمرو:

(بما يعملون خبيرا (3).

فى أوّل الأحزاب و بعده:

(بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ 4) .

بالغيب فيهما و الباقون بالخطاب و وجههما ظاهر،فهذا معنى قوله بما يعملون اثنان و فى سورة الفتح أيضا اثنان:

(بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً بَلْ ظَنَنْتُمْ 5) .

(بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا 6) .

و الخلاف فى الثانى كما يأتى فى موضعه،و الأوّل بتاء الخطاب إجماعا،و اللّه أعلم.

965-[و بالهمز كلّ اللاّء و الياء بعده

(ذ)كا و بياء ساكن(ح)جّ(ه)مّلا]

أى حيث جاء:هنا-و ما جعل أزواجكم اللاء و فى المجادلة:

(إلاّ اللاّء ولدنهم (6).

********

(1) سورة الأعراف،آية:137.

(2) سورة الأحزاب،آية:2.

(3) سورة الأحزاب،آية:9 و 10.

(4) آية:11 و 12.

(5) آية:24 و 25.

(6) آية:2.

ص: 643

و فى الطلاق:

(و اللاّء يئسن-و اللاّء لم يحضن (1).

قرأ الجميع الكوفيون و ابن عامر بهمزة بعدها ياء ساكنة:اللائي على وزن القاضى و الداعى،فهذا هو أصل الكلمة،أى كل اللاء بالهمز و الياء بعده و يجوز و الياء بالرفع على الابتداء،ثم ذكر أن أبا عمرو و البزى قرءا بياء ساكنة من غير همز،فكأنهما حذفا الهمز و بقيت الياء الساكنة إلا أنهم لا يوجهون هذه القراءة بهذا.

إنما يقولون:حذفت الياء لتطرفها كما تحذف من القاضى و نحوه،ثم أبدل من الهمزة ياء ساكنة،و هذه القراءة على هذا الوجه ضعيفة،لأن فيها جمعا بين ساكنين،فالكلام فيها كما سبق فى-محياى-فى قراءة من سكن ياءً و شبهه،جوز ذلك ما فى الألف من المد،و لكن شرط جواز مثل هذا عند أئمة اللغة المعتبرين أن يكون الساكن الثانى مدغما و لا يرد على هذا ص من ق لأن أسماء حروف التهجّي موضوعة على الوقف،و الوقف يحتمل اجتماع الساكنين،فإن وقف على-محياى-أو اللائى-فهو مثله،و إنما الكلام فى الوصل،و أما إجازة بعضهم اضربان و اضربنان بإسكان النون و التقت حلقتا البطنان بإثبات الألف فشاذ ضعيف عندهم،و اللّه أعلم.

و قوله حج هملا أى غلبهم فى الحجة،و قد تقدم شرح هملا فى باب ياءات الإضافة فى قوله:إلا مواضع هملا،و هو جمع هامل،و الهامل البعير المتروك بلا راع،أى غلب فى الحجة قوما غير محتفل بهم،يشير إلى تقوية الإسكان،و أنه له ضعف.

966-[و كالياء مكسورا لورش و عنهما

وقف مسكنا و الهمز(ز)اكيه(ب)جّلا]

أى و سهل ورش الهمزة بين بين،و هو المراد بقوله كالياء مكسورا لأنها صارت بين الهمزة و الياء المكسورة، و هذا قياس تخفيفها لأنها همزة مكسورة بعد ألف،و هذه القراء مروية عنهما،أى عن أبى عمرو و البزى، و هو وجه قوى لا كلام فيه،ذكره جماعة من الأئمة المصنفين كصاحب الروضة.قال:قرأ أبو عمرو و ورش و البزى و ذكر غيرهم بتليين الهمزة من غير ياء بعدها،و هو ظاهر كلام ابن مجاهد،فإنه قال،قرأ ابن كثير و نافع-اللاء-ليس بعد الهمزة ياء،و قرأ أبو عمرو شبيها بذلك،غير أنه لا يهمز،و كذا قال أبو عبيد:قرأ نافع و أبو عمرو-اللاء-مخفوضة غير مهموزة و لا ممدودة-و نص مكى على الإسكان،و لم يذكر صاحب التيسير غيره لهما،و قال فى غيره:قرأت على فارس ابن أحمد بكسر الياء كسرة مختلسة من غير سكون،و بذلك كان يأخذ أبو الحسين بن المنادى و غيره،و هو قياس تسهيل الهمز،قال الشيخ:و قد قيل:إن الفرّاء عبروا عن التليين لهؤلاء بالإسكان.

قالوا:و إظهار أبى عمرو فى-اللاء يئسن-مما يدل على أنه تليين و ليس بإسكان.

قلت:قد سبق فى باب الإدغام الكبير تقرير هذا،و ذكر أبو على الأهوازى الوجهين عنهما.

قوله:وقف مسكنا،أى مسكنا للياء لهؤلاء،لأن الوقف يحتمل اجتماع الساكنين.

قال فى التيسير:و إذا وقف يعنى ورشا صيرها ياء ساكنة،قال و حمزة إذا وقف جعل الهمزة بين بين على

********

(1) آية:4.

ص: 644

أصله،و من همز منهم و من لم يهمز أشبع التمكين للألف فى الحالين،إلا ورشا،فإن المد و العصر جائزان فى مذهبه،لما ذكرناه فى باب الهمزتين:

قلت:هو ما نظمه الشاطبى رحمه اللّه بقوله.

و إن حرف مد قبل همز مغير..«البيت» ثم ذكر أن قنبلا و قالون قرءا بالهمز من غير ياء بعده،فإذا وقفا أسكنا الهمز،و فى قراءة أبى عمرو و البزى من المد و القصر مثل ما مر فى قراءة ورش،و اللّه اعلم.

967-[و تظّاهرون اضممه و اكسر لعاصم

و فى الهاء خفّف و امدد الظّاء(ذ)بّلا]

أى اضمم التاء و اكسر الهاء لعاصم،و هو داخل أيضا فى رمز من خفف الهاء و مد الظاء و خففها،كما فى البيت الآتى،فقراءة عاصم تظاهرون مضارع ظاهر،مثل قاتل،و قرأ ابن عامر تظاهرون على اللفظ الذى فى بيت الناظم،و هو مضارع تظاهر،مثل تقاتل،و الأصل تتظاهرون،فأدغم التاء فى الظاء و قرأ حمزة و الكسائى مثله إلا أنهما خففا الظاء لأنهما حذفا الياء التى أدغمها ابن عامر و قرأ الباقون-تظّهّرون-بتشديد الظاء و الهاء من تظهر مثل تكلم و أدغموا التاء فى الظاء:

968-[و خفّفه(ث)بت و فى قد سمع كما

هنا و هناك الظّاء خفّف(ن)وفلا]

أى خفف الظاء قارئ ثبت و هم الكوفيون و فى قد سمع اللّه موضعان حكمهما ما ذكر هنا إلا أن الظاء ثم لم يخففه إلا عاصم وحده لأنه يقرأ يظاهرون من ظاهر و لم يخفف الظاء حمزة و الكسائى لأنه لم يجتمع تاءان فتحذف الثانية منهما لأن موضعى سورة قد سمع فعلهما للغيبة لا للخطاب الذين يظهرون منكم و الذين يظاهرون من نسائهم و لكن أدغما التاء فى الظاء كما يقرأ ابن عامر،و النوفل:السيد المعطاء،و نصبه على الحال أى ذا نوفل،أى قارئ سيد:

969-[و(حقّ صحاب)قصر وصل الظّنون و الر

رسول السّبيلا و هو فى الوقف(ف)ى(ح)لا]

أى قصروا هذه الكلمات الثلاث فى الوصل،و هى-و تظنون باللّه الظنونا-يا ليتنا أطعنا اللّه و أطعنا الرسولا -و بعده-فأضلونا السبيلا-رسمت هذه الثلاثة بالألف هنا و لم ترسم فى قوله-و هو يهدى السبيل-و إثبات الألف فى تلك المواضع لتشاكل الفواصل،و هو مطلوب مراعا فى أكثر القرآن،و قد يندر فى بعض الصور ما لا يشاكل،و منه:

(أَنْ لَنْ يَحُورَ 1) .

********

(1) آية:14.

ص: 645

فى سورة الانشقاق،فإنه بغير ألف بعد الراء-و كل يوم هو فى شأن (1)بالهمز و كذا-بالخاطئة (2)فى الحاقة و خاطئة (3)فى اقرأ،كلتاهما مهموز،و أنا أختار ترك الهمز فى هذه الثلاثة على قراءة حمزة فى الوقف لتشاكل الفواصل،ثم قال:و هو فى الوقف،أى و القصر فى الوقف،لحمزة و أبى عمرو فهما يقصران وقفا و وصلا على الأصل،و مد نافع و ابن عامر و شعبة فى الحالين تبعا لخط المصحف،و ابن كثير و الكسائى و حفص جمعوا بين الخط و لأصل فى الحالين،فمدوا فى الوقف لأنه يحتمل ذلك كما فى القوافى كقوله:

و ولى الملامة الرجلا

و قصروا فى الوصل و نحوا بذلك منحى هاء السكت،و هذه القراءة هى المختارة.

قال أبو عبيد:و الذى أحب فى هذه الحروف أن يتعمد الوقف عليهن تعمدا،و ذلك لأن فى إسقاط الألفات منهن مفارقة الخط،و قد رأيتهن فى الذى يقال ل«الإمام»مصحف عثمان،مثبتات كلهن،ثم أجمعت عليها مصاحف الأمصار،فان نعلمها اختلفت؛فكيف يمكن التقدم على حذفها،و أكره أيضا أن أثبتهن مع إدماج القراءة،لأنه خروج من العربية.لم نجد هذا عندهم جائزا فى اضطرار و لا غيره فإذا صرت إن الوقف عليها فأثبتّ الألفات كنت متبعا للكتاب.و يكون مع هذا فيما موافقة لبعض مذاهب العرب،و ذلك أنهم يثبتون مثل هذه الألفات فى قوافى أشعارهم و مصاريعها،لأنها مواضع قطع و سكت،فأما فى حشو لأبيات فمعدوم غير موجود على حال من الحالات،و قال الزجاج:الذى عليه حذاق النحويين و المتبعون السنة من حذاقهم أن يقرءوا-الظنونا-و يقفوا على الألف و لا يصلوا و إنما فعلوا ذلك لأن أواخر الآيات عندهم فواصل،يثبتون فى آخرها فى الوقف ما يحذف مثله فى الوصل،فهؤلاء لا يتبعون المصحف،و يكرهون أن يصلوا فيثبتوا الألف لأن الآخر لم يقفوا عليه،فيجروه مجرى الفواصل و مثل هذا فى كلام العرب فى القوافى،نحو قوله:

أقلّى اللوم عاذل و العتابا و قولى إن أصبت لقد أصابا

فأثبت الألف،لأنها فى موضع فاصلة و هى القافية،و أنشد أبو عمرو الدانى فى كتاب الإيجاز:

إذا الجوزاء أردفت الثريا ظننت بآل فاطمة الظنونا

و من ذلك قول الأعشى:

استأثر اللّه بالوفاء و بالعدل و ولى الملامة الرجلا

و قال أبو على:وجه من أثبت فى الوصل أنها فى المصحف كذلك،و هى رأس آية،و رءوس الآى تشبه بالقوافى من حيث كانت مقاطع،كما كانت القوافى مقاطع،فكما شبه-أكرمن-و أهانن-بالقوافى فى حذف الياء منهن نحو:

من حذر الموت أن يأتين و إذا ما انتسبت له أتكوّن

كذلك يشبه هذا فى إثبات الألف بالقوافى،و أما فى الوصل فلا ينون،و يحمل على لغة من لا ينون ذلك إذا وصل فى الشعر،لأن من لا ينون أكثر،قال أبو الحسن:و هى لغة أهل الحجاز،فأما من طرح الألف فى الوصل فإنهم ذهبوا إلى أن ذلك فى القوافى،و ليس رءوس الآى بقواف،فيحذف فى الوصل كما يحذف غيرها،فما يثبت فى الوقف،نحو التشديد الذى يلحق الحرف الموقوف عليه.

********

(1) سورة الرحمن،آية:29.

(2) آية:9.

(3) الآية:16.

ص: 646

قال:و هذا إذا ثبت فى الخط فينبغى أن لا يحذف كما لا تحذف هاء الوقف من حسابيه-و كتابيه-و أن يجرى مجرى الموقوف عليه فهو وجه.و إذا ثبت ذلك فى القوافى فى الوصل فشأنه فى الفواصل حسن.

قال غيره:و أما من قرأ بغير ألف فهو الأصل المشتهر فى كلامهم،تقول رأيت الرجل باسكان اللام، و من العرب من يجرى القوافى فى الإنشاد مجرى الكلام الموزون،فيقول:

أقلى اللوم عاذل و العتاب

و اسأل بمصقله البكرى ما فعل

فإذا كانوا يجرون القوافى مجرى الكلام غير الموزون،فلأن يتركوا الكلام غير الموزون على حالته و لم يشبهوه بالموزون أولى،و اللّه أعلم:

970-[مقام لحفص ضمّ و الثان(عمّ)فى الد

دخان و آتوها على المدّ(ذ)و(ح)لا]

يريد- لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا -و الثانى فى الدخان:

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ 1) .

و الأول فيها لا خلاف فى فتحه،و هو-:

(وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ 2) .

كما أجمعوا على فتح مقدم إبراهيم و قد سبق فى مريم الكلام على القراءتين،و إن المفتوح موضع القيام، و المضموم بمعنى الإقامة،و أراد ضم الميم الأولى،و لا جائز أن تحمل على الميم الثانية،لوجهين:

أحدهما:أن ذلك فى الميم الثانية لو كان لعبر عنه بالرفع لا بالضم،لأنها حركة إعراب:

و الثانى لو أريد ذلك لذكر معه التنوين،لأنه من باب و بالرفع نونه-فلا رفث-و لا بيع-نونه-و لا خلة و لا شفاعة-و ارفعهن.

و أما لآتوها-بالمد فإنه بمعنى أعطوها أى أجابوا إلى ما سئلوه،و أتوها بالقصر بمنى فعلوها.و جاءوها يقال أثبت الخبر إذا فعلته،و المعنى ثم سئلوا فعل الفتنة لفعلوها،و اختار أبو عبيد قراءة المد،و قال:قد جاءت الآثار فى الذين كانوا يفتنون بالتعذيب فى اللّه أنهم أعطوا ما سألهم المشركون غير بلال،و ليس فى شيء من الحديث أنهم جاءوا ما سألهم المشركون،ففي هذا اعتبار للمد فى قوله-لآتوها-بمعنى أعطوها.

قال أبو على:و مما يحسن المد قوله-سئلوا-و الإعطاء مع السؤال حسن،و المعنى لو قيل لهم كونوا على المسلمين مع المشركين لفعلوا ذلك،و حلا فى آخر البيت،مصدر مفتوح الحاء و ليس بفعل ماض.

حكى الشيخ فى شرحه عن الناظم رحمهما اللّه:يقال ذو حلا أى ذو حسن من حلى فى عينه و صدره،يحلى قال و يقال أيضا حلى بالشيء أى ظفر به يحلى و قد قال ابن ولاّد إن«حلا»لا يعرف،يعنى أن المصدر المعروف من هذين الفعلين إنما هو حلاوة.

********

(1) آية:51.

(2) سورة الدخان آية:26.

ص: 647

قال الشيخ:و يجوز أن يكون ذو بمعنى الذى،أى على المد الذى حلا،كقول الطائى:

و بئرى ذو حفرت و ذو طويت

قلت:و كأنه أشار بقوله حلا إلى ما ذكره أبو عبيد،و أبو على:

971-[و فى الكلّ ضمّ الكسر فى أسوة(ن)دى

و قصر(ك)فا(ح)قّ يضاعف مثقّلا]

الضم و الكسر فى أسوة لغتان و مثله قدوة و عدوة بضم القاف و العين و كسرهما و قوله فى الكل يعنى هنا و فى الممتحنة موضعان،و يجوز ضم الكسر على الأمر و ضم الكسر على الابتداء،و يضاعف مبتدا،و قصر كفا حق خبره،و مثقلا حال منه،أى يضعف لها العذاب بالقصر مع تشديد العين،و قد تقدم فى سورة البقرة أن ضاعف و ضعف لغتان،فابن كثير و ابن عامر قرءا من لغة ضعف هناك و هنا،و أبو عمرو شدد هنا دون ثم، و الباقون قروا من لغة ضاعف فى الموضعين و اللّه أعلم.

قال أبو عبيد:كان أبو عمرو يقرأ هذه وحدها يضعف مشددة بغير ألف لقوله-ضعفين-و قال ما كان أضعافا كثيرة فإنه يضاعف،و ما كان ضعفين فإنه يضعف.

قال أبو عبيد:لا نعلم بين ما فرق أبو عمرو فرقا.

972-[و باليا و فتح العين رفع العذاب(حص

ن حسن و تعمل نؤت بالياء(ش)مللا]

الواو فى و بالياء فاصلة،لأن هذه مسئلة غير المتقدمة،و إن كان الجميع متعلقا بكلام واحد فالذى تقدم بيان الخلاف فى القصر و التشديد،و هذا بيان قراءة من يقرأ بالياء و فتح العين و رفع العذاب و ضدها:و هى القراءة بالنون و كسر العين،و نصب العذاب.فكأنه قال:و يضاعف بالياء و فتح العين على ما لم يسم فاعله، و رفع العذاب لأنه مفعول ما لم يسم فاعله.فأسقط حرف العطف من«و رفع العذاب»ضرورة للعلم به.و قوله حصن حسن أى رمز ذلك،و هو خبر المبتدا المقدر.و هو يضاعف و ما عطف عليه،و هو رفع العذاب،أى المجموع حصن حسن فاجتمع أبو عمرو مع حصن فى الياء و فتح العين.و خالفهم فى المد فقرءوا-يضاعف- و قرأ هو وحده يضعف،و كلا الفعلين لما لم يسم فاعله فاتفق معهم على رفع العذاب،فبقى ابن كثير و ابن عامر على النون و كسر العين على بناء الفعل للفاعل،فلزم نصب العذاب لأنه مفعوله و النون للعظمة،هما من أهل القصر و التشديد فقرءا-نضعف لها العذاب-و القراءات هاهنا ثلاث،و وجوهها ظاهرة،إنما كان مشكلا استخراجها من هذا النظم،و قد سهله اللّه تعالى فاتضح و للّه الحمد.

قوله و يعمل يؤت أراد و يعمل صالحا نؤتها-قرأهما حمزة و الكسائى بالياء أما الياء فى يعمل-فعطف على يقنت-و أجمعوا فى يقنت على لفظ التذكير ردا على لفظ«من»فكذا ما عطف عليه.و هو-يعمل-و قرأ الباقون بالتاء على التأنيث ردا على معنى«من»لأنها عبارة عن النساء،و لهذا رجعت الضمائر بلفظ التأنيث فى نؤتها أجرها مرتين و أعتدنا لها-و أما الياء فى يؤتها فللّه تعالى،و قرأ الباقون بالنون للعظمة،فقول الناظم بالياء تقييد لقوله يؤت،ليكون النون للباقين،لأنها أخت الياء فى اصطلاحه،و لا تكون تقييد ليعمل أيضا،و إن

ص: 648

كان صحيحا من حيث المعنى،و اللفظ،فإنها بالياء أيضا،و لكن امتنع ذلك خوفا من اختلال القراءة الأخرى، فإنها ليست بالنون،فلا يكون هذا إلى من باب التذكير و التأنيث،فيكون قوله و يعطل مطلقا من غير تقييد، ليدل إطلاقه له على أنه أراد به التذكير فيأخذ للباقين ضده،و هو التأنيث،و شمللا خبر عن يعمل و يؤت على حذف حرف العطف.

973-[و قرن افتح(ا)ذ نصّوا يكون(ل)ه(ث)وى

يحلّ سوى البصرى و خاتم وكّلا]

يريد افتح القاف من-و قرن فى بيوتكن و الباقون بكسرها،و كلاهما فعل أمر لجماعة النساء فالمفتوح من قررت بالمكان أقر بكسر الراء فى الماضى و فتحها فى المضارع،فى قول من أجاز ذلك،و نظيره عض من عضضت،و قيل من قار يقار إذا اجتمع،فيكون مثل:خفن اللّه،أى اجتمعن فى بيوتكن،و المكسور من قررت بالمكان أقر بفتح الراء فى الماضى و كسرها فى المضارع،و هى اللغة المعروفة فى قررت بالمكان،فيكون مثل جدن فى الأمر من جددت فيه،أو من وقر يقر،فيكون مثل عدن،من وعد،فإن أخذنا ذلك من قررت بفتح راء و كسرها فتكون عين الفعل حذفت لأنه ألقيت حركتها على الفاء فحذفت لالتقاء الساكنين هى و لام الفعل،و حذفت همزة الوصل استغناء عنها بتحريك الفاء،و الأصل أقررن بفتح الراء الأولى و كسرها، و إن قلنا إنّ قرن بالكسر من وقر يقر فالمحذوف فاء الفعل،و هى الواو،و إن قلنا إن قرن بالفتح من قار يقار فالمحذوف عين الفعل،و هى واو أيضا،و هذا الوجه حكاه الزمخشرى عن أبى الفتح الهمدانى.

و قال أبو على:الوجه فى-وقرن-بالكسر لأنه يجوز من وجهين لا إشكال فى جوازه منهما،و هما من القرار و الوقار،و فتح القاف على ما ذكرت من الخلاف،زعم أبو عثمان أن قررت فى المكان لا يجوز، و قد حكى ذلك بعض البغداديين،فيجوز الفتح فى القاف على هذه اللغة إذا ثبتت،و قال أبو عبيد،و القراءة التى نختارها بكسر القاف فيكون مأخوذا من الوقار،فأما الفتح فإن أشياخنا من أهل العربية كانوا ينكرونه، و يقولون:إن كان من الوقار فهو بالكسر على قراءتنا،و إن كان من القرار فينبغى أن يكون من أقررنا أو أقررنا،قال:و قد وجدناها تخرج فى العربية من وجه فيه بعد،و هو شبيه بقوله:

(فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ 1) .

و أصلها من المضاعف ظللت،قال مكى:و قيل إن هذه القراءة مشتقة من قررت به عينا أقر،قال:و ليس المعنى على هذا،لم يؤمرن أن تقر أعينهن فى بيوتهن،إنما أمرن بالقرار أو بالوقار فى بيوتهن،قال:و الاختيار كسر القاف لأن عليه المعنى الصحيح.

و أما-أن يكون لهم الخيرة-و لا يحل لك النساء-فالتذكير فيهما و التأنيث ظاهران،و أبو عبيد يختار التذكير فى هذا و نحوه،و الثرى بالقصر:التراب الندى و بالمد المال الكثير،فيجوز أن يكون قصره ضرورة، و قد تقدم أن الناظم يستعير هذه الأشياء و نحوها كناية عن وضوح القراءة و كثرة الحجج لها،و ردا لكلام من

********

(1) سورة الواقعة،آية:65.

ص: 649

تكلم فيها،و أما و خاتم النبيين-فوجه الفتح فيه أن الذى يختم به يقال بفتح التاء و كسرها،فكأنه صلّى اللّه عليه و سلم جعل كالخاتم لما ختم به الأنبياء،قال أبو عبيد:و بالكسر نقرأ،لأن التأويل أنه صلّى اللّه عليه و سلم ختمهم فهو خاتمهم،و كذلك رويت الآثار عنه فى صفة نفسه أنه قال«أنا خاتم النبيين»لم نسمع واحدا من فقهائنا يروى هذا الحرف فى حديثه إلا بكسر التاء،قال الزجاج:من كسر فمعناه ختم النبيين،و من فتح فمعناه آخر النبيين لا نبى بعده،و الواو فى قول الناظم،و قرن و خاتم،ليست فاصلة،بل هى من نفس الكلمة فى القرآن،كالياء فى يكون و يحل،و أما الواو فى-و كلا-فليست فاصلة أيضا،و لا معنى لها هنا، فلو أتى بكلمة أولها نون رمزا لقراء الفتح لكان أولى،فيقول نولا أو نحو ذلك،و يستغنى عن الرمز بعد قوله فى البيت الآتى،و يأتى بالواو الفاصلة،ثم فيقول:و خاتم نزلا بفتح،و قل:ساداتنا اجمع إلى آخره:

فإن قلت:لو قال كذلك لكان قد رمز قبل تقييد القراءة،و هو قد قال،و من بعد ذكرى الحرف اسمى رجاله،قلت:الذى التزمه أن لا يتقدم الرمز على الحرف المختلف فيه،أما تقدمه على التقييد فلا،كقوله سما العلا شذا الجزم.

974-[بفتح(ن)ما ساداتنا اجمع بكسرة

(ك)فى و كثيرا نقطة تحت(ن)فّلا]

يريد- إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا -هو جمع سيد،و سادات جمع هذا الجمع،و كسر تائه علامة النصب،لأنه جمع سلامة و فتح تاء سادة علامة نصبه،لأنه جمع تكسير و مثله كتبة و فجرة،و أما- وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً -،فقراءة عاصم وحده بالباء الموحدة و القراءتان وجههما كما سبق فى البقرة فى-إثم كبير-قال أبو على:الكبر؟؟؟ مثل العظم،و الكثرة أشبه بالمعنى،لأنهم يلعنون مرة بعد مرة،و قوله:نفل معناه أعطى لقطة من تحته و التنفيل الإعطاء.فقوله نقطة بالنصب ثانى مفعول نفلا،و جعل النقطة نفلا،لأنها دون الثلاث التى للثاء،فتلك بمنزلة النفل فى قسم الغنيمة،لأنها دون سهم الغانم،و اللّه أعلم.

ص: 650

سورة سبأ و فاطر

975-[و عالم قل علاّم(ش)اع و رفع خف

ضه(عمّ)من رجز أليم معا و لا]

أى قرأه علام و عالم و علام،كلاهما من الصفات كضارب و ضراب،و فى التشديد مبالغة و فى القرآن عالم الغيب- فى مواضع مجمع عليها-و عَلاّمُ الْغُيُوبِ (1)فى المائدة،و فى آخر هذه السورة،و لم يجيء علام الغيب إلا فى قراءة حمزة و الكسائى هاهنا،و الخفض فى عالم و علام على اتباع و ربى أو للّه فى قوله-الحمد للّه-و رفع عالم على المدح،أى هو عالم الغيب،أو مبتدأ و خبره-لا يعزب عنه-و من رجز أليم-موضعان هنا و فى الجاثية، و الرجز أشد العذاب و سيئه،و قيل:إنه كالرجس بمعنى القذر،فهذا فائدة جعل العذاب فيه باعتبار صفته، و الواو فى قوله:و لا،ليست فاصلة كالواو فى و كلا التى سبق ذكرها،و أما أقل ما اتفق له فى هذه القصيدة من أمثال هذا نحو و خاتم و كلا و إلياسين بالكسر،وصلا فإن الواوات فى أوائل هذه الكلم توهم الفصل،لأنها كلمات لم تسبق تقييدا بخلاف الواو فى قوله.

و بالضم و اقصر و اكسر التاء فاتلوا

فهذه الكلمات كلها تقييد،فلم تضر الواوات فى أوائلها،و معنى،و لا بكسر الواو متابعة، و هو مفعول من أجله من الكلام الذى يأتى بعده،أى رفع متابعة و من رجز أليم مبتدأ،و خبره أوّل البيت الآتى،و هو:

976-[على رفع خفض الميم(د)لّ(ع)ليمه

و نخسف نشأ نسقط بها الياء(ش)شللا]

خفض الميم من-أليم-على أنه صفة لرجز و رفعها على أنه نعت لعذاب،أى لهم عذاب أليم من رجز،و الياء و النون فى قوله تعالى- إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ -ظاهران،معنى شمللا أى حكم على الياء بالشمول لهذه الثلاثة.

977-[و فى الرّيح رفع(ص)حّ منسأته سكو

ن همزته(م)اض و أبدله(إ)ذ(ح)لا]

يريد- وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ -رفع الريح على الابتداء و لسليمان خبره،كما يقول لزيد المال،و النصب على إضمار و سخرنا لسليمان الريح،عطفا على معنى-و ألنا له الحديد-لأن ذلك تسخير لداود عليه السلام،و المنسأة العصا العظيمة التى تكون مع الراعى،على وزن محبرة،و أصلها الهمز،لأنها من نسأت البعير،زجرته و سقته و طردته،فهى اسم آلة من ذلك كالمقدحة و المجرفة،فقرأتها الجماعة كذلك على الأصل،

********

(1) آية:116.

ص: 651

و أبدل الهمزة ألفا نافع و أبو عمرو،و الهمز المتحرك لا يبدل حرف مد إلا سماعا،و هذا مسموع قال الشاعر:

إذا دنيت على المنساة من كبر

و أسكن ابن ذكوان الهمز تخفيفا،و هو عند النحاة ضعيف:فإنه يلزم منه أن يوجد ساكن غير الألف قبل هاء التأنيث،و هذا لا يوجد و قال بعضهم،يمكن أن تكون القراءة بها بين بين و هو القياس فى تخفيف هذه الهمزة،لكن الراوى لم يضبط،و قال صاحب التيسير ابن ذكوان:بهمزة ساكنة و مثله قد يجيء فى الشعر لإقامة الوزن،و أنشد الأخفش الدمشقى:زاد الشيخ لبعض الأعراب:

صريع خمر قام من وكاته كقومة الشيخ إلى منسأته

فقوله ماض إشارة إلى جوازه،أى قد مضى حكمه،و الهاء فى أبدله للهمز،أى أبدل ذلك الهمز الساكن إذ خلا إبداله،و اللّه أعلم.

978-[مساكنهم سكّنه و اقصر على(ش)ذا

و فى الكاف فافتح(ع)الما(ف)تبجّلا]

يريد-لقد كان لسبإ فى مساكنهم-هذه قراءة الجماعة بالجمع،و أفرده حمزة و الكسائى و حفص فقرءوا، -مسكنهم-إلا أن الكسائى كسر الكاف،و فتحها حمزة و حفص و كلاهما لغة و الفتح أقيس و الجمع يجوز أن يكون لكل واحد منهما و اللّه أعلم.

979-[نجازى بياء و افتح الزّاى و الكفو

ر رفع(سما ك)م(ص)اب أكل أضف(ح)لا]

-يجازى إلا الكفور-على بناء الفعل للمفعول؛و نجازى بالنون،ليكون الفعل مسندا للفاعل،و الكفور منصوب لأنه مفعول،و هو موافق لما قبله-ذلك جزيناهم بما كفروا-و صاب أى نزل،يعنى قد نزل نظائر فى القرآن،فيها الفعل مبنى لما لم يسم فاعله،نحو-هل يجزون إلا-و قوله:سما،هو خبر يجازى،و الكفور رفع جملة حالية،و كم صاب جملة أخرى خبرية عنه،أى كم مرة ورد،و سيأتى فى فاطر:

(كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ 1) .

ثم قال أكل أضف حلا،أى ذا حلا،يريد- ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ -أضاف أبو عمرو أكل إلى خمط فانحذف التنوين من أكل،و الباقون لم يضيفوا فبقى منوّنا،و أما الخلاف فى إسكان الكاف و ضمها فقد سبق فى سورة البقرة،و اختار أبو عمرو التنوين،قال:لأن الأكل هاهنا هو الخمط فى التفسير،فالتنوين أولى به من الإضافة،مع أن أهل هذه القراءة أكثر.

قلت:الأكل المأكول،و هو الجنا،كما قال:

********

(1) الآية:36.

ص: 652

(تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ 1) .

و ثمر كل شيء يطلق عليه اسم شجرته،و على الشجرة اسم ثمرها،فكما تقول عندى ثمرتان و عنب و رمان برفع الجميع و تنوينه،فكذا تقول هذا أكل خمط و أثل و سدر،و الإضافة على تقدير ثمرة هذا النوع من الشجر و إنما ذكر سبحانه الأكل تصريحا بأن هذا صار مأكولهم بعد ما كانوا مخولين فى ما شاءوا من ثمار الجنتين المقدم ذكرهما-كلوا من رزق ربكم و اشكروا له-قال أبو عبيد:الخمط كل شجرة مرة ذات شوك،و قال الزجاج:كل نبت أخذ طعما من مرارة فلم يمكن أكله خمط،و قيل فى كتاب الخليل:الخمط شجرة الأراك و قال الجوهرى:هو ضرب من الأراك له حمل يؤكل،و الأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه،قال الزمخشرى:

وجه من نون،أن أصله ذواتى أكل أكل خمط،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،أو وصف الأكل بالخمط،كأنه قيل:ذواتى أكل شفيع.

قلت:هو نحو قولهم مررت بقاع عرفج كله،أو على تقدير ذى خمط-،كما قيل ذلك فى قوله تعالى:

(وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ 1) .

أى ذى صديد،و أجاز جماعة أن يكون بدلا،و منعه أبو على فاختار أن يكون عطف بيان،و رجح قراءة الإضافة فقال:ما ذهب إليه أبو عمرو فى قراءته بالإضافة حسن،فإن الأكل إذا كان الجناء فإن جناء كل شجرة منه؛قال:و خير الإضافة ليس فى حسن الإضافة،و ذلك لأن الخمط إنما هو اسم شجرة،و ليس بوصف،و إذا لم يكن وصفا و لم يجرى على ما قبله كما يجرى الوصف على الموصوف،و البدل ليسى بالسهل أيضا،لأنه ليس هو هو و لا بعضه،لأن الجناء من الشجرة،و ليس الشجرة من الجناء،قال:فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان،كأنه بين أن الجناء لهذا الشجر و منه،و كان الذى حسن ذلك أنهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة،قال الشاعر فى صفته:

القفار ليست بخطمه

قال أبو الحسن:الأحسن فى كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل دار آجر و ثوب خز،قال:

و أكل خمط قراءة كثيرة،و ليست بالجيدة فى العربية،و قال الفراء:الخمط فى التفسير هو الأراك،و هو البربر،قال النحاس:قال محمد بن يزيد:الخمط كل ما تغير إلى ما لا تشتهى و اللبن خمط إذا حمض،و الأولى عنده فى القراءة-ذواتى أكل خمط-بالتنوين على أنه نعت لأكل أو بدل منه،لأن الأكل هو الخمط بعينه عنده،فأما الإضافة فباب جوازها أن يكون تقديرها ذواتى أكل حموضة و أكل مرارة،و اللّه أعلم.

980-[و(حقّ)لوا باعد بقصر مشدّدا

و صدّق للكوفيّ جاء مثقّلا]

باعد مبتدأ و خبره:حق«لوا»،و يقصر مشددا حالان من باعد،عاملهما:حق،لأنه مصدر،و قصر لفظ اللواء ضرورة،و كنى بذلك عن شهرة القراءة،و كلتاهما واضحة:باعد،و بعد،مثل ضاعف و ضعف

********

(1) سورة إبراهيم عليه الصلاة و السلام،الآيتان:26 و 16.

ص: 653

يريد قوله سبحانه-باعد بين أسفارنا-و صدق عليهم إبليس ظنه-بالتخفيف و التشديد،قيل هما سواء، -و ظنه-مفعول به،يقال:وعد مصدوق و مكذوب،قال اللّه تعالى:

(ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ 1) .

و من أبيات الحماسة:

فوارس صدقوا فيهم ظنونى

أى كان منهم ما ظننت فيهم،و كذا إبليس ظن أنه يقويهم إلا قليلا،فوقع ذلك،و قيل:التقدير فى قراءة التخفيف فى ظنه،فحذف الجار متعدى الفعل،فنصب و قيل التقدير ظن ظنه،نحو فعلته جهدك،و قيل:

فى التشديد حق عليهم ظنه أو وجده صادقا،و روى«ظنه»بالرفع على تخفيف صدق،فيكون ظنه بدلا من إبليس، و قيل أيضا بجواز نصب إبليس و رفع ظنه،فكما صدق إبليس ظنه فكذا صدق ظنه،و ظنه هو قوله لأغوينهم أجمعين،قال ذلك ظنا.

981-[و فزّع فتح الضّمّ و الكسر(ك)امل

و من أذن اضمم(ح)لو(ش)رع تسلسلا]

الخلف فى هذين الفعلين فى إسناد الفعل إلى الفاعل،و هو اللّه عز و جل،أو لما لم يسم فاعله،و كلاهما ظاهر،فإن أسند فزع إلى الفاعل،فالفاعل هو اللّه تعالى،أو ما هناك من الحال،قال ابن جنى:إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه كثير،منه ما حكاه سيبويه من قولهم:

إذا كان غدا فائتنى

و كذلك قول الشاعر:

فإن كان لا يرضيك حتى تردنى إلى قطرى لا إخالك راضيا

أى إن كان لا يرضيك ما جرى أو ما الحال عليه.

قلت:و قرئ شاذا فزع بتخفيف الزاى مع البناء للمفعول،و قرئ أيضا بالراء المهملة و العين المعجمة مع البناء للفاعل أو المفعول،و الراء مشددة و مخففة،فهذه ست قراءات مع البناء للمفعول،و اثنان مع البناء للفاعل،و مفعول ما لم يسم فاعله قوله:-عن قلوبهم-نحو سير عن البلد.

قال ابن جنى:المعنى فى جميع ذلك إذا كشف عن قلوبهم،و قوله:«حلو شرع»حال من مفعول اضمم.

982-[و فى الغرفة التّوحيد(ف)از و يهمز الت

تناوش(ح)لوا(صحبة)و توصّلا]

يريد- وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ -و وجه الجمع ظاهر كما جاء فى موضع آخر:

(لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ (2) - لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً 3) .

و وجه الإفراد قوله:- أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا -فهو اسم جنس يراد به الجمع و الكثرة،و التناوش

********

(1) سورة هود،آية:65.

(2) سورة الزمر،آية:20.

(3) سورة سبأ،آية:37.

ص: 654

التناول بغير همز و وجه الهمز ضم الواو مثل:أقتت،و أدؤر،و أجوه و قيل:هو من ناشت:إذا تأخرت و أبطأت،و إذا وقف حمزة جعل الهمزة بين بين على أصله،و ذكر صاحب التيسير له وجها آخر هنا:أنه يقف بضم الواو على تعليل الهمز بأن سببه ضمة الواو،فقال:فعلى هذا يقف بضم الواو،و يرد ذلك إلى أصله،و لم يتعرض الناظم رحمه اللّه لهذا الوجه فى نظمه هنا.و اعتذر عن ذلك فيما وجدته فى حاشية النسخة المقروة عليه، فقال:تركه لضعف هذا التأويل،قال:ثم لو صح كيف يرد الوقف الشيء إلى أصله،و هو عارض و أين له نظير حتى يبنى عليه و يلزمه ذلك فى عطاء و جزاء.

قلت:و هذا الوجه صحيح لحمزة،و لكن مأخذه اتباع الرسم كما سبق فى بابه،و استغنى الناظم بذلك عن ذكره هنا،و اللّه أعلم.

و قوله«حلوا»حال من التناؤش،و صحبه و توصلا تمييزان من الحال أى حلوا صحبته و توصله:

983-[و أجرى عبادى ربّى اليا مضافها

و قل رفع غير اللّه بالخفض(ش)كلّا]

يريد:الياء فى هذه الكلمات الثلاث هى مضافها،أى الذى يجرى عليه أحكام ياءات الإضافة بالفتح و الإسكان،فقوله- إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللّهِ وَ هُوَ عَلى كُلِّ -فتحها نافع و أبو عمرو،و ابن عامر و حفص-عبادى الشكور-فتحها كلهم غير حمزة-ربى إنه سميع قريب-فتحها نافع و أبو عمرو و فى سبأ زائدتان،كالجوارى أثبتها أبو عمرو و ورش فى الوصل،و ابن كثير فى الحالين-فكذبوا رسلى فكيف كان نكير-أثبتها فى الوصل ورش وحده،و أما:

(هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ 1) .

فى سورة فاطر فالحفظ صفة لخالق على اللفظ،و الرفع صفة على المعنى لأن التقدير:هل خالق غير اللّه، و معنى شكل صدر،و اللّه أعلم.

984-[و نجزى بياء ضمّ مع فتح زائه

و كلّ به ارفع و هو عن ولد العلا]

يريد- كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ -قرأه أبو عمرو بضم الياء على بناء الفعل للمفعول،و قرأه الباقون بفتح النون على بنائه للفاعل،و الهاء فى«به»تعود على يجزى،لأن كل مرفوع به،لأنه مفعوله الذى أقيم مقام فاعله،و نصبه الباقون على المفعولية:

985-[و فى السّيّئ المخفوض همزا سكونه

(ف)شا بيّنات قصر(حقّ ف)تى(ع)لا]

همزا منصوب على التمييز:أى المخفوض همزه،يريد و مكر السيئ-احترازا من المرفوع بعده،و هو

********

(1) الآية:3.

ص: 655

-و لا يحيق المكر السيئ-فإنه لا خلاف فى تحريك همزه،و أما ذلك المخفوض فروى عن حمزة سكون همزه تخفيفا، لأجل كثرة الحركات،و قد سبق ما فى هذا فى قراءة-بارئكم-و يأمركم،و نحوه،و قيل:إنه وصل بنية الوقف،و عندى أنه أسكنه وقفا،فظن الراوى أنه يفعل ذلك وصلا،و سبب كونه أسكن هذه الهمزة وقفا أن من مذهبه تخفيف الهمز فى الوقف على الطريقة المذكورة فى بابه،و قياسها أن تبدل هذه الهمزة ياء،لأنها تسكن للوقف،و قبلها مكسور،فيجب قلبها ياء:إذا خففت فكأنه استثقل اجتماع ثلاث ياءات:الوسطى مكسورة،فترك الهمز ساكنا على حاله،فهو أخف من إبداله،فهو نظير ما فعله أبو عمرو فى-تؤوى-و تؤويه حين لم يبدل همزه استثقالا للإبدال،و هو معنى قول الناظم فيما سبق أخف بهمزه،و قال الزمخشرى:لعله اختلس فظن سكونا،أو وقف وقفة خفيفة،ثم ابتدأ و لا يحيق،قال أبو جعفر،النحاس:قال الأعمش و حمزة-و مكر السيئ و لا يحيق المكر السيئ-فحذف الإعراب من الأوّل و أثبته فى الثانى،قال أبو إسحاق:و هو لحن،قال أبو جعفر.و إنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه،و زعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز فى كلام و لا شعر لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها دخلت للفرق بين المعانى،و قد عظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا:و قال:إنّما كان يقف عليه،فغلط من أدّى عنه،قال:و الدليل على هذا أنه تمام الكلام،و أن الثانى لما لم يكن الكلام أعربه،و الحركة فى الثانى أثقل منها فى الأوّل،لأنها ضمة بين كسرتين قال:و احتج بعض النحويين لحمزة فى هذا بأن سيبويه أنشد:

إذا اعوججن قلت صاحب قوم فاليوم أشرب غير مستحقب

قال:و هذا لا حجة فيه:لأن سيبويه لم يجزه،و إنما حكاه على الشذوذ و ضرورة الشعر،و قد خولف فيه و قيل:إنما هو:صاح قوم:و فاليوم فاشرب.

قال الزّجاج-و مكر السيئ-موقوفا،و هذا عند النحويين من الحذاق بالنحو،و إنما يجوز فى الشعر فى الاضطرار،و أنشدوا.

قلت:

صاحب قوم اليوم اشرب غير

قال:و هذان البيتان قد أنشدهما جميع النحويين المذكورين،و زعموا كلهم أن هذا من الاضطرار فى الشعر و لا يجوز مثله فى كتاب اللّه تعالى أنشدنا هما أبو العباس محمد بن يزيد رحمه اللّه تعالى.

إذا اعوججن قلت صالح قوم و هذا جيد بالغ و أنشدنا

فاليوم فاشرب غير مستحقب

فأما ما يروى عن أبى عمرو بن العلا-إلى بارئكم-فإنما هو أن يختلس الكسر اختلاسا و لا يجزم بارئكم،قال:و هذا إنما رواه عن أبى عمرو من لا يضبط النحو،كضبط سيبويه و الخليل، و رواه سيبويه باختلاس الكسر،كأنه يقلل صوته عند الكسر،و أكثر أبو على فى الحجة من الاستشهاد و الاحتجاج للإسكان لأجل توالى الكسرات،و الاضطرار:و للوصل بنية الوقف،ثم قال:و إذا ساغ ما ذكرنا فى هذه القراءة من التأويل،لم يسغ لقائل أن يقول:إنه لحن،أ لا ترى أن العرب قد استعملوا ما فى قياس ذلك.

ثم قال:و هذه القراءة و إن كان لها مخلص من الطعن،فالوجه قراءة الحرف على ما عليه الجمهور

ص: 656

فى الدرج،و قال ابن القشيرى ما ثبت بالاستفاضة و التواتر أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قرأه فلا بد من جوازه،و لا يجوز أن يقال:إنه لحن،و لعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه،و إن كان هو فصيحا.

قلت:و على الجملة فإسكان-السيئ أهون من إسكان بارئكم لإمكان حمل ذلك على الوقف كما سبق، و لا يمكن تقدير ذلك فى بارئكم و يأمركم،و اللّه أعلم.

و قال مكى:لو نوى الوقف لخفف الهمزة على أصله،و هذا قد سبق الاعتذار عنه.

و قوله«بينات قصر حق فتى»بإضافة حق إلى فتى،علا،يريد قوله تعالى- فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ -فالإفراد فيه و الجمع قد سبق لهما نظائر،و ليس فى سورة فاطر ياء إضافة،و فيها زائدة واحدة،-فكيف كان نكيرى- أثبتها فى الوصل ورش وحده.

و قلت فى ذلك مع الياءين اللتين ذكرناهما فى سورة سبأ:

و زاد نكيرى و الجوارى لذى سبأ و فى فاطر أيضا نكيرى تقبلا

ص: 657

سورة يس

986-[و تنزيل نصب الرّفع(ك)هف(ص)حابه

و خفّف فعزّزنا لشعبة مجملا]

النصب على المصدر أى نزل اللّه ذلك تنزيلا يعنى الرسالة إليه التى دل عليها قوله تعالى- إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ - أو يكون تفسيرا للصراط المستقيم،و جعله الزمخشرى منصوبا بإضمار أعنى،و هو النصب على المدح،و وجه الرفع أنه خبر مبتدا مجذوف الخبر،قدر أبو على الأمرين،فقال:من رفع فعلى هو-تنزيل العزيز الرحيم-أو تنزيل العزيز الرحيم-هذا و قال الفراء القراءة بالنصب يريد- إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ -تنزيلا حقا،و من رفع جعله خير إنك لتنزيل العزيز،أو على الاستئناف،أى:ذلك تنزيل،و قال أبو عبيد:هى مثل صنع اللّه و صبغة اللّه و الرافعون يريدون هنا-تنزيل العزيز الرحيم-و من خفف فعززنا فمعناه غلبنا،و هو مطاوع عازنى فعززته، أى غالبنى فغلبته،و معناه بالتشديد قوينا،قال أبو عبيد:و هذا أشبه بالمعنى،و قول الناظم«محملا»أى معينا على الحمل يقال:أحملته أى أعنته على الحمل،فمعناه مكثرا حملة هذه القراءة،و اللّه أعلم.

987-[و ما عملته يحذف الهاء(صحبة)

و و القمر ارفعه(سما)و لقد حلا]

اختلفت المصاحف فى إثبات الهاء و حذفها،و هى ضمير راجع إلى ما إن كانت بمعنى الذى،و قد أجمع فى القرآن على إثبات الهاء فى:

(كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ 1) .

و على حذفها فى مواضع:

(أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً 2) .

(وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى 3) .

(إِلاّ مَنْ رَحِمَ 4) .

و يجوز على حذف الهاء أن تكون«ما»مصدرية أى و من عمل أيديهم،و يجوز على إثبات الهاء أن تكون «ما»نافية أى و ما عملت أيديهم ذلك،و رفع و القمر و نصبه من باب زيد ضربته،و فيه اللغتان،و حسن النصب ما قبله من الجملة الفعلية من قوله-أحييناها و أخرجنا منها حبا-و جعلنا-و نسلخ منه النهار-فهو مثل-و السماء بنيناها بأبد:

********

(1) سورة البقرة،آية:225.

(2) سورة الفرقان،آية:41.

(3) سورة «،آية:؟؟؟.

(4) سورة هود،آية:43.

ص: 658

(وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها 1) (وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها 2) .

أجمعوا على نصب كل ذلك،و حسن الرفع أن المعنى و آية لهم القمر كما قال تعالى قبله- وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ - وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ -فكذا التقدير و آية لهم الشمس و آية لهم القمر،فيكون مبتدءا و خبره ما بعده أو ما قبله،على اختلاف فى ذلك، لاحتمال المعنى كلا منه،و نستقصى إن شاء اللّه توجيه ذلك فى شرح نظم المفصل فى النحو،و إلى هذا أشار الناظم بقوله «و لقد حلا»و كذا قال الفراء:الرفع أحب إلىّ من النصب،لأنه قال-و آية لهم الليل-ثم جعل الشمس و القمر متبعين الليل فهما فى مذهبه آيات مثله.

988-[و خا يخصمون افتح(سما ل)ذ و أخف(ح)ل

و برّ و سكّنه و خفّف(ف)تكملا]

قرأ حمزة ما لفظ به الناظم سكن الخاء و خفف الضاد،فهى من خصم يخصم إذا غلب فى الخصومة أى يخصم بعضهم بعضا،و قيل يجوز أن يكون الأصل يختصمون،كما هو أصل قراءة غيره،فحذف هو التاء،و غيره أدغمها فى الصاد،فلهذا شددت الصاد،ثم لما أدغمت التاء فى الصاد اجتمع ساكنان:التاء المدغمة و الخاء، فمنهم من كسر الخاء لالتقاء الساكنين،و هم عاصم و الكسائى و ابن ذكوان،و منهم من فتح الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها،مثل هذا الاختلاف ما سبق فى سورة يونس فى قوله تعالى:

(أَمَّنْ لا يَهِدِّي 3) .

