مسند الإمام أميرالمؤمنین علي بن أبي طالب علیه السلام المجلد 6

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: العطاردي قوچانی، عزیزالله، 1307 .

عنوان المؤلف واسمه: مسند الامام امیرالمؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام / جمعه و رتبه عزيز الله العطاردي قوچاني.

تفاصيل النشر: طهران عطارد 1386.

مواصفات المظهر: 26 ج.

شابک : (ج.24) 6-53-7237-964-978 : (دوره) 8-46-7237-964-978

حالة الاستماع: فیپا

ملحوظة: العربية

ملحوظة: کتابنامه

موضوع : علي بن ابي طالب (علیه السلام) امام ،اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق .

موضوع : علي بن ابي طالب (علیه السلام) امام ،اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق. - - احادیث .

تصنيف الكونجرس: 5 م 6 ع / 37 BP

تصنيف ديوي: 951 / 297

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1064192

ص: 1

اشارة

سرشناسه

عطاردی قوچانی، عزیزالله، 1307 -

عنوان و نام پدیدآور: مسند الامام اميرالمؤمنين على بن ابى طالب علیه السلام / جمعه و رتبه عزيز الله العطاردي.

مشخصات نشر :تهران عطارد، 1386

مشخصات ظاهری : 26 ج

ص: 2

(بقیة) باب ماجری بینه عليه السلام والقاسطين

بسم الله الرحمن الرحيم

725 - ابن عبد ربه: كتب علي بن ابي طالب إلي جرير بن عبدالله، و كان وجّهه إلي معاوية في أخذ بيعته فأقام عندّه ثلاثة أشهر يماطله بالبيعة فكتب إليه عليّ: سلام عليك، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل مُعاوية علي الفصل، و خيّره بين حرب مُجلية، أو سلم مُحظية. فان اختار فانبذ إليهم علي سواء إن الله لا يحب الخائنين و إن اختار السلم فخُذ بيعته و أقبل إلى.

و كتب عليّ إلي معاوية بعد وقعة الجمل: سلام عليك. أما بعد. فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام، لأنه بايعني الذين بايعوا أبابكر و عمر و عثمان علي ما بويعوا عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يردّ، و أنما السوري للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا علي رجل وسموه إماماً كان ذلك الله رضاً. ّ

و إن خرج عن أمرهم خارج ردّوه إلي ما خرج عنه؛ فإن أبي قاتلوه علي اتباعه غير سبيّل المؤمنين و ولاه الله ما تولّي و أصلاه جهنم وساءت مصيرا و إن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتهما، و كان نقظهما كردتها فجاهدتهما بعد ما أعذرت إليها، حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون فادخل فيما دخل فيه المسلمون.

فإن أحبَّ الأمور إلي قبولك العافيه. و قد أكثرت في قتله عثمان، فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت فيها دخل فيه المسلمون، ثم حاكمت القوم إليّ، حملتك و إياهم علي كتاب الله. وأما تلك التي تريدها

ص: 3

فهي خدعة الصّبي عن اللبن. و لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان.

و أعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و لا يدخلون في الشوري، و قد يعثت إليك و إلي من قبلك جرير بن عبدالله، و هو من أهل الإيمان والهجرة، فبايعه ولا قوة إلا بالله.

726 - فكتب إليه معاوية: سلام عليك. أما بعد، فلعمري لو بايعك الذين ذكرت و أنت بريء من دم عثمان لكنت كأبي بكر و عمر و عثمان، ولكنّك أغريت بدم عثمان و خذلت الأنصار ، فأطاعك الجاهل، و قوي بك الضعيف. وقد أبي أهل الشام إلا قتالك حتي تدفع إليهم قتلة عثمان، فإن فعلت كانت شوري بين المسلمين.

و انما كان الحجازيون هم الحكام علي الناس و الحق فيهم، فلما فارقوه كان الحكام علي الناس أهل الشام و لعمري ما حجتك علي أهل الشام كحجتك علي أهل البصرة و لا حجّتك علي كحجتك علي طلحة و الزبير، كانا بايعاك فلم ابايعك أنا. فأما فضلك في الإسلام و قرابتك من رسول اغلله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، فلست أدفعه.

727 - فكتب إليه علي: أما بعد فقد أتانا كتابك، كتاب أمري ليس له بصر يهديه و لا قائد يرشده، دعاه الهوي فأجابه، و قاده فاتبعه. زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خفوري لعثمان. و لعمري ما كنت إلا رجلاً من المهاجرين أوردت كما أوردوا، و أصدرت كما أصدروا و ما كان الله ليجمعهم علي ضلالة و لا ليضربهم بالعمي و ما أمرت فلزمتني خطيئة الأمر، و لا قتلت فأخاف علي نفسي قصاص القاتل.

و أما قولك إن أهل الشام هم حكام أهل الحجاز فهات رجلاً من

ص: 4

أهل الشام يقبل في الشوري أو تحل له الخلافة، فإن سمّيت كذبك المهاجرون و الأنصار و نحن نأتيك به من أهل الحجاز و أما قولك ادفع إلى قتلة عثمان. فما أنت و ذلك؟ وها هنا بنو عثمان، و هم أولي بذلك منك. فإن زعمت أنك أقوي علي طلب دم عثمان منه.

فارجع إلى البيعة التي لزمتك و حاكم القوم إلي. و أما تمييزك بين أهل الشام و البصرة، و بينك و بين طلحة والزبير فلعمري ما الأمر هناك إلا ،واحد، لأنها بيعة عامة لا يتأتي فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار. و أما قرابتي من رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و قِدمي في الإسلام، فلوا استطعت دفعه لدفعته.

728- عنه وكتب معاوية إلي علي: أما بعد. فإنك قتلت ناصرك، و استنصرت و اترك فايم الله لأرمينك بشهاب تزكيه الريح و لا يطفئه الماء. فإذا وقع وقب، وإذا مس ثقت، فلا تحسبني كسحيم أو عبد القيس أو حلوان الكاهن فأجابه علي: أما بعد فوالله ما قتل ابن عمّك غيرك و إنّي أرجو أن الحقك به علي مثل ذنبه و أعظم من خطيئته. و إن السيف الذي ضربت به أهلك لمعي دائم. والله ما استحدثت ذنباً، و لا استبدلت نبيا، و إني علي المنهاج الذي تركتموه طائعين، و أدخلتم فيه كارهين.

729 - عنه كتب معاوية إلي علي بن أبي طالب: أما بعد فأن الله اصطفي محمدا و جعله الأمين علي وحيه و الرّسول إلي خلقه، و اختار له مسلمين أعواناً أيّده بهم و كانوا في منازلهم عنده علي قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم في الإسلام و أنصحهم الله ولرسوله الخليفة، و خليفة الخليفة، و الخليفة الثالث، فكلهم حسدت و علي كلهم بغيت .

عرفنا ذلك في نظرك الشزر، و تنفسك الصعداء، و إبطائك علي الخلفاء، و أنت في كل ذلك تقاد كما يقاد البعير المخشوش، حتي تبايع و أنت

ص: 5

كاره. و لم تكن لأحد منهم أشدَّ حسداً منك لا بن عمك عثمان، و كان أحقهم أن لا تفعل ذلك في قرابته و صِهره. فقطعت رحمه، و قَبّحت محاسنه و البت عليه الناس.

حتي ضربت إليه آباط الإبل، و شهر عليه السلاح في حرم الرسول، فقتل معك في المحلة و أنت تسمع في داره الهائعة، لا تؤدي عن نفسك في أمره بقول و لا فعل بر. اقسم قسما صادقا لو قمت في أمره مقاماً واحدا تنهين الناس عنه ما عدل بك ممن قبلنا من الناس أحد ولَما ذلك عنك ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان.

فهم بطانتك و عضدك و أنصارك. فقد بلغني أنك تنتفي من دمه. فإن كنت صادقاً فادفع إلينا قتلته نقتلهم ،به ثم نحن أسرع الناس إليك، و إلا فليس لك و لا لأصحابك عندنا إلا السيف و الذي نفس معاوية بيده لأطلبن قتلة عثمان في الجبال و الرّمال والبَر و البحر حتى نقتلهم أو تَلحق أرواحنا بالله .

730 - فاجابه علي (علیه السّلام) : أما بعد فإن أخا خَولان قدِم علي بكتاب منك تذكر فيه محمّدا (صلّی الله علیه و آله و سلّم) به عليه من الهدي و الوحي. فالحمد لله الذي صدقه الوعد، و تمم له النصر، ومكنه في البلاد، وأظهره علي الاعادي من قومه الذين أظهروا له التكذيب و نابذوه بالعداوة و ظاهروا علي إخراجه و إخراج أصحابه، و ألبوا عليه العرب، وحزّبوا الأحزاب.

حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون و ذكرت أن الله اختار من المسلمين أعواناً أيبده بهم، فكانوا في منازلهم عنده علي قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم في الاسلام و أنصحهم الله ولرسوله الخليفة و خليفة الخليفة من بعده. و لعمري ان كان مكانهما في الإسلام العظيما، وإن كان

ص: 6

المصاب بهما لجرحا في الإسلام شديداً، فرحمها الله و غفر لهما. و ذكرت أنّ عثمان كان في الفضل ثالثاً.

فإن كان محسنا فسيلق رباً شكوراً يضاعف له الحسنات و يجز به الثواب العظيم، و إن يك مسيئاً فسيلقي رباً غفوراً، لا يتعاظمه ذنب يغفره. و لعمري إني لأرجو إذا الله أعطي الأسهم أن يكون سهمنا أهل البيت أوفر نصيب. و ايم الله ما رأيت ولا سمعت بأحد كان أنصح الله في طاعة الله رسوله، و لا أنصح لرسول الله في طاعة الله.

و لا أصبر على البلاء و الأذي في مواطن الخوف من هولاء النفر من أهل بيته الذين قتلوا في طاعة الله: عبيدة بن الحارث يوم بدر، و حمزة بن عبد المطلب يوم أحد ، و جعفر و زيد يوم مؤته. و في المهاجرين خير كثير، جزاهم الله بأحسن أعمالهم. وذكرت إبطائي عن الخلفاء و حسدي إياهم و البَغي عليهم فأما البغي فمعاذ الله أن يكون. و أما الكراهة لهم.

فوالله ما أعتذر للناس من ذلك. وذكرت بغيى على عثمان و قَطعي رحمه، فقد عمل عثمان بما قد علمت و عمل به الناس ما قد بلغك. فقد علمت أني كنت من أمره في عزلة، إلا أن تجنّي، فتجنَّ ما شئت و أما ذِكرك قَتلة عثمان و ما سألت من دفعهم إليك.

فإني نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عَيْنَه، فلم يَسعني دَفعهم إليك و لا إلي غيرك، و إن لم تنزع عن غَيّك لنعرفنّك عما قليل يطلبونك لا يكفلونك أن تطلبهم في سهل و لا جبل، ولا بَر و لا تحر. وقد كان أبوك أبو سفيان أتاني حين قبض رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) .

فقال: ابسط يدك ابايعك، فأنت أحق الناس بهذا الأمر. فكنت أنا الذي أبيت عليه مخافة الفرقة بين المسلمين، لقرب عهد الناس بالكفر. فأبوك

ص: 7

كان أعلم بحقّي منك، و إن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك، و إلا فنَستعين الله عليك.

731- عنه كتب عبدالرحمن بن الحكم إلي معاوية.

ألا أبلغ معاوية بن حرب *** كتاباً من أخي يقةٍ يَلوم

فإنك والكتاب ألي علي *** كدابغة و قد حَلِم الأديم

732 - أبوبكر بن أبي شيبة قال: خَرج على بن أبي طالب من الكوفة إلي معاوية في خمسة وتسعين ألفا، و خرج معاوية من الشام في بضع و ثمانين ألفا، فالتقوا بصفّين. وكان عسكر علي يسمّي الزحرّحة، لشدة حركته، و عسكر معاوية يسمي الخضرية، لا سوداده بالسلاح و الدروع.

733- عنه عن أبى الحسن قال: كانت أيام صِفّين كلّها موافقه و لم تكن هزيمة بين الفريقين إلا علي حامية ثم يكرّون.

734- عنه عن أبي الحسن قال: كان منادي علي يخرج كل يوم و ينادي: أيها الناس لا تجهزنّ علي جريح، و لا تسلبنّ قتيلا، و من القي سلاحه فهو آمن.

735 - عنه عن أبي الحسن قال: خرج معاوية إلي علي يوم صفّين، ولم يبايعه أهل الشام بالخلافة، و إنما بايعوه علي نصرة عثمان و الطلب بدمه. فلما كان من أمر الحكمين ما كان بايعوه بالخلافة فكتب معاوية إلي سعد بن أبي وقاص يدعوه إلي القيام معه في دم عثمان: سلام عليك. أما بعد فإنّ أحق الناس بنصرة عثمان أهل الشوري من قريش الذين أثبتوا حقه و اختاروه علي غيره، ونصرة طلحة والزبير.

و هما شريكاك في الأمر، ونظيراك في الإسلام. و خَفَّت لذلك ام المؤمنين، فلا تكره ما رضوا، ولا تردّ ما قبلوا، وإنما نريد أن نردّها شوري

ص: 8

بين المسلمين والسلام .

736 - عنه فأجابه سعد: أما بعد. فإن عمر لم يدخل في الشوري إلا من تحلُّ له الخلافة، فلم يكن أحد أولي بها من صاحبه إلا باجتماعنا عليه. غير أن عليّا كان فيه ما فينا و لم يكن فينا ما فيه، و لو لم يطلبها و لزم بيته لطلبته العرب و لو بأقصي اليمن. و هذا الامر قد الأمر قد كرهنا أوله و كرهنا آخره. و أما طلحة والزبير فلو لزما بيوتَهما لكان خيراً لهما. والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت.

737 - عنه وكتب معاوية إلي قيس بن سعد عبادة: أما بعد فإنما بن أنت يهوديّ ابن يهودي، إن ظفر أحبُّ الفريقين اليك عزلك و استبدل بك، و إن ظفر أبغض الفريقين إليك قتلك و نكل بك. و قد كان أبوك أو ترقوسه و رَمي ،غرضه، فأكثر الحز و أخطأ المفصل، فخذله قومه، و أدركه يومه، ثم مات طريداً بحوران.

738- عنه فأجابه قيس: أما بعد. فأنت وثنّي ابن وثنّي دخلت في الإسلام كرهاً، وخرجت منه طوعاً، لم يقدم إيمانك، و لم يحذر نفاقك. و نحن أنصار الدين الذي خرجت منه و أعداء الدين الذي دخلت فيه. والسلام.

739 - عنه خطب عليّ بن ابي طالب أصحابه يوم صفّين فقال: أيها الناس، إنَّ الموت طالب لا يعجزه هارب، و لا يفوته مقيم، أقدموا و لا تنكلوا، فليس عن الموت تحيض. والذي نفس ابن ابي طالب بيده إن ضربة سيف أهون من موت الفراش أيها الناس اتقوا السيوف بوجوهكم و الرماح بصدوركم و موعدي و اياكم الراية الحمراء.

فقال رجل من أهل العراق: و ما رأيت كاليوم خطيبنا يأمرنا أن نتقي السيوف بوجوهنا، و الرّماحَ بصدورنا، ويعدنا رايةً بيننا و بينها مائة ألف

ص: 9

سيف.

740- عنه قال أبو عبيدة في التاج: جمع علي بن أبي طالب رئاسة بكر كلّها يوم صفّين لحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة، و جعل ألويتها تحت لوائة وكانت له راية سوداء يخفق ظِلّها إذا أقبل، فلم يغن أحد في صفّين غناءه. فقال فيه علي بن أبي طالب (علیه السّلام).

لمن راية سوداء يخفق ظِلّها *** إذا قيل قدمها حضين تقدما

يقدمها في الصف حتي يزيرها *** حياض المنايا تقطر السّمَّ و الدّما

جزي الله عنى و الجزاء بكفّه *** ربيعة خيراً ما أعفَّ و أكرما

و كان من همدان في صفين حسن. فقال فيهم علي بن ابي طالب (علیه السّلام):

لهمدان اخلاق و دین يزينهم *** وبأس إذا لاقوال و حسن كلام

فلو كنت بوّاباً على باب جنّة *** لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

741 - عنه عن أبى الحسن قال: كان علي بن أبي طالب يخرج كلّ غداة لصفّين في سَرعان الخيل فيقف بين الصفين ثم ينادي: يا معاوية، علام يقتتل الناس؟ ابرز إلي و أبرز عليك فيكون الأمر لمن غلب. فقال له عمرو بن العاص : أنصفك الرجل. فقال له معاوية. أردتها يا عمرو، والله لا رضيت عنك حتى تبارز عليّا. فبرز إليه متنكّرا.

فلما غشيه عليّ بالسيف رمي بنفسه إلي الأرض و أبدي له سوأته فضرب على وجهَ فَرسه و انصرف عنه فجلس معه معاوية يوماً فنظر إليه فضحك. فقال عمرو : أضحك الله سِنّك ما الذي أضحك؟ قال: من حضور ذهنك يوم بارزت عليّاً إذا اتقيته بعورتك.

أما والله لقد صادفت مناناً كريماً، و لو لا ذلك لخرج رفغيك بالرّيح. قال عمرو بن العاص أما والله إني عن يمينك إذ دعاك إلي البِراز فأحولت

ص: 10

عيناك، و ربا سحرك و بدا منك ما أكره ذكره لك.

742 - عنه ذكر عمرو بن العاص عند علي بن أبي طالب، فقال فيه علي عجباً لابن النابغة يزعم أنّي بلقائه اعافس و امارس أنّي و شَر القول أكذبه، إنه يسأل فيلحف و يسأل فيبخل فإذا أحمر البأس، و حمى الوطيس، وأخذت السيوف مأخذها من هام الرجال، لم يكن له هم إلا نزعه ثيابه و يمنح الناس استه، أغصه الله و ترحه.

743- عنه عن العتبي قال: لما التقي الناس بصفّين نظر معاوية إلي هاشم بن عتبة الذي يقال له: المِرقال، لقول النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) : أرقل لميون. و كان أعورَ، و الراية بيده و هو يقول.

أعور يبغي نفسه محلا *** قد عالج الحياة حتي ملّا

لابد أن يفل أو يفُلا

فقال معاوية لعمرو بن العاص يا عمرو، هذا المرقال، والله لئن زَحف بالراية زحفاً إنه ليوم أهل الشام الأطول. ولكني أري ابن السوداء إلي جنبه ، يعني عماراً، و فيه عجلة في الحرب، و أرجو أن تقدمه إلى الهلكة. و جعل عمار يقول أبا عتبة تقدّم فيقول: يا أبا اليقظان، أنا أعلم بالحرب منك، دعني أزحف بالراية زحفا. فلما أضجره و تقدم. أرسل معاوية خيلاً فاختطفوا عماراً، فكان يسمّي أهل الشام قتل عمار فتح الفتوح.

744 - أبوبكر ابن شيبة عن يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب عن أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد قال: إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، كلَّ واحد منهما يقول: أنا قتلته. فقال لهما عبدالله بن عمرو بن العاص ليطب به أحدكما نفساً لصاحيه. فإني سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: تقتلك الفئة الباغية.

ص: 11

745 - أبوبكر بن أبي شيبة عن ابن عليّة عن ابن عون عن الحسن عن ام سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية.

746 - أبوبكر قال: حدثنا علي بن حفص عن أبي معشر عن محمد بن عمارة قال: ما زال جَدّي خزيمة بن ثابت كافا سلاحه يوم صفّين حتي قتل ،عمار، فلما قتل سَلّ سيفه و قال: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية. فما زال يقاتل حتي قتل.

747 - أبوبكر عن غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن - سلمة قال: رأيت عماراً يوم صفّين شيخاً آدم طوالا آخذاً الحربة بيده و يده ترعد، و هو يقول: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الحربة مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ثلاث مرات و هذه الرابعة والذي نفسي بيده لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هَجر لعرفت أنا علي حق و أنهم علي باطل.

ثم جعل يقول: صبراً عباد الله الجنة تحت ظلال السيوف.

748 - أبوبكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن حبيب عن أبي البختري قال لما كان يوم صفّين و اشتدت الحرب دعا عمّار بشربة لبن و شربها وقال: إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قال لى: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن.

749- عنه عن أبي ذَر عن محمد بن يحيي عن محمد بن عبدالرحمن عن أبيه عن جدته أم سلمة زوج النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قال: لما بني رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب و ما يحتاج إليه، ثم قام رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فوضع رداءه، فلما رأي ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم و أكسيتهم يرتجزون ويقولون و يعملون.

لئن قعدنا و النّبي يعمل *** ذاك إذاً لعمل مضلَّل.

ص: 12

قالت: وكان عثمان بن عفان رجلاً نظيفاً متنظفاً، فكان يحمل اللبنة و يجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كفيه ونظر إلي ثوبه، فإذا أصابه شيء من التراب نفضه. فنظر إليه علي (علیه السّلام) فأنشده.

لا يستوي من يَعمر المساجدا *** يَدأب فيها راكعاً و ساجدا

و قائماً طَوراً وطوراً قاعدا *** و من يري عن التراب حائدا

فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجزها و هو لا يدري من يعني. فسمعه عثمان، فقال: يابن سمية، ما أعرفني بمن تعرّض و معه جريدة، فقال: لتكفّن أو لأعترضنّ بها وجهك . فسمعه النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم)و هو جالس في ظل حائط، فقال عمار جلدة ما بين عينى و أنني، فمن بلغ ذلك، وقالوا لعمار: إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قد غضب فيك و نخاف أن ينزل فينا قرآن.

فقال: أنا أرضيه كما غضب فأقبل عليه فقال: يا رسول الله مالی و لأصحابك؟ قال: و مالك و لهم؟ قال: يريدون قتلى، يحملون لبنة و يحملون على لبنتين. فأخذ به وطاف به في المسجد و جعل يمسح وجهه من التراب و يقول: يابن سمية لا يقتلك أصحابي و لكن تقتلك الفئة الباغية.

فلما قتل بصفّين و روى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال معاوية: هم قتلوه لأنهم أخرجوه إلى القتل. فلما بلغ ذلك عليّاً قال: و نحن قتلنا أيضاً حمزة لأنا أخرجناه.

750 - عنه عن أبي الحسن قال كانت أيام صفين كلها موافقة و لم تكن هزيمة في أحد الفريقين إلا على حامية ثم يكرون.

751 - أبوبكر بن أبي شيبة قال: انفضت وقعة صفين عن سبعين ألف قتيل خمسين ألفا من أهل الشام و عشرين ألفا من أهل العراق ولما أنصرف الناس من صفين قال عمرو بن العاص:

ص: 13

شبت الحرب فأعددت لها *** مشرف المحارك محبوك الثبج

يصل الشر بشر فإذا *** وثب الخيل من الشر معج

جرشع أعظمه جفرته *** فإذا أبتل من الماء خرج

752 - عنه قال عبد الله بن عمرو بن العاص:

فإن شهدت جمل مقامى ومشهدى *** بصفين يوما شاب منها الذوائب

عشية جا أهل العراق كأنهم *** سحاب خريف صففته الجنائب

إذا قلت قد ولوا سراعا بدت لنا *** كتائب منهم و ارجحنت كتائب

فدارت رحانا و استدارت رحاهم *** سراة النهار ما تولّى المناكب

و قالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا *** عليّاً فقلنا بل نرى أن تضاربوا

753 - عنه قال السيد الحميرى و هو رأس الشيعة، وكانت الشيعة من تعظيمها له تلق له و ساداً بمسجد الكوفة:

إني أدين بما دان الوصی به *** و شاركت كفه كفى بصفينا

في سفك ما سفكت منها إذا أحتضروا *** وأبرز الله للقسط الموازينا

تلك الدماء معا يا رب في عنق *** ثم أسقنى مثلها آمين آمينا

آمين من من مثلهم في مثل حالهم *** في فتية هاجروا فى الله شارينا

ليسو يريدون غير الله ربهم *** نعم المراد توخّاه المريدونا

754 - عنه قال النّجاشي يوم صفين و كتب بها إلى معاوية:

يا ايها الملك المبدى عداوته *** انظر لنفسك أى الأمر تأتمر

فإن نفست على الأقوام مجدهم *** فابسط يديك فإن الخبر مبتدر

واعلم بأن علىَّ الخير من نفر *** شم العرانين لا يعلوهم بشر

نعم الفتى أنت إلا أن بينكما *** كما تفاضل ضوء الشمس و القمر

و ما إخالك إلا لست منتهياً *** حتى ينالك من أظفاره ظفر

ص: 14

755 - عنه عن سفيان بن عيينة قال: أخبرني أبو مسى الأشعري قال: أخبرنى ،الحسن قال : علم معاوية والله إن لم يبايعه عمر و لن يتم له أمر فقال له: يا عمرو أتبعني. قال: لماذا ؟ للآخرة فوالله ما معك ،آخرة أم للدنيا ؟ فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها. قال: فأنت شريكي فيها. قال: فاكتب لي مصر و كورها.

فكتب له مصر و كورها، وكتب في آخر الكتاب و على عمرو السمع والطاعة. قال عمرو: وأكتب إن السمع و الطاعة لا ينقصان من شرطه شيئاً . قال معاوية: لا ينظر الناس إلى هذا. قال عمرو: حتى تكتب. :قال فكتب و الله ما يجد بدا من كتابتها.

756 - عنه دخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية و هو يكلم عمراً في مصر، وعمرو يقول له: إنما أبايعك بها دينى فقال عتبة أئتمن الرجل بدينه فإنه صاحب من أصحاب محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) .

و كتب عمرو إلى معاوية:

معاوي لا أعطيك ديني و لم أنل *** به منك دنيا فانظرن كيف تصنع؟

و ما الدين و الدنيا سواء و إنني *** لأخذ ما تعطي و رأسي مقنّع

فإن تعطني مصرا فأربح صفقة *** أخذت بها شيخا يضر و ينفع

757 - عنه قالوا: لما قدم عمرو بن العاس على معاوية وقام معه في - شأن على، بعد أن جعل له مصر ،طعمة، قال له: إن بأرضك رجلا له شرف و اسم و الله إن قام معك استهويت به قلوب الرجال، و هو عبادة بن الصامت. فأرسل إليه معاوية فلما أتاه وسع له بينه و بين عمرو بن العاص، فجلس بينهما فحمد الله معاوية و أثنى عليه، و ذکر فضل عبادة و سابقته، و ذكر فضل عثمان و ما ناله، وحصّه على القيام معه .

ص: 15

فقال عبادة قد سمعت ما قلت أتدريان لم جلست بينكما في مكانكما؟ قالا : نعم لفضلك و سابقتك و شرفك. قال: لا والله ما جلست بينكما لذلك، و ما كنت لأجلس بينكما في مكانكما، و لكن بينما نحن نسير مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) في غزاة تبوك إذا نظر إليكما تسيران، و أنتما تتحدثان، فالتفت إلينا.

فقال: إذا رأيتموهما اجتمعا ففرّقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان على خير أبداً. و أنا أنها كما عن اجتماعكما فأما دعوتماني إليه من القيام معكما، فإن لكما عدواً هو أغلظ أعدائكما، و أنا كامن ورائكم في ذلك العدو، إن اجتمعتم على شيء دخلت فيه.

758- عنه عن أبى الحسن قال: لما كان يوم الهرير، و هو أعظم يوم - بصفين، زحف أهل العراق على أهل الشام فأزالوهم عن مراكزهم، حتى أنتهوا إلى سرادق معاوية، فدعا بالفرس و هم بالهزيمة، ثم التفت إلى عمرو بن العاس، و قال له: ما عندك؟ قال: تأمر بالمصاحف فترفع في أطراف الرماح، ويقال هذا كتاب الله يحكم بيننا و بينكم.

فلما نظر أهل العراق إلى المصاحف أرتدوا و أختلفوا و قال بعضهم: نحاكم إلى كتاب الله. وقال بعضهم : لا نحاكمهم، لأنا على يقين من أمرنا و لسنا على شك. ثم أجمع رأيهم على التحكيم. فهم على أن يقدم أبا الأسود الدولى، فأبى الناس عليه. فقال له ابن عباس: أجعلني أحد الحكمين.

فوالله لأفتلن لك حبلاً لا ينقطع وسطه و لا ينشر طرفاه. فقال له على لست من كيدك و لا من كيد معاوية في شيء، لا أعطيه إلا السيف حتى يغلبه الحق.

قال: و هو والله لا يعطيك إلا السيف حتى يغلبك الباطل. قال: وكيف

ص: 16

ذلك؟ قال: لأنك تطاع اليوم و تعصى غداً و إنه يطاع و لا يعصى. فلما أنتشر عن علي أصحابه قال:

للّه بلاء ابن عباس، إنه لينظر إلى الغيب بستر رقيق. قال: ثم اجتمع أصحاب البرانس و هم وجوه أصحابب على، على أن يقدموا أبا موسى الأشعرى و كان مبرنسا و قالوا لا نرضى بغيره، فقدمه عليّ. و قدم معاوية عمرو بن العاص.

فقال معاوية لعمرو: إنك قد رميت برجل طويل اللسان قصير الرّأى فلا ترمه بعقلك كله فأخلى لهما مكان يجتمعان فيه، فأمهله عمرو بن العاص ثلاثة أيام، ثم أقبل إليه بأنواع من الطعام يشهيه بها، حتى إذا أستبطن أبو موسى ناجاه عمرو، فقال له: يا أبا موسى إنك شيخ أصحاب محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و ذو فضلها و ذو ،سابقتها، و قدترى ما وقعت فيه هذه الأمة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها. فهل لك أن تكون ميمون هذه الأمة فيحقن الله بك دماءها، فإنه يقول في نفس واحدة: «وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعًا»، فكيف بمن أحيا أنفس هذا الخلق كله قال له : وكيف ذلك؟ قال: تخلع أنت علي بن أبي طالب، و أخلع أنا معاوية بن أبي سفيان، و نختار لهذه الأمة رجلاً لم يحضر في شيء من الفتنة و لم يغمس يده فيها. قال له:

و من يكون ذلك؟ وكان عمرو بن العاص قد فهم رأى أبي موسى فى عبدالله بن عمر فقال له: عبد الله بن عمر فقال: إنه لكما ذكرت ولكن كيف لى بالوثيقة منك ؟ فقال له: يا أبا موسی «ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمئنُّ القُلُوب»، خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى .

ثم لم يبق عمرو بن العاص عهداً و لا موثقاً و لا يميناً مؤكدة حتى

ص: 17

حلف بها، حتى بقى الشيخ مبهوتاً، وقال له: قد أجبت. فنودي في الناس بالأجتماع إليهما، فاجتمعوا فقال له عمرو: قم فاخطب الناس يا أبا موسى. فقال: قم أنت أخطبهم. فقال: سبحان الله، أنا أتقدمك و أنت شيخ أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، والله لا فعلت أبداً .

قال: أو عسى فى نفسك أمر ؟ فزاده أيماناً و توكيداً حتى قام الشيخ فخطب الناس، فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إني قد اجتمعت أنا و صاحبي على أن أخلع أنا علي بن أبي طالب و يعزل هو معاوية بن أبي سفيان و نجعل هذا الأمر لعبد الله بن عمر.

فإنه لم يحضر فى فتنة و لم يغمس يده في دم أمرئ مسلم. ألا و إنى قد خلعت علي بن أبي طالب كما أختلع سيفى هذا، ثم خلع سيفه عاتقه و جلس و قال لعمرو: قم. فقام عمرو بن العاص فحمد الله و أثنى عليه، و :قال: أيها الناس إنه كان من رأى صاحبي ما قد سمعتم و إنه قد أشهدكم أنه خلع علي بن أبي طالب كما يخلع سيفه و أنا أشهدكم أني قد أثبت معاوية بن أبي سفيان كما أثبت سيفى هذا .

و كان قد خلع سيفه قبل أن يقوم إلى الخطبة، فأعاده على نفسه. فاضطرب الناس و خرجت الخوارج و قال أبو موسى لعمرو: لعنك الله، فإن مثلك كمثل الكلب إن تحمل على يلهث أو تتركه يلعث، قال عمرو: لعنك الله ، فإن مثلك كمثل الحما يحمل أسفاراً.

و خرج أبو موسى من فوره ذلك إلى مكة مستعيذاً بها من علي، و حلف أن لا يكلمه أبداً. فأقام بمكة حيناً حتى كتب إليه معاوية: سلام عليك، أما بعد، فلو كانت النية تدفع الخطأ لنجا المجتهد و أعذر الطالب و الحق لمن نصب له فأصابه وليس لمن عرض له فأخطاً.

ص: 18

و قد كان الحكمان إذ حكما على عليّ لم يكن له الخيار عليهما، وقد أختار القومُ عليك فاكره منهم ما كرهوا منك، و أقبل إلى الشام فإنى خير لك من علي، ولا قوة إلا بالله.

فكتب إليه أبو موسى سلام عليك، أما بعد، فإني لم يكن منى فى على إلا ما كان من عمرو فيك، غير أنى أردت بما صنعت ما عند الله، و أراد به عمرو ما عندك وقد كان بینی و بنیه شروط و شورى عن تراض، فلما رجع عمرو رجعت .

أما قولك: إن الحكمين إذا حكما على رجل لم يكن له الخيار عليهما. فإنما ذلك في الشاة و العبر والدينار و الدرهم. فأما أمر هذه الأمة، فليس لأحد فيما يكره حكم، و لن يذهب الحق عجز عاجز و لا خدعة فاجر. و أما دعاؤك إياى إلى الشام، فليس لى رغبة عن حرم إبراهيم.

759- عنه فلبغ عليّاً كتاب معاوية إلى أبي موسى الأشعرى فكتب إليه: سلام عليك، أما بعد فإنك أمرو ظلمك الهوى و استدرجك الغرور حقق بك حسن الظن لزومك بيت الله الحرام غير حاج ولاقاطن، فاستقل الله يقلك؛ فإن الله يغفر ولا يغفل أحبّ عباده إليه التوابون و كتبه سماك بن حرب.

760- عنه فكتب إليه أبو موسى سلام عليك، فإنه والله لو لا أنى خشيت أن يرفعك منى منع الجواب إلى أعظم مما في نفسك لم أجبك، لأنه ليس لي عندك عذر ينفعني ولا قوة تمنعني و أما قولك «و لزومي بيت الله الحرام غير حاج ولا قاطن» فإنى اعتزلت أهل الشام و انقطعت عن أهل العراق، وأصبت أقواماً صغروا من ذنبي ما عظمتم و عظموا من حقى ما صغرتم، إذ لم يكن لي منكم ولى و الانصير.

ص: 19

و كان علي بن أبي طالب إذ وجه الحكمان قال لهما: إنما حكمنا كما بكتاب الله فتحييان ما أحيا القرآن و تميتان ما أمات فلما كاد عمرو بن العاص لأبي موسى أضطرب الناس على علي واختلفوا، و خرجت الخوارج، و قالوا لا حكم إلا الله، فجعل على يتمثل بهذه الأبيات:

لى زلّة إليكم فأعتذر *** سوف أكيس بعدها و أنشمر

و أجمع الأمر الشتيت المنتشر

761 - عنه عن أبى الحسن قال : لما قدم أبو الأسود الدؤلى على معاوية عام الجماعة، قال له معاوية: بلغنى يا أبا الأسود أن على بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين، فما كنت تحكم به؟ قال: لو جعلنى أحدهما لجمعت ألفاً من المهاجرين و أبناء المهاجرين و ألفاً من الأنصار و أبناء الأنصار، ثم ناشدتهم الله: المهاجرون و أبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطلقاء؟ قال له معاوية: الله أبوك أى حكم كنت تكون لو حكمت.

762 - عنه عن أبى الحسن قال لما أنقضى أمر الحكمين وأختلف أصحاب علي قال بعض الناس ما منع أمير المؤمنين أن يأمر بعض أهل بيته فيتكلم فإنه لم يبق أحد من رؤساء العرب إلا وقد تكلم. قال: فبينما عليّ يوماً على المنبر إذ التفت إلى الحسن أبنه فقال: قم يا حسن فقل في هذين الرجلين عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص.

فقام الحسن فقال: أيها الناس إنكم قد أكثرتم في هذين الرجلين، و إنما بعثا ليحكما بالكتاب على الهوى، فحكما بالهوى على الكتاب و من كان هكذا لم يسم حكماً ولكنه محكوم عليه. و قد أخطأ عبدالله بن قيس إذ جعلها لعبد الله بن عمر.

فأخطأ فى ثلاث خصال: واحدة أنه خالف أباه، إذ لم يرضه لها، و لا

ص: 20

جعله من أهل الشورى و أخرى أنه لم يستأمره في نفسه و ثالثة، أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الإمارة و يحكمون بها على الناس و أما الحكومة فقد حكم النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) سعد بن معاذ في بني قريظة.

فحكم بما يرضى الله به ولا شك و لو خالف لم يرضه رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، ثم جلس فقال لعبد الله بن عباس : قم. فقال عبدالله بن عباس، بعد أن حمد الله و أثنى عليه أيها الناس أن للحق أهلا أصابوه بالتوفيق.

فالناس بين راض به و راغب عنه فإنه بعث عبدالله فإنه بعث عبدالله بن قيس بهدی إلى ضلالة و بعث عمرو بن العاص بضلالة إلى هدى، فلما التقيا رجع عبدالله بن قيس عن هداه و ثبت عمرو على ضلاله وايم الله لئن كانا حكما بما سارا به، لقد سار عبدالله و عليّ ،إمامه، و سار عمرو و معاوية إمامه، فما بعد هذا من عيب ينتظر.

فقال عليّ لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: قم. فقام فحمد الله و أثنى عليه وقال أيها الناس إن هذا الأمر كان النظر فيه إلى علي و الرضا إلى غيره. فجئتم إلى عبد الله بن قيس مبرنساً فقلتم : لا نرضى إلا به.

وأيم الله ما استفدنا به علما، ولا أنتظرنا منه غائباً، و ما نعرفه صاحباً و ما أفسدا بما فعلا أهل العراق، و ما أصلحا أهل الشام و لا وضعا حق علي و لا رفعا باطل معاوية ولا يذهب الحق رقية راق و لا نفحة شيطان و نحن اليوم على ما كنا عليه أمس.

763 - قال الطبري: وجه علي (علیه السّلام) عند منصرفه من البصرة الى الكوفه و فراغه من الجمل جرير بن عبد الله البجلي الى معاوية يدعوه الى بيعته، وكان جرير حين خرج على الى البصرة لقتال من قاتله بها بهمذان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها، وكان الاشعث بن قيس على

ص: 21

اذربيجان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها، فلما قدم على الكوفه منصرفا إليها من البصرة، كتب إليهما يأمرهما بأخذ البيعه له على من قبلهما من الناس و الانصراف إليه ففعلا ذلك، وانصرفا إليه.

فلما اراد على توجيه الرسول إلى معاوية، قال جرير بن عبد الله - فيما حدثني عمر بن شبه قال: حدثنا ابو الحسن عن عوانه : ابعثني إليه، فانه لي ود حتى آتيه فادعوه الى الدخول في طاعتك، فقال الاشتر لعلى :

لا تبعثه، فو الله انى لأظن هواه معه،

فقال على (علیه السّلام): دعه حتى ننظر ما الذى يرجع به إلينا، فبعثه إليه، و كتب معه كتابا يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والانصار على بيعته و نكث طلحه و الزبير، و ما كان من حربه إياهما و يدعوه الى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والانصار من طاعته، فشخص إليه جرير، فلما قدم عليه ماطله و استنظره و دعا عمرا فاستشاره فيما كتب به إليه، فاشار عليه أن يرسل الى وجوه الشام و يلزم عليا دم عثمان و يقاتله بهم، ففعل ذلك معاوية.

764 - عنه كتب الى السرى يذكر ان شعيبا حدثه عن سيف، عن محمد و طلحه - لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان - الذي قتل فيه مخضبا بدمه و بأصابع نائلة زوجته مقطوعة بالبراجم اصبعان منها و شيء من الكف و اصبعان مقطوعتان من أصولهما و نصف الابهام - وضع معاوية القميص على المنبر، وكتب بالخبر الى الأجناد.

و ثاب إليه الناس و بكوا سنة و هو على المنبر و الأصابع معلقة فيه، و آل الرجال من أهل الشام الا يأتوا النساء، ولا يمسهم الماء للغسل الا من ،احتلام، ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتله عثمان، و من عرض دونهم

ص: 22

بشيء او تفنى ارواحهم فمكثوا حول القميص سنة، و القميص يوضع كل يوم على المنبر و يجلله أحيانا فيلبسه و علق في اردانه أصابع نائله.

765- عنه فلما قدم جرير بن عبد الله على على - فيما حدثني عمر بن ،شبه قال حدثنا ابو الحسن عن عوانه - فاخبره خبر معاوية و اجتماع معه على قتاله و انهم يبكون على عثمان و يقولون: ان عليا أهل الشام قتله، و آوی ،قتلته و انهم لا ينتهون عنه حتى يقتلهم او يقتلوه.

فقال الاشتر لعلى قد كنت نهيتك ان تبعث جريرا، و اخبرتك بعداوته و غشه، و لو كنت بعثتني كان خيرا من هذا الذي اقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو فتحه الا فتحه و لا بابا يخاف منه الا اغلقه .

فقال جرير: لو كنت ثم لقتلوك، لقد ذكروا انك من قتلة عثمان، فقال الاشتر: لو أتيتهم و الله يا جرير لم یعینی ،جوابهم، و لحملت معاوية على خطة اعجله فيها عن الفكر، و لو أطاعني فيك امير المؤمنين لحبسك و اشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستقيم هذه الأمور.

فخرج جرير بن عبد الله الى قرقيسياء، وكتب الى معاوية، إليه يأمره بالقدوم عليه و خرج امير المؤمنين فعسكر بالنخيلة، و قدم عليه عبد الله بن عباس بمن نهض معه من أهل البصرة.

766 - عنه حدثني عبد الله بن احمد المروزی، قال: حدثني أبي، عن سليمان، عن عبد الله، عن معاوية بن عبد الرحمن، عن ابي بكر الهذلي، أن عليا لما استخلف عبد الله بن عباس على البصرة سار منها الى الكوفه، فتهيأ فيها الى صفين فاستشار الناس في ذلك، فاشار عليه قوم ان يبعث الجنود و يقيم، واشار آخرون بالمسير فأبى الا المباشرة ،

فجهز الناس فبلغ ذلك معاوية، فدعا عمرو بن العاص فاستشاره

ص: 23

فقال: أمّا إذ بلغك انه يسير فسر بنفسك، و لا تغب عنه برأيك و مكيدتك قال: أمّا إذا يا أبا عبد الله فجهز الناس فجاء عمرو فحضض الناس، و ضعف عليا و أصحابه و قال ان أهل العراق قد فرقوا جمعهم و اوهنوا شوكتهم، وفلوا حدهم.

ثم ان أهل البصرة مخالفون لعلى قد وترهم و قتلهم، و قد تفانت صنادیدهم وصناديد أهل الكوفه يوم الجمل و انما سار في شرذمه قليله و منهم من قد قتل خليفتكم فالله الله في حقكم ان تضيعوه، و في دمكم ان تبطلوه و كتب في اجناد أهل الشام و عقد لواءه لعمرو، فعقد لوردان غلامه فيمن عقد و لابنيه عبد الله و محمد، و عقد على لغلامه قنبر، ثم قال

عمرو:

هل يغنين وردان عنى قنبرا *** و تغنى السكون عنى حميرا

إذا الكماة لبسوا السنورا

فبلغ ذلك عليا فقال:

لأصبحن العاصي ابن العاصي *** سبعين ألفا عاقدى النواصي

مجنبين الخيل بالقلاص

مستحقبين حلق الدلاص

فلما سمع ذلك معاوية قال: ما ارى ابن ابى طالب الا قد وفى لك، فجاء معاوية يتأنى في مسيره و كتب الى كل من كان يرى انه يخاف عليا أو طعن عليه و من اعظم دم عثمان و استعواهم إليه فلما رأى ذلك الوليد بعث إليه يقول:

الا ابلغ معاوية بن حرب *** فإنك من أخي ثقه مليم

قطعت الدهر كالسدم المعنى *** تهدر في دمشق فماتريم

و انك و الكتاب الى على *** کدابغه و قد حلم الأديم

ص: 24

يمنيك الإمارة كل ركب *** لانقاض العراق بها رسيم

وليس أخو الترات بمن توانى *** و لكن طالب الترة الغشوم

و لو كنت القتيل و كان حيا *** لجرد، لا الف و لا سئوم

و لا نكل عن الأوتار حتى *** يبيء بها، ولا برم جثوم

و قومك بالمدينة قد ابيروا *** فهم صرعى كأنهم الهشيم

767 - عنه قال غير ابي بكر فدعا معاوية شداد بن قيس كاتبه و قال :ابغنى طومارا، فأتاه ،بطومار، فاخذ القلم فكتب، فقال: لا تعجل، اكتب:

و مستعجب مما يرى من اناتنا *** و لو زبنته الحرب لم يترمرم

ثم قال: اطو الطومار، فأرسل به الى الوليد، فلما فتحه لم يجد فيه غير هذا البيت.

768 - عنه قال ابو بكر الهذلي وكتب رجل من أهل العراق حيث سار على بن ابى طالب الى معاوية بيتين:

ابلغ أمير المؤمنين *** أخا العراق إذا اتيتا

ان العراق و أهلها *** عنق إليك فهيت هيتا

769 - عنه عاد الحديث الى حديث عوانه فبعث على زياد بن النضر الحارثى طليعه في ثمانية آلاف، و بعث معه شريح بن هاني في اربعه آلاف، و خرج على من النخيله بمن معه، فلما دخل المدائن شخص معه من فيها من المقاتله و ولى على المدائن سعد بن مسعود الثقفى عم المختار بن ابي عبيد، و وجه على من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة آلاف و أمره ان يأخذ على الموصل حتى يوافيه.

770- عنه فلما انتهى على الى الرقة قال فيها حدثت عن هشام بن محمد ،عن ابي مخنف، قال: حدثنى الحجاج بن على، عن عبد الله بن عمار ابن عبد

ص: 25

يغوث البارقي - لأهل الرقة اجسروا لي جسرا حتى اعبر من هذا المكان الى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا إليهم السفن فنهض من عندهم ليعبر من جسر ،منبج و خلف عليهم الاشتر و ذهب ليمضى بالناس كما يعبر بهم على جسر منبج فناداهم الاشتر، فقال:

يا أهل هذا الحصن الا انى اقسم لكم بالله عز و جل، لئن مضى امير المؤمنين و لم تجسر وا له عند مدينتكم جسرا حتى يعبر لاجردن فيكم السيف، ثم لاقتلن الرجال و الأخر بن الارض و لاخذن الأموال قال: فلقی بعضهم بعضا، فقالوا: أليس الاشتر يفى بما حلف عليه او ياتى بشر منه ؟ قالوا: نعم.

فبعثوا إليه انا ناصبون لكم جسرا فاقبلوا، و جاء على فنصبوا له الجسر، فعبر عليه بالأثقال و الرجال ثم أمر على الاشتر فوقف في ثلاثة آلاف ،فارس، حتى لم يبق من الناس احد الا عبر، ثم انه عبر آخر الناس رجلا.

771 - عنه قال ابو مخنف:وحدثنى الحجاج بن على، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث، أن الخيل حين عبرت زحم بعضها بعضا، فسقطت قلنسوة عبد الله بن ابى الحصين الأزدي، فنزل فأخذها ثم ركب و سقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج الأزدي، فنزل فأخذها، ثم ركب و قال لصاحبه :

فان يك ظن الزاجرى الطير صادقا ***كما زعموا اقتل وشيكا وتقتل

فقال له عبد الله بن ابى الحصين ما شيء اوتاه أحب الى مما ذكرت ،فقتلا جميعا يوم صفين.

772 - عنه قال ابو مخنف: فحدثني خالد بن قطن الحارثى ان عليا (علیه السّلام)

ص: 26

لما قطع الفرات دعا زياد بن النضر و شريح بن هانئ، فسرحها امامه نحو معاوية على حالها التي كانا خرجا عليها من الكوفه قال: وقد كانا حيث سرحهما من الكوفه أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلى الكوفه حتى بلغا عانات،

فبلغهما أخذ على على طريق الجزيرة، و بلغهما ان معاوية قد اقبل من دمشق في جنود أهل الشام لاستقبال على فقالا: لا و الله ما هذا لنا برای ان نسير و بيننا و بين المسلمين و امير المؤمنين هذا البحر و ما لنا خير في ان نلقى جنود أهل الشام بقلة من معنا منقطعين العدد و المدد .

فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهل عانات و حبسوا عنهم السفن فاقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ثم لحقوا عليا بقرية دون ،قرقيسياء، و قد أرادوا أهل عانات، فتحصنوا و فروا، و لما لحقت المقدمه عليا قال: مقدمتي تأتيني من ورائي فتقدم إليه زياد بن النضر الحارثى و شريح بن هانئ فأخبراه بالذي رايا حين بلغهما من الأمر ما بلغهما ،

فقال: سددتما ثم مضى على، فلما عبر الفرات قدمها امامه نحو معاوية فلما انتهيا الى سور الروم لقيهما ابو الأعور السلمي عمرو بن سفيان في جند من أهل الشام فأرسلا الى على انا قد لقينا أبا الأعور السلمى في جند من أهل الشام، وقد دعوناهم فلم يجبنا منهم احد فمرنا بأمرك فأرسل على الى الاشتر،

فقال: يا مالك، ان زيادا و شريحا ارسلا الى يعلماني انهما لقيا أبا الأعور السلمى في جمع من أهل الشام و أنبأني الرسول انه تركهم متواقفين، فالنجاء الى أصحابك النجاء، فإذا قدمت عليهم فأنت عليهم و إياك ان تبدا القوم بقتال الا ان يبدء وك حتى تلقاهم فتدعوهم و تسمع، و لا

ص: 27

يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم، والاعذار إليهم مرة بعد مرة،

و اجعل على ميمنتك زيادا، و على ميسرتك شريحا وقف من أصحابك وسطا، و لا تدن منهم دنو من يريد ان ينشب الحرب، ولا تباعد منهم بعد من يهاب الباس حتى اقدم عليك، فانى حثيث السير في اثرك إن شاء الله قال وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي، فكتب على الى زياد و شریح:

اما بعد فاني قد أمرت عليكما ،مالكا، فاسمعا له وأطيعا، فانه ممن لا يخاف رهقه و لاسقاطه و لا بطوه عما الاسراع إليه احزم، و لا الاسراع الى ما الإبطاء عنه ،أمثل، و قد أمرته بمثل الذى كنت أمرتكما به الا يبدأ القوم حتى يلقاهم فيدعوهم و يعذر إليهم.

و خرج الاشتر حتى قدم على القوم، فاتبع ما أمره على و كف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم ابو الأعور السلمى، فثبتوا له و اضطربوا ساعة ثم ان أهل الشام انصرفوا ثم خرج اليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهري في خيل و رجال حسن عددها و عدتها، وخرج إليه ابو الأعور

فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال ،و صبر القوم بعضهم لبعض، ثم انصرفوا ، و حمل عليهم الاشتر، فقتل عبد الله بن المنذر التنوخي، قتله يومئذ ظبيان يومئذ ظبيان بن عمار التميمي، و ما هو الا فتى حدث، و ان كان التنوخي لفارس أهل الشام، و أخذ الاشتر يقول:

ويحكم أروني أبا الأعور.

ثم ان أبا الأعور دعا الناس، فرجعوا نحوه، فوقف من وراء المكان الذى كان فيه أول مره، و جاء الاشتر حتى صف أصحابه في المكان الذى

ص: 28

كان فيه ابو الاعور، فقال الاشتر لسنان بن مالك النخعي: انطلق الى ابى الأعور .

فادعه الى المبارزه، فقال: الى مبارزتي او مبارزتك ؟ فقال له الاشتر: لو أمرتك بمبارزته فعلت؟ قال: نعم .

و الله لو أمرتني ان اعترض صفهم بسيفي ما رجعت ابدا حتى اضرب بسيفي في صفهم قال له الاشتر يا بن أخي اطال الله بقاءك قد و الله ازددت رغبة فيك، لا أمرتك بمبارزته، انما أمرتك ان تدعوه الى مبارزتي انه لا يبرز ان كان ذلك من شانه الا لذوي الأسنان و الكفاءة و الشرف، و -أنت لربك الحمد - من أهل الكفاءة و الشر.ف

غير انك فتى حدث السن فليس بمبارز الاحداث و لكن ادعه الى مبارزتيفأتاه فنادی آمنونی فانی رسول ،فأومن، فجاء حتى انتهى الى ابى الأعور.

773- عنه قال ابو مخنف: فحدثني النضر بن صالح ابو زهير العبسي :قال حدثنی ،سنان :قال فدنوت منه فقلت ان الاشتر يدعوك الى مبارزته.

قال فسكت عنى طويلا ثم قال :ان خفة الاشتر و سوء رايه هو حمله على اجلاء عمال ابن عفان من العراق، و انتزاؤه عليه يقبح محاسنه ،و من خفة الاشتر و سوء رايه ان سار الى ابن عفان في داره و قراره حتى قتله فيمن قتله، فاصبح متبعا ،بدمه الا لا حاجه لي في مبارزته.

قال: قلت: انك قد تكلمت فاسمع حتى اجيبك، فقال: لا، لا حاجة لي في الاستماع منك ولا في جوابك، اذهب عنى فصاح بي أصحابه فانصرفت عنه، و لو سمع الى لأخبرته بعذر صاحبي و حجته فرجعت الى الاشتر، فاخبرته انه قد ابى المبارزه فقال لنفسه ،نظر فواقفناهم حتى

ص: 29

حجز الليل بيننا و بينهم، و بتنا متحارسين .

فلما أصبحنا نظرنا فإذا القوم قد انصرفوا من تحت ليلتهم، ويصبحنا على بن ابى طالب غدوة فقدم الاشتر فيمن كان معه في تلك المقدمة حتى انتهى الى معاوية، فواقفه، وجاء على في اثره فلحق بالأشتر سريعا، فوقف و تواقفوا طويلا.

ثم ان عليا طلب موضعا لعسكره، فلما وجده أمر الناس فوضعوا الاثقال، فلما فعلوا ذهب شباب الناس و غلمتهم يستقون فمنعهم أهل الشام فاقتتل الناس على الماء، وقد كان الاشتر قال له قبل ذلك ان القوم قد سبقوا الى الشريعة و الى سهوله الارض وسعة المنزل ،

فان رايت سرنا نجوزهم الى القرية التي خرجوا منها فإنهم يشخصون في اثرنا ، فإذا هم لحقونا نزلنا فكنا نحن و هم على السواء، فكره ذلك على و قال ليس كل الناس يقوى على المسير، فنزل بهم .

774- عنه قال ابو مخنف: و حدثني تميم بن الحارث الأزدي، عن جندب بن عبد الله، قال: انا لما انتهينا الى معاوية وجدناه قد عسكر في موضع سهل افيح قد اختاره قبل قدومنا الى جانب شريعة في الفرات ليس في ذلك الصقع شريعة غيرها، و جعلها في حيزه، و بعث عليها أبا الأعور يمنعها و يحميها.

فارتفعنا على الفرات رجاء ان نجد شريعة غيرها نستغنى بها عن شريعتهم فلم نجدها، فأتينا عليا فأخبرناه بعطش الناس، و انا لا نجد غير شريعة القوم قال فقاتلوهم عليها فجاءه الاشعث بن قيس الكندى فقال: انا اسير إليهم، فقال له على فسر إليهم فسار و سرنا معه، حتى إذا دنونا من الماء ثاروا في وجوهنا ينضحوننا بالنبل و رشقناهم و الله بالنبل ساعة، ثم

ص: 30

أطعنا و الله بالرماح طويلا، ثم صرنا آخر ذلك نحن و القوم الى السيوف فاجتلدنا بها ساعة .

ثم ان القوم أتاهم يزيد بن أسد البجلي ممدا في الخيل و الرجال فاقبلوا نحونا، فقلت في نفسي: فأمير المؤمنين لا يبعث إلينا بمن يغنى عنا هؤلاء،

فذهبت فالتفت فإذا عدة القوم أو أكثر، قد سرحهم إلينا ليغنوا عنا يزيد بن اسد و أصحابه، عليهم شبث بن ربعي الرياحي فو الله ما ازداد القتال الا شدة و خرج إلينا عمرو بن العاص من عسكر معاوية في جند كثير، فاخذ يمد أبا الأعور و يزيد بن اسد ،و خرج الاشتر من قبل على في جمع عظيم .

فلما راى الاشتر عمرو بن العاص يمد أبا الأعور و يزيد بن اسد، أمد الاشعث بن قيس و شبث بن ربعي ، فاشتد قتالنا و قتالهم، فما انسى قول عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي :

خلوا لنا ماء الفرات الجاري *** او اثبتوا لجحفل جرار

لكل قرم مستمیت شاری *** مطاعن بر محه كرار

ضراب هامات العدا مغوار

775 - عنه قال ابو مخنف: وحدثنى رجل من آل خارجة بن التميمي ان ظبيان ابن عمارة جعل يومئذ يقاتل و هو يقول:

هل لك يا ظبيان من بقاء *** في ساكن الأرض بغير ماء

لا و اله الارض و السماء *** فاضرب وجوه الغدر الأعداء

بالسيف عند حمس الوغاء *** حتى يجيبوك الى السواء

قال ظبیان: فضربناهم و الله حتى خلونا و اياه.

ص: 31

776 - عنه قال ابو مخنف: وحدثني أبي يحيى بن سعيد، عن عمه محمد ابن ،مخنف، قال: كنت مع ابي مخنف بن سليم يومئذ، و انا ابن سبع عشره سنه، و لست في عطاء، فلما منع الناس الماء قال لي ابى: لا تبرحن الرحل فلما رايت المسلمين يذهبون نحو الماء لم اصبر .

فأخذت سيفي، و خرجت مع الناس فقاتلت قال و إذا انا بغلام مملوك لبعض أهل العراق و معه ،قربه، فلما راى أهل الشام قد افرجوا عن الشريعة اشتد حتى ملا ،قربته ثم اقبل و يشد عليه رجل من أهل الشام فيضربه فيصرعه و سقطت القربة منه قال: و أشد على الشامي فاضربه فاصرعه و اشتد أصحابه فاستنقذوه، فسمعتهم و هم يقولون:

لا نامن عليك و رجعت الى المملوك فاحتملته، فإذا هو يكلمني و به جرح رغيب، فما كان اسرع من ان جاءه مولاه فذهب به، و أخذت قربته و هي مملوءة، و آتی بها ابی مخنفا، فقال: من اين جئت بها؟ فقلت: اشتريتها و كرهت ان اخبره الخبر فيجد على فقال اسق القوم فسقيتهم.

ثم شرب ،آخرهم و نازعتني نفسي و الله الى القتال، فانطلق فاتقدم فيمن يقاتل، فقاتلناهم ساعة، ثم اشهد انهم خلوا لنا عن الماء، فما أمسينا حتى رأينا سقاتنا وسقاتهم يزدحمون على الشريعة، و ما يؤذى انسان إنسانا، فاقبلت ،راجعا فإذا انا بمولى صاحب القربة، فقلت هذه قربتك عندنا .

فأرسل من يأخذها او اعلمنى مكانك حتى ابعث بها إليك، فقال: رحمك الله عندنا ما نكتفي به فانصرفت و ذهب، فلما كان من الغد الغد مر على ابى فوقف فسلم عليه و رآنى الى جنبته فقال: ما هذا الفتى منك؟ قال:

ص: 32

ابنى، قال: أراك الله فيه السرور، أنقذ الله عز و جل أمس غلامي به من القتل، حدثنى شباب الحى انه كان أمس اشجع الناس، فنظر الى ابى نظرة عرفت منها في وجهه الغضب،

فسكت حتى إذا مضى الرجل قال هذا ما تقدمت إليك فيه فحلفني الا اخرج الى قتال الا باذنه فما شهدت من قتالهم الا ذلك اليوم حتى كان يوم من ايامهم.

777- عنه قال ابو مخنف:و حدثني يونس بن ابى إسحاق السبيعي عن مهران مولى يزيد بن هانئ قال و الله ان مولاي يزيد بن هانئ ليقاتل على الماء، و ان القربة لفي يده، فلما انكشف أهل الشام انكشافة عن الماء، استدرت حتى اسق و انى فيما بين ذلك لاقاتل و ارامى .

778 - عنه قال ابو مخنف:و حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، قال: لما قدمنا على معاوية و أهل الشام بصفين، وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا، أخذوا الشريعة، فهى في ايديهم، و قد صف ابو الأعور السلمى عليها الخيل و الرجال، و قد قدم المرامية امام من معه و صف صفا معهم من الرماح و الدرق، و على رءوسهم البيض وقد اجمعوا على ان يمنعونا الماء.

ففزعنا الى امير المؤمنين ، فخبرناه بذلك، فدعا صعصعة ابن صوحان فقال له : انت معاوية وقل له انا سرنا مسيرنا هذا إليكم، و نحن نكره قتالكم قبل الاعذار إليكم، و انك قدمت إلينا خيلك و رجالك فقاتلتنا قبل ان نقاتلك، و بدأتنا بالقتال، و نحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك و نحتج عليك، و هذه اخرى قد فعلتموها، قد حلتم بين الناس و بين الماء، و الناس غير منتهين او يشربوا،

ص: 33

فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس و بين الماء، و يكفوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم، وفيما قدمنا له و قدمتم له، و ان كان اعجب إليك ان نترك ما جئنا له و نترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا فقال معاوية لأصحابه ما ترون؟ فقال الوليد ابن عقبة: امنعهم الماء كما منعوه عثمان بن عفان ،

حصروه اربعين صباحا يمنعونه برد الماء، و لين الطعام، اقتلهم عطشا قتلهم الله عطشا فقال له عمرو بن العاص خل بينهم وبين الماء فان القوم لن يعطشوا و أنت ،ريان و لكن بغير الماء، فانظر ما بينك و بينهم.

فاعاد الوليد بن عقبة ،مقالته و قال عبد الله بن ابی سرح امنعهم الماء الى الليل، فإنهم ان لم يقدروا عليه رجعوا و لو قد رجعوا كان رجوعهم فلا، امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة فقال صعصعة: انما يمنعه الله الله عز و جل القيامة الكفرة الفسقة و شربة الخمر، ضربك و ضرب هذا الفاسق - يعنى الوليد بن عقبه - قال: فتواثبوا إليه يشتمونه و يتهددونه، فقال معاوية :كفوا عن الرجل فانه رسول.

779 - عنه قال ابو مخنف: و حدثني يوسف بن يزيد، عن عبدالله بن عوف بن الأحمر، ان صعصعة رجع إلينا فحدثنا عما قال لمعاوية، و ما كان منه و ما رد فقلنا فما رد عليك ؟ فقال : لما اردت الانصراف من عنده قلت: ما ترد على؟ قال معاوية : سيأتيكم رأيي فو الله ما راعنا الا تسريته الخيل الى ابى الأعور ليكفهم عن الماء قال:

فابرزنا على إليهم ، فارتمينا ثم أطعنا ثم اضطربنا بالسيوف، فينصرنا عليهم، فصار الماء في أيدينا، فقلنا لا والله لا نسقيهموه ، فأرسل إلينا على: ان خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا الى عسكركم، وخلوا عنهم، فان الله

ص: 34

عز و جل قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم.

780 - عنه قال ابو مخنف:حدثني عبد الملك بن ابى حرة الحنفى ان عليا قال: هذا يوم نصرتم فيه بالحمية، و جاء الناس حتى أتوا عسكرهم، فمكث على يومين لا يرسل الى معاوية أحدا، و لا يرسل إليه معاوية ثم ان عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري، و سعيد بن قيس الهمداني، و شبث بن ربعي التميمي، فقال:

ائتوا هذا الرجل فادعوه الى الله والى الطاعة و الجماعة، فقال له شبث بن ربعي يا امير المؤمنين، الا تطمعه في سلطان توليه اياه و منزلة يكون له بها اثره عندك ان هو بايعك؟ فقال على: ائتوه فالقوه و احتجوا عليه و انظروا ما رايه - و هذا في أول ذي الحجة - فاتوه، ودخلوا عليه،

فحمد الله واثنى عليه ابو عمرة بشير بن عمرو، و قال يا معاوية، ان الدنيا عنك زائله و انك راجع الى الآخرة و ان الله عز و جل محاسبك بعملك، وجازيك بما قدمت يداك و انى أنشدك الله عز وجل ان تفرق جماعة هذه الأمة، و ان تسفك دماءها بينها فقطع عليه الكلام، وقال: هلا اوصيت بذلك صاحبك ؟

فقال ابو عمرة: ان صاحبي ليس مثلك صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل و الدين و السابقة في الاسلام و القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم قال: فيقول ما ذا؟ قال:

يأمرك بتقوى الله عز و جل و اجابة ابن عمك الى ما يدعوك إليه من الحق، فانه اسلم لك في دنياك، و خير لك في عاقبة أمرك قال معاوية: و نطل دم عثمان لا و الله لا افعل ذلك ابدا فذهب سعيد بن قيس يتكلم، فبادره شبث بن ربعي، فتكلم فحمد الله واثنى عليه، وقال: يا معاوية، انى

ص: 35

قد فهمت ما رددت على ابن محصن انه والله لا يخفى علينا ما تغزو و ما تطلب ،

انك لم تجد شيئا تستغوى به الناس و تستميل به اهواءهم، و تستخلص به طاعتهم الا قولك: قتل امامكم مظلوما، فنحن نطلب بدمه، فاستجاب له سفهاء طغام، وقد علمنا ان قد أبطأت عنه بالنصر، و احببت له القتل، لهذه المنزله التي اصبحت تطلب، و رب متمنى أمر وطالبه، الله عز و جل يحول دونه بقدرته، و ربما اوتى المتمنى امنيته و فوق امنیته .

و والله ما لك في واحدة منهما خير لئن أخطأت ما ترجو انك لشر العرب ب حالا فى ذلك و لئن اصبت ما تمنى لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلى النار، فاتق الله يا معاوية و دع ما أنت عليه، و لا تنازع الأمر اهله.

فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أما بعد فان أول ما عرفت فيه سفهك و خفة حلمك، قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عنيت بعد فيما لا علم لك به، فقد كذبت و لؤمت ايها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما ذكرت و وصفت انصرفوا من عندي، فانه ليس بيني و بينكم إلا السيف و غضب.

و خرج القوم و شبث يقول: أفعلينا تهول بالسيف اقسم بالله ليعجلن بها إليك فاتوا عليا و اخبروه بالذي كان من قوله، وذلك في ذي الحجه فاخذ على يأمر الرجل ذا الشرف، فيخرج معه جماعة، و يخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة، فيقتتلان في خيلها ورجالها ثم ينصرفان، و أخذوا يكرهون ان يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشام .

لما يتخوفون ان يكون في ذلك من الاستئصال و الهلاك، فكان على يخرج مرة الاشتر، و مرة حجر بن عدي الكندى، و مرة شبث بن ربعي، و

ص: 36

مرة خالد بن ،المعمر و مرة زياد بن النضر الحارثي و مرة زياد بن خصفة التيمي، ومرة سعيد بن قيس، ومرة معقل بن قيس الرياحي، ومرة قيس ابن سعد و كان أكثر القوم خروجا إليهم الاشتر،

و كان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد المخزومي، و أبا الأعور السلمي و مرة حبيب ابن مسلمة الفهري و مرة ابن ذي الكلاع الحميرى، ومرة عبيد الله بن عمر ابن الخطاب، ومرة شرحبيل بن السمط الكندى ومرة حمزة بن مالك الهمداني فاقتتلوا من ذي الحجة كلها، و ربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين اوله و آخره .

781- عنه قال ابو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي قال: حدثني رجل من قومي ان الاشتر خرج يوما يقاتل بصفين في رجال من القراء، و رجال من فرسان العرب فاشتد ،قتالهم، فخرج علينا رجل و الله لقلما رايت رجلا قط هو اطول و لا اعظم منه فدعا الى المبارزة،

فلم يخرج إليه احد الا الاشتر، فاختلفا ضربتين، فضربه الاشتر فقتله، وايم الله لقد كنا أشفقنا عليه، و سألناه الا يخرج إليه، فلما قتله الاشتر نادى مناد من أصحابه:

يا سهم سهم ابن ابى العيزار *** يا خير من نعلمه من زار

وزارة حي من الأزد، و قال اقسم بالله لاقتلن قاتلك او ليقتلني، فخرج فحمل على الاشتر و عطف عليه الاشتر فضربه، فإذا هو بين يدي فرسه، و حمل عليه أصحابه فاستنقذوه جريحا، فقال ابو رفيقة الفهمي:

هذا كان نارا، فصادف اعصارا، واقتتل الناس ذا الحجة كله، فلما انقضى ذو الحجة تداعى الناس الى ان يكف بعضهم عن بعض المحرم، لعل الله ان يجرى صلحا او اجتماعا فكف بعضهم عن بعض.

ص: 37

فكان في أول شهر منها - و هو المحرم - موادعة الحرب بين على و معاوية، قد توادعا على ترك الحرب فيه الى انقضائه طمعا في الصلح.

782- عنه عن هشام ابن محمد، عن ابي مخنف الأزدي، قال: حدثنى سعد ابو المجاهد الطائي عن المحل بن خليفه الطائي، قال: لما توادع على و معاوية يوم صفين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح،

فبعث على عدي بن حاتم ويزيد ابن قيس الارحبي و شبث بن ربعي و زياد بن خصفه الى معاوية، فلما دخلوا حمد الله عدی بن حاتم، ثم قال أمّا بعد فانا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع الله عز و جل به کلمتنا و أمتنا، ويحقن به الدماء و يؤمن به السبل، و يصلح به ذات البين .

ان ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة، و أحسنها في الاسلام أثراء و قد استجمع له الناس و قد ارشدهم الله عز و جل بالذي رأوا، فلم يبق احد غيرك و غير من معك، فانته يا معاوية لا يصبك الله و أصحابك بيوم مثل يوم الجمل فقال معاوية كأنك انما جئت متهددا، لم تات مصلحا هيهات یا عدى، كلا والله انى لابن حرب، ما يقعقع لي بالشنان .

اما و الله انك لمن المجلبين على ابن عفان و انك لمن قتلته، و انى لأرجو ان تكون ممن يقتل الله عز و جل به هيهات يا عدى ابن حاتم قد حلبت بالساعد الأشد فقال له شبث بن ربعي و زياد بن خصفة - و تنازعا جوابا واحدا: أتيناك فيما يصلحنا و إياك فاقبلت تضرب لنا الأمثال .

دع ما لا ينتفع به من القول والفعل و أجبنا فيما يعمنا و إياك نفعه و تكلم يزيد بن قيس فقال: انا لم ناتك الا لنبلغك ما بعثنا به إليك و لنؤدي عنك ما سمعنا منك، و نحن على ذلك لم ندع ان ننصح لك، و ان نذكر ما ظننا ان لنا عليك به حجة، و انك راجع به الى الألفة و الجماعة

ص: 38

ان صاحبنا من قد عرفت و عرف المسلمون فضله، و لا اظنه يخفى عليك ان أهل الدين و الفضل لن يعدلوا بعلى و لن يميلوا بينك و بينه، فاتق الله يا معاوية، و لا تخالف عليا، فانا والله ما رأينا رجلا قط اعمل بالتقوى، ولا ازهد في الدنيا، ولا اجمع لخصال الخير كلها منه.

فحمد الله معاوية و اثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإنكم دعوتم الى الطاعة و الجماعة، فاما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي و أمّا الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها ان صاحبكم قتل خليفتنا، و فرق جماعتنا، و آوی ثارنا وقتلتنا و صاحبكم يزعم انه لم يقتله ،

فنحن لا نرد ذلك عليه، أرايتم قتله صاحبنا؟ ألستم تعلمون انهم أصحاب صاحبكم ؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به، ثم نحن نجيبكم الى الطاعة و الجماعة.

فقال له :شبث ايسرك يا معاوية انك امكنت من عمار تقتله فقال :معاوية و ما يمنعني من ذلك و الله لو امكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان، و لكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان فقال له :شبث و اله الارض و اله السماء ما عدلت معتدلا ، لا و الذى لا اله الا هو لا تصل الى عمار حتى تندر الهام عن كوأهل الأقوام و تضيق الارض الفضاء عليك برحبها. فقال له معاوية : انه لو قد كان ذلك كانت الارض عليك اضيق.

و تفرق القوم عن معاوية، فلما انصرفوا بعث معاوية الى زياد بن خصفة التيمي، فخلا به فحمد الله واثنى عليه وقال: أما بعد يا أخا ربيعة فان عليا قطع أرحامنا، و آوى قتلة صاحبنا و اني اسالك النصر عليه باسرتك وعشيرتك، ثم لك عهد الله جل و عز و ميثاقه ان اوليك إذا ظهرت اى المصرين احببت .

ص: 39

783 - عنه قال ابو مخنف: فحدثني سعد ابو المجاهد، عن المحل بن خليفة قال: سمعت زياد بن خصفة يحدث بهذا الحديث قال: فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله عز و جل و اثنيت عليه ثم قلت أمّا بعد، فانى على بينة من ربى و بما انعم على فلن أكون ظهيرا للمجرمين .

ثم قمت .فقال معاوية لعمرو بن العاص - وكان الى جنبه جالسا :ليس يكلم رجل منا رجلا منهم فيجيب الى خير ما لهم عضبهم الله بشر ما قلوبهم الا كقلب رجل واحد.

784 - عنه قال ابو مخنف: فحدثني سليمان بن ابى راشد الأزدي، عن عبد الرحمن ابن عبيد ابى الكنود أن معاوية، بعث الى على حبيب بن مسلمة الفهري و شرحبيل بن السمط و معن بن يزيد بن الاخنس فدخلوا عليه و انا عنده، فحمد الله حبيب و اثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فان عثمان بن عفان كان خليفة مهديا ،

يعمل بكتاب الله عز و جل، و ينيب الى أمر الله تعالى، فاستثقلتم حياته، واستبطأتم وفاته، فعدوتم عليه فقتلتموه، فادفع إلينا قتلة عثمان - ان زعمت انك لم تقتله - نقتلهم به، ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم، يولى الناس أمرهم من اجمع عليه رأيهم.

فقال له على بن ابى طالب : و ما أنت لا أم لك و العزل وهذا الأمراسكت فإنك لست هناك و لا باهل له فقام و قال له: و الله لتريني بحيث تكره فقال على و ما أنت و لو اجلبت بخيلك و رجلك لا ابقى الله عليك ان ابقيت على احقره و سوءا اذهب فصوب وصعد ما بدا لك.

و قال شرحبيل بن السمط: انى ان كلمتك فلعمرى ما كلامي الا مثل كلام صاحبي ،قبل، فهل عندك جواب غير الذى اجبته به؟ فقال على: نعم .

ص: 40

لك و لصاحبك جواب غير الذي اجبته به فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:

اما بعد، فان الله جل ثناؤه بعث محمداً (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بالحق، فانقذ به من الضلالة ،و انتاش به من الهلكة، و جمع به من الفرقة ،

ثم قبضه الله إليه وقد ادى ما عليه (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، ثم استخلف الناس أبا بكر و استخلف ابو بكر عمر فأحسنا السيرة ، و عدلا في الأمة، وقد وجدنا عليهما ان توليا علينا - و نحن آل رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)- فغفرنا ذلك لهما، و ولى عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه، فساروا إليه فقتلوه ،

ثم أتاني الناس و انا معتزل أمورهم، فقالوا لي بايع فأبيت عليهم فقالوا لي بايع، فان الأمة لا ترضى الا بك و انا نخاف ان لم تفعل ان يفترق الناس، فبايعتهم، فلم يرعني الا شقاق رجلين قد بايعانى و خلاف معاوية الذي لم يجعل الله عز وجل له سابقة في الدين، و لا سلف صدق في الاسلام .

طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل الله عز و جل و لرسوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و للمسلمين عدوا هو و أبوه حتى دخلا في الاسلام كارهين ، فلا غرو الا خلافكم معه، و انقيادكم له و تدعون آل نبيكم (صلّی الله علیه و آله و سلّم) الذين لا ينبغي لكم شقاقهم و لا خلافهم ، و لا ان تعدلوا بهم من الناس أحدا.

الا اني ادعوكم الى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه(صلّی الله علیه و آله و سلّم) و أماتة الباطل، و احياء معالم الدين، اقول قولي هذا و استغفر الله لي و لكم، و لكل مومن و مؤمنة، و مسلم و مسلمة.

فقالا: اشهد ان عثمان قتل مظلوما، فقال لهما لا اقول انه قتل مظلوما ،و لا انه قتل ظالما، قالا: فمن لم يزعم ان عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء، ثم قاما فانصرفا فقال على:

ص: 41

«إِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِى الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ».

ثم اقبل على على أصحابه فقال: لا يكن هؤلاء أولى بالجد في ضلالهممنكم بالجد في حقكم وطاعة ربكم.

785 - عنه قال ابو مخنف: حدثنى جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين، أن عائذ بن قيس الحزمرى واثب عدي بن حاتم في الراية بصفين - و كانت حزمر اكثر من بنى عدى رهط حاتم - فوثب عليهم عبد الله بن خليفه الطائي البولانى عند على فقال: يا بني حزمر، على عدى تتوثبون و هل فيكم مثل عدى او في آبائكم مثل ابى عدى أليس بحامى القربة و مانع الماء يوم روية؟

اليس بابن ذي المرباع و ابن جواد العرب؟ أليس بابن المنهب ماله . مانع جاره؟ اليس من لم يغدر و لم يفجر، و لم يجهل و لم يبخل، و لم يمنن و لم يجين؟ هاتوا فى آبائكم مثل ابيه، او هاتوا فيكم مثله.

او ليس افضلكم في الاسلام او ليس وافدكم الى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) اليس براسكم يوم النخيلة و يوم القادسية و يوم المدائن ويوم جلولاء الوقيعة ويوم نهاوند و يوم تستر؟

فما لكم و له والله ما من قومكم احد يطلب مثل الذي تطلبون فقال له على بن ابى طالب حسبك يا بن خليفة ، هلم ايها القوم الى، و على بجماعة طيّئ، فاتوه جميعا، فقال على من كان راسكم في هذه المواطن؟ قالت له طيّئ: عدى فقال له ابن خليفه:

فسلهم يا امير المؤمنين، أليسوا راضين مسلمين لعدي الرياسة؟

ص: 42

ففعل، فقالوا نعم فقال لهم: عدى احقكم بالراية فسلموها له فقال على و ضجت بنو الحزمر : انى أراه راسكم قبل اليوم، و لا ارى قومه كلهم الا مسلمين له غيركم، فاتبع في ذلك الكثرة فأخذها عدى ،

فلما كان ازمان حجر بن عدى طلب عبد الله بن خليفة ليبعث به مع حجر - و كان من أصحابه - فسير الى الجبلين، و كان عدى قد مناه ان یرده و ان يطلب فيه، فطال عليه ذلك، فقال:

و تنسونني يوم الشريعة و القنا *** بصفين في اكتافهم قد تكسرا

جزى ربه عنى عدي بن حاتم *** برفضی و خذلاني جزاء موفرا

ا تنسى بلائي سادرا يا بن حاتم *** عشية ما اغنت عديك حزمرا

فدافعت عنك القوم حتى تخاذلوا *** و كنت انا الخصم الألد العذورا

فولوا و ما قاموا مقامى كأنما *** راونى ليثا بالاباءة مخدرا

نصرتك إذ خام القريب وأبعط البعيد *** و قد افردت نصرا موزرا

فكان جزائي ان اجرد بينكم *** سجينا و ان أولى الهوان و اوسرا

و كم عدة لي منك انك راجعي *** فلم تغن بالميعاد عنى حبترا

786 - عنه قال: و مكث الناس حتى إذا دنا انسلاخ المحرم أمر على مرثد بن الحارث الجشمى فنادى أهل الشام عند غروب الشمس: الا ان أمير المؤمنين يقول لكم : انى قد استدمتكم لتراجعوا الحق و تنيبوا إليه، و احتججت عليكم بكتاب الله عز وجل، فدعوتكم إليه، فلم تناهوا عن طغيان، و لم تجيبوا الى حق، و انى قد نبذت إليكم على سواء ان الله لا يحب

الخائنين.

ففزع أهل الشام الى أمرائهم و رؤسائهم، و خرج معاوية و عمرو بن العاص في الناس يكتبان الكتائب و يعبيان الناس، و أوقدوا النيران، و بات

ص: 43

على ليلته كلها يعبي الناس ويكتب الكتائب، ويدور في الناس يحرضهم.

787 - عنه قال ابو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي، عن ابيه ان عليا كان يأمرنا في كل موطن لقينا فيه معه عدوا فيقول: لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم، فأنتم بحمد الله عز و جل على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤكم حجة اخرى لكم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، و لا تجهزوا على جريح و لا تكشفوا عورة، و لا تمثلوا بقتيل.

فإذا وصلتم الى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا الا باذن، و لا تأخذوا شيئا من أموالهم الا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى، و ان شتمن اعراضكم و سبين أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضعاف القوى و الأنفس.

788- عنه قال ابو مخنف: و حدثنى اسماعيل بن يزيد عن ابي صادق عن الحضرمي، قال: سمعت عليا يحرض الناس في ثلاثة مواطن يحرض الناس يوم صفين و يوم الجمل، ويوم النهر ، يقول: عباد الله اتقوا الله و غضوا الابصار و اخفضوا الأصوات، و أقلوا الكلام .

و وطنوا انفسكم على المنازلة و المجاولة والمبارزة و المناضلة و المجالدة و المعانقة و المكادمة و الملازمة، فاثبتوا و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا ان الله مع الصابرين اللهم الهمهم الصبر ، و انزل عليهم النصر، واعظم لهم الاجر.

فاصبح على من الغد، فبعث على الميمنة و الميسرة و الرجالة و الخيل قال ابو مخنف: فحدثني فضيل بن خديج الكندى ان عليا بعث على خيل أهل الكوفة الاشتر، و على خيل أهل البصرة سهل بن حنيف، و على رجالة أهل الكوفة عمار بن ياسر ،و على رجالة أهل البصرة قيس بن سعد

ص: 44

و هاشم ابن عتبة ومعه رايته ،و مسعر بن فدكي التميمي على قراء أهل البصرة، وصار أهل الكوفة الى عبد الله بن بديل و عمار بن ياسر.

789 - عنه قال ابو مخنف: وحدثني عبد الله بن يزيد بن جابر الأزدي، عن القاسم مولى يزيد بن معاوية، أن معاوية بعث على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميرى، و على ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري، و على مقدمته يوم اقبل من دمشق أبا الأعور السلمي - وكان على خيل أهل دمشق - و عمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها،

و مسلم بن عقبة المري على رجالة أهل دمشق، و الضحاك بن قيس على رجالة الناس كلها و بايع رجال من أهل الشام على الموت، فعقلوا انفسهم بالعمائم فكان المعقلون خمسة صفوف، وكانوا يخرجون و يصفون عشرة صفوف و خرج أهل العراق احد عشر صفا فخرجوا أول يوم من صفين فاقتتلوا.

و على من خرج يومئذ من أهل الكوفه الاشتر و على أهل الشام حبيب بن مسلمة، وذلك يوم الأربعاء، فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار، ثم تراجعوا و قد انتصف بعضهم من بعض، ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عددها و عدتها، و خرج إليه ابو الأعور ، فاقتتلوا يو يومهم ذلك، يحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال،

ثم انصرفوا و قد كان القوم صبر بعضهم لبعض و خرج اليوم الثالث عمار بن ياسر و خرج إليه عمرو بن العاص، فاقتتل الناس كأشد القتال، و أخذ عمار يقول: يا أهل العراق، أتريدون ان تنظروا الى من عادى الله و رسوله و جاهد،هما و بغى على المسلمين، وظاهر المشركين ،

فلما راى الله عز و جل يعز دينه و يظهر رسوله اتى النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم)

ص: 45

،فاسلم و هو فيما نرى راهب غير راغب، ثم قبض الله عز و جل رسوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فو الله ان زال بعده معروفا بعداوة المسلم و هوادة المجرم فاثبتوا له و قاتلوه فانه يطفئ نور الله، و يظاهر أعداء الله عز وجل.

فكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل، فأمره ان يحمل في الخيل، فحمل، و قاتله الناس و صبروا له، و شد عمار في الرجال، فأزال الرجال، فأزال عمرو بن العاص عن موقفه و بارز يومئذ زياد بن النضر أخا له لامه يقال له عمرو بن معاوية بن المنتفق بن عامر بن عقيل - وكانت أمهما أمرأة من بني يزيد - فلما التقيا تعارفا ،فتواقفا، ثم انصرف كل واحد منهما عن صاحبه و تراجع الناس.

فلما كان من الغد خرج محمد بن على و عبيد الله بن عمر بن عمر في جمعين عظيمين، فاقتتلوا كأشد القتال ثم ان عبيد الله بن عمر ارسل الى ابن الحنفية: ان اخرج الى فقال: نعم، ثم خرج يمشى فبصر به امير المؤمنين فقال: من هذان المتبارزان؟ فقيل: ابن الحنفية وعبيد الله بن عمر، فحرك دابته ثم نادى محمدا ،

فوقف له، فقال: امسك دابتي فأمسكها، ثم مشى إليه على فقال: ابرز لك، هلم الى فقال: ليست لي في مبارزتك حاجة، فقال: بلى، فقال: لا، فرجع ابن عمر فاخذ ابن الحنفية يقول لأبيه: يا أبت لم منعتني من مبارزته؟ فو الله لو تركتني لرجوت ان اقتله،

فقال: لو بارزته لرجوت ان تقتله و ما كنت آمن ان يقتلك، فقال يا أبت او تبرز لهذا الفاسق و الله لو أبوه سالك المبارزه لرغبت بك عنه، فقال على: يا بنى لا تقل في ابيه الا خيرا ثم ان الناس تحاجزوا و تراجعوا .

790 - عنه قال: فلما كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن عباس و

ص: 46

الوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا، و دنا ابن عباس من الوليد بن عقبة ،فاخذ الوليد يسب بني عبد المطلب، و أخذ يقول: يا بن عباس، قطعتم أرحامكم، وقتلتم امامكم فكيف رايتم الله صنع بكم؟ لم تعطوا ما طلبتم و لم تدركوا ما أملتم و الله إن شاء مهلككم و ناصر عليكم فأرسل إليه ابن عباس ان ابرز لي فأبى و قاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا، و غشى الناس بنفسه.

ثم خرج قيس بن سعد الأنصاري و ابن ذي الكلاع الحميرى فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انصرفا و ذلك في اليوم السادس.

ثم خرج الاشتر و عاد إليه حبيب بن مسلمة اليوم السابع، فاقتتلا قتالا شديدا، ثم انصرفا عند الظهر، و كل غير غالب، و ذلك يوم الثلاثاء.

791 - عنه قال ابو مخنف: حدثني مالك بن اعين الجهني عن زيد بن وهب، ان عليا قال: حتى متى لا تناهض هؤلاء القوم بأجمعنا فقام في الناس عشية الثلاثاء، ليلة الأربعاء بعد العصر، فقال: الحمد لله الذى لا يبرم ما ،نقض و ما ابرم لا ينقضه الناقضون ،

لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه و لا تنازعت الأمة في شيء من ،امره، و لا جحد المفضول ذا الفضل فضله، و قد ساقتنا و هؤلاء القوم الأقدار، فلفت بيننا في هذا المكان، فنحن من ربنا بمرای و مسمع فلو شاء عجل النقمة، و كان منه التغيير حتى يكذب الله الظالم و يعلم الحق اين ،مصيره و لكنه جعل الدنيا دار الاعمال و جعل الآخرة عنده هي دار القرار،

ليجزى الذين أساءوا بما عملوا و يجزى الذين أحسنوا بالحسنى الا انكم لاقو القوم غدا، فأطيلوا الليلة القيام ،و أكثروا تلاوة القرآن، و سلوا

ص: 47

عز و جل النصر و الصبر و القوهم بالجد و الحزم، وكونوا صادقين ثم انصرف ، و وثب الناس الى سيوفهم و رماحهم و نباهم يصلحونها، و مر بهم كعب بن جعيل التغلبي و هو يقول:

اصبحت الأمة في أمر عجب *** و الملك مجموع غدا لمن غلب

فقلت قولا صادقا غير كذب *** ان غدا تهلك اعلام العرب.

792 - عنه قال : فلما كان من الليل خرج على فعبى الناس ليلته كلها، حتى إذا اصبح زحف بالناس و خرج إليه معاوية فى أهل الشام فاخذ على يقول :

من هذه القبيلة؟ و من هذه القبيلة؟ فنسبت له قبائل أهل الشام حتى إذا عرفهم و رای مراکز هم قال للازد اكفوني الأزد، و قال لختعم: اكفوني ختعم و أمر كل قبيلة من أهل العراق ان تكفيه أختها من أهل الشام الا ان تكون قبيلة ليس منها بالشام احد فيصرفها الى قبيلة اخرى تكون بالشام، ليس منهم بالعراق ،واحد مثل بجيلة لم يكن منهم بالشام الا عدد قليل، فصر فهم الى لخم.

ثم تناهض الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا نهارهم كله ثم انصرفوا عند المساء وكل غير غالب، حتى إذا كان غداه الخميس صلى على بغلس ،

793 - عنه قال ابو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي، عن ،ابيه قال ما رايت عليا غلس بالصلاة أشد من تغليسه يومئذ، ثم خرج بالناس الى أهل الشام فزحف إليهم، فكان يبدوهم فيسير إليهم، فإذا راوه قد زحف اليهم استقبلوه بوجوههم.

794 - عنه قال ابو مخنف: حدثني مالك بن اعين، عن زيد بن وهب

ص: 48

الجهني، ان عليا خرج إليهم غداة الأربعاء فاستقبلهم فقال: اللهم رب السقف المرفوع، المحفوظ المكفوف، الذى جعلته مغيضا لليل و النهار ، و جعلت فيه مجرى الشمس و القمر و منازل النجوم، و جعلت سكانه سبطا من الملائكة، لا يسأمون العباده ،

و رب هذه الارض التى جعلتها قرارا للأنام، والهوام و الانعام، و ما لا يحصى مما لا يرى و مما يرى من خلقك العظيم و رب الفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس و رب السحاب المسخر بين السماء و الارض و رب البحر المسجور المحيط بالعالم ،

و رب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا، و للخلق متاعا، ان أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق و ان أظهرتهم علينا فارزقني الشهاده، و أعصم بقية أصحابي من الفتنة.

قال: و از دلف الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا كأشد القتال يومهم حتى الليل، لا ينصرف بعضهم عن بعض الا للصلاة، و كثرت القتلى بينهم و تحاجزوا عند الليل وكل غير غالب فأصبحوا من الغد، فصلى بهم على غداة الخميس، فغلس بالصلاة أشد التغليس، ثم بدا أهل الشام بالخروج، فلما راوه قد أقبل إليهم خرجوا إليه بوجوههم و على ميمنته عبد الله بن

بدیل،

و على ميسرته عبد الله بن عباس، و قراء أهل العراق مع ثلاثة نفر : مع عمار ابن ياسر و مع قيس بن سعد، و مع عبد الله بن بديل و الناس على راياتهم و مراكزهم و على في القلب في أهل المدينة بين أهل الكوفه و أهل البصرة، وعظم من معه من أهل المدينة الانصار، و معه من خزاعة عدد حسن، و من کنانه و غيرهم من أهل المدينة.

ص: 49

ثم زحف إليهم بالناس و رفع معاوية قبة عظيمة قد القى عليها الكرابيس و بايعه عظم الناس من أهل الشام على الموت، و بعث خيل أهل دمشق فاحتاطت بقبته و زحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن ،مسلمة، فلم يزل يحوزه و يكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم الى قبة معاوية عند الظهر.

795- عنه قال ابو مخنف: حدثني مالك بن اعين، عن زيد بن وهب الجهني، ان ابن بديل قام في أصحابه فقال: الا ان معاوية ادعى ما ليس اهله و نازع هذا الأمر من ليس مثله و جادل بالباطل ليدحض به الحق وصال عليكم بالاعراب و الأحزاب قد زين لهم الضلالة، و زرع في قلوبهم حب الفتنة، و لبس عليهم الأمر و زادهم رجسا الى رجسهم و أنتم على نور من ربكم، و برهان مبین ،

فقاتلوا الطغاة الجفاة، ولا تخشوهم فكيف تخشونهم و في ايديكم كتاب الله عز و جل طاهرا مبرورا: «أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ اَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنينَ».

و قد قاتلناهم مع النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) مرة ، و هذه ثانية، و الله ما هم في هذه باتق و لا ازکی و لا ارشد ، قوموا الى عدوكم بارك الله عليكم فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه.

796 - عنه قال ابو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن ابى عمرة الأنصاري، عن ابيه و مولى له ان عليا (علیه السّلام)حرض الناس يوم صفين، فقال:

ان الله عز و جل قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تشفى بكم على الخير: الايمان بالله عز و جل و برسوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، و الجهاد في سبيل

ص: 50

الله تعالى ذكره و جعل ثوابه مغفرة الذنب و مساكن طيبة في جنات عدن ثم اخبركم انه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ،

فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص و قدموا الدارع، و أخروا الحاسر، وعضوا على الاضراس، فانه انبي للسيوف عن الهام والتووا في اطراف الرماح، فانه اصون للأسنة و غضوا الابصار فانه اربط للجاش، و اسكن للقلوب، و أميتوا الأصوات فانه اطرد للفشل، و أولى بالوقار راياتكم فلا تميلوها و لا تزيلوها و لا تجعلوها الا بأيدي شجعانكم ،

فان المانع للذمار، والصابر عند نزول الحقائق، هم أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم و يكتفونها، يضربون حفافيها خلفها و امامها، ولا يضعونها أجزأ أمرؤ وقذ قرنه - رحمكم الله - و آسى أخاه بنفسه، و لم يكل قرنه الى أخيه، فيكسب بذلك لائمة، و ياتى به دناءة و اني لا يكون هذا هكذا و هذا يقاتل اثنين و هذا ممسك بيده يدخل قرنه على أخيه هاربا منه، أو قائما ينظر إليه.

من يفعل هذا يمقته الله عز وجل، فلا تعرضوا لمقت الله سبحانه فإنما مردكم الى الله، قال الله عز من قائل لقوم: «لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَليلاً».

و ايم الله لئن سلمتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة و استعينوا بالصدق و الصبر، فان بعد الصبر ينزل الله النصر.

797 - عنه قال أبو مخنف: حدثني ابو روق الهمداني، ان يزيد بن قيس الارحبى حرض الناس فقال: ان المسلم السليم من سلم دينه و رايه ،و ان هؤلاء القوم و الله ان يقاتلوننا على اقامة دين رأونا ضيعناه، و احياء حق رأونا امتناه، و ان يقاتلوننا الا على هذه الدنيا ليكونوا جبابره فيها ملوكا ،

ص: 51

فلو ظهروا عليكم - لا اراهم الله ظهورا و لا سرورا -لزموكم بمثل سعيد و الوليد و عبد الله بن عامر السفيه الضال، يخبر احدهم في مجلسه بمثل ديته و دية ابيه وجده يقول: هذا لي و لا اثم على، كأنما اعطى تراثه عن ابيه و أمه، و انما هو مال الله عز و جل، افاءه علينا بأسيافنا و ارماحنا، فقاتلوا عباد الله القوم الظالمين الحاكمين بغير ما انزل الله، ولا يأخذكم في جهادهم لوم لائم، فإنهم ان يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دینکم و ،دنیاکم و هم من قد عرفتم و خبرتم، و ايم الله ما ازدادوا الى يومهم هذا الا شرا.

و قاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة قتالا شديدا حتى انتهى الى قبة معاوية ثم ان الذين تبايعوا على الموت أقبلوا الى معاوية، فأمرهم ان يصمدوا لابن بديل في الميمنة ،و بعث الى حبيب بن مسلمة في الميسرة، فحمل بهم و بمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم، و انكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتى لم يبق منهم الا ابن بديل في مائتين او ثلاثمائة من القراء، قد اسند بعضهم ظهره الى بعض، و انجفل الناس،

فامر على سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة، فاستقبلتهم جموع لأهل الشام عظيمة، فاحتملتهم حتى الحقتهم بالميمنة، و كان في الميمنة الى موقف على في القلب أهل اليمن فلما كشفوا انتهت الهزيمة الى على (علیه السّلام) ، فانصرف يتمشى نحو الميسرة، فانكشفت عنه مضر من الميسرة ،و ثبتت ربيعة.

798 - عنه قال ابو مخنف: حدثني مالك بن اعين الجهني،عن زيد بن وهب الجهني،قال مر على معه بنوه نحو الميسرة، و معه ربيعة وحدها، و انى لأرى النبل يمر بين عاتقه و منكبه ،و ما من بنيه احد الا يقيه بنفسه،

ص: 52

فيكره على ذلك، فيتقدم عليه، فيحول بين أهل الشام و بينه، فيأخذه بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه او من ورائه،

فبصر به احمر - مولی ابی سفیان او عثمان او بعض بني امية - فقال على ورب الكعبة قتلني الله ان لم اقتلك او تقتلني فاقبل نحوه، فخرج إليه کیسان مولى على فاختلفا ضربتين فقتله مولى بني امية و ينتهزه على ،فيقع بيده في جيب درعه، فيجبذه،

ثم حمله على عاتقه، فكأني انظر الى رجيلتيه، تختلفان على عنق على، ثم ضرب به الارض فكسر منكبه و عضدیه و شد ابنا على عليه حسين و محمد، فضرباه بأسيافها، حتى برد، فكأني انظر الى على قائما و الى شبليه يضربان الرجل، حتى إذا قتلاه و اقبلا الى أبيهما، و الحسن قائما قال له:

يا بني، ما منعك ان تفعل كما فعل اخواك؟ قال: کفیانی یا امیر المؤمنين ثم ان أهل الشام دنوا منه و و الله ما يزيده قربهم منه سرعة في ،مشيه فقال له :الحسن ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي الى هؤلاء الذين قد صبروا لعدوك من أصحابك ؟

فقال: يا بنى ان لأبيك يوما لن يعدوه و لا يبطئ به عند السعى، ولا يعجل به إليه المشى، ان اباك والله ما يبالى اوقع على الموت، او وقع الموت عليه .

799 - عنه قال ابو مخنف: حدثنى فضيل بن خديج الكندى، عن مولى للأشتر، قال: لما انهزمت ميمنة العراق و اقبل على نحو الميسرة مر به الاشتر يركض نحو الفزع قبل الميمنة فقال له على يا مالك، قال: لبيك. قال: ائت هؤلاء القوم فقل هم این فراركم من الموت الذي لن تعجزوه، الى الحياة التي لن تبقى لكم فمضى فاستقبل الناس منهزمين،

ص: 53

فقال لهم هذه الكلمات التي قالها له على وقال الى ايها الناس انا مالك بن الحارث، انا مالك بن الحارث ، ثم ظن انه بالأشتر اعرف في الناس، فقال انا الاشتر الى ايها الناس فاقبلت إليه طائفه، و ذهبت عنه طائفه، فنادى: ايها الناس، عضضتم بهن آبائكم ما اقبح ما قاتلتم منذ اليوم ايها الناس أخلصوا الى مذحجا، فاقبلت إليه مذحج ،

فقال: عضضتم بصم الجندل ما ارضيتم ربكم، ولا نصحتم له في عدوكم، وكيف بذلك و أنتم أبناء الحروب، و أصحاب الغارات، و فتيان الصباح و فرسان الطراد و حتوف ،الاقران و مذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون بثارهم و لا تطل دماؤهم، ولا يعرفون في موطن بخسف و أنتم حد أهل مصركم واعد حي في قومكم، و ما تفعلوا في هذا اليوم،

فانه ماثور بعد اليوم، فاتقوا ماثور الأحاديث في غد، و اصدقوا عدوكم اللقاء فان الله مع الصادقين و الذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء -و اشار بيده الى أهل الشام - رجل على مثال جناح بعوضة من محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنتم ما احسنتم القراع اجلوا سواد وجهى يرجع في وجهى دمى. عليكم بهذا السواد الأعظم، فان الله عز و جل لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السيل مقدمه.

قالوا:خذ بنا حيث احببت و صمد نحو عظمهم فيما يلى الميمنة، فاخذ يزحف إليهم، ويردهم، ويستقبله شباب من همدان - وكانوا ثمانمائة مقاتل يومئذ - و قد انهزموا آخر الناس وكانوا قد صبروا في الميمنة حتى اصيب منهم ثمانون و مائه ،رجل وقتل منهم احد عشر رئيسا كلما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر ،

فكان الاول كريب بن شريح ثم شرحبيل ابن شريح ثم مرثد بن

ص: 54

شريح، ثم هبيرة بن شريح، ثم يريم بن شريح ثم سمير بن شريح، فقتل هؤلاء الإخوة السنه جميعا ثم أخذ الراية سفيان ابن زيد، ثم عبد بن زيد ثم كريب بن زيد فقتل هؤلاء الإخوة الثلاثة جميعا، ثم أخذ الراية عميرة بن بشير، ثم الحارث بن بشير، فقتلا ،

ثم أخذ الراية وهب بن كريب أخو القلوص، فاراد ان يستقبل، فقال له رجل من قومه انصرف بهذه الراية - رحمك الله - فقد قتل اشراف قومك حولها، فلا تقتل نفسك و لا من بقى من قومك، فانصرفوا و هم يقولون: ليت لنا عدتنا من العرب يحالفوننا على الموت ثم نستقدم نحن و هم فلا ننصرف حتى نقتل او نظفر .

فمروا بالأشتر و هم يقولون هذا القول، فقال لهم الاشتر: الى انا احالفكم وأعاقدكم على الا نرجع ابدا حتى نظفر او نهلك فاتوه فوقفوا معه، ففي هذا القول قال كعب بن جعيل التغلبي:

و همدان رزق تبتغى من تحالف

و زحف الاشتر نحو الميمنة، و ثاب إليه ناس تراجعوا من أهل الصبر و الحياء و الوفاء، فاخذ لا يصمد لكتيبة الاكشفها، و لا لجمع الا حازه و رده ،فانه لكذلك إذا مر بزياد بن النضر يحمل الى العسكر، فقال:من هذا؟ فقيل: زیاد بن النضر استلحم عبد الله بن بديل و أصحابه في الميمنة.

فتقدم زیاد فرفع لأهل الميمنة رايته، فصبروا، و قاتل حتى صرع، ثم لم يمكثوا الا كلا شيء حتى مر بيزيد بن قيس الارحبي محمولا نحو العسكر، فقال الاشتر: من هذا؟ فقالوا: يزيد بن قيس لما صرع زياد ابن النضر رفع لأهل الميمنة رايته.

فقاتل حتى صرع، فقال الاشتر: هذا و الله الصبر الجميل، و الفعل

ص: 55

الكريم، ألا يستحى الرجل ان ينصرف لا يقتل و لا يقتل، او يشفى به على القتل.

800 - عنه قال ابو مخنف: حدثني ابو جناب الكلبي عن الحر بن الصياح النخعى أن الاشتر يومئذ كان يقاتل على فرس له في يده صفيحة يمانية، إذا طاطاها خلت فيها ماء منصبا ، و إذا رفعها كاد يغشى البصر شعاعها، وجعل يضرب بسيفه و يقول:

الغمرات ثم ينجلينا

قال: فبصر به الحارث بن جمهان الجعفى و الاشتر متقنع في الحديد، فلم يعرفه، فدنا منه فقال له: جزاك الله خيرا منذ اليوم عن امير المؤمنين، و جماعة المسلمين فعرفه الاشتر، فقال يا بن ،جمهان مثلك يتخلف عن مثل طني هذا الذى انا فيه فنظر إليه ابن جمهان فعرفه فكان من اعظم الرجال واطوله - وكان في لحيته خفة - قليلة -

فقال: جعلت فداك لا والله ما علمت بمكانك الا الساعة، ولا افارقك حتى اموت قال:

و رآه منقذ و حمير ابنا قيس الناعطيان، فقال منقذ لحمير ما في العرب مثل هذا ان كان ما ارى من قتاله على نيته فقال له حمير و هل النية الا ما تراه يصنع قال انى اخاف ان يكون يحاول ملكا.

801 - عنه قال ابو مخنف: حدثنى فضيل بن خديج،عن مولى للأشتر:، انه لما اجتمع إليه عظم من كان انهزم عن الميمنة حرضهم، ثم قال عضوا على النواجذ من الاضراس و استقبلوا القوم بهامكم و شدوا شدة قوم موتورين ثارا بابائهم وإخوانهم حناقا على عدوهم، قد وطنوا على الموت انفسهم كيلا يسبقوا ،بوتر، و لا يلحقوا في الدنيا عارا

ص: 56

و ايم الله ما و تر قوم قط بشيء أشد عليهم من ان يوتروا دينهم، وأن هؤلاء القوم لا يقاتلونكم الا عن دينكم ليميتوا السنة، و يحيوا البدعة، و يعيدوكم في ضلالة قد اخرجكم الله عز و جل منها بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله أنفسا بدمائكم دون دينكم، فان ثوابكم على الله، و الله عنده جنات النعيم و ان الفرار من الزحف فيه السلب للعز و الغلبة على الفيء، و ذل المحيا و الممات و عار الدنيا والآخرة.

و حمل عليهم حتى كشفهم، فالحقهم بصفوف معاوية بين صلاة العصر و المغرب، و انتهى الى عبد الله بن بديل و هو في عصبة من القراء بين المائتين و الثلثمائة، وقد لصقوا بالأرض كأنهم جثا فكشف عنهم أهل الشام ،فابصروا إخوانهم قد دنوا منهم فقالوا: ما فعل امير المؤمنين؟ قالوا: حي صالح في الميسرة، يقاتل الناس امامه ،

فقالوا: الحمد الله، قد كنا ظننا ان قد هلك و هلكتم و قال عبد بديل لأصحابه : استقدموا بنا فأرسل الاشتر إليه: الا تفعل، اثبت مع الناس فقاتل، فانه خير لهم وابقى لك و لأصحابك فأبى، فمضى كما هو نحو معاوية، و حوله كأمثال الجبال، و في يده سيفان، و قد خرج فهو امام أصحابه،

فاخذ كلما دنا منه رجل ضربه فقتله حتى قتل سبعة و دنا من معاوية فنهض إليه الناس من كل جانب، و احيط به و بطائفة من أصحابه فقاتل حتى قتل و قتل ناس من أصحابه و رجعت طائفة قد جرحوا منهزمين، فبعث الاشتر ابن جمهان الجعفى فحمل على أهل الشام الذين يتبعون من نجا من أصحاب ابن بديل حتى نفسوا عنهم، و انتهوا الى الاشتر،

فقال لهم: ألم يكن رأيي لكم خيرا من رأيكم لأنفسكم ألم آمر كم ان

ص: 57

تثبتوا مع الناس وكان معاوية قال لابن بديل و هو يضرب قدما: أترونه كبش القوم فلما قتل ارسل إليه فقال: انظروا من هو ؟ فنظر إليه ناس من أهل الشام فقالوا: لا نعرفه، فاقبل إليه حتى وقف عليه، فقال: بلى، هذا عبد الله بن بديل و الله لو استطاعت نساء خزاعة ان تقاتلنا فضلا على رجالها لفعلت ،مدوه، فمدوه، فقال: هذا والله كما قال الشاعر:

أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها *** و ان شمرت يوما به الحرب شمرا

و البيت لحاتم طيّئ و ان الاشتر زحف إليهم فاستقبله معاوية بعك و الاشعرين فقال الاشتر لمذحج اكفونا عكا، و وقف في همدان و قال لكندة: اكفونا الاشعرين فاقتتلوا قتالا شديدا، و أخذ يخرج الى قومه فيقول: انما هم عك، فاحملوا عليهم، فيجئون على الركب و يرتجزون:

يا ويل أم مذحج من عك *** هاتيك أم مذحج تبكي

فقاتلوهم حتى المساء ثم انه قاتلهم في همدان و ناس من طوائف الناس، فحمل عليهم فازالهم عن مواقفهم حتى الحقهم بالصفوف الخمسة المعقلة بالعمائم حول معاوية، ثم شد عليهم شدة اخرى فصرع الصفوف الأربعة، و كانوا معقلين بالعمائم -

حتى انتهوا الى الخامس الذى حول معاوية و دعا معاوية بفرس فركب و كان يقول : اردت ان انهزم فذكرت قول ابن الأطنابة من الانصار - كان جاهليا، والأطنابة أمراه من بلقين:

أبت لي عفتي و حياء نفسي *** و اقدامي على البطل المشيح

و اعطائى على المكروه مالي *** و أخذي الحمد بالثمن الربيح

و قولي كلما جشأت و جاشت*** مكانك تحمدي او تستريحي

ص: 58

فمنعني هذا القول من الفرار .

802 - عنه قال ابو مخنف: حدثني مالك بن اعين الجهني عن زيد بن وهب ان علیا لما رای میمنته قد عادت الى مواقعها و مصافها و كشفت من بإزائها من عدوها حتى ضاربوهم في مواقفهم و مراكزهم اقبل حتى انتهى اليهم فقال: انى قد رايت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الطغاة الجفاة و اعراب أهل الشام ،

و أنتم لهاميم العرب و السنام الأعظم، وعمار الليل بتلاوة القرآن و أهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون، فلو لا إقبالكم بعد ادباركم و كركم بعد انحيازكم، وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره، و كنتم من الهالكين، ولكن هون و جدي و شفى بعض احاح نفسي اني رايتكم باخره حزتموهم كما حازوكم و أزلتموهم عن مصافهم كما ازالوكم،

تحسونهم بالسيوف تركب اولاهم أخراهم كالإبل المطردة الهيم فالان فاصبروا، نزلت عليكم السكينة وثبتكم الله عز وجل باليقين ليعلم المنهزم انه مسخط ،ربه و موبق نفسه ان في الفرار موجدة الله عز و جل عليه، و الذل اللازم و العار الباقى و اعتصار الفيء من يده، وفساد العيش عليه .

و ان الفار منه لا يزيد في عمره، و لا يرضي ربه، فموت المرء محقا قبل اتيان هذه الخصال، خير من الرضا بالتانيس لها و الاقرار عليها.

803 - عنه قال ابو مخنف:حدثنا عبد السلام بن عبد الله بن جابر الأحمسي، ان راية بجيلة بصفين كانت في احمس بن الغوث بن انمار مع ابى شداد و هو قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن جابر بن على ابن اسلم بن احمس بن الغوث و قالت له بجيله خذ رايتنا، فقال:

ص: 59

غيرى خير لكم منى، قالوا: ما نريد غيرك ،

قال: والله لئن أعطيتمونيها لا انتهى بكم دون صاحب الترس المذهب قالوا: اصنع ما شئت فأخذها ثم زحف، حتى انتهى بهم الى صاحب الترس المذهب - وكان في جماعة عظيمة من أصحاب معاوية، و ذكروا انه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي - فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا ،

فشد بسيفه نحو صاحب الترس، فتعرض له ،رومي، مولى لمعاوية فيضرب قدم ابى شداد فيقطعها و يضربه ابو شداد فيقتله، و أشرعت إليه الأسنة فقتل و أخذ الراية عبد الله ابن قلع الأحمسي و هو يقول:

لا یبعد الله أبا شداد *** حيث أجاب دعوه المنادى

و شد بالسيف على الأعادي *** نعم الفتى كان لدى الطراد

و في طعان الرجل و الجلاد

فقاتل حتى قتل، فاخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع، فقاتل حتى قتل، ثم أخذها عفيف بن اياس فلم تزل في يده حتى تحاجز الناس، وقتل حازم بن ابی حازم الأحمسي - أخو قيس بن ابی حازم - يومئذ، و قتل نعيم بن صهيب بن العلية البجلي ،يومئذ فاتى ابن عمه و سمیه نعيم بن الحارث ابن العلية معاوية - وكان معه -

فقال: ان هذا القتيل ابن عمى فهبه لي ادفنه، فقال: لا تدفنه فليس لذلك أهلا والله ما قدرنا على دفن ابن عفان الاسرا قال: والله لتاذنن في دفنه او لألحقن بهم و لادعنك .

قال معاوية: أترى اشياخ العرب قد احالتهم أمورهم، فأنت تسألني فى دفن ابن عمك ادفنه ان شئت او دع فدفنه.

ص: 60

804 - عنه قال ابو مخنف:حدثني الحارث بن حصيرة الأزدي، عن اشياخ من النمر من الأزد، ان مخنف بن سليم لما ندبت الأزد للازد، حمد الله و اثنى عليه ثم قال: ان من الخطا الجليل، والبلاء العظيم انا صرفنا الى قومنا وصرفوا إلينا، و الله ما هي الا أيدينا نقطعها بأيدينا، و ما هي الا اجنحتنا نجدها بأسيافنا، فان نحن لم نؤاس جماعتنا، و لم تناصح صاحبنا كفرنا، وان نحن فعلنا فعزنا أبحنا، و نارنا اخمدنا،

فقال له جندب بن زهير: و الله لو كنا آباءهم و ولدناهم - او كنا ابناءهم و ولدونا - ثم خرجوا من جماعتنا و طعنوا على امامنا و إذا هم الحاكمون بالجور على أهل ملتنا و ذمتنا ما افترقنا بعد ان اجتمعنا حتى يرجعوا عما هم عليه و يدخلوا فيما ندعوهم إليه، او تكثر القتلى بيننا و بينهم .

فقال له مخنف- و كان ابن خالته أعز الله بك النية، و الله ما علمت صغيرا و كبيرا الا مشئوما والله ما ميلنا الرأي قط أيهما ناتى او أيهما ندع - في الجاهلية و لا بعد ان أسلمنا - الا اخترت أعسرهما و انكدهما، اللهم ان تعافى أحب إلينا من ان تبتلى، فأعط كل أمرئ منا ما يسألك.

و قال ابو بريدة بن عوف: اللهم احكم بيننا بما هو ارضى لك يا قوم انكم تبصرون ما يصنع الناس و ان لنا الأسوة بما عليه الجماعة ان كنا على حق و ان يكونوا صادقين فان أسوة في الشر - و الله ما علمنا - ضرر في المحيا و الممات .

و تقدم جندب بن زهير، فبارز راس ازد الشام فقتله الشامي، وقتل من رهطه عجل و سعد ابنا عبد الله من بني ثعلبة، و قتل مع مخنف من رهطه عبد الله و خالد ابنا ،ناجد و عمرو و عامر ابنا عويف ، و عبد الله بن

ص: 61

الحجاج و جندب بن زهير و ابو زينب بن عوف بن الحارث، و خرج عبد الله بن ابى الحصين الأزدي في القراء الذين مع عمار بن الحارث، و خرج عبد الله بن ابى الحصين الأزدي في القراء الذين مع عمار بن ياسر فاصيب معه.

قال ابو مخنف:وحدثني الحارث بن حصيرة، عن أشياخ النمر، أن عقبة بن حديد النمرى قال يوم صفين الا ان مرعى الدنيا قد اصبح هشيما، و اصبح شجرها خضيدا، و جديدها سملا، وحلوها مر المذاق.

الا و انى أنبئكم نبا أمرئ صادق انى قد سئمت الدنيا و عزفت نفسي عنها، وقد كنت اتمنى الشهادة، و اتعرض لها في كل جيش و غارة ،

فأبى الله عز و جل الا ان يبلغني هذا اليوم الا و انى متعرض لها من ساعتي هذه ،قد طمعت الا أحرمها، فما تنتظرون عباد الله بجهاد من عادى الله ؟ خوفا من الموت القادم عليكم الذاهب بانفسكم لا محالة، أو من ضربة كف بالسيف تستبدلون الدنيا بالنظر في وجه الله عز و جل و موافقة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين في دار القرار ما هذا بالرأي السديد.

ثم مضى فقال يا اخوتى قد بعت هذه الدار بالتي امامها و هذا وجهى إليها لا يبرح وجوهكم، و لا يقطع الله عز و جل رجاءكم فتبعه اخوته عبيد الله و عوف و مالك وقالوا لا نطلب رزق الدنيا بعدك، فقبح الله العيش بعدك اللهم انا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا .

805 - عنه قال ابو مخنف: حدثنى صلة بن زهير النهدي، عن مسلم بن عبد الله الضبابي، قال: شهدت صفين مع الحى و معنا شمر بن ذي الجوشن الضبابي، فبارزه ادهم بن محرز ،الباهلى فضرب ادهم وجه شمر بالسيف، و

ص: 62

ضربه شمر ضربة لم تضرره، فرجع شمر الى رحله فشرب شربة - وكان قد ظمى - ثم أخذ الرمح، فاقبل و هو يقول:

انى زعيم لأخي باهلة *** بطعنه ان لم أصب عاجله

او ضربة تحت القنا و الوغى *** شبيهه بالقتل او قاتله

ثم حمل على ادهم فصرعه، ثم قال: هذه بتلك.

806 - عنه قال ابو مخنف: حدثني عمرو بن عمرو بن عوف بن مالك الجشمى ان بشر بن عصمة المزنى كان لحق بمعاوية، فلما اقتتل الناس بصفين بصر بشر بن عصمة بمالك بن العقدية - و هو مالك بن الجلاح الجشمى، و لكن العقدية غلبت عليه - فرآه بشر و هو يفرى في أهل الشام فريا عجيبا و كان رجلا مسلما شجاعا، فغاظ بشرا ما رای ،منه فحمل عليه فطعنه فصرعه، ثم انصرف فندم لطعنته اياه جبارا، فقال:

واني لأرجو و من مليكي تجاوزا *** ومن صاحب الموسوم في الصدر هاجس

دلفت له تحت الغبار بطعنة *** على ساعة فيها الطعان تخالس

فبلغت مقالته ابن العقدية فقال:

الا أبلغا بشر بن عصمة انني *** شغلت و الهانى الذين امارس

فصادفت منى غره و أصبتها *** كذلك و الابطال ماض و خالس

ثم حمل عبد الله بن الطفيل البكائى على جمع لأهل الشام، فلما انصرف حمل عليه رجل من بنى تميم - يقال له قيس بن قرة، ممن لحق بمعاوية من

ص: 63

أهل العراق - فيضع الرمح بين كتفي عبد الله بن الطفيل، و يعترضه يزيد ابن معاوية، ابن عم عبد الله بن الطفيل فيضع الرمح بين كتفي التميمي، فقال: والله لئن طعنته لاطعننك،

فقال: عليك عهد الله و ميثاقه لئن رفعت السنان على ظهر صاحبك لترفعن سنانك عنى فقال له : نعم لك بذلك عهد الله، فرفع السنان عن ابن الطفيل، ورفع يزيد السنان عن التميمي فقال ممن أنت؟ قال: من بني عامر فقال له: جعلني الله فداكم أينما الفكم الفكم كراما، و انى لحادى عشر رجلا من أهل بيتى و رهطى قتلتموهم اليوم و انا كنت آخرهم .

فلما رجع الناس الى الكوفة عتب على يزيد بن الطفيل في بعض ما يعتب فيه الرجل على ابن عمه فقال له:

الم ترني حاميت عنك مناصحا *** بصفين إذ خلاك كل حميم

و نهنهت عنك الحنظلى و قد اتى *** على سابح ذي ميعة و هزيم

807 -عنه قال ابو مخنف:حدثني فضيل بن خدیج قال: خرج رجل من أهل الشام يدعو الى المبارزة، فخرج إليه عبد الرحمن بن محرز الكندى، ثم الطمحى، فتجاولا ساعة ثم ان عبد الرحمن حمل على الشامي فطعنه في ثغره نحره فصرعه ثم نزل إليه فسلبه درعه و سلاحه، فإذا هو حبشي فقال :

انا لله لمن اخطرت نفسي لعبد اسود و خرج رجل من المبارزه، فخرج إليه قيس بن فهدان الكناني ثم البدني، فحمل عليه العكي فضربه و احتمله أصحابه فقال قيس بن فهدان:

لقد علمت عك بصفين اننا *** إذا التقت الخيلان نطعنها شزرا

و نحمل رايات الطعان بحقها *** فنوردها بيضا و نصدرها حمرا

ص: 64

808 - عنه قال ابو مخنف:و حدثنى فضيل بن خديج ان قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه فيقول: شدوا إذا شددتم جميعا، و إذا انصرفتم فاقبلوا معا، و غضوا الابصار ، و أقلوا اللفظ و اعتوروا الاقران، و لا يؤتين من قبلكم العرب .

قال: و قتل نهيك بن عزير - من بني الحارث بن عدی و عمرو بن يزيد من بنى ذهل، و سعيد بن عمرو - و خرج قيس بن يزيد و هو ممن فر الى معاوية من على فدعا الى المبارزة فخرج إليه اخوه ابو العمرطة بن یزید فتعارفا فتواقفا و انصرفا الى الناس فاخبر كل واحد منهما انه لقى أخاه.

809 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جویين الطائي، ان طيئا يوم صفين قاتلت قتالا شديدا، فعبيت لهم جموع كثيرة، فجاءهم حمزة بن مالك الهمداني، فقال: ممن أنتم الله أنتم فقال عبدالله ابن خليفة البولانى - وكان شيعيا شاعرا خطيبا نحن طيّئ السهل، وطيّئ الرمل، وطيّئ الجبل الممنوع ذي النخل ،

نحن حماة الجبلين الى ما بين العذيب و العين، نحن طيّئ الرماح، و طيئ النطاح و فرسان الصباح. فقال حمزة بن مالك: بخ بخ انك لحسن الثناء على قومك، فقال:

ان كنت لم تشعر بنجدة معشر *** فاقدم علينا ويب غيرك تشعر

ثم اقتتل الناس أشد القتال فاخذ يناديهم ويقول: يا معشر طيّئ، فدى لكم طارفى و تالدى قاتلوا على الاحساب و أخذ يقول:

انا الذى كنت إذا الداعي دعا *** مصمما بالسيف ندبا اروعا

فانزل المستلثم المقنعا *** و اقتل المبالط السميدعا

ص: 65

و قال بشر بن العسوس الطائي ثم الملقطى:

يا طيّئ السهول والاجبال *** الا انهدوا بالبيض و العوالى

و بالكماه منكم الابطال *** فقار عوا ائمة الجهال

السالكين سبل الضلال

ففقئت يومئذ عين ابن العسوس، فقال في ذلك:

الا ليت عيني هذه مثل هذه *** فلم امش في الأناس الا بقائد

و يا ليتنى لم ابق بعد مطرف *** و سعد و بعد المستنير بن خالد

فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم *** إذا الحرب ابدت عن خدام الخرائد

و يا ليت رجلي ثم طنت بنصفها *** و يا ليت كفى ثم طاحت بساعدي

810- عنه قال ابو مخنف:حدثني ابو الصلت التيمي قال حدثني اشياخ محارب انه كان منهم رجل يقال له خنثر بن عبيدة بن خالد، و كان من اشجع الناس، فلما اقتتل الناس يوم صفين، جعل يرى أصحابه منهزمين فاخذ ينادي :

يا معشر قيس، أطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الرحمن الفرار فيه معصية الله سبحانه و سخطه، و الصبر فيه طاعة الله عز وجل و ،رضوانه فتختارون سخط الله تعالى على ،رضوانه و معصيته على طاعته فإنما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبا لنفسه و قال:

لا والت نفس أمرى ولى الدبر *** انا الذي لا ينثني و لا يفر

و لا يرى مع المعازيل الغدر

فقاتل حتى ارتت: ثم انه خرج مع الخمسمائة الذين كانوا اعتزلوا مع فروة بن نوفل ،الاشجعي، فنزلوا بالدسكرة و البندنيجين، فقاتلت النخع يومئذ قتالا شديدا، فاصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة و حيان بن هوذة و

ص: 66

شعيب بن نعيم من بني بكر النخع، و ربيعة مالك بن وهبيل، و ابی بن قيس أخو علقمة بن قيس ،الفقيه و قطعت رجل علقمةيومئذ،

فكان يقول: ما أحب ان رجلي اصح ما كانت، و انها لما أرجو به حسن الثواب من ربي عز و جل و قال لقد كنت أحب ان ارى في نومى أخي او بعض إخواني فرايت أخي في النوم فقلت: يا أخي ما ذا قدمتم عليه؟

فقال لي: انا التقينا نحن و القوم، فاحتججنا عند الله عز و جل، فحججناهم، فما سررت منذ عقلت سروري بتلك الرؤيا.

811- عنه قال ابو مخنف:حدثني سويد بن حيه الأسدي، عن الحضين ابن المنذر ان أناسا كانوا أتوا عليا قبل الوقعة فقالوا له: انا لا نرى خالد بن المعمر الا قد كاتب معاوية، وقد خشينا أن يتابعه فبعث إليه على والى رجال من اشرافنا، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أما بعد يا معشر ربيعة،

فأنتم انصاری و مجيبو دعوتي و من اوثق حي في العرب في نفسي، و قد بلغنى ان معاوية قد كاتب صاحبكم خالد بن المعمر، و قد اتيت به، و جمعتكم لاشهدكم عليه و لتسمعوا أيضا ما اقوله ثم اقبل عليه فقال يا خالد بن ،المعمر ان كان ما بلغنى حقا فانى اشهد الله و من حضرني من المسلمين .

انك آمن حتى تلحق بأرض العراق او الحجاز او ارض لا سلطان لمعاوية فيها، و ان كنت مكذوبا عليك فان صدورنا تطمئن إليك فحلف بالله ما فعل و قال رجال منا كثير لو كنا نعلم انه فعل امثلناه، فقال شقيق ابن ثور السدوسي: ما وفق خالد بن المعمر ان نصر معاوية و أهل الشام على على (علیه السّلام) وربيعة.

ص: 67

فقال زياد بن خصفة التيمي: يا أمير المؤمنين، استوثق من ابن المعمر بالايمان لا يغدرنك. فاستوثق منه ثم انصرفنا فلما كان يوم الخميس انهزم الناس من قبل الميمنة فجاءنا على حتى انتهى إلينا و معه بنوه، فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس لمن هذه الرايات؟ قلنا: رايات ربيعة ،

فقال: بل هي رايات الله عز و جل عصم الله أهلها، فصبرهم، و ثبت .اقدامهم ثم قال لي يا فتى الا تدنى رايتك هذه ذراعا؟ قلت: نعم و الله و عشرة أذرع فقمت بها فأدنيتها، حتى قال ان حسبك مكانك، فثبت حيث أمرني، و اجتمع أصحابي.

812- عنه قال ابو مخنف:حدثنا أبو الصلت التيمي، قال: سمعت اشیاخ الحى من تيم بن ثعلبة يقولون ان راية ربيعة، أهل كوفتها و بصرتها، كانت مع خالد بن المعمر من أهل البصرة قال: و سمعتهم يقولون: ان خالد ابن المعمر و سفيان بن ثور السدوسي اصطلحا على ان وليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين بن المنذر الذهلي، و تنافسا في الراية، و قالا:

هذا فتى منا له حسب نجعلها له حتى نرى من رأينا ثم ان عليا ولى خالد بن المعمر بعد راية ربيعة كلها قال وضرب معاوية الحمير بسهمهم على ثلاث قبائل لم تكن لأهل العراق قبائل اكثر عددا منها يومئذ: على ربيعة و همدان و مذحج فوقع سهم حمير على ربيعة، فقال ذو الكلاع:قبحك الله من سهم كرهت الضراب.

فاقبل ذو الكلاع في حمير و من تعلقها، و معهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب في اربعه آلاف من قراء أهل الشام، و على ميمنتهم ذو الكلاع، فحملوا على ربيعة و هم ميسرة أهل العراق، و فيهم ابن عباس، و هو على

ص: 68

الميسرة، فحمل عليهم ذو الكلاع و عبيد الله بن عمر حملة شديدة بخيلهم و رجلهم ،

فتضعضعت رايات ربيعة الا قليلا من الاخيار و الابدال قال ثم ان أهل الشام انصرفوا فلم يمكثوا الا قليلا حتى كروا، و عبيد يقول: يا أهل الشام ان هذا الحى من أهل العراق قتلة عثمان بن عفان، و انصار على بن ابى طالب ،و ان هزمتم هذه القبيلة ادركتم تاركم في عثمان و هلك على بن ابى طالب و أهل العراق ،

فشدوا على الناس شدة فثبتت لهم ربيعة وصبروا صبرا حسنا الا قليلا من الضعفاء الضعفاء و الفشلة، و ثبت أهل الرايات و أهل الصبر منهم و الحفاظ، فلم يزولوا، وقاتلوا قتالا شديدا.

فلما راى خالد بن المعمر ناسا من قومه انصرفوا ،انصرف و لما راى أصحاب الرايات قد ثبتوا و رای قومه قد صبروا رجع و صاح بمن انهزم و امرهم بالرجوع.

فقال: من اراد من قومه أن يتهمه اراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا و قال هو لما رايت رجالا منا انهزموا رايت أن استقبلهم و اردهم إليكم و اقبلت إليكم فيمن أطاعني منهم، فجاء بأمر مشبه.

813 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى رجل من بكر بن وائل عن محرز بن عبد الرحمن العجلى ان خالدا قال :يومئذ يا معشر ربيعة، ان الله عز و جل قد اتى بكل رجل منكم من منبته و مسقط راسه، فجمعكم في هذا المكان جمعا لم يجمعكم مثله منذ نشر كم في الارض فان تمسكوا بايديكم و تنكلوا عن عدوكم، و تزولوا عن مصافكم .

لا يرضى الله فعلكم، ولا تقدموا من الناس صغيرا او كبيرا الا يقول:

ص: 69

فضحت ربيعة الذمار ، و حاصت عن القتال و اتيت من قبلها العرب فإياكم ان يتشاءم بكم العرب والمسلمون اليوم و انكم ان تمضوا مقبلين مقدمين و تصيروا محتسبين فان الاقدام لكم عادة، والصبر منكم سجية، و اصبروا و نيتكم صادقة ان تؤجروا، فان ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة الآخرة، و لن يضيع الله اجر من احسن عملا.

فقام رجل من ربيعة فقال: ضاع و الله أمر ربيعة حين جعلت إليك أمورها تأمرنا الا نزول و لا نحول حتى تقتل أنفسنا، و تسفك دماءنا الا ترى الناس قد انصرف جلهم فقام إليه رجال من قومه فنهروه و تناولوه بالسنتهم فقال لهم :خالد اخرجوا هذا من بينكم، فان هذا ان بقي فيكم ضركم، و ان خرج منكم لم ينقصكم .

هذا الذى لا ينقص العدد، و لا يملا البلد، برحك الله من خطيب قوم كرام كيف جنبت السداد و اشتد قتال ربيعة و حمير و عبيد الله بن عمر حتى كثرت بينهم القتلى فقتل سمير بن الريان بن الحارث العجلى، وكان من أشد الناس بأسا.

814 -عنه قال ابو مخنف:حدثنى جيفر بن ابى القاسم العبدي، عن يزيد بن علقمة، عن زيد بن بدر العبدى، ان زياد بن خصفة اتى عبد القيس يوم صفين و قد عبيت قبائل حمير مع ذي الكلاع - وفيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب - لبكر بن وائل فقوتلوا قتالا شديدا، خافوا فيه الهلاك.

فقال زياد بن خصفة يا عبد القيس لا بكر بعد اليوم فركبنا الخيول، ثم مضينا ،فواقفناهم، فما لبثنا الا قليلا حتى اصيب ذو الكلاع، وقتل عبيد الله بن عمر، فقالت :همدان قتله هائى بن خطاب الارحبي، وقالت حضر موت قتله مالك بن عمرو التنعى وقالت بكر ابن وائل قتله محرز بن

ص: 70

الصحصح من بنى عائش بن مالك بن تيم الله ثعلبة، و أخذ سيفه ذا الوشاح ،

فاخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل فقالوا: انما قتله رجل منا من أهل البصرة، يقال له : محرز بن الصحصح فبعث إليه بالبصرة فاخذ منه السيف، و كان راس النمر بن قاسط عبد الله بن عمرو من بنى تيم الله بن النمر .

815 - عنه قال هشام بن محمد الذي قتل عبيد الله بن عمر محرز بن الصحصح، و أخذ سيفه ذا الوشاح سيف ،عمر، و في ذلك قول كعب بن جعيل التغلبي:

الا انما تبكي العيون لفارس *** بصفين اجلت خيله و هو واقف

يبدل من أسماء اسياف وائل *** وكان فتى لو أخطأته المتالف

تركن عبيد الله بالقاع مسندا *** تمج دم الخرق العروق الذوارف

و هي أكثر من هذا و قتل منهم يومئذ بشر بن مرة بن شرحبيل، و الحارث بن شرحبيل و كانت أسماء ابنة عطارد بن حاجب التميمي تحت عبيد الله بن عمر، ثم خلف عليها الحسن بن على (علیه السّلام).

816- عنه قال ابو مخنف: حدثني ابن أخي غياث بن لقيط البكرى ان عليا حيث انتهى الى ربيعة تبارت ربيعة بينها فقالوا: ان اصيب على فيكم و قد ألجأ الى رايتكم افتضحتم و قال لهم شقيق بن ثور: يا معشر ربيعة، لا عذر لكم في العرب ان وصل الى على فيكم وفيكم رجل حي و ان منعتموه فمجد الحياه اكتسبتموه فقاتلوا قتالا شديدا حين جاءهم على (علیه السّلام)لم يكونوا قاتلوا مثله، ففي ذلك قال على (علیه السّلام) :

لمن راية سوداء يخفق ظلها *** إذا قيل قدمها حضين تقدما

يقدمها في الموت حتى يزيرها *** حياض المنايا تقطر الموت والدما

ص: 71

أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا *** بأسيافنا حتى تولى و أحجا

جزى الله قوما صابروا في لقائهم *** لدى الموت قوما ما اعف و أكرما

و اطیب اخبارا واكرم شيمة *** إذا كان أصوات الرجال تغمغما

ربيعة أعنى انهم أهل نجدة *** و باس إذا لاقوا جسيما عرمرما

817- عنه قال ابو مخنف:حدثني عبد الملك بن ابى حرة الحنفي ان عمار بن ياسر خرج الى الناس فقال: اللهم انك تعلم انى لو اعلم ان رضاك في ان اقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته اللهم انك تعلم انى لو اعلم ان رضاك في ان أضع ظبة سيفى في صدري ثم انحنى عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت و انى لا اعلم اليوم عملا هو ارضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين و لو اعلم ان عملا من الاعمال هو ارضى لك منه لفعلته.

818 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى الصقعب بن زهير الأزدي، قال: سمعت عمارا يقول: والله انى لأرى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون و ايم الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق و انهم على الباطل.

819 - عنه حدثنا محمد بن عباد بن موسی قال: حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا مسلم الأعور ، عن حبة بن جوين العربي، قال: انطلقت انا و ابو مسعود الى حذيفة بالمدائن، فدخلنا عليه فقال مرحبا بكما ما خلفتها من قبائل العرب أحدا أحب الى منكما فاسندته الى ابى مسعود فقلنا: يا أبا عبد الله، حدثنا فانا نخاف الفتن ،

فقال: عليكما بالفئة التي فيها ابن سمية اني سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق، و ان آخر رزقه ضياح من لبن قال حبة: فشهدته يوم صفين و هو يقول: ائتونى باخر رزق لي من الدنيا،

ص: 72

فاتى بضياح من لبن في قدح اروح له حلقة حمراء، فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة، فقال:

اليوم التقى الأحبة *** محمدا و حزبه

و الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق و انهم على الباطل، و جعل يقول: الموت تحت الأسل، و الجنة تحت البارقة.

820 - عنه حدثني محمد عن خلف قال: حدثنا منصور بن ابى نويرة، عن ابي مخنف و حدثت عن هشام بن الكلبي، عن ابي مخنف، قال: حدثني مالك بن اعين الجهني عن زيد بن وهب ،الجهنى ان عمار بن ياسر رحمه الله قال يومئذ: این من يبتغى رضوان الله عليه و لا يئوب الى مال ولا ولدفاتته عصابة من الناس ،

فقال ايها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان و يزعمون انه قتل ،مظلوما والله ما طلبتهم ،بدمه و لكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها و استمرء وها و علموا ان الحق إذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرغون فيه من دنياهم و لم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة الناس و الولاية عليهم .

فخدعوا اتباعهم أن قالوا: امامنا قتل مظلوما، ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون و لو لا هي ما تبعهم من الناس رجلان اللهم ان تنصرنا فطالما ،نصرت و ان تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم ثم مضى و مضت تلك العصابة التي اجابته حتى دنا من عمرو ،

فقال يا عمرو بعت دينك بمصر، تبا لك تبا طالما بغيت في الاسلام عوجا و قال لعبيد الله ابن عمر بن الخطاب صرعك الله بعت دينك من

ص: 73

عدو الاسلام و ابن عدوه قال: لا.

و لكن اطلب بدم عثمان بن عفان قال له: اشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله عز و جل، و انك ان لم تقتل اليوم تمت غدا، فانظر إذا اعطى الناس على قدر نياتهم ما نيتك.

821- عنه حدثنى موسى بن عبد الرحمن المسروقى، قال: أخبرنا عبيد ابن الصباح، عن عطاء بن مسلم عن الاعمش، عن ابي عبد الرحمن السلمى، قال: سمعت عمار بن ياسر بصفين و هو يقول لعمرو بن العاص: لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، و هذه الرابعة ما هي بأبر و لا اتقی.

822 - عنه حدثنا احمد بن محمد، قال حدثنا الوليد بن صالح، قال: حدثنا عطاء بن مسلم عن الاعمش قال: قال ابو عبد الرحمن السلمي كنا مع على بصفين، فكنا قد وكلنا بفرسه رجلين يحفظانه و يمنعانه من ان يحمل، فكان إذا حانت منهما غفلة يحمل فلا يرجع حتى يخضب سيفه، و انه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى انثنى سيفه، فالقاه إليهم، وقال:

لو لا انه انثنى ما رجعت - فقال الاعمش هذا والله ضرب غير مرتاب، فقال ابو عبد الرحمن: سمع القوم شيئا فادوه و ما كانوا بكذابين - قال و رايت عمارا لا يأخذ واديا من اودية صفين الا تبعه من كان هناك من أصحاب محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، و رايته جاء الى المرقال هاشم بن عتبة و هو صاحب راية على فقال:

يا هاشم، أعورا و جبنا لا خير في اعور لا يغشى الباس، فإذا رجل بين الصفين قال هذا والله ليخلفن ،امامه و ليخذلن ،جنده و ليصبرن جهده ارکب یا ،هاشم فركب، و مضى هاشم يقول:

ص: 74

اعور يبغى اهله محلا *** قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد ان يفل او يفلا

و عمار يقول: تقدم يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف والموت في اطراف الأسل، و قد فتحت أبواب السماء، و تزينت الحور العين.

اليوم القى الأحبة *** محمدا و حزبه

فلم يرجعا و قتلا - قال: يفيد لك علمهما من كان هناك من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، انهما كانا علما - فلما كان الليل قلت لادخلن إليهم حتى :اعلم هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا و كنا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا و تحدثنا إليهم، فركبت فرسي و قد هدات الرجل ،

ثم دخلت فإذا انا باربعة يتسايرون معاوية، و ابو الأعور السلمى، و عمرو بن العاص، و عبد الله بن عمرو - و هو خير الأربعة - فادخلت فرسي بينهم مخافة ان يفوتني ما يقول احد الشقين، فقال عبد الله لأبيه: يا أبت، قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا

و قد قال فيه رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ما قال قال: و ما قال؟ قال: ألم تكن معنا و نحن نبنى المسجد و الناس ينقلون حجرا حجرا و لبنة لبنة، و عمار ينقل حجرين حجرين و لبنتين ،لبنتين فغشى عليه، فأتاه رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول:

ويحك يا بن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا، و لبنة لبنة، و أنت تنقل حجرين حجرين و لبنتين لبنتين رغبة منك في الاجر و أنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية فدفع عمرو صدر ،فرسه، ثم جذب معاوية إليه، فقال يا معاوية، أما تسمع ما يقول عبد الله قال: و ما يقول؟ فاخبره الخبر،

فقال معاوية: انك شيخ اخرق و لا تزال تحدث بالحديث و أنت

ص: 75

تدحض في بولك او نحن قتلنا عمارا انما قتل عمارا من جاء به فخرج الناس من فساطيطهم و أخبيتهم يقولون: انما قتل عمارا من جاء به، فلا ادرى من كان اعجب؟ هو او هم.

قال ابو جعفر و قد ذكر ان عمارا لما قتل قال على لربيعة و همدان أنتم درعي و رمحى، فانتدب له نحو من اثنى عشر ألفا، وتقدمهم على على بغلته فحمل و حملوا معه حملة رجل واحد، فلم يبق لأهل الشام صف الا انتقض وقتلوا كل من انتهوا إليه حتى بلغوا معاوية، وعلى يقول:

اضر بهم و لا ارى معاوية *** الجاحظ العين العظيم الحاوية

ثم نادى معاوية، فقال على علام يقتل الناس بيننا هلم احاكمك الى الله، فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور، فقال له عمرو انصفك الرجل فقال معاوية ما انصف و انك لتعلم انه لم يبارزه رجل قط الا قتله، قال له :عمرو و ما يجمل بك الا مبارزته، فقال معاوية: طمعت فيها بعدي.

823 - عنه قال هشام، عن ابی مخنف: قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن ابى عمرة عن سليمان الحضرمي، قال: قلت لأبي عمرة: ألا تراهم، ما احسن هيئتهم يعنى أهل الشام و لا ترانا ما اقبح رعيتنا فقال: عليك نفسك فأصلحها، ودع الناس فان فيهم ما فيهم.

824 - عنه قال ابو مخنف:وحدثني ابو سلمة، ان هاشم بن عتبة الزهري دعا الناس عند المساء: الا من كان يريد الله و الدار الآخرة فالى فاقبل إليه ناس كثير، فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا فليس من وجه يحمل عليه الا صبر له وقاتل فيه قتالا شديدا، فقال لأصحابه : لا يهولنكم ما ترون من صبرهم،

فو الله ما ترون فيهم الاحمية العرب و صبرا تحت راياتها، و عند

ص: 76

مراكزها و انهم لعلى الضلال، و انكم لعلى الحق يا قوم اصبروا وصابروا و اجتمعوا و امشوا بنا الى عدونا على تؤدة رويدا، ثم اثبتوا و تناصروا و اذكروا الله و لا يسال رجل أخاه، ولا تكثروا الالتفات و اصمدوا صمدهم و جاهدوهم محتسبين، حتى يحكم الله بيننا و بينهم و هو خير الحاكمين.

ثم انه مضى في عصابة معه من القراء، فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه عند المساء حتى رأوا بعض ما يسرون به قال: فإنهم لكذلك إذ خرج عليهم فتى شاب و هو يقول:

انا ابن ارباب الملوك غسان *** و الدائن اليوم بدين عثمان

انى أتاني خبر فاشجان*** ان عليا قتل ابن عفان

ثم يشد فلا ينثني حتى يضرب بسيفه ثم يشم و يلعن ويكثر الكلام فقال له هاشم بن عتبة يا عبد الله أن هذا الكلام بعده ،الخصام و ان هذا القتال، بعده الحساب، فاتق الله فإنك راجع الى الله فسائلك عن هذا الموقف و ما اردت به قال فانى اقاتلكم لان صاحبكم لا يصلى كما ذكر لي و أنتم لا تصلون أيضا و اقاتلكم لان صاحبكم قتل خليفتنا ،

و أنتم أردتموه على قتله فقال له هاشم و ما أنت و ابن عفان انما قتله أصحاب محمد و أبناء أصحابه و قراء الناس حين احدث الاحداث و خالف حكم الكتاب و هم أهل الدين و أولى بالنظر في امور الناس منك و من أصحابك، و ما أظن أمر هذه الأمة و أمر هذا الدين اهمل طرفة عين.

فقال له: اجل و الله لا اكذب فان الكذب يضر ولا ينفع قال: فان أهل هذا الأمر أعلم به فخله و أهل العلم به قال: ما اظنك و الله الا نصحت لي، قال: و أما قولك: ان صاحبنا لا يصلى، فهو أول من صلى، مع

ص: 77

رسول الله و افقه خلق الله في دين الله و أولى بالرسول و أمّا كل من ترى معى فكلهم قارئ لكتاب الله لا ينام الليل تهجدا. فلا يغوينك عن دينك هؤلاء الأشقياء المغرورون. فقال الفتى يا عبد الله انى اظنك أمراً صالحا، فتخبرني: هل تجد لي من توبة؟ فقال: نعم يا عبد الله ، تب الى الله يتب عليك، فانه يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يحب المتطهرين.

قال: فجشر و الله الفتى الناس راجعا، فقال له رجل من أهل الشام: خدعك العراقي خدعك العراقي، قال: لا، و لكن نصح لي و قاتل هاشم قتالا شديدا هو و أصحابه، وكان هاشم يدعى المرقال، لأنه كان يرقل في الحرب، فقاتل هو و أصحابه حتى ابروا على من يليهم، و حتى رأوا الظفر، و اقبلت إليهم عند المغرب كتيبة لتنوخ فشدوا على الناس فقاتلهم و هو يقول:

اعور يبغى اهله محلا *** قد عالج الحياة حتى ملا

يتلهم بذى الكعوب تلا

فزعموا انه قتل يومئذ تسعة او عشرة و حمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط و ارسل إليه على أن قدم لواءك، فقال لرسوله:

انظر الى بطنى، فإذا هو قد شق، فقال الأنصاري الحجاج بن غزية:

فان تفخروا بابن البديل و هاشم *** فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا

و نحن تركنا بعد معترك اللقا *** أخاكم عبيد الله لحما ملحبا

ص: 78

و نحن أحطنا بالبعير و اهله *** و نحن سقيناكم سماما مقشبا

825 - عنه عن هشام، عن أبي مخنف، قال: حدثني مالك بن اعينالجهني، عن زيد ابن وهب الجهنى، ان عليا مر على جماعة من أهل الشام فيها الوليد بن عقبة ،و هم يشتمونه، فخبر بذلك، فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال: انهدوا إليهم، عليكم السكينة والوقار، وقار الاسلام ،و سيما الصالحين،

فو الله لأقرب قوم من الجهل قائدهم و مؤذنهم معاوية و ابن النابغة و ابو الأعور السلمي و ابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حدا في الاسلام و هم أولى من يقومون فينقصونني و يجدبونني و قبل اليوم ما قاتلوني، و انا إذ ذاك ادعوهم الى الاسلام و هم يدعونني الى عبادة الأصنام ،

الحمد لله، قديما عاداني الفاسقون قعيدهم الله ألم يقبحوا ان هذا لهو الخطب الجليل، ان فساقا كانوا غير مرضيين ، و على الاسلام و اهله متخوفين، خدعوا شطر هذه الأمة، و اشربوا قلوبهم حب الفتنة و استمالوا اهواءهم بالإفك و البهتان،

قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عز و جل، اللهم فافضض خدمتهم، و شتت کلمتهم، و ابسلهم بخطاياهم فانه لا يذل من واليت، و لا يعز من عاديت.

826 - عنه قال ابو مخنف:حدثني نمير بن وعلة، عن الشعبي، ان عليا مر باهل راية فرآهم لا يزولون عن موقفهم، فحرض عليهم الناس، وذكر انهم غسان، فقال: ان هؤلاء لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منهم النسم، وضرب يفلق منه الهام و يطيح بالعظام، وتسقط منه المعاصم

ص: 79

و الأكف، و حتى تصدع جباههم بعمد الحديد، و تنتشر حواجبهم على الصدور و الاذقان.

اين أهل الصبر، وطلاب الاجر فئاب إليه عصابة من المسلمين فدعا ابنه محمدا، فقال: امش نحو أهل هذه الراية مشيا رويدا على هيئتك حتى إذا اشرعت في صدورهم الرماح، فامسك حتى يأتيك رأيي ففعل، و اعد على مثلهم .

فلما دنا منهم فاشرع بالرماح في صدورهم أمر على الذين اعد فشدوا عليهم، و انهض محمدا بمن معه في وجوههم، فزالوا عن مواقفهم، وأصابوا منهم رجالا، ثم اقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا، فما صلى اكثر الناس الا ايماء .

827 - عنه قال ابو مخنف:حدثني ابو بكر الكندى ان عبد الله بن كعب المرادى قتل يوم ،صفين فمر به الأسود بن قيس المرادی، فقال: يا اسود ، قال :

لبيك و عرفه و هو باخر رمق فقال عز و الله على مصرعك، أمّا و لو شهدتك لاسيتك، و لدافعت عنك، و لو عرفت الذى اشعرك لأحببت الا يتزايل حتى اقتله او الحق بك.

ثم نزل إليه فقال: أما والله ان كان جارك ليأمن بوائقك، و ان كنت لمن الذاكرين الله كثيرا، أوصني رحمك الله فقال: أوصيك بتقوى الله عز و جل، و ان تناصح امير المؤمنين و تقاتل معه المحلين حتى يظهر او تلحق بالله قال و ابلغه عنى السلام و قل له قاتل عن المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك، فانه من اصبح غدا و المعركة خلف ظهره كان العالي ،

ثم لم يلبث ان مات فاقبل الأسود الى على (علیه السّلام) فاخبره، فقال رحمه

ص: 80

الله جاهد فينا عدونا في الحياة، ونصح لنا في الوفاة.

828- عنه قال ابو مخنف:حدثني محمد بن إسحاق مولى بنى المطلب ان عبد الرحمن ابن حنبل الجمحي، هو الذي اشار على على (علیه السّلام) بهذا الرأي يوم صفين. قال هشام حدثني عوانة قال جعل ابن حنبل يقول يومئذ:

ان تقتلوني فانا ابن حنبل *** انا الذي قد قلت فيكم نعثل

829- عنه رجع الحديث الى حديث ابی مخنف قال ابو مخنف:فاقتتل الناس تلك الليلة كلها حتى الصباح، و هي ليلة الهرير، حتى تقصفت الرماح و نفد النبل، وصار الناس الى السيوف، و أخذ على يسير فيا بين الميمنة و الميسرة ،و يأمر كل كتيبة من القراء ان تقدم على التي تليها، فلم يزل يفعل ذلك بالناس ويقوم بهم حتى اصبح و المعركة كلها خلف ظهره،

و الاشتر في ميمنة الناس و ابن عباس في الميسرة، وعلى في القلب ،و الناس يقتتلون من كل جانب، و ذلك يوم الجمعة، و أخذ الاشتر يزحف بالميمنة و يقاتل فيها و كان قد تولاها عشية الخميس و ليلة الجمعة الى ارتفاع الضحى، و أخذ يقول لأصحابه: ازحفوا قيد هذا الرمح، و هو يزحف بهم نحو أهل الشام، فإذا فعلوا قال: ازحفوا قاد هذا القوس،

فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك، حتى مل اكثر الناس الاقدام فلما راى ذلك الاشتر قال: أعيذكم بالله ان ترضعوا الغنم سائر اليوم، ثم دعا بفرسه، و ترك رايته مع حيان بن هوذة النخعى و خرج يسير في الكتائب و يقول: من يشترى نفسه الله من عز و جل، ويقاتل مع الاشتر، حتى يظهر او يلحق بالله فلا يزال رجل من الناس قد خرج إليه، و حيان بن هوذة.

