أسباب النزول القرآني(غازي عناية)

اشارة

نام كتاب: أسباب النزول القرآني( غازي عناية)

نويسنده: غازى عناية

موضوع: اسباب نزول

تاريخ وفات مؤلف: معاصر

زبان: عربى

تعداد جلد: 1

ناشر: دار الجيل

مكان چاپ: بيروت

سال چاپ: 1411 / 1991

نوبت چاپ: اوّل

ص: 1

اشارة

ص: 2

الاهداء

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إلى من أنار اللّه بصائرهم بنور الحق، و هدى قلوبهم لفرائض العلم،و نوّر عقولهم بأنوار الهداية، طلبا للعلم،و مدارسة القرآن من شباب عالمنا الإسلامي من طلاب الجامعات، و رواد المعرفة،و الثقافة الإسلامية.

ص: 3

ص: 4

مقدمة الكتاب

تكمن أهمية دراسة علم أسباب النزول القرآني،في كونها المدخل الصائب،و الطريق المنير لتفسير آيات القرآن الكريم،و الوقوف على حقائقها،و معانيها،و أحكامها،و حكمها،حيث تتأصل العلاقة الوثيقة، و الحتمية بين علمي التفسير،و الأسباب،حيث يمتنع تفسير الآية دون الوقوف على سبب نزولها،و قصد سبيلها.

قال الواحدي:لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها،و بيان سبب نزولها.

و قال ابن دقيق العيد:بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.

و قال ابن تيمية:معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية،فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.

و لقد أصّل الصحابة(رضوان اللّه عليهم)التفسير الصحيح لمعاني القرآن الكريم،بسبب ملازمتهم لنزول الوحي،و وقوفهم على أسباب النزول القرآني.

يقول الواحدي:و لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية،و السماع ممن شاهدوا التنزيل،و وقفوا على الأسباب،و بحثوا في علمها.

و لقد أنكر الواحدي،و غيره تفسير معاني القرآن عن الجهالة،و دون الوقوف على معرفة أسباب النزول،محذرا،و موعظا بالكذب على القرآن.

قال صلّى اللّه عليه و سلم: (اتّقوا الحديث إلا ما علمتم،فإنه من كذب عليّ

ص: 5

متعمدا فليتبوأ مقعده من النّار،و من كذب على القرآن من غير علم.

فليتبوأ مقعده من النّار).

و على هذا كان السلف الصالح من العلماء،و كان سدادهم يتأصل في الاحتراز عن التفسير دون الوقوف على سبب النزول،و تأصيلا للحكمة السامية،و الفرضية الواجبة في تيسير،و تسهيل الاطلاع،و الوقوف على أسباب النزول القرآني،حدتني الرغبة العلمية الهادفة إلى وضع كتابي هذا بعنوان أسباب النزول القرآني،مستجديا فيه الرحمة الربانية،و العناية الإلهية في التوفيق،و الهداية،حافزي في ذلك تدريسي لهذه المادة،و إلقاء محاضرات فيها على مسامع طالباتى و طلابي في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية،آملا من اللّه أن أكون قد وفقت في طرح هذا المرجع في أسباب النزول القرآني بأسلوب قريب إلى الأذهان في التناول،و بسلاسة لغوية في التلطف،و شمولية سامية في التناول لكل الآيات التي لها أسباب نزول.و من أجل تحقيق هذه الغاية فقد حاولت جهدي الجمع في التناول للآيات،و أسباب نزولها في كتابي:الواحدي،و السيوطي،موفقا بين الروايات،و جامعا بين الآيات.

هذا و قد انفردت بكتابي هذا عن كتابي:الواحدي،و السيوطي في أنني عاينت بعض الموضوعات التي لها علاقة وثيقة بأسباب النزول القرآني،و أهمها:موضوعات عموم اللفظ و خصوص السبب،و صيغ سبب النزول،و تعدد الروايات في أسباب النزول،و الحكمة من الوقوف على أسباب النزول،إضافة إلى الأمثلة على أسباب النزول القرآني.

هذا و قد استهديت في ذلك بخطة الدراسة المبرمجة في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية،حيث حاولت تغطية المادة المقررة على

ص: 6

طلاب هذه الجامعة الفتية،داعيا إلى اللّه السداد في الرأي،و الجد في العمل،و الرجاء في التوفيق.

هذا و قد ضمنت هذه الدراسة لأسباب النزول القرآني أربعة أبواب، هي:

الباب الأول:التعريف بعلم أسباب النزول القرآني.

الباب الثاني:عموم اللفظ و خصوص السبب.

الباب الثالث:صيغ و روايات أسباب النزول القرآني.

الباب الرابع:الآيات التى لها سبب نزول.

دكتور:غازي عناية قسنطينة في 1407/5/1 ه 1987/1/1

ص: 7

ص: 8

الباب الأول: التعريف بعلم أسباب النزول القرآني

مقدمة

أهمية العناية بأسباب النزول القرآني

إن ضرورة معرفة سبب النزول القرآني،تقتضيها ضرورة التفسير الدقيق،و الواضح للقرآن الكريم،حتى أن العلماء المحققين منعوا من يجهل أسباب النزول من تفسير كتاب اللّه.

يقول الواحدي:«لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها،و بيان سبب نزولها» (1)و يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:«معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية،فإن العمل بالسبب يورّث العلم بالمسبب» (2).

و يقول ابن دقيق العيد:«معرفة سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن» (3).

و يقول أبو الفتح القشيري:«بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز،و هو أمر تحصّل للصحابة بقرائن تحتفّ بالقضايا» (4).

و تؤصل أقوال العلماء تلك العلاقة الوثيقة بين علمي التفسير، و أسباب النزول،و هما:أهم علوم القرآن الكريم،و لقد نبغ الصحابة

ص: 9


1- الواحدي،كتاب:أسباب النزول،ص:3.
2- السيوطي،كتاب:الإتقان في علوم القرآن،ج 1،ص:29.
3- السيوطي،الإتقان،ج 1،ص:29.
4- الزركشي،كتاب:البرهان في علوم القرآن،ج 1،ص:22.

(رضوان اللّه عليهم)،بسبب ملازمتهم للرسول صلّى اللّه عليه و سلم،و معاصرتهم لنزول الوحي في التفسير الصحيح،و الفهم الدقيق لمعاني القرآن الكريم،و في الوقوف على أسباب النزول القرآني،و بالتالي فهم الذين أرسوا الدعائم الأساسية لعلوم القرآن،و أهمها:علما التفسير،و أسباب النزول،و من أشهرهم:

الخلفاء الأربعة:أبو بكر،و عمر،و عثمان،و علي.

و العبادلة الأربعة:عبد اللّه بن عباس،عبد اللّه بن مسعود،و عبد اللّه بن الزبير،و عبد اللّه بن عمر.

و الصحابة:زيد بن ثابت،أبيّ بن كعب،و أبو موسى الأشعري.

و لقد توالى اهتمام العلماء المسلمين بعد عصر الصحابة بتأصيل دعائم علمي التفسير،و أسباب النزول،و من أشهرهم:

القرن الأول-التابعين:مجاهد،و عطاء،و عكرمة،و قتادة، و الحسن البصري،سعيد بن جبير،و زيد بن أسلم،و طاوس،و أبو العالية.

القرن الثاني-تابعي التابعين:مالك بن أنس،و قد أخذ عن زيد بن أسلم،و شعبة بن الحجاج (1)،و وكيع بن الجراح (2)و سفيان بن عيينة (3).

القرن الثالث:علي بن المديني،شيخ البخاري في أسباب النزول (4).ه.

ص: 10


1- شعبة بن الحجاج بن الورد العتقي الأزدي الواسطي،و يكنّى أبا بسطام،و هو محدث البصرة،و سمع أربعمائة تابعي،توفي سنة 160 ه.
2- وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي،و يكنّى أبا سفيان،و هو كوفي سمع الأعمش، و الأوزاعي،و سفيان الثوري،و روى عنه يحيي بن آدم،و أحمد بن حنبل،و على بن المديني ،ولد سنة 128 ه و توفي سنة 197 ه.
3- سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي،و هو شيخ الحجازيين في التفسير،و الحديث،توفي سنة 198 ه.
4- على بن المديني،و هو على بن عبد اللّه بن جعفر،و يكنى أبا جعفر،توفي سنة 234 ه.

القرن الرابع:ابن جرير الطبري،في التفسير،و أسباب النزول (1)القرن الخامس:الواحدي،في أسباب النزول (2).

القرن السادس:أبو القاسم السهيلي،في مبهمات القرآن (3).

القرن السابع:السخاوي،في التفسير (4)و القراءات.

القرن الثامن:الجعبري،في أسباب النزول (5).

القرن التاسع:ابن حجر العسقلاني،في أسباب النزول (6).

القرن العاشر:السيوطي،في التفسير،و أسباب النزول (7).ه.

ص: 11


1- ابن جرير الطبري محمد بن جرير بن يزيد،و يكنى أبا جعفر،ولد في طبرستان،سنة 224 ه،و توفي ببغداد سنة 310 ه.
2- الواحدي،و هو علي بن أحمد،و يكنى أبا الحسين،نحوي و مفسر،توفي سنة 427 ه.
3- عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أحمد،و يكنى أبا القاسم،صاحب كتاب:مبهمات القرآن، توفي بمراكش سنة 581 ه.
4- على بن محمد له السخاوية،و هي منظومة في القراءات،توفي سنة 634 ه.
5- و هو برهان الدين بن عمر،له كنز المعاني في علوم القرآن،توفي سنة 732 ه.
6- و هو أبو الفضل شهاب الدين الحافظ،ينسب إلى عسقلان فلسطين،توفي سنة 852 ه.
7- جلال الدين عبد الرحمن من جنوب مصر من أسيوط توفي سنة 911 ه.

الفصل الأول: التعريف بسبب النزول القرآني

اشارة

كان أمين الأرض المصطفى(صلوات اللّه عليه)يتلقى القرآن من أمين السماء،جبريل(عليه السلام)بتلهف،و شغف كبيرين،و كان يتعجّل به،فنزل قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (القيامة:16) و كان الصحابة(رضوان اللّه عليهم)يتلقون القرآن من نبيهم بشغف و تلهف كبيرين أيضا،و كان التلقّي النبوي،و الصحابي للقرآن حفظا، و تلاوة،و تدبرا،و عملا لأحكامه،و فرائضه.

روي عن أبي عبد الرحمن السلمي،أنه قال:«حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن،كعثمان بن عفان،و عبد اللّه بن مسعود،و غيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلّى اللّه عليه و سلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم،و العمل.قالوا:فتعلمنا القرآن،و العلم،و العمل جميعا» (1).

و قد جاء النزول القرآني بعقيدة جديدة هي عقيدة التوحيد،و دين جديد هو دين الإسلام،و أحكام،و فرائض،و تشريعات،هي من نوع جديد لم يألفه العرب في حياتهم،مما فتح الأذهان،و هيأ النفوس، و حفز الأفراد إلى ترديد التساؤلات،و التوجه بالاستفسارات،و أقبل الجميع على النبي صلّى اللّه عليه و سلم يستوضحون،و يتثبّتون.

و كان أهل البيت و الصحابة،و الأنصار،و المهاجرون،و أهل الأمصار،و أهل البداوة يسألون.و كان الكفار من أهل الكتب السماوية

ص: 12


1- متفق عليه.

و المشركون من عبدة الأوثان،و المنافقون من أهل الشرك،و الرياء يسألون.

و كان القرآن ينزل بسبب هذه التساؤلات،و تلك الاستفسارات مجيبا عنها موضحا،مفصلا،و مبينا لها،و لأحكامها،و قد أطلق على تلك الأسئلة،و الاستفسارات،أسباب النزول.

فسبب النزول إذا:ما هو إلا سؤال،أو استفسار،أو استيضاح،أو استبيان،أو واقعة،أو حادثة،أو قصة،أو حكاية وقعت،و نزل القرآن من أجلها،مجيبا عنها،مفصلا لها،مؤصلا لحكم اللّه فيها.

و يشترط في سبب النزول أن ينزل القرآن من أجله،و بسببه أولا، و أن ينزل القرآن في زمن وقوعه ثانيا.

يقول الإمام السيوطي:«و الذي يتحرر في سبب النزول،أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه،ليخرج ما ذكره الواحدي في تفسيره في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة به،فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء،بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية،كذكر قصة نوح،و عاد،و ثمود،و بناء البيت،و نحو ذلك.و كذلك ذكره في قوله تعالى: وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (النساء:125).سبب اتخاذه خليلا،فليس ذلك من أسباب النزول كما لا يخفى (1)،و من هنا فإن سبب النزول ينحصر فقط في السؤال،أو الواقعة،أو السبب الذي نزلت الآية،أو الآيات القرآنية زمن وقوعه،أو زمن حدوثه.

و إذا رمزنا إلى تلك الأسئلة و الاستفسارات،و الوقائع،أسباب النزول القرآني،أو استعضنا عنها باسم الموصول:كالذي،أو ما-فيمكننا أن نعرف سبب النزول كما يأتي:

سبب النزول«هو ما نزل القرآن من أجله،للإجابة عنه،أو لبيان2.

ص: 13


1- السيوطي،الإتقان،ج 1،ص:32.

حكمه زمن وقوعه».

أو«هو ما نزلت السورة بسببه،للإجابة عنه،أو لبيان حكمه زمن وقوعه».

أو«هو ما نزلت الآية بشأنه،للإجابة عنه،أو لبيان حكمه زمن وقوعه».

النزول القرآني الابتدائي:

يقول الإمام الجعبري:«نزل القرآن على قسمين:قسم نزل ابتداء، و قسم نزل عقب واقعة،أو سؤال» (1).

و يفهم من هذا أنه ليس لكل نزول قرآني سبب،فكثير من الآيات و السور القرآنية كانت تنزل ابتداء،و ليس كل النزول القرآني،كان وقفا في نزوله على الوقائع،و الأسئلة.و من هذا النزول القرآني الذي كان يقع ابتداء:الآيات،و السور النازلة في قصص الأنبياء،و الرسل مع أقوامهم، و الآيات النازلة في وصف الوقائع،و الأحوال السابقة،و الآيات النازلة في الأمور الغيبية:كقيام الساعة،و مشاهد البعث،و الجنة،و النار، و أحوال النعيم،و العذاب،و غيرها:كأمور العقيدة،و الأركان،و الأخلاق، إلخ..

فمثل هذه الآيات لم تنزل إجابة لسؤال،أو توضيحا لواقعة،فلا يلتمس لها سبب،و إنما نزلت ابتداء،و لذا يجب التفريق بينها و بين الآيات التي نزلت،و لها أسباب.

و غني عن القول:بأن هذا التفريق لا يتعارض البتّة مع إخبار بعض الصحابة عن مدى علمهم بأسباب النزول القرآني،

كقول الإمام علي كرم اللّه وجهه: «و اللّه ما نزلت آية إلا و أنا أعلم فيم نزلت» (2).و كقول عبد

ص: 14


1- السيوطي،الإتقان،ج 1،ص:29.
2- السيوطي،الإتقان،ج 1،ص:29.

اللّه بن مسعود(رضي اللّه عنه):«و اللّه ما نزلت آية إلا و أنا أعلم فيم نزلت،و فيمن نزلت،و أين نزلت» (1).

فقولهم هذا يحمل على شيء من المبالغة،حفزا للناس على تلقي القرآن بعلومه عنهم،فمن الصعب الحكم على علم الصحابة الشامل لأسباب النزول،فضلا عن أن قولهم لا يتناول ما نزل من القرآن ابتداء،فليس كل ما يحفظه الصحابي،أو يلم به شاملا لما يجب حفظه من أسباب النزول.29

ص: 15


1- السيوطي،الإتقان،ج 1،ص:29

الفصل الثاني: أمثلة على أسباب النزول القرآني

اشارة

غالبا ما يكون سبب النزول،إما:سؤالا،أو استفتاء،أو واقعة.

أولا:أمثلة على الأسئلة أسباب النزول:

أ-سؤال يهود الرسول صلّى اللّه عليه و سلم عن الروح،و الذي كان سببا في نزول قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً (الإسراء:85)

أخرج البخاري عن ابن مسعود (1)،قال: «كنت أمشي مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالمدينة،و هو يتوكأ على عسيب،فمر بنفر من اليهود،فقال بعضهم:لو سألتموه،فقالوا:حدثنا عن الرّوح؟.فقام ساعة،و رفع رأسه،فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الروح،ثم قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً .

ب-سؤال يهود الرسول صلّى اللّه عليه و سلم عن ذي القرنين،و الذي كان سببا في نزول قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً .

(الكهف:83).

أخرج الواحدي (2):قال قتادة: «إن اليهود سألوا نبي اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، عن ذي القرنين،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية:

ص: 16


1- صحيح البخاري.
2- الواحدي،أسباب النزول،ص:225.

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً .

ج-سؤال الصحابة(رضوان اللّه عليهم)الرسول صلّى اللّه عليه و سلم أن يقصص عليهم،كان سببا في نزول قوله تعالى:

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (يوسف:1،2،3)

أخرج الواحدي من رواية عن الصحابي سعد بن أبي وقاص: «أن الصحابة قالوا:يا رسول اللّه،لو قصصت علينا،فأنزل اللّه تعالى:

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ... إلى قوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (1).

د-سؤال الصحابة رضوان اللّه عليهم الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،عن التعامل مع المرأة الحائض،كان سببا في نزول قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة:222)

أخرج مسلم عن أنس قال: «إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت،و لم يواكلوها،و لم يشاربوها،و لم يجامعوها في البيوت،فسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن ذلك،فأنزل اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ3.

ص: 17


1- الواحدي،أسباب النزول،ص:203.

الآية.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:جامعوهن في البيوت،و اصنعوا كل شيء إلا النكاح (1).

ه-سؤال الرسول صلّى اللّه عليه و سلم جبريل عليه السلام،بأن يكثر من زياراته،كان سببا في نزول قوله تعالى:

وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (مريم:164)

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: يا جبريل،ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟قال:فنزلت: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ الآية كلها. قال:كان هذا الجواب لمحمد صلّى اللّه عليه و سلم» (2).

ثانيا:أمثلة على الاستفتاءات أسباب النزول:

أ-استفتاء الناس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن نكاح يتامى النساء،كان سبب في نزول قوله تعالى:

وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (النساء:127)

أخرج مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها،قالت: «ثم ان الناس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل الله تعالى هذه الآية:

وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ الآية:،و الذي يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال فيها: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى (النساء:3).

ص: 18


1- أخرجه مسلم و أهل السنن.
2- أخرجه البخاري عن أبي نعيم عن أبي ذر.

قالت عائشة(رضي اللّه عنها):«و قال اللّه تعالى في الآية الأخرى:

وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (النساء:127)،رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال،و الجمال،فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها،و جمالها من باقي النساء إلاّ بالقسط من أجل رغبتهم عنهن» (1).

ب-استفتاء الناس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في إرث الكلالة كان سببا في نزول قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (النساء:176).

أخرج الواحدي عن جابر قال: «اشتكيت،فدخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و عندي سبع أخوات،فنفخ في وجهي،فأفقت،فقلت:يا رسول اللّه،أوصي لأخواتي بالثلثين؟قال:أجلس،فقلت:الشطر؟ قال:اجلس،ثم خرج،فتركني،قال:ثم دخل عليّ،و قال:يا جابر، إني لا أراك تموت في وجعك هذا،إن اللّه قد أنزل،فبين الذي لأخواتك الثلثين،و كان جابر يقول:نزلت هذه الآية فيّ:

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (2) .

ثالثا:أمثلة على الوقائع أسباب النزول:

أ-واقعة السرقة من قبل طعمة بن أبيرق كانت سببا في نزول قوله تعالى:

إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً إلى قوله تعالى: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (النساء:105-116)

ص: 19


1- رواه مسلم عن حرملة بن وهب.
2- أخرجه الواحدي في أسباب النزول،ص:125.

فالآيات من 105 إلى 116 كلها نزلت في قصة واحدة.

أخرج الواحدي «أن رجلا من الأنصار يقال له:طعمة بن أبيرق-أحد بني ظفر بن الحارث-سرق درعا من جار له يقال له:قتادة بن النعمان،و كانت الدّرع في جراب فيه دقيق،فجعل الدقيق ينثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار،و فيها أثر الدقيق ثم خبأها عند رجل من اليهود،يقال له:زيد بن السمين،فالتمست الدرع عند طعمة،فلم توجد عنده،و حلف لهم،و اللّه،ما أخذها،و ما له به من علم،فقال صاحب الدرع:و اللّه قد أدلج علينا،فأخذها،و طلبنا أثره حتى دخل داره،فرأينا أثر الدقيق،فلما أن حلف تركوه،و أتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي،فأخذوه،فقال:دفعها إليّ طعمة بن أبيرق،و شهد له أناس من اليهود على ذلك،فقالت بنو ظفر-و هم قوم طعمة-:انطلقوا بنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فكلموه في ذلك،فسألوه أن يجادل عن صاحبه،و قالوا:إن لم تفعل،هلك صاحبنا،و افتضح، و برئ اليهودي،فهمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يفعل،و كان هواه معهم، و أن يعاقب اليهودي حتى أنزل اللّه تعالى: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ إلى وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ، الآيات كلها،و هذا قول جماعة من المفسرين» (1).1.

ص: 20


1- الواحدي:أسباب النزول،ص:120-121.

ب-واقعة أوس بن الصامت مع زوجته خولة بنت ثعلبة،حيث كان ظهاره منها سببا في نزول آيات الظهار الأربعة من أول سورة المجادلة.قال اللّه تعالى:

قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً وَ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (المجادلة:1-4)

أخرج ابن أبي حاتم عن عائشة أم المؤمنين:رضي اللّه عنها قالت:

«تبارك الذي وسع سمعه كل شيء،إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، و يخفى عليّ بعضه،و هي تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و هي تقول:يا رسول اللّه أكل شبابي،و نثرت له بطني،حتى كبر سني، و انقطع ولدي ظاهر مني،اللهم إني أشكو إليك،قالت:فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها .و هو أوس بن الصامت» (1)و القصة كما

أخرجها الواحدي عن ابن عبد اللّه بن سلام،قال:

«حدثتني خويلة بن ثعلبة،و كانت عند أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت،قالت: دخل عليّ ذات يوم،و كلّمني بشيء-و هو فيه كالضجر-فراددته،فغضب،فقال:أنت عليّ كظهر أمي،ثم خرج فيه.

ص: 21


1- أخرج ابن ماجة،و ابن أبي حاتم،و الحاكم،و البيهقي،و ابن مردويه.

نادي قومه،ثم رجع إليّ،فراودني عن نفسي،فامتنعت منه،فشادّني فشاددته،فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف،فقلت:كلا و الذي نفس خويلة بيده،لا تصل إليّ حتى يحكم اللّه تعالى فيّ،و فيك بحكمه،ثم أتيت النبي صلّى اللّه عليه و سلم أشكو ما لقيت،فقال:زوجك،و ابن عمك، اتقي اللّه،و احسني صحبته،فما برحت حتى نزل القرآن: قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها... إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ،حتى انتهى إلى الكفّارة.

قال:مريه،فليعتق رقبة،قلت:يا نبي اللّه،ما عنده رقبة يعتقها قال:مريه،فليصم شهرين متتابعين:قلت:يا نبي اللّه،شيخ كبير ما به من صيام،قال:فليطعم ستين مسكينا،قلت:يا نبي اللّه، و اللّه ما عنده ما يطعم،قال:بلى،سنعينه بعرق من تمر-مكتل يسع ثلاثين صاعا-قلت:و أنا أعينه بعرق آخر،قال:قد أحسنت، فليتصدق».

ج-واقعة هلال بن أمية مع زوجته التي قذفها بالزنا من شريك بن سمحاء،كانت سببا في نزول آيات الملاعنة في سورة النور.قال تعالى:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ، وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ، وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ، وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ (النور:6-9)

أخرج البخاري عن ابن عباس: «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلّى اللّه عليه و سلم بشريك بن سمحاء،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:البيّنة و إلاّ حد في

ص: 22

ظهرك؟فجعل الرسول صلّى اللّه عليه و سلم يقول:البينة و إلا حد في ظهرك؟؟، فقال هلال:و الذي بعثك بالحق،إني لصادق،و لينزل اللّه ما يبرى ظهري من الحد،و نزل جبريل،فأنزل عليه: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ (1).

د-قصة أصحاب الإفك،الذين قذفوا أم المؤمنين عائشة،كانت سببا في نزول آيات الإفك تبرئها،قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَ الَّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ إلى آخر الآيات.

(النور:11) و أصحاب قصة الإفك هم:عبد اللّه بن أبيّ بن سلول،حسّان بن ثابت،و مسطح بن خالة أبي بكر،و حمنة بنت جحش،و القصة مشهورة في كتب التفاسير.

ه-حادثة أم جميل زوجة أبي لهب مع الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،كانت سببا في نزول أول خمس آيات من سورة الضحى.قال تعالى:

وَ الضُّحى ، وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى، وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (الضحى:1-5)

أخرج الشيخان عن جندب قال: «اشتكى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فلم يقم ليلة، أو ليلتين،فأتته امرأة،فقالت:يا محمد،ما أرى إلا شيطانك قد تركك.

فأنزل اللّه: وَ الضُّحى، وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى » (2)2.

ص: 23


1- صحيح البخاري،ج 6،ص:100.
2- صحيح البخاري،ج 6،ص:182.

سند معرفة سبب النزول

يجمع العلماء على أن سندهم في معرفة سبب النزول،انما هو الرواية الصحيحة عن الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،أو رواية الصحابة،أو رواية التابعين.

فالسند الأول في معرفة سبب النزول-هو الرواية الصحيحة عن الرسول صلّى اللّه عليه و سلم.

و السند الثاني-هو قول الصحابي،حيث يرى العلماء«أن قول الصحابي فيما لا مجال فيه للرأي،و الاجتهاد،بل عمدته النقل،و السماع محمول على سماعه من النبي صلّى اللّه عليه و سلم،لأنه يبعد جدا أن يقول ذلك من تلقاء نفسه» (1).

و يقرر ابن الصلاح،و الحاكم،و غيرهما في علوم الحديث:أن الصحابي الذي شهد الوحي،و التنزيل إذا أخبر عن آية أنها نزلت في كذا،فإنه حديث مسند له حكم المرفوع (1).

و السند الثالث-هو قول التابعي،بشرط أن يعتضد بمرسل آخر مروي عن أحد أئمة التفسير الذين ثبت أخذهم عن الصحابة أمثال:

عكرمة،مجاهد،عطاء،سعيد بن جبير،الحسن البصري،سعيد بن المسيب،و الضحاك،و غيرهم (1).

فالسند في معرفة سبب النزول،و هو الرواية الصحيحة أمر ضروري للتأكد من وقوع المشاهدة،أو السماع للواقعة،أو السؤال سببي نزول القرآن.

و لذا فالعلماء يستبعدون كل محاولة للاجتهاد،و الرأي في هذا الموضوع،و هم يحصرون السند في المشاهدة،أو الرواية،أو السماع لأسباب

ص: 24


1- السيوطي،الإتقان

النزول القرآني.

يقول الواحدي:«و لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية،و السماع ممن شاهدوا التنزيل،و وقفوا على الأسباب،و بحثوا عن علمها،و جدّوا في الطلب» (1).

و ينوّه الواحدي أيضا:أن السلف الصالح كانوا يتورعون، و يتحرجون من البحث،أو القول بأسباب النزول دون تثبت،خشية الكذب على القرآن،أو القول بدون علم.

و إذا فالواحدي يأخذ باللّوم على تساهل العلماء في زمانه بالقول في أسباب النزول،و هو يقول:«و أما اليوم فكل أحد يخترع شيئا، و يختلق إفكا،و كذبا،ملقيا زمامه إلى الجهالة غير مفكر بالوعيد للجاهل،بسبب الآية» (1).

و قال محمد بن سيرين:«سألت عبيدة عن آية من القرآن الكريم، فقال:اتق اللّه،و قل سدادا،ذهب الذين يعلمون فيما أنزل اللّه من القرآن» (2).

و يعني قول ابن سيرين-و هو من التابعين-:وجوب تحري الرواية الصحيحة،و الوقوف عند أسباب النزول الصحيحة.ه.

ص: 25


1- الواحدي،أسباب النزول،ص:3-4.
2- محمد بن سيرين من علماء التابعين،توفي سنة 110 ه.

الفصل الثالث: فوائد معرفة أسباب النزول القرآني

مقدمة:

قال الإمام الشباطبي:«إن معرفة أسباب النزول لازمة لمن أراد علم القرآن،و الدليل على ذلك أمران:الأول-إن علم المعاني، و البيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن فضلا عن معرفة مقاصد العرب إنما حواره على معرفة مقتضيات الأحوال:حال الخطاب من جهة نفس الخطاب،أو المخاطب،أو المخاطب به، أو الجميع،إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالّيه،و بحسب المخاطبين،و بحسب غير ذلك،كالاستفهام،لفظه واحد، و يدخله معان أخرى من:تقرير،و توبيخ،و غير ذلك.

و كالأمر يدخله معنى الإباحة،و التهديد،و التعجيز، و أشباهها،و لا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجية،أو عمدتها مقتضيات الأحوال،و ليس كل حال ينقل،و لا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول،فإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة،أو فهم شيء منه،و معرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط،فهي من المهمات في فهم الكلام بلا بد،و معنى معرفة السبب،هو معنى معرفة مقتضى الحال، و ينشأ عن هذا الوجه:

الوجه الثاني-و هو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع، الشبه،و الإشكالات،و مورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف،و ذلك مظنة وقوع النزاع.

و يوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيد عن إبراهيم التميمي قال:

«خلا عمر ذات يوم فجعل يحدث نفسه:كيف تختلف هذه الأمة،و نبيها

ص: 26

حد،و قبلتها واحده؟...

فقال ابن عباس:يا أمير المؤمنين،إنّا أنزل علينا القرآن فقرأناه،و علمنا فيم نزل،و إنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن،و لا يدرون فيم نزل،فيكون لهم فيه رأي،و إذا كان لهم فيه رأي اختلفوا،فإذا اختلفوا،اقتتلوا.قال:فزجره عمر، و انتهره،فانصرف ابن عباس،و نظر عمر فيما قال،فعرفه، فأرسل إليه فقال:أعد عليّ ما قلت؟فأعاده عليه،فعرف عمر،قوله،و أعجبه» (1).

فوائد معرفة سبب النزول:

يذكر السيوطي في اتقانه،كما يذكر العلماء فوائد عدة لمعرفة سبب النزول منها:

أولا:-معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم،أي بيان الحكمة التي دعت إلى تشريع حكم من الأحكام،و أمثلة ذلك:

أ-تجنب الإضرار الناشئة عن جماع الحائض في قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة:222) ب-زجر الناس عن القذف،و تناول أعراض النساء المسلمات، و ذلك في قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (سورة النور:4)

ص: 27


1- الإمام الشاطبي:الموافقات،ج 3،ص:347.

ج-زجر الناس عن إيقاع الظهار على زوجاتهم،و ذلك في قوله تعالى:

قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً وَ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (المجادلة:1-4) د-التحلي بالصبر،و عدم معاملة الكفار بالمثل في الإيذاء، و الضرر،و احتساب الأجر على اللّه في قوله تعالى:

وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ .

(النحل:126) ه-معرفة مواقيت الفرائض الدينية في قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى (البقرة:189) ثانيا:إن اللفظ قد يكون عاما،و يقوم الدليل على تخصيصه،فإذا عرف السبب قصر التخصيص،على ما عدا صورته،فإن دخول صورة

ص: 28

السبب قطعي،و إخراجها بالاجتهاد ممنوع إجماعا (1).و بعبارة أخرى:

إذا كان هناك لفظ قرآني،نزل بصيغة العموم ثم ورد دليل على تخصيصه،فإن معرفة السبب تقصر التخصيص على ما عدا صورته،و لا يصح إخراجها،لأن دخول صورة السبب في اللفظ العام قطعي،فلا يجوز إخراجها بالاجتهاد،لأنه ظنّي،و هذا رأي الجمهور.

مثال ذلك:قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (النور:23،24،25) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ (أي الآية السابقة).نزلت في عائشة خاصة (2).

و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أيضا:هذه في عائشة،و أزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و لم يجعل اللّه لمن فعل ذلك توبة،و جعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلم التوبة،ثم قرأ:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ... الى قوله: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا (5).

و لنا القول:إن الآية الخامسة من سورة النور،و هي قوله تعالى:

إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (النور:5).

و هي تنص على قبول توبة القاذف،و إن كانت مخصصة لعمومه.

ص: 29


1- السيوطي،الإتقان،ص:29.
2- أخرجه ابن أبي حاتم،و ابن مردويه،و الحاكم و صححه.

اللفظ في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ الآية،و التي نزلت بحق من يقذف أزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلم إلا أنها لا تتناول بالتخصيص الذين يقذفون أزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلم،لأن دخول صورة السبب في اللفظ العام قطعي،و لكن تلك الآية،أي الخامسة تتناول بالتخصيص الآية الرابعة من سورة النور،و هي قوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (النور:4) و ذلك بقبول توبة من يقذف المحصنات من غير أزواج الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،لأن هذه الآية الأخيرة تتعلق بمن يقذف المحصنات من المسلمات، فتقبل توبته.

ثالثا:الفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم،و كشف الغموض و الإبهام عنها.

قال الواحدي:«لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها،و بيان سبب نزولها».

و قال ابن دقيق العيد:«بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن»،و قال بن تيمية:«سبب معرفة النزول يعين على فهم الآية،فإن العمل بالسبب يورث العلم بالمسبب» (1).

أمثلة:1-غموض معنى الآية على مروان بن الحكم في قوله تعالى:

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران:188) فقد أرسل مروان بن الحكم بوابه رافع إلى ابن عباس،ليقول له:لئن9.

ص: 30


1- السيوطي،الإتقان،29.

كان كل امرئ فرح بما أوتي،و أحب أن يحمد بما لم يفعل،معذّبا لنعذبن أجمعون»!!،فقال ابن عباس:«ما لكم،و لهذه الآية؟إنما نزلت في أهل الكتاب،ثم تلا قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ آل عمران:187

و قال ابن عباس: سألهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن شيء،فكتموه إياه، فأخذوا بغيره،فخرجوا،و قد أروه أن قد أخبروه لما سألهم عنه، و استحمدوا لذلك إليه،و خرجوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه» (1).

فإن وقوف ابن عباس على سبب النزول هو الذي أزال الغموض عن معنى الآية.

2-غموض معنى الآية على قدامة بن مظعون في قوله تعالى:

لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ المائدة:93 روي:أن عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين،فقدم الجارود على عمر،فقال:إن قدامة شرب،فسكر.فقال عمر:من يشهد على ما تقول؟قال الجارود:أبو هريرة يشهد على ما أقول،و ذكر الحديث، فقال عمر:يا قدامة،إني جالدك،قال:و اللّه،لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني.قال عمر:و لم؟!قال:لأن اللّه يقول:ن.

ص: 31


1- أخرجه الشيخان.

لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (المائدة:93) فقال عمر:أخطأت التأويل يا قدامة،إذا اتقيت اللّه اجتنبت ما حرّم اللّه؟،و في رواية،فقال:لم تجلدني،و بيني و بينك كتاب اللّه! !،فقال عمر:و أي كتاب اللّه تجد ألاّ أجلدك؟!قال:إن اللّه يقول في كتابه: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا... الآية،فأنا من الذين آمنوا،و عملوا الصالحات،ثم اتقوا، و آمنوا ثم اتقوا،و أحسنوا،شهدت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بدرا،و أحدا،و الخندق و المشاهد،فقال عمر:أ لا تردّون على قوله؟،فقال ابن عباس:إن هؤلاء الآيات أنزلن،عذرا للماضين،و حجة على الباقين،فعذر الماضين بأنهم لقوا اللّه قبل أن تحرم عليهم الخمر،و حجة على الباقين،لأنّ اللّه يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ ،ثم قرأ إلى آخر الآية، فإن كان من الذين آمنوا و عملوا الصالحات،ثم اتقوا،و آمنوا،ثم اتقوا،و أحسنوا فإن اللّه قد نهى أن يشرب الخمر،قال عمر:صدقت» (1).

فإن معرفة ابن عباس لسبب نزول الآية أزال الغموض في فهمها.

3-غموض معنى الآية على نفر من أهل الشام في قوله تعالى:

لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (المائدة:93) حكى اسماعيل القاضي قال:«شرب نفر من أهل الشام الخمر،و عليهم4.

ص: 32


1- د:محمد أنيس عبادة:تاريخ الفقه الإسلامي،ص:64.

يزيد بن أبي سفيان،فقالوا:هي لنا حلال،و تأولوا هذه الآية:

لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا... الآية.فكتب فيهم إلى عمر.قال:

فكتب إليه عمر:أن ابعث بهم إليّ قبل أن يفسدوا من قبلك،فلما أن قدموا على عمر استشار فيهم الناس،فقالوا:يا أمير المؤمنين،نرى أن قد كذبوا على اللّه،و شرعوا في دينه ما لم يأذن به إلى آخر الحديث» (1).

فالغفلة عن معرفة سبب نزول الآية أدت إلى الجهالة بمقصود الآية.

4-غموض معنى الآية في قوله تعالى:

وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة:115)

أخرج الترمذي،و ضعّفه من حديث عامر بن ربيعة،قال: «كنا في سفر في ليلة مظلمة،فلم ندر أين القبلة،فصلى كل رجل منا على حياله،فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت» (2).

و في رواية أيضا،ما أخرجه ابن جرير،و ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة،عن ابن عباس: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لما هاجر إلى المدينة أمره أن يستقبل بيت المقدس،ففرحت اليهود،فاستقبلها بضعة عشر شهرا،و كان يحب قبلة إبراهيم،فكان يدعو اللّه،و ينظر إلى السماء فأنزل اللّه:

قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (البقرة:144) فارتب من ذلك اليهود،و قالوا:ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها3.

ص: 33


1- د.محمد أنيس عبادة،المرجع السابق،ص:65.
2- السيوطي،الإتقان،ص:33.

فأنزل اللّه:

وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة:115) إن ظاهر الآية يبيح للمسلم أن يصلي إلى الجهة التي يختارها،على اعتبار أن للّه المشرق،و المغرب،و جميع الجهات،إلا أن الوقوف على سبب نزول الآية ينفي هذا المعنى،و يمنع هذه الإباحة،و يقيد الصلاة إلى القبلة،أي الكعبة،و المحددة في الآية 144 من سورة البقرة،حيث أن سبب النزول كان للرد على يهود عند ما تساءلوا عن سبب تحول المسلمين عن قبلة بيت المقدس إلى قبلة الكعبة.

أو أن سبب النزول كما يقول الواحدي في إسناده:«هو أن نفرا من المسلمين صلّوا مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم في ليلة مظلمة،فلم يدروا كيف القبلة، فصلى كل رجل على حاله،و تبعا لاجتهاده،فلم يضيع اللّه لأحد منهم عمله،و أثابه الرضا على صلاته حتى و لو لم يتجه إلى الكعبة،لأنه لم يكن له إلى معرفة القبلة سبيل في ظلام الليل البهيم» (1).

و يعلن الإمام السيوطي أيضا:«فإنا لو تركنا مدلول اللفظ لاقتضى أن المصلين لا يجب عليهم استقبال القبلة،سفرا و لا حضرا،و هو خلاف الإجماع،فلما عرف سبب نزولها،علم أنها في نافلة السفر،أو فيمن صلّى بالاجتهاد،و بأن له الخطأ على مختلف الروايات».

5-غموض معنى الآية على عروة بن الزبير في قوله تعالى:

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة:158)

أخرج الشيخان عن عائشة: «أن عروة بن الزبير قال لها:أ رأيت قول اللّه:إن الصفا و المروة من شعائر اللّه فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما،و من تطوع خيرا فإن اللّه شاكرا عليم.فما5.

ص: 34


1- الواحدي،أسباب النزول،ص:25.

أرى على أحد جناح أن لا يطّوف بهما!! فقالت عائشة:بئس ما قلت يا ابن أختي،إنها لو كانت على ما أوّلتها،كانت:فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما،و لكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها، و كان من أهل لها يتحرج من أن يطوف بالصفا،و المروة في الجاهلية، فأنزل اللّه: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ الآية.قالت عائشة:ثم قد بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الطواف بهما،فليس لأحد أن يدع الطواف» (1).

إن معرفة عائشة(رضي اللّه عنها)بسبب نزول الآية رفع الإشكال الذي التبس على عروة بن الزبير،و فهم ان حكم الطواف هو الإباحة، و أفهمته عائشة أن حكم الطواف الوجوب،لأن اللّه لم يقل ألاّ يطّوّف بهما،و إنما قال أن يطّوف بهما،و كان رد عائشة مستندا إلى سبب نزول الآية،و هو أن الصحابة تأثموا من السعي بينهما،لأنه من عمل الجاهلية، حيث كان على الصفا إساف،و على المروة نائلة،و هما صنمان،و كان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما.

6-غموض معنى الآية على أحد المفسرين في قوله تعالى:

فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (الدخان:10)

أخرج البخاري: «جاء رجل إلى ابن مسعود،فقال:تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه،يفسر هذه الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ،يأتي الناس يوم القيامة،فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم كهيئة الزكام،فقال ابن مسعود:من علم علما فليقل به، و من لم يعلم فليقل:اللّه أعلم،فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علمن.

ص: 35


1- أخرجه الشيخان.

له به:اللّه أعلم،إنما كان هذا،لأن قريشا استعصوا على النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فدعا عليهم بسنين كسني يوسف،فأصابهم قحط،و جهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء،فيرى بينه،و بينها كهيئة الدخان من الجهد،فأنزل اللّه: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ .

فمعرفة ابن مسعود بسبب النزول أزال الغموض في معناها.

7-غموض معنى الآية على بعض الأئمة،في قوله تعالى:

وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ (الطلاق:4) و قد وقع الغموض في معنى الشرط إِنِ ارْتَبْتُمْ على بعض الأئمة حتى قال الظاهرية:إن الآيسة لا عدة لها،إذا لم ترتب،و قد بين ذلك سبب النزول،أي أزال الغموض في قوله تعالى: إِنِ ارْتَبْتُمْ .

أخرج الحاكم:أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء،فقالوا:قد بقي عدد من عدد النساء،لم يذكرن:الصغار و الكبار،فنزلت.

و يقول السيوطي:«فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن في العدة،و ارتاب هل عليهن عدة أولا؟!أو هل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أولا؟!فمعنى ان ارتبتم:ان اشكل عليكم حكمهن،و جهلتم كيف يعتدون،فهذا حكمهن» (1).

رابعا:معرفة فيمن نزلت الآية،و إزالة الإبهام عمن نزلت فيه، و ذلك دفعا للضرر،و التحامل في أن يفسر معنى الآية لغير أو بحق غير من نزلت فيه.

فقوله تعالى:0.

ص: 36


1- السيوطي،الإتقان،ص:30.

وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (الأحقاف:17) فقد عزا مروان بن الحكم نزول هذه الآية في حق عبد الرحمن بن أبي بكر زورا،و بهتانا.

حيث أن معاوية طلب من مروان بن الحكم-واليه على المدينة-أن يأخذ البيعة لابن معاوية يزيد،فأبى عبد الرحمن بن أبي بكر أن يبايع،فعزا مروان نزول هذه الآية في حقه،فتدخلت عائشة عند ما التجأ إلى بيتها عبد الرحمن بن أبي بكر،و أفهمت مروان سبب نزول الآية،و أنها ليست في عبد الرحمن بن أبي بكر.

عن يوسف بن ماهك قال:«كان مروان على الحجاز استعمله معاوية بن أبي سفيان،فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية،لكي يبايع له بعد أبيه،فقال عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا،فقال:خذوه.

فدخل بيت عائشة،فلم يقدروا عليه،فقال مروان:إن هذه أنزلت فيه وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ،فقالت عائشة:ما أنزل اللّه فينا شيئا من القرآن إلا أن اللّه أنزل عذري».

و في رواية:«إن مروان لما طلب البيعة ليزيد،قال:سنّة أبي بكر، و عمر،فقال عبد الرحمن:سنة هيرقل،و قيصر،فقال مروان:هذا الذي قال اللّه فيه: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما الآية،فبلغ ذلك عائشة،فقالت:كذب مروان،و اللّه،ما هو به،و لو شئت أن أسمي الذي نزلت فيه،لسمّيته» (1).

خامسا:معرفة ما إذا كانت العبرة لعموم اللفظ أم لخصوصم.

ص: 37


1- أخرجه عبد بن حميد،و النّسائي،و ابن المنذر،و الحاكم.

السبب،و يمكننا تأصيل ذلك ضمن حالتين اثنتين من النزول القرآني، و هما:

الحالة الأولى:خصوص اللفظ و خصوص السبب...أي أن ينزل القرآن بلفظ الخصوص،و في سبب خاص،فالعلماء يجمعون على أن العبرة بالنسبة له لخصوص السبب،و لا خلاف.

الحالة الثانية:عموم اللفظ و خصوص السبب:أي أن ينزل القرآن بلفظ العموم،و في سبب خاص،فأكثر العلماء على أن العبرة بالنسبة له هي لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.

و يشترط في هذه الحالة أن يفيد اللفظ العموم في ظاهره، و حقيقته،أما إذا كان اللفظ يفيد العموم في ظاهره،و لكنه يفيد الخصوص في حقيقته،فإن العبرة في هذه الحالة،تكون لخصوص السبب لا لعموم اللفظ،و هنا تأتي الفائدة من معرفة سبب النزول، حيث يستند إليه في تخصيص الحكم لا تعميمه،و في الحكم على أن العبرة لخصوص السبب.

مثال ذلك قوله تعالى:

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران:188) فاللفظ في هذه الآية يفيد العموم في ظاهره،و لكنه يفيد الخصوص في حقيقته،فالعبرة فيه لخصوص السبب لا لعموم اللفظ.

و بعبارة أخرى:فاللفظ في هذه الآية،و لو أنه يفيد العموم في ظاهره إلا أن معرفتنا بسبب النزول تجعل العبرة فيها لخصوص السبب لا لعموم اللفظ،أي أن معرفة سبب النزول قصر حكم هذه الآية على الخصوص لا على العموم،و من ثم فإن حكم هذه الآية لا يتعدى السبب

ص: 38

الذي نزلت فيه،و هم فئة من اليهود،سألهم الرسول صلّى اللّه عليه و سلم عن شيء فكتموه إياه،و استحمدوا بذلك إليه،و فرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه.

أخرج البخاري،و مسلم عن مروان بن الحكم قال لبوابه: «اذهب يا رافع،إلى ابن عباس،فقل:لئن كان كل أمرع منا فرح بما أوتي،و أحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون،فقال ابن عباس:ما لكم و لهذه الآية،إنما نزلت في أهل الكتاب،ثم تلا قوله تعالى:

وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (آل عمران:187) قال ابن عباس:«سألهم رسول اللّه عن شيء،فكتموه إياه،و أخذوا بغيره،فخرجوا،و قد أروه أن قد اخبروه بما سألهم عنه،و استحمدوا بذلك إليه،و فرحوا بما أوتوا من كتمان ما سألهم عنه».

و نظرا لأهمية موضوع عموم اللفظ،و خصوص السبب فقد افرد له العلماء بحوثا خاصة مفصلة به.و ترتبط أهمية الدراسة لعلم أسباب النزول في تفسيرها لمدلولات الأحكام القرآنية بتغاير اللفظ،و السبب في الآية القرآنية الواحدة.

ففي الآية القرآنية قد يرد اللفظ عاما،و في سبب عام،و هو ما يعرف بعموم اللفظ و عموم السبب.

و قد يرد اللفظ خاصا،و في سبب خاص،و هو ما يعرف بخصوص اللفظ و خصوص السبب،و قد يرد اللفظ عاما و في سبب خاص،و هو ما يعرف بعموم اللفظ و خصوص السبب.

و هذا سيكون مدار الباب الثاني.

ص: 39

ص: 40

الباب الثاني: عموم اللفظ و خصوص السبب

اشارة

الفصل الأول عموم اللفظ و عموم السبب الفصل الثاني خصوص اللفظ و خصوص السبب الفصل الثالث عموم اللفظ و خصوص السبب

ص: 41

ص: 42

الفصل الأول: عموم اللفظ و عموم السبب

و هذا يعني أن النزول القرآني جاء بلفظ العموم،و في سبب عام.

أي أن الآية القرآنية نزلت بلفظ عام،و كان سببها عاما.

فالعبرة تكون لعموم اللفظ،و عموم السبب معا،و يطبق حكم الآية القرآنية على جميع الأسباب التي نزلت فيها.

و بعبارة أخرى:إذا اتفق ما نزل من القرآن مع السبب في العموم حمل العام على عمومه،أي حمل الحكم،و طبق بعمومه.

أمثلة:

1-قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ .

(البقرة:222) فاللفظ في الآية جاء عاما،أي نزل بصيغة العموم في قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ ،و في قوله: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ ،و هو يخاطب جميع المسلمين.

و السبب الذي نزلت فيه الآية عام،و هو سؤال المسلمين للرسول صلّى اللّه عليه و سلم عن كيفية التعامل مع المرأة الزوجة الحائض.

فاللفظ عام،و السبب عام،فالعبرة تكون لعموم اللفظ،أي الحكم يكون عاما،يتناول المسلمين عامة،و إلى قيام الساعة،و هو اعتزال النساء،و عدم مجامعتهن أثناء الحيض.

ص: 43

2-قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (الأنفال:1) فاللفظ في الآية عام،و هو: يَسْئَلُونَكَ ،و السبب الذي نزلت الآية بشأنه عام،و هو سؤال المسلمين الرسول صلّى اللّه عليه و سلم عن كيفية توزيع الأنفال.

فالعبرة لعموم اللفظ و السبب،فيكون الحكم عاما.

3-قوله تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ (البقرة:220) فاللفظ في الآية نزل عاما،و هو يَسْئَلُونَكَ و السبب الذي نزلت من أجله الآية عام،و هو سؤال المسلمين للرسول صلّى اللّه عليه و سلم عن كيفية التعامل مع اليتامى،فالعبرة لعموم اللفظ و السبب،و الحكم عام.

4-قوله تعالى:

وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (النساء:127) فاللفظ في الآية نزل عاما وَ يَسْتَفْتُونَكَ .

و سبب الآية عام،و هو سؤال المسلمين الرسول صلّى اللّه عليه و سلم عن التعامل مع يتامى النساء المسلمات في النكاح،فالعبرة لعموم اللفظ و السبب، و الحكم عام.

5-قوله تعالى:

ص: 44

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى (البقرة:189) فاللفظ في الآية نزل بصيغة العموم،و هو يَسْئَلُونَكَ .

و السبب الذي نزلت من أجله الآية عام،و هو سؤال المسلمين الرسول صلّى اللّه عليه و سلم عن الأهلة،فالعبرة لعموم اللفظ،و السبب معا،و الحكم عام.

ص: 45

الفصل الثاني: خصوص اللفظ و خصوص السبب

و هذا يعني:أن النزول القرآني جاء بلفظ الخصوص،و في سبب خاص، أي أن الآية القرآنية نزلت بلفظ خاص،و كان سببها خاصا.

فالعبرة تكون لخصوص اللفظ،و خصوص السبب معا.

و يتناول حكم الآية فقط السبب الذي نزلت فيه،و لا يتعداه إلى غيره من الأسباب.

و بعبارة أخرى:إذا اتفق ما نزل من القرآن مع السبب في الخصوص حمل الخاص على خصوصه،أي حمل الحكم على الخصوص.

أمثلة:

1-قوله تعالى في أبي بكر الصديق:

وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، اَلَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى، وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى، إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى، وَ لَسَوْفَ يَرْضى (الليل:17-21) فاللفظ في الآية نزل بصيغة الخصوص،و هو الأتقى.

و سبب نزول الآية في أبي بكر،حيث تصدق بأمواله،و هو سبب خاص،فالعبرة لخصوص اللفظ و السبب معا-و حكم الآية خاص بأبي بكر،و لا يتعداه إلى غيره،و اللفظ الذي أفاد الخصوصية هو الأتقى- و أل فيه هي العهدية،حيث أن الأتقى معهود في الذهن بين الصحابة أنه أبو بكر الصديق،و أل العهدية تفيد الخصوص،و ليس العموم.

و هذا على العكس من أل الاستغراقية،فهي التي تفيد العموم مثل:

ال الموصول،و أل التي تأتي في معرفة جمع،مثل المؤمن،الصالح،

ص: 46

و مثل:المؤمنون،و الصالحون.

و مما أفاد الخصوصية في اللفظ أتقى أيضا:أن ال الموصولة لا توصل بأفعل التفضيل،و هو الأتقى،فالأتقى مفرد،و أل فيه ال العهدية.

و ما أفاد الخصوصية في اللفظ أتقى أيضا:أن صيغة أتقى أي أفعل تدل على التمييز،و هذا كان لقصر حكم الآية على من نزلت فيه،و هو أبو بكر الصديق.

قال الواحدي:«الأتقى أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين» (1).

عن عروة:«أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في اللّه:

بلال،و عامر بن فهيرة،و النهدية،و ابنتها،و أم عيسى،و أمة بني الموئل،و فيه نزلت: وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى إلى آخر السورة» (2).

و روى نحوه عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير،و زاد فيه:«فنزلت فيه هذه الآية: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى إلى قوله: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ، إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى، وَ لَسَوْفَ يَرْضى (3).

2-قوله تعالى في الثلاثة الذين خلّفوا عن غزوة تبوك:

وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (التوبة:118) فاللفظ في الآية نزل بصيغة الخصوص،و هو وَ عَلَى الثَّلاثَةِ .

و سبب نزول الآية خاص،و هو في ثلاثة من المؤمنين تخلفوا عن الرسول في غزوة تبوك،و هم:كعب بن مالك،و هلال بن أمية،ه.

ص: 47


1- الواحدي،أسباب النزول.
2- أخرجه ابن أبي حاتم.
3- أخرجه الحاكم و صححه.

و مرارة بن الربيع،حيث ندموا،و ثابوا إلى اللّه،فتاب عليهم.

فالعبرة لخصوص اللفظ،و السبب معا،و حكم الآية خاص لا يتعدى الثلاثة إلى غيرهم.

3-قوله تعالى أيضا في نساء النبي صلّى اللّه عليه و سلم:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (الأحزاب:28) فاللفظ في الآية نزل بصيغة الخصوص،و هو: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ .

و السبب في نزول الآية خاص،و هو نساء النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و تآمرهن، و طلبهن زيادة النفقة.

فالعبرة لخصوص اللفظ،و السبب معا،و حكم الآية لا يتعدى سببها، و هو نساء النبي صلّى اللّه عليه و سلم.

4-قوله تعالى في اليهودي نبتل بن الحارث:

وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (التوبة:61) فلفظ الآية،نزلت بصيغة الخصوص،و هو وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ،حيث أن اللفظ منهم يفيد البعض،و سبب نزول الآية خاص،و هو في نبتل بن الحارث،و نقله لكلام الرسول صلّى اللّه عليه و سلم للكفار، و المنافقين.

فالعبرة لخصوص اللفظ،و السبب معا،و حكم الآية في سببها لا يتعداه.

و الحارث بن نبتل كان من المنافقين،و

قال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

ص: 48

من أحب أن ينظر إلى الشيطان،فلينظر إلى نبتل بن الحارث ،و كان يتحدث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فيسمع منه،ثم ينقل حديثه إلى المنافقين،و هو القائل:محمد أذن،و من حدثه شيئا،صدقه!!،فنزلت فيه الآية.

عن محمد بن إسحاق بن يسار،و غيره قال: «نزلت في رجل من المنافقين يقال له:نبتل بن الحارث و كان رجلا أدلم أحمر العينين،أسفع الخدين،مشوه الخلقة،و هو الذي قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم فيه من أراد أن ينظر الشيطان،فلينظر إلى نبتل بن الحارث ،و كان ينم حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلم إلى المنافقين،فقيل له:لا تفعل،فقال:إنما محمد أذن،من حدثه شيئا، صدقه،نقول ما شئنا،ثم نأتيه فنحلف له،فيصدقنا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية» (1).

5-قوله تعالى في اليهودي كعب بن الأشرف:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (النساء:51) فاللفظ في الآية نزل بصيغة الخصوص،و هو اَلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ .

و سبب نزول الآية خاص،و هو اليهودي كعب بن الأشرف.

حيث قدم مكة بعد أن شاهد قتلى بدر-حرض الكفار على الأخذ بثأرهم،و غزو النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فسألوه من أهدى سبيلا؟المؤمنون أم هم ؟،فتملق عواطفهم،و قال:بل أنتم أهدى من المؤمنين سبيلا (2).

فالعبرة لخصوص اللفظ،و السبب معا،و حكم الآية خاص فيمن نزلت5.

ص: 49


1- أخرجه الواحدي:أسباب النزول،ص:168.
2- تفسير الطبري،ج 5،ص:85.

فيه،و هو كعب بن الأشرف،و لا يتعداه إلى غيره.

أخرج الواحدي عن عكرمة قال: «جاء حييّ بن أخطب،و كعب بن الأشرف إلى أهل مكة،فقالوا لهم:أنتم أهل الكتاب،و أهل العلم القديم،فأخبرونا عنا،و عن محمد،فقالوا:ما أنتم،و محمد؟!قالوا:نحن ننحر الكوماء،و نسقي اللبن على الماء،و نفك العاني،و نصل الأرحام،و نسقي الحجيج،و ديننا القديم،و دين محمد الحديث.قالا:

بل أنتم خير منه،و أهدى سبيلا،فأنزل اللّه تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ... إلى قوله: وَ مَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (1).

6-قوله تعالى في المشرك المجادل أبيّ بن خلف:

وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (يس:78،79) فاللفظ في الآية جاء خاصا،و هو وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ .

و السبب الذي نزلت فيه الآية خاص،و هو أبيّ بن خلف،الذي أحضر جمجمة ثور،و قال للرسول صلّى اللّه عليه و سلم:هل يستطيع ربك إحياءها من جديد؟!فأجابه الرسول صلّى اللّه عليه و سلم:نعم،و يميتك،و يحييك، و يدخلك النار،و قد قتله الرسول صلّى اللّه عليه و سلم برمية حربة في غزوة أحد.

أخرج الواحدي عن أبي مالك: «أن أبيّ بن خلف الجمحي جاء إلى الرسول صلّى اللّه عليه و سلم بعظم حائل ففتته بين يديه،و قال:يا محمد،يبعث اللّه هذا بعد ما أرم؟!!فقال:نعم،يبعث اللّه هذا،و يميتك ثم يحييك،ثم يدخلك نار جهنم،فنزلت هذه الآيات» (2).6.

ص: 50


1- الواحدي:أسباب النزول،ص:3.
2- الواحدي:أسباب النزول،ص:246.

7-قوله تعالى في عم الرسول صلّى اللّه عليه و سلم عبد العزى أبي لهب:

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ (سورة المسد) فاللفظ في الآية جاء بصيغة الخصوص و هو: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ .

و السبب الذي نزلت فيه السورة خاص،و هو أبو لهب،عند ما قال للرسول صلّى اللّه عليه و سلم:تبّا لك أ لهذا جمعتنا؟!! فالعبرة بخصوص اللفظ،و السبب معا،و الحكم يحمل على الخصوص، و في أبي لهب،و زوجته لا يتعداهما إلى غيرهما.

أخرج البخاري،و مسلم عن ابن عباس قال: «لما نزلت وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء)214.

خرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم حتى صعد الصفا،فهتف:يا صباحاه!فاجتمعوا إليه فقال:أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أ كنتم مصدّقي؟؟قالوا:ما جرّبنا عليك كذبا،قال:فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد،فقال أبو لهب:تبّا لك إنما جمعتنا لهذا!،ثم قال:فنزلت سورة المسد» (1).

هذا و لنا التنويه:أنه قد يرد اللفظ القرآني أحيانا بصيغة العموم الظاهري،و في هذه الحالة تكون العبرة لخصوص السبب لا لعموم اللفظ.

فإذا نزلت الآية القرآنية بلفظ العموم الظاهري،و ليس الحقيقي، و إذا عرفنا أن سبب النزول خاص،و ان السياق القرآني يتناول سببا خاصا:كفرد أو فئة،أو جماعة معينة،فاللفظ في هذه الحالة يحمل على الخصوص،و ليس على العموم.

أمثلة على لفظ العموم الظاهري:8.

ص: 51


1- أسباب النزول،ص:308.

1-قوله تعالى:

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران:188) فاللفظ في هذه الآية نزل بصيغة العموم الظاهري،و ليس العموم الفعلي،و بالوقوف على سبب النزول،و السياق القرآني،يتبين أن الآية نزلت في سبب خاص،و تتناول فئة معينة من اليهود سألهم الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،فكتموه إياه،و استحمدوا بذلك إليه،و فرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه.

فالعبرة بالنسبة لهذه الآية هي لخصوص السبب لا لعموم اللفظ، لأنه عموم ظاهري،فقد بين ابن عباس حكمها الخاص،و بأنها في جماعة من اليهود نزلت.

2-قوله تعالى:

وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (التوبة:65) فلفظ هذه الآية نزل بصيغة العموم الظاهري،و قد عرف من سبب النزول،و السياق القرآني أنها نزلت في فئة من الناس،و هم جماعة من المنافقين كانوا يستهزءون بالرسول،و القرآن،فالعبرة هنا لخصوص السبب لا لعموم اللفظ،و من هؤلاء المنافقين من ساهم في بناء مسجد ضرار الذي هدمه الرسول،لأنه أسس على النفاق،و منهم:مجمع بن جارية-و كان غلاما حذقا حفظ القرآن،و كان يصلي بجماعته-و وديعة بن ثابت-و كان يستهزئ بالرسول صلّى اللّه عليه و سلم-و

مربع بن قيظي،و قد أخذ حفنة من تراب،و أراد أن يرمي بها النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و هو ذاهب إلى أحد،

ص: 52

و همّ الصحابة بقتله، فقال لهم النبي: دعوه،فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر،و ضربه سعد بن زيد بالقوس،فشجه.

3-قوله تعالى:

هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا وَ لِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ، يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (المنافقون:7،8) فلفظ الآية نزل بصيغة العموم الظاهري،و قد عرف من سبب النزول،و من السياق القرآني أنها نزلت في سبب خاص،و هو رأس النفاق عبد اللّه بن أبيّ بن سلول،فالعبرة هنا لخصوصية السبب لا لعموم اللفظ،و حكم الآية يحمل على الخصوص.

عن زيد بن أرقم: «أنه سمع عبد اللّه بن أبي يقول:لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا من حوله،و يقول:لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» (1).

و عند ما قال ابن أبيّ«رأس المنافقين»في غزوة المريسيع،و تسمى غزوة«المصطلق»: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ .و نقل ذلك إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم أشار أسيد بن حضير على الرسول بالرفق به قائلا:و اللّه لقد جاء اللّه بك،و إن قومه لينظمون له الخرز، ليتوّجوه،و إنه ليرى أنك قد استلبته ملكه!!قال عمر:دعني أضرب عنق هذا المنافق...قال له النبي:دعه،لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه... و اكتفى النبي بإذلاله،و ذلك بإرغام ولده عبد اللّه له أن يقر بخطئه،و خلف عليه ألا يمكنه من العودة إلى المدينة حتىي.

ص: 53


1- أخرجه البخاري.

يقول:إنه الدليل،و رسول اللّه هو العزيز،ففعل،فكان ابن أبيّ بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه،و يعنفونه...» (1)4-قوله تعالى:

لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (آل عمران:181) فلفظ الآية نزل بصيغة العموم الظاهري،و قد عرف من سبب النزول،و من السياق القرآني،أنها نزلت في جماعة من اليهود،و على رأسهم:فنحاص،و أشيع،فالعبرة بخصوصية السبب،و حكم الآية على الخصوص.

أخرج الواحدي عن عكرمة،و السدّي،و مقاتل،و ابن عباس:

«دخل أبو بكر الصديق على يهود في بيت المدارس بالمدينة،فوجد كثيرا منهم اجتمعوا على رجل يقال له فنحاص،و كان من علمائهم، و معه حبر من أحبارهم هو أشيع.

و لما وجه دعوة الإسلام إلى فنحاص قال له:و اللّه،يا أبا بكر،ما بنا إليه من فقر،و إنه إلينا بفقير،و ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا،و إنا عنه أغنياء،و ما هو عنا بغني،و لو كان غنيا عنا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم،و ينهاكم عن الربا،و يعطيناه،و لو كان عنا غنيا ما أعطانا الربا.فغضب أبو بكر،و ضرب وجهه بشدة قائلا:لو لا العهد الذي بيننا،و بينكم لضربت عنقك،فشكاه إلى النبي منكرا ما قاله، فنزلت في فنحاص الآية».

5-قوله تعالى:4.

ص: 54


1- تاريخ الفتح الإسلامي.ص:193-194.

وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة:115) فلفظ الآية نزل بصيغة العموم الظاهري،و قد فهم من السياق القرآني،و سبب النزول أنها في فئة معينة من المسلمين صلت بالليل كل إلى جهة لجهالتهم القبلة،و أثابهم اللّه على صلاتهم،و رضي بها،و قبلها منهم،فالعبرة بخصوصية السبب،و حكم الآية خاص في السبب الذي نزلت فيه لا يتعداه إلى غيره.

أخرج الترمذي،و ضعّفه من حديث عامر بن ربيعة،قال: «كنا في سفر في ليلة مظلمة،فلم ندر أين القبلة،فصلّى كل رجل منا على حياله،فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت» (1).

6-قوله تعالى:

لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (المائدة:93) فلفظ الآية نزل بصيغة العموم الظاهري،و قد عرف من السياق القرآني،و سبب النزول أنها في جماعة المسلمين الذين ماتوا،و في بطونهم الخمر،قبل أن ينزل القرآن بتحريمها،فكانت الآية عذرا لهم،و حجة على الباقين من المسلمين.

فالعبرة هنا بخصوصية السبب،و حكم الآية يحمل على الخصوصية لا العمومية،و إلا لشرب المسلمون الأتقياء الخمر،و إلى قيام الساعة.3.

ص: 55


1- السيوطي،الإتقان،ص:33.

الفصل الثالث: عموم اللفظ و خصوص السبب

و هذا يعني أن النزول القرآني جاء بلفظ العموم،و في سبب خاص.

أي أن الآية القرآنية نزلت بلفظ عام،و كان سببها خاصا.

فالعبرة تكون لعموم اللفظ لا لخصوص السبب،و حكمها يتعدى السبب الذي نزلت فيه الآية إلى الأسباب الأخرى المناظرة.

فالاتفاق بين معظم العلماء على أن الآية القرآنية التي نزلت بلفظ العموم،و في سبب خاص يتعدى حكمها السبب الذي نزلت فيه إلى جميع الأسباب،و الحالات الأخرى المشابهة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:«قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم:

هذه الآية نزلت في كذا،لا سيما إن كان المذكور شخصا كقولهم:إن آية الظهار نزلت في امرأة أوس بن الصامت،و إن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد اللّه،و ان قولهم: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ (المائدة:49) نزلت في بني قريظة،و النضير،و نظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة،أو في قوم من اليهود،و النصارى،أو في قوم من المؤمنين،فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم.هذا لا يقوله مسلم،و لا عاقل على الإطلاق، و الناس،و إن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب،هل يختص بسببه ؟؟فلم يقل أحد أن عمومات الكتاب،و السنة تختص بالشخص المعين، و إنما غاية ما يقال:إنها تختص بنوع ذلك الشخص،فتعم ما يشبهه، و لا يكون العموم فيها بحسب اللفظ،و الآية التي لها سبب معين إن كانت أمرا،أو نهيا،فهي متناولة لذلك الشخص،و لغيره من كانت بمنزلته،و إن كانت خبرا بمدح،أو بذم فهي متناولة لذلك الشخص،

ص: 56

و لمن كان بمنزلته» (1).