فعاصم طرد مذهبه فى كسر ما قبل التاء المدغمة،و زعم الفراء أن الكسر أكثر و أجود،و خالفه غيره، و حكى ابن مجاهد و غيره عن أبى بكر كسر التاء فى-يخصمون-تبعا للخاء كما كسر ياء يهدّى،و أبو عمرو و قالون أخفيا فتحة الخاء كما أخفيا فتحة الياء فى يهدى و وجه الدلالة على أن أصل هذا الحرف:السكون،و قال صاحب التيسير:النص عن قالون الإسكان فيهما،و كذا ذكر ابن مجاهد و غيره،و ضعف ذلك الحذاق لما فيه من الجمع بين الساكنين،قال الزجاج:هى ردية،و كان بعض من روى قراءة أهل المدينة يذهب إلى أن هذا لم يضبط عن أهل المدينة،كما لم يضبط عن أبى عمرو:

(إِلى بارِئِكُمْ 4) .

و إنما زعم أن هذا يختلس فيه الحركة اختلاسا،و هى فتحة الخاء،و القول كما قال:و القراءة الجيدة بفتح الخاء و كسرها جيد أيضا،و قال النحاس،إسكان الخاء لا يجوز لأنه جمع بين الساكنين،و ليس الأوّل حرف مد و لين،و إنما يجوز فى هذا إخفاء الحركة،فلم يضبط الراوى كما لم يضبط عن أبى عمرو:

(فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ 5) .

إلا من رواية من يضبط اللغة،كما روى سيبويه عنه أنه كان يختلس الحركة.

********

(1) سورة الذاريات،الآيتان:47 و 48.

(2) سورة النازعات،آية:30.

(3) آية:35.

(4) سورة البقرة،آية:54.

(5) سورة البقرة،آية:54.

ص: 659

و قال بعض المتأخرين:ليس هذا بمنكر،لأن الساكن الثانى مدغم فى حرف آخر،و الحرفان اللذان أدغم أحدهما فى الآخر يرتفع اللسان عنهما ارتفاعة واحدة،فيصيران كحرف واحد متحرك،فكأنه لم يلتق هاهنا ساكنان.

قلت:هذا خلاف ما يشهد به الخبر لفظا و وزنا فى الشعر،بل الحرف المشدد حرفان حقيقة،و لا يمكن الجمع بين الأوّل منهما و ساكن قبله غير حرف مد،و أما قول أبى على:من زعم أن ذلك ليس فى طاقة اللسان يعلم فساده بغير استدلال فمقابل بمثله،و قوله«حلوبر»منصوب على الحال من فاعل أخف أو مفعوله»أى أخف الفتحة فى حال حلاوتها،و بر يجوز بفتح الباء و كسرها،و كلاهما له حلاوة شبه بها حلاوة الإخفاء،و لكونه بين المنزلتين دال على كل واحد من الأمرين:الحركة و السكون.

989-[و ساكن شغل ضمّ(ذ)كرا و كسر فى

ظلال بضمّ و اقصر اللاّم(ش)لشلا]

أى ضم الغين ذا ذكر،و ضمها و إسكانها لغتان،و إذا ضم الكسر من قوله:فى ظلال،و هو كسر الظاء و قصر اللام،أى لم تشبع فتحها فتصير ألفا و صارت الكلمة،فى ظلل جمع ظلة:

كحلة و حلل،و ظلال جمع ظل،كقدح و قداح،أو يكون أيضا جمع ظلة،كبرمة و برام،و أجمعوا على أن:

(يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ 1) .

بالضم و القصر و على-يتفيؤا ظلاله-بالكسر و المد،و شلشلا حال من فاعل اقصر أى خفيفا.

990-[و قل جبلا مع كسر ضمّيه ثقله

(أ)خو(ن)صرة و اضمم و سكّن(ك)ذى(ح)لا]

أى مع كسر الجيم و الباء ثقل اللام أى ثقلها،يقال:ثقل و ثقل بسكون القاف و فتحها،و تقدير النظم ثقله مع كسر ضميه أخو نصرة؛فهذه قراءة نافع و عاصم جمع جبلة،و قرأ ابن عامر و أبو عمرو بضم الجيم و سكون الباء،و هو تخفيف قراءة الباقين بضمهما،قال الجوهرى:جميع ذلك لغات،و هو الجماعة من الناس،و قيل جبلا جمع جبيل كرغف و رغيف،و الجبل الخلق،و حلا فى آخر البيت بفتح الحاء،و معناه الظفر،و هو منصوب،و قد سبق فى سورة الأحزاب مثله،فمعنى كذى حلا،أى كذى ظفر،و هو فى موضع الحال من فاعل و سكن.

891-[و تنكسه فاضممه و حرّك لعاصم

و حمزة و اكسر عنهما الضّمّ أثقلا]

أى ضم نونه الأولى و افتح الثانية و اكسر الكاف و شددها،فيصير-لنكسه-من نكسه،مثله كسله،و هو

********

(1) سورة البقرة،آية:210.

ص: 660

مبالغة فى نكسه بالتخفيف،و قيل المخفف أكثر استعمالا،و فى المشدد موافقة-نعمره-فى اللفظ،و أرادوا كسر ذا الضم و هو الكاف،و أثقلا حال منه بمعنى ثقيلا.

992-[لينذر(د)م(غ)صنا و الأحقاف هم

بها بخلف(ه)دى مالى و إنّى معا حلا]

أى مشبها غصنا فى حملك للعلم المشفع به،كما يحمل الغصن الثمر،يريد- لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا -الغيب للقرآن و الخطاب للنبى صلّى اللّه عليه و سلم،و فى الأحقاف:

(لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا 1) .

و قوله،هم بها،أى قرءوا فيها بما قرءوا به هنا و هو الغيب الذى دل عليه إطلاقه للحرف و عدم تقييده، و اختلف عن البزى فى الأحقاف فقط،ثم ذكر ياءات لإضافة فى يسن و هى ثلاث-و ما لى لا أعبد-سكنها حمزة وحده-إنى إذا لفى ضلال-فتحها نافع و أبو عمرو،و-إنى آمنت بربكم فاسمعون-فتحها الحرميان و أبو عمرو و فيها زائدة واحدة-و لا ينقذون-أثبتها فى الوصل ورش وحده،و قلت فى ذلك:

و يس زد فيها و لا ينقذون مع لتردين فيما فوق صاد تنزلا

********

(1) آية:12.

ص: 661

سورة و الصافات

993-[و صفّا و زجرا ذكرا ادغم حمزة

و ذروا بلا روم بها التّا فثقّلا]

أى و ذكرا فحذف حرف العطف و ذروا عطف عليها أيضا،فصل بينهما بقوله أدغم حمزة،و قوله بلا روم أى إدغاما محضا،بخلاف ما سبق ذكره فى مذهب أبى عمرو فى الإدغام فى شرح قوله:و اشمم ورم فى غير باء و ميمها،و قوله بها أى فى أوائل هذه الكلمات الأربع،التاء مفعول أدغم،أى أدغم حمزة التاء الموجودة قبل كل واحد من هذه الألفاظ فى هذه الألفاظ فى أوائلها،فثقل أى فشدد،لأن الإدغام يوجب ذلك،أراد إدغام و الصافات صفا-فالزاجرات زجرا،فالتاليات ذكرا-هذه الثلاثة هنا و الرابعة:

(وَ الذّارِياتِ ذَرْواً 1) .

فإن قلت ما للناظم لم يذكر أبا عمر و مع حمزة فى إدغام هذه المواضع،و هو مشاركه فى هذا المذهب و تقدم ذكر باب الإدغام لأبى عمرو غير مانع له من ذلك،كما ذكره معه فى قوله:إدغام بيت فى حلا،و قد تقدم فى سورة النساء.

قلت:مذهب أبى عمرو فى الإدغام غير مذهب حمزة،و ذلك أن لمنقول عن أبى عمرو أنه كان يفعل ذلك عند الإدراج و التخفيف،و ترك الهمز الساكن،فإذا همز أو حقق لم يدغم من الحروف المتحركة شيئا إلا:

(بَيَّتَ طائِفَةٌ 2) .

فلما كان يدغم-بيت طائفة-مطلقا أشبه ذلك مذهب حمزة،فذكره معه فيها،و لما كان أمره فى- و الصافات صفا-على خلاف ذلك لم يذكره معه،و لهذا قال ابن مجاهد:قرأ أبو عمرو و إذا أدغم و حمزة على كل حال-و الصافات صفا-فقيد ذكر أبى عمرو بقوله إذا أدغم،و قال فى حمزة:على كل حال،و ترك الإدغام هو المختار فى ذلك،قال الفراء:كان ابن مسعود يدغم التاء من-و الصافات،فالزاجرات،فالتاليات و التبيان أجود لأن القراءة ثبتت على التمكين و التفصيل و البيان،و قال أبو عبيد:و كان الأعمش يدغمهن، و القراءة التى نختارها هى الأولى بالتحقيق و البيان على ما ذكرنا من مذهبنا فى جميع القرآن،إلا ما كان يخالف الخط و يخرج من لغات العرب،و قال النحاس:و هذه القراءة التى نفر منها أحمد بن حنبل لما سمعها يعنى الإدغام و اللّه أعلم.

994-[و خلّادهم بالخلف فالملقيات فال

مغيرات فى ذكرا و صبحا فحصّلا]

أى و أدغم خلاد بخلاف عنه-فالملقيات-فى سورة-و المرسلات-فى ذال ذكرا و تاء-فالمغيرات-فى

********

(1) سورة الذاريات،آية:1.

(2) سورة النساء،آية:81.

ص: 662

سورة و العاديات-فى صاد-صبحا-و زاد أبو عمرو فى مذهب الإدغام على ذلك إدغام-و العاديات ضبحا،و إدغام- و السابحات سبحا،فالسابقات سبقا-فى سورة و النازعات و ابن مجاهد و غيره من أكابر المصنفين لم يذكروا لحمزة إدغاما إلا فى الكلمات الأربع المتقدمة،و لم يذكر أبو عبيد سوى الثلاث التى فى الصافات،و أما هذا المذكور عن خلاد فى إدغام هذين الموضعين فقريب،و عنى به قول صاحب التيسير:و اقرأنى أبو الفتح فى رواية خلاد-فالملقيات ذكرا،فالمغيرات صبحا-بالإدغام أيضا من غير إشارة و ذكر فى غير التيسير أن حمزة لم يدغم إلا الأربعة الأول.

قال الشيخ:و كذا ذكر ابن غلبون و غيره،و لم يذكر أبو الفتح فى كتابه إلا المواضع الأربعة عن حمزة و الفاء فى فحصلا ليست برمز؛لأنه قد صرح أوّلا بالقارئ و هو خلاد.

فإن قلت:يحتمل أنه أراد الخلف عن خلاد فى المواضع المتقدمة كما قال فى آخر يس:بخلف هدى:

و يكون إدغام هذين الموضعين لحمزة:

قلت:يمنع من ذلك أن الواو فى:و خلادهم فاصلة.

فإن قلت:قد جاء أشياء على هذه الصورة و الخلف لما مضى نحو:و قالون ذو خلف و وجهان فيه لابن ذكوان،هاهنا و خلف فيهما مع مضمر مصيب.

قلت:قوله فيه و فيهما بيان لموضع الخلاف،و الواو بعد ذلك فاصلة أيضا فى المواضع الثلاثة المذكورة:

995-[بزينة نوّن(ف)ى(ن)د و الكواكب ان

صبوا(ص)فوة يسّمّعون(ش)ذا(ع)لا]

أى كائنا فى مكان ند،و فى بعض النسخ فى ندا،بزيادة ألف،أى كائنا فى ندا،و هو الكرم و أشار بذلك إلى وجوه هذه القراءة،و صفوة:حال من الكواكب أو من المخاطبين،و هو جمع صفى مثل صبى و صبية، شذا حال من فاعل علا أو هو مفعول به،أى علاه،نحو:علا زيدنا يوم النقا زيدكم:

و هو تمييز مقدم على عامله على رأى من جوز ذلك،أى على شذاه،أى طيبه و القراءات فى-بزينة الكواكب ثلاث قرأ حمزة و حفص بتنوين زينة و خفض الكواكب،و أبو بكر بتنوين زينة و نصب الكواكب،و الباقون بإضافة زينة إلى الكواكب،و الزينة مصدر كالنسبة،و اسم لما يتزين به كما قوله سبحانه.

(الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا 1) .

و يحتمل الأمرين:قراءة الإضافة فإن فسر بالمصدر كان مضافا إلى فاعله أو مفعوله،أى بأن زانتها الكواكب،أو بأن زان اللّه الكواكب و حسنها لأنها إنما زينت السماء لحسنها هى فى أنفسها،و إن فسر الزينة بالاسم،فالإضافة للبيان نحو خاتم حديد،لأن الزينة مبهمة فى الكواكب و غيرها،فما يزان به أو يراد بما زينت به الكواكب،أى بحليتها و هو ضوؤها و أشكالها المختلفة،كالثريا،و الجوزاء،و بنات نعش،و أما

********

(1) سورة الكهف،آية:46.

ص: 663

قراءة التنوين و جر الكواكب،فالكواكب عطف بيان أو بدل،و الزينة فيها اسم لما يتزين به،و نكر للتعظيم،أى بزينة لها شأن عظيم ثم بينها بما هو مشاهد معلوم حسنه و زينه،فقال،الكواكب،و قيل يجوز على هذه القراءة أن تكون الزينة مصدرا،و تجعل الكواكب بزينة مبالغة،أو على تقدير زينة الكواكب،فحذف المضاف،و أما القراءة بنصب الكواكب مع التنوين،فالزينة؟؟؟ فيها مصدر،و الكواكب مفعول به،و جوز الزجاج و غيره أن يكون بدلا من موضع بزينة،و قيل:هو منصوب بإضمار أعنى بعد التنكير المشعر بالتعظيم،فعلى هذين القولين:يجوز أن تكون الزينة اسما لا مصدرا،و يجوز أن تكون مصدرا على المبالغة إن قلنا الكواكب بدلا من الموضع،و على تقدير:أعنى زينة الكواكب إن قلنا هو منصوب بإضمار أعنى،و جوز الشيخ أبو عمرو أن تكون الكواكب بدلا من السماء،بدل الاشتمال،قال كأنه قيل إنا زينا الكواكب فى السماء الدنيا بزينة،فيكون الزينة مصدرا، قال الزجاج:بزينة الكواكب يعنى بتنوين زينة و رفع الكواكب،قال و لا أعلم أحدا قرأ بها؛فلا تقرأن إلا بها إلا أن تثبت رواية صحيحة لأن القراءة سنة،و الرفع فى الكواكب على معنى:إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب،أو بأن زينت الكواكب:

قال النحاس:هو على ما حكى النحويون عجبت من قراءة فى الحمام القرآن،بمعنى:إن قرئ،و أما -لا يسمعون إلى الملأ الأعلى-فنشرحها فى البيت الآتى،و هو:

996-[بثقليه و اضمم تا عجبت(ش)ذا و سا

كن معا او آباؤنا(ك)يف(ب)لّلا]

أى على بثقليه أراد تشديد السين و الميم على ما لفظ به،و أصله يتسمعون،فأدغمت التاء فى السين،و قراءة الباقين-لا يسمعون-من سمع إليه إذا أصغى مع الإدراك،و لم ينبه على إسكان السين لظهوره،و إلا فلا يلزم من ضد النقل الإسكان،بل يكفى ترك النقل،و ذلك يكون تارة مع حركة،كما فى الميم و تارة مع سكون، و اختار أبو عبيد قراءة التشديد،لأجل تعدية الفعل بإلى،و إنما عدى بها على قراءة التخفيف لتضمين الفعل معنى الإصغاء،قوله:«و اضمم تاء عجبت شذا»أى ذا شذا،فهو حال من الفاعل أو المفعول،و إضافة العجب إلى اللّه تعالى،و كذا سائر ما أضيف إليه مما لا يصح اتصافه بأعيانه:المراد منه لوازمه و ثمراته،فالمعنى هنا أن حال هؤلاء انتهت فى القبح إلى حد يتعجب منه تعجب الإنكار و الذم،و ذكر أبو عبيد أنها قراءة ابن مسعود و ابن عباس و عبد اللّه بن مقفل و إبراهيم و يحيى بن وثاب و الأعمش رضي اللّه عنهم،و يشهد لها - وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ -فأخبر اللّه جل جلاله أنه عجب،و الحديث المرفوع:«لقد عجب اللّه البارحة من فلان».

قلت:و فى حديث آخر«يعجب ربكم من إلكم (1)و قنوطكم».

و اختار أبو عبيد قراءة الرفع،و قال الفراء:الرفع أحب إلينا لأنها قراءة على و عبد اللّه و ابن عباس رضي اللّه عنهم،قال:و العجب و إن أسند إلى اللّه تعالى فليس معناه منه كمعناه من العباد،كما أنه قال:

********

(1) قوله إلكم:الإلّ أشد القنوط،و قيل هو رفع الصوت بالبكاء ا ه خطيب.

ص: 664

(سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ 1) .

(اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ 2) .

و عجبت بالفتح خطاب للنبى صلّى اللّه عليه و سلم،و قيل التقدير فى الضم قل يا محمد بل عجبت،و أما -أو آباؤنا الأوّلون-هنا و فى الواقعة،و إلى ذلك الإشارة بقوله معا،فإسكان الواو و فتحها كما مضى فى:

(أَ وَ أَمِنَ 3) .

فى سورة الأعراف و تقدير النظم أو آباؤنا ساكن معا فالواو للعطف نحو:

(أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ 4) .

قال الشيخ و معنى كيف بللا أى على تبليله و قلته،أى لم يقرأ به سوى ابن عامر و قالون.

997-[و فى ينزفون الزّاى فاكسر(ش)ذا و قل

فى الأخرى(ث)وى و اضمم يزفّون(ف)اكملا]

هو بكسر الزاى من أنزف إذا سكر و ذهب عقله،كما قال«لعمرى لئن أنزفتم أو صحوتم»أو من أنزف إذا نفد شرابه،و بفتح الزاى بنى الفعل لما لم يسم فاعله،و ليس هو الفعل المذكور فإنه لازم،و لكن يقال نزف فهو منزوف و نزيف إذا سكر،و عنى بالأخرى التى فى الواقعة،ثم قال و اضمم يزفون يعنى ضم الياء لحمزة و افتحها لغيره،و لا خلاف فى كسر الزاى،و الخلاف الذى مضى فى ينزفون فى الزاى فتحا و كسرا، و لا خلاف فى ضم الياء،أراد-فأقبلوا إليه يزفون-و معناه بفتح الياء يسرعون من زفّ الظليم و البعير يزف زفيفا، و يزفون بالضم يصيرون إلى الزفيف،أو من أزف غيره إذا حمله على الزفيف،و الألف فى قوله فأكملا كالألف السابقة فى فحصلا كلاهما بدل من نون التأكيد الخفيفة،و قد سبق مثله مرارا.

998-[و ما ذا ترى بالضّمّ و الكسر(ش)ائع

و إلياس حذف الهمز بالخلف(م)ثّلا]

أى قرأ حمزة و الكسائى بضم التاء و كسر الراء من غير لفظ إمالة على وزن رمى و دعى لفظا،و معناه ما ذا تظهر من الإذعان و الانقياد لأمر اللّه تعالى،و قراءة الباقين بفتح التاء و الراء،و هو من الرأى،اختبروا رأيه فى ذلك فوجده كما يحب صلّى اللّه عليه و سلم،و أمال الراء أبو عمرو على أصله و ورش بين اللفظين،و إلياس سريانى تكلمت به العرب على وجوه،كما فعلوا فى جبريل و ميكال،فقالوا إلياسين كجبرائيل،و إلياس كإسحاق،و وصلوا همزته كأنه فى الأصل ياس،دخلته آلة التعريف،و موضع هذا الخلاف-و إن إلياس-وصل همزته ابن ذكوان و قطعها غيره.

********

(1) سورة التوبة،آية:79.

(2) سورة البقرة،آية:

(3) سورة الأعراف،آية:98.

(4) سورة الأعراف،آية:63 و 69.

ص: 665

999-[و غير(صحاب)رفعه اللّه ربّكم

و ربّ و إلياسين بالكسر وصّلا]

الهاء فى رفعه لغير صحاب أى مرفوعه،أى الذى رفعه غير صحاب،هو قوله-اللّه ربكم و رب-جعلوه مبتدأ و خبرا،و لو قال برفع-اللّه ربكم-لحصل الغرض و كان أبين لفظا،و نصب الثلاث صحاب جعلوا ذلك بدلا من-أحسن الخالقين-أو عطف بيان و أما-سلام على إلياسين-فكسر همزتها و قصرها و أسكن كسر لامها من ذكره فى قوله:

1000-[مع القصر مع إسكان كسر(د)نا(غ)نى

و إنّى و ذو الثّنيا و أنّى اجملا]

عنى بالقصر حذف المدّ بين الهمزة المفتوحة و اللام المكسورة،فقرأ مدلول قوله:دنا،غنا،على ما لفظ به فى البيت السابق،و غنا فى موضع نصب على التمييز،أو الحال أى دنا غناه،أو ذا غناء،لأن هذه القراءة استغنت بوضوحها عن تأويل القراءة الأخرى،لأن هذه لغة فى اسم إلياس على ما سبق،و قرأه نافع و ابن عامر-آل ياسين-كما جاء-آل عمران-و كتبت كذا مفصولة فى المصحف كأن اسمه يس على وزن ميكال، فيكون اسمه جاء فى القرآن بأربع لغات و كذا سبق فى قراءة اسم جبريل،و هى إلياس بقطع الهمزة و وصلها، و ياسين و إلياسين،و تكون القراءتان قد تضمنتا التسليم عليه و على آله،و قيل:أريد بآله نفسه،و قيل سلم عليهم من أجله تنبيها على استحقاقهم لذلك لعدم شهرتهم بخلاف آل باقى الأنبياء المسلم عليهم فى هذه السورة،و قيل:المراد بالقراءتين آله،و إلياسين جمع،فهو من باب قول الراجز:

قدنى من نصر الخُبَيبين قدي

و ردّ هذا بأنه لو أريد لكان الوجه تعريفه،فيقال الإلياسين كقوله الخُبَيبين،و قرئ على إلياسين بوصل الهمزة،فهذا يمكن فيه ذلك،لأن فيه آلة التعريف،و قيل ياسين اسم أبى إلياس،أضيف الآل إليه فدخل إلياس فيهم،ثم ذكر ياءات الإضافة فى هذه السورة،و هى ثلاث:-إنى أرى فى المنام أنى أذبحك-فتحهما الحرميان و أبو عمرو-ستجدنى إن شاء اللّه-فتحهما نافع وحده،و هى المراد بقوله و ذو الثنيا،و قد سبق معنى ذلك فى آخر سورة القصص،و فيها زائدة واحدة-لتردين-أثبتها ورش وحده فى الوصل،و قد سبق نظمها مع زائدة-و لا ينقذون-فى آخر سورة يس (1)،و الألف فى قوله أجملا للإطلاق لا للتثنية،لأن المذكور ثلاث ياءات نبهت على المذكور على وجه الإجمال دون التفصيل،كما قال فى باب ياءات الإضافة أحكيه مجملا، و يجوز أن تكون الألف للتثنية،و يكون الضمير لأنى و إنى،فهما المجملان بين ألفاظ السورة،أما-ستجدنى- فلا،فإنها بقوله و ذو الثنيا متميزة،فكأنها مذكورة بعينها.

********

(1) آية:23.

ص: 666

سورة ص

1001-[و ضمّ فواق(ش)اع خالصة أضف

له(ا)لرّحب وحّد عبدنا قبل(د)خللا]

فواق بضم الفاء و فتحها لغتان،و قيل الفتح بمعنى الإفاقة و الضم ما بين شخب الحلبتين،أى ما لها من رجوع، أو ما يمهلهم و لا مقدار فواق-و خالصة ذكرى الدار-بالإضافة أى بما خلص من ذكراها،أى لا يخلطون ذكر الآخرة بالدنيا،و تقدير قراءة التنوين يخلصه خالصة،ثم بينها فقال هى-ذكرى الدار-و قوله:و حدّ عبدنا قبل،أى الذى قبل خالصة احترازا من توحيد غيره،فإنه مجمع عليه،و عبادنا بالجمع ظاهر لأن بعده إبراهيم و إسحاق و يعقوب،و وجه الإفراد تمييز إبراهيم عليه السّلام على ولده بتشريفه بوصفه بالعبودية، كما ميز بالخلة،و عطف عليه ما بعده،و لهذا قال:دخللا،أى هو خاص دخللا لإبراهيم،و دخيل الرجل و دخلله الذى يداخله فى أموره و يختص به،و يجوز أن يكون المراد به أنه مداخل لما قبله فى الإفراد،و هو قوله تعالى:

- وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ... نِعْمَ الْعَبْدُ ،و قبل ذلك:- وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ -فصرح لهؤلاء بوصف العبودية لفظا،و هى مرادة للكل تقديرا،لأنهم جميعهم من الطبقة العليا المصطفين من الخلق.

فإن قلت مفهوم قوله:أضف أن قراءة الباقين بترك الإضافة،و ترك الإضافة تارة يكون لأجل التنوين، و تارة لأجل الألف و اللام،فمن أين تعين التنوين لقراءة الباقين؟ قلت:من وجهين،أحدهما أنه لفظ بها منوّنة فى نظمه،فكأنه قال:أضف هذا اللفظ،فضده لا تضف هذا اللفظ،و الثانى أن الألف و اللام زيادة على رسم الكلمة،فلا يذهب و هم إليها:

1002-[و فى يوعدون(د)م(ح)لا و بقاف(د)م

و ثقّل غسّاقا معا(ش)ائد(ع)لا]

يريد- هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ -وجه الغيب أن قبله-و عندهم-و الخطاب للمؤمنين،و فى ق:

(هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ 1) .

لم يقرأه بالغيب إلا ابن كثير وحده،لأن قبله:

(وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ 2) .

و قوله دم حلا،أى ذا حلا أو دامت حلاك،نحو:طب نفسا،فهو حال أو تمييز،و الجملة دعا له بذلك،و الغساق بتخفيف السين و تشديدها واحد،و هو ما يسيل من صديد أهل النار:أعاذنا اللّه بكرمه منها، و قوله شائد علا:فاعل ثقل،أى قارئ هذه صفته شاد العلا فيما حصل من العلم و المعرفة،و قوله:معا يعنى هنا-هذا فليذوقوه حميم و غساق-و فى سورة النبأ:

(إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً 3) .

********

(1) آية:32.

(2) آية:31.

(3) آية:35.

ص: 667

1003-[و آخر للبصرى بضمّ و قصره

و وصل اتّخذناهم(ح)لا(ش)رعه و لا]

يريد- وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ -أى و عذاب آخر،و قرأه أبو عمرو،و أخر بضم الهمزة و لا مدّ بعدها،فصار على وزن كبر جمع أخرى،أى و عقوبات أخر،و قوله بعد ذلك:أزواج،خبر و أخر على القراءتين،و جاز أن يكون لفظ المبتدإ واحدا و الخبر جمعا،لأن العذاب يشتمل على ضروب،كما تقول عذاب فلان أنواع شتى، و قرئ-اتخذناهم سخريا-بوصل الهمزة.فتذهب فى الدرج و تكسر إذا ابتدئ بها،و قرئت بالقطع فتفتح مطلقا:

فإن قلت:من أين علم أن همزة القطع هنا مفتوحة؟.

قلت:من جهة أنها همزة فى أوّل فعل ماض،فلا تكون إذا كانت للقطع إلا مفتوحة،لأنها همزة استفهام هنا،و تقع فى غير الاستفهام فى نحو أكرم،لا تخرج همزة الفعل الماضى المقطوعة عن ذلك،:-و-اتخذناهم- بالوصل جملة صفة واقعة لرجالا بعد صفة،و بالقطع على أنه استفهام إنكار على أنفسهم،و أم بعد الاستفهام متصلة،و بعد الحبر منقطعة،و ولا بالكسر حال،أى ذا ولاء أى متابعة،أو يكون مفعولا من أجله،أى حلا شرعه من أجل ما لزمه من المتابعة،و يجوز أن يكون تمييزا،أى حلت متابعة شرعه.

1004-[و فالحقّ(ف)ى(ن)صر و خذ ياء لى معا

و إنّى و بعدى مسّنى لعنتى إلى]

أى فالحق أنا،أو فالحق منى،و النصب على الأخرى أى فالتزموا الحق،أو على حذف حرفى القسم، نحو و اللّه لأفعلن،و لا خلاف فى نصب:و الحق أقول،و فيها ست ياءات إضافة:و لي نعجة-ما كان لى من- ثم فتحهما حفص،و حيث إنى أحببت و فتحها،و كان أبو عمر و جدتان و أبو عمر:لأحد من بعدى إناءة فتحها نافع و أبو عمرو:مسنى الضر،سكنها حمزة وحده-لعنتى إلى يوم الدين-و فتحها نافع وحده.

ص: 668

سورة الزمر

1005-[أمن خفّ(حرمىّ ف)شا مدّ سالما

مع الكسر(حقّ)عبده اجمع(ش)مردلا]

يريد- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ -من خفف جعل الهمزة للنداء أو الاستفهام و الخبر محذوف أى كغيره كقوله تعالى- أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ -فهى أم دخلت على من فأدغمت الميم فى مثلها و المعادل لأن محذوف تقديره الكافر المتخذ من دون اللّه أندادا خير أم من هو قانت،و مثلها- أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ -على قراءة الوصل معناه مفقودون هم أم زاغت الأبصار عنهم،و نحوه-ما لى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين-أى أ حاضر هو أم غائب،و يجوز أن تكون أم منقطعة فى جميع ذلك و تقدير موضعها بل،و همزة الاستفهام فيتحد تقدير المحذوف فى القراءتين هنا و هو الخبر،و على التقدير الأوّل يكون المحذوف هو المبتدأ،و نظيره قوله تعالى فى سورة محمد صلّى اللّه عليه و سلم-كمن هو خالد فى النار-أى أ هؤلاء كمن هو خالد فى النار،و من الاتفاق العجيب أنه لو جمع بين اللفظين فى السورتين لانتظم مضى ما قدر فى كل واحد منهما،و هو-أمن هو قانت-كمن هو خالد،و قول الناظم أمن مبتدأ خبره حرمى فشا،و خف فى موضع الحال من أمن أى أمن لفظ حرمى فشا خفيفا،ثم استأنف جملة أخرى فعلية أو اسمية،فقوله مد إما فعل ماض فاعله حق،و إما مبتدأ خبره حق أراد،و-رجلا سلما لرجل-فقوله سلما مصدر سلم ذا سلامة، يقال سلم سلما و سلما و سلامة،و من قرأ بالمدّ و كسر اللام فظاهر،و-أ ليس اللّه بكاف عبده-الإفراد للجنس، و وجه الجمع ظاهر،و شمردلا:أى خفيفا،و هو حال من الفاعل أو المفعول.

1006-[و قل كاشفات ممسكات منوّنا

و رحمته مع ضرّه النّصب(حمّلا]

يريد- كاشِفاتُ ضُرِّهِ -و-ممسكات رحمته-قراءة أبى عمرو على الأصل بالتنوين و نصب ضره و رحمته لأنهما مفعولا كاشفات ممسكات،و قراءة الباقين على الإضافة فهما مثل زيد ضارب عمرا،و ضارب عمرو،و فى قوله حملا ضمير تثنية،و هو الألف يرجع إلى رحمته و ضره،و النصب مفعول ثان لحملا أى حملا النصب، و منوّنا حال من فاعل قال.

1007-[و ضمّ قضى و اكسر و حرّك و بعد رف

ع(ش)اف مفازات اجمعوا(ش)اع(ص)ندلا]

أى ضم القاف و اكسر الضاد و افتح الياء و ارفع ما بعد ذلك،و هو الموت،لأنه مفعول قضى المبنى لما لم يسم فاعله،و قراءة الباقين على بناء الفعل للفاعل،و الموت مفعول به منصوب،و قوله:رفع شاف أى رفع قارئ شاف،و أما بمفازاتهم فالجمع و الأفراد فيه ظاهران مثل مكاناتكم و مكانتكم،و صندلا حال أو تمييز، أى ذا صندل،أو شاع صندله أى طيبه.

ص: 669

1008-[و زد تأمرونى النّون(ك)هفا و(عمّ)خف

فه فتّحت خفّف و فى النّبإ العلا]

يريد- أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي قرأه بنونين ابن عامر على الأصل،و هما نون رفع الفعل و نون الوقاية،و حذف نون الوقاية نافع وحده،و أدغم الباقون نون الرفع فى نون الوقاية،و لما أظهر ابن عامر النون زال الإدغام فزال التشديد فى قراءته،فلهذا ذكره مع نافع فى تخفيف النون،و لو لم يقل ذلك لزيدت نون مع بقاء الأخرى على تشديدها،و أما-فتحت أبوابها-فى الموضعين فخفف الكوفيون تاءه و شددها غيرهم،و كذا فى سورة النبأ.

(وَ فُتِحَتِ السَّماءُ) .

و قد سبق فى الأنعام و الأعراف نظير ذلك،و العلا نعت لسورة النبأ،و ليس برمز،لأنه قد صرح بصاحب هذه القراءة فى البيت الآتى،و هو:

1009-[لكوف و خذ يا تأمرونى أرادنى

و إنّى معا مع يا عبادى فحصّلا]

محصلا حال من فاعل خذ ياء هذه الكلمات محصلا لها،فهى التى اختلف فى إسكانها و فتحها،أراد-تأمرونى أعبد-فتحها الحرميان-أرادنى اللّه بضر-أسكنها حمزة وحده،و لا خلاف فى إسكان-أو أرادنى برحمة- و قوله:و إنى معا،أراد-إنى أمرت-فتحها نافع وحده-إنى أخاف إن عصبت-فتحها الحرميان و أبو عمرو- يا عبادى الذين أسرفوا-أسكنها أبو عمرو و حمزة و الكسائى،و فيها زائدة واحدة-فبشر عبادى الذين يستمعون القول-أثبتها السوسى وقفا و وصلا،و فتحها فى الوصل،هذا على رأى صاحب القصيدة،و أما صاحب التيسير فعدها فى ياءات الإضافة،فلهذا قال الناظم:مع يا عبادى،فزاد حرف الندا،و هو يا:ليميز بينهما و قلت فى ذلك:

فبشر عبادى زائد فى نظومنا مضاف لذى التيسير،و الكل قد جلا

أى و لكل قول من ذلك وجه صحيح.

ص: 670

سورة غافر

1010-[و يدعون خاطب(إ)ذ(ل)وى هاء منهم

بكاف(ك)فى زد الهمز(ث)مّلا]

أراد-و الذين تدعون من دونه-الخلاف فيه فى الغيب،و الخطاب ظاهر،و قوله إذ لوى،أى أعرض لأنه عدل إلى الخطاب فأعرض عن إجراء الكلام على الغائبين فى قوله-ما للظالمين من حميم و لا شفيع-و أما- أشد منهم قوّة-فكتب فى مصاحف الشام موضع منهم بالهاء منكم بالكاف،فكل قرأ بما فى مصحفه، و الكلام فيه كما فى يدعون لأنه خطاب و غيب،و أما-إنى أخاف أن يبدل دينكم و أن-فقراءة الجماعة بواو العطف،و زاد الكوفيون قبل الواو همزة،و أسكنوا الواو فصارت أو أن،بحرف أو،و هو للعطف أيضا،إلا أنه للترديد بين أمرين،و الواو للجمع بينهما،و كذلك هى فى مصاحف الكوفة بزيادة همزة،و كل واحد من الأمرين مخوف عنده،فوجه الجمع ظاهر و وجه الترديد أن كل واحد منهما كان فى التحذير،فكيف إذا اجتمعا،و قوله ثملا هو جمع ثامل و هو المصلح و المقيم،و قد سبق شرحه فى المائدة،و نصبه هنا على أنه ثانى مفعولى زد،كما تقول زد الدراهم قوما صالحين،و يجوز أن يكون حالا من الهمزة،على تقدير ذا ثمل،أى جماعة مصلحين للمعنى مقيمين على القراءة به،و يجوز أن يكون حالا من فاعل زد،لأنه لم يرد به واحدا و إنما هو خطاب لكل قارئ،فهو كما تقدم فى الفرقان و خاطب يستطيعون عملا،و اللّه أعلم.

1011-[و سكّن لهم و اضمم بيظهر و اكسرن

و رفع الفساد انصب(إ)لى(ع)اقل(ح)لا]

أى سكن الواو للكوفيين كما تقدم،ثم تكلم فى خلاف كلمة يظهر،فقال:ضم تاء و اكسر هاءه فيصير يظهر من أظهر،فهو فعل متعد،فلزم نصب الفساد لأنه مفعوله و فاعله ضمير يرجع إلى موسى عليه السّلام، و قراءة الباقين بفتح الياء و الهاء و رفع الفساد على أنه فاعل يظهر،فقوله:و اضمم بيظهر أى بهذا اللفظ، و النون فى و اكسرن للتأكيد،و إلى عاقل متعلق بحال محذوف،أى و انصب رفع الفساد مضيفا ما ذكرت إلى قارئ عاقل حلا:

1012-[فأطّلع ارفع غير حفص و قلب نو

و نوا(م)ن(ح)ميد ادخلوا(نفر ص)لا]

فاطلع بالرفع عطف على أبلغ و بالنصب لأنه فى جواب الترجى،و نظيره ما يأتى فى سورة عبس،و أما -على كل قلب متكبر-فمن نون قلب فمتكبر صفة له،لأنه محل الكبر،و من أضاف كان متكبر صفة للجملة،و التقدير على قلب لمتكبر،و قدر أبو على على كل قلب كل متكبر،فحذفت كل الثانية،و قدر الزمخشرى على قراءة التنوين:على كل ذى قلب،و لا حاجة إلى شيء من ذلك،فالمعنى فى القراءتين أوضح من أن تحتاج إلى حذف،و إنما قدر أبو على«كل»الثانية لتقيد العموم فى أصحاب القلوب،لأنه ظن أن ظاهر

ص: 671

الآية لا تفيد إلا الطبع على جملة القلب،و جوابه أن عموم«كل»المضاف إلى«القلب»للقلوب و أصحابها،لأنه شامل لقلوب المتكبرين،فاسترسل العموم على الكلمتين،لأن المضاف إلى المضاف إلى كل كالمضاف إليها نفسها، و الدليل عليه أن ما من قلب لمتكبر إلا و هو داخل فى هذا اللفظ،و ذلك هو المقصود،فلا فرق بين أن تقول كل قلب متكبر،أو قلب كل متكبر،و روى أن ابن مسعود قرأها كذلك،فهو شاهد لقراءة الإضافة،قال أبو عبيد معنى على قلب متكبر،و على قلب كل متكبر يرجعان إلى معنى واحد،و قال الفراء المعنى فى تقدم القلب و تأخره واحد،سمعت بعض العرب يقول:يرجّل شعره يوم كل جمعة يريد كل جمعة،و المعنى واحد،و قوله غير حفص يحتمل أمرين:أحدهما أن يكون على حذف حرف النداء،أى يا غير حفص،كأنه نادى القارئين لذلك،و الثانى أن يكون حالا أى غير قارئ لحفص أى إذا قرأت لغيره فارفع،و قوله من حميد أى هو تنزيل من حميد،يعنى اللّه تعالى،كما قال-تنزيل من حكيم حميد-و يجوز أن يقدر آخذين للتنوين من قارئ حميد،أى محمود الطريقة فى الثقة و العلم،ثم قال:ادخلوا أى ادخلوا آل فرعون نفر صلا،أى ذو صلا،يريد الذكاء، على ما سبق تفسيره فى سورة الأنعام و غيرها،و هو خبرا ادخلوا،ثم ذكر ما يفعل فيه هؤلاء،فقال:

1013-[على الوصل و اضمم كسره يتذكّرو

ن(كهف(سما)و احفظ مضافاتها العلا]

أى على وصل همزة،و ضم خاءه المكسورة فيكون فعل أمر من دخل،و قرأ الباقون بقطع الهمزة و فتحها على ما سبق فى نظائره،و بكسر الخاء فيكون فعل أمر من دخل،فعلى الأول هو أمر لهم أى ادخلوا يا آل فرعون،و على الثانى هو أمر للملائكة،و آل فرعون مفعول به،و الغيب و الخطاب فى-قليلا ما يتذكرون- ظاهران ثم ذكر الياءات،

1014-[ذرونى و ادعونى و إنّى ثلاثة

لعلّى و فى مالى و أمرى مع إلى]

يريد- ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى - اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ -فتحهما ابن كثير وحده- إِنِّي أَخافُ -ثلاثة مواضع واحد من قول فرعون- إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ -و اثنان من قول مؤمن آل فرعون- إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ - إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ -فتحهن الحرميان و أبو عمرو- لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ -فتحها الحرميان و أبو عمرو و ابن عامر- ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ -كذلك إلا ابن ذكوان و أفوّض أمرى إلى اللّه فتحها نافع و أبو عمرو، و هذا معنى قوله«مع إلى»و موضع هذه الكلمات رفع أى،هى ذرونى و كذا و كذا،أو نصب على البدل من مضافاتها فى البيت السابق،و قوله:و إنى ثلاثة ينبغى أن يكون ثلاثة منصوبا على الحال،و هو كما سبق تقريره فى سورة القصص،و أنث العدد هناك و ذكّره هنا باعتبار الكلمات و الألفاظ،و قوله لعلى على حذف حرف العطف و فى مالى،أى و ياء الإضافة فى مالى أيضا،و هو عطف على المعنى لأن ما تقدم فيه كذلك ياءات الإضافة، فهو قريب من قوله تعالى:

ص: 672

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ 1) .

إلى أن قال و فى الرقاب،أى و تدفع أيضا فى فك الرقاب و فى الإنفاق فى سبيل اللّه تعالى،و موضع قوله «مع إلى»نصب على الحال،أى مصاحبا للفظ إلى،و اللّه أعلم.

و فيها ثلاث زوائد«يوم التلاق-يوم التناد»أثبتهما نافع فى الوصل،و ابن كثير فى الحالين«اتبعونى أهدكم»أثبتها فى الوصل أبو عمرو و قالون و فى الحالين ابن كثير،و قلت فى ذلك:

يا اتبعونى أهدكم و التلاق و الت ناد ثلاث فى الزوائد تجتلا

********

(1) سورة التوبة،آية:60.

ص: 673

سورة فصلت

1015-[و إسكان نحسات به كسره(ذ)كا

و قول مميل السّين للّيث أخملا]

النحس بالاسكان مصدر نحس نحسا نقيض سعد سعدا،و اسم الفاعل نحس بكسر الحاء و القراءة بالكسرة ظاهرة،لأنها نعت لأيام،و أما القراءة بالإسكان فإما مخففة منه أو صفة على فعل نحو صعب و سهل،أو وصف بالمصدر نحو عدل و قوله سبحانه-فى يوم نحس-لا دلالة فيه على قراءة الإسكان لأنه مضاف الى المصدر قال أبو على:قال المفسرون فى نحسات قولين:أحدهما الشديدات البرد،و الآخر أنها المشئومات عليهم،فتقدير قوله فى يوم نحس مستمر فى يوم شؤم،قال صاحب التيسير،و روى للفارسى عن أبى طاهر عن أصحابه عن أبى الحارث إمالة فتحة السين،قال و لم أقرأ بذلك،و أحسبه و هما،فهذا معنى قول الناظم:أخمل،أى ترك قول من نقل ذلك عن الليث،و هو أبو الحارث راوى الكسائى،و إنما أضاف الإمالة إلى السين،و هى للألف فى التحقيق أميلت للكسرة بعدها لما تقدم من أنه يلزم من إمالة كل ألف إمالة الآخر،إذ يلزم فى إمالة الفتحة إمالة فتحة الحرف الذى قبلها،و إذا كان كذلك فيجوز الاقتصار على ذكر أحدهما لدلالته على الألف،و قد ذكرنا فى شرح قوله وراء تراء فاز،و فى إمالة رأى فى سورة الأنعام:

1016-[و نحشر ياء ضمّ مع فتح ضمّه

و أعداء(خ)ذ و الجمع(عمّ ع)قنقلا]

أى ذو ياء،و أعداء بالرفع،لأنه مفعول ما لم يسم فاعله،و هو يحشر بضم الياء و فتح الشين و أما نافع وحده فقرأ بفتح النون و ضم الشين أى نحشر نحن أعداء اللّه بالنصب لأنه مفعول به،و أما-و ما تخرج من ثمرات من أكمامها-فقرئ بالإفراد و بالجمع،و وجههما ظاهر، قال الجوهرى:العقنقل الكثيب العظيم المتداخل الرمل،و قال غيره فى قول امرئ القيسى.

بنا بطن غبت ذى حقاف و يروى بطن حقف ذى قفاف عقنقل.

أى رمل منعقد داخل بعضه،بعض،و قال ابن سيدة العقنقل من الأودية ما عظم و اتسع،و نصبه الناظم على الحال أى عم الجميع مشبها عقنقلا فى الكثرة و الاجتماع و العظمة و السعة بخلاف الأفراد،ثم ذكر الكلمة المختلف فى جمعها فقال:

1017-[لدى ثمرات ثمّ يا شركائى ال

مضاف و يا ربّى به الخلف(ب)جّلا]

أى المضاف فى هذه السورة من الياءات يا شركائى و يا ربى،فقصر لفظ«يا»فى الموضعين ضرورة أراد- أين شركائى-قالوا فتحها ابن كثير وحده-و لئن رجعت إلى ربى-فتحها نافع و أبو عمرو،ثم قال به أى بيا ربى الخلف عن قالون فى فتحه،و هذا لم يذكر فى ياءات الإضافة،لأن صاحب التيسير ذكره هنا،و قال فى غير التيسير بالوجهين أقرأنيها فارس بن أحمد:

ص: 674

سورة الشورى و الزخرف و الدخان

1018-[و يوحى بفتح الحاء(د)ان و يفعلو

ن غير(صحاب)يعلم ارفع(ك)ما(ا)عتلا]

يريد كذلك يوحى إليك و إلى الذين من قبلك اللّه-و من فتح الحاء بنى الفعل لما لم يسم فاعله،و رفع اسم اللّه تعالى على الابتداء أو بفعل مضمر،كما تقدم فى (يُسَبِّحُ لَهُ - رِجالٌ) .

فى سورة النور (1)و معنى دان:انقاد و أطاع،و قيل:يقال:دان الرجل إذا عز،و يفعلون بالغيب، لأن قبله-يقبل التوبة عن عباده-و بالخطاب ظاهر،و تقدير النظم و غيب يفعلون قراءة غير صحاب،فحذف المضاف من المبتدا و الخبر للعلم بهما.

و أما يعلم المختلف فى رفع ميمه و نصبه فهو-و يعلم الذين يجادلون-و لا خلاف فى رفع و يعلم ما تفعلون-لأنه عطف على-يقبل التوبة و يعفو-و يعلم-و أما المختلف فيه فرفعه على الاستئناف،و الذى بعده فاعل أو مفعول، فهذه قراءة ظاهرة،فلهذا قال فيها:كما اعتلا و قراءة النصب مشكلة،أجود ما تحمل عليه ما قاله أبو عبيد، قال و كذلك نقرؤها بالنصب على الصرف:كالتى فى آل عمران.

(وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ) .

قلت:معنى الصرف أن المعنى كان على جهة فصرف إلى غيرها،فتغير الإعراب لأجل الصرف،و تقديره أن يقال:كان العطف يقتضى جزم-و يعلم-فى الآيتين لو قصد مجرد العطف،و قد قرئ به فيهما شاذا:

لكن قصد معنى آخر فتعين له النصب،و هو معنى الاجتماع،أى يعلم المجاهدين و الصابرين معا،أى يقع الأمران مقترنا أحدهما بالآخر،و مجرد العطف لا يتعين له هذا المعنى،بل يحتمله،و يحتمل الافتراق فى الوجود، كقولك جاء زيد و عمرو:يحتمل أنهما جاءا معا و يحتمل تقدم كل منهما على الآخر،و إذا ذكر بلفظ المفعول معه كان وقوع الفعل منهما معا فى حالة واحدة،فكذا النصب فى قوله:و يعلم أفاد الاجتماع فلهذا أجمع على النصب فى آية آل عمران،قال الزمخشرى فيها-و يعلم الصابرين-نصب بإضمار«أن»و الواو بمعنى الجمع،كقولك لا تأكل السمك و تشرب اللبن.

قلت:و العبارة عن هذا بالصرف هو تعبير الكوفيين،و مثله لا يسعنى شيء و يضيق عنك، أى لا يجتمع الأمران،و لو رفعت و الواو للعطف تغير المعنى،فهذا الجمع معنى مقصود وضع النصب دليلا عليه،فكذا النصب فى-و يعلم الذين يجادلون فى آياتنا-أى يقع إهلاكهم و العلم معا مقترنين.

و اعتراض النحاس على أبى عبيد فى تسويته بين الآيتين؛و قال-و يعلم الصابرين-جواب لما فيه النفى،فالأولى به النصب،و هذا و هم ليس هو بجواب للنفى،بل المعنى على ما ذكرناه،و لو كان جوابا لما ساغت قراءة الحسن بالجزم.

********

(1) آية:36 و 37.

ص: 675

و قال الزجاج:النصب على إضمار«أن»لأن قبلها جزاء تقول ما تصنع أصنع مثله و أكرمك،على معنى و أن أكرمك و إن شئت،و أكرمك بالرفع على معنى:و أنا أكرمك،و يجوز و أكرمك جزما.

قلت:النصب فى هذا المثال على ما قررناه من معنى الجمعية أى أصنعه مكرما لك،فالنصب يفيد هذا المعنى نصا و الرفع يحتمله،على أن تكون الواو للحال،و يحتمل الاستئناف.

و قال الزمخشرى:ما قاله الزجاج فيه نظر لما أورده سيبويه فى كتابه،قال:و اعلم أن النصب بالفاء و الواو فى قوله:إن تأتنى آتك و أعطيك،ضعيف و هو نحو من قوله.