830- عنه قال ابو مخنف:عن ابى جناب الكلبي، عن عمارة بن ربيعة الجرمي قال مر بي و الله الاشتر فاقبلت معه، و اجتمع إليه ناس كثير،

ص: 81

فاقبل حتى رجع الى المكان الذى كان به الميمنة، فقام باصحابه، فقال شدوا شدة - فدى لكم عمى و خالي -ترضون بها الرب ، وتعزون بها الدين، إذا شددت فشدوا ،

ثم نزل فضرب وجه ،دابته ثم قال لصاحب رايته قدم بها، ثم شد على القوم، و شد معه أصحابه، فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم الى عسكرهم، ثم انهم قاتلوه عند العسكر قتالا شديدا، فقتل صاحب رايته و أخذ على (علیه السّلام) - لما رأى من الظفر من قبله - يمده بالرجال.

831 - عنه حدثنى عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنى سليمان قال حدثني عبد الله، عن جويرية، قال: قال عن جويرية قال: قال عمرو بن العاص يوم صفین لوردان تدرى ما مثلي ومثلك مثل الاشقر ان تقدم عقر، و ان تأخر نحر، لئن تاخرت لاضربن عنقك، ائتونى بقيد، فوضعه في رجليه فقال: أمّا و الله يا أبا عبد الله لأوردنك حياض الموت، ضع يدك على عاتق ثم جعل يتقدم و ينظر إليه أحيانا، ويقول: لأوردنك: حياض الموت.

832- عنه رجع الحديث الى حديث ابي مخنف فلما راى عمرو بن العاص ان أمر أهل العراق قد اشتد و خاف في ذلك الهلاك، قال لمعاوية: هل لك في أمر اعرضه عليك لا يزيدنا ،اجتماعا، و لا يزيدهم الا فرقة؟ قال: نعم، قال: نرفع المصاحف ثم نقول : ما فيها حكم بيننا و بينكم، فان ابى بعضهم ان يقبلها وجدت فيهم من يقول: بلى،

ينبغي أن نقبل فتكون فرقة تقع بينهم و ان قالوا: بلى، نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنا و هذه الحرب الى اجل او الى حين فرفعوا المصاحف بالرماح و قالوا: هذا كتاب الله عز و جل بيننا و بينكم، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام و من لثغور العراق بعد أهل العراق فلما راى الناس

ص: 82

المصاحف قد رفعت، قالوا: نجيب الى كتاب الله عز و جل و ننيب إليه.

833 - عنه قال ابو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي، عن ابيه ان عليا قال عباد الله امضوا على حقكم و صدقكم قتال عدوكم، فان معاوية و عمرو بن العاص و ابن ابی معیط و حبیب بن مسلمة و ابن ابى سرح و الضحاك بن قيس، ليسوا باصحاب دين و لا ،قرآن انا اعرف بهم منكم، قد صحبتهم اطفالا و صحبتهم رجالا،

فكانوا شر أطفال و شر رجال، و يحكم انهم ما رفعوها، ثم لا يرفعونها و لا يعلمون بما فيها، و ما رفعوها لكم الا خديعة و دهنا و مكيده، فقالوا له: ما يسعنا ان ندعى الى كتاب الله عز و جل فنابی ان نقبله، فقال لهم: فانى انما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فإنهم قد عصوا الله عز و جل فيما أمرهم و نسوا عهده و نبذوا كتابه ،

فقال له مسعر بن فدكي التميمي و زيد بن حصين الطائي ثم السنبسي، في عصابه معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا على أجب الى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه ،و الا ندفعك برمتك الى القوم، او نفعل كما فعلنا بابن عفان، انه علينا ان نعمل بما في كتاب الله عز و جل فقبلناه، و الله لتفعلنها او لنفعلنها بك قال:

فاحفظوا عنى نهيي إياكم و احفظوا مقالتكم لي، أما انا فان تطيعوني تقاتلوا، و ان تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم قالوا له: أمّا لا فابعث الى الاشترفليأتك .

834 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى فضيل بن خديج الكندى، عن رجل من النخع، انه راى ابراهيم بن الاشتر دخل على مصعب بن الزبير، قال: كنت عند على حين اكرهه الناس على الحكومة، و قالوا: ابعث الى الاشتر

ص: 83

فليأتك، قال: فأرسل على الى الاشتر يزيد بن هاني السبيعي: ان ائتنى، فأتاه فبلغه،

فقال: قل له ليس هذه الساعة التي ينبغى لك ان تزيلني فيها عن موقفى انى قد رجوت ان يفتح لي، فلا تعجلني فرجع يزيد بن هاني الى على فاخبره، فما هو الا ان انتهى إلينا، فارتفع الرهج، و علت الأصوات من قبل الاشتر، فقال له القوم و الله ما نراك الا أمرته ان يقاتل، قال:

من اين ينبغى ان تروا ذلك رأيتموني ساررته؟ أليس انما كلمته على رؤسكم علانية و أنتم تسمعونني قالوا فابعث إليه فليأتك، و الا و الله اعتزلناك.

قال له: ويحك يا يزيد قل له اقبل الى فان الفتنة قد وقعت فابلغه ذلك، فقال له : الرفع المصاحف؟ قال: نعم، قال:

اما و الله لقد ظننت حين رفعت انها ستوقع اختلافا و فرقة انها مشورة ابن العاهرة، الا ترى ما صنع الله لنا أينبغي ان ادع هؤلاء و انصرف عنهم و قال يزيد بن هانئ فقلت له: أتحب انك ظفرت هاهنا و ان امير المؤمنين بمكانه الذى هو به يفرج عنه او يسلم؟ قال: لا و الله ،

سبحان الله قال: فإنهم قد قالوا لترسلن الى الاشتر فليأتينك او لنقتلنك كما قتلنا ابن عفان فاقبل حتى انتهى إليهم فقال: يا أهل العراق يا أهل الذل و الوهن ، أحين علوتم القوم ظهرا، وظنوا انكم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها وقد والله تركوا ما أمر الله عز و جل به فيها، وسنة من انزلت عليه (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، فلا تجيبوهم،

أمهلوني عدو الفرس، فانى قد طمعت في النصر، قالوا: إذا ندخل معك في خطيئتك، قال: فحدثوني عنكم، وقد قتل أماثلكم، و بقي اراذلكم،

ص: 84

متى كنتم محقين أحين كنتم تقاتلون و خياركم يقتلون فأنتم الان إذ امسكتم عن القتال مبطلون ،

أم الان أنتم محقون، فقتلاكم الذين لا تنكرون فضلهم فكانوا خيرا منكم في النار إذا قالوا: دعنا منك يا اشتر قاتلناهم في الله عز و جل، وندع قتالهم الله سبحانه انا لسنا مطيعيك ولا صاحبك، فاجتنبنا، فقال: خدعتم و الله فانخدعتم، و دعيتم الى وضع الحرب فأجبتم.

يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن صلواتكم زهاده في الدنيا و شوقا الى لقاء الله عز و جل فلا ارى فراركم الا الى الدنيا من الموت الا قبحا يا اشباه النيب الجلاله و ما أنتم برائين بعدها عزا ابدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون فسبوه، فسبهم،

فضربوا وجه دابته بسياطهم و اقبل يضرب بسوطه وجوه دوابهم، و صاح بهم على فكفوا، و قال للناس قد قبلنا ان نجعل القرآن بيننا و بينهم حكما، فجاء الاشعث بن قيس الى على فقال له: ما ارى الناس الا قد رضوا، و سرهم ان يجيبوا القوم الى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فان شئت اتيت معاوية فسألته ما يريد، فنظرت ما يسال، قال:

ائته ان شئت فسله، فأتاه فقال: يا معاوية، لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع نحن و أنتم الى ما أمر الله عز و جل به في كتابه، تبعثون منكم رجلا ترضون به، و نبعث منا رجلا، ثم نأخذ عليهما ان يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه، ثم نتبع ما اتفقا عليه،

فقال له الاشعث بن قيس: هذا الحق، فانصرف الى على فاخبره بالذي قال معاوية، فقال الناس فانا قد رضينا و قبلنا، فقال أهل الشام: فانا قد اخترنا عمرو بن العاص، فقال الاشعث و أولئك الذين صاروا

ص: 85

خوارج بعد فانا قد رضينا بابي موسى الأشعري،

قال على: فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر، فلا تعصوني الان انى لا ارى ان أولى أبا موسى .

فقال الاشعث و زيد بن حصين الطائي و مسعر بن فدكي: لا نرضى الا به، فانه ما كان يحذرنا منه وقعنا فيه ،قال على فانه ليس لي بثقة، قد فارقنی، و خذل الناس عنى .

ثم هرب منى حتى آمنته بعد اشهر، و لكن هذا ابن عباس نوليه ذلك، :قالوا ما نبالى أنت كنت أم ابن عباس لا نريد الا رجلا هو منك و من معاوية سواء، ليس الى واحد منكما بأدنى منه الى الآخر، فقال على فانى اجعل الاشتر.

835- عنه قال ابو مخنف:حدثنى ابو جناب الكلبي ان الاشعث قال: و هل سعر الارض غير الاشتر؟

836 - عنه قال ابو مخنف، عن عبد الرحمن بن جندب، عن ابيه: ان الاشعث قال: و هل نحن الا في حكم الاشتر قال على: و ما حكمه؟ قال: حكمه ان يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما اردت و ما اراد، قال: فقد ابيتم الا أبا موسى قالوا: نعم، قال: فاصنعوا ما أردتم، فبعثوا إليه و قد اعتزل القتال، و هو بعرض ،

فأتاه مولى له ،فقال: ان الناس قد اصطلحوا، فقال: الحمد لله رب العالمين قال: قد جعلوك حكما؟ قال: انا لله و انا إليه راجعون و جاء ابو موسى حتى دخل العسكر، وجاء الاشتر حتى اتى عليا فقال: الزنى بعمرو بن العاص، فو الله الذى لا اله الا هو، لئن ملات عيني منه لاقتلنه، و جاء الأحنف فقال:

ص: 86

يا امير المؤمنين، انك قد رميت بحجر الارض، و بمن حارب الله و رسوله انف الاسلام، و انى قد عجمت هذا الرجل و حلبت اشطره فوجدته كليل الشفرة، قريب القعر، و انه لا يصلح لهؤلاء القوم الا رجل يدنو منهم حتى يصير في اكفهم و يبعد حتى يصير بمنزله النجم منهم ،

فان أبيت ان تجعلني حكما، فاجعلني ثانيا او ثالثا، فانه لن يعقد عقده الا حللتها، و لن يحل عقدة اعقدها الا عقدت لك اخرى احكم منها فأبى الناس الا أبا موسى و الرضا بالكتاب، فقال الأحنف: فان ابيتم الا أبا موسى فادفئوا ظهره بالرجال فكتبوا:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه على امير المؤمنين فقال عمرو: اكتب اسمه و اسم أبيه، هو اميركم فاما أميرنا فلا، وقال له الأحنف:

لا تمح اسم اماره المؤمنين فانى اتخوف ان محوتها الا ترجع إليك ابدا ،لا تمحها و ان قتل الناس بعضهم بعضا، فأبى ذلك على مليا من النهار ،

ثم ان الاشعث بن قيس قال: امح هذا الاسم برحه الله فمحى و قال: على: الله اكبر ،سنة بسنة، و مثل بمثل، والله انى لكاتب بين يدي رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يوم الحديبية إذ قالوا: لست رسول الله، و لا نشهد لك به، و لكن اكتب اسمك و اسم ابيك، فكتبه،

فقال عمرو بن العاص : سبحان الله و مثل هذا ان نشبه بالكفار و نحن مؤمنون فقال :على يا بن النابغة، و متى لم تكن للفاسقين وليا، وللمسلمين عدوا و هل تشبه الا أمك التي وضعت بك فقام فقال: لا يجمع بيني و بينك مجلس ابدا بعد هذا اليوم، فقال له على: و اني لأرجو ان يطهر الله عز و جل مجلسى منك و من اشباهك و كتب الكتاب.

837- عنه حدثنى على بن مسلم الطوسى، قال حدثنا حبان، قال :

ص: 87

حدثنا مبارك عن الحسن، قال: أخبرني الأحنف، أن معاوية كتب الى على ان امح هذا الاسم ان اردت ان يكون صلح، فاستشار - وكانت له قبة يأذن لبنى هاشم فيها، و يأذن لي معهم - قال ما ترون فيما كتب به معاوية ان امح هذا الاسم ؟ - قال مبارك: يعنى امير المؤمنين -

قال: برحه الله فان رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) حين وادع أهل مكة كتب: محمد رسول الله، فأبوا ذلك حتى كتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقلت له : ايها الرجل مالك و ما لرسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) انا والله ما حابيناك ببيعتنا، و انا لو علمنا أحدا من الناس أحق بهذا الأمر منك لبايعناه،

ثم قاتلناك و انى اقسم بالله لئن محوت هذا الاسم الذي بايعت عليه و قاتلتهم لا يعود إليك ابدا. قال: وكان والله كما قال قال قلما وزن رایه برای رجل الارجح عليه.

838 - عنه رجع الحديث الى حديث ابى مخنف و كتب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه على بن ابى طالب و معاوية بن ابي سفیان قاضي على على أهل الكوفه و من معهم من شيعتهم من المؤمنين و المسلمين، و قاضى معاوية على أهل الشام و من كان معهم من المؤمنين و المسلمين ،انا ننزل عند حكم الله عز و جل و كتابه، ولا يجمع بيننا غيره،

و ان كتاب الله عز و جل بيننا من فاتحته الى خاتمته، نحيى ما أحيا، و نميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله عز و جل - و هما ابو موسى الأشعري عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص القرشي - عملا به، و ما لم يجدا في كتاب الله عز و جل فالسنه العادلة الجامعة غير المفرقة و أخذ الحكمان من على ومعاوية

و من الجندين من العهود و الميثاق و الثقه من الناس، انهما آمنان على

ص: 88

أنفسهما و أهلهما، و الأمة لهما انصار على الذي يتقاضيان عليه ،و على المؤمنين و المسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله و ميثاقه انا على ما في هذه الصحيفة، و ان قد وجبت قضيتهما على المؤمنين، فان الا من والاستقامة و وضع السلاح بينهم أينما ساروا على انفسهم و أهليهم وأموالهم، و شاهدهم و غائبهم،

و على عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص عهد الله و ميثاقه ان يحكما بين هذه الأمة، ولا يرداها فى حرب ولا فرقة حتى يعصيا و اجل القضاء الى رمضان و ان احبا ان يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما، و ان توفى احد الحكمين فان امير الشيعة يختار مكانه، ولا يالو من أهل المعدلة و القسط، و ان مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الكوفة و أهل الشام،

و ان رضيا و احبا فلا يحضرهما فيه الا أرادا، و يأخذ الحكمان من أرادا من الشهود ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة، و هم انصار على من ترك ما في هذه الصحيفة واراد فيه إلحادا و ظلما اللهم انا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة.

شهد من أصحاب على الاشعث بن قيس الكندي ،و عبد الله بن عباس، و سعيد بن قيس الهمداني و ورقاء بن سمى البجلي و عبد محل العجلى و حجر بن عدي الكندى و عبد الله بن الطفيل العامري و عقبه ابن زیاد ،الحضرمي و يزيد بن حجية ،التيمى و مالك بن كعب الهمدانی.

و من أصحاب معاوية ابو الأعور السلمي عمرو بن سفیان، و حبیب مسلمة الفهري و المخارق بن الحارث الزبيدي و زمل بن عمرو العذرى، و

ص: 89

حمزة بن مالك الهمداني، و عبد الرحمن بن خالد المخزومي، و سبيع بن يزيد الأنصاري، و علقمة بن يزيد الأنصاري، و عتبة بن ابي سفيان، و يزيد بن الحر العبسي.

839 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى ابو جناب الكلبي عن عمارة بن ربيعة الجرمي قال: لما كتبت الصحيفة دعى لها الاشتر فقال: لا صحبتني يميني و لا نفعتني بعدها شمالى ان خط لي في هذه الصحيفة اسم على صلح و لا موادعة او لست على بينة من ربى و من ضلال عدوى او لستم قد رايتم الظفر لو لم تجمعوا على الجور .

فقال له الاشعث بن قيس: انك و الله ما رايت ظفرا و لا جورا، هلم إلينا فانه لا رغبة بك عنا، فقال: بلى و الله لرغبة بي عنك في الدنيا للدنيا و الآخرة للآخرة، و لقد سفك الله عز و جل بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خير منهم و لا احرم دما قال عمارة فنظرت الى ذلك الرجل و كأنما قصع على انفه الحمم - يعنى الاشعث.

840 - عنه قال ابو مخنف، عن ابى جناب، قال: خرج الاشعث بذلك الكتاب يقرؤه على الناس، ويعرضه عليهم، فيقرءونه حتى مر به على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن ادية، و هو أخو ابى بلال، فقراه عليهم، فقال عروة ابن ادية: تحكمون في أمر الله عز و جل الرجال لا حكم الا الله، ثم شد بسيفه .

فضرب به عجز دابته ضربة خفيفة، و اندفعت الدابة وصاح به أصحابه، ان املك يدك، فرجع، فغضب للأشعث قومه و ناس كثير من أهل ،اليمن، فمشى الأحنف بن قيس السعدي و معقل بن قيس الرياحي، و مسعر ابن فدكي و ناس كثير من بنى تميم فتنصلوا إليه و اعتذروا، فقبل وصفح.

ص: 90

841 - عنه قال ابو مخنف:حدثني أبو زيد عبد الله الأودي، ان رجلا من أود كان يقال له عمرو بن أوس قاتل مع على يوم صفين، فاسره معاوية في أسارى كثيرين، فقال له عمرو بن العاص: اقتلهم، فقال له عمرو بن أوس انك خالي، فلا تقتلني، وقامت إليه بنو أود فقالوا هب لنا أخانا، فقال: دعوه لعمري لئن كان صادقا فلنستغنين عن شفاعتكم و لئن كان كاذبا لتأتين شفاعتكم من ورائه،

فقال له: من اين انا خالك فو الله ما كان بيننا و بين أود مصاهره، قال: فان اخبرتك فعرفته فهو اماني عندك؟ قال: نعم، قال: ألست تعلم ان أم حبيبة ابنة ابى سفيان زوج النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم)؟ قال : بلى قال فانى ابنها، و أنت أخوها، فأنت خالي، فقال معاوية الله ابوك ما كان في هؤلاء واحد يفطن لها غيره ثم قال للاوديين أيستغنى عن شفاعتكم خلّوا سبيله.

842 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى نمير بن وعلة الهمداني عن الشعبي ان أسارى كان اسرهم على يوم صفين كثير، فخلى سبيلهم، فاتوا معاوية، و ان عمرا ليقول - وقد اسر أيضا أسارى كثيرة: اقتلهم، فما شعروا الا باسرائهم قد خلى سبيلهم فقال معاوية يا عمرو، لو أطعناك في هؤلاء الأسرى وقعنا في قبيح من الأمر، الا ترى قد خلى سبيل اسارانا و أمر بتخلية سبيل من في يديه من الأسارى.

843 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى اسماعيل بن يزيد عن حميد بن مسلم، عن جندب بن عبد الله ان عليا قال للناس يوم صفين: لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة و اسقطت منه و اوهنت و اورثت وهنا و ذلة و لما كنتم الأعلين، وخاف عدوكم الاجتياح، و استحر بهم القتل و وجدوا الم الجراح ،

ص: 91

رفعوا المصاحف، و دعوكم الى ما فيها ليفتئوكم عنهم، و يقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم، و يتربصوا بكم ريب المنون خديعة و مكيدة، فاعطيتموهم ما سألوا، و ابيتم الا ان تدهنوا و تجوزوا و ايم الله ما اظنكم بعدها توافقون رشدا، و لا تصيبون باب حزم.

844 - عنه قال ابو جعفر : فكتب كتاب القضية بين على ومعاوية - فيما قيل - يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين من الهجره، على ان يوافي على و معاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في شهر رمضان مع كل واحد منهما أربعمائة من أصحابه و اتباعه.

845 - عنه فحدثني عبد الله بن احمد قال: حدثنی ابی، قال: حدثني سليمان بن يونس بن يزيد عن الزهري، قال: قال صعصعة بن صوحان يوم صفين حين رأى الناس يتبارون الا اسمعوا و اعقلوا تعلمن و الله لئن ظهر على ليكونن مثل ابى بكر و عمر و ان ظهر معاوية لا يقر لقائل بقول حق.

846- عنه قال الزهري: فاصبح أهل الشام قد نشروا مصاحفهم، و دعوا الى ما فيها، فهاب أهل العراقين فعند ذلك حكموا الحكمين، فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري و اختار أهل الشام عمرو بن العاص فتفرق أهل صفين حين حكم الحكمان ،

فاشترطا ان يرفعا ما رفع القرآن و يخفضا ما خفض القرآن، و ان يختارا لامه محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، و انهما يجتمعان بدومة الجندل، فان لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل باذرح.

فلما انصرف على خالفت الحرورية و خرجت - و كان ذلك أول ما ظهرت - فاذنوه بالحرب، و ردوا عليه: ان حكم بني آدم في حكم الله عز و جل، و قالوا: لا حكم الا الله سبحانه وقاتلوا، فلما اجتمع الحكمان باذرح،

ص: 92

وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس،

فأرسل الحكمان الى عبد الله بن عمر ابن الخطاب و عبد الله بن الزبير في اقبالهم في رجال كثير، و وافى معاوية باهل الشام، و ابى على و أهل العراق ان يوافوا، فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوى الرأي من قريش: أترون أحدا من الناس براى يبتدعه يستطيع ان يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان؟

قالوا: لا نرى أحدا يعلم ذلك، قال: فو الله انى لأظن اني ساعلمه منهما حين اخلو بهما و اراجعهما فدخل على عمرو بن العاص و بدا به فقال يا أباعبد الله ، أخبرني عما اسالك عنه كيف ترانا معشر المعتزلة، فانا قد شككنا في الأمر الذى تبين لكم من هذا القتال و رأينا ان نستانی و نتثبت حتى تجتمع الأمة قال:

أراكم معشر المعتزلة خلف الأبرار، و امام الفجار فانصرف المغيرة و لم عن غير ذلك، حتى دخل على ابى موسى فقال له مثل ما قال لعمرو، فقال ابو موسى أراكم اثبت الناس رايا فيكم بقية المسلمين، فانصرف المغيرة و لم يسأله عن غير ذلك، فلق الذين قال لهم ما قال من ذوى الرأي من قريش،

فقال: لا يجتمع هذان على أمر واحد، فلما اجتمع الحكمان و تكلما قال عمرو بن العاص يا أبا موسى رايت أول ما تقضى به من الحق ان تقضى لأهل الوفاء بوفائهم و على أهل الغدر بغدرهم، قال ابو موسى و ما ذاك؟ :قال ألست تعلم ان معاوية و أهل الشام قد وفوا، وقدموا للموعد الذي واعدناهم اياه؟

قال: بلى قال عمرو أكتبها، فكتبها ابو موسى قال عمرو يا أبا

ص: 93

موسی ،أأنت على ان نسمى رجلا يلى أمر هذه الأمة؟ فسمه لي، فان اقدر على ان اتابعك فلك على ان اتابعك و الا فلي عليك ان تتابعني قال ابو :موسى اسمى لك عبد الله بن عمر و كان ابن عمر فيمن اعتزل قال عمرو :انى اسمى لك معاوية بن ابي سفيان، فلم يبرحا مجلسهما حتى استباء

خرجا الى الناس، فقال ابو موسى: انى وجدت مثل عمرو مثل الذين قال الله عز وجل واتل عليهم (نَبَا الذي أتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا ». فلما سكت ابو موسى تكلم عمرو فقال : ايها الناس وجدت مثل ابى موسى كمثل الذي قال عز و جل: «مَثَلُ الَّذينَ حُمِلُوا التَّوْريةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ اَسْفَارًا»، وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه الى الأمصار.

847 - عنه قال ابن شهاب فقام معاوية عشية في الناس، فاثنى على الله جل ثناؤه بما هو اهله ثم قال: أما بعد، فمن كان متكلما في الأمر فليطلع لنا ،قرنه قال ابن عمر فاطلقت حبوتى، فاردت ان اقول قولا يتكلم فيه رجال قاتلوا اباك على الاسلام، ثم خشيت ان اقول كلمة تفرق الجماعة، او يسفك فيها دم او احمل فيها على غير راى ،

فكان ما وعد الله عز و جل في الجنان أحب الى من ذلك فلما انصرف الى المنزل جاءني حبيب بن مسلمة فقال: ما منعك ان تتكلم حين سمعت الرجل يتكلم؟ قلت اردت ذلك، ثم خشيت ان اقول كلمة تفرق بين جميع او يسفك فيها دم او احمل فيها على غير راى فكان ما وعد الله عز و جل من الجنان أحب الى من ذلك قال: قال ذلك قال: قال حبيب فقد عصمت .

848 - عنه رجع الحديث الى حديث ابي مخنف قال ابو مخنف:حدثني فضيل بن خديج الكندى، قال: قيل لعلى بعد ما كتبت الصحيفة: ان الاشتر

ص: 94

لا يقر بما في الصحيفة، ولا يرى الا قتال القوم، قال على: و انا و الله ما رضیت و لا احببت ان ترضوا، فإذ ابيتم الا ان ترضوا فقد رضيت، فإذ رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرضا و لا التبديل بعد الاقرار، الا ان يعصى الله عز و جل و يتعدى كتابه ،

فقاتلوا من ترك أمر الله عز و جل و أمّا الذي ذكرتم من تركه أمرى و ما انا عليه فليس من أولئك و لست اخافه على ذلك، يا ليت فيكم مثله اثنين يا ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوى ما ارى، إذا لخفت على مئونتكم و رجوت ان يستقيم لي بعض أودكم، و قد نهيتكم عما أتيتم فعصيتموني، وكنت أنا و أنتم كما قال أخو هوازن:

و هل انا الا من غزية ان غوت *** غويت و ان ترشد غزية ارشد

فقالت طائفه ممن معه و نحن ما فعلنا يا امير المؤمنين الا ما فعلت :قال: نعم، فلم كانت اجابتكم إياهم الى وضع الحرب عنا و أمّا القضية فقد استوثقنا لكم فيها، و قد طمعت الا تضلوا إن شاء الله رب العالمين.

فكان الكتاب في صفر و الأجل رمضان الى ثمانية اشهر الى ان يلتقى الحكمان ثم ان الناس دفنوا قتلاهم و أمر على الأعور فنادى في الناس بالرحيل ،

849 - عنه قال ابو مخنف:حدثني عبد الرحمن بن جندب، عن ابيه، :قال لما انصرفنا من صفين أخذنا غير طريقنا الذى أقبلنا فيه أخذنا على طريق البر على شاطئ الفرات، حتى انتهينا الى هيت ثم أخذنا على صندوداء، فخرج الانصاريون بنو سعد بن حرام، فاستقبلوا عليا (علیه السّلام) ، فعرضوا عليه النزول ،

فبات فيهم ثم غدا، و أقبلنا معه، حتى إذا جزنا النخيلة و رأينا بيوت

ص: 95

الكوفة، إذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه اثر المرض، فاقبل إليه على و نحن معه حتى سلم عليه و سلمنا ،معه فرد ردا حسنا ظننا ان قد عرفه، قال له على (علیه السّلام) :

ارى وجهك منكفئا فمن مه ؟ أمن مرض؟ قال: نعم، قال: فلعلك كرهته،

قال: ما أحب انه بغيري، قال أليس احتسابا للخير فيما اصابك منه؟ :قال بلى قال فابشر برحمة ربك و غفران ذنبك من أنت يا عبد الله ؟ قال: انا صالح بن سليم، قال: ممن؟ قال: أمّا الأصل فمن سلامان طيّئ، والجوار و الدعوة ففي بني سليم بن منصور، فقال :

سبحان الله ما احسن اسمك و اسم ابيك و اسم ادعيائك و اسم من اعتزيت إليه هل شهدت معنا غزاتنا هذه؟ قال: لا والله ما شهدتها، و لقد أردتها و لكن ما ترى من اثر لحب الحمى خذلنى عنها، فقال: «لَيْسَ عَلَى الضَّعَفَاءِ وَ لا عَلَى الْمُرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيم».

خبرني ما تقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام؟ قال فيهم المسرور فيما كان بينك و بينهم - و أولئك اغشاء الناس - وفيهم المكبوت الأسف بما كان من ذلك - و أولئك نصحاء الناس لك - فذهب لينصرف فقال قد صدقت جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك،

فان المرض لا اجر فيه، و لكنه لا يدع على العبد ذنبا الا حطه و انما اجر في القول باللسان والعمل باليد و الرجل و ان الله جل ثناؤه ليدخل بصدق النية والسريرة الصالحة عالما جما من عباده الجنة قال: ثم مضى على غير بعيد، فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري، فدنا منه، و سلم عليه و

ص: 96

سایره ،

فقال له: ما سمعت الناس يقولون في أمرنا؟ قال: منهم المعجب به و منهم الكاره له كما قال عز و جل و لا يزالون مختلفين. الا من رحم ربك فقال له: فما قول ذوى الرأي فيه؟ قال: أما قولهم فيه فيقولون ان عليا كان له جمع عظيم ففرقه و كان له حصن حصين فهدمه، فحتى متى يبنى ما هدم، و حتى متى يجمع ما فرق .

فلو انه كان مضى بمن أطاعه - إذ عصاه من عصاه - فقاتل حتى يظفر او يهلك إذا كان ذلك الحزم فقال على انا هدمت أم هم هدموا انا فرقت أم هم فرقوا أما قولهم انه لو كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك، إذا كان ذلك الحزم،

فو الله ما غبى عن رأيي ذلك، و ان كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا، طيب النفس بالموت، و لقد هممت بالاقدام على القوم، فنظرت الى هذين قد ابتدرانى - يعنى الحسن و الحسين - و نظرت الى هذين قد استقدماني - یعنی عبد الله بن جعفر و محمد بن علی - فعلمت ان هذين ان هلكا انقطع نسل محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) من هذه الأمة،

فكرهت ذلك، و اشفقت على هذين ان يهلكا، وقد علمت ان لو لا مكاني لم يستقدما - یعنی محمد بن على و عبد الله بن جعفر - و ايم الله لئن لقيتهم بعد يومى هذا لا لقينهم وليسوا معى في عسكر و لا دار ثم مضى حتى إذا جزنا بني عوف إذا نحن عن ايماننا بقبور سبعة أو ثمانية،

فقال على: ما هذه القبور ؟ فقال قدامة بن العجلان الأزدي: يا امير المؤمنين، أن خباب ابن الأرت توفى بعد مخرجك، فاوصى بان يدفن في الظهر، و كان الناس انما يدفنون في دورهم و أفنيتهم، فدفن بالظهر رحمه الله،

ص: 97

و دفن الناس الى جنبه،

فقال على: رحم الله خبابا، فقد اسلم راغبا و هاجر طائعا، و عاش مجاهدا، و ابتلى في جسمه أحوالا و ان الله لا يضيع أجر من احسن عملا ثم جاء حتى وقف عليهم فقال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة، و المحال المقفرة، من المؤمنين والمؤمنات و المسلمين و المسلمات أنتم لنا سلف فارط، و نحن لكم تبع، بكم عما قليل لاحقون .

اللهم اغفر لنا ولهم، و تجاوز بعفوك عنا وعنهم و قال الحمد لله الذى جعل منها خلقكم وفيها ،معادكم منها يبعثكم، وعليها يحشركم طوبى لمن ذكر المعاد و عمل للحساب و قنع بالكفاف، و رضى عن الله عز و جل ثم اقبل حتى حاذى سكه الثوريين، ثم قال: خشوا ، ادخلوا بين هذه الأبيات.

850 - عنه قال ابو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم الفائشی، قال مر على بالثوريين، فسمع البكاء، فقال: ما هذه الأصوات؟ فقيل له: هذا البكاء على قتلى ،صفين فقال : أمّا انى اشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة ثم مر بالفائشيين، فسمع الأصوات، فقال مثل ذلك،

ثم مضى حتى مر بالشباميين فسمع رجة شديدة، فوقف، فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي، فقال على أيغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الرنين فقال: يا امير المؤمنين لو كانت دارا او دارين او ثلاثا قدرنا على ذلك، و لكن قتل من هذا الحى ثمانون و مائة قتيل فليس دار الا وفيها بكاء، فاما نحن معشر الرجال فانا لا نبكي و لكن نفرح لهم الا نفرح لهم بالشهادة.

قال على: رحم الله قتلاكم و موتاكم و اقبل يمشى معه، و على راكب ،

ص: 98

فقال له على: ارجع و وقف ثم قال له ارجع فان مشى مثلك مع مثلي فتنة للوالي، ومذلة للمؤمن ثم مضى حتى مر بالناعطيين - وكان جلهم عثمانية - فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن يزيد، من بني عبيد من الناعطيين يقول: والله ما صنع على شيئا، ذهب ثم انصرف في غير شيء .

فلما نظروا الى على ابلسوا، فقال: وجوه قوم ما رأوا الشأم العالم ثم قال لأصحابه : قوم فارقناهم آنفا خير من هؤلاء، ثم أنشأ يقول:

اخوك الذى ان اجرضتك ملمة *** من الدهر لم يبرح لبثك واجما

و ليس اخوك بالذي ان تشعبت *** عليك الأمور ظل يلحاك لائما

ثم مضى، فلم يزل يذكر الله عز و جل حتى دخل القصر.

851 - عنه قال ابو مخنف:حدثنا ابو جناب الكلبي عن عمارة بن ربيعة، قال: خرجوا مع على الى صفين و هم متوادون أحباء، فرجعوا متباغضين أعداء، ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيهم التحكيم، و لقد أقبلوا يتدافعون الطريق كله ويتشاتمون ويضطربون بالسياط، يقول الخوارج: يا أعداء الله، ادهنتم في أمر الله عز و جل و حکمتم و قال الآخرون فارقتم امامنا و فرقتم جماعتنا .

فلما دخل على الكوفه لم يدخلوا معه حتى أتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفا و نادى مناديهم ان امير القتال شبث بن ربعي التميمي و امير الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري و الأمر شورى بعد الفتح و البيعة الله عز و جل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

852 - قال المسعودي: و وجه بجرير بن عبد الله الى معاوية وقد كان الأشتر حذره من ذلك، و خوفه من جرير و قد كان جرير قال لعلي: ابعثني إليه، فإنه لم يزل لي مستنصحاً و واداً، فآتيه و أدعوه إلى أن يسلم لك هذا

ص: 99

الأمر، و أدعو أهل الشام الى طاعتك، فقال الأشتر: لا تبعثه و لا تصدقه، فو الله إني لأظن هواه هواهم و نيته نيتهم،

فقال علي: دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا، فبعث به و كتب الى معاوية معه يعلمه مبايعة المهاجرين والأنصار إياه و اجتماعهم عليه، و نكث الزبير و طلحة، و ما أوقع الله بهما و يأمره بالدخول في طاعته، و يعلمه أنه من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، فلما قدم عليه جرير دافعه و ساءله أن ينتظره و كتب إلى عمرو بن العاص فقدم عليه.

فأعطاه مصر طُعمة فأشار إليه عمرو بالبعث إلى وجوه الشام و أن يُلْزِم علياً دم عثمان و يقاتله بهم، فقدم جرير على علي فأخبره خبرهم، و اجتماع أهل الشام مع معاوية على قتاله و أنهم يبكون على عثمان و يقولون: إن علياً قتله، و آوى قتلته و منع منهم، وإنهم لا بد لهم من قتاله حتى يفنوه أو يفنيهم ،

فقال الأشتر: قد كنت أخبرتك يا أمير المؤمنين بعداوته وغشه، و لو بعثتنى لكنت خيراً من هذا الذي أرخى خناقه و أقام حتى لم يدع باباً نرجو روحه إلا فتحه، و لا باباً يخاف منه إلا أغلقه، فقال جرير: لو كنت ثمَّ لقتلوك، و الله لقد ذكروا أنك من قتلة عثمان،

قال الأشتر: لو أتيتهم و الله يا جرير لم يعيني جوابهم ولا ثقل علي خطابهم و لحملت معاوية على خطة أعجلته فيها عن الفكر، و لو طاعني أمير المؤمنين فيك لحبسك و أشباهك في محبس فلا تخرجون منه حتى يستقيم هذا الأمر.

فخرج جرير عند ذلك إلى بلاد قرقيسيا و الرحبة من شاطئ الفرات ، و كتب إلى معاوية يعلمه بما نزل به، و أنه أحبَّ مجاورته و المقام في داره ،

ص: 100

فكتب إليه معاوية يأمره بالمسير إليه.

و بعث معاوية إلى المغيرة بن شعبة الثقفي عند منصرف علي من الجمل، وقبل مسيره إلى صِفِّين - بكتاب يقول فيه: لقد ظهر من رأي ابن أبي طالب ما كان تقدم من وعده لك في طلحة والزبير، فما الذي بقي من رأيه فينا؟ و ذلك أن المغيرة بن شعبة لما قتل عثمان و بايع الناس علياً دخل عليه المغيرة فقال: يا أمير المؤمنين، إن لك عندي نصيحة ،

فقال: و ما هي؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك ما أنت فيه فاستعمل طلحة بن عبيد الله على الكوفة، و الزبير بن العوام على البصرة وابعث إلى معاوية بعهده على الشام حتى تلزمه طاعتك، فإذا استقر قرارها رأيت فيه رأيك، قال: أما طلحة والزبير فسأرى رأيي فيهما،

و أما معاوية فلا و الله لا يراني الله أستعين به ما دام على حاله أبداً، و لكني أدعوه إلى ما عرفته، فإن أجاب وإلا حاكمته إلى الله، فانصرف المغيرة مغضباً و قال:

نصحت علياً فى ابن هند مقالة *** فردت فلا يسمع لها الدهر ثانيه

و قلت له: أرسل إليه بعهده *** على الشام، حتى يستقر معاوية

و يعلم أهل الشام أن قد ملكته *** وأم ابن ام ابن هند عند ذلك هاويه

فلم يقبل النصح الذي جئته به *** و كانت له تلك النصيحة كافيه

853 - قال المسعودي الله : قد ذكرنا جملا و جوامع من أخبار علي (علیه السّلام) بالبصرة و ما كان يوم الجمل، فلنذكر الآن جوامع من سيره الى صفين، و ما كان فيها من الحروب، ثم نعقب ذلك بشأن الحكمين و النهروان و و مقتله (علیه السّلام).

و كان سير علي من الكوفة الى صِفِّين لخمس خلون من شوال سنة

ص: 101

ست و ثلاثين، واستخلف على الكوفة أبا مسعود عُقبة بن عامر الأنصاري، فاجتاز في مسيره بالمدائن، ثم أتى الأنبار و سار حتى نزل الرقة، فعقد له هنالك جسر، فعبر الى جانب الشام.

و قد تنوزع في مقدار ما كان معه من الجيش.

فمكثر و مقلل و المتفق عليه من قول الجميع تسعون ألفاً، وقال رجل من أصحاب علي (علیه السّلام) لما استقروا مما يلي الشام من أبيات كتب بها الى معاوية حيث يقول :

اثبت معاوى قد أتاك الحافل *** تسعون ألفاً كلهم مقاتل

عما قليل يضمحل الباطل

854 - عنه سار معاوية من الشام ،و قد تنوزع في مقدار من كان معه أيضاً فمكثر و مقلل، و المتفق عليه من قول الجميع خمس و ثمانون ألفاً، فسبق عليًّا الى صفّين و عسكر في موضع سهل أفيح اختاره قبل قدوم علي، على شريعة لم يكن على الفرات في ذلك الموضع أسهل منها للوارد إلى الماء، و ما عداها أخراق عالية و مواضع إلى الماء وغرة، و وكل أبا الأعور السلمي بالشريعة مع أربعين ألفاً، و كان على مقدمته، و بات علي و جيشه فى البر عطاشاً قد حيل بينهم و بين الورود إلى الماء .

فقال عمرو بن العاص لمعاوية : إن عليا لا يموت عطشاً هو و تسعون ألفاً من أهل العراق و سيوفهم على عواتقهم، و لكن دعهم يشربون و نشرب، فقال معاوية: لا و الله أو يموتوا عطشا كما مات عثمان، و خرج علي يدور في عسكره بالليل فسمع قائلا و هو يقول:

أيمنعنا القوم ماء الفرات *** و فينا علي و فينا الهدى؟

و فينا الصلاة و فينا الصيام *** و فينا المناجون تحت الدجى

ص: 102

ثم مر بآخر عند راية ربيعة، و هو يقول:

أيمنعنا القوم ماء الفرات *** وفينا الرماح و فينا الحجف

و فينا علي له صولة *** إذا خوفوه الردى لم يخف

ونحن غداة لقينا الزبير *** و طلحة خُضْنا غمار التلف

فما بالنا أمس أشد العرين *** و ما بالنا اليوم شاء النجف

ألق في فسطاط الأشعث بن قيس رقعة فيها:

لئن لم يُجل الأشعتُ اليوم كربة من الموت فيها للنفوس تفلُّتُ فنشرب من ماء الفرات بسيفه فهبنا أناساً قبل كانوا فموتوا .

فلما قرأها حمي و و أتى عليا (علیه السّلام)، فقال له: أخرج في أربعة آلاف من الخيل حتى تهجم بهم في وسط عسكر معاوية فتشرب و تستقي لأصحابك أو تموتوا عن آخركم و أنا مُسيّر الأشتر فى خيل و رجالة وراءك، فسار الأشعث فى أربعة آلاف من الخيل و هو يقول مرتجزا:

لأورِدَنَّ خيلي الفراتا *** شُعْتَ النواصي أو يقال ماتا

ثم دعا علي الأشتر فسرحه في أربعة آلاف من الخيل و الرجالة، فصار يؤم الأشعث و صاحب رايته و هو رجل من النَّخع و هو يرتجز و يقول:

يا أشتر الخيرات يا خير النَّخَعُ *** وصاحب النصر إذا عَمَّ الفزع

قد جَزِعَ القومُ وعُمُّوا بالفزع *** إن تَسْقِنَا اليوم فما هو بالبدع

ثم سار علي (علیه السّلام) و وراء الأشتر بباقي الجيش، و مضى الأشعث فما رد وجهه أحد حتى هجم على عسكر معاوية، فأزال أبا الأعور عن الشريعة، و غرق منهم بشراً و خيلا و أورد خيله الفرات، و ذلك أن الأشعث داخلته الحمية في هذا اليوم، و كان يقدم رمحه ثم يحث أصحابه فيقول : از حموهم

ص: 103

مقدار هذا الرمح، فيزيلوهم عن ذلك المكان، فبلغ ذلك من فعل الأشعث عليا، فقال:

هذا اليوم نصرنا فيه بالحمية، و في ذلك يقول رجل من أهل العراق:

كشف الأشعث عنا *** كربة الموت عيانا

بعد ما طارت طلاقا *** طيرةً مست لهانا

فله المن علينا *** وبه دارت رحانا

و ارتحل معاوية عن الموضع، و ورد الأشتر، وقد كشف الأشعث القوم عن الماء، وأزالهم عن مواضعهم ، و ورد عليّ فنزل في الموضع الذي كان فيه معاوية، فقال معاوية لعمرو بن العاص يا أبا عبد الله ما ظنك بالرجل أتراه يمنعنا الماء لمنعنا إياه؟ و قد كان انجاز بأهل الشام إلى ناحية في البرنائية عنالماء،

فقال له عمرو : لا ، إن الرجل جاء لغير هذا، و إنه لا يرضى حتى تدخل في طاعته أو يقطع حبل عاتقك، فأرسل إليه معاوية يستأذنه في وروده مشرعته و استقاء الناس من طريقه و دخول رسله في عسكره، فأباحه على كل ما سأل وطلب منه.

855 - عنه ولما كان أول يوم من ذي الحجة - بعد نزول علي على هذا الموضع بيومين - بعث الى معاوية يدعوه الى اتحاد الكلمة و الدخول في جماعة المسلمين وطالت المراسلة بينهما، فاتفقوا على الموادعة الى آخر المحرم من سنة سبع وثلاثين وامتنع المسلمون عن الغزو في البحر و البر لشغلهم بالحروب،

و قد كان معاوية صالح ملك الروم على مال يحمله إليه لشغله بعلي و لم يتم بين علي ومعاوية صلح على غير ما اتفقا عليه من الموادعة في المحرم ،

ص: 104

و عزم القوم على الحرب بعد انقضاء المحرم، ففي ذلك يقول حابس بن سعد الطائي صاحب راية معاوية:

فما دون المنايا غير سبع *** بقين من المحرم أو ثمان

و لما كان في اليوم الآخر من المحرم قبل غروب الشمس بعث على إلى أهل الشام إني قد احتججت عليكم بكتاب الله، و دعوتكم إليه، و إني قد نبذت إليكم على سواء، إن الله لا يهدي كيد الخائنين، فلم يردوا عليه جوابا إلا «السيف بيننا و بينك أو يهلك الأعجز منا».

856 - عنه و أصبح علي يوم الأربعاء - وكان أول يوم من صفر - فعباً ا الجيش، و أخرج الأشتر أمام الناس و أخرج إليه معاوية - و قد تصافّ أهل الشام و أهل العراق - حبيب بن مسلمة الفهري، و كان بينهم قتال شديد سائر يومهم و أسفرت عن قتلى من الفريقين جميعاً، وانصرفوا.

فلما كان يوم الخميس - و هو اليوم الثاني - أخرج علي هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المرقال، و هو ابن اخي سعد بن أبي وقاص، و إنما سمي المرقال لأنه كان يرقل في الحرب، و كان أعور ذهبت عينه يوم اليرموك، و كان من شيعة علي .

فأخرج إليه معاوية أبا الأعور السلمي و هو سفيان بن عوف، و كان من شيعة معاوية و المنحرفين عن علي فكانت بينهم الحرب سجالاً، و انصرفوا في آخر يومهم عن قتلى كثيرة.

و أخرج علي في اليوم الثالث و هو يوم الجمعة - أبا اليقظان عمار ابن ياسر في عدة من البدريين وغيرهم من المهاجرين والأنصار فيمن تسرع معهم من الناس و أخرج إليه معاوية عمرو بن العاص في تَنُوخَ و بهراء و غيرهما من أهل الشام، فكانت بينهم سجالا إلى الظهر،

ص: 105

ثم حمل عمار بن ياسر فيمن ذكرنا، فأزال عمراً عن موضعه و ألحقه بعسكر معاوية، و أسفرت عن قتلى كثيرة من أهل الشام و دونهم من أهل العراق.

و أخرج علي في اليوم الرابع - و هو يوم السبت - ابنه محمد بن الحنفية في هَمدَان و غيرها ممن خَفَّ معه من الناس، فأخرج إليه معاوية عبيد الله بن عمر بن الخطاب في حمير و لخم و جُذام، و قد كان عبيد الله بن عمر لحق بمعاوية خوفاً من عليّ أن يقيده بالهرمزان و ذلك أن أبا لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قاتل عمر، و كان في أرض العجم غلاماً للهرمزان،

فلما قتل عمر شد عبيد الله عَلَى الهرمزان فقتله، و قال لا أترك بالمدينة فارسياً و لا في غيرها إلا قتلته بأبي و كان الهرمزان عليلا في

الوقت الذي قتل فيه عمر - فلما صارت الخلافة إلى عليّ أراد قتل عبيد ابن عمر بالهرمزان لقتله إياه ظلماً من غير سبب استحقه، فلجأ إلى معاوية فاقتتلوا في ذلك اليوم، وكانت عَلَى أهل الشام، و نجا ابن عمر في آخر النهار هرباً.

و أخرج عليّ في اليوم الخامس - و هو يوم الأحد - عبد الله بن العباس، فأخرج إليه معاوية الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فاقتتلوا وأكثر الوليد من سَبِّ بني عبد المطلب بن هاشم، فقاتله ابن عباس قتالاً شديداً، و ناداه: ابرز إلي يا صفوان، و كان لقب الوليد، و كانت الغلبة لابن عباس، و كان يوماً صعباً.

و أخرج علي في اليوم السادس - و هو يوم الاثنين - سعيد بن قيس الهمداني، و هو سيد همدان ،يومئذ، فأخرج إليه معاوية ذا الكلاع، و كانت بينهما إلى آخر النهار، و أسفرت عن قتلى، و انصرف الفريقان جميعاً.

ص: 106

و أخرج علي في اليوم السابع - و هو يوم الثلاثاء - الأشتر في النَّخَع غيرهم، فأخرج إليه معاوية حبيب بن مسلمة الفهري، فكانت الحرب بينهم سجالا، وصبر كلا الفريقين و تكافئوا و تواقفوا للموت ثم انصرف الفريقان و أسفرت عن قتلى منها، و الجراح في أهل الشام أعم.

و خرج في اليوم الثامن - و هو يوم الأربعاء - علي (علیه السّلام) بنفسه في الصحابة من البدريين وغيرهم من المهاجرين و الأنصار و ربيعة و همدان.

857 - عنه قال ابن عباس: رأيت في هذا اليوم علياً و عليه عامة بيضاء، و كأن عينيه سراجاً سَليط، و هو يقف على طوائف الناس في مراتبهم يحثهم و يحرضهم حتى انتهى إلي و أنا في كثيف من الناس، فقال:

يا معشر المسلمين عموا الأصوات و أكملوا اللأمة، واستشعروا الخشية، و أقلقوا السيوف في الأجفان قبل السلّة والحظوا الشزر، واطعنوا الهبر و نافحوا بالظبا ،

وصلوا السيوف بالخطا و النبال بالرماح وطيبوا عن أنفسكم أنفسا فإنكم بعين الله، و مع ابن عم رسول الله، عاودوا الكر، واستقبحوا الفر، فإنه عار في الأعقاب و نار يوم الحساب و دونكم هذا السواد الأعظم، و الرواق المطنَّب،

فاضربوا نَهْجَه فإن الشيطان راكب صعيده مفترش ،ذراعيه قد قدم للوثبة يداً و أخر للنكوص رجلًا، فصبراً جميلًا حتى تنجلى عن وجه الحق. و أنتم الأعلون و الله معكم و لن يَتِرَكم أعمالكم.

و تقدم عليّ للحرب على بغلة رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) الشهباء و خرج معاوية في عدد أهل الشام، فانصرفوا عند المساء وكلُّ غير ظافر.

و خرج في اليوم التاسع - و هو يوم الخميس - علي، و خرج معاوية

ص: 107

فاقتتلوا إلى ضحوة من النهار و برز أمام الناس عبيد الله بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من الخضرية معممين بشقاق الحرير الأخضر متقدمين للموت يطلبون بدم ،عثمان و ابن عمر يقدمهم و هو يقول:

أنا عُبيد الله ينميني عُمر *** خير قريش من مضى و من غبر

غير نبي الله والشيخ الأغر *** قد أبطأت في نصر عثمان مضر

و الربعيون، فلا أسقوا المطر

فناداه علي: ويحك يا ابن عمر، علام تقاتلني؟ و الله لو كان أبوك حياً ما قاتلني، قال: أطالب بدم عثمان، قال أنت تطلب بدم عثمان، و الله يطلبك بدم الهرمزان، و أمر علي الأشتر النخعي بالخروج اليه، فخرج الأشتر إليه و هو يقول:

إني أنا الأشتر معروف السير *** إني أنا الأفعى العراقي الذكر

لست من الحي ربيع أو مضر *** لكنني من مذحج البيض الغُرر

فانصرف عنه عبيد الله و لم يبارزه، و كثرت القتلى يومئذ.

858- عنه و قال عمار بن ياسر : إني لأرى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون حتى يرتاب المبطلون، و الله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سَعَفَات

هَجَر لكنا على الحق و كانوا على الباطل.

و تقدم عمار فقاتل ثم رجع إلى موضعه فاستسقی ، فأتته أمرأة من نساء بني شيبان من مصافهم بعُسّ فيه لبن، فدفعته إليه، فقال: الله أكبر الله أكبر، اليوم ألقى الأحبة تحت الأسنة ،صَدَقَ الصادق، و بذلك أخبرني الناطق، و هو اليوم الذي وُعِدْتُ فيه، ثم قال:

أيها الناس، هل من رائح إلى الله تحت العوالي؟ و الذي نفسي بيده لنقاتلنهم على تأويله كما قاتلناهم على تنزيله، و تقدم و هو يقول:

ص: 108

نحن ضربناكم على تنزيله *** فاليوم نضربكُم على تأويله

ضَرْباً يزيل الهام عن مَقِيلِهِ *** و يُذْهِلُ الخليل عن خليله

أو يرجع الحقُّ إلى سبيله

فتوسط القوم، و اشتبكت عليه الأسنة، فقتله أبو العادية العاملي و ابن جَوْن السكسكي، واختلفا في سَلبه، فاحتكما إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال لهما : اخرجا عني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، أو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و ولعت قريش بعمار «ما لهم و لعمار؟ يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار».

و كان قتله عند المساء و له ثلاث و تسعون سنة، وقبره بصفين و صلى عليه علي (علیه السّلام) و لم يغسله، وكان يغير شيبه. و قد تنوزع في نسبه فمن الناس من ألحقه ببني مخزوم ،و منهم من رأى أنه من حُلفائهم، و و منهم من رأى غير ذلك، و قد أتينا على خبره في كتاب «مزاهر الأخبار و طرائف «الآثار» عند ذكرنا الأشْرَاطَ الخمسين الذين بايعوا عليا على الموت، و في قتله يقول الحجاج بن عُزَية الأنصاري أبياتاً رثاه بها:

يا للرجال لعين دمعها جاري *** قد هاج حزني أبو اليقظان عمار

أهوى إليه أبو حوّا فوارسه *** يدعو السكون و للجيشين إعصار

فاختلّ صدر أبي اليقظان معترضاً *** للرمح، قد وجبت فينا له النار

الله عن جمعهم لا شك كان عفا *** أتت بذلك آيات و آثار

من ينزع الله الله غلا من صدورهم *** على الأسرة لم تمسسهم النار

قال النبي له تقتلك شرذمة *** سيطت لحومهم بالبغى فُجَّار

فاليوم يعرف أهل الشام أنهم*** أصحاب تلك و فيها النار و العار

و لما صرع عمار تقدم سعيد بن قيس الهمداني في همدان و تقدم

ص: 109

قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري في الأنصار و ربيعة، و عدي بن حاتم في طيئ، و سعيد بن قيس الهمداني في أول الناس، فخلطوا الجمع بالجمع، و اشتدَّ ،القتال و حطمت همدان أهل الشام حتى قذفتهم إلى معاوية، وقد كان معاوية صمد فيمن كان معه لسعيد بن قيس و من معه من همدان ،

859 - عنه و أمر علي (علیه السّلام) الأشتر أن يتقدم باللواء إلى أهل حمص و غيرهم من أهل قنسرين، فأكثر القتل في أهل حمص و قنسرين بمن معه من القراء، و أبلى المرْقَال يومئذ بمن معه فلا يقوم له شيء، و جعل يرقل كما يرقل الفحل في قيده، و علي انا وراءه يقول له:

يا ،أعور لا تكن جباناً، وتقدم، و المرقال يقول:

قد أكثر القومُ وما أقلا *** أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى مَلًا*** لا بد أن يفل أو يفلا

أشلهم بذي الكعوب شلا

ثم صمد هاشم بن عتبة المرقال لذي الكلاع و هو في حمير، فحمل عليه صاحب لواء ذي الكلاع وكان رجلا من عذرة و هو يقول:

أثبت فإني لست من فرعي مضر *** نحن اليمانيون ما فينا ضجر

كيف ترى وقع غلام من عذر *** ينعي ابن عفان و يَلْحي من غدر

يا أعور العين رمى فيها العور *** سيان عندي من سعى و من أمر

فاختلفا طعنتين، فطعنه هاشم المرقال فقتله، و قتل بعده تسعة عشر رجلًا، و حمل هاشم المرقال و حمل ذو الكلاع ومع المرقال جماعة من أسلم قد آلوا أن لا يرجعوا أو يفتحوا أو يقتلوا، فاجتلد الناس فقتل هاشم المرقال، وقتل ذو الكلاع جميعاً، فتناول ابن المرقال اللواء حين قتل أبوه في وسط المعركة، وكر في العجاج و هو يقول:

ص: 110

یا هاشم بن عتبة بن مالك *** أعزز بشيخ من قريش هالك

تخبطه الخيلات بالسنابك *** أبشر بحور العين في الأرائك

و الرُّوح و الريحان عند ذلك

و وقف علي (علیه السّلام) عند مصرع المرقال و من صرع حوله من الأسلميين و غيرهم، فدعا لهم و ترحم عليهم، و قال من أبيات:

جزى الله خيراً عصبة أسلمية *** صباح الوجوه صُرِّعوا حول هاشم

يزيد و عبد الله بشر بن معبد *** و سفیان و ابنا هاشم ذي المكارم

و عروة لا ينفد ثناه وذكره *** إذا اخترطت يوماً خفاف الصوارم

860 - عنه و استشهد في ذلك اليوم صفوان و سعد ابنا حذيفة بن اليمان، وقد كان حذيفة عليلا بالكوفة في سنة ست وثلاثين فبلغه قتل عثمان و بيعة الناس لعلي فقال: أخرجوني و ادعوا الصلاة جامعةً فوضع على المنبر، فحمد الله و أثنى عليه وصلى على النبي و على آله ثم قال أيها الناس، إن الناس قد بايعوا علياً فعليكم بتقوى الله و انصروا علياً و وازروه ،

فو الله إنه لعلى الحق آخراً و أولا، و إنه لخير من مضى بعد نبيكم و من بقي الى يوم القيامة، ثم أطبق يمينه على يساره ثم قال: اللهم اشهد إني قد بايعت علياً، وقال: الحمد لله الذي أبقاني الى هذا اليوم، و قال لابنيه صفوان و سعد احملاني و كونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس ،

فاجتهدا أن تستشهدا معه، فإنه والله على الحق، و من خالفه على الباطل، و مات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام، وقيل: بأربعين يوماً، و استشهد عبد الله بن الحارث النخعي أخو الاشتر، و استشهد فيه عبد الله و

ص: 111

عبد الرحمن ابنا بَدِيل بن ورقاء الخزاعي في خلق من خزاعة، و كان عبد الله في ميسرة علي (علیه السّلام) و هو يرتجز و يقول:

لم يبق إلا الصبر والتوكل *** و أخذك الترس و سيف مصقل

ثم التمشي في الرعيل الأول

فقتل، ثم قتل عبد الرحمن أخوه ،بعد، فيمن ذكرنا من خزاعة.

861- عنه قال: و لما رأى معاوية القتل في أهل الشام و كلب أهل العراق عليهم استدعى بالنعمان بن جَبَلة التنوخي - و كان صاحب راية قومه في تنوخ و بهراء - و قال له: لقد هممت ان أولى قومك من هو خير منك مقدماً، و أنصح منك دينا فقال له النعمان: إنا لو كنا ندعو قومنا إلى جيش مجموع لكان في كسع الرجال بعض الأناة،

فكيف و نحن ندعوهم الى سيوف قاطعة و رُدَينية ،شاجرة، وقوم ذوي بصائر نافذة، و الله لقد نصحتك على نفسي و آثرت ملكك على ديني، و تركت لهواك الرشد و أنا أعرفه وحدتُ عن الحق و أنا أبصره، و ما وفقت لرشد حين أقاتل على ملكك ابن عم رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و أول مؤمن به و مهاجر معه،

و لو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف بالرعية، و أجزل في العطية، و لكن قد بذلنا لك الأمر ولا بد من اتمامه كان غياً أو رشداً، و حاشا أن يكون رشداً، وسنقاتل عن تين الغوطة و زيتونها إذ حرمنا أثمار الجنة و أنهارها و خرج الى قومه، وصمد الى الحرب.

862 - عنه وكان عبيد الله بن عمر إذا خرج الى القتال قام إليه نساؤه فشددن علیه سلاحه، ما خلا الشيبانية بنت هانئ بن قبيصة، فخرج في هذا اليوم، و أقبل على الشيبانية، و قال لها:

ص: 112

اني قد عبأت اليوم لقومك، و ايم الله اني لأرجو أن أربط بكل طنب من اطناب فسطاطي سيداً منهم،

فقالت له: ما ابغض إلا ان تقاتلهم قال : و لم؟ قالت لأنه لم يتوجه إليهم صنديد في جاهلية و لا اسلام و في رأسه صعر الا ابادوه، و اخاف أن يقتلوك، و كأني بك قتيلا و قد أتيتهم اسألهم ان يهبوا لي جيفتك، فرماها بقوس ،فشجَّها، وقال لها ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك،

ثم توجه فحمل عليه حريث بن جابر الجعفي فطعنه فقتله، وقيل: إن الأشتر النخعي هو الذي قتله، وقيل: ان علياً ضربه ضربة فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفه حُشوة جوفه، و إن عليا قال حين هرب فطلبه ليقيد منه بالهرمزان لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره، وكلم نساؤه معاوية في جيفته،

فأمر أن تأتين ربيعة فتبذلن في جيفته عشرة آلاف، ففعلن ذلك، فاستأمرت ربيعة علياً، فقال لهم: انما جيفته جيفة كلب لا يحل بيعها، و لكن قد اجبتهم الى ذلك، فاجعلوا جيفته لبنت هانئ بن قبيصة الشيباني زوجته، فقالوا لنسوة عبيد الله : ان شئتن شددناه الى ذنب بغل .

ثم ضربناه حتى يدخل الى عسكر معاوية، فصرخن و قلن هذا أشد علينا، و أخبرن معاوية بذلك، فقال لهن: ائتوا الشيبانية فسلوها أن تكلمهم في جيفته، ففعلن و أتت القوم و قالت أنا بنت هانئ بن قبيصة و هذا زوجي القاطع الظالم و قد حذرته ما صار إليه .

فهبوا الي جيفته ففعلوا، و ألقت إليهم بمطرف خز فأدرجوه فيه و دفعوه إليها فمضت به و كان قد شد في رجله الى طنب فسطاط من فساطيطهم.

ص: 113

863 - عنه قال: و لما قتل عمار و من ذكرنا في هذا اليوم حرض علي (علیه السّلام) الناس و قال لربيعة: أنتم درعي و رمحي، فانتدب له ما بين عشرة آلاف الى اكثر من ذلك من ربيعة و غيرهم، قد جادوا بأنفسهم لله عز و جل و علي امامهم على البغلة الشهباء، و هو يقول:

من أي يومىَّ من الموت أفر *** أيومَ لم يُقدر أم يوم قدر

و حمل و حملوا معه حملة رجل واحد، فلم يبق لأهل الشام صف الا انتقض ، و أهمدوا كل ما أتوا عليه، حتى أتوا الى قبة معاوية، و علي لا يمر بفارس الاقده و هو يقول :

أضربهم و لا أرى معاوية *** الأخزر العين العظيم الحاويه

تهوي به في النار أم هاويه

و قيل ان هذا الشعر لبديل بن ورقاء، قاله في ذلك اليوم.

ثم نادى علي يا معاوية علام يقتل الناس بيني و بينك؟ هلم أحاكمك إلى الله فأينا قتل صاحبه استقامت له الأمور، فقال له عمرو :

قد أنصفك الرجل، فقال له معاوية ما أنصفت، و إنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله أو أسره، فقال له عمرو: و ما يجمل بك إلا مبارزته، فقال له معاوية طمعت فيها ،بعدي و حَقَدَها عليه .

و قد قيل في بعض الروايات: إن معاوية أقسم على عمرو لما أشار عليه بهذا أن يبرز إلى علي، فلم يجد عمرو من ذلك بداً، فبرز، فلما التقيا عرفه على وشال السيف ليضربه به فكشف عمرو عن عورته، و قال مُكرَهٌ أخوك لا بطل فحول علي وجهه عنه، و قال: قبحت و رجع عمرو الى مصافه.

864 - عنه قال: وقد ذكر هشام بن محمد الكلبي عن الشرقي بن

ص: 114

القطامي أن معاوية قال لعمرو بعد انقضاء الحرب: هل غششتني منذ نصحتني؟ قال: لا، قال: بلى و الله يوم أشرت علي بمبارزة علي و أنت تعلم ما هو ، قال : دعاك الى المبارزة فكنت من مبارزته على احدى الحسنيين:

أمّا أن تقتله فتكون قد قتلت قاتل الأقران وتزداد شرفاً الى شرفك إما أن يقتلك فتكون قد استعجلت مرافقة الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً، فقال معاوية يا عمرو، الثانية أشد من الأولى.

865 - عنه قال: وكان في هذا اليوم من القتال ما لم يكن قبل و وجدت في بعض النسخ من أخبار صفين أن هاشماً المزقال لما وقع الى الارض و هو يجود بنفسه رفع رأسه فإذا عبيد الله بن عمر مطروحاً الى قربه جريحاً، فحبا حتى دنا منه، فلم يزل يعض على ثدييه حتى ثبتت فيه أسنانه لعدم السلاح و القوة ،

لأنه أصيب فوقه ميتاً هو و رجل من بكر بن وائل قد زحفا الى عبيد الله جميعاً فنهشاه، و انصرف القوم الى مواضعهم، و خرج كل فريق منهم يحملون ما أمكن من قتلاهم.

و مر معاوية في خواص من أصحابه في الموضع الذي كانت ميمنته فيه، فنظر الى عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعي معفراً بدمائه، و قد كان على ميسرة علي، فحمل على ميمنة معاوية فأصيب على ما قدمنا آنفاً فأراد معاوية أن يمثل به فقال له عبد الله بن عامر و كان صديقاً لابن بديل: و الله لا تركتك و إياه، فوهبه ،له فغطاه بعمامته و حمله فواراه .

فقال له معاوية قد و الله واريت كبشاً من كباش القوم وسيداً من سادات خزاعة غير مدافع، و الله لو ظفرت بنا خزاعة لأكلونا، و لو أنا من جَنْدَل دون هذا الكبش و أنشأ يقول متمثلاً:

ص: 115

أخو الحرب إن عضَّتْ به الحرب عضها ***و إن شمّرت يوماً به الحرب شمرا

کلیت هِزَبْرِ كان يحمي ذماره *** رمته المنايا قصدها فتقطرا

866 - عنه قال: و نظر علي إلى غسان في مصافهم لا يزولون، فحرض أصحابه عليهم وقال إن هؤلاء لن يزولوا عن موقفهم دون طعن يخرج منه النسيم النسيم، و ضرب يفلق الهام و يصح العظام، و تسقط منه تسقط منه المعاصم و الأكف، و حتى تشدخ جباههم بعمد الحديد، و تنتثر لممهم على الصدور و ،الأذقان أين أهل الصبر وطلاب الأجر؟

فتاب إليه عصابة من المسلمين من سائر الناس، فدعا ابنه محمداً، فدفع إليه الراية و قال امش بها نحو هذه الراية مشياً رويداً، حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح، فأمسك حتى يأتيك أمري، ففعل، و أتاه علي و معه الحسن و الحسين (علیهما السّلام) و شیوخ بدر و غيرهم من الصحابة، و قد کردس الخيل ،

فحملوا على غسان و من يليها فقتلوا منها بشرا كثيراً، وعادت الحرب في آخر النهار كحالها في أوله و حملت ميمنة معاوية و فيها عشرة آلاف من مذحج و عشرون ألفاً مقنعون في الحديد على ميسرة علي فاقتطعوا ألف فارس فانتدب من أصحاب علي (علیه السّلام) عبد العزيز ابن الحارث الجعفي، وقال لعلي :

مرني بأمرك، فقال: شدّ الله ركنك سر حتى تنتهي الى إخواننا المحاط بهم و قل لهم: يقول لكم علي كبروا ثم احملوا و نحمل حتى نلتقي، فحمل الجعني، فطعن في عرضهم حتى انتهى إليهم، فأخبرهم بمقالة علي فكبروا

ص: 116

ثم شدوا حتى التقوا بعلي و شدخوا سبعمائة من أهل الشام و قتل حوشب ذو ظليم، و هو كبش من كباش اليمن من أهل الشام، و كان على راية ذهل بن شيبان وغيرها من ربيعة الحُضَين بن المنذر بن الحارث ابن وعلة ،الذهلي و فيه يقول علي في هذا اليوم:

لمن راية سوداء يخفق ظلها *** إذا قلت قدّمها حُضين تقدما

فأمره بالتقدم و اختلط الناس و بطل النبل، و استعملت السيوف، و جهنّم الليل و تنادوا بالشعار و تقصفت الرياح و تكادم القوم، و كان يعتنق الفارسُ الفارس ويقعان جميعاً الى الأرض عن فرسيهما، وكانت ليلة الجمعة - و هي ليلة الهرير -

فكان جملة من قتل علي بكفه في يومه و ليلته خمسمائة و ثلاثة و عشرين رجلًا أكثرهم في اليوم، و ذلك أنه كان إذا قتل رجلا كبر إذا ضرب، ولم يكن يضرب إلا قتل، ذكر ذلك عنه من كان يليه في حربه، و لا يفارقه من ولده و غيرهم.

و أصبح القوم على قتالهم و كسفت الشمس و ارتفع القتام و تقطعت الألوية و الرايات و لم يعرفوا مواقيت الصلاة، و غدا الأشتر يرتجز

و هو يقول:

نحن قتلنا حوشبا *** لما غدا قد أعلمها

و ذا الكلاع قبله *** و معبدا إذ أقدما

إن تقتلوا منا أبا ال *** يقظان شيخاً مسلما

فقد قتلنا منكم *** سبعين رأساً مجرما

أضحوا بصفين و قد *** لاقوا نكالا مؤلما

867 - عنه وكان الأشتر في هذا اليوم و هو يوم الجمعة - على ميمنة

ص: 117

علي، و قد أشرف على الفتح و نادت مشيخة أهل الشام يا معشر العرب الله الله في الحرمات و النساء و البنات و قال معاوية: هلم مخبآتك يا ابن العاص فقد هلكنا، وتذكر ولاية مصر ، فقال عمرو: أيها الناس من كان معه مصحف فليرفعه على رمحه ،

فكثر في الجيش رفع المصاحف و ارتفعت الضجة ونادوا كتاب الله بيننا و بينكم من لثغور الشام بعد أهل الشام؟ و من لثغور العراق بعد أهل العراق؟ و من الجهاد الروم؟ و من للترك؟ و من للكفار ؟

و رفع في عسكر معاوية نحو من خمسمائة مصحف، و في ذلك يقول النجاشي بن الحارث:

فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا *** عليها كتاب الله خير قران

و نادوا عليا: يا ابن عم محمد *** أما تتق أن يهلك الثقلان؟

فلما رأى كثير من أهل العراق ذلك قالوا: نجيب إلى كتاب الله ونُنيب اليه، و أحبّ القوم الموادعة، و قيل لعلي قد أعطاك معاوية الحق، و دعاك الى كتاب الله فاقبل منه، وكان أشدهم في ذلك اليوم الأشعث بن قيس،

فقال علي: أيها الناس إنه لم يزل من أمركم ما أحب حتى قرحتكم الحرب، و قد و الله أخذت منكم و تركت وإنى كنت بالأمس أميراً فأصبحت اليوم مأموراً، و قد أحببتم البقاء، فقال الأشتر :

ان معاوية لا خَلَفَ له من رجاله و لك بحمد الله الخلف، و لو كان له مثل رجالك لما كان له مثل صبرك و لا نصرك ،

فاقرع الحديد بالحديد و استعن بالله وتكلم رؤساء أصحاب علي بنحو من كلام الأشتر، فقال الأشعث بن قيس: إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس و لسنا ندري ما يكون غدا، و قد و الله فُل الحديد، وكَلَّت البصائر، و وقد

ص: 118

تكلم معه غيره بكلام كثير ،

فقال علي: ويحكم إنهم ما رفعوها لأنكم تعلمونها و لا يعلمون بها، و ما رفعوها لكم إلا خديعة ودهاء و مَكيدة، فقالوا له: إنه ما يسعنا أن تُدْعَى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله، فقال: ويحكم إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم الكتاب، فقد عصوا الله فيما أمرهم به، و نبذوا كتابه ،

فامضوا على حقكم و قصدكم، وخذوا في قتال عدوكم فإن معاوية و ابن العاص و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن النابغة وعدداً غير هؤلاء ليسوا بأصحاب دين و لا ،قرآن و أنا أعرف بهم منكم صحبتهم أطفالا و رجالا، فهم شر أطفال و رجال و جرى له مع القوم خطب طويل قد أتينا ببعضه و تهددوه ان يصنع به ما صنع بعثمان ،

و قال الأشعث: إن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد، قال: ذلك إليك فأتِهِ إن شئت فأتاه الأشعث فسأله، فقال له معاوية نرجع نحن و أنتم إلى كتاب الله و إلى ما أمر به في كتابه تبعثون منكم رجلا ترضونه و تختارونه و نبعث ،برجل و نأخذ عليهما العهد والميثاق ان يعملا بما في كتاب الله و لا يخرجا عنه، وننقاد جميعاً إلى ما اتفقا عليه من حكم الله،

فصوب الأشعث قوله و انصرف إلى علي، فأخبره ذلك، فقال أكثر الناس: رضينا و قبلنا و سمعنا وأطعنا، فاختار أهل الشام عمرو بن العاص، و قال الأشعث و من ارتد بعد ذلك إلى رأي الخوارج رضينا نحن بأبي موسى الأشعري فقال على (علیه السّلام) :

قد عصيتموني في أول هذا الأمر فلا تعصوني الآن، إني لا أرى ان أولي أبا موسى الأشعري، فقال الأشعث و من معه: لا نرضى إلا بأبي موسى الأشعري قال: ويحكم هو ليس بثقة قد فارقني و خَذَّل الناس مني، و فعل

ص: 119

كذا وكذا، و ذكر أشياء فعلها أبو موسى،

ثم إنه هرب شهوراً حتى ،أمنته لكن هذا عبدالله بن عباس أوليه ذلك، فقال الأشعث و أصحابه والله لا يحكم فينا مُضَريان، قال علي فالأشتر، قالوا: و هل هاج هذا الأمر إلا الأشتر، قال: فاصنعوا الآن ما أردتم و افعلوا ما بدا لكم أن تفعلوه ،

فبعثوا الى أبي موسى و كتبوا له القصة وقيل لأبي موسى: إن الناس قد اصطلحوا فقال : الحمد لله، قيل: وقد جعلوك حكماً، قال: إنا لله و إنا إليه راجعون.

868 - قال البلادزي: قالوا: كان جرير بن عبد الله البجلي بهمدان، فلما قدم علي (علیه السّلام) الكوفة عزله عنها و وجهه إلى معاوية يدعوه إلى طاعته، و أن يسلم له الأمر، و يدخل معه فيما دخل فيه أهل الحرمين و المصرين و غيرهم، فأتى فأتى جرير ،معاوية، ودعاه إلى ما أمره علي بدعائه إليه، فانتظر معاوية قدوم شرحبيل بن السمط الكندي عليه فقال له :جرير: إني قد رأيتك توقفت بين الحق و الباطل وقوف رجل ينتظر رأي غيره.

و قدم شرحبيل فقال له معاوية هذا جرير يدعونا إلى بيعة عليّ. فقام شرحبيل فقال: أنت عامل أمير المؤمنين عثمان، و ابن عمه و أولى الناس بالطلب بدمه وقتل من قتله. و لم ير جرير عند معاوية انقيادا له و لا مقاربة لذلك، فانصرف يائسا منه.