و ينبه الإمام السيوطي كذلك:«إلى أن القول بعموم السبب إنما يستند إلى كون نزول الآية بصيغة العموم،أما إذا نزلت آية في أمر معين،و لا عموم للفظها،فإنها تقصر عليه،فتكون العبرة بخصوص السبب لا لعموم اللفظ،و لا يتعدى حكم الآية السبب الذي نزلت فيه أي الشخص،أو الفئة التي نزلت بسببه،أو فيه».

أمثلة على عموم اللفظ و خصوص السبب:

1-آيات حكم الظهار التي نزلت في واقعة ظهار أوس بن الصامت من زوجته خولة بنت ثعلبة،قال تعالى:

قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً وَ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (المجادلة:1-4)

عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «تبارك الذي وسع سمعه كلّ شيء إني أسمع كلام خولة بنت ثعلبة،و يخفى علي بعضه،و هي تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و هي تقول:يا رسول اللّه،أكل شبابي،و نثرت له بطني حتى إذا كبر سني،و انقطع ولدي،ظاهر منّي، اللهم إني أشكو إليك.قالت:فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء1.

ص: 57


1- السيوطي،الإتقان،ص:31.

الآيات: قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها . و هو أوس بن الصامت» (1).

فلفظ هذه الآيات نزل بصيغة العموم و هو: اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ ، و كذلك وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ ،و السبب الذي نزلت فيه الآيات خاص،و هو:ظهار أوس بن الصامت من زوجته خولة بنت ثعلبة، فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب،و حكم الآيات عام يتعدى السبب الذي نزلت فيه إلى غيره من الأسباب المشابهة،و إلى قيام الساعة.

2-آيات اللعان،التي نزلت في واقعة قذف هلال بن أمية زوجته من شريك بن سمحاء.

قال تعالى:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ، وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ، وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ، وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ (النور:6-9)

عن ابن عباس: «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلّى اللّه عليه و سلم بشريك بن سمحاء،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:البينة و إلا حد في ظهرك ؟؟فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول:البينة و إلا حد في ظهرك؟؟، فقال هلال:و الذي بعثك بالحق،إني لصادق،و لينزلن اللّه ما يبرئ ظهري من الحد،و نزل جبريل فأنزل عليه: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ حتى بلغ: إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ (2).0.

ص: 58


1- أخرجه ابن ماجة،و ابن أبي حاتم،و الحاكم.
2- صحيح البخاري،ج 6،ص:100.

فلفظ الآيات نزل بصيغة العموم،و هو:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ (النور:4) و السبب الذي نزلت فيه الآيات خاص،و هو:واقعة قذف هلال بن أمية زوجته بشريك بن سمحاء،فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب،و حكم الآيات عام يتعدى السبب الذي نزلت فيه إلى غيره من الأسباب المشابهة.

3-آية حد القذف التي نزلت في أصحاب قصة الإفك،رماة عائشة أم المؤمنين.قال تعالى:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (النور:4) فلفظ الآية نزل بصيغة العموم،و هو: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ .

و السبب الذي نزلت فيه الآية خاص،و هو قصة الإفك المعروفة، و أصحابها:عبد اللّه بن أبيّ(رأس النفاق)،و مسطح بن خالة أبي بكر، و حسّان بن ثابت،شاعر الرسول صلّى اللّه عليه و سلم الذي فقد بصره قبل وفاته، و رفاعة المنافق،و حمنة بنت جحش.

فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب،و حكم الآية عام،يتعدى السبب الذي نزلت فيه،و يتناول جميع الأسباب المشابهة،و الحالات التي بمنزلة حالة أصحاب قصة الإفك ممن يقذف النساء المسلمات.

4-آية النفاق التي نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي،قال تعالى:

ص: 59

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ، وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ (البقرة:204-206)

قال السّدّي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي،و هو حليف بني زهرة،اقبل إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و أعجب النبي صلّى اللّه عليه و سلم ذلك منه،و قال:إنما جئت أريد الإسلام،و اللّه يعلم اني لصادق،و ذلك قوله تعالى:

وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ .

ثم خرج من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فمر بزرع لقوم من المسلمين، و حمر،فأحرق الزرع،و عقر الحمر،فأنزل اللّه فيه: وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ (1).

فلفظ الآية نزل بصيغة العموم،و هو: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ .

و السبب الذي نزلت فيه خاص،و هو قصة الأخنس بن شريق الثقفي المنافق الذي تظاهر بالإسلام،و أبطن الكفر.

فالعبرة في هذه الآية لعموم اللفظ لا لخصوص السبب،و حكم الآيات يتعدى السبب الذي نزلت فيه إلى غيره من الأسباب المناظرة.

5-آية الايمان التي نزلت في صهيب الرومي،(رضي اللّه عنه).

قال تعالى:

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (البقرة:207)9.

ص: 60


1- الواحدي:أسباب النزول،ص:39.

قال سعيد بن المسيب: «أقبل صهيب مهاجرا نحو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فاتبعه نفر من قريش من المشركين،فنزل عن راحلته،و نثر ما في كنانته،و أخذ قوسه،ثم قال:يا معشر قريش،لقد علمتم إني من أرماكم رجلا،و أيّم اللّه،لا تصلون إليّ حتى أرمي بما في كنانتي،ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء،ثم افعلوا ما شئتم،قالوا:دلنا على بيتك،و مالك بمكة،و نخلي عنك؟و عاهدوه إن دلهم أن يدعوه ففعل.فلما قدم على النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال:أبا يحيى،ربح البيع،ربح البيع،و أنزل اللّه: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ ،و قال المفسرون:أخذ المشركون صهيبا،فعذبوه،فقال لهم صهيب:إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من شرط عليهم راحلة، و نفقة،فخرج إلى المدينة،فتلقاه أبو بكر،و عمر،و رجال،فقال له أبو بكر:ربح بيعك أبا يحيى،فقال صهيب:و بيعك فلا بخس ما ذاك؟! فقال:أنزل اللّه فيك كذا،و قرأ عليه هذه الآية». (1)

فلفظ الآية نزل عاما،و هو: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي .

و سبب الآية خاص،و هو واقعة صهيب الرومي مع كفار مكة الذين اعترضوه في هجرته،و دلهم على بيته،و ماله بمكة مقابل إخلاء سبيله،و مواصلة هجرته إلى المدينة،و قبل ذلك.

فالعبرة في الآية لعموم اللفظ لا لخصوص السبب،و يتعدى السبب الخاص الذي نزلت فيه الآية الى الأسباب المناظرة.

6-آية شراء لهو الحديث،التي نزلت في النضر بن الحارث.

قال تعالى:

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (لقمان:6)0.

ص: 61


1- الواحدي،أسباب النزول،ص:39-40.

قال الكلبي،و مقاتل: «نزلت في النضر بن الحارث،و ذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس،فيشتري أخبار الأعاجم،فيرويها،و يحدث بها قريشا،و يقول لهم:إن محمدا(صلّى اللّه عليه و سلم)يحدثكم بحديث عاد،و ثمود،و أنا أحدثكم بحديث رستم،و اسفنديار،و أخبار الأكاسرة،فيستملحون حديثة، و يتركون استماع القرآن،فنزلت فيه هذه الآية» (1).

و أخرج الواحدي أيضا عن أبي أمامة قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

لا يحل تعليم المغنيات،و لا بيعهن،و ائتمانهن حرام،و في مثل هذا نزلت هذه الآية: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إلى آخر الآية،و ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث اللّه تعالى عليه شيطانين،أحدهما على هذا المنكب،و الآخر على هذا المنكب،فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت» (1).

و أخرج الواحدي عن مجاهد قوله:«نزلت في شراء القيان، و المغنيات» (1).

و أخرج الواحدي أيضا عن ابن عباس قوله:«نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا،و نهارا» (2).

فلفظ الآية،نزل عاما و هو: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ .

و سبب الآية خاص،و هو النضر بن الحارث.

فالعبرة في الآية لعموم اللفظ لا خصوص السبب،و حكمها يتعدى السبب الخاص الذي نزلت فيه إلى الأسباب الأخرى المشابهة.

7-آية حد السرقة التي نزلت في طعمة بن أبيرق.3.

ص: 62


1- الواحدي:أسباب النزول،ص:232.
2- الواحدي،أسباب النزول،ص:233.

قال تعالى:

وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (المائدة:38)

أخرج الواحدي عن الكلبي قوله:«نزلت في طعمة بن أبيرق-سارق الدرع-من جار له» (1)و ذكر السيوطي:أن ابن عباس سئل عن حكم هذه الآية أ خاص أم عام؟؟فأجاب بأنه عام.

فلفظ الآية عام،و هو: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ أي كل سارق،و كل سارقة،و هذه الصيغة من صيغ العموم،و سبب نزول الآية خاص، و هو سرقة طعمة بن أبيرق لدرع من جار له،و تخبئته له عند يهودي.

فالعبرة في هذه الآية لعموم اللفظ لا خصوص السبب،و حكمها يتعدى السبب الخاص الذي نزلت فيه إلى الأسباب الأخرى المشابهة.

8-آية منع الاستغفار للمشركين،و لو كانوا أولي قربى،و التي نزلت في استغفار الرسول صلّى اللّه عليه و سلم لعمه أبي طالب.

قال تعالى:

ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة:113) فالآية نزلت بلفظ العموم،و في سبب خاص،و هو استغفار الرسول صلّى اللّه عليه و سلم لعمه أبي طالب عند ما حضرته الوفاة،و قد أبى أن يموت إلا0.

ص: 63


1- الواحدي:أسباب النزول،ص:130.

مشركا.

عن المسيب قال: «لما حضر أبا طالب الوفاة،دخل عليه الرسول صلّى اللّه عليه و سلم-و عنده أبو جهل،و عبد اللّه بن أبي أمية-فقال:أي عم،قل:

لا إله إلا اللّه أحاجّ لك بها عند اللّه،فقال أبو جهل،و عبد اللّه:يا أبا طالب،أ ترغب عن ملة عبد المطلب؟!،فلم يزالا يكلمانه حتى قال:

هو على ملة عبد المطلب،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:لأستغفرن لك ما لم أنه عنه،فنزلت الآية» (1)فالعبرة بالنسبة لهذه الآية لعموم اللفظ لا لخصوص السبب،و الحكم يحمل على العموم لا الخصوص،و هو يتعدى السبب الذي نزلت فيه الآية إلى جميع الأسباب المناظرة،و المشابهة.

9-آية عدم الصلاة على المنافقين الأموات،و التي نزلت في صلاة الرسول صلّى اللّه عليه و سلم على المنافق عبد اللّه بن أبيّ،قال تعالى:

وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ (التوبة:84) فالآية نزلت بلفظ العموم،و في سبب خاص،و هو صلاة الرسول صلّى اللّه عليه و سلم على المنافق عبد اللّه بن أبيّ بن سلول.

روى البخاري،و غيره: «أنه لما توفي عبد اللّه بن أبيّ-رأس المنافقين-دعي الرسول صلّى اللّه عليه و سلم للصلاة عليه فقام عليه،فلما وقف،قال عمر:أعلى عدو اللّه،عبد اللّه بن أبيّ القائل كذا،و كذا،و القائل كذا،و كذا؟!يعدد أيامه،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يبتسم، ثم قال له:إني قد خيّرت،قد قيل لي: اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ .

فلو أعلم ان زدت على السبعين غفر له،لزدت عليها،ثم صلّى عليهن.

ص: 64


1- أخرجه الشيخان.

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و مشى معه حتى قام على قبره،حتى فرغ منه.قال عمر:فعجبت لي،و لجرأتي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.و اللّه،و رسوله أعلم،فو اللّه ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ،فما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على منافق بعد حتى قبضه اللّه عز و جل» (1).

10-سورة الهمزة التي نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي أو الوليد بن المغيرة.

قال تعالى:

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ، يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ، كَلاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ، وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ، نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ، اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ، إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (سورة الهمزة) السورة نزلت بلفظ العموم،و في سبب خاص،و هو الأخنس بن شريق الثقفي.

فالعبرة فيها لعموم اللفظ لا لخصوص السبب،و الحكم يحمل على العموم لا على الخصوص.

و هو يتعدى السبب الذي نزلت فيه السورة إلى غيره من الأسباب المشابهة.

و كما يقول الزمخشري في كشافه:«و يجوز أن يكون السبب خاصا، و الوعيد عاما،ليتناول كل من باشر ذلك القبيح،و ليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه،فإن ذلك أزجر له،و أنكى فيه» (2).2.

ص: 65


1- أخرجه البخاري،و أحمد،و النسائي،و الترمذي،و ابن ماجة،و غيرهم.
2- الزمخشري:الكشاف،ج 4،ص:232.

ص: 66

الباب الثالث: روايات سبب النزول القرآني

اشارة

الفصل الأول:تعدد الروايات في سبب النزول:

الفصل الثاني:تعدد السبب مع وحدة النزول:

الفصل الثالث:تعدد النزول مع وحدة السبب:

الفصل الرابع:صيغة سبب النزول:

ص: 67

ص: 68

الفصل الأول: تعدد الروايات في سبب النزول

اشارة

قد تتعدد الروايات في سبب نزول آية واحدة،فكيف يكون موقف المفسرين في هذه الحالة؟...

أولا:-إذا كانت صيغ الروايات غير صريحة فلا منافاة بينها، و يؤخذ بها جميعها،حيث أن المراد هنا هو التفسير،و ليس سبب النزول.

مثل:نزلت هذه الآية في كذا،أو أحسبها نزلت في كذا.

فتحمل هذه الأقوال،و الصيغ على أنها مفسرة،و ليس المراد منها ذكر سبب النزول إلا إذا قامت قرينة تثبت أن إحدى هذه الصيغ إنما وردت في ذكر سبب النزول.

ثانيا:إذا كانت إحدى صيغ الروايات غير صريحة،و الأخرى صريحة يؤخذ بالصريحة.

مثال:ورود صيغ،و نصوص غير صريحة،و نصوص صريحة في ذكر سبب نزول قوله تعالى:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (البقرة:223) فالنص غير الصريح في تفسير سبب نزول الآية،ورد عن ابن عمر:

عن نافع قال:«قرأت ذات يوم نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ،فقال ابن عمر:أ تدري فيم أنزلت هذه الآية؟؟قلت:لا،قال:نزلت في إتيان النساء في أدبارهن» (1).

ص: 69


1- أخرجه البخاري.

فهذه الصيغة غير صريحة في السببية.

أما النص الصريح في تفسير سبب نزول الآية،

فقد ورد عن جابر.

«قال: كانت اليهود تقول:إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحول،فنزلت نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ » (1).

فهذه الصيغة صريحة في السببية،و بذلك يعتمد عليها في تفسير سبب نزول الآية،أما صيغة ابن عمر فهي غير صريحة في السببية،فلا يعتد بها،و يحمل قوله:على أنه تفسير،أو استنباط.

و يقول السيوطي:فالمعتمد حديث جبير،لأنه نقل،و قول ابن عمر استنباط.

ثالثا:إذا كانت صيغ الروايات كلها صريحة،و لكن إحداهما صحيح،و الآخر غير صحيح،فالمعتمد هو الرواية الصحيحة.

فأحيانا ترد صيغ،و نصوص اسنادها صحيح،و أخرى اسنادها غير صحيح،فنأخذ في هذه الحالة بالصيغة التي اسنادها صحيح،و من البداهة أن يؤخذ بالرواية الصحيحة في تفسير سبب النزول.

مثال:فالنص الصحيح في تفسير سبب نزول الآية:ما

أخرجه الشيخان،و غيرهما عن(جندب البجلي)قال: «اشتكى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فلم يقم ليلتين،أو ثلاثا،فأتته امرأة،فقالت:يا محمد،ما أرى شيطانك إلا قد تركك لم يقربك ليلتين،أو ثلاثا،فأنزل اللّه: وَ الضُّحى، وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى .

و النص غير الصحيح في تفسير سبب نزول الآية:ما

أخرجه الطبراني، و ابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها -و كانت خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-:«إنّ جزوا دخل بيت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فدخل تحت السريري.

ص: 70


1- أخرجه البخاري.

فمات،فمكث النبي صلّى اللّه عليه و سلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي،فقال:يا خولة،ما حدث في بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم؟!جبريل لا يأتيني!! فقلت في نفسي،لو هيأت البيت،و كنسته،فأهويت بالمكنسة تحت السرير،فأخرجت الجرو،فجاء النبي صلّى اللّه عليه و سلم ترعد لحيته،و كان إذا نزل عليه أخذته الرعدة،فأنزل اللّه: وَ الضُّحى إلى قوله:

فَتَرْضى .

قال ابن حجر في شرح البخاري:«قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة،لكن كونها سبب نزول الآية غريب،و في إسناده من لا يعرف،فالمعتمد ما في الصحيحين».

فالرواية الأولى هي الأصح فنأخذ بها.

رابعا:إذا كانت صيغ الروايات كلها صحيحة،و لكن إحداها أرجح من الأخرى نأخذ بالأرجح،اعتبارا أن راويها قد يكون شهد القصة،أو الحادثة سبب النزول،فتكون روايته أرجح من عداها.

مثال:فالنص الراجح في تفسير سبب نزول الآية:ما

أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: «كنت أمشي مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالمدينة، و هو يتوكأ على عسيب،فمر بنفر من اليهود،فقال بعضهم:لو سألتموه ؟فقالوا:حدّثنا عن الروح،فقام ساعة،و رفع رأسه،فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي،ثم قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً .

(الإسراء:85) و النص غير الراجح في تفسير سبب نزول الآية هو:

ما أخرجه الترمذي،و صححه عن ابن عباس،قال: «قالت قريش لليهود:أعطنا شيئا نسأل هذا الرجل،فقالوا:اسألوه عن الروح،

ص: 71

فسألوه فأنزل اللّه:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الآية.

فالرواية الأولى هي المعتمد عليها،لأنها الأصح،و الأرجح في تفسير سبب نزول الآية،و على اعتبار أنها نزلت بالمدينة،و لأن الراوي ابن مسعود حضر القصة،و لأن الرواية من البخاري،و هو مقدّم على الترمذي،أما الرواية الثانية فقد نزلت في مكة،فلا يعتد بها،و راويها الترمذي،و البخاري مقدّم عليه.

خامسا:إذا لم نستطع ترجيح رواية على أخرى ننظر إذا كانت الروايات متقاربة في الزمن،أو غير متقاربة.

أ-إذا كانت الروايات متقاربة في الزمن.

إذا كانت صيغ الروايات كلها راجحة،و لم نستطع ترجيح إحداها على الأخرى،و كانت متقاربة في الزمن،أخذنا بها كلها،أي نجمع بين الروايات كلها كأسباب متعددة لنزول آية واحدة.

و يكون الأمر هنا بالقول:بوقوع أكثر من سبب لنزول آية واحدة.

قال ابن حجر:«لا مانع من تعدد الأسباب،و مثاله:آيات اللعان (النور:6-9)فقد نزلت في هلال بن أمية،و في عويمر،فالرواية الراجحة الأولى في عويمر،و الثانية في هلال.

مثال ذلك:ما

أخرجه الشيخان-و اللفظ للبخاري عن سهل بن سعد أن عويمرا أتى عاصم بن عدي،و كان سيد بني عجلان-فقال:

كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا أ يقتله،فتقتلونه كيف يصنع؟؟!،سل لي رسول اللّه عن ذلك،فأتى عاصم النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:

يا رسول اللّه،فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المسائل،و عابها.

ص: 72

فقال عويمر:و اللّه لا أنتهي حتى أسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن ذلك، فجاء«عويمر»فقال يا رسول اللّه:رجلا وجد مع امرأته رجلا أ يقتله، فتقتلونه،أم كيف يصنع؟؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:قد أنزل اللّه القرآن فيك،و في صاحبتك،فأمرهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالملاعنة،بما سمّى اللّه في كتابه،فلاعنهما» (1).

و الرواية الراجحة الصحيحة عن هلال.

أخرج البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس: «أن هلال بن أمية (2)قذف امرأته عند النبي صلّى اللّه عليه و سلم بشريك بن سمحاء،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم(البيّنة أو حد في ظهرك)،فقال:يا رسول اللّه،إذا وجد أحد رجلا مع امرأته،ينطلق يلتمس البيّنة؟؟فنزل جبريل عليه السلام، و أنزل عليه: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ ،حتى بلغ إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ .

فالروايتان صحيحتان،و جمع بينهما كسبب،أو كأسباب نزل في شأنهما آية واحدة.

ب-إذا كانت الروايات غير متقاربة في الزمن.

إذا كانت صيغ الروايات كلها راجحة،و لم نستطع ترجيح إحداها على الأخرى،و كانت متباعدة في الزمن،ففي هذه الحالة لا نستطيع أن نجمع بين الروايات كأسباب متعددة لنزول آية واحدة.و هنا نحمل الأمر على تعدد نزول الآية،و تعدد الأسباب.

مثال ذلك:1-

ما أخرجه الشيخان عن المسيّب قال: «لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-و عنده أبو جهل،و عبد اللّه بن أبي أميّة-فقال:أي عم،قل:لا إله إلا اللّه أحاجّ لك بها عند

ص: 73


1- صحيح البخاري.
2- هلال بن أميّة الخزاعي أحد الثلاثة الذين خلّفوا عن غزوة تبوك،و نزل قرآن فيهم بالتوبة عليهم.

اللّه،فقال أبو جهل،و عبد اللّه:يا أبا طالب،أ ترغب عن ملة عبد المطلب!،فلم يزالا يكلمانه حتى قال:هو على ملّة عبد المطلب، فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:لأستغفرن لك ما لم أنه عنه،فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (التوبة:113).

و ما أخرجه الترمذي عن علي قال: «سمعت رجلا يستغفر لأبويه، و هما مشركان،فقلت:تستغفر لأبويك،و هما مشركان!فقال:استغفر إبراهيم لأبيه،و هو مشرك.فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت.

و ما أخرجه الحاكم،و غيره عن ابن مسعود،قال: «خرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم يوما إلى المقابر،فجلس إلى قبر منها،فناجاه طويلا ثم بكى،فقال:إن القبر الذي جلست عنده قبر أمّي،و إني استأذنت ربي في الدعاء لها،فلم يأذن لي،فأنزل عليّ: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ... الآية.

و هنا فقد جمعنا بين تعدد النزول للآيات مع تعدد أسبابها.

2-و من ذلك سورة الإخلاص،فقد ورد أنها تعددت في النزول مع تعدد أسبابها،و لم نستطع أن نجمع بين أسبابها لتباعد الفترة الزمنية بينها،فأخذنا بتعدد نزول الآيات فقد نزلت سورة الإخلاص مرة بمكة،و بسبب جواب للمشركين فيها.

و نزلت مرة أخرى بالمدينة،و بسبب جواب أهل الكتاب فيها.

3-و مثال ذلك أيضا:خواتيم سورة النحل:

وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ، وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (سورة النحل:126-128)

ص: 74

فقد روي عن أبي هريرة: أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم وقف على حمزة حين استشهد و قد مثّل به،فقال:لأمثلن بسبعين منهم مكانك،فنزل جبريل، و النبي صلّى اللّه عليه و سلم واقف،بخواتيم سورة النحل: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إلى آخر السورة.

فهذه الرواية تدل على أن هذه الآيات نزلت يوم أحد.

و في رواية أخرى أن هذه الآيات نزلت يوم الفتح في مكة.و في رواية ثالثة أنها نزلت بمكة قبل الهجرة مع السورة،ففي هذه الحالة أخذنا بتعدد نزول الآية،مع تعدد أسباب نزولها.

قال الزركشي:«و قد ينزل الشيء مرتين،تعظيما لشأنه،و تذكيرا عند حدوث سبب خوف نسيانه،كما قيل في الفاتحة...نزلت مرتين:

مرة بمكة،و مرة بالمدينة» (1).

خلاصة:في حالة تعدد أسباب النزول نحكم في أنه:

1-إذا كانت جميع أسباب النزول غير صريحة في السببية،فلا منافاة بينها،و يصبح الأمر هنا محمولا على التفسير،و الدخول في الآية.

2-إذا كانت أسباب النزول أخذها صريح،و الآخر غير صريح أخذنا بالصريح.

3-إذا كانت أسباب النزول كلها صريحة،و لكن أحدها صحيح، و الآخر غير صحيح أخذنا بالصحيح.

4-إذا كانت أسباب النزول كلها صحيحة،و لكن أحدها يرجّح على الآخر،أخذنا بالراجح دون المرجوح.

5-إذا كانت أسباب النزول كلها راجحة،و لم نستطع أن نرجح سببا على آخر نقول:ة.

ص: 75


1- أخرجه الحاكم،و البيهقي،و البزار،عن أبي هريرة.

أ-إذا كانت الأسباب متقاربة في الزمن أخذنا بها في نزول آية واحدة.

ب-إذا كانت الأسباب غير متقاربة في الزمن أخذنا بتعدد الأسباب،و تعدد نزول الآية الواحدة.

ص: 76

الفصل الثاني: تعدد السبب مع وحدة النزول

و يعني أن يكون هناك أسباب متعددة لنزول آية واحدة،و لا إشكال في ذلك،فالآية القرآنية الواحدة قد يكون لنزولها أكثر من سبب،و بالتالي يكون الأمر هنا بوقوع أكثر من سبب لنزول آية واحدة.قال الحافظ بن حجر:«لا مانع من تعدد الأسباب».

أمثلة:1-

ما أخرجه الشيخان،و غيرهما أن الأشعث قال: «كان بيني و بين رجل من اليهود أرض،فجحدني،فقدمته إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:أ لك بينة؟قلت:لا.فقال اليهودي:أحلف،فقلت:يا رسول اللّه،إذا يحلف،فيذهب مالي،فأنزل اللّه:

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (آل عمران:77)

و أخرج البخاري عن عبد اللّه بن أبي أوفى: «أن رجلا أقام سلعة له في السوق،فحلف باللّه،لقد أعطي بها ما لم يعطه،ليوقع فيها رجلا من المسلمين،فنزلت هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً (آل عمران:77) قال الحافظ بن حجر في شرح البخاري:«لا منافاة بين الحديثين، بل يحمل على أن النزول كان بالسببين معا».

و أخرج بن جرير عن عكرمة:«أن الآية نزلت في حييّ بن

ص: 77

أخطب،و كعب بن الأشرف،و غيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل اللّه في التوراة،و حلفوا أنه من عند اللّه».

قال الحافظ بن حجر:«و الآية محتملة،لكن العمدة في ذلك ما ثبت في الصحيح».

2-

ما أخرجه الشيخان-و اللفظ للبخاري-عن سهل بن سعد:

«أن عويمرا أتى عاصم بن عدي-و كان سيد بني عجلان-،فقال:كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا،أ يقتله،فتقتلونه،فكيف يصنع؟!سل لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن ذلك؟فأتى عاصم النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فقال:يا رسول اللّه،فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المسائل،و عابها،فقال عويمر:و اللّه لا أنتهي حتى أسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن ذلك،فقال عويمر:يا رسول اللّه،رجل وجد مع امرأته رجلا أ يقتله،فتقتلونه، أم كيف يصنع؟!،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:قد أنزل القرآن فيك،و في صاحبتك،فأمرهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالملاعنة بما سمّى اللّه في كتابه فلا عنهما».

و أخرج البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس: «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلّى اللّه عليه و سلم بشريك بن سمحاء،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:

البينة أو حد في ظهرك؟فقال:يا رسول اللّه،إذا وجد أحدنا رجلا مع امرأته،ينطلق يلتمس البينة؟!!،فنزل جبريل«عليه السلام» و أنزل عليه:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ، وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ، وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ، وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ (النور:6-9) فالآية هنا واحدة،أي نزول قرآني واحد لأكثر من سبب.

ص: 78

الفصل الثالث: تعدّد النزول مع وحدة السبب

و يعني أن يكون هناك سبب واحد لنزول آيات متعددة.و لا إشكال في ذلك،فالواقعة الواحدة،أو السبب الواحد قد يكون سببا في نزول أكثر من آية.

أمثلة:1-

ما أخرجه الترمذي،و الحاكم عن أمّ سلمة أنها قالت:

«يا رسول اللّه،لا أسمع اللّه ذكر النّساء في الهجرة بشيء،فأنزل اللّه:

فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ .(آل عمران:195)

و أخرج الحاكم عنها أيضا قالت: «قلت:يا رسول اللّه،تذكر الرجال،و لا تذكر النساء،فأنزلت: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ .

(الأحزاب:35)،و أنزلت: أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى (الآية.آل عمران:195).

و أخرج الحاكم عن أمّ سلمة،أنها قالت: تغزو الرجال،و لا تغزو النساء!و إنما لنا نصف الميراث.فأنزل اللّه: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ سْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً .(النساء:32) فهذه الآيات الثلاث نزلت بسبب واحد،و هو كلام،و سؤال أم سلمة للرسول صلّى اللّه عليه و سلم بشأن ذكر القرآن للرجال دون النساء.

ص: 79

2-

ما أخرجه البخاري من حديث زيد بن ثابت: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أملى عليه قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ .

(النساء:95) فجاء ابن أمّ مكتوم،و قال:يا رسول اللّه،لو أستطيع الجهاد لجاهدت-و كان أعمى-فأنزل اللّه: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (النساء:95)

و أخرج ابن أبي حاتم أيضا عن زيد بن ثابت قال: «كنت أكتب لرسول اللّه(صلّى اللّه عليه و سلم)،فإنّي لواضع القلم على أذني،إذ أمر بالقتال،فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،ينظر ما ينزل عليه،إذ جاء أعمى،فقال:كيف لي يا رسول اللّه،و أنا أعمى!!فأنزلت: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى (التوبة:91).

فهاتان الآيتان نزلتا بسبب واحد،هو قصة ابن أم مكتوم، و سؤاله لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعدم قدرته على القتال.

3-

ما أخرجه ابن جرير الطبري،و الطبراني،و ابن مردوية عن ابن عباس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم جالسا في ظل شجرة،فقال:إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان،فإذا جاء،فلا تكلموه،فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق العينين،فدعاه الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:علام تشتمني أنت،و أصحابك؟،فانطلق الرجل،فجاء بأصحابه،فحلفوا باللّه ما قالوا،حتى تجاوز عنهم،فأنزل اللّه:

يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (سورة التوبة:74)

ص: 80

يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (سورة التوبة:74)

و أخرج الحاكم هذا الحديث بهذا اللفظ ،و قال:فأنزل اللّه:

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ، اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (سورة المجادلة:18-19) 4-

ما أخرجه الواحدي عن المفسرين قالوا: «إن المشركين قالوا:

أ ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه،و يأمرهم بخلافه، و يقول اليوم قولا،و يرجع عنه غدا،ما هذا القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه،و هو كلام يناقض بعضه بعضا،فأنزل اللّه تعالى:

وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ (النحل:101) ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها (البقرة:106) فهاتان الآيتان نزلتا لسبب واحد،و هو قول المشركين،بأن محمدا يأمر بأمر،و يأمر بخلافه.

5-

ما أخرجه ابن جرير،و ابن أبي حاتم بسند حسن عن أمامه بن سهل بن حنيف،قال: «لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته،و كان لهم ذلك في الجاهلية،فأنزل اللّه تعالى:

لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً (النساء:19)

ص: 81

و أخرج ابن أبي حاتم،و الفريابي،و الطبراني،عن عدي بن ثابت، عن رجل من الأنصار،قال: «توفي أبو قيس بن الأسلت،و كان من صالحي الأنصار،فخطب ابنه قيس امرأته،فقالت:إنما أعدّك ولدا، فأنت من صالحي قومك،فأتت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبرته،فقال:ارجعي إلى بيتك،فنزلت هذه الآية:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ (النساء:22) فهاتان الآيتان نزلتا لسبب واحد،و هو خطبة قيس بن الأسلف من امرأة أبيه.

6-

ما أخرجه ابن جرير من طرق عن الحسن: أن رجلا من الأنصار لطم امرأته،فجاءت تلتمس القصاص،فجعل النبي صلّى اللّه عليه و سلم بينهما القصاص،فنزلت:

وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ (سورة طه:114) و نزلت:

اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (سورة النّساء:34) فهاتان الآيتان نزلتا لسبب واحد،و هو لطم أحد الأنصار لزوجته.

7-

ما أخرجه الواحدي عن عكرمة،عن ابن عباس: «أن رجلا أنى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و قال:إني إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلى النساء، و إني حرمت عليّ اللحم،فنزلت:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ (المائدة:87)

ص: 82

و نزلت:

وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً (المائدة:88) فهاتان الآيتان،نزلتا لسبب واحد،و هو تحريم أحد الصحابة أكل اللحم على نفسه.

ص: 83

الفصل الرابع: صيغة سبب النزول

و يقصد بها صيغة الروايات المتعلقة بالأسباب.و أحيانا لا تكون عبارة،أو صيغة الرواية حتى الصحيحة نصا في بيان سبب النزول في جميع الأحوال.

فهناك النص الواضح الصريح في بيان سبب النزول،و هناك النص المحتمل لسبب النزول،و على هذا فصيغة سبب النزول،إما أن تكون نصا صريحا في السبب،أي سبب النزول،و إما أن تكون نصا محتملا في السبب،أي سبب النزول.

أولا:تكون صيغة سبب النزول نصا صريحا،و واضحا في السببية في حالتين:- أ-إذا قال الراوي:«سبب نزول هذه الآية كذا»-أي ذكر كلمة السبب صراحة.

ب-إذا أتى بفاء تعقيبية داخله على مادة نزول الآية بعد ذكره للحادثة،أو الواقعة،أو السؤال الذي طرح على الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،كما إذا قال:«حدث كذا،فنزلت آية كذا»،أو«سئل الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت آية كذا»،فهاتان الصيغتان صريحتان في السبية تبينان، و يفهم منهما صراحة سبب نزول الآية.

ثانيا:و تكون صيغة سبب النزول نصا محتملا في السببية في حالتين:

أ-إذا قال الراوي:«نزلت هذه الآية في كذا»،فلم يذكر كلمة السبب.

ص: 84

ب-إذا قال الراوي:«أحسب هذه الآية نزلت في كذا»أو«ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا»،فصيغة الراوي في هذين القولين، هي صيغة محتملة للسببية،أي لا تدل صراحة أن ما يقصده هو السبب،و إنما تحتمل صيغته بيان السبب،و بيان أمر آخر غير السبب، و هو الأحكام التي تتضمنها الآية.

و عليه،فإن صيغة النص المحتمل للسببية،قد تفيد السببية،و قد تفيد الأحكام التي تضمنتها الآية.

قال الزركشي في البرهان:«قد عرف من عادة الصحابة،و التابعين أن أحدهم إذا قال:«نزلت هذه الآية في كذا»،فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم،لا أن هذا كان السبب في نزولها،فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآيات،لا من جنس النقل لما وقع».

و لذلك لو قال راو:«نزلت هذه الآية في كذا»،و قال آخر:

«نزلت في غير ذلك»،فإن كان اللفظ يحتمل كلا القولين حمل عليهما، و لا تناقض في ذلك،و إلا تعين ما يدل عليه اللفظ،و يساعد السياق على فهمه.

و أما إذا قال أحد الراوين:«نزلت الآية في كذا»بهذا النص الصريح،فالمعوّل عليه ما كان نصا،فهو أولى بالتقديم مما كان محتملا.

و لنا القول:إن صيغة رواية الصحابي تكون أحيانا نصا صريحا،و واضحا في السببية،كقوله:«سبب نزول هذه الآية كذا»، ففي هذه الحالة صرح بالسبب،و يكون هو المقصود من الرواية.

و تكون رواية الصحابي أحيانا نصا محتملا في السببية،كقوله:

«نزلت هذه الآية في كذا»،ففي هذه الحالة لم يصرح بالسبب،فيكون المقصود من قوله:إما ذكر السبب،و إما الحكم في الآية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:«قولهم نزلت هذه الآية في كذا يراد

ص: 85

به تارة سبب النزول،و يراد به تارة أن ذلك داخل في الآية،و إن لم يكن السبب» أي ان هذا لم يكن السبب في نزولها،و لقد اختلفت آراء العلماء بالنسبة لقول الصحابي:«نزلت هذه الآية فى كذا».

هل يجعل هذا القول من المرفوع المسند؟أي المسند إلى الرسول صلّى اللّه عليه و سلم فيعتبر بمثابة السبب الذي نزلت الآية من أجله،أو به؟أي نعتبر هذا القول هو سبب نزول الآية،أو أن لا يجعل هذا القول من المرفوع المسند؟؟فيعتبر هنا بمثابة تفسير حكم الآية.

ان جماعة من المحدثين،و منهم البخاري يجعلون قول الصحابي هذا من المرفوع المسند،فيفسر على أنه هو سبب نزول الآية،و يستشهدون.

بصيغة الصحابي ابن عمر:«نزلت في إتيان النساء في أدبارهن»،و ذلك في روايته عن سبب نزول الآية:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ (البقرة:223) و من جهة أخرى فإن جماعة من العلماء المحدثين لا يجعلون قول الصحابي ذلك«نزلت الآية في كذا».

من المرفوع المسند:أمثال الإمام أحمد في مسنده،و الإمام مسلم، بل،و معظم المسانيد،فلا يكون قول الصحابي في هذه الحالة سببا في نزول الآية.

و جعل هؤلاء المحدثين أن قول الصحابي هذا هو مما يقال بالاستدلال و التأويل،فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية،لا من جنس النقل لما وقع.

أمثلة عن الصيغة الصريحة فى السببية:

ص: 86

أ-مثال الصيغة:«فأنزل اللّه».

أخرج الحاكم عن أم سلمة أنها قالت: «تغزو الرجال و لا تغزو النساء،و إنما لنا نصف الميراث»،فأنزل اللّه:

وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ (النساء:32) ب-مثال الصيغة:«فنزلت هذه الآية».

أخرج الشيخان عن المسيب قال: «لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و عنده أبو جهل،و عبد اللّه بن أبي أمية،فقالا:أي عم،قل:لا إله إلا اللّه أحاجّ لك بها عند اللّه.

فقالا:يا أبا طالب،أ ترغب عن ملة عبد المطلب!فقال:هو على ملة عبد المطلب،فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ».

أمثلة على الصيغة المحتملة للسببية:

أ-مثال الصيغة:«نزلت هذه الآية في كذا».

مثالها:قول ابن عمر(رضي اللّه عنهما):«أنزلت: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ،الآية في إتيان النساء في أدبارهن.

ب-مثال الصيغة:«أحسب،أو ما أحسب أن هذه الآية إلا نزلت في كذا».

ص: 87

مثالها:قول(الزبير):«ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك:»،و ذلك في الآية:

فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء:65) و القصة هي ما

روي عن عبد اللّه بن الزبير: «إن الزبير خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في شراج من الحرة،و كانا يسقيان به كلاهما النخل،فقال الأنصاري:

سرح الماء يمز،فأبى عليه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:اسق يا زبير،ثم أرسل الماء إلى جارك،فغضب الأنصاري،و قال:يا رسول اللّه،إن كان ابن عمتك؟؟،فتلون وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،ثم قال:اسق يا زبير ثم أحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر،ثم أرسل الماء إلى جارك ،و استوعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الزبير حقه،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له،و للأنصاري،فلما أحفظ رسول اللّه الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم،فقال الزبير:ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك».

ص: 88

الباب الرابع: الآيات التي لها أسباب نزول

اشارة

ص: 89

الباب الرابع الآيات التي لها أسباب نزول

-سورة البقرة-

أخرج الواحدي عن عكرمة قال:«أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة».

و أخرج الواحدي،و الفريابي،و ابن جرير عن مجاهد قال:

«أربع آيات من أول هذه السورة نزلت في المؤمنين،و آيتان بعدها نزلتا في الكافرين،و ثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين».

الآيتان:6،7،قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أخرج الواحدي عن الضحاك قال:«نزلت في أبي جهل،و خمسة من أهل بيته».

و أخرج الواحدي عن الكلبي قال:«يعني اليهود».

و أخرج ابن جرير عن طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس في قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ،الآيتين أنهما نزلتا في يهود المدينة.

الآية:14،قوله تعالى:

وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ

أخرج الواحدي،و الثعلبي من طريق محمد بن مروان،و السدي

ص: 90

الصغير عن الكلبي،عن أبي صالح عن ابن عباس،قال: «نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن أبيّ،و أصحابه،و ذلك أنهم خرجوا ذات يوم، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال عبد اللّه بن أبيّ:

أنظروا كيف أردّ هؤلاء السفهاء عنكم؟،فذهب،فأخذ بيد أبي بكر فقال:مرحبا بالصديق سيد بني تيم،و شيخ الإسلام،و ثاني رسول اللّه في الغار الباذل نفسه،و ماله،ثم أخذ بيد عمر،فقال:مرحبا بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين اللّه،الباذل نفسه،و ماله لرسول اللّه،ثم أخذ بيد علي،فقال:مرحبا بابن عم رسول اللّه،و ختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول اللّه،ثم افترقوا،فقال عبد اللّه لأصحابه:كيف رأيتموني فعلت؟،فإذا رأيتموهم،فافعلوا كما فعلت،فأثنوا عليه خيرا، فرجع المسلمون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أخبروه بذلك،فأنزل اللّه هذه الآية».

الآية:19،قوله تعالى:

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ

أخرج ابن جرير من طريق السدي الكبير عن أبي مالك،و أبي صالح عن ابن عباس،و عن مرة عن ابن مسعود،و ناس من الصحابة، قالوا: «كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى المشركين،فأصابهما هذا المطر الذي ذكر اللّه،فيه رعد شديد، و صواعق،و برق،فجعلا كل ما أصابهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما،فتقتلهما،و إذا لمع البرق مشيا إلى ضوئه،و إذا لم يلمع لم يبصرا،فأتيا مكانهما يمشيان، فجعلا يقولان:ليتنا قد أصبحنا،فنأتي محمدا،فنضع أيدينا في يده، فأتياه فأسلما،و وضعا أيديهما في يده ،و حسن إسلامهما،فضرب اللّه شأن

ص: 91

هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة،و كان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلّى اللّه عليه و سلم جعلوا أصابعهم في آذانهم،فرقا من كلام النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن ينزل فيهم شيء،أو يذكروا بشيء،فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما،و إذا أضاء لهم مشوا فيه، و إذا أظلم عليهم قاموا،فإن كثرت أموالهم،و ولدهم،و أصابوا غنيمة،أو فتحا مشوا فيه،و قالوا:إن دين محمد حينئذ صدق،و استقاموا عليه كما كان ذلك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهما البرق،و إذا أظلم عليهما،قاما.

و كانوا إذا هلكت أموالهم،و ولدهم،و أصابهم البلاء قالوا:هذا من أجل دين محمد،و ارتدوا كفارا كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما».

الآيتان:26،27 قوله تعالى:

إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ، اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ

أخرج ابن جرير عن السدي بأسانيده،و أخرج الواحدي عن ابن عباس: «لما ضرب اللّه سبحانه هذين المثلين للمنافقين،قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً .و قوله: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ .

قال المنافقون:اللّه أجلّ،و أعلى من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل اللّه: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ،إلى قوله: هُمُ الْخاسِرُونَ .

ص: 92

و أخرج الواحدي: «قال الحسن،و قتادة:لما ذكر اللّه الذباب، و العنكبوت في كتابه،و ضرب للمشركين المثل ضحكت اليهود،و قالوا:

ما يشبه هذا كلام اللّه،فأنزل اللّه هذه الآية».

الآية:44،قوله تعالى:

أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ

أخرج الواحدي،و الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في يهود المدينة،كان الرجل يقول لصهره،و لذوي قرابته،و لمن بينهم،و بينه رضاع من المسلمين:أثبت على الدين الذي أنت عليه،و ما يأمرك به هذا الرجل،فإن أمره حق، و كانوا يأمرون الناس بذلك،و لا يفعلونه».

الآية:62،قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى وَ الصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ

أخرج الواحدين طريق عبد اللّه بن كثير عن مجاهد قال: «لما قص سلمان على النبي صلّى اللّه عليه و سلم قصة أصحاب الدير،قال:هم في النار.قال سلمان:فأظلمت عليّ الأرض،فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا ،إلى قوله: يَحْزَنُونَ ،قال:فكأنما كشف عني جبل».

و أخرج الواحدي عن السدي،قال: «نزلت في أصحاب سلمان الفارسي،لما قدم سلمان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه،و اجتهادهم،و قال:يا رسول اللّه،كانوا يصلون،و يصومون و يؤمنون بك،و يشهدون أنك تبعث نبيا،فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:يا سلمان،هم من أهل النار،فأنزل اللّه:

ص: 93

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا ،و تلا إلى قوله: وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ .

الآية:76،قوله تعالى:

وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ .

أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: «قام النبي صلّى اللّه عليه و سلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال:يا إخوان القردة،و يا إخوان الخنازير،و يا عبدة الطاغوت،فقالوا:من أخبر بهذا محمدا؟!،ما خرج هذا إلا منكم، أ تحدثونهم بما فتح اللّه عليكم،ليكون لهم حجة عليكم،فنزلت الآية».

و أخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: «كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا:آمنا،إن صاحبكم رسول اللّه،و لكنه إليكم خاصة،و إذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا:أ يتحدث العرب بهذا،فإنكم كنتم تستفتحون به عليهم،فكان منهم،فأنزل اللّه: وَ إِذا لَقُوا الآية».

الآية:79،قوله تعالى:

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ

أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: نزلت في أحبار اليهود،وجدوا صفة النبي مكتوبة في التوراة:أكحل، أعين،ربعة،جعد الشعر،حسن الوجه،فمحوه،حسدا،و بغيا،و قالوا:

نجده طويلا،أزرق،سبط الشعر».

و أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «إنهم غيّروا صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

ص: 94

في كتابهم،و جعلوا آدم سبطا طويلا،و كان ربعة أسمر صلّى اللّه عليه و سلم،و قالوا لأصحابهم،و أتباعهم:أنظروا إلى صفة النبي صلّى اللّه عليه و سلم الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا،و كانت الأحبار،و العلماء مأكلة من سائر اليهود،فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة،و من ثم غيروا».

الآيتان:80،81،قوله تعالى:

وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ، بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

أخرج الطبراني في الكبير،و ابن جرير،و ابن أبي حاتم،عن عكرمة،أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المدينة،و يهود تقول:إنما مدة الدنيا سبع آلاف سنة،و إنما يعذّب الناس بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة،فإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب،فأنزل اللّه في ذلك:

وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إلى قوله: فِيها خالِدُونَ »

و أخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: «إن اليهود قالوا:لن ندخل النار إلا تحلة القسم-الأيام التي عبدنا فيها العجل أربعين ليلة-فإذا انقضت انقطع عنا العذاب،فنزلت الآية».

الآية:89.قوله تعالى: وَ لَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكافِرِينَ .

أخرج الحاكم،و البيهقي،و الواحدي عن ابن عباس قال: «كانت يهود خيبر تقاتل غطفان،فكلما التقوا هزمت يهود،فعاذت يهود بهذا الدعاء:اللهم،إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم،فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء، فهزموا غطفان،فلما بعث النبي صلّى اللّه عليه و سلم كفروا به،فأنزلت.

ص: 95

و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: «إن يهود كانوا يستفتحون على الأوس،و الخزرج برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قبل مبعثه،فلما بعثه اللّه من العرب كفروا به،فقال لهم معاذ بن جبل،و بشر بن البراء،و داود بن سلمة:يا معشر يهود،اتقوا اللّه،و أسلموا،فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد،و نحن أهل شرك،و تخبرونا بأنه مبعوث،و تصفونه بصفته، فقال سلام بن مشكم-أحد بن النضير-:ما جاءنا بشيء نعرفه،و ما هو بالذي كنا نذكر لكم،فأنزلت الآية».

الآيتان:97-98.قوله تعالى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ، مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ .

أخرج أحمد،و الترمذي،و النسائي من طريق بكر بن شهان، عن سعيد بن جبير،عن ابن عباس قال: «أقبلت يهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:يا أبا القاسم،إنّا نسألك عن خمسة أشياء،فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي،فذكر فيه الحديث،و فيه:أنهم سألوه عما حرّم اسرائيل على نفسه،و عن علامة النبي،و عن الرعد،و صوته،و كيف تذكر المرأة و تؤنث،و عمن يأتيه بخبر السماء،إلى أن قالوا:فأخبرنا عن صاحبك،قال:جبريل.قالوا:جبريل ذاك ينزل بالحرب، و القتال،و العذاب عدونا،و لو قلت:ميكائيل الذي ينزل بالرحمة، و النبات،و القطر،لكان خيرا،فنزلت».

ص: 96

و أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده،و ابن جرير من طريق الشعبي،و أخرج الواحدي من طريق الشعبي،«قال:قال عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه): كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة، فأعجب من موافقة القرآن التوراة،فقالوا:ما أحد أحب إلينا منك، قلت:و لم؟!قالوا:لأنك تأتينا،و تغشانا،قلت:إنما أجيء لاعجب من تصديق كتاب اللّه بعضه بعضا،و موافقة التوراة القرآن،و موافقة القرآن التوراة،فبينما أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم خلف ظهري،فقالوا:إن هذا صاحبك،فقم إليه،فالتفت،فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قد دخل خوخة في المدينة،فأقبلت عليهم فقلت:انشدكم باللّه،و ما أنزل عليكم من كتاب،أ تعلمون أنه رسول اللّه؟فقال سيدهم:قد نشدكم اللّه،فأخبروه،فقالوا:أنت سيدنا،فأخبره،فقال سيدهم:إنا نعلم أنه رسول اللّه،قال:فقلت:فأنت أهلكهم إن كنتم تعلمون،أنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،ثم لم تتبعوه،قالوا:إن لنا عدوا من الملائكة،و سلما من الملائكة،فقلت:من عدوكم؟،و من سلمكم؟قالوا:عدونا جبريل، و هو ملك الفظاظة،و الغلظة،و الإصار،و التشديد،قلت:و من سلمكم؟قالوا:ميكائيل،و هو ملك الرأفة،و اللين،و التيسير،قلت:

فإني أشهدكم ما يحل لجبريل أن يعادي سلم ميكائيل،و ما يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل،و إنهما جميعا،و من معهما أعداء لمن عادوا،و سلم لمن سالموا،ثم قمت،فدخلت الخوخة التي دخلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فاستقبلني،فقال:يا ابن الخطاب،أ لا أقرئك آيات نزلت عليّ قبل؟ قلت:بلى،فقرأ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ الآية،حتى بلغ: وَ ما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ .

قلت:و الذي بعثك بالحق ما جئت إلا أخبرك بقول اليهود،فإذا

ص: 97

اللطيف الخبير قد سبقني بالخبر،قال عمر:فلقد رأيتني اشد في دين اللّه من حجر».

الآية:99،قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَ ما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ

أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد،أو عكرمة عن ابن عباس قال: «قال ابن صوريا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:يا محمد،ما جئتنا بشيء نعرفه،و ما أنزل اللّه عليك من آية بيّنة،فأنزل اللّه في ذلك: وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ الآية.

الآية:102،قوله تعالى: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء،فيجئ،أحدهم بكلمة حق،فإذا جرب مع أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة،فبشر بها قلوب الناس،فأطلع على ذلك سليمان،فأخذها،فدفنها تحت الكرسي،فلما مات سليمان قام شيطان الطريق،فقال:أ لا أدلكم على كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له مثله؟؟ قالوا:نعم.قال:تحت الكرسي،فأخرجوه،فقالوا:هذا سحر سليمان سحر به الأمم،فأنزل اللّه عذر سليمان: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ .

و أخرج الواحدي عن الكلبي،قال: «إن الشياطين كتبوا السحر،

ص: 98

و الناجيات على لسان آصف:هذا ما علم آصف بن برخيا الملك،ثم دفنوها تحت مصلاه حين نزع اللّه ملكه،و لم يشعر بذلك سليمان،و لما مات سليمان استخرجوه من تحت مصلاه،و قالوا للناس:إنما ملككم سليمان بهذا،فتعلموه،فلما علم علماء بني اسرائيل قالوا:معاذ اللّه أن يكون هذا علم سليمان،و أما السفلة،فقالوا:هذا علم سليمان،و أقبلوا على تعلمه،و رفضوا كتب أنبيائهم،ففشت الملامة لسليمان،فلم تزل هذه حالهم حتى بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و سلم،و أنزل اللّه عذر سليمان على لسانه، و نزّل براءته مما رمي به،فقال: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ .

الآية:104،قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا وَ اسْمَعُوا وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ

أخرج ابن المنذر عن السدي قال: «كان رجلان من اليهود:مالك بن صيف،و رفاعة بن زيد إذا لقيا النبي صلّى اللّه عليه و سلم،قالا له،و هما يكلمانه:

راعنا سمعك،و اسمع غير مسمع،فظن المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبياءهم،فقالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم ذلك،فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا وَ اسْمَعُوا .

و أخرج أبو نعيم في(الدلائل)من طريق السّدّي الصغير،عن الكلبي عن أبي صالح،عن ابن عباس قال: راعنا بلسان اليهود السب القبيح،فلما سمعوا أصحابه يقولونه،أعلنوا بها له،فكانوا يقولون ذلك،و يضحكون فيما بينهم،فنزلت فسمعها منهم سعد بن معاذ،فقال لليهود:يا أعداء اللّه،لئن سمعتها من رجل منكم بعد هذا المجلس،لأضربن عنقه».

الآية:106،قوله تعالى:

ص: 99

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

قال الواحدي:قال المفسرون: إن المشركين قالوا:أ ترون الى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه،و يأمرهم بخلافه،و يقول اليوم قولا، و يرجع عنه غدا،ما هذا القرآن إلاّ كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه،و هو كلام يناقض بعضه بعضا،فأنزل اللّه، وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ الآية و ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها الآية الآية 108:قوله تعالى:

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن أبى كعب،و رهط من قريش،قالوا:يا محمد،اجعل لنا الصفا ذهبا،و وسع لنا أرض مكة،و فجّر الأنهار خلالها تفجيرا،نؤمن بك، فأنزل اللّه هذه الآية».

و قال الواحدي:قال المفسرون: «إن اليهود،و المشركين تمنعوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فمن قائل يقول:يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة،و من قائل يقول-و هو عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي-:

ائتني بكتاب من السماء فيه من رب العالمين الى أمية،أعلم أني قد أرسلت محمدا الى الناس،فأنزل اللّه هذه الآية.

الآية 109:قوله تعالى:

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

ص: 100

أخرج الواحدي من طريق عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك عن أبيه: «إن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا،و كان يهجو النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و يحرّض عليه كفار قريش فى شعره،و كان المشركون،و اليهود من المدينة حين قدمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يؤذون النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و أصحابه أشد الأذى،فأمر اللّه تعالى نبيه بالصبر على ذلك،و العفو عنهم،و فيهم أنزلت وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إلى قوله فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا .

الآية 113:قوله تعالى:

وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد،أو عكرمة عن ابن عباس قال: «لمّا قدم أهل نجران من النصارى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،أتتهم أحبار يهود،فتنازعوا،فقال رافع بن خزيمة:ما أنتم على شيء،و كفر بعيسى، و الانجيل،فقال رجل من أهل نجران لليهود:ما أنتم على شىء،و جحد نبوة موسى،و كفر بالتوراة،فانزل اللّه فى ذلك وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ الآية.

الآية 114:قوله تعالى:

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ

أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد،أو عكرمة عن ابن عباس قال:

«أن قريشا منعوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام.

ص: 101

فأنزل اللّه تعالى: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ .

و أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: «نزلت في المشركين حين صدوا رسول اللّه عن مكة يوم الحديبية».

و أخرج الواحدي من رواية الكلبي عن ابن عباس قال: «نزلت فى طيطلوس الرومي،و أصحابه من النصارى،و ذلك أنهم غزوا بني إسرائيل،فقتلوا مقاتليهم،و سبوا ذراريهم،و حرقوا التوراة،و خرّبوا بيت المقدس،و قذفوا فيه الجيف».

الآية 115:قوله تعالى:

وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ

أخرج الواحدي من رواية عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد اللّه قال: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سرية كنت فيها،فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة،فقالت طائفة منا:قد عرفنا القبلة،هي هاهنا،قبل الشمال، فصلّوا،و خطّوا خطوطا.و قال بعضنا:القبلة هاهنا قبل الجنوب، و خطّوا خطوطا،فلما أصبحوا،و طلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة،فلما قفلنا من سفرنا،سألنا النبي صلّى اللّه عليه و سلم عن ذلك،فسكت، فأنزل اللّه تعالى: وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ .

و أخرج مسلم،و الترمذي،و النسائي عن ابن عمر قال: «كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به،و هو جاء من مكة الى المدينة،ثم قرأ ابن عمر وَ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ و قال:في هذا نزلت هذه الآية».

و أخرج الحاكم عن ابن عمر قال:«نزلت: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك فى التطوع،و قال:صحيح على شرط مسلم».

ص: 102

و اخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لمّا هاجر الى المدينة أمره اللّه أن يستقبل بين المقدس،ففرحت اليهود،فاستقبلها بضعة عشر شهرا،و كان يحب قبلة إبراهيم،و كان يدعو اللّه،و ينظر الى السماء،فأنزل اللّه تعالى:

فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فارتاب فى ذلك اليهود،و قالوا:ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟فأنزل اللّه: قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ و قال: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ .

الآية 119:قوله تعالى:

إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «إن الرسول صلّى اللّه عليه و سلم قال ذات يوم:ليت شعري ما فعل أبواي؟؟فنزلت هذه الآية».

و أخرج السيوطي:«قال عبد الرزاق:أنبأنا الثوري عن موسى بن عبيده عن محمد بن كعب القرظي قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: ليت شعري ما فعل أبواي؟؟فنزلت:إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرا و نذيرا و لا تسأل عن أصحاب الجحيم»فما ذكرهما حتى توفاه اللّه».

الآية 120:قوله تعالى:

وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ

أخرج الثعلبي عن ابن عباس قال: «إن يهود المدينة،و نصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلّى اللّه عليه و سلم الى قبلتهم،فلما صرف اللّه القبلة الى الكعبة شق ذلك عليهم،و أحبوا أن يوافقهم على دينهم، فأنزل اللّه: وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لاَ النَّصارى الآية.

ص: 103

الآية 125:قوله تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى

روى البخاري،و غيره عن عمر قال: وافقت ربّي في ثلاث.قلت:

يا رسول اللّه،لو أخذت من مقام إبراهيم مصلّى؟فنزلت«و اتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى» و قلت:يا رسول اللّه،إن نساءك يدخل عليهن البر،و الفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن،فنزلت آية الحجاب.

و اجتمع على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم نساؤه في الغيرة،فقلت لهنّ:عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ،فنزلت».

الآية 130:قوله تعالى:

وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ

قال ابن عيينة:«روي أن عبد اللّه بن سلام دعا ابني أخيه،سلمه، و مهاجرا الى الإسلام،فقال لهما:قد علمتما ان اللّه تعالى قال في التوراة:

إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد،فمن آمن به،فقد اهتدى، و رشد،و من لم يؤمن به،فهو ملعون،فأسلم سلمه،و أبى مهاجر،فنزلت فيه الآية» الآية 135:قوله تعالى:

وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .

أخرج ابن أبى حاتم من طريق سعيد،أو عكرمة عن ابن عباس قال: «قال ابن صوريا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:ما الهدى إلاّ ما نحن عليه،فاتبعنا يا محمد،تهتد.و قالت النصارى مثل ذلك،فأنزل اللّه فيهم:«و قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا»

و أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «نزلت في رءوس يهود

ص: 104

المدينة:كعب بن الأشرف،و مالك بن الصيف،و أبي ياسر بن أخطب،و في نصارى أهل نجران،و ذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين، كل فرقة تزعم أنها أحق بدين اللّه تعالى من غيرها،فقالت اليهود:

نبينا موسى أفضل الأنبياء،و كتابنا التوراة أفضل الكتب،و ديننا أفضل الأديان،و كفرت بعيسى،و الانجيل،و محمد،و القرآن.و قالت النصارى:نبينا عيسى أفضل الأنبياء،و كتابنا الانجيل أفضل الكتب، و ديننا أفضل الأديان،و كفرت بمحمد،و القرآن.و قال كل واحد من الفريقين للمؤمنين:كونوا على ديننا،فلا دين إلاّ ذلك،و دعوهم الى دينهم».

الآية 138:قوله تعالى:

صِبْغَةَ اللّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «ان النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد،فأتى عليه سبعة أيام صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي ،ليطهّروه بذلك،و يقولون هذا طهور مكان الختان،فإذا فعلوا ذلك صار نصرانيا حقا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآيات:142-150.قوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

روى البخارى عن عبد اللّه بن رجاء قال:«حدثنا اسرائيل بن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشرا شهرا،أو سبعة عشر شهرا،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة،فأنزل اللّه تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ إلى آخر الآية،فقال السفهاء من الناس،و هم اليهود:ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها،فقال اللّه تعالى: قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ

ص: 105

إلى آخر الآية.

و قال ابن إسحاق:حدثني اسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن البراء قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يصلى نحو بيت المقدس،و يكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر اللّه،فأنزل اللّه قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الآية.

فقال رجل من المسلمين:وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف الى القبلة،و كيف بصلاتنا قبل بيت المقدس؟فأنزل اللّه تعالى:

وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ الآية.

و قال السفهاء من الناس:ما ولاّهم من قبلتهم التي كانوا عليها،فأنزل اللّه: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ الآية.

الآية:146.قوله تعالى: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ

أخرج الواحدي: «أنها نزلت في مؤمني أهل الكتاب:عبد اللّه بن سلام،و أصحابه،كانوا يعرفون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بنعته،و صفته،و بعثه في كتابهم كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان.قال عبد اللّه بن سلام:لأنا أشد معرفة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مني بابني،فقال له عمر بن الخطاب:و كيف ذاك يا ابن سلام؟!قال:إني أشهد أن محمدا رسول اللّه حقا يقينا،و أنا لا أشهد بذلك على ابني،لأني لا أدرى ما أحدث النساء.فقال عمر:وفقك اللّه يا ابن سلام».

الآية:154.قوله تعالى: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ أخرج ابن منده في«الصّحابة»من طريق السدّي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال:«قتل تميم بن الحمام ببدر،و فيه،و في

ص: 106

غيره نزلت: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ الآية.

و روى الواحدي: «الآية نزلت في قتلى بدر،و كانوا بضعة عشر رجلا:ثمانية من الأنصار،و ستة من المهاجرين،و ذلك أنّ النّاس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل اللّه:مات فلان،و ذهب عنه نعيم الدّنيا،و لذّتها،فأنزل اللّه هذه الآية».

الآية:159.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم من طريق سعيد،أو عكرمة عن ابن عبّاس قال: «سأل معاذ بن جبل،و سعد بن معاذ،و خارجة بن زيد نفرا من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة،فكتموهم إيّاه،و أبوا أن يخبروهم،فأنزل اللّه فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى الآية.

الآية:164.قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

أخرج سعيد بن منصور في(سننه)،و الفريابي في(تفسيره)،و البيهقي في (شعب الإيمان)عن أبي الضحى قال: «لما نزلت: وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ »تعجب المشركون،و قالوا:الها واحدا؟!!لئن كان صادقا،فليأتنا بآية،فأنزل اللّه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلى قوله: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الآية:168.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أخرج الواحدي عن الكلبي:«نزلت في ثقيف،و خزاعة،و عامر بن صعصعة،حرّموا على أنفسهم من الحرث،و الأنعام،و حرموا البحيرة،و السائبة،و الوصيلة،و الحامي».

ص: 107

أخرج سعيد بن منصور في(سننه)،و الفريابي في(تفسيره)،و البيهقي في (شعب الإيمان)عن أبي الضحى قال: «لما نزلت: وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ »تعجب المشركون،و قالوا:الها واحدا؟!!لئن كان صادقا،فليأتنا بآية،فأنزل اللّه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلى قوله: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الآية:168.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أخرج الواحدي عن الكلبي:«نزلت في ثقيف،و خزاعة،و عامر بن صعصعة،حرّموا على أنفسهم من الحرث،و الأنعام،و حرموا البحيرة،و السائبة،و الوصيلة،و الحامي».

الآية:174.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

أخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:

«نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود،و علمائهم،كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا،و الفضل،و كانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم،فلما بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و سلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم،و زوال رياستهم فعمدوا إلى صفة محمد صلّى اللّه عليه و سلم فغيّروها ثم أخرجوها إليهم،و قالوا:هذا نعت النبي الذي يخرج آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي،فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ الآية:177.قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ

أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن قتادة قال:

ص: 108

سأل النبي صلّى اللّه عليه و سلم عن البرّ فأنزل اللّه هذه الآية: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا فدعا الرجل،فتلاها عليه،و كان قبل الفرائض إذا شهد ان لا إله الا اللّه، و أن محمدا عبده،و رسوله ثم مات على ذلك يرجى له،و يطمع له في خير،فأنزل اللّه: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ فكانت اليهود توجهت قبل المغرب،و النصارى قبل المشرق.

الآية:178.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «إن حيّين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل،و كان بينهم قتل،و جراحات حتى قتلوا العبيد،و النساء،فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدد،و الأموال،فحلفوا:أن لا يرضوا حتى يقتل العبد منّا الحر منهم،و بالمرأة منا الرجل منهم، فنزل فيهم: اَلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى الآية:184.قوله تعالى: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ أخرج ابن سعيد في(طبقاته)عن مجاهد قال:«هذه الآية نزلت في مولى قيس بن السائب: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فأفطر،و أطعم بكل يوم مسكينا.

الآية:186.قوله تعالى: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ

ص: 109

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم،و ابن مردوية،و أبو الشيخ،و غيرهم من طرق عن جرير بن عبد الحميد عن عبدة السجستاني عن الصلت بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:أ قريب ربنا فنناجيه،أم بعيد فنناديه؟؟فسكت عنه،فأنزل اللّه: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ الآية.

الآية:187:قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ

أخرج البخاري عن البراء بن عازب قال: «كان أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم إذا كان الرجل صائما،فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته، و لا يومه حتى يمسي،و إن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما،فلما حضر الإفطار أتى امرأته،فقال:هل عندك طعام؟فقالت:لا، و لكني أنطلق،فأطلب لك،و كان يومه يعمل،فغلبته عينه،و جاءته امرأته،فلما رأته قالت:خيبة لك،فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلّى اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ففرحوا بها فرحا شديدا،فنزلت: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ

و أخرج البخاري عن البراء بن عازب قال: «لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله،فكان رجال يختانون أنفسهم ،فأنزل اللّه: عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ الآية.

ص: 110

الآية:188،قوله تعالى: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

أخرج الواحدي عن مقاتل قال: «نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي،و في عبدان بن أشوع الحضرمي،و ذلك أنهما اختصما إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم في أرض،و كان امرئ القيس المطلوب،و عبدان الطالب، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،فحكم عبدان في أرضه،و لم يخاصمه».

الآية:189،قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ .

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت في معاذ بن جبل،و ثعلبة بن غنمة-و هما رجلان من الأنصار-قالا:يا رسول اللّه،ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم،و يستوي و يستدير،ثم لا يزال ينقص،و يدق حتى يكون كما كان،لا يكون على حال واحدة؟!،فنزلت هذه الآية».

الآية:189،قوله تعالى: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .

أخرج ابن أبي حاتم و الحاكم،و صححه عن جابر قال: «كانت قريش تدعى الحمس،و كانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام،و كانت الأنصار و سائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام،و بينما رسول اللّه في بستان إذ خرج من بابه،و خرج معه قطبة بن عامر الأنصاري، فقالوا:يا رسول اللّه،إنّ قطبة بن عامر رجل فاجر،و انه خرج معك من الباب،فقال له:ما حملك على ما فعلت؟قال:رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت،قال:إني رجل أحمسي.قال له:فإن ديني دينك،

ص: 111

فأنزل اللّه: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها الآية.

و أخرج الطيالسي في مسنده عن البراء بن عازب قال: «كانت الأنصار إذا قدموا من سفر لم يدخل الرجل من قبل بابه،فنزلت هذه الآية».

الآية:190-194،قوله تعالى: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ .

أخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في صلح الحديبية،و ذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لما صدّ عن البيت ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه المقبل،فلما كان العام القابل تجهز،و أصحابه لعمرة القضاء،و خافوا ألا تفي قريش بذلك،و أن يصدوهم عن المسجد الحرام،و يقاتلوهم،و كره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام،فأنزل اللّه ذلك».

و أخرج بن جرير عن قتادة قال: «أقبل نبي اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أصحابه معتمرين في ذي القعدة،و معهم الهدي حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون،و صالحهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم على أن يرجع من عامه ذلك ثم يرجع من العام المقبل،فلما كان العام المقبل أقبل،و أصحابه حتى دخلوا مكة، معتمرين في ذي القعدة،فأقام بها ثلاث ليال،و كان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه،فأقصّه اللّه منهم،فأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه،فأنزل اللّه: اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ .

الآية:195،قوله تعالى: وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .

أخرج البخاري عن حذيفة قال:«نزلت هذه الآية في النفقة».

و أخرج الواحدي عن عكرمة،قال:«نزلت في النفقات في سبيل

ص: 112

اللّه».

و أخرج أبو داود،و الترمذي،و صححه،و ابن حبان،و الحاكم، و غيرهم عن أبي أيوب الأنصاري قال: «نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار،لما أعز اللّه الإسلام،و كثر ناصروه،قال بعضنا لبعض سرا:إنّ أموالنا قد ضاعت،و إن اللّه قد أعز الإسلام،فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها،فأنزل اللّه يرد علينا ما قلنا: وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ،فكانت التهلكة،الإقامة على الأموال،و إصلاحها،و تركنا الغزو».

الآية:196،قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ .

أخرج ابن أبي حاتم عن صفوان بن أمية قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم متمضخا بالزعفران عليه جبة،فقال:كيف تأمرني يا رسول اللّه في عمرتي،فأنزل اللّه: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ .فقال:أين السائل عن العمرة؟قال: ها أنا ذا،فقال له:الق عنك ثيابك ثم اغتسل، و استنشق ما استطعت ثم ما كنت صانعا في حجك،فاصنعه في عمرتك».

الآية:196.قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ .

روى البخاري عن كعب ابن عجرة أنه سئل عن قوله تعالى:

فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ قال:حملت إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و القمل يتناثر على وجهي فقال:ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا!أما تجد شاه؟ قلت:لا،قال:صم ثلاثة أيام،و اطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام،و احلق رأسك ،فنزلت فيّ خاصة،و هي لكم عامة».

ص: 113

الآية:197،قوله تعالى: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ .

روى البخاري،و غيره عن ابن عباس قال: «كان أهل اليمن يحجّون، و لا يتزودون،و يقولون نحن متوكلون،فأنزل اللّه: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى

و أخرج الواحدي عن عطاء بن ابي رباح قال: «كان الرجل يخرج فيحمل كلّه على غيره،فأنزل اللّه تعالى: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى .

الآية:198،قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ .

روى البخاري عن ابن عباس قال: «كانت عكاظ،و مجنة،و ذو المجاز أسواقا في الجاهلية،فتأثموا أن يتجروا في الموسم،فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن ذلك،فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ .

الآية:199،قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

أخرج الواحدي من طريق يحيى بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «كانت العرب تفيض من عرفات،و قريش،و من دان بدينها تفيض من جمع من المشعر الحرام،فأنزل اللّه تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ .

و أخرج ابن المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: «كانت قريش يقفون بالمزدلفة،و يقف الناس بعرفة إلا شيبة بن ربيعة،فأنزل اللّه تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ ،و

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «كانت العرب تقف بعرفة،و كانت قريش تقف دون

ص: 114

ذلك بالمزدلفة،فأنزل اللّه تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ .

الآية:200،قوله تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم يقول الرجل منهم:كان أبي يطعم،و يحمل الحمالات،و يحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم،فأنزل اللّه: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً .

و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف،فيقولون اللّهمّ اجعله عام غيث،و عام خصب، و عام ولاء،و حسن،لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا،فأنزل اللّه فيهم: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ،و يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين،فيقولون:ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار».

الآية:208،قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ

أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: «قال عبد اللّه بن سلمان، و ثعلبة،و ابن يامين،و أسد،و أسيد بن كعب،و سعيد بن عمرو،و قيس بن زيد،و كلهم من اليهود:يا رسول اللّه:يوم السبت يوم نعظمه، فدعنا فلنسبت فيه،و ان التوراة كتاب اللّه،فدعنا،فلنقم بها الليل، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً الآية.

الآية:215،قوله تعالى:

ص: 115

يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ .

أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: «سأل المؤمنون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أين يضعون أموالهم؟فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ الآية.

و أخرج ابن المنذر عن أبي حيان أن عمرو بن الجموح سأل النبي صلّى اللّه عليه و سلم:

ما ذا ننفق من أموالنا،و أين نضعها؟؟فنزلت».

الآيتان:217،218،قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية.

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم،و الطبراني في(الكبير)،و البيهقي في(سننه)عن جندب بن عبد اللّه: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعث رهطا، و بعث عليهم عبد اللّه بن جحش،فلقوا ابن الحضرمي،فقتلوه،و لم يدروا أن ذلك اليوم من رجب،أو من جمادي،فقال المشركون للمسلمين:

قتلتم في الشهر الحرام،فأنزل اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ الآية،فقال بعضهم:إن لم يكونوا أصابوا وزرا،فليس لهم أجر،فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

و أخرج الواحدي عن الزهري قال: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عبد اللّه بن جحش،و معه نفر من المهاجرين،فقتل عبد اللّه بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب،و أسروا رجلين،و استاقوا العير،فوقف على ذلك النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و قال:لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام،فقالت قريش:استحل محمد الشهر الحرام،فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ الى قوله: وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ،أي كانوا يقتلونكم،و أنتم في حرم اللّه بعد إيمانكم،و هذا أكبر عند اللّه من أن

ص: 116

تقتلوهم،في الشهر الحرام مع كفرهم باللّه،

قال الزهري: لما نزل هذا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم العير،و فادا الأسيرين،و لما فرج اللّه عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم طمعوا فيما عند اللّه من ثوابه،فقالوا:

يا نبي اللّه،أ نطمع أن تكون غزوة،و لا نعطى فيها أجر المجاهدين في سبيل اللّه؟؟فأنزل اللّه تعالى فيهم: اَلَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا الآية.

الآية:219،قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما .

روى الواحدي: «نزلت في عمر بن الخطاب،و معاذ بن جبل، و نفر من الأنصار،أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:أفتنا في الخمر،و الميسر، فإنهما مذهبة للعقل،و مسلبة للمال،فأنزل اللّه تعالى الآية».

الآية:219،قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ

أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد،أو عكرمة عن ابن عباس:

«أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل اللّه أتوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا:إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا في أموالنا،فما ننفق منها ؟!فأنزل اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ الآية:220،قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ .

أخرج أبو داود،و النسائي،و الحاكم،و غيرهم عن ابن عباس قال: «لما نزلت: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى .انطلق من كان عنده يتيم،فعزل طعامه من طعامه،و شرابه من شرابه،فجعل يفصل له الشيء في طعامه فيحبس له حتى يأكله،أو يفسد،فاشتد ذلك عليهم،فذكروا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فأنزل اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى الآية.

ص: 117

الآية:222،قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ

روى مسلم،و الترمذي عن أنس: «أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها،و لم يجامعوها في البيوت،فسأل أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ الآية.فقال:اصنعوا كل شيء إلا النكاح.

و أخرج البارودي في«الصحابة»من طريق ابن إسحاق عن محمود عن عكرمة،أو سعيد عن ابن عباس: «أن ثابت بن الدحداح سأل النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فنزلت: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ الآية.

و أخرج ابن جرير عن السدّي نحوه.

الآية:223.قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ .

روى الشيخان،و أبو داود،و الترمذي عن جابر قال: «كانت اليهود تقول:إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول،فنزلت:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ .

و أخرج أحمد،و الترمذي عن ابن عباس قال: «جاء عمر الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:يا رسول اللّه،هلكت،قال:و ما أهلكك؟قال حوّلت رحلي الليلة،فلم يرد عليه شيئا،فأنزل اللّه هذه الآية:

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ أقبل،و أدبر،و اتق الدبر،و الحيضة.

و أخرج ابن جرير،و أبو يعلى،و ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: «أن رجلا أصاب امرأته

ص: 118

في دبرها،فأنكر الناس عليه ذلك فأنزلت: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ الآية.

و أخرج أبو داود،و الحاكم أبو عبد اللّه في صحيحه عن محمد بن عبد السلام عن إسحاق بن إبراهيم عن المحاربي عن محمد بن إسحاق عن أبان بن مسلم عن مجاهد قال: «عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته الى خاتمته،أوقفه عند كل آية منه،فأسأله عنها حتى انتهى الى هذه الآية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ،فقال ابن عباس:إن هذا الحي من قريش كانوا يتزوجون النساء،و يتلذذون بهن مقبلات،و مدبرات،فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة،فأنكرن ذلك،و قلن:هذا شيء لم نكن نؤتى عليه،فانتشر الحديث حتى انتهى الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالى فى ذلك: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ قال:إن شئت مقبلة،و إن شئت مدبرة،و إن شئت باركة، و إنما يعنى بذلك موضع الولد للحرث:يقول:«ائت الحارث حيث شئت».

الآية:224.قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت فى عبد اللّه بن رواحه ينهاه عن قطيعة ختنه بشر بن النعمان،و ذلك أن ابن رواحه حلف الاّ يدخل عليه أبدا،و لا يكلمه،و لا يصلح بينه،و بين امرأته،و يقول:

قد حلفت باللّه أن لا أفعل،و لا يحلّ إلاّ أن أبرّ في يميني،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية

ص: 119

الآية:226.قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أخرج الواحدي عن عطاء عن ابن عباس قال:«كان إيلاء أهل الجاهلية السّنة،و السّنتين،و أكثر من ذلك،فوقّت اللّه أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر،فليس بإيلاء».

و أخرج الواحدي عن سعيد بن المسيّب قال: «كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية،كان الرجل لا يريد المرأة،و لا يجب أن يتزوجها غيره، فيحلف ألاّ يقربها أبدا،و كان يتركها كذلك لا أيّما،و لا ذات بعل، فجعل اللّه تعالى الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر، و أنزل اللّه تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ الآية».

الآية:228.قوله تعالى: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ

أخرج أبو داود،و ابن أبي حاتم عن أسماء بنت زيد بن السكن الأنصاري قالت: «طلّقت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و لم يكن للمطلقة عدّة،فأنزل اللّه تعالى: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ

و ذكر الثعلبي،و هبة اللّه بن سلامة في(الناسخ)عن الكلبي، و مقاتل: «أن اسماعيل عن عبد اللّه الغفاري طلّق امرأته قتيلة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و لم يعلم بحملها،ثم علم فرجّعها،فولدت فماتت، و مات ولدها،فنزلت: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ الآية:229.قوله تعالى: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ

أخرج الترمذي،و الحاكم،و غيرهما عن عائشة قالت: «كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها،و هي امرأته،إذا ارتجعها،و هي في العدة،و إن طلّقها مائة مرة،و أكثر حتى قال رجل لامرأته:و اللّه،لا

ص: 120

أطلقك،فتبيني مني،و لا آويك أبدا.قالت:و كيف ذلك؟قال:

أطلقك فكلّما همّت عدتك أن تنقضي راجعتك،فذهبت المرأة،فأخبرت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فسكت حتى نزل القرآن: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ الآية:230:قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

أخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيّان قال: «نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك كانت عند رفاعة بن وهب بن عتيك-و هو ابن عمها-فطلقها طلاقا بائنا،فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي،فطلقها،فأتت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالت:إنه طلقني قبل أن يمسني أ فأرجع إلى الأول؟قال:لا حتى يمس،و نزل فيها:

فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فيجامعها فإن طلقها بعد ما جامعها،فلا جناح عليهما أن يتراجعا».

الآية:231.قوله تعالى: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ

أخرج ابن جرير عن السدي قال: «نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا انقضت عدتها إلاّ يومين،أو ثلاثة راجعها ثم طلقها،مضارة،فأنزل اللّه تعالى: وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا .

الآية:231.قوله تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً .

أخرج ابن أبي عمر في سنده،و ابن مردوية عن أبي الدرداء قال:

«كان الرجل يطلق،ثم يقول:لعبت،و يعتق ثم يقول:لعبت،فأنزل

ص: 121

اللّه تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً ».

الآية:232.قوله تعالى: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَ أَطْهَرُ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ .

روى البخاري عن أحمد بن حفص،و روى الواحدي عن الحسن أنه قال في قول اللّه عز و جل: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا »الآية.قال:حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال كنت زوجت أختا لي من رجل فطلقها،حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها،فقلت له:زوّجتك و أفرشتك،و اكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها!!لا و اللّه،لا تعدو إليها أبدا،قال:و كان رجلا لا بأس به،و كانت المرأة تريد أن ترجع إليه،فأنزل اللّه هذه الآية، فقلت:الآن أفعل يا رسول اللّه،فزوّجتها إياه».

الآية:238.قوله تعالى: وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ».

أخرج الأئمة الستة،و غيرهم عن زيد بن أرقم قال: «كنا نتكلم على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في الصلاة،يكلّم،الرجل منا صاحبه،و هو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ».

و أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: «كانوا يتكلمون في الصلاة، و كان الرجل يأمر أخاه بالحاجة،فأنزل اللّه: وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ».

الآية:240.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

أخرج إسحاق بن راهويه في تفسيره عن مقاتل بن حيّان: «أن رجلا

ص: 122

من أهل الطائف قدم المدينة،و له أولاد:رجال،و نساء،و معه أبواه،و امرأته،فمات بالمدينة،فرفع ذلك إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأعطى الوالدين،و أعطى أولاده بالمعروف،و لم يعط امرأته شيئا غير أنهم أمروا أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول،و فيه نزلت: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً الآية».

الآية:256.قوله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لاَ انْفِصامَ لَها وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

أخرج الواحدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد،فتحلف لئن عاش لها ولد، لتهودنّه،فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من الأنصار،فقالت الأنصار:يا رسول اللّه،أبناؤنا،فأنزل اللّه تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ».

قال سعيد بن جبير:«فمن شاء لحق بهم،و من شاء دخل في الاسلام».

و أخرج الواحدي عن مسروق قال: «كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان،فتنصرا قبل أن يبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام،فأتاهما أبوهما،فلزمهما، و قال:و اللّه،لا أدعكما حتى تسلما،فأبيا أن يسلما،فاختصموا إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:يا رسول اللّه،أ يدخل بعضي النار،و أنا أنظر؟!فأنزل اللّه عز و جل: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فخلّى سبيلهما».

الآية:267.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ

ص: 123

الآية:267.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ

روى الواحدي،و الترمذي،و ابن ماجة،و غيرهم عن البراء قال:

«نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار،كنا أصحاب نخل،و كان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته،و قلّته،و كان أناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الصيص،و الحشف،و بالقنو قد انكسر فيعلقه،فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ الآية».

و روى الحاكم عن جابر قال: «أمر النبي صلّى اللّه عليه و سلم بزكاة الفطر بصاع من تمر،فجاء رجل بتمر ردئ،فنزل القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ الآية».

الآية:274.قوله تعالى: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ

أخرج عبد الرزاق،و ابن جرير،و ابن أبي حاتم،و الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب، كانت معه أربعة دراهم،فأنفق بالليل درهما،و بالنهار درهما،و سرا درهما،و علانية درهما».

و أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب(رضي اللّه عنه)لم يكن يملك غير أربعة دراهم،فتصدق بدرهم ليلا،و بدرهم نهارا،و بدرهم سرا،و بدرهم علانية،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:ما حملك على هذا؟!قال:حملني أن أستوجب على اللّه الذي و عدني،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:ألا إن ذلك لك.فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

ص: 124

و أخرج الواحدي عن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «نزلت هذه الآية: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ في أصحاب الخيل». و هذا قول أبي أمامة،و الدرداء،و مكحول،و الأوزاعي،و رباح بن زيد.قالوا:هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل اللّه تعالى ينفقون عليها بالليل و النهار،سرا،و علانية،نزلت في من لم يربطها تخيّلا،و افتخارا».

الآيتان:278-279.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ

أخرج الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:

«بلغنا-و اللّه أعلم-أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عوف من ثقيف،و في بني مخزوم-و كانت بنو المغيرة يربون لثقيف،فلما أظهر اللّه تعالى رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كله،فأتى بنو عمرو بن عمير، و بنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد،و هو على مكة،فقال بنو المغيرة:ما جعلنا أشقى الناس بالربا،و وضع عن الناس غيرنا،فقال بنو عمرو بن عمير:صولحنا على أنّ لنا ربانا،فكتب عتاب في ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت هذه الآية،و التي بعدها. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من اللّه و رسوله.يقول اللّه تعالى: وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ فتأخذون أكثر: وَ لا تُظْلَمُونَ فتبخسون منه».

و قال السديّ: «نزلت في العباس،و خالد بن الوليد-و كانا شريكين في الجاهلية يسلّفان في الربا-فجاء الاسلام،و لهما أموال عظيمة في الربا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية:فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:«ألا إن

ص: 125

كل ربا من ربا الجاهلية موضوع،و أول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب».

الآيتان:285-286.قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ، لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ

أخرج أحمد،و مسلم،و الواحدي،و غيرهم عن أبي هريرة قال:

«لما نزلت: إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ اشتد ذلك على الصحابة،فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ثم جثوا على الركب، فقالوا:قد أنزل عليك هذه الآية،و لا نطيقها،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

أ تريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم:سمعنا،و عصينا!! بل قولوا:سمعنا،و أطعنا،غفرانك ربنا،و إليك المصير،فلما اقترأها القوم،و ذللت بها أنفسهم أنزل اللّه تعالى في أثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ الآية،فلما فعلوا ذلك نسخها اللّه،فأنزل: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها الآية».

ص: 126

-سورة آل عمران-

قوله تعالى: الم اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .

أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع: «أن النصارى أتوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم فخاصموه في عيسى،فأنزل اللّه: الم، اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إلى بضع و ثمانين آية منها».

و أخرج البيهقي في(الدلائل)عن ابن إسحاق قال:«حدثني محمد بن سهل بن أبي أمامة قال: لما قدم أهل نجران على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يسألونه عن عيسى بن مريم نزلت فيهم فاتحة آل عمران إلى رأس الثمانين منها».

و أخرج الواحدي عن المفسرين قالوا: «قدم وفد نجران-و كانوا ستين راكبا-على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم،و في الأربعة عشر ثلاثة نفر يؤول اليهم أمرهم:فالعاقب أمير القوم،و صاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه،و اسمه عبد المسيح،و السيد إمامهم،و صاحب رحلهم،و اسمه الأيهم،و أبو حارثة بن علقمة أسقفهم،و حبرهم،و إمامهم،و صاحب مدارسهم،و كان قد شرف فيهم،و درس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم،و كانت ملوك الروم قد شرّفوه،و موّلوه،و بنوا له الكنائس لعلمه،و اجتهاده،فقدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و دخلوا مسجده حين صلّى العصر،عليهم ثياب الحبر جبّات،و أردية-في جمال رجال الحارث بن كعب،يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:ما رأينا وفدا مثلهم،و قد

ص: 127

حانت صلاتهم،فقاموا فصلوا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:دعوهم؟فصلّوا إلى المشرق،فكلم السيد،و العاقب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أسلما.فقالا:قد أسلمنا قبلك.

قال:كذبتما،منعكما من الاسلام،دعاؤكما للّه ولدا،و عبادتكما الصليب، و أكلكما الخنزير.قالا:إن لم يكن عيسى ولد اللّه فمن أبوه؟!و خاصموه جميعا في عيسى،فقال لهما النبي صلّى اللّه عليه و سلم:أ لستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلاّ،و يشبه أباه؟قالوا:بلى.قال:أ لستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت،و أن عيسى أتى عليه الفناء؟قالوا:بلى.قال:أ لستم تعلمون أن ربنا قيّم على كل شيء يحفظه،و يرزقه؟قالوا:بلى.قال:فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟قالوا:لا.قال:فإن ربّنا صور عيسى في الرحم كيف يشاء،و ربنا لا يأكل،و لا يشرب،و لا يحدث؟قالوا:

بلى.قال:أ لستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة،ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها؟ثم غذي كما يغذي الصبي؟ثم كان يطعم، و يشرب،و يحدث؟؟قالوا:بلى.قال:فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟؟فسكتوا،فأنزل اللّه عز و جل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع و ثمانين آية منها».

الآية:12.قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ .

أخرج الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: «أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم اللّه المشركين يوم بدر:هذا و اللّه،النبي الأمي الذي بشّرنا به موسى،و نجده في كتابنا بنعته،و صفته،و أنه لا تردّ له راية،فأرادوا تصديقه،و اتباعه،ثم قال بعضهم لبعض:لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى.فلما كان يوم أحد،و نكب أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم شكّوا،و قالوا:لا و اللّه،ما هو به،و غلب عليهم الشقاء،فلم

ص: 128

يسلموا.و كان بينهم و بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عهد إلى مدة،فنقضوا ذلك العهد،و انطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة:أبي سفيان،و أصحابه فوافقوهم،و أجمعوا أمرهم،و قالوا:لتكوننّ كلمتنا واحدة،ثم رجعوا إلى المدينة،فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآية».

و أخرج الواحدي عن عكرمة،و سعيد بن جبير عن ابن عباس: «لما أصاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قريشا ببدر جمع اليهود،و قال:

يا معشر اليهود،احذروا من اللّه مثل ما نزل بقريش يوم بدر، و أسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم،فقد عرفتم أنّي نبيّ مرسل،تجدون ذلك في كتابكم،و عهد اللّه اليكم.فقالوا:يا محمد،لا يغرّنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب،فأصبت فيهم فرصة،أما و اللّه، لو قاتلناك،لعرفت أنّا نحن الناس،فأنزل اللّه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا «يعني الكفار» سَتُغْلَبُونَ «تهزمون» وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ في الآخرة».

الآية:18.قوله تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «لما ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام،فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه:ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان.فلما دخلا على النبي صلّى اللّه عليه و سلم عرفاه بالصفة،و النعت،فقالا له:

أنت محمد؟قال:نعم.قالا:و أنت أحمد؟قال:نعم.قالا:إنا نسألك عن شهادة،فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك،و صدّقناك.فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:سلاني؟فقالا:أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب اللّه؟؟فأنزل اللّه تعالى على نبيه: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ فأسلم الرجلان،و صدّقا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم».

ص: 129

الآية:23-24.قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ وَ غَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ .

أخرج ان أبى حاتم،و ابن المنذر عن عكرمة عن ابن عباس قال:

«دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بيت المدارس على جماعة من اليهود،فدعاهم إلى اللّه،فقال له نعيم بن عمرو،و الحارث بن زيد:على أيّ دين أنت يا محمد؟؟قال:على ملة إبراهيم،و دينه.قالا:فإن إبراهيم كان يهوديا.فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:فهلمّا إلى التوراة فهي بيننا، و بينكم،فأبيا عليه،فأنزل اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إلى قوله يَفْتَرُونَ ».

الآية:26.قوله تعالى: قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: «ذكر لنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سأل ربه أن يجعل ملك الروم،و فارس في أمّته،فأنزل اللّه تعالى:

قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الآية».

الآية:28-29.قوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ، قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أخرج ابن جرير من طريق سعيد،أو عكرمة عن ابن عباس قال:

«كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف،و ابن أبي الحقيق،

ص: 130

و قيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم،فقال رفاعة بن المنذر،و عبد اللّه بن جبير،و سعد بن حثمة لأولئك النفر:اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود،و احذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم،فأبوا، فأنزل اللّه تعالى فيهم: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ إلى قوله: وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

و أخرج الواحدي عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس: «نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري،و كان بدريا نقيبا،و كان له حلفاء من اليهود،فلما خرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم يوم الأحزاب قال عبادة:يا نبي اللّه، إن معي خمسمائة رجل من اليهود،و قد رأيت أن يخرجوا معي، فأستظهر بهم على العدو،فأنزل اللّه تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ الآية».

الآية:31.قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

أخرج الواحدي عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس قال: «وقف النبي صلّى اللّه عليه و سلم على قريش،و هم في المسجد الحرام،و قد نصبوا أصنامهم، و علقوا عليها بيض النعام،و جعلوا في آذانها الشنوف،و هم يسجدون لها،فقال:يا معشر قريش،لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم،و اسماعيل، و لقد كانا على الإسلام،فقالت قريش:يا محمد،إنما نعبد هذه حبّا للّه، ليقربونا إلى اللّه زلفى،فأنزل اللّه تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ و تعبدون الأصنام لتقربكم إليه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ،فأنا رسوله إليكم،و حجته عليكم،و أنا أولى بالتعظيم من أصنامكم».

و روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: «أن اليهود لمّا قالوا:

نحن أبناء اللّه،و أحباؤه،أنزل اللّه تعالى هذه الآية،فلما نزلت عرضها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على اليهود،فأبوا أن يقبلوها»

ص: 131

و روى محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير قال:

«نزلت في نصارى نجران،و ذلك أنهم قالوا:إنما نعظم المسيح،و نعبده، حبّا للّه،و تعظيما له،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ردا عليهم».

الآيتان:59-60.قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

أخرج الواحدي عن المفسرين قالوا: «إن وفد نجران قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:مالك تشتم صاحبنا؟!قال:و ما أقول؟!قالوا:تقول:

إنه عبد.قال:أجل،إنه عبد اللّه،و رسوله،و كلمته ألقاها إلى العذراء البتول،فغضبوا،و قالوا:هل رأيت إنسانا قط بغير أب،فإن كنت صادقا،فأرنا مثله،فأنزل اللّه عز و جل هذه الآية».

و أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: «أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم راهبان من نجران فقال أحدهما:من أبو عيسى؟؟و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لا يعجل حتى يؤامر ربّه،فنزل عليه: ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ إلى قوله فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الآية:61.قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ

أخرج الواحدي عن الشعبي عن جابر بن عبد اللّه قال: «قدم وفد أهل نجران على النبي صلّى اللّه عليه و سلم-العاقب،و السيّد-فدعاهما إلى السلام، فقالا:أسلمنا قبلك.قال:كذبتما،إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الاسلام،فقالا:هات أنبئنا!قال:حبّ الصليب،و شرب الخمر،و أكل لحم الخنزير،فدعاهما إلى الملاعنة،فوعداه على أن يغادياه بالغداة، فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأخذ بيد علي،و فاطمة،و بيد الحسن،و الحسين، ثم أرسل إليهما،فأبيا أن يجيبا،فأقرّا له بالخراج،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:و الذي

ص: 132

بعثني بالحق،لو فعلا لمطر الوادي نارا».قال جابر:فنزلت فيهم هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ قال الشعبي:«أبناءنا:الحسن و الحسين،و نساءنا:فاطمة،و أنفسنا :علي بن أبي طالب(رضي اللّه عنه).

الآية:65.قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ

روى ابن إسحاق بسنده المتكرر عن ابن عباس قال: «اجتمعت نصارى نجران،و أحبار يهود عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار:ما كان إبراهيم إلاّ يهوديا.و قالت النصارى:ما كان إبراهيم إلاّ نصرانيا،فأنزل اللّه تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ الآية».

الآية:68.قوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ

روي الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس،و روى أيضا عبد الرحمن ابن غنم عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و روى محمد بن إسحاق بن يسار قالوا: «لما هاجر جعفر بن أبي طالب،و أصحابه إلى الحبشة،و استقرت بهم الدّار،و هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى المدينة-و كان من أمر بدر ما كان -اجتمعت قريش في دار الندوة،و قالوا:إنّ لنا في أصحاب محمد الذين عند النجاشي ثأرا عمن قتل منكم ببدر،فأجمعوا مالا،و أهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم،و لينتدب لذلك رجلان من ذوى آرائكم،فبعثوا عمرو بن العاص،و عمارة بن أبي معيط مع الهدايا:الأدم،و غيره،فركبا البحر،و آتيا الحبشة،فلما دخلا على النجاشي سجدا له،و سلّما عليه،و قالا له:إن قومنا لك ناصحون

ص: 133

شاكرون،و لصلاحك محبّون،و إنهم بعثونا إليكم،لنحذرك هؤلاء القوم الذين قدموا عليك،لأنهم قوم رجل كذّاب خرج فينا يزعم أنه رسول اللّه،و لم يتابعه منّا إلاّ السفهاء،و كنّا قد ضيّقنا عليهم الأمر،و ألجأناهم إلى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد،و لا يخرج منهم أحد،قد قتلهم الجوع،و العطش،فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه، ليفسد عليك دينك،و ملكك،و رعيتك،فاحذرهم،و ادفعهم إلينا لنكفيكهم.قالوا:و آية ذلك أنهم اذا دخلوا عليك لا يسجدون لك،و لا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس،رغبة عن دينك،و سنتك.

قال:فدعاهم النجاشي،فلما حضروا صاح جعفر بالباب:يستأذن عليك حزب اللّه،فقال النجاشي:نعم فليدخلوا بأمان اللّه،و ذمته.

فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه،فقال:أ لا تسمع كيف يرطنون بحزب اللّه،و ما أجابهم النجاشي،فساءهما ذلك،ثم دخلوا عليه،و لم يسجدوا له،فقال عمرو بن العاص:أ لا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك!!فقال لهم النجاشي:ما يمنعكم أن تسجدوا لي،و تحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق؟!قالوا:نسجد للّه الذي خلقك،و ملّكك،و إنما كانت تلك التحية لنا،و نحن نعبد الأوثان، فبعث اللّه فينا نبيّا صادقا،و أمرنا بالتحية التي نعتها اللّه لنا،و هي السلام،تحية اهل الجنة،فعرف النجاشي أنّ ذلك حق،و أنه في التوراة، و الانجيل.قال:أيكم الهاتف:يستأذن عليك حزب اللّه؟؟قال جعفر :أنا.قال:فتكلم.قال:ملك من ملوك أهل الأرض،و من أهل الكتاب،و لا يصلح عندك كثرة الكلام،و لا الظلم،و أنا أحبّ أن أجيب عن أصحابي،فمر هذين الرجلين،فليتكلم أحدهما،و ليسكت الآخر،فتسمع محاورتنا،فقال عمرو لجعفر:تكلم.فقال جعفر للنجاشي:سل هذا الرجل أ عبيد نحن أم أحرار؟فإن كنا عبيدا أيقنا

ص: 134

من أربابنا،فارددنا إليهم.فقال النجاشي:أ عبيد هم أم أحرار؟فقال :بل أحرار كرام.فقال النجاشي:خرجتم من العبودية.فقال جعفر:

سلهما هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها؟قال النجاشي:

يا عمرو،إن كان قنطارا فعليّ قضاؤها.فقال عمرو:لا،و لا قيراط.

قال النجاشي:فما تطلبون منهم؟قال عمرو:كنا،و هم على دين واحد على دين آبائنا،فتركوا ذلك الدين،و اتبعوا غيره،و لزمنا نحن ،فبعثنا إليك قومهم،لتدفعهم إلينا.فقال النجاشي:ما هذا الدين الذي كنتم عليه،و الدين الذي اتبعتموه؟!أصدقني.قال جعفر:أمّا الذي كنا عليه،فتركناه،فهو دين الشيطان،و أمره،كنا نكفر باللّه عز و جل،و نعبد الحجارة،و أما الذي تحوّلنا إليه فدين اللّه الاسلام، جاءنا به اللّه،و رسوله،و كتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له.فقال النجاشي:يا جعفر،لقد تكلمت بأمر عظيم،فعلى رسلك،ثم أمر النجاشي فضرب بالناقوس،فاجتمع كل قسيس،و راهب،فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي:أنشدكم اللّه الذي أنزل الانجيل على عيسى،هل تجدون بين عيسى،و بين القيامة نبيا مرسلا؟فقالوا:اللهم نعم،قد بشرنا به عيسى،و قال:من آمن به،فقد آمن بي،و من كفر به،فقد كفر بي.فقال النجاشي لجعفر:ما ذا يقول لكم هذا الرجل،و يأمركم به ،و ينهاكم عنه؟قال:يقرأ علينا كتاب اللّه،و يأمر بالمعروف، و ينهى عن المنكر،و يأمر بحسن الجوار،و صلة الرحم،و بر اليتيم، و يأمرنا أن نعبد اللّه وحده لا شريك له.فقال:اقرأ علينا شيئا مما كان يقرأ عليكم؟فقرأ عليهم سورة العنكبوت،و الروم،ففاضت عينا النجاشي،و أصحابه من الدمع،و قالوا:يا جعفر،زدنا من هذا الحديث الطيب،فقرأ عليهم سورة الكهف،فأراد عمرو أن يغضب النجاشي،فقال:إنهم يشتمون عيسى،و أمه.فقال النجاشي:ما

ص: 135

يقولون في عيسى،و أمه؟!فقرأ عليهم جعفر سورة مريم،فلمّا أتى على ذكر مريم،و عيسى رفع النجاشي بقية من سواك قدر ما يقذي العين، و قال:و اللّه،ما زاد المسيح على ما تقولون هذا،ثم أقبل على جعفر، و أصحابه،فقال:اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي(يقول:آمنون من سبكم، و أذاكم عزم)،ثم قال:أبشروا،و لا تخافوا،و لا دهورة اليوم على حزب إبراهيم،قالوا:يا نجاشي،و من حزب إبراهيم؟قال:هؤلاء الرهط، و صاحبهم الذي جاءوا من عنده،و من تبعهم،فأنكر ذلك المشركون، و ادّعوا دين إبراهيم،ثم رد النجاشي على عمرو،و صاحبه المال الذي حملوه،و قال:إنما هديتكم إليّ رشوة،فاقبضوها،فإن اللّه ملّكني،و لم يأخذ مني رشوة.قال جعفر:و انصرفنا،فكنّا في خير دار،و أكرم جوار،و أنزل اللّه عز و جل ذلك اليوم في خصومتهم في إبراهيم على رسوله صلّى اللّه عليه و سلم،و هو بالمدينة».

ص: 136

الآية 72 قوله تعالى: وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ .

روى ابن إسحاق عن ابن عباس قال: «قال عبد اللّه بن الصيف، و عدي بن زيد،و الحارث بن عوف بعضهم لبعض:تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد،و أصحابه غدوة،و نكفر به عشية،حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع،فيرجعون عن دينهم،فأنزل اللّه فيهم: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ الى قوله واسِعٌ عَلِيمٌ .

و روى الواحدي عن الحسن و السدّي قالا: «تواطأ اثنا عشر حبرا من يهود خيبر،و قال بعضهم لبعض:أدخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد،و اكفروا به فى آخر النهار،و قولوا:إنا نظرنا فى كتبنا،و شاورنا علماءنا،فوجدنا محمّدا ليس بذلك،و ظهر لنا كذبه، و بطلان دينه،فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه فى دينهم،و قالوا:إنهم أهل كتاب،و هم أعلم به منّا،فيرجعون عن دينهم الى دينكم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،و أخبر نبيّه محمد صلّى اللّه عليه و سلم،و المؤمنين.

الآية:77.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ .

روى البخاري عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن عبد اللّه قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: من حلف على يمين،و هو فيها فاجر،ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي اللّه،و هو عليه غضبان،فقال الأشعث بن

ص: 137

قيس:فيّ و اللّه،كان بيني و بين رجل من اليهود أرض،فجحدني،فقدمته إلي النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:لك بيّنة؟؟قلت:لا،فقال لليهودي:أ تحلف ؟قلت:إذن يحلف،فيذهب بمالي،فأنزل اللّه(عز و جل): إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ الآية.

و أخرج البخاري عن عبد اللّه بن أبي أوفى: «أن رجلا أقام سلعة له في السوق،فحلف باللّه لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين،فنزلت هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً .

الآيتان 79-80.قوله تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .

أخرج ابن إسحاق،و البيهقي عن ابن عباس قال: «قال أبو رافع القرظي:حين اجتمعت الأحبار من اليهود،و النصارى من أهل نجران عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و دعاهم الى الاسلام قالوا أ تريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى!قال:معاذ اللّه،فأنزل اللّه في ذلك: ما كانَ لِبَشَرٍ الى قوله بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .

و أخرج عبد الرزاق في تفسيره عن الحسن قال: «بلغني أن رجلا قال:يا رسول اللّه،نسلّم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أ فلا نسجد لك؟؟قال:لا.و لكن أكرموا نبيّكم،و اعرفوا الحق لأهله،فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون اللّه،فأنزل اللّه تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ الى قوله بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .

الآيات 86-89.قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ، أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ، خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

ص: 138

الآيات 86-89.قوله تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ، أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ، خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

روى النسائي،و ابن حبّان،و الحاكم عن ابن عباس قال: «كان رجل من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ،ثم ندم،فأرسل الى قومه،ارسلوا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:هل لي من توبه،فنزلت الآية كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا الى قوله فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فأرسل اليه قومه،فأسلم.

و روى الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس قال: «إن رجلا من الأنصار ارتدّ فلحق بالمشركين،فأنزل اللّه تعالى: كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ الى قوله إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا فبعث بها قومه إليه،فلما قرأت عليه قال:و اللّه ما كذبني قومي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و لا كذب رسول اللّه على اللّه،و اللّه عزّ و جلّ أصدق الثلاثة، فرجع ثانيا،فقبل منه الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،و تركه.

الآية:93.قوله تعالى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ .

روى الواحدي عن أبي روق،و الكلبي قالا: «نزلت حين قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:إنه على ملة إبراهيم،فقالت اليهود:كيف،و أنت تأكل لحوم الإبل،و ألبانها!فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:كان ذلك حلالا لابراهيم،فنحن نحله،فقالت اليهود:كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه،فإنه كان على قوم إبراهيم حتى انتهى إلينا،فأنزل اللّه(عز و جل)تكذيبا لهم: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ الآية.

الآية:96.قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ .

ص: 139

الآية:96.قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ .

روى الواحدي عن مجاهد قال: «تفاخر المسلمون،و اليهود،فقالت اليهود:بيت المقدس أفضل،و أعظم من الكعبة،لأنه مهاجر الأنبياء، و في الأرض المقدسة.و قال المسلمون:بل الكعبة أفضل.فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

الآية:99-100.قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ .

روى الواحدي و ابن إسحاق،و أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: «مرّ شاس بن قيس اليهودي-و كان شيخا قد غبر في الجاهلية،عظيم الكفر،شديد الضغن على المسلمين،شديد الحسد-فمرّ على نفر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من الأوس،و الخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه،فغاظه ما رأى من جماعتهم،و ألفتهم،و صلاح ذات بينهم فى الاسلام بعد الذى كان بينهم في الجاهلية من العداوة،فقال:قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد،لا و اللّه،ما لنا معهم،إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه،فقال:اقعد إليهم،فاجلس معهم،ثم ذكّرهم بعاث،و ما كان فيه،و أنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار-و كان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس،و الخزرج،و كان الظفر فيه الأوس على الخزرج-فتكلم القوم عند ذلك،فتنازعوا،و تفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيّين:أوس بن قيظي-أحد بني حارثة من الأوس-و جابر بن صخر-أحد بني سلمه من الخزرج-فتقاولا،و قال أحدهما لصاحبه:إن شئت ردّدتها جزعا،و غضب الفريقان جميعا، و قالا:ارجعا،السلاح السلاح،موعدكم الظاهرة،و هي حرّه،فخرجوا

ص: 140

إليها،فانضمت الأوس،و الخزرج بعضهم الى بعض على دعواهم التى كانوا عليها في الجاهلية،فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم،فقال:يا معشر المسلمين،أ تدّعون الجاهلية، و أنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم اللّه بالإسلام،و قطع به عنكم أمر الجاهلية،و ألّف بينكم،فترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا،اللّه،اللّه!! فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان،و كيد من عدوهم،فألقوا السلاح من أيديهم،و بكوا،و عانق بعضهم بعضا،ثم انصرفوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سامعين مطيعين،فأنزل اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني الأوس،و الخزرج: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني شاسا،و أصحابه يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ .

قال جابر بن عبد اللّه:ما كان طالع أكره إلينا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأومأ إلينا بيده،فكففنا،و أصلح اللّه تعالى ما بيننا،فما كان شخص أحبّ إلينا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فما رأيت يوما أقبح،و لا أوحش،و لا أحسن من ذلك اليوم.

الآية 110.قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ .

أخرج الواحدي عن عكرمة،و مقاتل قالا: «نزلت فى ابن مسعود، و أبي بن كعب،و معاذ بن جبل،و سالم مولى أبي حذيفة،و ذلك أن مالك بن الصّيف،و وهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم:إن ديننا خير مما تدعوننا إليه،و نحن خير،و أفضل منكم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

الآية:113-115.قوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ، وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ .

ص: 141

الآية:113-115.قوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ أُولئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ، وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ .

أخرج ابن أبي حاتم،و الطبراني،و ابن منده فى«الصحابة»عن ابن عباس قال: «لمّا أسلم عبد اللّه بن سلام،و ثعلبة بن شعبه،و أسيد بن شعبه،و أسيد بن عبد،و من أسلم من يهود معهم،فآمنوا،و صدقوا، و رغبوا فى الاسلام قالت أحبار اليهود،و أهل الكفر منهم:ما آمن بمحمد،و أتباعه إلا شرارنا،و لو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم،و ذهبوا إلى غيره،فأنزل اللّه في ذلك: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ الآية.

و أخرج أحمد،و غيره عن ابن مسعود قال: «أخّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد،فإذا النّاس ينتظرون الصلاة، فقال:أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر اللّه هذه الساعة غيركم،قال:فأنزلت هذه الآيات: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ إلى قوله: وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ .

الآية:118.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ .

أخرج ابن جرير،و ابن اسحاق،عن ابن عباس،قال: «كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار، و الحلف في الجاهلية،فأنزل اللّه فيهم ينهاهم عن مباطنتهم،تخوف الفتنة عليهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ الآية.

ص: 142

الآيات:121-125،قوله تعالى: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَ اللّهُ وَلِيُّهُما وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ .

أخرج ابن أبي حاتم،و أبو يعلى عن المسوّر بن مخرمة قال:

«قلت لعبد الرحمن بن عوف:أخبرني عن قصتكم يوم أحد، فقال:اقرأ بعد العشرين،و مائة من آل عمران،تجد قصتنا: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ إلى قوله: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا قال:هم الذين طلبوا الأمان من المشركين، إلى قوله: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ .قال:هو تمنّي المؤمنين لقاء العدو.إلى قوله: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ .قال:هو صياح الشيطان يوم أحد:

قتل محمد إلى قوله: أَمَنَةً نُعاساً قال:ألقي عليهم النوم».

الآية:128.قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ .

روى أحمد،و مسلم عن أنس: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم كسرت رباعيته يوم أحد،و شبح في وجهه حتى سال الدم على وجهه،فقال:كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم،و هو يدعوهم الى ربهم،فأنزل اللّه تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ .

و روى أحمد و البخاري عن ابن عمر:«سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول:

ص: 143

اللهم العن فلانا،اللهم العن الحارث بن هشام،اللهم ألعن سهيل بن عمرو،اللهم ألعن صفوان بن أميّة،فنزلت هذه الآية: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الى آخرها فتيب عليهم كلهم.

الآية:135.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ .

أخرج الواحدي من رواية عطاء عن ابن عباس قال: «نزلت الآية فى نبهان التمّار،أتته امرأة حسناء باع منها تمرا،فضمها الى نفسه،و قبلها ثم ندم على ذلك،فأتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و ذكر له ذلك،فنزلت هذه الآية.

و أخرج الواحدي في رواية الكلبي: «إن رجلين:أنصاريا،و ثقفيا آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بينهما،فكانا لا يفترقان،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فى بعض مغازيه،و خرج معه الثقفي،و خلف الأنصاري في أهله، و حاجته،و كان يتعاهد أهل الثقفي،فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت،و هي ناشرة شعرها،فوقعت في نفسه،فدخل،و لم يستأذن حتى انتهى إليها،فذهب ليقبلها فوضعت كفيها على وجهها، فقبّل ظاهر كفها ثم ندم،و استحيا،فأدبر راجعا،فقالت:سبحان اللّه، خنت أمانتك،و عصيت ربك،و لم تصب حاجتك،قال:فندم على صنيعه،فخرج يسيح في الجبال،و يتوب الى اللّه تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي،فأخبرته أهله بفعله،فخرج يطلبه حتى دلّ عليه،فوافقه ساجدا،و هو يقول:رب ذنبي قد خنت أخي.فقال:يا فلان،قم فانطلق الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فسله عن ذنبك لعل اللّه أن يجعل لك فرجا،و توبة،فأقبل معه راجعا الى المدينة،و كان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل(عليه السلام)بتوبته،فتلا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً الى قوله وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ

ص: 144

فقال عمر:يا رسول اللّه،أ خاص هذا لهذا الرجل،أم للناس عامة؟؟ قال:بل للناس عامة.

الآية:139.قوله تعالى: وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «انهزم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يوم أحد،فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:اللهم لا يعلون علينا، اللهم لا قوة لنا إلاّ بك،اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،و ثاب نفر من المسلمين رماة، فصعدوا الجبل،و رموا خيل المشركين حتى هزموهم،فذلك قوله تعالى:

وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ .

الآية:140.قوله تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ .

أخرج الواحدي عن راشد بن سعد قال: لما انصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كئيبا حزينا يوم أحد،جعلت المرأة تجيء بزوجها،و ابنها مقتولين و هي تلدم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أ هكذا يفعل برسولك؟!فأنزل اللّه تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ الآية.

الآية:140.قوله تعالى: وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ .

أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: «لما أبطأ على النساء الخبر خرجن ليستخبرن،فإذا رجلان مقبلان على بعير،فقالت امرأة:ما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم؟قالا حيّ.قالت:فلا أبالي يتخذ اللّه من عباده الشهداء،و نزل القرآن على ما قالت: وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ .

الآية:143.قوله تعالى: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ .

ص: 145

أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس: «إن رجالا من الصحابة كانوا يقولون:«ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر،أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين،و نبلي فيه خيرا،أو نلتمس الشهادة،و الجنة،أو الحياة،و الرزق،فأشهدهم اللّه أحدا،فلم يلبثوا إلاّ من شاء اللّه منهم،فأنزل اللّه: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ الآية.

الآيات:144-148.قوله تعالى: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ الآيات.

أخرج الواحدي عن عطية العوفي قال: «لما كان يوم أحد انهزم النّاس،فقال بعض الناس:قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم،فإنما هم إخوانكم.و قال بعضهم:إن كان محمد أصيب إلام تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به،فأنزل اللّه تعالى في ذلك: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا لقتل نبيهم إلى قوله: فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا .

و أخرج ابن المنذر عن عمر قال: «نفرنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يوم أحد فصعدت الجبل،فسمعت يهود تقول:قتل محمد.فقلت:لا أسمع أحدا يقول:قتل محمد إلا ضربت عنقه،فنظرت فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و الناس يتراجعون،فنزلت: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ الآية.

و أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع،قال: «لمّا أصابهم يوم أحد ما أصابهم من القرح،و تداعوا نبي اللّه.قالوا:قد قتل،فقال أناس:لو كان نبيا ما قتل،و قال أناس:قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى يفتح اللّه عليكم،أو تلحقوا به،فأنزل اللّه: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ الآية.

ص: 146

و أخرج البيهقي في«الدلائل»عن أبي نجيح: «ان رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار،يتشحط في دمه،فقال:أشعرت أن محمدا قد قتل؟فقال:إذا كان محمد قتل فقد بلّغ،فقاتلوا عن دينكم، فنزلت».

و أخرج ابن راهويه في مسنده عن الزهري: «ان الشيطان صاح يوم أحد:إن محمدا قد قتل،قال كعب بن مالك:فأنا أول من عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،رأيت عينيه من تحت المغفر،فناديت بأعلى صوتي- هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ الآية.

الآية:151.قوله تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ .

أخرج الواحدي عن السّدّي قال: «لما ارتحل أبو سفيان،و المشركون يوم أحد متوجهين إلى مكّة،انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم انهم ندموا،و قالوا:بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم،ارجعوا فاستصلوهم،فلما عزموا على ذلك،القى اللّه تعالى في قلوبهم الرّعب حتى رجعوا عما همّوا به،و أنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:154.قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَ لِيَبْتَلِيَ اللّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ .

ص: 147

أخرج ابن راهويه عن الزبير قال: «لقد رأيتني يوم أحد حين اشتد علينا الخوف،و أرسل علينا النوم،فما منا أحد إلاّ ذقنه في صدره،فو اللّه،إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير:لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا،فحفظتها،فأنزل اللّه في ذلك ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً إلى قوله: وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ الآية:161.قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ .

أخرج أبو داود،و الترمذي و حسّنه عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في قطينة حمراء،افتقدت يوم بدر،فقال بعض الناس:لعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أخذها،فأنزل اللّه: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ إلى آخر الآية.

و أخرج الطبراني بسند في«الكبير»رجاله ثقات عن ابن عباس قال:

«بعث النبي صلّى اللّه عليه و سلم جيشا فردّت رايته،ثم بعث فردّت،بغلول رأس غزال من ذهب،فنزلت: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ .

الآية:165.قوله تعالى: أَ وَ لَمّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

أخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال: «عوقبوا يوم أحد بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء،فقتل منهم سبعون،و فرّ أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و كسرت رباعيته،و هشّمت البيضة على رأسه،و سال الدم على وجهه،فأنزل اللّه: أَ وَ لَمّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ الآية.

الآية:169-171.قوله تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ .

ص: 148

الآية:169-171.قوله تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ .

روى أحمد،و أبو داود،و الحاكم عن ابن عباس قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: لمّا أصيب إخوانكم بأحد جعل اللّه أرواحهم في طير خضر ترد أنهار الجنة،و تأكل من ثمارها،و تأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش،فلما وجدوا طيب مأكلهم،و مشربهم،و حسن مقبلهم قالوا:يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع اللّه لنا لئلا يزهدوا في الجهاد،و لا ينكلوا عن الحرب،فقال اللّه:أنا أبلغهم عنكم،فأنزل اللّه هذه الآية: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا الآية و ما بعدها.

و أخرج الواحدي عن جابر بن عبد اللّه قال: (نظر إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:أ لا أخبرك؟ما كلّم اللّه أحدا قط إلا من وراء حجاب،و أنه كلّم أباك كفاحا،فقال:يا عبدي،سلني أعطك،قال أسألك أن تردّني الى الدنيا،فأقتل فيك ثانية،فقال:إنه قد سبق مني أنهم اليها لا يرجعون.قال:يا رب،فأبلّغ من ورائي،فأنزل اللّه تعالى: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا الآية.

و أخرج الواحدي عن سعيد بن جبير قال: «لمّا أصيب حمزة بن عبد المطلب،و مصعب بن عمير يوم أحد،و رأوا ما رزقوا من الخير، قالوا:ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة،فأنزل اللّه تعالى:أنا أبلغهم عنكم،فأنزل اللّه تعالى:

وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ الى قوله:

لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ .

الآية:172-175.قوله تعالى: اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّهِ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

ص: 149

الآية:172-175.قوله تعالى: اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللّهِ وَ اللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

أخرج الواحدي من طريق أبي يونس القشيري عن عمر بن دينار:

«أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون، فاستجاب له سبعون رجلا،فطلبهم،فلقي أبو سفيان عيرا من خزاعة، فقال لهم:إن لقيتم محمد يطلبني،فأخبروه أني في جمع كثير،فلقيهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فسألهم عن أبى سفيان،فقالوا:لقيناه في جمع كثير،و نراك في قلة،و لا نأمنه عليك،فأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلاّ أن يطلبه،فسبقه أبو سفيان،فدخل مكة،فأنزل اللّه تعالى فيهم: اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ حتى بلغ: فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

و

أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: «إن اللّه قذف الرعب في قلب أبي سفيان يوم أحد بعد الذي كان منه،فرجع إلى مكة،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا،و قد رجع،و قذف اللّه في قلبه الرعب.و كانت وقعة أحد في شوال،و كان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة فينزلون ببدر الصغرى،و أنهم قدموا بعد وقعة أحد،و كان أصاب المؤمنين القرح،و اشتكوا ذلك، فندب النبي صلّى اللّه عليه و سلم الناس،لينطلقوا معه،فجاء الشيطان فخوّف أولياءه، فقال:إن الناس قد جمعوا لكم،فأبى عليه الناس أن يتبعوه،فقال:إني ذاهب،و إن لم يتبعني أحد،فانتدب معه أبو بكر،و عمر،و عثمان، و علي،و الزبير،و سعد،و طلحة،و عبد الرحمن بن عوف،و عبد اللّه بن مسعود،و حذيفة بن اليمان،و أبو عبيدة الجراح في سبعين رجلا، فساروا في طلب أبي سفيان،فطلبوه حتى بلغوا الصفراء،فأنزل اللّه

ص: 150

تعالى: اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ الآية.

و

أخرج الواحدي عن سعيد عن قتادة قال: «ذاك يوم أحد بعد القتل،و الجراحة،و بعد ما انصرف المشركون-أبو سفيان،و أصحابه-قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم لأصحابه:أ لا عصابة تشدد لأمر اللّه،فتطلب عدوها،فإنه أنكى للعدو،و أبعد للسمع،فانطلق عصابة على ما يعلم اللّه من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الأعراب،و الناس يأتون عليهم، و يقولون:هذا أبو سفيان مائل عليكم،فقالوا:حسنا اللّه،و نعم الوكيل،فأنزل اللّه تعالى فيهم: اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ .

الآية:179.قوله تعالى: ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ .

أخرج الواحدي عن السّدّي قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم،و أعلمت من يؤمن بي،و من يكفر،فبلغ ذلك المنافقين،فاستهزءوا،و قالوا:يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به،و من يكفر،و نحن معه،و لا يعرفنا،فأنزل اللّه هذه الآية.

و

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «قالت قريش:تزعم يا محمد،أنّ من خالفك فهو في النار،و اللّه عليه غضبان،و أنّ من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة،و اللّه عنه راض،فأخبرنا بمن يؤمن بك، و من لا يؤمن بك؟؟فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

و

أخرج الواحدي عن أبي العالية قال: «سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن،و المنافق فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

ص: 151

الآية:181.قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ .

أخرج ابن إسحاق،و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «دخل أبو بكر بيت المدارس فوجد يهود قد اجتمعوا الى رجل منهم يقال له فنحاص،فقال له:و اللّه،يا أبا بكر،ما بنا إلى اللّه من فقر،و إنه إلينا لفقير،و لو كان غنيا عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، فغضب أبو بكر،و ضرب وجهه،فذهب فنحاص الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فقال:يا محمد،انظر ما صنع صاحبك بي،فقال:يا أبا بكر ما حملك على ما صنعت؟!قال:يا رسول اللّه،قال قولا عظيما يزعم أن اللّه فقير،و أنهم عنه أغنياء،فجحد فنحاص،فأنزل اللّه لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا الآية.

و

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «أتت اليهود النبي صلّى اللّه عليه و سلم حين أنزل اللّه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فقالوا:

يا محمد،افتقر ربك يسأل عباده!!فأنزل اللّه: لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ الآية.

و أخرج الواحدي عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال:

«نزلت في اليهود،صك أبو بكر(رضي اللّه عنه)وجه رجل منهم،و هو الذي قال:إن اللّه فقير،و نحن أغنياء،قال شبل:بلغني أنه فنحاص اليهودي،و هو الذي قال:«يد اللّه مغلولة».

الآية:183.قوله تعالى: اَلَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ .

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت في كعب بن الأشرف و مالك بن الصّيف،و وهب بن يهوذا،و زيد بن تابوت،و في فنحاص

ص: 152

بن عازوراء،و حيي بن أخطب،أتوا الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:تزعم أن اللّه بعثك إلينا رسولا،و أنزل عليك كتابا،و أن اللّه قد عهد إلينا في التوراة،أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند اللّه حتى يأتينا بقربان تأكله النّار،فإن جئتنا به صدّقناك،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:186،قوله تعالى: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ .

أخرج الواحدي عن كعب بن مالك عن أبيه ،و كان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم:«أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا،و كان يهجو النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و يحرض عليه كفار قريش في شعره،و كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم قدم المدينة،و أهلها أخلاط،منهم المسلمون،و منهم المشركون، و منهم اليهود،فأراد النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يستصلحهم،فكان المشركون،و اليهود يؤذونه،و يؤذون أصحابه أشد الاذى،فأمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه و سلم بالصبر على ذلك،و فيهم أنزل اللّه: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ الآية.

الآية:190.قوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ

أخرج الطبراني،و ابن أبي حاتم عن ابن عباس،قال: «أتت قريش النصارى فقالوا:بم جاءكم عيسى؟؟قالوا:كان يبرئ الأكمة،و الأبرص، و يحيي الموتى،فأتوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:ادع لنا ربك يجعل لنا الصّفا ذهبا،فدعا ربه فنزلت هذه الآية: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الآية:199:قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ

ص: 153

أخرج الواحدي:قال جابر بن عبد اللّه،و أنس،و ابن عباس، و قتادة: «نزلت في النجاشي،و ذلك لما مات نعاه جبريل(عليه السلام) لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في اليوم الذي مات فيه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لأصحابه:أخرجوا،فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم،فقالوا:و من هو؟!فقال:النجاشي،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى البقيع-و كشف له من المدينة إلى أرض الحبشة-فأبصر سرير النجاشي،و صلّى عليه، و كبر أربع تكبيرات،و استغفر له،و قال لأصحابه:استغفروا له، فقال المنافقون:أنظروا إلى هذا يصلّى على علج حبشي نصراني،لم يره قط،و ليس على دينه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و

روى النّسائي عن أنس قال: «لما جاء نعي النجاشي،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:صلّوا عليه قالوا:يا رسول اللّه،نصلي على عبد حبشي ؟!،فأنزل اللّه: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ .

الآية:200.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .

روى الحاكم أبو عبد اللّه في صحيحه عن ابن محمد المزني،عن أحمد بن نجدة،عن سعيد بن منصور،عن ابن المبارك،قال:أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير قال:حدّثني داود بن صالح قال: «قال أبو سلمة بن عبد الرحمن:يا ابن أخي،هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا ؟قال:قلت:لا.قال:إنه يا ابن أخي،لم يكن في زمان النبي صلّى اللّه عليه و سلم ثغر يرابط فيه،و لكن الصلاة خلف الصلاة» .

ص: 154

سورة النساء

الآية:2.قوله تعالى: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً

أخرج الواحدي عن مقاتل،و الكلبي قالا: «نزلت في رجل من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم،فلما بلغ اليتيم طلب المال،فمنعه عمه،فترافعا إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت هذه الآية،فلما سمعها العمّ قال:أطعنا اللّه،و أطعنا الرسول،نعوذ باللّه من الحوب الكبير، فدفع إليه ماله،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:من يوق شحّ نفسه،و رجع به هكذا فإنه يحل داره«يعني جنته»،فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل اللّه تعالى،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:ثبت الأجر،و بقي الوزر،فقالوا:يا رسول اللّه،قد عرفنا أنه ثبت الأجر،فكيف بقى الوزر،و هو ينفق في سبيل اللّه؟!،فقال:ثبت الأجر للغلام،و بقى الوزر على والده».

الآية:3 قوله تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا .

أخرج الواحدي عن هشام بن عروة،عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا الآية.قالت:أنزلت هذه في الرجل،يكون له اليتيمة،و هو وليها،و لها مال،و ليس لها أحد يخاصم دونها،فلا ينكحها حبا لمالها،و يضربها،و يسيء صحبتها،فقال اللّه تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ . يقول:ما أحللت لك،ودع هذه.

ص: 155

و أخرج الواحدي من رواية الوالبي عن ابن عباس قال: «كانوا يتحرجون عن أموال اليتامى،و يترخصون في النساء،و يتزوجون ما شاءوا فربما عدلوا،و ربما لم يعدلوا،فلما سألوا عن اليتامى،فنزلت آية اليتامى وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ الآية،أنزل اللّه تعالى أيضا:

وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ،يقول:كما خفتم ألا تقسطوا في اليتامى،فكذلك خافوا في النساء ألا تعدلوا فيهن،فلا تتزوجوا أكثر مما يمكنكم القيام بحقهن،لأن النساء كاليتامى في الضعف و العجز.

الآية:6.قوله تعالى: وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً .

أخرج الواحدي: «نزلت في ثابت بن رفاعة،و في عمه،و ذلك أن رفاعة توفي،و ترك ابنه ثابتا،و هو صغير،فأتى عم ثابت إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:إن ابن أخي يتيم في حجري،فما يحلّ لي من ماله؟؟، و متى أدفع إليه ماله؟؟.فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:7.قوله تعالى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً .

أخرج أبو الشيخ،و ابن حبان في كتاب«الفرائض»من طريق الكلبي،عن أبي صالح عن ابن عباس،قال: «كان أهل الجاهلية لا يورّثون البنات،و لا الصغار الذكور حتى يدركوا،فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت،و ترك ابنتين،و ابنا صغيرا،فجاء ابنا عمّه خالد،و عرفطة-و هما عصبته-فأخذا ميراثه كله،فأتت امرأته

ص: 156

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فذكرت له ذلك،فقال:ما أدري ما أقول،فنزلت:

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ الآية.

و

أخرج الواحدي: «إن المفسرين قالوا:إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي،و ترك امرأة يقال لها أمّ كحّة،و ثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما:ابنا عمّ الميت،و وصيّاه،يقال لهما:سويد،و عرفجة، فأخذا ماله،و لم يعطيا امرأته شيئا،و لا بناته،و كانوا في الجاهلية لا يورّثون النّساء،و لا الصغير،و إن كان ذكرا،إنما يورّثون الرجال الكبار،و كانوا يقولون:لا يعطى إلاّ من قاتل على ظهور الخيل، و حاز الغنيمة،فجاءت أمّ كحة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالت:يا رسول اللّه،إن أوس بن ثابت مات،و ترك عليّ بنات،و أنا امرأة،و ليس عندي ما أنفق عليهن،و قد ترك أبوهن مالا حسنا،و هو عند سويد،و عرفجة، لم يعطياني،و لا بناته من المال شيئا،و هنّ في حجري،و لا يطعماني و لا يسقياني،و لا يرفعان لهنّ رأسا،فدعاهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالا:

يا رسول اللّه،ولدها لا يركب فرسا،و لا يحمل كلاّ،و لا ينكى عدوّا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:انصرفوا حتى أنظر ما يحدث اللّه لي فيهنّ، فانصرفوا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:10.قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً .

أخرج الواحدي عن مقاتل بن حيان،قال: «نزلت في رجل من غطفان،يقال له:مرثد بن زيد،ولّي مال ابن أخيه،و هو يتيم صغير،فأكله،فأنزل اللّه فيه هذه الآية».

الآية:11،12.قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .

أخرج الأئمة الستة عن جابر بن عبد اللّه،قال: «عادني رسول اللّه

ص: 157

صلّى اللّه عليه و سلم،و أبو بكر في بني سلمة ماشيين ،فوجدني النبي صلّى اللّه عليه و سلم لا أعقل شيئا، فدعا بماء فتوضأ،ثم رشّ عليّ،فأفقت،فقلت:ما تأمرني أن أصنع بمالي ؟؟،فنزلت: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و

أخرج الواحدي من طريق بشر بن الفضل،عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل،عن جابر بن عبد اللّه،قال: «جاءت امرأة بابنتين لها، فقالت:يا رسول اللّه،هاتان بنتا ثابت بن قيس،أو قالت:سعد بن الربيع،قتل معك يوم أحد،و قد استفاء عمهما مالهما،و ميراثهما،فلم يدع لهما مالا إلا أخذه،فما ترى يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم؟فو اللّه،ما ينكحان أبدا إلا و لهما مال،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:يقضي اللّه في ذلك،فنزلت سورة النساء،و فيها: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إلى آخر الآية،فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أدع لي المرأة و صاحبها،فقال لعمهما:أعطهما الثلثين،و أعط امهما الثمن،و ما بقي فلك».

و

أخرج ابن جرير عن السدّي قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري،و لا الضعفاء من الغلمان،لا يورث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال،فمات عبد الرحمن أخو حسّان الشاعر،و ترك امرأة يقال لها أمّ كحّة،و خمس بنات،فجاء الورثة يأخذون ماله،فشكت أمّ كحّة ذلك إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه هذه الآية: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ،ثم قال في أمّ كحّة: وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ .

الآية:19.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً .

روى البخاري،و أبو داود و النسائي،عن ابن عباس قال: «كانوا

ص: 158

إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته،إن شاء بعضهم تزوّجها،و إن شاءوا زوّجوها،فهم أحق بها من أهلها،فنزلت هذه الآية».

و

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم بسند حسن،عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف.قال: «لما توفّي أبو قيس بن الأسلت،أراد ابنه أن يتزوج امرأته،و كان لهم ذلك في الجاهلية،فأنزل اللّه: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ الآية.

الآية:22.قوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلاً .

أخرج ابن أبي حاتم،و الفريابي،و الطبراني،عن عدي بن ثابت، عن رجل من الأنصار،قال: توفيّ أبو قيس بن الأسلت-و كان من صالحي الأنصار-فخطب ابنه قيس امرأته،فقالت:إنما أعدّك ولدا، و أنت من صالحي قومك،فأتت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبرته فقال:ارجعي إلى بيتك،فنزلت هذه الآية: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ .

و

أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي،قال: «كان الرجل إذا توفي عن امرأته كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء،إن لم تكن أمّه أو ينكحها من شاء،فلمّا مات أبو قيس بن الأسلت،قام ابنه محصن، فورث نكاح امرأته،و لم يورّثها من المال شيئا،فأتت النبي صلّى اللّه عليه و سلم فذكرت ذلك له،فقال:ارجعي لعلّ اللّه ينزل فيك شيئا،فنزلت هذه الآية: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ .و نزلت:

لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً الآية.

و روى الواحدي: «إن الآية نزلت في حصن بن أبي قيس،تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن،و في الأسود بن خلف تزوج امرأة أبيه، و صفوان بن أمية بن خلف،تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن

ص: 159

المطلب،و في منصور بن ماذن،تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة».

الآية:24.قوله تعالى: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ الآية

روى مسلم،و أبو داود،و الترمذي،و النسائي عن أبي سعيد الخدري، قال: «أصبنا سبايا من سبي أوطاس لهن أزواج،فكرهن أن نقع عليهن،و لهن أزواج،فسألنا النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ .يقول:إلا ما أفاء اللّه عليكم، فاستحللنا بها فروجهنّ».