و ألحق بالحجاز فأستريحا:

فهذا يجوز و ليس بحد للكلام و لا وجهه،إلا أنه فى الجزاء صار أقوى قليلا،لأنه ليس بواجب أن يفعل،إلا أن يكون من الأول فعل،فلما ضارع الذى لا يوجبه كالاستفهام و نحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه، قال:و لا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام و لا وجهه،و لو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه،و قد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة.

قلت النصب بالواو فى هذا المعنى ليس بضعيف،بل هو قوى،بدليل الإجماع على نصب ما فى آل عمران و أما بالفاء فضعيف لأن الفاء لا تفيد ما تفيده الواو من معنى الجمعية،فلهذا كانت قراءة من قرأ فى آخر البقرة يحاسبكم به اللّه فيغفر-بالنصب شاذة،و قد أنشد الأعشى فى بيتين نصب ما عطف بالواو لهذا المعنى:

و من يغترب عن أهله لا يزل يرى و تدفن منه الصالحات

مع أنه لا ضرورة إلى النصب فالرفع كان ممكنا له فما عدل إلى النصب إلا لإرادة هذا المعنى،و هذا النصب بالواو لهذا المعنى كما يقع فى العطف على جواب الشرط يقع أيضا فى العطف على فعل الشرط،نحو إن تأتنى و تعطينى أكرمك،قال أبو على:فينصب تعطينى و تقديره:إن يكن إتيان منك و إعطاء أكرمك.

قلت:مراده أن يجتمعا مقترنين و لو أراد مجرد وقوع الأمرين معرضا عن صفة الجمعية لكان الجزم يفيد هذا المعنى،فقد اتضحت و للّه الحمد قراءة النصب على هذا المعنى من العطف-إن يشإ يسكن الريح-فتقف السفن أو إن يشأ يعصف الريح فيغرقها و ينج قوما بطريق العفو عنهم،و يحذر آخرين بعلمهم ما لهم من محيد:

فإن قلت:كيف يوقف العفو على الشرط،و هذا الكلام خارج مخرج الامتنان،و لهذا قيده بقوله عن كثير، و لو كان معلقا على المشيئة لأطلق العفو عن الكل،نحو-و لو شاء اللّه لجمعهم على الهدى:

قلت:إنما علقة على الشرط ليتبين أنه إنما يفعل ذلك بمشيئته و ارادته،لا بالاستحقاق عليه،و أما و يعلم فإن جعلنا الذين بعده فاعلا سهل دخوله فى حيز الشرط،و إن جعلناه مفعولا فالمعنى يعلمه واقعا نحو إلا لنعلم من يتبع الرسول-أى نبقيهم على الكفر،و لا يسهل لهم الإيمان-حتى يؤتوا-و لهذا للإشكال قال ابن القشيرى رحمهما اللّه فى تفسيره:و يعف معطوف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى،قال و قرئ و يعفو بالرفع.

قلت فيكون مستأنفا و يعلم عطف عليه إن كان مرفوعا و نظيره فى هذه السور-فان يشأ اللّه يختم على قلبك ثم استأنف فقال-و يمحو اللّه الباطل و يحق الحق-و بعضهم جعل يمح مجزوما عطفا على يختم،و استدل بأنه كتب فى المصحف بغير واو،فيكون الاستئناف بقوله و يحق كقوله فى براءة-و يتوب اللّه على من يشاء-و يجوز أن تكون قراءة القراء و يعف بغير واو لمعنى الأخبار المستأنف،و حذف الواو ليس للجزم،بل للتخفيف كما

ص: 676

تحذف الألف و الياء لذلك،فالجميع حرف علة،و الواو أثقلها فالحذف لها أقيس و أولى،قال الفراء:كل ياء أو واو تسكنان،و ما قبل الياء مكسور،و ما قبل الواو مضموم،فإن العرب تحذفها و تجتزئ بالضمة من الواو و بالكسرة من الياء،قال أبو على:حذفت الألف كما حذفت الياء و إن كان حذفهم لها أقل منه فى الياء لاستحقاقهم لها،و ذلك فى نحو قولهم:أصاب الناس جهد،و لوتر ما أهل مكة عليه،و قولهم حاش للّه،و رهط ابن المعل فحذفها فى الوقف للقافية كما حذفت الياء:و قد حذفوا من لم يك و لا أدر،قلت:و فى القرآن-يوم يأتى و ما كنا نبغى-و إذا كان الأمر كذلك فحذف الواو من يعفو أولى،لأنها أثقل،و ليشاكل ما قبله من المجزوم،فهو كما قالوا فى صرف-سلاسلا و قواريرا-كما يأتى،و كما«رووا رجعن مأزورات غير مأجورات»و لما لم يمكن صورة الجزم فى ميم و يعلم حركت بالحركات الثلاث،و ذكر الزمخشرى لقراءة النصب وجها آخر،فقال:هو عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم و يعلم الذين يجادلون،و نحوه فى العطف على التعليل المحذوف غير عزيز فى القرآن،منه قوله تعالى- وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ -و قوله- وَ خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ -و لتجزى كل نفسى بما كسبت-قلت:و مثله- وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ... وَ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى و لكن كل هذه المواضع ذكر فيها حرف التعليل بعد الواو،و لم يذكر فى و يعلم الذين:

و قال ابن القشيرى:فى تفسيره فى بعض المصاحف و ليعلم باللام،فهذا يقوى قراءة النصب،و يؤيد الوجه الذى ذهب إليه الزمخشرى.

1019-[بما كسبت لا فاء(عمّ)كبير فى

كبائر فيها ثمّ فى النّجم(ش)مللا]

سقطت الفاء من فيما فى المصحف المدنى و الشامى،و ثبتت فى مصاحف العراق و وجه دخولها تضمين ما فى قوله:و ما أصابكم من مصيبة،معنى الشرط،و هى بمعنى الذى،و إذا تضمن الذى معنى الشرط جاز دخول الفاء فى حيزه و جاز حذفها و أما كبائر الإثم بالجمع فظاهر و قراءة الإفراد تقدم لها نظائر،فهو فى اللفظ إفراد يراد به الجمع،لأنه للجنس،و اختار أبو عبيد الجمع،فإن الآثار التى تواترت كلها بذكر الكبائر لم نسمع لشيء منها بالتوحيد،و معنى شملل:أسرع.

1020-[و يرسل فارفع مع فيوحى مسكّنا

(أ)تانا و أن كنتم بكسر(ش)ذا العلا]

أى فارفع الفعلين ألا أن فيوحى لما كان لا تظهر فيه علامة الرفع ألحق ذلك قوله مسكنا،و هو حال من فاعل ارفع،أى ارفعه مسكنا له،فهو مثل قوله ناصبا كلماته بكسر،لما كان المعلوم من النصب أن علامته الفتح بين هناك أن علامته الكسر،و رفع«يرسل»على تقدير:أو هو يرسل،و النصب بإضمار«أن»فيكون عطفا على«وحيا»عطف مصدر على مثله من جهة المعنى،و قوله فيوحى عطف على يرسل رفعا و نصبا، و انتهى الخلاف فى حروف عسق-و ليس فيها من ياءات الإضافة شيء،و إنما فيها زائدة واحدة،و هى-و من آياته الجوار-أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو،و فى الحالين ابن كثير،ثم تمم البيت بذكر حرف من سورة الزخرف،و هو

ص: 677

(أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ 1) .

تقرأ أن بالفتح و الكسر،فالفتح ظاهر على التعليل،أى لأن كنتم،و الكسر على لفظ الشرط،قال الزمخشرى:هو من الشرط الذى يصدر عن المستدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته،كما يقول الأجير:إن كنت عملت فوفنى حقى،و هو عالم بذلك،و لكنه يخيل فى كلامه أن تفريطك فى الخروج عن الحق فعل من له شك فى الاستحقاق مع وضوحه،استجهالا له،قال الفراء تقول:أسبك أن حرمتنى،تريد إذ حرمتنى، و تكسر إذا أردت إن تحرمنى،و مثله (وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ 2) .

بكسر أن و بفتح و مثله (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا -و- إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا 3) .

و العرب تنشد قول الفرزدق

أ تجزع أن أذنا قبيبة جزنا

و أنشدونى

أ تجزع أن بان الخليط المودع

و فى كل واحد من البيتين ما فى صاحبه من الكسر و الفتح،و قول الناظم:و إن«كنتم»مبتدأ،و شذا العلا خبره و بكسر فى موضع الحال من المبتدأ،و إن كان منونا،و إن كان مضافا إلى مثله،فهو الخبر.

1021-[و ينشأ فى ضمّ و ثقل(صحابه)

عباد برفع الدّال فى عند(غ)لغلا]

أى ضم الياء و شدد الشين،و يلزم من ذلك فتح النون،و معنى ينشأ بالفتح و التخفيف:يربى و ينشأ يربى كلاهما ظاهر،و لفظ بالقراءتين فى-عباد الرحمن-و عند الرحمن-و نص على حركة الدال،لأن اللفظ لا ينبى عنها أى«عباد»مرفوع الدال،يقرأ فى موضع عند،و التعبير عن الملائكة بأنهم عباد الرحمن ظاهر، و أما عبارة«عند»فاشار إلى شرف منزلتهم،و قد جاء فى القرآن التعبير عنهم بكل واحد من اللفظين-بل عباد مكرمون إن الذين عند ربك لا يستكبرون-و من عنده لا يستكبرون عن عبادته-،و غلغل من قولهم:

تغلغل الماء فى النبات إذا تخلله،و قد غلغلته أنا،و المعنى:أن«عباد»تخلل معناه معنى عند،فكان له كالماء للشجر،لا بدّ للشجر منه،فكذا صفة العبودية لا بدّ منها لكل مخلوق،و إن اتصف باطلاق ما يشعر برفع المنزلة كلفظ«عند»و ما أشبهها.

1022-[و سكّن و زد همزا كواو أو شهدوا

(أ)مينا و فيه المدّ بالخلف(ب)لّلا]

********

(1) آية:5.

(2) سورة الكهف،آية:6.

(3) سورة المائدة،آية:2.

ص: 678

أشهدوا مفعول و سكن،يعنى سكن الشين المفتوحة من قوله تعالى- أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ -و زد بعد همزة الاستفهام همزة مسهلة كالواو،أى همزة مضمومة مسهلة بين بين،كما يقرأ-أؤنبئكم-فيكون أصله أشهدوا:

أى حضروا،ثم دخلت عليه همزة الاستفهام التى بمعنى الانكار،فهو من معنى قوله تعالى- ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ -الآية،و عن قالون خلاف فى المد بين هاتين الهمزتين،و هو يمد بلا خلاف بين الهمزتين من كلمة مطلقا،و معنى بلل:قلل،و قراءة الباقين من شهدوا بمعنى حضروا،ثم دخلت على الفعل همزة الإنكار و فى معنى هذه الآية قوله سبحانه فى سورة و الصافات منكرا عليهم.

(أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ 1) .

1023-[و قل قال(ع)ن(ك)فؤ و سقفا بضمّه

و تحريكه بالضّمّ(ذ)كّر(أ)نبلا]

يعنى-قل أو لو جئتكم-قرأه حفص،و ابن عامر-قال-على الخبر،أى قال النذير،و قراءة الباقين على حكاية ما أمر به النذير،أى قلنا له إذ ذاك:قل لهم هذا الكلام،و تقدير البيت:و قل يقرأ،ثم قال و سقفا بضمه أى بضم السين و تحريك القاف جمعا،قال أبو على:سقف جمع سقف كرهن و رهن،قال:و سقف واحد يدل على الجمع،أ لا ترى أنه قد علم بقوله-لبيوتهم- أن لكل بيت سقفا،قال أبو عبيد:و لم تجد مثال فعل بجمع على فعل غير حرفين،سقف و سقف، و رهن و رهن.

قلت:و أجمعوا على إفراد التى فى النحل:

(فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ 2) .

(وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً 3) .

و قوله ذكر أنبلا أى نبيلا،أى ذكر هذا اللفظ فى حال نبله،أو ذكر شخصا نبيلا،أى أفهمه أنه أحد الحرفين المجموعين على هذا الوزن.

1024-[و(ح)كم(صح)اب قصر همزة جاءنا

و أسورة سكّن و بالقصر عدّلا]

الحاء من«و حكم»رمز أبى عمرو،و قد سبق استشكاله و التنبيه عليه فى مواضع،يريد- حَتّى إِذا جاءَنا قالَ -فقراءة القصر على أن الجائى واحد،و هو الذى عشى عن ذكر الرحمن عزّ و جل،و قراءة المدّ على أن الجائى اثنان،هو و قرينه،و هو القائل لقرينه- يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ -الآية و أسورة جمع سوار كأخمرة فى جمع خمار،و أساورة جمع الجمع،و أجمع أساور،و هو لغة فى السور،و هو موافق لقوله- يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ - فهو بالهاء و بغير الهاء واحد،و اللّه أعلم.

********

(1) آية:150.

(2) آية:26.

(3) سورة الأنبياء،آية:32.

ص: 679

1025-[و فى سلفا ضمّا(ش)ريف و صاده

يصدّون كسر الضّمّ(ف)ى(ح)قّ(ن)هشلا]

أى ضما قارئ شريف،يريد ضم السنن و اللام،قالوا هو جمع سليف كرغف فى جمع رغيف،و بفتح السين و اللام جمع سالف كخدم فى جمع خادم،و كلاهما بمعنى واحد،و قال أبو على سلف جمع سلف،مثل أسد و أسد،و وثن و وثن،و سلف اسم من أسماء الجمع،كخدم و طلب و حرس،و كذلك المثل يراد به الجمع، فمن ثم عطف على سلف فى قوله-فجعلناهم سلفا و مثلا-و اختار أبو عبيد قراءة الفتح:و قال،هى التى لا تكاد العامة تعرف غيرها،لأن الآثار التى نقلتها الفقهاء إلينا إنما يقفا فيها كلها السلف كذلك،ذكرهم معاد،و يبدأ،و لم يسمع فى شيء منها السلف،و قوله و صاد يصدون،قال الشيخ:الهاء فى و صاده إضمار على شريطة التفسير،قلت يكون قوله يصدون بدلا من الضمير،كما تقول ضرب زيدا و مررت به زيد،و يجوز أن يكون على التقديم و للتأخير،أى و يصدون صاده،كما قيل نحو ذلك فى قوله تعالى- وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ -على قراءة من رفع يعقوب أن التقدير و يعقوب من وراء إسحاق،و قولة كسر:إما مبتدأ ثان أو بدل اشتمال،و العائد على يصدون محذوف،أى كسر الضم منه،أو كسر ضمه على قيام الألف و اللام مقام الضمير،نحو-مفتحة لهم الأبواب أى أبوابها،و قد سبق معنى فى حق نهشلا،فى سورة النساء،و كسر الصاد و ضمها فى يصدون هنا لغتان،مثل الخلاف فى كاف يعكفون وراء يعرشون،و هو من الصديد الذى هو الجلبة و الصياح و الضجيج،و قيل الضم من الصدود الذى هو الإعراض قال أبو عايد:لو كانت من هذا لكان إذا قومك عنه يصدون،و لم يكن منه،و جوابه أن المعنى من أجل هذا المثل صدوا عن الحق و أعرضوا عنه، و قرأت بخط ابن مجاهد فى«معانى القرآن»يصدون منه و عنه سواء،و قال الفراء:العرب تقول يصد و يصد مثل يشد و يشد،و ينم و ينم لغتان.

1026-[ء آلهة كوف يحقّق ثانيا

و قل ألفا للكلّ ثالثا ابدلا]

يريد آلهتنا خير أم هو-فيها ثلاث همزات:ثنتان مفتوحتان،و الثالثة ساكنة،فأجمع على إبدالها ألفا لسكونها و فتح ما قبلها،و اختلف فى الثانية،فحققها الكوفيون على أصلهم فى باب الهمزتين من كلمة، و سهلها الباقون بين بين على أصولهم فى قراءة-آمنتم-و حفص يسقط الأولى من-آمنتم-و أثبتها هنا،و الكلام فى التحقيق و التسهيل و الإبدال و عدم المدّ بين الهمزتين،كما سبق فى مسئلة-ء آمنتم-فى الأصول،و قوله:

ء آلهة،مبتدأ و كوف خبره أى قراءة كوف،ثم بينها بقوله يحقق ثانيا،أى ثانى حروفه،و إنما قال ذلك لأنه يمكن اتزان البيت بقراءة آلهة على لفظ التسهيل،و هذا مما استدلّ به على أن الهمزة المسهلة برنة المحققة، و يجوز أن يكون«كوف»مبتدا ثانيا و ما بعده خبره،و الجملة خبر الأوّل،و قوله:ألفا ثانى مفعولى أبدل، و المفعول الأوّل هو مرفوع أبدل العائد على ء آلهة،و ثالثا نصب على التمييز من ذلك الضمير،على قول من أجاز تقديم التمييز على عاملة،أى أبدل هذا اللفظ ثالثا،أى ثالث حروفه أبدل ألفا،فيكون تقدير هذا النظم،أبدل ثالثا ألفا،كما لو قلت ريد كسى رأسا قلنسوة،و لو قال ثالثه أبدلا لكان أظهر،و وصل همزة

ص: 680

القطع جائز للضرورة،و فى عبارة الناظم،نقل حركة همزة أبدل إلى التنوين،فانضم و انحذف الهمزة كما يقرأ ورش-غرورا-أولئك مأواهم-و قد سبق شرح مثل هذا البيت فى«باب الهمزتين من كلمة»:

1027-[و فى تشتهيه تشتهى(حقّ صحبة)

و فى ترجعون الغيب(ش)ايع(د)خللا]

اختلف المصاحف الأئمة فى هذه الكلمة،فكتبت الهاء فى مصاحف المدينة و الشام،و حذفت من غيرها و وجه القراءتين ظاهر،لأن الجملة صلة«ما»و حذف العائد من الصلة إلى الموصول جائز،و الغيب فى قوله-و عنده علم الساعة و إليه ترجعون-شايع دخللا قبله؛و هو-فذرهم يخوضوا-و الخطاب على الالتفات و اختار أبو عبيد الغيب.

1028-[و فى قيله اكسروا كسر الضّمّ بعد(ف)ى

(ن)صير و خاطب تعلمون(ك)ما(ا)نجلا]

هكذا وقع فى الرواية فى جميع النسخ،و فى-قيله-اكسر اللام و هو سهو و الصواب على ما مهده فى خطبته أن تكون اخفض،لأنها حركة إعراب،ثم قال:و اكسر الضم يعنى فى الهاء،و هذا على بابه،لأنه حركة بناء،و إنما قال فى الثانية اكسر الضم،و قال فى الأولى اكسر،و لم يقل اكسر الفتح،لأن الفتح ضد الكسر، فكفى الإطلاق،و الضم ليس ضد للكسر،فاحتاج إلى بيان القراءة الأخرى،و قوله:بعد،أى بعد ذلك الكسر،و قوله:فى نصير فى موضع الحال،أى كائنا فى رهط نصير،أى فى جملة قوم ينتصرون لتوجيه القراءتين،فوجه الجر العطف على لفظ الساعة فى قوله-و عنده علم الساعة-و-قيله-أى و علم قيله،و قيل الواو فى و قيله للقسم و جوابه-إن هؤلاء-و أما النصب فعطف على موضع الساعة،فإنه فى موضع نصب،أى يعلم الساعة و يعلم قيله،و قيل عطف على-سرهم و نجواهم-و قيل هو نصب على المصدر،أى و قال قيله،أى شكا شكواه،و القيل و القول واحد،و منه قول كعب بن زهير:

يسعى الوشاة جنابتها و قيلهم إنك يا ابن أبى سلمى لمقتول

ذكر الوجهين الأخيرين الأخفش و الفراء،و ذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو على،و سبقه إليها الزجاج، و اختار العطف على موضع الساعة،و صدق لأن الجر عطف على لفظها،فيتحد معنى القراءتين،و ذكر النحاس وجهين آخرين:أن يكون عطفا على مفعول محذوف.أى و رسلنا يكتبون ذلك،و قيله،أو و هم يعلمون الحق و قيله،و اختار أبو عبيد قراءة النصب،قال:لكثرة من قرأ بها،و لصحة معناها إنما هى فى التفسير- أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم و نجواهم-و نسمع-قيله يا رب-و قال النحاس القراءة البينة بالنصب من جهتين إحداهما أن المعطوف على المنصوب يحسن أن يفرق بينهما،و إن تباعد ذلك لانفصال العامل و المعمول فيه مع المنصوب،و ذلك فى المخفوض إذا فرقت بينهما قبيح،و الجهة الأخرى أن أهل التأويل يفسرون الآية على معنى النصب،قال:و الهاء فى قيله تعود إلى النبى محمد،أو إلى عيسى بن مريم عليهما السلام.

قلت:و إذا كان المعنى يصح على عطف و قيله المنصوب على مفعول-و هم يعلمون-المحذوف،أى إلا من

ص: 681

شهد بالحق و هم يعلمونه و يعلمون قيله،فيجوز أن يقال:إن القراءتين عطف على بالحق:النصب على الموضع، و الجر على اللفظ،و الذى شهد بالحق ذكر فى التفسير أنهم:الملائكة و المسيح و عزير عليهم السلام،و قال الزمخشرى بعد حكايته للوجوه الثلاثة المتقدمة:و الذى قالوه ليس بقوى فى المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف و المعطوف عليه،بما لا يحسن اعتراضا و مع تنافر اللفظ،و أقوى من ذلك و أوجه أن يكون الجر و النصب على إضمار حرف القسم و حذفه.

قلت:أما على قراءة الجر فواضح جوازه،و قد تقدم ذكرنا له،و أما على قراءة النصب فغلط،لأن حرف القسم موجود،و هو الواو،فلا نصب مع وجودها،و اللّه أعلم.

ثم قال:و خاطب-تعلمون-يعنى الذى هو آخر السورة،و وجه الخطاب فيه و الغيب ظاهر،و قد سبقت نظائرهما،و اللّه أعلم.

1029-[بتحتى عبادى اليا و يغلى(د)نا(ع)لا

و ربّ السّماوات اخفضوا الرّفع(ث)مّلا]

أى هاتين الكلمتين فى سورة الزخرف،الياء يعنى ياء الإضافة المختلف فى فتحها،و إسكانها الأولى-من تحتى أ فلا تبصرون-فتحها نافع و البرى و أبو عمرو،و الثانية-يا عبادى لا خوف عليكم-فتحها فى الوصل أبو بكر،و سكنها فى الحالين نافع و أبو عمرو و ابن عامر و حذفها الباقون فى الحالين و فيها زائدة واحدة و اتبعون هذا صراط أثبتها فى الوصل أبو عمره وحده ثم ذكر الخلاف فى آخر سورة الدخان فقال و يغلى يعنى كالمهل تغلى فى البطون قرأه بالتذكير ابن كثير و حفص أى يغلى الطعام و الباقون بالتأنيث أى تغلى الشجرة و علا حال أو تمييز أى دنا ذا علاء أو دنا علاه و الخفض فى-رب السموات-فى أول للسورة على البدل من قوله-رحمة من ربك-و الرفع على الابتداء و خبره-لا إله إلا هو-أو يكون خبر مبتدأ محذوف أى هو رب السموات و ثملا حال من فاعل اخفضوا أى مصلحين و قد تقدم.

1030-[و ضمّ اعتلوه اكسر(غ)نى إنّك افتحوا

(ر)بيعا و قل إنّى ولى الياء حمّلا]

أى ذا غنى و الضم و الكسر فى تا-فاعتلوه-لغتان،و هو القود بعنف و الفتح فى-ذق إنك-أى لأنك أنت و الكسر ظاهر،و هما على وجه التهكم و الاستهزاء،و ربيعا حال أى ذوى ربيع أو ذا ربيع،على أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول،و الربيع:النهر الصغير،فحسن من جهة اللفظ قوله افتحوا ربيعا،و الألف فى آخر حملا ضمير يرجع إلى إنى ولى،و الياء بالنصب مفعول ثان لحملا أى أتت ياء الإضافة المختلف فيها فيهما أراد-إنى آتيكم بسلطان-فتحها الحرميان و أبو عمرو،-و إن لم تؤمنوا لى-فتحها ورش وحده و فيها زائدتان-أن ترجمون-و إن لم تؤمنوا لى فاعتزلون-أثبتهما فى الوصل ورش وحده و قلت فيهما مع-الجوار- فى الشورى-و اتبعونى-فى الزخرف.

و و اتبعوني و الجوار و ترجمو ن فاعتزلون زائدات لدى العلا

ص: 682

سورة الشريعة و الأحقاف

1031-[معا رفع آيات على كسره(ش)فا

و إنّ و فى أضمر بتوكيد أوّلا]

يعنى-آيات لقوم يوقنون-آيات لقوم يعقلون-قرءا بالرفع و النصب و علامة النصب الكسر و لا خلاف فى الأول و هو-إن فى السموات و الأرض لآيات للمؤمنين-أنه منصوب بالكسر،لأنه اسم إن و أما-آيات لقوم يوقنون-فرفعها و نصبها أيضا ظاهران كقولك:إن فى الدار زيد و فى السوق عمرو و عمرا فهذا جائز باتفاق،فالنصب على تقدير و إن فى السوق عمرا فحرف إن مقدر قبل فى،و الرفع عطف على موضع اسم إن،أو على استئناف جملة ابتدائية أو يكون عمرو فاعل فى السوق على رأى من يجوز ذلك،فكذا قوله تعالى- وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ -و ذلك لظهور حرف فى من قوله-و فى خلقكم-و أما قوله تعالى - وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ -فلم يأت فيه حرف إن و لا حرف فى فهنا اختلف النحاة،فقيل إن الواو نائبة عنهما و إن اختلف عملهما لفظا و معنى،و هذا هو الذى يسمى عندهم العطف على عاملين،أى على عمل عاملين، أو معمولى عاملين،نحو إن فى الدار زيدا و الحجرة عمرا،أى و إن فى الحجرة عمرا أى و إن فى اختلاف الليل و النهار آيات،و على قراءة الرفع تكون الواو نائبة عن حرف فى،أى و فى اختلاف الليل و النهار آيات، عطفا على قوله-و فى خلقكم آيات-فمنهم من يقول:هو على هذه القراءة أيضا عطف على عاملين،و هما حرف فى و الابتداء المقتضى للرفع،و منهم من لا يطلق هذه العبارة فى هذه القراءة لأن الابتداء ليس بعامل لفظى،و قد استدل أبو الحسن الأخفش بهذه الآية على جواز العطف على عاملين،و صوّبه أبو العباس فى استدلاله بهذه دون غيرها،و قال أبو بكر بن السراج:العطف على عاملين خطأ فى القياس،غير مسموع من العرب،ثم حمل ما فى هذه الآية على التكرار للتأكيد،قال أبو الحسن الرمانى هو كقولك:إن فى الدار زيدا و البيت زيدا،فهذا جائز بالإجماع لأنه بمنزلة إن زيدا فى الدار و البيت فهما قال فتدبر هذا الوجه الذى ذكره ابن السراج فإنه حسن جدا لا يجوز حمل كتاب اللّه تعالى إلا عليه و قد يثبت القراءة بالكسر و لا عيب فى القرآن على وجه و العطف على عاملين عند من أجازه عيب و من لم يجزه فقد تناهى فى العيب فلا يجوز حمل هذه الآية إلا على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره.

قلت:و لا ضرر فيما ذهب إليه من ذهب من العطف على عاملين و سنتكلم إن شاء اللّه تعالى عليه فى شرح النظم من النحو و نبين وجهه من القياس،و قد استدلوا على ذلك بأبيات تكلف المانعون له تأويلها قال الزجاج و مثله فى الشعر:

أ كل امرئ تحسبين امرأ و نار توقد بالليل نارا

أهل قال عطف على ما عملت فيه كل و ما عملت فيه تحسبين؟و أنشد أبو على للفرزدق:

و باشر راعيها العلا بلسانه و جنبيه حر النار ما يتحرف

قال:فهذا عطف على الفعل و الهاء،و أنشد أيضا:

أوصيت من سره قلبا حرا بالكلب خيرا و الحماة شرا

ص: 683

و اختار أبو عبيد قراءة الكسر اعتبارا بقراءة أبىّ بن كعب لآيات فى المواضع كلها،قال:لأنها دالة على أن الكلام لسق على الحرف الأول.

و قول الناظم:و إن و فى أضمر قال الشيخ:قال رحمه اللّه لم أرد بقولى اضمر الإضمار الذى هو كالمعطوف به و إنما أردت أن حرف العطف ناب فى قوله-و فى خلقكم-عن أن و فى قوله و اختلاف عن أن و فى،و إذا كانت الآيات توكيدا خرج عن العطف على عاملين الذى يأباه أكثر البصريين،و خرج عن إضمار حرف الجر الذى هو قليل فى الكلام.

قلت فهذا معنى قوله بعد ذلك بتوكيد أولا،و كأنه جمع بين القولين فإن من يرى العطف على عاملين أضمر أن و فى بخلاف من أكد و قال الزمخشرى هو من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت هما أن و فى أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر فى-و اختلاف-و النصب فى-آيات-إذا رفعت فالعاملان الابتداء و فى و هو على مذهب الأخفش سديد لا مقال فيه،و قد أباه سيبويه فهو على مذهبه على إضمار فى،و الذى حسنه تقدم ذكره فى الآيتين قبلها أو ينتصب آيات على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفا على ما قبله أو على التكرير و رفعها بإضمار هى.

قلت:التكرير هو التوكيد الذى ذكره ابن السراج و إضمار فى هو قول أبى على فى الحجة و قد بسطه و تكلف بيانه،و حاصله أنه أعمل حرف الجر مضمرا و ذلك قليل فى كلامهم مستضعف و ليس القول بالعطف على عاملين بأضعف من هذا و أما النصب على الاختصاص و الرفع باضمار هى فوجه آخر زاده من تصرفه و تقدير الكلام على العطف على عاملين-إن فى السموات و الأرض لآيات للمؤمنين-و إن فى خلقكم آيات و إن فى اختلاف الليل و النهار آيات و على قول التأكيد إن فى السموات و الأرض و فى خلقكم و اختلاف الليل لآيات آيات آيات و تفرقت كما تفرق بين الفواصل-فبأى آلاء ربكما تكذبان-ويل يومئذ للمكذبين-ء إله مع اللّه-إن فى ذلك لآيات-فى سورة الروم أى إن فى كل واحد من هذه المذكورات آيات و تارة تقصد الجملة كما فى آل عمران-إن فى خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات-و فى البقرة زاد على ذلك-و الفلك التى تجرى فى البحر-إلى قوله-لآيات لقوم يعقلون-و التقدير فى قراءة الرفع على قول التأكيد و فى خلقكم و ما يبث من دابة و اختلاف الليل إلى آخره آيات آيات.

1032-[لنجزى يا نصّ(سما)و غشاوة

به الفتح و الإسكان و القصر(ش)مّلا]

أى ذو ياء نص سما أى منصوص على الباء نصا رفيعا لأن الضمير فى الفعل يرجع إلى اسم اللّه تعالى قبله من قوله-أيام اللّه-و قراءة الباقين بنون العظمة،و غشوة و غشاوة واحد و هو ما يغطى العين عن الأبصار:و فيها لغات أخر و لم يختلفوا فى التى فى البقرة أنها غشاوة و قول الناظم غشاوة مبتدأ و حكى لفظ القرآن فأتى به منصوبا و شملا به خبر أى شمل بهذا اللفظ الفتح فى الغين و الإسكان فى الشين و القصر و هو حذف الألف و فى شرح الشيخ فى شمل ضمير يرجع إلى غشاوة و لو أراد ذلك لم يحتج إلى قوله به،و اللّه أعلم.

ص: 684

1033-[و و السّاعة ارفع غير حمزة حسنا ال

محسّن إحسانا لكوف تحوّلا]

إعراب غير حمزة كما سبق فى قوله فأطلع ادفع غير حفص يريد- وَ السّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها -نصبها عطف على لفظ - إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ -و رفعها عطف على موضع اسم إن أو على الابتداء،قال أبو الحسن الأخفش الرفع أجود فى المعنى و أكثر فى كلام العرب إذا جاء بعد خبر إن اسم معطوف أو صفة أن يرفع قال أبو على يقوى ما ذهب إليه أبو الحسن قوله- إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ -لم تقرأ العاقبة فيما علمت إلا مرفوعة.

قلت:و الأولى فى تقدير قراءة الرفع العطف على موضع اسم إن ليتحد معنى القراءتين و يكون قوله لا ريب فيها جملة مستقلة فهى على وزان الآية التى فى سورة الحج-و إن الساعة آتية لا ريب فيها-و المعنى و إذا قيل إن وعد اللّه حق و إن الساعة حق و ذلك على وفق ما فى الصحيحين من دعاء النبى صلّى اللّه عليه و سلم إذا قام يتهجد «أنت الحق و وعدك حق و الساعة حق».

و أما- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً -فهذه قراءة الجماعة كالتى فى العنكبوت سواء،و قراءة الكوفيين هنا-إحسانا-اعتبارا بالتى فى سورة البقرة و الأنعام و سبحان،و ذكر أبو عبيد أنها فى المصاحف مختلفة أيضا، فكل قرأ بما فى مصحفه،و معنى إحسانا أى تحسن إليهما إحسانا،و معنى حسنا أى وصية ذات حسن،أى تفعل بهما فعلا ذا حسن و لم يقرأ هنا بفتح الحاء و السين كما قرأ فى البقرة-و قولوا للناس حسنا-إلا فى قراءة شاذة و وجهها ظاهر أى يفعل بهما فعلا حسنا،و قول الناظم تحولا هو خبر حسنا أى تحولا حسنا إحسانا فى قراءة الكوفيين و قوله المحسن كلمة حشو لا تعلق لها بالقراء لا رمزا و لا تقييدا و هى صفة حسنا أى المحسن شرعا و عقلا و إنه ليوهم أنه رمز لنافع و تكون قراءة،غيره،و غير الكوفيين حسنا بفتح الحاء و السين كما قرأ به فى البقرة و ترك قيدها لظهورها فليس بأبعد من قوله فى سورة طه-و أنجيتكم-و اعدتكم-و لو أنه قال حسنا الذى بعد إحسانا لم يوهم شيئا من ذلك لأنه كالتقييد للحرف.

1034-[و غير(صحاب)أحسن ارفع و قبله

و بعد بياء ضمّ فعلان وصّلا]

أى و قراءة غير صحاب أحسن ثم بينها بقوله ارفع أى بالرفع،و قال الشيخ:التقدير أحسن ارفع لهم،قال:

و يجوز نصب غير على إسقاط الخافض و تقديرا حسن ارفع لغير صحاب.

فإن قلت:لو أراد ذلك لقال لغير صحاب.

قلت:إنما عدل إلى الواو لأنها تفصل بين المسألتين،يريد- أَحْسَنَ ما عَمِلُوا -و قبل أحسن و بعده فعلان وصلا بياء ضمت هذا تقدير النظم،و معناه أن الجماعة قرءوا يتقبل و يتجاوز على بناء الفعلين لما لم يسم فاعله، فأولهما ياء مضمومة،و أحسن مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله،و قراءة صحاب بنون العظمة المفتوحة على بناء الفعلين للفاعل،و أحسن منصوب لأنه مفعول يتقبل الذى قبله و مفعول يتجاوز قوله عن سيئاتهم.

ص: 685

1035-[و قل عن هشام أدغموا تعداننى

نوفيهم باليا(ل)ه(حقّ ن)هشلا]

القراءة بنونين مكسورتين هو الأصل لأن الأولى علامة رفع الفعل بعد ضمير التثنية مثل تضربان و الثانية نون الوقاية و هشام أدغم الأولى فى الثانية كما أدغم فى-أ تحاجوني-لوجود المثلين و رويت أيضا عن ابن ذكوان مع أنهما قرءا فى الزمر تأمروننى بنونين فأظهرا ما أدغم غيرهما و كثير من المصنفين لم يذكروا هذا الإدغام فى -أ تعدانني-و لم يقرأ أحد بحذف إحدى النونين كما فى-تأمروننى-و-تحاجونى-،و حكى الأهوازى رواية أخرى بفتح النون الأولى و هى غلط فلهذا يقال فى ضبط قراءة الجماعة بنونين مكسورتين،و أما-ليوفيهم أعمالهم- فقراءته بالياء و النون ظاهرة و قد سبق معنى نهشلا.

1036-[و قل لا ترى بالغيب و اضمم و بعده

مساكنهم بالرّفع(ف)اشيه(ف)وّلا]

قوله بالغيب أى بسورة الغيب،و إنما هو من باب التذكير لأجل الاستثناء المفرغ نحو ما يقوم إلا هند، و لا يجوز فى هذا التأنيث إلا فى شذوذ و ضرورة،و إنما ذكر لفظ الغيب دون التذكير لأن القراءة الأخرى بالخطاب لا بالتأنيث،و لهذا فتحت التاء،أى لا ترى أيها المخاطب إلا مساكنهم بالنصب لأنه مفعول ترى المبنى للفاعل و من قرأ يرى بضم الياء رفع مساكنهم،لأنه مفعول ما لم يسم فاعله،ثم ذكر ياءات الإضافة،فقال:

1037-[و ياء و لكنّى و يا تعداننى

و إنّى و أوزعنى بها خلف من بلا]

أى بهذه الأربعة خلاف القراء فى الفتح و الإسكان أراد-و لكنى أراكم-فتحها نافع و أبو عمرو و البزى -أ تعدانني إن أخرج-فتحها الحرميان-إنى أخاف عليكم-فتحها الحرميان و أبو عمرو-أوزعنى أن أشكر-فتحها ورش و البزى.

ص: 686

و من سورة محمد صلّى اللّه عليه و سلم إلى سورة الرحمن جل و عز

لم تكن له ضرورة تلجئه إلى جمع هذه الترجمة،فلم يتصل نظم ما فى هذه السورة بما فى الفتح و لا ما فى الفتح بما فى الحجرات و لا ما فى الذاريات بما فى الطور،و مهما أمكن الفصل كان أبين،فكان ينبغى إفراد هذه السورة و الفتح،ثم يقول:سورة الحجرات،و ق،و الذاريات،ثم يقول:سورة الطور،و النجم،و القمر، و يكون لهذه السورة و سورة الفتح أسوة بإفراده سورة فصلت مما قبلها و بعدها،فكل واحدة ثلاثة أبيات، و اللّه أعلم.

1038-[و بالضّمّ و اقصر و اكسر التّاء قاتلوا

(ع)لى(ح)جّة و القصر فى آسن(د)لا]

يريد-و الذين قاتلوا فى سبيل اللّه-قرأها حفص و أبو عمرو-قتلوا-و كلاهما ظاهر،فصفة المجموع أنهم قاتلوا و قتلوا،أى قتل منهم،و الماء الآسن هو المتغير،فمن قصر فهو من أسن بكسر السين يأسن يفتحها،فهو أسن كحذر،و من مد فهو من أسن بفتح السين يأسن بكسر السين و ضمها،فهو آسن على وزن فاعل، كضارب و قاتل،و كل ذلك لغات،و قد سبق معنى دلا.

1039-[و فى آنفا خلف(ه)دى و بضمّهم

و كسر و تحريك و أملى(ح)صّلا]

أى و القصر فى آنفا ذو خلف عن البرى يريد قوله تعالى- ما ذا قالَ آنِفاً -أى الساعة قال أبو على:يجوز أن يكون توهمه مثل حاذر و حذر،و فاكه و فكه،و الوجه المد،و أما-و أملى لهم-على بناء الفعل للفاعل، فالضمير فيه للّه تعالى كما قال تعالى- إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ،و قيل:يجوز أن يعود على ما قبله مجازا أى الشيطان سوّل لهم و أملى،و قراءة أبى عمرو على بناء الفعل لما لم يسم فاعله،و هو يحتمل الأمرين،فضم الهمز و كسر اللام و حرك الياء بالفتح،فقوله و بضمهم و ما بعده متعلق بقوله حصلا،و أملى مبتدءا و حصلا خبره، أى حصل بالصم و الكسر و التحريك،و اللّه أعلم.

1040-[و أسرارهم فاكسر(صحابا)و نبلون

نكم نعلم اليا(ص)ف و نبلو و اقبلا]

صحابا حال من فاعل اكسرا و مفعوله،أى ذا صحاب،و يجوز أن يكون على تقدير اكسروا صحابا،فهو أمر لمفرد لفظا و هو لجماعة تقديرا،و هذا كما سبق فى قوله.

زد الهمز ثملا و خاطب يستطيعون عملا

و أسرار بفتح الهمزة جمع سر،و بالكسر مصدر أسر،و أما الباء و النون فى هذه الكلمات الثلاث و هى- و ليبلونكم حتى يعلم-و يبلو-فالنون للعظمة و الياء لأن قبله و اللّه يعلم أعمالكم-و أراد الناظم و يبلونكم و يعلم و يبلو الياء صف فيها فقدم و أخر للضرورة،أو يكون أراد و يبلو كذلك أى بالياء و أراد و اقبلن فأبدل من نون التأكيد ألفا،أى صف و اقبل و فرغ الكلام فى سورة القتال:

ص: 687

1041-[و فى يؤمنوا(حقّ)و بعد ثلاثة

و فى ياء يؤتيه(غ)دير تسلسلا]

يريد- لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ -و بعدها ثلاثة ألفاظ أيضا و هى-و تعزروه و توقروه و تسبحوه-قرأ الأربعة بالغيب حق أى ليؤمن المرسل إليهم و يفعلوا كيت و كيت،و قرأ الباقون بالخطاب و هو ظاهر،و أما-فسنؤتيه أجرا عظيما.فالياء فيه و النون كما سبق فى-و لنبلونكم-و قوله غدير تسلسلا عبارة حسنة حلوة و أشار الى كثرة أمثال ذلك،و قد تقدم و اللّه أعلم:

1042-[و بالضّمّ ضرّا(ش)اع و الكسر عنهما

بلام كلام اللّه و القصر وكّلا]

يريد- إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا -قال أبو على:الضر بالفتح خلاف النفع،و فى التنزيل- ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً (1) -و الضر بالضم سوء الحال و فى التنزيل- فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ -و الأبين فى هذا الفتح عندى و يجوز أن يكونا لغتين فى معنى كالفقر و الفقر و الضعف و الضعف و قوله عنهما أى عن حمزة و الكسائى المدلول عليهما بالشين شاع،و كلام إذا كسرت لامه و قصر أى حذفت ألفه صار كلم،و هو بمعنى كلام كقوله-يحرفون الكلم عن من مواضعه-و الأكثر فى المضاف إلى اللّه استعمال الكلام،نحو- بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي - حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ - و قوله و القصر:عطف على و الكسر،و قوله و كلا خبر عنهما،فالألف فيه ضمير التثنية،أى و كل الكسر و القصر بلام كلام،فكسرت و لم تمد الفتحة فيها فقصرت،كما قال:و فى يتناجون اقصر النون مكانات مد النون

1043-[بما يعملون(ح)جّ حرّك شطأه

(د)عا(م)اجد فآزره(م)لا]

يريد-بما يعملون بصيرا.هم الذين كفروا-قرأه أبو عمرو وحده بالغيب و الباقون بالخطاب،و لا خلاف فى الذى- بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (2) -بل ظننتم أنه بتاء الخطاب،و الخلاف فى الحرفين فى الأحزاب،و شطأه بسكون الطاء و فتحها لغتان،و هو فراخ الزرع،و آزره و أزره بالمد و القصر،أى قواه و أعانه،و قيل المد بمعنى ساواه أى ساواه الشط ء و الزرع،و على الأول يجوز أن تكون الهاء فى فآزره للشطأ أو للزرع،لأن كل واحد منهما مقوّ للآخر،و ملا جمع ملاء و هو الملحفة،و قد سبق ذكرها فى مواضع،و هى هنا حسنة المعنى، على تقدير ذا ملأ،لأن تقويت طافات الزرع و التفافها يشبه الاشتمال بالملا،و اللّه أعلم.

و انتهى إلى هنا ذكر الخلاف فى سورة الفتح،ثم ذكر ما فى الحجرات و ما بعدها،فقال:

1044-[و فى يعملون(د)م يقول بياء(ا)ذ

(ص)فا و اكسروا أدبار(إ)ذ(ف)از(د)خللا]

يريد آخر الحجرات-و اللّه بصير بما تعملون-قرأه ابن كثير وحده بالغيب،و الباقون بالخطاب و كلاهما

********

(1) سورة المائدة،آية:76.

(2) سورة الأنبياء،آية:84.

ص: 688

ظاهر،و أما-يوم يقول لجهنم-فالخلاف فيه بالياء و النون ظاهر،و أما-أدبار السجود-فهو بالكسر مصدر أدبر و بالفتح جمع دبر أى وقت أدبار السجود،و إنما قال فى الكسر فاز دخلل لموافقته الذى فى آخر الطور فهو مجمع على كسره:

1045-[و باليا ينادى قف(د)ليلا بخلفه

و قل مثل ما بالرّفع(ش)مّم(ص)ندلا]

يريد-و استمع يوم ينادى المناد-ياء ينادى محذوفة فى الرسم لأنها محذوفة فى الوصل لالتقاء الساكنين،فإذا وقف عليها فكلهم يحذفها اتباعا للوصل و الرسم،و ابن كثير أثبتها فى أحد الوجهين عنه على الأصل،و ليست هذه معدودة من الياءات الزوائد،و إن كانت محذوفة فى الرسم،لأن تلك شرطها أن يكون مختلفا فى إثباتها وصلا و وقفا،و هذه و إن اختلف فى إثباتها وقفا فلم يختلف فى حذفها وصلا،و إنما عدّ من الزوائد-فما أتانى اللّه-فبشر عباد الذين-لأن من فتحهما أثبتهما وصلا و هى ياء إضافة قابلة للفتح،و هذه ياء ينادى لام الفعل فهى ساكنة فى حال الرفع،و لكن فى قاف ثلاثة زوائد المناد بعد ينادى،أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو، و فى الحالين ابن كثير-فحق وعيد-من يخاف وعيد-أثبتهما فى الوصل ورش وحده،و أما- مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ - (1)فى سورة و الذاريات فشمم صندلا،أى شمم قارئه و سامعه طيبا لظهور الوجه فيه لأنه صفة لحق أى إنه لحق مثل نطقكم و ما زائدة و وجه الفتح أنه فى موضع رفع،و لكنه فتح فتحة بناء لإضافته إلى غير متمكن،كقوله:

و تداعا منخراه بدم مثل ما أثمر حماض الخيل

هكذا أنشده أبو عثمان و أبو عمرو بالفتح،و هو نعت مجرور،و منه قوله:

*لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت.

بفتح غير،فهو فاعل يمنع،و قيل:هو نعت مصدر محذوف،أى لحق حقا مثل ما،و قيل حال من الضمير فى لحق،لأنه مصدر وصف به،و أجاز الجرمى أن يكون حالا من لحق نفسه و إن كان بكسرة،و أجاز هذا رجل مقبلا أى لحق كأنها مثل نطقكم،و قال أبو عبيد:و قال بعض العرب يجعل مثل نصبا أبدا.

فيقولون هذا رجل مثلك،و قال الفراء:العرب تنصبها إذا رفع بها الاسم،يعنى المبتدأ فيقولون،مثل من عبد اللّه،و يقولون:عبد اللّه مثلك و أنت مثله،لأن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا لقيت الكاف، قلت:و هذه لغة غريبة و فيها نظر.

1046-[و فى الصّعقة اقصر مسكن العين(ر)اويا

و قوم بخفض الميم(ش)رّف(ح)مّلا]

هذا تقييد لما لفظ به،فالقصر حذف الألف من الصاعقة،و فى قوله مسكن العين نظر،و صوابه مسكن الكسر،فإن الإسكان المطلق ضده الفتح،على ما تقرر فى الخطبة و غيرها،فما وقع ذلك إلا سهوا عما التزمه

********

(1) آية:23.

ص: 689

باصطلاحه،فإن قيل الصعقة لا كسر فيها،فكيف يقول مسكن الكسر؟قلت:و كذلك لا بدّ فيها،فكيف قال اقصر،إنما ذلك باعتبار القراءة الأخرى،أى اسكن فى موضع الكسر،و لم يتعرض الشيخ لهذا فى شرحه أولا،ثم فى آخر عمره زاد فى شرحه نكتا فى مواضع هذا منها،فقال:قوله مسكن العين أراد به عين الفعل كما قال،لا عين راجع،و هذا زيادة إغراب فى البيت،و غير مخلص من الإشكال،و الصاعقة اسم النازلة و الصعقة مصدر صعقتهم،فقوله فأخذتهم الصعقة كما قال-فأخذتهم الصبيحة-قال أبو على:قيل إن الصعقة مثل الزجرة،و هو الصوت الذى يكون عن الصاعقة،قوله:و قوم،يريد و قوم نوح بالخفض عطف على و فى موسى-و قوله-و فى موسى-عطف على-و تركنا فيها آية-أى و فى موسى و فى عاد،و فى ثمود و قوم نوح آيات و النصب على،و أهلكنا قوم نوح أو و اذكر قوم نوح و انقضى النظم لما فى الذاريات،ثم شرع فى حروف و الطور فقال:

1047-[و بصر و أتبعا بو اتّبعت و ما

ألتنا اكسروا(د)نيا و إن افتحوا(ا)لجلا]

أى قرأ أبو عمرو-و الذين آمنوا و اتبعناهم-موضع قراءة غيره-و اتبعتهم-و كلاهما واضح،و قد مضى ذكر الخلاف فى ذرياتهم الذى بعد اتبعناهم،و الذى بعد-ألحقنا بهم-فى سورة الأعراف،و أما-و ما ألتناهم-، فكسر اللام ابن كثير وحده،و فتحها غيره،و هما لغتان و فيها لغات أخر ذكرها الشيخ فى شرحه،و الكل بمعنى النقصان،و قوله دنيا من قولهم هو ابن عمى دنيا و دنيا،إذا كسرت الدال نوّنت،و إذا ضممتها لم تنوّن، أى قريبا يشير إلى أنه قريب من الحرف المذكور قبله،و هو-و اتبعناهم-و قال الشيخ:يعنى إن ألتنا بالكسر قريب من ألتنا بالفتح كابنى العم،ثم قال:و أن افتحوا الجلا بفتح الجيم و قصر الممدود،أى ذا الجلا،يعنى الجلى و رضى فى أوّل البيت الآتى متصل به معنى و رمزا فهو فى موضع نصب على التمييز أى الجلى رضاه و يجعلها أن يكون خبر مبتدأ محذوف أى هو رضى،و موضع الخلاف هو قوله-إنه هو البر الرحيم-و هو مشكل، فإن قبله موضعين لا خلاف فى كسرهما،و هما-إنا كنا قبل فى أهلنا مشفقين-إنا كنا من قبل ندعوه إنه-و لا يليق الفتح لا بقوله-إنه هو البر-على تقدير لأنه أو ندعوه بأنه أى نصفه بهاتين الصفتين،فالذى فتحه نافع و الكسائى و كسره الباقون على الابتداء،فلهذا قال الجلا رضاه،أى الواضح أمره بجواز ذلك فيه،و كأنه قيده بذلك،و اللّه أعلم.