فلما قدم جرير على على (علیه السّلام) أسمعه مالك بن الحرث بن الأشتر و قال له: أنا أعرف غروراتك و غشّك ،و أن عثمان اشترى منك دينك بولاية همدان فخرج جریر فلحق بقر قيسيا، و لحق به قوم من قومه من قسر ،

و لم يشهد صفين من قسر غير تسعة عشر رجلا ،و شهدها من

ص: 120

أحمس سبعمائة. و أتى علي دار جرير فشعّت منها و حرق مجلسه حتى قال له أبو زرعة بن عمرو بن جرير أصلحك الله إن في الدار أنصباء لغير جرير. فكف على (علیه السّلام) .

869 - عنه قال: و قام أبو مسلم الخولاني - و اسمه عبد الرحمان و يقال: عبد الله بن مشكم - إلى معاوية فقال له على ما تقاتل عليا وليس لك مثل سابقته و قرابته و هجرته؟ فقال معاوية: ما أقاتله و أنا ادعي في الإسلام مثل الذي ذكرت أنه له و لكن ليدفع إلينا قتلة عثمان فنقتلهم به فإن فعل فلا قتال بيننا و بینه فقد يعلمون أن عثمان قتل مسلما محرما. قال: فاكتب إليه كتابا تسأله فيه أن يسلم إليك قتلة عثمان. فكتب إليه معاوية فيما ذكر الكلبي عن أبي مخنف، عن أبي روق الهمداني:

بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان، إلى علي بن أبي طالب.

أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه و جعله الأمين على وحيه، و الرسول إلى خلقه، ثم اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده بهم فكانوا في المنازل عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، و كان أنصحهم الله ورسوله خليفته ثم خليفة خليفته ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما عثمان ،

فكلهم حسدت و على كلهم بغيت ،عرفنا ذلك في نظرك الشزر، و قولك الهجر، و تنفسك الصعداء، وإبطائك عن الخلفاء، في كل ذلك تقاد كما يقاد الجمل المخشوش، و لم تكن لأحد منهم أشد حسدا منك لابن عمتك، و كان أحقهم أن لا تفعل به ذلك لقرابته و فضله،

فقطعت رحمه و قبحت حسنه و أظهرت له العداوة و بطنت له بالغشّ

ص: 121

و ألبت الناس عليه حتى ضربت آباط الإبل إليه من كل وجه، وقيدت إليه الخيل من كل أفق و شهر عليه السلاح في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل معك في المحلة و أنت تسمع الهائعة، لا تدرأ عنه بقول و لا فعل،

و لعمري يا بن أبي طالب لو قمت في حقه مقاما واحدا تنهى الناس فيه عنه، و تقبح لهم ما ابتهلوا منه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا، و لمحى ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانية له و البغي عليه. و أخرى أنت بها عند أولياء ابن عفان ظنينا إيواؤك قتلته فهم عضدك و يدك و أنصارك، و قد بلغني أنك تتنصل من دم عثمان و تتبرأ منه،

فإن كنت صادقا فادفع إلينا قتلته كي نقتلهم به، ثم نحن أسرع الناس إليك، وإلا فليس بيننا وبينك إلا السيف و و الذي لا إله غيره لنطلبن قتلة عثمان في الجبال و الرمال والبر والبحر حتى نقتلهم أو تلحق أرواحنا بالله و السلام.

فدفع الكتاب إلى أبي مسلم الخولاني وأمره أن يسير به إلى علي فصار به إلى الكوفة فأوصله إلى علي و اجتمع الناس في المسجد، و قرئ عليهم فقالوا: كلنا قتلة عثمان وكلنا كان منكرا لعمله، ولم يجبه علي إلى ما أراد، فجعل أبو مسلم يقول: الآن طاب الضراب. و كتب علي (علیه السّلام) إليه في جواب كتابة:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية ابن أبي سفيان.

أما بعد فإنّ أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه محمدا و ما أكرمه الله به من الهدى و الوحي، فالحمد لله الذي صدق له الوعد و مكّن له في البلاد، وأظهره على الدين كله، و قمع به أهل العداوة و الشنآن من

ص: 122

قومه الذين كذبوه و شنّعوا له و ظاهروا عليه و على أخراج أصحابه و قلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله و هم له كارهون، فكان أشد الناس عليه الأدنى فالأدنى من قومه إلا قليلا ممن عصم الله.

و ذكرت ان الله جلّ ثناؤه و تبارکت اسماؤه اختار له من المؤمنين أعوانا أيّده بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدم فضائلهم في الإسلام، فكان افضلهم خليفته و خليفة خليفته من بعده، و لعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم، و أن المصاب بهم لرزء جليل و ذكرت ان ابن عفان كان في الفضل ثالثا لهما ،

فإن يكن عثمان محسنا فسيلقى ربا شكورا يضاعف الحسنات ويجزي بها، و ان يكن مسيئا فسيلقى ربا غفورا رحيما لا يتعاظمه ذنب ان يغفره، و إني لأرجو إذا اعطى الله المؤمنين على قدر اعمالهم أن يكون قسمنا اوفر قسم أهل بيت من المسلمين.

إن الله بعث محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فدعا إلى الايمان بالله و التوحيد له، فكنا أهل البيت أول من آمن و أناب، فمكتنا و ما يعبد الله في ربع سكن من ارباعي العرب احد غيرنا فبغانا قومنا الغوائل و هموا بنا الهموم و ألحقوا بنا الوشائط و اضطرونا إلى شعب ضيق، و وضعوا علينا فيه المراصد ،

و منعونا من الطعام والماء العذب، وكتبوا بينهم كتابا ان لا يواكلونا و لا يشاربونا ولا يبايعونا و لا يناكحونا ولا يكلمونا أو ندفع إليهم نبينا فيقتلوه او يمثلوا به و عزم الله لنا على منعه و الذب عنه، وسائر من أسلم من قريش أخلياء مما نحن فيه منهم من حليف ممنوع و ذي عشيرة لا تبغيه كما بغانا قومنا ،

فهم من التلف بمكان نجوة و أمن فمكتنا بذلك ما شاء الله، ثم أذن الله

ص: 123

لرسوله في الهجرة و أمره بقتال المشركين فكان إذا حضر البأس ودعيث نزال قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه، فقتل عبيدة يوم بدر و حمزة يوم احد و جعفر يوم مؤتة و تعرض من لو شئت ان اسميه سميته لمثل ما تعرضوا له من الشهادة لكن آجالهم حضرت و منيّته اخرت.

و ذكرت إبطائي عن الخلفاء و حسدي لهم، فأما الحسد فمعاذ الله ان أكون أسررته أو أعلنته، و أما الإبطاء عنهم فما أعتذر إلى الناس منه، و لقد أتاني ابوك حين قبض رسول الله و بايع الناس أبا بكر، فقال: أنت أحق الناس بهذا الأمر،

فأبسط يدك أبايعك. قد علمت ذلك من قول أبيك، فكنت الذي أبيت ذلك مخافة الفرقة، لقرب عهد الناس بالكفر و الجاهلية، فإن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك و إلا تفعل فسيغني الله عنك.

و ذكرت عثمان و تأليبي الناس عليه، فإنّ عثمان صنع ما رأيت فركب الناس منه ما قد علمت و أنا من ذلك بمعزل إلا أن تتجنّى فتجنّ ما بدا لك. و ذكرت قتلته - بزعمك - و سألتني دفعهم إليك و ما أعرف له قاتلا بعينه، و قد ضربت الأمر أنفه و عينيه فلم أره يسعني دفع من قبلي ممن اتهمته و أظننته إليك، و لئن لم تنزع عن غيك و شقائك، لتعرفنّ الذين تزعم أنهم قتلوه طالبين لك لا يكلفونك طلبهم في سهل و لا جبل و السلام: و أنفذ علي الكتاب إلى معاوية مع أبي مسلم الخولاني. وقد قال بعض الرواة: أن أبا هريرة الدوسي كان مع أبي مسلم.

870 - عنه حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الوارث بن محرر، قال: بلغني أن عمرو بن العاص لما عزله عثمان بن عفان عن مصر، قال له: يا أبا عبد الله أعلمت أن اللقاح بمصر درت بعدك ألبانها؟

ص: 124

فقال: لأنكم أعجفتم أولادها. فكان كلاما غليظا فلما تكلم الناس في أمره أتاه فقال: لقد ركبت بالناس النهابير، فأخلص التوبة و راجع الحق.

فقال له: و أنت أيضا يا بن النويبغة تؤلب علي لأن عزلتك عن مصر، لا ترى لي طاعتك؟ فخرج إلى فلسطين فنزل ضيعة له بها يقال لها: ،عجلان و بها له ،قصر فكان يحرض الناس على عثمان حتى الرعاة، فلما بلغه أنه محصور قال: العير يضرط و المكواة في النار. ثم بلغه قتله فقال:

أنا أبو عبد الله، إنى إذا حككت قرحة أدميتها - أو قال: نكأتها - ثم سلم دعا ابنيه عبد الله و محمدا فقال لهما ما تريان؟ فقال له عبد الله : قد س- دينك وعرضك إلى اليوم، فاقعد بمكانك و قال له محمد بن عمرو أخملت نفسك و أمت ذكرك فانهض مع الناس في أمرهم هذا و لا ترض بالدنية في العرب.

فدعا عمرو وردان مولاه فأمره بإعداد ما يحتاج إليه و شخص إلى معاوية فكان معه و هو لا يشركه في أمره، فقال له: إني قصدت إليك و أنا اعرف موضع الحق لتجعل لي في أمرك هذا حظا إذا بلغت إرادتك، و لأن تشركني في الرأي و التدبير.

فقال له معاوية: نعم و نعمة عين قد جعلت لك ولاية مصر. فلما خرج من عند معاوية قال لابنيه قد جعل لي ولاية مصر. فقال له: محمد ابنه: و ما مصر في سلطان العرب. فقال: لا أشبع الله بطن من لم تشبعه مصر.

871 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا بشير بن عقبة أبو عقيل عن الحسن قال: لما كان من أمر علي و معاوية ما كان، دعا معاوية عمرو بن العاص إلى قتال علي فقال: لا والله لا

ص: 125

أظاهرك على قتاله حتى تطعمني مصر، فأبى عليه فخرج مغضبا. ثم إن معاوية ندم و قال: رجل طلب إليّ في شيء على هذا الحال فرددته؟ فأجابه إلى ما سأل.

872 - عنه حدثنا خلف بن سالم، و أحمد بن إبراهيم، قالا حدثنا وهب ابن جرير عن جويرية بن أسماء عن عبد الوهاب الزبيري عن أشياخه قالوا: لما وقعت الفتنة لم يكن أحد من قريش أعفا فيها من عمرو بن العاص أتى مكة فأقام بها، فلم يزل كافا حتى كانت وقعة الجمل، فقال لابنيه: إني قد ألقيت نفسي بين جزاري مكة و ما مثلي رضي بهذه المنزلة فإلى من تريان أن أصير؟

فقال له عبد الله: صر إلى علي. فقال: إن عليا يقول لي إذا أتيته: أنت رجل من المسلمين لك ما لهم و عليك ما عليهم و معاوية يخلطني بنفسه و يشركني في أمره قالوا فأت معاوية فأتاه فما خير له.

873- عنه عن المدائني، عن سلمة بن محارب: كتب معاوية إلى عمرو بن العاص و هو بفلسطين بخبر طلحة والزبير، و أن جرير بن عبد الله قد أتاه يطلب بيعته لعلي. فقدم عليه.

874 - عنه عن المدائني عن عيسى بن يزيد الكناني أن عليا لما بعث جرير ابن عبد الله إلى معاوية ليأخذ له البيعة عليه، قدم جرير عليه و هو جالس و الناس عنده فأعطاه كتاب علي فقرأه ثم قام جرير فقال: يا أهل الشام إن من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، قد كانت بالبصرة ملحمة إن يسفح البلاء بمثلها فلا بقاء للإسلام بعدها.

فاتقوا الله و روؤا في علي و معاوية و انظروا أين معاوية من علي، و أين أهل الشام من المهاجرين والأنصار، ثم انظروا لأنفسكم فلا يكون أحد

ص: 126

أنظر لها منها. ثم سكت و سكت معاوية فلم ينطق و قال: أبلعني ريقي يا جرير. فأمسك جرير فكتب معاوية من ليلته إلى عمرو بن العاص - و هو على ليال منه - في المصير إليه - وصرف جريرا بغير إرادته - و كان كتابه إلى عمرو:

أما بعد فقد كان من أمر علي و طلحة و الزبير، ما قد بلغك، و قد سقط إلينا مروان في جماعة من أهل البصرة ممن رفض عليا و أمره، وقدم علي جرير بن عبد الله في بيعة علي و حبست نفسي عليك حتى تأتيني، فاقدم عليّ على بركة الله وتوفيقه.

فلما أتاه الكتاب دعا ابنيه عبد الله و محمدا فاستشارهما، فقال له عبد الله: أيها الشيخ إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قبض و هو عنك راض و مات أبو بكر و عمر و هما عنك راضيان، فإياك أن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها من معاوية، فتكبّ كبّا في النار.

ثم قال عمر و لمحمد ما ترى؟ فقال: بادر هذا الأمر تكن فيه راسا قبل أن تكون ذنبا. فروّى عمرو في ذلك:

رأيت ابن هند سائلي أن أزوره *** و تلك التي فيها انتياب البواثق

أتاه جرير من علي بخطة *** أمرت عليه العيش مع كل ذائق

فو الله ما أدري إلى أي جانب *** أميل و مهما قادني فهو سائقي

أ أخدعه عه و الخدع فيه دناءة *** أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق

و قد قال عبد الله قولا تعلقت *** به النفس إن لم تعتلقني غلائقي

و خالفه فيه أخوه محمد *** و إني لصلب العود عند الحقائق

فلما سمع عبد الله بن عمرو هذا الشعر، قال: بال الشيخ على عقيبه و باع دينه، فلما أصبح عمرو دعا مولاه وردان فقال: ارحل بنا یا وردان

ص: 127

فرحل ثم قال: حط فحط ففعل ذلك مرارا فقال له وردان أنا أخبرك بما في نفسك، اعترضت الدنيا و الآخرة في قلبك فلست تدري أيتهما تختار.

قال: الله درك ما أخطأت فما الرأي؟ قال: تقيم في منزلك فإن ظهر أهل الدين عشت في دينهم و إن ظهر أهل الدنيا لم يستغن عنك فقال عمرو: ارحل يا وردان على عزم و أنشأ يقول:

يا قاتل الله وردانا و فطنته *** أبدى لعمرك ما في النفس وردان.

ثم قدم على معاوية فذاكره أمره، فقال: أما علي فلا تسوى العرب بينك و بينه في شيء من الأشياء، و إن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش قال صدقت و إنما نقاتله على ما في أيدينا و نلزمه دم عثمان. فقال :عمرو و إنّ أحق الناس أن لا يذكر عثمان لأنا و أنت،

أما أنا فتركته عيانا و هربت إلى فلسطين، و أما أنت فخذلته و معك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار إليه، فقال معاوية: دع ذا وهات .

يا قاتل الله وردانا و قدحته *** ابدى لعمرك ما في القلب وردان

فبايعني. قال: لا لعمرو الله لا أعطيك ديني حتى آخذ من دنياك؟ فقال معاوية سل قال مصر تطعمني إيّاها. فغضب مروان بن الحكم و قال ما لي لا أستشار؟

فقال معاوية: اسكت فما يستشار إلا لك. فقام عمرو مغضبا فقال له معاوية يا أبا عبد الله اقسمت عليك أن تبيت الليلة عندنا. و كره أن يخرج فيفسد عليه الناس فبات عمرو عنده و قال:

معاوي لا أعطيك دينى و لم أنل *** به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

فإن تعطني مصرا فأربح صفقة *** أخذت بها شيخا يضر و ينفع

ص: 128

و ما الدين والدنيا سواء و إنني *** لآخذ ما تعطي و رأسي مقنّع

و لكنني أعطيك هذا وإنني *** لأخدع نفسي و المخادع يخدع

فلما أصبح معاوية دخل عليه عتبة بن أبي سفيان فقال له: يا معاوية ما تصنع ؟ أما ترضى أن تشتري من عمرو دينه بمصر. فأعطاه إياها وكتب له كتابا أن لا ينقض شرط طاعة. فمحا عمر و ذلك وقال: اكتب :

لا ينقض طاعة شرطا. فقال له عتبة بن أبي سفيان:

أيها المانع سيفا لم يهز*** إنما ملت إلى خزّ و قز

إنما أنت خروف واقف *** بين ضرعين وصوف لم يجز

أعط عمروا إن عمروا باذل *** دینه اليوم لدنيا لم تحز

أعطه مصرا و زده مثلها *** إنما مصر لمن عزّ فبز

إن مصرا لعلى أو لنا *** يغلب اليوم عليها من عجز

و قال معاوية فيما جاء به جرير بن عبد الله:

تطاول ليلى واعترتني وساوسي *** لآت أتى بالترهات البسابس

أتانا جرير من علي بحمقه *** و تلك التي فيها اجتداع المعاطس

يكاتبني و السيف بيني و بينه *** و لست لأثواب الذليل بلابس

و قد منحتني الشام أفضل طاعة *** تواصي بها أشياخها في المجالس

و إني لأرجو خير ما نال طالب *** وما أنا من ملك العراق بيائس

875 - عنه و كان هشام بن عمار يقول: هذا حديث مصنوع الشعر أتانا من ناحية العراق. و قال الهيثم بن عدي لما كتب معاوية إلى علي يطلب منه قتلة عثمان، كتب الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلي معاوية – و الوليد بالرقة:

معاوية إنّ الشام شامك فاعتصم *** بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا

ص: 129

و حام عليه بالقبائل و الفنا *** و لا تك ذا عجز و لا تلف وانيا

فإن كتابا يا بن حرب كتبته *** على طمع يجني عليك الدواهيا

سألت عليا فيه ما لا تناله *** و لو نلته لم يبق إلا لياليا

و إن عليا ناظر ما تريغه *** فأوقد له حربا تشيب النواصيا

و كتب الوليد بن عقبة أيضا إلى معاوية يحرضه على قتال علي (علیه السّلام) و أهل العراق:

ألا أبلغ معاوية بن حرب *** فإنك من أخي ثقة مليم

يمنيك الخلافة كل ركب *** لأنقاض العراق بهم رسيم

فإنّك و الكتاب إلى عليّ *** كحالية و قد حلم الأديم

طويت الدهر كالسدم المعنى *** تهدر في دمشق و ما تريم

لك الخيرات فابعثنا عليهم *** فخير الطالبي الترة الغشوم

و قومك بالمدينة قد أصيبوا *** فهم صرعی مرعى كأنهم الهشيم

هم جدعو الأنوف فأوعبوها *** و لم يتقوا فقد بلغ الصميم

فلو كنت القتيل و كان حيا *** لشمّر لا ألفّ و لا سوّم

و كتب إليه معاوية ببيت أوس بن حجر التميمي:

و مستعجم لا ترعوي من إيابنا *** و لوز بنته الحرب لم يترمرم

و قال النجاشي الحارثي :

معاوي قد كنت رخو الخناق *** فسعرت حربا تضيق الخناقا

فإن يكن الشام قد أصفقت عليك *** ابن حرب فإن العراقا

أجابت عليا إلى دعوة *** تعزّ الهدى و تذل النفاقا

876- عنه قالوا: وكانت أم حبية بنت أبي سفيان زوج النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بعثت بقميص عثمان إلى معاوية، فأخذه أبو مسلم الخولاني من معاوية ،

ص: 130

فكان يطوف به في الشام في الأجناد و يحرّض الناس على قتلة عثمان. و كان كعب بن عجرة الأنصاري أيضا ممن بالغ في الحث على الطلب بدم عثمان.

877- عنه حدثني العمري، عن الهيثم بن عدي، عن ابن عياش و عوانة قالا: قال علي (علیه السّلام):

لأصبحن العاصي بن العاصي *** تسعين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص *** آساد غيل حين لا مناص

مجنّبين الخيل بالقلاص

فبلغ عمرو بن العاص ذلك، فقال مجيبا له:

خوفتني بلابس الدلاص *** و القائدى الخيل مع القلاص

أهون بقوم في الوغى نكاص *** لو قد رأوها ينقض النواصي

لقال كل أرني خلاص

و قال معاوية - حين بلغه جدّ علي في النهوض نحوه و هو في طريق صفين - :

لا تحسبنى يا على غافلا *** لأوردن الكوفة القنابلا

و المشرفي و القنا الذوابلا *** من عامنا هذا و عاما قابلا

فقال علي (علیه السّلام):

أصبحت عني يا بن هند غافلا *** اني لرام منكم الكواهلا

بالحق و الحق يزيل الباطلا *** هذا لك العام و عاما قابلا

878- عنه قالوا و :لما أجمع أمير المؤمنين على المسير إلي معاوية، كتب إلى عمّاله على النواحي في القدوم عليه، فاجتمعوا عنده، و استخلف عبد الله بن عباس أبا الأسود الدئلي على صلاة البصرة وزيادا على الخراج، ثم قدم

ص: 131

الكوفة و جعل عليّ يخطب الناس و يحضّهم على محاربة معاوية و أهل الشام.

فقام رجل من فزارة يقال له: أربد بن ربيعة، فقال: يا علي أتريد أن تغزو بنا أهل الشام فنقتلهم كما قتلنا إخواننا من أهل البصرة؟ هذا و الله ما لا يكون فوثب إليه الأشتر و عنق من الناس فخرج هاربا فلحقوه بمكان كانت الدواب تباع فيه فوطئوه و ضربوه حتى مات فقال أبو علاقة التيمي تيم ربيعة:

معاذ إلهي أن تكون منيتي *** كمامات في سوق البراذين أربد

تعاوره قراؤنا بنعالهم *** إذا رفعت عنه يد وقعت يد

879 - عنه في رواية محمد بن إسحاق بن يسار: ان عليا كتب إلى معاوية يدعوه إلى بيعته و حقن دماء المسلمين و بعث بكتابه مع ضمرة بن يزيد و عمرو بن زرارة النخعي فقال معاوية: إن دفع إلي قتلة ابن عمي و أقرني على عملي بايعته، وإلا فاني لا أترك قتلة ابن عمي و أكون سوقة؟ هذا ما لا يكون ولا أقار عليه.

880- عنه قال أبو مخنف و غيره: قام علي خطيبا فأمر الناس بالمسير إلى الشام، فقال له: يزيد بن قيس الأرحبي: إن الناس على جهاز و هيئة و أهبة و عدّة، و أكثرهم أهل القوة و ليست لهم علة، فمر مناديك فليناد في النّاس أن يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة.

و قال عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي: إن أخا الحرب غير السوم و لا النوم و لا الذي إذا أمكنته الفرص املى و استشار فيها و لا من أخر عمل اليوم إلى غد. ويقال: إن الذي قال هذا القول يزيد بن قيس الأرحبي.

ص: 132

و تكلم زياد بن النضر الحارثي فصدق هذا القول. و تكلم الناس .بعد فدعا علي الحارث الأعور - و هو الحرث بن عبد الله الهمداني - فأمره أن ينادي في النّاس أن يغدوا إلى معسكرهم بالنخيلة- و هو على ميلين من الكوفة - ففعل، وعسكر علي (علیه السّلام)و الناس معه.

و كان عبيد الله بن عمر بن الخطاب لما قتل أبوه، اتّهم الهرمزان، و رجلا من أهل الحيرة - نصرانيا كان سعد بن أبي وقاص أقدمه المدنية معه فكان يعلم ولده و الناس الكتاب و الحساب يقال له: جفينة - بالموالات لأبي لؤلؤة، فقتلها وقتل ابنة أبي لؤلؤة، فوقع بينه و بين عثمان في ذلك كلام حتى تغاضبا ثم بويع على (علیه السّلام) .

فقال: لأقيدنّ منه من قتل ظلما فهرب إلى الكوفة فلما قدمها على نزل الموضع الذي يعرف بكويفة ابن عمر ، و إليه ينسب - و دسّ من طلب له من علي الأمان، فلم يؤمنه وقال لئن ظفرت به فلا بد لي من أن أقيد منه و أقتله بمن قتل. فأتاه الأشتر - وكان أحد من طلب له الأمان - فأعلمه بما قال على (علیه السّلام)، فهرب إلى معاوية.

و كان مع عبد الله بن عباس - حين قدم من البصرة - خالد بن المعمر الذهلي ثم السدوسي علي بني بكر بن وائل و عمرو بن مرحوم العبدي ثم الحصري أو العصري على عبد القيس و صبرة بن شيمان الأزدي على الأزد و قيل:

إنه لم يحضر من أزد البصرة إلا عبد الرحمان بن عبيد و أقل من عشرة نفر. و شريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية و الأحنف ابن قيس على بني تميم وضبة و الرّباب.

و قد كان الأحنف و شريك قدما الكوفة مع علي فردهما إلى البصرة

ص: 133

ليستنفرا هما ولا الذين ساروا معهما إلى الكوفة.

و يقال: إنهما شيّعاه فردّهما قبل أن يبلغا الكوفة ليستنفرا الناس إليه ففعلا، ثم أشخصها ابن عباس معه. و قدّم عليّ أمامه زياد بن النضر و شريح بن هانئ الحارثيين، ثم اتبعها. و خلّف على الكوفة أبا مسعود عقبة الأنصارى و ولى المدائن أخا عدي ابن حاتم الطائي لأمه، و اسمه لأم بن زياد بن عطيف بن سعيد بن الحشرح الطائي.

و وجه معقل بن قيس الرياحي في ثلاث آلاف لتسكين الناس و ،أمانهم، وأمره أن يأخذ على الموصل و نصيبين و رأس العين حتى يصير إلى الرقة، ففعل ذلك.

و سار علي حتى عبر الصراة، ثم أتى المدائن ثم الأنبار، و على طلائعه سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد، و قصد قصد الرقة، و أخذ على شاطئ الفرات من الجانب الجزري.

و كان الأشعث بن قيس بآذربيجان، فلما قدم علي الكوفة، عزله و أمر بمحاسبته فغضب وكاتب معاوية، فبعث إليه من طريقه قبل أن ينفذ من الكوفة حجر بن عدي الكندي و أمره أن يوافيه به بصفين، فوافاه بها و قد صار على إليها أو قبل ذلك.

و قوم يقولون: إن عثمان ولى الأشعث آذربیجان فأقره على عليها يسيرا ثم عزله عنها و ولاه حلوان و نواحيها فكتب إليه في القدوم، فقدم الكوفة من حلوان، فحاسبه على مالها و مال آذربیجان، فغضب الأشعث و كاتب معاوية، و الله أعلم.

881 - عنه قالوا وكتب عليّ من طريقه إلى معاوية و من قبله كتابا يدعوهم فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و حقن دماء الأمة فكتب إليه

ص: 134

معاوية :

ليس بيني و بين قيس عتاب *** غير طعن الكلى و ضرب الرقاب

فقال عليّ: قاتلت الناكثين، وهؤلاء القاسطون وسأقاتل المارقين. و وافا عليّ الرّقة و بها جماعة ممن هرب إليها من الكوفة من العثمانية الذين أهواؤهم مع معاوية، مثل الوليد بن عقبة بن أبي معيط، و سماك بن مخرمة بن حمين الأسدي الذي مدحه الأخطل فقال:

إن سماكا بنى مجدا لأسرته *** حتى الممات و فعل الخير يبتدر

و مثل المحتمل بن سماعة بن حصين بن دينار الجعفى، و شمر بن الحرث ابن البراء الجعني و القشعم بن عمرو بن نذير أو تدير بن البراء الجعني سلمان بن ثمامة بن شراحيل الجعني و غيرهم، فأمر علي أهل الرقة أن يتخذوا له جسرا يعبر عليه، فأبوا، فسار يريد جسر منبج للعبور عليه، و أقام مالك بن الحرث الأشتر النخعي بعده فقال:

أقسم بالله يا أهل الرقة لئن لم تتخذوا لأمير المؤمنين جسرا عند مدينتكم حتى يعبر عليه، لأجردنّ فيكم السيف فعقدوا الجسر، و بعث الأشتر إلى عليّ فردّه من دون المنزل، فعبرت الأثقال و الرجال، و أمر على الأشتر أن يقف في ثلاثة آلاف حتى لا يبق من الناس أحد إلا عبر ثم عبر أمير المؤمنين علي و الأشتر آخر الناس.

و دعا علي بزياد بن النضر، و شريح بن هانئ فأمضاهما أمامه على هيئتهما، وكانا قد أخذا على طريق ،هيت ثم عبرا منها و لحقاه بقرقيسيا و سارا معه إلا أنهما يقدمان عسكره، و جعل الأشتر أميرا عليهما، فلقيهم أبو الأعور السلمي و هو على مقدمة معاوية - واسم أبي الأعور عمرو بن سفيان بن سعيد بن قائف بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالح - فحاربوه

ص: 135

ساعة عند المساء ثم انصرفوا.

و نزل معاوية و من معه على الفرات على شريعة سبقوا إليها لم يكن هناك شريعة غيرها و قال لا تسقوا أصحاب علي الماء كما منعوه أمير المؤمنين عثمان.

و قال الهيثم بن عدي: لما نزل معاوية صفين قال بعض الشعراء:

أيمنعنا القوم ماء الفرات *** و فينا السيوف و فينا الجحف

و فينا علي له سورة *** إذا خوّفوه الردى لم يخف

و نحن الذين غداة الزبير *** وطلحة خضنا غمار التلف

فما بالنا أمس أسد العرين *** و ما بالنا اليوم فينا الضعف

و كان الوليد بن عقبة قد صار إلى معاوية، فكان أشد الناس فى ذلك.

و قوم :يقولون إن الوليد كان معتزلا بالرّقة و الثبت انه صار إلى صفين. قالوا فقاتل أصحاب علي و معاوية على الماء أشد قتال حتى غلبوا على الشريعة، وجعل عبد الله بن أحمر يقول:

خلّوا لنا عن الفرات الجاري *** و أيقنوا بجحفل جرّار

بكل قرم مستميت شار *** مطاعن بر محه كرار

و أقبل أمير المؤمنين علي فكان نزوله صفين لليال بقين من ذي الحجة سنة ست وثلاثين، فغلب و أصحابه على الماء، فأمر (علیه السّلام) عنه أصحابه أن لا يمنعوا أصحاب معاوية الماء، فجعل السقاة يزدحمون عليه.

و يقال: إن معاوية لما رأى شدة قتالهم على تلك الشريعة أرسل إلى أصحابه أن خلّوا عن الماء ليشربوا وتشربوا.

882 - عنه حدثنا أبو خيثمة، حدثنا وهب بن جرير، حدثني ابن - جعدبة حدثني صالح بن كيسان قال: لما بلغ معاوية و أهل الشام قتل

ص: 136

الزبير، و طلحة، وظهور عليّ على أهل البصرة، دعا معاوية أهل الشام إلى القتال على الشورى و الطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميرا غير خليفة، فخرج على رأس سنة أو أكثر من مقتل عثمان و خرج علي حتى التقوا بصفين.

883 - عنه حدثني أبو مسعود الكوفي، عن عوانة بن الحكم عن عن أبيه قال: كتب عليّ إلى عماله في القدوم عليه و استخلاف من يثقون به، و كتب إلى سهل بن حنيف في القدوم عليه و ولّي مكانه قثم بن العباس ابن عبد المطلب إلى ما كان يلي من مكة.

و كان قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري بالمدينة، قد قدم من مصر، و في قلبه على عليّ شيء لعزله إياه عنها، فأقام بالمدينة متخلفا عنه.

و كان مروان و الأسود بن أبى البختري بن هاشم بن الحرث بن أسد ابن عبد العزى بن قصي - صاحبي معاوية - بالمدينة، و المكاتبين له، و المثبطين عن عليّ، فلقيا قيسا بماكره و تو عداه بالقتل، فلما أراد سهل بن حنيف الشخوص إلى علي خاف قيس أن يبقى بعده فيقتلاه أو ينالاه بمكروه في نفسه،

فشخص مع سهل إلى علي (علیه السّلام) فكتب معاوية إلى مروان و الأسود يلومهما و يقول: لو أمددتما عليا بعشرة آلاف فارس ما كان ذلك بأغيظ لي من إمداد كما إياه بقيس بن سعد، و هو في رأيه وقوة مكيدته على ما تعلمان و كان قيس جوادا حازما ذا مكيدة.

884 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير بن حازم عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان قال: عزل علي قيس بن سعد، عن مصر، فلحق بالمدينة و بها مروان و الأسود بن أبي البختري، فبلغه

ص: 137

عنهما أمر خافه و خشي أن يأخذاه فيقتلاه أو يحبساه، فركب راحلته و أتى عليا ،

فكتب معاوية إلى مروان و الأسود يعنفهما و يقول :أمددتما عليا بقيس و رأيه و ،مكيدته و الله لو أمددتماه بمائة ألف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ لي من إخراجكما قيسا إليه، والله لقد كان قيس يداري لعلي أمورا يقصر رأي عليّ عنها. قال: فشهد قيس معه صفين ثم ولاه آذربيجان.

4885 - عنه قال أبو مخنف و عوانة و غيرهما: مكث علي و معاوية في عسكريهما يومين، لا يرسل أحدهما إلى صاحبه، ثم إن عليا دعا سعيد بن قيس الهمداني، و بشير بن عمرو بن محصن أبا عمرة الأنصاري من بني النجار و شبث بن ربعي الرياحي من بني غنم و عدي بن حاتم الطائي، و يزيد بن قيس و زياد بن خصفة .

فقال لهم: ائتوا هذا الرجل و ادعوه إلى الله وكتابه و إلى الجماعة و الطاعة، ففعلوا فقال معاوية و أنا أدعو صاحبكم إلى أن يسلم من قبله من قتلة عثمان إلي لأقتلهم ،به ثم يعتزل الأمر حتى يكون شورى.

886- عنه قالوا: فتقاتل القوم باقي ذي الحجة، فكان هذا يخرج وجوه أصحابه و يخرج ذاك وجوه أصحابه نوائب فيقتتلون. ثم إن عليا و معاوية تراسلا في المحرم - و هما متوادعان - فقال حابس بن سعد الطائي من أهل الشام:

كأنك بالتذابح بعد سبع *** بقين من المحرم أو ثمان

تكون دماؤنا حلقا حلالا *** لأهل الكوفة الحمر السّمان

و كان قول معاوية قولا واحدا لا ينثني عنه، فبعث إليه علي: لا أبق الله عليك إن أبقيت و لا أرعى عليك إن رعيت.

ص: 138

فلما أهل هلال صفر من سنة سبع و ثلاثين، أمر علي فنودي في أهل الشام بالإعذار إليهم و حرّض الناس و أوصاهم أن يغضوا الأبصار و يخفضوا الأصوات و يقلوا الكلام، و يوطّنوا أنفسهم على المجالدة و المنازلة و يستشعروا الصبر.

و جعل على ميمنته عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، و على ميسرته محمد بن علي بن أبي طالب و على خيل الكوفة مالك بن الحرث الأشتر، و على رجالتهم عمار بن ياسر، و على خيل أهل البصرة سهل بن حنيف، و على رجالة أهل البصرة قيس بن سعد بن عبادة، و هاشم بن عتبة بن أبي وقاص - و هو المرقال - و كان أعور أصيبت عينه يوم اليرموك بالشام.

و كان شمر بن ذي الجوشن في كتيبة فيما يقول بعضهم و كان مسعر ابن فدكي على القراء.

و قال الكلبي: كانت راية علي يوم صفين مع عمرو بن الحرث بن عبد يغوث بن قشر الهمداني.

و بعث علي إلى معاوية: أن اخرج إلي أبا رزك. فلم يفعل و كان القتال في أول يوم - و هو يوم الأربعاء في صفر - بين حبيب بن مسلمة الفهري و الأشتر، فانصرفا على انتصاف ثم كان القتال في اليوم الثاني بين هاشم بن عتبة المرقال و أبي الأعور السلمي و في اليوم الثالث بين عمرو بن العاص و عمار بن ياسر.

و في اليوم الرابع بين محمد بن علي بن أبي طالب، و عبيد الله بن عمر ابن الخطاب، فنادى أهل الشام معنا الطيب ابن الطيب ابن عمر بن الخطاب . فرد أصحاب عليّ عليهم: معكم الخبيث بن الطيب.

ص: 139

و كان القتال في اليوم الخامس بين عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، و الوليد بن عقبة بن أبي معيط ،فجعل الوليد يسبّ بني عبد المطلب و يقول: قطعتم الأرحام وطلبتم ما لم تدركوه.

و من قال: إن الوليد اعتزل القتال قال كان القتال في اليوم الخامس بين عبد الله بن عباس، و ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج الطائي، و هو من الشام وفيه يقول الشاعر:

ليبك على ملحان ضيف مدقّع *** و أرملة تزجي مع الليل أرملا

و في اليوم السادس كان القتال بين سعيد بن قيس أو قيس بن سعد، و بين ابن ذي الكلاع.

و في اليوم السابع بين الأشتر أيضا و حبيب بن مسلمة.

فلما كان اليوم الثامن عبّاً على الناس على ما كان رتبهم عليه، و عبّاً معاوية أهل الشام و اقتتلوا قتالا ،شدیدا و جعل علي يقول لكل قبيلة من أهل الكوفة كفوني قبيلتكم من أهل الشام.

ثم غدوا يوم الخميس فاقتتلوا أبرح قتال و انتهت الهزيمة إلى علي فقاتل مع الحسن و الحسين (علیهم السّلام)، و قتل زیاد بن النضر الحارثي و عبد ا د الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، و انهزمت ميمنة علي ثم ثابوا فأهمّت أهل الشام أنفسهم وكثر القتل و الجراح فيهم وركب معاوية فرسه و جعل ينشد شعر ابن أطنابة الأنصاري - و هو عمرو بن عامر الخزرجي، و أمه الأطنابة بنت شهاب من بلقين:

و قولي كلما جشأت و جاشت *** مكانك تحمدي أو تستريحي

فكان معاوية يقول بعد ذلك ركبت فرسي و من شأني الهرب حتى ذكرت شعر ابن الأطنابة :

ص: 140

أبت لي عفتي و أبا حيائي *** و إقدامي على البطل المشيح

و قولي كلما جشأت و جاشت *** مكانك تحمدي أو تستريحي

قال: فأمسكني عن الهرب.

و قتل حابس بن سعد الطائي من أهل الشام قتله الحمارس من أهل الكوفة فشد عليه زيد بن عدي بن حاتم فقتله و لحق بمعاوية، ثم رجع بعد إلى الكوفة، فخرج في جماعة يصيب الطريق فقتلته خيل للمغيرة بن شعبة، و هو عامل معاوية على الكوفة. وقال بعضهم: قتل مع الخوارج بالنهروان .

و قال شقيق بن ثور السدوسي يا معشر ربيعة لا عذر لكم إن قتل علي و منكم رجل حي. فتمثل على (علیه السّلام) قول رجل منهم يوم الجمل:

لمن راية سوداء يخفق ظلّها *** إذا قيل : قدّمها حضين فقدما

887 - عنه المدائني عن عيسى بن يزيد، قال: لما قامت الحرب بين علي و معاوية بصفين فتحاربوا أياما قال معاوية لعمرو بن العاص في بعض أيامهم إن رأس الناس مع علي عبد الله بن عباس، فلو القيت إليه كتابا تعطفه به، فإنه إن قال قولا لم يخرج منه علي و قد أكلتنا هذه الحرب.

فقال عمرو: إن ابن عباس أريب لا يخدع و لو طمعت فيه لطمعت في علي. قال: صدقت إنه لأريب و لكن اكتب إليه على ذلك. فكتب إليه عمرو:

من عمرو بن العاص إلى عبد الله بن العباس، أما بعد فإن الذي نحن و أنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء، و ساقه سفه العاقبة، و أنت رأس هذا الأمر بعد علي، فانظر فيما بقي بغير ما ،مضي فو الله ما أبقت هذه الحرب لنا و لا لكم حيلة، واعلم أن الشام لا يملك إلا بهلاك العراق و أن العراق لا يملك إلا بهلاك الشام .

فما خيرنا بعد إسراعنا فيكم و ما خيركم بعد إسراعكم فينا، و لست

ص: 141

أقول: ليت الحرب عادت و لكن أقول ليتها لم تكن، و إن فينا من يكره اللقاء كما أن فيكم من يكرهه، و إنما هو أمير مطاع أو مأمور مطيع أو مشاور مأمون و هو أنت فأما السفيه فليس بأهل أن يعدّ من ثقات أهل الشورى و لا خواص أهل النجوى و كتب في آخر كتابه:

طال البلاء فما يرجى له آس *** بعد الإله سوی رفق ابن عباس

قولا له قول مسرور بحظوته *** لاتنس حظك إن التارك الناسي

كل لصاحبه قرن يعادله *** أسد تلاقي أسودا بين أخياس

انظر فدى لك نفسي قبل قاصمة *** للظهر ليس لها راق و لا آس

أهل العراق وأهل الشام لن يجدوا *** طعم الحيات لحرب ذات أنفاس

و السلم فيه بقاء ليس يجهله *** إلا الجهول وما النوكى كأكياس

فاصدع بأمرك أمر القوم إنهم *** خشاش طير رأت صقر ابحسحاس

فلما قرأ ابن عباس الكتاب و الشعر أقرأهما عليا، فقال علي قاتل الله ابن العاص ما أغره بك يا ابن عباس أجبه، و لتردّ عليه شعره فضل بن عباس بن أبي لهب. فكتب إليه عبد الله بن عباس:

أما بعد فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياءا منك، إنه مال بك إلى معاوية الهوى و بعته دينك بالثمن اليسير ثم خبطت للناس في عشواء طخياء طمعا فى هذا الملك، فلما لم تر شيئا أعظمت الدماء إعظام أهل الدين ،و أظهرت فيها زهادة أهل الورع، و لا تريد بذلك إلا تهييب الحرب و كسر أهل العراق ،

فإن كنت أردت الله بذلك، فدع مصر و ارجع إلى بيتك، فإن هذه حرب ليس معاوية فيها كعلي، بدأها عليّ بالحق و انتهى فيها إلى العذر، و ابتدأها معاوية بالبغي فانتهي منها إلى السرف، وليس أهل الشام فيها كأهل

ص: 142

العراق، بايع عليا أهل العراق و هو خير منهم، و بايع أهل الشام معاوية و هم خير منه و لست و أنا فيها سواء أردت الله و أردت مصر، فإن ترد شرا لا يفتنا و إن ترد خيرا لا تسبقنا إليه.

ثم دعا الفضل بن العباس بن عتبة فقال: يا ابن عم أجب عمرو بن العاص. فقال الفضل:

ياعمرو حسبك من خدع ووسواس *** فاذهب فمالك في ترك الهدى أس

الابوادر يطعن في نحوركم *** و وشك ضرب يفزّي جلدة الراس

هذا لكم عندنا في كل معركة *** حتى تطيعوا عليا و ابن عباس

أمّا عليّ فإنّ الله فضّله *** فضلا له شرف عال علي الناس

لا بارك الله في مصر فقد جلبت *** شرا وحظك منها حسوة الحاسي

فلما قرأ معاوية الكتاب قال ما كان أغنانا عن هذا. و كان هشام بن عمرو الدمشقي يقول: هذا الحديث مما صنعه ابن دابكم هذا.

888- عنه قال الهيثم بن عدي الطائي: قاتل عبد الله بن بدیل بن ورقاء يوم صفين فقتل و هو يقول:

لم يبق إلا الصبر و التوكل *** و طعنة وضربة المنصل

فقتل فقال معاوية هذا والله كما قال الشاعر:

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضها *** و إن شمرت يوما به الحرب شمرا

889 - عنه قال هشام بن الكلبي عن أبيه: و قد زمل بن عمرو بن العنز العذري على النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فعقد له لواء فشهد به صفين مع معاوية، و هو أحد شهوده على القضية.

890 - عنه قالوا: جعل عمار بن ياسر يقاتل يوم صفين و هو يقول:

ص: 143

نحن ضربناكم على تنزيله *** ثم ضربناكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله *** و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق إلى سبيله

فقتله أبو الغادية. قال أبو مخنف: هو عاملي.

891- عنه قال: هشام بن الكلبي: هو مري. حدثني أبي محمد بن السائب قال: رأيت أبا الغادية المري أيام الحجاج بواسط و عليه قباء مكتوب من خلفه شهدت فتح الفتوح يعني صفين.

892 - عنه عن المدائني عن أبي عمرو، عن أمية أو منبه بن عمرو المخزومي قال: شهدت موت أبي الغادية بواسط فقال الحجاج: لا يتخلف عن جنازة أبي الغادية المري إلا منافق فحضرت جنازته. و أهل الشام يقولون: قتل عمارا حوي بن ماتع بن زرعة بن بيحص السكسكي.

893 - عنه حدثني أحمد بن هشام بن ،بهرام، حدثنا عمرو بن عون أنبأنا هشيم بن بشير، عن العوام بن حوشب، عن الأسود بن مود بن مسعود عن حنظلة ابن خويلد - و كان يأمن عند علي و معاوية - قال: بينا أنا عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار فقال عبد الله بن عمرو بن العاص لتطب نفس كل واحد منكما لصاحبه برأس عمار،

فإني سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: تقتل عمار الفئة الباغية. فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص فقال ألا تغبي عنا مجنونك هذا ؟ فلم يقاتل معنا إذا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بطاعة أبي، فأنا معكم و لست أقاتل.

894 - عنه حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن عبد الله بن الحرث ابن فضيل عن أبيه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة الجمل

ص: 144

فلم يسلّ سيفا، و شهد صفين فقال : لا أقاتل أبدا حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: تقتله الفئة الباغية.

قال: فلما قتل عمار قال خزيمة: قد أبانت الضلالة. ثم اقترب فقاتل حتى قتل قال: وكان الذي قتل عمارا أبو غادية المري طعنه برمحه فسقط. قال: و قتل و هو ابن أربع و تسعين سنة، فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتز رأسه ،فاختصما فيه فقال عمرو ما يختصمان إلا في النار فقال معاوية:

أتقول هذا؟ لقوم بذلوا أنفسهم دوننا؟ فقال عمرو: هو و الله ذاك و إنك لتعلمه، و لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة.

و قال الواقدي: و يقال: إن عمارا قتل و هو ابن إحدى و تسعين سنة. و الثبت أنه قتل ابن ثلاث و تسعين سنة. وقال الواقدي في اسناده: قاتل عمار يوم صفين فأقبل إليه ثلاثة نفر:

عقبة بن عامر الجهني و عمرو بن الحرث الخولاني و شريك بن سلمة المرادي فحملوا عليه فقتلوه وقد قيل: إن عقبة بن عامر قتله و هو الذي كان ضربه حين أمر به عثمان.

895 - عنه حدثنا عفان بن مسلم الصفار، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا كلثوم ابن جبر: عن أبي غادية قال: سمعت عمارا يقع في عثمان و يشتمه بالمدينة، فتوعدته بالقتل، فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس فقيل :

هذا عمار. فحملت عليه فطعنته في ركبته، فوقع فقتلته فأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: قاتله وسالبه في النار. فقيل العمرو: ها أنت تقاتله: قال: إنما قال قاتله و سالبه .

896 - عنه حدثني عمرو بن محمد الناقد، حدثني عفان بن مسلم

ص: 145

حدثنا ربيعة بن كلثوم بن جبر: أخبرني أبي قال: كنت بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز فقال الآذن: أبو الغادية بالباب. فأذن له، فدخل رجل ضرب من الرجال كأنه ليس من هذه الأمة، فلما قعد قال :

بايعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قلت بيمينك هذه؟ قال: نعم. وذكر حديثا عن النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و قال: كنا نعد عمار بن ياسر فينا حنانا فبينا أنا في مسجد قباء إذا هو يقول: إن نعثل هذا فعل و فعل فقلت: لو أجد عليه أعوانا لوطئته حتى أقتله وقلت: اللهم إن تشأ تمكنني من عمار،

فلما كان يوم صفين أقبل في أول الكتيبة حتى إذا كان بين الصفين طعنه رجل في ركبته بالرمح فعثر فانكشف المغفر عنه فضربته فإذا راس عمار بالأرض أو كما قال. فلم أر رجلا أبين ضلالة من أبي غادية إنه سمع من النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) في عمار ما سمع ثم قتله قال:

و دعا بماء فأتي به في كوز زجاج فلم يشربه فأتي بماء في خزف فشربه فقال رجل بالنبطية: تورع عن الشرب في الزجاج و لم يتورع عن قتل عمار.

897- عنه حدثني وهب بن بقية و شريح بن يونس و أحمد بن هشام بن بهرام، قالوا: أنبأنا يزيد بن هارون، أنبأنا شريك، عن محمد بن عبد الله المرادي، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: كنا عند عمار بصفين و عنده شاعر ينشده هجاءا في معاوية و عمرو، و عمار يقول له: الصق بالعجوزين فقال له رجل: أيقال الشعر عندكم و يسب أصحاب رسول الله و يسبّ أصحاب بدر .

فقال له عمار: إن شئت فاسمع و إن شئت فاذهب فإن معاوية و عمرا

ص: 146

قعدا بسبيل الله يصدان عنه فالله ساتهما وكل مسلم، إنه لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فقال : قولوا لهم كما يقولون لكم فإن كنا لنعلمه الإماء بالمدينة.

898 - عنه حدثنا عمرو بن محمد وإسحاق الهروي قالا حدثنا أبو معاوية الضرير، حدثنا الأعمش، عن عبد الرحمان بن زياد عن عبد الله ابن الحرث قال: إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين بينه و بين عمرو بن العاص فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه

سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول لعمار: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: ما تزال تأتينا بهنة تدحض بها في بولك أنحن قتلناه إنما قتله الذين جاؤا به يعني عليا و أهل العراق.

899 - عنه حدثني روح بن عبد المؤمن النضري، حدثني أبو داود الطيالسي أنبأنا ،شعبة، أنبأني عمرو بن مرّة، قال: سمعت عبد الله بن سلمة يقول: رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخا آدم في يده الحربة و إنها لترعد فقال - و راى مع عمرو بن العاص راية - لقد قاتلت هذه الراية مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ثلاث مرات و الله لو ضربونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على الحق وأنهم على الضلال .

900 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا وهب بن جرير أنبأنا جويرية بن أسماء عن يحيى بن سعيد، عن عمه قال: لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار، إذا رجل جسيم على فرس ضخم ينادي يا عباد الله روحوا إلى الجنة - بصوت موجع - الجنة تحت ضلال السيوف و الأسل. و إذا هو عمار قال: فلم يلبث أن قتل.

ص: 147

901 - عنه قال الواقدي في أسناده كان القتال الشديد بصفين ثلاثة أيام ولياليهن آخرهنّ ليلة الهرير شبهت بليلة القادسية، فلما كان اليوم الثالث قال عمار لهاشم بن عتبة المرقال - و معه اللواء - احمل فداك أبي و أمي .

فقال هاشم: يا أبا اليقظان إنك رجل تستخفّك الحرب، و إني إن خففت لم آمن الهلكة. فلم يزل به حتى حمل فنهض عمار في كتيبة و نهض إليه ابن ذي الكلاع فاقتتلوا وحمل على عمار حوي بن ماتع بن زرعة بن بيحص السكسكي و أبو الغادية المري فقتلاه و قتل هاشم.

902 - عنه حدثني أبو زكريا يحيى بن معين، و محمد بن حاتم المروزي، :قالا حدثنا عبد الله بن نمير، عن أشعث عن أبي إسحاق: ان عليا صلى على عمار بن یاسر، و هاشم بن عتبة، فجعل عمار أمما يليه، و هاشها أمامه وكبر عليهما تكبيرا واحدا وقالوا: ذوا الكلاع الأكبر هو يزيد بن النعمان الحميري من وحاظة بن سعد، تكلعت عليه قبائل من حمير - أي تجمعت-

و الذي كان مع معاوية سميقع بن باكور و قد تكلع على سميقع و ناكور جميعا و ناکور ابن عمرو بن يعفو من يزيد بن النعمان، فكان رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بعث جرير بن عبد الله إلى سميقع هذا. ويقال: إلى ناكور فأعتق أربعة آلاف كانوا قنّنا له و قتل شرحبيل بن سميقع ذي الكلاع يوم الخازر في أيام المختار.

903 - عنه حدثني أحمد بن هاشم بن بهرام، حدثنا وكيع، عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال: قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة من لبن فإن رسول الله الله قال لي: إن آخر شربة تشربها شربة لبن. فشربها وقاتل حتى قتل.

ص: 148

904 - عنه حدثني إسحاق الفروي عن أبي الفضل الأنصاري قال: - سمعت بعض أصحابنا يقول: حضر أبو الهيثم بن التيهان صفين، فلما راى عمارا قد قتل قاتل حتي قتل فصلى عليه عليّ و دفنه.

و قال الواقدي: مات الهيثم بن مالك و هو التيهان سنة عشرين و هو من بلي حليف و قال الكلبي هو من الأوس. ويقال: إنه حليف لهم من بلي. قالوا: و كان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص يقاتل يوم صفين و هو يقول:

أعور يبغي أهلا محلا *** قد أكثر القول وما أقلا

لا بد أن يفلّ أو يفلا *** قد عالج الحياة حتى ملا

أشلهم بذى الكعوب شلا

فحمل عليه الحرث بن المنذر التنوخي فقتله فقال الحجاج بن غزيّة الأنصاري:

فإن تفخروا بابني بديل و هاشم *** فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا

يعني حوشب بن القباعي الالهاني من ولد الهان أخي همدان و ابنا بديل عبد الله أبو علقمة و عبد الرحمان أبو عمرة. و طعن بسر بن أبي ارطاة القرشي قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فما شواه. و بعض الرواة يزعم ان أويسا القرني العابد قتل مع علي بصفين. و يقال: بل مات بسبحستان .

قالوا: وكان على (علیه السّلام) بصفين في خمسين ألفا. ويقال: بل في مائة ألف. و كان معاوية في سبعين ألفا. ويقال في مائة ألف فقتل من أهل الشام : خمسة و أربعون ألفا، و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا، و الله أعلم.

قالوا: و طعن سعيد بن قيس الهمداني ابن الحضرمي فقتله فقال علي:

ص: 149

و لو كنت بوّابا على باع جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام .

و يقال: إن عون بن جعفر بن أبي طالب و أخاه محمدا قتلا مع علي ابن أبي طالب بصفين. ويقال: إنهما قتلا مع الحسين عليهم السلام. و بعض البصريين يزعم انهما قتلا بتستر من الأهواز حين فتحت.

و كان عمرو بن العاص يقاتل بصفين و هو يقول:

الموت يغشاه من القوم الأنف *** يوم لهمدان و يوم للصدف

و في سدوس نحوه ما ينخرف *** نضربها بالسيف حتى ينصرف

و لتميم مثلها أو يعترف

قالوا: ولما كان صبيحة ليلة الهرير - و هي ليلة الجمعة لإثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين - اقتتلوا إلى ارتفاع الضحى ثم إن عمرو بن العاص أشار برفع المصاحف حين خاف أن ينقلع أهل الشام و راى صبر أهل العراق وظهورهم، فرفعوها بالرماح و نادوا هذا كتاب الله بيننا وبينكم من لثغور الشام بعد أهل الشام؟ و من لثغور العراق بعد أهل العراق؟

فقال علي: و الله ما هم بأصحاب قرآن و لكنهم جعلوها مكيدة و خدعة، بلغهم ما فعلت من رفع المصحف لأهل الجمل ففعلوا مثله و لم يريدوا ما أردت فلا تنظروا إلى فعلهم وامضوا على تقيتكم و نياتكم.

فمال كثير من أصحاب علي إلى ما دعوا إليه و حرموا القتال و اختلفوا و بعث علي الأشعث بن قيس الكندي إلى معاوية يسأله عن سبب رفعهم المصاحف فقال: رفعناها لتبعثوا رجلا و نبعث رجلا فيكونا حكمين فما اتفقا عليه عملنا به .

905 - عنه حدثني عبد الله بن صالح العجلي، قال: حدثت عن الأعمش

ص: 150

عن شقيق بن سلمة أبي وائل أنه سئل: أشهدت صفين؟ قال: نعم و بئست الصفوف كانت أشرعنا الرماح في صدورهم و أشرعوها في صدورنا حتى لو مشت الرجال عليها ما اندقت أو كما قال.

906 - عنه قال أبو مخنف و غيره: قاتل عبيد الله بن عمر بصفين حتى حمي القتال، و ذلك في آخر أيامهم فقتله هانئ بن الخطاب، ويقال: مجرز بن الصحصح من بني تيم الله بن ثعلبة. و يقال حريث بن جابر الحنفي، و أخذ سيفه ذو الوشاح - و كان سيف عمر بن الخطاب - فلما ولّي معاوية أخذ السيف من قاتله ورده على آل عمر.

907 - عنه حدثنا أبو خيثمة و أحمد بن إبراهيم، قالا: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا جويرية بن أسماء، حدثني سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: استحرّ القتل في صفين بأهل اليمن و قد كان علي عبأ ربيعة لليمن و كانت ربيعة قوما أدركهم الإسلام و هم أهل حروب، فكانوا يصفون صفين فيقاتل صف و يقف صف، فإذا ملوا القتال وقف هؤلاء و قاتل هؤلاء، و كانت اليمن تحمل بأجمعها فأفنيت اليمن يومئذ فقال معاوية لأصحابه من لربيعة؟

فقال عبيد الله بن عمر بن الخطاب: أنا لهم إن أعطيتني ما أسالك. قال: سل. قال: الغمامة تصرفها معي - و هي كتيبة معاوية كان يقال لها: الغمامة و الخضراء و الشهباء - فقال معاوية للغمامة : انصرفوا معه فمال عبيد الله إلى فسطاطه و معه أمرأته بحرية بنت هاني بن قبيصة الشيباني فدعا بدرع فظاهرها على درعه ،

قالت: ما هذا يا ابن عمر ؟ قال : عبأني معاوية لقومك في الغمامة فما ظنك؟ قالت: ظنّي أنهم سيدعوني أيما منك. فلم ينشب أن قتل.

ص: 151

فلما كان العشي و تراجع الناس أقبلت بحرية على بغل لها و عليها خميصة سوداء و معها غلمة لها حتى انتهت إلى ربيعة فسلمت ثم قالت: يا معشر ربيعة لا يخزي الله هذه الوجوه فو الله ما كنت أحب أن تخزى قالوا من أنت؟ قالت أنا بحرية. قالوا: بنت هانئ بن قبيصة؟ قالت: نعم. قالوا: مرحبا و أهلا بسيدة نسائنا و ابنة سيدنا ما حاجتك؟

قالت: جيفة عبيد الله بن عمر قالوا: قد أذنا لك فيها و أشاروا إلى الناحية التي صرع فيها، وكانت الريح هاجت عليهم عند زوال الشمس فقلعت أوتاد أبنيتهم فإذا رجل من بني حنيفة قد أوثق طنبا من أطناب خبائه برجل ابن عمر، و إذا هو مسلوب فلما رأته رمت بخميصتها عليه، و أمرت غلمانها فحفروا له ثم أجنته و انصرفت و أنشدت قول كعب بن جعيل فيه :

ألا إنما تبكي العيون لفارس *** بصفين أجلت خيله و هو واقف

ترکن عبيد الله بالقاع مسندا *** تمج دما منه العروق النوازف

908 - عنه قال أبو مخنف لما قتل عبيد الله بن عمر بصفين كلم نساؤه معاوية في جثته فأمر فبذلت لربيعة فيها عشرة آلاف درهم، فاستأمروا عليّا فقال: لا و لكن هبوها لابنة هانئ بن قبيصة. ففعلوا.

909 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبي عن النعمان بن راشد عن الزهري قال: لما بلغ معاوية أمر طلحة و الزبير و من معهما، دعا أهل التسليم إلى القتال على الشورى و الطلب بدم عثمان، فبايعوه أميرا غير خليفة و خرج علي. فاقتتلوا بصفين قتالا لم يكن فى الإسلام مثله قط ،

فقتل من أهل الشام عبيد الله ابن عمر ، و ذو الكلاع و حوشب و

ص: 152

حابس بن سعد الطائي. وقتل من أهل العراق عمار، و هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري، و ابنا بديل الخزاعي و خزيمة ابن ثابت و ابن التيهان. فلما خاف أهل الشام ظهور القوم عليهم قال عمرو لمعاوية: و هو على القتال - هل أنت مطيع في أمر أشير به؟ مر رجلا فلينشر المصحف ثم يقول:

يا أهل العراق بيننا وبينكم كتاب الله، ندعوكم إلى ما بين فاتحته و خاتمته، فإنك إن تفعل ذلك يختلفوا، و لا يزدد أهل الشام إلا اجتماعا و طاعة. فأمر معاوية رجلا من أهل الشام يقال له: ابن لهية فنادى بذلك، فاختلف أهل العراق .

فقالت طائفة منهم كرهت القتال: أجبنا إلى كتاب الله. وقالت طائفة: ألسنا على كتاب الله و بيعتنا وطلب الحق فإن كانت ها هنا شبهة أو شك فلم قاتلنا؟ فوقعت الخصومة بين أهل العراق فلما راى عليّ ما فيه أصحابه و ما عرض لهم من الخلاف والتنازع و رای و هنهم و كراهة من كره منهم القتال ،

قارب معاوية فيما دعا إليه فقال: قبلنا كتاب الله، فمن بيننا وبينكم كتاب الله فقال معاوية تختارون منكم رجلا و نختار منا رجلا. فاختار أهل الشام عمرو بن العاص و اختار أهل العراق أبا موسى عبد الله بن قيس الأشعري، وكتبوا بينهم كتابا أن يحكما بكتاب الله و السنة الجامعة غير المفرقة.

910 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير، عن جويرية، عن يحيي بن سعيد عن عتبة قال تنازلنا بصفين فاقتتلنا بها أياما فكثرت القتلى بيننا و عقرت الخيل، فبعث علي إلى عمرو أن القتلى قد

ص: 153

كثروا، فأمسك حتى يدفن الجميع قتلاهم فأجابهم فاختلط بعض القوم ببعض حتى كانوا هكذا: - و شبك بين أصابعه - وكان الرجل من أصحاب علي يشدّ فيقتل في عسكره فيستخرج منه ،

و كان عمرو يجلس بباب خندقه فلا يخفى عليه قتيل من الفريقين فمر عليه برجل من أصحاب علي قد قتل في عسكر معاوية فبكى عمرو و قال: لقد كان مجتهدا، فكم من رجل أخشن في أمر الله قد قتل يرى علي و معاوية أنهما بريئان من دمه .

911 - عنه حدثني عمر بن بكير، عن الهيثم بن عدي، حدثني ابن عياش الهمداني قال قال معاوية لعمرو أتذكر إذ غشيك ابن أبي طالب فاتقيته بسوءتك فقال إني رأيت الموت مقبلا إلي معه فاتقيته كما رأيت، و كان ورعا فصرفه عني حياؤه و لكني أذكرك حين دعاك للمبارزة فقلصت شفتك و رعدت فرائصك و امتقع لونك.

912 - عنه حدثني بكر بن الهيثم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: ان أهل الشام لما رفعوا المصاحف يوم صفين فركن إلى ذلك من ركن كان الأشتر يقاتل أشدّ قتال، حتى بعث إليه علي مرة أو مرتين يعزم عليه لينصرفن لينصر فن. فقال أحين طمعت بالنصر والظفر انصرف؟ فقال الذين أحبوا الموادعة لعلي: أنت تأمره بالحرب فبعث إليه بعزيمة مؤكدة فكف و قال: خدعتم و الله.

913 - عنه حدثنا زهير بن حرب أبو خيثمة، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن أبي يعقوب يحدث أن الأحنف بن قيس قال لعلي - حين أراد أن يحكم أبا موسى : إنّك تبعث رجلا من أهل القرى رقيق الشفرة، قريب القعر، فابعثني مكانه آخذ لك بالوثيقة و أضعك أضعك من

ص: 154

هذا الأمر بحيث أنت. فقال له ابن عباس: دعنا يا أحنف فإنا أعلم بأمرنا منك.

914 - عنه حدثني أبو خيثمة و أحمد بن إبراهيم، قالا: حدثنا وهب بن جرير، عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان قال: سار علي إلى معاوية بن أبي سفيان، و سار معاوية إلى علي حتى نزلا بصفين، و خلف علي على الكوفة أبا مسعود الأنصاري، فمكثوا بصفين ما شاء الله، ثم إن عبد الله و عبد الرحمان ابني بديل بن ورقاء دخلا على علي فقالا:

حتى متى لا تقاتل القوم؟ فقال علي: لا تعجلا. فقال عبد الله بن بديل ما تنتظر معك أهل البصائر و القرآن؟ فقال: اهدأ أبا علقمة.

بهم و قال: إني أرى أن تقاتل القوم و تتركنا نبيتهم. فقال: يا أبا علقمة لا تبيّت القوم ولا تدفّف على جريحهم و لا تطلب هاربهم.

ثم إن القوم اقتتلوا بعد ذلك بيومين فحرض معاوية أصحابه و هو يقول: فدى لكم أبي وأمي شدوا فإن عليا يزعم انه لا حق لكم في هذا الفيء و معاوية يتمثل في ذلك بقول ابن الأطنابة:

و قولي كلما جشأت و جاشت *** مكانك تحمدي أو تستريحي

و محمد بن عمرو بن العاص أمامه يقاتل أشد قتال و هو يقول: يا أمير المؤمنين إلزم ظهري و كان أشد الناس مع معاوية، و قال عمرو لابنه عبد الله : أقسمت عليك لتأخذن الراية ثم لتلتزمنّها أبدا، فكثرت القتلى و طفق معاوية يقول لعمرو: الأرض الأرض أبا عبد الله ثم رجع بعض القوم ،

قال و قال عياض بن خليفة خرجت أطوف في القتلى فإذا رجل معه إداوة مملوءة ماء، و إذا رجل آخر مرمّل بالدماء يقول: أنا عبد الرحمان بن حنبل حليف بني جمع - و كان من أهل اليمن - اقرؤا على أمير المؤمنين

ص: 155

السلام و قولوا له : الغلبة لمن جعل القتلى منه بظهر أي غيبهم ثم قال: ما سعي أبا عياض قال قلت:

أبتغي أصحابي أخي و ابن بديل قال: هيهات قتل أولئك أمس أول النهار. فعرضت عليه الماء الذي مع الرجل في الإداوة، فقال: سلني عما شئت قبل أن تسقيني فإني إذا شربت مت. قال: فسألته عما بدا لي ثم سقيته فما عدا أن شرب حتى مات ،

قال: و أتيت عليا فأخبرته بما قال فقال: صدق، و أذن في الناس بالخروج و أمرهم أن يجعل القتلى منهم بظهر و غيب قتلاه حتى لا يرى رجل منهم.

ثم اقتتلوا قتالا شديدا حتى قيل انكشف معاوية و أقبل ابن لهية معه مصحف بين أذني فرس و أقبل ناس معهم المصاحف بين أيديهم على خيلهم في رماحهم قد نشروها يقولون بيننا وبينكم ما فيها. فقام فقال: قد قبلت و دعا بعضهم بعضا إلى أن يحكم بينهم حكمان.

فزعموا أنهم دعوا إلى رجلين من الأنصار عبادة بن الصامت و شداد ابن أوس بن ثابت فقيل لمعاوية أجعلت أنصاريين و الله ليحكمان عليك فقال معاوية عمرو و قال علي أبو موسى الأشعري و تراضيا بذلك، و كتب كتابا و أشهد فيه من كل جند عشرة ، وتمثل علي (علیه السّلام) :

وا عجبا من أي يوميّ *** أفرّ أ يوم لم يقدر أم يوم قدر

و قال معاوية:

ثكلتك أمك أن تمطمط بحرهم *** زید غواربه و بحرك ساجي

915 - عنه حدثني وهب بن بقية، حدثنا يزيد بن هارون، عن عمران ابن جرير، عن أبي مجلز، قال: عابوا على عليّ تحكيم الحكمين فقال علي:

ص: 156

جعل الله في طائر حكمين و لا أحكم أنا في دماء المسلمين حكمين؟.

916 - عنه حدثني أبو زكريا يحيى بن معين، حدثنا عبد الله بن نمير، أنبأنا الأعمش، أنبأنا أبو صالح قال: قال علي يا أبا موسى أحكم بالقرآن و لو في حرّ عنقي و قال أبو موسى الفروي سمعت ابن نمير يقول: لو حكموا بحكم القرآن نظروا أي الفئتين أبغى.

917 - عنه حدثني المدائني عن عامر بن الأسود، و إسماعيل بن عياش عن أبي غالب الجزري، قال: لما صار الناس إلى الحكومة و أن يختاروا رجلين قال معاوية: قد رضيت عمرو بن العاص و قال علي قد رضيت عبد الله بن العباس. فقال الأشعث: ابن عباس و أنت سواء لا ترضي القوم قال فأختار الأشتر .

قال: إذا و الله يعيدها جذعة و هل نحن إلا في بليّة الأشتر قال: فشداد بن الأوس. فقال معاوية: لا يحكم فيها يتربي فقال الأشعث و جميع القرّاء: فأبو موسى فإنه لم يحضر حربنا فقال علي: إنه قد خذل الناس عني و فعل ما فعل؟ فأبوا أن يرضوا إلا به.

فكتب إلى أبي موسى في القدوم و كان ببعض البوادي حذرا من الفتنة فقال له الرسول: إن الناس قد اصطلحوا وقد حكموك فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم قدم على علي (علیه السّلام) ، فقال الأشعث: لو لم يأتك ما طعن معك برمح و لا ضرب بسيف .

قالوا: وكانت القضية بين علي و معاوية:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب و معاوية ابن أبي سفيان، و قاضى علي على أهل العراق و من كان من شيعته من المؤمنين و المسلمين و قاضى معاوية على أهل الشام و من كان من

ص: 157

شيعتهم من المؤمنين و المسلمين أنا ننزل عند حكم الله و بيننا كتاب الله فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته،

نحيي ما يحيي و نميت ما أمات فما وجد الحكمان في كتاب الله فإنهما يتبعانه و ما لم يجداه مما اختلفنا فيه في كتاب الله نصا فما لم يجداه في كتاب الله أمضيا فيه السنة العادلة الحسنة الجامعة غير المفرقة و الحكمان هما عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص،

و أخذنا عليهما عهد الله و ميثاقه ليحكمان بما وجدا في كتاب الله نصا، فما لم يجداه في كتاب الله مسمّى عملا فيه بالسنه الجامعة غير المفرقة و أخذا من علي و معاوية و من الجند كليهما و ممن تأمر عليه من الناس عهد الله ليقبلن ما قضيا به عليهما و أخذا لأنفسهما الذي يرضيان به من العهد و الثقة من الناس ،

انهما آمنان على أنفسهما و أهليهما و أموالهما و ان الأمة لهما أنصار على ما يقضيان به على علي و معاوية و على المؤمنين و المسلمين من الطائفتين كليهما، و ان على عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص عهد الله و ميثاقه أن يصلحا بين الأمة، ولا يردّاها إلى فرقة و لا حرب، و ان أجل القضية إلى شهر رمضان ،|

فإن احبّا أن يعجلاها دون ذلك عجلا، و إن أحبّا أن يؤخراها من غير ميل منهما أخراها، وإن مات أحد الحكمين قبل القضاء فإن أمير شيعته و شيعته يختارون مكانه ،رجلا، لا يألون عن أهل المعدلة و النصيحة و الإقساط و أن يكون مكان قضيتها التي يقضيانها فيه

مكان عدل بين الكوفة و الشام والحجاز، و لا يحضر هما فيه إلا من أرادا، فإن رضيا مكانا غيره فحيث أحبا أن يقضيا، و أن يأخذ الحكمان من

ص: 158

کل واحد من شاءا من الشهود ثم يكتبوا شهادتهم في هذه الصحيفة أنهم أنصار على من ترك ما فيها اللهم نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة و أراد فيها إلحادا أو ظلما.

و شهد من كل جند على الفريقين عشرة من أهل العراق عبد الله بن عباس، الأشعث بن قيس و سعيد بن قيس الهمداني. وقاء بن سمي بعضهم يقول: ورقاء ابن سمي. ووقا أصح ذلك. - و عبد الله بن طفيل و حجر بن يزيد الكندي و عبد الله بن حجل البكري و عقبة بن زياد.

و يزيد بن حجية التيمي و مالك ابن كعب الأرحبي.

و من أهل الشام أبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي و حبيب مسلمة الفهري و المخارق بن الحرث الزبيدي و زمل بن عمرو العذري. و حمزة بن مالك الهمداني و عبد الرحمان بن خالد بن الوليد المخزومي. و سبيع بن يزيد الحضرمي و علقمة بن يزيد أخو سبيع هذا. و عتبة ابن أبي سفیان و يزيد بن الجز العبسي .

قالوا: فلما كتبت القضية خرج بها الأشعث ليقرأها على الناس فمر بها على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية - و هي أمه و أبوه جدير أحد بني ربيعة بن حنظلة، و هو أخو مرداس بن أدية، و أدية محاربية - فقال عروة: أتحكمون في أمر الله الرجال؟ أشرط أوثق من كتاب الله و شرطه ،أكنتم في شك حين قاتلتم ؟ لا حكم إلا لله. و هو أول من حكم .

ثم اعترض الأشعث و هو على بغلة له ففاته فضرب بسيفه عجز البغلة. - و يقال: إن أول من حكم يزيد بن عاصم المحاربي. - و قال البرك الصريمي - من بني تميم ثم من بني مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زید منات- أتريدون حكما أقرب عهدا بحكم في أطراف الأسنة؟

ص: 159

ثم شدّ عروة بسيفه فضرب عجز دابة الأشعث بن قيس، فغضب الأشعث و و قومه فمشى إليه الأحنف بن قيس، وجارية بن قدامة و معقل بن قيس و مسعر بن فدكي العنبري و شبث بن ربعي في جماعة من بني تميم و اعتذروا إليه فرضي و صفح. و كان سيف عروة أول سيف شهر في التحكيم.

و قيل لعلي: إن الأشتر لم يرض بالصحيفة، و لم ير إلا قتال القوم. فقال: و لا أنا والله رضيت و لكن لن يصلح الرجوع بعد الكتاب.

918 - عنه عن المدائني عن عيسى بن عبد الرحمان، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس قال: قلت لعلي أتقاضي معاوية على أن يحكم حكمان؟ فقال: ما أصنع أنا مضطهد.

919 - عنه عن المدائني عن سليمان بن داود بن الحصين، عن أبيه قال: قيل لابن عباس: ما دعا عليا إلى الحكمين؟ فقال: إن أهل العراق ملّوا السيف و جزعوا منه جزعا لم يجزعه أهل الشام، و اختلفوا بينهم .

فخاف عليّ لما رأى من وهنهم أن ينكشفوا منه و يتفرقوا عنه، فمال إلى القضية، مع انه أخذ بكتاب الله حين أمر بالحكمين في الصيد و الشقاق و لو كان معه من يصبر على السيف لكان الفتح قريبا.

920 - عنه وقال أبو مخنف كان الكتاب يوم الجمعة في صفر، و الأجل لشهر رمضان على رأس ثمانية اشهر إلى ان يلتقي الحكمان.

ثم إن الناس دفنوا قتلاهم و اطلق علي و معاوية من كان في أيديهما من الأسرى و ارتحلوا بعد يومين من القضية، فسلك علي طريقه التي بدا فيها، حتى اتى هيت و صندودا، وصار إلى الكوفة في شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين.