و

أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: «نزلت يوم حنين،لما فتح اللّه حنينا،أصاب المسلمون نساء من نساء أهل الكتاب،و كان الرجل إذا أراد أن يأتي المرأة قالت:إن لي زوجا،فسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن ذلك،فنزلت: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ الآية.

الآية:24.قوله تعالى: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً .

أخرج ابن جرير عن معمر بن سليمان،عن أبيه قال: زعم حضرمي أن رجالا كانوا يقرضون المهر،ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة، فنزلت: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ .

الآية:32.قوله تعالى: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَ سْئَلُوا اللّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً .

روى الترمذي،و الحاكم عن أم سلمة أنها قالت: يغزو الرجال،و لا تغزو النّساء،و إنما لنا نصف الميراث،فأنزل اللّه: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ،و أنزل فيها: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ الآية.

ص: 160

و

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس،قال: «أتت امرأة النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقالت:يا نبي اللّه،للذكر مثل حظ الأنثيين،و شهادة امرأتين برجل، أ فنحن في العمل هكذا،ان عملت المرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة، فأنزل اللّه: وَ لا تَتَمَنَّوْا الآية.

و أخرج الواحدي عن السدي،و مقاتل،قالا: «لما نزل قوله تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .قال الرجال:إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة،كما فضلنا عليهن في الميراث، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النّساء،و قالت النساء:إنا نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة،كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا،فأنزل اللّه تعالى: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ الآية.

الآية:33.قوله تعالى: وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ .

أخرج الواحدي عن سعيد بن المسيب،قال: «نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنّون رجالا غير أبنائهم،و يورثونهم ،فأنزل اللّه تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيبا في الوصية،ورد اللّه تعالى الميراث إلى الموالي من ذوي الرحم،و العصمة،و أبى أن يجعل للمدعين ميراث من ادعاهم، و يتبناهم،و لكن جعل نصيبا في الوصية».

الآية:34.قوله تعالى: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ وَ اللاّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً .

أخرج الواحدي عن مقاتل قال: «نزلت هذه الآية في سعد بن

ص: 161

الربيع-و كان من النقباء-و امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة، و هما من الأنصار،و ذلك أنها نشزت عليه،فلطمها،فانطلق أبوها معها إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:أفرشته كريمتي،فلطمها،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:لتقتص من زوجها،و انصرفت مع أبيها،لتقتص منه،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:ارجعوا، هذا جبريل(عليه السلام)أتاني،و أنزل اللّه تعالى هذه الآية،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أردنا أمرا،و أراد اللّه أمرا،و الذي أراد اللّه خير، و رفع القصاص».

و

أخرج ابن جرير من طرق عن الحسن،و بعضها: «أن رجلا من الأنصار لطم امرأته،فجاءت تلتمس القصاص،فجعل النبي صلّى اللّه عليه و سلم بينهما القصاص،فنزلت: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ .و نزلت: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ .

الآية:37.قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً .

أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد،عن عكرمة،أو سعيد،عن ابن عباس قال: «كان كردم بن زيد حليف كعب بن الأشرف،و أسامة بن حبيب،و نافع بن أبي نافع،و بحري بن عمرو،وحيي بن أخطب،و رفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار ينصحون لهم،فيقولون:لا تنفقوا أموالكم،فإنّا نخشى عليكم الفقر في ذهابها،و لا تسارعوا في النفقة،فإنكم لا تدرون ما يكون، فأنزل اللّه فيهم: اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ إلى قوله:

وَ كانَ اللّهُ بِهِمْ عَلِيماً .

الآية:43.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ .

ص: 162

أخرج أبو داود،و الترمذي،و النّسائي،و الحاكم عن علي قال: «صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما،فدعانا،و سقانا من الخمر،فأخذت الخمر منّا، و حضرت الصلاة،فقدّموني،فقرأت:قل يا أيها الكافرون،لا أعبد ما تعبدون،و نحن نعبد ما تعبدون،فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ .

الآية:43.قوله تعالى: وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا .

أخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب: «إن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد،فكانت تصيبهم جنابة،و لا ماء عندهم، فيريدون الماء،و لا يجدون ممرا إلا في المسجد،فأنزل اللّه: وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي .

الآية:43.قوله تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً .

أخرج ابن أبي حاتم،عن مجاهد قال: «نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار كان مريضا،فلم يستطع أن يقوم،فيتوضأ،و لم يكن له خادم يناوله،فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه: وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الآية.

و

أخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي،قال: «نال أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم جراح،ففشت فيهم،ثم ابتلوا بالجنابة،فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت: وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى .الآية كلها».

و

أخرج الطبراني عن الأسلع قال: «كنت أخدم النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و أرحل له،فقال لي ذات يوم،يا أسلع:قم فأرحل،فقلت:يا رسول اللّه، أصابتني جنابة،فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أتاه جبريل بآية الصعيد،

ص: 163

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:قم يا أسلع،فتيمم،فأراني التّيمم ضربة للوجه، و ضربة لليدين إلى المرفقين،فقمت فتيممت ثم رحلت له».

و

أخرج الواحدي عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس،عن عمار بن ياسر،قال: عرّس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بذات الجيش،و معه عائشة زوجته،فانقطع عقد لها من جذع أظفار، فحبس الناس،ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر،و ليس معهم ماء، فأنزل اللّه تعالى على رسوله صلّى اللّه عليه و سلم قصة التطهر بالصعيد الطيب،فقام المسلمون،فضربوا بأيديهم الأرض،ثم رفعوا أيديهم،فلم يقبضوا من التراب شيئا،فمسحوا بها وجوههم،و أيديهم إلى المناكب،و من بطون أيديهم إلى الآباط.قال الزهري:و بلغنا أن أبا بكر قال لعائشة،و اللّه إنك ما علمت أنك مباركة».

الآية:44.قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَ يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ .

أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: «كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود،و إذا كلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لوّى لسانه، و قال:أرعنا سمعك يا محمد حتى نفقهك،ثم طعن في الإسلام دعابة، فأنزل اللّه فيه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ الآية.

الآية:47.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً .

أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: «كلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم رؤساء من أحبار اليهود،منهم:عبد اللّه بن صوريا،و كعب بن أسيد، فقال لهم:يا معشر يهود،اتقوا اللّه،و اسلموا،فو اللّه،إنكم لتعلمون

ص: 164

أن الذي جئتكم به لحق،فقالوا:ما نعرف ذلك يا محمد،فأنزل اللّه تعالى فيهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا الآية.

الآية:48.قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً .

أخرج ابن أبي حاتم و الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري،قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام، قال:و ما دينه،قال:يصلّي،و يوحّد اللّه،قال:استوهب منه دينه،فإن أبي فابتعه منه،فطلب الرجل ذلك منه،فأبى عليه،فأتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبره فقال:وجدته شحيحا على دينه،فنزلت: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ .

الآية:49.قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً .

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت في رجال من اليهود،أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم باطفالهم،و قالوا:يا محمد،هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟قال:لا.فقالوا:و الذي نحلف به،ما نحن إلا كهيئتهم،ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفّر عنا بالليل،و ما من ذنب نعمله بالليل إلا كفّر عنا بالنهار،فهذا الذي زكّوا به أنفسهم.

الآية:51.قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً .

أخرج الواحدي من طريق محمد بن إسحاق الثقفي،عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان عن عمرو عن عكرمة قال: «جاء حييّ بن أخطب،و كعب بن الأشرف إلى أهل مكة،فقالوا لهم:أنتم أهل الكتاب، و أهل العلم القديم،فاخبرونا عنا،و عن محمد،فقالوا:ما أنتم،و محمد؟؟

ص: 165

قالوا:نحن ننحر الكوماء،و نسقي اللبن على الماء،و نفك العاني، و نصل الأرحام،و نسقي الحجيج،و ديننا القديم،و دين محمد الحديث، قالا:بل أنتم خير منه،و أهدى سبيلا،فأنزل اللّه تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ إلى قوله: وَ مَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً .

و أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: «كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش،و غطفان،و بني قريظة:حييّ بن أخطب،و سلام بن أبي الحقيق،و أبو رافع،و الربيع ابن أبي الحقيق،و أبو عمارة،و هودة بن قيس،و كان سائرهم من بني النضير،فلما قدموا على قريش قالوا:

هؤلاء أحبار يهود،و أهل العلم بالكتب الأولى،فاسألوهم:أ دينكم خير أم دين محمد؟؟،فسألوهم،فقالوا:دينكم خير من دينه،و أنتم أهدى منه،و ممن اتبعه،فأنزل اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ إلى قوله: مُلْكاً عَظِيماً .

الآية:58.قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً .

و

روى الواحدي: «أنها نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار،كان سادن الكعبة،فلما دخل النبي صلّى اللّه عليه و سلم مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب البيت،و صعد السطح،فطلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المفتاح،فقيل:إنه مع عثمان،فطلب منه،فأبى،و قال:لو علمت أنه رسول اللّه لم أمنعه المفتاح،فلوّى علي بن أبي طالب يده،و أخذ منه المفتاح،و فتح الباب،فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم البيت،و صلّى فيه ركعتين فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح،ليجمع له بين السقاية، و السدانة،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عليّا أن

ص: 166

يرد المفتاح إلى عثمان،و يعتذر له،ففعل ذلك علي،فقال له عثمان:يا علي،أكرهت،و آذيت،ثم جئت ترفق!!فقال:لقد أنزل اللّه تعالى في شأنك،و قرأ عليه الآية،فقال عثمان:أشهد أن محمد رسول اللّه،فجاء جبريل(عليه السلام)،فقال:ما دام هذا البيت فإن المفتاح،و السدانة في أولاد عثمان،و هو اليوم في أيديهم».

الآية:59.قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً .

أخرج الواحدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:«نزلت في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في سرية».

و

أخرج ابن جرير،و الواحدي في رواية باذان عن ابن عباس قال:

«بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد في سرية إلى حي من أحياء العرب،و كان معه عمّار بن ياسر،فسار خالد حتى إذا دنا من القوم عرّس لكي يصبحهم،فأتاهم النذير،فهربوا عن رجل كان قد أسلم، فأمر أهله أن يتأهبوا للمسير ثم انطلق حتى أتى عسكر خالد،و دخل على عمّار فقال:يا أبا اليقظان،إني منكم،و إن قومي لما سمعوا بكم هربوا،و أقمت بإسلامي أفنافعي ذلك؟؟أو أهرب كما هرب قومي؟ فقال:أقم،فإن ذلك نافعك،و انصرف الرجل إلى أهله،و أمرهم بالمقام، و أصبح خالد فغار على القوم،فلم يجد غير ذلك الرجل فأخذه،و أخذ منه ماله،فأتاه عمّار،فقال:خلّ سبيل الرجل،فإنه مسلم،و قد كنت أمّنته،و امرأته بالمقام،فقال خالد:أنت تجير عليّ،و أنا الأمير؟!.

فقال:نعم أنا أجير عليك،و أنت الأمير،فكان في ذلك بينهما كلام، فانصرفوا إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبروه خبر الرجل،فأمّنه النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و أجاز

ص: 167

أمان عمار،و نهاه أن يجير بعد ذلك على أمير بغير إذنه.قال:و استبّ عمار،و خالد بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأغلظ عمّار لخالد،فغضب خالد،و قال:يا رسول اللّه،أ تدع هذا العبد يشتمني!فو الله لو لا أنت ما شتمني-و كان عمار مولى لهاشم بن المغيرة-فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:يا خالد،كف عن عمار،فإنه من يسب عمارا يسبه اللّه،و من يبغض عمارا يبغضه اللّه،فقام عمار،فتبعه خالد،فأخذ بثوبه،و سأله أن يرضى عنه،فرضي عنه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،و أمر بطاعة أولى الأمر.

الآية:60-62 قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً، وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً، فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَ تَوْفِيقاً .

أخرج ابن أبي حاتم،و الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال:

«كان أبو برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين،فأنزل اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا الى قوله: وَ تَوْفِيقاً .

و أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة،أو سعيد عن ابن عباس قال: «كان الجلاس بن الصامت،و معتب بن قشير،و رافع بن زيد، و بشر يدّعون الاسلام،فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فدعوهم الى الكهّان حكام الجاهلية، فأنزل اللّه فيهم: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا الآية.

و أخرج ابن جرير عن الشعبي قال: «كان بين رجل من اليهود، و رجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي:أحاكمك الى أهل دينك،

ص: 168

أو قال:الى النبي،لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة في الحكم، فاختلفا،و اتفقا على أن يأتيا كاهنا فى جهينة،فنزلت.

الآية:65.قوله تعالى: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً .

أخرج الأئمة الستة عن عبد اللّه بن الزبير قال: «خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:اسق يا زبير،ثم أرسل الماء الى جارك.فقال الأنصاري:يا رسول اللّه،إن كان ابن عمتك!فتلوّن وجهه ثم قال:أسق يا زبير،ثم احبس الماء حتى يرجع الى الجدر ثم أرسل الماء الى جارك،و استوعب للزبير حقه.و كان أشار عليها بأمر لهما فيه سعة.قال الزبير:فما أحسب هذه الآية الاّ نزلت فى ذلك: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية.

الآية:69.قوله تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً .

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت في ثوبان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و كان شديد الحبّ له قليل الصبر عنه،فأتاه ذات يوم،و قد تغير لونه،و نحل جسمه،يعرف فى وجهه الحزن،فقال له:يا ثوبان،ما غيّر لونك؟!فقال:يا رسول اللّه،ما بي من ضر،و لا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك،و استوحشت وحشة جديده حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة،و أخاف ألا أراك هناك،لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين،و إني،و إن دخلت الجنة كنت فى منزلة أدنى من منزلتك،و إن لم أدخل الجنة،فذاك أحرى أن لا أراك أبدا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

ص: 169

و

أخرج الطبراني،و ابن مردويه بسند لا بأس به عن عائشة قالت:

«جاء رجل الى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:يا رسول اللّه،إنك لأحب إلي من نفسي،و إنك لأحب إلي من ولدي،و إني لأكون فى البيت،فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك،و إذا ذكرت موتي،و موتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين،و إني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد النبي صلّى اللّه عليه و سلم شيئا حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية:

وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ الآية.

الآية:77.قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً .

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم منهم:عبد الرحمن بن عوف،و المقداد بن الأسود،و قدامة بن مظعون،و سعد بن أبي وقاص،كانوا يلقون من المشركين أذى كثيرا،و يقولون:يا رسول اللّه،ائذن لنا فى قتال هؤلاء،فيقول لهم:كفّوا أيديكم عنهم،فإني لم أومر بقتالهم،فلما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الى المدينة،و أمرهم اللّه تعالى بقتال المشركين كرهه بعضهم،و شق عليهم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:78.قوله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ .

أخرج الواحدي من رواية أبي صالح عن ابن عباس قال: «لما استشهد اللّه من المسلمين من استشهد يوم أحد قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد:لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا،و ما

ص: 170

قتلوا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:83.قوله تعالى: وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً .

روى مسلم عن عمر بن الخطاب قال: «لما اعتزل النبي صلّى اللّه عليه و سلم نساءه دخلت المسجد،فإذا الناس ينكتون بالحصى،و يقولون:طلّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم نساءه،فقمت على باب المسجد،فناديت بأعلى صوتي:لم يطلّق نساءه،و نزلت هذه الآية فيّ: وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فكنت أنا استنبط ذلك الأمر».

الآية:88.قوله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَ اللّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً .

روى البخاري،و مسلم عن زيد بن ثابت: «أن قوما خرجوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى أحد،فرجعوا،فاختلف فيهم المسلمون،فقالت فرقة:نقتلهم،و قالت فرقة:لا نقتلهم،فنزلت هذه الآية».

و أخرج أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن عوف: أن قوما أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالمدينة،فأسلموا،و أصابهم و باء المدينة،و حمّاها، فأركسوها،فخرجوا من المدينة،فاستقبلهم نفر من الصحابة،فقالوا:ما لكم رجعتم؟!قالوا:أصابنا وباء المدينة،فقالوا:أ ما لكم في رسول اللّه أسوة حسنة؟!فقال بعضهم:نافقوا،و قال بعضهم:لم ينافقوا،فأنزل اللّه: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ الآية.

الآية:92.قوله تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا .

ص: 171

الآية:92.قوله تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا .

أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: «كان الحارث بن زيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل،ثم خرج الحارث مهاجرا الى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فلقيه عياش بالحرة،فعلاه بالسيف،و هو يحسب أنه كافر،ثم جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبره،فنزلت: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً الآية.

الآية:93.قوله تعالى: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً .

أخرج الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: «إن مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشام بن ضبابة قتيلا فى بني النجار،و كان مسلما،فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فذكر له ذلك،فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم معه رسولا من بني فهد،فقال له:ائت بني النجار،فأقرئهم السلام،و قل لهم:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه الى أخيه فيقتص منه،و إن لم تعلموا له قتيلا أن تدفعوا إليه ديته،فأبلغهم الفهدي ذلك عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:سمعا،و طاعة للّه و لرسوله،و اللّه،ما نعلم له قاتلا،و لكن نؤدي إليه ديته،فأعطوه مائة من الإبل ثم انصرفا راجعين نحو المدينة،فأتى الشيطان مقيسا، فوسوس إليه،فقال:تقبل دية أخيك،فيكون عليك سبّه،أقتل الذي معك فيكون نفس مكان نفس،و فضل الدية،ففعل مقيس ذلك، فرمى الفهديّ بصخرة،فشدخ رأسه،ثم ركب بعيرا منها،و ساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا،و جعل يقول فى شعره:

قتلت به فهرا و حملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع

أدركت ثأري و اضطجعت موسدا و كنت الى الأوثان أول راجع

ص: 172

فنزلت هذه الآية: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً ثم أهدر النبي صلّى اللّه عليه و سلم دمة يوم فتح مكة،فأدركه الناس بالسوق فقتلوه».

الآية 94.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً .

أخرج البزار عن ابن عباس قال: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سريّة،فيها المقداد،فلما أتوا القوم،وجدوهم قد تفرقوا،و بقي رجل له مال كثير، فقال:أشهد أن لا إله إلا اللّه،فقتله المقداد،فقال له النبي صلّى اللّه عليه و سلم:

كيف لك بلا إله إلا اللّه غدا!!و أنزل اللّه هذه الآية».

و روى البخاري،و الترمذي،و الحاكم،و غيرهم عن ابن عباس قال:

«مرّ رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و هو يسوق غنما له،فسلّم عليهم،فقالوا:ما سلّم علينا إلا ليتعوّذ منّا، فعمدوا إليه،فقتلوه،و أتوا بغنمه النبي،صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا .

الآية:95.قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ .

روى البخاري عن البراء قال: «لمّا نزلت لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:أدع فلانا،فجاء،و معه الدواة،و اللوح، و الكتف فقال:أكتب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و اَلْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ -و خلف النبي صلّى اللّه عليه و سلم ابن أم مكتوم-فقال:يا رسول اللّه،أنا ضرير،فنزلت مكانها: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ .

و روى البخاري عن زيد بن ثابت قال: «كنت عند النبي صلّى اللّه عليه و سلم

ص: 173

حين نزلت عليه: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و اَلْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ .و لم يذكر أولي الضرر،فقال ابن أمّ مكتوم،كيف، و أنا أعمى لا أبصر!قال زيد:فتغشى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم في مجلسه الوحي، فاتكأ على فخذي،فوالذي نفسي بيده،لقد ثقل على فخذي حتى خشيت أن يرضها،ثم سرّي عنه،فقال:أكتب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فكتبتها».

الآية:97.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً .

روى البخاري عن ابن عباس: «إن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فيأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله،أو يضرب فيقتل،فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ .

و أخرجه ابن مردوية،و سمى منهم في روايته:«قيس بن الوليد بن المغيرة،و أبى قيس بن الفاكه بن مغيرة،و الوليد بن عتبة بن ربيعة، و عمرو بن أمّية بن أبي سفيان،و علي بن أمية بن خلف،و ذكر في شأنهم أنهم خرجوا إلى بدر،فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك،فقالوا:غرّ هؤلاء دينهم،فقتلوا ببدر».

الآية:100.قوله تعالى: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً .

أخرج ابن أبي حاتم،و أبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس قال:

«خرج حمزة بن جندب من بيته مهاجرا،فقال لأهله:احملوني،

ص: 174

فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فنزل الوحي: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً الآية.

و أخرج ابن سعد في«الطبقات»عن يزيد بن عبد اللّه بن قسط:

«إن جندع بن الضمري كان بمكة فمرض فقال لبنيه:أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها،فقالوا:الى أين؟!فأومأ بيده نحو المدينة-يريد الهجرة-فخرجوا به فلما بلغوا أضاة بني غفار مات،فأنزل اللّه فيه:

وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً الآية.

و أخرج ابن أبى حاتم،و ابن منده،و البارودي فى«الصحابة»عن هشام بن عمرو عن أبيه أن الزبير بن العوام قال: «هاجر خالد بن حرام الى أرض الحبشة،فنهشته حيّة فى الطريق فمات،فنزلت فيه: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً الآية.

و أخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة الزرفي- و كان بمكة-فلما نزلت: إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً فقال:إنى لذو حيلة،فتجهز يريد النبي صلّى اللّه عليه و سلم فأدركه الموت بالتنعيم،فنزلت هذه الآية: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ الآية:101.قوله تعالى: وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً

أخرج ابن جرير عن علي قال: «سأل قوم من بني النجار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:يا رسول اللّه،إنا نضرب فى الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل اللّه: وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ثم انقطع الوحي،فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي

ص: 175

صلّى اللّه عليه و سلم فصلّى الظهر،فقال المشركون:لقد أمكنكم محمد،و أصحابه من ظهورهم،هلاّ شددتم عليهم،فقال قائل منهم:إن لهم أخرى مثلها في أثرها،فأنزل اللّه بين الصلاتين: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً ،فنزلت هذه الآية في صلاة الخوف.

وَرائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ الآية.

الآية:102.قوله تعالى: وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ الآية.

أخرج أحمد،و الحاكم،و صححه،و البيهقي في الدلائل عن ابن عياش الزرقي قال: «كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ظهرا،فقالوا:قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم،ثم قالوا:يأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم،و أنفسهم،فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر،و العصر:

وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية.

و أخرج الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس قال: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فلقي المشركين بعسفان،فلما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الظهر،فرأوه يركع،و يسجد هو و أصحابه قال بعضهم لبعض:كان هذا فرصة لكم،لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم،فقال قائل منهم:فإن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم،و أموالهم،فاستعدّوا حتى تغيروا عليهم فيها،فأنزل اللّه تبارك،و تعالى على نبيّه: وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الى آخر الآية ،و أعلم بما ائتمر به المشركون، و ذكر صلاة الخوف».

ص: 176

الآيات:105-116.قوله تعالى: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً الآيات.

روى الترمذي،و الحاكم،و غيرهما عن قتادة بن النعمان،قال: «كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق:بشر،و بشير،و مبشر،و كان بشير رجلا منافقا يقول الشعر،يهجو به أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،ثم ينحله بعض العرب،يقول:قال فلان:كذا،و كانوا أهل بيت حاجة، وفاقه في الجاهلية و الإسلام.و كان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر، و الشعير،فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك،فجعله في مشربه له،فيها سلاح،و درع،و سيف،فعدي عليه من تحت فنقبت المشربة،و أخذ الطعام،و السلاح،فلمّا أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال:يا ابن أخي،إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه،فنقبت مشربتنا، و ذهب بطعامنا،و سلاحنا،تجسّسنا في الدار،و سألنا،فقيل لنا:قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة،و لا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم.فقال بنو أبيرق-و نحن نسأل في الدار-:و اللّه،ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل،رجل مثاله:صلاح،و إسلام،فلما سمع لبيد اخترط سيفه،و قال:أنا أسرق!!و اللّه،ليخالطنّكم هذا السيف،أو لتبيّنن هذه السرقة.قالوا:إليك عنا أيها الرجل،فما أنت بصاحبها، و سألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها،فقال لي عمّي:يا ابن أخي، لو أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فذكرت ذلك له،فأتيته،فقلت:أهل بيت منّا أهل جفاء عمدوا إلى عمّي،فنقبوا مشربة له،و أخذوا سلاحه، و طعامه،فليردوا علينا سلاحنا،و أما الطّعام فلا حاجة لنا فيه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:سأنظر في ذلك،و لمّا سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم.

ص: 177

يقال له:أسير بن عروة،فكلّموه في ذلك،فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار،فقالوا:يا رسول اللّه،إن قتادة بن النعمان،و عمّه عمدا إلى أهل بيت منّا،أهل اسلام،و صلاح يرمونهم بالسرقة من غير بيّنة،و لا تثبّت.قال قتادة:فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم اسلام،و صلاح،ترميهم بالسرقة على غير ثبت،و بيّنة!! فرجعت،فأخبرت عمّي،فقال:اللّه المستعان،فلم نلبث أن نزل القرآن:

إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً .

بني أبيرق«و استغفر اللّه»أي مما قلت لقتادة إلى قوله:«عظيما».

فلما نزل القرآن أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالسلاح فردّه إلى رفاعة،و لحق بشير بالمشركين،فنزل على سلافه بنت سعد،فأنزل اللّه: وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى إلى قوله: ضَلالاً بَعِيداً .

الآيات:123-125.قوله تعالى: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً، وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً .

أخرج الواحدي عن مسروق،و قتادة قالا: «احتج المسلمون،و أهل الكتاب،فقال أهل الكتاب:نحن أهدى منكم،نبيّنا قبل نبيكم، و كتابنا قبل كتابكم،و نحن أولى باللّه منكم.و قال المسلمون:نحن أهدى منكم،و أولى باللّه،نبينا خاتم الأنبياء،و كتابنا يقضي على الكتب التي قبله،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،ثم أفلج اللّه حجة المسلمين على من

ص: 178

ناوأهم من أهل الأديان بقوله تعالى: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ و بقوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ الآيتين.

و أخرج ابن أبي حاتم،عن ابن عباس قال: «قالت اليهود، و النصارى:لا يدخل الجنة غيرنا.و قالت قريش:إنّا لا نبعث، فأنزل اللّه: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ .

الآية:127.قوله تعالى: وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً .

روى مسلم عن حرملة،عن ابن وهب عن عائشة قالت: «ثم إن النّاس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.قالت:

و الذي يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي قال فيها: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى .قالت عائشة(رضي اللّه عنها).و قال اللّه تعالى في الآية الأخرى: وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ،رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال،و الجمال،فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها،و جمالها من باقي النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهن عنهنّ».

و أخرج ابن أبي حاتم عن السدي: «كان لجابر بنت عم دميمة،و لها مال ورثته عن أبيها،و كان جابر يرغب عن نكاحها،و لا ينكحها خشية أن يذهب الزوج بمالها،فسأل النبي صلّى اللّه عليه و سلم عن ذلك،فنزلت».

و روى البخاري عن عائشة في هذه الآية قالت: «هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليّها،و وارثها قد شركته في مالها حتى في العذق،

ص: 179

فيرغب عن أن ينكحها،و يكره أن يزوجها رجلا،فيشركه في مالها، فيعضلها،فنزلت».

الآية:128.قوله تعالى: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً .

روى البخاري عن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك،و روى مسلم عن أبي كريب،و أبي أسامة،و كلاهما عن هشام عن عروة،عن عائشة:

«نزلت في المرأة تكون عند الرجل،فلا يستكثر منها،و يريد فراقها، و لعلّها أن تكون لها صحبه،و يكون لها ولد،فيكره فراقها،و تقول له:لا تطلّقني،و امسكني،و أنت في حلّ من شأني،فأنزلت هذه الآية».

و أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: «جاءت امرأة حين نزلت هذه الآية: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً .

قالت:إنّي أريد أن تقسم لي من نفقتك،و قد كانت رضيت أن يدعها فلا يطلقها،و لا يأتيها،فأنزل اللّه: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ .

و روى أبو داود،و الحاكم عن عائشة قالت: «فرقت سودة أن يفارقها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حين أسنت،فقالت:يومي لعائشة،فأنزل اللّه: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً .

الآية:135.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً .

ص: 180

الآية:135.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً .

أخرج ابن أبي حاتم،و الواحدي عن السدي قال: «نزلت هذه الآية في النبي صلّى اللّه عليه و سلم،اختصم إليه رجلان:غني،و فقير.و كان صلّى اللّه عليه و سلم مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغنيّ،فأبى اللّه إلا أن يقوم بالقسط في الغني، و الفقير.

الآية:148.قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً

أخرج هناد بن السري في كتاب«الزهد»عن مجاهد قال: «أنزلت لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ فى رجل أضاف رجلا بالمدينة،فأساء قراه،فتحول عنه،فجعل يثني عليه بما أولاه فرخص له أن يثني عليه بما أولاه».

و روى الواحدي عن مجاهد قال: «إن ضيفا تضيف قوما،فأساءوا قراه فاشتكاهم،فنزلت الآية رخصة في أن يشكو».

الآيتان 153-156.قوله تعالى: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ الآيات.

أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: «جاء ناس من اليهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:إن موسى جاءنا بالألواح من عند اللّه فأتنا بالألواح حتّى نصدقك،فأنزل اللّه يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ إلى قوله: بُهْتاناً عَظِيماً .فحثا رجل من اليهود،فقال:ما أنزل اللّه عليك،و لا على موسى،و لا على عيسى،و لا أحد شيئا،فأنزل اللّه:

وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآية.

الآية:166.قوله تعالى: لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً .

ص: 181

روى ابن اسحاق عن ابن عباس قال: «دخل جماعة من اليهود على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال لهم:إنّي و اللّه،أعلم أنّكم تعلمون أنّي رسول اللّه، فقالوا:ما نعلم ذلك،فأنزل اللّه: لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ .

الآية:172. لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ .

روى الواحدي عن الكلبي قال: «إن وفد نجران قالوا:يا محمد، تعيب صاحبنا؟!قال:و من صاحبكم،قالوا:عيسى.قال:و أيّ شيء أقول فيه؟!تقول:إنّه عبد اللّه،و رسوله،فقال لهم:إنه ليس بعار لعيسى أن يكون عبدا للّه،قالوا:بلى،فنزلت: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ .

الآية:176. يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

روى الواحدي عن هشام بن عبد اللّه عن ابن الزبير عن جابر قال: «اشتكيت فدخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و عندي سبع أخوات، فنفخ في وجهي،فأفقت،فقلت:يا رسول اللّه،أوحي لأخواتي بالثلثين،قال:أجلس،فقلت:الشطر.قال:أجلس،ثم خرج فتركني.قال:ثم دخل عليّ،و قال:يا جابر،إنّي لا أراك تموت في وجعك هذا،إن اللّه قد أنزل فبيّن الذي لأخواتك.و كان جابر يقول:نزلت هذه الآية فيّ: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ .

ص: 182

-سورة المائدة-

الآية:2.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلائِدَ وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «نزلت في الخطيم،و اسمه شريح بن ضبيع الكندي،أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم من اليمامة الى المدينة،فخلّف خيله خارج المدينة،و دخل وحده على النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:إلام تدعو الناس؟!،قال:إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه،و اقام الصلاة،و إيتاء الزكاة.فقال:حسن إلاّ أن لي أمراء لا نقطع أمرا دونهم،و لعلي أسلم و آتي بهم-و قد كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال لأصحابه:يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان-ثم خرج من عنده،فلما خرج قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

لقد دخل بوجه كافر،و خرج بعقبى غادر،و ما الرجل مسلم،فمرّ بسرح المدينة،فاستاقه،فطلبوه،فعجزوا عنه،فلما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عام القضية سمع تلبية حجاج المدينة،فقال لأصحابه:هذا الخطيم، و أصحابه،و كان قد قلد هديا من مسرح المدينة،و أهدى الى الكعبة، فلما توجهوا في طلبه أنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ يريد ما أشعر للّه،و ان كانوا على غير دين الاسلام»، الآية:2.قوله تعالى: وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا

و أخرج الواحدي،و ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت-و قد اشتد ذلك عليهم-فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة،فقال

ص: 183

أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:نصدّ هؤلاء كما صدنا أصحابهم،فأنزل اللّه تعالى: وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا أي،و لا تعتدوا على هؤلاء العمّال،و إن صدكم أصحابهم».

الآية:3.قوله تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً أخرج الواحدي:«نزلت هذه الآية يوم الجمعة،و كان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر،و النبي صلّى اللّه عليه و سلم بعرفات على ناقته العضباء».

و أخرج الواحدي عن طارق بن شهاب قال:«جاء رجل من اليهود الى عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه)فقال:يا أمير المؤمنين،إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا،فقال:أيّ آية هي؟قال: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فقال عمر:و اللّه إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و الساعة التي نزلت فيها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عشية يوم عرفة في يوم عرفة،في يوم جمعة».رواه البخاري،و مسلم عن جعفر بن عون.

الآية:4.قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ .

روى الطبراني،و الحاكم،و البيهقي،و غيرهم عن أبي رافع قال:

«جاء جبريل(عليه السلام)إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فاستأذن عليه،فأذن له، فأبطأ،فأخذ رداءه،فخرج إليه،و هو قائم بالباب،فقال:قد أذنّا

ص: 184

لك.قال:أجل،و لكن لا ندخل بيتا فيه صورة،و لا كلب، فنظروا،فإذا في بعض بيوتهم جرو،فأمر أبا رافع:لا تدع كلبا بالمدينة إلا قتلته،فأتاه ناس،فقالوا:يا رسول اللّه،ما ذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها،فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ الآية.

و روى الواحدي عن سعيد بن جبير قال: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم،و زيد بن المهلهل الطائيين-و هو زيد الخيل الذي سماه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم زيد الخير-فقال:يا رسول اللّه،إنا قوم نصيد بالكلاب، و البزاة،فإن كلاب آل درع،و آل حورية تأخذ البقر،و الحمير و الظباء،و الضب،فمنه ما يدرك ذكاته،و منه ما يقتل فلا يدرك ذكاته،و قد حرم اللّه الميتة،فما ذا يحل لنا منها؟فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ .يعني الذبائح وَ ما عَلَّمْتُمْ ،يعني:و صيد ما علمتم من الجوارح،و هي الكواسب من الكلاب،و سباع الطير.

الآية:6.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ .

روى البخاري من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عن عائشة قالت: «سقطت قلادة لي بالبيداء،و نحن داخلون المدينة،فأناخ صلّى اللّه عليه و سلم،فثنى رأسه في حجري راقدا،و أقبل أبو بكر،فلكزني لكزة شديدة،و قال:حبست الناس في قلادة،ثم إن

ص: 185

النبي صلّى اللّه عليه و سلم استيقظ،و حضرت الصبح،فالتمس الماء فلم يوجد،فنزلت الآية.

الآية:11.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .

و روى الواحدي عن مجاهد،و الكلبي،و عكرمة: «قتل رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.

رجلين من بني سلمة،و بين النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و بين قومهما موادعة،فجاء قومهما يطلبون الدّية،فأتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و معه أبو بكر،و عمر،و عثمان، و علي،و طلحة،و عبد الرحمن بن عوف(رضوان اللّه عليهم أجمعين)، فدخلوا على كعب بن الأشرف،و بني النضير يستعينهما في عقل أصابه، فقالوا:يا أبا القاسم،قد آن لك أن تأتينا،و تسألنا حاجة،اجلس حتى نطعمك،و نعطيك الذي تسألنا،فجلس هو،و أصحابه،فجاء بعضهم ببعض،و قالوا:إنّكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن،فمن يظهر على هذا البيت،فيطرح عليه صخرة،فيريحنا منه؟؟فقال عمر بن جحاش بن كعب:أنا.فجاء إلى رحى عظيمة،ليطرحها عليه،فأمسك اللّه تعالى يده،و جاء جبريل(عليه السلام)،و أخبره بذلك،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أنزل اللّه تعالى هذه الآية».

روى الواحدي عن الحسن البصري،عن جابر بن عبد اللّه الأنصارى: «أن رجلا من محارب يقال له:غورث بن الحارث،قال لقومه من غطفان،و محارب:أ لا أقتل لكم محمدا؟؟قالوا:نعم، و كيف تقتله؟!قال:أفتك به.قال:فأقبل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و هو جالس،و سيفه في حجره،فقال:يا محمد،أنظر إلى سيفك هذا؟ قال:نعم.فأخذه فاستلّه ثم جعل يهزه،و يهمّ به،فكبته اللّه عزّ و جل،

ص: 186

ثم قال:يا محمد،ما تخافني؟!قال:لا.قال:أ لا تخافني،و في يدي السيف؟قال:يمنعني اللّه منك،ثم أغمد السيف،و رده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ .

الآية:15.قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ

أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: «إن نبي اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أتاه اليهود يسألونه عن الرجم،فقال:أيكم أعلم؟فأشاروا الى ابن صوريا،فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى،و الذي رفع الطور،و المواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه أفكل،فقال:إنّه لما كثر فينا جلدنا مائة و حلقنا الرءوس،فحكم عليهم بالرّجم،فأنزل اللّه: يا أَهْلَ الْكِتابِ إلى قوله: صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .

الآية:18.قوله تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ لِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ .

روى ابن اسحاق،عن ابن عباس قال: «أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم نعمان بن أضاء،و بحر بن عمرو،و شاس بن عدي،فكلّموه،و كلّمهم، و دعاهم إلى اللّه،و حذّرهم نقمته،فقالوا:ما تخوفنا يا محمد،نحن و اللّه،أبناء اللّه،و أحباؤه كقول النصارى،فأنزل اللّه فيهم: وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ .

الآية:19.قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

ص: 187

روى ابن اسحاق عن ابن عباس قال: «دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يهود الى الاسلام،و رغّبهم فيه،فأبوا عليه،فقال لهم معاذ بن جبل،و سعد بن عباده:يا معشر يهود،اتقوا اللّه،فو الله،إنكم لتعلمون أنه رسول اللّه،لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه،و تصفونه لنا بصفته،فقال رافع بن حرملة،و وهب بن يهودا:ما قلنا لكم هذا،و ما أنزل اللّه من كتاب من بعد موسى،و لا أرسل بشيرا،و لا نذيرا بعده،فأنزل اللّه:

يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ الآية.

الآية:33.قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ

روى مسلم عن عبيد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس: «إن رهطا من عكل،و عرينه أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:يا رسول اللّه،إنا كنا أهل ضرع،و لم نكن أهل ريف،فاستوخمنا في المدينة،فأمر لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بذود أن يخرجوا فيها،فليشربوا من ألبانها،و أبوالها،فقتلوا راعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و استاقوا الذّود،فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في آثارهم،فأتي بهم،فقطع أيديهم،و أرجلهم،و ثمل أعينهم،فتركوا فى الحر حتى ماتوا على حالهم». قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً الى آخر الآية.

الآيات:38-39.قوله تعالى: وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

روى الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت فى طعمة بن أبيرق سارق

ص: 188

الدرع» و قد مضت قصته،و

أخرج أحمد،و غيره عن عبد اللّه بن عمرو:

«ان امرأة سرقت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقطعت يدها اليمنى،فقالت:

هل لي من توبة يا رسول اللّه؟فأنزل اللّه: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ الآية.

الآيات:41-45.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ الآيات.

روى أحمد،و مسلم،و غيرهما عن البراء بن عازب قال: «مر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يهودي محمما مجلودا فدعاهم،فقال:هكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم!فقالوا:نعم،فدعا رجلا من علمائهم،فقال:أنشدك باللّه الذي أنزل التوراة على موسى،هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟! فقال:لا و اللّه،و لو لا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك،نجد حد الزاني في كتابنا الرجم،و لكنه كثر في أشرافنا،فكنا إذا زنا الشريف تركناه، و إذا زنا الضعيف أقمنا عليه الحد،فقلنا:تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف،و الوضيع،فاجتمعنا على التحميم،و الجلد.فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:اللهم إنّي أول من أحيا أمرك إذ أماتوه،فأمر به،فرجم، فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قوله تعالى: إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ .يقولون:ائتوا محمدا فإن أتاكم بالتحميم،و الجلد،فخذوه،و إن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ .

الآيتان:49،50.قوله تعالى: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ، أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .

ص: 189

الآيتان:49،50.قوله تعالى: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ، أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .

أخرج ابن اسحاق،و الواحدي عن ابن عباس قال: «إنّ جماعة من اليهود منهم:كعب بن أسيد،و عبد اللّه بن صوريا،و شاس بن قيس،قال بعضهم لبعض:اذهبوا بنا إلى محمد صلّى اللّه عليه و سلم لعلّنا نفتنه عن دينه،فأتوه،فقالوا:يا محمد،قد عرفت أنّا أحبار اليهود،و أشرافهم، و إنّا إن اتبعناك اتبعنا اليهود،و لن يخالفونا،و إن بيننا،و بين قوم خصومة،و نحاكمهم إليك،فتقضي لنا عليهم،و نحن نؤمن بك، و نصدّقك،فأبى ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه تعالى فيهم: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ .

الآية:51.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ .

أخرج ابن اسحاق،و ابن جرير،و ابن أبي حاتم،و البيهقي،عن عبادة بن الصامت قال:«لما حاربت بنو قينقاع تشبث بأمرهم عبد اللّه بن أبيّ بن سلول،و قام دونهم،و مشى عبادة بن الصامت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و تبرأ إلى اللّه،و إلى رسوله من حلفهم،و كان أحد بني عوف بن الخزرج،و له من حلفهم مثل الذي لهم من عبد اللّه بن أبيّ، فخالفهم الى صلّى اللّه عليه و سلم،و تبرأ من حلف الكفار،و ولايتهم.قال:ففيه،و في عبد اللّه بن أبيّ القصة في المائدة.

و روى الواحدي عن عبد اللّه بن أبيّ: إني رجل أخاف الدوائر،و لا ابرأ من ولاية اليهود،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:يا أبا الحباب،ما تجلب به من

ص: 190

ولاية اليهود على عبادة بن الصامت،فهو لك دونه،فقال:قد قبلت، فأنزل اللّه تعالى فيهما: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إلى قوله تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ .يعني عبد اللّه بن أبيّ يُسارِعُونَ فِيهِمْ و في ولايتهم: يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ الآية».

الآية:55.قوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ .

روى الواحدي عن جابر بن عبد اللّه قال: «جاء عبد اللّه بن سلام إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:يا رسول اللّه،ان قوما من قريظة،و النضير،قد هاجرونا،و فارقونا،و أقسموا ألا يجالسونا،و لا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل،و شكى ما يلقى من اليهود،فنزلت هذه الآية:

فقرأها عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:رضينا باللّه،و برسوله، و بالمؤمنين أولياء».

و أخرج الطبراني في«الأوسط»بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر قال: «وقف على عليّ بن أبي طالب،سائل،و هو راكع في تطوع، فنزع خاتمه،فأعطاه السائل،فنزلت: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ الآية.

الآية:57.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفّارَ أَوْلِياءَ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

روى أبو الشيخ،و ابن حبان،عن ابن عباس قال: «كان رفاعة بن زيد بن التابوت،و سويد بن الحارث،قد أظهرا الإسلام،و نافقا، و كان رجل من المسلمين يوادهما،فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ .الآية.

ص: 191

روى أبو الشيخ،و ابن حبان،عن ابن عباس قال: «كان رفاعة بن زيد بن التابوت،و سويد بن الحارث،قد أظهرا الإسلام،و نافقا، و كان رجل من المسلمين يوادهما،فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ .الآية.

الآية:58.قوله تعالى: وَ إِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَ لَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ .

أخرج الواحدي عن السدي قال: «نزلت في رجل من نصارى المدينة،كان إذا سمع المؤذن يقول:أشهد أن محمدا رسول اللّه قال:حرق الكاذب،فدخل خادمه بنار ذات ليلة،و هو نائم،و أهله نيام، فطارت منها شرارة في البيت،فاحترق هو،و أهله».

و قال آخرون: «ان الكفار لمّا سمعوا الآذان حضروا،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على ذلك،و قالوا:يا محمد،لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم،فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياء من قبله،و لو كان في هذا خير،كان أولى النّاس به الأنبياء، و الرسل من قبلك،فمن أين لك صياح،كصياح البعير،فما أقبح من صوت،و لا أسمج من كفر،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،فأنزل:

وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً الآية.

و روى الواحدي عن الكلبي قال: «كان منادي الرسول صلّى اللّه عليه و سلم إذا نادى الى الصلاة فقام المسلمون إليها قالت اليهود:قوموا صلّوا،و اركعوا،على طريق الاستهزاء،و الضحك،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:59.قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلاّ أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَ أَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ .

روى أبو الشيخ،و ابن حبّان عن ابن عباس قال: «أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم نفر من اليهود فيهم:أبو ياسر بن أخطب،و نافع بن أبى نافع، و غازي بن عمرو،فسألوه عمن يؤمن به من الرسل،قال:أومن باللّه،و ما أنزل الى إبراهيم،و اسماعيل،و اسحاق،و يعقوب،و الأسباط،و ما أوتي

ص: 192

موسى،و عيسى،و ما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم،و نحن له مسلمون.فلما ذكر عيسى جحدوا نبوّته،و قالوا:لا نؤمن بعيسى،و لا بمن آمن به،فأنزل اللّه فيهم: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا الآية.

الآية:64.قوله تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ الآية.

أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: «قال رجل من اليهود يقال له النّباش بن قيس:إن ربك بخيل لا ينفق،فأنزل اللّه: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ و في فنحاص رأس يهود قينقاع في رواية أبي الشيخ الآية:67.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ .

أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إن اللّه بعثني برسالة فضقت بها ذرعا،و عرفت أن الناس مكذبي،فوعدني لأبلغن،أو ليعذبني.

الآية:67.قوله تعالى: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ

أخرج الواحدي عن عائشة(رضي اللّه عنها)قالت: «سهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ذات ليلة،فقلت:يا رسول اللّه،ما شأنك؟!قال:أ لا رجل صالح يحرسنا الليلة،فقالت:بينما نحن فى ذلك سمعت صوت السلاح، فقال من هذا؟قال:سعد،و حذيفة،جئنا نحرسك،فنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حتى سمعت غطيطه،و نزلت هذه الآية،فأخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم رأسه من قبة أدم،و قال:«انصرفوا يا أيها الناس فقد عصمني اللّه».

و روى الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و يحرس،و كان يرسل معه أبو طالب رجالا من بني هاشم يحرسونه

ص: 193

حتى نزلت عليه هذه الآية يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ الى قوله: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ قال:فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه،فقال:يا عمّ،إن اللّه قد عصمني من الجن،و الأنس.

و أخرج ابن حبان فى صحيحه عن أبي هريرة قال: «كنا إذا أصبحنا، و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فى سفر تركنا له أعظم شجرة،و أظلّها فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة،و علّق سيفه فيها،فجاء رجل فأخذه، و قال:يا محمد،ما يمنعك مني،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:اللّه يمنعني منك،ضع السيف،فوضعه،فنزلت: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ الآية:68.قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَ كُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ .

روى ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «جاء رافع، و سلام بن مشكم،و مالك بن الصيف،فقالوا:يا محمد،أ لست تزعم أنك على ملة إبراهيم،و دينه،و تؤمن بما عندنا؟قال:بلى،و لكنكم أحدثتم،و جحدتم بما فيها،و كتمتم ما أمرتم أن تبيّنوه للناس.قالوا:

فإنا نأخذ بما فى أيدينا،فإنا على الهدى،و الحق.فأنزل اللّه: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ الآية.

الآيتان:82-83.قوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ، وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ .

ص: 194

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب،و أبي بكر بن عبد الرحمن،و عروة ابن الزبير قالوا: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري،و كتب معه كتابا الى النجاشي،فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب،و المهاجرين معه،و أرسل الى الرهبان،و القسيسين،ثم أمر جعفر بن أبي طالب،فقرأ عليهم سورة مريم،فآمنوا بالقرآن،و فاضت أعينهم من الدمع،فهم الذين أنزل اللّه فيهم: وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً الى قوله: فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ .

و روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «بعث النجاشي ثلاثين رجلا من خيار أصحابه الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقرأ عليهم سورة«يس» فبكوا،فنزلت فيهم الآية».

و روى الواحدي: «قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو و أصحابه،و معهم سبعون رجلا بعثهم النجاشي وفدا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عليهم ثياب الصوف:اثنان و ستون من الحبشة،و ثمانية من أهل الشام و هم:بحيرا الراهب،إبراهيم،و إدريس أشرف،و تمام،و قثم،و ذر،و أيمن،فقرأ عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سورة«يس»الى آخرها،فبكوا حين سمعوا القرآن،و آمنوا،و قالوا:ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى،فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآيات».

الآية:87-88.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ .

روى الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس: «أن رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم، و قال:«إني إذا أكلت هذا اللحم،انتشرت الى النساء،و إني حرّمت علي اللحم فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ

ص: 195

و نزلت: وَ كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً .

و روى الواحدي،و ابن جرير،و ابن عساكر،و السدي عن ابن عباس،و المفسرين: «جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يوما فذكر الناس،و وصف القيامة،و لم يزدهم على التخويف،فرقّ الناس،و بكوا،فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي،و هم:أبو بكر الصديق، و علي بن ابي طالب،و عبد اللّه بن مسعود،و عبد اللّه بن عمر،و أبو ذر الغفاري،و سالم مولى أبي حذيفة،و المقداد بن الأسود،و سلمان الفارسي،و معقل بن مضر،و اتفقوا على أن يصوموا النهار،و يقوموا الليل،و لا يناموا على الفرش،و لا يأكلوا اللحم،و لا الودك،و يترهبوا و يجبّوا المذاكير،فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:أ لم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا،و كذا؟!فقالوا:بلى يا رسول اللّه،و ما أردنا إلا الخير،فقال:إني لم أومر بذلك،إن لأنفسكم عليكم حقّا،فصوموا و افطروا،و قوموا،و ناموا،فإنى أقوم،و أنام،و أصوم،و أفطر،و آكل اللحم و الدسم،و من رغب عن سنتي فليس مني،ثم خرج الى الناس، و خطبهم فقال:ما بال أقوام حرّموا النساء،و الطعام،و الطيب، و النوم،و شهوات الدنيا،أما أني لست آمركم أن تكونوا قسيسين، و رهبانا،فإنه ليس في ديني ترك اللحم،و النساء،و لا اتخاذ الصوامع، و إن سياحة أمتي الصوم،و رهبانيتها الجهاد،و اعبدوا اللّه،و لا تشركوا به شيئا،و حجوا،و اعتمروا،و أقيموا الصلاة،و آتوا الزكاة،و صوموا رمضان،فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد،شدّدوا على أنفسهم فشدد اللّه عليهم،فأولئك بقاياهم في الديارات،و الصوامع،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية فقالوا:«يا رسول اللّه،كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها -و كانوا حلفوا على ما عليه اتفقوا-فأنزل اللّه تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ .

ص: 196

الآية:90-91.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ .

روى الواحدي عن سعيد بن أبي وقاص قال: «أتيت على نفر من المهاجرين،فقالوا:تعال نطعمك،و نسقيك خمرا-و ذلك قبل أن يحرم الخمر-فأتيتهم في حش-و الحش هو البستان-و إذا رأس جزور مشويا عندهم،و دنّ من خمر،فأكلت،و شربت معهم،و ذكرت الأنصار، و المهاجرين،فقلت:المهاجرون خير من الأنصار،فأخذ الرجل لحى الرأس،فجذع أنفي بذلك،فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبرته،فأنزل اللّه تعالى،فى شأن الخمر: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية. رواه مسلم عن أبى حنيفة.

و روى الواحدي عن عمر بن الخطاب قال: «اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا،فنزلت الآية التي في البقرة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ فدعى عمر،فقرأت عليه،فقال:اللهم بيّن لنا من الخمر بيانا شافيا،فنزلت الآية التي في النساء: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى فكان منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا أقام الصلاة ينادي:لا يقربن الصلاة سكران،فدعي عمر،فقرأت عليه،فقال:اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا،فنزلت هذه الآية: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ فدعي عمر،فقرأت عليه،فلما بلغ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال عمر:

انتهينا».

الآية:93.قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .

ص: 197

الآية:93.قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .

روى مسلم عن أبي الربيع،و روى البخاري عن أبي نعمان عن حماد عن أنس قال: «كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، و ما شرابهم الاّ الفضيخ،و البسر،و التّمر،و إذا مناد ينادي:إن الخمر قد حرمت.قال:فأريقت في سكك المدينة،فقال أبو طلحة:أخرج فأرقها؟قال:فأرقتها،فقال بعضهم:قتل فلان،قتل فلان،و هي في بطونهم.قال:فأنزل اللّه تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية.

الآية:100.قوله تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .

أخرج الواحدي،و الاصبهاني في(الترغيب)عن جابر: «أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم ذكر تحريم الخمر،فقام أعرابي،فقال:إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي،فاعتقبت منها مالا،فهل ينفع ذلك المال،إن عملت بطاعة اللّه تعالى،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:إن اللّه لا يقبل إلاّ الطيب،فأنزل اللّه تعالى تصديقا لرسوله صلّى اللّه عليه و سلم: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ .الآية.

الآية:101.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَ إِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْها وَ اللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ .

روى البخارى عن انس بن مالك قال: «خطب النبي صلّى اللّه عليه و سلم خطبة فقال رجل:من أبي؟قال فلان،فنزلت هذه الآية».

و روى البخاري عن ابن عباس قال: «كان قوم يسألون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،استهزاء،فيقول الرجل:من أبي؟و يقول الرجل تضل ناقته:

أين ناقتي؟فأنزل اللّه فيهم هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ حتى فرغ من الآية كلها.

ص: 198

و روى أحمد،و الترمذي،و الحاكم عن عليّ قال: لمّا نزلت: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .قالوا يا رسول اللّه،في كل عام؟فسكت قالوا:يا رسول اللّه،في كل عام؟قال:لا،و لو قلت نعم،لو حسبت،فأنزل اللّه،: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ .

الآيات:106-108.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللّهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ الآيات.

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «كان تميم الداري،و عدي بن زيد يختلفان الى مكة،فصحبهما رجل من قريش من بني سهل،فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين،فأوصى إليهما بتركته،فلما قدما دفعاها الى أهله،و كتما جاما كان معه من فضة كان مخوصا بالذهب، فقالا:لم نره،فأتي بهما الى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فاستحلفهما باللّه ما كتما،و لا اطلعا،و خلّى سبيلهما،ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة،فقالوا:

ابتعناه من تميم الداري،و عدي بن زيد،فقام أولياء السهمي،فأخذوا الجام،و حلف رجلان منهم باللّه،إن هذا الجام جام صاحبنا،و شهادتنا أحق من شهادتهما،و ما اعتدينا،فنزلت هاتان الآيتان: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ الى آخرها.

ص: 199

سورة الأنعام

الآية:7.قوله تعالى: وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ .

روى الواحدي عن الكلبي،قال: إنّ مشركي مكّة قالوا:يا محمد، و اللّه،لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند اللّه،و معه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند اللّه،و أنك رسوله،فنزلت هذه الآية.

الآية:13.قوله تعالى: وَ لَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .

روى الواحدي عن الكلبي عن ابن عباس قال: «إنّ كفّار مكة أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:يا محمد،إنا قد علمنا أنه إنّما يحملك على ما تدعو إليه الحاجة،فنحن نجعل لك نصيبا في أموالنا حتى تكون أغنانا رجلا،و ترجع عما أنت عليه،فنزلت هذه الآية».

الآية:19.قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ .

روى الواحدي عن الكلبي قال: إن رؤساء مكة قالوا:يا محمد،ما نرى أحدا يصدّقك بما تقول من أمر الرسالة،لقد سألنا عنك اليهود و النّصارى،فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر،و لا صفة،فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:25.قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ .

ص: 200

الآية:25.قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ .

روى الواحدي من رواية أبي صالح عن ابن عباس قال: «إنّ أبا سفيان بن حرب،و الوليد بن المغيرة،و النضر بن الحارث،و عتبة، و شيبة ابني ربيعة،و أميّة،و أبيّ بن خلف استمعوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا للنضر:يا أبا قتيلة،ما يقول محمد؟!قال:و الذي جعلها بيته،ما أدري ما يقول،إلا أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشيء،و ما يقول إلاّ أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية، و كان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى،و كان يحدّث قريشا فيستملحون حديثه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:26.قوله تعالى: وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ .

روى الواحدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ .قال:«انزلت في أبي طالب،كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و يتباعد عما جاء به، و هو قول عمرو بن دينار،و القاسم بن مخيمر ،

قال مقاتل: و ذلك أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام،فاجتمعت قريش عند أبي طالب يردون سؤال الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،فقال أبو طالب:

و اللّه ما وصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة و ابشر وقر بذلك منك عيونا

و عرضت دينا لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا

لو لا الملامة أو حذاري سبّة لوجدتني سمحا بذلك مبينا

فأنزل اللّه تعالى: وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ .

ص: 201

و روى الواحدي عن محمد بن الحنفية،و السدي،و الضحاك: «نزلت في كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلّى اللّه عليه و سلم،و يتباعدون بأنفسهم عنه، و هو قول ابن عباس».

الآية:33.قوله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ .

روى الترمذي،و الحاكم عن عليّ: «أن أبا جهل قال للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:إنّا لا نكذبك،و لكن نكذّب بما جئت به،فأنزل اللّه: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ .

الآيتان:52-53.قوله تعالى: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ، وَ كَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ .

روى ابن حبّان،و الحاكم عن سعد بن أبي وقّاص قال: لقد نزلت هذه الآية في ستة:أنا،و عبد اللّه بن مسعود،و أربعة،قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أطردهم،فإنا نستحيي أن نكون تبعا لك كهؤلاء،فوقع في نفس النبي صلّى اللّه عليه و سلم ما شاء اللّه،فأنزل اللّه: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ إلى قوله: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ

و روى الواحدي عن خباب بن الأرت قال: فينا نزلت،كنا ضعفاء عند النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالغداة،و العشيّ فعلّمنا القرآن،و الخير،و كان يخوفنا بالجنّة،و النّار،و ما ينفعنا،و الموت،و البعث،فجاء الأقرع بن حابس التميمي،و عيينة بن حصن الفزاري،فقالا:إنّا من أشراف قومنا،و إنّا نكره أن يرونا معهم،فاطردهم إذا جالسناك.قال:نعم.

قالوا:لا نرضى حتى نكتب بيننا كتابا،فأتى بأديم،و دواة،فنزلت

ص: 202

هؤلاء الآيات: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ، وَ كَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ .

الآية:54.قوله تعالى: وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

أخرج الفريابي،و ابن أبي حاتم عن ماهان قال: «جاء ناس إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:إنّا أصبنا ذنوبا عظاما فما ردّ عليهم شيئا،فأنزل اللّه:

وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا .الآية.

و أخرج الواحدي عن عكرمة قال: نزلت في الذين نهى اللّه تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه و سلم عن طردهم،فكان إذا رآهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم،بدأهم بالسلام،و قال:

الحمد للّه الذي جعل في أمّتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام».

الآية:91.قوله تعالى: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً وَ عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَ لا آباؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ .

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف،فخاصم النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال له النبي:أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى،هل تجد في التوراة أن اللّه يبغض الحبر السمين-و كان حبرا سمينا-فغضب،و قال:ما أنزل اللّه على بشر من شيء،فقال له أصحابه:ويحك!!و لا على موسى،فأنزل اللّه: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ .

و أخرج الواحدي من رواية الوالبي عن ابن عباس قال: «قالت اليهود:يا محمد،أنزل اللّه عليك كتابا؟قال:نعم.قالوا:و اللّه،ما

ص: 203

أنزل اللّه من السماء كتابا،فأنزل اللّه تعالى: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنّاسِ الآية:93.قوله تعالى: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّهُ .

أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ .

قال:«نزلت في مسيلمة،و من قال: سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّهُ قال:نزلت في عبد اللّه بن سعد بن أبي السرح،كان يكتب للنبي صلّى اللّه عليه و سلم،فيملي عليه: عَزِيزٌ حَكِيمٌ فيكتب غَفُورٌ رَحِيمٌ ،ثم يقرأ عليه،فيقول:نعم سواء،فرجع عن الإسلام،و لحق بقريش».

الآية:94.قوله تعالى: وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ .

أخرج ابن جرير و غيره عن عكرمة قال:قال النضر بن الحارث:

سوف تشفع لي اللاّت،و العزّى،فنزلت هذه الآية: وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى إلى قوله: شُرَكاءُ .

الآية:100.قوله تعالى: وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يَصِفُونَ .

روى الواحدي عن الكلبي،قال: «نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا:إنّ اللّه تعالى،و إبليس أخوان،و اللّه خالق النّاس،و الدواب، و إبليس خالق الحيات،و السباع،و العقارب،فذلك قوله تعالى:

وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ .

ص: 204

الآية:108.قوله تعالى: وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ .

أخرج الواحدي من رواية الوالبي عن ابن عباس قال: قالوا:يا محمد،لتنتهينّ عن سبك آلهتنا،أو لنهجونّ ربك،فنهى اللّه أن يسبوا أوثانهم،فيسبوا اللّه عدوا بغير علم».

أخرج السيوطي: «قال عبد الرزاق:أنبأنا معمر عن قتادة قال:

كان المسلمون يسبون أصنام الكفار،فيسب الكفار اللّه،فأنزل اللّه:

وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الآية.

الآية:109-111.قوله تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ وَ ما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ، وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ، وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ .

أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: «كلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قريشا،فقالوا:يا محمد،تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر،و أن عيسى كان يحيي الموتى،و أن ثمود لهم الناقة،فأتنا من الآيات حتى نصدّقك،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أي شيء تحبون أن آتيكم به؟قالوا:تجعل لنا الصفا ذهبا.قال:فإن فعلت تصدّقوني؟قالوا:

نعم،و اللّه،فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يدعو فجاءه جبريل،فقال له:إن شئت أصبح ذهبا،فإن لم يصدّقوا عند ذلك لنعذبنهم،و إن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم،فأنزل اللّه: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إلى قوله: يَجْهَلُونَ .

ص: 205

الآية:121.قوله تعالى: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ .

روى الواحدي: «قال المشركون:يا محمد،أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها،قال:اللّه قتلها.قالوا:فتزعم أن ما قتلت أنت، و أصحابك حلال،و ما قتل الكلب،و الصقر حلال،و ما قتله اللّه حرام ،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

الآية:121.قوله تعالى: وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ .

أخرج أبو داود،و الحاكم،و غيرهما،عن ابن عباس قال في قوله:

وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ قال:قالوا:ما ذبح اللّه لا تأكلون،و ما ذبحتم أنتم تأكلون،فأنزل اللّه تعالى الآية».

و أخرج الطبراني،و غيره عن ابن عباس قال: «لما نزلت: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ أرسلت فارس إلى قريش:أن خاصموا محمدا،فقولوا له:ما تذبح أنت بيدك بسكين،فهو حلال،و ما ذبح اللّه بشمشار من ذهب-يعني الميتة-فهو حرام!،فنزلت هذه الآية: إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ قال:

الشياطين:فارس،و أولياؤهم،قريش».

الآية:122.قوله تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ .

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «يريد حمزة عن عبد المطلب، و أبا جهل،و ذلك أنا أبا جهل رمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بفرث،و حمزة لم يؤمن بعد،فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل،و هو راجع من قنصه،

ص: 206

و بيده قوس،فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس،و هو يتضرع إليه و يقول:يا أبا يعلى،أما ترى ما جاء به:سفّه عقولنا،و سبّ آلهتنا،و خالف آباءنا!!قال حمزة:و من أسفه منكم،تعبدون الحجارة من دون اللّه،أشهد أن لا إله إلا اللّه لا شريك له،و أن محمدا عبده و رسوله،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:141.قوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا .

أخرج ابن جريج: «أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جدّ نخلة فأطعم حتى أمسى،و ليست له ثمرة».

ص: 207

-سورة الأعراف-

الآية:31-32.قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .

روى الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس قال: «كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى أن كانت المرأة لتطوف بالبيت، و هي عريانة،فتعلق على سفلاها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجوه الحمر من الذباب،و هي تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله و ما بدا منه فلا أحلّه.

فأنزل اللّه تعالى على نبيه صلّى اللّه عليه و سلم: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فأمروا بلبس الثياب.

و روى مسلم عن بندار عن غندر عن شعبة عن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية،و هي عريانة،و على فرجها خرقة،و هي تقول:

اليوم يبدو كله أو بعضه و ما بدا منه فلا أحله

فنزلت: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ و نزلت: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الآيتان.

و روى الواحدي عن الكلبي قال: «كان أهل الجاهلية لا يأكلون من الطعام إلاّ قوتا،و لا يأكلون دسما في أيام حجهم،يعظمون بذلك حجهم،فقال المسلمون:يا رسول اللّه،نحن أحق بذلك،فأنزل اللّه تعالى: كُلُوا -أي اللحم و الدسم- وَ اشْرَبُوا .

الآية:175.قوله تعالى: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ .

ص: 208

الآية:175.قوله تعالى: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ .

روى الواحدي عن ابن مسعود قال:«نزلت في بلعم بن باعورا رجل من بني اسرائيل.

و قال ابن عباس،و غيره من المفسرين:«هو بلعم بن باعورا.و

قال الوالبي: هو رجل من مدينة الجبارين،يقال له بلعم،و كان يعلم اسم اللّه الأعظم،فلما نزل بهم موسى عليه السلام أتاه بنو عمه،و قومه، و قالوا:إن موسى رجل حديد،و معه جنود كثيرة،و إنه إن يظهر علينا يهلكنا،فادع اللّه أن يرد عنا موسى،و من معه.قال:إني إن دعوت اللّه أن يرد موسى،و من معه ذهبت دنياي،و آخرتي،فلم يزالوا به حتى دعا عليهم،فسلخه مما كان فيه،فذلك قوله: فَانْسَلَخَ مِنْها .

و روى الواحدي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص،و زيد بن أسلم قالا: «نزلت في أميّة بن أبي الصلت الثقفي،و كان قد قرأ الكتب، و علم أن اللّه مرسل رسولا في ذلك الوقت،و رجا أن يكون هو ذلك الرسول،فلما أرسل محمدا صلّى اللّه عليه و سلم حسده،و كفر به».

و روى الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: «هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيها،كانت له امرأة يقال لها البسوس،و كان له منها ولد،و كانت له محبة،فقالت:اجعل لي منها دعوة واحدة؟قال:لك واحدة،فما ذا تأمرين؟قالت:أدع اللّه أن يجعلني أجمل امرأة في بني اسرائيل،فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه،و أرادت شيئا آخر،فدعا اللّه عليها أن يجعلها كلبة نبّاحة،فذهبت فيها دعوتان،و جاء بنوها،فقالوا:ليس لنا على هذا قرار،قد صارت أمّنا كلبة نباحة يعيرنا بها الناس،فادع اللّه أن يردها الى الحال التي كانت عليها،فدعا اللّه،فعادت كما كانت.و ذهبت الدعوات الثلاث،و هي البسوس،و بها يضرب المثل في الشؤم،فيقال:

ص: 209

أشأم من البسوس».

الآية:187.قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ .

أخرج ابن جرير،و غيره عن ابن عباس قال: «قال جبل بن أبي قشير،و سموأل بن زيد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول؟فإنّا نعلم متى هي،فأنزل اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها الآية.

و روى الواحدي عن قتادة: «قالت قريش لمحمد:إن بيننا،و بينك قرابة فأسر إلينا متى تكون الساعة؟فأنزل اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ .

الآية:188.قوله تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللّهُ وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .

روى الواحدي عن الكلبي قال: «إنّ أهل مكة قالوا:يا محمد،أ لا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو،فتشترى،فتربح،و بالأرض التي يريد أن تجدب،فترحل عنها الى ما قد أخصب،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

الآيات 189،190،191.قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ، فَلَمّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ، أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ .

ص: 210

الآيات 189،190،191.قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ، فَلَمّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ، أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ .

روى الواحدي عن مجاهد قال: «كان لا يعيش لآدم،و امرأته ولد،فقال لهما الشيطان:إذا ولد لكما ولد،فسمّياه عبد الحرث، و كان اسم الشيطان قبل ذلك الحرث-ففعلا،فذلك قوله تعالى:

فَلَمّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ الآية».

الآية:204.قوله تعالى: وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .

أخرج ابن أبي حاتم و غيره عن أبي هريرة قال: «نزلت: وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .في رفع الأصوات في الصلاة خلف النبي صلّى اللّه عليه و سلم.»

و روى الواحدي عن قتادة: «كانوا يتكلمون في صلاتهم في أول ما فرضت،و كان الرجل يجيء،فيقول لصاحبه:كم صليتم؟فيقول:

كذا،و كذا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و روى الواحدي عن الزهري: «نزلت في فتى من الأنصار،كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كلّما قرأ شيئا قرأ هو،فنزلت هذه الآية».

و روى الواحدي عن ابن عباس: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قرأ في الصلاة المكتوبة،و قرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم،فخلطوا عليه،فنزلت هذه الآية».

و روى الواحدي عن سعيد بن جبير،و مجاهد و عطاء،و عمرو بن دينار،و جماعة قالوا:«نزلت في الإنصات للإمام في الخطبة يوم الجمعة».

ص: 211

-سورة الأنفال-

الآية:1.قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

روى أبو داود،و النسائي،و ابن حبان،و الحاكم،عن ابن عباس قال:«قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: من قتل قتيلا،فله كذا،و كذا،و من أسر أسيرا فله كذا،و كذا،فأمّا المشيخة،فثبتوا تحت الروايات،و أما الشبان، فسارعوا إلى القتل،و الغنائم،فقالت المشيخة للشبان:أشركونا معكم، فإنّا كنا لكم ردءا،و لو كان منكم شيئا للجأتم إلينا،فاختصموا إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ .

و روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: «لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص،و أخذت سيفه،فأتيت به النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:اذهب،فاطرحه في القبض،فرجعت،و بي ما لا يعلمه إلا اللّه من قتل أخي،و أخذ سلبي،فما جاوزت إلا يسيرا حتى نزلت سورة الأنفال،فقال لي النبي صلّى اللّه عليه و سلم:اذهب فخذ سيفك».

و روى أبو داود،و الترمذي،و النّسائي عن سعد قال: «لما كان يوم بدر جئت بسيف،فقلت:يا رسول اللّه،إن اللّه قد شفى صدري من المشركين،هب لي هذا السيف،فقال:هذا ليس لي،و لا لك، فقلت:عسى أن يعطى هذا من لا يبلي بلائي،فجاءنا الرسول صلّى اللّه عليه و سلم فقال:إنّك سألتني،و ليس لي،و إنه قد صار لي،و هو لك.قال:

فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الآية».

و أخرج ابن جرير عن مجاهد: «أنهم سألوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم عن الخمس بعد

ص: 212

الأربعة أخماس،فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الآية».

الآية:5.قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ .

أخرج ابن أبي حاتم،و ابن مردويه،عن أبي أيوب الأنصاري قال:

«قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و نحن بالمدينة-و بلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت-فقال:ما ترون فيها لعل اللّه يغنمناها،و يسلمناها،فخرجنا فسرنا يوما،أو يومين،فقال:ما ترون فيهم؟فقلنا:يا رسول اللّه،ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير.فقال المقداد:لا تقولوا كما قال قوم موسى:اذهب أنت،و ربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون،فأنزل اللّه:

كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ .

الآية:9.قوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ .

روى الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: «نظر النبي صلّى اللّه عليه و سلم الى المشركين،و هم:ألف،و أصحابه:ثلاثمائة،و بضعة عشر رجلا،فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه،و جعل يهتف بربه:اللهم انجز لي ما وعدتني،اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام لا تعبد في الأرض.فما زال يهتف بربه ما ذا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه،فأتاه أبو بكر،فأخذ رداءه،و ألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه،و قال:يا نبي اللّه،كفاك،مناشدتك ربك،فإنه سينجز لك ما وعدك،فأنزل اللّه تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ فأمدهم اللّه بالملائكة».

الآية:17.قوله تعالى: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى

و روى الحاكم عن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال: «أقبل أبيّ بن

ص: 213

خلف يوم أحد الى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فخلّوا سبيله،فاستقبله مصعب بن عمير، و رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ترقوة أبيّ من فرجة بين سابغة الدرع،و البيضة فطعنه بحربته،فسقط عن فرسه،و لم يخرج من طعنته دم،فكسر ضلع من أضلاعه،فأتاه أصحابه،و هو يخور خوار الثّور،فقالوا له:ما أعجزك!!إنه خدش،فذكر لهم قول الرسول صلّى اللّه عليه و سلم:«بل أنا أقتل أبيّ».

ثم قال:و الذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين،فمات أبيّ قبل أن يقدم مكة،فأنزل اللّه وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى .

و روى صفوان بن عمرو عن عبد العزيز بن جبير ،«أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يوم خيبر دعا بقوس طويلة،فقال:جيئوني بقوس غيرها، فجاءوه بقوس كبداء،فرمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الحصن،فأقبل السهم يهوي حتى قتل كنانة بن أبي الحقيق،و هو على فراشه،فأنزل اللّه: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى .

و روى الواحدي: «أن أكثر أهل التفسير:«أن الآية نزلت في رمي النبي صلّى اللّه عليه و سلم القبضة من حصباء الوادى يوم بدر حين قال في المشركين:

شاهت الوجوه،و رماهم بتلك القبضة فلم يبق عين مشرك إلاّ دخلها منه شيء».

الآية:19.قوله تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَ إِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَ لَوْ كَثُرَتْ وَ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ .

روى الحاكم في صحيحه عن القطيعي عن ابن حنبل عن أبيه عن يعقوب عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صغير قال: «كان المستفتح أبا جهل،و إنه قال حين التقى بالقوم:

اللهم أيّنا كان أقطع للرحم،و أتانا بما لم نعرف،فافتح له الغداة،و كان

ص: 214

ذلك استفتاحه،فأنزل اللّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ الى قوله تعالى: وَ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ .

و روى الواحدي عن السدي،و الكلبي قالا: «كان المشركون حين خرجوا الى النبي صلّى اللّه عليه و سلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة،و قالوا:اللهم انصر أعلى الجندين،و أهدى الفئتين،و أكرم الحزبين،و أفضل الدينين، فأنزل اللّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الآية».

الآية:27.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .

روى سعيد بن منصور،و غيره عن عبد اللّه بن قتادة،و روى الواحدي: «نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري،و ذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حاصر يهود قريظة إحدى و عشرين ليلة،فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا الى إخوانهم بأذرعات،و أريحا من أرض الشام،فأبى أن يعطيهم ذلك الاّ أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ،فأبوا،و قالوا:أرسل إلينا أبا لبابة-و كان مناصحا لهم-لأن عياله،و ماله،و ولده كانت عندهم، فبعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأتاهم،فقالوا:يا أبا لبابة،ما ترى؟أ ننزل على حكم سعد بن معاذ؟؟فأشار أبو لبابة بيده الى حلقه:إنه الذبح،فلا تفعلوا.قال أبو لبابة:و اللّه،ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت اللّه،و رسوله،فنزلت فيه هذه الآية.فلما نزلت شدّ نفسه على سارية من سواري المسجد،و قال:و اللّه،لا أذوق طعاما،و لا شرابا حتى أموت،أو يتوب اللّه عليّ،فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما حتى خرّ مغشيا عليه،ثم تاب اللّه عليه،فقيل له:يا أبا لبابة،قد تيب عليك،فقال:لا و اللّه،لا أحلّ نفسي حتى يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم هو الذى يحلني،فجاءه،فحله بيده،ثم قال أبو لبابة:إن من تمام توبتي أن

ص: 215

أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب،و أن أنخلع من مالى،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:يجزيك الثلث أن تتصدق به».

الآية:30.قوله تعالى: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: «أن نفرا من قريش،و من أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا في دار الندوة،فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل،فلما رأوه قالوا:من أنت؟!قال:شيخ من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له،فأردت أن أحضركم،و لن يعدمكم منى رأي، و نصح.قالوا:أجل فادخل.فدخل معهم،فقال:انظروا في شأن هذا الرجل،قال قائل:احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء:زهير،و النابغة،فإنما هو كأحدهم.

فقال عدو اللّه الشيخ النجدي:لا و اللّه،ما هذا لكم برأي،و اللّه ليخرجن رائد من محبسه الى أصحابه فليوشكن أن يكونوا عليه،فيأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم،فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم، فانظروا غير هذا الرأي.

فقال قائل:أخرجوه من بين أظهركم،و استريحوا منه،فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع،فقال الشيخ النجدي،و اللّه،ما هذا لكم برأي،أ لم تروا حلاوة قوله،و طلاقة لسانه،و أخذه للقلوب بما يستمع من-حديثه،و اللّه، لان فعلتم ثم استعرض العرب،ليجتمعن عليكم ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم،و يقتل أشرافكم.قالوا:صدق و اللّه،فانظروا رأيا غير هذا .فقال أبو جهل:و اللّه،لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد،ما أرى غيره.قالوا:و ما هذا؟!قال:تأخذوا من كل قبيلة وسيطا شابا جلدا،ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ثم يضربونه ضربة رجل

ص: 216

واحد،فإذا قتلتموه تفرّق دمه في القبائل كلها،فلا أظن هذا الحي من بنى هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم،و إنهم إذا رأوا ذلك،قبلوا العقل،و استرحنا،و قطعنا عنا أذاه.فقال الشيخ النجدي:هذا و اللّه، هو الرأي،القول ما قال الفتى لا أرى غيره،فتفرقوا عى ذلك،و هم مجمعون له.فأتى جبريل النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأمره ألاّ يبيت في مضجعه الذي كان يبيت،و أخبره بمكر القوم،فلم يبت الرسول صلّى اللّه عليه و سلم في بيته تلك الليلة،و أذن اللّه له عند ذلك بالخروج،و أنزل عليه بعد قدومه المدينة يذكر نعمته عليه: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية».

الآية:31.قوله تعالى: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ .

أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: «قتل النبي صلّى اللّه عليه و سلم يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط،و طعيمة بن عدي،و النّضر بن الحارث-و كان المقداد أسر النضر-فلما أمر بقتله قال المقداد:يا رسول اللّه،أسيري! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:إنه كان يقول في كتاب اللّه ما يقول.قال:و فيه نزلت هذه الآية: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا الآية».

الآية:32.قوله تعالى: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ .

روى البخاري،و مسلم عن أنس بن مالك قال: «قال أبو جهل:

اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك،فامطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم،فنزل: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ الآية».

و روى الواحدي:«قال أهل التفسير: نزلت في النضر بن الحارث، و هو الذي قال:إن كان ما يقوله محمد حقا،فامطر علينا حجارة من السماء».

و أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية قال:نزلت في النضر بن الحارث».

ص: 217

و أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية قال:نزلت في النضر بن الحارث».

الآيتان:33-34.قوله تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَ ما لَهُمْ أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ .

أخرج ابن جرير عن ابن أبزي قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بمكة، فأنزل اللّه: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ ،فخرج الى المدينة، فأنزل اللّه: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ و كان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون،فلما خرجوا أنزل اللّه: وَ ما لَهُمْ أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ الآية، فأذن بفتح مكة،فهو العذاب الذي وعدهم.

الآية:35.قوله تعالى: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ

أخرج الواحدي عن ابن عمر قال: «كانوا يطوفون بالبيت، و يصفّقون-و وصف الصفق بيده-و يصفّرون،و وصف صفيرهم، و يضعون خدودهم على الأرض،فنزلت هذه الآية».

الآية:36.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ

أخرج الواحدي عن مقاتل،و الكلبي قالا: «نزلت في المطعمين يوم بدر،و كانوا اثني عشر رجل:أبو جهل بن هشام،و عتبة،و شيبة ابنا ربيعة،و نبيه،و منبّه،ابنا حجاج،و أبو البحتري بن هشام،و النضر بن الحارث و حكيم بن حزام،و أبيّ بن خلف،و زمعة بن الأسود،و الحرث

ص: 218

بن عامر بن نوفل،و العباس بن عبد المطلب،و كلهم من قريش، و كان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشرة جزور.»

و أخرج الواحدي عن سعيد بن جبير،و ابن أبزي: «نزلت في أبي سفيان بن حرب،استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم سوى من استجاب له من العرب ،و فيهم يقول كعب بن مالك:

فجئنا إلى موج من البحر وسطه أحابيش منهم حاسر،و مقنع

ثلاثة آلاف،و نحن بقية ثلاث مئين إن كثرنا فأربع

و أخرج الواحدي عن الحكم بن عتبة قال: «أنفق أبو سفيان على المشركين يوم أحد أربعين أوقية،فنزلت فيه الآية».

و أخرج الواحدي عن ابن إسحاق قال:حدثني الزهري،و محمد بن يحيى بن حيان،و عاصم بن عمير بن قتادة،و الحصين بن عبد الرحمن قالوا: «لمّا أصيبت قريش يوم بدر،و رجعوا إلى مكة مشى عبد اللّه بن أبي ربيعة،و عكرمة بن أبي جهل،و صفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم،و أبناؤهم،فكلموا أبا سفيان، و من كان له في ذلك العير من قريش تجارة،فقالوا:يا معشر قريش، إنّ محمدا قد وتركم،و قتل خياركم،فأعينونا بهذا المال على حربه،فلعلنا أن ندرك منه ثأرا،ففعلوا،ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل اللّه:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ إلى قوله: يُحْشَرُونَ .

الآية:47.قوله تعالى: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: «لمّا خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقبان،و الدفوف،فأنزل اللّه:

ص: 219

وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً الآية.

الآية:58.قوله تعالى: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ .

روى أبو الشيخ عن ابن شهاب قال: «دخل جبريل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:قد وضعت السلاح،و ما زلت في طلب القوم،فأخرج، فإن اللّه قد أذن لك في قريظة،و أنزل فيهم: وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً الآية».

الآية:64.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .

أخرج الطبراني و غيره من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «لما أسلم مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم تسعة و ثلاثون رجلا،و امرأة،ثم إن عمر أسلم،فكانوا أربعين،نزل: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .

و أخرج بن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: «لما أسلم مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم ثلاثة و ثلاثون رجلا،و ست نسوة،ثم أسلم عمر نزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ الآية» و أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال:لما أسلم عمر أنزل اللّه فى إسلامه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ الآية.

الآية:65.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ

أخرج السيوطي عن إسحاق بن راهويه روى في سنده عن ابن عباس قال: «لما افترض اللّه عليهم أن يقاتل الواحد عشرة ثقل عليهم،

ص: 220

وشق،فوضع اللّه ذلك عنهم إلى أن يقاتل الواحد الرجلين،فأنزل اللّه : اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ الآيتان 67-68.قوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ

روى أحمد،و غيره عن أنس قال: «استشار النبي صلّى اللّه عليه و سلم الناس فى الأسارى يوم بدر،فقال:إن اللّه قد أمكنكم منهم،فقام عمر بن الخطاب فقال:«يا رسول اللّه،اضرب أعناقهم،فأعرض عنه.فقام أبو بكر فقال:نرى أن تعفو عنهم،و أن تقبل منهم الفداء.فعفا عنهم، و قبل منهم الفداء،فأنزل اللّه: لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ الآية.

و أخرج الواحدي عن ابن عمر: «استشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فى الأسارى أبا بكر،فقال:قومك،و عشيرتك،خلّ سبيلهم.و استشار عمر،فقال:

اقتلهم،ففاداهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الى قوله تعالى: فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً .قال:تلقى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:كاد أن يصيبنا فى خلافك بلاء».

و أخرج الواحدي عن أبى عبيدة عن عبد اللّه قال: «لما كان يوم بدر، و جيء بالأسرى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:ما تقولون فى هؤلاء الأسرى؟؟ فقال أبو بكر:يا رسول اللّه،قومك،و أصلك،فاستبقهم،و استأن بهم، لعل اللّه(عزّ و جلّ)يتوب عليهم.و قال عمر:كذّبوك،و أخرجوك فقدمهم،فاضرب أعناقهم.و قال عبد اللّه بن رواحة:يا رسول اللّه، انظر واديا كثير الحطب،فأدخلهم فيه،ثم اضرم عليهم النار.فقال العباس:قطعتك رحمك،فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و لم يجبهم.ثم دخل

ص: 221

فقال ناس:يأخذ بقول أبي بكر،و قال ناس:يأخذ برأي عمر،و قال ناس:يأخذ بقول عبد اللّه،ثم خرج عليهم،فقال:إن اللّه(عز و جل) ليليّن قلوب رجال فيه حتى يكون ألين من اللبن،و إن اللّه(عز و جل) ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشدّ من الحجارة،و إنّ مثلك يا أبا بكر،كمثل عيسى قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ و إنّ مثلك يا أبا بكر،كمثل عيسى قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

و إنّ مثلك يا عمر:كمثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ .

و مثلك يا عمر كمثل نوح قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً .

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أنتم اليوم عالة،أنتم اليوم عالة،فلا ينقلبن منهم أحد إلاّ بفداء،أو ضرب عنق.قال:فأنزل اللّه عزّ و جلّ:

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلى آخر الآيات الثلاث».

الآية:70.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

أخرج الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت فى العباس بن عبد المطلب،و عقيل بن أبي طالب،و نوفل بن الحرث،و كان العباس أسر يوم بدر،و معه عشرون أوقية من الذهب كان خرج بها معه الى بدر ليطعم بها الناس،و كان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر،و لم يكن بلغته النوبة حتى أسر،فأخذت معه،و أخذها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم منه.قال:فكلمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يجعل لي العشرين أوقية الذهب

ص: 222

التي أخذها مني من فدائي،فأبى علي،و قال:أما شيء خرجت به تستعين به علينا فلا،و كفلني فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة،فقلت له:تركتني،و اللّه،أسأل قريشا بكفي،و الناس ما بقيت.قال:فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل يوم مخرجك الى بدر،و قلت لها:إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك،و لعبد اللّه،و الفضل،و قثم.قال:قلت:و ما يدريك ؟!قال:أخبرني اللّه بذلك.قال:أشهد أنّك لصادق،و إني قد دفعت لها ذهبا،و لم يطلع عليها أحد الا اللّه،فأنا أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه، و أنك رسول اللّه.قال العباس:فأعطاني اللّه خيرا مما أخذ مني،كما قال:عشرين عبدا كلهم يضرب بمال كبير مكان العشرين أوقية،و أنا أرجو المغفرة من ربي».

الآية:75.قوله تعالى: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ

أخرج ابن جرير عن ابن الزبير قال: كان الرجل يعاقد الرجل:

ترثني،و أورثك.فنزلت: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ

و أخرج ابن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: «آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بين الزبير بن العوام،و بين كعب بن مالك.قال الزبير:فلقد رأيت كعبا أصابته الجراحة بأحد،فقلت:لو مات،فانقلع عن الدنيا،و أهلها لورثته،فنزلت هذه الآية: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ فصارت المواريث بعد للأرحام، و القرابات،و انقطعت تلك المواريث بالمؤاخاة».

ص: 223

سورة التّوبة

الآية:12.قوله تعالى: وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «نزلت فى أبي سفيان بن حرب،و الحرث بن هشام،و سهيل بن عمرو،و عكرمة بن أبى جهل، و سائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد،و هم الذين همّوا بإخراج الرسول».

الآية:14.قوله تعالى قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال:«ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فى خزاعة حين جعلوا يقتلون بني بكر بمكة».

و أخرج أبو الشيخ عن السدّي: وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قال:هم خزاعة حلفاء النبي صلّى اللّه عليه و سلم يشف صدورهم من بني بكر».

الآيات:17-18.قوله تعالى: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النّارِ هُمْ خالِدُونَ، إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ

روى الواحدي،قال المفسرون: «لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون،فعيّروه بكفره،و قطيعة الرحم،و أغلظ عليّ بن أبي طالب له القول،فقال العباس:ما لكم تذكرون مساوئنا،و لا تذكرون محاسننا!

ص: 224

!!فقال له علي:أ لكم محاسن؟!قال:نعم،إنا لنعمر المسجد الحرام، و نحجب الكعبة،و نسقي الحاج،و نفك العاني،فأنزل اللّه عز و جل ردا على العباس: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ الآية».

الآية:19.قوله تعالى: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ

أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: «قال العباس حين أسر يوم بدر:إن كنتم سبقتمونا بالاسلام، و الهجرة،و الجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام،و نسقي الحاج،و نفك العاني،فأنزل اللّه: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ الآية».

و أخرج مسلم،و ابن حبان،و أبو داود عن النعمان بن بشير قال:

«كنت عند منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في نفر من أصحابه،فقال رجل منهم:

ما أبالي أن لا أعمل للّه عملا بعد الإسلام إلاّ أن أسقي الحاج،و قال آخر:بل عمارة المسجد الحرام،و قال آخر:بل الجهاد في سبيل اللّه خير ممّا قلتم،فزجرهم عمر،و قال:لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و ذلك يوم الجمعة،و لكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فاستفتيته فيما اختلفتم فيه،فأنزل اللّه: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إلى قوله تعالى: وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ .

و أخرج الواحدي عن الحسن،و الشعبي،و القرظي قالوا: «نزلت في علي،و العباس،و طلحة بنى شيبة،و ذلك أنهم افتخروا،فقال طلحة:

أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه،و إليّ ثياب بيته.و قال العباس:أنا صاحب السقاية،و القائم عليها.و قال عليّ:ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس،و أنا صاحب الجهاد،فأنزل اللّه تعالى

ص: 225

هذه الآية».

و أخرج الواحدي عن ابن سيرين،و مرّة الهمذاني: «قال عليّ للعباس:أ لا تهاجر،أ لا تلحق بالنبي صلّى اللّه عليه و سلم؟فقال:أ لست في أفضل من الهجرة؟أ لست أسقي حاجّ بيت اللّه،و أعمر المسجد الحرام؟! فنزلت هذه الآية.

الآية:23.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ .

روى الواحدي عن الكلبي قال: «لما أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه،و أخيه،و امرأته:إنا قد أمرنا بالهجرة،فمنهم من يسرع إلى ذلك،و يعجبه،و منهم من يتعلق به:

زوجته،و عياله،و ولده،فيقولون:نشدناك اللّه إن تدعنا إلى غير شىء نضيع،فيرقّ،فيجلس معهم،و يدع الهجرة،فنزلت يعاتبهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ الآية.

و نزلت في الذين تخلفوا بمكة،و لم يهاجروا قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ إلى قوله: فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ يعني القتال،و فتح مكة».

الآية:25.قوله تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ

أخرج البيهقي في«الدلائل»عن الربيع بن أنس: «أن رجلا قال يوم حنين:لن نغلب من قلّة-و كانوا اثني عشر ألفا-فشقّ ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ الآية

ص: 226

الآية:28.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان المشركون يجيئون إلى البيت،و يجيئون معهم بالطعام يتجرون فيه،فلما نهوا أن يأتوا البيت قال المسلمون:من أين لنا الطعام؟!فأنزل اللّه: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ .

الآية:30.قوله تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سلام بن مشكم،و نعمان بن أوفى،و محمد بن دحية،و شاس بن قيس،و مالك بن الصيف،فقالوا:كيف نتّبعك،قد تركت قبلتنا،و أنت لا تزعم أن عزيزا بن اللّه،فأنزل اللّه في ذلك: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ الآية.

الآية:34.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ .

قال الواحدي: «نزلت في العلماء،و القرّاء من أهل الكتاب،كانوا يأخذون الرّشا من سفلتهم،و هي:المأكل التي كانوا يصيبونها من عوامّهم».

الآية:34.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ روى البخاري عن جرير عن حسين عن زيد بن وهب قال:

ص: 227

«مررت بالربذة،فإذا أنا بأبي ذر،فقلت:ما أنزلك منزلك هذا؟ قال:كنت بالشام،فاختلفت أنا،و معاوية في هذه الآية: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ ،فقال معاوية:

نزلت في أهل الكتاب،فقلت:نزلت فينا،و فيهم.و كان بيني،و بينه كلام في ذلك،و كتب إلى عثمان يشكو مني،و كتب عثمان أن أقدم المدينة،فقدمتها،و كثر الناس عليّ حتى كأنهم لم يروني من قبل،فذكرت ذلك لعثمان،فقال:إن شئت،تنحّيت-و كنت قريبا-فذلك الذي أنزلني هذا المنزل،و لو أمّروا عليّ حبشيا لسمعت،و أطعت».

و روى الواحدي عن الضحاك قال:«هي عامة في أهل الكتاب، و المسلمين».

و روى الواحدي عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ قال:يريد من المؤمنين.

و روى الواحدي عن ثوبان قال: «لمّا نزلت: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:تبّا للذهب،و الفضّة.قالوا:يا رسول اللّه،فأيّ المال نكنز؟!قال:قلبا شاكرا،و لسانا ذاكرا، و زوجة صالحة».

الآية:38.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ

أخرج ابن جرير عن مجاهد في هذه الآية قال: «هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح،و حنين أمرهم بالنفير في الصيف حين طابت الثمار،و اشتهوا الظلال،و شقّ عليهم المخرج،فأنزل اللّه: اِنْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ .

الآية:39.قوله تعالى: إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

ص: 228

الآية:39.قوله تعالى: إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

أخرج ابن أبي حاتم عن نجده بن نفيع قال: «سألت ابن عباس عن هذه الآية،فقال:استنفر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أحياء من العرب،فتثاقلوا عنه،فأنزل اللّه: إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً فأمسك عنهم المطر، فكان عذابهم».

الآية:41.قوله تعالى: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

أخرج ابن جرير عن حضرمي: «أنه ذكر له أن أناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا،أو كبيرا،فيقول:إني آثم،فأنزل اللّه: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً .

و أخرج الواحدي عن السدي: «جاء المقداد بن الأسود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-و كان عظيما سمينا-فشكى إليه،و سأله أن يأذن له،فنزلت فيه: اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً .

الآية:43.قوله تعالى: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ

أخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون الأسدي،قال: «اثنتان فعلهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لم يؤمر فيهما بشيء:إذنه للمنافقين،و أخذه من الأسارى الفداء،فأنزل اللّه: عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ .

الآية:49.قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ

أخرج الطبراني،و أبو نعيم،و ابن مردوية،عن ابن عباس قال:

«لما أراد النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يخرج إلى غزوة تبوك،قال:للجد بن قيس المنافق:يا جدّ بن قيس،ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟فقال:يا رسول اللّه،إنّي امرؤ صاحب نساء،و متى أرى نساء بني الأصفر افتتن،فأذن لي،و لا تفتنّي،فأنزل اللّه: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي الآية.

ص: 229

الآية:50.قوله تعالى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد اللّه.قال: «جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أخبار السوء،يقولون:إنّ محمدا،و أصحابه قد جهدوا في سفرهم،و هلكوا،فبلغهم تكذيب حديثهم،و عافية النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و أصحابه،فساءهم ذلك،فأنزل اللّه:

إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ الآية».

الآية:53.قوله تعالى: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ

أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال: «قال الجدّ بن قيس:إنّي إذا رأيت النّساء لم أصبر حتى أفتتن،و لكن أعينك بمال،قال:ففيه نزلت: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ .

الآية:58.قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ

روى البخارى عن أبي سعيد الخدري قال: «بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقسّم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي-و هو حرقوص بن زهير أصل الخوارج-فقال:اعدل فينا يا رسول اللّه،فقال:ويلك،و من يعدل إذا لم أعدل؟!فنزلت: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ .

الآية:61.قوله تعالى: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ

أخرج الواحدي عن محمد بن إسحاق بن ياسر،و غيره: «نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحارث-و كان رجلا أدلم ،أحمر العينين،أسفع الخدين مشوه الخلقة-و هو الذي قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم فيه:

ص: 230

من أراد أن ينظر إلى الشيطان،فلينظر إلى نبتل بن الحارث،و كان ينمّ حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلم إلى المنافقين،فقيل له:لا تفعل.فقال:إنما محمد أذن من حدّثه شيئا صدّقه،نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له،فيصدقنا، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:64.قوله تعالى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ

روى الواحدي عن السدي قال: «قال بعض المنافقين:و اللّه، لوددت أني قدمت،فجلدت مائة،و لا ينزل فينا شيء يفضحنا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و روى الواحدي عن مجاهد قال:«كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى اللّه أن لا يفشي علينا سرا».

الآية:65.قوله تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: «قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما:ما رأينا مثل قرآن هؤلاء،و لا أرغب بطونا،و لا أكذب ألسنة،و لا أجبن عند اللقاء منهم.فقال له رجل:كذبت،و لكنك منافق،لأخبرن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و نزل القرآن.قال ابن عمر:فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و الحجارة تنكبه،و هو يقول:يا رسول اللّه،إنما كنا نخوض،و نلعب، و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: أَ بِاللّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ

و روى الواحدي عن ابن عمر قوله:«رأيت عبد اللّه بن أبيّ قدّام النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و الحجارة تنكته،و هو يقول:«يا رسول اللّه إنما كنا نخوض، و نلعب،و النبي صلّى اللّه عليه و سلم يقول: أَ بِاللّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ

ص: 231

الآية:66.قوله تعالى: لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ

أخرج ابن أبي حاتم عن كعب بن مالك عن مخشي بن حمير: «لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منكم مائة على أن ننجوا من أن ينزل فينا قرآن،فبلغ النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فجاءوا يعتذرون،فأنزل اللّه: لا تَعْتَذِرُوا الآية. فكان الذي عفا اللّه عنه مخشي بن حمير فتسمى عبد الرحمن،و سأل اللّه أن يقتل شهيدا لا يعلم بمقتله،فقتل يوم اليمامة لا يعلم مقتله،و لا من قتله.

الآية:74.قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كان الجلاّس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في غزوة تبوك،و قال:لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير،فرفع عمير بن سعيد ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فحلف باللّه:ما قلت،فأنزل اللّه تعالى:

يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا الآية. فزعموا أنه تاب،و حسنت توبته.

و أخرج ابن جرير،و أبو الشيخ عن عكرمة: «أن مولى بني عدي بن كعب قتل رجلا من الأنصار،فقضى النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالدية اثني عشر ألف، و فيه نزلت: وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ الآية.

الآيات:75،76،77.قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ، فَلَمّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ .

ص: 232

الآيات:75،76،77.قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ، فَلَمّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ .

و الآية:103.قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

أخرج الطبراني،و ابن مردويه،و ابن أبي حاتم،و البيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن أبي أمامة: «أن ثعلبة بن حاطب قال:يا رسول اللّه،أدع اللّه أن يرزقني مالا قال:ويحك يا ثعلبة،قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه.قال:و اللّه،لئن آتاني اللّه مالا لأوتين كل ذي حق حقّه،فدعا له فاتخذ غنما،حتى ضاقت عليه أزقة المدينة، فتنحى بها،و كان يشهد الصلاة ثم يخرج إليها،ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة،فتنحى بها،فكان يشهد الجمعة،ثم يخرج إليها، ثم نمت فتنحى بها،فترك الجمعة،و الجماعات،ثم أنزل اللّه على رسوله:

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها فاستعمل على الصدقات رجلين،و كتب لهما كتابا،فأتيا ثعلبة،فأقرءاه كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:انطلقا إلى الناس،فإذا فرغتم،فمرّا بي،ففعلا،فقال:ما هذه إلا أخت الجزية،فانطلقا،فأنزل اللّه: وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ إلى قوله: يَكْذِبُونَ .

الآية:79.قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ .

روى الواحدي عن قتادة،و غيره قال: «حثّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على الصدقة،فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم،و قال:

يا رسول اللّه،مالي ثمانية آلاف،فجئتك بنصفها،فاجعلها في سبيل اللّه، و أمسكت نصفها لعيالي،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:بارك اللّه لك فيما أعطيت،و فيما أمسكت فبارك اللّه في مال عبد الرحمن حتى انه خلف

ص: 233

امرأتين يوم مات،فبلغ ثمن ماله لهما مائة و ستين ألف درهم.و تصدق يومئذ عاصم بن عدي بن العجلان بمائة وسق من تمر،و جاء ابو عقيل الانصاري بصاع من تمر،و قال،يا رسول اللّه،بتّ ليلتي أجر بالجرير أحبلا حتى نلت صاعين من تمر،فامسكت أحدهما لأهلي،و اتيتك بالآخر،فأمره الرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن ينثره في الصدقات،فلمزهم المنافقون،و قالوا:ما أعطى عبد الرحمن،و عاصم إلاّ رياء،و إن كان اللّه،و رسوله غنيّين عن صاع أبي عقيل،و لكنه أحب أن يزكي نفسه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:81.قوله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ .

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يبعثوا معه-و ذلك في الصيف-فقال رجل:يا رسول اللّه،الحر شديد،و لا نستطيع الخروج،فلا تنفر في الحر،فأنزل اللّه: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا

و أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في حر شديد إلى تبوك،فقال رجل من بني سلمة:لا تنفروا في الحر،فانزل اللّه: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا .

الآية:84.قوله تعالى: وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ .

روى الشيخان عن ابن عمر قال: «لما توفي عبد اللّه بن أبيّ جاء ابنه الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه،فأعطاه،ثم سأله أن يصلي عليه،فقام عمر بن الخطاب،فأخذ بثوبه،و قال:يا رسول اللّه،أ تصلّي عليه،و قد نهاك ربك أن تصلّي على المنافقين!قال:

إنما خيّرني اللّه،فقال: اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً .و سأزيده على السبعين،فقال:إنه منافق،فصلّى عليه،فأنزل اللّه: وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ .فترك الصلاة عليهم».

ص: 234

إنما خيّرني اللّه،فقال: اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً .و سأزيده على السبعين،فقال:إنه منافق،فصلّى عليه،فأنزل اللّه: وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ .فترك الصلاة عليهم».

الآية:91.قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت قال: «كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فكنت أكتب براءة،فإني لواضع القلم على أذني إذ أمرنا بالقتال فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاءه أعمى،فقال:كيف بي يا رسول اللّه،و أنا أعمى؟!فنزلت لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ .

الآية:92.قوله تعالى: وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ

أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: «أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الناس أن ينبعثوا غازين معه،فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد اللّه بن معقل المزني،فقال:يا رسول اللّه،احملنا، فقال:و اللّه،لا أجد ما أحملكم عليه،فولّوا،و لهم بكاء،و عزّ عليهم أن يحبسوا عن الجهاد،و لا يجدون نفقة،و لا محملا،فأنزل اللّه عذرهم:

وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ الآية. و قد ذكرت اسماؤهم في المبهمات.

و أخرج الواحدي قال: «نزلت في البكّائين،و كانوا سبعة:معقل بن يسار،و صخر بن حنين،و عبد اللّه بن كعب الأنصاري،و سالم بن عمير،و ثعلبة بن غنمة،و عبد اللّه بن معقل،أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا:يا نبي اللّه،إنّ اللّه عزّ و جلّ قد ندبنا للخروج معك،فاحملنا على الخفاف المرقوعة،و النعال المخصوفة نغزو معك،فقال:لا أجد ما أحملكم عليه،فتولّوا،و هم يبكون.

ص: 235

و أخرج الواحدي عن مجاهد قال:«نزلت في بني مقرن:معقل، و سويد،و النعمان.

الآية:97.قوله تعالى: اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ روى الواحدي:«نزلت في أعاريب من أسد،و غطفان،و أعاريب من أعاريب المدينة».

الآية:99.قوله تعالى: وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أخرج ابن جرير عن مجاهد:«أنه نزلت في بني مقرن الذين نزلت فيهم: وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ و أخرج عبد الرحمن بن معقل المزني قال:«كنا عشرة،ولد مقرن، فنزلت فينا هذه الآية».

الآية:101.قوله تعالى: وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ أخرج الواحدي عن الكلبي قال:«نزلت في جهينة، و مزينة،و أشجع،و أسلم،و غفار من أهل المدينة يعني:عبد اللّه بن أبيّ، وجد بن قيس،و معتب بن بشير،و الجلاّس بن سويد،و أبي عامر الراهب».

الآية:102.قوله تعالى: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

أخرج ابن مردوية،و ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس

ص: 236

قال: «غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فتخلف أبو لبابة،و خمسة معه،ثم إن أبا لبابة،و رجلين معه تفكروا،و ندموا،و أيقنوا بالهلاك،و قالوا:نحن في الظلال،و الطمأنينة مع النساء،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و المؤمنون معه في الجهاد،و اللّه لنوثقنّ أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم هو الذي يطلقها،فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من غزوته،فقال:من هؤلاء الموثقون في السواري؟!فقال رجل:هذا أبو لبابة،و أصحاب له تخلفوا فعاهدوا اللّه ألاّ يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم،فقال:لا أطلقهم حتى أومر باطلاقهم،فأنزل اللّه وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ الآية.

فلما نزلت أطلقهم،و عذرهم،و بقي الثلاثة الذين لم يوثقوا أنفسهم لم يذكروا بشيء و هم الذين قال اللّه فيهم: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ الآية.فجعل أناس يقولون:هلكوا إذا لم ينزل عذرهم،و آخرون يقولون:عسى اللّه أن يتوب عليهم حتى نزلت: وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا .

و روى الواحدي أن آية وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ نزلت في كعب بن مالك،و مرارة بن الربيع،و هلال بن أمية من بني واقف».

الآية:103.قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

أخرج ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه و زاد فجاء أبو لبابة و أصحابه بأموالهم حين أطلقوا،فقالوا:يا رسول اللّه هذه أموالنا،فتصدق بها عنا،و استغفر لنا،فقال:ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا،فأنزل اللّه: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً الآية.

أخرج ابن جرير عن قتادة:«أنها نزلت في سبعة:أربعة منهم ربطوا أنفسهم بالسوارى و هم:أبو لبابة،و مرداس،و أوس بن خذام،

ص: 237

و ثعلبة بن وديعة».

الآية:107.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ

روى الواحدي عن المفسرين قالوا: «إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء،و بعثوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يأتيهم،فأتاهم فصلّى فيه، فحسدهم أخوتهم بنو عمرو،فقالوا:نبني مسجدا،و نرسل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ليصلي فيه كما يصلي في مسجد إخواننا،و ليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام،و كان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية، و تنصر،و لبس المسوح،و أنكر دين الحنيفية لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المدينة،و عاداه،و سماه النبي(عليه الصلاة و السلام)أبا عامر الفاسق، الذي خرج إلى الشام،و أرسل إلى المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة،و سلاح،و ابنوا لي مسجدا،فإني ذاهب إلى قيصر،فآتي بجند الروم فأحرج محمدا،و اصحابه فبنوا مسجدا إلى جنب مسجدا قباء،و كان الذين بنوه اثني عشر رجلا:حزام بن خالد،و من داره أخرج الى المسجد،و ثعلبة بن حاطب،و معتب بن قشير،و ابو حبيبة بن الارعد، و عباد بن حنيف،و حارثة،و جارية،و ابناه مجمع و زيد،و نبتل بن الحارث،و لحاد بن عثمان،و وديعة بن ثابت،فلما فرغوا منه أتوا الرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:إنا بنينا مسجد الذي العلة،و الحاجة،و الليلة المطيرة،و الليلة الشاتية،و انا نحب ان تاتينا،فتصلّي فيه لنا،فدعا بقميصه ليلبسه،فيأتيهم،فنزل عليه القرآن،و اخبر اللّه(عز و جل)خبر مسجد ضرار،و ما هموا به،فدعا الرسول صلّى اللّه عليه و سلم مالك بن الدخشن، و معن بن عدي،و عامر بن يشكر،و الوحشي قاتل حمزة،و قال لهم:

انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم اهله،فأهدموه،و أحرقوه،فخرجوا،

ص: 238

و انطلق مالك،و أخذ سعفا من النخل،فاشعل فيه النار،ثم دخلوا المسجد،و فيه اهله،فحرقوه،و هدموه،و تفرق عنه اهله،و امر النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف،و النتن،و القمامة، و مات ابو عامر بالشام وحيدا غريبا».

الآية:108.قوله تعالى لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ .

أخرج الواحدي عن سعد بن ابي وقاص قال: «إن المنافقين عرضوا بمسجد يبنونه يضاهون به مسجد قباء-و هو قريب منه-لأبي عامر الراهب يرصدونه اذا قدم ليكون إمامهم فيه،فلما فرغوا من بنائه أتوا الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:إنا بنينا مسجدا،فصل فيه حتى نتخذه مصلّى،فأخذ ثوبه ليقوم معهم،فنزلت هذه الآية: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً ».

الآية:111.قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي،و اخرج الواحدي عنه قال: «لما بايعت الانصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ليلة العقبة بمكة-و هم سبعون نفسا-قال عبد اللّه بن رواحة:يا رسول اللّه،اشترط لربك، و لنفسك ما شئت،فقال:اشترط لربي ان تعبدوه،و لا تشركوا به شيئا،و أشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم.قالوا:فإذا فعلنا ذلك فما ذا لنا؟قال:الجنة.قالوا:ربح البيع لا نقيل،و لا نستقيل،الآية».

ص: 239

الآية:113.قوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ .

أخرج الشيخان من طريق سعيد بن المسيّب عن أبيه قال: «لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و عنده أبو جهل، و عبد اللّه بن أبي أمية،فقال:أي عم،قل لا اله إلا اللّه أحاجّ لك بها عند اللّه،فقال أبو جهل،و عبد اللّه:يا أبا طالب،أ ترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى آخر شيء كلمهم به هو على ملة عبد المطلب.فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:لأستغفرن لك ما لم أنه عنك،فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية.

و أخرج الترمذي و حسّنه،و الحاكم عن عليّ قال: «سمعت رجلا يستغفر لأبويه،و هما مشركان فقلت له:أستغفر لأبويك،و هما مشركان ؟!فقال:استغفر إبراهيم لأبيه،و هو مشرك.فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى

و أخرج أحمد،و ابن مردوية من حديث بريده قال: «كنت مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم إذ وقف على عسفان،فأبصر قبر أمّه فتوضأ،و صلى،و بكى ثم قال:

إني استأذنت ربي أن أستغفر لها،فنهيت،فانزل اللّه: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى الآية.

قال الحافظ بن حجر:يحتمل أن يكون لنزول الآية أسباب:

متقدم،و هو أمر أبي طالب،و متأخر،و هو أمر آمنة،و قصة علي، و جمع غيره بتعدد النزول.

الآية:122.قوله تعالى: وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

ص: 240

أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: «لما نزلت: إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً و قد كان تخلّف عنه ناس في البدو يفقّهون قومهم، فقال المنافقون:قد بقي ناس في البوادي،هلك أصحاب محمد، فنزلت: وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً

و أخرج الواحدي من رواية الكلبي عن ابن عباس: «لما أنزل اللّه تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون:و اللّه،لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و لا سرية أبدا،فلما أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون جميعا،و تركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم وحده بالمدينة،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

ص: 241

-سورة يونس-

الآية:2.قوله تعالى: أَ كانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ

روى الواحدي:قال ابن عباس: «لما بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و سلم رسولا أنكرت الكفار،و قالوا:اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:15.قوله تعالى: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ .

روى الواحدي:قال مجاهد:«نزلت في مشركي مكة».

و روى الواحدي:قال مقاتل: «و هم خمسة نفر:عبد اللّه بن ابي امية المخزومي،و الوليد ابن المغيرة،و مكرز بن حفص،و عمرو بن عبد اللّه بن ابي قيس العامري،و العاص بن عامر قالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:أنت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات،و العزى».

و قال الكليب: «نزلت في المستهزئين،فقالوا:يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسألك» .

ص: 242

سورة هود

الآية:5.قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ

قال الواحدي: «نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي،و كان رجلا حلو الكلام حلو المنظر،يلقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بما يحب،و يطوي بقلبه ما يكره».

و قال الكلبي: «كان يجالس النبي صلّى اللّه عليه و سلم يظهر له أمرا يسره،و يضمر في قلبه خلاف ما يظهر،فأنزل اللّه تعالى الآية: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ . يقول:يكمنون ما في صدورهم من العداوة لمحمد صلّى اللّه عليه و سلم».

الآية:114.قوله تعالى: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ

روى الواحدي عن عبد اللّه قال: «جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:

يا رسول اللّه،إنّي عالجت؟؟؟ امرأة في أقصى المدينة،و إني أصبت منها دون أن آتيها،و أنا هذا قض فيّ ما شئت.قال:فقال عمر:لقد سترك اللّه لو سترت نفسك،فلم يرد عليه النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فانطلق الرجل،فاتبعه رجلا،و دعاه،فتلا عليه هذه الآية،فقال رجل:يا رسول اللّه،هذا له خاصة؟قال:لا،بل للناس كافة».

ص: 243

سورة يوسف

الآية:3.قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ

روى الحاكم عن سعد بن أبي وقاص في قوله عز و جل: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ قال:أنزل القرآن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فتلاه عليهم زمانا،فقالوا:يا رسول اللّه،لو قصصت،فأنزل اللّه تعالى:

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إلى قوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ الآية.فتلاه عليهم زمانا،فقالوا يا رسول اللّه،لو حدثتنا، فأنزل اللّه تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً قال:كل ذلك ليؤمنوا بالقرآن.

و روى الواحدي عن عون بن عبد اللّه: «ملّ أصحاب رسول اللّه ملّة،فقالوا:يا رسول اللّه،حدّثنا،فأنزل اللّه تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الآية.قال:ثم إنهم ملّوا ملّة أخرى،فقالوا:يا رسول اللّه، فوق الحديث،و دون القرآن[يعنون القصص]،فأنزل اللّه تعالى:

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ . فأرادوا الحديث،فدلهم على أحسن الحديث،و أرادوا القصص،فدلهم على أحسن القصص».

ص: 244

سورة الرّعد

الآيات:10-14.قوله تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ إلى قوله: وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ

قال ابن عباس في رواية أبي صالح،و ابن جريج،و ابن زيد:

«نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل،و أربد بن ربيعة،و ذلك أنهما أقبلا يريدان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال رجل من أصحابه:يا رسول اللّه، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك،فقال:دعه،فإن يرد اللّه به خيرا،يهده،فأقبل حتّى قام عليه،فقال:يا محمد،ما لي إن اسلمت؟ قال:لك ما للمسلمين،و عليك ما عليهم.قال:تجعل لي الأمر بعدك ؟قال:لا ليس ذلك إليّ،إنما ذلك إلى اللّه يجعله حيث يشاء.قال:

فتجعلني على الوبر،و أنت على المدر؟قال:لا.قال:فما ذا تجعل لي ؟قال:أجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها.قال:أ و ليس ذلك إليّ اليوم؟و كان أوصى أربد بن ربيعة:إذا رأيتني أكلمه،فدر من خلفه و اضربه بالسيف،فجعل يخاصم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و يراجعه،فدار أربد خلف النبي صلّى اللّه عليه و سلم،ليضربه،فاخترط من سيفه شبرا،ثم حبسه اللّه تعالى، فلم يقدر على سله،و جعل عامر يومئ إليه،فالتفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فرأى أربد و ما يصنع بسيفه،فقال:اللهم اكفنيها بما شئت.فأرسل اللّه تعالى صاعقة في يوم صائف صاح،فاحرقته،و ولّى عامر هاربا، و قال:يا محمد،دعوت ربك،فقتل أربد،و اللّه لأملأنها عليك خيلا جردا،و فتيانا مردا،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:يمنعك اللّه تعالى من ذلك، و ابنا قيله-يريد الأوس،و الخزرج-فنزل عامر بيت امرأة سلولية،فلمّا أصبح ضم إليه سلاحه،فخرج،و هو يقول:و اللّه،لئن أصحر إليّ محمد و صاحبه-يعني ملك الموت-لأنفذنهما برمحي،فلمّا رأى اللّه تعالى ذلك

ص: 245

منه أرسل ملكا،فلطمه بجناحيه،فأذراه في التراب،و خرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير،فعاد إلى بيت السلولية،و هو يقول:غدة كغدة البعير،و موت في بيت السلولية!ثم مات على ظهر فرسه،و أنزل اللّه تعالى فيه: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ حتى بلغ: وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ الآية:30.قوله تعالى: وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتابِ

روى الواحدي عن أهل التفسير قالوا: «نزلت في صلح الحديبية، حين أرادوا كتابة الصلح،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم،فقال سهيل بن عمرو،و المشركون:ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة-يعنون مسيلمة الكذاب-:أكتب:باسمك اللهم.

-و هكذا كانت الجاهلية يكتبون-فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآية».

و روى الواحدي من رواية الضحاك عن ابن عباس: «نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم:اسجدوا للرحمن،قالوا:و ما الرحمن؟! أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا .فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، و قال:قل لهم:إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربّي لا إله إلا هو».

الآية:31.قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً

أخرج الواحدي عن الزبير بن العوام قال: قالت قريش للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:تزعم أنك نبي يوحى إليك،و أن سليمان سخّرت له الريح،و أن موسى سخّر له البحر،و أن عيسى كان يحيي الموتى،فادع اللّه تعالى أن يسير عنّا هذه الجبال،و يفجر لنا الأرض أنهارا،فنتخذها محارث، و مزارع،و مآكل،و إلا فادع أن يحيي لنا موتانا،فنكلمهم،و يكلمونا،و إلا

ص: 246

فادع اللّه تعالى أن يصيّر هذه الصخرة التي تحتك ذهبا،فننحت منها، و تغنينا عن رحلة الشتاء،و الصيف،فإنك تزعم أنك كهيئتهم،فبينما نحن حوله إذ نزل عليه الوحي،فلما سرّي عنه قال:و الذي نفسي بيده، لقد أعطاني ما سألتم،و لو شئت لكان،و لكنه خيّرني بين أن تدخلوا من باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم،و بين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم،فتضلوا عن باب الرحمة،فاخترت باب الرحمة،و أخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه معذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين،فنزلت: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ .و نزلت: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الآية.

الآية:38.قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ

روى الواحدي عن الكلبي: «عيرت اليهود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و قالت:

ما نرى لهذا الرجل مهمة إلاّ النساء،و النكاح و لو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآيتان:38-39.قوله تعالى: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ

أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «قالت قريش حين أنزل:

وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ :ما نراك يا محمد تملك من شيء،لقد فرغ من الأمر،فأنزل اللّه تعالى: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ الآية».

ص: 247

سورة الحجر

الآية:24.قوله تعالى: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ

روى الواحدي عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف النبي صلّى اللّه عليه و سلم امرأة حسناء في آخر النساء،و كان بعضهم يتقدم إلى الصف الأول لئلا يراها،و كان بعضهم يتأخر في الصف الآخر،فإذا ركع نظر من تحت إبطيه،فنزلت: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الآيات:43-45.قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ .

أخرج الثعلبي عن سلمان الفارسي: «لمّا سمع قوله تعالى: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ .فرّ ثلاثة أيام هاربا من الخوف لا يعقل، فجيء به للنبي صلّى اللّه عليه و سلم،فسأله،فقال:يا رسول اللّه،أنزلت هذه الآية:

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ فو الذي بعثك بالحق،لقد قطعت قلبي !!.فأنزل اللّه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ .

الآية:47.قوله تعالى: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين: «إن هذه الآية نزلت في أبي بكر،و عمر: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ .قيل:و أي غل ؟قال:غل الجاهلية،إن بني تيم،و بني عدي،و بني هاشم كان بينهم في الجاهلية عداوة،فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا،فأخذت أبا بكر الخاصرة،فجعل علي يسخن يده،فيكمد بها خاصرة أبي بكر،فنزلت هذه الآية».

ص: 248

الآيتان:49-50.قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ

روى ابن المبارك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال: «طلع علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من الباب الذي دخل منه بنو شيبة، و نحن نضحك،فقال:لا أراكم تضحكون،ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقري،فقال:إنّي لما خرجت جاء جبريل(عليه السلام)،فقال:يا محمد،يقول اللّه عز و جل:لم تقنط عبادي؟:

نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

الآية:87.قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ

روى الواحدي عن الحسين بن الفضل قال: إن سبع قوافل وافت من بصرى،و أذرعات ليهود قريظة،و النضير في يوم واحد،فيها أنواع من البز،و أوعية الطيب،و الجواهر،و أمتعة البحر،فقال المسلمون:لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها،فأنفقناها في سبيل اللّه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،و قال:لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل،و يدل على صحة هذا قوله على إثرها: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية.

الآية:95.قوله تعالى: إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

أخرج البزاز،و الطبراني عن أنس بن مالك قال: مر النبي صلّى اللّه عليه و سلم على أناس بمكة،فجعلوا يغمزون في قفاه،و يقولون:هذا الذي يزعم أنه نبي، و معه جبريل،فغمز جبريل بإصبعه فوق مثل الظفر في أجسادهم، فصارت قروحا حتى نتنوا،فلم يستطع أحد أن يدنو منهم،فأنزل اللّه: إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

ص: 249

سورة النّحل

الآية:1.قوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «لما أنزل اللّه تعالى: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ قال الكفار بعضهم لبعض:إنّ هذا يزعم أن القيامة قد قربت،فامسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن،فلما رأوا أنه لا ينزل شيء،قالوا:ما نرى شيئا،فأنزل اللّه تعالى: اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ،فأشفقوا، و انتظروا قرب الساعة،فلما امتدت الأيام قالوا:يا محمد،ما نرى شيئا مما تخوفنا به،فأنزل اللّه تعالى: أَتى أَمْرُ اللّهِ ،فوثب النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و رفع الناس رءوسهم،فنزل: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فاطمأنوا،فلما نزلت هذه الآية،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:«بعثت أنا،و الساعة كهاتين-و أشار بإصبعه إن كادت لتسبقني». و قال الآخرون:الأمر هاهنا العذاب بالسيف، و هذا جواب للنضر بن الحارث حين قال:اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك،فامطر علينا حجارة من السماء-يستعجل العذاب-فأنزل اللّه تعالى هذه الآية» الآية:4.قوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ

روى الواحدي: «نزلت الآية في أبيّ بن خلف الجمحي،حين جاء بعظم رميم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:يا محمد،أ ترى اللّه يحيي هذا بعد ما رمّ!نظيرة هذه الآية قوله تعالى في سورة يس: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ إلى آخر سورة يس.نازلة في

ص: 250

هذه القصة».

الآية:38.قوله تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم،عن أبي العالية قال: «كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه،يتقاضاه،فكان فيما يتكلم به:و الذي أرجوه بعد الموت أنه كذا،و كذا،فقال له المشرك:

إنك لتزعم انك تبعث من بعد الموت،فأقسم باللّه جهد يمينه،لا يبعث اللّه من يموت.فنزلت هذه الآية».

الآيتان:41-42.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، اَلَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

روى الواحدي: «الآية نزلت في أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم بمكة:بلال، و صهيب،و خباب،و عامر،و جندل بن صهب،أخذهم المشركون بمكة، فعذبوهم،و آذوهم،فبوأهم اللّه تعالى بعد ذلك المدينة».

الآيتان:75-76.قوله تعالى: ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ، وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

روى الواحدي عن عكرمة عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية:

ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ في هشام بن عمرو و هو الذي ينفق ماله سرا،و جهرا،و مولاه أبو الجوزاء الذي كان ينهاه،

ص: 251

فالأبكم منهما الكلّ على مولاه،هذا السيد أسد بن أبي العيص،و الذي يأمر بالعدل،و هو على صراط مستقيم،هو عثمان بن عفان(رضي اللّه عنه).

الآية:83.قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد: «أن أعرابيا أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فسأله، فقرأ عليه: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً قال الأعرابي:نعم، ثم قرأ عليه: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ .قال:نعم،ثم قرأ عليه كل ذلك،و هو يقول:نعم حتى بلغ: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ .

فولى الأعرابي،فأنزل اللّه: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ الآية:90.قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «بينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بفناء بيته بمكة جالسا إذ مر به عثمان بن مظعون فكشر إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال له:

أ لا تجلس؟فقال:بلى،فجلس إليه مستقبله،فبينما هو يحدثه إذ شخّص بصره إلى السماء،فنظر ساعة،و أخذ يضع بصره حتى وضع على عتبة في الأرض،ثم تحرف عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره،فأخذ ينغض رأسه كأنه يستنقه ما يقال له،ثم شخّص بصره إلى السماء كما شخص أول مرة،فاتبعه بصره حتى توارى في السماء،و أقبل على عثمان كجلسته الأولى،فقال:يا محمد،فيما كنت أجالسك،و آتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة؟!.قال:ما رأيتني فعلت؟قال:رأيتك تشخص

ص: 252

بصرك إلى السماء ثم وضعته حتى وضعته على يمينك،فتحرفت إليه، و تركتني،فأخذت تنغض رأسك كأنك تستنقه شيئا يقال لك.قال:أو فطنت إلى ذلك؟!قال عثمان:نعم.قال:أتاني رسول اللّه جبريل (عليه السلام)آنفا،و أنت جالس.قال:فما ذا قال لك؟!قال:قال لي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ،فذاك حين استقر الإيمان في قلبي،و أحببت محمدا صلّى اللّه عليه و سلم».

الآية:92.قوله تعالى: وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن أبي حفص قال: «كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشّعر،و اللّيف،فنزلت هذه الآية: وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها الآية».

الآية:101.قوله تعالى: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ

روى الواحدي: «نزلت حين قال المشركون:إن محمدا صلّى اللّه عليه و سلم سخر بأصحابه،يأمرهم اليوم بأمر،و ينهاهم عنه غدا،أو يأتيهم بما هو أهون عليهم،و ما هو إلا مفترى يقوله من تلقاء نفسه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،و التي بعدها».

الآية:103.قوله تعالى: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ

أخرج ابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يعلّم قينا بمكة اسمه بلعام-و كان أعجمي اللسان-و كان المشركون يرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يدخل عليه،و يخرج من عنده،فقالوا:

إنما يعلمه بلعام،فأنزل اللّه: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ الآية».

ص: 253

إنما يعلمه بلعام،فأنزل اللّه: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ الآية».

و أخرج ابن أبي حاتم من طريق حصين بن عبد اللّه بن مسلم الحضرمي،قال: «كان لنا عبدان،أحدهما:يقال له يسار،و الآخر جبر، و كانا صيقلين،فكانا يقرءان كتابهما،و يعلمان علمهما،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يمر بهما فيستمع قراءتهما،فقالوا:إنما يتعلم منهما،فنزلت».

الآية:106.قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «لما أراد النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يهاجر إلى المدينة أخذ المشركون بلالا،و خبابا،و عمار بن ياسر،فأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم،تقية.فلما رجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حدثه،فقال:كيف كان قلبك حين قلت،أ كان منشرحا بالذي قلت؟ قال:لا.فأنزل اللّه: إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ .

الآية:110.قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

أخرج ابن سعد في الطبقات عن عمر بن الحكم قال: «كان عمار بن ياسر يعذّب حتى لا يدري ما يقول،و كان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول،و كان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول، و بلال،و عامر بن فهيرة،و قوم من المسلمين،و فيهم نزلت هذه الآية:

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا .

الآيات:125-128.قوله تعالى: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ، وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ

ص: 254

الآيات:125-128.قوله تعالى: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ، وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ

أخرج الحاكم و البيهقي في:«الدلائل»و البزاز عن أبي هريرة: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم وقف على حمزة حين استشهد،و مثّل به،فقال:لأمثلنّ بسبعين منهم مكانك،فنزل جبريل-و النبي صلّى اللّه عليه و سلم واقف-بخواتيم سورة النحل: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ إلى آخر السورة،فكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أمسك عما أراد».

و أخرج الترمذي،و حسنه و الحاكم عن أبيّ بن كعب قال: «لما كان يوم أحد أصيب من الانصار أربع و ستون،و من المهاجرين ستة،منهم:

حمزة فمثّلوا بهم،فقالت الأنصار:لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربينّ عليهم،فلما كان يوم فتح مكة أنزل اللّه: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا الآية،و ظاهر هذا تأخر نزولها إلى الفتح،و في الحديث الذي قبله نزولها بأحد،و جمع ابن الحصار بأنها نزلت أولا بمكة،ثم ثانيا بأحد، ثم ثالثا يوم الفتح،تذكيرا من اللّه لعباده.

ص: 255

سورة الإسراء

الآية:15.قوله تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً

أخرج ابن عبد البرّ بسند ضعيف عن عائشة قالت: سألت خديجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن أولاد المشركين،فقال:هم من آبائهم،ثم سألته بعد ذلك،فقال:اللّه أعلم بما كانوا عاملين،ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام، فنزلت: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى .و قال:هم على الفطرة،أو قال:هم في الجنة.

الآية:26.قوله تعالى: وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً .

أخرج الطبراني،و غيره عن أبي سعيد الخدري قال: «لما أنزلت:

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ و دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فاطمة،فأعطاها فدك.

قال ابن كثير:هذا مشكل،فإنه يشعر بأن الآية مدنية،و المشهور خلافة».

و روى ابن مردويه عن ابن عباس مثله.

الآية:28.قوله تعالى: وَ إِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً

أخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخراساني قال: «جاء ناس من مزينة يستحملون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:لا أجد ما أحملكم عليه، فتولّوا،و أعينهم تفيض من الدمع حزنا-ظنوا ذلك من غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-فأنزل اللّه تعالى: وَ إِمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ الآية».

الآية:29.قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً

أخرج الواحدي عن جابر بن عبد اللّه،و ابن مردويه عن عبد اللّه

ص: 256

بن مسعود قال: «جاء غلام إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:إنّ أمي تسألك كذا و كذا،قال:ما عندنا شيء اليوم.قال:فتقول لك:ألبسني قميصك.

قال:فخلع قميصه،فدفعه إليه،و جلس في البيت حاسرا»فأنزل اللّه تعالى: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً الآية.

الآية:45:قوله تعالى: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً

أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش،و دعاهم إلى الكتاب قالوا يستهزءون به:

قلوبنا في أكنة ممّا تدعونا إليه،و في آذاننا وقر،و من بيننا و بينك حجاب،فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ الآية.

الآية:53.قوله تعالى: وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً

روى الواحدي: «نزلت في عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه)، و ذلك أنّ رجلا من العرب شتمه،فأمره اللّه تعالى بالعفو».

و روى الواحدي عن الكلبي قال: «كان المشركون يؤذون أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالقول،و الفعل فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:59.قوله تعالى: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ

أخرج الحاكم،و الطبراني،و غيرهما عن ابن عباس قال: «سأل أهل مكة النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا،و أن ينحي عنهم الجبال، فيزرعوا،فقيل له:إن شئت أن تستأني بهم،و ان شئت تؤتهم الذي سألوا،فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم.قال:بل أستأني بهم،

ص: 257

فأنزل اللّه تعالى: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الآية:60.قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْياناً كَبِيراً

أخرج أبو يعلى عن أم هاني: «أنه صلّى اللّه عليه و سلم لما أسري به أصبح يحدث نفرا من قريش يستهزءون به،فطلبوا منه آية،فوصف لهم بيت المقدس، و ذكر لهم قصة العير،فقال الوليد بن المغيرة هذا ساحر،فأنزل اللّه تعالى: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ

و أخرج ابن أبى حاتم،و البيهقي في(البعث)عن ابن عباس قال:

«لما ذكر اللّه الزّقوم خوّف به هذا الحي من قريش قال أبو جهل:هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوّفكم به محمد؟قالوا:لا.قال:الثريد، و الزبد،أما و اللّه،لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقما،فأنزل اللّه تعالى:

وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الآيات:73-75.قوله تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لاَتَّخَذُوكَ خَلِيلاً، وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً .

أخرج ابن مردويه،و ابن ابي حاتم من طريق إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال: «خرج أمية بن خلف،و أبو جهل بن هشام،و رجال من قريش،فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:يا محمد تعال تمسح بآلهتنا،و ندخل معك في دينك-و كان يحب إسلام قومه-فرّق لهم،فأنزل اللّه تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الى قوله: نَصِيراً .

ص: 258

و اخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يستلم الحجر،فقالوا:لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:و ما عليّ لو فعلت،و اللّه يعلم مني خلافه،فنزلت».

و أخرج أبو الشيخ عن جبير بن نفير: «أن قريشا أتوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا:إن كنت أرسلت إلينا،فاطرد الذين أتبعوك من سقاط الناس، و مواليهم فنكون نحن أصحابك،فركن إليهم،فنزلت».

الآيات:76-80.قوله تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً .

أخرج ابن أبي حاتم،و البيهقي في(الدلائل)من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم: «أن اليهود أتوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:إن كنت نبيّا،فالحق بالشام أرض المحشر،و أرض الأنبياء،فصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ما قالوا،فغزا غزوة تبوك يريد الشام،فلما بلغ تبوك أنزل اللّه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها ،و أمره بالرجوع إلى المدينة، و قال له جبريل:سل ربك فإن لكل نبي مسألة،فقال:ما تأمرني أن أسأل؟قال: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً فهؤلاء نزلن في رجعته من تبوك».

الآية:80.قوله تعالى: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً

روى الواحدي عن الحسن قال: «إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و يخرجوه من مكة أراد اللّه تعالى بقاء أهل مكة،و أمر نبيه أن يخرج مهاجرا إلى المدينة،و نزلت الآية.

الآية 85.قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً

ص: 259

الآية 85.قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً

أخرج البخاري عن ابن مسعود قال: «كنت أمشي مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالمدينة،و هو يتوكأ على عسيب،فمر بنفر من يهود،فقال بعضهم:

لو سألتموه،فقالوا:حدثنا عن الروح،فقام ساعة و رفع رأسه، فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال: اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً

و أخرج الترمذي عن ابن عباس قال:«قالت قريش لليهود: علّمونا شيئا نسأل هذا الرجل،فقالوا:سلوه عن الروح،فسألوه،فأنزل اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي و قال ابن كثير:«يجمع بين الحديثين بتعدد النزول.و كذا قال الحافظ ابن حجر،أو يحمل سكوته حين سؤال اليهود على توقع مزيد بيان في ذلك،و إلاّ فما في الصحيح أصح.

قال السيوطي:«و يرجح ما في الصحيح بأن راويه حاضر القصة بخلاف ابن عباس».

الآية:88.قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً

أخرج ابن إسحاق،و ابن جرير من طريق سعيد،أو عكرمة عن ابن عباس قال: «أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم سلام بن مشكم في عامّة من يهود سماهم، فقالوا:كيف نتبعك،و قد تركت قبلتنا،و ان هذا الذي جئت به لا نراه متناسقا كتناسق التوراة،فأنزل علينا كتابا نعرفه،و إلاّ جئناك بمثل ما تأتي به،فأنزل اللّه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ الآية.