1048-[رضا يصعقون اضممه(ك)م(ن)صّ و المسي

طرون(ل)سان(ء)اب بالخلف(ز)مّلا]

أى اضمم ياءه فيبقى فعلا لم يسم فاعله من أصعقهم،فيكون مثل يكرمون،و قيل:يقال صعقهم فيكون مثل يضربون،و من فتح الياء فهو مضارع صعق اللازم لقوله تعالى:- فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ -و كلتا الآيتين إشارة إلى صعقة تقع يوم القيامة،شهد ذلك ما فى صحيح البخارى من قول النبى صلّى اللّه عليه و سلم«فإن الناس يوم القيامة يصعقون»و قد بينا ذلك فى مسألة مفردة مذكورة فى الكراسة الجامعة،و قوله:كم نص:أى كم قارئ نص عليه أو كم مرة وقع من قارئه و ناقله،و قوله لسان أى لغة و الزمل الضعيف أى قرأه بالسين هشام و قنبل و حفص بخلاف عنه ثم بين قراءة غيرهم فقال:

ص: 690

1049-[و صاد كزاى(ق)ام بالخلف(ض)بعه

و كذّب يرويه هشام مثقّلا]

أى قرأه الباقون بالصاد،و أشم الصاد زاء خلف و خلاد بخلاف عنه،و الكلام فى هذا كما سبق فى الصراط تعليلا و شرحا لعبارة الناظم،فإنه استغنى باللفظ عن القيد؛و فيه نظر نبهنا عليه هنا،و الضبع العضد أى أشدّ و أقوى،و انتهى ذكر ما فى الطور من الحروف،ثم انتقل إلى سورة و النجم،فقال:و كذب يعنى -ما كذب الفؤاد ما رأى-شدده هشام أى لم يكذب ما رآه بعينه،قال أبو على:كذب يتعدى إلى مفعول بدلة قوله:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط

و معنى كذبتك أى أرتك ما لا حقيقة له،فمعنى-ما كذب الفؤاد ما رأى-أى لم يكذب فؤاد ما أدركه بصره،أى كانت رؤية صحيحة غير كاذبة،و إدراكا على الحقيقة،قال و يشبه أن يكون الذى شدد أكد هذا المعنى-أ فتمارونه على ما يرى-أى أ ترومون إزالته عن حقيقة ما أدركه و علمه،قال الزمخشرى:ما كذب فؤاد محمد صلّى اللّه عليه و سلم ما رآه ببصره من صورة جبرائيل عليه السلام،أى ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، و لو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه يعنى أنه رآه بعينه و عرفه بقلبه،و لم يشك فى أن ما رآه حق و قرئ ما كذب أى صدقه و لم يشك أنه جبريل بصورته،و قال أبو عبيد:و بالتخفيف نقرأ،و هى فى التفسير ما كذب فى رؤيته، يقول:إن رؤيته قد صدقت.

قلت:قد سبق فى قوله تعالى- وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ -أى فى ظنه،فكذا هنا،ما كذب فيما رأى أى فى رؤيته،أى:صدق فيها.

1050-[تمارونه تمرونه و افتحوا(ش)ذا

مناءة للمكّى زد الهمز و أحفلا]

هذا مثل قوله:سكارى معا سكرى،أى قراءة حمزة و الكسائى اللفظ الثانى و هو تمرونه و سكرى، و قوله:و افتحوا زيادة بيان هنا أى افتحوا التاء،و كان له أن لا يذكره كما لم يذكر فتحة السين فى سكرى، و شذا حال من الفاتحين،أو من المفتوح أى ذوى شذا،أو ذا شذا،و معنى-أ فتمارونه-أ فتجادلونه؟وبخهم سبحانه فى مجادلتهم للنبى عليه السلام فيما ذكره لهم صلّى اللّه عليه و سلم من الإسراء به،و تمرونه بمعنى تجحدونه، قال الزمخشرى:أ فتمارونه،من المراء:و هو الملاحاة و المجادلة،و اشتقاقه من مرى الناقة،كأن كل واحد من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه،و قرئ أ فتمرونه،أى أ فتغلبونه فى المراء،من ماريته فمريته،و لما فيه من معنى الغلبة عدى بعلى،كما يقول غلبته على كذا،و قيل أ فتمرونه:أ فتجحدونه و أنشدوا:

لئن هجرت أخا صدق و مكرمة لقد مريت أخا ما كان يمريكا

و قال:يقال مريته حقه أى جحدته،و تعديته بعلى لا تصح إلا على مذهب التضمين،و قال النحاس:قال قال محمد بن زيد:يقال:مراه عن حقه و على حقه إذا منعه منه و دفعه عنه،و على بمعنى«عن»قال بنو كعب

ص: 691

ابن ربيعة يقولون:رضي اللّه عليك،أى عنك،و مناة على وزن نجاة،و مناءة بزيادة همزة بعد الألف على وزن مجاعة:لغتان قال جرير.

أزيد مناة توعدنا ابن تيم

و أنشد الكسائى:

ألا هل أتى التيم ابن عبد مناءة

و قوله:و احفلا أرادوا حفلن فأبدل من نون التوكيد الخفيفة ألفا للوقف،أى احتفل بهذه القراءة فاحتج لها،لأن من الناس من أنكر المد،قال أبو على:قال أبو عبيد:اللات و العزى و مناة أصنام من حجارة، و لعل مناءة بالمد لغة لم أسمع بها عن أحد من رواة اللغة،و قد سمع زيد مناة عبد مناة و لم أسمع بالمد.

قال الزمخشرى فى اشتقاق اللفظين على القراءتين:كأنها سميت مناءة،لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها، أى كانت تراق،و مناة مفعلة من النوء،كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها* قلت:و من الأوّل تسمية منى لكثرة ما يراق فيها من دماء الأضاحى و النسك فى الحج و قال الجوهرى:

عبد مناة بن أدّ بن طابخة،و زيد مناة بن تميم بن مرة،يمد و يقصر،قال:هو ابن الحارثي:

.الاهل أتى التيم بن عبد مناءة.

1051-[و يهمز ضيزى خشّعا خاشعا(ش)فا

(ح)ميدا و خاطب تعلمون(ف)طب(ك)لا]

أى و يهمز المكى ياء ضيزى،و الهمز فى ذلك و تركه لغتان،يقال ضازه حقه يضازه،أى إذا نقصه و جاز فيه على وزن حساه يحساه،و يقال ضازه يضيزه،مثل باعه يبيعه،فوزن ضئزى بالهمز فعلى بكسر الفاء،قالوا هى مصدر وصف به كالذكرى،و إذا لم تهمز فوزنها عندى كذلك،و هى مصدر أيضا،و التقدير قسمة ءات ضيزى،و قال النحاة وزنها فعلى بضم الفاء،و إن كانت فى لفظ ضيزى مكسورة اعتبارا بالأصل،كما يقال فى وزن ييض فعل،و فى وزن بيوت فعول،قال أبو على:لأنهم لم يجدوا فى الصفات شيئا على فعلى،يعنى بكسر الفاء مع ألف التأنيث،قلت:لا نجعلها صفة بل مصدرا كالمهموز،قال أبو على:حكى التوزى الهمز فى هذه ضأزه يضأزه:إذا ظلمه،و أنشد:

اذا ضأزانا حقنا فى غنيمة

قلت:و انتهى الكلام فى حروف سورة النجم،ثم قال الناظم:خشعا خاشعا مثل سكارى معا سكرى أى قوله تعالى- خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ -يقرأه شفا حميدا خاشعا،و هما لغتان فى اسم الفاعل إذا وقع فاعلا مجموعا.هل يفرد فى نفسه أو يجمع جمع تكسير؟تقول:مررت بزيد قاعدا غلمانه و قعودا غلمانه،سواء فى ذلك الحال و الصفة نحو مررت برجل قاعد غلمانه و قعود غلمانه،و سنوضح ذلك فى شرح الناظم إن شاء اللّه تعالى،قال الزمخشرى:و فى خشعا بالجمع هو لغة،تقول:أكلونى البراغيث،و ليس كذلك،فإن أكلونى لغة ضعيفة، و تلك فصيحة،قال أبو على:يرجح مررت برجل حسان قومه،على حسن قومه،قال الزمخشرى:و يجوز أن يكون فى خشعا ضميرهم و يقع أبصارهم بدلا عنه.

قلت:يعنى-يخرجون من الأجداث خشعا-فهو حال،و قيل يجوز أن يكون مفعول-يدع الداع-أى

ص: 692

يدعو قوما-خشعا أبصارهم-ثم قال:و خاطب يعلمون بمعنى قوله-سيعلمون غدا من-الخطاب فيه و الغيب ظاهران،و كلا تمييز،و هو المرعى و أبدل الهمزة ألفا لما سكنت للوقف،و كنى به عن العلم المقتبس من المخاطب و يجوز أن يكون كلا مصدر كلأه أى حرسه و حفظه كلأ كضرب ضربا،ثم نقل حركة الهمزة إلى اللام و حذفت الهمزة،ثم يكون هذا المصدر تمييزا أو فى موضع الحال ليطيب حفظك أو طب و احفظ،و فى هذه السورة ثمانى زوائد،و-يوم يدع الداع-أثبتها فى الوصل ورش و أبو عمرو،و فى الحالين البزى-مهطعين إلى الداع- أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو،و فى الحالين ابن كثير و نذر فى ستة مواضع:واحد فى قصة نوح،و اثنان فى قصة عاد،و واحد فى قصة ثمود،و اثنان فى قصة لوط،أثبت الستة فى الوصل ورش وحده،و تقدم ثلاث زوائد فى سورة ق فقلت فيه:

و زد نذرى ستا كذا الداع فيهما بقاف المنادى مع وعيدى معا علا

ص: 693

سورة الرحمن عز و جل

1052-[و و الحبّ ذو الرّيحان رفع ثلاثها

بنصب(ك)فى و النّون بالخفض(ش)كلّا]

ثلاثها بمنزلة كلها فى صحة الإضافة،و أنث العدد قصدا إلى الكلمات؛و أطلق الرفع و النصب فى الثلاث على حسب ما يليق بكل منها،فرفع الحب و الريحان بالضمة فيهما،و نصبهما بالفتحة فيهما،و رفع ذو بالواو و نصبها بالألف.

و فى قوله فى البقرة:ناصبا كلماته،بكسر لم يجتز بلفظ النصب حتى يبين أنه بالكسر،لتيسر ذلك عليه ثم و تعسره هنا،و إلا فالمعهود فى عبارته بالنصب إنما هو الفتحة و رفع الثلاثة بالعطف على فاكهة،أى فيها فاكهة و الحب و الريحان،و ذو:صفة للحب،و نصبها بفعل مضمر أى و خلق الحب ذا العصف و الريحان و رسمت ذا بالألف فى المصحف الشامى،و خفض حمزة و الكسائى النون من الريحان على تقديمه ذو العصف و ذو الريحان،و الريحان الورق الذى يشم و النصف ورق الزرع،و لا خلاف فى جره،لأنه مضاف إليه صريحا، و قوله شكل من شكلت الكتاب إذا قيدته بالضبط بما يدل على الحركات مأخوذ من شكال الدابة لأن اللفظ قبل شكله متردد من جهات يتعين بالشكل بعضها:

1053-[و يخرج فاضمم و افتح الضّمّ(إ)ذ حمى

و فى المنشآت الشّين بالكسر(ف)احملا]

يريد- مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ -قرأه الجماعة على إسناد الفعل إلى الفاعل،و قرأه نافع و أبو عمرو على أنه فعل ما لم يسم فاعله،فضما الياء و فتحا الراء-المنشآت-بكسر الشين و فتحها نعت للجوار،و هى السفن فقراءة الفتح ظاهرة لأنها أنشئت و أجريت،و قيل المرفوعات الشرع،و قيل فى معنى الكسر إنها تنشئ الموج بجربها أو ترفع الشرع،أو تنشئ السير على طريق المجاز،نحو مات زيد،و مرض فمات،يضاف الفعل إليه إذا وجد فيه و هو فى الحقيقة لغيره،و الفاء فى فاحملا زائدة،و هى رمز،و الشين مفعول به،أى احمل الشين بالكسر، أى انقلها كذلك،و أراد احملن بنون التأكيد،فأبدلها ألفا كما سبق فى نظائر له،ثم تمم الرمز فقال:

1054-[(ص)حيحا بخلف نفرغ الياء(ش)ائع

شواظ بكسر الضّمّ مكّيتهم جلا]

أى كسر الشين حمزة و أبو بكر بخلاف عنه و أما-سنفرغ لكم أيها الثقلان-فالخلاف فيه بالياء و النون ظاهر،قال أبو على:و ليس الفراغ هنا فراغا من شغل،و لكن تأويله القصد،كما قال جرير.

الآن قد فرغت إلى تميم

و قال الزمخشرى:المراد التوفر على النكاية،أى لا يكون له شغل سواه،ستنقضى شئون الدنيا فلا يبقى إلا شأن واحد،و هو جزاؤكم،و الشواظ بكسر الشين و ضمها:لغتان،و هو اللهب،و قوله جلا،ليس برمز لأنه قد صرح بالقارئ،و هو مكيهم،فلا رمز معه،و اللّه أعلم.

ص: 694

1055-[و رفع نحاس جرّ(حقّ)و كسر مي

م يطمث فى الأولى ضمّ(ت)هدى و تقبلا]

رفع مفعول جر،و حق فاعله،و رأيت فى بعض النسخ رفع بالضم على الابتداء،و جر بالرفع خبره،و حق مجرور بالإضافة؛كلا اللفظين صواب،و وجهه ظاهر،و وجه رفع نحاس العطف على شواظ،و جره عطف على نار،أى الشواظ من نار و نحاس،و فى النحاس قولان:أحدهما أنه الدخان،و الثانى أنه الصفر المذاب، و فى الشواظ أيضا قولان لأهل اللغة،قال أبو عبيد:هو اللهب لا دخان فيه،و قال بعضهم لا يكون الشواظ إلا من النار و الدخان جميعا،فإن قلنا:النحاس بمعنى الدخان،و الشواظ ما لا دخان فيه ظهرت قراءة الرفع، و على القول الآخر تظهر قراءة الجر،و إن قلنا:النحاس هو الصفر المذاب ظهرت أيضا قراءة الرفع،و استخرج أبو على وجها لقراءة الجر على قولنا الشواظ ما لا دخان فيه،و هو أن التقدير و شيء من نحاس،فيحذف الموصوف و تقام الصفة مقامه،ثم حذفت من:من قوله و من نحاس،لأن ذكره قد سبق فى من نار،و يقال طمث البكر يطمثها و يطمثها و يطمثها بفتح الميم فى الماضى،و بكسرها و بضمها فى المضارع إذا دماها بالجماع،و عنى بالأولى التى بعدها-كأنهن الياقوت-ضم الميم الدورى عن الكسائى،و إعراب قوله نهدى و تقبلا سبق فى شرح قوله فى باب الإمالة«أمل تدعى حميدا و تقبلا»:

1056-[و قال به اللّيث فى الثّان وحده

شيوخ و نصّ الليث بالضمّ الأوّلا]

به أى بالضم؛و الثانى هو الذى قبله-حور مقصورات-و الأولا نصب بالضم كقوله:

عن الضرب مسمعا.

قال صاحب التيسير أبو عمر عن الكسائى-لم يطمثهن-فى الأوّل بضم الميم،و أبو الحارث عنه فى الثانى، كذلك هذه قراءتى،و الذى نص عليه أبو الحارث كرواية الدورى،و قال فى غيره قرأت على فارس ابن أحمد فى رواية أبى الحارث كرواية الدورى،و قال طاهر بن غلبون:إن الضم فى الأوّل الدورى،و عكس ذلك لأبى الحارث اختيار من أهل الأداء.

1057-[و قول الكسائى ضمّ أيّهما تشا

وجيه و بعض المقرئين به تلا]

قال الدانى فى غير التيسير:على أن الكسائى خير فيهما فقال:ما أبالى أيهما قرأت بالضم أو الكسر بعد أن لا أجمع بينهما،قال أبو عبيد:كان الكسائى يروى فيهما الضم و الكسر،و ربما كسر إحداهما و ضم الأخرى، فقول الكسائى:هذا وجيه،أى له وجاهة،لأن فيه الجمع بين اللغتين،و بعض المقرئين به تلا،يعنى بهذا التخيير كابن أشتة،و غيره،ممن لم يذكر غير التخيير.

1058-[و آخرها يا ذى الجلال ابن عامر

بواو و رسم الشّام فيه تمثّلا]

ص: 695

أى يا ذو الجلال،آخر السورة قرأها ابن عامر بواو،أى جعل مكانها واوا و لزم من ذلك ضم الذال قبلها،فلهذا لم ينبه عليه و قصر لفظ«يا»ضرورة،يعنى قوله سبحانه-تبارك اسم ربك ذى الجلال-فهو بالياء نعت للرب،و بالواو نعت للاسم،لأن المراد بالاسم هنا المسمى،لأنه إشارة إلى الأوصاف الذاتية،و هى المراد تسبيحها و تنزيهها و الثناء عليها بقوله-سبح اسم ربك الأعلى-و قد استقصينا بيان ذلك و تحقيقه فى آخر كتاب البسملة الأكبر،و قوله:تمثل أى تشخص،الواو فى رسم المصحف الشامى،و قد أجمعوا على الأوّل أنه بالواو،و هو-و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام:

ص: 696

سورة الواقعة و الحديد

1059-[و حور و عين خفض رفعهما(ش)فا

و عربا سكون الضّمّ(ص)حّح(ف)عتلى]

الخفض عطف على-فاكهة و لحم طير-من باب تقلدت بالسيف و الرمح،أى إنهم جامعون بين هذه الأشياء،و فاكهة و لحم طير معطوفان،إما على أكواب و إما على جنات النعيم،فإن كانا على أكواب فالمعنى أنهم ينعمون بحور عين،كما نعموا بما قبله،و إن كانا على جنات،فالمعنى أنه فى مقارنة بحور عين،أو معاشرة حور عين،و أما وجه الرفع فعلى تقدير:و لهم حور عين،أو و فيها حور عين،أو عطف على ولدان و جوّز أبو على أن تكون عطفا على الضمير فى متقابلين،و لم يؤكد لطول الفصل،و جوّز أيضا أن تكون على تقدير:و على سرر موضونة حور عين،و أما عربا،فضم الراء و إسكانها لغتان،و سبق لها نظائر مثل نذرا،و نذرا،و جمع عروب،و هى المرأة المتحببة إلى زوجها:

1060-[و خفّ قدرنا(د)ار و انضمّ شرب(ف)ى

ندى الصّفو و استفهام إنّا(ص)فا ولا]

يعنى- نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ -التخفيف و التشديد فى قدرنا:لغتان،و قد سبق ذلك فى سورة الحجرات،و شرب الهيم بضم الشين و فتحها،مصدر شربت الإبل.و قيل الضم الاسم كالشغل،و الفتح المصدر، و جاء المفتوح جمع شارب كركب و صحب فى غير هذا الموضع،و قوله تعالى-ء إنا لمغرمون-على الخبر قرأه شعبة بزيادة همزة الاستفهام الذى بمعنى التقدير،و قوله صفا و لا،أى شديد متابعة أوصاف متابعته،أو هو صفا ذا ولاء،أى متابعة،فنصبه على الحال.و على الأوّل تمييز،و صفا بمعنى شديد مقصور،و الذى بمعنى صاف ممدود فقصر.ضرور،فإن كان من الصفاء الممدود فالتقدير الاستفهام ذو صفا،و إن كان مقصورا فالتقدير مشبه صفا فى قوته.

1061-[بموقع بالإسكان و القصر(ش)ائع

و قد أخذ اضمم و اكسر الخاء(ح)وّلا]

يعنى إسكان الواو و حذف الألف بعدها،من قوله سبحانه-بمواقع النجوم-فهو من باب الإفراد و الجمع، و قد سبق لهما نظائر.و تمم الكلام فى حروف سورة الواقعة،ثم شرع فى سورة الحديد،قرأ أبو عمرو وحده - وَ قَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ -على بناء الفعل للمفعول و الباقون بفتح الهمزة و الخاء على بنائه للفاعل،و هو اللّه تعالى، و حوّلا:حال،و هو العالم بتحوّل الأمور.

1062-[و ميثاقكم عنه و كلّ(ك)فى و أن

ظرونا بقطع و اكسر الضّمّ(ف)يصلا]

ص: 697

عنه أى عن أبى عمرو،رفع القاف من ميثاقكم،لأنه مفعول أخذ الذى لم يسم فاعله،و نصبه غيره لأنه مفعول أخذ المسمى للفاعل،و أما-و كل وعد اللّه الحسنى-فرفعه على الابتداء كبيت الكتاب كله لم أصنع، و كتب كذلك فى مصحف الشام،و هو فى الأصل مفعول وعد،و لكن إذا تقدم المفعول على الفعل ضعف عمله فيه،فيجوز رفعه و قراءة الجماعة بالنصب على الأصل،و قد أجمعوا على نصب الذى فى سورة النساء، و أما-انظرونا نقتبس-بقطع الهمزة المفتوحة و كسر الظاء قراءة حمزة وحده،فبمعنى أمهلونا أى ارفقوا بنا كى ندرككم،و قراءة الباقين بوصل الهمزة و ضم الظاء بمعنى انتظرونا أو التفتوا إلينا،يقال نظرته إذا انتظرته، و أنظرته إذا أخرته و أمهلته،و فيصلا حال بمعنى حاكما

1063-[و يؤخذ غير الشّام ما نزل الخفي

ف(إ)ذ(ع)زّ و الصّادان من بعد(د)م(ص)لا]

يريد- لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ -قراءة الجماعة بالتذكير،لأن تأنيث الفدية غير حقيقى،و أنث ابن عامر على اللفظ-،و ما نزل من الحق-بالتخفيف و التشديد ظاهران،لأن ما نزله اللّه فقد نزل هو،و معنى إذ عز، أى هذا قليل فى الكتاب العزيز،نحو-و بالحق نزل-و الأكثر ذكر التنزيل،و الإنزال مسند إلى اسم اللّه تعالى، و قوله:ما نزل مبتدأ و الخفيف خبره،و قوله و يؤخذ غير الشام،على تقدير تذكير يؤخذ قراءة غير أهل الشام،فحذفت هذه المضافات للعلم بها،ثم قال:و الصادان من بعد أى من بعد ما نزل يريد الصادين:

من قوله-إن المصدقين و المصدقات-أى و الصادان كذلك،يريد بالتخفيف لابن كثير و أبى بكر، و هما بالتخفيف بمعنى الذين صدقوا اللّه و رسوله،و التشديد بمعنى المتصدقين فأدغمت التاء فى الصاد فهو مثل المزمل و المدثر،و روى عن أبىّ بن كعب رضي اللّه عنه إظهار التاء فيهما،و قوله-و أقرضوا اللّه-عطف على الفعل المفهوم من هذا اللفظ،تقديره:إن الذين صدقوا أو اصدقوا و أقرضوا فمعناه على التخفيف:أو الذين آمنوا و عملوا هذا النوع من الخير،و هو الإقراض الحسن،و معناه على التشديد:إن الذين تصدقوا و كان إقراضهم للّه تعالى على الوجه الأحسن،و هو من أطيب الكسب صادرا عن نية خالصة و مقصد صالح،و قوله:دم صلا،أى ذا صلاء،و الصلاء عبر به عن الذكاء-و عن القرى بالعلم،و قد سبق تحقيق المعنيين من هذا اللفظ

1064-[و آتاكم فاقصر(ح)فيظا و قل هو ال

غنىّ هو احذف(عمّ)وصلا موصّلا]

يريد- وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ -القصر بمعنى جاءكم و المد بمعنى أعطاكم اللّه،و اختار أبو عبيد قراءة أبى عمرو لموافقته لقوله فاتكم،و لم يقل أفاتكم،و وجه المد إضافة الخبر إليه دون ضده،كما قال-بيده الخير-و قوله:

و لا تفرحوا استئناف نهى،و قيل عطف على-لكيلا تأسوا-و الأول أجود،أما-فإن اللّه هو الغنى- فاحذف لفظ هو فى قراءة نافع و ابن عامر،كما هو محذوف فى مصاحف المدينة و الشام،و أثبته غيرهما،كما هو ثابت فى مصاحفهم،و لا خلاف فى إثبات الذى فى سورة الممتحنة،و هو مثل هذا،و هو فى هذين الموضعين للفصل،فحذفه غير مخل بأصل المعنى،و قوله:وصلا نصب على التمييز،و موصلا نعته،أى عم وصله الموصل الينا أى عم نقله و خبره،فذكره الأئمة فى كتبهم

ص: 698

و من سورة المجادلة إلى سورة ن

كان ينبغى أن يقول:سورة المجادلة و الحشر،ثم يقول:و من سورة الممتحنة إلى سورة الطلاق،ثم يقول:

سورة الطلاق و التحريم و الملك،فكانت تنقسم الجملة التى ذكرها ثلاثة أقسام،لأنها منفصلة فى المواضع التى ذكرتها على ما نظمه،و اللّه أعلم.

1065-[و فى يتناجون اقصر النّون ساكنا

و قدّمه و اضمم جيمه(ف)تكمّلا]

أراد بقصر النون حذف الألف التى بعدها فى حال سكونه النون و تقديمه على التاء،فإذا فصلت ذلك و ضممت الجيم صار ينتجون على وزن يذهبون،هذه قراءة حمزة،و قراءة الباقين ما لفظ به و أصلهما يفتعلون و يتفاعلون،على وزن يختصمون و يتخاصمون،فحذفت لام الكلمة منهما لأنها فى يتناجون ياء تحركت و انفتح ما قبلها فقلبت ألفا،ثم حذفت للساكن بعدها،و فعل فى يتناجون ما فعل فى قاضون،فقيل ينتجون كما قيل قاضون،و معنى القراءتين واحد،إلا أن يتناجون موافق لقوله تعالى-إذا تناجيتم فلا تتناجو-و تناجوا بالبر قال أبو على يفتعلون و يتفاعلون يجريان مجرى واحد.

1066-[و كسر انشزوا فاضمم معا(ص)فو خلفه

(ع)لا(ع)مّ و امدد فى المجالس(ن)وفلا]

يريد- وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا -كسر الشين فيهما و ضمها لغتان،يقال نشز ينشز،أى انهضوا،و همزة انشزوا همزة وصل،إذا ابتدئ بها حركت بحركة الشين،و صفو خلفه مبتدأ،و خبره علا عم،و التوحيد و الجمع فى المجالس و المجلس ظاهران،و النوفل:الكثير العطا.

1067-[و فى رسلى اليا يخربون الثّقيل(ح)ز

و مع دولة أنّث يكون بخلف(ل)لا]

يريد ياء الإضافة فى قوله تعالى- وَ رُسُلِي إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ -فتحها نافع و ابن عامر،و انتهى الكلام فى سورة المجادلة.

و أما-يخربون بيوتهم-فالتخفيف فيها و التشديد لغتان من أخرب و خرب،مثل أنزل و نزل،و قيل الإخراب أن تترك الموضع ربا،و التخريب الهدم،و قيل معنى التخفيف أنهم يعطلونها و يعرضونها للخراب بخروجه منها،و يخربون مفعول خرب،الثقيل نعته،ثم قال و مع دولة أى و مع رفع دولة أنث تكون التى قبله بخلف عن هشام.يريد- كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً -و الذى فى كتابى التيسير و التبصرة لمكى أن هشاما رفع دولة،و اختلف عنه فى تأنيث يكون و تذكيره،و الذى ذكره أبو الفتح فارس:أن الخلاف فى الموضعين أحد الوجهين،مثل قراءة الجماعة بتذكير يكون و نصب دولة،و هو قول صاحب الروضة،و الثانى تأنيث تكون و رفع دولة، و هو الذى ذكره طاهر ابن غلبون و أوه،و لم يذكر المهدوى و ابن شريح لهشام إلا رفع دولة،و لم يتعرضا للخلاف فى يكون،و ابن مجاهد و غيره لم يذكروا الخلاف فى الكلمتين أصلا،و توجيه هذه القراءات ظاهر

ص: 699

من رفع دولة جعل كان تامة،و من نصب قدر كيلا يكون الفيء دولة أى يتداوله الأغنياء بينهم مختصين به دون الفقراء،و تأنيث دولة ليس بحقيقى،فجاز تذكير يكون المسند إليها،و ذكر الأهوازى فى بعض الروايات فتح الدال،و المشهور ضمها بلا خلاف،و حكى أبو عبيد فتح الدال عن أبى عبد الرحمن السلمى،قال:و لا نعلم أحدا فتحها،قال:و الفرق بين الضم و الفتح أن الدولة بالضم اسم الشيء الذى يتداول بعينه،و الدولة بالفتح الفعل،و قرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه اللّه قوله بخلف لا،أراد لائيا،أى مبطئا؛ و جاء هذا من اللأى قال الشيخ و سألته عن قوله بخلف لا فقال:إن شئت،قلت سمى بلا النافية،لأنه قد أثبت التأنيث،و نافية يثبت التذكير،و إن شئت قلت:بخلف لاء اسم فاعل من لاء إذا أبطأ لأن التذكير عن هشام أقل فى الرواية من التأنيث،و لأنه لا فصل هنا.فيحسن من جهة العربية.

قلت:يقال لأى لأيا مثل رمى رميا،أى أبطأ،و اللأى مثله،فاسم الفاعل من لأى لاء،مثل:رام و قاض، و الوقف عليه كالوقف على ماء،و اللّه أعلم.

1068-[و كسر جدار ضمّ و الفتح و اقصروا

(ذ)وى(أ)سوة إنّى بياء توصّلا]

يجوز فى و كسر الرفع على الابتداء و خبره ضمّ،إن كان فعل ما لم يسم فاعله،و إن كان فعل أمر فالنصب فى و كسر لأنه مفعول،و الفتح عطف عليه رفعا و نصبا،أى ضم الجيم و الدال،و احذف الألف فيصير جدر، و هو جمع جدار،و هو كما سبق فى المواضع المختلف فيها فى إفرادها و جمعها،و ذوى أسوة:حال من فاعل اقصروا،أى متأسين بمن سبق من القراء،ثم ذكر ياء الإضافة فى الحشر،و هى-إنى أخاف اللّه-فتحها الحرميان و أبو عمرو،ثم ذكر حروف سورة الممتحنة فقال:

1069-[و يفصل فتح الضّمّ(ن)صّ و صاده

بكسر(ث)وى و الثّقل شافيه كمّلا]

يعنى-يوم القيامة يفصل بينكم-قرأ عاصم يفصل مضارع فصل بالتخفيف على بناء الفعل للفاعل، و مثله قراءة حمزة و الكسائى،إلا أنه مضارع فصل بالتشديد،و قرأ الباقون على بناء الفعل للمفعول،و خففوا الصاد المفتوحة،سوى ابن عامر،فإنه شددها،و لم ينبه الناظم على فتح الفاء لمن قرأ بالتشديد،لأن التشديد يرشد إليه،و وجه هذه القراءات ظاهر.

1070-[و فى تمسكوا ثقل(ح)لا و متمّ لا

تنوّنه و اخفض نوره(ع)ن(ش)ذا(د)لا]

أمسك و مسك من باب أنزل و نزل،و يشهد لقراءة أبى عمرو-و الذين يمسكون بالكتاب-شددها الأكثر، و متم نوره-فى سورة الصف من نون و نصب نوره فهو الأصل،مثل زيد مكرم عمرا،و من أضاف فحذف التنوين و خفض المفعول فللتخفيف،و قوله:عن شذا،أى شذا دلا،و قد سبق معناهما.

ص: 700

1071-[و للّه زد لئاما و أنصار نوّنا

(سما)و تنجّيكم عن الشّام ثقّلا]

يعنى قوله تعالى- كُونُوا أَنْصارَ اللّهِ -زد لام الجر على اسم اللّه،و نون أنصار فيصير أنصار اللّه،و قراءة الباقين على الإضافة،كما أجمعوا على الإضافة فى الحرف الثانى،و هو-قال الحواريون نحن أنصار اللّه-لم يقرأ أحد منهم أنصار اللّه،لأنهم أخبروا عن تحقق ذلك فيهم،و اتصافهم بصحة الإضافة و النسبة.

فإن قلت:فمن أين يعلم أن الخلاف فى الأول دون الثانى؟ قلت:هو غير مشكل على من تدبر صورة الحط فإن الثانى لو نوّن لسقطت الألف من اسم اللّه،و هى ثابتة فى الرسم،و أما الأول فأمكن جعل الألف صورة التنوين المنصوب-،فلم تخرج القراءتان عن صورة الرسم و النون فى قوله نونن للتأكيد،و أنجى و نجى،كأمسك و مسّك،و قوله عن الشام أى عن قارئ الشام:

1072-[و بعدى و أنصارى بياء إضافة

و خشب سكون الضّمّ(ز)اد(ر)ضا(ح)لا]

أى فى الصف لفظان كل واحد منهما ياء إضافة مختلف فى إسكانها و فتحها،الأول-من بعدى اسمه-فتحها الحرميان و أبو عمرو و أبو بكر،و الثانى-من أنصارى إلى اللّه-فتحها نافع وحده و ليس فى سورة الجمعة شيء من الحروف التى لم تذكر بعد،و لكن فيها أشياء مما يتعلق بما سبق كلفظ هو،و الإمالة و صلة ميم الجمع، و هذا قد علم مما تقدم فيها،و خشب بإسكان الشين و ضمها لغتان كثمر و ثمر،أى سكون الضم فيه زاد حلاه رضى،أو هو ذو حلا.

1073-[و خفّ لووا(إ)لفا بما يعملون(ص)ف

أكون بواو و انصبوا الجزم(ح)فّلا]

يريد- لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ -لوى رأسه و لواه اذا عطفه و أماله،أى أعرض:معناهما واحد،و فى التشديد زيادة تكثير،قال أبو على التخفيف يصلح للقليل و الكثير،و التكثير يختص بالكثرة و إلفا حال من لووا،أو هو أليف للتشدد لأن معناهما واحد،يعملون فى آخر السورة:الغيب فيه و الخطاب ظاهران،و قرأ أبو عمرو- و أكون من الصالحين-عطفا على-فأصدق-لفظا،و هى قراءة واضحة،و قرأ غيره بإسكان النون و حذف الواو لالتقاء الساكنين،و وجه ذلك أنه مجزوم عطفا على موضع فأصدق،لأن الفاء لو لم تدخل لكان أصدق مجزوما،لأنه جواب التحضيض الذى هو فى معنى التمنى و العرض،و الكل فيه معنى الأمر،و ما كان كذلك ينجزم جوابه على قاعدة فى علم العربية مقررة،و إن كان فيه فاء انتصب،قال أبو على:أعنى السؤال عن عن ذكر الشرط،و التقدير أخرنى فإن تؤخرنى أصدق.فلما كان الفعل المنتصب بعد الفاء فى موضع فعل مجزوم كأنه جزاء الشرط حمل قوله و أكن عليه،مثل ذلك قراءة من قرأ-من يضلل اللّه فلا هادى له-و نذرهم-و أنشد:

أيا سلكت فإننى لك كاشح و على انتقاصك فى الحياة و ازدد

قال:حمل ازدد على موضع الفاء و ما بعدها،و مثله:

ص: 701

قابلونى بليتكم لعلى أصالحكم و استدرج نويا

قال:حمل و استدرج على موضع الفاء المحذوفة و ما بعدها من-لعلى-و اختار أبو عبيد هذه القراءة لاتفاق المصاحف على كتابة هذا الحرف بحذف الواو،قال:و فى القرآن ما لا يحصى من تكون و يكون فى موضع الرفع و النصب،لم تحذف الواو فى شيء منها،إنما حذفوا فى موضع الجزم خاصة،قال:و كان من حجة أبى عمرو فيها، أن قال:إنما حذفت الواو اختصارا فى الخط كما حذفوها«فى كلمن»و كان أصلها أن تكون بالواو:

قلت:و كذلك كان يقول فى-إن هذان لساحران-إن اليا حذفت فى الرسم،فلهذا يحكى عنه أنه قال:

ما وجدت فى القرآن لحنا غير-إن هذان-و أكن من الصالحين-يعنى فى كتابة القرآن،و وجه حذفهما على قراءته أنهما من حروف المد،فكما تحذف الألف كثيرا اختصارا فكذا أختاها،و قد قال الفراء:العرب قد تسقط الواو فى بعض الهجاء كما أسقطوا الألف من سليمان و أشباهه،قال:و ايت فى مصاحف عبد اللّه-فقولا-فقلا بغير واو،ف ق ل ا.

قلت:و الاعتماد فى القراءتين على صحة النقل فيهما،و إنما هذا اعتذار عن الخط،و قوله:حفلا جمع حافل، و هو حال من فاعل و انصبوا،أى متمكنين بكثرة العلم و سعته من توجيه القراءتين.

1074-[و بالغ لا تنوين مع خفض أمره لحفص و بالتّخفيف(ع)رّف(ر)فّلا] أى لا تنوين فيه،لأنه مضاف إلى ما بعده،و الكلام فى-بالغ أمره-كما سبق فى-متم نوره و التشديد فى (عَرَّفَ بَعْضَهُ 1) .

سورة التحريم بمعنى أعلم إعلام متابعة،فأعرض عن بعض أو أغضى عنه إحسانا و تكرما،و لهذا قيل:ما زال التثاقل من شأن الكرام.

و معنى عرّف بالتخفيف جازى،و هو إشارة إلى ذلك القدر من المعاتبة أو إلى غيره،و منه:

(وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ 2) .

و يطلق هذا اللفظ أيضا مشعرا بالوعد و الوعيد،فيقال عرفت ما صنع فلان،و منه:

(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ 3) .

قال الفراء:عرف بالتخفيف أى غضب من ذلك و جازى عليه،كما تقول للرجل يسيء إليك:لأعرفن لك ذلك،و هو وجه حسن،و تقدير النظم و عرف:رفل بالتخفيف،أى عظم:

1075-[و ضمّ نصوحا شعبة من تفوّت

على القصر و التّشديد(ش)قّ تهلّلا]

قال أبو الحسن و الأخفش،نصحته فى معنى صدقته،توبة نصوحا أى صادقة،و قال الفتح:كلام العرب

********

(1) آية:3.

(2) سورة البقرة،آية:197.

(3) سورة النساء،آية:63.

ص: 702

و قراءة الناس،و لا أعرف الضم قال أبو على:يشبه أن يكون مصدرا،قال الفراء:كأن الذين قرءوا نصوحا أرادوا المصدر،مثل قعودا،و اللذين قالوا نصوحا جعلوه من صفة التوبة،و معناها أن يحدث نفسه إذا تاب من ذنب أن لا يعود إليه أبدا،و ذكر الزمخشرى فى تفسيره وجوها حسنة فى ذلك،و قال:النصوح مصدر نصح كالنصح،مثل الشكور و الشكر،أى ذات نصوح أو انتصح نصوحا،ثم شرع الناظم فى سورة الملك فقال:من تفوت يريد- ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ -أى تباين و اختلاف،فإذا حذفت الألف و شددت الواو صار تفوّت و هو بمعناه تفاوت و تفوّت مثل تظاهر و تظهر،و القراءتان مصدرا هذين الفعلين، و قوله:تفاوت مبتدأ و شق تهللا خبره،و قوله:على القصر و التشديد شق فى موضع الحال،أى مقصورا مشددا أى هذا اللفظ على ما فيه من القصر و التشديد شق تهلله،و هو من قولهم شق ناب البعير،إذا طلع،و المعنى طلع تهلله،أى لاح و ظهر،أو يكون من شق البرق إذا سطع من خلال السحاب،و معنى تهلل:تلألأ و أضاء، و يجوز أن يكون تهللا حال،أى ذا تهلل:و اللّه أعلم.

1076-[و آمنتموا فى الهمزتين أصوله

و فى الوصل الأولى قنبل واوا ابدلا]

يريد-ء أمنتم من فى السماء-حكمه مذكور فى باب الهمزتين من كلمة،فهو مثل-ء أنذرتهم-داخل فى عموم قوله:و تسهيل أخرى همزتين بكلمة البيت،فقد عرف حكم هذه الكلمة من هناك،و معنى أصوله أى أصول حكمه،و سبق أيضا فى الباب المذكور أن قنبلا أبدل الهمزة الأولى واوا لانفتاحها و انضمام ما قبلها، فى قوله-النشور-.و يسهل الثانية على أصله،و هذا لإبدال إنما يكون عند اتصال هذه الكلمة بالنشور،فإذا وقف على النشور حقق الهمزة إذا ابتدأ كغيره،فهذا معنى قوله:و فى الوصل،أى إبدال قنبل الهمزة الأولى واوا فى حالة الوصل دون الوقف.

فإن قلت:لهذا البيت فائدة غير الأذكار بما تقدم بيانه،و المتقدمات كثيرة،فلم خصص الناظم الأذكار بهذا دون غيره؟ قلت:له فائدتان غير الأذكار:إحداهما لما ذكر مذهب قنبل هذا فى باب الهمزتين لم يبين أنه يفعل ذلك فى الوصل،بل أطلق،فنص على الوصل هنا ليفهم أنه لا يفعل ذلك فى الوقف على ما قبل-ء أمنتم-لزوال المقتضى لقلب الهمزة واوا،و هو الضمة،و لم يقنع بقوله ثم موصلا،فإن استعمال موصل بمعنى و اصل،غريب على ما نبهنا عليه هناك،و الفائدة الأخرى النصوصية على الكلمة،فإنه لما ذكر الحكم هناك كان كلامه فى -ء آمنتم-بزيادة ألف بعد الهمزتين و فتح الميم،و هذه الكلمة لفظها غير ذلك،فإن بعد الهمزتين فيها ميما مكسورة.

1077-[فسحقا سكونا ضمّ مع غيب يعلمو

ن من(ر)ض معى باليا و أهلكنى انجلا]

يعنى أن الكسائى وحده ضم حاء-فسحقا لأصحاب السعير-و قرأ-فستعلمون من هو فى ضلال-بالياء على الغيبة،و إنما قال«من»احترازا من الذى قبله-فستعلمون كيف نذير-فإنه بالخطاب بغير خلاف؛و قرأ

ص: 703

غير الكسائى بإسكان حاء-فسحقا-و خطاب-فستعلمون-من وجه القراءتين فى الموضعين ظاهر،و سكونا فى البيت بدل من فسحقا بدل اشتمال،أى ضم فسحقا سكونه،و يجوز أن يكون سكونا مفعول ضم،و قوله فسحقا مبتدأ،أو مفعول فعل مضمر،فهو من باب زيدا اضرب رأسه،يجوز فيه الرفع و النصب، و النصب أقوى فى العربية،و العائد محذوف على التقديرين،أى سكونا فيه،أو سكونه،و قوله رض فعل أمر من راض الأمر رياضة،أى رض نفسك فى قبول دقائق العلم و استخرج المعانى،ثم ذكر ما فى سورة الملك من ياءات الإضافة،فقال-معى-انجلا،باليا»و كذا-أهلكنى-يريد- مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا -سكنها حمزة و الكسائى و أبو بكر-إن ألكنى اللّه-سكنها حمزة وحده،و فيها زائدتان:نذير و نكير،أثبتهما معا فى الوصل ورش وحده،و لم يبق من ياءات الزوائد إلا أربع فى سورة الفجر،و سيأتى بيانها فى موضعها،و قد نظمت الجميع فى بيت هنا فقلت:

نذيرى نكيرى الملك فى الفجر أكرمنى أهاننى بالوادى و يسرى تكملا

أضاف الكلمتين إلى الملك أى حرفا هذه السورة،و اكتفى بذكر الملك بعد نكيرى عن ذكره بعد نذيرى، فهو كقوله:

بين ذراعى و جبهة الأسد

و هما مبتدأ و الخبر محذوف،أى زائدتان ثم قال فى الفجر زوائد،و هى كيت و كيت،و يجوز أن يكون الملك مرفوعا على أنه خبر المبتدأ،على حذف المضاف أى زائدا الملك،و اللّه أعلم.

ص: 704

و من سورة ن إلى سورة القيامة

1078-[و ضمّهم فى يزلقونك(خ)الد

و من قبله فاكسر و حرّك(ر)وى(ح)لا]

أى ضمهم فى ياء-ليزلقونك بأبصارهم-خالد أى مقيم،و نافع وحده فتح الياء يقال إذا أزال قدمه، و يقال زلقه أيضا فزلق هو و المعنى:إنهم لعداوتهم له ينظرون إليه نظرا يكاد يهلكه.

و أما-و جاء فرعون و من قبله-بفتح القاف و سكون الياء،فمعناه و الطغاة الذين قبله،و معناه بكسر القاف و فتح الباء و الذين معه من أشياعه و أتباعه،و قوله و من قيله مفعول فاكسر و الفاء زائدة،و روى حال منه أو من الفاعل أى ذا روى حلو،أى اكسر من قبله و حركه مرويا له بالحركات التى يستحقها،و بالاحتجاج له بما يوافقه.

1079-[و يخفى(ش)فاء ماليه ماهيه فصل

و سلطانية من دون هاء(ف)توصلا]

يعنى-لا تخفى منكم خافية-تذكير تخفى و تأنيثه ظاهران،و حذف حمزة هاء السكت من قوله-ما أغنى عنى مالية.هلك عنى سلطانية.خذوه-إذا وصل الكلام بعضه ببعض،و كذلك-ماهية نار حامية-فى سورة القارعة،و هذا نظير ما فعل هو و الكسائى فى-يتسنه-و اقتده أو أثبتها الباقون لثباتها فى خط المصحف،فهو وصل بنية الوقف،و كلهم أثبتها وقفا،و فى سورة الحاقة أربع أخر كتابيه مرتين-و حسابيه مرتين أثبت حمزة هاءهن كالجماعة جمعا بين الأمرين،و يعقوب الحضرمى حذف الجميع وصلا،و حذف الكسائى فى يتسنه و اقتده لخفاء هاء السكت فيهما لأنهما فعلا جزم،و قد قيل ليسا للسكت و ترك الحذف هنا لوضوح الأمر.

1080-[و يذّكّرون يؤمنون(م)قاله

بخلف(ل)ه(د)اع و يعرج(ر)تّلا]

يعنى-قليلا ما تؤمنون:و لا بقول كاهن قليلا ما تذكرون-الغيب فيهما لمن رمز له و الخطاب للباقين و-يعرج الملائكة-بالتذكير للكسائى و الباقون بالتأنيث،و وجه القراءتين فى الحرفين ظاهر،و قد سبق لهن نظائر.

1081-[و سال بهمز(غ)صن(د)ان و غيرهم

من الهمز أو من واو او ياء ابدلا]

أى غصن ثمردان يعنى همز-سأل سائل-جعله لظهور أمره كغصن ثمردانى من يد من يجنيه و نافع و ابن عامر قرءا بالألف من غير همز و تلك الألف تحتمل ثلاثة أوجه:أحدها أن يكون بدلا من الهمز و هو الظاهر،و هو من البدل السماعى-قال حسان:

ص: 705

سألت هذيل رسول اللّه فاحشة ضلت هذيل بما سالت و لم تصب

فيكون بمعنى قراءة الهمز.

الوجه الثانى أن تكون الألف منقلبة عن واو،فيكون من سأل يسأل و أصله سول كخول،قال أبو زيد:

سمعت من يقول هما يتساولان،و قال المبرد يقال:سلت أسأل مثل خفت أخاف و هما يتساولان،و قال الزجاج يقال سألت أسأل و سلت أسال و الرجلان يتساولان و يتساءلان بمعنى واحد.

و الوجه الثالث أن تكون الألف منقلبة عن ياء من سال يسيل أى سال عليهم واد يهلكهم،روى ذلك عن ابن عباس فهو من باب باع يبيع فتقدير البيت سال همز ألفها غصن دان و غيرهم أبدل هذه الألف من الهمز الذى قرأ به غصن دان،أو أبدلها من واو أو من ياء و قد تبين كل ذلك.

1082-[و نزّاعة فارفع سوى حفصهم و قل

شهاداتهم بالجمع حفص تقبّلا]

ذكر الزجاج فى توجيه كل قراءة من الرفع و النصب ثلاثة أوجه.

أما الرفع فعلى أن-نزاعة-خبر لأن بعد خبر،أو هى خبر لظى و الضمير فى أنها ضمير القصة،أو خبر مبتدأ محذوف أى هى نزاعة.

و أما النصب فعلى الاختصاص أو على تقدير تتلظى نزاعة،أو على الحال المؤكدة،قال:يكون نزاعة منصوبا مؤكدا لأمر النار،و جوّز الزمخشرى أن تكون نزاعة بالرفع صفة لظى أن أريد به اللهب و لم يكن علما على النار إلا أن هذا القول باطل بدليل أنه لم يصرف.

و أما-و الذين هم بشهاداتهم قائمون-فالإفراد فيه و الجمع كما سبق فى نظائره،و الإفراد أنسب لقوله بعده -و الذين هم على صلاتهم يحافظون-و هو مجمع عليه.