921 - عنه حدثني علي بن المغيرة الأثرم، حدثنا أبو عبيدة، عن أبي

ص: 160

عمرو بن العلاء، قال: كتبت القضية بين علي و معاوية يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين، فأتى رجل من بني يشكر عليا فقال: يا علي ارتددت بعد ،ایمان و شککت بعد يقين، اللهم إني ابرء إليك من صحيفتهم وما فيها. فطعن رجلا من أصحاب على فقتله، و شدّ عليه رجل من همدان فقتله فقال بعض شعرائهم :

ما كان اغنى اليشكري عن التي *** يصلى بها حرًا من النار حاميا

عشية يدعو و الرماح تنوشه *** خلعت عليا باديا و معاوية

922 - عنه حدثني بكر بن الهيثم، عن أبي نعيم، عن الحسن بن صالح ،عن عبد الله بن حسن، قال: قال علي للحكمين أو تحكما بما في كتاب الله لي؟ ولا تحكما بما في كتاب الله فلا حكم لكما.

923 - عنه حدثني عبد الله بن صالح بن مسلم، حدثنا ابن كناسة الأسدي عن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، عن الشعبي قال: لما اجتمع علي و معاوية على أن يحكما رجلين اختلف الناس على علي فكان عظمهم و جمهورهم مقرين بالتحكيم راضين به و كانت فرقة منهم - و هم زهاء أربعة آلاف من ذوي بصائرهم و العباد منهم - منكرة للحكومة، و كانت فرقة منهم و هم قليل ،متوقفين، فأتت الفرقة المنكرة عليا فقالوا عد إلى الحرب - وكان علي يحبّ ذلك -

فقال الذين رضوا بالتحكيم و الله ما دعانا القوم إلا إلى حق و إنصاف و عدل. وكان الأشعث ابن قيس و أهل اليمن أشدهم مخالفة لمن دعا إلى الحرب فقال على للذين دعوا إلى الحرب: يا قوم قد ترون خلاف أصحابكم و أنتم قليل في كثير، و لئن عدتم إلى الحرب ليكونن هؤلاء أشدّ عليكم من أهل الشام .

ص: 161

فإذا اجتمعوا و أهل الشام عليكم أفنوكم، و الله ما رضيت ما كان و لا هويته و لكني ملت إلى الجمهور منكم خوفا عليكم ثم انشد :

و ما أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت و إن ترشد غزية أرشد

ففارقوه و مضى بعضهم إلى الكوفة قبل كتاب القضية و أقام الباقون معه على إنكارهم التحكيم ناقمين عليه يقولون: لعله يتوب و يراجع، فلما كتبت القضية خرج بها الأشعث فقال عروة بن جدير: يا أشعث ما هذه الدنية ؟ أشرط أوثق من شرط الله ؟ و اعترضه بسيف فضرب عجز بغلته و حكم:

فغضب الأشعث و أهل اليمن حتى مشى الأحنف و جارية بن قدامة و معقل بن قیس و شبث بن ربعي و وجوه تميم إليهم فرضوا و صفحوا.

924 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير - حدثنا الأسود بن شيبان قال سمعت الحسن يقول - وذكر الفتنة : إن القوم نعسوا نعسة في دينهم.

925 - عنه حدثنا عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه عن جده قال: كان زياد ابن الأشهب بن ورد الجعدي أتى عليا بعد مقتل عثمان و بيعة الناس عليا ليدخل بينه و بين معاوية، فيقال: إنه أجابه إلى الصلح على أن يوليه فلما نقض طلحة و الزبير نقض معهما فقال الجعدي بعد ذلك:

مقام زیاد عند باب ابن هاشم *** يريد صلاحا بينكم و تقربا

926 - عنه حدثني عباس بن هشام، عن أبيه عن جده عن العريان بن الهيثم وكان عثمانيا وكان شبث بن ربعي علويا قال: فلما مرض شبث ابن ربعي مرضه الذي مات فيه بعثني أبي إليه فقلت له: أبي يقرئك السلام و يقول لك: كيف تجدك ؟

ص: 162

قال: و كان أبي يعيب عليه مشهده يوم صفين كثيرا - فقال أنا في آخر يوم من الدنيا، فأقرأ أباك السلام و قل له: إني لم أندم على قتال معاوية يوم صفين، و لقد قاتلت بالسلاح كله إلا الهراوة والحجر. قال: فأتيت أبي فأخبرته و مات شبث فقال أبي:

إنِّي اليوم و إن أملي لي *** لقليل العمر من بعد شبث

عاش تسعين خريفا همه *** جمع ما يكسب من غير خبث

غیر جار في تميم سنة *** تنكس الرأس و لا عهدا نكث

و لقد زلّ هواه زلّة *** يوم صفين فأخطأ و حنث

فلعل الله أن يرحمه *** بقيام الليل و الصوم اللهث

وتقی كان عليها دائما *** وبكاء ودعاء في الملث

927- عنه قال أبو مخنف في إسناده: خرج الناس إلى صفين و هم أحباء متوادون، و رجعوا و هم أعداء متباغضون يضطربون بالسياط، يقول الخوارج أدهنتم في أمر الله وحكمتم في كتابه و فارقتم الجماعة. و يقول الآخرون فارقتم إمامنا و جماعتنا. فغم عليا (علیه السّلام) تباغضهم و اختلافهم فجعل ينشد:

لقد عثرت عثرة لا أعتذر *** سوف أكيس بعدها و استمرّ

و أجمع الأمر الشتيت المنتشر

فلما دخل علي الكوفة في شهر ربيع الأول لم يدخلوا معه و أتوا حروراء فنزلوها، وقد كانوا تتاموا اثنا عشر ألفا، و نادى مناديهم أن أمير القتال شبث بن ربعي، و أمير الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري و الأمر بعد الشورى، و البيعة الله على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فسموا الحرورية لمصيرهم إلى حروراء، و عسكر علي بالنخيلة فيمن أطاعه، و

ص: 163

كان شبث قد مال إلى الحرورية ثم آب فرجع إلى علي (علیه السّلام).

928 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثنا وهب بن جرير، عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان ان عليا لما كتب كتاب القضية نفروا من ذلك، فحكم من حكم منهم ثم افترقوا ثلاث :فرق فرجعت فرقة منهم إلى أمصارهم ومنازلهم الأولى فأقاموا بها، فكان ممن رجع الأحنف و شبث بن ربعي، و أبو بلال مرداس بن أدية، و ابن الكواء، بعد أن ناشدهم علي و قال :

اصبروا على هذه القضية فإن رأيتموني قابلا الدنية فعند ذلك ففارقوني فرجعوا إلى العراق إلى منازلهم و أقامت الفرقة الثانية و قالوا: لا نعجل حتى ننظر إلى ما يصير شأنه، و مضت الفرقة التي شهدت على علي و أصحابه بالشرك، و هم أهل النهروان الذين قاتلوه.

929 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن وهب، عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان قال لما تقاضوا و انصرفوا إلى بلادهم مكثوا بقية السنة التي اقتتلوا فيها بصفين، حتى إذا كان شهر رمضان من سنة ست - أو سبع- وثلاثين خرج عبد الله بن عباس و عمرو بن العاص و معهما من جندهما من أحبّا، و كان ابن عباس قاضي علي - أو قال: خليفة علي (علیه السّلام)-.

حتى نزلا بتدمر شهرا يتراجعان و يكتبان إلى صاحبيها، ويكتب صاحباهما إليهما حتى دخلا في السنة المقبلة، ثم تحولا من تدمر إلى دومة الجندل فأقاموا بها شهرا ثم تحولا من دومة الجندل إلى أذرح، و كتبا إلى صاحبيهما و من أرادا من الناس و أنفذا إلى علي كتابا مع معن بن يزيد بن الأخنس السلمى، و جاء معاوية للميعاد، في رجال من أهل الشام فيهم عبد

ص: 164

الرحمان بن الأسود بن عبد يغوث، و عبد الرحمان بن خالد بن الوليد، و حبيب بن مسلمة.

و كتبوا إلى ناس من أهل المدينة منهم: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فأبى أن يخرج إليهم، فكتبوا إلى سعد ابن أبي وقاص، و عبد الله عمر و عبدالرحمان بن أبي بكر، و عبد الله بن الزبير، و عبد الرحمان بن الأرقم الزهري و عبد الرحمان بن الحرث بن هشام و يقال إن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام أتاهم من غير أن يكتب إليه.

و أتاهم أبو جهم بن حذيفة و هم بأذرح، و رجع الرسول الموجه إلى علي و لم يقدم علي معه. و قال سعد بن أبي وقاص أنا أحق الناس بهذا الأمر لم أشرك في دم عثمان، و لم أحضر شيئا من هذه الأمور الفتنة.

و قال ابن الزبير لابن عمر: آشدد لي ضبعك فإن الناس لم يختلفوا فيك. و لم يشك الناس في ابن عمر، و كان أبو موسى الأشعري مع ابن عباس .

فتحاور الحكمان فى أمرهما فدعا أبو موسى إلى عبد الرحمان بن الأسود ابن عبد يغوث الزهري فاختلفا، فقال عمرو: هل لك في أمر لا يختلف معه؟ قال: و ما هو ؟ قال تجعل أينا ولاه صاحبه الأمر إلى من رأى و عليه عهد الله و ميثاقه ليجهدنّ للمسلمين قال أبو موسى: نعم. قال عمرو:

ذلك إليك بعهد الله و ميثاقه قال أبو موسى لا قال عمرو فهو إلي بذلك. قال أبو موسى قد أعطيتك إياه. قال عمرو: نعم قد قبلت. ثم ندم أبو موسى فقال: ألا تدري ما مثلك يا عمرو ؟ مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا. يقول: إنك لا تنظر لدين و لا ترعا الذي حملت من الأمانة و العهد.

ص: 165

فقال عمرو: مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ،إن جعلت الأمر إلي أبيت، و إن جعلته إليك أبيت.

ثم خلا عمرو بعبد الله بن عمر فقال له: اجتمع أمر الناس عليك أنت أحقهم بهذا الأمر، فإن عليا قد تخلف عنا، و ترك ما افترقنا عليه، ولا بد للناس من إمام يلي أمورهم و يحوطهم و يقاتل من ورائهم.

فقال ابن عمر: ما أنا بالذي أقاتل الناس فتؤمروني عليهم ولا حاجة لي في الإمرة. فزعموا أن عمروا قال له: أتجعلني على مصر؟ فقال: والله لو وليت من الأمر شيئا ما استعملتك على شيء.

قال: و أقبل معاوية حين خلا عمرو بابن عمر ليبايعه فقال له رجل بالباب: لا تعجل فإنهما قد اختلفا، و ابن عمر يأباها. فرجع معاوية فلما أبا ابن عمر أن يقبلها تفرق الناس و رجعوا إلى أرضيهم و رجع أبو موسى إلى مكة ولم يلحق بعلي و انصرف معاوية و لم يبايع له، و كان تفرق الناس و الحكمين عن أذرح في شعبان فقال كعب بن جعيل التغلبي:

كأن أبا موسى عشية أذرح *** يضيف بلقمان الحكيم يواربه

ولما التقينا في تراث محمد *** علت با بن هند في قريش مضاربه

930 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثني أبو خيثمة، حدثنا وهب ابن جرير، حدثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم يحدث عن نافع :قال لما اجتمعوا بدومة الجندل قال عمرو لابن عمر: إنا قد رأينا أن نبايعك فهل لك أن نعطيك مالا و تدعها لمن هو أحرص عليها منك؟ فوثب ابن عمر مغضبا فأخذ ابن الزبير بثوبه فجلس و قال و يحك يا عمرو بعت آخرتك بدنياك، إني والله لا أعطي عليها مالا و لا أقبل عليها مالا و لا أقبلها إلا هي رضا جميع الناس.

ص: 166

931 - عنه حدثني أبو خيثمة، حدثنا وهب، عن جويرية بن أسماء. عن نافع، أن ابن عمر شهد مجتمعهم بأذرح للحكومة و أن عمرا قال له ما تجعل لي إن صرفتها إليك؟ قال: لا أجعل لك و الله شيئا و لا أقبلها حتى لا يختلف علي فيها اثنان .

932 - ابن عساكر: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو الحسين ابن النقور، أنبأنا أبو طاهر المخلص، أنبأنا أحمد بن عبد الله بن سيف أنبأنا عمر بن شبة، أنبأنا أبو أحمد الزبيري، أنبأنا الحسن بن صالح، عن الحسن ابن عمرو عن رشيد عن حبّة، قال سمعت عليا (علیه السّلام) يقول: نحن النجباء، و أفراطنا أفراط الأنبياء و حزبنا حزب الله و الفئة الباغية حزب الشيطان و من سوّى بيننا و بين عدوّنا فليس منا.

933 - عنه أخبرنا أبو القاسم المستملي، أنبأنا أبو بكر البيهقي، أنبأنا أبو عبدالله الشحامي الحافظ، حدثني أبو منصور محمد بن عبدالله الفقيه الزاهد: أنبأنا أبو عمرو أحمد بن محمد النحوي بإسناد له أن يحيى بن خالد البرمكي لما حبس كتب من الحبس إلى الرشيد: إنّ كل يوم يمضي من بؤسي يمضي من نعمتك مثله، و الموعد المحشر و الحكم الديان، و قد كتبت إليك بأبيات كتب بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الله إلى معاوية بن أبي سفيان:

أما والله إن الظلم شوم *** و ما زال المسىء هو الظلوم

إلى ديّان يوم الدين تمضي *** و عند الله تجتمع الخصوم

تنام و لم تنم عنك المنايا *** تنبّه للمنيّة يا نوم

لأمر ما تصرّمت الليالي *** لأمر ما تحركت النجوم

934- عنه أخبرنا أبو القاسم اسماعيل، أنبأنا أحمد بن الحسن بن

ص: 167

خيرون، أنبأنا أبو علي بن شاذان أنبأنا أبو جعفر أحمد بن يعقوب الإصبهاني، أنبأنا محمد بن على بن دعبل بن علي الخزاعي:

عن ابن هشام الكلبي، عن أبيه عن ابن عباس قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) ، والله ما رأيت ولا سمعت رئيساً يوزن ،به لرأيته يوم صفين و على رأسه عمامة قد أرخى طرفيها و كأنّ عينيه سراجاً سليط و هو يقف على شرذمة يخصهم حتى انتهى إلى و أنا في كنف من الناس فقال:

معاشر المسلمين استشعروا الخشية و عنّوا الأصوات و تجليبوا السكينة وأعلموا الأسنة و أقلقوا السيوف قبل السلّة، واطعنوا الرخر، و

نافحوا بالظبا وصلوا السيوف بالخطا و النبال بالرماح، فإنكم بعين الله مع ابن عم نبيه (صلّی الله علیه و آله و سلّم) عاودوا الكّّر، و استحيوا الفرّ، فإنه عار باق في الأعقاب و الأعناق و نار يوم الحساب و طيبوا عن أنفسكم أنفسا و امشوا إلى الموت سجحاً وعليكم بهذا السواد الأعظم و الرواق المطنب،

فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكب صعبه و مفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يداً و أخر للنكوص رجلاً، فصمدا صمداً حتى تنجلي لكم عمود الدين و أنتم الأعلون والله معكم و لن يتركم أعمالكم.

935 - عنه أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف، أنبأنا إبراهيم بن عمر.

حيلولة: و أخبرنا أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، أنبأنا المبارك ابن عبد الجبار، أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي و علي بن عمر بن الحسن، :قالا أنبأنا أبو عمر عمر بن حبوبه أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمان السكري، قال:

ص: 168

قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في حديث علي (علیه السّلام) : ان ابن عباس قال: ما رأيت رئيساً محرباً يزن به لرأيته يوم صفين و على رأسه عمامة بيضاء، و كأن عينيه سراجا سليط، و هو يحمّس أصحابه إلى أن انتهى إلي و أنا في كثف فقال:

معاشر المسلمين استشعروا الخشية و عنّوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا اللؤم و أخفوا الجنن و أقلقوا السيوف فى الغمد قبل السلَّة و الحظوا الشزر و اطعنوا الشرز، أو لبتر أو اليمر - كلا قد سمعت - و ما تحوا بالظباء وصلوا السيوف بالخطا و الرماح بالنبل، و امشوا إلى الموت مشية سجحاً - أو سجحاء و عليكم بالرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكد في كسره نافج حضنية و مفترش ذراعيه، قد قدم للوثبة يداً و أخر للنكوص رجلاً.

936 - عنه أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو سعد الأديب أنبأنا السيد عمرو الباهلي، أنبأنا كثير بن يحيى، أنبأنا أبو عوانة، عن أبي الجارود عن زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جدة عن على (علیه السّلام) ما قال: أمرني رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بقتال الناكثين و المارقين والقاسطين.

937 - عنه أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبى الرجاء، أنبأنا منصور بن الحسين، و أحمد بن محمود قالا: أنبأنا أبو بكر بن المقرىء، أنبأنا إسماعيل ابن عباد البصري ببغداد، أنبأنا عباد بن يعقوب أنبأنا الربيع بن سهل الفزاري عن سعيد بن عبيد عن علي بن ربيعة قال: سمعت علياً (علیه السّلام) يقول: عهد إلى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أن قاتل الناكثين والقاسطين و المارقين.

938 - عنه أخبرنا أبو المظفر بن القشيري، أنبأنا أبو سعد الجنزرودى، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان.

ص: 169

حيلولة: و أخبرنا أبو سهل بن سعدويه، أنبأنا إبراهيم بن منصور - سبط بحرويه - أنبأنا أبو بكر بن المقرىء، قالا: أنبأنا أبو يعلى الموصلى أنبأنا إسماعيل بن موسى، أنبأنا الربيع بن سهل، عن سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة، قال: سمعت عليا (علیه السّلام) على منبركم هذا يقول: عهد إلى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أن أقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين.

939 - عنه أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك الفقيه، و أبو نصر أحمد بن علي بن محمد بن إسماعيل، قالا: أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبدالله بن خلف، أنبأنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو الحسن محمد أحمد بن تميم الحنظلي بقنطرة برذان، أنبأنا محمد بن سعد بن الحسن ابن عطية بن سعد العوفي حدثني أبي حدثني عمي عمرو بن عطية بن سعد، عن أخيه الحسن بن عطية ابن سعد:

حدثني جدي سعد بن جنادة عن علي قال: أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين و الناكثين والمارقين، فأما القاسطون فأهل الشام و أما الناكثون فذكرهم و أما المارقون فأهل النهروان يعنى الحرورية.

940 - عنه أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم عبد الله ابن الحسن بن محمد، أنبأنا أبو الحسن محمد بن عثمان محمد بن عثمان، أنبأنا محمد بن نوح بن عبدالله الجنديسابوري، أنبأنا هارون بن إسحاق، أنبأنا أبو غسان، عن جعفر - أحسبه الأحمر - عن عبدالجبار الهمداني عن أنس بن عمرو عن أبيه، عن علي (علیه السّلام) قال: أمرت بقتال ثلاثة: المارقين و القاسطين و الناكثين.

941 - عنه أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن عبد الله، أنبأنا أبو - الحسن علي بن محمد بن أحمد، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن ،موسی

ص: 170

أنبأنا أبو العباس بن عقدة، أنبأنا الحسن بن عبيد بن عبد الرحمان الكندي. أنبأنا بكار بن بشر، أنبأنا حمزة الزيات عن الأعمش عن إبراهيم عن علي و عن أبى سعيد التيمي عن علي قال: أمرت بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين.

942 - عنه أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا إسماعيل بن مسعدة، أنبأنا حمزة بن يوسف، أنبأنا عبد الله بن عدي، أنبأنا أحمد بن جعفر البغدادي بحلب أنبأنا سليمان بن سيف، أنبأنا عبيدالله بن موسى، أنبأنا مطر عن حكيم بن جبير عن إبراهيم عن علقمة عن علي (علیه السّلام) قال: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين و المارقين.

943 - عنه أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس، أنبأنا أبو النجم بدر بن عبد الله الشيحي، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، أخبرني الأزهري، أنبأنا محمد بن المظفر، أنبأنا محمد بن أحمد بن ثابت :قال وجدت في كتاب جدي محمد بن ثابت: أنبأنا أشعث بن الحسن السلمي، عن جعفر الأحمر عن يونس بن ابن أرقم، عن أبان:

عن خليد القصري قال: سمعت أمير المؤمنين علياً (علیه السّلام) يقول: يوم

النهروان : أمرنى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بقتال الناكثين و المارقين والقاسطين.

944 - عنه أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبدالملك، و أبو نصر أحمد بن علي بن محمد، قالا: أنبأنا أبو بكر بن خلف، أنبأنا الحاكم أبو عبدالله، أنبأنا الإمام أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه؛ أنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا زكريا بن يحيى الحرار المقريء أنبأنا إسماعيل بن عباد المقريء أنبأنا شريك، عن منصور عن إبراهيم: عن علقمة عن عبدالله قال خرج رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فأتى منزل أم سلمة فجاء علي فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) : يا أم سلمة

ص: 171

هذا والله قاتل القاسطين و الناكثين و المارقين بعدي .

945 - عنه أنبأنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن الزاغوني أنبأنا أبو الحسن بن الحسين بن علي بن أيوب، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، أنبأنا أبو بكر بن كامل بن خلف بن شجرة، أنبأنا أبو القاسم بن العباس المعسري أنبأنا زكريا بن يحيى الحرار المقريء أنبأنا إسماعيل بن عباد،

أنبأنا شريك عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: خرج رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) من بيت زينب بنت حجش وأتى بيت أم سلمة – و كان يومها من رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فلم يلبث أن جاء على (علیه السّلام) فدق الباب دقاً خفيفاً، فأنتبه النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) - للدق و أنكرته أم سلمة، فقال رسول الله : قومي فافتحي له الباب.

قالت یا رسول الله من هذا الذي من خطره ما يفتح له الباب؟ أتلقاه بمعاصمي و قد نزلت في آية من كتاب الله بالأمس؟ فقال لها كهيئة المعضب إن طاعة الرسول طاعة الله، و من عصى رسول الله فقد عصى الله، إن بالباب رجلاً ليس بعرق و لا علق يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله لم يكن ليدخل حتى ينقطع الوطىء.

قالت: فقمت و أنا أختال فى مشبي و أنا أقول: بخ بخ من ذا الذي عب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله ففتحت الباب، فأخذ بعضادتي الباب حتى إذا لم يسمع حساً و لا حركة وصرت في خدري أستأذن فدخل فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) : يا أم سلمة أتعرفينه؟ قالت نعم يا رسول الله هذا علي بن أبي طالب. قالك صدقت هو سيد أحبّه لحمه من لحمى و دمه من دمي و هو عيبة بيتي.

ص: 172

اشهدي و اسمعي و هو قاتل الناكثين والقاسطين و المارقين من بعدى فاسمعي و اشهدي و هو قاضي عداتى فاسمعي و اشهدى و هو والله يحيي سنتي .

فاسمعي و اشهدي لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام بعد ألف عام و ألف عام بين الركن والمقام ثم لق الله مبغضاً لعلي بن أبي طالب و عترتي أكبه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم.

946 - عنه أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح و أبو منصور أحمد ابن علي بن محمد :قالا أنبأنا أحمد بن علي بن عبد الله، أنبأنا محمد بن عبدالله الحافظ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن على بن دحيم الشيباني أنبأنا الحسين بن الحكم الحبري أنبأنا إسماعيل بن أبان، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي :

عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: أمرنا رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فقلنا: يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال: مع علي بن أبي طالب معه يقتل عمار بن ياسر.

947 - عنه قال: و أنبأنا محمد بن عبد الله، أنبأنا أبو الحسن على بن حمشاد العدل أنبأنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، أنبأنا عبد العزيز بن الخطاب، أنبأنا محمد بن كثير عن الحرث بن حصيرة، عن أبي صادق:

عن مخنف بن سليمان قال أتينا أبا أيوب، فقلنا: قاتلك بسيفك المشركين مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ثم جئت تقاتل المسلمين فقال: أمرني رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بقتال الناكثين والقاسطين و المارقين.

948 - عنه قال: و أنبأنا محمد بن عبد الله أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، أنبأنا الحسن بن علي بن شبيب المعمري، أنبأنا محمد بن حميد،

ص: 173

أنبأنا سلمة ابن الفضل، حدثني أبو زيد الأحول:

عن عتاب بن ثعلبة، حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال: أمرني رسول الله الله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي بن أبي طالب الان.

949 - عنه أخبرنا أبو الحسن بن قبيس، أنبأنا أبو منصور بن خيرون، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أخبرنى الحسن بن علي بن عبد الله المقري، أنبأنا أحمد بن محمد بن يوسف، أنبأنا محمد بن جعفر المطيري، أنبأنا أحمد ابن عبد الله المؤدب - بسر من رأى - أنبأنا المعلى بن عبدالرحمان - ببغداد - أنبأنا شريك، عن سليمان بن مهران الأعمش، أنبأنا إبراهيم :

عن علقمة و الأسود قالا أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له: يا أبا أيوب إنّ الله أكرمك ينزول محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و عليك و بمجيء ناقته تفضلاً من الله وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله ؟ فقال يا هذان إن الرائد لا يكذب أهله، و إن رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) .

أمرنا بقتال ثلاثة طوائف مع علي (علیه السّلام) بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين. فأما الناكثون فقد قاتلناهم و هم أهل الجمل طلحة والزبير، و أما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم يعنى معاوية وعمرو و أما المارقون فهم أهل الطرفاوات و أهل السعيفات و أهل النخيلات، و أهل النهروانات، والله ما أدري أين هم و لكن لا بدّ من قتالهم إن شاء الله.

قال: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول العمار: يا عمار تقتلك الفئة الباغية و أنت إذ ذاك مع الحق والحق معك يا عمار بن ياسر إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع على فإنه لن يدليك في

ص: 174

ركي و لن يخرجك من هدى .

یا عمار من تقلد سيفاً أعان به علياً على عدوّه قلده الله يوم القيامة و شاحين من درّ و من تقلد سيفاً أعان به عدّو على قلّده الله يوم القيامة و شاحين من نار. قلنا يا هذا حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله.

950 - عنه أخبرنا أبو الحسن سعد الخير بن محمد، أنبأنا أحمد بن محمد ابن أحمد بن موسى أنبأنا محمد بن أحمد بن عبد الرحمان الذكواني أنبأنا أبو أحمد بن محمد بن أحمد العسال، أنبأنا أبو يحيى الرازي و هو عبدالرحمان بن محمد بن سالم، أنبأنا عبدالله بن جعفر المقدسي أنبأنا ابن وهب، عن ابن لهيعة :

عن أبي عشاقة عن عمار بن ياسر ، قال: سمعت النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: يا علي ستقاتلك الفئة الباغية و أنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس منی .

951 - قال المقدسي: صفين موضع بين العراق و الشام و قامت الحرب بين الفريقين أربعين صباحا قالوا و لما بلغ معاوية خبر الجمل دعا أهل الشأم الى القتال على الشورى و الطلب بدم عثمان فبايعوه أميرا غير خليفة و بعث علي جرير بن عبد الله البجلي رسولا الى معاوية يدعوه الى البيعة .

فكتب إليه معاوية إن جعلت لي الشام و مصر طعمة أيام حياتك و إن حضرتك الوفاة لم تجعل لأحد بعدك في عنقي بيعة بايعتك .

فقال علي (علیه السّلام) لم يكن الله عزّ وجلّ يراني أتخذ المضلين عضدا و خرج من الكوفة في تسعين ألفا و جاء معاوية في ثمانين ألف رجل فنزل صفين يسبق عليا إلى شرعة الفرات و أمر أبا الأعور السلمى أن يحميها و يمنع أصحاب علىّ الماء .

ص: 175

فبعث عليّ الأشتر النخعي فقاتلهم وطردهم و غلبهم على الشرعة فأرسل إليه عليّ لا تمنع عباد الله الماء و جرت الرسل و المخاطبات بينهما أياما ثم ناوشوا القتال أربعين صباحا كلها وقدت الحرب رفعوا قميص عثمان و يقول معاوية ادعوا لها جوازها حتى قتل سبعون ألفا خمسة و عشرون ألفا من أهل العراق و خمسة و أربعون ألفا من أهل الشام وكان عليّ يخرج كلّ يوم خيلا قالوا فخرج يوما عبيد الله بن عمر و كان هرب الى معاوية خوفا من قصاص علي و هو يقول:

أنا عبيد الله ينميني عمر *** خير قريش من مضى و من غبر

حبر رسول الله و الشيخ الاغرّ *** قد أبطأت في قصر عثمان مضر

و الرّبعيون فلا اسقوا المطر

فناداه علي (علیه السّلام) على ما ذا تقاتلني فو الله لو كان أبوك ما قاتلني قال طلبا بدم عثمان بن عفان قال علي(علیه السّلام) و الله يطلبك بدم الهرمزان فخرج إليه الأشتر النخعي و هو يقول:

إنّي أنا الأشتر معروف الشتر *** إني أنا الأفعى العراقي الذكر

و أنت من خير قريش من نفر*** هذر مشائيم من أولاد عمر

فانصرف عبيد الله وكره مبارزته ثم قتل بعد ذلك و خرج عمار فقتله أبو عامر العاملي و قيل فيه:

يا للرّجال لعين دمعها جاري *** قد هاج حزني أبو اليقظان عمار

قال النبي له تقتلك شرذمة *** سيطت لحومهم بالبغي فجار

فاليوم يعلم أهل الشأم انهم *** أصحاب تلك وفيها الخزي والعار

فلما قتل عمّار انتبه الناس وكادوا يختلفون على معاوية فقال معاوية انما قتله علي حيث عرّضه للقتل ثم خرج على فقال علام يقتل الناس بيني

ص: 176

و بينك أحاكمك الى الله عزّ و جلّ فأينا قتل صاحبه استقام الأمر له فقال عمرو بن العاص له أنصفك و الله يا معاوية .

فقال معاوية تعلم و الله انه لم يبارزه أحد إلا قتله فيزعم قوم أن معاوية قال فابرز أنت يا عمرو فلبس مدرعة ذات فرجين من قدامها و ورائها و بارز عليّا فلما حمل عليه و تمكّن من ضربه رفع عمر و رجله فبدت عورته فصرف عنه علي وجهه و تركه قالوا و خرج يوما علي في كتيبة و على مقدمته الأشتر النخعي .

فصدقوهم القتال حتى لم يبق لأهل الشام صفّ إلا انتقض و قتلوا منهم جماعة كثيرة و كسفت الشمس و أشرف علي الا على الفتح فقال عمرو لمعاوية إنّي لأعلم كلمة لو قلتها لاستقام لك الأمر أفتجعل مصر لي طعمة فقال قد أطعمتك قال مرهم فلينشروا المصاحف ففعلوا و نادى :

يا أهل العراق بيننا و بينكم كتاب الله ندعوكم إليه فقالوا قد أنصفك معاوية فقال علي (علیه السّلام) و يحكم هذا مكر انما قاتلناهم ليدينوا بحكم كتاب الله قالوا لا بد لنا من الموادعة و الإجابة الى كتاب الله و كان ناشدهم في ذلك الأشعث بن قيس و هو يقول:

فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا *** عليها كتاب الله خير قرآن

و نادوا عليا يا ابن عم محمّد *** أما تتق أن يهلك الثقلان

قال علي (علیه السّلام) هذا كتاب الله فمن يحكم بيننا فاختار أهل الشام عمرو ابن العاص و اختار أهل العراق أبا موسى الأشعري فقال علي (علیه السّلام) هذا ابن عبّاس فقال الأشعث بن قيس لا نرضى به و الله لا يحكم فينا مضرى أبدا فقال الأحنف إنّ أبا موسى رجل قريب القعر اجعلني مكانه آخذ لك بالوثيقة و أضعك من هذا الأمر بحيث تحبّ فلم يرض به أهل اليمن و فيه

ص: 177

يقول الشاعر:

لو كان للقوم يعصمون به *** عند الخطوب رموكم بابن عبّاس

لكن رموكم بوعر من ذوى يمن *** لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس

فكتبوا القضية على أن يحكم الحكمان بكتاب الله و السنة و الجماعة غير الفرقة فإن فعلا غير ذلك فلا حكم لهما وصيّروا الأجل شهر رمضان على أن يجتمع الحكمان في موضع عدل بين الكوفة و الشأم و يحكما بذلك القضيّة فخرج الأشعث بن قيس و جعل يقرءها على الناس فمرّ به عروة بن أديّة التميمي فسلّ سیفه و ضرب به عجز دابته و قال تحكمون الرجال و لا حكم الا الله الّا الله وفيه يقول الشاعر:

أعلى الأشعث المعصب بالتاج *** شهرت السلاح يا ابن أديّه

و أمر علي بالرحيل من صفّين فما ارتحلوا حتى فشا فيهم التحكيم و رحل معاوية الى الشام و قد أصاب ما أراد من إيقاع الخلاف و الفرقة بين أصحاب على الله فلما دخل على الكوفة اعتزله اثنا عشر ألفا من القرّاء و زالوا براياتهم حتى نزلوا حروراء و هي قرية من السواد.

و أمّروا على القتال شبث بن ربعي و على الصلاة عبد الله فناظرهم على (علیه السّلام) ستة أشهر و هم ينادونه جزعت من البلية و رضيت بالقضية و قبلت الدنيّة لا تحكم إلا الله عزّ و جلّ فيقول على (علیه السّلام) انتظر بكم حكم الله فيقولون لئن أشركت ليحبطن عملك فيقول فاصبر ان وعد الله حق .

ثم بعث علي عبد الله بن عبّاس و صعصعة بن صوحان يدعونهم الى الجماعة فقال علي انا موادعكم إلى مدّة نتدارس فيها كتاب الله عزّ و جلّ لعلّنا نصطلح فمادّوه تسعة عشر ليلة ثم قال ابعثوا الى خطباء يقومون

ص: 178

بحجّتكم فبعثوا .

فقام عليّ فحمد الله واثنى عليه ثم قال لم أكن أحرصكم على هذه القضية و التحكيم و لكنّكم وهنتم في القتال وتفرّقتم علي و دعاني القوم الى كتاب الله عزّ و جلّ فخشيت أن يتأوّلوا على قوله تعالى:

«أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً من الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتَابِ الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ» قالت خطباء الحرورية دعوتنا الى كتاب الله عزّ و جلّ فأجبناك حتى قتلنا و قتلنا بالجمل و صفين.

ثم شككت في أمرك و حكمت عدوّك فنحن على أمرك الذي تركت و أنت على غيره و لا نرجع إلا أن تتوب و تشهد على نفسك بالضلالة فقال معاذ الله أن أشهد على نفسي بالضلالة و بنا هداكم الله عزّ و جلّ و استنقذكم من الضلالة و انّما حكمت الحكمين ان يحكما بكتاب الله عزّ و جلّ و السنّة الجامعة غير المفرقة

فإن حكما بغير ذلك لم يكن على ولا عليكم و انما تقع القضيّة في عام قابل فقالوا نخشى أن يحدث أبو موسى شيئا يكون كفرا قال فلا تكفّوا و أنتم العام مخافة كفر عام قابل فرجع بعضهم الى الجماعة ثم بعث إليهم ابن عبّاس .

فقال ما نقمتم على ابن عم رسول الله قالوا ثلث خصال إحداهنّ أنّه حكّم الرجال في دين الله والله يقول «إنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله» والأخرى أنّه غيّر من اسمه إمارة المؤمنين و ان لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين و الثالثة أنّه قتل و لم يسب و لم يغنم.

فإن كانوا كفارا حلّ ؟ يهم و إن كانوا مؤمنين فلم قتلتم فقال ابن

ص: 179

عباس امّا قولكم حكم الرجال في دين الله فإن الله عزّ و جلّ قد حكّم في ارنب قیمته ربع درهم مسلمين عدلين و حكّم في نشوز أمرأة مسلمين عدلين فأناشدكم الله عزّ و جلّ أحكم الرجال في أرنب أفضل أم حكمهم في دماء الأمة وإصلاح ذات البين و أما قولكم انه قاتل و لم يسب و لم يغنم فإن الله تعالى يقول:

« النَّبِيُّ أَوْلى بِالمُؤمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» فهل كنتم تسبون أمكم وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها و اما قولكم انه أخرج اسمه من امارة المؤمنين فإنّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أخرج اسمه يوم الحديبية من النبوة و الله لرسول الله أفضل من علي .

فرجع منهم ألفان ألفان مع عبد الله بن الكواء و أمر الباقون عبد الله بن وهب الراسبي عليهم و أخذوا في الفساد فقال علي (علیه السّلام) دعوهم حتى يأخذوا مالا ويسفكوا دما و كان يقول أمرنى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فالناكثون أصحاب الجمل والقاسطون أصحاب صفين و المارقون الخوارج.

952 - عنه كان علي بعث قيس بن سعد بن عبادة الى مصر واليا عليها فأجهض معاوية بدهائه و مكايدته و لم يكن لعمرو بن العاص التوصل اليها وقد أطعمها إياه معاوية عند تعليمهم التحكيم فاحتالوا في إزالة قيس عنها و ذلك أن معاوية كتب الى بعض بني أمية ان جزى الله قيس بن سعد عنا خيرا فانه قد كفّ عن إخواننا من أهل مصر الذين قاتلوا في دم عثمان و اكتموا ذلك عليا .

فانّى أخاف أن بلغه ذلك عزله فشاع ذلك في الناس فقالوا بدل قيس قال على (علیه السّلام)معاذ الله قيس لا يبدل فما زالوا به حتى كتب إليه ان أقدم فعلم

ص: 180

قيس أنّه مكر من معاوية فقال لو لا الكذب لمكرت بمعاوية مكرا يدخل عليه بيته و أقبل على علي (علیه السّلام).

فبعث على الأشتر النخعى مكانه فلما انتهى الى عريش كتب معاوية عليه اللعنة الى دهقان عريش إن أنت قتلت الأشتر فلك خراجه عشرين سنة فأخرج له سويقا و جعل فيه سماً فلما شربه الأشتر يبس مكانه فقال معاوية لما بلغه ما أبردها على الفؤاد إنّ الله جنودا من عسل و بلغ الخبر عليا (علیه السّلام).

فبعث محمّد بن أبي بكر الى مصر مكانه و بعث معاوية عمرو بن العاص اليها فاقتتلا بالمسناة وقتل محمّد بن ابى بكر و جعلوا جنّته في جيفة حمار و أحرقوه بالنار.

953 - عنه ذكر الحكمين وكان ذلك بعد صفّين بثمانية أشهر و اجتمع أبو موسى الأشعري و عمرو بن العاص للتحكيم بموضع يقال له دومة الجندل بين مكة و الكوفة و الشأم و أحضروا جماعة من الصحابة والتابعين منهم عبد الله بن عمرو عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث و المسور بن مخرمة في صلحاء أهل المدينة و بعث علي ابن عباس من الكوفة في جماعة .

فقال ابن عبّاس لأبي موسى انك قد رميت بحجر الأرض و داهية العرب فمهما نسيت فلا تنس أنّ عليّا بايعه الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان و ليست فيه خصلة واحدة تباعده من الخلافة و ليس في معاوية خصلة واحدة تدانيه من الخلافة فلما اجتمع أبو موس موسى و عمرو للحكومة ضربا فسطاطا و قال عمرو.

يجب ان لا نقول شيئا إلا كتبناه حتى لا نرجع عنه فدعيا بكاتب و كان قال له عمر و قبل ذلك ابدأ باسمي فلما أخذ الكاتب الصحيفة و كتب

ص: 181

182

بسم الله الرحمن الرحيم بدأ باسم عمرو فقال له عمرو امحه و ابدأ باسم أبي موسى فانّه أفضل منى و أولى بالتقديم و كانت خديعة منه ثم قال ما نقول يا أبا موسى في قتل عثمان .

قال قتل و الله مظلوما قال عمرو اكتب يا غلام ثم قال يا أبا موسى إنّ إصلاح الأمة و حقن الدماء و إبقاء الذماء خير مما وقع فيه علي و معاوية فإن رأيت أن نخرجهما و يستخلف على الأمة من يرضى المسلمون به فإنّ هذا أمانة عظيمة في رقابنا قال لا بأس بذلك .

قال عمر و اكتب يا غلام ثم ختمها على ذلك الكتاب وقاما ذلك اليوم و قد تطاول النهار وسيم الكلام و قد ظفر عمرو بما أراد من إقرار أبي موسى بقتل عثمان ظلما و إخراج على و معاوية من الأمر فلما كان من الغد و قعدا للنظر .

قال عمرو يا أبا موسى قد أخرجنا عليّا ومعاوية من هذا الأمر فسمّ له من شئت قال أسمى الحسن بن علي قال عمرو تراه تخرج أباه من الأمر و تجلس مكانه ابنه قال فعبد الله بن عمر قال هو أورع من أن يدخل في شيء من هذا و ستمى ابو موسى عدّة لا يرضيهم عمرو ثم قال سم أنت يا أبا عبدالله .

قال معاوية بن ابي سفيان قال ما هو أهل لذلك فابنى عبد الله بن عمر و فعرف ابو موسى انه يتلعب به فقال افعلتها لعنك الله انما مثلك «كَمَثَل الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَث» أو تتركه يلهث فقال له عمرو بل أنت لعنك الله «انّما مثلك كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً»، ثم قال عمرو ان هذا قد خلع صاحبه و أخرج عمرو خاتمه و أنا أيضا خلعته كما خلعت هذا الخاتم من يدي

ص: 182

ثم أدخل خاتمه في يده الأخرى و قال ادخلت معاوية في الأمر كما ادخلت خاتمي في يدي و قال قوم خلع عليّا و لم يدخل معاوية حتى أتى الشأم ثم ركب ابو موسى راحلته الى مكة و ركب عمرو الى الشام و فيه يقول الشاعر:

أبا موسی بلیت و کنت شیخا *** قريب القعر مجرور اللسان

رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس *** بأمر لا تنوء به اليدان

فأعطيت المقادة مستجيبا *** فيا لله من شيخ يمان

954 - عنه لما قدم عمر و الشأم ولى معاوية و بايعوه الناس و بلغ الخبر عليّا فقال كنت نهيتكم عن هذه الحكومة فمن دعا اليها فاقتلوه و عزم على المسير الى معاوية و بايعه ستون ألفا على الموت فشغلته الخوارج و قتالهم الى أن قتل رضوان الله عليه و أخذ معاوية في تسريب السرايا الى النواحي التي تليها عمال على (علیه السّلام) و شنّ الغارات و قتل الرجال و نهب الأموال .

الملا و بعث بسر بن أرطاة الى المدينة و على المدينة ابو أيوب الأنصاري فنحى عنها وصعد بسر المنبر و توعد أهل المدينة بالقتل حتى أجابوا الى بيعة معاوية و أتى مكة و بها عبد الله بن العباس فهابه و خرج نحو على و قتل بسر جماعة من شيعة على (علیه السّلام) و أخذ ابنين صغيرين لعبد الله بن عبّاس فقتلهما فى حجر أمهما وفيهما تقول أمّهما :

ها من أحسّ بنيني اللذين هما *** كالدرّتين تشظى عنهما الصدف

ها من أحسّ بنيني اللذين هما *** سمعي وعيني فقلبي اليوم مختطف

نبيت بسرا و ما صدقت ما زعموا *** من قولهم ومن الكذب الذي وصفوا

و بلغ الخبر عليّا فبعث في اثره جارية بن قدامة ففاته و لم يدركه و كان لبسر هذا ابنان بأوطاس فخرج إليهما رجل من قريش فقتلهما و قال

ص: 183

فيها

ما قتلتهما ظلما فقد شرفت *** من صاحبيك قناتي دون أوطاس

فاشرب بكأس ذوى ثكل كما شربت *** أم الصبيين أو ذاق ابن عبّاس

955 - قال الموفق الخوارزمي أخبرني سيد الحفاط أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب الي من همدان أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبدالله بن عبدوس الهمداني كتابة أخبرني أبو جعفر محمد بن على بن رحيم الشيباني حدثنى الحسين ابن الحكم الحبرى حدثني إسماعيل بن أبان.

حدثني اسحاق بن ابراهيم الازهر عن أبي هارون العبدى عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بقتال الناكثين والقاسطين و المارقين فقلنا يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال: مع علي بن أبي طالب خاصة و معه يقتل عمار بن ياسر.

956 - عنه أخبرنا أبو منصور شهردار هذا فيما كتب الى من همدان أخبرني أبو الفتح عبدوس هذا كتابة أخبرني الامام أبوبكر أحمد بن اسحاق الفقيه حدثنى الحسن بن على حدثني زكريا بن يحيى الخزاز المقرى حدثنى اسماعيل بن عباد المقرى حدثني شريك عن منصور عن ابراهيم عن علقمة عن عبدالله قال خرج رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فاتى منزل أم سلمة فجاء علي (علیه السّلام) فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) : هذا والله قاتل القاسطين و الناكثين و المارقين بعدي.

957 عنه أخبرني أبو منصور شهردار هذا كتابة أخبرني أبو الفتح عبدوس هذا كتابة أخبرنى أبوبكر محمد بن بالويه حدثني الحسن بن على بن شبيب المعمري حدثني محمد بن حميد حدثني سلمة بن الفضيل، قال

ص: 184

حدثني أبو زبد الاحول عن غياث عن ثعلبة قال حدثني أبو أيوب الانصارى في خلافة عمر بن الخطاب قال أمرنى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بقتال الناكثين والقاسطين و المارقين مع على بن أبي طالب (علیه السّلام).

958 - عنه أخبرني الشيخ الزاهد أبو الحسن على بن أحمد العاصمي أخبرنا القاضى الامام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ أخبرنى والدى أحمد بن الحسين البيهقي أخبرني أبو الحسن على بن أحمد السبعي النيسابورى بها حدثني أبو العباس أحمد الاصم حدثني ابراهيم بن مرزوق حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني سعيد عن خالد عن سعيد بن أبى الحسن عن امه عن أم سلمة أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية لا أنا لها الله شفاعتي يوم القيامة.

959 - عنه بهذا الاسناد عن ابراهيم بن مرزوق هذا حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن الحسن بن أبي الحسن عن أبيه عن أم سلمة ان رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية أخرجه مسلم في الصحيح.

960 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرني أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو عبد الله احمد بن رطبة الاصبهاني حدثنى الحسن بن الجهم حدثنى الحسين بن الفرج حدثني محمد بن عمرو هو الواقدي، حدثنى عبدالله بن الحارث عن أبيه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال شهد خزيمة بن ثابت الجمل و قال لا اسل سيفاً و شهد صفين و قال الا أصلى ابداً.

أى لا اصلى خلف امام حتى يتبين امام حتى يقتل عمار فانظر من يقتله فانى سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول تقتله الفئة الباغية فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة قد جازت لي الصلاة ثم اقترب فقاتل حتى قتل و كان

ص: 185

الذي قتل عمار أبو عادية المزنى طعنه برمح فسقط و كان يومئذ يقاتل و هو ابن أربع و تسعين سنة فلما وقع اكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه فاقبلا يختصمان كلاهما يقول أنا قتلته.

فقال عمرو بن العاص و الله ان تختصمان إلا في النار فسمعها منه معاوية فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو ما رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما انكما لتختصمان في النار فقال عمرو و هو و الله ذاك و الله انك لتعلم و لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة.

961 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنى أبو الحسن على بن أحمد بن عبدان أخبرني محمد بن عبيد حدثني محمد بن اسحاق بن الصفار حدثني وهب ابن بقية حدثني خالد يعنى – ابن عبدالله - عن خالد الحذاء عن عكرمة أن ابن عباس قال له و لعلي بن عبدالله بن عباس انطلقا الى ابن سعيد فاستمعا من حديثه فاتيناه فاذا هو فى حائط له فلما رآنا جاء فاخذ ردائه ثم قعد فأنشا يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد.

قال كنا نحمل بنة لبنة و عمار يحمل لبنتين لبنتين فرآه النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فجعل ينفض التراب عن رأس عمار و يقول: يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك ؟ قال انى أريد الاجر من الله تعالى قال فجعل ينفض التراب عنه و يقول ويحك تقتلك الفئتة الباغية تدعوهم الى الجنة و يدعونك الى النار قال عمار أعوذ بالرحمن - أظنه قال من الفتن - قال أحمد بن الحسين البيهقى هذا حديث صحيح على شرط البخاري.

962 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو عبدالله الحافظ أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق قال حدثني بريدة بن سفيان

ص: 186

عن محمد بن كعب أن كاتب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بهذا الصلح كان على بن أبى طالب (علیه السّلام) .

فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو فجعل على يتلكأ و يابى إلا أن يكتب محمد رسول الله فقال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) اكتب فان لك مثلها تعطها و أنت مضطهد فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو.

963 - عنه قال: وروى السيد أبو طالب بإسناده عن علقمة و الاسود قالا أتينا أبا أيوب الانصارى فقلنا يا أبا أيوب ان الله أكرمك بنبيه (صلّی الله علیه و آله و سلّم) إذ أوحى الى راحلته فبركت على بابك وكان رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ضيفا لك فضيلة فضلك الله بها فاخبرنا عن مخرجك مع على بن أبي طالب (علیه السّلام).

فقال أبو أيوب فانى أقسم لكما لقد كان رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) في هذا لا البيت الذى أنتما فيه و ما فى البيت غير رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) جالس عن يمينه و أنا جالس عن يساره و أنس بن مالك قائم بين يديه إذ تحرك الباب، فقال النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنظر من بالباب؟ و خرج أنس و نظر فقال هذا عمار بن ياسر فقال النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أفتح لعمار الطيب ابن الطيب ففتح أنس و دخل عمار فسلم على رسول الله فرحب به.

ثم قال يا عمار أنه سيكون فى أمتى من بعدى هنات حتى تختلف السيف فيما بينهم و حتى يقتل بعضهم بعضا و حتى يبرأ بعضهم من بعض فاذا رأيت ذلك فعليك بهذا الاصلع الذي عن يمينى على بن أبي طالب و ان سلك الناس كله وادياً وسلك على وادياً فأسلك وادى علي و خل عن الناس يا عمار ان علياً لا يردك عن هدى و لا يدلك على ردى يا عمار طاعة علي طاعتى و طاعتى طاعة الله.

ص: 187

964 - عنه أخبرني سيد الحافظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب الي من همدان أخبرني الشيخ العالم محى السنة أبو الفتح عبدوس بن عبدالله بن عبدوس الهمداني كتابة أخبرني أبو الحسين أحمد بن محمد بن تميم الحنظلي بقنطرة بردان حدثني محمد بن سعيد بن الحسن ابن عطية بن سعيد العوفي حدثني أبى.

حدثني عمي عمرو بن عطية بن سعيد عن أخيه الحسن بن عطية حدثنى جدى سعد بن عبادة عن على (علیه السّلام) قال أمرت بقتال ثلاثة الناكثين القاسطين و المارقين، فأما القاسطون فأهل الشام، و أما الناكثون فأهل الجمل و أما المارقون فأهل النهروان يعنى الحرورية.

965 - عنه أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن على بن أحمد العاصمي أخبرنى شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ أخبرنى والدى أحمد بن الحسين البيهق أخبرني أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق حدثني عبدالملك محمد الرقاشي حدثني وهيب بن حرير و أبو الوليد عن شعبة عن عمرو بن مرة، قال سمعت عبد الله بن مسلم يقول:

رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخا آدم طويلاً آخذ الحربة بيده و يده ترعد قال والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ثلاث مرات والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أن شيخنا (علیه السّلام) على الحق و أنهم على الضلاله.

966 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرني أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عبدالله مكي بن بندار الزنجاني ببغداد حدثني أبو عبدالله محمد بن أحمد بن رجاء الحنفي بمصر حدثني هارون بن محمد بن أبي الهندام العسقلاني حدثنى عثمان بن طالوت بن عباد الجحدري حدثني بشر

ص: 188

ابن أبي عمرو بن العلا حدثني أبي حدثني الذيال بن حرملة قال سمعت صعصعة بن صوحان.

يقول: لما عقد على بن أبى طالب (علیه السّلام) الألوية لاجل حرب صفين أخرج لواء رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و لم ير ذلك اللواء منذ قبض رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فعقده على(علیه السّلام) و دعا قيس ابن سعد بن عبادة فدفعت إليه و اجتمعت الانصار و أهل بدر فلما نظروا الى لواء رسول الله بكو فانشأ قيس ابن سعد بن عبادة يقول:

هذا اللواء الذي كنا نحف به *** مع النبي و جبريل لنا مدد

ما ضر من كانت الانصار عيبته *** أن لا يكون لهم من غير هم عضد

967 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرني أبو الحسين ابن الفضل حدثني عبدالله بن جعفر حدثنى يعقوب بن سفيان عن محمد بن فضل حدثني يحيى بن سعيد عن يحيى بن مشعر عن محمد بن قيس عن أبن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال ما زال جدى كافاً سلاحه حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه فقاتل حتى قتل في تلك المعركة قال أحمد بن الحسين البيهقي.

لما قتل عمار بصفين اقتتل أمير المؤمنين على (علیه السّلام) فيما ذكر أهل التواريخ قتالا شديداً و قتل من غدوة ليلة الهرير ناس كثير واتصل الحرب بينهم حتى ولى اكثر أهل الشام أدبارهم فجعل معاوية و من بقى معه مصاحفهم على رؤس رماحهم و قالوا نحن ندعوكم الى كتاب الله عزوجل و كان ذلك مكراً وحيلة ليمسك أصحاب على (علیه السّلام) عن قتالهم فكان الامر كما ظنوا و اشاروا الى علي (علیه السّلام) بترك القتال.

968 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنى السيد ابو

ص: 189

الحسن محمد بن الحسين العلوى أخبرنى أبو الاحوز محمد بن عمر بن جميل حدثني أبوبكر بن أبي الدنيا حدثني عبدالله بن يونس بن بكير حدثني أبي عن الاعمش حدثني من رأى عليا (علیه السّلام) يوم صفين يصفق بيديه و يعض عليهما و يقول يا عجبا أعصى و يطاع معاوية.

969 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنى الحاكم أبو عبدالله الحافظ فى التاريخ قال سمعت أبا عثمان سعيد بن نصر الاندلسي يقول سمعت أبا على اسماعيل بن محمد الصفار يقول سمعت أحمد بن بن عبيد بن ناصح يقول سمعت ابا عبيد يحدث عن ابن ابى سنان العجلي قال: قال ابن عباس لأمير المؤمنين على بن أبي طالب(علیه السّلام) ابعثني الى معاوية بن ابي سفيان بينك و بينه .

فوالله لا ملئن له خيلا لا ينقطع وسطه و لا ينقضى طرفه فقال على (علیه السّلام) لست من مكرك و مكر معاوية في شيء والله لا اعطى معاوية إلا السيف حتى يغلب الحق الباطل، قال ابن عباس أو غير هذا قال كيف قال ابن عباس انه يطاع و لا يعصى و أنت عن قليل تعصى و لا تطاع قال فلما جعل أهل العراق يختلفون على علي (علیه السّلام) قال لله در ابن عباس انه لينظر الى الغيب من وراء ستر رقيق.

970 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو الحسين ابن الفضل حدثني عبدالله بن جعفر حدثني يعقوب بن سفيان حدثني سعيد ابن أسد حدثني ضمرة عن حمزة بن شوذب قال: قطع يوم صفين أربعون الف قصبة فوضعت كل قصبة على قتيل فنفذت القصب و لم تحص القتلى.

971 - عنه قال يعقوب و روی ضماد بن زيد عن هشام عن ابن سيرين أنه قال: بلغ القتلى سبعين صفين الفا فما قدروا على ان يعدوهم إلا بالقصب

ص: 190

و وضعوا على كل أنسان قصبة ثم عدوا القصب.

972 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرني أبو الحسن ابن بشران أخبرنى أبو عمر بن السماك حدثني حنبل بن اسحاق حدثني يعلى بن أسد حدثني حاتم بن وردان حدثنى على بن زيد حدثني رجل من بني سعد :قال كنت واقفا الى جنب الاحنف بن قيس بصفين والأحنف الى جنب عمار فقال عمار حدثنی خلیلی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ان آخر زادى من الدنيا ضياح من لبن.

قال فبينا نحن وقوف اذ سطع الغبار و قالوا جاء أهل الشام فقام السقاة يسقون الناس فجاءت جارية معها قدح فناولته عماراً فشرب و أعطى الاحنف و ناولنى فضلة فاذا هو لبن فاخفيت الى الأحنف فقلت ان كان صاحبك صادقا لتقتلن الآن فحمل فسمعته يقول الجنة الجنة تحت الأسنة، اليوم القى الاحبة محمداً و حربه فكان آخر العهد به.

973 - عنه قال و روى ان أمير المؤمنين على بن أبى طالب (علیه السّلام) ارسل الى معاوية رسله و هم الطرماح و جریر بن عبدالله البجلي و غيرهما قبل مسيره الى صفين و كتب إليه مرة بعد أخرى يحتج عليه ببيعة أهل الحرمين له و سوابقه في الاسلام.

لئلا يكون بين أهل العراق و أهل الشام محاربة و معاوية يعتل بدم عثمان ويستغوى بذلك جهال الشام و اجلاف العرب و يستميل إليه طلبة الدنيا الدنية بالاموال و الولايات وكان يشاور في اثناء ذلك ثقاته و أهل مودته و عشيرته في قتال علي (علیه السّلام) .

فقال له أخوه عتبة هذا أمر عظيم لايتم الا بعمرو بن العاص فانه قريع زمانه في الدهاء و المكر يخدع و لا يخدع و قلوب أهل الشام مايلة

ص: 191

اليه فقال له معاوية صدقت و الله ولكنه يحب عليا فاخاف ان لا يجيبني قال اخدعه بالاموال و الولايات فكتب إليه معاوية من معاوية بن أبى سفيان خليفة عثمان بن عفان امام المسلمين ذى النورين ختن المصطفى على ابنته و صاحب جيش العسرة و بئر دومة.

المعدوم الناصر الكثير الخاذل المحصور فى منزله المقتول عطشا و ظلما فى محرابه المعذب باسياف الفسقة الى عمرو بن العاص صاحب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و ثقته و أمير عسكره بذات السلاسل المعظم رأيه المفخم تدبيره.

اما بعد فلن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين و ما اصيبوا به من الفجيعة بدم عثمان و ما ارتكب به جاره حسداً و بغيا بأمتناعه من نصرته و خذلانه إياه و اشيا به العامة عليه حتى قتلوه في محرابه فيالها من مصيبة عمت جميع المسلمين و فرضت عليهم طلب دمه من قتلته و أنا أدعوك إلى الحظ الاجزل من الثواب و النصيب الأوفر من حسن المآب بقتال من آوى قتلة عثمان.

فكتب إليه عمرو من عمرو بن العاص صاحب رسول الله الى معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد فقد وصل الى كتابك فقراته و فهمته فاما ما دعوتني اليه من خلع ربقة الاسلام من عنقى و التهور فى الضلالة معك و إعانتي إياك على الباطل و اختراط السيف فى وجه على و هو أخو رسول الله و وصيه و وارثه و قاضی دینه و منجز وعده و زوج ابنته سيدة نساء أهل الجنة.

و أبو السبطين الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة فلن يكون، و أما ما قلت إنك خليفة عثمان فقد صدقت ولكن تبين اليوم عزلك عن خلافته و قد بويع لغيره فزالت خلافتك، و اماما عظمتنی به و نسبتنی اليه من صحبة رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و اني صاحب جيشه فلا أغتر بالتزكية و

ص: 192

الا أميل بها عن الملة.

و أما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و وصيه الى البغى و الحسد على عثمان و سميت الصحابة فسقة و زعمت أنه اشلاهم على قتله فهذا كذب و غواية، ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه بين يدى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و بات على فراشه و هو صاحب السبق الى الاسلام و الهجرة و قد قال فيه رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) هو منى و أنا منه و هو منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى و قال فيه يوم غدير خم:

الا من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل اخذل من خذله هو الذي قال فيه يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله وقال فيه يوم الطير اللهم آتنى بأحب خلقك اليك والى فلما دخل إليه قال إلى وإلى. و إلى وقد قال فيه يوم بني النضير.

على قاتل الفجرة و امام البررة منصور من نصره مخذول خذله و قال فيه على امامكم بعدى واكد القول على وعليك و على خاصته و قال: انى مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتى و قد قال فيه أنا مدينة العلم و علي بابها و قد علمت يا معاوية ما انزل الله تعالى في كتابه من الآيات المتلوات في فضائله التى يشاركه فيها أحد كقوله تعالى:

«يوفون بالنذر» و قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»، و قوله تعالى «أَفَمَنْ كَانَ عَلى بَيْنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» و قوله تعالى: «رجالٌ صَدَقُوا ما عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ»، و قوله تعالى: «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» و قد قال له رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، أما ترضى ان يكون سلمك سلمى و

ص: 193

حربك و حربى و تكون أخى ووليى فى الدنيا والآخرة.

يا أبا الحسن من أحبك فقد أحبنى و من أبغضك فقد أبغضني و من أحبك أدخله الله الجنة و من أبغضك ادخله الله النار و كتابك يا معاوية الذى هذا جوابه ليس مما ينخدع به من له عقل أو دين و السلام. ثم كتب اليه معاوية يعرض عليه الاموال و الولايات وكتب في آخر كتابه هذا الشعر:

جهلت و لم تعلم محلك عندنا *** وأرسلت شيئاً من عتاب و ماتدرى

فثق بالذي عندى لك اليوم آنفا *** من العز و الاكرام والجاه والقدر

فاكتب عهداً ترتضيه مؤكدا *** واشفعه بالبذل منى و بالبر

فكتب إليه هذه الابيات و يقول:

أبى القلب مني ان اخادع بالمكر *** بقتل ابن عفان أجر الى الكفر

و انى لعمرو ذو دهاء وفطنة *** ولست أبيع الدين بالربح و الوفر

فلو كنت ذا رأى و عقل و حيلة *** لقلت لهذا الشيخ ان خاض في الأمر

تحية منشور جليس مكرم ***بخبط صحيح ذي بيان على مصر

اليس صغيراً ملك مصر ببيعة *** هي العار في الدنيا على العقب من عمرو

فان كنت ذاميل شديد الى العلى *** وإمرة أهل الدين مثل أبي بكر

فاشرك أخا رأى و حزم و حيلة *** معاوى في أمر جليل لذى الذكر

فان رواء الليث صعب على الورى *** و ان غاب عمرو زيد شر الى شر

فكتب إليه معاوية منشور مصر و انفذه إليه و بقي عمرو انفذه إليه و بقي عمرو متفكراً لا يدرى ما يصنع حتى ذهب عنه النوم فقال في ذلك:

تطاول ليلى للهموم الطوارق *** وصافحت من دهری وجوه البوائق

أأخدعه والخدع فيه سجية *** أم اعطيه من نفسى نصيحة وامق

ص: 194

أم اقعد عنه ان ذا فيه راحة *** لشيخ يخاف الموت في كل شارق

فلما أصبح دعا مولاه وردان و كان عاقلاً فشاوره في ذلك فقال وردان ان مع على آخرة و لا دنيا معه و هي التي تبق لك و تبقى فيها، و ان معاوية دنيا و لا آخرة معه و هى التى لا تبقى عليك و على أحد فاختر لنفسك أيهما تختار فتبسم عمرو و أنشا يقول:

يا قاتل الله ورداناً وفطنته *** لقد أصاب الذي في القلب وردان

لما تعرضت الدنيا عرضت لها *** بحرص نفسي و في الاطباع ادهان

نفس تعف وأخرى الحرص بغلبها *** والمرء يأكل تيسا و هو غرثان

أما علي فدين ليس يشركه *** دنيا و ذلك له دنيا و سلطان

فاخترت من طمعی دنیا علی بصری *** و ما معى بالذي أختار برهان

أنى لأعرف ما فيها وأبصره *** وفي أيضاً لما أهواه الوان

لكن نفسى تحب العيش في شرف *** و ليس يرضى بذل النفس أنسان

ثم إن عمراً رحل إلى معاوية فمنعه ابنه عبدالله و عبده وردان فلم يمتنع فلما بلغ مفرق الطريقين طريق الشام و طريق العراق قال له وردان طريق العراق طريق الآخرة و طريق الشام طريق الدنيا فايها يسلك قال طريق الشام.

974 - عنه قال مما كتب أمير المؤمنين على بن أبي طالب (علیه السّلام) قبل نهضته إلى صفين إلى معاوية لأخذ الحجة عليه، أما بعد فانه لزمتك بیعتی بالمدينة و أنت بالشام لانه بايعنى القوم الذين بايعوا أبابكر و عمر و عثمان على ما بايعوا عليه فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب ان يرد و أنما الشورى للمهاجرين و الانصار.

فاذا اجتمعوا على رجل فسموه اماماً كان ذلك، فان خرج من أمرهم

ص: 195

خارج ردوه الى ما خرج منه و ان أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى و اصلاه جهنم وساءت مصيراً و ان طلحة و الزبير بايعانى ثم نقضا بيعتى و كان نقضهما كردّهما فجاهدتهما على ذلك بعد ان اعذرت و أنذرت حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون.

فادخل يا معاوية فيما دخل فيه المسلمون فان حب الامور إلى فيك العافية و ان لا تعرض للبلاء فان تعرضت للبلاء قاتلتك و استعنت الله عليك و قد اكثرت الجدال في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلى احملك و اياهم على كتاب الله فاما تلك التي تريدها فهذه خدعة الصبي عن اللبن و لعمرى لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنى ابراً قريش من دم عثمان.

و اعلم انك من اللطقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و لا يعرض فيهم الشورى و قد بعثت اليك والى من قبلك جرير بن عبد الله البجلي و هو من أهل الإيمان والهجرة فبايع و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

975 - عنه روى أن أهل الشام سبقوا الى مشرعة الفرات و منعوا أصحاب علي (علیه السّلام) الماء و كان على (علیه السّلام) و أصحابه يشربون من ماء آسن حتى فشا فيهم السقم و كان على(علیه السّلام) يدارى أهل الشام ويلاطفهم و لا يبدانهم بالقتال و يحتج عليهم مرة بعد أخرى و هم مصرون على منعهم الماء وكتب معاوية الى على (علیه السّلام) .

أما بعد فلو بايعك القوم الذين بايعوك و أنت برىء من دم عثمان لكنت كأبى بكر و عمر و عثمان ولكنك أغريت بعثمان المهاجرين والأنصار و خذلت عنه الانصار حتى أطاعك الجاهل و تقوى بك الضعيف و قد عزم أهل الشام على قتالك اللهم إلا أن تدفع إليهم قتلة عثمان فيكفوا عنك و

ص: 196

تجعل الامر شورى بين المسلمين و تكون الشورى لأهل الشام لا لأهل الحجاز.

فاما فضلك في الاسلام و سابقتك و قرابتك برسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) موضعك من قريش فلا ادفعه و في آخر الكتاب هذه الابيات يقول:

أرى الشام تكره أهل العراق *** و أهل العراق لهم كارهونا

و كل لصاحبه مبغض *** يرى كل ما كان من ذاك دينا

اذا مارمونا رميناهم *** و دناهم مثل ما يقرضونا

و قالوا على امام لنا *** فقلنا رضينا ابن هند رضينا

و قالوا نرى ان تدينوا له *** فقلنا لهم لا نرى ان ندينا

وكل يسر بما عنده *** يرى غث ما في يديه سمينا

فامر على (علیه السّلام) ان يكتب عبيد الله بن أبي رافع جوابه فكتب من عبدالله على بن أبي طالب أمير المؤمنين الى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد: فقد أتاني كتاب أمرىء ليس له نور يهديه و لا قايد يرشده.

دعاه الهوى فاجابه و قاده الضلال فاتبعه و زعمت أن خطيئتي في عثمان افسدت عليك بيعتى و لعمرى ما كنت إلا كواحد من المهاجرين و الأنصار أوردت فيا اور دوا و اصدرت كما اصدروا و ما أمرت أمراً يلزمنى منه خطأ و لا كنت مع القوم.

و أمّا قولك ان أهل الشام يحكمون الشورى فمن في الشام تحل له الخلافة و يحكم على المسلمين فان سميت احداً منهم كذلك المهاجرين و الانصار، و أما قولك ان لي في الاسلام فضلا و سابقة و قرابة و انت لا تدفع ذلك فلو قدرت و استطعت دفعه لفعلت و اجاب عن شعره عبيدالله بن أبى رافع يقول:

ص: 197

دعن یا معاوی مالن يكونا *** و قتلة عثمان اذ تدعونا

اتاكم علي باهل الحجاز *** و أهل العراق فما تصنعونا

على كل جرداء خيفانة *** و اجود شهب تقر العيونا

عليها فوارس من شيعة *** كأسد العرين تحامى العرينا

يرون الطعان خلال العجاج *** و ضرب الفوارس فى النقع دينا

هم هزموا الجمع جمع الزبير *** وطلح و غيرهم الناكثينا

فان تكر هوا الملك ملك العراق *** فقد كره القوم ما تكرهونا

فقل للمضلل من وائل *** و من جعل الغث يوماً سمينا

جعلت ابن هند واشياعه *** نظير علي أمّا تستحونا

على ولى الحبيب المجيد *** وصى النبي من العالمينا

و دفع كتابه الى الاصبغ بن نباته التميمى ليوصله إليه قال الاصبغ دخلت على معاوية و هو جالس على نطع من الأدم متكياً على وسادتين خضر اوين و عن يمينه عمرو بن العاص و حوشب و ذو الكلاع و عن شماله أخوه عتبة و ابن عامر بن كريز والوليد بن عقبة و عبدالرحمان بن خالد و شرحبيل بن السمط و بين يديه أبو هريرة و أبو الدرداء و النعمان بن بشير و امامة الباهلي فلما قرأ الكتاب.

قال ان علياً لا يدفع الينا قتلة عثمان فقلت له يا معاوية لا تعتل بدم عثمان فانك تطلب الملك و السلطان و لو كنت اردت نصره حياً لنصرته و لكنك تربصت به لتجعل ذلك سببا الى وصولك الى الملك فغضب من کلامی فاردت ان يزيد غضبه فقلت لابى هريرة يا صاحب رسول الله انى احلفك بالذي لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة و بحق حبيبه المصطفى عليه و آله السلام .

ص: 198

الا أخبرتنى اشهدت يوم غدير خم، قال بلى شهدته قلت فما سمعته يقول في علي قال: سمعته يقول: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله فقلت له فاذا أنت واليت عدوه و عاديت وليه فتنفس أبو هريرة الصعداء و قال انا لله و انا إليه راجعون .

فتغير معاوية عن حاله و غضب و قال كف من كلامك فلا تستطيع ان تخدع أهل الشام بالكلام عن طلب دم عثمان فانه قتل مظلوماً فى حرم رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و عند صاحبك قتلته اغراهم به حتى قتلوه فهم انصاره و یده و عضده و ما كان عثمان ليهدر دمه لولاه.

فقال معاوية بن خديج الكندي و ذو الكلاع و حوشب و من معه والله انا لننصرنك يا معاوية بدم عثمان حتى يحصل مرادنا أو نقتل عن آخرنا فاقبلت الى معاوية و قلت :

معاوى الله من خلقه *** عباد قلوبهم قاسية

وقليك من شر تلك القلوب *** وليس المطيعة كالعاصية

دع ابن خديج ودع حوشباً *** وذا كلع واقبل العافية

قال الاصبغ فلم يصبر معاوية أن أتم الشعر بل غضب وصاح علي قال و ليت شعرى اجئت رسولا أم مشنعا فانصرفت عنه فارسل علي الى معاوية عبدالله بن بديل الخزاعى و هو الذى فتح اصبهان في أيام عمر بن الخطاب وفتح الرى في ايام عثمان و قال له قل لمعاوية يقول لك على لو كنت سبقتك الى الماء لما منعتك و ان منعك الماء محرم عليك فدع أصحاب النبي الله علية يشربون و يسقون إلى ان ننظر إلى ما يؤل أمرنا فان القتال شديد لا نبدأ به في الشهر الحرام.

ص: 199

فلما أتاه عبدالله برسالته أصر على الضلال و قال له قل له يدفع الى قتلة عثمان اقتلهم به فقال له عبدالله أتظن يا معاوية ان على الا عجز عن أخذ الماء ولكنه يحتج عليك وسوف ترى ما يضع على بك و باهل الشام و قلت له هذه الابيات:

معاوي قد كنت رخو الخناق *** فالقحت حربا تضيق الخناقا

تشيب النواهد قبل المشيب *** متى ما نذقها تذم الذواقا

فإن تكن الشام قد أصفقت *** عليك ابن هند فان العراقا

أجابت عليا إلى دعوة *** تعزّ الهدى و تذل النفاقا

فنحن فوارس يوم الزبير *** و طلحة اذ أبدت الحرب ساقا

و دارت رحاها على قطبها *** ودارت كؤس المنايا دهاقا

خضبنا الرماح و بيض السيوف *** و كان النزال و كان اعتناقا

فانتم صباح غد مثلهم *** فبزل الكماة تبذ الحقاقا

قال: الخيفانة واحد الخيفان و هى الجرارة يشبه به الفرس في خفتها و صمودها. قال أمرؤا القيس:

و اركب في الروع خيفانة *** كسا وجهها سعف منتشر

976 - قال وانصرف عبد الله بن بديل الخزاعي الى على (علیه السّلام) وأخبره بخبره فشكا الناس الى علي (علیه السّلام) العطش فقال على (علیه السّلام) ان سفك الدماء عظيم قبل ان يحتج عليهم مرة بعد أخرى فبعث بجماعة من الانصار و غيرهم الى معاوية ليحتجوا عليه فاتوه و بالغوا معه في ذلك و قالوا يا معاوية جد به تفضلا قبل أن يأخذه منك قهراً أنك تعرف على بن أبى طالب اذا ثار نقع الحرب ما تضع بقرينه و لكن غرك من معك وسوف تری .

ص: 200

فقال غداً يأتيكم رسولى فيما يبدو لي فاصبح القوم في عطش شديد فاتوا علياً (علیه السّلام) فاخبره بذلك فارسل الى معاوية عشرة من أصحابه ليكلموه فى الماء فقال معاوية لقومه ما تقولون فى هذا؟ قال فاول من تكلم الوليد بن أبي معيط و قال لمعاوية اقتلهم عطشا و لا ترحمهم كما لم يرحموا عثمان وكذلك أبو الاعور قال ذلك و حبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة و قال سليل الشاعر:

اسمع اليوم ما يقول سليل *** ان قولى قول له تأويل

امنع الماء من صحاب على *** لا يذوقوه والذليل ذليل

قال عمرو بن العاص و يحكم أترون علياً يموت عطشا و معه أطراف الاسنة وافاعى العراق وعامة المهاجرين و الانصار والله ليطيرن قحاف الرؤس عن جماجمها قبل ذلك فخل بين القوم و بين الماء و أرض بالموادعة أيها الرجل الى انسلاخ المحرم و لا تعجلن الى الشرفان طعمه وخيم غير لذيذ فأبى.

و قال هذا أول الظفر فلا سقى الله ابن أبي سفيان بن حرب من حوض النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ان شربوا منه قطرة إلا أن يغلبونى عليه فقام الى معاوية رجل من أهل الشام من رؤساء الازد يقال له فياض بن الحارث بن عمرو بن قرة الأزدي، فقال يا معاوية والله ما انصفت القوم و لو كان هؤلاء من الروم و الترك فطلبوك الماء لوجب أن تسقيهم.