الآية:90.قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً

ص: 260

أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس: «أن عتبة،و شيبة ابني ربيعة،و أبا سفيان بن حرب،و رجلا من بني عبد الدار،و أبا البحتري،و الأسود بن المطلب، و ربيعة بن الأسود،و الوليد بن المغيرة،و أبا جهل،و عبد اللّه بن أمية،و أمية بن خلف،و العاص بن وائل،و نبيّها و منبها ابني الحجاج اجتمعوا فقالوا:يا محمد،ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك،لقد سببت الآباء،و عبت الدين،و سفّهت الاحلام،و شتمت الآلهة،و فرقت الجماعة،فما من قبيح إلاّ و قد جئته فيما بيننا و بينك،فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا،جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالا،و إن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا،و إن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب، بذلنا أموالنا في طلب العلم حتى نبرئك منه.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:ما بي ما تقولون،و لكن اللّه بعثني إليكم رسولا،و أنزل عليّ كتابا، و أمرني أن أكون لكم مبشّرا،و نذيرا.قالوا:فإن كنت غير قابل عنّا ما عرضنا عليك قد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا،و لا أقل مالا،و لا أشد عيشا منّا،فلتسأل لنا ربك الذي بعثك،فليسيّر عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا،و ليبسط لنا بلادنا،و ليجر فيها أنهارا كأنهار الشام،و العراق،و ليبعث لنا من آبائنا،فإن لم تفعل،فسل ربك ملكا يصدقك بما تقول،و أن يجعل لنا جنانا،و كنوزا،و قصورا من ذهب،و فضة نعينك بها على ما نراك تبتغي،فإنك تقوم بالأسواق، و تلتمس المعاش فإن لم تفعل،فأسقط السماء كما زعمت أنت أن ربك إن شاء فعل،فإنا لن نؤمن لك إلاّ أن تفعل،فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عنهم،و قام معه عبد اللّه بن أبي أمية،فقال:يا محمد،عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم،ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها

ص: 261

منزلتك من اللّه فلم تفعل ذلك،ثم سألوك أن جعل ما تخوفهم به من العذاب،فوا اللّه،لا أومن بك أبدا حتى تتخذ الى السماء سلّما ثم ترقى فيه،و أنا أنظر حتى تأتيها،و تأتي معك بنسخة منشورة،و معك أربعة من الملائكة،فيشهدون لك أنّك كما تقول.فانصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حزينا،فأنزل عليه ما قال له عبد اللّه بن أبي أمّية: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ إلى قوله: بَشَراً رَسُولاً .

و أخرج سعيد بن منصور في«سننه»عن سعيد بن جبير في قوله:

وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ قال:نزلت في أخي أمّ سلمة عبد اللّه بن أبي أميّة.مرسل صحيح شاهد لما قبله يجبر المبهم في إسناده».

الآية:110.قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى

أخرج ابن مردويه،و غيره عن ابن عباس:قال رسول صلّى اللّه عليه و سلم بمكة ذات يوم:«فدعا،فقال في دعائه:يا اللّه،يا رحمن،فقال المشركون:

أنظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إليهنّ،فأنزل اللّه: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الآية:110.قوله تعالى: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً

أخرج البخاري،و غيره،عن ابن عباس في قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها قال:«نزلت و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مختف بمكة، و كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن،فكان المشركون إذا سمعوا القرآن سبّوه،و من أنزله،و من جاء به،فنزلت».

و أخرج البخاري عن عائشة(رضي اللّه عنها): «نزلت هذه الآية في التشهد،كان الأعرابي يجهر،فيقول:التحيات للّه،و الصلوات، و الطيبات يرفع بها صوته،فنزلت هذه الآية».

ص: 262

و أخرج ابن جرير من طريق ابن عباس مثله،ثم رجّح الأولى لكونها أصحّ سندا،و كذا رجحها النوري،و غيره.و قال الحافظ بن حجر:لكن يحتمل الجمع بينهم بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة».

و قد أخرج ابن مردوية من حديث أبي هريرة قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا صلّى عند البيت رفع صوته بالدعاء،فنزلت».

و روى الواحدي عن عبد اللّه بن شداد،قال: «كان أعراب بني تميم إذا سلم النبي صلّى اللّه عليه و سلم من صلاته،قالوا:اللهم ارزقنا مالا،و ولدا، و يجهرون،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:111.قوله تعالى: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً

أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: «إن اليهود، و النصارى قالوا:اتخذ اللّه ولدا،و قالت العرب:لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك،تملكه و ما ملك.و قال الصابئون و المجوس:لو لا أولياء اللّه لذلّ،فأنزل اللّه: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ

ص: 263

سورة الكهف

أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال: «بعثت قريش النضر بن الحارث،و عقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة،فقالوا لهم:سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته،و أخبروهم بقوله،فإنهم أهل الكتاب الأول،و عندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء،فخرجا حتى أتيا المدينة،فسألوا أحبار اليهود عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و وصفوا لهم أمره،و بعض قوله،فقالوا لهم:سلوه ثلاث:فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل،و إن لم يفعل، فالرجل متقوّل.سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول،ما كان أمرهم؟ فإنه كان لهم أمر عجيب.و سلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض، و مغاربها،ما كان نبؤه؟و سلوه عن الروح،ما هو؟فأقبلا حتى قدما على قريش،فقالا:قد جئنا بفصل ما بينكم و بين محمد.

فجاءوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فسألوه،فقال:أخبركم غدا بما سألتم عنه،و لم يستثن،فانصرفوا،و مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم خمس عشرة ليلة لا يحدث اللّه في ذلك إليه وحيا،و لا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة، و حتى أحزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مكث الوحي عنه،و شق عليه ما تكلم به أهل مكة،ثم جاءه جبريل من اللّه بسورة الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم.و خبر ما سألوه عنه من أمر الفتية،و الرجل الطوّاف،و قول اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الآية:6.قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: «اجتمع عتبة بن ربيعة،

ص: 264

و شيبة بن ربيعة،و أبو جهل بن هشام،و النضر بن الحارث،و أميّة بن خلف،و العاص بن وائل،و الأسود بن المطلب،و أبو البحتري في نفر من قريش،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه،و إنكارهم ما جاء به من النصيحة،فأحزنه حزنا شديدا،فأنزل اللّه: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ الآية.

الآية:23-24.قوله تعالى: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً، إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: «حلف النبي صلّى اللّه عليه و سلم على يمين،فمضى له أربعون ليلة،فأنزل اللّه تعالى وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ الآية:25.قوله تعالى: سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: «أنزلت: وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقيل:يا رسول اللّه،سنين،أو شهور؟فأنزل اللّه:

سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً الآية:28.قوله تعالى: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

روى الواحدي عن سلمان الفارسي قال: «جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-عيينة بن حصن،و الأقرع بن حبس،و ذووهم- فقالوا:يا رسول اللّه،إنك لو جلست في صدر المجلس،و نحيت عنّا هؤلاء،و أرواح جبابهم-يعنون سلمان،و أبا ذر،و فقراء المسلمين،و كان عليهم جباب الصوف،لم يكن عليهم غيرها-جلسنا إليك،و حادثناك، و أخذنا عنك،فأنزل اللّه تعالى:

ص: 265

وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً، وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ حتى بلغ: إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها يتهددهم بالنار،فقام النبي صلّى اللّه عليه و سلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون اللّه تعالى قال:الحمد للّه الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا،و معكم الممات».

الآية:28.قوله تعالى: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً

روى الواحدي عن الضحاك عن ابن عباس قال: «نزلت في أمية بن خلف الجمحي،و ذلك أنه دعا النبي صلّى اللّه عليه و سلم إلى أمّر كرهه من تجرد الفقراء عنه،و تقريب صناديد أهل مكة،فأنزل اللّه تعالى وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا يعنى من ختمنا على قلبه عن التوحيد،و اتبع هواه أي الشرك».

الآية:83.قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً

روى الواحدي عن قتادة قال: «إن اليهود سألوا نبي اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن ذي القرنين فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:109.قوله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «قالت اليهود لما قال لهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً :كيف،و قد أوتينا التوراة، و من أوتي التوراة،فقد أوتي خيرا كثيرا،فنزلت: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي الآية.

ص: 266

الآية:110.قوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً

أخرج ابن أبي حاتم،و ابن أبي الدنيا في كتاب(الاخلاص)عن طاوس قال: «قال رجل:يا رسول اللّه،إني أقف أريد وجه اللّه، و أحب أن أرى موطني،فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الآية:

فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً مرسل.

و أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «كان رجل من المسلمين يقاتل،و هو يحب أن يرى مكانه،فأنزل اللّه: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الآية.

و أخرج أبو نعيم،و ابن عساكر في(تاريخه)من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «قال جندب بن زهير:إذا صلّى الرجل،أو صام،أو تصدق،فذكر بخير ارتاح له،فزاد في ذلك لمقالة الناس له،فنزلت في ذلك فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الآية.

ص: 267

سورة مريم

الآية:64.قوله تعالى: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا

أخرج البخاري عن ابن عباس قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لجبريل:

ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟فنزلت: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ

و أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس: «ان قريشا لما سألوا عن أصحاب الكهف مكث خمس عشرة ليلة لا يحدث اللّه له في ذلك وحيا،فلما نزل جبريل قال له:أبطأت،فذكره.

و أخرج ابن مردويه عن أنس قال: «سأل النبي صلّى اللّه عليه و سلم جبريل:أي البقاع أحب إلى اللّه،و أبغض إلى اللّه؟فقال:ما أدري حتى أسأل، فنزل جبريل-و كان قد أبطأ عليه-فقال:لقد أبطأت عليّ حتّى ظننت أن ترى عليّ موجده،فقال: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ الآية.

و روى الواحدي عن مجاهد قال: «أبطأ الملك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ثم أتاه فقال:لعلّي أبطأت،فقال:قد فعلت.قال:و لم لا أفعل،و أنتم لا تتسوكون،و لا تقصون أظفاركم،و لا تنقون براجمكم.قال: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ . قال مجاهد:فنزلت هذه الآية».

و روى الواحدي عن عكرمة،و الضحاك،و قتادة،و مقاتل، و الكلبي: «احتبس جبريل(عليه السلام)حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف،و ذي القرنين،و الروح فلم يدر ما يجيبهم،و رجا أن يأتيه جبريل(عليه السلام)بجواب،فسألوه،فأبطأ عليه،فشق

ص: 268

على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مشقة شديدة،فلما نزل جبريل(عليه السلام)قال له:أبطأت علي حتى ساء ظني،و اشتقت إليك.فقال جبريل(عليه السلام):إني كنت إليك أشوق،و لكني عبد مأمور إذا بعثت،نزلت، و إذا حبست،احتبست،فأنزل اللّه: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ .

الآية:66.قوله تعالى: وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا

روى الواحدي عن الكلبي قال: «نزلت في أبيّ بن خلف حين أخذ عظاما بالية يفتها بيده،و يقول:زعم لكم محمد أنّا نبعث بعد ما نموت».

الآية:77.قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَ قالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَ وَلَداً

أخرج الشيخان،و غيرهما عن خبّاب بن الأرت قال: «جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقا لي عنده،فقال:لا أعطينك حتى تكفر بمحمد.فقلت:لا حتى تموت،و تبعث.قال:إني إذا متّ ثم بعثت جئني،و سيكون لي ثمّ مال،و ولد فأعطيك،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:96.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا

أخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن عوف: «لما هاجر إلى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة،منهم:شيبة،و عتبة ابنا ربيعة،و أمية بن خلف،فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا . قال:محبة في قلوب المؤمنين».

ص: 269

سورة طه

الآية:1-2.قوله تعالى: طه، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: «ان النبي صلّى اللّه عليه و سلم كان أول ما أنزل اللّه عليه الوحي يقوم على صدور قدميه إذا صلّى،فأنزل اللّه:

طه، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى

و أخرج عبد بن حميد في(تفسيره)عن الربيع بن أنس قال: «كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم يراوح بين قدميه ليقوم على كل رجل حتى نزلت ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى

أخرج الواحدي عن مقاتل قال: «قال أبو جهل،و النضر بن الحارث للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:إنك لتشقى بترك ديننا-و ذلك لما رأياه،من طول عبادته،و اجتهاده-فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و أخرج الواحدي عن الضحاك قال: «لما نزل القرآن على النبي صلّى اللّه عليه و سلم قام هو،و أصحابه،فصلّوا،فقال كفار قريش:ما أنزل اللّه تعالى هذا القرآن على محمد صلّى اللّه عليه و سلم إلاّ ليشقى به،فأنزل اللّه تعالى: طه، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى الآية:105.قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: «قالت قريش:يا محمد، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟!فنزلت: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ الآية.

الآية:114.قوله تعالى: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ

ص: 270

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: «كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم إذا نزل عليه جبريل بالقرآن أتعب نفسه في حفظه حتى يشق على نفسه،فيخاف أن يصعد جبريل،و لم يحفظه،فأنزل اللّه: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ الآية:131.قوله تعالى: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى

أخرج ابن أبي شيبة،و ابن مردويه،و البزار،و أبو يعلى عن أبي رافع قال: «أضاف النبي صلّى اللّه عليه و سلم ضيفا،فأرسلني إلى رجل من اليهود:أن أسلفني دقيقا إلى هلال رجب،فقال:إلاّ برهن،فأتيت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبرته فقال:أما و اللّه،إني لأمين في السماء أمين في الأرض،فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما

ص: 271

سورة الأنبياء

الآية:6.قوله تعالى: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ .

أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «قال أهل مكة للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:إن كان ما تقول حقا،و يسرك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا،فأتاه جبريل(عليه السلام)،فقال:إن شئت كان الذي سألك قومك،و لكنه إن كان،ثمّ لم يؤمنوا لم ينظروا،و إن شئت استأنيت بقومك،فأنزل اللّه: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ .

الآية:34.قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ .

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: «نعي إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم نفسه، فقال:يا رب،فمن لأمّتي؟فنزلت: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الآية.

الآية:36.قوله تعالى: وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ .

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: «مر النبي صلّى اللّه عليه و سلم على أبي جهل، و أبي سفيان،و هما يتحدثان،فلما رآه أبو جهل ضحك،و قال لأبي سفيان:هذا نبي بني عبد مناف،فغضب أبو سفيان،و قال:أ تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبي؟فسمعها النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فرجع إلى أبي جهل فوقع به،و خوّفه.قال:ما أراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب من غيّر عهده،فنزلت: وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً .

الآية:76.قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ .

ص: 272

الآية:76.قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ .

أخرج النسائي،و الحاكم عن ابن عباس قال: «جاء أبو سفيان إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:يا محمد،أنشدك اللّه،و الرحم أكلنا العلهز(يعني الوبر،و الدم)فأنزل اللّه تعالى: وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ .

و أخرج البيهقي في(الدلائل) بلفظ:«أن ابن أياز الحنفي لما أتي به النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و هو أسير خلّى سبيله،و أسلم،فلحق بمكة ثم رجع،فحال بين مكة و بين الميرة من اليمامة حتى اكلت قريش العلهز،فجاء أبو سفيان إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:أ لست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟! قال:بلى.قال:فقد قتلت الآباء بالسيف،و الأبناء بالجوع، فنزلت».

الآية:101.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ

عن ابن عباس قال: «آية لا يسألني الناس عنها،لا أدري أ عرفوها فلم يسألوا عنها!!أو جهلوها،فلا يسألون عنها!!قال:و ما هي؟ قال:لما نزلت: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ شق على قريش،فقالوا:أ يشتم آلهتنا!!فجاء ابن الزبعرى فقال:مالكم؟قالوا يشتم آلهتنا.قال:فما قال؟قالوا:قال:إنكم،و ما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم أنتم لها واردون.قال:ادعوه لي؟ فلما دعى النبي صلّى اللّه عليه و سلم.قال:يا محمد،هذه شيء لآلهتنا خاصة،او لكل من عبد من دون اللّه؟قال:بل لكل من عبد من دون اللّه.فقال:

ابن الزبعرى:خصمت و رب هذه البنية(يعني الكعبة)،أ لست تزعم أن الملائكة عباد صالحون،و ان عيسى عبد صالح،و هذه بنو مليح يعبدون الملائكة،و هذه النصارى يعبدون عيسى(عليه السلام)،و هذه اليهود يعبدون عزيرا.قال:فصاح أهل مكّة،فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ الملائكة،عيسى، و عزيرا(عليهم السلام) أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ .

ص: 273

-سورة الحج

الآية:3 قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ .

أخرج ابن ابي حاتم عن ابي مالك في قوله: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ .قال:نزلت في النضر بن الحارث.

الآية:11.قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ .

أخرج البخاري عن ابن عباس قال: «كان الرجل يقدم المدينة،فيسلم فإن ولدت امرأته غلاما،و نتجت خيله قال:هذا دين صالح،و إن لم تلد امرأته ولدا ذكرا،و لم تنتج خيله قال:هذا دين سوء،فأنزل اللّه:

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ الآية.

و أخرج ابن مردوية من طريق عطية عن ابن مسعود قال:

أسلم يهودي فمات ولده،فتشاءم بالاسلام،فقال:لم أصب من ديني هذا خيرا،ذهب بصري،و مالي،و مات ولدي،فنزلت: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ الآية.

الآية:19.قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ .

روى البخاري عن حجاج بن منهال عن هشيم بنم أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عبادة،قال:«سمعت أبا ذر يقول:أقسم باللّه، لنزلت: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ في هؤلاء الستة:حمزة، و عبيدة،و علي بن أبي طالب،و عتبة،و شيبة،و الوليد بن عتبة».

ص: 274

و أخرج الحاكم عن عليّ قال: «فينا نزلت هذه الآية،و في مبارزتنا يوم بدر: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ إلى قوله:

اَلْحَرِيقِ .

الآية:25.قوله تعالى: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «بعث النبي صلّى اللّه عليه و سلم،عبد اللّه بن أنيس مع رجلين:أحدهما مهاجر،و الآخر من الأنصار فافتخروا في الانساب،فغضب عبد اللّه بن أنيس فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الاسلام،و هرب إلى مكة،فنزلت فيه: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ الآية.

الآية:39.قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ

أخرج أحمد،و الترمذي،و الحاكم و حسّنه،و صححه عن ابن عباس قال: «خرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم من مكة،فقال أبو بكر:أخرجوا نبيّهم ليهلكن،فأنزل اللّه: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ .

الآية:52.قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

اخرج ابن ابي حاتم،و ابن جرير،و ابن المنذر من طريق بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: «قرأ النبي صلّى اللّه عليه و سلم بمكة(النجم)فلما بلغ:

أَ فَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّى، وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى ألقى الشيطان على لسانه:«تلك الغرانيق العلى،و ان شفاعتهنّ لترتجى،فقال:

المشركون:ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم،فسجد،و سجدوا،فنزلت:

ص: 275

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ .

و أخرج الواحدي عن سعيد عن جبير قال: «قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

أَ فَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَ الْعُزّى، وَ مَناةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرى فألقى الشيطان على لسانه:«تلك الغرانيق العلى،و إن شفاعتهنّ لترتجي»ففرح بذلك المشركون،و قالوا:قد ذكر آلهتنا،فجاء جبريل(عليه السلام)إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و قال:أعرض عليّ كلام اللّه،فلما عرض عليه فقال:

أمّا هذا فلم آتك به،هذا من الشيطان،فأنزل اللّه تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاّ إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ .

الآية:60.قوله تعالى: ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ

أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل: «إنما نزلت في سرية بعثها النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فلقوا المشركين لليلتين بقيتا من المحرم،فقال المشركون بعضهم لبعض:قاتلوا أصحاب محمد،فإنهم يحرّمون القتال في الشهر الحرام، فناشدهم الصحابة،و ذكّروهم باللّه أن لا تعرضوا لقتالهم،فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام،فأبى المشركون ذلك، و قاتلوهم،و بغوا عليهم،فقاتلهم المسلمون،و نصروا عليهم،فنزلت هذه الآية».

ص: 276

-سورة المؤمنون-

الآيات:من 1-10.قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ

روى الحاكم في صحيحه عن أبي بكر القطيعي عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن عبد الرزاق عن يونس بن سليمان عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال:«سمعت عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه)يقول: «كان إذا أنزل الوحي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل،فمكثنا ساعة،فاستقبل القبلة،و رفع يديه فقال:اللهم زدنا و لا تنقصنا،و أكرمنا و لا تهنّا، و أعطنا و لا تحرمنا،و آثرنا و لا تؤثر علينا،و ارض عنّا،ثم قال:لقد أنزلت علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة،ثم قرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى«عشر آيات» الآية:2.قوله تعالى: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ

أخرج الحاكم عن أبي هريرة: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كان إذا صلّى رفع بصره إلى السماء،فنزلت: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ فطأطأ رأسه.

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين مرسلا: «كان الصحابة يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة،فنزلت» الآية:14.قوله تعالى: فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ

روى الواحدي عن أنس بن مالك قال: «قال عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه):وافقت ربي في أربع،قلت:يا رسول اللّه،لو صلّينا خلف المقام،فأنزل اللّه تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى و قلت:يا رسول اللّه،لو اتخذت على نسائك حجابا،فإنه يدخل

ص: 277

عليك البر،و الفاجر،فرسول اللّه تعالى: وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ و قلت لأزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلم:لتنتهنّ أو ليبدلنّه اللّه أزواجا خيرا منكن ،فأنزل اللّه تعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ و نزلت: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ إلى قوله: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فقلت: فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ الآية:67.قوله تعالى: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «كانت قريش تسمر حول البيت،و لا تطوف به،و يفتخرون به،فأنزل اللّه: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ

ص: 278

-سورة النور-

الآية:3.قوله تعالى: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .

أخرج النسائي عن عبد اللّه بن عمر قال: «كانت امرأة يقال لها أم مهزول،و كانت تسافح،فأراد رجل من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يتزوجها،فأنزل اللّه: وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .

و أخرج أبو داود،و الترمذي،و النسائي،و الحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان رجل يقال له مزيد يحمل من الأنبار إلى مكة حتى يأتيهم،و كانت امرأة بمكة صديقة له يقال لها عناق،فاستأذن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن ينكحها فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت:

اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً الآية.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

يا مزيد،: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً الآية.فلا تنكحها».

و أخرج الواحدي عن عكرمة قال: «نزلت الآية في نساء بغايا بمكة،و المدينة،و كن كثيرات،و منهن تسع صواحب رايات،لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها:أم مهدون جارية السائب بن أبي السائب المخزومي،و أم غليظ جارية صفوان بن أمية،و حنّة القبطية جارية العاص بن وائل،و مرية جارية ابن مالك بن السباق،و جلاله جارية سهيل بن عمرو،و أم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي، و شريفة جارية زمعة بن الأسود،و قرينة جارية هشام بن ربيعة، و فرتنا جارية هلال بن أنس لا يدخل عليهن إلاّ زان،أو مشرك،

ص: 279

و أراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذونهنّ مأكلة،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،و نهى المؤمنين عن ذلك،و حرّمه عليهم».

الآيات:6-9.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ، وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ، وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ، وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ

أخرج البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس: «إن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:البيّنة،أو حدّ في ظهرك.فقال:يا رسول اللّه،إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا،ينطلق يلتمس البينة!فجعل النبي صلّى اللّه عليه و سلم يقول:البيّنة،أو حدّ في ظهرك.فقال هلال:و الذي بعثك بالحق،إني لصادق،و لينزلن اللّه ما يبرئ ظهري من الحد،فنزل جبريل،فأنزل اللّه عليه: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ فقرأ حتى بلغ: إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ

و اخرج أحمد عن ابن عباس قال: «لما نزلت: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً قال سعد بن عبادة-و هو سيد الأنصار-:أ هكذا نزلت يا رسول اللّه ؟!فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:يا معشر الأنصار،أ لا تسمعون ما يقول سيدكم ؟!قالوا:يا رسول اللّه،لا تلمه،فإنه رجل غيور،و اللّه،ما تزوج امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته.فقال سعد:

و اللّه يا رسول اللّه،إني لأعلم أنها حق،و أنها من اللّه،و لكني تعجبت أني لو وجدت لكاعا يعجزها رجل لم يكن لي أن أنحيه،و أحركه حتى آتي بأربعة شهداء،فو الله،لا آتي بهم حتى يقضي حاجته.قال:فما

ص: 280

لبثوا إلاّ يسيرا حتى جاء هلال بن أمية-و هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم-فجاء من أرضه عشاء،فوجد عند أهله رجلا،فرأى بعينيه،و سمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح،فغدا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و قال له:إني جئت أهلى عشاء،فوجدت عندها رجلا،فرأيت بعيني،و سمعت بأذني، فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ما جاء به،و اشتد عليه،و اجتمعت الأنصار،فقالوا:

قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة إلاّ أن يضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم هلال بن أمية،و يبطل شهادته في الناس.فقال هلال:و اللّه إني لأرجو أن يجعل اللّه لي منها مخرجا،فو الله،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يريد أن يأمر بضربه ،فأنزل اللّه عليه الوحي،فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي،فنزلت:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ الحديث».

و أخرج الشيخان،و غيرهما عن سهل بن سعد قال: «جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال:اسأل لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أ رأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أ يقتل به أم كيف يصنع؟فسأل عاصم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فعاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المسائل،فلقيه عويمر،فقال:ما صنعت؟ قال:ما صنعت إنك لم تأتني بخير،سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فعاب المسائل،فقال عويمر:فو الله،لآتين رسول اللّه،فلأسألنّه،فسأله، فقال:إنه أنزل فيك،و في صاحبتك...الحديث».

قال الحافظ بن حجر:«اختلف الأئمة في هذه المواضيع،فمنهم من رجّح أنها نزلت في شأن عويمر،و منهم من رجّح أنّها نزلت في شأن هلال،و منهم من جمع بينهما،بأن أول من وقع له ذلك هلال،و صادف مجيء عويمر أيضا،فنزلت في شأنهما معا.و إلى هذا جنح النووي،و تبعه الخطيب فقال:لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد».

و قال الحافظ بن حجر:«و يحتمل أن النزول سبق بسبب هلال،فلما جاء عويمر،و لم يكن له علم بما وقع لهلال أعلمه النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالحكم.

ص: 281

و لهذا قال في قصة هلال:فنزل جبريل،و في قصة عويمر:قد انزل اللّه فيك،فيؤوّل قوله:قد أنزل اللّه فيك،أي فيمن وقع له مثل ما وقع لك».و بهذا أجاب ابن الصبّاغ في(الشامل)،و جنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين».

و أخرج البزار من طريق زيد بن مطيع عن حذيفة قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لأبي بكر: لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟قال:كنت فاعلا به شرا.قال:و أنت يا عمر،قال:كنت أقول لعن اللّه الأعجز،و إنه لخبيث.فنزلت. قال الحافظ بن حجر:«لا مانع من تعدد الأسباب».

الآيات:11-22.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ... إلى قوله: وَ أَنَّ اللّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ .

روى البخاري عن عائشة زوج النبي صلّى اللّه عليه و سلم قالت:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه،فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه،قالت عائشة(رضي اللّه عنها)،فأقرع بيننا في غزوة غزاها،فخرج فيها سهمي،فخرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و ذلك بعد ما نزلت آية الحجاب،فأنا أحمل في هودجي،و أنزل فيه مسيرنا حتى فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من غزوته،و قفل،و دنونا من المدينة أذن ليلة بالرحيل،فقمت حتى آذنوا بالرحيل،و مشيت حتى جاوزت الجيش،فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل،فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع،فرجعت فالتمست عقدي،فحبسني ابتغاؤه، و أقبل الرهط الذين كانوا يرحّلون،فحملوا هودجي،فرحّلوه على بعيري الذي كنت أرغب،و هو يحسبون،أني فيه،قالت عائشة:و كانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن،و لم يغشهن اللحم،إنما يأكلن العلقة من الطعام،فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه،و رفعوه،و كنت

ص: 282

جارية حديثة السن،فبعثوا الجمل و ساروا،و وجدت عقدي بعد ما استمر الجيش،فجئت منازلهم،و ليس بها داع،و لا مجيب،فتيممت منزلي الذي كنت فيه،و ظننت أن القوم سيفقدوني،فيرجعوا إليّ،فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت،و كان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرّس من وراء الجيش،فأدلج فأصبح عند منزلي،فرأى سواد إنسان نائم،فأتاني،فعرفني حين رآني-و قد كان يراني قبل أن يضرب عليّ الحجاب-فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني،فخمرت وجهي بجلبابي،و اللّه ما كلمني بكلمة،و لا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته،فوطئ على يدها،فركبتها،فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة،و هلك من هلك فيّ.و كان الذي تولى كبره منهم عبد اللّه بن أبيّ بن سلول،فقدمنا المدينة،فاشتكيت حين قدمتها شهرا،و الناس يفضون في قول أهل الإفك،و لا أشعر بشيء من ذلك،و يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى،إنما يدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فيسلم ثم يقول:كيف تيكم؟؟فذلك يحزنني،و لا أشعر بالشرّ حتى خرجت بعد ما نقهت،و خرجت معي أم مسطح قبل المناصع،و هو متبرزنا،و لا نخرج إلاّ ليلا إلى ليل،و ذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا،و أمرنا أمر العرب الأول في التنزه،و كنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا،فانطلقت أنا،و أم مسطح، و هي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف،و أمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق(رضي اللّه عنه)،و ابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فأقبلت أنا،و ابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا،فعثرت أم مسطح في مرطها،فقالت:تعس مسطح،فقلت لها:بئس ما قلت،أ تسبين رجلا قد شهد بدرا؟!قالت:أي

ص: 283

هنتاه،أو لم تسمعي ما قال؟!قلت:و ما ذا قال؟!فأخبرتني بقول أهل الإفك،فازددت مرضا إلى مرضي،فلما رجعت إلى بيتي،و دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ثم قال:كيف تيكم؟قلت:تأذن لي أن آتي أبويّ؟ قالت:و أنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلها،فأذن لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فجئت أبويّ،فقلت:يا أمّاه،ما يتحدث الناس؟قالت يا بنيّة،هوّني عليك،فو الله قلّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل،و لها ضرائر إلا أكثرن عليها.قالت:فقلت:سبحان اللّه،و قد تحدث الناس بهذا؟قالت:فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، و لا أكتحل بنوم،ثم أصبحت أبكي،و دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم علي ابن أبي طالب،و أسامة بن زيد-حين استلبث الوحي-يستشيرهما في فراق أهله،فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالذي يعلم من براءة أهله،و بالذي يعلم في نفسه لهم من الود،فقال:يا رسول اللّه،هم أهلك،و ما نعلم إلاّ خيرا،فأما علي بن أبي طالب،فقال:لم يضيّق اللّه تعالى عليك،و النساء سواها كثير،و إن تسأل الجارية تصدقك.قالت:

فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بريرة،فقال:يا بريرة،هل رأيت شيئا يريبك من عائشة؟؟قالت بريرة:و الذي بعثك بالحق،إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها،فتأتي الداجن فتأكله،قالت:فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فاستعذر من عبد اللّه بن أبيّ بن سلول،فقال،و هو على المنبر:يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي؟فو الله،ما علمت على أهلي إلاّ خيرا،و لقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلاّ خيرا،و ما كان يدخل على أهلي إلاّ معي.فقام سعد بن معاذ الأنصاري،فقال:يا رسول اللّه،أنا أعذرك منه،إن كان من الأوس ضربت عنقه،و إن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا،ففعلنا أمرك قال:فقام سعد بن عبادة

ص: 284

-و هو سيد الخزرج،و كان رجلا صالحا،و لكن احتملته الحميّة-فقال لسعد بن معاذ:كذبت.لعمر اللّه لا تقتله،و لا تقدر على قتله،فقام أسيد بن الحضير-و هو ابن عم سعد بن معاذ-فقال لسعد بن عبادة:

كذبت.لعمر اللّه،لنقتلنه،إنك منافق تجادل عن المنافقين.فثار الحيّان من الأوس،و الخزرج حتى هموا أن يقتتلوا،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قائم على المنبر،فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا،و سكت.قالت:و بكيت يوم ذلك لا يرقأ لي دمع،و لا أكتحل بنوم،و أبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي.قالت:فبينما هما جالسان عندي،و أنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الانصار،فأذنت لها،و جلست تبكي معي.قالت:فبينما نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ثم جلس،و لم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل،و قد لبثت شهرا لا يوحي إليه في شأني شيء.

قالت:فتشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حين جلس ثم قال:أما بعد يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا،و كذا،فإن كنت بريئة،فسيبرئك اللّه،و إن كنت الممت بذنب،فاستغفري اللّه،و توبي إليه،فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب تاب اللّه عليه.قالت:فلما قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة،فقلت لأبي:أجب عني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فيما قال؟قال:و اللّه،ما أدري ما أقول لرسول اللّه.فقلت- و أنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن-:و اللّه لقد عرفت أنكم سمعتم هذا،و قد استقر في نفوسكم،فصدقتم به،و لئن قلت لكم:إني بريئة،و اللّه يعلم أني بريئة لا تصدقوني،و اللّه،ما أجد لي،و لكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف:فصبر جميل و اللّه المستعان على ما تصفون.

قالت:ثم تحولت،و اضطجعت على فراشي.قالت:و أنا و اللّه حينئذ،أعلم أني بريئة،و أن اللّه مبرئي ببراءتي،و لكن و اللّه،ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى،و لشأني أحقر في نفسي من أن

ص: 285

يتكلم اللّه تعالى فيّ بأمر يتلى،و لكني كنت أرجو أن يرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم رؤيا يبرئني اللّه تعالى بها.قالت:فو الله،ما رام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم منزله،و لا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل اللّه تعالى على نبيه صلّى اللّه عليه و سلم،و أخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي،حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الثّاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه.قالت:فلما سرّي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سري عنه و هو يضحك،و كان أول كلمة تكلم بها أن قال:البشرى يا عائشة،أما و اللّه لقد برأك اللّه.فقالت لي أمي:قومي إليه؟فقلت:و اللّه لا أقوم إليه،و لا أحمد إلاّ اللّه سبحانه و تعالى،هو الذي برّأني.قالت:

فأنزل اللّه تعالى هذه الآيات في براءتي.قال الصدّيق-و كان ينفق على مسطح لقرابته،و فقره-و اللّه،لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال:فأنزل اللّه تعالى: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى إلى قوله أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ .فقال أبو بكر:و اللّه إني أحب أن يغفر اللّه لي،فرجّع الى مسطح النفقة التي كانت عليه،و قال:لا أنزعها منه أبدا».

الآية:22.قوله تعالى: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَ الْمَساكِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: «فقال أبو بكر-و كان ينفق على مسطح لقرابته منه،و فقره-:و اللّه،لا أنفق عليه شيئا بعد الذي قال لعائشة،فأنزل اللّه: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ إلى أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ . قال أبو بكر:و اللّه،إني لأحب أن يغفر اللّه لي،فرجع الى مسطح ما كان ينفق عليه».

الآية:23.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أخرج الطبراني عن خصيف:«قلت لسعيد بن جبير:أيّما أشد:

ص: 286

الآية:23.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أخرج الطبراني عن خصيف:«قلت لسعيد بن جبير:أيّما أشد:

الزنا،أو القذف؟قال:الزنا،قلت:إن اللّه يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ قال:إنما أنزل هذا في شأن عائشة خاصة».في إسناده يحيى الحماني،ضعيف.

و أخرج الطبراني عن الضحاك بن مزاحم قال.«نزلت هذه الآية في نساء النبي صلّى اللّه عليه و سلم خاصة: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ الآية الآيات:23-26.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ

أخرج ابن جرير عن عائشة قالت: «رميت بما رميت به،و أنا غافلة،فبلغني بعد ذلك،فبينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عندي إذ أوحي إليه ثم استوى جالسا،فمسح وجهه،و قال:يا عائشة،أبشري.فقلت:بحمد اللّه لا بحمدك.فقرأ: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ حتى بلغ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ الآية:26.قوله تعالى: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ

أخرج الطبراني بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم في قوله: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ الآية.قال:نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان،و الفرية،فبرأها اللّه من ذلك».

و أخرج الطبراني عن الحكم عن عتيبة قال: «لما خاض الناس في أمر عائشة أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى عائشة،فقال:يا عائشة،ما يقول الناس؟فقالت:لا أعتذر بشيء حتى ينزل عذري من السماء،فأنزل

ص: 287

اللّه فيها خمس عشرة آية من سورة النور،ثم قرأ حتى بلغ: اَلْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ الآية.مرسل صحيح الأسناد».

الآية:27.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

أخرج الفريابي،و ابن جرير عن عدي بن ثابت قال: «جاءت امرأة من الأنصار،فقالت:يا رسول اللّه،إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد،و إنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي،و أنا على تلك الحال فكيف أصنع؟فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها الآية».

الآية:29.قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل عن بن حبّان قال: «لما نزلت آية الاستئذان في البيوت قال أبو بكر:يا رسول اللّه،فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة،و المدينة،و الشام،و لهم بيوت معلومة على الطريق،فكيف يستأذنون،و يسلمون،و ليس فيها سكان؟ فنزل: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ الآية:31.قوله تعالى: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ

أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: «بلغنا أنّ جابر بن عبد اللّه حدّث:أن أسماء بنت مرثد كانت في نخل لها،فجعل النساء يدخلن عليها متأزرات،فيبدو ما في أرجلهن(يعني الخلاخل)و تبدو صدورهن،

ص: 288

و ذوائبهن،فقالت أسماء:ما أقبح هذا!!فأنزل اللّه تعالى في ذلك هذه الآية».

الآية:31.قوله تعالى: وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ

أخرج ابن جرير عن حضرميّ: «أن امرأة اتخذت صرتين من فضة، و اتخذت جزعا،فمرت على قوم فضربت برجلها،فوقع الخلخال على الجزع،فصوّت،فأنزل اللّه: وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ .

الآية:33.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً .

أخرج ابن السكن في(معرفة الصحابة)عن عبد اللّه بن صبيح عن أبيه قال: «كنت مملوكا لحويطب ابن عبد العزى،فسألته الكتاب فأبى، فنزلت:« وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ .الآية.

الآية:33. وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

أخرج مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر بن عبد اللّه قال: «كان عبد اللّه بن أبيّ يقول لجاريته:اذهبي فابغينا شيئا،فأنزل اللّه: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً .

أخرج الحاكم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: «كانت مسيكة لبعض الأنصار،فقالت:إنّ سيدي يكرهني على البغاء،فنزلت: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً .الآية.

و أخرج البزار،و الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: «كانت لعبد اللّه ابن أبيّ جارية تزني في الجاهلية،فلمّا حرّم الزنا قالت:لا و اللّه،لا أزني أبدا،فنزلت: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً .

ص: 289

و أخرج البزار،و الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: «كانت لعبد اللّه ابن أبيّ جارية تزني في الجاهلية،فلمّا حرّم الزنا قالت:لا و اللّه،لا أزني أبدا،فنزلت: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً .

و أخرج سعيد بن منصور عن شعبان بن عمرو بن دينار عن عكرمة: «أن عبد اللّه بن أبيّ كانت له أمتان مسيكة،و معاذة،فكان يكرههما على الزنا،فقالت إحداهما:إن كان خيرا فقد استكثرن منه، و ان كان غير ذلك ينبغي أن أدعه،فأنزل اللّه: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ .الآية.

الآية:48.قوله تعالى: وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ

أخرج ابن أبي حاتم من مرسل الحسن قال: «كان الرجل إذا كان بينه،و بين الرجل منزعة،فدعي إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و هو محق،أذعن،و علم أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم سيقضي له بالحق،و إذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم، أعرض،فقال:«أنطلق إلى فلان،فأنزل اللّه تعالى: وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ الآية.

الآية:55.قوله تعالى: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً

أخرج الحاكم و صححه،و الطبراني عن أبيّ بن كعب قال: «لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أصحابه المدينة،و آوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة،و كانوا لا يبيتون إلا بالسلاح،و لا يصبحون إلا فيه،فقالوا:

ترون أنّا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلاّ اللّه،فنزلت:

وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ الآية».

ص: 290

الآية:58.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم غلاما من الأنصار-يقال له مدلج بن عمرو-إلى عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه)وقت الظهيرة ليدعوه،فدخل،فرأى عمر بحاله فكره عمر رؤيته ذلك،فقال:يا رسول اللّه،وددت لو أنّ اللّه تعالى أمرنا،و نهانا في حال الاستئذان،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و روى الواحدي عن مقاتل قال: «نزلت في أسماء بنت مرثد،كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته،فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقالت:إنّ خدمنا،و غلماننا يدخلون في حال نكرهها،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:61.قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ

قال عبد الرزاق:أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال:

«كان الرجل يذهب بالأعمى،و الأعرج،و المريض إلى بيت أبيه،أو بيت أخيه،أو بيت أخته،أو بيت عمته،أو بيت خالته،فكانت الزّمنى يتحرجون من ذلك،و يقولون:إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فنزلت هذه الآية رخصة لهم: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ الآية».

و روى الواحدي عن ابن عباس قال: «لما نزّل اللّه تبارك و تعالى:

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ تحرّج المسلمون من مؤاكلة المرضى، و الزمنى،و العرجى،و قالوا:الطعام أفضل الأموال،و قد نهى اللّه تعالى عن أكل المال بالباطل،و الأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، و المريض يستوفي الطعام،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:61. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً

ص: 291

أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة(رضي اللّه عنها)قالت: «كان المسلمون يرغبون في النفر مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فيدفعون مفاتيح إلى زمناهم،و يقولون لهم:قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما أحببتم،و كانوا يقولون:إنه لا يحل لنا،إنهم أذنوا عن غير طيب نفس،فأنزل اللّه:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً

و أخرج الواحدي عن قتادة،و الضحاك: «نزلت في حيّ من كنانة- يقال لهم بنو ليث بن عمرو-و كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده،فربما قعد الرجل،و الطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح، و الشول حفّل،و الأحوال منتظمة،تحرجا من أن يأكل وحده،فإذا أمسى و لم يجد أحدا أكل،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و روى الواحدي عن عكرمة قال: «نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلاّ مع ضيفهم،فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا جميعا متحلقين،أو أشتاتا متفرقين».

الآيات:62-64.قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ

أخرج ابن إسحاق،و البيهقي في(الدلائل)عن عروة،و محمد بن كعب القرظي،و غيرهما قالوا: «لما أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الأسيال من رومة(بئر بالمدينة)قائدها أبو سفيان،و أقبلت غطفان حتى نزلوا بنقمى إلى جانب أحد،و جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الخبر،فضرب الخندق على المدينة،و عمل فيه،و عمل المسلمون فيه،و أبطأ رجال من المنافقين،و جعلوا يأتون بالضعيف من العمل،فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و لا إذن،و جعل الرجل من المسلمين إذا نابته لنائبة يستأذن لحاجته ثم يرجع فأنزل اللّه فيهم الآية

ص: 292

-سورة الفرقان-

الآية:10.قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً

أخرج ابن أبي شيبة في(المصنف)،و ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن خيثمة قال: «قيل للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:إن شئت أعطيناك مفاتيح الأرض، و خزائنها لا ينقصك ذلك عندنا شيئا في الآخرة،و إن شئت جمعتها لك في الآخرة،فنزلت: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ الآية».

و روى الواحدي عن الضحّاك عن ابن عباس قال: «لمّا عيّر المشركون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالفاقة قالوا:ما لهذا الرسول يأكل الطعام، و يمشي في الأسواق،حزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فنزل جبريل(عليه السلام) من عند ربه معزيا له،فقال:السلام عليك يا رسول اللّه،ربّ العزة يقرئك السلام،و يقول لك: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ أي يبتغون المعاش في الدنيا.

قال:بينما جبريل(عليه السلام)،و النبي صلّى اللّه عليه و سلم يتحدثان إذ ذاب جبريل (عليه السلام)حتى صار مثل الهدرة.قيل:يا رسول اللّه،و ما الهدرة ؟!قال:العدسة.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:مالك ذبت حتى صرت مثل الهدرة!!قال:يا محمد،فتح باب من أبواب السماء،و لم يكن فتح قبل ذلك اليوم،و إني أخاف أن يعذّب قومك عند تعييرهم إياك بالفاقة.و أقبل النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و جبريل(عليه السلام)يبكيان،إذ عاد جبريل(عليه السلام)إلى حاله،فقال:أبشر يا محمد،هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك،فأقبل رضوان حتى سلّم ثم قال:يا

ص: 293

محمد،رب العزة يقرئك السلام،و معه سقط من نور يتلألأ،و يقول لك ربك:هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع ما لا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة،فنظر النبي صلّى اللّه عليه و سلم إلى جبريل(عليه السلام) كالمستشير به،فضرب جبريل بيده إلى الأرض،فقال:تواضع للّه:

فقال:يا رضوان،لا حاجة لي فيها،الفقر أحب إليّ،و أن أكون عبدا صابرا شكورا،فقال رضوان(عليه السلام):أصبت أصاب اللّه بك،و جاء نداء من السماء فرفع جبريل(عليه السلام)رأسه،فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش،و أوحى اللّه تعالى إلى جنة عدن أن تدلي غصنا من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبر جدة خضراء لها سبعون ألف باب من ياقوتة حمراء.فقال جبريل(عليه السلام):يا محمد،ارفع بصرك،فرفع فرأى منازل الانبياء،و عرفهم،فإذا منازله فوق منازل الأنبياء فضلا له خاصة،و مناد ينادي:أرضيت يا محمد؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:رضيت فاجعل ما أردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة،و يرون أن هذه الآية أنزلها رضوان:

تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً .

الآية:20.قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً .

أخرج الواحدي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: «لما عير المشركون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالفاقة،و قالوا:«مال هذا الرسول يأكل الطعام،و يمشي في الأسواق»حزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فنزل: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ .

ص: 294

الآيات:27-29.قوله تعالى: وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً .

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «كان أبيّ بن خلف يحضر النبي صلّى اللّه عليه و سلم فيزجره عقبة بن أبي معيط،فنزل: وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ إلى قوله: خَذُولاً .

و أخرج الواحدي من رواية عطاء الخراساني «كان أبيّ بن خلف يحضر النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و يجالسه،و يستمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به،فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك،فنزلت الآية».

و أخرج الواحدي عن الشعبي قال: «و كان عقبة خليلا لأمية بن خلف،فأسلم عقبة،فقال أمية:وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا(عليه السلام)،و كفر،و ارتد لرضا أمية،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:32.قوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً .

أخرج ابن أبي حاتم،و الحاكم و صححه،و الضياء في(المختارة)عن ابن عباس قال: «قال المشركون:إن كان محمد كما يزعم نبيّا فلم يعذبه ربه، ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة،فينزل عليه الآية،و الآيتين،فأنزل اللّه وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً .

ص: 295

الآيات:68-70.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ، إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً .

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «أتى وحشيّ إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فقال:يا محمد،أتيتك مستجيرا،فأجرني حتى أسمع كلام اللّه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:قد كنت أحب أن أراك على غير جوار،فأما إذ أتيتني مستجيرا،فأنت في جواري حتى تسمع كلام اللّه.قال:فإنّي أشركت باللّه،و قتلت النفس التي حرم اللّه تعالى،و زنيت،هل يقبل اللّه مني توبة؟!فصمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حتى نزل: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ إلى آخر الآية،فتلاها عليه،فقال:أرى شرطا،فلعلّي لا أعمل صالحا،أنا في جوارك حتى أسمع كلام اللّه،فنزلت: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ،فدعا به،فتلاها عليه،فقال:

و لعلّي ممن لا يشاء،أنا في جوارك حتى أسمع كلام اللّه،فنزلت:

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ،فقال:نعم،الآن.لا أرى شرطا،فأسلم».

و أخرج الشيخان عن ابن عباس: «إن أناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا،و زنوا فأكثروا،ثم أتوا محمدا صلّى اللّه عليه و سلم،و قالوا:إنّ الذي تقول، و تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة،فنزلت: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ إلى قوله: غَفُوراً رَحِيماً ،و نزل: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ».

ص: 296

سورة الشعراء

الآية:205-207: أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ، ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ .

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جهضم قال: «رئي النبي صلّى اللّه عليه و سلم كأنه متحير،فسألوه عن ذلك،فقال:و لم،و رأيت عدوي يكون من أمتي بعدي،فنزلت: أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ، ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ فطابت نفسه» الآية:215.قوله تعالى: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: «لما نزلت: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ بدأ بأهل بيته،و فصيلته فشق ذلك على المسلمين، فأنزل اللّه: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الآية:224.قوله تعالى: وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: «تهاجى رجلان عى عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أحدهما من الأنصار، و الآخر من قوم آخرين،و كان مع كل واحد منهم غواة من قومه،و هم السفهاء،فأنزل اللّه: وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ الآيات».

الآية:227.قوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ ذَكَرُوا اللّهَ كَثِيراً وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال: «لما نزلت وَ الشُّعَراءُ إلى قوله ما لا يَفْعَلُونَ قال عبد اللّه بن رواحة:قد علم اللّه أنّي منهم،

ص: 297

فانزل اللّه: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا إلى آخر السورة.

و أخرج ابن جرير،و الحاكم عن أبي حسن البراد قال: «لما أنزلت:

وَ الشُّعَراءُ الآية جاء عبد اللّه بن رواحة،و كعب بن مالك،و حسّان بن ثابت،فقالوا:«يا رسول اللّه،و اللّه لقد أنزل اللّه هذه الآية،و هو يعلم أنّا شعراء،هلكنا،فأنزل اللّه: إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا الآية.فدعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فتلاها عليهم».

ص: 298

-سورة القصص-

الآية:51.قوله تعالى: وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أخرج ابن جرير،و الطبراني عن رفاعة القرظي قال:«نزلت:

وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ في عشرة أنا أحدهم».

الآية:52.قوله تعالى: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ

أخرج ابن جرير عن علي بن رفاعة قال: «خرج عشرة رهط من أهل الكتاب منهم:رفاعة(يعني أباه)إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فآمنوا،فأوذوا، فنزلت: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ الآية.

و أخرج ابن جرير عن قتادة قال:«كنا نحدّث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على الحق حتى بعث اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و سلم،فآمنوا به، منهم:عثمان،و عبد اللّه بن سلام».

الآية:56.قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ روى البخاري عن أبي اليمان،و مسلم عن حرملة،عن ابن وهب،

عن يونس،عن الزهري،قال: «أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال:لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه الرسول صلّى اللّه عليه و سلم،فوجد عنده أبا جهل، و عبد اللّه بن أبي أميّة،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:يا عم،قل:لا اله الاّ اللّه كلمة أحاجّ لك بها عند اللّه سبحانه و تعالى،فقال أبو جهل،و عبد اللّه بن أبي أمية:أ ترغب عن ملة عبد المطلب؟!فلم يزل الرسول صلّى اللّه عليه و سلم يعرضها عليه،و يعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم

ص: 299

به:أنا على ملة عبد المطلب،و أبى أن يقول:لا اله الاّ اللّه.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:و اللّه،لأستغفرنّ لك ما لم أنّه عنك،فأنزل اللّه عز و جل ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى الآية.و أنزل في أبي طالب: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ .

و أخرج مسلم،و غيره عن أبي هريرة قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لعمه: قل:لا اله الا اللّه،أشهد لك يوم القيامة.قال:لو لا أن تعيرني نساء قريش،يقلن إنّه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك، فأنزل اللّه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ

و أخرج النسائي،و ابن عساكر في(تاريخ دمشق)بسند جيد عن أبي سعيد بن رافع قال: «سألت ابن عمر عن هذه الآية: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أ في أبي جهل،و أبي طالب؟قال:نعم» الآية:57.قوله تعالى: وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا

أخرج الواحدي «نزلت في الحارث بن عثمان بن عبد مناف،و ذلك أنه قال للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:إنّا لنعلم أن الذي تقول حق،و لكن يمنعنا من اتباعك،ان العرب تخطفنا من أرضنا لاجماعهم على خلافنا،و لا طاقة لنا بهم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:61.قوله تعالى: أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ الآية.

قال:نزلت في النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و في أبي جهل بن هشام».

و أخرج ابن جرير عن مجاهد:«أنها نزلت في حمزة،و أبي جهل».

و أخرج الواحدي عن شعبة،عن أبان،عن مجاهد في هذه الآية

ص: 300

قال:«نزلت في علي،و حمزة،و أبي جهل.

و أخرج الواحدي عن السدّي:«نزلت في عمار،و الوليد بن المغيرة».

الآية:68.قوله تعالى: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللّهِ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ

روى الواحدي عن المفسرين قالوا: «نزلت جوابا للوليد بن المغيرة حين قال فيما أخبر اللّه تعالى أنه لا يبعث الرسل باختياره».

الآية:85.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: «لما خرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم من مكة،فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة،فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ

ص: 301

سورة العنكبوت

الآية 1-2.قوله تعالى: الم، أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله: الم، أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا الآية.قال:أنزلت في أناس كانوا بمكة قد أقرّوا بالاسلام فكتب هم المسلمون من المدينة:أنه لا يقبل منكم حتى تهاجروا،فخرجوا عامدين إلى المدينة،فتبعهم المشركون،فردوهم،فنزلت هذه الآية،فكتبوا إليهم أنه قد نزل فيكم كذا و كذا،فقالوا:نخرج فان اتبعنا أحد قاتلناه،فخرجوا فاتبعهم المشركون،فقاتلوهم،فمنهم من قتل،و منهم من نجا،فأنزل اللّه فيهم: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا و أخرج الواحدي عن مقاتل قال:نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:سيد الشهداء مهجع،و هو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة،فجزع عليه أبواه،و امرأته، فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآية،و أخبر أنه لا بدّ لهم من البلاء،و المشقة في ذات اللّه تعالى».

الآية:8.قوله تعالى: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً

روى الواحدي عن المفسرين قالوا: «نزلت في سعد بن أبي وقاص، و ذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة:يا سعد،بلغني أنك صبوت،فو اللّه،لا يظلني سقف بيت من الضح،و الريح،و لا آكل،و لا أشرب حتى تكفر بمحمد صلّى اللّه عليه و سلم،و ترجع إلى ما كنت عليه-و كان أحب ولدها إليها-فأبى سعد فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل،و لم تشرب،و لم

ص: 302

تستظل حتى غشي عليها فأتى سعد النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و شكا ذلك إليه،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،و التي في لقمان،و الأحقاف».

الآية:8.قوله تعالى: وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

أخرج الواحدي عن سعد بن مالك قال: «أنزلت فيّ هذه الآية:

وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما قال:

كنت رجلا برا بأمي،فلما أسلمت قال:يا سعد،ما هذا الدين الذي أحدثت؟،لتدعن عن دينك هذا،أو لا آكل،و لا أشرب حتى أموت فتعيّر بي،فيقال:يا قاتل أمه.قلت:لا تفعلي يا أمّاه،فإني لا أدع ديني هذا لشيء.قال:فمكثت يوما لا تأكل،فأصبحت قد جهدت.

قال:فمكثت يوما آخر،و ليلة لا تأكل،فأصبحت و قد اشتدّ جهدها.

قال:فلما رأيت ذلك قلت:تعلمين يا أماه لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء،إن شئت فكلي،و إن شئت فلا تأكلي،فلما رأت ذلك أكلت،فأنزل اللّه هذه الآية: وَ إِنْ جاهَداكَ الآية».

الآية:60.قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّهُ يَرْزُقُها وَ إِيّاكُمْ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

روى الواحدي عن ابن عمر قال: «خرجنا مع النبي صلّى اللّه عليه و سلم حتى دخل حيطان الأنصار،فجعل يلقط من التمر،و يأكل،فقال:يا ابن عمر، مالك لا تأكل؟!فقلت:ما أشتهيه يا رسول اللّه.فقال:و لكن أشتهيه،و هذه صبيحة رابعة ما ذقت طعاما،و لو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى،و قيصر،فكيف بك يا ابن عمر،إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم،و يضعف اليقين!!قال:فو اللّه،ما برحنا حتى نزلت: وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللّهُ يَرْزُقُها وَ إِيّاكُمْ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

ص: 303

-سورة الروم-

الآية:1-5.قوله تعالى: الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال: «بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين،و هم بمكة قبل أن يخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فيقولون:

الروم يشهدون أنهم أهل الكتاب،و قد غلبتهم المجوس،و أنتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي أنزل على نبيكم فكيف غلب المجوس الروم، و هم أهل الكتاب؟!سنغلبكم كما غلبت فارس الروم،فأنزل اللّه: الم، غُلِبَتِ الرُّومُ و أخرج ابن جرير عن عكرمة،و يحيى بن يعمر،و قتادة على قراءة «غلبت»بالفتح،لأنها نزلت يوم غلبهم يوم بدر،و الثانية على قراءة الضم،فيكون معناه:و هم بعد غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون حتى يصبح معنى الكلام،و إلاّ لم يكن له كبير معنى».

و أخرج الواحدي عن المفسرين قالوا: «بعث كسرى جيشا إلى الروم،و استعمل عليهم رجلا يسمى شهريران،فسار إلى الروم بأهل فارس،و ظهر عليهم،فقتلهم،و خرّب ديارهم،و قطع زيتونهم،و كان قيصر بعث رجلا يدعى«يحنس»فالتقى مع شهريران بأذرعات، و بصرى،و هي أدنى الشام إلى أرض العرب،فغلب فارس الروم،و بلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و أصحابه بمكة،فشق ذلك عليهم،و كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم يكره أن يظهر الأميون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم،

ص: 304

و فرح كفار مكة،و شمتوا،فلقوا أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:إنكم أهل كتاب،و النصارى أهل كتاب،و نحن اميون،و قد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم،و إنكم إن قاتلتمونا،لنظهرن عليكم، فأنزل اللّه تعالى: الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ إلى آخر الآيات».

الآية:29.قوله تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .

أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: «كان يلبي أهل الشرك:لبيك اللهم لبّيك،لبّيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه،و ما ملك، فأنزل اللّه ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ .»الآية.

و أخرج جويبر مثله عن داود بن أبي هند عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه.

ص: 305

-سورة لقمان-

الآية:6.قوله تعالى وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ .

أخرج جويبر عن ابن عباس قال: «نزلت في النضر بن الحارث، اشترى قينة،و كان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول:أطعميه،و أسقيه،و غنيه،هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة،و الصيام،و أن تقاتل بين يديه،فنزلت».

أخرج الواحدي عن الكلبي،و مقاتل: «نزلت في النضر بن الحارث،و ذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس،فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها،و يحدّث بها قريشا،و يقول لهم:إن محمدا«عليه الصلاة و السلام»يحدثكم بحديث عاد،و ثمود،و أنا أحدثكم بحديث رستم، و اسفنديار،و أخبار الأكاسرة،فيستملحون حديثه،و يتركون استماع القرآن،فنزلت فيه هذه الآية».

روى الواحدي عن أبي أمامة قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: لا يحل تعليم المغنيات،و لا بيعهن،و أثمانهن حرام،و في مثل هذا نزلت هذه الآية: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ إلى آخر الآية.و ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلاّ بعث اللّه تعالى عليه شيطانين،أحدهما على هذا المنكب،و الآخر على هذا المنكب،فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت».

و أخرج الواحدي عن ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس:

«نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا،و نهارا».

ص: 306

الآية:15.قوله تعالى: وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ روى الواحدي:«نزلت في أبي بكر(رضي اللّه عنه).

و روى الواحدي أيضا عن عطاء عن ابن عباس: «يريد أبا بكر،و ذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف،و سعد بن أبي وقاص،و سعيد بن زيد،و عثمان،و طلحة،و الزبير،فقالوا لأبي بكر(رضي اللّه عنه):آمنت،و صدقت محمد(عليه الصلاة و السلام)؟! فقال أبو بكر:نعم،فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فآمنوا،و صدقوا،فأنزل اللّه تعالى يقول لسعد: وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يعني أبا بكر(رضي اللّه عنه).

الآية:27.قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: «سأل أهل الكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن الروح،فأنزل اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً فقالوا:تزعم أنّا لم نؤت من العلم إلاّ قليلا،و قد أوتينا التوراة، و هي حكمة،و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا،فنزلت: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ الآية».

و أخرج ابن إسحاق عن عطاء بن يسار،و أخرج الواحدي عن المفسرين قالوا: «سألت اليهود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن الروح،فأنزل اللّه:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً فلما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا:يا محمد،بلغنا عنك أنك تقول:و ما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا!

ص: 307

أ فتعنينا أم قومك؟!فقال:كلاّ عنيت.قالوا:أ لست تتلو فيما جاءك إنّا قد أوتينا التوراة،و فيها علم كل شيء؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:هي في علم اللّه سبحانه و تعالى قليل،و لقد آتاكم اللّه تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به،فقالوا:يا محمد،كيف تزعم هذا و أنت تقول:و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا!!و كيف يجتمع هذا علم قليل،و خير كثير،فأنزل اللّه تعالى: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ الآية».

الآية:34.قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «جاء رجل من أهل البادية فقال:إن امرأتي حبلى،فأخبرني بما تلد،و بلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث،و قد علمت متى ولدت،فأخبرني متى أموت ؟!فأنزل اللّه: إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ

و روى البخاري عن ابن عمر قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهم إلا اللّه تعالى:لا يعلم متى تقوم الساعة الاّ اللّه، و لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا اللّه،و لا يعلم ما في غد إلا اللّه،و لا يعلم بأي أرض تموت إلا اللّه،و لا يعلم متى ينزل الغيث إلا اللّه.

ص: 308

سورة السجدة

الآية:16.قوله تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ .

أخرج البزار عن بلال قال: كنا نجلس في المسجد،و ناس من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء، فنزلت هذه الآية: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الآية.

و روى الواحدي عن معاذ بن جبل قال: «بينما نحن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في غزوة تبوك-و قد أصابنا الحر-فتفرق القوم،فنظرت فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أقربهم مني،فقلت:يا رسول اللّه،أنبئني بعمل يدخلني الجنة،و يباعدني عن النار؟قال:لقد سألت عن عظيم،و إنه ليسير على من يسّره اللّه تعالى عليه:تعبد اللّه،و لا تشرك به شيئا، و تقيم الصلاة المكتوبة،و تؤدي الزكاة المفروضة،و تصوم رمضان،و إن شئت أنبأتك بأبواب الخير،فقال:قلت:أجل يا رسول اللّه.قال:

الصوم جنّة،و الصدقة تكفّر الخطيئة،و قيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه اللّه تعالى،ثم قرأ هذه الآية: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ الآية:18.قوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ

أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب(رضي اللّه عنه):أنا أحد منك سنانا،و أبسط منك لسانا،و أملأ للكتيبة منك،فقال له عليّ:اسكت،فإنما أنت

ص: 309

فاسق،فنزل: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ قال:

يعني بالمؤمن عليا،و بالفاسق الوليد بن عقبة».

ص: 310

-سورة الأحزاب-

الآية:1.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً

روى الواحدي: «نزلت في أبي سفيان،و عكرمة بن أبي جهل، و أبي الأعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد،فنزلوا على عبد اللّه بن أبيّ،و قد أعطاهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم الأمان على أن يكلموه،فقام معهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح،و طعمة بن أبيرق،فقالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم و عنده عمر بن الخطاب:أرفض ذكر آلهتنا:اللاّت و العزى،و منات،و قل:

إنّ لها شفاعة،و منفعة لمن عبدها،و ندعك،و ربك،فشق على النبي صلّى اللّه عليه و سلم قولهم،فقال عمر بن الخطاب(رضي اللّه عنه):ائذن لنا يا رسول اللّه،في قتلهم،فقال:إنّي قد أعطيتهم الأمان.فقال عمر:اخرجوا في لعنة اللّه،و غضبه.فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يخرجهم من المدينة، فأنزل اللّه عزّ و جلّ هذه الآية».

الآية:4.قوله تعالى: ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ

روى الواحدي: «نزلت في جميل بن معمر الفهري،و كان رجلا لبيبا حافظا لما سمع،فقالت قريش ما حفظ هذه الأشياء إلاّ و له قلبان،و كان يقول:إنّ لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد صلّى اللّه عليه و سلم،فلما كان يوم بدر،و هزم المشركون،و فيهم يومئذ جميل بن معمر،تلقاه أبو سفيان-و هو معلق إحدى نعليه بيده،و الأخرى في رجله-فقال له:يا أبا معمر،ما حال الناس؟قال:انهزموا.قال:

فما بالك إحدى نعليك في يدك،و الأخرى في رجلك؟!قال:ما

ص: 311

شعرت إلاّ أنهما في رجلي،و عرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده».

أخرج الترمذي،و حسّنه عن ابن عباس قال: «قام النبي صلّى اللّه عليه و سلم يوما يصلى فخطر خطرة،فقال المنافقون الذين يصلون معه:أ لا ترى أنّ له قلبين:قلبا معكم،و قلبا معه،فأنزل اللّه: ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ الآية:4-5.قوله تعالى: ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَ اللّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ .

أخرج البخاري عن ابن عمر قال:«ما كنا ندعوا زيد بن حارثة إلاّ زيد بن محمد حتى نزل في القرآن: اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ .

الآية:9.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً .

أخرج البيهقي في«الدلائل»عن حذيفة قال: «لقد رأينا ليلة الأحزاب،و نحن صافّون قعودا،و أبو سفيان،و من معه من الأحزاب فوقنا،و قريظة أسفل منا،نخافهم على ذرارينا،و ما أتت قطّ علينا ليلة أشد ظلمة،و لا أشد ريحا منها،فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلّى اللّه عليه و سلم يقولون:إن بيوتنا عورة،و ما هي بعورة،فما يستأذن أحد منهم إلاّ أذن له فيتسلّلون إذا استقبلنا النبي صلّى اللّه عليه و سلم رجلا رجلا حتى أتى عليّ فقال:ائتني بخبر القوم،فجئت،فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا،فو اللّه،اني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم،و فرشهم، الريح تضربهم بها،و هم يقولون:الرحيل!الرحيل!فجئت،فأخبرته

ص: 312

خبر القوم،و أنزل اللّه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ ».الآية.

الآية:12.قوله تعالى وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً .

أخرج ابن أبي حاتم،و البيهقي«في الدلائل»من طريق كثير بن عبد اللّه بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال: «خط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الخندق عام الأحزاب،فأخرج اللّه من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوّرة،فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و سلم المعول فضربها ضربة صدعها،و برق منها برق أضاء ما بين لابتي المدينة،فكبّر،و كبّر المسلمون،ثم الثانية فصدعها، و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها،فكبّر و كبّر المسلمون.ثم ضربها الثالثة فكسرها،و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها،فكبر،و كبر المسلمون،فسئل عن ذلك،فقال:ضربت الأولى،فأضاءت قصور الحيرة، و مدائن كسرى،و أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها.ثم ضربت الثانية،فأضاءت لي قصور الحيرة من أرض الروم،و أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها.ثم ضربت الثالثة،فأضاءت لي قصور صنعاء، و أخبرني جبريل:أن أمتي ظاهرة عليها.فقال المنافقون:أ لا تعجبون يحدثكم،و يمنيكم،و يعدكم الباطل،و يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة،و حدائق كسرى،و أنها تفتح لكم،و أنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا،فنزل القرآن وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً .

الآية:23.قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً .

أخرج مسلم،و الترمذي،و غيرهما عن أنس قال: «غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فكبر عليه،فقال:أول مشهد قد شهده رسول اللّه

ص: 313

صلّى اللّه عليه و سلم غبت عنه،لئن اراني اللّه مشهدا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ليرينّ اللّه ما أصنع،فشهد يوم أحد،فقاتل حتى قتل،فوجد في جسده بضع و ثمانون ما بين ضربة،و طعنة،و رمية،و نزلت هذه الآية: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً الآية:23.قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ

روى الواحدي: «نزلت في طلحة بن عبيد اللّه ثبت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يوم أحد حتى أصيبت يده،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:«اللهم أوجب لطلحة الجنّة»

و روى الواحدي عن عليّ قال: «قالوا:أخبرنا عن طلحة،قال:

ذلك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب اللّه تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل.