1083-[إلى نصب فاضمم و حرّك به(ع)لا

(ك)رام و قل ودّا به الضّمّ(أ)عملا]

أى اضمم النون و حرك بالضم الصاد و هو اسم مفرد و جمعه أنصاب،و كذلك النصب بفتح النون و سكون الصاد و هو قراءة الباقين و هو ما نصب ليعبد من دون اللّه تعالى،و قيل:نصب جمع نصب مثل سقف فى جمع سقف، و قيل هو جمع نصاب و قيل النصب العلم.و قيل الغاية و قيل شبكة الصائد.

و قال أبو على:يمكن أن يكون النصب و النصب لغتين كالضعف و الضعف،و يكون التثقيل كشغل و شغل و طنب و طنب ودا اسم الصنم بفتح الواو و ضمها لغتان و اختار أبو عبيد الفتح،و قال كانوا يتسمون بعبد ود،و أما الود فالغالب عليه المودة.

1084-[دعائى و إنّى ثمّ بينى مضافها

مع الواو فافتح إن(ك)م(ش)رفا(ع)لا]

يريد- دُعائِي إِلاّ فِراراً -أسكنها الكوفيون- ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ -فتحها الحرميان و أبو عمرو-و بينى مؤمنا-فتحها

ص: 706

حفص و هشام ثم شرع فى سورة الجن فقال افتح إن مع الواو يعنى مهما جاء«و إن»فالخلاف فى فتحها و كسرها احترز بذلك عن أن يأتى مع الفاء نحو-فإن له نار جهنم-فهو متفق على كسره و عن أن المجردة عن الواو نحو-و أنه استمع-فهو متفق على فتحه-فقالوا إنا سمعنا-متفق على كسره،فإن كانت مع الواو ليست مشددة فمتفق أيضا على فتحها نحو-و إن لو استقاموا-فضابط مواضع الخلاف أن تكون أن مشددة بعد واو،و ذلك فى اثنى عشر حرفا متوالية،أوائل الآى جميعها،لا يخرج عن أنه.إنا أنهم،و هى-و أنه تعالى جد ربنا-و إنه كان يقول-و أنا ظننا أن لن تقول-و أنه كان رجال-و أنهم ظنوا-و أنا لمسنا-و إنا كنا نقعد-و أنا لا ندرى-و أنا منا الصالحون-و أنا ظننا أن لن نعجز-و أنا لما سمعنا الهدى-و أنا منا المسلمون-و أما-و أن المساجد-و أنه لما قام فسيأتى ذكرهما،فهذه الاثنا عشر فتحها ابن عامر و حمزة و الكسائى و حفص،و هم نصف القراء،و كسرها الباقون و مضى معنى قوله كم شرفا علا فى أوّل سورة الأعراف،فوجه الكسر العطف على-أنا سمعنا-فالكل فى حيز القول أى-فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا-و قالوا إنه تعالى جدر بنا-و أنه كان يقول-و أنا ظننا-إلى آخر ذلك،و قيل:إن قوله-و أنه كان رجال-و أنهم ظنوا-آيتان معترضتان فى كلام اللّه تعالى فى أثناء الكلام لمحكى عن الجن،و قيل بل هما أيضا من كلامهم يقوله بعضهم لبعض،و أما الفتح فقيل عطف على أنه استمع فيلزم من ذلك أن يكون الجميع داخلا فى حيز أوحى،أى أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن،و أنه تعالى جد ربنا،فهذا و إن استقام معناه فى هذا فلا يستقيم فى-و أنه كان يقول سفيهنا-و أنا لمسنا-و أنا كنا-إذ قياسه سفيههم و لمسوا،و كانوا.

و قال الزجاج:ذكر بعض النحويين أنه معطوف على الهاء:المعنى عنده فآمنا به و أنه تعالى جدر بنا،و كذلك ما بعدها.

قال:و هذا رديء فى القياس لا يعطف على الهاء المكنية المخفوضة إلا بإظهار الخافض:

قال مكى:و هو فى أن أجود منه مع غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن.

ثم قال الزجاج:لكن وجهه أن بكون محمولا على معنى آمنا به لأن معنى آمنا به صدقناه و علمناه فيكون المعنى و صدقنا أنه تعالى جدّ ربنا،قال الفراء:فتحت أن لوقوع الإيمان عليها و أنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن فى بعض ما فتح دون بعض فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح،فإنه يحسن منه فعل مضارع الإيمان،فوجب فتح أن نحو صدقنا و ألهمنا و شهدنا كما قالت العرب.و زججن الحواجب و العيونا.فنصب العيون لاتباعها و الحواجب و هى لا تزجج إنما تكحل،فأضمر لها الكحل.

1085-[و عن كلّهم أنّ المساجد فتحه

و فى أنّه لمّا بكسر(ص)وى(ا)لعلا]

فتحه بدل من المساجد نحو:أعجبنى زيد حسنه و عن كل القراء افتح-و أن المساجد للّه-لأنه معطوف على أنه استمع،و كذا-و إن لو استقاموا-و قيل تقديره و لأن المساجد للّه فلا تدعوا كما سبق-و أن هذا صراطى مستقيما- و أن اللّه ربى و ربكم-و أن هذه أمتكم-و إنما نص الناظم على هذا المجمع عليه لئلا يظن أن فيه خلافا لأنه يشمله قوله مع الواو فافتح أن.

ص: 707

و أما قوله:-و أنه لما قام عبد اللّه-فلم يكسره إلا أبو بكر و نافع على الاستئناف،و الباقون فتحوا عطفا على-أنه استمع-و هذا مما يقوى أن فتح-و أن المساجد-على ذلك و قيل:إن فتح-و إنه لما قام-و كسره على ما سبق فى الاثنى عشر و أنه من تمام كلام الجن المحكى،و يشكل عليه-كادوا يكونون-لأن قياسه كدنا نكون إلا أن يقال أخبر بعضهم عن فعل بعض،و قوله صوى العلا،مبتدأ تقدم عليه خبره،أى و صوى العلا فى-أنه لما- أى فى هذا اللفظ المكسور،و الصوى العلا بالصاد المهملة المضمومة و فتح الواو:الربى و نحوها،و هى أيضا أعلام من حجارة منصوبة فى الفيافى المجهولة يستدل بها على الطريق،الواحدة صوة مثل قوّة و قوى،أى أعلام العلا فى هذا.

قال الشيخ:و فى قراءة الكسر ارتفاع كارتفاع الصوى و دلالة كدلالتها،لظهور المعنى فيها،و اللّه أعلم.

و قرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه اللّه قال:نبه بهذا على أن الكسر فصيح بالغ،لقوة دلالته على الاستئناف،قال:و انظر فصاحة القراءة و اهتمامهم فى نقلهم حين أجمعوا على فتح-و إن المساجد- ليبينوا أنه غير معطوف،و أن معناه و اعلموا أو نحوه من الإضمار لما دل عليه-فلا تدعوا-فيكون-و أنه لما قام- معطوفا عليه،قال:و يكاد الفتح و الكسر يتقابلان فى الحسن.

1086-[و نسلكه يا كوف و فى قال إنّما

هنا قل(ف)شا(ف)صّا و طاب تقبّلا]

الياء و النون فى نسلكه ظاهران،و قال-إنما ادعوا ربى-يعنى عبد اللّه قراءة حمزة و عاصم قل،على الأمر مثل الذى عبده-قل إنى لا أملك لكم-و قوله نصا و تقبلا منصوبان على التمييز.

1087-[و قل لبدا فى كسره الضّمّ(ل)لازم

بخلف و يا ربّى مضاف تجمّلا]

لم يذكر فى التيسير عن هشام سوى الضم و قال فى غيره و روى عنه كسرها و بالضم آخذ.

قال الفراء:المعنى فيها واحد،لبده و لبده:أى كادوا يركبون النبى صلّى اللّه عليه و سلم رغبة فى القرآن و شهوة له،يعنى الجن.

و قال الزجاج:المعنى أن النبى عليه السلام لما صلّى الصبح ببطن نخلة كاد الجن لما سمعوا القرآن و تعجبوا منه أن يسقطوا على النبى صلّى اللّه عليه و سلم،و قيل-كادوا-يعنى به جميع الملل تظاهرات على النبى عليه السلام.

قال:و معنى لبدا يركب بعضهم بعضا و كل شيء لصقته لشيء إلصاقا شديدا فقد لبدته،و من هذا اشتقاق هذه اللبود التى تفرش،ثم ذكر أن كسر اللام و ضمها فى معنى واحد و كذا قال الزمخشرى و قال:هو ما يلبد بعضه على بعض،و منه لبدة الأسد،و حكى أبو على عن أبى عبيد لبدا بالكسر أى جماعات واحدها لبدة، قال قتادة:تلبد الجن و الإنس على هذا الأمر ليطفئوه فأبى اللّه إلا أن ينصره و يمضيه و يظهره على من ناوأه، قال و اللبد بالضم الكثير،من قوله:-أهلكت مالا لبدا-و كأنه قيل له لبد لركوب بعضه على بعض و لصوق بعضه ببعض،لكثرته،فكأنه أراد كادوا يلصقون به من شدة دنوهم للاستماع مع كثرتهم،فيكون على هذا

ص: 708

قريب المعنى من قوله لبدا،إلا أن لبدا أعرف بهذا المعنى و أكثر ثم قال:«و يا ربى»أى و ياء ربى فقصره ضرورة،أى هذه ياء الإضافة فى سورة الجن يريد- رَبِّي أَمَداً -فتحها الحرميان و أبو عمرو.

1088-[و وطئا وطاء فاكسروه(ك)ما(ح)كوا

و ربّ بخفض الرّفع(صحبت)ه(ك)لا]

لم تكن له حاجة إلى قوله فاكسروه فإنه قد لفظ بالقراءتين،فهو مثل خشعا خاشعا،و قل قال،و ما أشبه ذلك،فالرمز فيه للفظ الثانى،و لكنه قال:فاكسروه زيادة فى البيان مثل ما ذكرناه فى قوله تمارونه تمرونه، و افتحوا،و لو قال هنا:و اكسروه بالواو كان أولى من الفاء،كما قال ثم:و افتحوا:

و سببه أن الفاء تشعر بأن هذه مواضع الخلاف و ليس ذلك كله،بل هو جزء منه فإن لفظ وطاء يشتمل على كسر الواو و فتح الطاء و المد بعدها،و إذا قاله بالواو بعد الإشعار بذلك و صار من باب التخصيص بعد التعميم للاهتمام بالمخصص نحو:و جبرئيل و ميكائيل و نخل و رمان.

بيانه أن لفظ و طاء يغنى عن قيوده،لأنه كالمصرح بالقيود الثلاثة،فإذا نص بعد ذلك على قيد منها كان من ذلك الباب،و لو قال موضع فاكسروه فاقرءوه لكان رمزا لحمزة،فعدل إلى لفظ يفهم قيدا من قيود القراءة، و كان له أن يقول:و وطأ كضرب قل وطاء كما حكوا كقوله إذا قل إذ،و يحصل له تقييد القراءة الأولى و معنى القراءة بالكسر و المد،أن عمل-ناشئة الليل أشد-مواطأة،أى موافقة،لأنه يواطأ فيها السمع القلب للفراغ من الأشغال،بخلاف أوقات النهار،و قوله-وطأ-بفتح الواو و سكون الطاء و القصر بمعنى الشغل أى هو:

أشق على الإنسان من القيام بالنهار،و فى الحديث.

«للهم اشدد وطأتك على مضر».

و هو-أقوم قيلا-أى أشد استقامة و صوابا لفراغ البال،و المعنى:أشد ثبات قدم فى العبادة من قولهم وطأ على الأرض وطاء،و الناشئة القيام بعد النوم،فهو مصدر بمعنى النشأة،و قيل هى الجماعة الناشئة،أى القائمون بالليل،لأنها تنشأ من مضجعها إلى العبادة أى تنهض و ترتفع،و قيل هى ساعات الليل،و الكلام فى خفض -رب المشرق-و رفعه كما سبق فى سورة الدخان،الخفض على البدل من ربك فى قوله-و اذكر اسم ربك- و الرفع على أنه خبر،أى هو رب المشرق،و كلا بمعنى حفظ و حرس و أفرده على لفظ صحبة و سبق مثله:

1089-[و ثل؟؟؟ ثلثه فانصب و فا نصفه(ظ)بى

و ثلثى سكون الضّمّ(ل)لاح و جمّلا]

يجوز و ثا ثلثه باسكان اللام وصلة الهاء و يجوز ثلثه بضم اللام و سكون الهاء و كلاهما لضرورة الوزن و فى كل وجه منها إخلال بلفظ الكلمة فى القرآن من جهة إسكان اللام فى الأول و إسكان الهاء فى الثانى.إلا أن الوجه الثانى أقرب.فإنه لفظ الوقف على هذه الكلمة فهو واصل بنية الوقف.

و أما إسكان اللام من ثلثه فلم ينقل فى هذه القراءات المشهورة،و قد حكاه أبو عبيد،ثم الأهوازى بعده عن ابن كثير،و وجهه ظاهر كما قرأ هشام بإسكان اللام من ثلثى الليل للتخفيف.فكلاهما سواء،فلو كانت هذا القراءة مما ذكر فى هذه القصيدة لكان الاختيار و ثا ثلثه،بإسكان اللام و قصر لفظ«ثا»ضرورة،

ص: 709

و كذا لفظ فانصفه،و ظبى جمع ظبة السيف،و هو حده أى ذا ظبا،أى صاحب حجج تحميه عن الطعن و الاختيان عليه،فإن أبا عبيد قال قراءتنا التى نختار الخفض كقوله سبحانه-علم أن لن تحصوه-فكيف يقدرون على أن يعرفوا نصفه و ثلثه و هم لا يحصونه،و وجه النصب فى و نصفه و ثلثه العطف على محل أدنى أى تقوم أقل من الثلثين،و تقوم نصفه و تقوم ثلثه،و الخفض عطف على ثلثى الليل،أى و أقل من نصفه و ثلثه،و مجموع القراءتين محمول على اختلاف الأحوال لتكرر الليالى و اختلافها،فمرة يقوم نصف الليل محرزا و مرة أقل منه،و كذلك الثلث و تارة أقل من الثلثين،أى إن ربك يعلم أنكم تأتون بالواجب مرة و بدونه أخرى،لكن الثلثين ما تكملون لطوله فيقع منكم الغلط فيه و جعل الفراء و الزجاج قوله-و نصفه و ثلثه-على قراءة النصب تفسيرا للأدنى المذكور،و هو مشكل من جهة أن واو العطف تمنع من ذلك و كان النبى صلّى اللّه عليه و سلم و أصحابه، مخيرين بين هذه التقديرات الثلاثة فى قيام الليل على اختلاف مراتبها فى الأجر،و أقرب شيء لهذا الحكم التخيير بين خصال كفارة اليمين على تفاوت مراتبها و التخيير بين نفرى الحجج،و قيل إنما وقع التخيير بين هذه الثلاثة باعتبار تفاوت الأزمان،فالنصف عند الاعتدال و ما قاربه و قيام الثلثين أو الأدنى من ثلثى الليل عند الطول، و قيام الثلث عند قصر الليل،و الدليل على التخيير قوله تعالى فى أول السورة- قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً. نِصْفَهُ -و للعلماء فى إعراب نصفه قولان مشكلان:

أحدهما أنه بدل من الليل،و يلزم منه التكرير،فإن قوله قم نصف الليل إلا قليلا هو الثلث،فأى حاجة إلى قوله-أو انقص منه قليلا-و إن كان البدل بعد الاستثناء كأنه قال:قم أكثر الليل نصفه أى نصف أكثر الليل أو انقص منه كان ذلك ردا إلى تنصيف مجهول،فقوله قم ثلث الليل كان أخصر،فأولى.

الوجه الثانى أن نصف بدل من قليلا،و هو مشكل من جهة استثناء النصف و تسميته قليلا،فكيف يكون نصف الشيء قليلا بالنسبة إلى الباقى،و هما متساويان،فإن كان الباقى كثيرا فالآخر مثله،و إن كان المستثنى قليلا فالآخر مثله،فلا يستقيم فى إعراب نصفه إلا أن يكون مفعول فعل مضمر دل عليه ما تقدم،أى قم نصفه أو انقص أو زد.

و يكون فى فائدة الآية التى قبلها وجهان:

أحدهما:أنه إرشاد إلى المرتبة العليا و هى قيام أكثر الليل ثم خير بينه و بين ما دونه تخفيفا،لأنه تكليف فى ابتداء أمر لم يعتادوه،و منه ما جاء فى صفة عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنه لما سمع قول النبى صلّى اللّه عليه و سلم فى حقه:

«نعم الرجل عبد اللّه لو كان يصلّى من الليل».

قال نافع:فكان عبد اللّه بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا.و هذا موافق لما دلت عليه آية أخرى فى سورة و الذاريات فى صفة المؤمنين-كانوا قليلا من الليل ما يهجعون-و ذلك أن الموفقين إذا أخذوا أنفسهم بقيام الليل و اعتادوه صار أشهى إليهم من راحة النوم لو لا حظ الطباع البشرية من ذلك القدر القليل.

الوجه الثانى:أن يكون المراد من الليل جنس الليالى لا كل ليلة بانفرادها،على الصفة التى بينت فى الآية الأخرى،و هذا كما يوصى بعض المسافرين لخوف الحر،فيقال سر الليل،ثم يبين له فيقال ارحل من نصف الليل أو ثلثه أو أوله،و يكون قوله تعالى- إِلاّ قَلِيلاً -استثناء لليالى الأعذار من مرض أو غلبة نوم أو نحو من ذلك،ثم انتقل إلى سورة المدثر فقال:

ص: 710

1090-[و الرّجز ضمّ الكسر حفص إذا قل اذ

و أدبر فاهمزه و سكّن(ع)ن(ا)جتلا]

يعنى راء-و الرجز فاهجر-و فسر المضموم بالأوثان و المكسور بالعذاب:

و قال الفراء:إنهما لغتان،و إن المعنى فيهما واحد،و قال أبو عبيد:الكسر أفشى اللغتين و أكثرهما.

و قال الزجاج معناهما واحد و تأويلهما:اهجر عبادة الأوثان،و الرجز فى اللغة:العذاب،قال للّه تعالى - وَ لَمّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ -فالمعنى ما يؤدى إلى عذاب اللّه-فاهجر-قال أبو على المعنى و ذا العذاب فاهجر،و قوله:

إذا قل إذ،يعنى اجعل موضع إذا بالألف،إذ بغير ألف،و اهمز أدبر و سكن الدال لحفص و نافع و حمزة، و رمزه فى أول البيت الآتى يعنى-و الليل إذ أدبر-كتب فى المصحف بألف واحدة بين الذال و الدال،فجعلها هؤلاء صورة الهمزة من أدبر،و جعلوا إذ ظرفا لما مضى،و جعل باقى القراء الألف من تمام كلمة إذ،و هى ظرف لما يستقبل و قرءوا دبر بفتح الدال،على وزن رفع.

قال الفراء:هما لغتان،يقال أدبر النهار و دبر،و دبر الصيف و أدبر،و كذلك قبل و أقبل،فإذا قالوا أقبل الراكب أو أدبر لم يقولوه إلا بألف.

قال:و إنهما عندى فى المعنى لواحد،لا أبعد أن يأتى فى الرجال ما يأتى فى الأزمنة.

و قال الزجاج كلاهما جيد فى العربية،يقال دبر الليل و أدبر.

و فى كتاب أبى على عن يونس:دبر:انقضى و أدبر:تولى،و قالوا كأمس الدابر،و كأمس المدبر،قال:

و الوجهان حسنان.

و قال أبو عبيد:كان أبو عمرو يقول:هى لغة قريش قد دبر الليل.حدثنا حجاج عن هارون أخبرنى حنظلة السدوسى عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قرأها-و الليل إذا أدبر-بجعل الألف مع إذا.

قال حنظلة:و سألت الحسن عنها فقال إذا أدبر،فقلت يا أبا سعيد إنما هى ألف واحدة،فقال:فهى إذا و الليل إذا دبر.

قال أبو عبيد:جعل الألف مع أدبر،و بالقراءة الأولى نأخذ إذا بالألف دبر بغير ألف لكثرة قرائها و لأنها أشد موافقة للحرف الذى يليه،أ لا تراه،قال:-و الصبح إذا أسفر-فكيف يكون فى أحدهما إذا و فى الآخر إذ.

قال:و فى حرف عبد اللّه و أبى:حجة لمن جعلها إذا؛و لمن جعلها أدبر جميعا:حدثنا حجاج عن هارون قال فى حرف أبىّ و ابن مسعود-إذا أدبر-قال أبو عبيد بألفين.

قلت:هذه القراءة هى الموافقة لقوله- إِذا أَسْفَرَ -موافقة تامة بلفظ إذا و الإتيان بالفعل بعدها على وزن أفعل،و أما كل واحدة من القراءتين المشهورتين فموافقة له من وجه دون وجه،و الموافقة بلفظ إذا أولى من الموافقة بلفظ أفعل،فإن أفعل و فعل قد ثبت أنهما لغتان بمعنى واحد،فكانا سواء،و أما إذ و إذا فمتغايران، و لا يعرف بعد القسم فى القرآن إلا مجىء إذا دون إذ-نحو و الليل إذا يغشى.و النهار إذا تجلى-و إذ و إذا فى كل ذلك لمجرد الزمان مع قطع النظر عن مضى و استقبال،فهو مثل-و أنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب-فسوف

ص: 711

يعلمون.إذ الأغلال فى أعناقهم-و قد حكى الأهوازى عن عاصم و أبى عمرو رواية-إذا أدبر-بألفين و اللّه أعلم.

و قول الناظم:قل إذ بكسر اللام على إلقاء حركة همزة إذ عليها.بخلاف كسرة النون فى قوله عن اجتلا، فإنها كسرت لأجل الساكن بعدها،و المعنى عن اجتلاء،أى عن كشف و ظهور من توجيهه،و هو ممدود، فلما وقف عليه سكنت الهمزة فأبدلت ألفا،فاجتمع ألفان،فحذفت إحداهما،و قد سبق ذكر ذلك فى شرح أول الخطبة فى قوله:أجذم العلا،و الفاء فى قوله فاهمز زائدة.

1091-[فبادر و فا مستنفرة(عمّ)فتحه

و ما يذكرون الغيب(خ)صّ و خلّلا]

فبادر من تتمة رمز القراءة السابقة،أى فبادر إليه و قصر لفظ«وفا»ضرورة-و مستنفرة-بكسر الفاء بمعنى نافرة و بالفتح نفرها غيرها.

قال أبو على:قال أبو الحسن:الكسر فى مستنفرة أولى،أ لا ترى أنه قال-فرت من قسورة-فهذا يدل على أنها هى استنفرت،و يقال نفر و استنفر،مثل سخر و استسخر.و عجب و استعجب،و من قال:مستنفرة، فكأن القسورة استنفرها أو الرامى،قال أبو عبيد مستنفرة و مستنفرة مذعورة،قال:و القسورة:الأسد:

و قالوا:الرماة.

قال ابن سلام:سألت أبا سوار العنبرى و كان أعرابيا فصيحا قارئا للقرآن،فقلت-كأنهم حمر-ما ذا؟ فقال:كأنهم حمر مستنفرة طردها قسورة،فقلت:إنما هو:فرت من قسورة،فقال،أ فرت؟فقلت:نعم قال:فمستنفرة.

و الخلاف فى-و ما يذكرون-بالياء و التاء ظاهر،و قد سبق فى أوّل آل عمران معنى قوله:خص،و خللا يقال:عم بدعوته و خلل،أى خص،فجمع الناظم بينهما لاختلاف اللفظين.

ص: 712

و من سورة القيامة إلى سورة النبأ

لا تعلق لسورة القيامة بما بعدها،فكان ينبغى إفرادها،ثم يقول:هل أتى،و المرسلات،لاتصالهما فى نظمه و اللّه أعلم.

1092-[و را برق افتح(آ)منا يذرون مع

يحبّون(حقّ ك)فّ يمنى(ع)لا علا]

يريد- فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ -أى شخص و تحير قال الأخفش المكسورة فى كلام العرب أكثر، و المفتوحة لغة.

قال أبو عبيدة:القراءة عندنا بالكسر،لأنها اللغة السائرة المتعالية،و الغيبة فى-تحبون العاجلة و تذرون الآخرة-و الخطاب فيهما ظاهران،و معنى«آمنا»أى آمنا من البرق يوم القيامة أو آمنا من المنازع فيه،و قوله «حق»كف لأن الحق أبدا يدفع الباطل،لأن فى أوّل الجملة حرف الردع،و هو-كلا-و معناه الزجر و الكف،و أما تمنى فالضمير فيه للمنى إن قرئ بالياء على التذكير،و إن قرئ بالتأنيث،فالضمير للنطفة كما أنه فى سورة النجم كذلك،و هو-من نطفة إذا تمنى-و معناه تصب و تراق فى الرحم،و علا بالضم مفعول علا مقدم عليه،أو هو خبره-يمنى-أى ذو علا أى عال بالتذكير.

1093-[سلاسل نوّن(إ)ذ رووا(ص)رفه(ل)نا

و بالقصر قف(م)ن(ع)ن(ه)دى خلفهم(ف)لا

سلاسل على وزن دراهم و هو ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة،و لكنه كتب فى المصاحف بألف بعد اللام، كما كتب فى الأحزاب-الظنونا-و-الرسولا-و-السبيلا-فالمتابعة لخط المصحف اقتضت إثبات تلك الألف فى الأحزاب فى الوصل،و لم يمكن تنوينها لأجل أن كل كلمة منها فيها الألف و اللام،فالتنوين لا يجتمع معها،و أما فى-سلاسلا-فأمكن قبوله للتنوين على لغة من يصرف ذلك.

قال أبو على:قال أبو الحسن-سلاسلا-منوّنة فى الوصل و السكت على لغة من يصرف نحو ذا من العرب، قال:و سمعنا من العرب من يصرف هذا و يصرف جميع ما لا ينصرف،و قال:هذا لغة الشعراء لأنهم اضطروا إليه فى الشعر فصرفوه فجرت ألسنتهم على ذلك،و قال مكى:حكى الكسائى أن بعض العرب يصرفون كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك،قال ابن القشيرى:صرف ما لا ينصرف سهل عند العرب،قال الكسائى هو لغة من يجرى الأسماء كلها إلا قولهم:هو أظرف منك،فإنهم لا يجرونه:

قلت:القرآن العربى فيه من جميع لغات العرب لأنه أنزل عليهم كافة و أبيح لهم أن يقرءوه على لغاتهم المختلفة، فاختلفت القراءات فيه لذلك،فلما كتبت المصاحف هجرت تلك القراءات كلها،إلا ما كان منها موافقا لخط المصحف،فإنه بقى،كقراءة-إن هذان-كما سبق،و مثل هذا التنوين فإن كتابة الألف فى آخر الاسم المنصوب يشعر بالتنوين،و قد بينا هذه القاعدة و قررناها فى كتاب الأحرف السبعة الملقب«بالمرشد الوجيز»و قد وجهت هذه اللغة بأنه أصل الكلام،و علة الجمع ضعيفة فى اقتضاء منع الصرف،بدليل صرف باقى أبنية الجموع،

ص: 713

و كونه لا نظير له فى الآحاد غير مقتض لمنع الصرف بدليل العلم المرتجل الذى لا نظير له فى أسماء الأجناس يقاس عليه لا بمنع الصرف،و فيه علتان:العلمية و كونه لا نظير له،و هذا كان أولى بالمانعية لأن العلمية مانعة فى مواضع بشرطها و الجمع غير معروف منه منع الصرف إلا فى هذا الموضع المتنازع فيه،فهذا الوجه من القياس مقوّ لهذه اللغة المسموعة.

و وجه آخر:قال أبو على:إن هذه الجموع أشبهت الآحاد لأنهم قد قالوا صواحبات يوسف،فلما جمع جمع الآحاد المنصرفة جعلوه فى حكمها فصرفوها،فهذا معنى قوله:إذ رووا صرفه لنا،و قال الزجاج:

الأجود فى العربية أن لا يصرف سلاسل،و لكن لما جعلت رأس آية صرفت ليكون آخر الآى على لفظ واحد.

قلت:ادّعاء أن سلاسل رأس آية بعيد،و لكن الممكن أن يقال:المعرف به فى القرآن هو اللغة الفصيحة، و هو منع صرف هذا الوزن من المجموع،بدليل:صوامع و مساجد،و إنما عدل عن لغة المشهورة فى سلاسل إرادة التناسب لما ذكر معها من قوله-و أغلالا و سعيرا-.

فإن قلت فكان ينبغى على هذا صرف صوامع و مساجد ليشاكلا لفظ-بيع و صلوات-من قوله تعالى - لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ -.

قلت:إنما فعل ذلك فى المنصوب خاصة،لأن المناسبة تحصل فيه وقفا و وصلا،فإن المنوّن يوقف عليه بالألف،فكان الرسم الألف دالا على الأمرين،أما غير المنصوب،فإنه يوقف عليه بالسكون،منوّنا كان أو غير منوّن،فلا حاجة تدعوا إلى صرفه لأجل المناسبة وصلا،و المناسبة فى الوقف مهمة،بل هى العمدة فى ذلك،بدليل أن جماعة ممن لم ينوّن فى الوصل يثبت الألف فى الوقف،و نظير هذا الموضع قراءة من قرأ فى سورة نوح-و لا يغوثا و يعوقا-بالتنوين،لأجل أن قبله-ودّا و لا سواعا-و بعده-و نسرا-و هذا تعليل الزمخشرى فى ذلك،فإنه قال لعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات،كما قرئ-و ضحاها-بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواج هذا قوله هنا:و يجيء مثل ذلك فى-سلاسلا-و هو وجه سائغ،فعدل عن ذلك لما وصل إليه،و قال فيه وجهان:

أحدهما أن تكون هذه النون بدلا من حرف الإطلاق،و يجرى الوصل مجرى الوقف.

و الثانى:أن يكون صاحب هذه القراءة ممن ضرى برواية الشعر و مرن لسانه على صرف غير المنصرف.

قال الشيخ:هذا كلام صدر عن سوء الظن بالقراءة،و عدم معرفته بطريقتهم فى اتباع النقل.

قلت:هذا جواب الوجه الثانى.

و أما الوجه الأول:فالتنوين الذى حمله عليه يسمى بتنوين الترنم،النائب مناب حرف الإطلاق،و لا يستقيم ذلك هنا،فان ذلك التنوين ثابت وقفا،و هذا مبدل منه ألف فى الوقف،و كل تنوين أبدل منه ألف فى الوقف فهو تنوين الصرف،و لو كان هذا التنوين فى كلمات الأحزاب-الظنونا-و-الرسولا-و-السبيلا-لكان تنوين الترنم فإن الألف فى الوقف ألف الإطلاق،فلتكن النون القائمة مقامه كذلك،و لو كان هذا التنوين ثابتا فى سلاسل وقفا، كما هو ثابت وصلا لأمكن فيه ذلك على أنه لغة ضعيفة أيضا،قال أبو الحسن الأخفش:لا يجوز فى-الظنونا- و شبهه تنوين الأعلى لغة من ينوّن فى القوافى،قال:و لا تعجبنى تلك اللغة لأنها ليست لغة أهل الحجاز.

ص: 714

قلت:فكل من لوّن-سلاسلا-فى الوصل وقف عليه بالألف،و من لم ينوّن وصلا اختلفوا،فمنهم من وقف على اللام ساكنة،و هو الذى عبر عنه بالقصر،و هذا قياس قراءتهم فى الوصل،و هم:حمزة،و قنبل، بلا خلاف و البزى و حفص و ابن ذكوان بخلاف عنهم،و منهم من وقف بألف اتباعا للرسم،و هم أبو عمرو و هؤلاء الرواة الثلاثة فى وجههم الثانى،و تكون ألف الوقف عند هؤلاء ألف الإطلاق،كالتى فى-الظنونا- و شبهه«و عن»فى قول الناظم«من عن»اسم كالتى فى قول القطامى.

من عن يمين الجبيا

أى نشأ للواقف بالقصر:القصر من جانب هدى خلفهم،و فلا من قولهم:فلوته أى ربيته،أو بمعنى فصل من فلوته عن أمه،أى فصلته و فطمته،أو بمعنى تدبر من فليت الشعر:إذا تدبرته و استخرجت معناه، قال الفراء:كتبت-سلاسلا-بالألف فأراها بعض القراء لمكان الألف التى فى آخرها و لم يجرها بعضهم، و قال الذى لم يجرها العرب تثبت فيما لا يجرى الألف فى النصب،فإذا وصلوا حذفوا الألف،قال:

و كل صواب.

1094-[(ز)كا و قواريرا فنوّنه(إ)ذ(د)نا

(ر)ضا(ص)رفه و اقصره فى الوقف(ف)يصلا]

زكا من تتمة رمز الواقفين بالقصر فى سلاسل،و الكلام فى تنوين-كانت قواريرا-و الوقف عليها بالألف و بالقصر كما سبق فى سلاسلا،و زاد الوقف بالألف هنا حسنا كونه رأس آية،فلهذا لم يقصره فى الوقف إلا حمزة وحده،و أجمعوا على ترك صرف الذى فى النمل-صرح ممرد من قوارير-.

1095-[و فى الثّان نوّن(إ)ذ(ر)ووا(ص)رفه و قل

يمدّ هشام واقفا معهم و لا]

يعنى-قوارير من فضة-و لكونه ليس برأس آية لم يقف عليه بالألف ممن لم ينون فى الوصل إلا هشام، و أما من نونه فوقف عليه بالألف المبدلة من التنوين فلهذا قال:واقفا معهم،أى مع المنونين،و و لا بالكسر:

أى متابعة للرسم،فانه بالألف فى أكثر المصاحف كالذى قبله قال الفراء ثبتت الألف فى الأولى لأنها رأس آية، و الأخرى ليس برأس آية،فكان ثبات الألف فى الأولى أقوى،و كذلك رأيتها فى مصحف عبد اللّه بن مسعود، و قرأ بها أهل البصرة و كتبوها فى مصاحفهم.كذلك و أهل الكوفة و أهل المدينة يثبتون الألف فيها جميعا، و كأنهم استوحشوا أن يكتب حرف واحد فى معنى نصب بكنايتين مختلفتين،قال:و إن شئت أجريتهما جميعا و إن شئت لم تجرهما و إن شئت أجريت الأولى لمكان الألف فى كتاب أهل البصرة،و لم تجر الثانية إذ لم تكن فيها الألف و اختار أبو عبيد-سلاسلا-و قواريرا قوارير-كلهن بإثبات الألف و التنوين،قال:و كذلك هى فى مصاحف أهل الحجاز و الكوفة بالألف،و رأيتها فى الذى يقال إنه الإمام مصحف عثمان بن عفان-قواريرا- الأولى مثبتة و الثانية كانت بالألف فحكت،و رأيت أثرها بينا هناك،و قال الزجاج:قرئت-قوارير-غير مصروفة،و هذا الاختيار عند النحويين،و من قرأ بصرف الأول فلأنه رأس آية،و ترك صرف الثانى لأنه ليس بآخر آية،و من صرف الثانى أتبع اللفظ اللفظ،لأن العرب ربما قلبت إعراب الشيء ليتبع اللفظ اللفظ،

ص: 715

فيقولون:جحر ضب خرب،و إنما الخرب من نعت الجحر،فكيف بما يترك صرفه،و جميع ما يترك صرفه يجوز صرفه فى الشعر،يعنى فأمره فى المتابعة أخف من غيره،و قال الزمخشرى:هذا التنوين بدلا من ألف الإطلاق،لأنه فاصلة،و قد سبق بيان فساد هذا القول،ثم قال:و فى الثانى لاتباعه الأول،و ذكر أبو عبيد و غيره أن فى مصاحف البصرة،الأول بألف و الثانى بغير ألف،و بعضهم ذكر أن الأول أيضا بغير ألف فى بعض المصاحف،و هذا هو الظاهر.

1096-[و عاليهم اسكن و اكسر الضّمّ(إ)ذ(ف)شا

و خضر برفع الخفض(ع)مّ(ح)لا(ع)لا]

يجوز أن يحرك الميم من عاليهم فى البيت بالحركات الثلاثة لضرورة الوزن،و إلا فهى ساكنة فى لفظ القرآن أو موصولة بواو عند من مذهبه ذلك،و إنما لفظ به الناظم على قراءة من أسكن الياء و كسر الهاء،و ليست الصلة من مذهب من قرأ كذلك،فلم يبق أن يكون لفظ به إلا على قراءة إسكان الميم،و حينئذ يجوز فتحها بنقل حركة همزة اسكن إليها و كسرها لالتقاء الساكنين على تقدير أن يكون وصل همزة القطع و ضمها لأنها حركتها الأصلية عند الصلة،فهى أولى من حركة مستعارة يريد- عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ -أى الذى يعلوهم ثياب من سندس،فهو مبتدأ و خبر،و قراءة الباقين بنصب الياء و ضم الهاء،و هو حال من قوله-و لقاهم نضرة و سرورا -و من-و جزاهم بما صبروا-هذا قول أبى على،و أجاز الزجاج أن يكون حالا من الضمير فى عليهم أو من الولدان،و تبعه الزمخشرى فى ذلك،و زاد وجها آخر،و هو أن يكون التقدير:رأيت أهل نعيم عاليهم، و ثياب سندس مرفوع به،و قد أجيز أن يكون عاليهم ظرفا،كأنه لما كان عال بمعنى فوق أجرى مجراه،فهو كقولك فوقهم ثياب،و خضر بالرفع صفة لثياب و بالجر صفة لسندس،و جاز ذلك،و إن كان سندس مفردا و خضر جمعا لما كان السندس راجعا إلى جمع و هو الثياب،و المفرد إذا أريد به الجمع جاز وصفه بالجمع،نحو -على رفرف خضر و عبقرىّ حسان-و من هذا الإخبار عن المفرد و الجمع نحو ما سبق فى قراءة نافع و حمزة- -عاليهم ثياب-و عكسه قول الشاعر:

ألا إن جيران العشية رابح

و حلا فى البيت تمييز أو حال.أى عمت حلاة أو عم ذا حلاه،أخبر عن خضر بأنه عم حلاه و بأنه علا فهما جملتان،و قوله برفع الخفض متعلق بأحدهما.و اللّه أعلم.

1097-[و إستبرق(حرمىّ ف)صر و خاطبوا

تشاءون(حصن)وقّتت واوه(ح)لا]

أى و رفع خفض استبرق لهؤلاء،و وجه الرفع العطف على ثياب،أى و ثياب استبرق،فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه،و قرأ الباقون بالجر عطفا على سندس،أى ثياب هذين النوعين،فصار فى هاتين الكلمتين خضر و استبرق أربع قراءات رفعهما لنافع،و حفص اخفضهما لحمزة و الكسائى خفض خضر و رفع استبرق لابن كثير و أبى بكر عكسه،رفع خضر و جر استبرق لأبى عمرو و ابن عامر،و هو أجود هذه القراءات الأربع،و اختاره أبو عبيد،قال أبو على:هو أوجه هذه الوجوه،لأن خضر صفة مجموعة لموصوف،

ص: 716

مجموع،و استبرق جنس أضيف إليه الشاب كما أضيف إلى سندس كما تقول ثيابا خز و كتان،و دل على ذلك قوله تعالى فى سورة الكهف:

(وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ 1) .

و أما-و ما تشاءون-بالغيب و الخطاب فظاهر،و حصنا حال من فاعل خاطبوا أو مفعوله و هو تشاءون، جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه،أى ذوى حصن أو ذا حصن،و قرأ أبو عمرو وحده-و إذا الرسل وقتت- بالواو و هو أصل الكلمة لأنها من الوقت،قال الفراء:أى جمعت لوقتها يوم القيامة،و قال الزجاج:

جعل لها وقت و أجل للفصل و القضاء بين الأمم،و قال أبو على:جعل يوم الدين و الفصل لها وقتا، كما قال:

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ 2) .

و قال الزمخشرى:معنى توقيت الرسل أى تبين وقتهم الذى يحضرون فيه للشهادة على أممهم.

قلت:كأنه و اللّه أعلم بعد الوقوف من طول ذلك اليوم و معاينة ما فيه من الأهوال الواقعة بالسماء و الكواكب و الجبال و غيرها و وقوع الخلائق فى ذلك الكرب العظيم الذى يطلبون الخلاص منه لسرعة الفصل بينهم، فيقصدون الرسل لذلك على ما جاء فى حديث الشفاعة فحينئذ و اللّه أعلم يبين لهم وقت الفصل بينهم،و قوله -لأى يوم أجلت-تعظيم للوقت الذى يقع فيه الفصل و الجزاء،و المراد باليوم الحين و الزمان،و لطول يوم القيامة يعبر عن الوقت فيه،ثم بين الناظم قراءة الباقين،فقال:

1098-[و بالهمز باقيهم قدرنا ثقيلا(إ)ذ

(ر)سا و جمالات فوحّد(ش)ذا(ع)لا]

أى همزوا الواو من وقتت فصارت همزة مضمومة او لك لغة فى كل واو مضمومة،قالوا فى وجوه:أجوه، و فى وعد أعد،و اختار هذه القراءة أبو عبيد لموافقة الكتاب مع كثرة قرائها،و هى أيضا موافقة لقوله أجلت، و ثقل نافع و الكسائى-فقدرنا-و خفف الباقون لقوله-فنعم القادرون-و وجه التثقيل قوله-من نطفة خلقه فقدره-أجمع على تشديده أى-فنعم القادرون-نحن على تقديره،و قيل المخفف و المشدد بمعنى واحد،و جمالات جمع جمالة،و جمالة جمع جمل،كجارة فى جمع حجر،و قبل جمالات جمع جمال،كرجالات فى جمع رجال،و وجه القراءتين ظاهر،و مضى معنى:شذا علا:

********

(1) آية:31.

(2) سورة الدخان،آية:40.

ص: 717

و من سورة النبأ إلى سورة العلق

لا نعلق لما نظمه فى سورة النبأ بما بعدهما،و النازعات و عبس متصلتان،و كذا التكوير و الانفطار،و سورة المطففين منفردة،و كذا الانشقاق و من سورة البروج إلى العلق متصل،و فيها سور لم يذكر لها خلفا متجددا، كما سبق التنبيه عليه فى سورة الجمعة،و هى:و الطارق،و الليل،و الضحى،و أ لم نشرح،و التين؛و لكنها لا تخلو من خلاف مر ذكره فى الأصول و غيرها،و اللّه أعلم.

1099-[و قل لابثين القصر(ف)اش و قل و لا

كذابا بتخفيف الكسائىّ أقبلا]

أى القصر فيه يريد- لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً -فلابث و لبث من باب حاذر،حذر،و فاره و فره،و قد مضيا فى سورة الشعراء،و منه طامع و طمع،و قال الزمخشرى:اللبث أقوى،لأن اللابث من وجد منه اللبث و لا يقال لبث إلا لمن شأنه اللبث،كالذى يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه،و قال الفراء:أجود الوجهين بالألف، يعنى لأجل نصب ما بعده لأن إعمال ما كان على وزن فاعل أكثر من إعمال فعل،و أما-كذابا-بالتخفيف فمصدر كذب،مثل كتب كتابا و بالتشديد مصدر كذب،مثل كلم كلاما،و فسر فسارا،و موضع الخلاف قوله تعالى- لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذّاباً -يعنى أهل الجنة جعلنا اللّه منهم،لا يسمعون فيها كذبا و لا تكذيبا، و قيده الناظم بقوله و لا احترازا من النهى قبله،-و كذبوا بآياتنا كذابا-فهو مجمع على تشديده،لأن فعله معه، و قال الزمخشرى:فعال فى باب فعل كله فاش فى كلام فصحاء من العرب،لا يقولون غيره و سمعنى بعضهم أفسر آية فقال:لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله.

1100-[و فى رفع يا ربّ السّماوات خفضه

(ذ)لول و فى الرّحمن(نا)ميه(ك)مّلا]

أى خفض الباء من-رب السموات-للكوفيين و ابن عامر و حفص،النون من-الرحمن-لعاصم و ابن عامر فخفضهما على البدل من ربك و يجوز فى-الرحمن-أن يكون صفة أو عطف بيان و من رفعهما كان على تقدير هو:رب السموات الرحمن،أو يكون-رب-مبتدأ-و الرحمن-خبره أو-الرحمن-نعته أو عطف بيان له، -و لا يملكون-خبره،و من غاير بينهما و هو حمزة و الكسائى خفضا ياء-رب-على البدل،و رفع-الرحمن- على الابتداء-و لا يملكون-خبره،أو على تقدير هو الرحمن و استئناف لا يملكون،و تقدير البيت:و خفض الرفع فى الرحمن ناقله كملا،لأنه كمل الخفض فى الحرفين معا،يقال:نميت الحديث إذا بلغته، و اللّه أعلم.

1101-[و ناخرة بالمدّ(صحبت)هم و فى

تزكّى تصدّى الثّان(حرمىّ)اثقلا]

نخرة و ناخرة واحد،أى بالية؛و فى قراءة القصر زيادة مبالغة،و فى قراءة المد مؤاخاة رءوس الآى قبلها

ص: 718

و بعدها،و أما-فقل هل لك إلى أن تزكى-و فى سورة عبس-فأنت له تصدى-فثقل الحرميان الحرف الثانى من الكلمتين و هما الزاى و الصاد،فهذا معنى قوله الثانى،أى ثانى حروفهما،و الأصل تتزكى و تتصدى بتاءين، فمن ثقل أدغم و من خفف حذف على ما سبق فى-تظاهرون-و تقدير حرمى أثقل الحرف الثانى فى تزكى و تصدى، فقوله الثانى مفعول أثقلا و الألف فى أثقل يجوز أن تكون للإطلاق،و أن تكون ضمير التثنية حملا على لفظ حرمى،فإنه مفرد،و على معناه الآن مدلوله اثنان،و ألقى حركة همزة أثقلا على تنوين حرمى،و حذف الياء من الثان:و لم يفتحها،و هو مفعول به ضرورة،و جاء لفظ الثانى منها ملبسا على المبتدئ يظن أن تصدى موضعان الخلاف فى الثانى فيهما،و إنما ذكر الثانى هنا كقوله ء آلهة كوف يحقق ثانيا أى ثانى حروفه،و لأجل أن مراده أثقلا الحرف الثانى فى هاتين الكلمتين عدل إلى حرف«فى»عن أن يقول:و أن تزكى على لفظ التلاوة،و اللّه أعلم.

1102-[فتنفعه فى رفعه نصب عاصم

و أنّا صببنا فتحه(ث)بته تلا]

الرفع عطف على يذكروا،و النصب على أنه و اب الترجى من لعله يزكى كما تقدم من.

(فَأَطَّلِعَ 1) فى سورة غافر.

(أَنّا صَبَبْنَا 2) كسره على الابتداء و فتحه على أنه بدل من طعامه أى فلينظر إلى أصل طعامه،قال أبو على:هو بدل اشتمال، لأن هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام و حدوثه فهو على نحو:

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ 3) .

(قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ 4) بالنار.

(وَ ما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ 5) .

لأن الذاكرة كالمشتمل على المذكور،و قال-إلى طعامه-و المعنى إلى كونه و حدوثه،و هو موضع الاعتبار و أنا صببنا فى البيت مبتدأ و ثبته مبتدأ ثان،و فتحه مفعول تلا،و معنى ثبته أى ناقله و قارئه الثبت،يقال:

رجل ثبت بسكون الباء أى ثابت القلب و يقال:هذا شيء ليس بثبت بفتح الباء أى ليس بحجة، و اللّه أعلم.

********

(1) آية:6.

(2) آية:37.

(3) سورة البقرة،آية:217.

(4) سورة البروج،آية:4.

(5) سورة الكهف،آية:63.

ص: 719

1103-[و خفّف(حقّ)سجّرت ثقل نشّرت

(ش)ريعة(حقّ)سعّرت(ع)ن(أ)ولى(م)لا]

التخفيف فى هذه الكلمات الثلاثة و التشديد سبق لها نظائر و لم يبين القراءة المرموزة فى سعرت إحالة على ما نص عليه فى الحرف قبلها و هو الثقل،فهو مثل ما أحال-سكرت-فى أوّل الحجر على ما قبله و هو:و رب خفيف و الملأ:الأشراف و الرؤساء،يشير إلى أن هذه القراءة مأخوذة عن جماعة أصحاب شيوخ أكابر أخذوها عنهم.

1104-[و ظا بضنين(ح)قّ(ر)او و خفّ فى

فعدّلك الكوفى و(حقّ)ك يوم لا]

الأولى أن تكتب بضنين بالضاد لوجهين:

أحدهما:أنها هكذا كتبت فى المصاحف الأئمة،قال الشاطبى رحمه اللّه فى قصيدة الرسم:و الضاد فى بضنين تجمع البشر.

و الثانى:أن يكون قد لفظ بالقراءة الأخرى،فإن الضاد و الظاء ليسا فى اصطلاحه ضدين.

فإن قلت:فكيف تصح حينئذ إضافة الظاء إلى هذا اللفظ و ليس فيه ظاء؟ قلت:يصح ذلك من جهة أن هذا اللفظ يستحق هذا الحرف باعتبار القراءة الأخرى،و لهذا يجوز لك أن تقرأ قوله فى سورة النساء-و يا سوف تؤتينهم-عزير بالنون،و معنى بظنين بالظاء من الظنة،و هى التهمة أى ما هو بمتهم على ما لديه من علم الغيب الذى يأتيه من قبل اللّه تعالى،و معناه بالضاد ببخيل:أى لا يبخل بشيء منه بل يبلغه كما أمر به امتثالا لأمر اللّه تعالى و حرصا على نصح الأمة،«و على»على هذه القراءة بمعنى الباء، و ذلك ثابت لغة،و قد سبق فى شرح قول«و ليس على قرانه متأكلا»و يكون سبب العدول عن الباء إليها استقامة معناها على القراءتين أو كراهة لتكرار الباء لو قيل-بالغيب بضنين-و قال الفراء فى تفسير بضنين:

يقول يأتيه غيب السماء و هو منقوش فيه فلا يبخل به عليكم و لا يضن به عنكم،و قيل المعنى:إنه جامع لوصفين جليلين،و هما الاطلاع على علم الغيب و عدم البخل،كما تقول هو على علمه شجاع أى جامع للوصفين و اختار أبو عبيد القراءة بالظاء،و قال:إنهم لم يبخلوه فيحتاج إلى أنه ينفى عنه ذلك البخل،إنما كان المشركون يكذبون به، فأخبرهم اللّه تعالى أنه ليس بمتهم على الغيب،و جواب هذا أن يقال:وصفه اللّه تعالى بذلك لحرصه على التبليغ و قيامه لما أمر به،و لا يتوقف نفى البخل عنه على رميهم إياه به:

فإن قلت:إذا كانت الكتابة بالضاد فكيف ساغ مخالفتها إلى الظاء.