ثم تحاربهم فكيف و هم أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) البدريون و المهاجرون والانصار وابناؤهم وفيهم ابن عم النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و أخوه و صاحب سره و حبيب زوجته أفلا تتق الله يا معاوية أما والله لو سبقوكم الى الماء لسقوكم منه و هذا والله أول الجور منكم و كان هذا الرجل صديقا

ص: 201

لعمرو بن العاص فاغلظ له معاوية و قال لعمرو أكفنى صديقك فاتاه عمرو فاغلظ له فانصرف الرجل و هو يقول:

لعمر أبي معاوية بن حرب *** وعمر ما لدائها دواء

سوى طعن يحار العقل منه *** وضرب حين تختلط الدماء

فلست بتابع دین ابن هند *** طوال الدهر ما أوفى جزاء

فقد ذهب العتاب فلا عتاب *** و قد ذهب الولاء فلا ولاء

و قولى فى حوادث كل أمر *** على عمر وصاحبه العفاء

اتحمون الفرات على اناس *** و في أيديهم الأسل الظماء

و فى الاعناق اسياف حداد *** كأن القوم عندكم نساء

فلا الله درك يا بن هند *** لقد ذهب الحياء فلا حياء

اترجوا أن يجاوركم علي *** بلا ماء و للاحزاب ماء

دعاهم دعوة فاجاب قوم *** كجرب الابل خالطه الهناء

ثم سرى في سواد الليل فلحق بعلي (علیه السّلام) ثم انصرف الرسل الى علي (علیه السّلام) و أخبروه بما قال معاوية فقال الاشتر يا أمير المؤمنين لقد اعذرت و انذرت قربة من ماء تباع بثلاثة دراهم فأذن لنا في القتال والحرب فأذن لهم فى ذلك فارمضه و خرج ليلا فسمع النجاشي يقول هذه الابيات ويحث أصحابه على المبارزة و الشرب من ماء الفرات:

ايمنعنا القوم ماء الفرات *** و فينا الرماح و فينا الجحف

و فينا على له صولة *** اذا خوفوه الردى لم يخف

و نحن الذين غداة الزبير *** و طلحة خُضْنَا عِمَارَ التلف

فما للحجاز و ما للعراق *** سوى اليوم يوم فصكوا الهدف

فاما نحل بشط الفرات *** ومنا و منهم عليه الجيف

ص: 202

وإما نموت على طاعة *** نحل الجنان و نعلوا الشرف

و انبه الاشعث بن قيس فوثب الى على اللا فقال يا أمير المؤمنين أنموت عطشا و معنا سيوفنا و رماحنا والله لا ارجع حتى أرت الفرات فمر الاشتر فوعدنا الصبح و أنشأ يقول:

ميعادنا اليوم بياض الصبح *** هل يصلح الزاد بغير ملح

لا لا و لا أمر بغير نصح *** دنوا الى القوم بطعن سمح

مثل العزالى و ضراب كفح *** حسبى من الاقدام قاب رمحی

و اصبح القوم واضعين سيوفهم على عواتقهم.

977 - عنه قال الاشتر لمحمد ابن الحنفية تقدم و اخطب بين الصفين صف العراقي وصف الشام و أمدح أمير المؤمنين علياً (علیه السّلام) فتقدم محمد بن الحنفيه فحمد الله واثنى عليه و ذكر النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فصلي عليه و قال لأهل الشام اخسوا ذرية النفاق و حشو النار و حصب جهنم عن البدر الباهر و النجم الثاقب و السنان النافذ والشهاب المنير و الصراط المستقيم «قَبْل أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَتَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا».

أو ماترون أى عقبة تقتحمون و أى مسنة و علو تتسنمون و أنى تؤفكون بل ينظرون اليك و هم لا يبصرون أصنو رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) تستهدفون و يعسوب الدين تلمزون فأى سبيل رشاد بعد ذلك تسلكون و أى خرق بعد ذلك ترقعون هيهات برز و الله بالسبق و فاز بالخصل و استوى على الغاية و احرز الخطام فانحسرت عنه الابصار و انقطعت دونه الرقاب و قرع الذروة العليا.

التي لا تدرك و بلغ الغاية القصوى التي لا تدرك فكرت من رام رتبته

ص: 203

السعي و عناه الطلب و انى لهم التناوش من مكان بعيد فخفضا خفضاً:

اقلو عليكم لا أبا لأبيكم *** من اللؤم أو سد المكان الذي سدوا

و أنى تسدون أم أى أخ لرسول الله تثلبون وأى ذي قربي منه تسبون هو شقيق نوره و نسيه إذ حصلوا و نزيل هارون إذ مثلوا و ذو قربى منه إذ أمتحنوا و المصلى للقبلتين اذ انحرفوا و المشهود له بالأيمان اذ كفروا و المدعو بخيبر اذ نكلوا و المندوب لنبذ عهدهم إذ نكثوا و الخليفة على المهار ليلة الخطار و المستودع الاسرار ساعة الوداع إذ حجبوا:

هذه المكارم لاقعبان من لبن *** شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

هذه و أنى ببعيد من كل سناء و علو و ثناء وسمو و قد نحلته و رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أبوه و انجبت بينهما جدود و رضعا بلبان و درجا في سنن و تمهدا حجراً وتفيئا بظل و شيح فيها؛ فنن تفرعا في أكرم جد فرسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) للرسالة و أمير المؤمنين (علیه السّلام) للخلافة فتق الله به رتق الإسلام حتى انجابت به طخية الريب وقمع نخوة النفاق.

حتى ارفأن جبشانه و طمس رسم القلة و خلع ربقة الصغار و الذلة و كفت ايدى الخيانة وريق شربها وحلاها عن وردها واطئاكو اهلها آخذاً باكظامها يقرع هاماتها و ينكث نضها و يجمل شحومها و يرحضها عن مال الله حتى كلها الخشاش و عضته التفاف و فالها قرض الكتاب فجرجرت جرجرة الموقع فزادها وقرأ فلفظته افواهها و ازلقته بأبصارها و نبت عن ذكره اسماعها و كان لها كالسم الممقر والذعاف المرعف.

لا تأخذه في الله لومة لائم و لا يزيله عن الحق تهيب متهدد ولا يحله عن الصدق ترهب متوعد فلم يزل كذلك حتى انقشعت عذابه الشرك و خضع طيخ الأفك و زال نجم الاشراك حتى تنسمتم روح النصفة و تطعمتم

ص: 204

قسم السواء بعد ان كنتم لوكة الآكل و مذقة الشارب و قبسة العجلان بسياسة مأمون الحرفة مكتهل الحنكة طب بادوائكم.

فمن بدوائكم يبيت بالربوة كالئاً لحوزتكم حاميا لقاصيكم ودانيكم منسقا لأودكم يقتات الخبز ويرد الخمس و يلبس الهدم ثم اذا سبرت الرجال فطاح الوشيظ و استسلم المشبح و غمعمت الاصوات و قلصت الشفاء وقامت الحرب على ساق و صرفت بایزاب و خطر فينقها و هدرت شقاشقها و جمعت قطريها فسالت بابراقق الفى أمير المؤمنين (علیه السّلام) هنالك مثبتاً لقطبها مديراً لرحاها.

قادحاً لزندها مؤدبا لعقدتها مذكياً لجمرتها دلاقاً الى البهم ضراباً للقلل عضاباً للمهج نرا كاللسلب خواضاً لغمرات الموت مشكل أمهات مؤتم بأولاها فتنكفت اخراها فتارة يطويها طي الصحيفة وآونة يفرقها فرق الوبرة فبأي آلاء أمير المؤمنين تمترون و عن أى أمر مثل حديثه تأثرون وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون.

978 - عنه قال و خرج الاشتر و الاشعث فى اثني عشر الفاً فلم يزالوا يتقدمون حتى قربوا من القوم و هالوهم أهل الشام و وقع في قلوبهم

الرعب و قال هاشم ابن الحرث :

يا اشتر الخيرات يا خير النخع *** و صاحب الامر اذا عم الفزع

و كاشف الامر اذا الامر وقع *** ما أنت فى الحرب العوان بالجزع

و قال الاشتر لصاحب علمه اجتهد في نصبه فقد وهبت لك الف درهم و فرسا فبلغ ذلك الاشعث فقال لصاحبه عليه اجتهد في نصب علمی و لك الفا درهم و فرسان و تقدم الاشتر و قال:

نسير اليكم بالقنابل و القنا *** و ان كان فيه بيننا سرف القتل

ص: 205

فلا يرجع الله الذى كان بيننا *** ولازال بالبغضا مراجلكم تغلى

فدونكم حربا عوانا ملحة *** عزیزكم عندى أذل من البغل

و كان أبو الاعور في ثماينة عشر الفا من أهل الشام يحمون الفرات .

979 - عنه قال أبو هاني بن معمر السدوسي كنت مع الاشتر و قد تبين فيه العطش فقلت لرجل من بنى عمى ان الامير عطشان فقال الرجل كل هؤلاء عطاش و عندى اداوة من ماء اضعه لنفسى و لكنى أوثره على نفسى فتقدم الى الاشتر فعرض عليه الماء قال لا اشرب حتى يشرب الناس ودنا أصحاب أبى الاعور يرشقون بالنبل و الاشتر ينادي:

يا معاشر الناس صبراً ثم حمل على أصحاب أبى الاعور ورد الرماة و قتل منهم سبعة رجال أو لهم صالح بن نيرود و كان مشهوراً بشدة البأس قد خرج الى الاشتر و هو يقول:

يا صاحب الطرف الحصان الادهم *** اقدم اذا شئت علينا اقدم

انا ابن ذى العز و ذى التكرم *** يد عك كل عك فأعلم

فبرز إليه الاشتر و هو يقول:

آليت لا أرجع حتى أضربا *** بسيفى المصقول ضربا معجبا

أنا ابن خير مذحج مركباً *** من خيرها نفسا و أماً و أبا

ثم شد على الشامي بالرمح فدق ظهره فقتله ثم خرج إليه مالك بن ادهم السلامى و كان من فرسان أهل الشام و هو يقول:

انى منحت صالحا سنانيا *** اجبته بالرمح اذ دعانيا

لفارس امنحه طعانيا

ثم شد على الاشتر بالرمح فلما رهقه التوى الاشتر عن فرسه فاذا هو ببطن فرسه رماه السنان فاخطأه ثم استوى على فرسه و شد عليه بالرمح و

ص: 206

هو يقول:

خانك رح لم يكن خوانا *** وكان قدماً يقتل الفرسانا

بوأته لخير ذى قطانا *** لفارس يحترم الاقرانا

اشتر لا ذهلا و لا جبانا

و ضرب الشامى فقتله ثم خرج إليه رياح بن عبيدة الغساني و هو يقول:

ان زعيم مالك بضرب *** بذى عرانين جميع القلب

عبل الذراعين شديد الصلب

فقال الاشتر:

رويد لا تجزع من الجلاد جلاد شخص جامع الفؤاد يجيب فى الروع دعا المنادي يشد بالسيف على الاعادي و شد على الشامي فقتله ثم خرج إليه ابراهيم بن الوضاح الجمحى و هو ينشد و يقول:

هل لك يا أشتر فى برازى *** براز ذى غضم و ذى اعتزاز

مقاوم لقرنه لزاز

فخرج إليه الاشتر و هو يقول:

نعم نعم أطلبه شديداً *** معى حسام يقصم الحديداً

يترك هامات العدى حصيدا

و قتل الشامى ثم خرج إليه زامل بن عتيك الحزامي و هو من أصحاب الألوية و هو ينشد و يقول:

هل لك في طعان ليث محرب *** يحمل رمحاً مستقيم الثعلب

ليس بختار و لا مغلب

ص: 207

و طعن الاشتر فى أثر شعره موضع الجوشن فلم يصب منه مقتلا بل صرعه الى الارض فشد عليه الاشتر فكشف قوايم الفرس بالسيف و هو يقول:

لابد من قتلى أو من قتلكا *** قتلت منكم خمسة من قبلكا

وكلهم كانوا حماة مثلكا

و قتل الشامى ثم خرج إليه الاجلح بن منصور الكندى و كان من أعلام العرب و فرسانها فلما استقبله الاشتر كره لقاءه و استحيى ان يرجع عنه فجعل الاجلح ينشد و يقول:

اذا دعاني القرن لم أعول *** أمشى إليه بحسام مصقل

مشياً رويداً غير ما مستعجل *** يخترم الآخر بعد الأول

فشد عليه الاشتر و هو يقول:

بليت بالأشتر ذاك المذحجي *** بفارس في حلق مدجج

كالليث ليث الغابة المنهج *** اذا دعاء القرن لم يعوج

و ضرب الاجلح فقتله ثم خرج إليه محمد بن روضة الجمحي و هو يضرب فى أهل العراق ضربا منكراً و هو ينشد و يقول:

یا ساكنى الكوفة يا أهل الفتن *** يا قاتلى عثمان ذاك المؤتمن

ورث قلبي قتله طول الحزن

و برز إليه الاشتر و قتله ثم حمل الأشعث و قتل الأشعث من أهل الشام خمسة ثم حمل الأشعث و قال للأشتر اقحم الخيل و حسر عن رأسه و قال يا أهل الشام خلوا عن الماء فقال أبو الاعور لا والله حتى تأخذنا و إياكم السيوف فقال الأشعث أظنها والله قد دنت منكم الآجال و قرب الارتحال و قال الاشتر :

ص: 208

خلوا لنا عن الفرات الجاري *** أو اثبتوا للجحفل الجرار

بكل قرن مستمیت شاری *** مطاعن برمحه كرار

ضرابهامات العدى مغوار

و اقحم الأشتر فى الفرات خيله و وقف على الشط و هو يقول للرجالة املأوا القرب فملاؤها فانصرفوا و هو واقف مكانه و هو ينشد و

يقول:

لا تدركوا ما قد مضى وفاتا *** الله ربي يبعث الامواتا

من بعد ما صاروا كذا رفاتا*** لأوردن خيلى الفراتا

شعث النواصى أو يقال ماتا

حتى خرج عمرو الى أبى الاعور و معه ثلاثة آلاف رجل فلما لحق عمرو بصاحبه قال الاشتر جاءهم عمرو بصاحبه قال الاشتر جاءهم مدد و لكن يا أصحابى إبشروا فانا على الحق و الباطل زاهق و استامن الى الاشتر رجل منهم فقال الاشتر من صاحب المدد، قال هو عمرو بن العاص فنظر الاشتر إليه وكان عمرو قد لبس فوق درعه فستاناً أحمر و هو شاهر سيفه فقال له الاشتر ويلك يابن العاص أهرب الى الصياصي.

ثم حمل عليه الاشتر فاتقاه عمرو بالجحفة و انهزم عمرو و زعق أصحاب أبى الاعور جميعاً وأخذوا فى الحرب ثم حمل الاشعث بن قيس عليهم في ستة آلاف رجل حامين مستريحين و اشتدت المناجزة بينهم و المكافحة فارسل الاشتر الى أبي الاعور أن ابرز إلى فبرز إليه لكثرة ما دعاه الاشتر إليه وعليه درع مذهب و بيضة عادية فوقفا و تحدثا و خمدت الاصوات.

فقال له الاشتر أتعرفنى يا أبا الاعور كم مرة دعوتك ان تبرز إلى

ص: 209

فالآن برزت إلى فلأوردنك حياض الموت ولأذيقنك ما كنت تهرب منه قال أتهددنى و انا قاتل الشجعان و مبيد الاقران فتقدم إلى لترى صولة الرجال فقهقرا ليحمل كل واحد منهما على صاحبه و عمرو ينظر اليهما.

فحمل الاشتر عليه فضربه على بيضته فقطع أنف البيضة و وقع السيف في وجنته وأدمى وجهه و هرب أبو الاعور و حمل الاشعث و انهزم عسكر أبى الاعور و عمرو بن العاص.

980 - قال: كان يرتب الاشتر الصفوف و يقول اثبتوا في مواضعكم و اقيموا صفوفكم فلما كتب الكتائب و رتب الصفوف اقبل علينا بوجهه فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال أما بعد فقد كان سابقاً في علم الله اجتماعنا في هذه البقعة من الارض آجال اقتربت و امور تصرفت و آمال تصرمت يسوسنا سيد الاوصياء و يرأسنا ابن عم سيد الانبياء.

و امامنا المؤيد بنصر الله من السماء و سيف من سيوف الله الذي انار الله به منار الدين بعد النجاد و قاصم الجبابرة و المشركين بيوم بدر عن خير المرسلين، و رئيسهم معاوية بن آكلة اكباد الشهداء يسوقهم الى النار و الشقاء و نحن نرجو الثواب و هم ينتظرون العقاب، فاذا حمى الوطيس و جبن الرئيس و ثار القتام وطال العتاب و الملام و التقت حلقتا البطلان و تقصف المران و جالت الخيل بالابطال و بلغت النفوس الآجال.

فلا أستمع الاغماغم الفرسان و هماهم الشجعان كان الله ولينا و على امامنا و النصر لو اونا يا أيها الناس غضوا الابصار و عضوا على النواجذ و الاضراس فانها أشد لشؤن الراس و استقبلوا القوم بهامكم و خذوا قوايم سيوفكم بايمانكم واطعنوا الشر سوف الايسر فانه مقتل و شدوا شدة قوم موتورین بدينهم و دماء اخوانهم حنقين على عدوهم قد وطنوا على الموت

ص: 210

أنفسهم لئلا تسبقوا بقار و لا تلحقوا في الآخرة بنار.

و اعلموا ان الفرار من الزحف مسبة عند الله و فيه الخزى و المذمة الى يوم القيامة و فيه كثرة تلاف الانفس في قبيلة ولت الادبار و الثبات و الوقوف محمدة و الحمد أفضل من الذم اعاننا الله وإياكم على طاعته و اتباع مرضاته و نصرة اوليائه و قهر أعدائه أنه خير معين.

981 - قال: روى أنه لما أنهزم أبو الاعور و أصحابه و نزلت مقدمة على (علیه السّلام) على مشرعة الفرات أخبر الاشعث علياً بذلك فنهض مع عسكره و نزل عند مقدمته، ثم قال معاوية لعمرو بن العاص و ما ظنك بعلى ايمنعنا الماء؟ قال أنه لا يستحل منك ما استحللت منه و قال له معاوية قولا أغضبه فأنشأ عمرو يقول هذه الابيات من شعره:

امرتك أمراً فسخفته *** و خالفني ابن أبي سرحه

فکیف رأيت كباش العراق *** ألم ينطحوا جمعنا نطحه

أظن لها الیوم ما بعدها *** و میعاد ما بيننا صبحه

فان ينطحونا غداً مثلها *** نکن كالزبير أو طلحة

و ان أخروها الى مثلها *** فقد قدموا الخيط و النفحه

و قد شرب القوم ماء الفرات *** و قلدك الاشعث الفضحه

ثم ان معاوية ارسل الى علي بن ابي طالب (علیه السّلام) اثنى عشر رجلا في طلب الماء فأتوا عليا (علیه السّلام) فخرج على و عليه رداء رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و نصب له کرسی فجلس عليه ثم تكلم من الشامين حوشب فقال ملكت فاسجح وجد علينا بالماء و جد علينا بالماء و اعف عما سلف من معاوية و قال رجل من الشاميين أسمه مقاتل بن زيد العكى يا أمير المؤمنين و امام المسلمين و ابن عم رسول رب العالمين ان معاوية يعتل بدم عثمان والله ما يطلب بذلك إلا

ص: 211

الملك و السلطان.

والله يعلم انى احبك و ان كنت من أهل الشام والله لا ارجع الى معاوية بل اخدمك واكون أول مبارز عسى ان اقتل بين يديك فان القتل في طاعتك شهادة ثم ان أمير المؤمنين عليا (علیه السّلام) حمد الله واثنى عليه بما هو أهله وصلى على رسوله محمد و آله الطيبين الطاهرين ثم قال معاشر الناس أنا أخو رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و وصیه و وارث علیه خصنى و حبانی بوصيته.

و اختارني من بينهم و زوجنى أبنته بعد ما خطبها عدة من أصحابه فلم يزوجهم و انما زوجنيها بأمر الله تعالى فوهب لي منها ذرية طيبة فمن أعطى مثل ما اعطيت أنا الذى عمى سيد الشهداء و اخي يطير مع الملائكة فى الجنة حيث يشاء بجناحين مكللين بالدر و الياقوت أنا صاحب الداعوت انا صاحب النقمات انا صاحب الأيات المحجبات.

انا قرن من حديد انا ابد جديد أنا أبو الارامل واليتامى أنا مبيد الجبارين وكهف المتقين وسيد الوصيين و أمير المؤمنين و حبل الله المتين و الكهف الحصين و العروة الوثقى التى لا انفصام لها والله سميع عليم. قولوا لمعاوية ليشرب و ليسق دوابه لا يمنعه مانع ولا يحول بين الماا و بينه حايل.

982 - عنه روی ان حريثا مولى معاوية كان شجاعاً بطلاً يعده معاوية لكل شديدة و قد ابلى فى فتح عسقلان وقتل عدة من الشجعان وكان يركب فرس معاوية ويلبس لباسه و سلاحه فيظن الناس أنه معاوية و كان الشق يتمنى مبارزة أمير المؤمنين على بن أبي طالب (علیه السّلام) و كان معاوية ينهاه عن مبارزته صيانة له فقال فى اليوم الثالث من حرب صفين لمعاوية انا ان قتلت علياً تونى ولاية الطبرية.

فقال له معاوية لا تبارز علياً وعليك بالاشتر فان أنت قتلته فقد

ص: 212

كفيت واغنيت فأما علي فلا تبارزه فان لى نابين أحدهما أنت و الآخر عبدالرحمن بن خالد بن الوليد و ان فجعت بك لم أجد بدلا منك فجانب علياً فسمع بذلك عمرو بن العاص.

فخلا بحريث وقال له لو كنت قرشياً مانهاك معاوية عن مبارزة علي و لأحب أن تقتل علياً وتريحه منه ولكنه يكره أن يقتل ابن عمه مولاه فان وجدت فرصة فاقحم فان حظها لك فلما خرج على (علیه السّلام) أمام المخبل برز له حريث فحمل عليه على (علیه السّلام) و هو يقول:

أنا علي و ابن عبدالمطلب *** نحن و بيت الله أولى بالكتب

منا النبي المصطفى غير الكذب *** أهل اللواء و المقام والحجب

نحن نصرناه على جل العرب*** يا أيها العبد الزنيم المنتدب

اثبت لنا يا أيها الكلب الكلب

فقيل له يا أمير المؤمنين تبرز الى هذا الكلب فقال والله انه لأعظم عناء عندى من معاوية فضربه على رأسه فسقط قتيلا على هامته فجزع عليه معاوية جزعاً شديداً و قال يا عمرو ما أنصفته حين ما أنصفته حين أمرته بأمر كرهته لنفسك وأنشأ معاوية يقول:

حريث ألم تعلم و علمك ضائر *** بأن علياً للفوارس قاهر

وان علياً لا يبارز فارسا *** من الناس إلا أحرزته الاظافر

أمرتك أمراً حازماً فعصيتني *** فجدك إذ لم تقبل النصح عائر

و دلاك عمرو و الحوادث جمة *** فله ماجرت عليك المقادر

فظن حريث أن عمراً نصيحه *** وقد يدرك الانسان قد ما يحاذر

983 - عنه قال: و روى أن الاشتر خرج في اليوم السادس من حرب صفين و هو يقول:

ص: 213

في كل يوم هامّى موقرة *** يا ربّ جنبنى سبيل الفجرة

واجعل وفاتى بأكف الكفرة *** لا تعدل الدنيا جميعاً وبرة

ولا تعوضن ثواب البررة

فبرز إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب و هو يقول:

أنعي بن عفان وأرجو ربي *** ذاك الذى يخرجني من ذنبي

قتل ابن عفان عظيم الخطب

و لم يعلم الاشتر من هو فقال له من أنت؟ قال أنا عبيد الله بن عمر قال الأشتر بئس ما اخترت لنفسك يابن عمر هلا اعتزلت كما اعتزل أخوك و سعيد ابن مالك؟ و ان كنت خفت القصاص بدم الهرمزان فهلا هربت الى مكة ؟ فقال خل عن الخطاب و العتاب و حمل كل واحد منهما على صاحبه و تضاربا و تكافحا صدراً من النهار.

ثم هرب ابن عمر فعدله بذلك عمرو بن تميم بن وهب التميمي و خرج هو إلى الاشتر و هو يظن ان يقتله فتطاعنا فطعنه الأشتر برمحه فاخرج و سنان رمحه من ظهره و فرّ عمرو على وجهه و اقتتل الناس قتالا شديداً حتى كاد يذبح بعضهم بعضا و تكادموا بالافواه و كان فيه بوار القوم.

و في اليوم السابع خرج القوم الى القتال و أبو الهثيم بن التيهان نقيب رسول الله يسوى صفوف أهل العراق فخرج إليهم عبدالرحمن بن خالد بن الوليد و هو ينشد و يقول :

أنا ابن سيف الله ذاكم خالد *** أضرب كل قدم و ساعد

بأبيض مثل الشهاب واقد *** بالجهد لابل فوق جهد الجاهد

ما أنا فيما نابنى براقد *** أنصر عمى ان عمى والدى

فحمل عليه حارثه بن قدامة السعدى و هو يقول:

ص: 214

اصبر لصدر الريح يا بن خالد *** اصبر لليث مشبل مجاهد

من أسد خفان شديد الساعد *** انصر خير راكع و ساجد

من حقه عندي كحق والدي *** ذاك على كاشف الاوابد

فنطاعنا ساعة ثم رجع عنه حارثه و مر ابن خالد لايأتي على شيء إلا أهمده حتى أتى رايات مذحج و هو يقول:

انى اذا ما الحرب فرت عن كبر *** تخالنى أخزر من غير خزر

اقحم و الخطى فى النقع كشر *** كحية سماء في أصل الجحر

أحمل ما حملت من خير و شر

و تحاماه الناس وصاح عمرو بن العاص يابن سيف الله فهو الظفر فاجتلد جلاداً شديداً و غم ذلك عليا (علیه السّلام) فقال القوم للأشتر يوم من أيامك الاول فقد بلغ لواء معاوية حيث ترى فاخذ الاشتر لواءه ثم حمل و هو يقول:

إنى أنا الاشتر معروف الشتر *** إنى أنا الافعى العراق الذكر

و لست من حى ربيع أو مضر *** لكننى من مذحج الحى الغرر

فضرب القوم فلم يلبثوا له بل انكشفوا عنه حتى رجعوا الى عسكر معاوية و ضرب عبیدالله بن بديل الخزاعي و هو من فرسان علي (علیه السّلام) المشهورين المذكورين بالحماسة بسيفه في ذلك اليوم حتى قتل احد عشر رجلا و خرج من أهل الشام جماعة و كان يمسح سيفه على عرف فرسه و هو يقول:

لا تحبطن يا إلهى أجرى *** و عجلن یا رب لابن صخر

نار لظى لا يشترك فى أمرى *** إن ينج منى ينقصم من ظهرى

و يالها من غصة فى صدرى

ص: 215

984 - عنه و دعا معاوية الاحمر في هذا اليوم مولى أبي سفيان وكان شجاعاً بطلا وحثه على قتل الاشتر أو عبد الله بن بديل فقال الأحمر إن علياً لا يقتله غيرى فقال معاوية مهلا يا أحمر لاتبارز علياً. و برز الاحمر و نادی این ابن ابی طالب فصاح عليه صعصعة بن صوحان و قال لعن الله ابن آكلة الأكباد حيث أمرك بمناجزة خير العباد.

فقال الاحمر: انما تقولون هذا جبنا فبرز إليه شقران مولى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، فقال له الاحمر من أنت فانى لا أقاتل إلا اشجعكم فعرفه شقران نفسه فحمل عليه فضربه فقتله و ثبت مكانه و قال ليبرز الى علي لينظر حملتی و ضربتی فصاح عليه القوم و قالوا تنح أيها الكلب فما أنت بكفو علي أمير المؤمنين (علیه السّلام) فقال الاحمر والله لا انصرف إلا مع رأس علي أو أموت دونه.

فبرز إليه أمير المؤمنين (علیه السّلام) و حمل عليه فاخذه بعضده و جذبه ثم رمی به من يده على الارض قحطعه حطها و نولول الناس و شتموا معاوية و أهل الشام فقال أمير المؤمنين (علیه السّلام) أما فيهم خير و ما كلهم يرضى بفعل معاوية فعودوا السنتكم ذكر الله و استكثروا من قول لاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

ثم خرج من عسكر معاوية كريب بن أبرهه من آل ابن ذي يزن و كان مهيباً قوياً يأخذ الدرهم فيغمزه بابهامه فيذهب بكتابته فقال له معاوية ان علياً يبرز بنفسه وكل احد لا يتجاسر على مبارزته و قتاله قال كريب أنا أبرز إليه فخرج الى صف أهل العراق و نادى ليبرز الى علي فبرز اليه مرتفع بن وضاح الزبيدى فسأله من أنت؟ فعرفه نفسه.

فقال كفو كريم ثم تكافحا فسبقه كريب بالضربة فقتله و نادى ليبرز

ص: 216

اليّ أشجعكم أو على فبرز إليه شرحبيل بن بكر و قال لكريب يا شق ألا تتفكر في لقاء الله و رسوله يوم الحساب عن سفك الدم الحرام قال كريب إن صاحب الباطل صاحبكم ثم تكافحا مليا فقتله كريب ثم برز إليه الحرث بن الجلاح الشيبانى و كان زاهداً صواما قواما و هو يقول:

هذا عليّ و الهدى حقاً معه *** نحن نصرناه على من نازعه

ثم تجافحا فقتله كريب فدعا على الا أبنه محمد و كان تاما كاملاً من الرجال فامره أن ينزل عن فرسه و ينزع ثيابه ففعل فلبس على (علیه السّلام) ثيابه ركب فرسه و البس ابنه محمد ثيابه و أركبه فرسه لئلا يجبن كريب عن مبارزته فلما هم علي بذلك جاءه عبدالله بن عدى الحارثي و قال يا أمير المؤمنين بحق امامتك إتذن لى أن أبارزه فإن قتلته وإلا قتلت شهيداً بين يديك فاذن له علي فتقدم الى كريب و هو يقول:

هذا علي والهدى يقوده *** من خير عيدان قريش عوده

لا يسأم الدهر و لا يروده *** و حلمه مفاخر وجوده

قتصارعا ساعة صرعه كريب ثم برز إليه على (علیه السّلام) متنكراً وحذره بأس الله وسخطه فقال له كريب اترى سيفى هذا لقد قتلت به كثيراً مثلك ثم حمل على علي بسيفه فاتقاه بجحفته ثم ضربه على (علیه السّلام) على رأسه فشقه حتى سقط نصفين فجال على شقيه، وأنشأ يقول:

النفس بالنفس و الجروح قصاص *** ليس للقرن بالضراب خلاص

بيدى عند ملتقى الحرب سيف *** هاشمی يزينه الاخلاص

مرهف الشفرتين أبيض كالملح *** و درعی من الحديد دلاص

ان تمطيت في الركاب ينادى *** حد سيفى ولات حين مناص

ما اختصامي بدو قدمة حرب *** إلا اختلاصى فحولها و اقتناصی

ص: 217

ثم انصرف أمير المؤمنين (علیه السّلام) ثم قال لأبنه محمد قف مكاني فان طالب وتره يأتيك فوقف محمد عند مصرع كريب فاتاه احد بني عمه و قال این الفارس الذى قتل ابن عمی؟ قال محمد و ما سؤالك عنه فانا اقوم لك عنه فغضب الشامى و حمل على محمد و حمل عليه محمد فصرعه و برز اليه آخر فقتله حتى قتل من الشامين سبعة فأتاه شاب و قال لمحمد أنت قتلت عمى و أخوتى فبرزت لاشفى صدرى منك أو الحق بهم و قال:

و من للصباح و من للرواح *** و من للسلاح و من للخطب

و من للسقاة و من للكماة *** اذا ما الكماة جئت للركب

ثم تكافحا قليلاً فضرب محمد فصرعه.

985 - عنه روى ان أمير المؤمنين (علیه السّلام) قال للأشتر ان أحداً لا يبرز اليك و لا إلى فأنا احمل على الميمنة و تحمل أنت على الميسرة و كان في ميمنة معاوية نحو من عشرة آلاف فارس فحمل على (علیه السّلام) فانهزموا، فأنشأ يقول:

ألم تر أنى فى الحروب مظفر *** هزبر الوغى في حومة الحرب حيدر

اقيم على الابطال في الحرب ماتما *** واقتل الفا ثم الفا واخطر

أدير رحى منصوبة في ثفالها *** رؤس غطاء الشعر فيها معصفر

و حمل الاشتر على الميسرة كذئب فى غنم فنكص الناس عنه وشد عليه رجل من أهل الشام فضربه فتلقاه الاشتر بجحفته و شد عليه الاشتر فصرعه الاشتر و أنشأ يقول:

الم تر أنى فى المعارك اشتر *** أفلق هامات الليوث و انفر

أنى ينادي في القتال جهالة *** لقيت حمام الموت والموت أحمر

ضربتك ضرباً بمثل ضرب امامنا *** علي أمير المؤمنين واعذر

ص: 218

986 - قال: روى ان فى اليوم العاشر من حرب صفين اقتتل الناس قتالا شديداً حتى عانق الرجال الرجال و انهزم طائفة من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) و أمير المؤمنين واقف ينظر إليهم وركض الاشتر فى آثارهم يستردهم و يقول أمّا تستحون تدعون أمير المؤمنين (علیه السّلام) و سيد المسلمين ، و اقبل أمير المؤمنين و معه الحسن و الحسين (علیهما السّلام) و محمد إبنه و محمد بن أبي بكر و عبدالله بن جعفر.

حتى صاروا الى رايات ربيعة و النبل يقع عليهم فقال له ابنه محمد يا ابة لو بادرت الى هذه الرايات التى تلينا فان فيها بقية لنا و النبل كماترى فقال يا بنى ان لأبيك يوما لن يعدوه ثم صاح بصوت عال جهير لمن هذه الرايات؟ قالوا رايات ربيعة قال بل هى رايات الله عصم الله أهلها و ثبت أقدامهم و كانوا فى ميسرة أمير المؤمنين (علیه السّلام).

فجلس إليهم فثاروا إليه وقالوا هذا أمير المؤمنين (علیه السّلام) قد صار الينا والله ائن اصيب فينا انه لعار الى الأبد ثم قال للحصين بن المنذر و هو شاب يابن أخى الا تدنى رايتك هذه ذراعاً فقال ادنيها والله عشرة اذرع قال فادنيتها فقال لي حسبك مكانك ثم أنشأ الحصين بن المنذر يقول:

لمن راية حمراء يخفق ظلها *** إذا قيل قدمها حصين تقدما

و يقحمها فى الصف حتى يزولها *** حما المنايام يقطر الموت والدما

تراه اذا ما كان يوم عظيمة ابى *** فيه الاعزة و تكرما

جزى الله قوما صابروا فى لقائهم *** لدى البأس خيراً ما اعف وأحرما

و اکرم صبراً حين يدعى إلى الوغى *** اذا كان اصوات الرجال تغمغما

ربيعة أعنى أنهم أهل نجدة *** وبأس اذا لاقوا خميساً عن مرما

ونامت جذام آل مذحج ويحكم *** جرى الله شراً أينا كان اظلما

ص: 219

أما تتقون الله في حرماتكم *** وما قرب الرحمن منها و عظما

اذقنا ابن هند طعننا وضرابنا *** بأسيافنا حتى تولى و احجما

و انصرف الناس مع الاشتر و هم يعتذرون و اقتتلوا و استحر القتال فطحطحوا أهل الشام الى ان حجز بينهم الليل.

987 - عنه روى أنه برز في اليوم التاسع عشر من حرب صفين من أصحاب معاوية عثمان بن وائل الحميرى و كان يعد بمائة فارس و له أخ يسمى حمزة يعدهما معاوية للشدائد فجعل عثمان يلعب برمحه و سیفه و العباس بن الحرث بن عبد المطلب ينظر إليه من ناحية مع سليمان بن صرد الخزاعي فقال العباس لسليمان ابرز و قد نهانى أمير المؤمنين (علیه السّلام) و في قلبي أنى اقتله فبرز إليه العباس و أنشأ يقول:

بطل اذا غشي الحروب بنفسه *** كانت و حادته كجملة عسكر

بطل اذا أقتربت نواجذ وقعه *** حصد الرؤس كحصد زرع مثمر

فتكافحا مليا فلم يظفر أحدهما بصاحبه فقال سليمان للعباس ألا تجد فرصة عليه فقال فيه شجاعة ثم انثنى عليه العباس فضربه فرمى برأسه و وقف مكانه و برز إليه أخوه حمزة فأرسل إليه على (علیه السّلام) فنهاه عن مبارزته و قال له انزع ثيابك و ناولني سلاحك وقف مكانى و أنا أخرج الى حمزة فتنكر على ا و خرج الى حمزة فظن حمزة انه العباس الذي قتل أخاه.

فضربه على الا فقطع ابطه و كتفه و نصف وجهه و رأسه فتعجب اليمانيون من تلك الضربة و هابوا العباس و برز الى على (علیه السّلام) عمرو بن عبس الجمحى و كان شجاعاً فجعل يلعب برمحه و سیفه، فقال على (علیه السّلام) هلم للمكافحة فليس هذا وقت اللعب فحمل عمرو على على الحملة منكرة فاتقاها على بجحفته ثم ضربه علي على وسطه فابان نصفه و بقی

ص: 220

نصفه على فرسه.

فقال عمرو بن العاص لمعاوية ما هذه إلا ضربة علي فكذبه معاوية فقال قل للخيل تحمل عليه فان ثبت مكانه فهو علي فحملوا عليه فثبت لهم و لم يتزعزع فجعل يقتل منهم حتى قتل منهم ثلاثه وثلاثين رجلا، فقال الاشتر يا أمير المؤمنين لا تتعب نفسك فقال على (علیه السّلام) كان رسول الله اكرم الناس على الله تعالى و قد قاتل بنفسه يوم أحد و يوم حنين و يوم خيبر.

و لو أن معاوية و عمراً برزا الى لتخلص شيعتي مما يقاسونه فقال الاشتر بحق قرابتك من رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) انصرف و أنا أحاربهم فاذن له علي (علیه السّلام) فى ذلك فأنشأ الأشتر يقول:

بقيت وفرى وانصرفت عن العلي *** و لقيت أضيافي بوجه عبوس

ان لم أشن على ابن هند غارة *** لم تخل يوماً من نهاب نفوس

خيلا كأمثال السعالى شزبا *** تغدو ببيض في الكريهة شوس

حمى الحديد عليهم فكأنه *** و مضان برق أو شعاع شموس

و نادى ليبرز الى معاوية فقال معاوية لست بكفوئى قال فابرز الى صاحبى فانه سید قریش و العرب كلهم فدع التعلل فدعا معاوية جندب بن ربيعة و كان خطب من قبل ابنة معاوية فرده فقال له عمرو بن العاص يا جندب ان قتلت الاشتر زوجك معاوية ابنته رملة فبرز إليه جندب فقال له الاشتر من أنت و كم ضمن لك معاوية على مبارزتي؟

قال يزوجنى ابنته رملة بقتلك فانا الآن آتيه برأسك فضحك الاشتر و حمل عليه جندب برمحه فاخذه الاشتر تحت أبطه فجعل جندب تجتهد في جذبه فلم يمكنه حتى ضرب الاشتر رمحه فقد نصفين و هرب جندب فضربه الاشتر بسيفه فصرعه ثم حمل الاشتر فضاربهم حتى ازال عمرو ابن

ص: 221

العاص من موقفه وانكشف أهل الشام و هجم الاشتر على معاوية فخرج رجل من بنى جمع فضارب عن معاوية حتى انقذه و كاد الاشتر يصل إليه و لم يزل يضاربهم حتى حجز بينهم الليل و هرب معاوية و تشت في تلك الليلة .

988 - عنه قال: روی ان فى اليوم السادس و العشرين من حروب صفين قتل أبو اليقظان عمار بن ياسر و أبو الهيثم بن التيهان نقيب رسول

الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) .

989 - عنه روى أن الحرث بن ياقوت أخاذى الكلاع برز الى عمار فضربه عمار فصرعه و كان كل من برز إليه قتله عمار و هو ينشد و يقول:

نحن ضربنا كم على تنزيله *** فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله *** و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق الى سبيله

و استسقی عمار فاتي بلبن في قدح فكبر ثم شربه و قال ان النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قال لى يا عمار آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن و تقتلك الفئة الباغية و هذا آخر ايامى من الدنيا ثم حمل وأحاط به أهل الشام و اعترضه أبو العادية الفزارى و ابن جون السكسكى فأما أبو العادية فطعنه و أما ابن جونى فاحتز رأسه وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول:

قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لعمار تقتلك الفئة الباغية كان ذو الكلاع و تحت أمره ستون الفاً من الفرسان يقول لعمرو بن العاص ويحك أنحن الفئة الباغية و كان فى شك من ذلك فيقول عمرو إنه سيرجع الينا و اتفق أنه اصيب ذو الكلاع يوم اصيب عمار فقال عمرو لو بقى ذو الكلاع لمال بعامة

ص: 222

قومه و لأفسد علينا جندنا. وقتل أبو الهيثم نقيب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)جماعة من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم).

فلما رأى ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص قال لابنه اشهد لسمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية لا انا لها الله شفاعتي يوم م القيامة فقال عمرو يا معاوية ألا تسمع ما يقول ابن اختك اخبره بالحديث فقال معاوية صدق رسول الله أنحن قتلنا عمار أنما قتله من جاء به و القاه تحت سيوفنا و رماحنا.

فبلغ عليا (علیه السلام) ذلك فقال ما تقول فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو قتل حمزة حين أخذه معه يوم أحد أو هو قتل المؤمنين حين كانوا يقتلون معه قال و فرح بقتل عمار أهل الشام و قال معاوية قتلنا عبدالله بن بديل و هاشم بن عتبة و عمار بن ياسر فاستر جع النعمان ابن بشير و قال.

والله أنا كنا نعبد اللات والعزى و عمار يعبد الله و لقد عذبه المشركون بالرمضاء و غيرها من انواع العذاب و كان يعبد الله و يصبر على ذلك.

و قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) صبراً يا آل یاسر موعدكم الجنة وقال لهم ان عماراً يدعو الناس الى الجنة و يدعونه الى النار.

و قال ابن جون من أهل الشام أنا قتلت عماراً فقال له عمرو بن العاص ماذا قال حين ضربته قال: قال اليوم الق الا حبة محمداً و حزبه فقال عمرو صدقت أنت صاحبه صدقت أنت صاحبه والله ما ظفرت يداك و قد اسخطت ربك دنيا و اخرى.

990 - عنه عن السدي عن يعقوب بن واسط قال احتج رجلان بصفين فى سلب عمار وقتله فأتيا عبدالله بن عمرو بن العاص يتحاكمان إليه فقال ويحكما اخرجا عنى فان رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قال اولعت قریش بعمار و عمار

ص: 223

يدعوهم الى الجنة و يدعونه الى النار قاتله و سالبه في النار.

991 - قال: يروى انه فى يوم السادس والعشرين من حروب صفين اجتمع عند معاوية الملأ من قومه فذكروا شجاعة على وشجاعة الاشتر فقال عتبة بن أبي سفيان ان كان الاشتر شجاعاً لكن علياً لا نظير له في شجاعنه و صولته وقوته على اختطاف الفوارس من سروجها فقال معاوية ما منا أحد إلا وقد قتل على اباه أو أخاه أو ولده قتل يوم بدر أباك يا وليد و قتل عمك يا أبا الاعور يوم احد و قتل يابن طلحة الطلحات أباك يوم الجمل.

فاذا اجتمعتم عليه ادركتم تاركم منه و شفيتم صدوركم فضحك الوليد بن عقبة بن أبي معيط من قوله و أنشأ يقول:

يخدعكم معاوية بن حرب *** أما فيكم لو اتركم طلوب

يشد على أبي حسن *** على باسمر لا تهجنه الكعوب

فيهتك مجمع اللبات منه *** و نقع القوم مطرد يثوب

فقلت له أتلعب يا بن هند *** كانك وسطنا رجل غريب

أتامرنا بحية بطن واد *** اذا نهشت فليس لها طبيب

و ما لافاه في الهيجاء لاق *** فاخطأ نفسه الاجل القريب

سوی عمرو وقته خصيتاه *** نجا و لقلبه منها وجيب

و ما ضبع يدب ببطن واد *** اتيح لقتلها اسد مهيب

بأضعف ميلة منا اذا ما *** لقيناه و ذا منا عجیب

كأن القوم لما عاينوه *** خلال النقع ليس لها قلوب

و قدنادى معاوية بن حرب *** فاسمعه ولكن لا يجيب

و قال الوليد: ان لم تصدقونى فاسألوا الشيخ عمرو بن العاص ليخبر

ص: 224

عن نجدته و صولته وكان هذا توبيخا منه لعمرو حين خرج عمرو بن العاص للحرب وقال لابنيه عبد الله و محمد :

شدا على شكتى لا تنكشف *** ابعد عمرو و الزبير تأتلف

ام بعد عثمان نبالى من تلف *** يوم لهمدان لهمدان و يوم للصدف

وفي تميم نخوة لا تنحرف *** نضربها بالسيف حتى ينصرف

فحمل عليه أمير المؤمنين (علیه السّلام) و عمرو لا يشعر به فطعنه و صرعه فبدت عورته فصرف علي (علیه السّلام) وجهه فانسل عنه عمرو؛ قيل لعلى في ذلك فقال انه ابن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهى عنه و روی انه (علیه السّلام)أبدى حمل عليه بسيفه و قال خذها يابن النابغة و انا على فسقط عن فرسه و عورته فقال له على أنت طليق دبرك أيام عمرك و عذله معاوية و قال ما هذه الفضيحة التي فضحت بها نفسك؟

فقال عمرو لمعاوية يا أبا عبدالرحمن من يتعرض لبلاء نفسه لاطاقة لي بعلى و لا لك و لا للوليد و لا لأحد من جموعنا و ان لم تصدقنى فجرب و قد دعاك مراراً الى البراز و لا تبرز إليه إليه و قال عمرو في ذلك هذه الابيات :

يذكرنى الوليد شجى عليّ *** و صدر المرء يملأه الوعيد

متى تذكر مشاهده قریش *** يطر من فوقه القلب الشديد

فاما فى اللقاء فاين منه *** معاوية بن حرب و الوليد

لقيت و لست اجهله عليا *** و قد بلت من العلق اللبود

فاطعنه و يطعنني خلاسا *** و ماذا بعد طعنته مزيد

فرمها منه يا بن أبي معيط *** فانت الفارس البطل النجيد

فاقسم لو سمعت ندا على *** لطار القلب و انتفخ الوريد

ص: 225

ولو لاقيته شقت جيوب *** عليك ولطمت فيك الخدود

فقال معاوية يا عمرو و لو عرفت علياً ما أقحمت عليه و أنشأ معاوية :

ألا لله من هفوات عمرو *** يعاتبني على ترکی برازی

فقد لاقى أبا حسن علياً *** قاب الوائلي مآب خازی

و لو لم يبد عورته لأودى *** به ليث يذلل كل نازی

له كف كأن براحتيها *** منايا القوم تخطف خطف بازی

فان تكن المنية احرزته *** فقد غنى بها أهل الحجاز

فغضب عمرو و قال هل هو إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه أترى السماء قاطرة ذلك دماً.

992 - عنه روى ان علياء (علیه السّلام) خرج الى صف أهل الشام و قال لكميل بن زياد سر الى معاوية وقل له دعوناك الى الطاعة و الجماعة فأبيت و عندت و قد كثر القتل بين المسلمين فابرز الى حتى يتخلص الناس مما هم فيه فلما ادى كميل رسالة على (علیه السّلام) قال معاوية لقومه ما تقولون؟ فنهوه عن ذلك إلا عمرو بن العاص فأنه قال له قد أنصفك و انه بشر مثلك مثلك و تدعى أنت فوق ما يدعى من الفضل .

فعيره معاوية فقال ما هذه العداوة يا عمرو أتظن أنى ان قتلت تنال الخلافة من بعدى فقال عمرو اما زحك فأنشأ معاوية يقول:

يا عمرو إنك قد أشرت بتهمه *** ان المبارز كالجدى للنازى

ما للملوك و للبراز و انما *** خطف المبارز خطفة من باز

و لقد رجعت و قلت مزحة مازح *** و المزح يحمله مقال الهازى

فاجابه عمرو بن العاص يقول:

ص: 226

معاوی ان نكلت عن البراز *** لك الويلات فانظر في المخازى

معاوی ما اجترمت اليك ذنبا *** وما أنا بالذى حدثت هازي

و ما ذنبی وکم نادى علي *** وكبش القوم يدعو للبراز

فلو بارزته بارزت لیثا *** حديد القرن أشجع ذا ابتزاز

أضبع في العجاجة يا بن هند *** و عند الشاة كالتيس الحجازي

فانصرف كميل و أخبر علياً (علیه السّلام) بما جرى فضحك الاشتر و كان مع على رجل من آل ذى يزن الملك يقال له سعيد بن حارثة و كان مسكنه الشام فلما لم يجب معاوية الى الطاعة و لم يبايع عليا (علیه السّلام) ترك الشام و أهله و أمواله و صار الى علي الله و كان عابداً يصلى كل يوم و ليلة مائة ركعة فقال يا أمير المؤمنين أنا أدعو معاوية الى المبارزة.

فأذن له على امير المؤمنين (علیه السّلام) و تبسم إليه و قال له سر بسم الله فبرز و نادى ليبرز الى معاوية فبرز إليه وقال يا سعيد أنسيت ما فعلت في حقك و ما أسديت اليك من المحامد فقال سعيد كنت أظن انك مسلم مطيع الله مقتد بامر الله فلما علمت بغيك و طلبك الملك و السلطان بالباطل أبغضتك وعاديتك.

ثم حمل عليه سعيد بن حارثه و كانت بينها ضربات فلم يظفر أحدهما بصاحبه فانصرفا ثم ان معاوية أظهر لعمرو شماتة و قاله و لملأ من قريش قد أنصفتكم إذ لقيت سعيداً في همدان و هو سيدهم فانقطعو عنه أياماً أنفة و غضب عمرو و قال هذه الابيات:

تسير الى ابن ذي يزن سعيد *** وتترك فى العجاجة من دعاكا

فهلا في أبي حسن علي *** لعل الله يمكن عن وقاكا

دعاك الى البراز فلم تجبه *** و لو بارزته تربت يداكا

ص: 227

و كنت أصم اذنا ذاك عنها *** و كان سكوته عنها مناكا

فآب الكبش قد طحنت رحاها *** بخطوتها ولم تطحن رحاكا

فما انصفت صحبك يابن هند *** بفرقته و تغضب من سواكا

فلا والله ما اظهرت خيرا *** ولا اظهرت لى إلا هواكا

993 - عنه قال : كان معاوية على التل مع وجوه قريش ينظر الى علي (علیه السّلام) يقتل كل من برز إليه فقال لقد دعاني علي الى البراز حتى استحييت من قريش فقال له أخوه عتبة أله هذا كأنك لم تسمعه فقد علمت انه قتل حريثا و فضح عمراً وقتل كل من برز إليه و انما يقوم مقامك بسر بن ارطاة فقال ارطاة فقال بسر ما كان أحد أحق بمبارزته من ابن حرب فاما اذا ابيتموه فانا له وكان عند ابن عم له فكره ذلك فأنشأ يقول:

و انت له يا بسر ان كنت مثله *** وإلا فان الليث للضبع أكل

كانك يا بسر بن ارطاة جاهل *** بشداته فى الحرب أم متجاهل

متى تلقه فالموت في رأس رمحه *** و فى سيفه شغل لنفسك شاغل

و ما بعده في آخر الخيل عاطف *** و ما قبله فى أول الخيل حامل

فقال له بسر : يابن عمى خرج مني شيء فانا استحى أن أرده و ارجع عنه فغدا بسر الى المعركة فرأى عليا (علیه السّلام) فى أول الخيل منقطعاً عن خيله مع الأشتر و هو يريد التل و هو يضرب ضرباً منكراً و يرتجز:

أنا على فسلوني تخبروا *** سيفى حسام و سنانی ازهر

منا النبي الطاهر المطهر *** و حمزة الخير وصنوى جعفر

له جناح في الجنان أخضر *** ذا أسد الله و فيه مفخر

هذا الهزبر وابن هند محجر *** مذبذب مطرد مؤخر

فاستقبله بسر قريبا من التل فطعنه على (علیه السّلام) فوقع و لما أحس انه

ص: 228

علي رمي نفسه من هول الضربة وكشف سوأته فانصرف عنه على بوجهه فناداه الأشتر يا أمير المؤمنين انه بسر فقال دعه لعنه الله عتق عورته

كعمرو شيخه فحمل ابن عم بسر على علي (علیه السّلام) و هو يقول:

أرديت بسراً و الغبار تاثره *** أرديت شيخا غاب عنه ناصره

فحمل عليه الأشتر و هو يقول:

أكل يوم رجل شيخ شاغرة *** وعورة وسط العجاج ظاهرة

تبرزها طعنة كف واترة *** عمرو وبسر رميا بالفاقرة

و طعنه الأشتر فكسر صلبه و أما بسر فانه قام من ضربة على (علیه السّلام) و ولی و ولت خيله و ناداه أمير المؤمنين علي (علیه السّلام) يا بسر معاوية كان أحق بهذا منك فرجع بسر الى معاوية و هو قد تخجل فقال له معاوية ارفع طرفك فلك اسوة بعمرو بن العاص وانشد فى ذلك النضر بن الحارث هذه الابيات :

أفي كل يوم فارس تندبونه*** له عورة وسط العجاجة بادية

یکف بها عنه علي سنانه *** ويضحك منها في الخلاء معاوية

بدت امس من عمرو وقنع رأسه *** و عورة بسر مثلها فرج جارية

فقولا لعمرو و ابن ارطاة ابصرا *** سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

و لا تحمدا إلا الخبا و خصاكا *** هما كانتا والله للنفس واقية

فلو لا هما لم تنجوا من سنانه *** وتلك بما فيه عن العود ناهية

متى تلقيا الخيل المشبحة صبحة *** و فيها على فاتركا الخيل ناحية

و كونا بعيداً حيث لا تبلغ القفا *** وحمى الوغى ان التجارب كافية

وان كان منه بعد في النفس حاجة *** فعودا الى ما شئتما هي ماهية

994 - عنه روى أن أمير المؤمنين علياً (علیه السّلام)كان يقول أيام صفين والله

ص: 229

ما سمعت ان أمة آمنت بننيها قاتلت أهل بيته غيركم.

995 - قال: روى عن حبة العرنى قال: لما نزل على (علیه السّلام) بمكان يقال له البلج على جانب الفرات نزل راهب من صومعته فقال لعلي (علیه السّلام) ان عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم ا(علیه السّلام) أعرضه عليك فقال له علي (علیه السّلام) نعم فما هو فأخرجه فاذا فيه.

(بسم الله الرحمن الرحيم: الذى قضى فيما قضى و سطر فيما كتب انه باعث الأرواح و باعث فى الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة و يدلهم على سبيل الله لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الاسواق و لا يجزى بالسيئة السيئة و لكن يعفو ويصفح، أمته الحامدون الله يحمدون الله على كل نشز و في كل صعود و هبوط تذل السنتهم بالتهليل و التكبير .

فينصره الله على كل من ناداه فاذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء الله تعالى، ثم اختلفت ثم يمر رجل من أمته بشاطي الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر و يقضى بالحق ولا يوكس الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظماء يخاف الله في السر وينصح له في العلانية لا يخاف في الله لومة لائم .

فمن أدرك ذلك النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضوان الله و الجنة؛ و من ادرك ذلك العبد الصالح فلينصره فان القتل معه شهادة، فقال الراهب و أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله و أنا صاحبك لا افارقك حتى يصيبنى ما اصابك و قال: فبكى علي (علیه السّلام) و قال:

الحمد لله الذي لم يجعلنى عند منسيا، الحمد الله الذي ذكرني عنده في كتب الابرار فمضى الراهب معه و كان فيما ذكر يتغدى مع أمير المؤمنين (علیه السّلام)

ص: 230

و يتعشى معه حتى اصيب بصفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال أمير المؤمنين (علیه السّلام) اطلبوه فلما وجده صلى عليه و دفنه و قال هذا منا أهل البيت و استغفر له مراراً .

996 - قال: روى أنه فى اليوم السابع و العشرين من حرب صفين نادى أمير المؤمنين علي (علیه السّلام) هل من معين فقال اثنا عشر الفا نموت بين يديك و كسروا جفون سيوفهم و سار على (علیه السّلام) بهم و هو ينشد و يقول:

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا *** و اصبحوا في حربكم و بيتوا

حتى تنالوا النار أو تموتوا *** أو لا فأنى طالما عصيت

قد قلتم لو جئتنا فجيت *** ليس لكم ما شئتم و شيت

بل ما يشاء المحيى المميت

و حمل الأشتر و هو ينشد و يقول:

أبعد عمار و بعد هاشم *** و ابن بديل فارس الملاحم نرجو البقا ضل حلم الحالم

و حمل حارثه بن قدام و هو ينشد و يقول:

حرب باسباب الردى تأجج *** يهلك فيها البطل المدجج

يقدمها تميمها و مذحج *** قوم اذا ما أحمشوها انضجوا

روحوا الى الله و لا تعرجوا *** دین قویم و سبيل منهج

و حمل الاشتر و الناس معه و فرق الصفوف و ازل الألوف فرآه معاوية ففر هارباً على وجهه الى اذل الارض و اختفى الى قرب زوال النهار و وقع القتل فى أهل الشام و حملت عليهم أصحاب على و أهل العراق و مالك الاشتر و محمد بن الحنفية والحسين و محمد بن أبي بكر و على بن هاشم و حمل الأنصار والمهاجرون و اطبقوا على أهل الشام فوقع فيهم

ص: 231

القتل وسفك الدماء.

997 - عنه روى أنه قتل من أهل الشام في ذلك اليوم ثلاثون الفاً قتل من أصحاب على الف و مائتى راجل و فارس و طلبوا أهل الشام و قوم معاوية صاحبهم فلم يجدوه تكلموا أنه قتل فقال عمرو بن العاص انه لم يزاحم المعركة من أين يعركه القتل بل هو على دابته في ملأ من قومه و اقبل عليه يقضوه فقام و قال هذه الابيات و الناس معه.

فحرق الصفوف و رآه معاوية فركب فرسه و فر هاربا، فقال معاوية ذكرت قول قيس بن الخطيم فنزلت و قلت لأصحابي ما يمنعنى من الانهزام إلا قول قيس حيث بقول:

أبت لى اسرتى وأبى بلائى *** واخذى الحمد بالثمن الربيح

و اعطائى على العلات مالى *** و ضربى هامة البطل المشيح

و قولى كلما جشأت و جاشت *** مكانك تحمدى أو تستريحى

أناضل عن مآثر صالحات *** واحمى بعد عن عرض صحيح

الا من يبلغ الاحلاف عنى *** وقد تهدى النصيحة للنصيح

واشتد القتال و حمل الرؤساء و اضطرب الناس و لم يسمع إلا وقع الحديد على الحديد و الهام على الهام حتى حجز بينهم الليل.

998- عنه قال: روی انه فى اليوم الخامس والثلاثين من حروب صفين اجتمع أهل العراق عند خيمة أمير المؤمنين ينتظرون خروجه فخرج و ركب فرسه البحر و عليه درع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) متقلداً سيفه متحتما بخاتمه متعمماً بعمامته السحاب و لم يكلم احداً و كان معاوية سبق علياً (علیه السّلام) الى المعركة.

فقال له عمرو بن قيس بن عامر العكى و هو رئيس عك فلا نخرج

ص: 232

من قولى و لكن مر القواد والرؤساء و فرسان الشام أن يحملوا بحملتي فانهم ان فعلوا ذلك هزمت أهل العراق وارحتك فيما أنت فيه و كانت عك اشجع أهل الشام و اصبرهم على القتال واشدهم على أهل العراق.

و كانوا يلزمون الارض و يشدون أنفسهم بعضهم ببعض و ربيعة. و همدان و مذحج أشجع أهل العراق و أصبرهم على حر القتال و اطوعهم لأمير المؤمنين الله و أشدهم على معاوية و قومه و لقد لقي هو و قومه منهم كل بلاء ثم حمل رئيس عك و حمل جميع أهل الشام معه و حمل الاشتر على عك و محمل محمد ابن الحنفية و العباس بن ربيعة الهاشمي و عبد الله بن جعفر و ارتفع الغبار و ثار القتال و جرت الدماء.

واختلط القوم و لم يعرف أحد صاحبه و اشتد البلاء و قتل الاشتر من قوم عك خلقاً كثيراً و فقد أهل العراق أمير المؤمنين (علیه السّلام) وساءت الظنون وقالوا لعله قتل فعلا البكاء والنحيب فنهاهم الحسن من ذلك و قام ان علمت الاعداء ذلك منكم اجترؤا عليكم و أن أمير المؤمنين (علیه السّلام) أخبرني أن قتله يكون بالكوفة وكانوا على ذلك.

اذ أتاهم شيخ كبير يبكي و قال قتل أمير المؤمنين (علیه السّلام) و قد رأيته صريعاً بين القتلى فكثر البكاء و الإنتحاب فقال الحسن: يا قوم ان هذا الشيخ يكذب فلا تصدقوه فأمير المؤمنين الله قال يقتلنى رجل من مراد في كوفتكم هذه.

999 - عنه روى أنه حكى للرشيد ان الابطال بصفين جثوا على الركب و كسفت الشمس و ثار القتام و اظلمت الدنيا وضلت الألوية و فقدت الرايات و مرت مواقيت الصلاة لا يسجد فيها إلا تكبيراً و لا يسمع إلا وقع الحديد على الهام حتى تكادموا بالأفواه نادى القوم في تلك الغمرات يا

ص: 233

معاشر العرب الله الله فى الحرمات من النساء و البنات.

فغشى على الرشيد حتى رش عليه الماء فأفاق و قد اخضر لونه و دموعه تنحدر على لحيته، وكان الاشتر يرشد بطلب أمير المؤمنين (علیه السّلام) في ذلك اليوم يشق المواكب و الكتائب راية راية وقال لغلامه هاشم أنظر هل رجع الى موقفه الى موقفه و أنا أطلبه فى العسكر فان بشرتنى برجوعه فلك كذا و كذا .

و كان على (علیه السّلام) حينئذ سعيد بن قيس الهمداني مع فوارس قومه الخواص فوجده الأشتر عندهم فرآه الامام (علیه السّلام) متغيراً عن حاله باكياً فقال له ما خبرك يا مالك أفقدت ابنك ابراهيم أم ما أصابك غير ذلك فجعل الاشتر ينشد و يقول:

كل شيء سوى الامام صغير *** و هلاك الامام أمر كبير

قدر ضينا و قداصيب لنا اليوم *** رجال هم الحماة الصقور

من رأى غرة الامام على *** انه في دجى الحنادس نور

1000 - عنه قال: روى انه فى اليوم السابع والثلاثين من حرب صفين لما أصبح أمير المؤمنين (علیه السّلام) أتاه أولا سعيد بن قيس الهمداني و وقف خيله مع راياته ثم أتاه الاشتر في عسكره و حجر بن عدي الكندى و قيس بن سعد بن عبادة ثم أتاه عبدالله بن عباس و سلیمان بن صرد الخزاعي و المغيرة بن خالد و الأحنف بن قيس و رفاعة بن شداد و جندب بن زهير.

و خرج امير المؤمنين (علیه السّلام) في درع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و فوقه خفتان خضر محشو بالقز و هو متقلد سیف رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و علیه جحفته و بیده قضيب رسول الله الممشوق وسلم عليه القوم و انصرفوا الى معسكرهم و أقبل على (علیه السّلام) على الاشتر فقال يا مالك معى راية لم أخرجها إلا يومى هذا

ص: 234

و هى أول راية أخرجها النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و قد قال لي عند وفاته (صلّی الله علیه و آله و سلّم) .

يا أبا الحسن انك لتحارب الناكثين والقاسطين و المارقين و اى تعب و نصب يصيبك من أهل الشام فاصبر على ما أصابك ان الله مع الصابرين و أخرج الراية و قد عفت و بليت و بكى الناس لما رأوها و بكى علي (علیه السّلام) و قبلها من وجد اليها سبيلا و قال على (علیه السّلام) لقنبر أخرج رمح رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) الملموس بیده و سيصير لأبنى الحسن و لا يستعمله و سينكسر بيد أبنى الحسين و لقد أخبرنى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) باخبار كثيرة.

يا مالك ان الدنيا دنية خلقت للفناء و ان الخير خير الآخرة فانها خلقت للبقاا ثم ساروا معه الناس الى المعركة وصفوا الصفوف و تأهيبوا للقتال فأول من برز من أهل الشام رجل عليه درع مذهبة و بيضة عادية و بيده سيف حميرى و قال يا أهل العراق تزعمون اليوم تجرى الدماء على الارض كما جرى الماء فى النهر وقد صدقتم اليوم نسفك دماءكم فليبرز الى اشجعكم.

فبرز إليه عمرو بن عدى بن وهب بن خضيب بن يعمر النخعى و قال له يا شامى أنت أول قتيل يومنا هذا ثم تكافحا فسبقه عمرو بالضربة فصرعه و وقف مكانه ثم نادى يا أهل الشام ليبرز الى آخر فبرز إليه رجل مشهور بالشجاعة مذكور بالحماسة كان معاوية يعده لشدائده يقال له أبو جندب عبيد بن ذويب السكونى اليماني فقتل أبو جندب عمراً.

فبرز إليه الشخر بن يحيى النخعى و كان فقيها صالحا سخيا جواداً فقتله أبو جندب أيضاً فاغتاظ الاشتر و قال لبنى عمه و هو طرفة بن عبيدة انزع درعك و ناولني فأنى أبرز إليه و لعله يعرفني اذا برزت إليه في زبيي فلا يحاربني فاعطاه ذلك فبرز إليه الاشتر و أبو جندب ينظر الى قتلاه

ص: 235

فصاح عليه الاشتر و قال قاتلك الله إذ قتلت سادات نخع.

فقال لان القتل وجب عليهم بخروجهم على معاوية فقال الاشتر ما أعظم حماقتكم يا أهل الشام و قد خدعكم معاوية بذلك انتم اطوع الناس للمخلوق و اعصاهم للخالق و لم يعلم أبو جندب انه الاشتر فحمل أبو جندب و ضربه بسیفه فاتقاه الاشتر بجحفته ثم ضربه الاشتر على رأسه فرمی به الارض و وقف مكانه و دعا بآخر.

فبرز إليه فقتله الاشتر و كان يقتل كل من برز إليه حتى قتل منهم اثنى عشر رجلا ثم انصرف و كأنه مصاب فقال له أخوه كم مرة تخاطر بروحك و قد قيل في المثل:

بأجرة يستق بها زمناً *** لا بد من أن تصير منكسرة

فجعل الأشتر ينشد و يقول:

أبعد عمار وبعد هاشم*** وابن بديل فارس الملاحم

نرجوا البقاء ضل حلم الحالم *** لقد عضضنا أمس بالاباهم

فاليوم لانقرع سن النادم

و كان قبل ذلك قتل عمار بن ياسر و هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ابن أخى سعد بن أبي وقاص و عبدالله بن بديل الخزاعي و كانوا فرسان العراق و مردة الحروب و رجال المعادن و حتوف الاقران وأمراء الاجناد و انياب أمير المؤمنين وقد فعلوا باهل الشام ما بق ذكره على ممر الاحقاب حتى احتالوا لقتلهم فقتلوا فذكرهم الاشتر فى شعر متأسفاً عليهم.

ثم برز من أهل الشام فارس و نادى يا أهل العراق من الذى قتل منا احد عشر رجلا وفيهم أخى و عمى و ابن خالتي فقال الأشتر و أنت تلحق بهم انشاء الله الساعة فأنشأ الشامى يقول:

ص: 236

انا الغلام الاريحي الكندى ***اختال في السلاح و الفرند

فضربه الأشتر فرمى رأسه ثم دعا أمير المؤمنين (علیه السّلام) قنبراً و قال سر الى الميمنة و قل لعبد الله بن جعفر و لابنى محمد اذا حملت فاحملوا معى قال لكميل بن زياد قل لسليمان بن صرد و هواذن على الميسرة اذا حملت فاحمل معى ثم تقدم و انتظر الناس حملة علي و معه الاشتر و محمد و غيرهما و زحف الناس بعضهم ببعض و ارتموا بالنبل حتى فنيت.

ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت ثم تضاربوا بالسيوف و عمد الحديد و اشتد القتال حتى جرت الدماء جرى الماء و انهزم عرب اليمن و كان وقع الحديد على الحديد أشد هولا من الصواعق و الجبال حين تنهدم و انكسف الشمس و ثار القتام و خلت الألوية و الرايات و وصلوا النهار بالليل و هي ليلة الهرير و اصبح أهل العراق و المعركة خلف أظهرهم.

و افترقوا عن سبعين ألف قتيل فى رواية وحمل الوليد بن عقبة على أمير المؤمنين (علیه السّلام) فى الف فارس فحمل عليه أمير المؤمنين مع الف فارس فانهزم الوليد و من معه و لم يتبعهم أمير المؤمنين وكذلك كان يفعل فقال الاصبغ بن نباته و صعصعة بن صوحان يا أمير المؤمنين كيف يكون لنا الفتح و اذا هزمناهم لم نقتلهم و اذا هزمونا قتلونا.

فقال أمير المؤمنين (علیه السّلام) ان معاوية لا يعمل بكتاب الله ولا بسنة رسوله لست انا كمعوية و لا المهاجرون والانصار كطاغية أهل الشام و جلوف العرب ولو كان يعرف الله لما حاربنى و لو كان عنده علم أو عمل لما حاربنى و انا نفس رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الله بيني و بين معاوية، قيل لم ير رئيس قوم منذ خلق الله الدنيا قتل بيده ما قتل أمير المؤمنين (علیه السّلام) في ذلك اليوم وتلك الليلة.

ص: 237

و هي ليلة الهرير اذ وصلوا النهار بالليل فى القتال حتى روى انه قتل في تلك الليلة بيده خمسمائة رجل و زيادة وقتل من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) فى ذلك اليوم والليلة الفا رجل و سبعون رجلا وفيهم اويس القرنى زاهد زمانه و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وقتل من أصحاب معاوية في ذلك اليوم سبعة آلاف رجل وفي رواية ثلاثة وثلاثون الفاً و مائة و خمسون رجلا و بانت الكسرة على أهل الشام و خلق لا تحصى.

1001 - عنه قال وكان من المكاتبات التي جرت بين أمير المؤمنين (علیه السّلام) و بين معاوية أيام صفين كتب على بن أبي طالب الى معاوية أما بعد فان الله عباداً آمنوا بالتنزيل وعرفوا التأويل و فقهوا فى الدين و بين الله فضلهم في القرآن الحكيم و انتم في ذلك الزمان اعداء الرسل تكذبون بالكتاب و تجتمعون على حرب المسلمين من وجدتم منهم عذبتموه أو قتلتموه.

حتى اذن الله تعالى باعزاز دینه و اظهار نبيه (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فدخل العرب في دينه افواجاً و اسلمت له هذه الامة طوعا وكرها فكنتم ممن دخل فى هذا الدين أمّا رغبة و أمّا رهبة حين فاز أهل السبق بسبقهم و فاز المهاجرون الاولون بفضلهم فلا ينبغى لمن لست له مثل سوابقهم ان ينازعوهم في الامر الذين هم اصله و اولياؤه.

فيجور و يظلم ولا ينبغى لم كان له قلب أو القى السمع و هو شهيدان يجعل قدره و يعدو طوره و لايشق نفسه بالتماس ما ليس له و لا هو أهله و ان أولى الناس بهذا الامر قديما و حديثا أقربهم من الرسول و اعلمهم بالكتاب و التأويل وافقههم فى الدين و أولهم اسلاماً وافضلهم اجتهاداً.

فاتقوا الله الذى إليه راجعون ولا تلبسوا الحق بالباطل لتدحضوا الحق و انتم تعلمون و اعلموا ان خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون و

ص: 238

شر عبادالله الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ألا و انى ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه و حقن دماء هذه الامة فان قبلتم اصبتم و هديتم و ان ابيتم إلا الفرقة و شق عصا هذه الامة لم تزدادوا من الله إلا بعداً و لم يزداد الله عليكم الا سخطاً.

فلما وصل الكتاب الى معاوية قام إليه أبو مسلم الخولاني فقال يا معاوية صدق على فعلام نقاتله فوالله انه لأحق بهذا الأمر منك قال: أجل ولكنه أطالبه بدم عثمان قال فاكتب إليه بحجتك حتى أحمل كتابك و آتيه فان أقر بدمه سألته الحجة و ان أنكر نظرنا فى أمره قال نعم فكتب معاوية الى على (علیه السّلام).

أما بعد فان الله أختار بعلمه محمداً (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فجعله الامين على وحيه رسولا الى خلقه و اختار له من المسلمين أعوانا فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم فى الاسلام كان افضلهم اسلاماً و انصحهم الله ولرسوله خلیفته و خليفة خليفته و الخليفة الثالث المظلوم عثمان فكلهم حسدت و على كلهم بغيت.

عرفنا ذلك فى نظرك الشزر إليهم وقولك الهجر وتنفسك الصعداء في ابطائك بالبيعة عن الخلفاء فى كل ذلك تقادكما يقاد الجمل المخشوش حتى تبايع و أنت كاره و لم يكن لاحد منهم اشد حسداً منك لابن عمك ابن عفان و كان احقهم ان لا تفعل ذلك به لقرابته و صهره فمحیت محاسنه و قطعت رحمه و اظهرت له العداوة حتى ضربت إليه الابل من الآفاق و ندبت إليه الخيل العزاب.

فشهر عليه السلاح في حرم رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) تسمع الواعية في داره فلم ترد عنه بقول و لا فعل و اقسم ان لو قمت مقاما واحداً أنتهى الناس

ص: 239

عنه ما عدل بك احد و لمحى عنك عيب ما كنت تعرف به و اخرى أنت بها عند اولياء عثمان و انصاره ظنين ايواؤك قتلته فهم يدك و عضدك و انصارك و قد ذكر لي أنك تتنصل من دمه فأن كنت صادقاً فا فأن كنت صادقاً فادفع إلى قتلته.

ثم نحن اسرع الناس اليك اجابة و إلا فانه ليس لك و لا لأصحابك عندنا إلا السيف و والله الذى لا إله غيره لنطلبن قتلة عثمان فى البر و البحر و السهل و الجبل حتى نقتلهم أو تلحق ارواحنا بالله تعالى قال: فاخذ أبو مسلم الخولاني كتابه و ذهب به مع نفر من قراء الشام حتى دخلوا على علي (علیه السّلام) فاوصلو إليه كتاب معاوية فلما قرأه كتب جوابه أما بعد فأن أخا حولان أتاني عنك بكتاب تذكر فيه محمداً (صلّی الله علیه و آله و سلّم).

و الحمد لله الذي صدق له الوعد ومكنه فى البلاد وأظهره على أهل عدواته و الشنآن من قومه الذين البوا عليه العرب و هم قومه الادنى فالادنى إلا قليلا ممن عصمه الله و ذكرت أن الله أختار له أعوانا أفضلهم زعمت فى الاسلام و انصحهم الله ولرسوله خليفته و خليفة خليفته و لقد كان مكانهما في الاسلام العظيم و ان المصاب بهما لجليل جزاهما الله تعالى باحسن ما عملا و سعيا و ذكرت عثمان في الفضل ثالثاً .

فان يكن محسنا فسيلق ربا شكوراً يضاعف له الحسنات ويجزى بالثواب الجسيم و ان يك مسيئاً فسيلق رباً لا يتعاظمه ذنب يغفره و لعمرى انى لا رجو اذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الاسلام كنا أهل البيت أول من آمن و صدق بما أرسل الله به فاراد قومنا قتل نبينا و اجتثاث اصلنا و هموا بنا الهموم و فعلوا بنا الافاعيل وامسكوا عنا المارة.