روى الواحدي عن وكيع عن طلحة بن يحيى عن عيسى بن طلحة:

«أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم مرّ عليه طلحة،فقال:هذا ممن قضى نحبه».

الآية:28.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً

أخرج مسلم،و أحمد،و النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال: «أقبل أبو بكر يستأذن على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فلم يؤذن له،ثم أقبل عمر،فاستأذن فلم يؤذن له،ثم أذن لهما فدخلا،و النبي صلّى اللّه عليه و سلم جالس،و حوله نساؤه،و هو ساكت،فقال عمر:لأكلمن النبي صلّى اللّه عليه و سلم لعله يضحك،فقال عمر:يا رسول اللّه،لو رأيت ابنة زيد-امرأة عمر-

ص: 314

سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها،فضحك النبي صلّى اللّه عليه و سلم حتى بدا ناجذه، و قال:هن حولي يسألنني النفقة،فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، و قام عمر إلى حفصة كلاهما يقول:تسألان النبي صلّى اللّه عليه و سلم ما ليس عنده! و أنزل اللّه الخيار،فبدأ بعائشة فقال:إني ذاكر لك أمرا ما أحبّ أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك.قالت:ما هو؟فتلا عليها: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الآية.قالت عائشة:أ فيك أستأمر أبوي بل أختار اللّه،و رسوله».

الآية:33.قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً روى الواحدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:«أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلّى اللّه عليه و سلم: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ و روى الواحدي عن عكرمة في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قال:ليس الذين يذهبون إليه،إنما هي أزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلم.قال:و كان عكرمة ينادي هذا في السوق».

و روى الواحدي عن أبي سعيد قال:«نزلت في خمسة:في النبي صلّى اللّه عليه و سلم، و علي،و فاطمة،و الحسن،و الحسين الآية:35.قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ

أخرج الترمذي،و حسّنه من طريق عكرمة عن أم عمارة الأنصاري: أنها أتت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالت:ما أرى كل شيء إلاّ الرجال، و ما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ

أخرج الواحدي عن مقاتل بن حيّان: «بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة،و معها زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على

ص: 315

نساء النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالت:هل نزل فينا شيء من القرآن؟قلن:لا.

فأتت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالت:يا رسول اللّه،إنّ النساء لفي خيبة،و خسارة قال:و ممّ ذلك!قالت:لأنهن لا يذكرن في الخير كما يذكر الرجال، فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ

و أخرج ابن سعد عن قتادة قال: «لما ذكر أزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال النساء:لو كان فينا خير لذكرنا،فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ الآية».

الآية:36.قوله تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً

أخرج الطبراني بسند صحيح عن قتادة قال: «خطب النبي صلّى اللّه عليه و سلم زينب-و هو يريدها لزيد-فظنت أنه يريدها لنفسه،فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت،فأنزل اللّه: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ الآية،فرضيت،و أسلمت».

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: «نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط-و كانت أول امرأة هاجرت من النساء-فوهبت نفسها للنبي صلّى اللّه عليه و سلم،فزوجها زيد بن حارثة،فسخطت هي،و أخوها،قالا:إنما أردنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فزوجنا عبده،فنزلت».

الآية:40.قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً .

أخرج الترمذي عن عائشة قالت: «لما تزوج النبي صلّى اللّه عليه و سلم زينب قالوا:تزوج حليلة ابنه،فأنزل اللّه تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ الآية.

الآية:43.قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً .

ص: 316

الآية:43.قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً .

أخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: «لما نزلت: إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ قال أبو بكر:يا رسول اللّه،ما أنزل اللّه عليك خيرا إلا أشركنا فيه،فنزلت.

الآية:47.قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً .

أخرج ابن جرير عن عكرمة،و الحسن البصري قالا: لما نزلت:

لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال رجال من المؤمنين:هنيئا لك يا رسول اللّه،قد علمنا ما يفعل بك،فما ذا يفعل بنا؟فأنزل اللّه: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ الآية،و أنزل في سورة الأحزاب وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً .

الآية:50.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ

أخرج الترمذي و حسّنه،و الحاكم و صححه من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: «خطبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فاعتذرت إليه،فعذرني،فأنزل اللّه إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ الى قوله اَللاّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ فلم أكن أحل له،لأني لم أهاجر».

الآية:50.قوله تعالى: وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ

أخرج ابن سعد عن منير بن عبد اللّه الدؤلي: «أن أم شريك غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية عرضت نفسها على النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و كانت جميلة،فقبلها،فقالت عائشة،ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير.قالت أم شريك:فأنا تلك،فسماها اللّه مؤمنة،فقال وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة:

ص: 317

إن اللّه يسرع لك في هواك».

الآية:37.قوله تعالى: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ أخرج البخاري عن أنس:«أن هذه الآية: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ نزلت في بنت جحش،و زيد بن حارثة».

و أخرج الحاكم عن أنس قال: «جاء زيد بن حارثة يشكو إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من زينب بنت جحش،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:أمسك عليك أهلك،فنزلت: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ الآية:51.قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ

روى البخاري،و مسلم،و غيرهما عن عائشة: «أنها كانت تقول لنساء النبي صلّى اللّه عليه و سلم:أما تستحي المرأة أن تهب نفسها؟فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ فقالت عائشة:أرى ربك يسارع لك في هواك».

الآية:53.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ

أخرج مسلم،و أحمد،و النسائي قال: «لما انقضت عدة زينب قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لزيد:اذهب فاذكرها عليّ،فانطلق فأخبرها، فقالت:ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي،فقامت إلى مسجدها، و نزل القرآن.و جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فدخل عليها بغير إذن،و لقد رأيتني حين دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،أطعمنا عليها الخبز و اللحم،

ص: 318

فخرج الناس،و بقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و اتّبعته،فجعل يتبع حجر نسائه،ثم أخبر أن القوم خرجوا،فانطلق حتى دخل البيت،فذهبت أدخل معه،فألقي الستر بيني و بينه،و نزل الحجاب،و وعظ القوم بما أوعظوا به: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الآية

و روى الواحدي عن المفسرين قالوا: «لما بنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بزينب بنت جحش أولم عليها بتمر و سويق و ذبح شاة..قال أنس:و بعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة فأمرني النبي صلّى اللّه عليه و سلم ان أدعو اصحابه الى الطعام،-فجعل القوم يجيئون،فيأكلون،فيخرجون ثم يجيء القوم،و يأكلون،و يخرجون فقلت:يا نبي اللّه،قد دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه،فقال:ارفعوا طعامكم،فرفعوا و خرج القوم،و بقي ثلاثة أنفار يتحدثون في البيت،فأطالوا المكث،فتأذى منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-و كان شديد الحياء-فنزلت هذه الآية».

الآية:53.قوله تعالى: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيماً

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: «بلغ النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن رجلا يقول:لو قد توفي النبي صلّى اللّه عليه و سلم تزوجت فلانة من بعده،فنزلت: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ الآية.

و أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: «بلغنا أن طلحة بن عبيد اللّه قال:أ يحجبنا محمد عن بنات عمنا،و يتزوج نساءنا!لئن حدث به حدث،لنتزوجن نساءه من بعده،فأنزلت هذه الآية».

و أخرج جويبر عن ابن عباس: «أن رجلا أتى بعض أزواج النبي فكلمها،و هو ابن عمها،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:لا تقومنّ هذا المقام بعد يومك هذا.فقال:يا رسول اللّه،إنها ابنة عمي،و اللّه ما قلت لها

ص: 319

منكرا،و لا قالت لي.قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:قد عرفت ذلك،إنه ليس أحد أغير من اللّه،و إنه ليس أحد أغير مني،فمضى ثم قال:يمنعني من كلام ابنة عمي!!لأتزوجنها من بعده،فأنزل اللّه هذه الآية». قال ابن عباس:«فأعتق ذلك الرجل رقبة،و حمل على عشرة أبعر في سبيل اللّه،و حج ماشيا توبة من كلمته».

الآية:57.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً

أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الآية.قال:«نزلت في الذين طعنوا على النبي صلّى اللّه عليه و سلم حين اتخذ صفية بنت حيي».

و قال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: «أنزلت في عبد اللّه بن أبيّ،و ناس معه قذفوا عائشة فخطب النبي صلّى اللّه عليه و سلم و قال:من يعذرني من رجل يؤذيني،و يجمع في بيته من يؤذيني،فنزلت».

الآية:58.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً

روى الواحدي عن مقاتل قال: «نزلت في علي بن أبي طالب، و ذلك أن أناسا من المنافقين كانوا يؤذونه،و يسمعونه».

و روى الواحدي عن الضحاك،و السدي،و الكلبي: «نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن،فيرون المرأة فيدنون منها،فيغمزونها،فإن سكتت، اتبعوها،و إن زجرتهم،انتهوا عنها،و لم يكونوا يطلبون إلاّ الإماء، و لكن لم يكن يومئذ تعرف الحرة من الأمة إنما يخرجن في درع،و خمار، فشكون ذلك إلى أزواجهن.

الآية:59.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً .

ص: 320

الآية:59.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً .

أخرج البخاري عن عائشة قالت: «خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها-و كانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها-فرآها عمر فقال:يا سودة،أما و اللّه،ما تخفين علينا،فانظري كيف تخرجين.

قالت فانكفأت راجعة،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في بيتي،و إنه ليتعشى،و في يده عرق فدخلت،فقالت:يا رسول اللّه،إنّي خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر:كذا و كذا.قالت:فأوحى اللّه إليه ثم رفع عنه-و إن العرق في يده ما وضعه-فقال:إنه قد أذن لكنّ أن تخرجن لحاجتكن».

و أخرج الواحدي عن السدي قال: «كانت المدينة ضيقة المنازل، و كان النساء إذا كان الليل خرجن فقضين الحاجة،و كان فسّاق من فساق المدينة يخرجون،فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا:هذه حرّة فتركوها،و إذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا:هذه أمة،فكانوا يراودونها ،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

ص: 321

سورة سبأ

الآية:15.قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ

أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن رباح قال: «حدثني فلان أن قدوة بن مسيك الغطفاني قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:يا نبي اللّه،إنّ سبأ قوم كان لهم في الجاهلية عزّ،و إنّي أخشى أن يرتدوا عن الاسلام أ فأقاتلهم؟؟فقال:ما أمرت فيهم بشيء بعد،فأنزلت هذه الآية:

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ الآيات».

الآية:34.قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ

أخرج ابن المنذر،و ابن أبي حاتم من طريق سفيان عن عاصم عن أبي رزين قال: «كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الشام،و بقي الآخر،فلما بعث النبي صلّى اللّه عليه و سلم كتب إلى صاحبه يسأله ما عمل،فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلاّ رذالة الناس،و مساكينهم،فترك تجارته ثم أتى صاحبه،فقال:دلني عليه-و كان يقرأ بعض الكتب-فأتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:إلا م تدعو؟فقال:إلى كذا و كذا.فقال:أشهد أنك رسول اللّه،فقال:و ما علمك بذلك؟!فقال:إنه لم يبعث نبي إلاّ اتبعه رذالة الناس،و مساكينهم،فنزلت هذه الآية: وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فأرسل اليه النبي صلّى اللّه عليه و سلم:ان اللّه قد أنزل تصديق ما قلت»

ص: 322

سورة فاطر

الآية:8.قوله تعالى: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ

أخرج جويبر عن الضّحاك عن ابن عباس قال: «أنزلت هذه الآية: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ الآية حيث قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:اللهم أعز دينك بعمر بن الخطاب،أو بأبي جهل بن هشام،فهدى اللّه عمر، و أضل أبا جهل،ففيهما أنزلت».

الآية:29.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ أخرج عبد الغني الثقفي في(تفسيره)عن ابن عباس:«أنّ حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي نزلت فيه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ الآية.

الآية:35.قوله تعالى: لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ

أخرج البيهقي في(البعث)و ابن أبي حاتم من طريق نفيع بن الحارث عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: «قال رجل للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:يا رسول اللّه،إنّ النوم مما يقر اللّه به أعيننا في الدنيا فهل في الجنة من نوم؟! قال:لا،إنّ النوم شريك الموت،و ليس في الجنة موت.قال:فما راحتهم؟!فأعظم ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و قال:ليس فيها لغوب،كل أمرهم راحة،فنزلت: لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ الآية:42.قوله تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاّ نُفُوراً

ص: 323

أخرج البيهقي في(البعث)و ابن أبي حاتم من طريق نفيع بن الحارث عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: «قال رجل للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:يا رسول اللّه،إنّ النوم مما يقر اللّه به أعيننا في الدنيا فهل في الجنة من نوم؟! قال:لا،إنّ النوم شريك الموت،و ليس في الجنة موت.قال:فما راحتهم؟!فأعظم ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و قال:ليس فيها لغوب،كل أمرهم راحة،فنزلت: لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ الآية:42.قوله تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاّ نُفُوراً

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي هلال: «أنه بلغه أن قريشا كانت تقول:لو أنّ اللّه بعث منّا نبيّا ما كانت أمة من الأمم أطوع لخالقها، و لا أسمع لنبيها،و لا أشد تمسكا بكتابها منّا،فأنزل اللّه: وَ إِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ و أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنّا أَهْدى مِنْهُمْ و وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ .

ص: 324

سورة يس

الآية:1.قوله تعالى: يس، وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ .

أخرج أبو نعيم في«الدلائل»عن ابن عباس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقرأ في السجدة،فيجهر بالقراءة حتى يتأذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه،و إذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم،و آذانهم،عمي لا يبصرون،فجاءوا إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:ننشدك اللّه،و الرحم يا محمد،فدعا حتى ذهب ذلك عنهم،فنزلت: يس، وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ الى قوله أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ .

قال:فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.

الآيتان:8-9.قوله تعالى: إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ، وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ

أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: «قال أبو جهل:لئن رأيت محمدا لأفعلنّ،و لأفعلنّ،فأنزل اللّه تعالى: إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً قوله لا يُبْصِرُونَ فكانوا يقولون:هذا محمد،فيقول:أين هو أين هو؟!و لا يبصر».

الآية:12.قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ

اخرج الترمذي،و حسنه،و الحاكم،و صححه عن أبي سعيد الخدري : «كانت بنو سلمة في ناحية المدينة،فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد، فنزلت هذه الآية إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ فقال صلّى اللّه عليه و سلم:إن أثاركم تكتب فلا تنتقلوا».

ص: 325

الآيات:77-83.قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ

أخرج الحاكم،و صححه عن ابن عباس قال: «جاء العاص بن وائل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعظم حائل،ففتته،فقال:يا محمد،أ يبعث هذا بعد ما رمّ؟قال:نعم،يبعث اللّه هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم،فنزلت هذه الآيات أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ

ص: 326

سورة الصافات

الآية:64.قوله تعالى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ .

أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «قال أبو جهل:زعم صاحبكم هذا أن في النار شجرة،و النار تأكل الشجر،و إنّا و اللّه،ما نعلم الزقوم إلا التمر،و الزبد،فأنزل اللّه حين عجبوا أن يكون في النار شجرة إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ الآية.

الآية:158.قوله تعالى: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال:«أنزلت هذه الآية في ثلاثة أحياء من قريش:سليم،و خزاعة،و جهينة. وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الآية.

و أخرج البيهقي في(شعب الايمان)عن مجاهد قال: «قال كبار قريش:الملائكة بنات اللّه.فقال لهم أبو بكر الصديق:فمن أمهاتهم ؟!!قالوا:بنات سراة الجن،فأنزل اللّه تعالى وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الآية:165.قوله تعالى: وَ إِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك قال: «كان الناس يصلون متبددين،فأنزل اللّه تعالى: وَ إِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ فأمرهم أن يصفوا».

الآية:176 قوله تعالى: أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ

أخرج جويبر عن ابن عباس قال: «قالوا يا محمد،أرنا العذاب الذي تخوفنا به،عجّله لنا،فنزلت أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ صحيح عن الشيخين.

ص: 327

سورة ص

الآيات:1-8.قوله تعالى: ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ

أخرج أحمد و الترمذي،و النّسائي،و الحاكم و صححه عن ابن عباس قال: «مرض أبو طالب،فجاءته قريش،و جاءه النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فشكوه إلى أبي طالب،فقال:يا ابن أخي،ما تريد من قومك؟!قال:أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب،و تؤدي إليهم العجم الجزية،كلمة واحدة.قال:ما هي؟قال:لا إله الا اللّه،فقالوا:الها واحدا إن هذا الشيء عجاب،فنزلت فيهم: ص وَ الْقُرْآنِ إلى قوله: بَلْ لَمّا يَذُوقُوا عَذابِ

ص: 328

-سورة الزّمر-

الآية:3.قوله تعالى: ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى

أخرج جويبر عن ابن عباس في هذه الآية:«نزلت في ثلاثة أحياء:

عامر،و كنانة،و بني سلمة،كانوا يعبدون الأوثان،و يقولون:

«الملائكة بناته،فقالوا: ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى الآية:9.قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ الآية.قال:«نزلت في عثمان بن عفان».

و أخرج ابن سعد من طريق الكلبي عن صالح عن ابن عباس قال:

«نزلت في عمّار بن ياسر».

و أخرج جويبر عن ابن عباس قال:«نزلت في ابن مسعود،و عمّار بن ياسر،و سالم،مولى أبي حذيفة».

و أخرج جويبر عن عكرمة قال:«نزلت في عمار بن ياسر».

أخرج الواحدي في رواية عطاء عن ابن عباس:«نزلت في أبي بكر الصديق(رضي اللّه عنه).

و أخرج الواحدي عن مقاتل قال:«نزلت في عمّار بن ياسر».

الآية:17.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها الآية.

روى الواحدي: «قال ابن زيد:نزلت في ثلاثة أنفار كانوا في الجاهلية يقولون:لا إله الا اللّه،و هم:زيد بن عمر،و أبو ذر الغفاري، و سلمان الفارسي».

ص: 329

الآيات:17-18.قوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ، اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ

روى الواحدي عن عطاء عن ابن عباس: «ان أبا بكر الصديق (رضي اللّه عنه)آمن بالنبي صلّى اللّه عليه و سلم،و صدّقه،فجاء عثمان،و عبد الرحمن بن عوف،و طلحة،و الزبير،و سعيد بن زيد،و سعد بن أبي وقاص فسألوه،فأخبرهم بايمانه،فآمنوا،و نزلت فيهم: فَبَشِّرْ عِبادِ، اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ قال:يريد من أبي بكر الصديق فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الآية:22.قوله تعالى: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ روى الواحدي:«نزلت في حمزة،و علي،و أبي لهب،و ولده.

فعليّ،و حمزة ممن شرح اللّه صدره.و أبو لهب و أولاده الذين قست قلوبهم عن ذكر اللّه،و هو قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ .

الآية:23.قوله تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ .

روى الواحدي عن مصعب بن سعد عن سعد قالوا: يا رسول اللّه،لو حدثتنا.فأنزل اللّه تعالى اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ .

الآية:36.قوله تعالى: وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ .

أخرج عبد الرزاق عن محمد: «قال لي رجل:قالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:

لتكفّنّ عن شتم آلهتنا،أو لنأمرنّها فلتخبلنّك،فنزلت: وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ .

ص: 330

الآية:45.قوله تعالى: وَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ

أخرج ابن المنذر عن مجاهد: «أنها نزلت في قراءة النبي صلّى اللّه عليه و سلم النجم عند الكعبة،و فرحهم عند الذكر للآلهة».

الآية:53.قوله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

أخرج الطبراني بسند عن ابن عباس قال: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى وحشيّ-قاتل حمزة-يدعوه إلى الإسلام،فأرسل إليه:كيف تدعوني، و أنت تزعم أنّ من قتل،أو زنا،أو أشرك يلق أثاما،يضاعف له العذاب يوم القيامة،و يخلد فيه مهانا،و أنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصة؟!فأنزل اللّه: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً فقال وحشي هذا شرط شديد: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فلعلي لا أقدر على هذا.فأنزل اللّه إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فقال وحشي:هذا أرى بعده مشيئة،فلا أدرى أ يغفر لي أم لا!!!فهل غير هذا؟فأنزل اللّه تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

و أخرج البخارى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: «أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا،و زنوا فأكثروا،ثم أتوا محمدا صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا:إنّ الذي تدعو إليه لحسن إن تخبرنا لما عملنا كفّارة،فنزلت هذه الآية: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ الآية.

ص: 331

و أخرج البخارى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: «أن أناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا،و زنوا فأكثروا،ثم أتوا محمدا صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا:إنّ الذي تدعو إليه لحسن إن تخبرنا لما عملنا كفّارة،فنزلت هذه الآية: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ الآية.

الآية:67.قوله تعالى: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ

أخرج الترمذي،و صححه عن ابن عباس قال: «مرّ يهودي بالنبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:كيف تقول يا أبا القاسم،إذا وضع اللّه السموات على ذه،و الأرض على ذه،و الماء على ذه،و الجبال على ذه،فأنزل اللّه تعالى: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

و أخرج الواحدي عن عبد اللّه قال: «أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم رجل من أهل الكتاب،فقال:يا أبا القاسم،بلغك أنّ اللّه يحمل الخلائق على إصبع،و الأرضين على إصبع،و الشجر على إصبع،و الثرى على إصبع، فضحك النبي صلّى اللّه عليه و سلم حتى بدت نواجذه،فأنزل اللّه تعالى: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

و أخرج ابن المنذر عن الربيع بن أنس قال: «لما نزلت: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قالوا:يا رسول اللّه،هذا الكرسي، فكيف العرش؟!!فأنزل اللّه: وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ

ص: 332

-سورة غافر-

الآية:4.قوله تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ أخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أبي مالك في قوله: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا قال:«نزلت في الحارث بن قيس السهمي».

الآية:56.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: «جاءت اليهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فذكروا الدجال،فقالوا:يكون منا في آخر الزمان،فعظموا أمره،و قالوا يصنع كذا،فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فأمر نبيه أن يتعوذ من فتنة الدجال: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ قال:من خلق الدجال».

و أخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار في قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ قال:هم اليهود،نزلت في ما ينتظرونه من أمر الدجال».

الآية:66.قوله تعالى: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَمّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ

ص: 333

أخرج جبير عن ابن عباس: «أن الوليد بن المغيرة،و شيبة بن ربيعة قالا:يا محمد،ارجع عما تقول،و عليك بدين آبائك،و أجدادك ،فأنزل اللّه: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الآية.

ص: 334

-سورة فصّلت-

الآية:22.قوله تعالى: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ

أخرج الشيخان،و الترمذي،و أحمد،و غيرهم عن ابن مسعود قال:

«اختصم عند البيت ثلاثة نفر:قرشيان،و ثقفي،أو ثقفيان، و قرشي،فقال أحدهم:أ ترون اللّه يسمع ما نقول؟!فقال الآخر:

يسمع إن جهرنا،و لا يسمع إن أخفينا.و قال الآخر:إن كان يسمع إذا جهرنا،فهو يسمع إذا أخفينا،فأنزل اللّه تعالى: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ الآية.

الآية:30.قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ

أخرج الواحدي عن عطاء عن ابن عباس: «نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق(رضي اللّه عنه)،و ذلك أن المشركين قالوا:ربنا اللّه، و عزير ابنه،و محمد صلّى اللّه عليه و سلم ليس بنبي،فلم يستقيموا.

و قال أبو بكر(رضي اللّه عنه):ربنا اللّه وحده لا شريك له، و محمد صلّى اللّه عليه و سلم عبده و رسوله،و استقام».

الآية:40.قوله تعالى: أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .

أخرج ابن المنذر عن بشير بن فتح قال:«نزلت هذه الآية في أبي جهل،و عمار بن ياسر،: أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية:44.قوله تعالى: لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ .

ص: 335

أخرج ابن المنذر عن بشير بن فتح قال:«نزلت هذه الآية في أبي جهل،و عمار بن ياسر،: أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية:44.قوله تعالى: لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ .

أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: «قالت قريش:لو لا أنزل هذا القرآن أعجميا،و عربيّا،فأنزل اللّه: لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ .الآية.

ص: 336

-سورة الشورى-

الآية:16.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ

أخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: «لما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ قال المشركون بمكة لمن بين أظهرهم من المؤمنين:قد دخل الناس في دين اللّه أفواجا،فأخرجوا من بين أظهرنا،فعلام تقيمون بين أظهرنا!!فنزلت: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ الآية.

و أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ الآية قال:هم اليهود،و النصارى.

قالوا:كتابنا قبل كتابكم،و نبينا قبل نبيكم،و نحن خير منكم».

الآية:23.قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المدينة كانت تنوبه نوائب،و حقوق،و ليس في يده لذلك سعة،فقال الانصار:إن هذا الرجل قد هداكم اللّه تعالى به،و هو ابن أختكم، و تنوب به نوائب،و حقوق،و ليس في يده لذلك سعة،فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضركم،فأتوه به،ليعينه على ما ينوبه،ففعلوا،ثم أتوا به، فقالوا:يا رسول اللّه،انك ابن أختنا،و قد هدانا اللّه تعالى على يديك،و تنوبك نوائب،و حقوق،و ليست لك عندنا سعة،فرأينا أن نجمع لك من أموالنا،فنأتيك به فتستعين على ما ينوبك و هو هذا،

ص: 337

فنزلت الآية.

الآيات:24-26:قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ .

أخرج الطبراني بسند فيه ضعف عن ابن عباس قال: «قالت الانصار:لو جمعنا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مالا،فأنزل اللّه قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال بعضهم:إنما قال هذا ليقاتل عن أهل بيته،و ينصرهم،فأنزل اللّه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً إلى قوله: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ فعرض لهم التوبة الى قوله: وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ .

الآية:27.قوله تعالى: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ

أخرج الحاكم،و صححه عن عليّ،قال: «نزلت هذه الآية في أصحاب الصّفة: وَ لَوْ بَسَطَ اللّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ و ذلك أنهم قالوا:لو أن لنا،فتمنّوا الدنيا».

و أخرج الواحدي عن خباب بن الأرت قال: «فينا نزلت هذه الآية ،و ذلك أنا نظرنا الى أموال قريظة،و النضير فتمنيناها،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و قال الواحدي: «نزلت في قوم من أهل الصّفة تمنوا سعة الدنيا، و الغنى».

الآية:51.قوله تعالى: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ

روى الواحدي: «و ذلك أن اليهود قالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:أ لا تكلم اللّه،

ص: 338

و تنظر اليه ان كنت نبيا كما كلم اللّه موسى،و نظر اليه؟!فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك،فقال:لم ينظر موسى إلى اللّه.و أنزلت الآية.

ص: 339

-سورة الزّخرف-

الآية:19.قوله تعالى: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ

أخرج ابن المنذر عن قتادة قال: «قال ناس من المنافقين إنّ اللّه صاهر الجن،فخرجت من بينهم الملائكة،فنزل فيهم: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الآية:31.قوله تعالى: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ

أخرج ابن المنذر عن قتادة قال: «قال الوليد بن المغيرة:لو كان ما يقول محمد حقا لأنزل اللّه عليّ هذا القرآن،أو على ابن مسعود الثقفي، فنزلت».

الآية:36.قوله تعالى: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ .

أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي: «أن قريشا قالت:

قيّضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه،فقيّضوا لأبي بكر طلحة،فأتاه و هو في القوم،فقال أبو بكر:إلام تدعوني؟!قال:

أدعوك إلى عبادة اللاّت،و العزّى.قال أبو بكر:و ما اللاّت؟!قال:

ربنا.قال:و ما العزّى؟!قال:بنات اللّه.قال أبو بكر:فمن أمهم ؟!فسكت طلحة،فلم يجبه.فقال طلحة لأصحابه:أجيبوا الرجل، فسكت القوم.فقال طلحة:قم يا أبا بكر،أشهد أن لا اله الا اللّه،و أن محمدا رسول اللّه.فأنزل اللّه: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ الآية».

ص: 340

الآية:57.قوله تعالى: وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ

أخرج أحمد بسند صحيح،و الطبراني عن ابن عباس: «أن قريشا قالت للرسول صلّى اللّه عليه و سلم:أ لست تزعم أن عيسى كان نبيا،و عبدا صالحا،و قد عبد من دون اللّه!فأنزل اللّه تعالى: وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً الآية.

الآية:80.قوله تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ

أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: «بينما ثلاثة بين الكعبة،و أستارها:قرشيان و ثقفي،أو ثقفيان و قرشي،فقال واحد منهم:ترون اللّه يسمع كلامنا؟!فقال آخر:إذا جهرتم سمع،و إذا أسررتم لم يسمع،فنزلت: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى الآية».

ص: 341

سورة الدخان

الآية:10-15-17.قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ

أخرج البخاري عن ابن مسعود قال: «إنّ قريشا لما استعصوا على الرسول صلّى اللّه عليه و سلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف،فأصابهم قحط حتى أكلوا العظام،فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه،و بينها كهيئة الدخان من الجهد،فأنزل اللّه: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ فأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقيل:يا رسول اللّه،استسق اللّه لمضر، فإنها قد هلكت،فاستسقى فسقوا،فنزلت: إِنَّكُمْ عائِدُونَ فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم،فأنزل اللّه تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنّا مُنْتَقِمُونَ يعني يوم بدر.

الآيتان:43-44.قوله تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعامُ الْأَثِيمِ

أخرج البخاري عن سعيد بن منصور عن أبي مالك قال: «إنّ أبا جهل كان يأتي بالتمر،و الزبد فيقول:تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد،فنزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعامُ الْأَثِيمِ الآية:49.قوله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ

أخرج الأموي في(مغازية)عن عكرمة قال: «لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أبا جهل فقال:إن اللّه أمرني أن أقول لك: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى قال:فنزع ثوبه من يده،فقال:ما تستطيع لي أنت،و لا صاحبك من شيء لقد علمت أنّي أمنع أهل بطحاء،و أنا العزيز الكريم ،فقتله اللّه يوم بدر،و أذلّه،و عيّره بكلمته،و نزل فيه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ و أخرج ابن جرير عن قتادة نحوه.

ص: 342

أخرج الأموي في(مغازية)عن عكرمة قال: «لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أبا جهل فقال:إن اللّه أمرني أن أقول لك: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى قال:فنزع ثوبه من يده،فقال:ما تستطيع لي أنت،و لا صاحبك من شيء لقد علمت أنّي أمنع أهل بطحاء،و أنا العزيز الكريم ،فقتله اللّه يوم بدر،و أذلّه،و عيّره بكلمته،و نزل فيه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ و أخرج ابن جرير عن قتادة نحوه.

و أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «نزلت في عدو اللّه أبي جهل، و ذلك أنه قال:أ يوعدني محمد،و اللّه،لأنا أعزّ من بين جبليها،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

ص: 343

-سورة الجاثية-

الآية:14.قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «لما نزلت هذه الآية: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً قال يهودي بالمدينة-يقال له فنحاص-:

احتاج ربّ محمد فلما سمع عمر بذلك اشتمل على سيفه،و خرج في طلبه، فجاء جبريل(عليه السلام)إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:إنّ ربك يقول: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ و أعلم أنّ عمر قد اشتمل على سيفه،و خرج في طلب اليهودي،فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في طلبه،فلما جاء،قال:يا عمر،ضع سيفك.قال:صدقت يا رسول اللّه،أشهد أنك أرسلت بالحق.قال:فإن ربك يقول: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ قال:لا جرم،و الّذي بعثك بالحق،و لا يرى الغضب في وجهي».

الآية:23.قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ

أخرج ابن المنذر،و ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: «كانت قريش تعبد الحجر حينا من الدهر،فإذا وجدوا ما هو أحسن منه،طرحوا الأول،و عبدوا الآخر،فأنزل اللّه: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ الآية:24.قوله تعالى: وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ

أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: «كان أهل الجاهلية يقولون:

إنما يهلكنا الليل،و النهار،فأنزل اللّه تعالى: وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ

ص: 344

سورة الأحقاف

الآية:10.قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ

أخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عوف بن مالك الأشجعي قال: «انطلق النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و أنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم،فكرهوا دخولنا عليهم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:يا معشر اليهود،أروني اثني عشر رجلا منكم،يشهدون أن لا اله إلا اللّه،و أن محمدا رسول اللّه،يحط اللّه عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه،فسكتوا فما أجابه منهم أحد،ثم انصرف فإذا رجل من خلفه فقال:كما أنت يا محمد،فأقبل،فقال:أي رجل تعلموني منكم يا معشر اليهود؟قالوا:و اللّه،ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب اللّه،و لا أفقه منك،و لا من أبيك قبلك،و لا جدك قبل أبيك.قال:فإني أشهد أنه النبي التي تجدونه في التوراة.قالوا:كذبت،ثم ردوا عليه،و قالوا فيه شرا،فأنزل اللّه: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ الآية».

الآية:10.قوله تعالى: وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال:«في عبد اللّه بن سلام نزلت: وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ و أخرج ابن جرير عن عبد اللّه بن سلام قال:«فيّ نزلت».

الآية:11.قوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ

أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «قال ناس من المشركين:نحن

ص: 345

أعزّ،و نحن،و نحن...فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان،و فلان، فنزل: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا

أخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال: «كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنّيرة،فكان عمر يضربها على إسلامها حتى يفتر،و كان كفار قريش يقولون:لو كان خيرا لما سبقتنا إليه زنّيرة،فأنزل اللّه في شأنها: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ الآية:15.قوله تعالى: حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ

روى الواحدي عن عطاء عن ابن عباس قال: «أنزلت في أبي بكر (رضي اللّه عنه)،و ذلك أنه صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و هو ابن ثماني عشرة، و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ابن عشرين سنة،و هم يريدون التجارة إلى بلاد الشام،فنزلوا منزلا فيه سدرة،فقعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في ظلها،و مضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأل عن الدين،فقال له:من الرجل الذي في ظل السدرة؟!فقال:ذاك محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب.

قال:هذا و اللّه،نبي،و ما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم الاّ محمد نبي اللّه،فوقع في قلب أبي بكر اليقين،و التصديق،و كان لا يفارق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في أسفاره،و حضوره،فلما نبّئ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و هو ابن أربعين سنة،و أبو بكر ابن ثمان و ثلاثين سنة أسلم،و صدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فلما بلغ أربعين سنة قال: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ الآيات:17-19.قوله تعالى: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ

ص: 346

قال:هذا و اللّه،نبي،و ما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم الاّ محمد نبي اللّه،فوقع في قلب أبي بكر اليقين،و التصديق،و كان لا يفارق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في أسفاره،و حضوره،فلما نبّئ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و هو ابن أربعين سنة،و أبو بكر ابن ثمان و ثلاثين سنة أسلم،و صدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فلما بلغ أربعين سنة قال: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ الآيات:17-19.قوله تعالى: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: «نزلت هذه الآية: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما في عبد الرحمن بن أبي بكر،قال لأبويه:و كانا قد أسلما،و أبى هو أن يسلم،فكانا يأمرانه بالاسلام فيرد عليهما،و يكذبهما،و يقول:فأين فلان؟!و أين فلان؟-يعني مشايخ قريش ممن قد مات-ثم أسلم بعد فحسن إسلامه،فنزلت توبته في هذه الآية: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا و أخرج البخاري من طريق يوسف بن ماهان قال:«قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر:إنّ هذا الذي أنزل فيه: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما فقالت عائشة من وراء الحجاب:ما أنزل اللّه فينا شيئا من القرآن إلاّ أنّ اللّه أنزل عذري».

و أخرج عبد الرزاق من طريق مكي:«أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر،و قالت:إنما نزلت في فلان سمّت اسمه».

قال الحافظ بن حجر:«و نفي عائشة أصح إسنادا،و أولى بالقبول».

الآيات:29-32.قوله تعالى: وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ

أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: «إنّ الجن هبطوا على النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و هو يقرأ القرآن في بطن نخلة،فلما سمعوه قالوا:أنصتوا،و كانوا تسعة:أحدهم زوبعة،فأنزل اللّه تعالى: وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ إلى قوله: ضَلالٍ مُبِينٍ

ص: 347

-سورة محمد صلّى اللّه عليه و سلم-

الآيتان:1-2.قوله تعالى: اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ، وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ قال:هم الأنصار».

الآية:4.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ

أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ قال:ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في الشّعب،و قد نشبت فيهم الجراحات،و القتل.و قد نادى المشركون يومئذ:اعل هبل،و نادى المسلمون:اللّه أعلى و أجلّ.فقال المشركون:إنّ لنا العزّى و لا عزّى لكم.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:قولوا:

اللّه مولانا،و لا مولى لكم».

الآية:13.قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ .

أخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال: «لمّا خرج رسول صلّى اللّه عليه و سلم تلقاء الغار نظر إلى مكة،فقال:أنت أحب بلاد اللّه إليّ،و لو لا أنّ أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك،فأنزل اللّه تعالى الآية: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ».الآية.

الآية:16.قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ .

ص: 348

الآية:16.قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ .

أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: «كان المؤمنون،و المنافقون يجتمعون إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فيسمع المؤمنون منهم ما يقول،و يعونه، و يسمعه المنافقون فلا يعونه،فإذا خرجوا سألوا المؤمنين:ما ذا قال آنفا،فنزلت: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ الآية.

الآية:33.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ .

أخرج ابن أبي حاتم،و محمد بن نصر المروزي في كتاب(الصلاة)عن أبي العالية قال: «كان اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يرون أنه لا يضر مع لا اله الا اللّه ذنب،كما لا ينفع مع الشرك عمل،فنزل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ فخافوا أن يبطل الذنب العمل».

ص: 349

-سورة الفتح-

أخرج الحاكم،و غيره عن المسود بن مخرمة،و مروان بن الحكم قالا:

«نزلت سورة الفتح بين مكة و المدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها».

الآيات:2-5.قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً .

أخرج الشيخان،و الترمذي،و الحاكم عن أنس قال: «أنزلت على النبي صلّى اللّه عليه و سلم: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ أثناء مرجعه من الحديبية،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:لقد نزلت عليّ آية أحبّ اليّ مما على الأرض،ثم قرأها عليهم،فقالوا:هنيئا مريئا لك يا رسول اللّه، قد بيّن اللّه لك ما ذا يفعل بك فما ذا يفعل بنا؟!فنزلت: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ حتى بلغ فَوْزاً عَظِيماً .

الآية:18.قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً

أخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع قال: «بينما نحن قائلون إذ نادى منادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أيها الناس:البيعة،نزل روح القدس، فسرنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-و هو تحت شجرة سمرة-فبايعناه،فأنزل اللّه تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الآية:24.قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً

ص: 350

أخرج مسلم،و الترمذي،و النّسائي عن أنس قال: «لما كان يوم الحديبية هبط على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أصحابه ثمانون رجلا في السلاح من جبل التنعيم يريدون غرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فأخذوا،فأعتقهم،فأنزل اللّه: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ الآية».

و أخرج مسلم نحوه من حديث سلمه بن الأكوع.

و أخرج أحمد،و النسائي نحوه من حديث عبد اللّه بن مغفل المزني.

و أخرج ابن إسحاق نحوه من حديث ابن عباس.

الآية:25.قوله تعالى: وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ

أخرج الطبراني،و أبو يعلى عن أبي جمعة جنيد بن سبع قال:

«قاتلت النبي صلّى اللّه عليه و سلم أول النهار كافرا،و قاتلت معه آخر النهار مسلما،و كنا ثلاثة رجال،و سبع نسوة،و فينا نزلت: وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ الآية:27.قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً

أخرج الفريابي،و عبد بن حميد،و البيهقي في(الدلائل)عن مجاهد قال: «أري النبي صلّى اللّه عليه و سلم و هو بالحديبية أنه يدخل مكة هو،و أصحابه آمنين محلقين رءوسهم،و مقصرين،فلما نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه:أين رؤياك يا رسول اللّه!فنزلت: لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ الآية».

ص: 351

-سورة الحجرات-

الآيات:1-5.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

أخرج البخاري،و غيره من طريق ابن جريج عن ابن أبي ملكية:

«أن عبد اللّه عن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال أبو بكر:أمّر القعقاع بن معبد،و قال عمر:بل أمّر الأقرع بن حابس،فقال أبو بكر:ما أردت إلاّ خلافي،و قال عمر:ما أردت خلافك،فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما،فنزل في ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إلى قوله وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا

و أخرج ابن المنذر عن الحسن: «أن ناسا ذبحوا قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يوم النحر،فأمرهم أن يعيدوا ذبحا،فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ و أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب (الأضاحي)بلفظ: «ذبح رجل قبل الصلاة،فنزلت».

و أخرج الطبراني في(الأوسط)عن عائشة: «أن أناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ الآية:2.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ .

روى الواحدي: «نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر،و كان جهوري الصوت،و كان إذا كلّم إنسانا جهر بصوته،فربما

ص: 352

كان يكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فيتأذى بصوته،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «كانوا يجهرون له بالكلام، و يرفعون أصواتهم،فأنزل اللّه: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية.

الآية:3.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ

أخرج ابن جرير عن محمد بن ثابت بن شماس قال: «لما نزلت هذه الآية: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ قعد ثابت بن قيس في الطريق يبكي،فمر به عاصم بن عدي بن العجلان،فقال:ما يبكيك ؟!قال:هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيّ،و أنا صيت رفيع الصوت، فرفع عاصم ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فدعا به،فقال:أما ترضى أن تعيش حميدا،و تقتل شهيدا،و تدخل الجنة؟قال:رضيت،و لا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ الآية».

و أخرج الواحدي عن عطاء عن ابن عباس: «لما نزل قوله تعالى:

لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ تألى أبو بكر أن لا يكلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلاّ كأخى السرار،فأنزل اللّه تعالى في أبي بكر: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ الآية:4.قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ .

أخرج الطبراني،و أبو يعلى بسند حسن عن زيد بن أرقم قال: «جاء ناس من العرب إلى حجر النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فجعلوا ينادون:يا محمد،يا محمد، فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ

ص: 353

و قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: «أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:يا محمد،إنّ مدحي زين،و إنّ شتمي شين،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:ذلك هو اللّه،فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ الآية».

و أخرج أحمد بسند صحيح: «عن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من وراء الحجرات،فلم يجبه،فقال:يا محمد،إن حمدي لزين،و إن ذمي لشين،فقال:ذاكم اللّه».

الآية:6.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ

أخرج أحمد،و غيره بسند جيد عن الحارث بن ضرار الخزاعي(رضي اللّه عنه)قال: «قدمت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فدعاني إلى الاسلام، و دخلت فيه،و أقررت به،و دعاني إلى الزكاة،فأقررت بها،و قلت:يا رسول اللّه،أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الاسلام،و أداء الزكاة،فمن استجاب لي جمعت زكاته فترسل لإبّان كذا و كذا لآتيك بما جمعت من الزكاة،فلمّا جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له،و بلغ الأبان الذي أراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول فلم يأته فظنّ الحارث أنه حدث فيه سخطة من اللّه تعالى،و رسوله فدعا سروات قومه فقال لهم:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قد كان وقّت لي وقتا يرسل إليّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة،و ليس من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الخلف،و لا أرى حبس رسوله إلاّ من سخطة،فانطلقوا فنأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى الحارث،ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة،فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق فرجع حتى أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:يا رسول اللّه،إنّ الحارث منعني الزكاة،و أراد قتلي،فضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم البعث إلى

ص: 354

الحارث،فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث-و قد فصل من المدينة-فلقيهم الحارث،فقالوا:هذا الحارث!فلما غشيهم قال لهم:

إلى من بعثتم؟!قالوا:إليك.قال:و لم؟!قالوا:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة،فزعم أنك منعته الزكاة،و أردت قتله!قال:لا.و الذي بعث محمدا بالحق،ما رأيته بتّة،و لا أتاني،فلما دخل الحارث على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال:منعت الزكاة،و أردت قتل رسولي؟!قال:لا.و الذي بعثك بالحق،ما رأيته بتّة،و لا أتاني، و ما أقبلت إلاّ حين احتبس عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،خشيت أن تكون، كانت سخطة من اللّه تعالى،و رسوله.قال:فنزلت في الحجرات:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا إلى قوله: وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ رجال اسناده ثقات».

الآية:9.قوله تعالى: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

أخرج الشيخان عن أنس: «أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم ركب حمارا،و انطلق الى عبد اللّه بن أبيّ فقال:إليك عني،فوا اللّه،لقد أذاني نتن حمارك،فقال رجل من الأنصار:و اللّه،لحماره أطيب ريحا منك.

فغضب لعبد اللّه رجل من قومه،و غضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد،و الأيدي،و النعال،فنزلت فيهم: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما

و أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن السدي قال: «كان رجل من الأنصار يقال له:عمران،تحته امرأة يقال لها:أم زيد،و إنّ المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها،و جعلها في علية له،و إنّ المرأة

ص: 355

بعثت إلى أهلها فجاء قومها،فأنزلوها لينطلقوا بها،و كان الرجل قد خرج،فاستعان بأهله،فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة و بين أهلها، فتدافعوا،و اجلدوا بالنعال،فنزلت فيهم هذه الآية: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فبعث إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فأصلح بينهم، و فاءوا إلى أمر اللّه».

و أخرج ابن جرير عن قتادة: «ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق بينهما،فقال أحدهما للآخر لآخذنّ عنوة،لكثرة عشيرته،و إنّ الآخر دعاه ليحاكمه إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فأبى،فلم يزل الأمر حتى تدافعوا و حتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي،و النعال و لم يكن قتال بالسيوف».

الآية:11.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ .

روى الواحدي: «نزلت في ثابت بن قيس بن شماس،و ذلك أنه كان في أذنه وقر،فكان إذا أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم أوسعوا له حتى يجلس الى جنبه،فيسمع ما يقول،فجاء يوما،و قد أخذ الناس مجالسهم،فجعل يتخطى رقاب الناس،و يقول:تفسحوا تفسحوا!فقال له رجل:قد أصبت مجلسا فاجلس،فجلس ثابت مغضبا،فغمز الرجل فقال:من هذا؟!فقال:أنا فلان،فقال ثابت:بن فلانة،و ذكر أمّا كانت له يعيّر بها في الجاهلية،فنكس الرجل رأسه استحياء،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية» و روى الواحدي في وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ :«نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلّى اللّه عليه و سلم سخرتا من أم سلمة،و ذلك أنها ربطت حقويها بسبنية-و هي ثوب أبيض-و سدلت طرفها خلفها،فكانت تجره،

ص: 356

فقالت عائشة لحفصة:انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب،فهذا كان سخريتها».

الآية:11.قوله تعالى: وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ .

أخرج أصحاب السنن الأربعة عن أبي جبير بن الضحاك قال: «كان رجل منا يكون له الاسمان،و الثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره، فنزلت: وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ قال الترمذي:حسن و

أخرج الحاكم، و غيره من حديثه أيضا قال: «كانت الألقاب في الجاهلية فدعا النبي صلّى اللّه عليه و سلم رجلا منهم بلقبه فقيل له:يا رسول اللّه،انه يكرهه،فأنزل اللّه وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ .

الآية:12.قوله تعالى: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال:«زعموا أنها نزلت في سلمان الفارسي،أكل ثم رقد،فنفخ فذكر رجل أكله،و رقاده،فنزلت» الآية:13.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي مليكة قال: «لما كان يوم الفتح رقي بلال على ظهر الكعبة،فأذّن،فقال بعض الناس:أ هذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة!!فقال بعضهم:إن يسخط اللّه هذا يغيره! فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى الآية».

و قال ابن عساكر في مبهماته: «وجدت بخط ابن بشكوال:أن أبا بكر بن أبي داود أخرج في تفسير له أنها أنزلت في أبي هند،أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بني بياضة أن يزوجوه امرأة منهم،فقالوا:يا رسول اللّه،نزوج بناتنا موالينا!!فنزلت الآية».

ص: 357

و روى الواحدي عن مقاتل قال: «لما كان يوم فتح مكة أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بلالا حتى أذّن على ظهر الكعبة،فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص:الحمد للّه الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم.و قال الحارث بن هشام:أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا!!و قال سهيل بن عمرو:إن يرد اللّه شيئا يغيّره و قال أبو سفيان:إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء،فأتى جبريل(عليه السلام)النبي صلّى اللّه عليه و سلم و أخبره بما قالوا،فدعاهم،و سألهم عما قالوا:فأقرّوا،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ،و زجرهم عن التفاخر بالأنساب،و التكاثر بالأموال، و الازدراء بالفقراء».

الآية:14.قوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ

قال الواحدي: «نزلت في أعراب بني أسد بن خزيمة،قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المدينة في سنة جدبة،و أظهروا الشهادتين،و لم يكونوا مؤمنين في السر،و قد أفسدوا طرق المدينة بالعذرات،و أغلوا أسعارها، و كانوا يقولون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أتيناك بالأثقال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان،فاعطنا من الصدقة،و جعلوا يمنون عليه،فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآية».

الآية:17.قوله تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

أخرج الطبراني بسند حسن عن عبد اللّه بن أبي أوفى: «أن أناسا من العرب قالوا:يا رسول اللّه،أسلمنا،و لم نقاتلك،و قاتلك بنو فلان، فأنزل اللّه تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية».

و أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: «قدم عشرة نفر

ص: 358

من بني أسد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سنة تسع،و فيهم طلحة بن خويلد -و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في المسجد مع أصحابه-فسلّموا و قال متكلمهم:يا رسول اللّه،إنا شهدنا أن لا إله الاّ اللّه وحده لا شريك له،و انك عبده، و رسوله،و جئناك يا رسول اللّه،و لم تبعث الينا بعثا،و نحن لمن وراءنا سلم،فأنزل اللّه تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية».

و أخرج سعيد بن منصور في(سننه)عن سعيد بن جبير قال: «أتى قوم من الأعراب من بني أسد النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:جئناك،و لم نقاتلك، فأنزل اللّه تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية».

ص: 359

-سورة ق-

الآيتان:38-39.قوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ، فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ

أخرج الحاكم،و صححه عن ابن عباس: «أنّ اليهود أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فسألته عن خلق السموات و الأرض،فقال:خلق اللّه الأرض يوم الأحد،و الاثنين،و خلق الجبال يوم الثلاثاء،و ما فيهن من منافع، و خلق يوم الاربعاء الشجر،و الماء،و المدائن،و العمران،و الخراب، و خلق يوم الخميس السماء،و خلق يوم الجمعة النجوم،و الشمس و القمر، و الملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه،فخلق أول ساعة الآجال حتى يموت من مات،و في الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس،و في الثالثة خلق آدم و أسكنه الجنّة،و أمر ابليس بالسجود له، و أخرجه منها في آخر ساعة.قالت اليهود:ثم ما ذا يا محمد؟قال:

استوى على العرش.قالوا:قد أصبت لو أتممت.قالوا:ثم استراح، فغضب النبي صلّى اللّه عليه و سلم غضبا شديدا،فنزلت: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ، فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ الآية».

الآية:45.قوله تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ

أخرج ابن جرير من طريق عمرو بن قيس الملائي عن ابن عباس قال: «قالوا:يا رسول اللّه،لو خوّفتنا!فنزلت: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ .

ص: 360

-سورة الذاريات-

الآية:19.قوله تعالى: وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن الحسن عن محمد بن الحنفية:

«أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعث سرية فأصابوا،و غنموا،فجاء قوم بعد ما فرغوا،فنزلت: وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ الآية:55.قوله تعالى: وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم،و ابن منيع،و ابن راهويه، و الهيثم بن كليب في مسانيدهم من طريق مجاهد عن عليّ قال: «لما نزلت فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ لم يبق من أحد إلاّ أيقن بالهلكة،إذ أمر النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يتولى عنا،فنزلت: وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ

و أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «ذكر لنا أنه لما نزلت: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ الآية اشتد على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و رأوا أن الوحي قد انقطع،و أن العذاب قد حضر،فأنزل اللّه تعالى: وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 361

-سورة الطّور-

الآية:30.قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ

أخرج ابن جرير عن ابن عباس: «ان قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال قائل منهم:احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء،زهير،و النابغة،فإنما هو كأحدهم،فأنزل اللّه تعالى في ذلك: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ

ص: 362

-سورة النّجم-

الآية:32.قوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى

أخرج الواحدي،و الطبراني،و ابن المنذر،و ابن أبي حاتم عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: «كانت اليهود تقول:إذا هلك لهم صبي صغير هو صدّيق،فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:كذبت يهود،ما من نسمة يخلقها اللّه في بطن أمها إلاّ أنه شقي،أو سعيد،فأنزل اللّه تعالى عند ذلك هذه الآية: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ الآية».

الآيات:33-41.قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلّى، وَ أَعْطى قَلِيلاً وَ أَكْدى، أَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى، أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى، وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى، أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى، وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى

أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة: «أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم خرج في مغزاه، فجاء رجل يريد أن يحمل فلم يجد ما يخرج عليه،فلقي صديقا له، فقال:أعطني شيئا،فقال:أعطيك بكري هذا على أن تتحمل ذنوبي، فقال له:نعم،فأنزل اللّه: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلّى الآيات».

و أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: «إن رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيّره فقال:أ تركت دين الأشياخ،و ظللتهم،و زعمت أنهم في النار !!قال:إني خشيت عذاب اللّه.قال:أعطني شيئا،و أنا أحمل كل عذاب كان عليك،فأعطاه شيئا،فقال:زدني،فتعاسرا حتى أعطاه شيئا،و كتب كتابا،و أشهد له،ففيه نزلت هذه الآية: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلّى، وَ أَعْطى قَلِيلاً وَ أَكْدى الآية:43.قوله تعالى: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى .

ص: 363

و أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: «إن رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيّره فقال:أ تركت دين الأشياخ،و ظللتهم،و زعمت أنهم في النار !!قال:إني خشيت عذاب اللّه.قال:أعطني شيئا،و أنا أحمل كل عذاب كان عليك،فأعطاه شيئا،فقال:زدني،فتعاسرا حتى أعطاه شيئا،و كتب كتابا،و أشهد له،ففيه نزلت هذه الآية: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلّى، وَ أَعْطى قَلِيلاً وَ أَكْدى الآية:43.قوله تعالى: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى .

روى الواحدي عن عائشة قالت: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على أناس يضحكون،فقال:لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا،و لضحكتم قليلا، فنزل جبريل(عليه السلام)بقوله: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى .

فرجع اليهم فقال:ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل (عليه السلام)فقال:ائت هؤلاء،فقل لهم:إن اللّه عز و جل يقول:

وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى .

الآية:61.قوله تعالى: وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «كانوا يمرون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و هو يصلّي شامخين،فنزلت وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ .

ص: 364

سورة القمر

الآية:1-2.قوله تعالى: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ، وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ .

أخرج الواحدي عن مسروق عن عبد اللّه قال: «انشق القمر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقالت قريش:هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم، فاسألوا السّفار فسألوهم،فقالوا:نعم قد رأينا،فأنزل اللّه عز و جل:

اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ، وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ».

و أخرج الشيخان،و الحاكم عن ابن مسعود قال: «رأيت القمر منشقا شقّين بمكة قبل مخرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:سحر القمر،فنزلت:

اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ ».

و أخرج الترمذي عن أنس قال: «سأل أهل مكة النبي صلّى اللّه عليه و سلم آية، فانشق القمر بمكة مرتين،فنزلت اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ الى قوله سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ .

الآيات:47-49.قوله تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ، إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ

أخرج مسلم،و الترمذي عن أبي هريرة قال: «جاء مشركو قريش يخاصمون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في القدر فنزلت: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ إلى قوله: إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ

و أخرج الواحدي عن عطاء قال: «جاء أسقف نجران إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:يا محمد،تزعم أن المعاصى بقدر،و البحار بقدر،و السماء

ص: 365

بقدر،و هذه الأمور تجرى بقدر،فأما المعاصي فلا،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أنتما خصماء اللّه،فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ إلى قوله خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ

ص: 366

-سورة الرحمن-

الآية:46.قوله تعالى: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ

أخرج ابن أبي حاتم،و أبو الشيخ في كتاب(العظمة)عن عطاء:

«أنّ أبا بكر الصديق ذكر ذات يوم القيامة،و الموازين،و الجنة،و النار فقال:وددت أني كنت خضراء من هذه الخضر تأتي عليّ بهيمة تأكلني، و إني لم أخلق،فنزلت: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ

ص: 367

-سورة الواقعة-

الآيات:27-29.قوله تعالى: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ

أخرج سعيد بن منصور في(سننه)و البيهقي في(البعث)،عن عطاء،و مجاهد قالا: لما سأل أهل الطائف الوادي يحمى لهم،و فيه عسل ففعل-و هو واد معجب-فسمعوا الناس يقولون:إن في الجنة كذا،و كذا.قالوا:يا ليت لنا في الجنة مثل هذا الوادي،فأنزل اللّه الآية.

و أخرج الواحدي عن أبي العالية،و الضحاك قالا: «نظر المسلمون إلى فوج،و هو واد مخصب بالطائف فأعجبهم سدره،فقالوا:يا ليت لنا مثل هذا!!فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآيات:39-40.قوله تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ .

أخرج أحمد،و ابن المنذر،و ابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال: لما نزلت: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ شق ذلك على المسلمين،فنزلت: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ .

و أخرج ابن عساكر في(تاريخ دمشق)بسند فيه نظر من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد اللّه قال: «لمّا نزلت اذا وقعت الواقعة،و ذكر فيها ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ قال عمر:

يا رسول اللّه،ثلّة من الأوّلين،و قليل منّا فأمسك آخر السورة سنة ثم نزلت: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ فقال صلّى اللّه عليه و سلم:يا عمر،

ص: 368

تعال فاسمع ما قد أنزل اللّه: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ .

و أخرجه ابن أبي حاتم عن عروة بن رويم مرسلا.

الآيات 75-82.قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ، وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ، لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ، أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ، وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ .

أخرج مسلم عن ابن عباس قال: «مطر الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أصبح من الناس شاكر،و منهم كافر.

قالوا هذه رحمته وضعها اللّه.و قال بعضهم:لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآيات: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ حتى بلغ وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ .

ص: 369

سورة الحديد

الآية:10.قوله تعالى. لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ .

روى الواحدي عن ابن عمر قال: «بينا النبي صلّى اللّه عليه و سلم جالس،و عنده أبو بكر الصديق(رضي اللّه عنه)و عليه عباءة قد خلّها على صدره بخلال، إذ نزل عليه جبريل(عليه السلام)،فأقرأه من اللّه السلام،و قال:يا محمد،ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال!فقال:

يا جبريل،أنفق ماله قبل الفتح عليّ.قال:فأقرئه من اللّه سبحانه و تعالى السلام،و قل له:يقول لك ربك:أ راض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟فالتفت النبي صلّى اللّه عليه و سلم الى أبي بكر،فقال:يا أبا بكر،هذا جبريل يقرئك من اللّه سبحانه السلام،و يقول لك ربك:أ راض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟فبكى أبو بكر،و قال:على ربي أغضب ؟!!أنا عن ربّي راض،أنا عن ربي راض».

الآية:16.قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ .

روى الواحدي قال الكلبي و مقاتل: «نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة،و ذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا:حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب،فنزلت هذه الآية.و قيل انها نزلت في المؤمنين».

و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبّان قال: «كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قد أخذوا في شيئ من المزاح،فأنزل اللّه تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ »الآية.

ص: 370

و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبّان قال: «كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قد أخذوا في شيئ من المزاح،فأنزل اللّه تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ »الآية.

الآية:28.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

أخرج الطبراني في(الاوسط)بسند فيه من لا يعرف عن ابن عباس:

«أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على النبي صلّى اللّه عليه و سلم فشهدوا معه أحدا،فكانت فيهم جراحات،و لم يقتل منهم أحد.فلما رأوا ما بالمؤمنين من حاجة قالوا:يا رسول اللّه،إنّا أهل ميسرة فأذن لنا نجيء بأموالنا نواسي بها المسلمين،فأنزل اللّه فيهم: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ الآيات،فلما نزلت قالوا:يا معشر المسلمين،أمّا من آمن بكتابكم فله أجران،و من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم،فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ الآية ،فجعل ما أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب».

الآية:29.قوله تعالى: لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .

أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «بلغنا أنّه لما نزلت: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ حسد أهل الكتاب المسلمين عليها،فأنزل اللّه تعالى: لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ الآية.

و أخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: «قالت اليهود:يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي،و الأرجل،فلما خرج من العرب كفروا،فأنزل اللّه تعالى: لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ الآية .يعني بفضل النبوة».

ص: 371

سورة المجادلة

الآيات:1-4 قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

أخرج الحاكم و صححه عن عائشة قالت: «تبارك الذي وسع سمعه كل شيء،إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة،و يخفى عليّ بعضه،و هي تشكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و تقول:يا رسول اللّه،أكل شبابي،و نثرت له بطني حتى إذا كبرت سني،و انقطع ولدي ظاهر مني،اللهم إنّي أشكو إليك،فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها و هو أوس بن الصامت».

و أخرج الواحدي عن قتادة عن أنس بن مالك قال: «إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة،فشكت ذلك إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالت:ظاهر مني حين كبر سني،و رقّ عظمي،فأنزل اللّه تعالى آية الظهار،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لأوس:اعتق رقبة،فقال:

ما لى بذلك يدان.قال:فصم شهرين متتابعين.قال:أما إني إذا أخطأني أن لا آكل في اليوم كلّ بصري.قال:فاطعم ستين مسكينا، قال:لا أجد الاّ أن تعينني منك بعون،وصله.قال:فأعانه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع اللّه له،و اللّه رحيم.و كانوا يرون، أنّ عنده مثلها،ذلك ستون مسكينا».

الآية:8.قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ

روى الواحدي قال ابن عباس و مجاهد: «نزلت في يهود،و المنافقين ،و ذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين،و ينظرون إلى

ص: 372

المؤمنين،و يتغامزون بأعينهم،فإذا رأى المؤمنون نجواهم،قالوا:ما نراهم إلاّ و قد بلغهم عن أقربائنا،و إخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل،أو موت،أو هزيمة،فيقع ذلك في قلوبهم،و يحزنهم،فلا يزالون كذلك حتى يندم أصحابهم،و أقرباؤهم،فلما طال ذلك،و كثر شكوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأمرهم أن يتناجوا دون المسلمين،فلم ينتهوا عن ذلك،و عادوا إلى مناجاتهم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:8.قوله تعالى: وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ

روى الواحدي عن عائشة(رضي اللّه عنه)قالت: «جاء ناس من اليهود إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:السّام عليك يا أبا القاسم.فقلت:السّام عليكم،و فعل اللّه بكم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:مه يا عائشة،فإن اللّه تعالى لا يحب الفحش،و لا التفحش.فقلت:يا رسول اللّه،أ لست أدرى بما يقولون؟قال:أ لست ترين أرد عليهم ما يقولون؟أقول:

و عليكم،و نزلت هذه الآية في ذلك: وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ الآية:10.قوله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَ عَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «كان المنافقون يتناجون بينهم، و كان يغيظ المؤمنين،و يكبر عليهم،فأنزل اللّه تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ الآية»، الآية:11.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ

ص: 373

و أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنّوا بمجلسهم عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ الآية»

و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل: «أنها نزلت يوم الجمعة،و قد جاء ناس من أهل بدر،و في المكان ضيق،فلم يفسح لهم،فقاموا على أرجلهم،فأقام صلّى اللّه عليه و سلم نفرا بعدتهم،و أجلسهم مكانهم،فكرة؟؟؟ أولئك النفر :فنزلت».

و روى الواحدي عن مقاتل قال: «كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالصّفّة،و في المكان ضيق-و ذلك يوم الجمعة-و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يكرم أهل بدر من المهاجرين،و الأنصار،فجاء ناس من أهل بدر-و قد سبقوا إلى المجلس-فقاموا حيال النبي صلّى اللّه عليه و سلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسّع لهم فلم يفسحوا لهم،و شق ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال لمن حوله من غير أهل بدر:قم يا فلان،و أنت يا فلان،فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر،فشق ذلك على من أقيم من مجلسه، و عرف النبي صلّى اللّه عليه و سلم الكراهية في وجوههم،فقال المنافقون للمسلمين:أ لستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس؟!فو الله،ما عدل على هؤلاء،قوم أخذوا مجالسهم،و أحبهم القرب من نبيّهم أقامهم،و أجلس من أبطأ عنهم مقامهم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:12.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً

روى الواحدي عن مقاتل بن حيان: «نزلت الآية في الأغنياء، و ذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلّى اللّه عليه و سلم فيكثرون مناجاته،و يغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ذلك من طول جلوسهم، و مناجاتهم،فأنزل اللّه تبارك و تعالى هذه الآية،و أمر بالصدقة عند

ص: 374

المناجاة،فأما أهل العسر،فلم يجدوا شيئا،و أما أهل الميسرة فبخلوا، و اشتد ذلك على أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فنزلت الرخصة».

و أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال:

«إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حتى شقّوا عليه،فأراد اللّه تعالى أن يخفف عن نبيه فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً فلما نزلت صبر كثير من الناس،و كفوا عن المسألة،فأنزل اللّه بعد ذلك: أَ أَشْفَقْتُمْ الآية».

الآية:13.قوله تعالى: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ

أخرج الترمذي،و حسّنه،و غيره عن عليّ قال: «لما نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال لي النبي صلّى اللّه عليه و سلم ما ترى،دينار؟قلت:لا يطيقونه.قال:فنصف دينار؟قلت:لا يطيقونه.قال:فكم؟قلت:بشعيرة.قال:إنك لزهيد،فنزلت: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية فبي خفف اللّه عن هذه الأمة».قال الترمذي:حسن.

الآية:18.قوله تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ

أخرج الحاكم و صححه،و أحمد عن ابن عباس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في ظل حجرة،و قد كاد الظل أن يتقلص،فقال:إنه سيأتيكم إنسان،؟؟؟فينظر اليكم بعيني شيطان،فإذا جاءكم فلا تكلموه،فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق أعور،فدعاه

ص: 375

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال له حين رآه:علام تشتمني أنت،و أصحابك! فقال:ذرني آتيك بهم،فأنطلق فدعاهم،فحلفوا له ما قالوا،و ما فعلوا، فأنزل اللّه تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ الآية».

الآية:22.قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ

روى الواحدي عن ابن مسعود قال: «نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد اللّه بن الجراح يوم أحد،و في أبي بكر دعا ابنه في بدر إلى البراز،فقال:يا رسول اللّه،دعني أكن في الرعلة الأولى، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:متّعنا بنفسك يا أبا بكر،أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي،و بصري،و في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد،و في عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر،و في علي،و حمزة قتلوا عتبة،و شيبة ابني ربيعة،و الوليد بن عتبة يوم بدر،و ذلك قوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .

و أخرج الطبراني،و الحاكم في(المستدرك)بلفظ: «جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتصدى لأبي عبيدة يوم بدر،و جعل أبو عبيدة يحيد عنه،فلما أكثر قصده أبو عبيدة،فقتله،فأنزلت»

و أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: «حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلّى اللّه عليه و سلم فصكه أبو بكر صكة،فسقط،فذكر ذلك للنبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:

أفعلت يا أبا بكر؟!!فقال:و اللّه،لو كان السيف قريبا مني لضربته به ،فنزلت: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ الآية».

ص: 376

-سورة الحشر-

أخرج البخاري عن ابن عباس قال:«سورة الأنفال نزلت في بدر، و سورة الحشر نزلت في بني النضير».