قلت باعتبار النقل الصحيح كما قرأ أبو عمرو-وقتت-بالواو مع أن أبا عبيد قد أجاب عن هذا فقال:

ليس هذا بخلاف الكتاب،لأن الضاد و الظاء لا يختلف خطهما فى المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى،قال:فهذا قد يتشابه فى خط المصحف و يتدانى،قال الشيخ:صدق أبو عبيد،فإن الخط القديم على ما وصف،و قال الزمخشرى:هو فى مصحف عبد اللّه بالطاء،و فى مصحف أبىّ بالضاد،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقرأ بهما،و إتقان الفصل بين الضاد و الظاء واجب،و معرفة مخرجيهما مما لا بدّ

ص: 720

منه للقارئ،فإن أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين،فإن فرقوا ففرقا غير صواب،و بينهما بون بعيد،ثم ذكر مخرجيهما على ما سيأتى بيانه فى باب مخارج الحروف،ثم قال و لو استوى الحرفان لما ثبت فى هذه الكلمة قراءتان اثنتان،و لا اختلاف بين جبلين من جبال العلم و القراءة،و لما اختلف المعنى و الاشتقاق و التركيب، قلت:و قد صنفت مصنفات فى الفرق بين الضاد و الظاء مطلقا،و حصرت كلمات الحرفين،و نظم جماعة من شيوخ القراءة ما فى القرآن العظيم من الظاءات،فيعلم بذلك أن ما عدا ما نظموه يكون بالضاد،و قد ذكرت فى ذلك فصلا بديعا فى مختصر تاريخ دمشق،فى ترجمة عبد الرزاق بن على،فى حرف العين،و قوله:فعد لك بالتخفيف،أى عدل بعضك ببعض،فكنت معتدل الخلقة متناسبها،فلا تفاوت فيها.قال عبد اللّه بن الزبعرى قبل إسلامه:

و عدلنا ميل بدر فاعتدل

و بالتشديد معناه قوّمك و حسنك و جعلك معتدلا،فهما متقاربان،و معنى البيت خف الكوفى فى قراءة فعدلك بالتخفيف،ثم قال:و حقك-يوم لا-يعنى رفع-يوم لا تملك-لأنه بدل من يوم الذى قبله أو على تقدير هو يوم لا تملك و النصب على تقدير تدانون،أى تجازون يوم كذا لأن لفظ الدين بدل عليه،أو بإضمار أعنى أو على تقدير اذكر،و قيل بدل من-يوم الدين-الذى بعد-يصلونها-و قيل و مبنى لإضافته إلى لا،كما تقدم فى مثل ما،فيجوز على هذا أن تكون على ما تقدم من وجهى الرفع و وجود النصب،قال الشيخ:و قوله:

و حقك يوم لا،أضاف يوم إلى لا،لأن اليوم مصاحب لها.

قلت:لا حاجة إلى هذا الاعتذار،فإنه حكاية لفظ القرآن،و قيدها بذلك احترازا من ثلاثة قيلها مضافة إلى الدين.

1105-[و فى فاكهين اقصر(ع)لا و ختامه

بفتح و قدّم مدّه(ر)اشدا و لا]

فاكهين و فكهين واحد،المد و القصر كما سبق فى لابثين و لبثين،و فارهين و فرهين،أى انقلبوا معجبين متنعمين متلذذين فرحين.

و أما-ختامه مسك-فقرأه الكسائى بفتح الخاء،و قدم الألف على التاء فصار خاتمه،كما قرأ عاصم و خاتم النبيين-قال الفراء:الخاتمة و الختام متقاربان فى المعنى إلا أن الخاتم الإسم و الختام المصدر.قال أبو على:

خاتمه آخره و ختامه عاقبته،و المراد لذاذة المقطع و ذكاء الرائحة و أرجها مع طيب الطعم،و عن سعيد بن جبير ختامه آخر طعمه،و قوله:و لا بفتح الواو أى ذا ولاء أى نصر لهذه القراءة،لأن أبا عبيد كرهها،و قال:

حجة الكسائى فيها حديث كان يرويه عن على،و لو ثبت عن على لكان فيها حجة،و لكنه عندنا لا يصح عنه، قلت:قد أسند الفراء فى كتاب المعانى عن على و علقمة فقال:حدثنى محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن عن على أنه قرأ خاتمه مسك،قال و حدثنا أبو الأحوص عن أشهب بن أبى الشعثاء المحاربى قال قرأ علقمة بن قيس:خاتمة مسك و قال أما رأيت المرأة تقول للعطار:اجعل لى خاتمه مسكا،تريد آخره، و تفسيره أن الشارب يجد آخر كأسه ريح المسك،و اللّه أعلم.

ص: 721

1106-[يصلّى ثقيلا ضمّ(عمّ ر)ضا(د)نا

و با تركبنّ اضمم(ح)يا(عمّ ف؟؟؟)هّلا)

ضم فعل ما لم يسم فاعله فى موضع الحال أيضا،أى مضموم الياء و عمّ:خبر يصلى،أى عم رضاه أو ذا رضى،و قراءة الباقين يصلى سعير مضارع صلى،كما قال تعالى- سَيَصْلى ناراً -ثم قال اضمم باء-لتركبن طبقا-ذا حيا،و لحيا بالقصر الغيث،و نهلا جمع ناهل،و هو الشارب أى مشبها حيا عام النفع،و هو خطاب للإنسان،فهو بفتح الباء على اللفظ و بضمها،لأن المراد بالإنسان المخاطب الجنس،و معنى-طبقا عن طبق- أى حالا بعد حال،من شدائد أحوال القيامة و أهوال مواقفها،قيل:هى خمسون موقفا كل حالة منها مطابقة للأخرى،فى الشدة و الهول،و قيل غير ذلك،و اللّه أعلم.

و فى نظم هذا البيت نظر فى موضعين،أحدهما:يصلى فإنه لم ينص على فتح الصاد و لا سكونها،و الثانى قوله و با-تركبن-و لم يقيد لفظ الباء بما تتميز به من التاء،و كلمة تركين فيها الحرفان،و كل واحد منهما قابل للخلاف المذكور،و كان يمكنه أن يقول:

يصلى بيصلى عم دم رم و تركبن بالضم قبل النون حز عم نهلا

1107-[و محفوظ اخفض رفعه(خ)صّ و هو فى ال

مجيد(ش)فا و الخفّ قدّر(ر)تّلا)

الخفض نعت للوح و هو موافق لما يطلقه الناس،من قولهم:اللوح المحفوظ،قرأه نافع بالرفع جعله صفة لقرآن فى قوله:-بل هو قرآن مجيد-أى هو قرآن مجيد محفوظ فى لوح،و الضمير فى قوله هو للخفض،أى اخفض رفع-ذو العرش المجيد-فيكون نعتا للعرش،و رفعه على أنه خبر بعد ثلاثة أخبار لقوله-و هو الغفور- و التخفيف و التشديد فى-قدر فهدى-سبق مثله فى-و المرسلات-قوله و الخف على تقدير،و ذو الخف،و قدر عطف بيان له،أو يكون قدر مفعول،و الخف نحو الضرب زيدا أعلم.

1108-[و بل يؤثرون(ح)ز و تصلى يضمّ(ح)ز

(ص)فا يسمع التّذكير(حقّ)و ذو جلا]

الغيب و الخطاب فى تؤثرون ظاهران،و كذلك-تصلى نارا-بضم التاء و فتحها،و تأنيث-لاغية-غير حقيقى،فجاز تذكير الفعل المسند إليها و هو يسمع،هذا على قراءة من رفعها،و أما من نصبها على المفعولية، ففتح التاء من تسمع على ما يأتى،و قوله:و ذو جلا أى جلاء بالمدّ بمعنى انكشاف،و ظهور و هو تتمة للبيت و الرمز حق وحده.

1109-[و ضمّ(أ)ولوا(حقّ)و لاغية لهم

مسيطر اشمم(ض)اع و الخلف(ق)لّلا]

يعنى ضم التاء من تسمع نافع و ضم الياء ابن كثير و أبو عمرو،فالمجموع ضم أوّل يسمع و لاغية لهم بالرفع،

ص: 722

لأن تسمع على قراءة الثلاثة فعل ما لم يسم فاعله،و إن كان أوّله مختلفا فيه بينهم دائرا بين التاء و الياء،و قراءة الباقين بتاء الخطاب،أى لا تسمع أنت و أيها السامع فيها لاغية،فإن قلت من أين علم ذلك و هو إنما ذكر التذكير فضده التأنيث و هو حاصل فى قراءة نافع،أما قراءة غيره فبالخطاب.

قلت:لما اشتركوا مع نافع فى القراءة بالتاء و إن اختلف مدلولها تأنيثا و خطابا تجوز فى أن جعل قراءتهم ضدا للتذكير فهو كما سبق فى-و لتستبين-فى سورة الأنعام،و يجوز أن تكون التاء فى قراءة الجماعة للتأنيث أيضا،على أن يكون فاعلها ضميرا عائدا على الوجوه فى قوله تعالى- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ -أى لا تسمع تلك الوجوه فيها لاغية،و قوله:أولوا حق أى أصحاب حق،و أما-لست عليهم بمصيطر-فاشم الصاد زاء خلف، كما فعل فى الصراط و فى المصيطرون فى الطور،و عن خلاد فى ذلك خلاف،و لكون هذه القراءة قد عرفت لخلف،و خلاد من سورتى الفاتحة و الطور أطلق الإشمام،و لم يبين أنه بالزاى فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد و معنى ضاع فاح و انشر،و الخلف قللا،لأن من المصنفين من لم يذكر لخلاد إلا أحد الوجهين إما الصاد الخالصة كالجماعة،و إما الإشمام مثل خلف،فذكر الخلاف قليل.

1110-[و بالسّين(ل)ذ و الوتر بالكسر(ش)ائع

فقدّر يروى اليحصبيّ مثقّلا]

أى و قرأ بمصيطر بالسين هشام وحده،على أصل الكلمة،و الباقون بالصاد،و تعليل هذه القراءات كما سبق فى الصراط،و الوتر يكسر الواو و فتحها لغتان،قال أبو عبيد:و بكسر الواو نقرؤها لأنها أكثر فى العامة و أفشى،و مع هذا إنا تدبرنا الآثار التى جاء فيها ذكر وتر الصلاة فوجدناها كلها بهذه اللغة لم نسمع فى شيء منها الوتر،يعنى بالفتح،قال:و المعنى فيهما واحد،إنما تأويله الفرد الذى هو ضدّ الشفع،و قال مكى و غيره:

الفتح لغة أهل الحجاز و الكسر لغة بنى تميم.

و أما-فقدر عليه روقه-فالتخفيف و التشديد فيه لغتان،و هو بمعنى ضيق،و التخفيف أكثر فى القرآن:

1111-[و أربع غيب بعد بل لا(ح)صولها

يحضّون فتح الضّمّ بالمدّ(ث)مّلا]

أى و أربع كلمات تقرأ بالغيبة،ثم بين مواضعها فقال:حصولها بعد لفظ-بل لا-يريد-كلا بل لا تكرمون اليتيم و لا تحضون-و تأكلون-و تحبون-انفرد أبو عمرو بقراءة الغيب؛و الباقون بالخطاب،و وجهها ظاهر، و قرأ الكوفيون-تحاضون-من المحاضة،أى يحض بعضكم بعضا،و أصلها تتحاضون فحذفت التاء الثانية كما فى نظائره،و معنى ثملا:أى أصلح أى فتح ضمه أصلح بالمدّ،لأنه لا يستقيم إلا به،و يعنى بفتح الضم فتح الحاء المضمومة من تحضون فى قراءة الباقين.

1112-[يعذّب فافتحه و يوثق(ر)اويا

و ياءان فى ربّى و فكّ ارفعن و لا]

يعنى فتح ذال يعذب،و ثاء يوثق على بناء الفعلين للمفعول،و الهاء فى عذابه للإنسان،على قراءة الكسائى

ص: 723

هذه،و قراءة الباقين بكسرهما على بناء الفعلين للفاعل،و هو أحد،و الهاء فى عذابه عائدة على اللّه تعالى،أى هو متولى الأمور كلها لا معذب سواه أى إن عذاب من يعذب فى الدنيا ليس كعذاب اللّه،و يجوز أن يكون الها عائدة على الإنسان أيضا،و اختاره الشيخ أبو عمرو ليفيد المعنى زيادة عذاب هذا الإنسان على غيره،و إذا عاد الضمير إلى اللّه تعالى لم يفد هذا المعنى بخلاف قراءة الفتح،فإن على كلا التقديرين يحصل هذا المعنى،فإن الهاء إن عادت على الإنسان فظاهر على ما سبق،و إن عادت على اللّه تعالى كان المعنى:لا يعذب أحد مثل تعذيب اللّه تعالى لهذا الإنسان،و اختار أبو عبيد قراءة الفتح،و أسند فيها حديثا عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال مع صحة المعنى فيها،لأن تفسيرها لا يعذب عذاب الكافر أحد،و من قرأ بالكسر فإنه يريد لا يعذب عذاب اللّه عز و جل أحد،قال:و قد علم المسلمون أنه ليس يوم القيامة معذب سوى اللّه تعالى،فكيف يكون لا يعذب أحد مثل عذابه،و أراد بقوله و ياءان فى ربى أن هذا اللفظ الذى هو ربى تكرر فى هذه السورة فى موضعين ففيه ياءان من ياءات الإضافة يريد- رَبِّي أَكْرَمَنِ -و- رَبِّي أَهانَنِ -فتحهما الحرميان و أبو عمرو و فيها أربع زوائد تقدم نظمها فى آخر سورة تبارك-يسر-أثبتها فى الوصل نافع و أبو عمرو و فى الحالين ابن كثير-بالواد-أثبتها فى الوصل ورش و فى الوقف ابن كثير على اختلاف عن قنبل أكرمن و أهانن أثبتهما فى الوصل نافع و أبو عمرو على اختلاف عنه و فى الوقف البزى و النون فى قوله ارفعن نون التوكيد الخفيفة التى تبدل ألفا فى الوقف و مثلها فى القرآن-لنسفعن بالناصية-و-ليكونا من الصاغرين-و ولا بالكسر أى متابعا فهو مفعول من أجله أو التقدير ذو ولاء فيكون حالا و ليست الواو فاصلة فإن المسألة لم تتم بعد،أى ارفع الكاف من قوله تعالى فى سورة البلد- فَكُّ رَقَبَةٍ -لمن يأتى ذكره ثم ذكر ما يفعله هذا الرافع فى رقبة فقال:

1113-[و بعد اخفضن و اكسر و مدّ منوّنا

مع الرّفع إطعام(ن)دا(عمّ ف)انهلا]

النون فى اخفضن للتوكيد أيضا يريد اخفض الكلمة التى بعد فك و هى رقبة فهى مخفوضة بإضافة فك إليها لأن فك بعد أن كان فعلا ماضيا فى القراءة بفتح الكاف صار برفعها اسما مضافا إلى رقبة،و قوله و اكسر يعنى همزة إطعام،و المدّ زيادة ألف بعد العين و التنوين مع الرفع فى الميم فيبقى إطعام معطوفا على فك،فهما اسمان فى هذه، و فى الأخرى هما فعلان ماضيان فقوله إطعام مفعول اكسر و مد أى افعل فيه الكسر و المد و التنوين و الرفع و قوله ندا أى ذا نداء و قوله عم فانهلا أراد فانهلن فأبدل من النون ألفا أى فاشرب يقال منه نهل بكسر الهاء ينهل فوجه هذه القراءة أنها تفسير للعقبة و التقدير هى فك رقبة أو إطعام و على قراءة الباقين يكون فك رقبة بدلا من -فلا اقتحم-و ما بينهما اعتراض كما قيل فى يوم لا تملك المنصوب أنه بدل من يوم الدين و قد اعترض بينهما جمل فى ثلاث آيات.

1114-[و مؤصدة فاهمز معا(ع)ن(ف)تى(ح)مى

و لا(عمّ)فى و الشّمس بالفاء و انجلا]

معا يعنى فى سورتى البلد و الهمز و الهمز فى مؤصدة و تركه لغتان و قد تقدم الكلام فيها فى باب الهمز المفرد و معنى مؤصدة مطبقة و قوله عن فتى أى ناقلا له عن فتى حماه،و أما-و لا يخاف عقباها-فى سورة و الشمس فقرأها

ص: 724

نافع و ابن عامر بفاء موضع الواو على ما فى المصحف المدنى و الشامى و هو عطف على ما قبله من الجمل المعطوفات بالفاء فقال لهم-فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها و لا يخاف عقباها-و قرأ الباقون بالواو على ما فى مصاحفهم و هى واو الحال أى فسوّاها غير خائف و الضمير فى و لا يخاف يرجع إلىّ من رجع إليه الضمير فى فسوّاها و قيل يرجع إلى الرسول و قيل يرجع إلى العاقل و قراءة الفاء ترد هذه القول و معنى فدمدم عليهم أرجف بهم و قيل أطبق العذاب عليهم،و الضمير فى فسوّاها للدمدمة أو لآية ثمود أى فسوّى الدمدمة بينهم أو فسوّاهم فى ذلك لم يفلت منهم أحدا،فقول الناظم«و لا مبتدأ و عم خبره»أى و لا فى و الشمس عم بالفاء و أنجلا أى كفا.

ص: 725

و من سورة العلق إلى آخر القرآن

لا تعلق لسورة العلق بما بعدها فى نظمه،و سورة القدر و لم يكن متصلتان،و كذا التكاثر و الهمزة و لإيلاف و الكافرون متصلات فى نظمه ثم سورة تبت و ما بين ذلك كله من السور لا خلف فيها إلا ما سبق ذكره فى الأصول و غيرها،و كذا ما بعد تبت.

1115-[و عن قنبل قصرا روى ابن مجاهد

رآه و لم يأخذ به متعمّلا]

قصرا مفعول روى و رآه مفعول قصرا لأنه مصدر أى روى ابن مجاهد عن قنبل قصرا فى هذه الكلمة و هى -أن رآه استغنى-فحذف الألف بين الهمزة و الهاء و ابن مجاهد هذا هو الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس ابن مجاهد شيخ القراء بالعراق فى وقته،و هو أوّل من صنف فى القراءات السبع،على ما سبق بيانه فى خطبة هذا الكتاب و أوضحناه فى كتاب الأحرف السبعة و قد ذكرت من أخباره فى ترجمته فى«مختصر تاريخ بغداد» و مات رحمه اللّه سنة أربع و عشرين و ثلاث مائة و قد ضعف بعضهم قراءته على قنبل،و قال:إنما أخذ عنه و هو مختلط لكبر سنه على ما ذكرناه فى ترجمة قنبل فى الشرح الكبير لهذه القصيدة،و قال ابن مجاهد فى«كتاب السبعة»له:قرأت على قنبل أن رآه قصرا بغير ألف بعد الهمزة فى وزن«رعه»قال:و هو غلط لا يجوز إلا رآه فى وزن رعاه ممالا و غير ممال،فهذا معنى قول الناظم و لم يأخذ به لأنه جعله غلطا،و معنى متعملا أى:عاملا يقال عمل و اعتمل و تعمل،فيجوز أن يكون حالا من ابن مجاهد،و هو ظاهر،و يجوز أن يكون مفعولا به، أى لم يأخذ به على أحد قرأ عليه،و المتعمل طالب العلم الآخذ نفسه به،يقال تعمل فلان لكذا و سوف أتعمل فى حاجتك،أى أتعنى،و هذا كالمتفقه و المتنسك أى لم يطالب أحدا من تلامذته بالقراءة به و هذه العبارة غالبة فى ألفاظ شيوخ القراء يقول قائلهم به قرأت و به آخذ أى و به أقرئ غيرى.

و قال الشيخ الشاطبى رحمه اللّه فيما قرأته بخط شيخنا أبى الحسن رحمه اللّه:رأيت أشياخنا يأخذون فيه بما ثبت عن قنبل من القصر خلاف ما اختاره ابن مجاهد.

و قرأت فى حاشية النسخة المقروءة على الناظم رحمه اللّه:زعم ابن مجاهد أنه قرأ بهذا عليه أى على قنبل و رده و رآه غلطا،هكذا فى السبعة و لم يتعرض فى الكتاب له لما علم من صحة الرواية فيه،قال:و إذا صح تصرف العرب فى رأيا لقلب،و يحفظ الهمزة،فكيف ينكر قصر الهمزة إذا صحت به الرواية.

و قال الشيخ فى شرحه:و كذلك رواه أبو عون يعنى محمد بن عمر الواسطى عن قنبل و الرواية عنه صحيحة و قد أخذ له الأئمة بالوجهين و عول صاحب التيسير على القصر،يعنى لأنه لم يذكر فيه غبره فإنه قال:

قرأ قنبل-أن رآه-بقصر الهمزة و الباقون بمدها و قال فى غيره و به قرأت،و أثبت بن غلبون و أبوه الوجهين، و اختار إثبات الألف،قال الشيخ:و هى لغة فى رآه و مثله فى الحذف قول رؤبة وصانى الحجاج فيما وصنى قال:و ما كان ينبغى لابن مجاهد إذا جاءت القراءات ثابتة عن إمام من طريق لا يشك فيه أن يردها،لأن وجهها لم يظهر له،و قد سبق فى-حاشا-ذكر هذا الحذف و نحوه،و إذا كانوا يقولون لا أدر من المستقبل الذى يلبس الحذف فيه قراءة أولى.

ص: 726

قلت:و أنشدنى الشيخ أبو الحسن رحمه اللّه لنفسه بيتين بعد هذا البيت حالة قراءتى لشرحه عليه فى الكرة الأخيرة التى لم نقرأ عليه بعدها:

و نحن أخذنا قصره عن شيوخنا بنصى صحيح صح عنه فبجلا

و من ترك المروى من بعد صحة فقد زل فى رأى رأى متخيلا

قلت:لعل ابن مجاهد رحمه اللّه إنما نسب هذا إلى الغلط لأخذه إياه عن قنبل فى زمن اختلاطه،مع ما رأى من ضعف هذا الحذف فى العربية لأنه و إن جاء نحوه ففي ضرورة شعر،أو ما يجرى مجرى ذلك من كلمة كثر دورها،على ألسنتهم،فلا يجوز القياس على ذلك و قد صرح بتضعيف هذه القراءة جماعة من الأئمة قال أبو على:

إن الألف حذفت من مضارع رأى فى قولهم:

أصاب الناس جهد و لو تر أهل مكة

فهلا جاز حذفها أيضا من الماضى.

قيل:إن الحذف لا يقاس عليه لا سيما فى نحو هذا إن كان على غير قياس.فإن قلت فقد جاء-حاشا للّه- يكون إلا فعلا لأن الحرف لا يحذف منه و قال رؤبة فيما وصنى قيل إن ذلك فى القلة بحيث لا يصار يسوغ القياس عليه و مما يضعفه إن الألف ثبتت حيث تحذف الياء و الواو،أ لا ترى أن من قال-إذا يسر-فحذف الياء فى الفاصلة لم يحذف من نحو-و الليل إذا يغشى و النهار إذا تجلى-و قال مكى هو بعيد فى القياس و النظر و الاستعمال هذا مع كونه علل هذه القراءة بخمس علل كلها ضعيفة و من أعربها أن الألف حذفت لأجل الساكن بعد الهاء و لم يعتد بالهاء حاجزا و لو كان ذلك مسوغا هذا لكان فى قراءة الجماعة أولى فإنهم لم يعتدوا بالهاء حاجزا فى امتناعهم فى صلة هاء الكتابة لأجل الساكن قبلها على ما سبق فى بابه،و اللّه أعلم.

1116-[و مطلع كسر اللاّم(ر)حب و حرفى ال

بريّة فاهمز(آ)هلا(م)تأهّلا]

يريد- حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ -كسر لامه رحب،أى واسع أى لم تضق وجوه القريبة عن توجيهه خلافا لمن استبعده و وجهه أنه قد جاء فى أسماء الزمان و المكان مفعل بكسر العين فما مضارعه يفعل بضمها أسماء محصورة و هذا منها نحو المشرق و المغرب و المسجد و منها ما جاء فيه الوجهان نحو النسك و المسكن و المطلع و قد قرئ بهما فى هذه الثلاثة،فالمفتوح و المكسور المراد بهما زمن الطلوع،و منهم من جعلهما مصدرين فاحتاج إلى تقدير أى حذف مضاف إلى زمن طلوع الفجر إذا قدرنا هما اسمى زمان لم تحتج إلى هذا و الزجاج جعل المفتوح مصدرا و المكسور اسم زمان و همز البرية هو الأصل لأنها من برأ اللّه الخلق و من لم يهمزها فإما أن يكون خفف الهمز كما تقدم فى النبيء و هو الأولى أو يكون مأخوذا من البرا و هو التراب فلا همز فيه و لكن قراءة الهمز ترد هذا الوجه قال أبو على البرية من برأ اللّه الخلق فالقياس فيه الهمز إلا أنه مما ترك همزه كقولهم النبى و الذرية و الخابية فى أنه ترك الهمز فالهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك فى الاستعمال كما أن من همز النبى كان كذلك و ترك الهمز فيها أجود و إن كان الأصل الهمز لأنه لما ترك فيه الهمز صار كرده إلى الأصول المرفوضة مثل ضننوا و ما أشبه ذلك من الأصول التى لا تستعمل،قال:قال و همز من همز البرية يدل على فساد قول من قال:إنه من البراء الذى هو التراب أ لا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من همز على حال إلا على وجه الغلط كما حكوا امتلأت الحجر و نحو

ص: 727

ذلك من الغلط الذى لا وجه له فى الهمز و الفاء فى قوله فاهمزه زائدة و حرفى البرية مفعول باهمز و آهلا متأهلا حالان من فاعل اهمز و معنى آهلا ذا أهل من قولهم أهل المكان إذا كان له أهل و مكان مأهول فيه أهله و قد أهل فلان بفتح الهاء يأهل بضمها و كسرها أهولا أى تزوج و كذا تأهل فيكون دعاء له أى اهمزه مزوجا إن شاء اللّه تعالى فى الجنة نحو اذهب راشدا أو اهمزه كائنا فى جماعة يريدونه و ينصرونه أى لست منفردا بذلك و إنما قال ذلك إشارة إلى خلاف من يرد الهمز فى هذا و معنى متأهلا أى متصديا للقيام بحجته محصلا لها أى لك أهلية ذلك و قال الشيخ آهلا حال من مفعول اهمز و يشكل عليه أن مفعول اهمز مثنى و الحال مفردة و نافع مذهبه همز النبى و البرية معا و وافقه ابن ذكوان على همز البرية فقط،فقد صار همز البرية له أهل أكثر من أهل الهمز فى النبى و بابه و اللّه أعلم.

1117-[و تا ترونّ اضمم فى الأولى(ك)ما(ر)سا

و جمّع بالتّشديد(ش)افيه(ك)لاّ]

يعنى لترون الجحيم فالضم من أرى و الفتح من رأى و لا خلاف فى فتح الثانى و هو لترونها و جمع ما لا بالتخفيف و التشديد و حد و فى لفظ التشديد موافقة لقوله و عدّده و قيل التشديد لما يكون شيئا بعد شيء و التخفيف لما يجمع فى قرب و سرعة كقوله تعالى- وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً -و قد جاء التخفيف بمعنى التشديد و هو لما

يجمع شيئا بعد شيء كقوله و لها بالماطرون إذا أكل النمل الذى جمعا و النمل لا يجمع ما يدخره فى وقت واحد

و كذلك الظاهر من أداء الحرب فى قول الأعشى:

لأمر يجمع الأداة لريب الدهر لا مسند و لا زمال

ذكر ذلك أبو على المسند بفتح النون الدعى و الزمال الجبان و قوله فى أولى أى فى الكلمة الأولى ورسا بمعنى ثبت و استقر.

1118-[(و صحبة)الضّمّين فى عمد وعوا

لإيلاف باليا غير شامّيهم تلا]

وعوا أى حفظوا الضمين فى هذه العلة و هما ضم العين و الميم و الباقون بفتحهما و كلاهما جمع عمود و قد أجمعوا على الفتح فى-بغير عمد-فى الرعد و لقمان و أما-لإيلاف قريش-فقراءة ابن عامر بحذف الياء و كلتا القراءتين مصدر و هما لغتان يقال آلف إيلافا و ألف آلافا فمن الأوّل قول ذى الرمة

من المؤلفات الرهل أما حره

و من الثانى ما أنشده أبو على:

زعم أن أخواتكم قريش لهم إلف و ليس لكم إيلاف

و قراءة ابن عامر حسنة فإن فيها جمعا بين اللغتين باعتبار الحرفين فان الثانى بالياء بغير خلاف و هو معنى قوله:

1119-[و إيلاف كلّ و هو فى الخطّ ساقط

و لي دين قل فى الكافرين تحصّلا]

ص: 728

أى و كلهم أثبت الياء فى الحرف الثانى و هو إيلافهم رحلة و هذه الياء ساقطة فى خط المصحف و الأولى ثابتة و الألف بعد اللام فيهما ساقطة و صورتهما لإيلاف قريش الفهم فأجمعوا على قراءة الثانى بالياء و هو بغير ياء فى الرسم و اختلفوا فى الأوّل و هو بالياء،و هذا مما يقوى أمر هؤلاء القراء فى اتباعهم فيما يقرءونه النقل الصحيح دون مجرد الرسم و ما يجوز فى العربية و قد روى حذف الياء من الثانى أيضا،و فى سورة الكافرين ياء إضافة و هى و لي دين فتحها نافع و هشام و حفص و البزى بخلاف عنه و أسكنها الباقون.

1120-[و ها أبى لهب بالإسكان(د)وّنوا

و حمّالة المرفوع بالنّصب(ن)زّلا]

أى أثبتوا هاءه بالإسكان لابن كثير و فتحها الباقون،و لعلهما لغتان كالنهر و لم يختلفوا فى فتح الهاء من قوله تعالى- ذاتَ لَهَبٍ -و كذا و لا يغنى من اللهب قال أبو على هذا يدل على أنه أوجه من الإسكان و قال الزمخشرى الإسكان فى أبى لهب من تغيير الأعلام كقولهم شمس بن مالك بالضم.

قلت:و فى الإسكان مغايرة بين اللفظين فى الموضعين و خفف العلم بالإسكان لثقل المسمى على الجنان و الاسم على اللسان،و حمالة الحطب بالرفع صفة و امرأته،و فى جيدها الخبر،أوهما خبران لها إن كانت مبتدأ و إن كانت عطفا على ضمير سيصلى تعين حمالة الحطب للصفة و كان فى جيدها فى موضع الحال أو خبرا و مبتدأ جملة مستأنفة و نصب حمالة الحطب على الذم و الشتم قال الزمخشرى و أنا استحب هذه القراءة،و قد توسل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بجميل من أحب شتم أم جميل قلت:حمالة الحطب اسمها أم جميل عليها و على أبى لهب لعنة اللّه.

ص: 729

باب التكبير

إنما أخر ذكر هذا الباب لأن حكمه متعلق بالسور الأخيرة،و من المصنفين من لم يذكره أصلا كابن مجاهد و قدم النظم قبل بيان حكمه عند القراء أبياتا فى فضل الذكر مطلقا من تكبير و غيره فقال:

1121-[روى القلب ذكر اللّه فاستسق مقبلا

و لا تعد روض الذّاكرين فتمحلا

هذا البيت مقفى مثل أول القصيدة و أول سورة الرعد و الأنبياء و غيرها و هو حسن كما نبهنا عليه فى شرح الذى فى أول الرعد،و روى القلب ريه يقال روى من الماء يروى على وزن رضى يرضى و يقال فى مصدره أيضا ريا و ريا بفتح الراء و كسرها نص عليه الجوهرى و لما جعل ذكر اللّه تعالى ريا للقلب أمر بالازدياد من الرى فاتبع ذلك اللفظ المجاز ما يناسبه فقال فاستسق أى اطلب السقى مقبلا على ذلك أى أكثر من الذكر و التمس محله و مواضعه و لا تعد أى و لا تتجاوز رياضه و الروض جمع روضة فتمحلا أى فتصادف محلا فلا يحصل رى و لا شرب و أشار بذلك و ما يأتى بعده إلى أحاديث كثيرة جاءت عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم فى فضل ذكر اللّه تعالى و الحث عليه،و هى مفرقة فى الصحيحين و غيرهما.

و قد جمع جعفر الفرياني الحافظ فيه مصنفا حسنا،و ما أحسن ما قال بلال بن سعيد و هو من تابعى أهل الشام:

«الذكر ذكران:ذكر اللّه باللسان حسن جميل،و ذكر اللّه عند ما أحلّ و حرّم أفضل،و كيف لا يكون ذكر اللّه تعالى روى للقلب،و قد روى أبو هريرة رضي اللّه عنه قال:رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

يقول اللّه تعالى«أنا عند ظن عبدى بى و أنا معه حين يذكرنى،فإن ذكرنى فى نسفه ذكرته فى نفسى، و إن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم»أخرجه البخارى و مسلم فى صحيحيهما:

و عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم أنه كان يقول:

«إن لكل شيء صقالة و إن صقالة القلوب ذكر اللّه تعالى»أخرجه الحافظ البيهقى فى كتاب الدعوات.

و أما تعبيره عن مجالس الذكر بالروض فلما جاء فى حديث جابر بن عبد اللّه قال خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:

«يا أيها الناس إن للّه تعالى سرايا من الملائكة تقف و تحل على مجالس الذكر فارتعوا فى رياض الجنة،قلنا أين رياض الجنة يا رسول اللّه؟قال:مجالس الذكر،فاغدوا و روحوا فى ذكر اللّه،و اذكروه بأنفسكم من كان يحب أن يعلم كيف منزلته من اللّه عز و جل فلينظر منزلة اللّه عنده،فإن اللّه تبارك و تعالى ينزل العبد حيث أنزله من نفسه»أخرجه البيهقى فى كتاب الدعوات و شعب الإيمان».

و أخرجه الفرياني و أخرج أيضا فى معناه أحاديث كثيرة منها عن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه قال.

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم«من أحبّ أن يرتع فى رياض الجنة فليكثر من ذكر اللّه عز و جل».

1122-[و آثر عن الآثار مثراة عذبه

و ما مثله للعبد حصنا و موئلا]

ص: 730

آثر من الإيثار أى قدم مثراة عذب الذكر على كل شىء و المثراة من قولهم هذا مثراة للمال أى مكثرة له أى قدم مكتسب عذبه و مكثرته و لمثراة أيضا مصدر ثرى المكان يثرى ثرى و مثراة إذا كثر نداه فبلله أى قدم ندى عذبه على كل شيء و ذلك مما يستعار للوصلة و الذكر وصلة بين العبد و بين ربه عز و جل و منه قوله عليه الصلاة و السلام«بلوا أرحامكم و لو بالسلام»أى صلوها،و تقول العرب بينى و بين فلان مثرى أى وصلة لم تنقطع،و هو مثل كأنه قال لم ييبس ما بينى و بينه و منه قول جرير:

فلا توبسوا بينى و بينكم الثرى فإن الذى بينى و بينكم مثرى

و قوله عن الآثار أى آخذا بذلك الإيثار عن الآثار و الأخبار الواردة عن النبى عليه الصلاة و السلام أى مستمدا أدلة الإيثار من الآثار نحو ما فى صحيح مسلم عن الأغر أبى مسلم أنه شهد على أبى هريرة و أبى سعيد أنهما شهدا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.

قال:«ما جلس قوم يذكرون اللّه إلا حفت بهم الملائكة و غشيتهم الرحمة و ذكرهم اللّه تعالى فى من عنده» و فى جامع الترمذى عن عبد اللّه بن بشر أن رجلا قال يا رسول اللّه:

«إن شرائع الإسلام قد كثرت علىّ فأخبرنى بشيء أتشبث به قال:لا يزال لسانك رطبا بذكر اللّه تعالى» قال هذا حديث حسن غريب،و عن أبى هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.

«إن للّه ملائكة سيارة فضلاء يلتمسون مجالس الذكر،فإذا أتوا على قوم يذكرون اللّه تعالى جلسوا فأظلوهم بأجنحتهم ما بينهم و بين السماء الدنيا فإذا قاموا عرجوا إلى ربهم فيقول تبارك و تعالى و هو أعلم:من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك يسبحونك و يحمدونك و يهللونك و يكبر و نك و يستجير و نك من عذابك و يسألونك جنتك فيقول اللّه تعالى،و هل رأوا جنتى و نارى فيقولون لا فيقول فكيف لو رأوهما فقد أجرتهم مما استجاروا و أعطيتهم ما سألوا فيقال إن فبهم رجلا مرّ بهم فقعد معهم فيقول و له فقد غفرت إنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم»و عن الحارث الأشعرى أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«إن اللّه تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن و يأمر بنى اسرائيل أن يعملوا بهن:

أن لا يشركوا باللّه شيئا،و إذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا،و أمركم بالصيام و الصدقة و ضرب لكل واحدة مثلا، ثم قال:و أمركم بذكر اللّه تعالى كثيرا،و مثل ذلك كمثل رجل طلب العدوّ سراعا من أثره حتى أتى حصنا حصينا،فأحرز نفسه فيه،و كذلك العبد لا ينجوا من الشيطان إلا بذكر اللّه عز و جل» و عن أبى الدرداء قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«أ لا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها من درجاتكم و خير لكم من إعطاء الذهب و الورق و أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم قالوا و ما ذاك يا رسول اللّه قال:ذكر اللّه عز و جل» أخرجه البيهقى فى كتاب الدعوات،ففي ذلك تفسير قوله*و ما مثله للعبد حصنا و موئلا*أى و ما للعبد مثل الذكر نافعا له هذه المنفعة المشار إليها فى الحديث،و نصب حصنا و موئلا على التمييز أى ما للعبد حصن و موئل مثل الذكر و يجوز نصبهما على الحال أى مشبها حصنا و موئلا هنا اسم مكان أى موضعا يؤول إليه،أى يرجع و يأوى فيه،و كل ذلك استعارات حسنة،و قد سبق فى أوّل القصيدة تفسير الموئل بالمرجع،و هو بهذا المعنى فكل ما تستند إليه فهو موئل لك و لا يجوز نصب حصنا على أنه خبر ما النافية على لغة أهل الحجار لاختلاف المعنى حينئذ لأنه كان يفيد ضد المقصور من هذا الكلام.

ص: 731

1123-[و لا عمل أنجى له من عذابه

غداة الجزا من ذكره متقبّلا]

أى للعبد و لهاء فى عذابه و ذكره للّه تعالى و غداة الجزاء يعنى يوم القيامة-لأن النجاة المعتبرة هى المطلوبة ذلك اليوم فنصب غداة على الظرف و قصر الجزاء ضرورة و متقبلا حال من الذكر فإنه إن لم يكن متقبلا لم يفد الذكر شيئا و ضمن هذا البيت حديثا روى مرفوعا و موقوفا.

أما المرفوع فعن ابن عمر فى الحديث الذى سبق فى أول:

«صقالة القلوب ذكر اللّه تعالى»قال بعد ذلك«و ما شيء أنجى من عذاب اللّه من ذكر اللّه تعالى،قالوا:

و لا الجهاد فى سبيل اللّه؟قال و لا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع»و أما الموقوف ففي آخر الحديث الذى سبق أوله«أ لا أنبئكم بخير أعمالكم» قال:و قال معاذ بن جبل«ما عمل آدمى من عمل أنجى له من عذاب اللّه تعالى من ذكر اللّه تعالى»أخرجهما البيهقى من كتاب الشعب و الدعوات الكبير و أخرجه الفريابى فى كتابه عن معاذ،و زاد«قالوا:و لا الجهاد فى سبيل اللّه عز و جل قال:لا و لو ضرب بسيفه،زاد فى رواية«حتى ينقطع»ثلاثا قال اللّه تعالى- وَ لَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ -و اللّه أعلم:

1124-[و من شغل القرآن عنه لسانه

ينل خير أجر الذّاكرين مكمّلا]

جعل الشيخ رحمه اللّه تفسير هذا البيت الحديث الذى أخرجه الترمذى عن أبى سعيد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول الرب عز و جل:

«من شغله القرآن عن ذكرى و مسئلتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين،و فضل كلام اللّه تعالى على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه»قال هذا حديث حسن غريب و قد ذكر طريق هذا الحديث و تكلم عليه الحافظ المقرئ أبو العلا الهمذانى فى أول كتابه فى الوقف و الابتداء،و قال«من شغله قراءة القرآن»و فى آخره أفضل ثواب السائلين و فى رواية«من شغله القرآن فى أن يتعلمه أو يعلمه عن دعائى و مسئلتى»و ذكره أبو بكر بن الأنبارى فى أول كتاب الوقف أيضا و أخرجه البيهقى أيضا و أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إن اللّه تعالى يقول«من شغله ذكرى عن مسئلتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين».

قال البيهقى و كذا رواه البخارى فى التاريخ.

قلت:فبان من مجموع هذه الروايات أن الاشتغال بالذكر يقوم مقام الدعاء و أن قراءة القرآن من جملة الاشتغال بالذكر،بل هو أفضل و إليه أشار الناظم بقوله خير أجر الذاكرين و مكملا حال إما من خير و إما من أجر،و قد نص الإمام الشافعى رضي اللّه عنه على ذلك فقال أستحب أن يقرأ القرآن يعنى فى الطواف لأنه موضع ذكر،و القرآن من أعظم الذكر و الهاء فى قوله عنه يجوز أن تعود على الذكر يعنى و مع ما ذكرنا من

ص: 732

فضيلة الذكر فمن اشتغل عنه بالقرآن فهو أفضل و يجوز أن تعود على من،أى من كف لسانه عنه أى أذاه لأن أكثر كلام الإنسان عليه لا له فإذا اشتغل بالقرآن أو الذكر الكف عما يتوقع منه الضرر فصح معنى عنه بهذا التفسير.

و فى الحديث عن أم حبيبة زوج النبى صلّى اللّه عليه و سلم قالت قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

«كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر و ذكر اللّه»و فى الكتاب المذكور للحافظ أبى العلا عن أبى هريرة مرفوعا«أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن»و فيه عن أنس مرفوعا«أفضل العبادة قراءة القرآن و تلاوة القرآن أحب إلىّ»قال أبو يحيى الحمامى سألت سفيان الثورى عن الرجل يقرأ القرآن أحب إليك أم يغزو قال يقرأ القرآن فإن النبى صلّى اللّه عليه و سلم قال:

«خيركم من تعلم القرآن و علمه» قلت هذا حديث صحيح أخرجه البخارى و قد جمع الحافظ أبو العلا طرقه فى أول كتاب الوقف المذكور قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل سمعت أبى يقول:رأيت رب العزة فى المنام فقلت يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟فقال كلامى يا أحمد فقلت يا رب بفهم أو بغير فهم فقال بفهم و بغير فهم.

قلت فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر كما قال الشافعى رضي اللّه عنه لأنه يجمع الذكر باللسان و ملاحظة القلب أنه يتلوا كلام اللّه عز و جل و يؤجر عليه بكل حرف عشر حسنات على ما ثبت فى أحاديث أخر.

1125-[و ما أفضل الأعمال إلاّ افتتاحه

مع الختم حلاّ و ارتحالا موصّلا]

أى افتتاح القرآن مع ختمه أى حالة ختمه للقرآن يشرع فى أوله فقوله موصلا حال من الضمير فى افتتاحه العائد على القرآن أى فى حال وصل أوله بآخره و قوله حلا و ارتحالا من باب المصدر المؤكد لنفسه لأن الحل و الارتحال المراد بهما افتتاحه مع الختم فهو نحو له على ألف درهم عرفا و أشار بذلك إلى حديث روى من وجوه عن صالح عن قتادة عن زرارة بن أبى أوفى عن ابن عباس قال:«قال رجل يا رسول اللّه أى الأعمال أحب إلى اللّه عز و جل قال الحالّ المرتحل»أخرجه أبو عيسى الترمذى فى أبواب القراءة فى أواخر كتابه،فقال:حدثنا نصر بن على الجهضمى قال حدثنا الهيثم بن الربيع حدثنى صالح المرى فذكره،ثم قال:هذا حديث غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه:حدثنا محمد بن بشار حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا صالح المرى عن قتادة عن زرارة بن أبى أوفى عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم و لم يذكر فيه عن ابن عباس قال:و هذا عندى أصح،يعنى أنه من حديث زرارة،و ليس له صحة إلاّ من حديث ابن عباس و كيف ما كان الأمر فمدار الحديث على صالح المرى،و هو و إن كان عبدا صالحا فهو ضعيف عند أهل الحديث،قال البخارى فى تاريخه:هو منكر الحديث، و قال النسائى:صالح المرى متروك الحديث.

ثم على تقدير صحته فقد اختلف فى تفسيره فقيل المراد به ما ذكره الفراء على ما يأتى بيانه،و قيل بل هو إشارة إلى تتابع العزو و ترك الإعراض عنه،فلا يزال فى حل و ارتحال و هذا ظاهر اللفظ إذ هو حقيقة فى ذلك و على ما أوّله به الفراء يكون مجازا و قد رووا التفسير فيه مدرجا فى الحديث و لعله من بعض رواته.

ص: 733

قال أبو محمد بن قتيبة فى آخر غريب الحديث،له فى ترجمة أحاديث لا تعرف أصحابها:جاء فى الحديث «أى الأعمال أفضل؟قال:الحال المرتحل؟قيل ما الحال المرتحل:قال الخاتم و المفتتح» قال ابن قتيبة:الحال هو الخاتم للقرآن،شبه برجل سافر فسار حتى إذا بلغ المنزل حل به،كذلك تالى القرآن يتلوه حتى إذا بلغ آخره وقف عنده،و المرتحل المفتتح للقرآن شبه برجل أراد سفرا فافتتحه بالمسير،قال:

و قد يكون الخاتم المفتتح أيضا فى الجهاد،و هو أن يغزو و يعقب،و كذلك الحال المرتحل يريد أنه يصل ذلك بهذا.

قلت:هذا هو الظاهر من تفسير هذا اللفظ لوجهين:

أحدهما حمل اللفظ على حقيقته،فيكون التفسير الأول الذى ذكره ابن قتيبة فى الحديث من كلام بعض الرواة،و هو مفصول من الحديث،و لهذا لم يكن فى كتاب الترمذى إلا قوله الحال المرتحل من غير تفسير، و كان السائل عن التفسير بعض الرواة لبعض،فأجابه المسئول بما وقع له و تقدير الحديث عمل الحال المرتحل، و حذف المضاف لدلالة السؤال عليه.

الوجه الثانى أن المحفوظ فى الأحاديث الصحيحة غير ذلك،فإنه سئل النبى صلّى اللّه عليه و سلم عن أفضل الأعمال فقال:«إيمان باللّه،ثم جهاد فى سبيله،ثم حج مبرور».

و فى حديث آخر«الصلاة لوقتها،ثم برّ الولدين،ثم الجهاد فى سبيل اللّه».

و قال لأبى أمامة:«عليك بالصوم فإنه لا مثل له»و فى حديث آخر:«و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة».

و إذا فسر الحال المرتحل بمتابعة الغزو وافق قوله ثم جهاد فى سبيله،أى أنه من أفضل الأعمال كنظائر لذلك يعبر عن الشيء لأنه الأفضل،أى هو من جملة الأفضل،أى المجموع فى الطبقة العليا التى لا طبقة أعلى منها، و هذا المعنى قد قررناه فى مواضع من كتبنا.

1126-[و فيه عن المكين تكبيرهم مع ال

خواتم قرب الختم يروى مسلسلا]

أى و فى القرآن أو فى ذلك العمل الذى عبر عنه بالحل و الارتحال،و هو وصل آخر كل ختمة بأوّل أخرى على ما سيأتى بيانه فى عرف القراء،و قوله«عن المكين»جمع مك كما قال فى مواضع كثيرة و مك و مراد مكى بياء النسب،و لكنه حذفها ضرورة عند العلم بها تخفيفا،و قد قرأ فى الشواذ-هو الذى بعث فى الأمين-كأنه جمع أم،قال الزمخشرى فى تفسيره:و قرئ فى الأمين بحذف ياء النسب قلت و مثل قول عقبة الأسدي:

و أنت امرؤ فى الأشعرين مقاتل

و قول لقيط الإيادى:

زيد الفنا حين لا فى الحارثين معا

كأنهما جمع أشعر و حارث،و إنما هما جمع أشعرى و حارثى.