و قطعوا عنا الميرة ومنعونا الماء العذب و احلونا الجرف و اضطرونا الى جبل و عرو كتبوا بينهم كتابا أن لا يؤا كلونا و لا يشاربونا ولا يبايعونا

ص: 240

و لا يناكحونا و لا نأمن فيهم حتى ندفع إليهم بنبينا فيقتلونه و يمثلوا به فحج الناس كفاراً و نحج مؤمنين اكبر ذلك أبوك و انت فغرم الله لنا على منعه و الذب عن حوزته.

فمؤمننا يرجو الثواب و كافرنا يحامى عن الاصل و انا أول أهل بيتى اسلاماً معه و من أسلم بعدنا أهل البيت من قريش فحليف ممنوع و ذو عشيرة تحامى عنه ثم أمر الله نبيه (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بقتال المشركين فكان يقدم أهل بيته الى حر الاسنة و السيوف حتى قتل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر و قتل حمزة يوم أحد و قتل جعفر.

و اسلم الناس نبيهم يوم حنين غير العباس عمه و ابی سفیان ابن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه و أراد من لو شئت يا معاوية ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) غير مرة إلا أن أجالا أجلت و منية أخرت والله ولى الاحسان اليهم والمنان على أهل بيتى بما اسلفوا من الصالحات و قد أنزل الله تعالى في كتابه فضلهم يوم حنين فقال:

«و أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنينَ» و انما عنانا بذلك دون غيرنا فتذكر فى الفضل غيرنا وتدعنا فلم لا تذكر فيه من استشهد في و رسوله منا وما ذاك إلا لحسدك إيانا و بغيك علينا كما ان تلك عادتك فينا فهل سمعت يا معاوية باهل بيت نبي في سالف الأمم اصبر على الضراء اللأواء و حين البأس والمواطن الكريهة من هؤلاء النفر الذين عددتهم من أهل بيتي و المهاجرين و الانصار.

جزاهم الله باحسن اعمالهم و ذكرت يا معاوية حسدى الخلفاء و بغى علیهم فمعاذ الله من الحسد و البغى بل أنا المحسود المبغى عليه فاما الابطاء عنهم و النكرة لأمرهم فانى لست أعتذر الى الناس منه ان الله تعالى لما

ص: 241

قبض محمداً رسوله الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) اختلف الناس فقالت قريش منا الامير وقالت الانصار منا الامير .

فقالت قريش ان محمداً منا و نحن أحق بالامر منكم فعرفت الانصار ذلك فسلموا إليهم الامر و السلطان فاستحقتها قريش بمحمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فان يكن القرب بمحمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يستحق به الخلافة فانا أقرب الناس به و رأيت الانصار أعظم بهما في الإسلام فان يكن الأحق بقرب النبي فانا المظلوم المأخوذ حقه منه و ان يكن بالإسلام فالانصار أحق بها من اجمع الناس و لكن رأيت حق المأخوذ و أنا المقهور.

فصبرت و لم اكن بعجلان على أمر لعلى بسرعة زوال مقام الدين بردهم و مقامی عند علام الغيوب الذى لا يعزب عنه شيء في الارض و لا فى السماء و هو السميع البصير و قد علمت يا معاوية ما دم عثمان عندى و ان يسعني فيه ما وسع الصحابة و لا أنت وليه و أنا الاولى بدمه دونك و لكن الدنيا أثرت هذا هكذا.

فان أولى الناس بمحمد أولاهم به و إلا فان الانصار أعظم الناس سهماً في الإسلام و لا أرى أصحابي سلموا من أن يكونوا حق أخذوا و للانصار ظلموا بل قد عرفت أن حق هو المأخوذ فتركته لهما أما عذلا و أما صلحاً غير حرجين و متبوعين و أما ما ذكرت من أمر عثمان فانه فعل ما قد علمت و رأيت من الحدث و فعل الناس ما قد رأيت من التعبير.

و قد علمت یا معاوية انى كنت من أمر عثمان في عزلة يسعنى من ذلك ما وسع أصحاب محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) الا أن تتجنى فتجن ما بدالك و لعمرى لقد ايقنت ما دم عثمان عندى و لا قبلى و لا أنت وليه و ان دونك لاولياء و

ص: 242

لكن الدنيا أردت ولها كدحت و أنت بعثمان تربصت و قد استنصرك في حياته فما نصرت.

و أما ما ذكرت وسألت من دفع قتلة عثمان اليك فانه لا يسعنى دفعهم اليك و لا الى غيرك فانهم محتجون فى دم عثمان بان عثمان قد قتل منهم قبل قتلهم اباه فهم متأولون فى ذلك و محتجون فيه فاما ما ذكرت من انك تطلبهم فى البر و البحر فاقسم بالله ان لم تنته و تنزع عن سفهك.

يابن آكلة الأكباد لتجدنهم يطلبونك و لا يكلفونك طلبهم و كان أبوك أتانى حين ولى الناس أبا بكر فقال لى أنت أحق بهذا الامر من الناس كلهم بعد النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و انا يدك على من شئت فابسط يدك أبايعك فانت أعز العرب دعوة فكرهت ذلك كراهة الفرقة و شق عصى الامة لقرب عهدهم بالكفر و الارتداد.

فان كنت تعرف من حقى ما كان أبوك يعرفه أصبت رشدك و ان لم تفعل استعنت بالله عليك و نعم المستعان و عليه توكلت و إليه انيب.

1002 - عنه روى انه قال للخولاني يا أبا مسلم من معاوية حتى أدفع اليه قتله عثمان إنما عليه أن يبايعني كما بايعنى المهاجرون والانصار ثم يجتمع أولياء عثمان و يقتص لهم الامام من قتلة والدهم و يحكم بما أمر الله به و لكن معاوية لا يجد ما يستغوى به الناس غير هذا و لعمرى لو وجدت سبيلا في الاقادة منهم فى حكم الله تعالى ما اخذتني في أهل مصر لابن أروى هوادة.

قال فلما وصل الكتاب الى معاوية و أتاه أبو مسلم بالحجج قال معاوية لست انكر كلما قال في فضائل نفسه و أهل بيته غير انه لا يقنعنى إلا أن يدفع الى قتلة عثمان فخرج أبو مسلم في جمع كثير حتى لحق بعلي (علیه السّلام) .

ص: 243

و قال على (علیه السّلام) انى لا اتعجب من معاوية و بغضه و حسده و لكن أتعجب من النعمان بن بشير و عبد الله بن عامر بن كريز و أبى هريرة وأبى الدرداء و أبي أمامة الباهلى و قد رأوا منزلتى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم و جعل يقول:

أسأت إذ أحسنت ظني بكم *** و الحزم سوء الظن بالناس

من أحسن الظن باعدائه *** تجرع الهم بانفاس

1003 - عنه قال: وكتب معاوية الى على (علیه السّلام) مع رجل من السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة و كان من كان من ناقلة العراق فكتب أما بعد فانى أظنك ان لو علمت و علمنا دن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم نجبها بعضنا على بعض و إنا و إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقى لنا منها ما نندم على ما مضی و نصلح به ما بقى و قد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمنى لك طاعة و لا بيعة .

فأبيت ذلك على فأعطانى الله ما منعت و أنا أدعوك اليوم الى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو ولا أخاف من القتل إلا ما تخاف و قد والله رقت الاجناد و ذهبت الرجال و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض إلا فضل لا يستذل به عزیز و لا يسترق به حر و السلام.

فلما وصل كتاب معاوية الى على (علیه السّلام) قرأه قال العجب لمعاوية وكتابه الى ثم دعا عبد الله بن أبي رافع كاتبه فقال اكتب الى معاوية أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه انك لو علمت و علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم نجبها بعضننا على بعض و أنا واياك نلتمس منها غاية لم نبلغها بعد و انى لو قتلت في ذات الله وحييت

ص: 244

ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله و الجهاد لاعداء الله؛ و أما قولك إنه قد بق من عقولنا ما نندم به على ما مضى فإنى ما نقصت عقلى و لا ندمت على فعلى فاما طلبك منى الشام فانى لم اكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس و أما استواؤنا في الخوف والرجا فإنك لست على الشك أمضى منى على اليقين و ليس أهل الشام أحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة.

و أما قولك انا بنو عبد مناف وليس لبعضنا على بعض فضل فلعمرى إنا بنو أب واحد ولكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق و لا الصريح كاللصيق و لا المحق كالمبطل و فى أيدينا فضل النبوة التي بها قتلنا الحر العزيز و بعنا الحر الذليل.

فلما أتى معاوية كتاب على (علیه السّلام) كتمه عمراً أياماً ثم دعاه بعد ذلك فاقرأه ایاه فشمت به عمرو و لم يكن أحد من قريش أشد تعظيماً لعلى (علیه السّلام) من عمرو وكتب معاوية الى ابن عباس و كان يجيبه بقول لين و ذلك قبل أن يعظم الحرب فلما قتل أهل الشام.

قال معاوية ان ابن عباس رجل قرشی و انى كاتب إليه فى عداوة بنى هاشم بني أميه و مخوفه بعواقب هذه الامور لعله يكف عنا فكتب إليه أما بعد فانكم يا معشر بني هاشم لستم الى أحد بالمساءة أسرع منك الى أنصار ابن عفان حتى أنكم قتلتم طلحة والزبير لطليها دمه و استعظامها ما نيل منه فان يك ذلك لسلطان بني أمية.

فقد ورثها عدى و تيم و اظهر تم لهم الطاعة وقد وقع من الامر ما قد نرى واكلت هذه الحرب بعضها من بعض حتى استوينا فيها فما اطمعكم فينا

ص: 245

اطمعنا فيكم و ما آيسكم منا آيسنا منكم و قد رجونا غير الذي كان وخشينا دون الذى وقع و لستم بملاقينا اليوم باحد من حد أمس ولا غداً بأحد من حد اليوم.

و قد قنعنا بما كان من ملك الشام و قنعتم بما كان منكموابقوا على قريش فانما بقى من رجالنا ستة رجلان بالشام و رجلان بالعراق و رجلان بالحجاز فاما اللذان بالشام فانا و عمرو و أما اللذان بالعراق فأنت و على و أما الرجلان اللذان بالحجاز فسعد و ابن عمر، و أثنان من الستة ناصبان لك و آخران واقفان عليك.

و أنت رأس هذا الجمع اليوم وغدا ولو بايع الناس لك بعد عثمان لكنا اليك أسرع اجابة منا الى علي؛ في كلام كثير كتب به إليه فلما انتهى الكتاب الى ابن عباس اسخطه ثم قال حتى متى يخطب الى عقلى و حتى متى احجم على ما في نفسي فكتب إليه.

أما بعد فاما ما ذكرت من سرعتنا اليك بالمساءة الى انصار ابن عفان و كراهيتنا لسلطان بني أمية فلعمرى لقد ادركت حاجتك في عثمان حين استنصرك فلم تنصره حتى صرت الى ما صرت إليه و بيني و بينك في ذلك ابن عمك و اخو عثمان الوليد بن عقبة و أمّا طلحة والزبير فطلبا الملك و نقضا البيعة فقاتلنا هما على النكث و أما قولك انه لم يبق من قريش غيرستة .

فها اكثر رجالها و احسن بقيتها وقد قاتلك من خيارها من قاتلك و لم يخذلنا إلا من خذلك و أما اغراؤك ايانا بعدى و تیم فابوبکر و عمر خیر من عثمان كما ان عثمان خير منك و قد بقى لك منا يوم ينسيك ما قبله و يخاف ما بعده و أما قولك انه لو بايع الناس لي لاستقامت الي فقد بايع

ص: 246

الناس عليا (علیه السّلام) و هو خير منى فلم تستقم له و انما الخلافة لمن كان في الشورى.

فما أنت و الخلافة يا معاوية و أنت طليق و ابن طليق و ابن رأس الاحزاب و ابن آكلة الأكباد فلما انتهى الكتاب الى معاوية قال هذا عملى بنفسى و الله لا اكتب الله لا اكتب إليه كتاباً. وكتب معاوية الى قيس بن سعد بن عبادة اما بعد فانك يهودى ابن يهودى ان ظفر احب الفريقين اليك استبدل بك و ان طفر أبغضهما اليك نكل بك فقتلك.

و قد كان أبوك اوتر غير قوسه و رمى غير غرضه و اكثر الحز و اخطأ المفصل فخذله قومه و ادركه يومه حتى قتل بحوران طريداً فكتب اليه قيس أما بعد فانما أنت وثن أبن وثن دخلت في الاسلام كرهاً و خرجت منه طوعاً لم يقدم ايمانك و لم يحدث نفاقك و قد كان أبى أوتر قوسه و رمی غرضه فسعت به من لم يبلغ عقبه و لا شق غباره و نحن انصار الدين الذى منه خرجت و اعداء الدين الذي فيه دخلت.

1004 - قال ابن ابي الحديد في شرح قوله (علیه السّلام):

أيها الناس إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب حتى نهكتكم الحرب و قد و الله أخذت منكم و تركت وهي لعدوكم أنهك.

لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا و كنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا وقد أحببتم البقاء و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون.

فأما قوله كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا أن أهل العراق لما رفع عمرو بن العاص و من معه المصاحف على وجه المكيدة .

حين أحس بالعطب وعلو كلمة أهل الحق ألزموا أمير المؤمنين (علیه السّلام)

ص: 247

بوضع أوزار الحرب و كف الأيدي عن القتال وكانوا في ذلك على أقسام:

فمنهم من دخلت عليه الشبهة برفع المصاحف و غلب على ظنه أن أهل الشام لم يفعلوا ذلك خدعة و حيلة بل حقا و دعاء إلى الدين و موجب الكتاب فرأى أن الاستسلام للحجة أولى من الإصرار على الحرب.

و منهم من كان قد مل الحرب و آثر السلم فلما رأى شبهة ما يسوغ التعلق بها في رفض المحاربة و حب العافية أخلد إليهم. ومنهم من كان يبغض علياء (علیه السّلام) بباطنه و يطيعه بظاهره كما يطيع كثير من الناس السلطان في الظاهر و يبغضه بقلبه فلما وجدوا طريقا إلى خذلانه و ترك نصرته أسرعوا نحوها فاجتمع جمهور عسكره عليه و طالبوه بالكف و ترك القتال فامتنع امتناع عالم بالمكيدة و قال لهم:

إنها حيلة و خديعة و إني أعرف بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب قرآن و لا دین قد صحبتهم و عرفتهم صغيرا و كبيرا فعرفت منهم الإعراض عن الدين والركون إلى الدنيا فلا تراعوا برفع المصاحف و صمموا على الحرب و قد ملكتموهم فلم يبق منهم إلا حشاشة ضعيفة و ذماء قليل .

فأبوا عليه و ألحوا و أصروا على القعود و الخذلان و أمروه بالإنفاذ إلى المحاربين من أصحابه و عليهم الأشتر أن يأمرهم بالرجوع و تهددوه إن لم يفعل بإسلامه إلى معاوية فأرسل إلى الأشتر يأمره بالرجوع و ترك الحرب فأبى عليه فقال:

كيف أرجع و قد لاحت أمارات الظفر فقولوا له ليمهلني ساعة واحدة و لم يكن علم صورة الحال كيف قد وقعت فلما عاد إليه الرسول بذلك غضبوا و نفروا و شغبوا و قالوا أنفذت إلى الأشتر سرا و باطنا تأمره

ص: 248

بالتصميم و تنهاه عن الكف و إن لم تعده الساعة و إلا قتلناك كما قتلنا عثمان.

فرجعت الرسل إلى الأشتر فقالوا له أتحب أن تظفر بمكانك و أمير المؤمنين قد سل عليه خمسون ألف سيف فقال ما الخبر قال إن الجيش بأسره قد أحدق به و هو قاعد بينهم على الأرض تحته نطع و هو مطرق و البارقة تلمع على رأسه يقولون لئن لم تعد الأشتر قتلناك قال ويحكم فما سبب ذلك قالوا رفع المصاحف قال والله لقد ظننت حين رأيتها رفعت أنها ستوقع فرقة وفتنة.

ثم كر راجعا على عقبيه فوجد أمير المؤمنين (علیه السّلام) تحت الخطر قد ردده أصحابه بين أمرين إما أن يسلموه إلى معاوية أو يقتلوه ولا ناصر له منهم إلا ولداه و ابن عمه و نفر قليل لا يبلغون عشرة فلما رآهم الأشتر سبهم و شتمهم و قال ويحكم أبعد الظفر و النصر صب عليكم الخذلان و الفرقة.

يا ضعاف الأحلام يا أشباه النساء يا سفهاء العقول فشتموه و سبوه و قهروه و قالوا المصاحف المصاحف و الرجوع إليها لا نرى غير ذلك فأجاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) إلى التحكيم دفعا للمحذور الأعظم بارتكاب المحظور الأضعف فلذلك قال كنت أميرا فأصبحت مأمورا و كنت ناهيا فصرت منهيا.

1005 - عنه قال: ذكر الزبير بن بكار في الموفقيات أن عليها (علیه السّلام) لما بعث جريرا إلى معاوية خرج و هو لا يرى أحدا قد سبقه إليه قال فقدمت على معاوية فوجدته يخطب الناس و هم حوله يبكون حول قميص عثمان و هو معلق على ربح مخضوب بالدم و عليه أصابع زوجته نائلة بنت الفرافصة مقطوعة.

فدفعت إليه كتاب علي (علیه السّلام) و كان معي في الطريق رجل يسير

ص: 249

بسيري ويقيم بمقامي فمثل بين يديه في تلك الحال و أنشده:

إن بني عمك عبد المطلب *** هم قتلوا شيخكم غير كذب

و أنت أولى الناس بالوثب فئب

قال ثم دفع إليه كتابا من الوليد بن عقبة بن أبي معيط و هو أخو عثمان لأمه كتبه مع هذا الرجل من الكوفة سرا أوله:

معاوي إن الملك قد جب غاربه

قال فقال لي معاوية أقم فإن الناس قد نفروا عند قتل عثمان حتى يسكنوا فأقمت أربعة أشهر ثم جاءه كتاب آخر من الوليد بن عقبة أوله.

ألا أبلغ معاوية بن حرب *** فإنك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر كالسدم المعنى *** تهدر في دمشق ولا تريم

و إنك و الكتاب إلى علي *** كدابغة و قد حلم الأديم

فلو كنت القتيل و كان حيا *** لشمر لا ألف و لا سئوم

قال فلما جاءه هذا الكتاب وصل بين طومارين أبيضين ثم طواهما و كتب عنوانهما.

من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب ودفعهما إلي لا أعلم ما فيهما و لا أظنهما إلا جوابا و بعث معي رجلا من بني عبس لا أدري ما معه فخرجنا حتى قدمنا إلى الكوفة و اجتمع الناس في المسجد لا يشكون أنها بيعة أهل الشام فلما فتح علي (علیه السّلام) الكتاب لم يجد شيئا و قام العبسي فقال من هاهنا أحياء قيس و أخص من قيس غطفان و أخص من غطفان عبسا؟

إني أحلف بالله لقد تركت تحت قميص عثمان أكثر من خمسين ألف شيخ خاضبي لحاهم بدموع أعينهم متعاقدين متحالفين ليقتلن قتلته في البر

ص: 250

و البحر و إني أحلف بالله ليقتحمنها عليكم ابن أبي سفيان بأكثر من أربعين ألفا من خصيان الخيل فما ظنكم بعد بما فيها من الفحول .

ثم دفع إلى علي (علیه السّلام) كتابا من معاوية ففتحه فوجد فيه:

أتاني أمر فيه للنفس غمة *** و فيه اجتداع للأنوف أصيل

مصاب أمير المؤمنين و هذه *** تكاد لها صم الجبال تزول

1006 - عنه روى ابن ديزيل قال لما عزم على(علیه السّلام) على المسير إلى الشام دعا رجلا فأمره أن يتجهز و يسير إلى دمشق فإذا دخل أناخ راحلته بباب المسجد ولا يلقي من ثياب سفره شيئا فإن الناس إذا رأوه عليه آثار الغربة سألوه فليقل لهم تركت عليا قد نهد إليكم بأهل العراق فانظر ما يكون من أمرهم.

ففعل الرجل ذلك فاجتمع الناس و سألوه فقال لهم فكثروا عليه يسألونه فأرسل إليه معاوية بالأعور السلمي يسأله فأتاه فسأله فقال له فأتى معاوية فأخبره فنادى الصلاة جامعة ثم قام فخطب الناس و قال لهم إن عليا قد نهد إليكم في أهل العراق فما ترون فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم لا يتكلمون فقام ذو الكلاع الحميري فقال عليك امرأي و علينا ام فعال و هي لغة حمير.

فنزل و نادى في الناس بالخروج إلى معسكرهم و عاد إلى على (علیه السّلام) فأخبره فنادى الصلاة جامعة ثم قام فخطب الناس فأخبرهم أنه قدم عليه رسول كان بعثه إلى الشام و أخبره أن معاوية قد نهد إلى العراق في أهل الشام فما الرأي.

قال: فاضطرب أهل المسجد هذا يقول الرأي كذا و هذا يقول الرأي كذا و كثر اللغط و اللجب فلم يفهم علي (علیه السّلام) من كلامهم شيئا ولم يدر

ص: 251

المصيب من المخطى فنزل عن المنبر و هو يقول إنا لله و إنا إليه راجعون ذهب بها ابن آكلة الأكباد يعني معاوية.

1007 - عنه روی ابن ديزيل عن عقبة بن مكرم عن يونس بن بكير عن الأعمش قال كان أبو مريم صديقا لعلي (علیه السّلام) فسمع بما كان فيه علي (علیه السّلام) من اختلاف أصحابه عليه فجاءه فلم يرع علياء (علیه السّلام) إلا و هو قائم على رأسه بالعراق فقال له أبا مريم ما جاء بك نحوي؟

قال ما جاء بي غيرك عهدي بك لو وليت أمر الأمة كفيتهم ثم سمعت بما أنت فيه من الاختلاف فقال يا أبا مريم إني منيت بشرار خلق الله أريدهم على الأمر الذي هو الرأي فلا يتبعونني.

1008 - عنه روى ابن ديزيل عن عبد الله بن عمر عن زيد بن الحباب عن علاء بن جرير العنبري عن الحكم بن عمير الثمالي و كانت أمه بنت أبي سفيان بن حرب قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لأصحابه ذات يوم كيف بك يا أبا بكر إذا وليت قال لا يكون ذلك أبدا قال فكيف بك يا عمر إذا وليت فقال آكل حجرا لقد لقيت إذن شرا.

قال فكيف بك يا عثمان إذا وليت قال آكل و أطعم و أقسم و لا أظلم قال فكيف بك يا علي إذا وليت قال آكل الفوت و أحمي الجمرة و أقسم التمرة و أخفى الصور قال أي العورة فقال (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أما إنكم كلكم سيلى و سيرى الله أعمالكم ثم قال يا معاوية كيف بك إذا وليت؟ قال:

الله و رسوله أعلم فقال أنت رأس الحطم و مفتاح الظلم حصبا و حقبا تتخذ الحسن قبيحا و السيئة حسنة يربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير أجلك يسير وظلمك عظيم.

1009 - عنه روى ابن ديزيل أيضا عن عمر بن عون عن هشيم عن أبي

ص: 252

فلج عن عمرو بن میمون قال قال عبد الله بن مسعود كيف أنتم إذا لقيتكم فتنة يهرم فيها الكبير و يربو فيها الصغير تجري بين الناس ويتخذونها سنة فإذا غيرت قيل هذا منكر .

1010 - عنه روى ابن ديزيل قال: حدثنا الحسن بن الربيع البجلي عن أبي إسحاق الفزاري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك في قوله تعالى: «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ» قال أكرم الله تعالى نبيه الا أن يريه في أمته ما يكره رفعه إليه و بقيت النقمة.

1011 - عنه قال ابن دیزیل و حدثنا عبد الله بن عمر قال حدثنا عمرو ابن محمد قال أخبرنا أسباط عن السدي عن أبي المنهال عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) سألت ربي لأمتي ثلاث خلال فأعطاني اثنتين و منعني واحدة سألته ألا تكفر أمتى صفقة واحدة فأعطانيها و سألته ألا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها و سألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.

1012 - عنه قال ابن ديزيل و حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو معاوية عن عمار بن زريق عن عمار الدهني سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إن الله تعالى قد آمننا أن يظلمنا ولم يؤمنا أن يفتننا أرأيت إذا أنزلت فتنة كيف أصنع؟

فقال عليك كتاب الله تعالى قال أفرأيت إن جاء قوم كلهم يدعو إلى كتاب الله تعالى. فقال ابن مسعود سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق؛ يعني عمارا.

1013 - عنه روی ابن ديزيل قال حدثنا يحيى بن زكريا قال حدثنا على

ص: 253

ابن القاسم عن سعيد بن طارق عن عثمان بن القاسم عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ألا أدلكم على ما إن تساءلتم عليه لم تهلكوا إن وليكم الله و إن إمامكم علي بن أبي طالب فناصحوه وصدقوه فإن جبريل أخبرني بذلك.

1014 - عنه قال ابن ديزيل: وحدثنا عمرو بن الربيع قال حدثنا السري بن شيبان عن عبد الكريم أن عمر بن الخطاب قال لما طعن يا أصحاب محمد تناصحوا فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان.

قلت إن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد أحد الإمامية قال في بعض كتبه إنما أراد عمر بهذا القول إغراء معاوية و عمرو بن العاص بطلب الخلافة وإطماعهما فيها لأن معاوية كان عامله و أميره على الشام و عمرو ابن العاص عامله و أميره على مصر و خاف أن يضعف عثمان عنها و أن تصير إلى على الالها فألق هذه الكلمة إلى الناس لتنقل إليهما و هما بمصر و الشام فيتغلبا على هذين الإقليمين إن أفضت إلى (علیه السّلام).

الألمعي الذي يظن بك الظن *** كان قد رأى و قد سمعا

المنابع

(1) اصل سليم : 215 الی 221 ،

(2) الغارات: 195 الى 204

(3) الكافي: 352/1 ، إلى 356.

(4) غيبة النعماني: 68 ، الى 73 ،

(5) الاختصاص: 13-81 .

(6) الارشاد (122

(7) امالي المفيد: 104 .

ص: 254

(8) نهج البلاغة: خ 24 - 33 - 42 - 47 - 50 - 54 -63 - 202 - 201 - 74 - 166 - 72 - 70 .

(9) الرسائل 7 - 9 - 10 - 14 - 17 - 30 ، 37 - 39 -48 -55 - 56 - 64 - 65 - 70 - 72 -

(10) امالى الطوسى: 85/1 .

(11) مناقب ابن شهر آشوب: 616/1 الى 627 .

(12) بشارة المصطفى: 14 - 324 - 332

(13) مصنف ابن أبي شيبة: 285/15 ، الى (303،

(14) طبقات ابن سعد: 21/3 ،

(15) وقعة صفين اكثر الصفحات

(16) الاخبار الطوال 155 الی 189 .

(17) الامامة والسياسة: 74 الى 112.

(18) العقد الفريد: 332/4 الى 334 .

(19) تاريخ الطبري: 561/4، الي 576 و 1/5، 63. ،

(20) مروج الذهب: 381/4 .

(21) انساب الاشراف 275 الى 357 .

(22) ترجمة الامام على ،143/3 الى ،172 ،

(23) البدء و التاريخ 217/5 الى 230،

(24) مناقب الخوارزمی ،122 الی 181 .

(25) شرح نهج البلاغة : 95/3 ، الى 100 ، و 30/11، 38/14.

ص: 255

38 -باب مراجعته عليه السلام إلى الكوفة و ماجرى له فيها

1- قال المفيد: من كلامه (علیه السّلام) للخوارج حين رجع إلى الكوفة و هو بظاهرها قبل دخوله إياها:

بعد حمد الله و الثناء عليه اللهم هذا مقام من فلج فيه كان أولى بالفلج یوم القيامة و من نطف فيه أو غل فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا نشدتكم بالله أتعلمون أنهم حين رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله قلت لكم إني أعلم بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن.

إني صحبتهم و عرفتهم أطفالا و رجالا فكانوا شر أطفال و شر رجال امضوا على حقكم وصدقكم إنما رفع القوم لكم هذه المصاحف خديعة و وهنا و مكيدة فرددتم على رأيي و قلتم لا بل نقبل منهم فقلت لكم اذكروا قولي لكم و معصيتكم إياي فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا على ما أحياه القرآن و أن يميتا ما أمات القرآن.

فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما في الكتاب و إن أبيا فنحن من حكمهما برآء فقال له بعض الخوارج فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء فقال (علیه السّلام) إنا لم نحكم الرجال إنما حكمنا القرآن و هذا القرآن.

إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق و إنما يتكلم به الرجال قالوا

ص: 256

له فخبرنا عن الأجل لم جعلته فيها بينك و بينهم قال ليتعلم الجاهل و يتثبت العالم و لعل الله أن يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة ادخلوا مصركم رحمكم الله و دخلوا من عند آخرهم.

2- عنه من كلامه (علیه السّلام) حين نقض معاوية العهد و بعث بالضحاك بن قيس للغارة على أهل العراق فلق عمرو بن عميس بن مسعود فقتله الضحاك وقتل ناسا من أصحابه من أصحابه و ذلك بعد أن حمد الله و أثنى عليه ثم قال يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح و إلى جيش لكم قد أصيب منه طرف اخرجوا فقاتلوا عدوكم و امنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين.

قال فردوا عليه ردا ضعيفا و رأى منهم عجزا و فشلا فقال و الله لوددت أن لي بكل ثمانية منكم رجلا منهم ويحكم اخرجوا معي ثم فروا عني إن بدا لكم فو الله ما أكره لقاء ربي على نيتي و بصيرتي و في ذلك روح لي عظيم و فرج من مناجاتكم ومقاساتكم و مداراتكم مثل ما تداری البكار العمدة أو الثياب المتهترة كلما خيطت من جانب تهتكت من جانب على صاحبها.

3 - عنه من كلامه (علیه السّلام) أيضا فى استنفار القوم و استبطائهم عن الجهاد و قد بلغه مسير بسر بن أرطاة إلى اليمن.

أما بعد أيها الناس فإن أول رفتكم و بدء نقضكم ذهاب أولي النهى و أهل الرأي منكم الذين كانوا يلقون فيصدقون و يقولون فيعدلون و يدعون فيجيبون .

و إني والله قد دعوتكم عودا و بدءا و سرا و جهرا و في الليل و النهار و الغدو والآصال ما يزيدكم دعائي إلا فرارا و إدبارا ما تنفعكم العظة و الدعاء إلى الهدى والحكمة و إني لعالم بما يصلحكم ويقيم لي أودكم

ص: 257

و لكني و الله لا أصلحكم بفساد نفسي و لكن أمهلوني قليلا فكأنكم والله بامرئ قد جاءكم يحرمكم ويعذبكم فيعذبه الله كما يعذبكم.

إن من ذل المسلمين و هلاك الدين أن ابن بني أبي سفيان يدعو الأرذال الأشرار فيجاب وأدعوكم و أنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون و تدافعون ما هذا بفعل المتقين.

4 - عنه من كلامه (علیه السّلام) أيضا في استبطاء من قعد عن نصرته. أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم كلامكم يوهن الصم الصلاب و فعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب تقولون في المجالس كيت و كيت فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد ما عزت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم.

أعاليل أضاليل سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول لا يمنع الضيم الذليل و لا يدرك الحق إلا بالجد أي دار بعد داركم تمنعون.

أم مع أي إمام بعدي تقاتلون المغرور و الله من غررتموه و من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب أصبحت والله لا أصدق قولكم و لا أطمع في نصرتكم.

فرق الله بيني و بينكم و أبدلني بكم من هو خير لي منكم و الله لوددت أن لي بكل عشرة منكم رجلا من بني فراس بن غنم صرف الدينار بالدرهم .

5- عنه من كلامه الا أيضا في هذا المعنى :

بعد حمد الله و الثناء عليه ما أظن هؤلاء القوم يعني أهل الشام إلا ظاهرين عليكم فقالوا له بماذا يا أمير المؤمنين قال أرى أمورهم قد علت و نيرانكم قد خبت و أراهم جادين و أراكم وانين و أراهم مجتمعين وأراكم

ص: 258

متفرقين و أراهم لصاحبهم مطيعين و أراكم لي عاصين أم و الله لئن ظهروا عليكم لتجدنهم أرباب سوء من بعدي لكم.

كأني أنظر إليهم وقد شاركوكم في بلادكم وحملوا إلى بلادهم فيئكم و كأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب لا تأخذون حقا و لا تمنعون الله حرمة و كأني أنظر إليهم يقتلون صالحيكم و يخيفون قراءكم و يحرمونكم و يحجبونكم و يدنون الناس دونكم فلو قد رأيتم الحرمان و الأثرة و وقع السيف و نزول الخوف لقد ندمتم و خسرتم على تفريطكم في جهادهم و تذاكرتم ما أنتم فيه اليوم من الخفض و العافية حين لا ينفعكم التذكار.

6- عنه من كلامه الله لما نقض معاوية بن أبي سفيان شرط الموادعة و أقبل يشن الغارات على أهل العراق.

فقال بعد حمد الله و الثناء عليه ما لمعاوية قاتله الله لقد أرادني على أمر عظيم أراد أن أفعل كما يفعل فأكون قد هتكت ذمتي و نقضت عهدي فيتخذها على حجة فتكون علي شينا إلى يوم القيامة كلما ذكرت فإن قيل له أنت بدأت.

قال ما علمت و لا أمرت فمن قائل يقول قد صدق و من قائل يقول كذب أم و الله إن الله لذو أناة و حلم عظيم لقد حلم عن كثير من فراعنة الأولين و عاقب فراعنة فإن يمهله الله فلن يفوته و هو له بالمرصاد على مجاز طريقه فليصنع ما بدا له.

فإنا غير غادرين بذمتنا و لا ناقضين لعهدنا و لا مروعين لمسلم ولا معاهد حتى ينقضي شرط الموادعة بيننا إن شاء الله.

7- عنه من كلامه (علیه السّلام) في مقام آخر.

الحمد لله وسلام على رسول الله أما بعد فإن رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم)رضيني

ص: 259

لنفسه أخا و اختصني له وزيرا أيها الناس أنا أنف الهدى و عيناه فلا تستوحشوا من طريق الهدى لقلة من يغشاه من زعم أن قاتلي مؤمن فقد قتلنى ألا و إن لكل دم ثائرا يوما ما و إن التاثر في دمائنا و الحاكم في حق نفسه و حق ذوي القربى واليتامى والمساكين و ابن السبيل الذي لا يعجزه ما طلب ولا يفوته من هرب :

« وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ» و أقسم بالله الذي فلق الحبة و برأ النسمة لتنتحرن عليها يا بني أمية و لتعرفنها في أيدي غيركم و دار عدوكم عما قليل و ليعلمن نبأه بعد حين.

8- عنه من كلامه أيضا في معنى ما تقدم:

يا أهل الكوفة خذوا أهبتكم لجهاد عدوكم معاوية و أشياعه قالوا يا أمير المؤمنين أمهلنا يذهب عنا القر.

فقال أم و الله الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ليس بأنهم أولى بالحق منكم و لكن لطاعتهم معاوية و معصيتكم لي و الله لقد أصبحت الأمم كلها تخاف ظلم رعاتها و أصبحت أنا أخاف ظلم لقد رعیتي استعملت منكم رجالا فخانوا و غدروا و لقد جمع بعضهم ما ائتمنته عليه من فيي المسلمين.

فحمله إلى معاوية و آخر حمله إلى منزله تهاونا بالقرآن و جرأة على الرحمن حتى لو أنني ائتمنت أحدكم على علاقة سوط لخانني و لقد أعييتموني ثم رفع يده إلى السماء وقال:

اللهم إني قد سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء القوم و تبرمت الأمل فاتح لي صاحبي حتى أستريح منهم و يستريحوا مني و لن يفلحوا بعدي.

9 - عنه من كلامه (علیه السّلام) في مقام آخر :

ص: 260

أيها الناس إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا و أسمعتكم فلم تجيبوا و نصحت لكم فلم تقبلوا شهود كالغيب أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها و أعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها كأنكم حمر مستنفرة فرت من قسورة و أحتكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا.

ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا تضربون الأمثال و تناشدون الأشعار و تجسسون الأخبار حتى إذا تفرقتم تسألون عن الأسعار جهلة من غير علم و غفلة من غير ورع و تتبعا في غير خوف نسيتم الحرب و الاستعداد لها فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها شغلتموها بالأعاليل و الأباطيل فالعجب كل العجب و ما لي لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم و تخاذلكم عن حقكم.

يا أهل الكوفة أنتم كأم مجالد حملت فأملصت فمات قيمها و طال تأيمها و ورثها أبعدها و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إن من ورائكم للأعور الأدبر جهنم الدنيا لا يبقي و لا يذر و من بعده النهاس الفراس الجموع المنوع ثم ليتوار تنكم من بني أمية عدة ما الآخر بأرأف بكم من الأول.

ليتوارثنكم ما خلا رجلا واحدا بلاء قضاه الله على هذه الأمة لا محالة كائن يقتلون خياركم و يستعبدون أراذلكم ويستخرجون کنوزکم و ذخائركم من جوف حجالكم نقمة بما ضيعتم من أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم يا أهل الكوفة أخبركم بما يكون قبل أن يكون لتكونوا منه على حذر و لتنذروا به من اتعظ و اعتبر .

كأني بكم تقولون إن عليا يكذب كما قالت قريش لنبيها (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و سيدها نبي الرحمة محمد بن عبد الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) حبیب الله فيا ويلكم أفعلى من

ص: 261

أكذب أعلى الله فأنا أول من عبده و وحده أم على رسوله فأنا أول من آمن به و صدقه و نصره كلا و لكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء.

و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لتعلمن نبأه بعد حين و ذلك إذا صيركم إليها جهلكم ولا ينفعكم عندها علمكم فقبحا لكم يا أشباه الرجال و لا رجال حلوم الأطفال و عقول ربات الحجال أم و الله أيها الشاهدة أبدانهم الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواؤهم ما أعز الله نصر من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم.

و لا قرت عين من آواكم كلامكم يوهي الصم الصلاب و فعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب يا ويحكم أي دار بعد داركم تمنعون و مع أي إمام بعدي تقاتلون المغرور و الله من غررتموه من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب أصبحت لا أطمع فى نصركم و لا أصدق قولكم فرق الله بيني و بينكم و أعقبني بكم من هو خير لي منكم و أعقبكم من هو شر لكم مني.

إمامكم يطيع الله و أنتم تعصونه و إمام أهل الشام يعصي الله و هم يطيعونه و الله لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم و أعطاني واحدا منهم والله لوددت أني لم أعرفكم و لم تعرفوني فإنها معرفة جرت ندما.

لقد وريتم صدري غيظا و أفسدتم على أمري بالخذلان و العصيان حتى لقد قالت قريش إن عليا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب الله درهم هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا مني و أشد لها مقاساة لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ثم ها أنا ذا قد ذرفت على الستين لكن لا أمر لمن

لا يطاع أم.

و الله لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه و إن

ص: 262

المنية لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها وترك يده على رأسه و لحيته عهد عهده إلى النبي الأمي و قد خاب من افترى و نجا من اتقى و صدق بالحسنى .

يا أهل الكوفة دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا ونهارا و سرا و إعلانا و قلت لكم اغزوهم فإنه ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا فتواكلتم و تخاذلتم و ثقل عليكم قولي و استصعب عليكم أمري و اتخذتموه وراءكم ظهر يا حتى شنت عليكم الغارات و ظهرت فيكم الفواحش والمنكرات.

تمسیکم و تصبحكم كما فعل بأهل المثلات من قبلكم حيث أخبر الله عن الجبابرة والعتاة الطغاة العتاة الطغاة و المستضعفين الغواة في قوله تعالى «يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَ فِي ذَلِكُمْ بَلاءُ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيم» أم و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لقد حل بكم الذي توعدون عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم و أدبتكم بالدرة فلم تستقيموا و عاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعوا.

و لقد علمت أن الذي يصلحكم هو السيف و ما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي و لكن سيسلط عليكم بعدي سلطان صعب لا يوقر كبيركم ولا يرحم صغيركم و لا يكرم عالمكم ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم وليضربنكم و ليذلنكم و يجنمرنكم في المغازي و يقطعن سبيلكمو ليحجبنكم على بابه حتى يأكل قويكم ضعيفكم.

ثم لا يبعد الله إلا من ظلم منكم و لقل ما أدبر شيء ثم أقبل و إني لأظنكم في فترة و ما علي إلا النصح لكم يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث و اثنتين صم ذوو أسماع و بكم ذوو ألسن و عمي ذوو أبصار لا إخوان صدق عند اللقاء و لا إخوان ثقة عند البلاء اللهم إني قد مللتهم وملوني و سئمتهم وسئموني.

ص: 263

اللهم لا ترض عنهم أميرا و لا ترضهم عن أمير و أمت قلوبهم كما يمات الملح في الماء أم والله لو أجد بدا من كلامكم و مراسلتكم ما فعلت و لقد عاتبتكم في رشدكم حتى لقد سئمت الحياة كل ذلك تراجعون بالهزء من القول فرارا من الحق وإلحادا إلى الباطل الذي لا يعز الله بأهله الدين.

إني لأعلم أنكم لا تزيدونني غير تخسير كلما أمرتكم بجهاد عدوكم اثاقلتم إلى الأرض و سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول إن قلت لكم في القيظ سيروا قلتم الحر شديد و إن قلت لكم في البرد سيروا قلتم القر شديد كل ذلك فرارا عن الجنة.

إذا كنتم عن الحر والبرد تعجزون فأنتم عن حرارة السيف أعجز و أعجز فإنا لله و إنا إليه راجعون يا أهل الكوفة قد أتاني الصريخ يخبرني أن أخا غامد قد نزل الأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف فأغار عليهم كما يغار على الروم و الخزر فقتل بها عاملي ابن حسان و قتل معه رجالا صالحين ذوي فضل و عبادة و نجدة بوأ الله لهم جنات النعيم و أنه أباحها و لقد بلغني أن العصبة أن العصبة من أهل الشام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة.

فيهتكون سترها و يأخذون القناع من رأسها و الخرص من أذنها و الأوضاح من يديها و رجليها و عضديها و الخلخال و المئزر من سوقها فما تمتنع إلا بالاسترجاع و النداء يا للمسلين فلا يغيثها مغيث و لا ينصرها ناصر فلو أن مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما بل كان عندي بارا محسنا.

وا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم قد صرتم غرضا يرمى و لا ترمون و تغزون و لا تغزون و

ص: 264

يعصى الله و ترضون تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب.

10 - عنه من كلامه (علیه السّلام) في تظلمه من أعدائه ودافعيه عن حقه .

ما رواه العباس بن عبيد الله العبدي عن عمرو بن شمر عن رجاله قالوا سمعنا أمير المؤمنين على بن أبي طالب (علیه السّلام) يقول ما رأيت منذ بعث الله محمدا (صلّی الله علیه و آله و سلّم) رخاء والحمد لله والله لقد خفت صغيرا و جاهدت كبيرا أقاتل المشركين و أعادي المنافقين حتى قبض الله نبيه (علیه السّلام) .

فكانت الطامة الكبرى فلم أزل حذرا وجلا أخاف أن يكون ما لا يسعني معه المقام فلم أر بحمد الله إلا خيرا و الله ما زلت أضرب بسيفي صبيا حتى صرت شيخا و إنه ليصبرني على ما أنا فيه إن ذلك كله في الله و رسوله و أنا أرجو أن يكون الروح عاجلا قريبا فقد رأيت أسبابه.

قالوا فما بقى بعد هذه المقالة إلا يسيرا حتى أصيب (علیه السّلام).

11- عنه روى عبد الله بن بكير الغنوي عن حكيم بن جبير قال حدثنا من شهد عليا (علیه السّلام) بالرحبة يخطب فقال فيما قال أيها الناس إنكم قد أبيتم إلا أن أقول أما و رب السموات والأرض لقد عهد إلي خليلي أن الأمة ستغدر بك من بعدي.

12 - عنه روى إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأودي قال سمعت عليا (علیه السّلام) يقول إن فيا عهد إلى النبي الأمي أن الأمة ستغدر بك من بعدي.

13 - قال الرضى: روي أنه (علیه السّلام) لما ورد الكوفة قادما من صفين مر بالشباميين فسمع بكاء النساء على قتلى صفين و خرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي وكان من وجوه قومه فقال (علیه السّلام) له:

أ تغلبكم نساؤكم على ما أسمع ألا تنهونهن عن هذا الرنين و أقبل

ص: 265

حرب يمشي معه و هو (علیه السّلام) راكب فقال (علیه السّلام) :

أرجع فإن مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي و مذلة للمؤمن.

14 - قال :الثقفي قال: لما بايع أهل البصرة عليّا (علیه السّلام) بعد الهزيمة دخلوا في الطاعة غير بني - ناجية فانّهم عسكروا، فبعث إليهم علي (علیه السّلام) رجلا من أصحابه في خيل ليقاتلهم.

فأتاهم فقال: ما بالكم عسكرتم و قد دخل النّاس في الطاعة غيركم فافترقوا ثلاث فرق فرقة قالوا:

كنا نصارى فأسلمنا و دخلنا فيما دخل فيه النّاس من الفتنة و نحن نبايع كما بايع الناس، فأمرهم فاعتزلوا، و فرقة قالوا: كنا نصارى و لم نسلم فخرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا، قهرونا فأخرجونا كرها فخرجنا معهم فهزموا فنحن ندخل فيما دخل فيه النّاس و نعطيكم الجزية كما أعطيناهم، فقال لهم اعتزلوا و فرقة قالوا انا كنّا نصارى فأسلمنا فلم يعجبنا الإسلام فرجعنا الى النصرانية فنحن نعطيكم الجزية كما أعطاكم النصارى.

فقال لهم: توبوا و ارجعوا الى الإسلام، فأبوا، فقتل مقاتلتهم و سبى ذراريهم فقدم بهم على على (علیه السّلام) .

15- عنه قال: و شهد الخريت بن راشد الناجي و أصحابه مع عليّ عليه السّلام صفّين. فجاء الخريت الى على (علیه السّلام) في ثلاثين راكبا من أصحابه يمشي بينهم حتى قام بين يدي علي (علیه السّلام) فقال له: و الله لا أطيع أمرك و لا أصلي خلفك، و انّى غدا لمفارق لك، قال: و ذاك بعد وقعة صفين و بعد تحكيم الحكمين، فقال له علي (علیه السّلام) :

ثكلتك امك، إذا تنقض عهدك و تعصي ربّك، و لا تضر الا نفسك،

ص: 266

أخبرني لم تفعل ذلك؟ - قال: لأنك حكمت في الكتاب وضعفت عن الحق إذ جدّ الجد، و ركنت الى القوم الذين ظلموا أنفسهم، فأنا عليك راد و عليهم ناقم، و لكم جميعا مباين .

فقال له علي (علیه السّلام): ويحك هلم الي أدارسك الكتاب و أناظرك في السنن، و أفاتحك أمورا من الحق أنا أعلم بها منك، فلعلك تعرف ما أنت له الآن منكر، و تستبصر ما أنت به الآن عنه عم و به جاهل، فقال الخريت: فانى عائد عليك غدا.

فقال له علي (علیه السّلام): أغد و لا يستهوينك الشيطان و لا يتقحمن بك رأى السوء، و لا يستخفنّك الجهلاء الذين لا يعلمون، فو الله لئن استرشدتني و استنصحتني و قبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد، فخرج الخريت من عنده منصرفا الى أهله.

16 - عنه قال عبد الله بن قعين فعجلت في أثره مسرعا و كان لي من بني عمّه صديق فأردت أن ألقى ابن عمه في ذلك فاعلمه بما كان من قوله لأمير المؤمنين و ما ردّ عليه و آمر ابن عمّه ذلك أن يشتد بلسانه عليه و أن يأمره بطاعة أمير المؤمنين و مناصحته و يخبره أنّ ذلك خير له في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.

قال: فخرجت حتى انتهيت الى منزله و قد سبقني فقمت عند باب داره و في داره رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا معه دخوله على عليّ عليه السّلام فو الله ما رجع ولا ندم على ما قال لأمير المؤمنين و ما ردّ عليه ثمّ قال لهم: يا هؤلاء إنّي قد رأيت أن أفارق هذا الرجل و قد فارقته على أن أرجع إليه من غد و لا أراني الا مفارقه فقال أكثر أصحابه: لا تفعل حتى تأتيه، فان أتاك بأمر تعرفه قبلت منه و ان كانت الأخرى فما أقدرك

ص: 267

على فراقه، فقال لهم: نعم ما رأيتم.

قال: ثم استأذنت عليهم فأذنوا لي فأقبلت على ابن عمه و هو مدرك بن الرّيان النّاجى و كان من كبراء العرب فقلت له: انّ لك عليّ حقا لإخائك و ودّك و لحق المسلم على المسلم ان ابن عمّك كان منه ما قد ذكر لك فأخل به و اردد عليه رأيه و عظم عليه ما أتى، واعلم أنني خائف ان فارق أمير المؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته.

فقال: جزاك الله خيرا من أخ فقد نصحت و أشفقت ان أراد صاحبي فراق أمير المؤمنين فارقته و خالفته و كنت أشدّ النّاس عليه و أنا بعد خال به و مشير عليه بطاعة أمير المؤمنين و مناصحته و الاقامة معه و في ذلك حطّه و رشده، فقمت من عنده و أردت الرجوع الى على (علیه السّلام) لأعلمه الذي كان، ثمّ اطمأننت الى قول صاحبي فرجعت الى منزلي فبت به ثم أصبحت.

فلما ارتفع النّهار أتيت أمير المؤمنين (علیه السّلام) فجلست عنده ساعة و أنا أريد أن احدثه بالذي كان من قوله لي على خلوة فأطلت الجلوس فلم يزدد النّاس الا كثرة فدنوت منه فجلست وراءه فأصغى الي برأسه فأخبرته بما سمعت من الخريت و ما قلت لابن عمه و ما ردّ علي.

فقال : دعه فان قبل الحق و رجع عرفنا ذلك له و قبلناه منه، و ان أبي طلبناه، فقلت: يا أمير المؤمنين فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه ؟ - فقال: انا لو فعلنا هذا لكلّ من نتهمه من النّاس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب على الناس و الحبس لهم و عقوبتهم حتى يظهروا لنا الخلاف.

قال: فسكت عنه و تنحيت فجلست مع أصحابي ثم مكثت ما شاء الله معهم ثم قال لي علي (علیه السّلام): ادن مني فدنوت منه ثم قال لي مسرا : اذهب

ص: 268

الى منزل الرّجل فأعلم لي ما فعل؟ فانّه قلّ يوم لم يكن يأتيني فيه الا قبل هذه الساعة، قال: فأتيت منزله فإذا ليس فى منزله منهم ديار، فدرت على أبواب دور اخرى كان فيها طائفة اخرى من أصحابه فإذا ليس فيها داع و لا مجيب .

فأقبلت الى علي (علیه السّلام) فقال لي حين رآني أأمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا؟ قلت بل ظعنوا قال أبعدهم الله كما بعدت نمود، أما والله لو قد أشرعت لهم الأسنّة وصبّت على هامهم السيوف لقد ندموا، ان الشيطان قد استهواهم فأضلّهم و هو غدا متبرّئ منهم ومخلّ عنهم.

فقام إليه زياد بن خصفة فقال: يا أمير المؤمنين أنه لو لم يكن من مضرة هؤلاء الا فراقهم إيانا لم يعظم فقدهم علينا فنأسى عليهم فانهم قلّما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا و لقلّما ينقصون من عددنا بخروجهم منا و لكنّا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك، فاذن لي في اتباعهم حتى أردّهم عليك إن شاء الله.

فقال له علي (علیه السّلام): اخرج في آثارهم راشدا، فلما ذهب ليخرج قال عليه السّلام له و هل تدري أين توجّه القوم؟ - فقال لا و الله و لكنّي

أخرج فأسأل و أتبع الأثر، فقال له علي (علیه السّلام) : اخرج - رحمك الله - حتى تنزل دير أبي موسى ثم لا تبرحه حتى يأتيك أمري فانّهم ان كانوا قد خرجوا ظاهرين بارزين للنّاس في جماعة فانّ عمّالي ستكتب الي بذلك، و ان كانوا متفرّقين مستخفين فذلك أخف لهم، و سأكتب الى من حولي من عمّالي فيهم.

17 - عنه فكتب نسخة واحدة و أخرجها الى العمّال:

بسم الله الرّحمن الرّحيم، من عبد الله عليّ أمير المؤمنين الى من قرأ

ص: 269

كتابي هذا من العمّال:

أمّا بعد فانّ رجالا لنا عندهم بيعة خرجوا هرابا فنظنّهم وجهوا نحو بلاد البصرة فاسأل عنهم أهل بلادك و اجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك ثم اكتب الى بما ينتهي إليك عنهم، و السلام.

فخرج زیاد بن خصفة حتى أتى داره فجمع أصحابه فحمد الله و أثنى عليه ثمّ قال: أما بعد يا معشر بكر بن وائل فان أمير المؤمنين ندبنى لأمر من أموره مهمّ له و أمرني بالانكماش فيه بالعشيرة حتى آتي أمره و أنتم شيعته وأنصاره و أوثق حي من أحياء العرب في نفسه، فانتدبوا معي في هذه الساعة و عجّلوا.

قال: فو الله ما كان الا ساعة حتى اجتمع إليه منهم مائة رجل و نيف و عشرون أو ثلاثون فقال: اكتفينا، لا نريد أكثر من هؤلاء.

قال: فخرج زياد حتى قطع الجسر ثم أتى دير أبي موسى فنزله فأقام به بقيّة يومه ذلك ينتظر أمر أمير المؤمنين (علیه السّلام).

18 - عنه قال: حدثني ابن أبي سيف، عن أبي الصلت التيمي، عن أبي سعيد، عن عبد الله بن و أل التيمي قال: انّي و الله لعند أمير المؤمنين (علیه السّلام) إذ جاءه فيج بكتاب يسعى من قرظة بن كعب بن عمرو الأنصاري و كان أحد عمّاله فيه:

بسم الله الرّحمن الرّحيم، لعبد الله عليّ أمير المؤمنين من قرظة بن كعب: سلام عليك، فانّي أحمد إليك الله الذي لا إله الا هو أما بعد فانّي أخبر أمير المؤمنين أنّ خيلا مرّت بنا من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر و أن رجلا من دهاقين أسفل الفرات قد أسلم وصلّى.

يقال له: زاذان فروخ أقبل من قبل إخوان له بناحية نفّر فلقوه فقالوا

ص: 270

له: أمسلم أنت أم كافر ؟ قال : بل مسلم قالوا: ما قولك في علي بن أبي طالب :قال قولى فيه خير أقول أنّه أمير المؤمنين و وصی رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و سيّد البشر ، فقالوا له: كفرت يا عدو الله ثم حملت عليه عصابة منهم.

فقطعوه بأسيافهم و أخذوا معه رجلا من أهل الذمة يهوديًا فقالوا له: ما دينك؟ - قال: يهودي، فقالوا: خلّوا سبيل هذا، لا سبيل لكم عليه، فأقبل إلينا ذلك الذّمّيّ فأخبرنا هذا الخبر و قد سألت عنهم فلم يخبرني عنهم أحد بشيء فليكتب الي أمير - المؤمنين فيهم برأيه أنتهي إليه، والسّلام. فكتب

اليه على (علیه السّلام).

أما بعد فقد فهمت كتابك و ما ذكرت من أمر العصابة التي مرّت بعملك فقتلت المرء المسلم و أمن عندهم المخالف المشرك و انّ أولئك قوم استهواهم الشيطان فضلوا وكانوا كالذين حسبوا ألا تكون فتنة «فَعَمُوا وَ صَمُّوا»فأسمع بهم و أبصر يوم تختبر أحوالهم، فالزم عملك و أقبل على خراجك فانّك كما ذكرت في طاعتك ونصيحتك، و السلام.

قال: وكتب على (علیه السّلام) الى زياد بن خصفة : أما بعد فقد كنت أمرتك أن تنزل دير أبي موسى حتى يأتيك أمري و ذلك أني لم أكن علمت أين توجّه القوم و قد بلغني أنهم أخذوا نحو قرية من قرى السواد يقال لها نفر فاتبع آثارهم و سل عنهم فانّهم قد قتلوا رجلا مسلما من أهل - السواد مصليا فإذا أنت لحقتهم فارددهم الى فان أبوا فناجزهم و استعن بالله عليهم فانّهم ، قد فارقوا الحق وسفكوا الدّم الحرام، و أخافوا السبيل و السّلام.

قال عبد الله بن وأل فأخذت الكتاب منه و خرجت من عنده و أنا يومئذ شاب حدث فمضيت به غير بعيد فرجعت إليه فقلت: يا أمير المؤمنين

ص: 271

ألا أمضي مع زياد بن خصفة الى عدوّك إذا دفعت إليه الكتاب؟ - فقال: يا ابن أخي افعل، فو الله اني لأرجو أن تكون من أعواني على الحق و أنصاري على القوم الظالمين، فقلت: يا أمير المؤمنين أنا والله كذلك و من أولئك و أنا الله حيث تحبّ. قال ابن وأل: فو الله ما أحبّ أنّ لي بمقالة علي (علیه السّلام)حمر النّعم.

قال: ثمّ مضيت الى زياد بكتاب على (علیه السّلام) و أنا على فرس لي رائع كريم و علي السلاح، فقال لي زياد يا ابن أخي و الله ما لي عنك من غنى و انّي لاحبّ أن تكون معي في وجهي هذا، فقلت له: اني قد استأذنت أمير المؤمنين في ذلك فأذن لي فسر بذلك ثم أنا خرجنا حتى أتينا الموضع الذي كانوا فيه، فسألنا عنهم فقيل لنا انهم قد أخذوا نحو المدائن.

فلحقناهم و هم نزول بالمدائن و قد أقاموا بها يوما وليلة و قد استراحوا و أعلفوا دوابهم فهم جامون مريحون، و أتيناهم وقد انقطعنا لغبنا و نصبنا، فلما رأونا وثبوا على خيولهم واستووا عليها و جئنا حتى انتهينا إليهم فواقفناهم فنادانا صاحبهم الخرّيت بن راشد يا عميان القلوب و الابصار أمع الله أنتم و مع كتابه وسنّة نبيه أم مع القوم الظالمين؟

فقال له زياد بن خصفة: لا، بل و الله نحن نحن مع الله و کتابه و سنّة رسوله و مع من الله و رسوله و كتابه آثر عنده من الدنيا ثوابا و لو أنها منذ يوم خلقت الى يوم تفنى لآثر الله عليها أيها العمي الابصار و الصم القلوب و الأسماع.

فقال لنا الخرّيت: أخبروني ما تريدون؟ - فقال له زياد و كان مجرّبا رفیقا :

قد ترى ما بنا من النصب و اللغوب و الذي جئنا له لا يصلحه الكلام

ص: 272

علانية على رءوس أصحابك و لكن انزلوا و ننزل ثم نخلو جميعا فنذاكر أمرنا و ننظر فيه، فان رأيت فيما جئنا له حظا لنفسك قبلته، و ان رأيت فيها أسمع منك أمرا أرجو فيه العافية لنا و لك لم أردده عليك، فقال له الخرّيت: انزل، فنزل .

ثم أقبل إلينا زياد فقال: انزلوا على هذا الماء فأقبلنا حتى انتهينا الى الماء فنزلنا به فما هو الا أن نزلنا فتفرقنا ثم تحلّقنا عشرة و تسعة و ثمانية سبعة يضعون طعامهم بين أيديهم فيأكلون ثم يقومون الى ذلك الماء فيشربون، فقال لنا زياد علّقوا على خيولكم فعلقنا عليها مخاليها، و وقف زياد في خمسة فوارس أحدهم عبد الله بن وأل فوقف بيننا و بين القوم فانطلق القوم فتنحوا ناحية فنزلوا و أقبل إلينا زياد.

فلما رأى تفرّقنا و تحلّقنا قال: سبحان الله أنتم أصحاب حرب و الله لو أنّ هؤلاء القوم جاء وكم الساعة على هذه الحال ما أرادوا من غرتكم أفضل من حالكم التي أنتم عليها، عجّلوا قوموا الى خيولكم، فأسرعنا و تحشحشنا فمنا من يتوضأ، و منا من يشرب و منا من يسقي فرسه، حتى إذا فرغنا من ذلك كلّه أتينا زيادا و إذا في يده عرق ينهش.

فنهشه نهشتين أو ثلاثا ثم أتى بإداوة فيها ماء فشرب منه ثم ألق العرق من يده ثم قال: يا هؤلاء إنا قد لقينا العدوّ و إن القوم لفي عدّتكم و لقد حرزتكم و إيّاهم فما أظنّ أحد الفريقين يزيد على الآخر خمسة نفر، و و الله إنّي ما أرى أمركم و أمرهم إلّا يصير إلى القتال، فان كان ذلك فلا تكونوا أعجز الفريقين.

قال: ثم قال لنا: ليأخذ كل رجل منكم بعنان فرسه حتى أدنو منهم و أدعو إلى صاحبهم فأكلمه فان تابعني على ما أريد و إلا فإذا دعوتكم

ص: 273

فاستووا على متون خيلكم ثم أقبلوا إلي معا غير متفرقين، فاستقدم أمامنا و أنا معه معه فسمعت رجلا من القوم يقول: جاءكم القوم و هم كالون معيون و أنتم جامون مريحون.

فتركتموهم حتى نزلوا و أكلوا واشربوا و أراحوا دواتهم، هذا و الله سوء الرّأى، و الله لا يرجع الأمر بكم و بهم إلا إلى القتال فسكتوا و انتهينا إليهم و دعا زياد بن خصفة صاحبهم الخرّيت فقال له: اعتزل فلننظر في أمرنا فأقبل إليه في خمسة نفر، فقلت لزياد: أدعو لك ثلاثة نفر من أصحابنا حتى نلقاهم في عددهم؟ فقال: ادع من أحببت منهم، فدعوت له ثلاثة فكنا خمسة و هم خمسة.

فقال له زياد: ما الّذي نقمت على أمير المؤمنين و علينا إذ فارقتنا؟ - فقال له الخرّيت: لم أرض بصاحبكم إماما، و لم أرض بسيرتكم سيرة فرأيت أن أعتزل و أكون مع من يدعو إلى الشّورى من النّاس، فإذا اجتمع النّاس على رجل هو لجميع الأمّة رضي كنت مع النّاس.

فقال له زياد: ويحك و هل يجتمع النّاس على رجل منهم يداني عليّا صاحبك الذي فارقته علما بالله و بكتابه وسنة رسوله مع قرابته منه (صلّی الله علیه و آله و سلّم) سابقته في الإسلام؟ فقال الخريت ذلك ما أقول لك. فقال له زياد: ففيم قتلت ذلك الرّجل المسلم ؟ فقال له :الخريت: ما أنا قتلته إنما قتلته طائفة من أصحابي.

فقال له :زياد فادفعهم إلى فقال له الخرّيت ما إلى ذلك سبيل، فقال له زياد و كذلك أنت فاعل؟ قال: هو ما تسمع.

قال: فدعونا أصحابنا، ودعا الخريت أصحابه ثم اقتتلنا فو الله ما رأيت قتالا مثله منذ خلقني الله ، لقد تطاعنا بالرماح حتى لم يبق في أيدينا

ص: 274

رمح، ثم اضطربنا بالسيوف حتى انحنت و عقرت عامّة خيلنا و خيلهم، و كثرت الجراح فيما بيننا وبينهم وقتل منا رجلان مولى لزياد.

كانت معه رايته يدعى سويدا، و رجل من الأبناء يدعى واقد بن بكر، و صرعنا منهم خمسة نفر و حال الليل بيننا و بينهم و قد و الله كرهونا و ،کرهناهم و هرونا و هر رناهم و قد جرح زياد و جرحت ثمّ إنّا بتنا في جانب و تنحوا فمكثوا ساعة من الليل.

ثمّ إنّهم مضوا و ذهبوا، فأصبحنا فوجدناهم قد ذهبوا، فو الله ما كرهنا ذلك، فمضينا حتى أتينا البصرة وبلغنا أنهم أتوا الأهواز فنزلوا في جانب منها فتلاحق بهم ناس من أصحابهم نحو مائتين كانوا معهم بالكوفة و لم يكن معهم من القوّة ما ينهضهم معهم حين نهضوا فاتبعوهم من بعد فلحقوهم بأرض الأهواز فأقاموا معهم.

19 - عنه قال: وكتب زياد بن خصفة إلى علي(علیه السّلام) :

أما بعد فإنا لقينا عدوّ الله النّاجى و أصحابه بالمدائن، فدعوناهم إلى الهدى و الحق وكلمة السواء فتولّوا عن الحق فأخذتهم العزة بالإثم «وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ» فقصدونا و صمدنا صمدهم فاقتتلنا قتالا شديدا ما بين قائم الظهيرة إلى أن دلكت الشمس و استشهد منا رجلان صالحان و أصيب منهم خمسة نفر و خلّوا لنا المعركة و قد فشت فينا وفيهم الجراح.

ثم إن القوم لما ألبسهم الليل خرجوا من تحته متنكرين الى أرض الأهواز و قد بلغني أنهم نزلوا منها جانبا، و نحن بالبصرة نداوى جراحنا و ننتظر أمرك - رحمك الله - و السلام.

قال: فلما أتيته بكتابه قرأه على النّاس فقام إليه معقل بن قيس فقال:

ص: 275

أصلحك الله يا أمير المؤمنين انّما كان ينبغي أن يكون مكان كل رجل من هؤلاء الذين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين فإذا لحقوهم استأصلوا شأفتهم و قطعوا دابرهم فأما أن يلقاهم أعدادهم فلعمري ليصبرنّ لهم فانّهم قوم عرب و العدّة تصبر للعدّة وتنتصف منها فيقاتلون كلّ القتال.

فقال له علي (علیه السّلام) : تجهز يا معقل إليهم، وندب معه ألفين من أهل الكوفة فيهم يزيد بن المغفّل وكتب الى عبد الله بن العباس بالبصرة:

أمّا بعد فابعث رجلا من قبلك صليبا شجاعا معروفا بالصلاح في ألفي رجل من أهل البصرة فليتبع معقل بن قيس فإذا خرج من أرض البصرة فهو أمير أصحابه حتى يلق معقلا، فإذا لقيه فمعقل أمير الفريقين فليسمع منه و ليطعه و لا يخالفه و مر زياد ابن خصفة فليقبل إلينا، فنعم المرء زياد و نعم القبيل قبيله و السلام.

20 - عنه قال: وكتب علي (علیه السّلام) الى زياد بن خصفة:

أمّا بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت به الناجى و أصحابه «الَّذِينَ طَبَعَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ» وَ زَيَّنَ هُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ» فهم حيارى عمون، «يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»، و وصفت ما بلغ بك و بهم بهم الأمر، فأما أنت و أصحابك فلله سعيكم وعليه جزاؤكم و أيسر ثواب الله للمؤمن خير له من الدنيا التي يقبل الجاهلون بأنفسهم عليها، ف «ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ».

و أمّا عدوّكم الذين لقيتموهم فحسبهم بخروجهم من الهدى و ارتكاسهم في الضلال و ردّهم الحق و جماحهم في التيه فذرهم و ما يفترون و دعهم في طغيانهم يعمهون، فأسمع بهم و أبصر فكأنك بهم عن قليل بين

ص: 276

أسير وقتيل، فأقبل إلينا أنت و أصحابك مأجورين، فقد أطعتم و سمعتم و أحسنتم البلاء، و السّلام.

قال: و نزل النّاجى جانبا من الأهواز و اجتمع إليه علوج من أهلها كثير ممن أراد كسر الخراج و من اللصوص وطائفة أخرى من الأعراب ترى رأيه.

21 - عنه عن عبد الله بن قعين قال: كنت أنا و أخي كعب بن قعين في ذلك الجيش مع معقل بن قيس فلما أراد الخروج أتى عليا (علیه السّلام) يودعه فقال له على (علیه السّلام): يا معقل اتق الله ما استطعت فانّها وصيّة الله للمؤمنين، لا تبغ على أهل القبلة و لا تظلم أهل الذمة، ولا تتكبر فانّ الله لا يحبّ المتكبرين.

فقال معقل: الله المستعان، فقال خير مستعان ثم قام فخرج و خرجنا معه حتى نزل الأهواز فأقمنا ننتظر أهل البصرة فأبطئوا علينا، فقام معقل فقال يا أيّها النّاس أنا قد انتظرنا أهل البصرة و قد أبطئوا علينا و ليس بنا بحمد الله قلّة و لا وحشة الى النّاس فسيروا بنا الى هذا العدوّ القليل الذليل.

فانّي أرجو أن ينصركم الله و أن يهلكهم، فقام إليه أخي كعب بن قعين فقال: أصبت إن شاء الله، رأينا رأيك و انّي لأرجو أن ينصرنا الله عليهم و ان كانت الأخرى فانّ في الموت على الحق لتعزية عن الدنيا، فقال: سيروا على بركة الله، فسرنا، فو الله ما زال معقل بن قيس لي مكرما موادا ما يعدل بي أحدا من الجند.

قال: و لا يزال يقول لأخي: كيف قلت: انّ في الموت على الحق لتعزية عن الدنيا، صدقت و الله و أحسنت و وفقت - وفقك الله - قال: فو الله ما سرنا يوما و إذا بفيج يشتدّ بصحيفة في يده من عبد الله بن عباس الى

ص: 277

معقل بن قيس :

أما بعد فان أدركك رسولي بالمكان الذي كنت مقيما به أو أدركك و قد شخصت منه فلا تبرحنّ من المكان الذي ينتهي إليك رسولي فيه حتى يقدم عليك بعثنا الّذي وجّهناه إليك و قد وجهنا إليك خالد معدان الطائي و هو من أهل الدين والصلاح و البأس و النجدة فاسمع منه، و اعرف ذلك له إن شاء الله، و السلام.

قال: فقرأ معقل بن قيس كتابه على أصحابه فسروا به و حمدوا الله و قد كان ذلك الوجه هالهم.

قال: فأقمنا حتى قدم الطائي علينا و جاءنا حتى دخل على صاحبنا فسلّم عليه بالإمرة و اجتمعا جميعا في عسكر واحد، ثم خرجنا الى الناجي و أصحابه فأخذوا يرتفعون نحو جبال رامهرمز يريدون قلعة بها حصينة و جاءنا أهل البلد فأخبرونا بذلك، فخرجنا في آثارهم نتبعهم فلحقناهم و قد دنوا من الجبل فصففنا لهم.

ثم أقبلنا نحوهم، فجعل معقل على ميمنته يزيد بن المغفّل الازدي، و على ميسرته منجاب بن راشد الصّبي من بني السيد من أهل البصرة، فوقف الخريت بن راشد النّاجي فيمن معه من العرب فكانوا ميمنة، و جعل أهل البلد و العلوج و من أراد كسر الخراج و جماعة من الأكراد ميسرة.

قال: و سار فينا معقل يحرّضنا و يقول لنا يا عباد الله لا تبدءوا القوم و غضوا الأبصار ، و أقلّوا الكلام و وطنوا أنفسكم على الطعن و الضّرب، و أبشروا في قتالهم بالأجر العظيم، انما تقاتلون مارقة مرقت من الدين و علوجا منعوا الخراج و لصوصا و أكرادا، انظروني فإذا حملت فشدّوا شدّة رجل واحد.

ص: 278

قال: فمرّ في الصّفّ كلّه يقول لهم هذه المقالة حتى إذا مر بالنّاس كلهم أقبل فوقف وسط الصف في القلب و نظرنا إليه ما يصنع فحرك رايته تحريكتين، ثم حمل في الثالثة وحملنا معه جميعا، فو الله ما صبروا لنا ساعة واحدة حتى ولّوا و انهزموا وقتلنا سبعين عربيًا من بني ناجية و من بعض من اتبعه من العرب، وقتلنا نحو ثلاث مائة من العلوج و الأكراد.

قال كعب بن قعين: و نظرت فيمن قتل من العرب فإذا صديقى مدرك بن الرّيان قتيلا، و خرج الخرّيت منهزما حتى لحق بسيف من أسياف البحر و بها جماعة من قومه كثير، فما زال يسير فيهم و يدعوهم إلى خلاف عليّ عليه السّلام و يزيّن لهم فراقه و يخبرهم أنّ الهدى في فراقه و حربه و مخالفته حتى اتبعه منهم ناس كثير.

و أقام معقل بن قيس بأرض الأهواز وكتب الى علي (علیه السّلام) معى بالفتح و كنت أنا الذي قدم بالكتاب عليه و كان في الكتاب: بسم الله الرّحمن الرحيم، لعبد الله على أمير المؤمنين من معقل بن قيس، سلام عليك.

فانّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أمّا بعد فانا لقينا المارقين وقد استظهروا علينا بالمشركين فقتلنا منهم ناسا كثيرا و لم نتعدّ فيهم سيرتك فلم نقتل منهم مدبرا و لا أسيرا، و لم نذفّف منهم على جريح، و قد نصرك الله و المسلمين و الحمد لله ربّ العالمين و السّلام.

قال: فقدمت بالكتاب فقرأه أمير المؤمنين على أصحابه و استشارهم في الرّأي فاجتمع رأي عامتهم على قول واحد فقالوا: يا أمير المؤمنين نرى أن تكتب الى معقل ابن قيس أن يتبع آثارهم و لا يزال في طلبهم حتى يقتلهم أو ينفيهم من أرض الإسلام فانا لا نأمن أن يفسد عليك الناس، قال: فردني إليه و كتب معي:

ص: 279

أمّا بعد فالحمد فالحمد لله على تأييد أوليائه و خذلان أعدائه جزاك الله و المسلمين خيرا.

فقد أحسنتم البلاء ، و قضيتم ما عليكم، وسل عن أخي بني ناجية، فان بلغك أنه قد استقر ببلد من بلاد المسلمين فسر إليه حتى تقتله أو تنفيه،

فانّه لن يزال للمسلمين عدوّا و للقاسطين وليا ما بقى و السلام.

قال: فسأل معقل عن مسيره و المكان الذي انتهى إليه فن بمكانه بالأسياف أسياف فارس، و أنه قد ردّ قومه عن طاعة علي و أفسد من قبله من عبد القيس و من والاهم من سائر العرب وكان قومه قد منعوا الصدقة عام صفّين و منعوها في ذلك العام أيضا فكان عليهم عقالان فسار اليهم معقل بن قيس في ذلك الجيش من أهل الكوفة و أهل البصرة.

فأخذوا على أرض فارس حتى انتهوا إلى أسياف البحر، فلما سمع الخريت بن راشد بمسيره أقبل على من كان معه من أصحابه ممن يرى رأي الخوارج، فأسر إليهم انّي أرى رأيكم فانّ عليا لم ينبغ له أن يحكم الرّجال في أمر الله، وقال للآخرين من أصحابه مسرًا إليهم:

ان عليّا قد حكم حكما ورضي به فخلعه حكمه الذي ارتضاه لنفسه فقد رضيت أنا من قضائه و حكمه ما ارتضاه لنفسه، وهذا كان الرّأي الّذي خرج عليه من الكوفة، وقال مسرًا لمن يرى رأي عثمان أنا والله على رأيكم و قد قتل عثمان مظلوما معقولا.

و قال لمن منع الصدقة: شدّوا أيديكم على صدقاتكم ثم صلوا بها أرحامكم وعودوا بها ان شئتم على فقرائكم فأرضى كل صنف منهم بضرب من القول وأراهم أنه على رأيهم.

قال: و كان فيهم نصارى كثير و قد كانوا أسلموا، فلما اختلف الناس

ص: 280

بينهم، قالوا: و الله لديننا الذي خرجنا منه خير و أهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء و اخافة السبل، فرجعوا الى دينهم.