و أخرج الحاكم،و صححه عن عائشة قالت: «كانت غزوة بني النضير -و هم طائفة من اليهود-على رأس ستة أشهر من وقعة بدر،و كانت منازلهم،و نخلهم في ناحية المدينة،فحاصرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حتى نزلوا على الجلاء،و على أنّ لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة،و الأموال إلاّ الحلقة،و هي السلاح،فأنزل اللّه تعالى فيهم: سَبَّحَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ .

الآيتان:1-2.قوله تعالى: سَبَّحَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ

روى الواحدي عن ابن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود:أنكم أهل الحلقة،و الحصون،و إنكم لتقاتلن صاحبنا،أو لنفعلن كذا،و لا يحول بيننا،و بين خدم نساؤكم،و بين الخلاخل شيء،فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير الغدر،و أرسلوا إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم أن أخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك،و ليخرج معنا ثلاثون حبرا حتى نلتقي بمكان نصف بيننا،و بينك ليسمعوا منك،فإن صدقوك،و آمنوا بك،آمنّا بك،

ص: 377

فخرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم في ثلاثين من أصحابه،و خرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود،حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض:

كيف نتفق و نحن ستون رجلا!أخرج في ثلاثة من أصحابك،و نخرج إليك ثلاثة من علمائنا إن آمنوا بك،آمنا بك كلنا،و صدقناك،فخرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم في ثلاثة من أصحابه،و خرج من اليهود،و اشتملوا على الخناجر،و أرادوا الفتك بالرسول صلّى اللّه عليه و سلم،فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها-و هو رجل مسلم من الأنصار-فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و أقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فسارّه بخبرهم،فرجع النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فلما كان من الغد غدا عليهم بالكتائب،فحاصرهم،فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء،على أن لهم ما أقلّت الإبل إلا الحلقة،و هي السلاح،و كانوا يخربون بيوتهم،فيأخذون ما وافقهم من خشبها.فأنزل اللّه تعالى: لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ حتى بلغ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي الست آيات من أول سورة الحشر».

الآية:5.قوله تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ

أخرج البخاري،و غيره عن ابن عمر: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حرق نخل بني النضير،و قطع وادي البويرة،فأنزل اللّه تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها الآية».

و أخرج ابن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: «لما نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ببني النضير تحصنوا منه في الحصون،فأمر بقطع النخل، و التحريق فيها،فنادوه:يا محمد،قد كنت تنهى عن الفساد، و تعيبه،فما بال قطع النخل،و تحريقها؟!فنزلت».

و قال الواحدي: «و ذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لما نزل ببني النضير،

ص: 378

و تحصنوا في حصونهم أمر بقطع نخيلهم،و إحراقها،فجزع أعداء اللّه عند ذلك،و قالوا:زعمت يا محمد،أنك تريد الصلاح،أ فمن الصلاح عقر الشجر المثمر،و قطع النخل؟!و هل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض؟!فشق ذلك على النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم،و خشوا أن يكون ذلك فسادا،فقال بعضهم:لا تقطعوا فإنه مما أفاء اللّه علينا.و قال بعضهم:بل اقطعوا،فأنزل اللّه تعالى:

ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ الآية،تصديقا لمن نهى عن قطعه،و تحليلا لمن قطعه،و أخبر أن قطعه،و تركه بإذن اللّه».

الآية:9.قوله تعالى: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

و أخرج الواحدي عن أبي هريرة قال: «أتى رجل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:يا رسول اللّه،أصابني الجهد،فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا،فقال:أ لا رجل يضيّفه هذه الليلة يرحمه اللّه.فقام رجل من الأنصار فقال:أنا يا رسول اللّه،فذهب إلى أهله،فقال لامرأته:

ضيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لا تدخريه شيئا.قالت:و اللّه ما عندي إلاّ قوت الصبية.قال:فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم،و تعالي فاطفئي السراج،و نطوي بطوننا الليلة،ففعلت.ثم غدا الرجل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:لقد عجب اللّه،أو ضحك من فلان،و فلانة،فأنزل اللّه تعالى: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ .

و أخرج مسدّد في(مسنده)،و ابن المنذر عن أبي المتوكل الناجي:«أن رجلا من المسلمين...فذكر نحوه،و فيه:أن الرجل الذي أضاف ثابت بن قيس بن شماس،فنزلت فيه هذه الآية».

ص: 379

-سورة الممتحنة-

الآية:1.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ

روى الشيخان عن علي و الواحدي: قال جماعة من المفسرين:

«نزلت في حاطب بن أبي بلتعة،و ذلك أن سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن شهاب بن عبد مناف أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من مكة إلى المدينة،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يتجهز لفتح مكة،فقال لها:أ مسلمة جئت ؟قالت:لا.قال:فما جاء بك؟!قالت:أنتم الأهل،و العشيرة، و الموالي،و قد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني،و تكسوني ،قال لها:فأين أنت من شباب مكة؟-و كانت مغنية-؟قالت:ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر،فحث رسول اللّه بني عبد المطلب فكسوها،و حملوها،و أعطوها،فأتاها حاطب بن أبي بلتعة،و كتب معها إلى أهل مكة،و أعطاها عشرة دنانير على أن توصل إلى أهل مكة ،و كتب في الكتاب:من حاطب إلى أهل مكة،إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يريدكم،فخذوا حذركم،فخرجت سارة،و نزل جبريل(عليه السلام)، فأخبر النبي صلّى اللّه عليه و سلم بما فعل حاطب،فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عليا، و عمارا،و الزبير،و طلحة،و المقداد بن الأسود،و أبا مرثد،و كانوا كلهم فرسانا،و قال لهم:انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ،فإن فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين،فخذوه منها،و خلوا سبيلها،

ص: 380

فإن لم تدفعه إليكم،فاضربوا عنقها،فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان،فقالوا لها:أين الكتاب؟فحلفت باللّه،ما معها كتاب،ففتشوا متاعها،فلم يجدوا معها كتابا،فهموا بالرجوع.فقال علي:و اللّه ما كذبنا و لا كذبنا،و سل سيفه،و قال:أخرجي الكتاب و إلاّ و اللّه لأجزرنك،و لأضربنّ عنقك،فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها،فخلوا سبيلها،و رجعوا بالكتاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فأرسل إلى حاطب،فأتاه،قال:ما حملك على ما صنعت؟!فقال:يا رسول اللّه،و اللّه ما كفرت منذ أسلمت،و لا غششتك منذ نصحتك، و لا أحببتهم منذ فارقتهم،و لكن لم يكن أحد من المهاجرين إلاّ و له بمكة من يمنع عشيرته،و كنت غريبا فيهم،و كان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا،و قد علمت أن اللّه ينزل بهم بأسه،و كتابي لا يغني عنهم شيئا،فصدقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و عذره فنزلت هذه السورة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ».فقام عمر بن الخطاب،فقال:دعني يا رسول اللّه،أضرب عنق هذا المنافق؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:و ما يدريك يا عمر،لعل اللّه قد اطلع على أهل بدر،فقال لهم:اعملوا ما شئتم،فقد غفرت لكم».

الآية:7.قوله تعالى: عَسَى اللّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً .

روى الواحدي: «لما نزلت الآية: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ ».

عادى المؤمنون أقرباءهم من المشركين في اللّه،و أظهروا لهم العداوة، و علم اللّه شدة وجد المؤمنين بذلك،فأنزل اللّه: عَسَى اللّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً .ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم،و صاروا لهم أولياء،و إخوانا،و خالطوهم،و أنكحوهم،و تزوج

ص: 381

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب،فلان لهم أبو سفيان،و بلغه ذلك فقال:«الفحل لا يقرع أنفه».

الآية:8.قوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .

أخرج أحمد،و البزار،و الحاكم و صححه عن عبد اللّه بن الزبير قال:

«قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر-و كان أبو بكر طلقها في الجاهلية-فقدمت على ابنتها بهدايا،فأبت أسماء أن تقبل منها،أو تدخلها منزلها حتى أرسلت إلى عائشة:أن سلي عن هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبرته،فأمرها أن تقبل هداياها،و تدخلها منزلها،فأنزل اللّه تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ الآية».

الآية:10.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ

روى الحاكم،و صححه عن ابن عباس قال: «إنّ مشركي مكة صالحوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عام الحديبية على أنّ من أتاه من أهل مكة رده إليهم، و من أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم،و كتبوا بذلك الكتاب، و ختموه،فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، و النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالحديبية،فأقبل زوجها-و كان كافرا-فقال:يا محمد،ردّ عليّ امرأتي،فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منّا،و هذه طينة الكتاب لم تجف بعد،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

و أخرج الشيخان عن المسور،و مروان بن الحكم: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء من المؤمنات،

ص: 382

فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ إلى قوله: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ .

و أخرج الطبراني بسند عن عبد اللّه بن أبي أحمد قال: «هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهدنة،فخرج أخواها:

عمارة،و الوليد-ابنا عقبة-حتى قدما على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و كلّماه في أم كلثوم أن يردها إليهم،فنقض اللّه العهد بينه و بين المشركين خاصة في النساء،و منع أن يرددن إلى المشركين،فأنزل اللّه تعالى آية الامتحان».

و أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب:«أنه بلغه أنها نزلت في أميمة بنت بشر امرأة أبي حسّان الدحداحة».

و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل: «أن امرأة تسمى سعيدة،كانت تحت صيفي بن الراهب،فهو مشرك من أهل مكة،جاءت زمن الهدنة ،فقالوا:ردها علينا،فنزلت».

و أخرج ابن منيع من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «أسلم عمر بن الخطاب فتأخرت امرأته في المشركين،فأنزل اللّه تعالى: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ الآية:13.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ

أخرج ابن المنذر من طريق ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة،و أبو سعيد عن ابن عباس قال: «كان عبد اللّه بن عمر،و زيد بن الحارث يوادّان رجالا من يهود،فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ

ص: 383

-سورة الصّف-

أخرج الترمذي،و الحاكم و صححه عن عبد اللّه بن سلام قال: «قعدنا نفرا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فتذاكرنا،فقلنا:لو نعلم أي الأعمال أحبّ إلى اللّه لعملناه،فأنزل اللّه: سَبَّحَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ فقرأها علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حتى ختمها».

الآيات:2-10.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ

أخرج ابن جرير عن الضحاك،و ابن أبي صالح قال: «قالوا:لو كنا نعلم أي الأعمال أحب الى اللّه،و أفضل،فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ الآية،فكرهوا الجهاد،فنزلت:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ .

و أخرج ابن جرير عن الضحاك،و ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس أنزلت: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ في الرجل يقول في القتال ما لم يفعله من الضرب،و الطعن،و القتل».

و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل:«أنها نزلت في توليهم يوم أحد».

الآية:11.قوله تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال:«لمّا نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ قال المسلمون:لو علمنا ما هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال،و الأهلين، فنزلت: تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ .

ص: 384

-سورة الجمعة-

الآية:11.قوله تعالى: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللّهُ خَيْرُ الرّازِقِينَ

أخرج الشيخان عن جابر قال: «كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير قد قدمت،فخرجوا إليها حتى لم يبق معه الاّ اثنا عشر رجلا،فأنزل اللّه تعالى: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً

و أخرج ابن جرير عن جابر أيضا قال: «كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكير،و المزامير،و يتركون النبي صلّى اللّه عليه و سلم قائما على المنبر، و يفضّون إليها،فنزلت،و كأنها نزلت في الأمرين معا» و أخرج ابن المنذر عن جابر نحوه لقصة النكاح،و قدوم العير معا من طريق واحد،و أنها نزلت في الأمرين،و للّه الحمد».

سورة المنافقون

الآية:1.قوله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ

روى الشيخان و الواحدي عن زيد بن أرقم قال: «غزونا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-و كان معنا ناس من الأعراب-و كنا نبتدر الماء،و كان الأعراب يسبقونا،فيسبق الأعرابي أصحابه فيملأ الحوض،و يجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه،فأتى رجل من الأنصار،فأرخى زمام ناقته

ص: 385

لتشرب،فأبى أن يدعه الأعرابي،فأخذ خشبة،فضرب بها رأس الأنصاري فشجّه،فأتى الأنصاري عبد اللّه بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين، فأخبره-و كان من أصحابه-فغضب عبد اللّه بن أبيّ ثم قال:لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا من حوله-يعني الأعراب-ثم قال لأصحابه:إذا رجعتم إلى المدينة،فليخرج الأعز منها الأذل.قال زيد بن الأرقم-و أنا ردف عمي-:فسمعت عبد اللّه،فأخبرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فانطلق،و كذبني،فجاء إليّ عمي،فقال:ما أردت أن مقتك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و كذّبك المسلمون،فوقع عليّ من الغمّ ما لم يقع على أحد قط، فبينما أنا أسير مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذ أتاني فعرك أذني،و ضحك في وجهي،فما كان يسرنى أن لي بها الدنيا،فلما أصبحنا قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سورة المنافقون: قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ حتى بلغ: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا حتى بلغ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ .

قال أهل التفسير «غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بني المصطلق،فنزل على ماء من مياههم يقال له المريسيع فوردت واردة الناس،و مع عمر بن الخطاب أجير من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود فرسه، فازدحم جهجاه،و سنان الجهني-حليف بني العوف من الخزرج-على الماء،فاقتتلا،فصرخ الجهني:يا معشر الأنصار،و صرخ الغفاري:يا معشر المهاجرين،فلما أن جاء عبد اللّه بن أبي بن سلول قال ابنه:

وراءك!قال:مالك ويلك!قال:لا و اللّه لا تدخلها أبدا-يعني المدينة-الاّ باذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و لتعلم اليوم من الأعز من الأذل.

فشكا عبد اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ما صنع ابنه،فأرسل إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:ارتحل عنه حتى يدخل قال أمّا إذ جاء أمر النبي فنعم،فدخل ،فلما نزلت هذه و بان كذبه قيل له:يا أبا حبّاب،إنه قد نزل فيك أي

ص: 386

شداد،فاذهب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،ليستغفر لك،فلوّى رأسه فذلك قوله: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ الآية».

الآية:5.قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ

أخرج ابن جرير عن قتادة: «قيل لعبد اللّه بن أبيّ:لو أتيت النبي صلّى اللّه عليه و سلم فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه،فنزلت فيه: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ الآية و أخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله.

الآية:6.قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ

أخرج ابن جرير عن عروة قال: «لما نزلت: اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:لأزيدن على السبعين،فأنزل اللّه تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ الآية.

و أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: «لما نزلت آية براءة قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم-و أنا أسمع-:إني قد رخص لي فيهم،فو الله لأستغفرنّ أكثر من سبعين مرة لعل اللّه أن يغفر لهم،فنزلت.

سورة التغابن

الآية:14.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

ص: 387

أخرج الترمذي،و الحاكم،و صححاه عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ في قوم من أهل مكة أسلموا فأبى أزواجهم،و أولادهم أن يدعوهم،فأتوا المدينة، فلما قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين،فهمّوا أن يعاقبوهم،فأنزل اللّه تعالى: وَ إِنْ تَعْفُوا و

أخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: «نزلت سورة التغابن كلها بمكة الاّ هؤلاء الآيات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ نزلت في عوف بن مالك الأشجعي،كان ذا أهل،و ولد،فكان إذا أراد الغزو بكوا اليه،و وقفوه،فقالوا:الى من تدعنا،فيرق،و يقيم،فنزلت هذه الآية ،و بقية الآيات الى آخر السورة بالمدينة».

الآية:16.قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا وَ أَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «لما نزلت: اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ اشتد على القوم العمل،فقاموا حتى و رمت عراقبهم، و تقرحت جباههم،فأنزل اللّه تعالى،تخفيفا على المسلمين فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ

-سورة الطلاق-

الآية:1.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً

ص: 388

أخرج الحاكم عن ابن عباس قال: «طلّق عبد يزيد-أبو ركانة-أم ركانة ثم نكح امرأة من مزينة،فجاءت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقالت:«يا رسول اللّه،ما عنى ما عنى إلاّ عن هذه الشقرة،فنزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ فقيل له:راجعها فإنّها صوّامة قوامة.

و أخرجه ابن جرير عن قتادة مرسلا،و أخرجه ابن المنذر عن ابن سيرين مرسلا.

و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ الآية.قال:«بلغنا أنها نزلت في عبد اللّه بن العاص، و طفيل بن الحارث،و عمرو بن بن سعيد بن العاص».

الآية:2-3.قوله تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

أخرج الحاكم عن جابر قال: «نزلت هذه الآية: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً في رجل من أشجع كان فقيرا،خفيف ذات اليد، كثير العيال،فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فسأله،فقال له:اتّق اللّه، و اصبر،فلم يلبث إلاّ يسيرا حتى جاء ابن له بغنم-و كان العدو أصابوه- فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأخبره خبرها،فقال:كلها،فنزلت. قال الذهبي:

حديث منكر،له شاهد!

و أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال:يا رسول اللّه،إنّ ابني أسره العدو،و جزعت أمه،فما ذا تأمرني؟قال:آمرك،و إياها أن تستكثرا من قول:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه.فقالت المرأة:نعم ما أمرك،فجعلا يستكثران منها،فتغفل عنه العدو،فاستاق غنمهم،فجاء بها إلى أبيه،فنزلت وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً

ص: 389

الآية:4.قوله تعالى: وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ

أخرج ابن جرير،و إسحاق بن راهويه،و الحاكم،و غيرهم عن أبيّ بن كعب قال: «لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد من عدد النساء قالوا:قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن:الصغار، و الكبار،و أولات الحمل،فنزلت: وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الآية».

و أخرج مقاتل في تفسيره: «أنّ خلاد بن عمرو بن الجموح سأل النبي صلّى اللّه عليه و سلم عن عدة التي لا تحيض،فنزلت».

-سورة التحريم-

الآية:1.قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

أخرج الحاكم،و النّسائي بسند صحيح عن أنس: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كانت له أمة يطؤها،فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما ،فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ

و أخرج الواحدي عن ابن عباس عن عمر قال: «دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بأم ولده مارية في بيت حفصة فوجدته حفصة معها،فقالت:لم تدخلها بيتي!!ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلاّ من هواني عليك.

فقال لها:لا تذكري هذا لعائشة،و هي عليّ حرام إن قربتها.قالت حفصة:و كيف تحرم عليك،و هي جاريتك!!فحلف لها لا يقربها، و قال لها:لا تذكريه لأحد،فذكرته لعائشة،فأبى أن يدخل على

ص: 390

نسائه شهرا،و اعتزلهن تسعا و عشرين ليلة،فأنزل اللّه تبارك و تعالى:

لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ الآية.

و أخرج الطبراني بسند عن ابن عباس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يشرب العسل عند سودة،فدخل على عائشة،فقالت:إني أجد منك ريحا.ثم دخل على حفصة فقالت:مثل ذلك.فقال:أراه من شراب شربته عند سودة،و اللّه لا أشربه،فنزلت: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ قال الحافظ بن حجر:«يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين معا».

الآية:4.قوله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ

روى الواحدي عن ابن عباس قال: «وجدت حفصة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مع أم إبراهيم في يوم عائشة،فقالت:لأخبرها،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:هي عليّ حرام إن قربتها،فأخبرت عائشة بذلك فأعلم اللّه رسوله بذلك،فعرّف حفصة بعض ما قالت،فقالت له:من أخبرك؟!! قال:نبأني العليم الخبير،فآلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من نسائه شهرا،فأنزل اللّه تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما الآية».

سورة القلم

الآية:2.قوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ

أخرج ابن المنذر عن ابن جرير قال: «كانوا يقولون للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:

إنه مجنون،ثم شيطان فنزلت: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ الآية:4.قوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ

ص: 391

أخرج أبو نعيم في(الدلائل)و الواحدي بسند رواه عن عائشة قالت:

«ما كان أحد أحسن خلقا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،ما دعاه أحد من أصحابه،و لا من أهل بيته إلاّ قال:لبيك،فلذلك أنزل اللّه تعالى:

وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ الآيتان:10-11.قوله تعالى: وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ، هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ نزلت في الأخنس بن شريف الثقفي».

و أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال:«نزلت في الأسود بن عبد يغوث».

الآيات:10.13.قوله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال،«نزلت على النبي صلّى اللّه عليه و سلم وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ، هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ فلم نعرفه حتى نزل عليه بعد ذلك: زَنِيمٍ فعرفناه،له زنمة كزنمة الشاة».

الآية:17.قوله تعالى: إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريح: «أن أبا جهل قال يوم بدر:

خذوهم أخذا،فاربطوهم في الحبال،و لا تقتلوا منهم أحدا،فنزلت:

إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ يقول في قدرتهم عليهم كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة».

الآية:51.قوله تعالى: وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ .

روى الواحدي عن الكلبي قال: «كان رجل يمكث لا يأكل يومين،أو ثلاثة،ثم يرفع جانب خبائه،فتمر به النعم،فيقول:ما رعى اليوم

ص: 392

إبل،و لا غنم أحسن من هذه فما تذهب إلا قريبا حتى يسقط منها طائفة،و عدة،فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب الرسول صلّى اللّه عليه و سلم بالعين، و يفعل به مثل ذلك،فعصم اللّه نبيّه،و أنزل هذه الآية».

-سورة الحاقة-

الآية:12.قوله تعالى: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ .

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم،و الواحدي عن بريدة قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لعلي بن أبي طالب: إني أمرت أن أدنيك،و لا أقصيك،و أن أعلمك،و أن تعي،و حق لك أن تعي.قال:فنزلت هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ».

-سورة المعارج-

الآية 1.قوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ .

أخرج النسائي،و ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: سَأَلَ سائِلٌ قال:هو النضر بن الحارث قال:اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء».

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: سَأَلَ سائِلٌ نزلت بمكة في النضر بن الحارث،و قد قال:اللّهم ان كان هذا هو الحق من عندك».الآية.و كان عذابه يوم بدر.

و أخرج ابن المنذر عن الحسن قال: «نزلت: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ فقال الناس:على من يقع العذاب؟!فأنزل اللّه تعالى

ص: 393

لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ .

الآية:38.قوله تعالى: أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ .

روى الواحدي عن المفسرين قالوا: «كان المشركون يجتمعون حول النبي صلّى اللّه عليه و سلم يستمعون كلامه،و لا ينتفعون به،بل يكذبون به، و يستهزءون به،و يقولون:لئن دخل هؤلاء الجنة،لندخلنها قبلهم، و ليكوننّ لنا فيها أكثر مما لهم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

-سورة الجن-

أخرج البخاري،و الترمذي،و غيرهما عن ابن عباس قال: «ما قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على الجنّ،و لا رآهم،و لكنه انطلق في طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ،و قد حيل بين الشياطين،و بين خبر السماء،فأرسلت عليهم الشهب،فرجعوا إلى قومهم،فقالوا:ما هذا إلاّ لشيء قد حدث،فاضربوا مشارق الأرض،و مغاربها،فانظروا هذا الذي حدث.فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و هو بنخلة،و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر،فلما سمعوا القرآن استمعوا له،فقالوا:هذا و اللّه،الذي حال بينكم،و بين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا:يا قومنا،إنا سمعنا قرآنا عجبا، فأنزل اللّه تعالى على نبيّه قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ و انما أوحي إليه قول الجن».

و أخرج ابن الجوزي في كتاب(صفوة الصفوة)بسنده عن سهل بن عبد اللّه قال:«كنت في ناحية ديار عاد إذ رأيت مدينة من حجر منقور في وسطها قصر من حجارة تأويه الجن،فدخلت فإذا شيخ عظيم

ص: 394

الخلق يصلّي نحو الكعبة،و عليه جبة صوف فيها طراوة،فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته،فسلمت عليه،فرد عليّ السلام،و قال:يا سهل،إن الأبدان لا تخلق الثياب،و إنما تخلقها روائح الذنوب،و مطاعم السحت،و إن هذه الجبة عليّ منذ سبعمائة سنة لقيت فيها عيسى،و محمدا(عليه الصلاة السلام)فآمنت بهما،فقلت له:

و من أنت؟!!قال:من الذين نزل فيهم قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ».

الآية:6.قوله تعالى: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً .

أخرج ابن المنذر،و ابن أبي حاتم،و أبو الشيخ في(العظمة)عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة-و ذلك أول ما ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-فآوانا المبيت إلى راعي غنم ،فلما انتصف الليل جاء ذئب،فأخذ حملا من الغنم،فوثب الراعي فقال:عامر الوادي جارك.فنادى مناد لا نراه:يا سرحان،فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم،و أنزل اللّه على رسوله بمكة: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ الآية..

و أخرج ابن سعد عن أبي رجاء العطاردي من بني تميم قال: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و قد رعيت على أهلى،و كفيت مهنتهم،فلما بعث النبي صلّى اللّه عليه و سلم خرجنا هرابا،فأتينا على فلاة من الأرض،و كنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا:إنّا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجنّ الليلة،فقلنا:ذاك فقيل لنا:انما سبيل هذا الرجل شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و أن محمدا رسول اللّه،من أقرّ بها أمن على دمه،و ماله،فرجعنا فدخلنا في الاسلام.قال أبو رجاء،إنّي لأرى هذه الآية نزلت فيّ،و في أصحابي: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً

ص: 395

و أخرج الخرائطي في كتاب(هواتف الجان)حدثنا عبد اللّه بن محمد البلويّ،حدثنا عمارة بن زيد،حدثني عبد اللّه بن العلاء،حدثنا محمد بن عكير عن سعيد بن جبير: «أن رجلا من بني تميم يقال له رافع بن عمير حدّث عن بدء إسلامه قال:إنّي لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم،فنزلت عن راحلتي،و أنختها،و نمت،و قد تعوذت قبل نومي فقلت:أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن،فرأيت في منامي رجلا بيده حربه يريد أن يضعها في نحر ناقتي،فانتبهت فزعا،فنظرت يمينا، و شمالا فلم أر شيئا،فقلت:هذا حلم.ثم عدت فغدوت،فرأيت مثل ذلك،فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب،و التفت،و إذا برجل شاب كالذي رأيته في المنام بيده حربة،و رجل شيخ ممسك بيده يدفعه عنها،فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش،فقال الشيخ للفتى.قم فخذ أيتها شئت فداء لناقة جارى الأنسي،فقام الفتى فأخذ منها ثورا،و انصرف ثم التفت إليّ الشيخ،و قال:يا هذا إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله،فقل:أعوذ برب محمد من هول هذا الوادي،و لا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها.قال:فقلت له:و من محمد هذا؟قال:نبي عربي،لا شرقي،و لا غربي،بعث يوم الاثنين،فقلت:أين مسكنه؟قال:يثرب ذات النخل،فركبت راحلتي حين ترقى لي الصبح،و جدرت السير حتى تقحمت المدينة، فرآني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فحدثني بحديثي قبل أن أذكر منه شيئا،و دعاني إلى الإسلام،فأسلمت.قال سعيد بن جبير:و كنا نرى أنه هو الذي أنزل اللّه فيه: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً الآية:16.قوله تعالى: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً

ص: 396

و أخرج الخرائطي في كتاب(هواتف الجان)حدثنا عبد اللّه بن محمد البلويّ،حدثنا عمارة بن زيد،حدثني عبد اللّه بن العلاء،حدثنا محمد بن عكير عن سعيد بن جبير: «أن رجلا من بني تميم يقال له رافع بن عمير حدّث عن بدء إسلامه قال:إنّي لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم،فنزلت عن راحلتي،و أنختها،و نمت،و قد تعوذت قبل نومي فقلت:أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن،فرأيت في منامي رجلا بيده حربه يريد أن يضعها في نحر ناقتي،فانتبهت فزعا،فنظرت يمينا، و شمالا فلم أر شيئا،فقلت:هذا حلم.ثم عدت فغدوت،فرأيت مثل ذلك،فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب،و التفت،و إذا برجل شاب كالذي رأيته في المنام بيده حربة،و رجل شيخ ممسك بيده يدفعه عنها،فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش،فقال الشيخ للفتى.قم فخذ أيتها شئت فداء لناقة جارى الأنسي،فقام الفتى فأخذ منها ثورا،و انصرف ثم التفت إليّ الشيخ،و قال:يا هذا إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله،فقل:أعوذ برب محمد من هول هذا الوادي،و لا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها.قال:فقلت له:و من محمد هذا؟قال:نبي عربي،لا شرقي،و لا غربي،بعث يوم الاثنين،فقلت:أين مسكنه؟قال:يثرب ذات النخل،فركبت راحلتي حين ترقى لي الصبح،و جدرت السير حتى تقحمت المدينة، فرآني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فحدثني بحديثي قبل أن أذكر منه شيئا،و دعاني إلى الإسلام،فأسلمت.قال سعيد بن جبير:و كنا نرى أنه هو الذي أنزل اللّه فيه: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً الآية:16.قوله تعالى: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً

أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: «نزلت في كفار قريش حين منع المطر سبع سنين».

الآية:18.قوله تعالى: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً

أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي صالح عن ابن عباس قال:

«قالت الجن:يا رسول اللّه،ائذن لنا فنشهد معك الصلوات في مسجدك ،فأنزل اللّه تعالى: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً

و أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: «قالت الجن للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:كيف لنا أن نأتي المسجد،و نحن ناءون عنك،أو كيف نشهد الصلاة،و نحن ناءون عنك،فنزلت: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ الآية»

-سورة المزمل-

الآية:1.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ

أخرج البزار،و الطبراني بسند رواه عن جابر قال: «اجتمعت قريش في دار الندوة فقالت:سمّوا هذا الرجل اسما يصد عنه الناس.قالوا:

كاهن.قالوا:ليس بكاهن.قالوا:مجنون.قالوا:ليس بمجنون.

قالوا:ساحر.قالوا:ليس بساحر.فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فتزمل في ثيابه،فتدثر فيها،فأتاه جبريل فقال: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ و أخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قال:نزلت و هو في قطيفة».

الآية:20.قوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَ آخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَ آخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ

أخرج الحاكم عن عائشة قالت: «لما نزلت: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً قاموا سنة حتى و رمت أقدامهم،فأنزل اللّه:

ص: 397

أخرج الحاكم عن عائشة قالت: «لما نزلت: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً قاموا سنة حتى و رمت أقدامهم،فأنزل اللّه:

فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ و أخرج ابن جرير مثله عن ابن عباس و غيره».

-سورة المدثر-

الآيات:1-7.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ

روى الواحدي عن أبي سلمة عن جابر قال: «حدثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي،فنوديت،فنظرت أمامي،و خلفي،و عن يميني،و عن شمالي، فلم أر أحدا،ثم نوديت فرفعت رأسي،فإذا هو على العرش في الهواء (يعني جبريل عليه السلام)فقلت:دثروني دثروني،فصبوا عليّ ماء، فأنزل اللّه(عزّ و جلّ): يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ الآيات:11-25.قوله تعالى: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، وَ جَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً، وَ بَنِينَ شُهُوداً، وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلاّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً، سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً، إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ، فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ

روى الحاكم و الواحدي عن ابن عباس: «أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقرأ عليه القرآن،و كأنه رق له،فبلغ ذلك أبا جهل،فقال:يا

ص: 398

عم،إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه،فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله،فقال:قد علمت قريش أني من أكثرها مالا،قال:

فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له،و كاره،قال:و ما ذا أقول؟! فو الله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني،و لا أعلم برجزها،و بقصيدها مني،و اللّه ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا،و اللّه،إن لقوله الذي يقول حلاوة،و إن عليه لطلاوة،و إنه لمثمر أعلاه،معذق أسفله، و إنه ليعلو و ما يعلى،قال:لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال:فدعني حتى أفكر فيه فقال:هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً الآيات كلها».

و روى الواحدي:قال مجاهد: «إن الوليد بن المغيرة كان يفشى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،و أبا بكر(رضي اللّه عنه)حتى حسبت قريش أنه يسلم، فقال له أبو جهل:إن قريشا تزعم أنك تأتي محمدا،و ابن أبي قحافة تصيب من طعامهما.فقال الوليد لقريش.إنكم ذووا أحساب،و ذووا أحلام،و انكم تزعمون أن محمدا مجنون،و هل رأيتموه يتكهن قط؟ قالوا:اللهم لا.قال:تزعمون أنه شاعر،هل رأيتموه ينطق بشعر قط ؟قالوا:لا.قال:فتزعمون أنه كذاب،فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟قالوا:لا.قالت قريش للوليد:فما هو؟!قال:فما هو إلاّ ساحر،و ما يقوله سحر،فذلك قوله إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ الآية:30.قوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ

أخرج ابن أبي حاتم،و البيهقي في(البعث)عن البراء: «أن رهطا من اليهود سألوا رجلا من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم عن خزنة جهنم،فجاء فأخبر النبي صلّى اللّه عليه و سلم فنزل عليه ساعتئذ: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ الآية:31.قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق قال: «قال أبو جهل:يا قريش،

ص: 399

يزعم محمد أن جنود اللّه الذين يعذبونكم في النار تسعة عشر،و أنتم أكثر الناس عددا،فيعجز مائة رجل منكم عن رجل منهم!!فأنزل اللّه:

وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً الآية».

و أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: «لما نزلت: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قال رجل من قريش يدعى أبا الأشد:يا معشر قريش،لا يهولنكم التسعة عشر،أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة،و بمنكبي الأيسر التسعة،فأنزل اللّه تعالى: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً الآية:52.قوله تعالى: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً

أخرج ابن المنذر عن السدي قال: «قالوا:لئن كان محمد صادقا فليصبح تحت رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءة،و أمنة من النار، فنزلت: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً

-سورة القيامة-

الآيتان:3-4.قوله تعالى: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ، بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ

روى الواحدي قال: «نزلت في عمر بن أبي ربيعة،و ذلك أنه أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال:حدثني عن يوم القيامة متى يكون،و كيف أمرها، و حالها؟!!فأخبره النبي صلّى اللّه عليه و سلم بذلك فقال:لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد،و لم أومن به،أو يجمع اللّه هذه العظام؟!!فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:16.قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ

ص: 400

أخرج البخاري عن ابن عباس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا نزل عليه الوحي يحرك به لسانه،يريد أن يحفظه،فأنزل اللّه تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ الآيتان:34-35.قوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى

أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: «لما نزلت: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قال أبو جهل لقريش:ثكلتكم أمهاتكم، يخبركم ابن أبي كبشة أن خزنة جهنم تسعة عشر و أنتم الدّهم!!!أ فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟!!!فأوحى اللّه إلى رسوله أن يأتي أبا جهل فيقول له: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى .

و أخرج النسائي عن سعيد بن جبير:«أنه سأل ابن عباس عن قوله: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى أ شيء قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من قبل نفسه أم امره اللّه به؟قال:بل قاله من قبل نفسه،ثم أنزله اللّه».

-سورة الإنسان-

الآية:8.قوله تعالى: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً

روى الواحدي عن عطاء عن ابن عباس: «و ذلك أن علي بن أبي طالب(رضي اللّه عنه)نوبة أجرّ نفسه يسقى نخلا بشيء من شعير ليله حتى أصبح،و قبض الشعير،و طحن ثلاثة،فجعلوا منه شيئا ليأكلوا يقال له:الخزيرة فلما تم إنضاجه أتى يتيم،فسأل،فأطعموه،ثم عمل الثلث الباقي،فلما تم انضاجه أتى أسير من المشركين،فأطعموه،و طووا يومهم

ص: 401

ذلك،فانزل اللّه فيه هذه الآية.

الآية:20.قوله تعالى: وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً .

أخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: «دخل عمر بن الخطاب على النبي صلّى اللّه عليه و سلم و هو راقد على حصير من جريد،و قد أثّر في جنبه،فبكى عمر، فقال له:ما يبكيك؟!قال:ذكرت كسرى،و ملكه،و هرمز، و ملكه،و صاحب الحبشة،و ملكه،و أنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على حصير من جريد.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:أما ترضى أنّ لهم الدنيا،و لنا الآخرة،فأنزل اللّه: وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً .

الآية:24.قوله تعالى: وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً

أخرج عبد الرزاق،و ابن جرير،و ابن المنذر عن قتادة: «أنه بلغه أنّ أبا جهل قال:لئن رأيت محمدا يصلّي لأقطعن عنقه،فأنزل اللّه:

وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً

سورة المرسلات

الآية:48.قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ أخرج المنذر عن مجاهد في قوله: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ قال:«نزلت في ثقيف».

-سورة النبأ-

الآية:1-2.قوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن الحسن قال: «لما بعث النبي

ص: 402

صلّى اللّه عليه و سلم،جعلوا يتساءلون بينهم،فنزلت: عَمَّ يَتَساءَلُونَ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ

سورة النازعات

الآية:12.قوله تعالى: قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ

أخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب القرظي قال: «لما نزلت قوله: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قال كفار قريش:لئن حيينا بعد الموت لنخسرن،فنزل: قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ الآيات:42-46.قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها

أخرج الحاكم و ابن جرير عن عائشة قالت: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يسأل عن الساعة حتى أنزل يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها فانتهى.

و أخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: «أن مشركي هل مكة سألوا النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:متى تقوم الساعة ؟؟استهزاء منهم،فأنزل اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها إلى آخر السورة.

و أخرج الطبراني،و ابن جرير عن طارق بن شهاب قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها، إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها .

و أخرج ابن أبي حاتم مثله عن عروة.

ص: 403

سورة عبس

الآيات:1-10 قوله تعالى: عَبَسَ وَ تَوَلّى، أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى، وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى، أَمّا مَنِ اسْتَغْنى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى، وَ ما عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكّى، وَ أَمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى، وَ هُوَ يَخْشى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهّى

روى الواحدي عن عائشة: «أنها نزلت في ابن أم مكتوم-و كان أعمى-و ذلك أنه أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم و هو يناجي عتبة بن ربيعة،و أبا جهل بن هشام،و عباس بن عبد المطلب،و أبيّا و أميّة ابني خلف،و يدعوهم إلى اللّه تعالى،و يرجو اسلامهم.فقام ابن أم مكتوم،و قال:يا رسول اللّه،علمنى مما علّمك اللّه،و جعل يناديه،و يكرر النداء،و لا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره،حتى ظهرت الكراهية على وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لقطعه كلامه،و قال في نفسه:يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان،و السفلة،و العبيد،فعبس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فأعرض عنه،و أقبل على القوم الذين يكلمهم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآيات فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعد ذلك يكرمه،و إذا رآه يقول:مرحبا بمن عاتبني فيه ربي».

الآية:17.قوله تعالى: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ .

أخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ قال:نزلت في عتبة بن أبي لهب حين قال:كفرت بربّ النجم».

الآية:37.قوله تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ

روى الواحدي عن أنس بن مالك قال: «قالت عائشة للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:

أ نحشر عراة؟!!قال:نعم.قالت: وا سوأتاه!!فأنزل اللّه تعالى:

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ .

ص: 404

-سورة التكوير-

الآية:29.قوله تعالى: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ

أخرج ابن جرير،و ابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى قال: «لما أنزلت: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ قال أبو جهل:ذلك إلينا ان شئنا استقمنا،و ان شئنا لم نستقم، فأنزل اللّه تعالى: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ و أخرج ابن أبي حاتم من طريق بقية عن عمرو بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة مثله.

و أخرج ابن المنذر من طريق سليمان عن القاسم بن مخيمرة مثله.

-سورة الانفطار-

الآية:6.قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ .

أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الآية.قال نزلت في أبيّ بن خلف.

-سورة المطففين-

أخرج النسائي و ابن ماجة بسند صحيح عن ابن عباس قال: «لمّا قدم النبي صلّى اللّه عليه و سلم المدينة كانوا من أبخس الناس كيلا فأنزل اللّه تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فأحسنوا الكيل بعد ذلك»

ص: 405

و روى الواحدي عن القرطبي قال: «كان بالمدينة تجار يطففون، و كانت بياعاتهم كشبه القمار المنابذة،و المخاطرة،فأنزل اللّه تعالى:هذه الآية،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الى السوق،و قرأها.

و روى الواحدي عن السدي: «قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم المدينة،و بها رجل يقال له أبو جهينة،و معه صاعان يكيل بأحدهما،و يكتال بالآخر،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

-سورة الطارق-

الآية:1-3.قوله تعالى: وَ السَّماءِ وَ الطّارِقِ، وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ، اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ

قال الواحدي: «نزلت في أبي طالب،و ذلك أنه أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلم بخبز،و لبن،فبينما هو جالس إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا،ففزع أبو طالب،و قال:أي شيء هذا!!فقال:هذا نجم،رمي به،و هو آية من آيات اللّه،فعجب أبو طالب،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».

الآية:5.قوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ

أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ قال:نزلت في أبي الأشد،كان يقوم على الأديم،فيقول:يا معشر قريش،من أزالني عنه فله كذا،و يقول:إن محمدا يزعم أن خزنة جهنم تسعة عشر،فأنا أكفيكم وحدي عشرة،و اكفوني أنتم تسعة».

ص: 406

-سورة الأعلى-

الآية:6.قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى .

أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: «كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم إذا أتاه جبريل بالوحي لم يفرغ جبريل من الوحي حتى يتكلم النبي صلّى اللّه عليه و سلم بأوّله،مخافة أن ينساه،فأنزل اللّه: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى في اسناده جويبر ضعيف جدا».

-سورة الغاشية-

الآية:17.قوله تعالى: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ .

أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم،عن قتادة قال: «لما نعت اللّه ما في الجنة عجب من ذلك أهل الضلالة،فأنزل اللّه تعالى: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ .

-سورة الفجر-

الآية:27.قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ أخرج ابن أبي حاتم عن بريدة في قوله: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ قال:نزلت في حمزة».

و أخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن

ص: 407

عباس: «أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال:من يشتري بئر رومة يستعذب بها غفر اللّه له،فاشتراها عثمان.فقال:هل لك أن تجعلها سقاية للناس؟ قال:نعم.فأنزل اللّه في عثمان».

-سورة اللّيل-

أخرج ابن أبي حاتم،و غيره من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس: «أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال،فكان الرجل إذا جاء،فدخل الدار،فصعد إلى النخلة،ليأخذ منها التمر،ربما تقع ثمرة فيأخذها صبيان الفقير،فينزل من نخلته،فيأخذ التمرة من أيديهم،و إن وجدها في فم أحدهم أدخل إصبعه حتى يخرج التمرة من فيه،فشكا ذلك الرجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:اذهب.و لقي النبي صلّى اللّه عليه و سلم صاحب النخلة،فقال له:أعطيني نخلتك التي فرعها في دار فلان،و لك بها نخلة في الجنة.فقال الرجل:لقد أعطيت،و أن لي نخلا كثيرا،و ما فيه نخلة أعجب إليّ ثمرة منها.ثم ذهب الرجل، و لقي رجلا كان يسمع الكلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و من صاحب ؟؟؟؟،فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:أ تعطيني يا رسول اللّه،ما أغطيت الرجل إن أنا أخذتها؟!قال:نعم.فذهب الرجل،فلقي صاحب النخلة،و لكليهما نخل،فقال له صاحب النخلة:أشعرت أن محمدا صلّى اللّه عليه و سلم أعطاني.خلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة.فقلت له:

لقد أعطيت،و لكن يعجبني ثمرها،ولي نخل كثير ما فيه،و لا أظن أعطى مثلها قال:فكم مناك منها؟قال:أربعون نخلة.قال:لقد جئت بأمر عظيم،ثم سكت عنه،فقال له:أنا أعطيك أربعين نخلة فاشهد لي ان كنت صادقا،فدعا قومه فأشهد له،ثم ذهب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم

ص: 408

فقال له:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إنّ النخلة قد صارت لي،و هي لك، فذهب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى صاحب الدار،فقال له:النخلة لك، و لعيالك،فأنزل اللّه: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى إلى آخر السورة». قال ابن كثير:حديث غريب جدا.

الآيات:1-4.قوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى، وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى، وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى

روى الواحدي عن عبد اللّه: «أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة،و عشر أواق،فأعتقه،فأنزل اللّه تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى، وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى، وَ ما خَلَقَ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى ».

الآيات:5-7.قوله تعالى: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى، وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى .

روى الواحدي عن عبد الرحمن السلمي عن علي قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: ما منكم من أحد الاّ كتب مقعده من الجنة،و مقعده من النار.قالوا:يا رسول اللّه،أ فلا نتكل؟قال:اعملوا فكل ميسر(أي لما له)ثم قرأ: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى، وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ».

و أخرج الحاكم عن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه،و أخرج الواحدي عن عامر بن عبد اللّه عن بعض أهله: «قال أبو قحافة لابنه أبي بكر:يا بنيّ،أراك تعتق رقابا ضعافا فلو انك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدة يمنعونك،و يقومون دونك.فقال:أبو بكر:يا أبت،إني إنما أريد ما أريد.قال:فتحدث ما أنزل هؤلاء الآيات الاّ فيه،و فيما قاله ابوه: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى، وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى إلى آخر السورة».

الآيات:19-21.قوله تعالى: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى، إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى، وَ لَسَوْفَ يَرْضى .

ص: 409

الآيات:19-21.قوله تعالى: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى، إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى، وَ لَسَوْفَ يَرْضى .

روى الواحدي عن ابن عباس: «إن بلالا لما أسلم ذهب إلى الأصنام فسلح عليها-و كان عبدا لعبد اللّه بن جدعان-فشكى إليه المشركون ما فعل،فوهبه لهم،و مائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم،فأخذوه، و جعلوا يعذبونه في الرمضاء،و هو يقول:أحد أحد،فمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فقال:ينجيك أحد أحد.ثم أخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أبا بكر أن بلالا يعذب في اللّه،فحمل أبو بكر رطلا من ذهب،فابتاعه به،فقال المشركون:ما فعل أبو بكر ذلك إلاّ ليد كانت لبلال عنده،فأنزل اللّه تعالى: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى، إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى، وَ لَسَوْفَ يَرْضى .

و أخرج البزار عن ابن الزبير قال:«نزلت هذه الآية: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إلى آخرها في أبي بكر الصديق».

سورة و الضّحى

الآيات:1-5.قوله تعالى: وَ الضُّحى، وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى، وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى .

أخرج الشيخان،و غيرهما عن جندب قال: «اشتكى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فلم يقم ليلة أو ليلتين،فأتته امرأة،فقالت:يا محمد،ما أرى شيطانك الاّ قد تركك.فأنزل اللّه تعالى: وَ الضُّحى وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى ».

و أخرج سعيد بن منصور،و الفريابي عن جندب قال: «أبطأ جبريل على النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقال المشركون:قد ودّع محمد،فنزلت».

و أخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال: «مكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أياما لا ينزل عليه جبريل،فقالت ام جميل-امرأة أبي لهب-ما أرى صاحبك الاّ قد ودعك،و قلاك،فأنزل الله تعالى: وَ الضُّحى .

و روى الواحدي عن جندب قال: «قالت امرأة من قريش للنبي

ص: 410

صلّى اللّه عليه و سلم:ما أرى شيطانك الاّ ودّعك،فنزل: وَ الضُّحى، وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى ».

و أخرج الطبراني،و ابن أبي شيبة في مسنده،و الواحدي،و غيرهم بسند فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة القرشي عن أمه عن أمها خولة- و قد كانت خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم-إن جروا دخل بيت النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فدخل تحت السرير فمات،فمكث النبي صلّى اللّه عليه و سلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي،فقال:يا خولة،ما حدث في بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم!!! جبريل لا يأتيني،فقلت في نفسي:لو هيأت البيت فكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير،فأخرجت الجرو،فجاء النبي صلّى اللّه عليه و سلم يرعد بجبته و كان إذا أنزل عليه الوحي أخذته الرعدة،فأنزل اللّه تعالى: وَ الضُّحى إلى قوله: فَتَرْضى قال الحافظ بن حجر:قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة،لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ مردود بما في الصحيح».

و أخرج ابن جرير عن عبد اللّه بن شداد: «أن خديجة قالت للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:ما أرى ربك إلا قلاك فنزلت».

و أخرج ابن جرير عن عروة قال: «أبطأ جبريل على النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فجزع جزعا شديدا،فقالت خديجة:إني أرى ربك قد قلاك.مما يرى من جزعك،فنزلت». و كلاهما مرسل رواتهما ثقات قال الحافظ بن حجر:«فالذي يظهر أن كلا من أم جميل، و خديجة قالت ذلك،لكن ام جميل قالته شماتة و خديجة قالته توجعا».

الآيات:1-3.قوله تعالى: وَ الضُّحى، وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى

روى الواحدي عن جندب قال: «قالت امرأة من قريش للنبي صلّى اللّه عليه و سلم ما أرى شيطانك الا ودعك فنزل: وَ الضُّحى وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى الآيات:4-5.قوله تعالى: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى

ص: 411

روى الواحدي عن جندب قال: «قالت امرأة من قريش للنبي صلّى اللّه عليه و سلم ما أرى شيطانك الا ودعك فنزل: وَ الضُّحى وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى الآيات:4-5.قوله تعالى: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى

روى الواحدي عن ابن عباس عن أبيه قال: «رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ما يفتح على أمته من بعده،فسرّ بذلك،فأنزل اللّه عز و جلّ:

لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قال:

فأعطاه اللّه ألف قصر في الجنة،من لؤلؤ ترابه مسك في كل قصر منها ما ينبغي له».

الآيات:6-8.قوله تعالى: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى، وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى، وَ وَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى

روى الواحدي عن ابن عباس قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: لقد سألت ربي مسألة،و وددت أني لم أكن سألته.قلت:يا رب،إنه قد كانت الأنبياء قبلي:منهم من سخّرت له الريح-و ذكر سليمان بن داود-و منهم من كان يحيي الموتى-و ذكر عيسى بن مريم-و منهم ،و منهم.قال:قال:أ لم أجدك يتيما،فآويتك؟قال:قلت:بلى.

قال:أ لم أجدك ضالا،فهديتك؟قال:قلت:بلى يا رب.قال:أ لم أجدك عائلا،فأغنيتك؟قال:قلت:بلى يا رب.قال:أ لم أشرح لك صدرك،و وضعت عنك وزرك؟قال:قلت:بلى يا رب».

-سورة الانشراح-

الآية:6.قوله تعالى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً أخرج ابن جرير عن الحسن قال:لما نزلت هذه الآية: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً

ص: 412

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: أبشروا،أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين.

قال السيوطي:«نزلت لما عيّر المشركون المسلمين بالفقر».

-سورة التين-

الآية:5.قوله تعالى: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ

أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله:

ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ قال:هم نفر ردّوا إلى أرذل العمر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فسئل عنهم حين سفهت عقولهم،فأنزل اللّه عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم».

-سورة العلق-

الآية:6-19.قوله تعالى: كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى

أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: «قال أبو جهل:هل يعرف محمد وجهه بين أظهركم؟فقيل:نعم.فقال:و اللات و العزى،لئن رأيته يفعل لأطأن على رقبته،و لأعفرنّ وجهه في التراب،فأنزل اللّه: كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى »الآية.

الآية:9-16.قوله تعالى: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى، عَبْداً إِذا صَلّى

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يصلي فجاءه أبو جهل،فنهاه،فأنزل تعالى أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى، عَبْداً إِذا صَلّى إلى قوله كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ ».

الآيات:17-18.قوله تعالى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ

أخرج الترمذي،و غيره عن ابن عباس قال: «كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم يصلي

ص: 413

فجاءه أبو جهل فقال:أ لم أنهك عن هذا؟!فزجره النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقال أبو جهل:إنك لتعلم ما بها ناد اكثر مني فأنزل اللّه: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ، سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال الترمذي:حسن صحيحي.

قال ابن عباس في رواية الواحدي:«لو دعا ناديه،لاخذته زبانية اللّه تبارك و تعالى».

-سورة القدر-

أخرج ابن أبي حاتم،و الواحدي عن مجاهد قال: «ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم رجلا من بني اسرائيل لبس السلاح في سبيل اللّه ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك،فأنزل اللّه تعالى: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قال:قال:خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل».

و أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: «كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح،ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي،فعمل ذلك ألف شهر،فأنزل اللّه تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ». عملها ذلك الرجل.

-سورة الزلزلة-

الآيات:1-6.قوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها، وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها، وَ قالَ الْإِنْسانُ ما لَها، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ

ص: 414

روى الواحدي عن عبد اللّه بن عمر قال: «نزلت إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها ،و أبو بكر الصديق قاعد،فبكى أبو بكر،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:ما يبكيك يا أبا بكر؟!قال:أبكاني هذه السورة.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:لو أنكم لا تخطئون،و لا تذنبون لخلق اللّه أمة من بعدكم يخطئون،و يذنبون،فيغفر لهم».

الآيتان:7-8.قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: «لما نزلت وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ الآية».

كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوا، و كان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير:الكذبة،و النظرة، و الغيبة،و أشبه ذلك،و يقولون:إنما أوعد اللّه النار على الكبائر، فأنزل اللّه تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .

و روى الواحدي عن مقاتل: «نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة،و الكسرة،و الجوزة،و يقول ما هذا شيء،و إنما نؤجر على ما نعطي و نحن نحبّه.و كان الآخر يتهاون بالذنب اليسير:الكذبة،و النظرة،و الغيبة،و يقول:ليس عليّ من هذا شيء،و انما أوعد اللّه بالنار على الكبائر،فأنزل اللّه تعالى يرغبهم في القليل من الخير،فإنه يوشك أن يكثر،و يحذرهم اليسير من الذنب،فإنه يوشك أن يكثر».

ص: 415

-سورة العاديات-

أخرج البزار،و ابن أبي حاتم،و الحاكم عن ابن عباس قال: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم خيلا،و لبثت شهرا لا يأتيه منها خبر،فنزلت:

وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً

و روى الواحدي عن مقاتل قال: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سرية إلى حي من كنانة،و استعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري،فتأخر خبرهم.فقال المنافقون:قتلوا جميعا.فأخبر اللّه تعالى عنها،فأنزل:

وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً أي الخيل».

-سورة التكاثر-

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة قال: «نزلت في قبيلتين من الأنصار:في بني حارثة،و بني الحارث،تفاخروا،و تكاثروا.فقالت إحداهما:فيكم مثل:فلان،و فلان.و قال الآخرون:تفاخروا بالأحياء،ثم قالوا:انطلقوا بنا إلى القبور،فجعلت إحدى الطائفتين تقول:فيكم مثل:فلان،و مثل فلان-يشيرون إلى القبر-و تقول الأخرى مثل ذلك،فأنزل اللّه: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ، حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ

و أخرج الواحدي عن مقاتل،و الكلبي: «نزلت في حيّين من قريش:بني عبد مناف،و بني سهم،كان بينهما لحا فتعاند السادة، و الأشراف أيهم أكثر.فقال بنو عبد مناف:نحن أكثر سيدا،و عزا و عزيزا،و أعظم نفرا.و قال بنو سهم:مثل ذلك،فكثر بنو عبد

ص: 416

مناف ثم قالوا:نعد موتانا حتى زاروا القبور،فعدوا موتاهم فكثر بنو سهم،لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية».

الآيات:1-4.قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ، حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ، كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ

أخرج ابن جرير عن عليّ قال: «كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ إلى قوله: ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ في عذاب القبر».

-سورة الهمزة-

أخرج ابن أبي حاتم عن عثمان،و ابن عمر قالا:«ما زلنا نسمع أنّ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ نزلت في أبيّ بن خلف».

و أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال:«نزلت في الأخنس بن شريق».

و أخرج ابن جرير عن رجل من أهل الرقة قال:«نزلت في جميل بن عامر الجمحي».

و أخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق قال: «كان أمية بن خلف إذا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم همزه،و لمزه فأنزل اللّه تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ السورة كلها».

-سورة قريش-

أخرج الحاكم،و غيره عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: فضّل اللّه قريشا بسبع خصال،الحديث،و فيه نزلت

ص: 417

فيهم سورة لم يذكر فيها أحد غيرهم: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ

و روى الواحدي عن أم هاني بنت أبي طالب:«قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم:

أن اللّه فضّل قريش بسبع خصال لم يعطها قبلهم أحد،و لا يعطها أحد بعدهم:إن الخلافة فيهم،و الحجابة فيهم،و أن السقاية فيهم،و أن النبوة فيهم،و نصروا على الفيل،و عبدوا اللّه سبع سنين لم يعبده أحد غيرهم،و نزلت فيهم سورة لم يذكر أحد فيها غيرهم: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ

-سورة الماعون-

الآيات:1-3.قوله تعالى: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ روى الواحدي عن مقاتل،و الكلبي:«نزلت في العاص بن وائل السهمي».

و روى الواحدي عن ابن جرير: «كان أبو سفيان بن حرب ينحر كل أسبوع جزورين،فأتاه يتيم،فسأله شيئا،فقرعه بعصا،فأنزل اللّه تعالى: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الآية:4-7.قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، اَلَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ، اَلَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ، وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ

أخرج ابن المنذر عن طريف بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله:

فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الآية.قال:نزلت في المنافقين،كانوا يراءون المؤمنين بصلاتهم إذا حضروا،و يتركونها إذا غابوا،و يمنعونهم العارية».

ص: 418

-سورة الكوثر-

الآيات:1-3.قوله تعالى: إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ .

أخرج البزار،و غيره بسند صحيح عن ابن عباس قال: «قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش:أنت سيدهم،أ لا ترى إلى هذا الصابئ المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا،و نحن أهل الحجيج،و أهل السقاية،و أهل السدانة!قال:أنتم خير منه،فنزلت: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ .

و أخرج ابن أبي شيبة في(المصنف)،و ابن المنذر عن عكرمة قال: «لما أوحي إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم قالت قريش:بتر محمد منا،فنزلت إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ .

و أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: «كانت قريش تقول،إذا مات ذكور الرجال:بتر فلان.فلما مات ولد النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال العاص بن وائل:بتر محمد،فنزلت».

و أخرج البيهقي في(الدلائل)عن مجاهد قال:«نزلت في العاص بن وائل،و ذلك أنه قال:أنا شانئ محمد»

و أخرج ابن جرير عن شمر بن عطية قال: كان عقبة بن أبي معيط يقول:إنه لا يبقى للنبي صلّى اللّه عليه و سلم ولد،و هو أبتر،فأنزل اللّه فيه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ».

و أخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال: «بلغني أن إبراهيم ولد النبي صلّى اللّه عليه و سلم لما مات قالت قريش:أصبح محمد أبترا،فغاظه ذلك،فنزلت إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ تعزية له».

ص: 419

و روى الواحدي عن ابن عباس قال: «نزلت في العاص بن وائل السهمي،و ذلك أنه رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يخرج من المسجد،و هو يدخل،فالتقيا عند باب بني سهم،و تحدثا،و أناس من صناديد قريش في المسجد جلوسا،فلما دخل العاص قالوا له:من الذي كنت تحدث؟!قال:ذلك الأبتر(يعني النبي صلّى اللّه عليه و سلم)و قد كان توفي قبل ذلك عبد اللّه بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و كان من خديجة،و كانوا يسمّون من ليس له ولد أبتر،فأنزل اللّه تعالى هذه السورة».

-سورة الكافرون-

أخرج الطبراني،و ابن أبي حاتم عن ابن عباس: «أنّ قريشا دعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجلا بمكة،و يزوجوه ما أراد من النساء،فقالوا:هذا لك يا محمد،و تكف عن شتم آلهتنا، و لا تذكرها بسوء،فإن لم تفعل،فاعبد آلهتنا سنة.قال:حتى أنظر ما يأتيني من ربي،فأنزل اللّه تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ إلى آخر السورة.و أنزل: قُلْ أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ .

و أخرج عبد الرزاق عن وهب قال: «قالت كفار قريش للنبي صلّى اللّه عليه و سلم:إن سرّك أن تتّبعنا عاما،و نرجع إلى دينك عاما،فأنزل اللّه تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ إلى آخر السورة».

و أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن ميناء قال: «لقي الوليد بن المغيرة،و العاص بن وائل،و الأسود بن المطلب،و أمية بن خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا:يا محمد،هلم فلتعبد ما نعبد،و نعبد ما تعبد، و لنشترك نحن،و أنت في أمرنا كله،فأنزل اللّه قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ إلى آخر السورة».

ص: 420

و قال الواحدي: «نزلت في رهط من قريش قالوا:يا محمد،هلم اتبع ديننا،و نتبع دينك،تعبد آلهتنا سنة،و نعبد إلهك سنة،فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا،قد شركناك فيه،و أخذنا بحظنا منه،و إن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك،قد شركت في أمرنا، و أخذت بحظك،فقال:معاذ اللّه أن أشرك به غيره،فأنزل اللّه تعالى:

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ الى آخر السورة..فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى المسجد الحرام-و فيه الملأ من قريش-فقرأها عليهم حتى فرغ من السورة».

-سورة النصر-

أخرج ابن عبد الرزاق في(مصنفة)عن معمر عن الزهري قال: «لما دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مكة عام الفتح بعث خالد بن الوليد،فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم اللّه،ثم أمر بالسلاح،فرفع عنهم،فدخلوا في دين اللّه،فأنزل اللّه تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ حتى ختمها».

-سورة المسد-

و أخرج البخاري،و غيره عن ابن عباس قال: «صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ذات يوم على الصفا فنادى:يا صباحاه!فاجتمعت إليه قريش.

قال:أ رأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم،أو ممسيكم أ كنتم تصدقونني؟ قالوا:بلى.قال:فإنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد.فقال أبو لهب:تبّا لك!أ لهذا جمعتنا!!فأنزل اللّه تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ إلى آخرها».

ص: 421

قال:أ رأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم،أو ممسيكم أ كنتم تصدقونني؟ قالوا:بلى.قال:فإنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد.فقال أبو لهب:تبّا لك!أ لهذا جمعتنا!!فأنزل اللّه تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ إلى آخرها».

و أخرج الواحدي عن ابن عباس قال: «لما أنزل اللّه تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الصفا،فصعد عليه ثم نادى:يا صباحاه!!فاجتمع إليه الناس من بين رجل يجيء،و رجل يبعث رسوله.فقال:يا بني عبد المطلب،يا بني فهر،يا بني لؤي،لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا:نعم.قال:فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.فقال أبو لهب:تبّا لك سائر اليوم ما دعوتنا إلاّ لهذا؟!!فأنزل اللّه تعالى:

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ

و أخرج ابن جرير من طريق اسرائيل عن أبي إسحاق عن رجل من همدان يقال له يزيد بن زيد: «أن امرأة أبي لهب كانت تلقى في طريق النبي صلّى اللّه عليه و سلم الشوك،فنزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ إلى وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ و أخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله».

-سورة الاخلاص-

أخرج الترمذي،و الحاكم،و ابن خزيمة من طريق أبي العالية عن أبيّ بن كعب: «أن المشركين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:انسب لنا ربك؟ فأنزل اللّه تعالى: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ إلى آخرها.

و أخرج الطبراني،و ابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد اللّه، فاستدل بها على أنّ السورة مكية.

و أخرج ابن جرير عن قتادة،و ابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله بهذا على أنها مدنية.

ص: 422

و أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: «قالت الأحزاب:انسب لنا ربك؟فأتاه جبريل بهذه السورة. و هذا المراد بالمشركين في حديث أبيّ فتكون السورة مدنية كما دلّ عليه حديث ابن عباس،و ينتفي التعارض بين الحديثين».

و أخرج أبو الشيخ في كتاب(العظمة)من طريق أبان عن أنس قال: «أتت يهود خيبر إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم،فقالوا:يا أبا القاسم،خلق اللّه الملائكة من نور الحجاب،و آدم من حماء مسنون،و إبليس من لهب النار،و السماء من دخان،و الأرض من زبد الماء،فأخبرنا عن ربك؟ فلم يجبهم،فأتاه جبريل بهذه السورة: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ

و أخرج الواحدي عن قتادة،و الضحاك،و مقاتل: «جاء ناس من اليهود إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا:صف لنا ربك؟فإنّ اللّه أنزل نعته بالتوراة،فأخبرنا من أي شيء هو؟؟و من أي جنس هو؟؟أذهب هو،أم نحاس،أم فضة؟؟و هل يأكل،و يشرب،و ممن ورث الدنيا، و من يورثها؟فأنزل اللّه تبارك و تعالى هذه السورة،و هي نسبة اللّه خاصة».

-المعوّذتان-

-سورة الفلق و سورة الناس-

أخرج البيهقي في(دلائل النبوة)من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم مرضا شديدا،فأتاه ملكان،فقعد أحدهما عند رأسه،و الآخر عند رجليه،فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه.ما ترى؟قال:طبّ.قال:و ما طبّ؟ قال:سحر.قال:و من سحره؟قال:لبيد بن الأعصم ال؟؟؟ودي

ص: 423

قال:أين هو؟قال:في بئر آل فلان تحت صخرة في كرّية،فأتوا الكرية فانزحوا ماءها،و ارفعوا الصخرة ثم خذوا الكرية،و احرقوها.

فلما أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعث عمار بن ياسر في نفر،فأتوا الكرية فإذا ماؤها مثل ماء الحنّاء،فنزحوا الماء،ثم رفعوا الصخرة،و أخرجوا الكرية،و أحرقوها،فإذا فيها وتر فيه إحدى عشرة عقدة،و أنزلت عليه هاتان السورتان،فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ لأصله شاهد في الصحيح دون نزول السورتين،و له شاهد بنزولها».

و أخرج أبو نعيم في(الدلائل)من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: «صنعت اليهود لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم شيئا فأصابه من ذلك وجع شديد،فدخل عليه أصحابه فظنّوا أنه لما به، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوّذه بهما،فخرج إلى أصحابه صحيحا».

و روى الواحدي قال المفسرون: «كان غلام من اليهود يخدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،فأتت إليه اليهود،و لم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و عدة أسنان من مشطة،فاعطاها اليهود،فسحروه فيها،و كان الذي تولّى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي،ثم دسّها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان،فمرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و انتثر شعر رأسه،و يرى أنه يأتي نسائه،و لا يأتيهن،و جعل يدور و لا يدري ما عراه.فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه،و الآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه:ما بال الرجل؟قال:طبّ.قال:و ما طبّ ؟قال:سحر.قال:و أين هو؟قال:في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان.و الجف:قشر الطلع.

و الراعوفة:حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح.فانتبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال:يا عائشة،ما شعرت أن اللّه أخبرني بدائي،ثم بعث

ص: 424

عليا،و الزبير،و عمار بن ياسر،فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء،ثم رفعوا الصخرة،و أخرجوا الجف،فإذا هو مشاطة رأسه، و أسنان مشطه،و إذا وتر معقد فيه احدى عشر عقدة مغروزة بالابر، فأنزل اللّه تعالى سورتي المعوّذتين.فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، و وجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم خفّه حتى انحلت العقدة الأخيرة،فقام كأنما نشط من عقال،و جعل جبريل(عليه السلام)يقول:بسم اللّه أرقيك من كل شيئ يؤذيك و من حاسد،و عين اللّه يشفيك.فقالوا:يا رسول اللّه، أولا نأخذ الخبيث فنقتله؟!فقال:أما أنا فقد شفاني اللّه،و أكره أن أثير على الناس شرا».

-ثبت المراجع-

1-الاتقان.جلال الدين السيوطي.الجزء الأول و الثاني.دار الفكر للطباعة و النشر-بيروت.

2-لباب النقول في اسباب النزول.جلال الدين السيوطي.الدار التونسية للنشر-1981 م.

3-البرهان في علوم القرآن.الزركشي.دار إحياء الكتب العربية القاهرة-1957 م.

4-الكشاف.الزمخشري.

5-أسباب النزول.الواحدي.دار الفكر للطباعة و النشر-بيروت.

ص: 425

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.