و قد ذكرت هذين البيتين فى ترجمة عامر بن أبى بردة عن أبى موسى الأشعرى و ترجمة المهلب بن أبى صفرة فى مختصرى لتاريخ دمشق،و قوله:تكبيرهم أى تكبير المكيين أى و فى القرآن تكبير المكيين مع الخواتم

ص: 734

جمع خاتمة،يعنى خواتم السور إذا قرب ختم القرآن فى قراءة القارئ،على ما سيبين فى موضعه،قال مكى فى التبصرة:و التكبير سنة كانت بمكة و لا يعتبر فى التكبير قراءة مكة ابن كثير و لا غيره،كانوا لا يتركون التكبير فى كل القراءات من خاتمه و الضحى قال:و لكن عادة القراء الأخذ بالتكبير لابن كثير فى رواية البزى خاصة؛و من المصنفين من حكى التكبير لجميع القراء فى جميع سورة القرآن،ذكره أبو القاسم الهذلى فى كتابه«الكامل»و ذكره أيضا الحافظ أبو العلاء،و قوله يروى مسلسلا أى يروى التكبير رواية مسلسلة على ما هو المسلسل فى اصطلاح المحدثين:أنبأنا القاضى أبو القاسم الأنصارى أنبأنا عبد اللّه الفراوى أنبأنا أبو بكر البيهقى سماعا و إجازة أنبأنا الحاكم أبو عبد اللّه الحافظ أنبأنا أبو يحيى محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ الإمام بمكة فى المسجد الحرام أنبأنا أبو عبد اللّه محمد بن على بن زيد الصائغ أنبأنا أحمد بن محمد بن القاسم عن أبى بزة قال:سمعت عكرمة بن سليمان يقول:قرأت على إسماعيل بن عبد اللّه بن قسطنطين فلما بلغت و الضحى قال لى:كبر عند خاتمة كل سورة،و إنى قرأت على عبد اللّه بن كثير فلما بلغت و الضحى قال:كبر حتى تختم، و أخبره عبد اللّه بن كثير أنه قرأ على مجاهد و أمره بذلك،و أخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك،و أخبره ابن عباس أن أبىّ بن كعب أمره بذلك،و أخبره أبىّ بن كعب أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم أمره بذلك،قال الحاكم فى كتابه«المستدرك على الصحيحين»هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه.

قلت و أنبأنا به أعلى من هذا:أبو اليمن الكندى أنبأنا أبو عبد اللّه الحسين بن على بن أحمد بن عبد اللّه سبط أبى منصور الخياط أنبأنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن النقور أنبأنا أبو طاهر المخلص أنبأنا يحيى بن محمد ابن صاعد أنبأنا البزى فذكره.

قال الحافظ أبو العلاء الهمدانى:لم يرفع التكبير أحد من القراء إلا البزى،فإن الروايات قد تطارقت عنه برفعه إلى النبى صلّى اللّه عليه و سلم،و مدار الجميع على رواية البزى كما ذكرناه،ثم أسند عن البزى قال:

دخلت على الشافعى رضي اللّه عنه إبراهيم بن محمد،و كنت قد وقفت عن هذا الحديث يعنى حديث التكبير، فقال له بعض من عنده إن أبا الحسن لا يحدثنا بهذا الحديث،فقال لى يا أبا لحسن:و اللّه لئن تركته لتركت سنة نبيك قال:و جاءنى رجل من أهل بغداد و معه رجل عباسى،و سألنى عن هذا الحديث فأبيت أن أحدثه إياه،فقال:

و اللّه لقد سمعناه من أحمد بن حنبل عن أبى بكر الأعين عنك،فلو كان منكرا ما رواه،و كان يجتنب المنكرات، ثم أسند الحافظ أبو العلاء الروايات الموقوفة فأسند عن حنظلة بن أبى سفيان قال:قرأت على عكرمة بن خالد المخزومى فلما بلغت و الضحى قال لى:هيها.

قلت:و ما تريد بهيها؟قال:كبر،فإنى رأيت مشايخنا ممن قرأ على ابن عباس،فأمرهم ابن عباس أن يكبروا إذا بلغوا و الضحى،و أسند عن إبراهيم بن يحيى بن أبى حية التميمى قال:قرأت على حميد الأعرج، فلما بلغت و الضحى قال لى:كبر إذا ختمت كل سورة،حتى تختم،فإنى قرأت على مجاهد فأمرنى بذلك، و قال:قرأت على ابن عباس رضي اللّه عنه،فأمرنى بذلك،و فى رواية أنبأنا حميد الأعرج قال:قرأت على مجاهد القرآن فلما بلغت-أ لم نشرح لك صدرك-قال لى:كبر إذا فرغت من السورة،فلم أزل أكبر حتى ختمت القرآن،ثم قال مجاهد:قرأت على ابن عباس فلما بلغت هذا الموضع أمرنى بالتكبير،فلم أزل أكبر حتى ختمت،و قال أيضا:حدثنى حميد الأعرج عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس تسع عشرة ختمة فكلها

ص: 735

يأمرنى فيها أن أكبر من سورة أ لم نشرح ثم أسند الحافظ أبو العلا عن شبل بن عباد قال رأيت محمد بن عبد اللّه ابن محيصن و عبد اللّه بن كثير الدارى إذا بلغا أ لم نشرح كبرا حتى يختما و يقولان رأينا مجاهدا فعل ذلك و ذكر مجاهد أن ابن عباس كان يأمره بذلك ثم أسند عن قنبل حديث النبال حدثنا عبد المجيد عن ابن الجريح عن مجاهد أنه كان يكبر من أول و الضحى إلى الحمد قال ابن جريح و أرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام قال:

أبو يحيى ابن أبى ميسرة ما رفعه أحد إلى النبى صلّى اللّه عليه و سلم غير ابن أبى بزة و لو كان أحد رفعه غيره لكان الواجب اتباعه إذ كان أمرا من النبى عليه السّلام قال الحافظ أبو العلا فأما الرواية و الإجماع فى ذلك فعن عبد اللّه ابن عباس و مجاهد،و قد روى عن على رضي اللّه عنه أنه كان يقول إذا قرأت القرآن فبلغت بين المفصل فاحمد اللّه و كبر بين كل سورتين و فى رواية فتابع بين المفصل فى السور القصار و احمد اللّه و كبر بين كل سورتين ثم ذكر الحافظ أبو العلا عن البزى بإسناده أن الأصل فى التكبير أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم انقطع عنه الوحى و قد اختلف فى سبب ذلك و فى قدر مدة انقطاعه فقال المشركون قلى محمدا ربه فنزلت سورة و الضحى فقال النبى صلّى اللّه عليه و سلم اللّه أكبر،و أمر النبى صلّى اللّه عليه و سلم أن يكبر إذا بلغ و الضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم قال أبو الحسن بن غلبون فلما قرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كبر حتى ختم شكرا للّه تعالى لما كذب المشركون فيما زعموه و قال الشيخ فى شرحه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم اللّه أكبر تصديقا لما أنا عليه و تكذيبا للكفار و ذكر عن أبى عمر و الدانى بسنده إلى البزى قال قال لى محمد بن إدريس الشافعى رضي اللّه عنه إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و قال و روى بعض علمائنا عن الحسن بن محمد بن عبد اللّه ابن أبى يزيد القرشى قال صليت بالناس خلف المقام بالمسجد الحرام فى التراويح فى شهر رمضان،فلما كان ليلة الختمة كبرت من خاتمة و الضحى إلى آخر القرآن فى الصلاة فلما سلمت التفت و إذا أنا بأبى عبد اللّه محمد ابن إدريس الشافعى رضي اللّه عنه قد صلى ورائى فلما بصرنى قال لى أحسنت أصبت السنة قال أبو الطيب عبد لمنعم ابن غلبون و هذه سنة مأثورة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و عن الصحابة و التابعين و هى سنة بمكة لا يتركونها البتة و لا يعتبرون رواية البزى و لا غيره قال و من عادة القراء فى غير مكة أن لا يأخذوا بها إلا فى رواية البزى وحدها:

1127-[إذا كبّروا فى آخر النّاس أردفوا

مع الحمد حتّى المفلحون توسّلا]

الضمير فى كبروا للمكيين،بين فى هذا البيت آخر مواضع التكبير و كان قد أجمل ذلك فى قوله مع الخواتم قرب الختم و فى البيت الآتى يبين أول ذلك و مفعولا أردفوا محذوفان أى أردفوا التكبير مع قراءة سورة الحمد قراءة أول سورة البقرة حتى يصلوا إلى قوله-و أولئك هم المفلحون-و هذا يعبر عنه بعض المصنفين بأنه أربع آيات و يعبر عنه آخرون بأنه خمس آيات و وجه ذلك الاختلاف فى لفظ الم فعدها الكوفى آية و لم يعدها غيره و حكى الناظم لفظ القرآن بقوله حتى المفلحون و توسلا مفعول من أجله أى تقربا إلى اللّه تعالى بطاعته و ذكره و لا تكبير بين الحمد و البقرة قال مكى يكبر فى أول كل سورة من-أ لم نشرح-إلى أول الحمد ثم يقرأ الحمد فإذا تم لم يكبر و ابتدأ بالبقرة من غير تكبير فقرأ منها خمس آيات قال و روى أن أهل مكة كانوا يكبرون فى آخر كل ختمة من خاتمة و الضحى لكل القراء لابن كثير و غيره سنة نقلوها عن شيوخهم لكن الذى عليه العمل عند القراء أن

ص: 736

يكبروا فى قراءة البزى عن ابن كثير خاصة و بذلك قرأت قال و حجته فى التكبير أنها رواية نقلها عن شيوخه من أهل مكة فى الختم يجعلون ذلك زيادة فى تعظيم اللّه عز و جلّ مع التلاوة لكتابه و التبرك بختم وحيه و تنزيله و التنزيه له من السوء لقوله-و ربك فكبر-و لتكبروا اللّه-و كبره تكبيرا-و لذكر اللّه أكبر-قال و حجته فى الابتداء فى آخر ختمه بخمس آيات من البقرة أنه اعتمد فى ذلك على حديث صحيح مروى عن النبى عليه الصلاة و السلام أنه سئل أى الأعمال أفضل فقال الحال المرتحل يعنى الذى ارتحل من ختمة أتمها و يحل فى ختمة أخرى أى يفرغ من ختمة و يبتدئ بأخرى و على ذلك أدرك أهل بلدة مكة قلت قد سبق الكلام على هذا الخبر و بيان ضعفه فلا يغتر بقول مكى إنه صحيح و أحسن من عبارته عبارة أبى الحسن ابن غلبون قال فإذا قرأ قل أعوذ برب الناس كبر ثم قرأ فاتحة الكتاب و خمسا من سورة البقرة لأنه يقال أن النبى صلّى اللّه عليه و سلم سمى من فعل ذلك الحال المرتحل كما حدثنى أبى رحمه اللّه و ساق الحديث عن صالح المزى عن قيادة عن زرارة عن ابن عباس أن رجلا قام إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه أى الأعمال أحب إلى اللّه فقال الحالّ المرتحل فقال يا رسول اللّه و ما الحال المرتحل قال فتح القرآن و ختمه صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره و من آخره إلى أوله كلما حل ارتحل قال فقيل إنه عليه الصلاة و السلام يعنى بذلك أنه يختم القرآن ثم يقرأ فاتحة الكتاب و شيئا من البقرة فى وقت واحد قلت أصل الحديث ضعيف كما سبق نم زاد بعضهم فيه التفسير غير منسوب إلى النبى عليه الصلاة و السلام فحملناه على أن بعض رواته المذكورين فى سنده فسره على ما وقع له فى معناه و هذا الحديث قد بين فيه أن المفسر له هو النبى صلّى اللّه عليه و سلم و هى زيادة غير معروفة فقد روى الأهوازى هذا التفسير بعينه و لم يقل فى الحديث يا رسول اللّه ثم و لو صح هذا الحديث و التفسير لكان معناه الحث على الإكثار من قراءة القرآن و المواظبة عليها فكلما فرغ من ختمة شرع فى أخرى،أى إنه لا يضرب عن القراءة بعد ختمة يفرغ منها بل تكون قراءة القرآن دأبه و ديدنه و فى رواية أخرى أخرجها الأهوازى فى كتاب الإيضاح الحال المرتحل الذى إذا ختم القرآن رجع فيه ثم هذا الفعل من التكبير و قراءة الحمد إلى المفلحون مروى عن ابن كثير نفسه مأخوذ به عن طريق البزى و قنبل على ما سنوضحه قال أبو الطيب ابن غلبون و لم يفعل هذا قنبل و لا غيره من القراء أعنى التكبير،و هذه الزيادة من أول سورة البقرة فى قراءة الختمة سوى البزى وحده قال أبو الفتح فارس ابن أحمد و لا نقول إن هذا سنة و لا أنه لا بدّ لمن ختم أن يفعله فمن فعله فحسن جميل و من ترك فلا حرج قال صاحب التيسير و هذا يسمى الحال المرتحل و فى جميع ما قدمناه أحاديث مشهورة يرويها العلماء يؤيد بعضها بعضا تدل على صحة ما فعله ابن كثير*قلت لم يثبت شيء من ذلك و أكثر ما فى الأمر أن ابن كثير كان يفعله و الحديث المسند فى ذلك هو فى بيان سند قراءة ابن كثير أى أخذ ابن كثير عن درباس عن ابن عباس عن أبى عن النبى صلّى اللّه عليه و سلم و فيه و قرأ النبى عليه الصلاة و السلام على أبى فالسند المذكور إنما هو لبيان ذلك ثم قرأ فى آخر الحديث و أنه كان اذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ البقرة إلى و أولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختم ثم قال يعنى بذلك ابن كثير و اللّه أعلم.و قد قال أبو طالب صاحب أحمد ابن حنبل سألت أحمد إذا قرأ قل أعوذ برب الناس يقرأ من البقرة شيئا قال لا يقرأ فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء و لعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه ذكره شيخنا أبو محمد ابن قدامة فى كتابه المغنى و ذكر أبو الحسن ابن غلبون و غيره رواية عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يستحبون اذا ختموا القرآن أن يقرءوا من أوله آيات قلت و لكل من المذهبين وجه ظاهر.

ص: 737

1128-[و قال به البزّىّ من آخر الضّحى

و بعض له من آخر اللّيل وصّلا]

اتبع فى ذلك ما فى كتاب التيسير من نسبة ذلك إلى البزى وحده على ما حكاه أبو الطيب ابن غلبون و ابنه أبو الحسن و لا يختص ذلك بالبزى عند جماعة من مصنفى كتب القراءات بل هو مروى عن قنبل كما هو مروى عن البزى لكن شهرته عن البزى أكثر و عنه انتشرت الآثار فى ذلك على ما سبق بيانه و قوله به أى بالتكبير بين بهذا البيت أوّل مواضع التكبير التى أجملها فى قوله قرب الختم فأكثر أهل الأداء على أنه من آخر و الضحى و هو الصحيح لأن الآثار فى ذلك ألفاظها كما سبق مصرحة فى بعض الروايات بألم نشرح و ذلك آخر و الضحى و فى بعضها إطلاق لفظ و الضحى و هو يحتمل الأوّل و الآخر فيحمل هذا المطلق على ذلك التقييد و يتعين الآخر لذلك قال أبو الحسن ابن غلبون:اعلم أن القراء أجمعوا على ترك التكبير من سورة و الضحى إلا البزى وحده فإنه روى عن ابن كثير أنه يكبر من خاتمة و الضحى إلى آخر القرآن ثم روى عن أبى الحسن اللغوى إجازة قال أخبرنا ابن مجاهد حدثنا عبد اللّه بن سليمان حدثنا يعقوب ابن سفيان حدثنا الحميد حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم ابن أبى حية أنبأنا حميد عن مجاهد قال ختمت على ابن عباس بضعا و عشرين ختمة كلها يأمرنى أن أكبر من أ لم نشرح و به عن سفيان قال رأيت حميد الأعرج يقرأ و الناس حوله فإذا بلغ و الضحى كبر اذا ختم كل سورة حتى يختم و لم يذكر صاحب التيسير التكبير إلا من آخر و الضحى فقول الناظم«و بعض له»أى للبزى وصل التكبير من آخر سورة و الليل يعنى من أول و الضحى فهذا الوجه من زيادة هذه القصيدة و هو قول صاحب الروضة قال روى البزى التكبير من أول سورة و الضحى إلى خاتمة الناس و لفظه اللّه أكبر تابعه الزينبى عن قنبل فى لفظ التكبير و خالفه فى الابتداء به فكبر من أول سورة أ لم نشرح قال و لم يختلفوا أنه منقطع مع خاتمة الناس و حكى ابن الفحام وجها عن السوسى أنه يكبر من أول أ لم نشرح إلى خاتمة الناس و اللّه أعلم و قال الحافظ أبو العلا كبر البزى و ابن فليح و ابن مجاهد و ابن الصلت عن قنبل من فاتحة و الضحى و فواتح ما بعدها من السور إلى سورة الناس و كبر الباقون من فاتحة أ لم نشرح إلى سورة الناس قال و أجمعوا على ترك التكبير بين خاتمة الناس و بين الفاتحة إلا ما رواه فلان عن قنبل زاد بعضهم قراءة أربع آيات من أول البقرة.

قلت:و هكذا حكى الهذلى أن التكبير إلى أوّل قل أعوذ برب الناس و قال بعضهم إلى خاتمتها فقول الناظم إذا كبروا فى آخر الناس اتبع فيه قول صاحب التيسير و هو يوهم أنه متفق عليه عند كل من يردف ذلك بقراءة الفاتحة و شيء من أول البقرة،بل فيه الاختلاف كما ترى.

1129-[فإن شئت فاقطع دونه أو عليه أو

صل الكلّ دون القطع معه مبسملا]

ذكر فى هذا البيت حكم التكبير فى اتصاله بالسورة الماضية أو بالبسملة التى من السورة الآتية فنقل ثلاثة أوجه كلها متجهة و هى مذكورة فى التيسير و غيره أحدها أنه يقطع آخر السورة من التكبير أى لا يصل التكبير بآخر السورة، فهذا معنى قوله فاقطع دونه أى دون التكبير و هذا اختيار صاحب الروضة و الحافظ أبى العلاء،و هو الذى اختاره لما فيه من الفصل بين القرآن و غيره و قال صاحب الروضة اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن

ص: 738

لا يخلط به و قال أبو العلاء الحافظ أجمعوا غير المطوعى و الفحام على الوقف فى آخر كل سورة ثم الابتداء بالتكبير متصلا بالتسمية فأما المطوعى و الفحام فإنهما خيرا بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير و بين وصل آخر السورة بالتكبير،قال و الفصل أولى.

قلت لما ذكرته و ينبنى على ذلك أن يختار فصل التكبير أيضا من التسمية على المذهب الأصح و هو أن البسملة فى أوائل السور من القرآن على ما قررنا فى كتاب البسملة و وجه ذلك ما ذكره صاحب الروضة من أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به و لا يكون وصل التكبير بالبسملة أولى إلا على رأى من لا يراها من القرآن فى أوائل السور فيكون حكمها و حكم التكبير واحدا كلاهما ذكر اللّه تعالى مأمور به فاتصاله أولى من قطعه، الوجه الثانى أنه يصل التكبير بآخر السورة و يقف عليه ثم يبتدئ بالبسملة و هذا معنى قوله أو عليه يعنى أو تقطع على التكبير و مأخذ هذا الوجه أن التكبير إنما شرع فى أواخر السور فهو من توابع السورة الماضية لأن النبى صلّى اللّه عليه و سلم إنما كبر لما تليت عليه سورة و الضحى فرأى صاحب هذا الوجه أن وصله بآخر السورة و القطع عليه أولى لتبين الغرض بذلك و هذا لا يتجه إلا تعريفا على القول بأن أول مواضع التكبير آخر الضحى فإن قلنا هو مشروع من أولها فهو للسورة الآتية فيتجه القول الأوّل،و اختار صاحب التيسير هذا الوجه و بدأ به فيه و هو وصل التكبير بآخر السورة لكنه خير بين الوقوف عليه و وصله بالبسملة،قال و الأحاديث الواردة عن المكيين بالتكبير دالة عليه لأن فيها مع و هى تدل عن الصحبة و الاجتماع و قال فى غير التيسير على ما نقله الشيخ فى شرحه:الحذاق من أهل الأداء يستحبون فى مذهب البزى أن يوصل التكبير بآخر السورة من غير قطع و لا سكت على آخرها دونه و يقطع عليه ثم يقرأ بعد ذلك بسم اللّه الرحمن الرحيم موصلا بالسورة الثانية إلى آخر القرآن و منع مكى من هذا الوجه فقال فى التبصرة و لا يجوز أن تقف على التكبير دون أن تصل بالبسملة و قال فى الكشف ليس لك أن تصل التكبير بآخر السورة و تقف عليه،الوجه الثالث أن يوصل التكبير بآخر السورة و بالبسملة و هذا هو المراد من قوله أوصل الكل و اختار هذا الوجه أبو الطيب ابن غلبون و ابنه أبو الحسن و مكى مع تجويز غيره قال أبو الطيب و هو المشهور من هذه الوجوه و به قرأت و به آخذ،و قال ابنه أبو الحسن و اعلم أن القارئ اذا أراد التكبير فإنه يكبر مع فراغه من آخر السورة من غير قطع و لا سكت فى وصله و لكنه يصل آخر السور بالتكبير ثم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم و هو الأشهر الجيد إذ لم يذكر فى شيء من الحديث فصل و لا سكت،بل ذكر فى حديث ابن عباس مع،و هى تدل على الصحبة و الاجتماع.

قلت:و لا ضرورة إلى هذه المضايقة فالمعية حاصلة و إن قطع على آخر السورة بوقفة يسيرة فلا يراد بالمعية فى مثل ذلك إلا الاتصال المعروف فى القراءة كما أن وقوف القارئ على مواضع الوقف من أواخر الآى و غيرها لا يخرجه ذلك عن اتصال قراءته بعضها ببعض،فإذا ليس الأولى إلاّ الوجه الأوّل،و هو فصل السورة من التكبير لما ذكرناه،و فصل التكبير من البسملة مبنى أيضا على ما ذكرناه من الخلاف فى البسملة قال صاحب التيسير و لا يجوز القطع على التسمية إذا وصلت بالتكبير و هذا صحيح و قد مضى شرح ذلك فى آخر باب البسملة و هو قوله و مهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفن فلا فرق بين وصلها بآخر السورة أو بالتكبير أما إذا لم تصلها بالتكبير بل وقفت عليه فإنه يجوز لك أن تقف على البسملة أيضا كما إذا وقفت على آخر سورة،و قد وقع لى فى التكبير ثلاث احتمالات عليها تخرّج هذه الوجوه كلها،أحدها أن التكبير من توابع السورة الماضية فعلى هذا

ص: 739

وصله بها أولى الثانى أنه من مقدمات السورة الآتية فعلى هذا قطعه من الأولى و وصله بالثانية أولى و الثالث أنه ذكر مشروع بين كل سورتين من هذه السور فعلى هذا يجوز وصله بهما و قطعه عنهما فمن كبر من أول و الضحى لحظ الوجه الثانى،و من كبر من آخرها لحظ الأول و على هذا يبين الخلاف فى انتهاء التكبير إلى أول الناس أو آخرها فإن قلت:فما وجه من كبر من أول الضحى و كبر آخر الناس.

قلت:كأنه أعطى لسورة الناس حكم ما قبلها من السور إذ كل سورة منها بين التكبيرتين و ليس التكبير فى آخر الناس لأجل أوّل الفاتحة لأن الختمة قد انقضت و لو كان للفاتحة لشرع التكبير بين الفاتحة و البقرة و لم يفعله هؤلاء لأن التكبير للختم لا لافتتاح أوّل القرآن و اللّه أعلم.

و قوله معه مبسملا أى مبسملا مع التكبير فنصب مبسملا على الحال من فاعل صل الكل.

1130-[و ما قبله من ساكن أو منوّن

فللسّاكنين اكسره فى الوصل مرسلا]

المذكور فى هذا البيت مفرع على قولنا إن التكبير يوصل بآخر السورة و هو معنى قوله فى الوصل و معنى مرسلا مطلقا أى الحكم فى الكسر مطلقا فى النوعين أما إذا قلنا لا يوصل و هو الوجه المختار كما سبق فلا حاجة إلى ما فى هذا البيت و الذى بعده،فإن الكسر يبتدئ بفتح همزته و كذا إن قلنا إن التهليل يشرع قبل التكبير و وصلناه بآخر السورة فلا يتغير أمر مما يتعلق بأواخر السور لأن أوّل التهليل حرف متحرك و أوّل التكبير همز وصل قبل ساكن،فهمزة الوصل تسقط فى الدرج فيبقى الساكن فينظر فى أواخر السور و هى على أربعة أقسام ما آخره متحرك أو هاء ضمير و هذان القسمان يأتى ذكرهما فى البيت الآنى و ذكر فى هذا البيت قسمين ما آخره ساكن و ما آخره تنوين فالذى آخره ساكن الضحى أ لم نشرح اقرأ و الذى آخره تنوين العاديات القارعة الهمزة الفيل قريش النصر تبت الاخلاص،فحكم هذين القسمين كسر ما قبل التكبير لالتقاء الساكنين،و هذان القسمان كقسم واحد لاتحاد حكمهما و لأن سكون التنوين كسكون غيره و إنما أراد أن ينص على ساكن مرسوم حرفا فى الخط و ساكن يثبت لفظ لا خطا و هو التنوين و نزل تغيير أو آخر هذه السورة لأجل ساكن أوّل التكبير منزلة تغييره إذا وصل آخر سورة بأوّل أخرى على قراءة حمزة فإن تنوين آخر و العاديات يكسر و كذا ورش إذا وصل و يفتح آخر الضحى و يكسر آخر اقرأ بإلقاء حركة همزة ما بعدهما عليهما و اللّه أعلم.

1131-[و أدرج على إعرابه ما سواهما

و لا تصلن هاء الضّمير لتوصلا]

يعنى ما سوى الساكن و المنوّن و هو المحرز أنزله على إعرابه أى وصله على حركته سواء كانت فتحة كآخر التين و الماعون و الفلق أو كسرة كآخر القدر و التكاثر و العصر و الكافرين و الناس أو ضمة كآخر الكوثر و لم يكن و الزلزلة و لكن هاتان السورتان آخرهما هاء الضمير فلا يصلها لأجل الساكن بعدهما على ما تمهد فى شرح قوله و لم يصلوها مضمر قبل ساكن فإذا لم تصلها و صلت و لم تقطع لأن ذلك يدل على علمك و فضلك و إن وصلتها قطعت لدلالة ذلك على الجهل فما أحلى ما وافقه و لا تصلن لتوصلا و النون فى و لا تصلن للتأكيد قوله و ادرج من

ص: 740

قولهم أدرجت الكتاب أى طويته و أدرجت الدلو إدراجا إذا متحتها و متح من باب نفع يقال متحت الدلو إذا استخرجتها برفق فكأن القارئ إذا قرأ كلمة و تعداها إلى غيرها قد أدرجها و طواها و قوله على إعرابه أى على حركة إعرابه و فى حركات أواخر السور المذكورة ما هو حركة إعراب كآخر القدر و التكاثر و العصر و الماعون و الكوثر و الناس و باقيها حركة بناء كالتين و لم يكن و الزلزلة و الكافرين و الفلق فلم يرد بقوله إعرابه إلا مجرد الحركة،و كان يغنيه عن ذلك أن يقول و ادرج على تحريكه ما سواهما.

1132-[و قل لفظه اللّه أكبر و قبله

لأحمد زاد ابن الحباب فهيللا]

أى لفظ التكبير و سكن الراء من أكبر حكاية للفظ المكبر لأنه واقف عليه فهذا هو المختار فى لفظه التكبير قال ابن غليون و التكبير اليوم بمكة اللّه أكبر لا غير كما ذكرنا فى الأحاديث التى تقدمت و هو مشهور فى رواية الضبى؟؟؟ وحده و قال مكى الذى قرأت و هو المأخوذ به فى الأمصار اللّه أكبر لا غير و قوله و قبله يعنى قبل التكبير لأحمد يعنى البزى زاد ابن الحباب و هو أبو على الحسن ابن الحباب بن مخلد الدقاق قرأ على البزى و روى عنه التهليل قبل التكبير و قوله فهيللا أى فقال لا إله إلا اللّه و الأصل أن يقال فهللا و أنما الياء بدل من أحد حرفى التضعيف نحو قولهم تظنيت يقال قد أكثرت من الهيللة أبدلت الياء من عين الكلمة لتكرير اللامات حكى أبو عمرو الدانى فى كتاب التيسير عن الحسن بن الحباب قال سألت البزى عن التكبير كيف هو فقال لى لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر قال الدانى و ابن الحباب هذا من الإتقان و الضبط و صدق اللهجة بمكان لا يجهله أحد من علماء هذه الصنعة و بهذا قرأت على أبى الفتح و قرأت على غيره بما تقدم و حكى عن ابن الحباب أيضا أبو طاهر ابن أبى هاشم،ذكره الحافظ أبو العلاء فقال:لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر بسم اللّه الرحمن الرحيم.

1133-[و قيل بهذا عن أبى الفتح فارس

و عن قنبل بعض بتكبيره تلا]

أى بما نقله ابن الحباب و هو معنى قول الدانى و بهذا قرأت على أبى الفتح و قال فى غير التيسير حدثنا أبو الفتح شيخنا حدثنا عبد الباقى بن الحسن حدثنا أحمد بن صالح عن ابن الحباب عنهم يعنى بالتهليل قال أبو عمرو و بذلك قرأت على فارس أعنى بالتهليل و التكبير و أبو الفتح هذا هو فارس بن أحمد بن موسى بن عمران الضرير الحمصى سكن مصر قال الدانى فى تاريخ القراء أخذ القراءة عرضا و سماعا عن غير واحد من أصحاب ابن مجاهد و ابن شنبوذ و غيرهم ثم قال لم يلق مثله فى حفظه و ضبطه و حسن تأديته و فهمه بعلم صناعته و اتساع روايته مع ظهور نسكه و فضله و صدق لهجته و سمعته يقول ولدت بحمص سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاث مائة و توفى رحمه اللّه بمصر فى ما بلغنى سنة إحدى و أربع مائة و قد ذكره أبو عمرو الدانى أيضا فى أرجوزته التى نظمها فى علم القراءة فقال:

ممن أخذت عنهم ففارسوا و هو الضرير الحاذق الممارس

أضبط من لقيت للحروف و للصحيح السائر المعروف

ص: 741

و جميع ما ذكرناه مأخوذ به فى رواية البزى و أما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا و قال فى غيره و قد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال و بغير تكبير آخذ فى مذهبه فقول الشاطبى

و عن قنبل بعض بتكبيره

من زيادات هذه القصيدة على ما فى التيسير و الهاء فى تكبيره عائدة على البزى أى و بعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزى و يحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض و لكن قوّة المعنى على ما ذكرناه أولا و قد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال و روى قنبل فى غير رواية الزينبى عنه التهليل و التكبير من أوّل سورة أ لم نشرح إلى خاتمة الناس و لفظه لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر و كذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل و التكبير للبزى و لقنبل و حكى الهذلى صاحب الكامل رواية عن قبل فى تقديم التسمية على التكبير و هذا مما يقوى أن التكبير للسورة الآنية لا للسابقة و إن كان وجها بعيدا و اللّه أعلم.

ص: 742

باب مخارج الحروف و صفاتها التى يحتاج القارئ إليها

هذا الباب من زيادات هذه القصيدة على ما فى التيسير و لكن ذكره أبو عمرو الدانى فى آخر كتاب الإيجاز و على ما فيه نظم الشاطبى رحمهما اللّه تعالى و لا تعلق له بعلم القراءات إلا من جهة التجويد و هو علم مخارج الحروف مقدمة له و هى جمع مخرج و هو موضع خروج الحرف من الفم و هى مختلفة على ما يأتى بيانه قال مكى اللحن لحنان جلى و خفى،فالجلى ترك الإعراب و الخفى ترك إعطاء الحروف حقوقها و ذلك إنما يكون بإخراجها من غير مخارجها و إدراجها فى غير مدارجها و تحليتها بغير صفاتها الواردة على ألسنة القراء الذين خصهم اللّه تعالى بنقل شريعة القراءة و إقامتهم لضبط ما اشتمل عليه من الألفاظ،فالقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأوّل و لا عذر للجاهل لأن فرضه السؤال.

1134-[و هاك موازين الحروف و ما حكى

جهابذة النّقّاد فيها محصّلا]

هاك أى خذها اسم فعل و الكاف للخطاب و الموازين جمع ميزان و موازين الحروف مخارجها سماها بذلك لأنها إذا أخرجت منها لم يشارك صوتها شىء من غيرها فهى تميزها و تعرف مقدارها كما يفعل الميزان،و قوله و ما حكى فى موضع نصب عطفا على موازين أى و خذ الذى حكى فيها الجهابذة من التعبير عنها و استخراج صفاتها و الجهابذة جمع جهبذ و هو الحاذق فى النقد و النقاد جمع ناقد يقال نقدت الدراهم اذا استخرجت منها الزيف و كنى بجهابذة النقاد عن الحاذقين بهذا العلم التضلعين منه و محصلا بفتح الصاد حال من مفعول حكى أى و الذى حكاه العلماء محصلا و حسنت استعارة لفظ النقاد و الجهابذة بعد ذكر الموازين،و للشيخ رحمه اللّه فى علم التجويد قصيدة،يقول:

للحرف ميزان فلا تك طاغيا فيه و لا تك مخسر الميزان

1135-[و لا ريبة فى عينهنّ و لا ربا

و عند صليل الزّيف يصدق الابتلا]

فى عينهن أى فى نفسهن و الريبة الشك و الربا الزيادة أى لا شك فى أنهن متعينات مخارج و صفات يتميز بها بعضها من بعض يدرك ذلك بالحس فهو ضرورى لا شك فيه و لا يمكن الزيادة فى التعريف بها بما يكذبه الحس و كذا النقصان و إنما ترك ذكره لظهوره فإن لفظ الزيادة يدل عليه فهو من باب قوله تعالى تَقِيكُمُ الْحَرَّ أى و البرد و إلا فلا مناسبة بين قوله و لا ريبة و لا ربا إلا المجانسة اللفظية يعنى أنه أتى بها خالصة العبارة فى الدلالة على المقصود ثم تمم البيت بما معناه أن هذا الذى ادّعيته لا يخفى لأن الزيف صليله شاهد عليه و ها هى معروضة عليك أى عند نطق الناطق بالحرف يبين للناقد العارف بالمخارج و الصفات أن نطقه به على صحة أو فيه خلل فصوت المختل كصليل الزيف و الصليل الصوت و الزيف مصدر زاف الدرهم إذا ردؤ و يقال أيضا درهم زائف و زيف أى رديء و صفوه بالمصدر و غلب ذلك عليه نحو رجل عدل فيجوز أن يكون الزيف فى البيت بمعنى الزائف و يجوز أن يكون المصدر و الابتلاء الاختبار أى الناقد إذا اختبر درهما ينقده عند الريبة فيه فيظهر فيه صوت

ص: 743

الرداءة صدق اختباره و الاستعارات التى فى هذا البيت أيضا تابعة للمجازاة السابقة فهو من باب المجاز المرشح و له نظائر.

1136-[و لا بدّ فى تعيينهنّ من الأولى

عنوا بالمعانى عاملين و قوّلا]

أى لا بدّ لنا فى حصول تعيينهن و التعريف بهن من نقل أقوال الذين اعتنوا بالمعانى فاستنبطوها و أحكموها أى إنى أذكر ما ذكر أئمة العلماء بذلك فالأولى بمعنى الذين و عاملين حال منهم و قولا عطف عليه و هو جمع قائل أى قائلها عاملين بها و الضمير فى تعيينهن قال الشيخ للموازين و كذا و لا ريبة فى عينهن و يجوز أن يكون للحروف على معنى و لا بدّ فى تعيين ما تتميز به من المخارج و الصفات من الاستعانة بعبارة المتقدمين و إن كان الحس يشهد بذلك:

1137-[فابدأ منها بالمخارج مردفا

لهنّ بمشهور الصّفات مفصّلا]

منها أى من المعانى إن كان أراد بقوله عنوا بالمعانى المخارج و الصفات و إن كان أراد مطلق المعانى فالهاء فى منها عائدة على الحروف و هذا مما يقوى أن الضمير فى تعيينهن للحروف،و فى قوله:

و ما هاك موازين الحروف

و يكون منها على حذف مضاف أى فى أحكام الحروف و قوله مردفا لهن للمخارج بذكر ما اشتهر من صفات الحروف مفصلا ذلك أى مبينا ثم شرع فى ذكر المخارج و قال:

1138-[ثلاث بأقصى الحلق و اثنان وسطه

و حرفان منها أوّل الحلق جمّلا]

أى منها ثلاثة أحرف حلت بأقصى الحلق و حرفان فى وسطه و حرفان أوّله و جملا نعت لحرفان فالألف ضمير التثنية ذكر فى هذا البيت سبعة أحرف و هى المسماة حروف الحلق و إنما قال ثلاث و لم يقل ثلاثة و مراده ثلاثة أحرف لأن الأحرف عبارة عن حروف المعجم و تلك يجوز معاملة ألفاظها بالتأنيث و التذكير فقال ثلاث بلفظ التأنيث العددى اعتبارا لذلك المعنى،ثم قال و اثنان فاعتبر اللفظ فذكر و قد تقدم الكلام فى ذلك أيضا فى شرح قوله فى الأصول غير عشر ليعدلا و مثله قول عمر بن أبى ربيعة ثلاث شخوص كاعبان و معصرا أنث عدد شخوص و هو لفظ مذكر لما أراد به نساء،ذكر سيبويه رحمه اللّه أن مخارج الحروف ستة عشر مخرجا و هى دائرة على ثلاثة الحلق و الفم و الشفة و يقال الحلق و اللسان و الشفتان و المعنى واحد و كل ذلك على التقريب و إلحاق ما اشتدّ تقاربه بمقاربه و جعله معه من مخرج واحد و التحقيق أن كل حرف له مخرج يخالف الآخر باعتبار الصفات و إلا كان إياه فللحلق ثلاثة مخارج أقصاه و أوسطه و أدناه إلى الفم و هو المراد بقوله أوّل الحلق و لهذا سميت هذه الحروف السبعة لحروف لحلق إضافة لها إلى مخرجها فالثلاثة التى لأقصى الحلق الهمزة و الألف و الهاء و هى على هذا الترتيب فالهمزة أقصى الحروف مخرجا تكاد تخرج من الصدر و الحرفان اللذان من أوسط الحلق هما العين و الحاء

ص: 744

المهملتان و الحرفان اللذان من أدنى الحلق هما الغين و الخاء المعجمتان و يتبين لك مخرج كل حرف بأن تنطق بالحرف ساكنا و قبله همزة وصل،ثم شرع فى الحروف التى تخرج من الفم و فيه عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا فى أربعة مواضع من اللسان،أقصاه و وسطه و حافته و طرفه،ففي الأقصى مخرجان و فى الوسط واحد و فى الحافة مخرجان و فى الطرف خمسة مخارج فقال:

1139-[و حرف له أقصى اللّسان و فوقه

من الحنك احفظه و حرف بأسفلا]

أى و منها حرف مخرجه أقصى اللسان و هو الذى يلى أول الحلق فقوله«و فوقه»أى و ما فوقه فى الحنك فحذف الموصول ضرورة و هذا الحرف هو القاف ثم قال«و حرف بأسفلا»أى و منها حرف بأسفل الحنك مع كونه فى أقصى اللسان و هو الكاف يقال لها أقصى اللسان و ما تحته من الحنك و منهم من يقول و ما فوقه من الحنك مما يلى خرج القاف قال الشيخ أبو عمرو رحمه اللّه:و الأمر فى ذلك قريب لأنه قد يوجد على كل واحد من الأمرين بحسب اختلاف الأشخاص مع سلامة الذوق فعبر كل واحد على حسب وجدانه.

1140-[و وسطهما منه ثلاث و حافة ال

لسان فأقصاها لحرف تطوّلا]

أى وسط اللسان،و الحنك منه يخرج ثلاثة أحرف و هى الجيم و الشين المعجمة و الياء المثناة من تحت فقوله منه ثلاث جملة ابتدائية هى خبر وسطها ثم ابتدأ قائلا و حافة اللسان لحرف تطولا و قوله فأقصاها بدل من حافة اللسان على زيادة الفاء و يعنى بذلك أو لا حافة اللسان كما ذكر الأئمة و الحرف الذى يطول هو الضاد المعجمة لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام على ما سيأتى بيانه و هو يخرج من أول حافة اللسان و ما يليها من الأضراس فهذا معنى قوله لحرف تطولا إلى ما يلى الأضراس على ما تراه فى البيت الآخر و هو:

1141-[إلى ما بلى الأضراس و هو لديهما

يعزّ و باليمنى يكون مقلّلا]

أى تطول إلى الموضع الذى يلى الأضراس و قوله و هو يعنى أيضا و لديهما أى لدى الجهتين اليمنى و اليسرى فاضمر ما لم يجر له ذكر لأن فى قوة الكلام دليلا عليه و هو قوله ما يلى الأضراس فإن الأضراس موجودة فى الجانبين و قوله يعز أى يقل و يضعف خروجها منهما و لهذا قال سيبويه إنها تتكلف من الجانبين بل من الناس من يخرجها من الجانب الأيمن و هو قليل و هو معنى قوله و باليمنى أى و بالجهة اليمنى يكون مقللا و الأكثر على إخراجها من الجانب الأيسر على حسب ما يسهل على المتكلم و قيل إن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان يخرجها من الجانبين و منهم من يجعل مخرج الضاد قبل مخرج الجيم و الشين و الياء.

1142-[و حرف بأدناها إلى منتهاه قد

بلى الحنك الأعلى و دونه ذو ولا]

ص: 745

أى بأدنى حافة اللسان إلى منتهى طرف اللسان بينها و بين ما يليها من الحنك الأعلى و منهم من يزيد على هذا فيقول فويق الضاحك و الناب و الرباعية و الثنية و هو حرف اللام قال الشيخ أبو عمرو و كان يغنى أن يقال فويق الثنايا إلا أن سيبويه ذكر ذلك فمن أجل ذلك عددوا و إلا فليس فى الحقيقة فوق لأن مخرج النون يلى مخرجها و هى فوق الثنايا فكذلك هذا على أن الناطق باللام يبسط جوانب طرفى لسانه مما فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر و إن كان المخرج فى الحقيقة ليس إلا فوق الثنايا و إنما ذاك يأتى لما فيها من شبه الشدة و دخول المخرج فى ظهر اللسان فيبسط الجانبان لذلك،فلذلك عدد الضاحك و الناب و الرباعية و الثنية و قوله و دونه بقصر الهاء أى دون هذا الحرف و هو حرف اللام حرف ذو ولاء أى متابعة له يعنى النون مخرجها مما بين طرف اللسان و فويق الثنايا و هى تخرج قليلا من مخرج اللام،و قال مكى و من أدنى طرفه و ما يليه فى الحنك الأعلى تخرج النون و التنوين و من ذلك الأدنى داخلا إلى ظهر اللسان قليلا تخرج الراء،ثم ذكر مخرج الراء فقال:

1143-[و حرف يدانيه إلى الظّهر مدخل

و كم حاذق مع سيبويه به اجتلا]

يعنى يدانى النون و هو الراء يخرج من مخرجها لكنه أدخل فى ظهر اللسان قليلا من مخرج النون لانحرافه إلى اللام فهذا معنى قوله إلى الظهر مدخل أى و حرف مدخل إلى الظهر يدانيه و أورد الشيخ أبو عمرو أن هذه العبارة تقتضى أن يكون مخرج الراء قبل النون لأن الراء أدخل منها إلى ظهر اللسان و أجاب بأن المخرج بعد مخرج النون و إنما يشاركه ذلك لا على أنه يستقل به أ لا ترى أنك إذا نطقت بالنون و الراء ساكنتين وجدت طرف اللسان عند النطق بالراء فبما هو بعد مخرج النون هذا هو الذى يجده المستقيم الطبع،قال و قد يمكن إخراج الراء مما هو داخل من مخرج النون أو من مخرجها و لكن يتكلف لا على حسب إجراء ذلك على الطبع المستقيم و الكلام فى المخارج إنما هو على حسب اشتقاق الطبع لا على التكلف و الهاء فى به يعود على الظهر أى إن سيبويه و جماعة من الحذاق يجعلون الراء من ظهر اللسان و أنهم ثم اجتلوه أى كشفوه هكذا قال الشيخ و يحتمل أن تكون الهاء عائدة على المذكور أى و كم من حاذق فى صناعة العربية أى ما هربها اجتلا هذا الحرف بهذا المخرج المذكور و هو نص ما فى كتاب سيبويه الذى هو إمام نحاة البصريين قال رحمه اللّه و من مخرج النون غير أنه أدخل فى ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام مخرج الراء،زاد غيره و قال:غير أن فى الراء تكريرا،و كذا ما ذكرناه فى اللام و النون هو قول سيبويه ثم قال.

1144-[و من طرف هنّ الثّلاث لقطرب

و يحيى مع الجرمىّ معناه قوّلا]

قال أبو عمرو الدانى و قال الفراء و قطرب و الجرمى و ابن كيسان مخارج الحروف أربعة عشر مخرجا فجعلوا اللام و الراء و النون من مخرج واحد و هو طرف اللسان قلت أما قطرب فهو أبو على محمد بن المستنير البصرى أحد العلماء بالنحو و اللغة أخذ عن سيبويه و غيره و يقال إن سيبويه لقبه قطربا لمباكرته إياه فى الأسحار قال له يوما ما أنت إلا قطرب ليل،و القطرب دويبة تدب و لا تفتر و منه حديث ابن مسعود«لا أعرفن أحدكم جيفة ليل قطرب نهار»قال أبو عبيد يقال إن القطرب دويبة لا تستريح نهارها سعيا و حكى ثعلب أن القطرب الخفيف و كان

ص: 746

محمد بن المستنير يبكر إلى سيبويه فيفتح سيبويه بابه فيجده هنالك فيقول له ما أنت إلا قطرب ليل فلقب بذلك و أما يحيى فهو أبو زكريا بن يحيى بن زياد الفراء إمام نحاة الكوفة بعد الكسائى ذكر الخطيب أنه كان ثقة إماما و أنه كان يقال الفراء أمير المؤمنين فى النحو و أما الجرمى فهو أو عمرو صالح بن إسحاق أحد نحاة البصرة قرأ على الأخفش و أخذ اللغة عن أبى عبيدة و أبى زيد و الأصمعى،و كان ذا دين و ورع فهذا معنى قوله و من طرف اللسان و الثلاث بدل من قوله هن أو عطف بيان كقولك فى الدار هو زيد أضمرته أولا اعتمادا على أن السامع يعرفه ثم اعترضك شك فى معرفته به فأتيت بما يكشفه و يوضحه و يؤكده و معنى لقطرب أى فى قوله و مذهبه فهى لام البيان نحو هيت لك ثم ابتدأ قوله و يحيى و فى قولا ضمير تثنية راجع إلى يحيى و الجرمى أى نسب إليهما قول بمعنى ما ذكر قطرب،و قال صاحب العين هذه الحروف الثلاثة ذلقية تبتدئ من ذلتى اللسان و هو تحديد طرفه.

1145-[و منه و من عليا الثّنايا ثلاثة

و منه و من أطرافها مثلها انجلى]

يعنى و من طرف اللسان و من الثنايا العليا يعنى بينهما ثلاثة أحرف و هى الطاء و الدال المهملتان و التاء المثناة من فوق و عبارة سيبويه مما بين طرف اللسان و أصول الثنايا زاد غيره مصعدا إلى الحنك و قال الشيخ أبو عمرو و قوله و أصول الثنايا ليس بحتم بل قد يكون ذلك من أصول الثنايا و يكون مما بعد أصولها قليلا مع سلامة الطبع من التكليف،ثم قال:و منه يعنى و من طرف اللسان و من أطرافها أى أطراف الثنايا المذكورة أى مما بينهما و هى عبارة سيبويه مثلها أى ثلاثة أحرف و هى الظاء و الذال المعجمتان و الثاء المثلثة فهى مثلها فى العدية،و قال مكى و من طرفه و ما يليه من أطراف الثنايا علياها و سفاها تخرج الظاء و الذال و الثاء و معنى انجلا انكشف أى انجلا المذكور بمعنى بأن كل فريق من هذه الستة و ظهر مخرجه و يجوز أن يكون الضمير فى انجلا عائدا على لفظ مثل لأنه مفرد و إن عنى به ثلاثة أى انجلا مثلها من المخرج المذكور،و قوله عليا الثنايا من باب إضافة الصفة إلى موصوفها و الأصل الثنايا العليا و لم يذكر سيبويه فى عبارته العليا و هى مرادة و هذه إضافة صحيحة لأن الثنايا قسمان سفلى و عليا فميز بالإضافة نحو علماء القوم و فضلاء الرجال و ليس فى كل جهة إلا ثنيتان فالمجموع أربع و جوز التعبير عن المثنى بالجمع تخفيفا و هو هنا أولى من غيره لا من الإلباس و نظيره قولهم هو عظيم المناكب و غليظ الحواجب و شديد المرافق و ضخم المناخر.

1146-[و منه و من بين الثنايا ثلاثة

و حرف من اطراف الثّنايا هى العلا]

أى و من طرف اللسان و من بين الثنايا لا أصولها و لا أطرافها ثلاثة أخرى و هى الصاد و السين المهملتان و الزاى و قدم سيبويه ذكر هذه الثلاثة التى قبلها و عبارته فيها و مما بين طرف اللسان و فوق الثنايا مخارج الزاى و السين و الصاد قال الشيخ:و عبر عن ذلك غيره،فقال من طرف اللسان و فويق الثنايا السفلى كذا قال و سيبويه لم يصف الثنايا فى عبارته فى جميع هذه المواضع فلم يقل العليا و لا السفلى،و قال الشيخ أبو عمرو:قولهم الثنايا فى هذه المواضع إنما يعنون الثنايا العليا و ليس ثم الاثنتان و إنما عبروا عنها بلفظ الجمع لأن اللفظ به أخف مع كونه معلوما و إلا فالقياس

ص: 747

أن يقال و أطراف الثنيتين و قال فى الزاى و أختيها هى تفارق مخرج الطاء و أختيها لأنها بعد أصول الثنايا أو بعد ما بعد أصولها،و تفارق الطاء و أختيها لأنها قبل أطراف الثنايا،و قال غيره هى من حافته قليلا من مخرج الظاء بحيث لا تلصق اللسان بالثنايا عند إخراجها،ثم بين الناظم مخرج الفاء بقوله:

بيان للثنايا و العلا جمع العليا و بتمام هذا البيت تم الكلام فى المخارج المتعلقة بالفم و بقى مخرج الشفة و فيها مخرجان لأربعة أحرف ثم تمم الكلام فى مخرج الفاء فقال،

و منه من بين الثنايا ثلاثة و حرف من أطراف الثنايا هى العلا

1147-[و من باطن السّفلى من الشّفتين قل

و للشّفتين اجعل ثلاثا لتعدلا]

أى مخرج الفاء من باطن الشفة السفلى و أطراف الثنايا العليا هذه عبارة سيبويه و بقى ثلاثة أحرف و هى الواو و الفاء الموحدة و الميم مخرجها مما بين الشفتين فهذه حروف الشفة و حروف الحلق هى السبعة المبتدأ بذكرها و البواقى حروف الفم و الفاء مشتركة بين الثنايا و الشفة فمن حيث تعلقها بالثنايا فارقت حروف الشفة و من حيث لا تعلق لها باللسان فارقت حروف الفم فالتحقيق أنها قسم برأسها و نصب لتعدلا بلام التعليل فإن كانت فتعدلا يكون نصبها بالفاء فى جواب الأمر.

1148-[و فى أوّل من كلم بيتين جمعها

سوى أربع فيهنّ كلمة أوّلا]

لما أجمل ذكر الحروف عند مخارجها أتى بها مضمنة فى أوائل كلمات بيتين على ترتيب ما بينه من المخارج فقوله و فى أول أى فى حروف أول،و أول جمع أولى و وجه هذا التأنيث ما سبق ذكره فى قوله ثلاث بأقصى الحلق لأنه نعت لحروف و الحروف عبارة عن أسماء حروف التهجى و تلك الأسماء يجوز تأنيثها فكأنه قال و فى أوائل من كلمات بيتين جمع هذه الحروف ذوات هذه المخارج فقوله كلم بكسر الكاف و سكون اللام هو تخفيف كلم بفتح الكاف و كسر اللام مثل قولهم فخذ فى فخذ و كبد فى كبد،ثم قال سوى أربع أى سوى أربع أحرف فإنك لا تأخذهما من أوائل الكلمات و إنما تأخذها من مجموع الكلمة الأولى من البيت الأول من البيتين المذكورين و قوله فيهن أى فى جمعهن جمع كلمة أول البيتين فأولا مخفوض بإضافة كلمة إليه لكنه لا ينصرف هكذا قال الشيخ و هو مشكل فإن الكلمة حينئذ تبقى مجهولة فى البيت الأول فما من كلمة فيه إلا و يصدق عليها هذه العبارة فالوجه أن يكون كلمة منوّنة و أوّلا ظرف ألقيت حركة همزته على التنوين فهذا أولى لتتعين الكلمة الأولى من البيتين لجميع الحروف الأربعة على ما نبينه ثم ذكر البيتين فقال:

1149-[(أهاع)(ح)شا(غ)او(خ)لا(ق)ارىء(ك)ما

(ج)رى(ش)رط(ي)سرى(ض)ارع(ل)لاح(ن)وفلا]

أهاع هى الكلمة المضمنة أربعة أحرف من حروف الحلق و هى الثلاثة التى بأقصى الحلق و واحد من وسطه و الثانى أول حشا و الحرفان اللذان من أول الحلق هما أول غاو خلا و هكذا أخذ الباقى من الحروف من أوائل الكلمات إلى آخر البيت و هو النون الذى عبر عنه بقوله و دونه ذو و لا و كان الوجه تقديم ذكر الألف على الهاء

ص: 748

عند ذكر الحروف الحلقية فقال الهمزة و الألف و الهاء،كذلك عبر عنه سيبويه و غيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب و لو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا و لهذا يسقط من الرسم أ لا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال و سقطت المدة و إذا قيل أهاع كان ستا فى تعداد الحروف و معنى أهاع أفزع من قولهم هاع و يهيع و يهاع إذا جبن،و منه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع و يقال هاع يهوع إذا فاء و كلاهما محتمل هنا فى قوله هاع على ما نبينه و الحشاء ما انضمت الضلوع عليه و الجمع أحشاء و الغاوى اسم فاعل من غوى يغوى غيا أى ضل و حشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله و الفاعل قوله خلا قارئ و الخلا بالقصر الرطب من الحشيش و الرطب بضم الراء الكلأ و يقال فلان حسن الخلاء أى طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته و طيب حديثه و كنى به الناظم عن جودة قراءة القارئ و ما يجنيه ساقها من التلذذ بها أى إن قراءة هذا القارئ أفرغت حشا القارئ الضال المنهمك فى طغيانه فألقى ما فى باطنه من الأخلاق الذميمة،و استبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين فى أهاع ثم قال كما جرى شرط يسرى ضارع و هكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا أى ييسر من سمع منه ذلك لليسرى و يحكى عن قراءة صالح المرى من هذا الباب عجائب و هو أحد الأئمة المتقدمين السادة رحمه اللّه تعالى و النوفل الكثير العطاء،أى لاح هذا القارئ كثير الفوائد و اللّه أعلم.

1150-[(ر)عى(ط)هر(د)ين(ت)مّه(ظ)لّ(ذ)ى(ث)نا

(ص)فا(س)جل(ز)هد(ف)ى(و)جوه(ب)نى(م)لا]

أى رعى هذا القارئ طهارة دين أتم ذلك الدين ظل شيخ ذى ثناء،قال الشيخ يقال تم اللّه عليك النعمة و أتمها أى هو من باب فعل و أفعل بمعنى واحد كلاهما متعد إلى المفعول و يحتمل أن يقال أراد تم به ظل ذى ثناء ثم حذف حرف الجر و هو الباء فصار تمه أى تم بذلك الدين ظل ذى ثناء و هذا أحسن معنى من أن يكون الظل أتم الدين و قد حكى صاحب لمحكم تم بالشيء جعله تاما و أنشد ابن الاعرابى:

إن قلت يوما نعم فنم بها

أى أتمها فيكون مثل ذهبت به أى أذهبته فقول الشاطبى هنا اتمه على حذف الباء و حصر لفظ الثناء ضرورة و رأيت فى حاشية نسخة قرئت على الناظم رحمه اللّه حكى ابن طريف تمه و أتمه،و يقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها و السجل فى الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء و جعل هاهنا للزهد سجلا كأنه مجتمع فى وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته فقوله سجل زهد مفعول صفا و فاعله ضمير عائد على موصوف ذى ثناء محذوف و قال الشيخ التقدير صفا سجل زهده ثم قال فى وجوه أى هو كائن فى جماعة وجوه،و الوجوه أشراف القوم و الملأ كذلك أى هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقى الحروف من الراء الى الميم ثم قال.

1151-[و غنّة تنوين و نون و ميم ان

سكنّ و لا إظهار فى الأنف يجتلى]

و غنة تنوين مبتدأ و فى الأنف تجتلا خبره كما تقول هند فى الدار تكرم أى ثم يكشف و يجلى أمرها و أراد

ص: 749

أن يبين مخرج فبين أوّلا الحروف التى تصحبها الغنة بأن أضاف الغنة إليها و هى التنوين و النون و الميم فهذه ثلاثة و فى الحقيقة حرفان النون و الميم لأن التنوين نون حقيقة فى المخرج و الصفة و انما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين فى الوقف و فى صورة الخط و أنه لا يكون إلا زائدا على هجاء الكل،فلهذا يعتنى القراء بالتنصيص عليه كقولهم باب أحكام النون الساكنة و التنوين و قد مضى فى باب التكبير و ما قبله من ساكن أو منوّن و أما سيبويه و أتباعه فلم يذكروا إلا النون و الميم قال سيبويه فى ذكره الحروف التى بين الشديدة و الرخوة و منها حرف يجرى معه الصوت لأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخرجه من أنفك و اللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر معه صوت و هو النون و كذلك الميم و قال قبل ذلك و من الخياشيم تخرج النون الخفيفة و أراد بالنون الخفيفة الغنة و تسمى الخفيفة أيضا لخفتها و خفائها و قال نصر بن على الشيرازى و منها حروف الغنة و هى النون و الميم سميتا بذلك لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم و هى الصوت المحصو فيها كأصوات الحمائم و القمارى و قوله إن سكن و لا إظهار بيان للحالة التى تصحب الغنة لهذه الأحرف لأن هذه الحروف ليست لازمة للغنة لا تنفك عنها فقال شرطها أن تكن سواكن و أن تكن مخفيات أو مدغمات إلا فى موضع نصوا على الإدغام فيه يعبر عنه أو اختلف فى ذلك على مضى شرحه فى باب أحكام النون الساكنة و التنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة فالعمل فى النون للسان و فى الميم للشفتين على ما سبق و كان يجزئه إن يشترط عدم الإظهار و يلزم من ذلك أن تكن سواكن قال الشيخ أبو عمرو فى شرح هذه الغنة المسماة بالنون الخفيفة هذه النون التى قد مر ذكرها فإن تلك من الفم و هذه من الخيشوم قال و شرط هذه أن يكون بعدها حرف الفم ليصح اخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت عنك و منك فمخرج هذه النون من الخيشوم و ليست تلك النون فى التحقيق فإذا قلت من خلق و من أبوك فهذه هى النون التى مخرجها من الفم و كذلك إذا قلت أعلن و شبهه مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هى الأولى أيضا.

قلت:و حروف العربية الأصول هى التسعة و العشرون التى مر ذكر مخارجها و يتفرع منها حروف أخر مركبة من ألفاظ بعضها يجرى مجرى اللغات منها ما هو فصيح و منها ما هو مستحسن و هذا سنوضحه إن شاء اللّه تعالى فى شرح النظم فى النحو و نبين هنا ما وقع من الفصيح فى قراءة القراء و هو همزة بين بين التى تأتى على ثلاثة ألفاظ بين الهمزة و الواو و بين الهمزة و الياء و بين الهمزة و الألف و اختلاف ذلك بحسب اختلاف حركتها و قد تقدم بيان ذلك فى شرح قوله و المسهل بين ما هو الهمز و الحرف الذى منه أشكلا و منها الصاد التى كالزاى و هى التى مر ذكرها فى قراءة حمزة فى الصراط و أصدق و المصيطرون و بمصيطر و غير ذلك و منها الألف الممالة إمالة محضة أو بين بين،و قد مضى تحقيق ذلك فى بابه،و منها هذه النون المخفاة المسماة بالغنة و قد اتضح أمرها فى شرح هذا البيت بتوفيق اللّه تعالى،و اللّه أعلم.

و قال مكى:أما النون المخفاة فهو صوت مركب على جسم الخيشوم خاصة لا حظ للجزء من اللسان فيه و هو نوعان التنوين و النون الخفيفة الداخلة على الفعل للتوكيد،و قال قبل ذلك الغنة الصوت الزائد على جسمى النون و الميم منبعثا عن الخيشوم المركب فوق غار الفم الأعلى يصدق هذا إنك لو أمسكت أنفك لم يمكن خروج الغنة و لا يتغير الصوت بالنون لعدم الغنة المقدرة بها.

قلت:و انقضى الكلام فى المخارج ثم ذكر مشهور الصفات فقال:

ص: 750

1152-[و جهر و رخو و انفتاح صفاتها

و مستفل فاجمع الأضداد اشملا]

أى صفاتها كذا و كذا فذكر أربعة يأتى ذكر أضدادها و عبر عن اثنين من الأربعة بلفظ المصدر و هما الجهر و الانفتاح و عن اثنين بلفظ الصفة و هما رخو و مستفل و لفظ الصفة فى الأولين مجهورة منفتحة و لفظ المصدر فى الآخرين رخاوة و استفال و بكل ذلك وقعت العبارة فى كتب الأئمة و الجهر ضده الهمس فالمجهورة تسعة عشر حرفا سميت بذلك من قولهم جهرت بالشيء إذا أعلنته و ذلك أنه لما امتنع النفس أن يجرى معها انحصر الصوت لها فقوى التصويت بها و المهموسة عشرة أحرف و هى ما عدا المجهورة سميت بذلك أخذا من الهمس الذى هو الحس الخفى و قيل فى قوله تعالى- فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً -هو حس الأقدام و منه قول أبى زيد فى صفة الأسد:

يصير بالدجى هاد هموس

فالهمس الضعف فسميت مهموسة لضعف الصوت بها حين جرى النفس معها فلم يقو التصويت بها قوته فى المجهورة فصار فى التصويت بها نوع خفاء لانقسام النفس عند نطقها و الرخاوة ضدها الشدة و الانفتاح ضده الإطباق و الاستفال ضده الاستعلاء و سيأتى بيان كل ذلك و قوله فأجمل بالاضداد أشملا أى بمعرفة أضداد ما ذكرت يجتمع شمل جميع الحروف و يعرف صفاتها لأن ما نذكره منها بصفة فالباقى بخلافه فجميع الحروف منقسمة إلى كل ضدين من هذه الأضداد الثمانية فهى أربع تقسيمات و أشملا جمع شمل و هو مفعول فاجمع.

1153-[فمهموسها عشر(حثت كشف شخصه)

(أجدّت كقطب)للشّديدة مثّلا]

أى مهموس الحروف عشرة أحرف و إنما أنث العدد على ما ذكرناه من شرح قوله ثلاث بأقصى الحلق ثم بين العشرة بأن جميعها فى هذه الكلمات الثلاثة و قال غيره سحته كف شخص و قيل كست شخصه فحث و قيل ستشحثك حصفه على الوقف بالهاء و معنى ستشحثك ستردعك و خصفه اسم امرأة هكذا وجدته فى حاشيتى كتاب أحسن من الجميع سكت فحثه شخص،ثم جمع الحروف الشديدة من قوله أجدت كقطب و قال غيره أجدت طبقك و الفاء للتأنيث أو للخطاب و قيل أيضا فى جمعها أجدك قطبت و قوله مثلا أى مثل هذا اللفظ و شخص لجميع الحروف الشديدة و سميت هذه الحروف شديدة لأنها قويت فى موضعها و لزمته و منع الصوت أن يجرى معها حال النطق بها لأن الصوت انحصر فى المخرج فلم يجر،أى اشتد و امتنع قبوله للتليين بخلاف الرخوة فهذه الحروف الشديدة هى ثمانية منها ستة من المجهورة و منها اثنان من المهموسة التاء و الكاف و الستة الباقية مجهورة شديدة اجتمع فيها أن النفس لا يجرى معها و لا الصوت فى مخرجها و هو معنى الجهر و الشدة جميعا.

1154-[و ما بين رخو و الشّديدة(عمر نل)

و(واى)حروف المدّ و الرّخو كمّلا]

أى و ما بين حرف رخو و الحروف الشديدة حروف قولك عمر نل أى هذه الحروف الخمسة لا رخوة و لا شديدة فهى بين القبيلين و لا ينبغى أن تكتب هنا بالواو لئلا نصير الحروف ستة و هو منادى مفرد حذف

ص: 751

حرف ندائه أى يا عمر و نل ما ذكرته للّه،ثم ذكر أن حروف المد يجمعها قولك و أى و هى ثلاثة أحرف الواو،و الألف و الياء و الوأى بهمزة الألف معناه الوعد و لكنه سهل الهمزة ليأتى بلفظ الألف و سميت حروف المد لامتداد الصوت بها عند ساكن أو همزة ثم قال و الرخو كملا أى و هذا اللفظ الذى هو و أى كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة التى هى ضد الشديدة أى إنها معدودة منها و إنما قال ذلك لأن غيره يجعلها من جملة الحروف التى بين الرخوة و الشديدة فلما لم يذكرها من حروف عمر نل بين أنه لم يخل بتركها و إنما هى عنده من قسم الرخوة و الذين جعلوها بين الرخوة و الشديدة فيصير حروفها عندهم ثمانية يجمعها قولك لم يروعنا أو لم يرعونا أو لم يروعنا أو ولينا عمرا و لم يروعنا و هو ظاهر كلام سيبويه فإنه لما عد الحروف الرخوة لم يعد حروف المد و ذكر بعدها العين و اللام و النون و الميم و الراء و بينها واحدة واحدة بعبارة تقتضى أنها بين الشديدة و الرخوة لم يتم لصوتها الانحصار و لا الجرى ثم قال و منها اللينة فوصفهن ثم قال و هذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخارجها و إخفائهن و أوسعهن مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو،و ظاهر كلام أبى الحسن الرمانى فى شرح الأصول موافق لما نظمه الشاطبى فإنه قال و ما عدا الشديدة على وجهين شديد يجرى فيه الصوت و رخوة أما الشديد الذى يجرى فيه الصوت فحرف يشتد لزومه لموضعه ثم يتجافى به اللسان عن موضعه فيجرى فيه الصوت لتجافيه و هى الراء و اللام و النون و الميم و العين و كذا ذكر أبو عمرو الدانيّ فى كتاب الإيجاز و قال يجمعها قولك لم يرع،و قال مكى فى بعض تصانيفه الرخاوة فيما عدا الشديدة إلا سبعة أحرف يجمعها قولك يولى عمرو فإنها بين الرخاوة و الشدة فأدخل فيها الواو و الياء و لم يدخل الألف.

1155-[و(قظ خصّ ضغط)سبع علو و مطبق

هو الضّاد و الظّاء أعجما و إن أهملا]

أى حروف هذه الكلم الثلاث هى حروف الاستعلاء و هى سبعة سميت بذلك لارتفاع اللسان بها إلى الحنك و ما عداها المستفلة لأنها لا يعلو بها اللسان إلى جهة الحنك و قد مضى فى باب ترقيق الراءات معنى هذه الكلمات و بعضهم ألحق العين و الحاء المهملتين بالحروف المستعلية فصارت تسعا و أضاف سبعا إلى علو كأنه قال حروف العلو أى حروف الاستعلاء و يجوز ضم عين علو و كسرها و قوله و مطبق مبتدأ خبره محذوف قبله أى و فيها مطبق أى و من هذه الأحرف السبعة المستعلية حروف الإطباق و هى أربعة ثم بينها بقوله أهملا الضاد و الظاء المعجمتان و المهملتان يعنى الصاد و الطاء و المعجم المنقوط و المهمل الذى لا نقط له و ألقى حركة همزة أهملا على نون و إن و الألف فى آخر أهملا ضمير التثنية و سميت هذه الأربعة مطبقة لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك و ما عدا هذه الأربعة من الحروف كلها يقال له المنفتحة لأنك لا تطبق لسانك منها على الحنك و ذكر الشيخ أبو عمرو أن تسمية هذه الحروف بالمطبقة و المنفتحة فيها تجوز لأن المطبق إنما هو اللسان و الحنك و أما الحرف فهو مطبق عنده فاختصر فقيل مطبق كما قيل للمشترك فيه مشترك و كذا المنفتحة لأن الحرف لا ينفتح و إنما ينفتح عنده اللسان عن الحنك و كذا المستعلية لأن اللسان يستعلى عندها قال ابن مريم الشيرازى و لو لا الإطباق لصارت الطاء دالا و الظاء ذالا و الصاد سينا و لخرجت الضاد من الكلام،لأنه ليس من موضعها شىء غيرها و موضعها موضع الإطباق فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد و لأجل أنها غير مشاركة فى المخرج لم يوجد فى شيء من كلام الأمم إلا فى العربية،و إنما أخذ ذلك من كلام ابن السراج و فى كلام الرمانى زيادة فإنه قال لو لا الإطباق لصارت الطاء دالا لأنه ليس بينهما فرق إلا بالاطباق و لم تصر تاء للفرق بينهما من جهة الجهر و الهمس و كذلك سبيل الصاد

ص: 752

و السين لأنهما مهموستان و لم يجب مثل ذلك للزاى لأنها مجهورة و كذلك الظاء و الذال و لم يجب فى الثاء لأنها مهموسة.

1156-[و صاد و سين مهملان و زاؤها

صفير و شين بالتّفشّى تعمّلا]

الذى سبق من الصفات كان له ضد يطلق على باقى الحروف و من هاهنا صفات لبعض الحروف ليس يطلق على باقيها اسم مشعر بضد تلك الصفات بل يسلبها فهذه الثلاثة الصاد و السين المهملتان و الزاى تسمى حروف الصفير لأنها يصبر بها و باقى الحروف لا صفير فيها و هذه الثلاثة هى الحروف الأسلية التى تخرج من أسلة اللسان قال ابن مريم و منهم من الحق بها الشين و إنما يقال لها حروف الصفير لأنك تصفر عند اعتمادك على مواضعها قال مكى و الصفر حد الصوت كالصوت الخارج من ضغطة ثقب قال و التفشى انتشار خروج الريح و انبساطه حتى يتخبل أن الشين انفرشت حتى لحقت بمنشإ الطاء و هى أخص بهذه الصفة من الفاء قال و قد ذكر بعضهم الضاد من هذا المعنى لاستطالتها لما اتصلت بمخرج اللام و قال ابن مريم الشيرازى و منها حروف التفشي و هى أربعة مجموعة فى قولك مشفر و هى حروف فيها غنة و نفش و تأفف و تكرار و إنما قبل لها حروف التفشى و إن كان التفشى فى الشين خاصة لأن الباقية مقاربة له لأن الشين بما فيه من التفشى ينتشر الصوت منه و يتفشى حتى يتصل إلى مخارج الباقية و قال الشيخ سمى الشين المتفشى لأنه انتشر فى الفم برخاوته حتى اتصل بمخرج الطاء و التفشى الانتشار و قوله صغير أى ذات صغير و الضمير فى زائها يرجع إلى الحروف و مهملان نعت صاد و سين و أتى بلفظ صاد و سين و شين على التنكير لأن المعبر عنه لا يختلف منكرا كان أو معرفا و معنى تعمل هنا اتصف لأن من عمل شيئا اتصف به و لهذا عداه بالياء فى قوله بالتفشى أى اتصف الشين به و منه قوله كن متعملا:

1157-[و منحرف لام و راء و كرّرت

كما المستطيل الضّاد ليس يؤغفلا]

منحرف خبر مقدم أى و حرف اللام منحرف أى مسمى بالمنحرف قال سيبويه و منها المنحرف أى و مما بين الرخو و الشديد و هو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت و لم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة و هو اللام إن شئت مددت فيها الصوت و ليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه و ليس يخرج الصوت من موضع اللام و لكنه من ناحيتى مستدق اللسان خولف ذلك قال ابن مريم مخرج الصوت على الناحيتين و ما فوقهما و قال الشيخ أو عمرو اللسان عند النطق باللام ينحرف إلى داخل الحنك قليلا و لذلك سمى منحرفا و جرى فيه الصوت و إلا فهو فى الحقيقة لو لا ذلك حرف شديد إذ لو لا الانحراف لم يجر الصوت و هى معنى الشدة و لكنه لما حصل الانحراف مع التصويت كان فى حكم الرخوة لجرى الصوت و كذلك جعل بين الشديدة و الرخوة و قوله وراء أى و الراء لذلك فوصف بالانحراف،قال مكى:

و الراء انحرف عن مخرج النون الذى هو أقرب المخارج إليه الى مخرج اللام،قال الشيخ:و الراء أيضا فيها انحراف قليل إلى ناحية اللام و لذلك يجعلها الألثغ لاما.

ص: 753

قلت و أكثر المصنفين من النحاة و القراء لا يصفون بالانحراف إلا اللام وحدها و عبارة سيبويه دالة على ما قال الناظم فإنه قال لما ذكر اللام و النون و الميم و بين أنها من الرخوة و الشديدة و منها المكرر و هو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره و انحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة و لو لم يكرر لم يجر فيه الصوت و هو الراء فهذا معنى قول الناظم وراء و كررت أى جمعت بين صفتى الانحراف و التكرير قال مكى التكرير تضعيف يوجد فى جسم الراء لارتعاد طرف اللسان بها و يقوى مع التشديد و لا يبلغ به حد بفتح و قال ابن مريم إذا وقف الواقف على الراء وجد طرف اللسان يتغير بما فيه من التكرير و لذلك يعد فى الإمالة بحرفين و الحركة فيه تنزل منزلة حركتين و قال الشيخ أبو عمرو و المكرر الراء لما تحسه من شبه ترديد اللسان فى مخرجه عند النطق به و لذلك أجرى مجرى الحرفين فى أحكام متفددة فحسن إسكان ينصركم و يشعركم و لم يحسن إسكان يقتلكم و يسمعكم و حسن إدغام مثل و إن تصبروا و تتقوا لا يضركم أحسن منه فى إن يمسكم و لم يمل طالب و غانم و أميل طارد و غارم و امتنعوا من إمالة راشد و لم يمتنعوا من إمالة راشد و كل هذه الأحكام راجعة فى المنع و التسويغ إلى التكرير الذى فى الراء قال الشيخ و سمى الضاد مستطيلا لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكى و الاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر و الإطباق و الاستعلاء و تمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام و معنى ليس بأغفلا أى معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد.

1158-[كما الألف الهاوى و(آوى)لعلّة

و فى(قطب جدّ)خمس قلقلة علا]

أى و يقال لحرف الألف الهاوى قال سيبويه هو حرف تسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء و الواو لأنك قد تضم شفتيك فى الواو و ترفع فى الياء لسانك قبل الحنك و قال الشيخ أبو عمرو الهاوى الألف لأنه فى الحقيقة راجع إلى الصوت الهاوى الذى بعد الفتحة و هذا و إن شاركه الواو و الياء فيه إلا أنه يفارقها من وجهين:أحدهما ما تحسه عند الواو و الياء من التعرض لمخرجيهما و الآخر اتساع هواء الألف لأنه صوت بعد الفتحة فيكون الفم فيه مفتوحا بخلاف الضمة و الكسرة فإنه لا يكون كذلك،فلذلك اتسع هواء صوت الألف أكثر فى الواو و الياء و قوله و آوى لعلة أى حروف كلمة آوى و هو فعل مضارع للإخبار عن المتكلم من آوى يؤاوى فهو أربعة أحرف همزة ثم ألف و واو و ياء و معنى لعلة أى هى حروف العلة أى متهيئة لذلك معدة له يريد أنها حروف العلة أى الاعتلال لما يعتريها من القلب و الإبدال على ما هو معروف فى علم التصريف و لم يعد أكثر المصنفين حروف العلة إلا ثلاثة و زاد الناظم فيها الهمزة لما يدخلها من أنواع التخفيف بالحذف و التسهيل و القلب و منهم من عد الهاء منها لانقلابها همزة فى نحو ماء و أيهات و تسمى أيضا الحروف الثلاثة الهوائية لأنها تخرج فى هواء الفم قال ابن مريم الشيرازى و قد يقال لها أيضا الهاوية لأنها تهوى فى الفم و ليس لها أحياز من الفم يعتمد فى خروجها عليها قال و بعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوى قال و لا شك فى أن الألف أشد هويا فى الفم لأنه أشد امتدادا و استطالة فهو يتمحض للمد ثم ذكر الناظم حروف القلقلة و هى خمسة و جمعها فى قوله قطبجد و هذا جمع حسن و قال غيره جد بطق و قد طبج و معنى طبج حمق و هو بكسر الباء و منهم من يفتحها و فسره بعاب و أضاف خمس إلى القلقلة كما أضاف فى سبع ما سبق علو و علا نعت لقوله خمس قلقلة أى خمس عالية أى معروفة ظاهرة لأن العالى أبدا ظاهر قال الدانى هى حروف مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقف عليها خرج معها صوت من الفم و نبا اللسان عن موضعه و قال مكى القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه عن موضعه و لا يكون إلا عند

ص: 754

الوقف و لا يستطاع أن يوقف عليه دونها مع طلب إظهار ذاته و هى مع الروم أشد قال الشيخ سميت بذلك لأنك إذا وقفت عليها تقلقل اللسان حتى تسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه و قال الشيخ أبو عمرو:سميت بذلك إما لأن صوتها صوت أشد الحروف أخذا من القلقلة التى هى صوت الأشياء اليابسة و إما لأن صوتها لا يكاد يتبين به سكونها ما لم يخرج إلى شبه التحريك يشبه أمرها من قولهم قلقله إذا حركه و إنما حصل لها ذلك لاتفاق كونها شديدة مجهورة فالجهر يمنع النفس أن يجرى معها و الشدة تمنع أن يجرى صوتها فلما اجتمع لها هذان الوصفان و هو امتناع جرى النفس معها و امتناع جرى صوتها احتاجت إلى التكلف فى بيانها فلذلك يحصل من الضغط للمتكلم عند النطق بها ساكنة حتى تكاد تخرج إلى شبه تحركها لقصد بيانها إذ لو لا ذلك لم يتبين لأنه إذا امتنع النفس و الصوت تقدر بيانها ما لم يتكلف بإظهار أمرها على الوجه المذكور و قال ابن مريم الشيرازى و هى حروف مشربة فى مخارجها إلا أنها لا تضغط ضغظ الحروف المطبقة غير أنها قريبة منها فإن فيها أصواتا كالحركات تتقلقل عند خروجها أى تضطرب،و لهذا سميت حروف القلقلة قال و زعم بعضهم أن الضاد و الزاى و الذال و الطاء منها لثبوتها و ضغطها فى مواضعها إلا أنها و إن كانت مشربة فى مخارجها فإنها غير مضغوطة كضغط الحروف الخمسة المذكورة و لكن يخرج معها عند الوقف عليها شبه النفخ قال و امتحان حروف القلقلة أن تقف عليها فإذا وقفت خرج منها صويت كالنفح لنشرها فى اللها و اللسان.

1159-[و أعرفهنّ القاف كلّ يعدّها

فهذا مع التّوفيق كاف محصّلا]

أى أعرف القلقلة القاف أى هى المشهورة بذلك المتضح فيها هذا الوصف فاعرف هذا الموضع هو من التفضيل فى باب المفعول و هو مما شذ فى كلامهم مثل هو أحد منه و أشهر ثم قال كل يعدها أى هى مجمع على عدها من حروف القلقلة قال الشيخ أبو الحسن قالوا أصل القلقلة للقاف لأن ما يحس به من شدة الصوت المتصعد من من الصدر مع الضغط و الحقر فيه أكثر من غيره قال وعد المبرد منها الكاف إلا أنه جعلها دون القاف لأن حصر القاف أشد قال المبرد و هذه القلقلة بعضها أشد من بعض فإذا وصلت ذهبت تلك النبرة لأنك أخرجت لسانك عنها إلى صوت آخر فحال بينه و بين الاستقرار.فهذا آخر الكلام فى صفات الحروف التى تعرض الناظم لذكرها و هى منقسمة إلى ما يشعر بقوة و إلى ما يشعر بضعف و الجهر و الشدّة و الاستعلاء و الإطباق و الصفير و القلقلة و التكرير و التفشى و الاستطالة و الانحراف علامات القوّة و أما الهمس و الرخاوة و التسفل و الانفتاح و المدّ و الاعتلال و الهوى فعلا مات الضعف فلا تغفل فى تطلب تجويد القراءة من مراتب الحروف على حسب تمكنها من القوّة و الضعف و ليست صفات القوّة و لا صفات الضعف متساوية فكل قسم منها مختلف المراتب و قد اتفق له اللفظ بجميع الحروف فى هذه الصفات التى ذكرها سوى الزاى المعجمة و فيها من الصفات ما ذكره فى البيت الأوّل و هو جهر و رخو و انفتاح صفاتها و مستفل و عرف ذلك و غيره من ضد ما ذكره و اللّه أعلم و قوله فهذا مع التوفيق كاف أى فهذا الذى ذكرته إذا وفق اللّه من عرفه يكفيه فى هذا العلم و محصلا مفعول كاف أى يكفى الطالب المشتغل المحصل و يجوز أن يكون حالا من الضمير فى كاف أى فى حال كونه محصلا لغرض الطالب محتويا عليه.

ص: 755

1160-[و قد وفّق اللّه الكريم بمنّه

لإكمالها حناء ميمونة الجلا]

المنّ الانعام و حسناء ميمونة حالان و معنى ميمونة الجلا مباركة البروز أى كما ظهرت للناس كانت مباركة الطلعة و قد صدق رضي اللّه عنه فإن بركتها عمت كل من حفظها و أتقنها و لو لم يكن إلا كثرة الفوائد الحاصلة من ناظمها:

1161-[و أبياتها ألف تزيد ثلاثة

و مع مائة سبعين زهرا و كمّلا]

فاعل تزيد ضمير راجع إلى الأبيات لا إلى الألف فإن الألف تذكر و ثلاثة نصب على التمييز و سبعين عطف عليه و التقدير و تزيد أيضا سبعين مع مائة فصار المجموع ألفا و مائة و ثلاثة و سبعين و زهرا و كملا حالان من الضمير فى تزيد الراجع إلى الأبيات أى هى زاهرة كاملة يعنى مضيئة كاملة الأوصاف و يجوز أن يكونا صفتين للتمييز أى تزيد أبياتها على الألف أبياتا زاهرة و كاملة و الوجه الأوّل أولى لأنه أعم و صفا لأنه يفيد وصف الجمع بخلاف الوجه الثانى:

1162-[و قد كسيت منها المعانى عناية

كما عريت عن كلّ عوراء مفصلا]

اثنى فى هذا البيت على معانيها و ألفاظها فنصب عناية على أنه مفعولى كسيت أى أنه اعتنى بها فجاءت شريفة المعانى حسنة المبانى و قابل بين الكسوة و العرى فقال كسبت معانيها عناية و عريت فى التعبير عنها عن كل جملة عورا أى لا تنبئ عن المعنى المقصود فهى ناقصة معينة و نصب مفصلا على التمييز بها أى عن كل جملة عابت مفصلا و المفصل العضو أى عن كل ما قبح مفصله و يجوز أن يكون فاعل عريت ضميرا عائدا على القصيدة و مفصلا تمييز منه،أى كما عريت مفاصلها عن العيوب و عنى بذلك القافية أو جميع أجزاء القصيدة جعلها عروسا حسناء ميمونة الجلوة منزهة المفاصل عن العيوب على طولها و صعوبة مسلكها قال الشيخ رحمه اللّه و غيره:ينظم أرجوزة يعنى على قواف شتى فيضطره النظم إلى أن يأتى فى قوافيها و مقاطعها و أجزائها بما تمجه الاسماع.

1163-[و تمّت بحمد اللّه فى الخلق سهلة

منزّهة عن منطق الهجر مقولا]

سهولة خلقها انقيادها لمن طلبها أى إن كل أحد ينقل منها القراءات إذا عرف رموزها من غير صعوبة و لا كلفة و نصب سهلة و منزهة على الحال و مقولا تمييز و هو اللسان و الهجر الفحش أى ليس فيها كلمة قبيحة يستحيى من سماعها.

1164-[و لكنّها تبغى من النّاس كفؤها

أ خائفة يعفو و يغضى تجمّلا]

ص: 756

الكفؤ المماثل و أ خائفة صفة للكفؤ أو بدل منه و الإغضاء الستر و نصب تجملا على أنه مفعول من أجله جعل كفؤها من كان بهذه الصفة لأنه لثقته يعترف بأحسن ما فيها و يقف و يقضى عن الازدراء لما لا بدّ للبشر منه قال اللّه تعالى- وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً -ثم إذا كان هذا الكفؤ أهلا لانتقادها فهو عالم و حينئذ يرى فيها من الفوائد و الغرائب ما يغضى معه عن شيء يراه و لا يعجبه منها إلا أن يذكره على سبيل التنبيه على الفائدة كما أشرنا إليه فى مواضع منها فإن هذه طريقة العلماء نصحا لمن يقف عليه ممن لا يبلغ درجته فى العلم،ذلك و المعاملة مع اللّه سبحانه و الأعمال بالنيات سهل اللّه تعالى لمن يقف على كلامنا أن يعاملنا تلك المعاملة لكن زمان قد فسد و كثر من أهله النكد فما يرضون عن أحد و المستعان عليهم ربنا الواحد الصمد.

1165-[و ليس لها إلاّ ذنوب وليّها

فيا طيّب الأنفاس أحسن تأوّلا]

وليها أى ناظمها أى أنها لما تكاملت صفات حسنها يعرو مفاصلها عن كل عوراء و كونها سهلة الخلق و اعتنى بمعانيها ابتغت عند ذلك كفؤا يصلح للاتصال بها فما فيها ما يمنع الكفؤ منها إلا ذنوب وليها المتولى أمرها و كل هذه استعارات حسنة ملائم بعضها لبعض يعنى أن صد الناس عنها أمر فما هو إلا ما يعلمه وليها فى نفسه و إنما قال ذلك رحمه اللّه تواضعا للّه و المؤمن يهجم نفسه بين يدى اللّه تعالى و يعترف بتقصيره فى طاعته و لو بلغ منها ما بلغ و إلا فوليها رحمه اللّه كان أحد أولياء اللّه تعالى و قد لقيت جماعة من أصحابه مشايخ أئمة أكابر فى أعيان هذه الأمة بمصر و الشام و كلهم يعتقد فيه ذلك و أكثر منه مع إجلال له و تعظيم و توقير حتى حملنى ذلك منهم على أن قلت:

لقيت جماعة فضلاء فازوا بصحبة شيخ مصر الشاطبى رحمه اللّه

و كلهم يعظمه كثيرا كتعظيم الصحابة للنبى

و كأنه رحمه اللّه أشار بقوله فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا إلى ذلك أى احمل كلامى على أحسن محامله و هو ما حملناه عليه من التواضع و هو كما قال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه و ليت عليكم و لست بخيركم و كقول عمر ابن عبد العزيز رضي اللّه عنه فى خطبته بعد ما وعظ و ذكر أما أنى أقول لكم و لا أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندى أو كما قال و كان الناظم يقول الغرض بها أن ينفع اللّه بها عباده و ينفع بالتعب عليها قائلها فإذا كان مذنبا عاصيا خشى أن يحمد اللّه علمه فلا ينتفع به أحد ثم إنه رحمه اللّه قال فيما أخبرنى عنه شيخنا أبو الحسن و غيره لا يقرأ أحد قصيدتى هذه إلا و ينفعه اللّه تعالى بها لأنى نظمتها للّه و تأولا مفعول أحسن أو تمييز كما تقول طب نفسا وقر عينا لتطيب نفسك و لتقر عينك و ليحسن تأويلك للكلام و ذلك بحمله على أحسن محامله.

1166-[و قل رحم الرّحمن حيّا و ميّتا

فتى كان للإنصاف و الحلم معقلا]

فتى مفعول رحم و حيا و ميتا حالان منه متقدمان عليه و هذا اللفظ وجدته للإمام أبى عبد اللّه أحمد بن حنبل لما أرسل إليه آدم بن أبى إياس يعظه و يقوى نفسه على الصبر فى أيام المحنة إذ كان محبوسا فقال أحمد حيا و ميتا يعنى آدم ذكره الخطيب أبو بكر فى تاريخه فى ترجمة آدم ثم وصف المفتى بقوله للإنصاف و الحلم معقلا أى حصنا

ص: 757

أو موضعا لعقل الانصاف و الحلم و قد حمل الشيخ و غيره هذا البيت على أن الناظم عنى بالفتى نفسه و مدحها بذلك فاستبعدت ذلك من جهة أنه غير ملائم لتواضعه بقوله و ليس لها إلا ذنوب وليها و لا هو مناسب لطلب الترحم عليه فإن اللائق أن يقال اللهم ارحم عبدك الفقير إليك و هو ذلك فيما إذا أريد به شخص معين و لا نزكى ذلك الشخص أما إذا كان الدعاء لعموم من اتصف بتلك الصفة فإنه سائغ نحو اللهم ارحم أهل الحلم و الكرم و العلم فاستنبطت له وجهين آخرين:أحدهما أنه أمر بالترحم على من كانت هذه صفته لأنه ندب إلى الاتصاف بنحو ذلك من قبل حين قال أخا ثقة يعفو و يغضى نجملا و بقوله:

فيا طيب الأنفاس أحسن تأوّلا

فكأنه قال و قل رحم اللّه من كان بهذه الصفة ثم قال عسى اللّه يدنى سعيه أى سعى وليها المذكور فى قوله و ليس لها إلا ذنوب وليها فيكون الابتداء ترج منه أو يكون داخلا فى المقول أى قل هذا و هذا أى ادع لمن اتصف بتلك الصفة و ادع لناظم القصيدة و وليها:الوجه الثانى أن يكون المأمور به فى قوله و قل البيت الآخر و هو عسى اللّه يدنى سعيه أى قل ذلك و ترجه من اللّه تعالى و يكون قوله رحم الرحمن حيا و ميتا دعاء من المصنف لمن اتصف بهذه الصفات و هو كلام معترض بين فعل الأمر و المأمور به و كلاهما وجه حسن.

1167-[عسى اللّه يدنى سعيه بجواره

و إن كان زيفا غير خاف مزلّلا]

يدنى أى يقرب سعيه أى ما سعى له من عمل البر بجوازه أى بأن يجعله جائزا فلا يرده بل يتقبله على ما فيه من الخلل فأومأ إلى ذلك بقوله و إن كان زيفا أى رديئا يقال للدرهم الردىء زيف و زائف و أراد بقوله غير خاف أى زيفه ظاهر لا يخفى على من له بصيرة بالأعمال الصالحة و مزللا مثل زيفا يقال زلت الدراهم أى نفقت فى الوزن فمزلل بمعنى منقوص هذا كله إن كان اسم كان ضميرا عائدا على السعى و إن عاد على الناظم صاحب السعى فالمعنى أنها منسوب إلى الزلل و الزلة الخطيئة و كل ما ذكرناه على أن تكون الهاء فى بجوازه للسعى و يجوز أن تكون للساعى أى يدنى سعيه بأن يجوّز وليه الصراط يقال جزت الموضع أجوزه جوازا إذا سلكته فالمصدر فى بجوازه مضافا إلى فاعله و يجوز أن يكون مضافا إلى مفعوله على أن يكون من الجواز بمعنى السقى أى لسقيه من الحوض يوم العطش الأكبر أى يكون ذلك من علامة إدناء سعيه و تقريبه و قبوله جعلنا اللّه كذلك آمين.

1168-[فيا خير غفّار و يا خير راحم

و يا خير مأمول جدّا و تفضّلا]

الجد بالقصر العطية و بالمد الغنا و النفع فيجوز أن يكون قصر الممدود و هو تفضلا منصوبان على التمييز.

1169-[أقل عثرتى و انفع بها و بقصدها

حنانيك يا اللّه يا رافع العلا]

العبرة الزلة و الإقالة منها الخلاص من تبعها و انفع بها أى بهذه القصيدة من طلب النفع بها و بقصدها يعنى

ص: 758

من قصد الانتفاع بها و إن لم يقو عليها فانفعه بقصده و يدخل الناظم فى هذا الدعاء لأنه قصد نظمها و نفع الناس بها و قد حقق اللّه رجاءه و استجاب دعاءه ثم قال حنانيك فطلب التحنن من اللّه تعالى و هذا أحد المصادر التى جاءت بلفظ التثنية المضافة إلى المخاطب نحو لبيك و سعديك و المراد بها المداومة و الكثرة أى تحنن علينا تحننا بعد تحنن و قطع همزة اسم اللّه فى النداء جائز تفخيما له و استعانة به على مد حرف النداء مبالغة فى الطلب و الرغبة ثم كرر النداء بقوله يا رافع العلا أى يا رافع السموات العلى كما قال تعالى تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَ السَّماواتِ الْعُلى

1170-[و آخر دعوانا بتوفيق ربّنا

أن الحمد للّه الّذى وحده علا]

ختم دعاءه بالحمد كما قال اللّه تعالى إخبارا عن أهل الجنة جعلنا اللّه بكرمه منهم- وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ -فالباء فى بتوفيق ربنا يجوز أن يتعلق بدعوانا لأنه مصدر كما تقول دعوت بالرحمة و المغفرة و يجوز أن تكون باء السبب أى إنما كان آخر دعوانا أن الحمد للّه بسبب توفيق ربنا لاتباع هذه السنة التى لأهل الجنة.

1171-[و بعد صلاة اللّه ثمّ سلامه

على سيّد الخلق الرضا متنخّلا]

أى و بعد تحميد اللّه تعالى و ذكره فنصلى و نسلم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقوله صلاة اللّه ثم سلامه مبتدأ و خبره على سيد الخلق أى حالان عليه و الرضى نعت أى المرتضى و متنخلا نصب على الحال أى مختارا ثم بينه فقال.

1172-[محمّد المختار للمجد كعبة

صلاة تبارى الرّيح مسكا و مندلا]

محمد عطف بيان و كعبة ثانى مفعولى المختار لأنه اسم مفعول واقع صلة للألف أو اللام و التقدير الذى اختير كعبة و اللام فى للمجد يجوز أن تكون للتعليل أى اختير كعبة تؤمّ و تقصد من أجل المجد الحاصل له فى الدارين و يجوز أن تكون من تتمة قوله كعبة أى كعبة للمجد أى لا مجد أشرف من محمد كما أن كعبة مكة شرفها اللّه تعالى أشرف ما فيها أو على معنى أن المجد طائف كما يطاف بالكعبة و قول الناس هو كعبة الكرم إنما يراد به أن يحج اليه و يقصد من أجل كرمه كالكعبة و هذه المعانى كلها موجودة فى المصطفى صلّى اللّه عليه و سلم و صلاة نصب على المصدر أى أصلى صلاة هذه صفتها أو يكون منصوبا على المدح لأن ما تقدم من قوله صلاة اللّه يغنى عن هذا التقدير و معنى تبارى الريح تعارضها و تجرى جريها فى العموم و الكثرة و مسكا و مندلا حالان أى ذات مسك و مندل و هو العود أو صلاة طيبة فيكونان صفة لها و الطيب يكنى به عن الثناء الحسن و يجوز أن يكونا تمييز بن كمال يقال فلان تيار الريح سخا.أى يجرى سخاوة جريها و تعم عموم هبوبها فالمعنى تباريها مسكها أو مندلها و الريح أيضا تحمل الرائحة الطيبة مما تمر به من النبات الطيب الريح فقد اتضحت مباراة الصلاة للريح فى حالة الطيب من الجهتين

ص: 759

1173-[و تبدى على أصحابه نفحاتها

بغير تناه زرنبا و قرنفلا]

أى و تشهر هذه الصلاة على أصحاب النبى صلّى اللّه عليه و سلم و رضى عنهم نفحاتها بغير تناه أى لا نهاية لها و لا تناهى لإصابتها إياهم أى دائمة سرمدية و زرنبا و قرنفلا حالان أى مشبهة ذلك و هذا مما يقوى أن مسكا و مندلا فى البيت السابق أيضا حالان فالقرنفل معروف و الزرنب ضرب من النبات طيب الرائحة كرائحة الأترج ورقه كورق الطرفاء و قيل كورق الخلاف و فى حديث أم زرعة«زوجى المس مس أرنب و الريح ريح زرنب» و قال الشاعر:

بأبى أنت و قول الأشيب كأنما زر عليه الزرنب

أو زنجبيل و هو عندى أطيب و الزرنب و القرنفل دون المسك و المندل من الطيب فحسن تشبيه الصلاة على الصحابة بذلك لأنهم فى الصلاة تبع للنبى صلّى اللّه عليه و سلم فلهذا أصابتهم نفحاتها و بركاتها رضي اللّه عنهم و أرضاهم آمين آمين آمين،و قد تم الكتاب و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 760

فهرس

كتاب إبراز المعانى

صحيفة 3 خطبة الكتاب بيان من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة و التابعين و من بعدهم بيان أسماء أئمة القراءات بالأمصار الخمسة بيان ضابط تمييز ما يعتمد عليه من القراءات و ما يطرح 6 فصل فى ذكر القراء السبعة 12 بعض ما جاء فى فضائل القرآن العزيز و فضل قراءته 23 بيان القراء السبعة و رواتهم و أخبارهم 34 بيان الرموز التى يشير بها الناظم إلى القراء السبعة و رواتهم 39 بيان اصطلاح الناظم فى التعبير عن أوجه الخلاف 61 باب الاستعاذة 64 باب البسملة 68 سورة أم القرآن 76 باب الإدغام الكبير باب إدغام الحرفين المتقاربين فى كلمة و فى 87 كلمتين 102 باب هاء الكناية 113 باب المد و القصر 126 باب الهمزتين من كلمة 140 باب الهمزتين من كلمتين صحيفة 147 باب الهمز المفرد 155 باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها 165 باب وقف حمزة و هشام على الهمز 183 باب الإظهار و الادغام 186 ذكر ذال إذ 187 ذكر دال قد 188 ذكر تاء التأنيث 190 ذكر لام«هل»و«بل» 192 باب اتفاقهم فى إدغام إد و قد و تاء التأنيث و هل و بل 195 باب حروف قربت مخارجها 201 باب أحكام النون الساكنة و التنوين 203 باب الفتح و الإمالة و بين اللفظين 242 باب مذهب الكسائى فى إمالة هاء التأنيث فى الوقف 248 باب الراءات 261 باب اللامات 266 باب الوقف على أواخر الكلم 273 باب الوقف على مرسوم الخط 282 باب مذاهبهم فى ياءات الإضافة 304 باب مذاهبهم فى الزوائد 319 باب فرش الحروف 319 سورة البقرة

ص: 761

صحيفة 381 سورة آل عمران 410 «النساء 426 «المائدة 438 «الأنعام 471 «الأعراف 489 «الانفال 497 «التوبة 503 «يونس عليه السلام 513 «هود « » 531 «يوسف« » 541 «الرعد 549 «إبراهيم 555 «الحجر 557 «النحل 561 «الإسراء 566 «الكهف 581 «مريم عليها السلام 587 «طه 598 «الأنبياء عليهم الصلاة و السلام 603 «الحج 608 «المؤمنون 612 «النور 617 «الفرقان 621 «الشعراء 625 «النمل صحيفة 336 سورة القصص 636 «العنكبوت 640 و من سورة الروم إلى سورة سبأ 651 سورة سبأ و فاطر 658 «يس 662 «و الصافات 667 «ص 669 «الزمر 671 «غافر 674 «فصلت 675 «الشورى و الزخرف و الدخان 683 «الشريعة و الأحقاف 687 و من سورة محمد صلّى اللّه عليه و سلم إلى سورة الرحمن عز و جل 694 سورة الرحمن عز و جل 697 «الواقعة و الحديد 699 و من سورة المجادلة إلى سورة ن آ 705 و من سورة ن إلى سورة القيامة 713 و من سورة القيامة إلى سورة النبأ 718 و من سورة النبأ إلى سورة العلق 726 و من سورة العلق إلى آخر القرآن 730 باب التكبير باب مخارج الحروف و صفاتها

ص: 762

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.