فلقي الخريت أولئك فقال: ويحكم أنّه لا ينجيكم من القتل الا الصبر لهؤلاء القوم و قتالهم. أتدرون ما حكم علي فيمن أسلم من النّصارى.

ثمّ رجع الى النصرانية؟ أنّه لا والله لا يسمع له قولا و لا يرى له عذرا و لا يقبل منه ،توبة و لا يدعوه اليها و أنّ حكمه فيه لضرب عنقه ساعة يستمكن منه فما زال حتى جمعهم و خدعهم، و جاء من كان من بني ناجية في تلك الناحية و من غيرهم فاجتمع إليه ناس كثير .

22 - عنه قال: وحدثني ابن أبي سيف عن الحارث بن كعب عن أبي الصديق الناجي .

قال: ففعل هذا الخرّيت بالنّاس وجمعهم بالخديعة و المكر و كان منكرا داهيا. فلما رجع معقل قرأ على أصحابه كتابا من علي (علیه السّلام) فيه :

بسم الله الرّحمن الرّحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين الى من قرئ عليه كتابي هذا من المسلمين و المؤمنين و المارقين و النصارى و المرتدين سلام على من اتبع الهدی و آمن بالله و رسوله وكتابه والبعث بعد الموت وافيا بعهد الله و لم يكن من الخائنين.

أما بعد فانّى أدعوكم الى كتاب الله وسنّة نبيّه، و أن أعمل فيكم بالحق و بما أمر الله تعالى به في كتابه، فمن رجع منكم الى رحله و كف يده و اعتزل هذا المارق الهالك المحارب الذي حارب الله و رسوله و المسلمين و سعى في الأرض فسادا فله الأمان على ماله و دمه، و من تابعه على حربنا و الخروج من طاعتنا استعنا بالله عليه و جعلنا الله بيننا و بينه و كفى بالله وليا، والسّلام.

ص: 281

قال: فأخرج معقل راية أمان فنصبها وقال: من أتاها من الناس فهو آمن الّا الخرّيت و أصحابه الذين نابذوا أوّل مرّة، فتفرق عن الخرّيت كل من كان معه من غير ،قومه و عبّاً معقل بن قيس أصحابه فجعل على ميمنته يزيد بن المغفّل الأزدي و على ميسرته المنجاب بن راشد الصبي.

ثمّ زحف بهم نحو الخرّيت وعامة قومه وقد حضر معه جميع قومه مسلمهم و نصرانيهم و مانعوا الصدقة منهم، فجعل مسلميهم ميمنة، و النّصارى و مانعي الصدقة ميسرة.

قال و جعل الخرّيت يومئذ يقول لقومه : امنعوا اليوم حريمكم و قاتلوا عن نسائكم وأولادكم ، فو الله لئن ظهروا عليكم ليقتلتكم و ليسبنّكم.

فقال له رجل من قومه : هذا والله ما جرّته علينا يدك ولسانك، فقال لهم قاتلوا، فقد سبق السيف العذل إيها والله لقد أصابت قومي داهية.

23 -عنه قال: وحدثنا ابن أبي سيف عن الحارث بن كعب عن عبد الله بن قعين قال: سار فينا معقل يحرّض النّاس فيما بين الميمنة و الميسرة و يقول: أيّها النّاس المسلمون ما تدرون أفضل مما سيق إليكم في هذا الموقف من الأجر العظيم، إنّ الله ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة و ارتدوا عن الإسلام ونكثوا البيعة ظلما وعدوانا.

إنّي شهيد لمن قتل منكم بالجنّة، و لمن عاش بأنّ الله يقر عينه بالفتح و الغنيمة، ففعل ذلك حتى مرّ بالنّاس أجمعين، ثم إنه وقف في القلب برايته، و بعث إلى يزيد بن المغفّل و هو في الميمنة:

أن احمل عليهم، فحمل، فثبتوا له فقاتلوا قتالا شديدا، ثم إنه انصرف حتّى وقف موقفه الذي كان فيه من الميمنة، ثم بعث إلى المنجاب بن راشد

ص: 282

الضّيّ و هو في الميسرة: أن احمل عليهم فحمل، فثبتوا له، فقاتلوا قتالا شديدا طويلا، ثمّ إنّه رجع حتى وقف موقفه الذي كان فيه من الميسرة، ثمّ

إنّ معقلا بعث إلى ميمنته و ميسرته إذا حملت فاحملوا جميعا، فحرك دابته ضربها ثم حمل و حمل أصحابه جميعا فصبروا لهم ساعة.

ثمّ إنّ النّعمان بن صهبان الرّاسبي بصر بالخرّيت فحمل عليه فضربه فصرعه عن فرسه ثمّ إنّه نزل إليه و قد جرحه فأثخنه فاختلف بينهما ضربات فقتله النّعمان بن صهبان و قتل معه قتل معه في المعركة سبعون ومائة، و ذهب الباقون في الأرض يمينا وشمالا . و بعث معقل الخيل إلى رحالهم فسبى من أدرك منهم فسبى رجالا ونساء وصبيانا.

ثم نظر فيهم، فمن كان مسلما فخلاه و أخذ بيعته و خلّى سبيل عياله، و من كان ارتد عن الإسلام فعرض عليه الرّجوع إلى الإسلام و الّا القتل فأسلموا فخلّى سبيلهم وسبيل عيالاتهم الا شيخا منهم نصرانيا يقال له: الرّماجس ابن منصور فإنّه قال:

و الله ما زللت مذ عقلت إلّا في خروجي من ديني دين الصدق إلى دينكم دين السوء، لا والله لا أدع ديني و لا أقرب دينكم ما حييت، فقدّمه معقل بن قيس فضرب عنقه، و جمع الناس فقال: أدوا ما عليكم في هذه السنين من الصدقة.

فأخذ من المسلمين عقالين، و عمد إلى النّصارى و عيالاتهم فاحتملهم معه مقبلا بهم و أقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيّعونهم فأمر معقل بردّهم فلما ذهبوا لينصرفوا تصايحوا و دعا الرّجال و النّساء بعضهم إلى بعض. قال: فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم و لا بعدهم.

قال: و كتب معقل إلى علي (علیه السّلام) أما بعد، فإنّي أخبر أمير المؤمنين عن

ص: 283

جنده و عن عدوّه، إنا دفعنا إلى عدوّنا بالأسياف فوجدنا بها قبائل ذات عدة وحدة وجد، و قد جمعوا لنا فدعوناهم إلى الطاعة و الجماعة و إلى حكم الكتاب و السنة و قرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين، ورفعنا لهم راية أمان، فمالت إلينا منهم طائفة و ثبتت طائفة أخرى.

فقبلنا من التى أقبلت وصمدنا إلى التي أدبرت، فضرب الله وجوههم نصرنا عليهم، فأما من كان مسلما فإنّا مننا عليه و أخذنا بيعته لأمير المؤمنين و أخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم، و أما من ارتد فإنا عرضنا عليهم الرّجوع إلى الإسلام وإلا قتلناهم فرجعوا إلى الإسلام غير رجل واحد فقتلناه.

و أمّا النّصارى فانا سبيناهم و أقبلنا بهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل - الذّمة لكيلا يمنعوا الجزية، و لكيلا يجترئوا على قتال أهل القبلة، و انّهم للصغار والذلة أهل رحمك الله يا أمير المؤمنين و أوجب لك جنّات النعيم، والسلام.

ثم أقبل بالأسارى حتى مرّ على مصقلة بن هبيرة الشيباني و هو عامل لعلي (علیه السّلام)على أردشير خرّة و هم خمسمائة إنسان، فبكى إليه النساء و الصبيان، وصاح الرّجال يا أبا الفضل يا حامل النقل و مأوى الضعيف، و فكاك العناة.

امنن علينا فاشترنا و أعتقنا، فقال مصقلة: اقسم بالله لأتصدقنّ عليهم «إِنَّ الله يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» فبلغ قوله معقلا فقال: والله لو أنّي أعلم أنه قالها توجعا لهم و وجدا و إزراء عليكم لضربت عنقه و لو كان في ذلك فناء بني تميم و بكر بن وائل.

ثمّ إنّ مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل فقال: بعني

ص: 284

نصارى بني ناجية فقال: نعم أبيعكهم بألف ألف درهم فأبى عليه، فلم يزل يراوده حتى باعه إيّاهم بخمسمائة ألف درهم و دفعهم إليه وقال له: عجّل بالمال إلى أمير المؤمنين، فقال مصقلة : أنا باعث الآن بصدر منه ثم أبعث بصدر آخر ثم كذلك حتى لا يبقى منه شيء إن شاء الله.

قال: و أقبل معقل إلى علي (علیه السّلام) فأخبره بما كان منه في ذلك فقال له على (علیه السّلام) : أحسنت و أصبت و وفّقت.

قال: و انتظر علي (علیه السّلام) مصقلة أن يبعث إليه بالمال فأبطأ به فبلغ عليّا عليه السّلام أنّ مصقلة خلّى سبيل الأسارى و لم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء. فقال: ما أرى مصقلة إلا قد حمل حمالة لا أراكم إلا سترونه عن قريب مبلدحا ثم كتب إليه :

أمّا بعد، فإنّ من أعظم الخيانة خيانة الأمة و أعظم الغش على أهل المصر غشّ الإمام، و عندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم فابعث إليّ بها حين يأتيك رسولي و إلّا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي فإنّي قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلّا أن تبعث بالمال و السلام.

قال: وكان الرسول أبا حرّة الحنفيّ فقال له أبو حرّة إن تبعث بهذا المال و إلّا فاشخص معى إلى أمير المؤمنين، فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة، و كان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عبّاس فيكون ابن عبّاس هو الذي يبعث به إلى أمير المؤمنين (علیه السّلام) فقال له : نعم أنظرني أياما .

ثم أقبل من البصرة حتى أتى عليها (علیه السّلام) بالكوفة، فأقره علي الا أياما لم يذكر له شيئا ثم سأله المال، فأدى إليه مائتي ألف درهم، و عجز عن الباقي

ص: 285

فلم يقدر عليه.

24 - عنه قال: حدثنى ابن أبي سيف عن أبي الصلت عن ذهل بن الحارث قال: دعاني مصقلة إلى رحله فقدّم عشاء فطعمنا منه ثم قال: و الله إنّ أمير المؤمنين يسألني هذا المال و والله لا أقدر عليه فقلت له: لو شئت لا يمضي عليك جمعة حتى تجمع هذا المال فقال: والله ما كنت لا حملها قومي و لا أطلب فيها إلى أحد.

ثم قال: أما والله لو أنّ ابن هند يطالبني بها، أو ابن عفّان لتركها لي، ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث بن قيس مائة ألف درهم من خراج آذربيجان في كلّ سنة فقلت: انّ هذا لا يرى ذلك الرأي و ما هو بتارك لك شيئا.

فسكت ساعة و سكت عنه فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية، فبلغ ذلك عليا (علیه السّلام) فقال:

ماله؟ ترحه الله فعل فعل السّيّد، و فرّ فرار العبد و خان خيانة الفاجر، أما أنّه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه فان وجدنا له شيئا أخذناه، و ان لم نقدر له على مال تركناه ثم سار الى داره .فهدمها.

25- عنه كان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعيا و لعلي (علیه السّلام) مناصحا فكتب إليه مصقلة من السّام مع رجل من النصارى من بني تغلب

يقال له: حلوان.

أمّا بعد فانّي كلّمت معاوية فيك فوعدك الكرامة و مناك الامارة فأقبل ساعة تلقى رسولي إن شاء الله، والسّلام.

فلما وصل الكوفة علم به علي (علیه السّلام) فأخذ النصراني فقطع يده فمات. فكتب نعيم الى أخيه مصقلة جواب كتابه، شعر:

ص: 286

لاترميني - هداك الله - معترضا *** بالظن منك فما بالي وحلوانا؟

ذاك الحريص على ما نال من طمع *** و هو البعيد فلا يورثك أحزانا

ما ذا أردت إلى إرساله سفها *** ترجو سقاط أمرئ لم يلف وسنانا

عرّضته لعلي إنه أسد *** يمشي العرضنة من آساد خفّانا

قد كنت في منظر عن ذا و مستمع *** تحمي العراق و تدعى خير شيبانا

حتى تقحّمت أمرا كنت تكرهه *** للراكبين له سرا و إعلانا

لو كنت أديت مال الله مصطبرا *** للحق أحييت أحيانا وموتانا

لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا *** فضل ابن هند و ذاك الرأي أشجانا

فاليوم تقرع سنّ العجز من ندم *** ماذا تقول وقد كان الذي كانا

أصبحت تبغضك الاحياء قاطبة *** لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا

فلمّا وقع الكتاب إليه علم أنّ النّصراني قد هلك، و لم يلبث التّغلبیّون إلا قليلا حتى بلغهم هلاك صاحبهم، فأتوا مصقلة فقالوا: أنت أهلكت صاحبنا فإما أن تحييه و إمّا أن تديه، فقال: أما أن أحييه، فلا أستطيع و أمّا أن أديه، فنعم، فوداه.

26 - عنه حدثني ابن أبي سيف عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه قال : قيل لعلي (علیه السّلام) الحين هرب مصقلة : اردد الذين سبوا و لم تستوف أثمانهم في الرّق، فقال: ليس ذلك في القضاء بحق قد عتقوا إذ أعتقهم الذي اشتراهم و صار مالي دينا على الذي اشتراهم و بلغني أن ظبيان بن عمارة أحد بني سعد بن زيد مناة قال في بني ناجية شعرا :

هلًا صبرت للقراع ناجيا *** والمرهفات تختلي الهواديا

و الطعن في نحوركم تواليا *** و صائبات الأسهم القواضيا

27- عنه بلغني من حديث عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: لمّا

ص: 287

بلغ عليّا (علیه السّلام) مصاب بني ناجية وقتل صاحبهم قال هوت أمه، ما كان أنقص عقله و أجرأه على ربّه فإنّه جاءني مرّة فقال لي: إنّ في أصحابك رجالا قد خشيت أن يفارقوك فما ترى فيهم؟ فقلت له: إنّي لا آخذ على التهمة، ولا أعاقب على الظَّنّ، و لا أقاتل الا من خالفني و ناصبني و أظهر لى العداوة.

ثم لست مقاتله حتى أدعوه و أعذر إليه، فإن تاب و رجع إلينا قبلنا منه و هو أخونا و إن أبى الا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه و ناجزناه، فكفّ عني ما شاء الله، ثم جاءني مرة اخرى فقال لي: إنّي خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب، و زيد بن حصين الطّائي.

إني سمعتهما يذكر انك بأشياء لو سمعتها لم تفارقها عليها حتى تقتلها أو توثقهما، فلا يفارقان محبسك أبدا، فقلت: إنّي مستشيرك فيها، فما ذا تأمرني به؟ قال: إنّي آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما، فعلمت أنه لا ورع له و لا عقل، فقلت: والله ما أظنّ أنّ لك ورعا و لا عقلا نافعا.

و الله كان ينبغي لك أن تعلم أنّي لا أقتل من لم يقاتلني و لم يظهر لي عداوته، و لم يناصبني بالذي كنت أعلمتكه من رأيي حيث جئتني في المرة

ولم الاولى و وصفت أصحابك عندي، و لقد كان ينبغي لك لو أردت قتلهم أن تقول لي: اتق الله، لم تستحل قتلهم؟ و لم يقتلوا أحدا و لم ينابذوك و لم يخرجوا من طاعتك.

28 - البلاذري: حدثنا على بن محمد المدائني عن محمد بن صالح عن محمد بن الصائب الكلبي قال: قدم علي الكوفة من صفين لعشر ليال بقين من شهر ربيع الأول، فأقام ستة أشهر يجبي المال و يبعث العمال و ينظر في أمور الناس فبينا هو على ذلك والخوارج مقيمون على انكار الحكومة، إذ

ص: 288

قدم عليه معن بن يزيد بن الأخنس السلمي من قبل معاوية فقال له: إن معاوية قد وفاه فينبغي لك أن تفى كما وفاه.

فبعث علي عبد الله بن عباس وأربعمائة و أبا موسى موسى معهم فكان ابن عباس يصلي بهم ويلي أمورهم و كان أبو موسى الحكم، فنزلوا دومة

الله ،الجندل و حضرهم عبد بن ،عمر و عبد الله بن الزبير، وعبد الرحمان ابن الأسود الزهري و عبد الرحمان بن الحرث بن هشام المخزومي.

و أبو الجهم ابن حذيفة العدوي و المغيرة بن شعبة الثقفي و كان معتزلا لأول الأمر. و الثبت أن سعدا لم يحضر، و قد حرص ابنه عمر يشخص فلم يفعل.

29 - الطبري: قال ابو مخنف:حدثني عبد الرحمن بن جندب، عن ابيه قال لما انصرفنا من صفين أخذنا غير طريقنا الذى أقبلنا فيه، أخذنا على طريق البر على شاطئ الفرات، حتى انتهينا الى هيت ثم أخذنا على صندوداء، فخرج الانصاريون بنو سعد بن حرام، فاستقبلوا عليا، فعرضوا عليه النزول، فبات فيهم ثم غدا، و أقبلنا معه، حتى إذا جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفه.

إذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه اثر المرض، فاقبل إليه علی و نحن معه حتى سلم عليه و سلمنا ،معه فرد ردا حسنا ظننا ان قد عرفه قال له على ارى وجهك منكفئا فمن مه ؟ أمن مرض؟ قال: نعم، قال: فلعلك كرهته قال ما أحب انه ،بغيري قال أليس احتسابا للخير فيها اصابك منه ؟ قال بلى، قال :

فابشر برحمه ربك و غفران ذنبك من أنت يا عبد الله ؟ قال: انا صالح بن سليم، قال: ممن؟ قال: أمّا الأصل فمن سلامان طيّئ، وأما الجوار و

ص: 289

الدعوة ففي بنى سليم بن منصور فقال سبحان الله ما احسن اسمك و اسم ابيك و اسم ادعيائك و اسم من اعتزيت إليه هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال :

لا و الله ما شهدتها، و لقد أردتها و لكن ما ترى من اثر لحب الحمى خزلنى عنها، فقال: «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ لَا عَلَى الْمُرْضَى وَ لَا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحِيم»

خبرني ما تقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام؟ قال فيهم المسرور فيما كان بينك و بينهم - و أولئك اغشاء الناس - وفيهم المكبوت الأسف بما كان من ذلك - و أولئك نصحاء الناس لك - فذهب لينصرف فقال :

قد صدقت جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك، فان المرض لا اجر فيه و لكنه لا يدع على العبد ذنبا الا حطه و انما اجر في القول باللسان والعمل باليد والرجل، و ان الله جل ثناؤه ليدخل بصدق النية و السريرة الصالحة عالما جما من عباده الجنة قال : ثم مضى على غير بعيد.

فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري، فدنا منه، و سلم عليه و سایره ،فقال له: ما سمعت الناس يقولون في أمرنا؟ قال:

منهم المعجب به ،و منهم الكاره له كما قال عز و جل: «و لا يزالون مختلفين. الا من رحم ربك» فقال له: فما قول ذوى الرأي فيه؟

قال: أما قولهم فيه فيقولون ان عليا (علیه السّلام) كان له جمع عظيم ففرقه و كان له حصن حصين فهدمه، فحتى متى يبنى ما هدم، و حتى متى يجمع ما فرق فلو انه كان مضى بمن أطاعه - إذ عصاه من عصاه - فقاتل حتى يظفر

ص: 290

او يهلك إذا كان ذلك الحزم فقال على (علیه السّلام) :

انا هدمت أم هم هدموا انا فرقت أم هم فرقوا أما قولهم انه لو كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر او يهلك، إذا كان ذلك الحزم، فو الله ما غبى عن رأيي ذلك، و ان كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا ،طيب النفس بالموت، و لقد هممت بالاقدام على القوم.

فنظرت الى هذين قد ابتدرانى - يعنى الحسن و الحسين - و نظرت الى هذين قد استقدماني - يعنى عبد الله بن جعفر و محمد بن علی - فعلمت ان هذين ان هلكا انقطع نسل محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) من هذه الأمة، فكرهت ذلك، و اشفقت على هذين ان يهلكا، و قد علمت ان لو لا مكاني لم يستقدما - يعنى محمد بن على و عبد الله بن جعفر -

و ایم الله لئن لقيتهم بعد يومى هذا لا لقينهم و ليسوا معى في عسكر و لا دار ثم مضى حتى إذا جزنا بني عوف إذا نحن عن ايماننا بقبور سبعه او ثمانية، فقال على الا : ما هذه القبور ؟ فقال قدامه بن العجلان الأزدي يا امير المؤمنين ان خباب ابن الأرت توفى بعد مخرجك.

فاوصى بان يدفن في الظهر، و كان الناس انما يدفنون في دورهم و أفنيتهم، فدفن بالظهر و دفن الناس الى جنبه، فقال على: رحم الله خبابا، فقد اسلم راغبا و هاجر طائعا ،و عاش مجاهدا، و ابتلى في جسمه أحوالا و ان الله لا يضيع أجر من احسن عملا ثم جاء حتى وقف عليهم فقال:

السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفره، من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات أنتم لنا سلف فارط، و نحن لكم تبع بكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا و لهم، و تجاوز بعفوك عنا وعنهم وقال:

الحمد لله الذى جعل منها خلقكم، وفيها معادكم منها يبعثكم و

ص: 291

عليها يحشركم، طوبى لمن ذكر المعاد، و عمل للحساب، وقنع بالكفاف، و رضى عن الله عز و جل ثم اقبل حتى حاذى سكه الثوريين، ثم قال : خشوا ، ادخلوا بين هذه الأبيات.

30 - عنه قال ابو مخنف:حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي قال مر على بالثوريين فسمع البكاء، فقال: ما هذه الأصوات؟ فقيل له: هذا البكاء على قتلى ،صفين فقال: أمّا انى اشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة ثم مر بالفائشيين، فسمع الأصوات، فقال مثل ذلك.

ثم مضى حتى مر بالشباميين فسمع رجة شديدة، فوقف، فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي، فقال على أيغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الرنين فقال : يا امير المؤمنين، لو كانت دارا او دارين او ثلاثا قدرنا على ذلك، و لكن قتل من هذا الحى ثمانون و مائة قتيل فليس دار الا وفيها بكاء .

فاما نحن معشر الرجال فانا لا نبكي و لكن نفرح لهم الا نفرح لهم بالشهادة قال على رحم الله قتلاكم و موتاكم و اقبل يمشى معه و على راكب فقال له على ارجع و وقف ثم قال له: ارجع، فان مشى مثلك مع مثلي فتنة للوالي، ومذلة للمؤمن.

ثم مضى حتى مر بالناعطيين - وكان جلهم عثمانية - فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن يزيد من بنى عبيد من الناعطيين يقول: والله ما صنع على شيئا، ذهب ثم انصرف في غير شيء فلما نظروا الى على ابلسوا، فقال: وجوه قوم ما رأوا الشام العالم ثم قال لأصحابه قوم فارقناهم آنفا خير من هؤلاء، ثم أنشأ يقول:

اخوك الذى ان اجرضتك ملمة *** من الدهر لم يبرح لبتك واجما

ص: 292

و ليس اخوك بالذي ان تشعبت *** عليك الأمور ظل يلحاك لائما

ثم مضى، فلم يزل يذكر الله عز و جل حتى دخل القصر.

31- عنه قال ابو مخنف:حدثنا ابو جناب الكلبي عن عماره بن ربيعة، قال: خرجوا مع على الى صفين و هم متوادون أحباء، فرجعوا متباغضين أعداء، ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيهم التحكيم و لقد أقبلوا يتدافعون الطريق كله ويتشاتمون و يضطربون بالسياط، يقول الخوارج يا أعداء الله ادهنتم في أمر الله عز و جل و حکمتم و قال الآخرون فارقتم امامنا و فرقتم جماعتنا.

فلما دخل على الكوفه لم يدخلوا معه حتى أتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفا، و نادى مناديهم: ان امير القتال شبث بن ربعي التميمي و امير الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري، والأمر شورى بعد الفتح، و البيعة لله عز و جل و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

32 - نصر بن مزاحم عن عمر عن عبد الرحمن بن جندب قال لما أقبل على (علیه السّلام) من صفين أقبلنا معه فأخذ طريقا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه فقال علي (علیه السّلام) آئبون عائدون لربنا حامدون اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب و سوء المنظر في المال و الأهل.

قال ثم أخذ بنا طريق البر على شاطى الفرات حتى انتهينا إلى هيت و أخذنا على صندودا فخرج الأنماريون بنو سعيد بن حزيم و استقبلوا عليا فعرضوا عليه النزل فلم يقبل فبات بها ثم غدا و أقبلنا معه حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة فإذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه أثر المرض فأقبل إليه علي و نحن معه حتى سلم عليه و سلمنا عليه قال.

فرد ردا حسنا ظننا أن قد عرفه فقال له علي ما لي أرى وجهك

ص: 293

منكفتا أمن مرض قال نعم قال فلعلك كرهته فقال ما أحب أنه بغيري قال أليس احتسابا للخير فيما أصابك منه قال بلى قال أبشر برحمة ربك و غفران ذنبك من أنت يا عبد الله قال أنا صالح بن سليم قال ممن أنت؟ قال:

أما الأصل فمن سلامان بن طي و أما الجوار والدعوة فمن بني سليم بن منصور قال سبحان الله ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم أدعيائك اسم من اعتزيت إليه هل شهدت معنا غزاتنا هذه قال لا والله ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمى خذلني عنها قال علي «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ لا عَلَى الْمُرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا الله وَ رَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ الله غَفُورٌ رَحِيم».

أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام قال منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و أولئك أغشاء الناس و منهم المكبوت الآسف لما كان من ذلك و أولئك نصحاء الناس لك فذهب لينصرف فقال صدقت جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك.

فإن المرض لا أجر فيه و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه إنما الأجر في القول باللسان والعمل باليد والرجل و إن الله عز و جل يدخل بصدق

النية و السريرة الصالحة عالما جما من عباده الجنة.

ثم مضى غير بعيد فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري فدنا منه وسأله فقال ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا قال منهم المعجب به و منهم الكاره له و الناس كما قال الله تعالى «وَ لا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» فقال له فما يقول ذوو الرأي قال يقولون إن عليا كان له جمع عظيم ففرقه و حصن حصين فهدمه.

فحتى متى يبني مثل ما قد هدم و حتى متى يجمع مثل ما قد فرق فلو

ص: 294

أنه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك إذن كان ذلك هو الحزم فقال علي أنا هدمت أم هم هدموا أم أنا فرقت أم هم فرقوا و أما قولهم لو أنه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك إذن كان ذلك هو الحزم.

فو الله ما غبي عني ذلك الرأي و إن كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا طيب النفس بالموت و لقد هممت بالإقدام على القوم فنظرت إلى هذين قد ابتدراني يعني الحسن و الحسين و نظرت إلى هذين قد استقدماني يعني عبد الله بن جعفر و محمد بن علي فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسل محمد من هذه الأمة.

فكرهت ذلك و أشفقت على هذين أن يهلكا و قد علمت أن لو لا مكاني لم يستقدما يعني محمد بن علي و عبد بن جعفر و ايم الله لئن لقيتهم بعد يومي لألقينهم و ليس هما معي في عسكر و لا دار قال.

ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف فإذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية فقال أمير المؤمنين ما هذه القبور فقال له قدامة بن عجلان الأزدي يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن في الظهر و كان الناس إنما يدفنون في دورهم و أفنيتهم.

فدفن الناس إلى جنبه فقال علي رحم الله خبابا قد أسلم راغبا و هاجر طائعا و عاش مجاهدا و ابتلي في جسده أحوالا و لن يضيع الله أجر من أحسن عملا فجاء حتى وقف عليهم ثم قال عليكم.

السلام يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات و أنتم لنا سلف و فرط و نحن لكم تبع و بكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا و لهم و تجاوز عنا و عنهم ثم قال

ص: 295

الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا أحياء و أمواتا.

الحمد لله الذي جعل منها خلقنا وفيها يعيدنا و عليها يحشرنا طوبى لمن ذكر المعاد و عمل للحساب و قنع بالكفاف ورضي عن الله بذلك ثم أقبل حتى دخل سكة الثوريين فقال خشوا بين هذه الأبيات.

33 - نصر عن عمر قال حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي قال لما مر علي بالثوريين يعني ثور همدان سمع البكاء فقال ما هذه الأصوات قيل هذا البكاء على من قتل بصفين فقال أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال مثل ذلك ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة وصوتا مرتفعا عاليا.

فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي فقال على أيغلبكم نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الصياح و الرنين قال يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك و لكن من هذا الحي ثمانون و مائة قتيل فليس من دار إلا وفيها بكاء.

أما نحن معشر الرجال فإنا لا نبكي و لكن نفرح لهم ألا نفرح لهم بالشهادة فقال علي رحم الله قتلاكم و موتاكم و أقبل يمشي معه و علي راكب فقال له علي ارجع و وقف ثم قال له ارجع فإن مشي مثلك فتنة للوالي و مذلة للمؤمنين ثم مضى حتى مر بالناعطيين فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرند.

فقال ما صنع علي و الله شيئا ذهب ثم انصرف في غير شيء فلما نظر أمير المؤمنين أبلس فقال علي وجوه قوم ما رأوا الشام العام ثم قال لأصحابه قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم قال :

أخوك الذى إن أحرضتك ملمة *** من الدهر لم يبرح لبتك واجما

ص: 296

وليس أخوك بالذي إن تمنعت *** عليك أمور ظل يلحاك لائما

ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل الكوفة.

34- قال نصر و في حديث عمرو بن شمر قال لما صدر علي من صفين أنشأ يقول:

و كم قد تركنا في دمشق وأرضها *** من أشمط موتور و شمطاء ثاكل

و غانية صاد الرماح حليلها*** فأضحت تعد اليوم إحدى الأرامل

تبكي على بعل لها راح غاديا *** فليس إلى يوم الحساب بقافل

و إنا أناس ما تصيب رماحنا *** إذا ما طعنا القوم غير المقاتل

35 - عنه قال و في حديث يوسف قال و قال أبو محمد نافع بن الأسود التميمي:

ألا أبلغا عني عليا تحية *** فقد قبل الصماء لما استقلت

بنى قبة الإسلام بعد انهدامها *** فقامت عليه قصرة فاستقره

كأن نبيا جاءنا بعد هدمها *** بما سن فيها بعد ما قد أبرت

36- نصر عن عمر بن سعد عن مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر أن عليا بعث أربعمائة رجل و بعث عليهم شريح بن هاني الحارثي و بعث عبد الله بن عباس يصلي بهم ويلي أمورهم و أبو موسى الأشعري معهم. و بعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة رجل قال فكان إذا كتب علي (علیه السّلام) بشيء أتاه أهل الكوفة.

فقالوا ما الذي كتب به إليك أمير المؤمنين فيكتمهم فيقولون له كتمتنا ما كتب به إليك إنما كتب في كذا وكذا. ثم يجيء رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدرى في أي شيء جاء و لا في أي شيء ذهب و لا يسمعون حول صاحبهم لغطا.

ص: 297

فأنب ابن عباس أهل الكوفة بذاك و قال إذا جاء رسول قلتم بأي شيء جاء فإن قلتم لم تكتمنا جاء بكذا وكذا فلا تزالون توقفون و تقاربون حتى تصيبوا فليس لكم سر ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي عبدالله بن قيس أبو موسى في ابن عمر و كان يقول و الله أن لو استطعت لأحيين سنة عمر .

37- قال نصر و في حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال لما أراد أبو موسى المسير قام شريح فأخذ بيد أبي موسى فقال يا أبا موسى إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه و لا يستقال فتقه و مهما تقل شيئا لك أو عليك يثبت حقه و ير صحته و إن كان باطلا.

و إنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكها معاوية و لا بأس على أهل الشام إن ملكها علي وقد كانت منك تثبيطة أيام قدمت الكوفة فإن تشفعها بمثلها

يكن الظن بك يقينا و الرجاء منك يأسا و قال شريح في ذلك؛

أبا موسى رميت بشر خصم *** فلا تضع العراق فدتك نفسي

و أعط الحق شامهم وخذه *** فإن اليوم في مهل كأمس

و إن غدا يجيء بما عليه *** يدور الأمر من سعد و نحس

ولا يخدعك عمرو إن عمرا *** عدو الله مطلع كل شمس

له خدع يحار العقل فيها *** مموهة مزخرفة بلبس

فلا تجعل معاوية بن حرب *** كشيخ في الحوادث غير نكس

هداه الله للإسلام فردا *** سوى بنت النبي و أي عرس

فقال أبو موسى ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا. و كان النجاشي بن الحارث بن كعب صديقا لأبي موسى فبعث إليه:

ص: 298

يؤمل أهل الشام عمرا و إنني *** لآمل عبد الله عند الحقائق

و إن أبا موسى موسى سيدرك حقنا *** إذا ما رمى عمرا بإحدى الصواعق

و حققه حتى يدر وریده *** و نحن على ذاكم كأحنق حانق

على أن عمرا لا يشق غباره *** إذا ماجرى بالجهد أهل السوابق

فلله ماير مى العراق وأهله *** به منه إن لم يرمه بالبوائق

فقال أبو موسى و الله إني لأرجو أن ينجلي هذا الأمر و أنا فيه على رضا الله.

38 - قال نصر و إن شريح بن هانى جهز أبا موسى جهازا حسنا و عظم أمره في الناس ليشرف أبا موسى في قومه فقال الشني في ذلك لشريح: زففت ابن قيس زفاف العروس *** شريح إلى دومة الجندل

و في زفك الأشعري البلاء *** وما يقض من حادث ينزل

و ما الأشعري بذي إربة *** ولا صاحب الخطبة الفيصل

ولا آخذا حظ أهل العراق *** ولو قيل ها خذه لم يفعل

يحاول عمرا و عمرو له *** خدائع يأتي بها من علي

فإن يحكما بالهدى يتبعا *** و إن يحكما بالهوى الأميل

یکونا کتيسين في قفرة *** أكیلي نقيف من الحنظل

و قال شريح بن هانى و الله لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى و طعنوا عليه بسوء الظن و ما الله عاصمة منه إن شاء الله.

39- عنه و سار مع عمرو بن العاص شرحبيل بن السمط الكندي في خيل عظيمة حتى إذا أمن عليه خيل أهل العراق ودعه ثم قال يا عمرو إنك رجل قريش و إن معاوية لم يبعثك إلا ثقة بك و إنك لن تؤتى من عجز و لا مكيدة وقد عرفت أن وطئت هذا الأمر لك و لصاحبك فكن عند ظننا بك

ص: 299

ثم انصرف و انصرف شريح بن هانى حين أمن أهل الشام على أبي موسى و ودعه هو و وجوه الناس.

و كان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس أخذ بيده ثم قال له يا أبا موسى اعرف خطب هذا الأمر واعلم أن له ما بعده و أنك إن أضعت العراق فلا عراق فاتق الله فإنها تجمع لك دنياك وآخرتك و إذا لقيت عمرا غدا فلا تبدأه بالسلام فإنها و إن كانت سنة إلا أنه ليس من أهلها و لا تعطه يدك فإنها أمانة و إياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة و لا تلقه وحده.

و احذر أن يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ فيه الرجال و الشهود. ثم أراد أن يبور ما في نفسه لعلي فقال له فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخيره أن يختار أهل العراق من قريش الشام من شاءوا فإنهم يولونا الخيار فنختار من نريد و إن أبوا فليختر أهل الشام من قريش العراق من شاءوا فإن فعلوا كان الأمر فينا قال أبو موسى قد سمعت ما قلت ولم يتحاش لقول الأحنف .

40 - عنه قال فرجع الأحنف فأتى عليا فقال يا أمير المؤمنين أخرج و الله أبو موسی زبدة سقائه في أول مخضه لا أرانا إلا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك فقال علي يا أحنف إن الله غالب على أمره قال فمن ذلك نجزع يا أمير المؤمنين و فشا أمر الأحنف و أبي موسى في الناس فجهز الشني راكبا فتبع به أبا موسى بهذه الأبيات.

أبا موسى جزاك الله خيرا *** عراقك إن حظك في العراق

و إن الشام قد نصبوا إماما *** من الأحزاب معروف النفاق

وإنا لا نزال لهم عدوا *** أبا موسى إلى يوم التلاقي

ص: 300

فلا تجعل معاوية بن حرب *** إماما ما مشت قدم بساق

و لا يخدعك عمرو إن عمرا *** ابا موسى تحاماه الرواقي

فكن منه على حذر وأنهج *** طريقك لا تزل بك المراقي

ستلقاه أبا موسى مليا مليا *** بمر القول من حق الخناق

ولا تحكم بأن سوى علي *** إماما إن هذا الشر باق

قال و بعث الصلتان العبدي و هو بالكوفة بأبيات إلى دومة الجندل:

لعمرك لا ألقى مدى الدهر خالعا *** عليا بقول الأشعري ولا عمرو

فإن يحكما بالحق نقبله منها *** وإلا أثرناها كراغية البكر

و لسنا نقول الدهر ذاك إليهما *** وفي ذاك لو قلناه قاصمة الظهر

و لكن نقول الأمر والنهي كله *** إليه و في كفيه عاقبة الأمر

و ما اليوم إلا مثل أمس و إننا *** لفى وشل الضحضاح أو لجة البحر

فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى و استبطأه القوم وظنوا به الظنون و أطبق الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا.

41 - عنه كان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليا و معاوية فنزل على ماء لبني سليم بأرض البادية يتشوف الأخبار و كان رجلا له بأس و رأي و مكان في قريش و لم يكن له في علي و لا معاوية هوى فأقبل راكب يوضع من بعيد فإذا هو بابنه عمر بن سعد فقال له أبوه مهیم فقال يا أبي التقى الناس بصفين فكان بينهم ما قد بلغك حتى تفانوا.

ثم حكموا الحكمين عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص و قد حضر ناس من قريش عندهما و أنت من أصحاب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و من أهل الشورى و من قال له رسول الله اتقوا دعواته و لم تدخل في شيء مما تكره هذه الأمة فاحضر دومة الجندل فإنك صاحبها غدا فقال مهلا يا عمر.

ص: 301

إني سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول يكون من بعدي فتنة خير الناس فيها الخفي التقي.

و هذا أمر لم أشهد أوله فلا أشهد آخره و لو كنت غامسا يدي في هذا الأمر لغمستها مع علي قد رأيت القوم حملوني على حد السيف فاخترته على النار فأقم عند أبيك ليلتك هذه فراجعه حتى طمع في الشيخ فلما جنه الليل رفع صوته ليسمع ابنه فقال:

دعوت أباك اليوم والله للذي *** دعاني إليه القوم و الأمر مقبل

فقلت لهم للموت أهون جرعة *** من النار فاستبقوا أخاكم أو اقتلوا

فكفوا وقالوا إن سعد بن مالك *** مزخرف جهل و المجهل أجهل

فلما رأيت الأمر قد جد جده *** وكاشفنا يوم أغر محجل

هربت بديني والحوادث جمة *** وفي الأرض أمن واسع و معول

فقلت معاذ الله من شر فتنة *** لها آخر لا يستقال و أول

و لو كنت يوما لا محالة وافدا *** تبعت عليا و الهوى حيث يجعل

و لكنني زاولت نفسا شحيحة *** على دينها تأبى علي و تبخل

فأما ابن هند فالتراب بوجهه *** و إن هواي عن هواه لأميل

فيا عمر ارجع بالنصيحة إنني *** سأصبر هذا العام و الصبر أجمل

فارتحل عمر و قد استبان له أمر أبيه.

42 - عنه وقد كانت الأخبار أبطأت على معاوية فبعث إلى رجال من قريش من الذين كرهوا أن يعينوه في حربه إن الحرب قد وضعت أوزارها و التقى هذان الرجلان بدومة الجندل فأقدموا علي فأتاه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر و أبو الجهم بن حذيفة و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري و عبد الله بن صفوان الجمحي و رجال من قريش.

ص: 302

و أتاه المغيرة بن شعبة و كان مقيما بالطائف لم يشهد صفين فقال يا مغيرة ما ترى قال يا معاوية لو وسعني أن أنصرك لنصرتك و لكن علي أن آتيك بأمر الرجلين.

فركب حتى أتى دومة الجندل فدخل على أبي موسى كأنه زائر له فقال يا أبا موسى ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره الدماء قال أولئك خيار الناس خفت ظهورهم من دمائهم و خمصت بطونهم من أموالهم ثم أتى عمرا فقال يا أبا عبد الله ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر و كره هذه الدماء قال أولئك شرار الناس.

لم يعرفوا حقا و لم ينكروا باطلا فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له قد ذقت الرجلين أما عبد الله بن قيس فخالع صاحبه و جاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر و هواه في عبد الله بن عمر و أما عمرو فهو صاحبك الذي تعرف و قد ظن الناس أنه يرومها لنفسه و أنه لا يرى أنك أحق بهذا الأمر منه.

43 - نصر في حديث عمرو قال أقبل أبو موسى إلى عمرو فقال يا عمرو هل لك في أمر هو للأمة صلاح و لصلحاء الناس رضا نولي هذا الأمر عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شيء من هذه الفتنة و لا هذه الفرقة و عبد بن عمرو بن العاص الله بن الزبير قريبان يسمعان هذا الكلام فقال عمرو فأين أنت عن معاوية فأبى عليه أبو موسى.

44 - عنه قال و شهدهم عبد الله بن هشام و عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث و أبو الجهم بن حذيفة العدوي و المغيرة بن شعبة فقال عمرو ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما قال بلى قال اشهدوا فما يمنعك يا أبا موسى من معاوية ولي عثمان و بيته في قريش ما قد علمت فإن خشيت أن يقول الناس ولى معاوية و ليست له سابقة.

ص: 303

فإن لك بذلك حجة تقول إني وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم و الطالب بدمه الحسن السياسة الحسن التدبير و هو أخو أم حبيبة أم المؤمنين زوج النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و قد صحبه و هو أحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط مثلها.

فقال أبو موسى اتق الله يا عمرو اتق الله يا عمرو أما ذكرك شرف معاوية فإن هذا الأمر ليس على الشرف يولاه أهله و لو كان على الشرف كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح إنما هو لأهل الدين و الفضل مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي طالب.

و أما قولك إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر فإني لم أكن أوليه معاوية و أدع المهاجرين الأولين. و أما تعريضك بالسلطان فو الله لو خرج لي من سلطانه ما وليته و لا كنت لأرتشي في الله و لكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب.

45 - نصر عن عمر بن سعد عن أبي جناب أنه قال و الله أن لو استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب. فقال عمرو بن العاص إن كنت تريد أن تبايع ابن عمر فما يمنعك من ابني و أنت تعرف فضله و صلاحه قال إن ابنك رجل صدق و لكنك قد غمسته في هذه الفتنة.

46 - نصر عمر بن سعد عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال قال أبو موسى لعمرو إن شئت ولينا هذا الأمر الطيب ابن الطيب عبد الله بن عمر فقال عمرو إن هذا الأمر لا يصلح له إلا رجل له ضرس يأكل و يطعم و إن عبد الله ليس هناك و كان في أبي موسى غفلة. فقال ابن الزبير لابن عمر.

اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه فقال عبد الله بن عمر الله بن عمر لا و الله ما

ص: 304

أرشو عليها أبدا ما عشت و لكنه قال له ويلك يا ابن العاص إن العرب قد أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف و تشاجرت بالرماح فلا

تر دهم في فتنة واتق الله.

47 - نصر قال عمر عن أبي زهير العبسي عن النضر بن صالح قال كنت مع شريح بن هانى في غزوة سجستان فحدثني أن عليا أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص قال له قل لعمرو إن لقيته إن عليا يقول لك إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه و إن نقصه.

و إن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب إليه و إن زاده و الله يا عمر و إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل بأن أوتيت طمعا يسيرا فكنت الله و لأوليائه عدوا فكان والله ما أوتيت قد زال عنك فلا تكن للخائنين خصيما و لا للظالمين ظهيرا.

أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك وسوف تتمنى أنك لم تظهر لمسلم عداوة و لم تأخذ على حكم رشوة.

قال شريح فأبلغته ذلك فتعمر وجه عمرو و قال متى كنت أقبل مشورة علي أو أنيب إلى أمره و أعتد برأيه فقلت و ما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم (صلّی الله علیه و آله و سلّم) مشورته. لقد كان من هو خير منك أبو بكر و عمر يستشيرانه و يعملان برأيه.

فقال إن مثلي لا يكلم مثلك فقلت بأي أبويك ترغب عن كلامي بأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة فقام من مكانه و أقبلت رجال من قريش على معاوية فقالوا إن عمرا قد أبطأ بهذه الحكومة و هو يريدها لنفسه فبعث إليه معاوية :

نفى النوم ما لا تبتغيه الأضالع *** وكل أمرئ يوما إلى الصدق راجع

ص: 305

فيا عمرو قد لاحت عيون كثيرة *** فيا ليت شعري عمرو و ما أنت صانع

ما أنت و يا ليت شعري عن حديث ضمنته *** أتحمله يا عمرو ما أنت ضالع

و قال رجال إن عمرا يريدها *** فقلت لهم عمرو لي اليوم تابع

فإن تك قد أبطأت عني تبادرت *** إليك بتحقيق الظنون الأصابع

فإني و رب الراقصات عشية *** خواضع بالركبان و النقع ساطع

بك اليوم في عقد الخلافة واثق *** و من دون ما ظنوا به السم ناقع

فأسرع بها أو أبط في غير ريبة *** ولا تعد فالأمر الذي حم واقع.

فأسرع بها أو أبط في غير ريبة و لا تعد فالأمر الذي حم واقع.

48 - عنه عن عمر بن سعد قال حدثني أبو جناب الكلبي أن عمرا و أبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم عبد الله بن قيس في الكلام و يقول إنك قد صحبت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قبلي و أنت أكبر مني فتكلم ثم أتكلم و كان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في كل شيء و إنما اغتره بذلك ليقدمه فيبدأ بخلع علي.

قال فنظرا في أمرهما و ما اجتمعا عليه فأراده عمرو على معاوية فأبى و أراده على ابنه فأبى و أراده أبو موسى على عبد الله بن عمر فأبي عليه عمرو قال فأخبرني ما رأيك يا أبا موسى قال رأيي أن أخلع هذين الرجلين عليا و معاوية ثم نجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين يختارون لأنفسهم من شاءوا و من أحبوا .

فقال له عمرو الرأي ما رأيت وقال عمرو يا أبا موسى إنه ليس أهل العراق بأوثق بك من أهل الشام لغضبك لعثمان و بغضك للفرقة و قد عرفت حال معاوية في قريش و شرفه في عبد مناف و هو ابن هند و ابن أبي سفيان فما ترى قال أرى خيرا.

ص: 306

أما ثقة أهل الشام بي فكيف يكون ذلك و قد سرت إليهم مع علي و أما غضبي لعثمان فلو شهدته لنصرته و أما بغضي للفتن فقبح الله الفتن و أما معاوية فليس بأشرف من علي.

و باعده أبو موسى فرجع عمرو مغموما فخرج عمرو و معه ابن عم له غلام شاب و هو يقول:

يا عمرو إنك للأمور مجرب *** فارفق و لا تقذف برأيك أجمع

و استبق منه ما استطعت فإنه *** لا خير في رأي إذا لم ينفع

و اخلع معاوية بن حرب خدعة *** يخلع عليا ساعة و تصنع

و اجعله قبلك ثم قل من بعده *** اذهب فما لك في ابن هند مطمع

تلك الخديعة إن أردت خداعه *** والراقصات إلى منى خذ أو دع

فافترصها عمرو و قال يا أبا موسى ما رأيك قال رأيي أن أخلع هذين الرجلين ثم يختار الناس لأنفسهم من أحبوا فأقبلا إلى الناس و هم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد الله و أثنى عليه فقال إن رأيي و رأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر هذه الأمة.

قال عمرو صدق ثم قال يا أبا موسى فتكلم فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال ويحك إني لأظنه قد خدعك إن كنتما قد اتفقتها على أمر فقدمه قبلك فيتكلم بذلك الأمر قبلك ثم تكلم أنت بعده.

فإن عمرا رجل غدار و لا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك و بينه فإذا قمت به في الناس خالفك.

و كان أبو موسى رجلا مغفلا فقال إيها عنك إنا قد اتفقنا فتقدم فحمد و أثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها و ألم لشعثها من ألا تتباين أمورها و قد أجمع رأيي و

ص: 307

رأي صاحبي عمرو على خلع علي و معاوية و أن نستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين فيولون أمورهم من أحبوا و إني قد خلعت عليا و

معاوية فاستقبلوا أمركم و ولوا من رأيتم لها أهلا ثم تنحى فقعد.

و قام عمرو بن العاص مقامه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إن هذا قال ما قد سمعتم و خلع صاحبه و أنا أخلع صاحبه كما خلعه و أثبت صاحبي معاوية في الخلافة فإنه ولي عثمان و الطالب بدمه و أحق الناس بمقامه فقال له أبو موسى ما لك لا وفقك الله قد غدرت و فجرت و إنما مثلك مثل الكلب «إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَتْ» إلى آخر الآية.

قال فقال له عمر و إنما مثلك مثل الحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً إلى آخر الآية و حمل شريح بن هانى على عمرو فقنعه بالسوط و حمل على شريح ابن لعمرو فضربه بالسوط و قام الناس فحجزوا بينهم فكان شريح يقول بعد ذلك ما ندمت على شيء ندامتي أن لا ضربته بالسيف بدل السوط و التمس أصحاب علي أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة.

فكان ابن عباس يقول قبح الله أبا موسى حذرته وأمرته بالرأي فما عقل و كان أبو موسى يقول قد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق و لكن اطمأننت إليه وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة ثم انصرف عمرو و أهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة و رجع ابن عباس و شريح بن هاني إلى علي. وقال الشني:

ألم تر أن الله يقضي بحكمه *** وعمرو و عبد الله يختلفان

و ليسا بمهدي أمة من ضلالة *** بدرماء سخا فتنة عميان

أثارا لما فى النفس من كل حاجة *** شديدان ضراران مؤتلفان

أصمان عن صوت المنادي تراهما *** على داره بيضاء يعتلجان

ص: 308

فيا راكبا بلغ تميا وعامرا *** وعبسا و بلغ ذاك أهل عمان

فما لكم إلا تكونوا فجرتم *** بإدراك مسعاة الكرام يدان

بكت عين من يبكي ابن عفان بعدما *** نفى ورق الفرقان كل مكان

كلا فئتيه عاش حيا وميتا *** يكادان لو لا الحق يشتبهان

و لما فعل عمرو ما فعل و اختلط الناس رجع إلى منزله فجهز راكبا إلى معاوية يخبره بالأمر من أوله إلى آخره و كتب في كتاب على حده :

أتتك الخلافة مزفوفة *** هنيئا مريئا تقر العيونا

تزف إليك كزف العروس *** بأهون من طعنك الدارعينا

و ما الأشعري بصلد الزناد *** ولا خامل الذكر في الأشعرينا

و لكن أتيحت له حية *** يظل الشجاع لها مستكينا

فقالوا و قلت و كنت أمراً *** أجهجه بالخصم حتى يلينا

فخذها ابن هند على بأسها *** فقد دافع الله ما تحذرونا

و قد صرف الله عن شامكم *** عدوا شنيا و حربا زبونا

و قام سعيد بن قيس الهمداني فقال والله لو اجتمعتها على الهدى ما زدتمانا على ما نحن الآن عليه و ما ضلالكما بلازمنا و ما رجعتها إلا بما بدأتما و إنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس.

و تكلم الناس غير الأشعث بن قيس و تکلم کردوس بن هانی فقال أما والله إني لأظنك أول راض بهذا الأمر يا أخا ربيعة فغضب كردوس فقال:

أيا ليت من يرضى من الناس كلهم *** بعمرو و عبد الله في لجة البحر

رضينا بحكم الله لا حكم غيره *** وبالله ربا و النبي و بالذكر

وبالأصلع الهادي علي إمامنا *** رضينا بذاك الشيخ في العسر واليسر

ص: 309

رضینا به حيا وميتا وإنه *** إمام هدى في الحكم والنهي والأمر

فمن قال لا قلنا بلى إن أمره *** لأفضل ما تعطاه في ليلة القدر

وما لابن هند بيعة في رقابنا *** وما بيننا غير المثقفة السمر

و بيض تزيل الهام عن مستقره *** و هيهات هيهات الولاء آخر الدهر

أبت لي أشياخ الأراقم سبة *** أسب بها حتى أغيب في القبر

و تكلم يزيد بن أسد القسري و هو من قواد معاوية فقال يا أهل العراق اتقوا الله فإن أهون ما يردنا وإياكم إليه الحرب ما كنا عليه أمس و هو الفناء و قد شخصت الأبصار إلى الصلح و أشرفت الأنفس على الفناء و أصبح كل أمرئ يبكي على قتيل ما لكم رضيتم بأول أمر صاحبكم و كرهتم آخره إنه ليس لكم وحدكم الرضا.

فتشاتم عمرو و أبو موسى من ليلته فإذا ابن عم لأبي موسى يقول:

أبا موسى خدعت و كنت شيخا *** قريب القعر مدهوش الجنان

رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس *** بأمر لا تنوء به اليدان

وقد كنا نجمجم عن ظنون *** فصرحت للظنون عن العيان

فعض الكف من ندم و ماذا *** يرد عليك عضك بالبنان

قال و شمت أهل الشام بأهل العراق و قال كعب بن جعيل الغلتبي و كان شاعر معاوية قال:

كأن أبا موسى عشية أذرح *** يطوف بلقمان الحكيم يواربه

فلما تلاقوا في تراث محمد *** نمت بابن هند في قريش مضاربه

سعى بابن عفان ليدرك ثأره *** و أولى عباد الله بالثأر طالبه

و قد غشيتنا في الزبير غضاضة *** و طلحة إذ قامت عليه نوادبه

فرد ابن هند ملكه فى نصابه *** و من غالب الأقدار فالله غالبه

ص: 310

و ما لابن هند في لؤي بن غالب ***نظير و إن جاشت عليه أقاربه

فهذاك ملك الشام واف سنامه *** و هذاك ملك القوم قد جب غاربه

يحاول عبد الله عمرا و إنه *** ليضرب في بحر عريض مذاهبه

دحادحوه في صدره فهوت به *** إلى أسفل المهوى ظنون کواذبه

فرد عليه رجل من أصحاب على فقال:

غدرتم و كان الغدر منكم سجية *** فما ضرنا غدر اللئيم و صاحبه

و سمیتم شر البرية مؤمنا *** كذبتم فشر الناس للناس كاذبه

ولكم بن حرب بصيرة *** بلعن رسول الله إذكان كاتبه

و قال عمرو بن العاص حين خدع أبا موسى:

خدعت أبا موسى خديعة شيظم *** يخادع سقبا في فلاة من الأرض

فقلت له إنا كرهنا كليهما *** فنخلعها قبل التلاتل و الدحض

فإنهما لا يغضيان على قذى *** من الدهر حتى يفصلان على أمض

فطاوعنى حتى خلعت أخاهم *** وصار أخونا مستقيما لدى القبض

و إن ابن حرب غير معطيهم الولاء *** ولا الهاشمي الدهر أويربع الحمض

فرد عليه ابن عباس فقال:

كذبت و لكن مثلك اليوم فاسق *** على أمركم يبغي لنا الشر و العزلا

و تزعم أن الأمر منك خديعة *** إليه وكل القول في شأنكم فضلا

فأنتم و و رب البيت قد صار دينكم *** خلافا لدين المصطفى الطيب العدلا

أعاديتم حب النبي ونفسه *** فما لكم من سابقات و لا فضلا

وأنتم ورب البيت أخبث من مشى *** على الأرض ذا نعلين أو حافيا رجلا

غدرتم و كان الغدر منكم سجية *** كأن لم يكن حرثا و أن لم يكن نسلا

قال و لحق أبو موسى و هو يطوف بالبيت بمكة.

ص: 311

49 - نصر قال فحدثني عمر بن سعد عن محمد بن إسحاق عن طاوس قال سألت أبا موسى و هو يطوف بالبيت فقلت له أهذه الفتنة التي كنا نسمع بها قال ابن أخي هذه حيصة من حيصات الفتن فكيف بكم إذا جاءتكم المثقلة الرداح تقتل من أشرف لها و تموج بمن ماج فيها.

و قال الهيثم بن الأسود النخعي :

لما تداركت الوفود بأذرح *** وبأشعري لا يحل له الغدر

أدى أمانته و أوفى نذره *** وصبا فأصبح غادرا عمرو

يا عمرو إن تدع القضية تعترف *** ذل الحياة و ينزع النصر

ترك القرآن فما تأول آية *** وارتاب إذ جعلت له مصر

50 - قال نصر و في حديث عمر بن سعد و دخل عبد الله بن عمر و سعد بن أبي وقاص و المغيرة بن شعبة مع أناس معهم و كانوا قد تخلفوا عن على فدخلوا عليه فسألوه أن يعطيهم عطاءهم وقد كانوا تخلفوا عن علي حين خرج إلى صفين و الجمل.

فقال لهم علي ما خلفكم عني قالوا قتل عثمان و لا ندري أحل دمه أم لا وقد كان أحدث أحداثا ثم استتبتموه فتاب ثم دخلتم في قتله حين قتل فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم مع أنا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين و سابقتك وهجرتك.

فقال علي ألستم تعلمون أن الله عز و جل قد أمركم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فقال «وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ الله» قال سعد يا علي أعطني سيفا يعرف الكافر من المؤمن أخاف أن أقتل مؤمنا فأدخل النار.

ص: 312

فقال لهم علي ألستم تعلمون أن عثمان كان إماما بايعتموه على السمع و الطاعة فعلام خذلتموه إن كان محسنا وكيف لم تقاتلوه إذ كان مسيئا فإن كان عثمان أصاب بما صنع فقد ظلمتم.

إذ لم تنصروا إمامكم و إن كان مسيئا فقد ظلمتم إذ لم تعينوا من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر و قد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا و بين عدونا بما أمركم الله به فإنه قال «فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله» فردهم و لم يعطهم شيئا.

و كان علي اللا إذا صلى الغداة و المغرب و فرغ من الصلاة يقول اللهم العن معاوية و عمرا و أبا موسى و حبیب بن مسلمة و الضحاك بن قيس و الوليد بن عقبة و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.

فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليا و ابن عباس و قیس بن سعد و الحسن و الحسين (علیه السّلام).

و قال الراسبي من أهل حرورا :

ندمنا على ما كان منا و من يرد *** سوى الحق لا يدرك هواه و يندم

خرجنا على أمر فلم يك بيننا *** وبين علي غير غاب مقوم

و ضرب يزيل الهام عن مستقره *** كفاحا كفاحا بالصفيح المصمم

فجاء علي بالتي ليس بعدها *** مقال لذي حلم ولا متحلم

رمانا بمر الحق إذ قال جئتم *** إلي بشيخ للأشاعر قشعم

فقلتم رضينا بابن قيس و مالنا *** رضا غير شيخ ناصح الجيب مسلم

و قال ابن عباس يكون مكانه *** فقالوا له: لا لا ألا بالتهجم

فما ذنبه فيه و أنتم دعوتم *** إليه عليا بالهوى و التقحم

فأصبح عبد الله بالبيت عائدا *** يريد المنى بين الحطيم و زمزم

ص: 313

و قال نابغة بني جعدة وقال هي عندنا أكثر من مائة بيت فكتبت الذي يحتاج إليه:

سألتني جارتي عن أمتي *** وإذا ما عي ذو اللب سأل

سألتني عن أناس هلكوا *** شرب الدهر عليهم و أكل

بلغوا ا لغوا الملك فلما بلغوا *** بخسار و انتهى ذاك الأجل

وضع الدهر عليهم بركه *** فأبيدوا لم يغادر غير تل

فأراني طربا في إثر في إثرهم *** طرب الواله أو كالمختبل

أنشد الناس ولا أنشدهم *** إنما ينشد من كان أضل

ليت شعري إذ مضى ما قد مضى *** وتجلى الأمر الله الأجل

ما يظنن بناس قتلوا *** أهل صفين و أصحاب الجمل

أينامون إذا ما ظلموا *** أم يبيتون بخوف و وجل

و قال طلبة بن قيس بن عاصم المنقري:

إذا فاز دوني بالمودة مالك *** وصاحبه الأدنى عدي بن حاتم

و فاز بها دوني شريح بن هاني *** ففيم ننادي للأمور العظائم

و لو قيل من يفدي عليا فديته *** بنفسك يا طلب بن قيس بن عاصم

لقلت نعم تفديه نفس شحيحة *** ونفدي بسعد كلها حي هاشم

51 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال سمعت تميم بن حذيم الناجي يقول لما استقام لمعاوية أمره لم يكن شيء أحب إليه من لقاء عامر بن وائلة فلم يزل يكاتبه ويلطف حتى أتاه فلما قدم ساءله عن عرب الجاهلية قال و دخل عليه عمرو بن العاص و نفر معه فقال لهم معاوية تعرفون هذا هذا فارس صفين و شاعرها هذا خليل أبي الحسن.

قال: ثم قال يا أبا الطفيل ما بلغ من حبك عليا قال حب أم موسى

ص: 314

لموسى قال فما بلغ من بكائك عليه قال بكاء العجوز المقلات و الشيخ الرقوب إلى الله أشكو تقصيري .

فقال معاوية و لكن أصحابي هؤلاء لو كانوا سئلوا عني ما قالوا في ما قلت في صاحبك قال إنا و الله لا نقول الباطل فقال لهم معاوية لا و الله و لا الحق قال ثم قال معاوية هو الذي يقول:

إلى رجب السبعين تعترفونني *** مع السيف في خيل و أحمي عديدها

و قال معاوية يا أبا الطفيل أجزها فقال أبو الطفيل :

زحوف كركن الطود كل كتيبة *** إذا استمكنت منها يقل شديدها

كأن شعاع الشمس تحت لوائها *** مقارمها حمر النعام و سودها

شعارهم سيا النبي وراية *** بها ينصر الرحمن ممن یكيدها

لها سرعان من رجال كأنها *** دواهي السباع نمرها و أسودها

يمورون مور الموج ثم ادعاؤهم *** إلى ذات أنداد كثير عديدها

إذا نهضت مدت جناحين منهم *** على الخيل فرسان قليل صدودها

کهول و شبان يرون دماءكم *** طهورا و ثارات لها تستقيدها

كأني أراكم حين تختلف القنا *** و زالت بأكفال الرجال لبودها

و نحن نكر الخيل كرا عليكم *** كخطف عتاق الطير طيرا تصيدها

إذا نعيت موتى عليكم كثيرة *** وعيت أمور غاب عنكم رشيدها

هنالك النفس تابعة الهدى *** و نار إذا ولت و از شديدها

فلا تجزعوا إن أعقب الدهر دولة *** وأصبح مناكم قريبا بعيدها

فقالوا نعم قد عرفناه هذا أفحش شاعر و ألأم جليس فقال معاوية يا أبا الطفيل أتعرف هؤلاء قل ما أعرفهم بخير و لا أبعدهم من شر.

فأجابه أيمن بن خريم الأسدي:

ص: 315

إلى رجب أو غرة الشهر بعده *** يصبحكم حمر المنايا و سودها

ثمانين ألفا دين عثمان دينهم *** كتائب فيها جبرئيل يقودها

فمن عاش عبدا عاش فينا و من يمت *** ففي النار يسق مهلها وصديدها

52 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت تميم بن حذيم الناجي يقول أصيب في المبارزة من أصحاب علي (علیه السّلام)و معاوية.

عامر بن حنظلة الكندي يوم النهر و بسر بن زهير الأزدي و مالك بن كعب العامري و طالب بن كلثوم الهمداني والمرتفع بن الوضاح الزبيدي أصيب بصفين و شرحبيل بن طارق البكري و أسلم بن يزيد الحارثي و علقمة بن حصين الحارثي و الحارث بن الجلاح الحكمي.

و عائذ بن كريب الهلالي و واصل بن ربيعة الشيباني و عائذ بن مسروق الهمداني و مسلم بن سعيد الباهلي و قدامة بن مسروق العبدي و المخارق بن ضرار المرادي و سلمان بن الحارث الجعفي و شرحبيل بن الأبرد الحضرمي و الحصين بن سعيد الجرشي.

و أبو أيوب بن باكر الحكمي و حنظلة بن سعد التميمي و رويم بن شاكر الأحمري و كلثوم بن رواحة النمري و أبو شريح بن الحارث الكلاعي و شرحبيل بن منصور الحكمي و يزيد بن واصل المهري.

و عبد الرحمن بن خالد القيني و صالح بن المغيرة اللخمي و كريب بن الصباح الحميري من آل ذي يزن قتله علي والحارث بن وداعة الحميري و روق بن الحارث الكلاعي و المطاع بن المطلب القيني و الوضاح بن أدهم السكسكي و جلهمة بن هلال الكلبي و ابن سلامان الغساني و عبد الله بن جريش العكي و ابن قيس و المهاجر بن حنظلة الجهني.

و الضحاك بن قيس و مالك بن وديعة القرشي و شريح بن العطاء

ص: 316

الحنظلي و المخارق بن علقمة المازني و أبو جهل بن ظالم الرعيني و عبيدة بن رياح الرعيني و مالك بن ذات الكلبي و أكيل بن جمعة الكناني و الربيع بن واصل الكلاعي و مطرف بن حصين العكي.

و زبيد بن مالك الطائي و الجهم بن المعلى و الحصين بن تميم الحميريان و الأبرد بن علقمة الحرقي من أصحاب طلحة والزبير و الهذيل بن الأشهل التميمي و الحارث بن حنظلة الأزدي و مالك بن زهير الرقاشي و عمرو بن يثربي الضبي و المجاشع بن عبد الرحمن و النعمان بن جبير اليشكري و النضر بن الحارث الضبي و القاسم بن منصور الضبي.

و زامل بن طلحة الأزدي و كرز بن عطية الضبي و رفاعة بن طالب الجرهمي و الأشعث بن جابر و عبد الله بن المنهال الساعدي و عبد الله بن الحارث المازني و الحكم بن حنظلة الكندي و أبرهة بن زهير المذحجي و هند الجملى.

و رافع بن زيد الأنصاري و زيد بن صوحان العبدي و مالك بن حذيم الهمداني و شرحبيل بن إمرئ القيس الكندي و علباء بن الهيثم البكري و زيد بن هاشم المري و صالح بن شعيب القيني و بكر بن علقمة البجلي و الصامت بن قنسلي الفوطي .

و كليب بن تميم الهلالي و جهم الراسبي و المهاجر بن عتبة الأسدي و المستنير بن معقل الحارثي و الأبرد بن طهرة الطهوي و علباء بن المخارق الطائي وبواب بن زاهر و أبو أيوب بن أزهر السلمي زهاء عشرة آلاف.

و أصيب يوم الوقعة العظمى أكثر من ذلك و أصيب فيها من أصحاب علي ما بين السبعمائة إلى الألف.

و أصيب بصفين من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا.

ص: 317

و أصيب بها من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا.

و أصيب يوم النهروان على قنطرة البردان من المحكمة خمسة آلاف.

و أصيب منهم ألف بالنخيلة بعد مصاب علي (علیه السّلام).

و أصيب من أصحاب علي يوم النهروان ألف وثلاثمائة.

53- عنه قال و ذكر جابر عن الشعبي و أبي الطفيل ذكروا في عدة قتلى صفين و النهروان و النخيلة نحوا مما ذكر تميم الناجي.

54 - قال ابن الاعمير فلما دخل الكوفة لم يدخل الخوارج معه فأتوا حروراء فنزلوا بها. وقتل أويس القرني بصفّين، و قيل: بل مات بدمشق، و قيل: بأرمينية، وقيل: بسجستان. و فيها قتل جندب ابن زهير الأزدي، و هو من الصحابة، مع علي (علیه السّلام).

و قتل بصفّين أيضا حابس ابن سعد الطائي مع معاوية، و هو خال يزيد بن عدي بن حاتم فقتل يزيد قاتله غدرا، فأراد عديّ إسلامه إلى أولياء المقتول فهرب إلى معاوية. و ممن شهد صفّين مع عليّ خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين و لم يقاتل، فلما قتل عمار ابن ياسر جرّد سيفه و قاتل حتى قتل و قال سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، يقول: «تقتل عمارا الفئة الباغية»، و قتل مع عليّ سهيل ابن عمرو بن أبي عمر الأنصاري، و هو بدري و ممن شهد و قتل فيها مع علي من المهاجرين خالد بن الوليد، و له صحبة.

المنابع:

(1) الارشاد 129 الی 136 .

ص: 318

(2) الغارات 330/1 الى 272 .

(3) انساب الاشراف: 346 .

(4) تاريخ الطبري: 60/5.

(5) وقعة صفين: 528 الى 559 .

(6) كامل التواريخ : 321/3.

ص: 319

39 -باب الغارات على اعمال أمير المؤمنين (علیه السّلام)

1 - الثقفى عن عمرو بن محصن أن معاوية بن أبي سفيان لما أصاب محمد ابن أبي بكر بمصر وظهر عليها دعا عبد الله بن عامر الحضرمي فقال له سر إلى البصرة فإن جل أهلها يرون رأينا في عثمان و يعظمون قتله وقد قتلوا في الطلب بدمه و هم موتورون حنقون لما أصابهم ودوا لو يجدون من يدعوهم و يجمعهم و ينهض بهم في الطلب بدم عثمان و احذر ربيعة و انزل في مضر و تودد الأزد فإن الأزد كلهم جميعا معك إلا قليلا منهم فإنهم إن شاء الله غير مخالفيك و احذر من تقدم عليه.

فقال له عبد الله بن عامر أنا سهمك فى كنانتك و أنا من قد جربت و بدو أهل حربك و ظهيرك على قتلة عثمان فوجهني إليهم متى شئت فقال له أخرج غدا إن شاء الله فودعه و أخذ بيده و خرج من عنده.

فلما كان الليل جلس معاوية و أصحابه يتحدثون فقال لهم معاوية في أي منزل ينزل القمر الليلة فقالوا بسعد الذابح فكره معاوية ذلك و أرسل إليه أن لا تبرح حتى يأتيك رسولي فأقام.

و رأى معاوية أن يكتب إلى عمرو بن العاص و كان عامله يومئذ على مصر يستطلع رأيه في ذلك فكتب إليه. بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص و قد كان يسمى بأمير

ص: 320

المؤمنين بعد صفين و بعد تحكيم الحكمين - سلام عليك. أما بعد فإني قد رأيت رأيا هممت بإمضائه و لم يخذلني عنه إلا استطلاع رأيك فإن توافقتني أحمد الله و أمضيه و أن تخالفني فأستجير بالله و أستهديه.

إني نظرت في أمر أهل البصرة فوجدت عظم أهلها لنا وليا و لعلي و شيعته عدوا و قد أوقع بهم علي الوقعة التي علمت فأحقاد تلك الدماء ثابتة في صدورهم لا تبرح و لا تريم و قد علمت أن قتلنا ابن أبي بكر و وقعتنا بأهل مصر قد أطفأت نيران أصحاب علي في الآفاق و رفعت رءوس أشياعنا أينما كانوا من البلاد.

و قد بلغ من كان بالبصرة على مثل رأينا من ذلك ما بلغ الناس و ليس أحد ممن يرى رأينا أكثر عددا و لا أضر خلافا على علي من أولئك فقد رأيت أن أبعث إليهم عبد الله بن عامر الحضرمي فينزل في مضر و يتودد الأزد و يحذر ربيعة و ينعى دم عثمان بن عفان و يذكرهم وقعة علي بهم التي أهلكت صالحي إخوانهم وآبائهم وأبنائهم.

فقد رجوت عند ذلك أن يفسدوا على علي و شيعته ذلك الفرج من الأرض و متى يؤتوا من خلفهم و أمامهم يضل سعيهم و يبطل كيدهم فهذا رأيي فما رأيك فلا تحبس رسولي إلا قدر مضي الساعة التي ينتظر فيها جواب كتابي هذا أرشدنا الله و إياك و السلام عليك ورحمة الله و بركاته.

فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية :

أما بعد فقد بلغني كتابك فقرأته و فهمت رأيك الذي رأيته فعجبت له و قلت إن الذي ألقاه في روعك و جعله في نفسك هو الثائر لابن عفان و الطالب بدمه و إنه لم يك منك ولا منا منذ نهضنا في هذه الحروب و نادينا أهلها ولا رأى الناس رأيا أضر على عدوك و لا أسر لوليك من هذا الأمر

ص: 321

الذي ألهمته فأمض رأيك مسددا فقد وجهت الصليب الأديب الأريب الناصح غير الظنين و السلام.

فلما جاءه كتاب عمرو دعا ابن الحضرمي و قد كان ظن حين تركه معاوية أياما لا يأمره بالشخوص أن معاوية قد رجع عن إشخاصه إلى ذلك الوجه فقال له يا ابن الحضرمي سر على بركة الله إلى أهل البصرة فانزل في مضر.

و احذر ربيعة و تودد الأزد و انع عثمان بن عفان و ذكرهم. الوقعة التي أهلكتهم و من لمن سمع و أطاع دنيا لا تفنى و أثرة لا يفقدها حتى يفقدنا أو نفقده فودعه ثم خرج من عنده و قد دفع إليه كتابا و أمره إذا قدم أن يقرأه على الناس.

2- قال عمرو بن محصن وكنت معه حين خرج قال فلما خرجنا فسرنا ما شاء الله أن نسير سنح لنا ظبي أعضب عن شمائلنا قال فنظرت إليه فو الله لرأيت الكراهية في وجهه ثم مضينا حتى نزلنا البصرة في بني تميم فسمع بقدومنا أهل البصرة فجاءنا كل من يرى رأي عثمان بن عفان فاجتمع إلينا رءوس أهلها فحمد الله ابن عامر الحضرمي و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد أيها الناس فإن عثمان إمامكم إمام الهدى قتله علي بن أبي طالب ظلما فطلبتم بدمه وقاتلتم من قتله فجزاكم الله من أهل مصر خيرا و قد أصيب منكم الملأ الأخيار و قد جاءكم الله بإخوان لكم لهم بأس شديد يتق و عدد لا يحصى فلقوا عدوكم الذين قتلوكم فبلغوا الغاية التى أرادوا صابرين فرجعوا و قد نالوا ما طلبوا فمالئوهم و ساعدوهم وتذكروا تأركم تشفوا صدوركم من عدوكم.

ص: 322

فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي فقال قبح الله ما جئتنا به و دعوتنا إليه جئتنا و الله بمثل ما جاء به صاحباك طلحة والزبير أتيانا وقد بايعنا علياً (علیه السّلام) و اجتمعنا له وكلمتنا واحدة و نحن على سبيل مستقيم فدعوانا إلى الفرقة وقاما فينا بزخرف القول حتى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا و ظلما فاقتتلنا على ذلك.

و ايم الله ما سلمنا من عظيم وبال ذلك و نحن الآن مجتمعون على بيعة هذا العبد الصالح الذي قد أقال العثرة و عفا عن المسيء و أخذ بيعة غائبنا و شاهدنا أفتأمرنا الآن أن نختلع أسيافنا من أغمادها ثم يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا و تكون له وزيرا و نعدل بهذا الأمر عن علي (علیه السّلام).

و الله ليوم من أيام علي (علیه السّلام) مع النبي (علیه السّلام) خير من بلاء معاوية و آل معاوية لو بقوا في الدنيا ما الدنيا باقية.

فقام عبد الله بن خازم السلمي فقال للضحاك اسكت فلست بأهل أن تتكلم في أمر العامة ثم أقبل على ابن الحضرمي فقال نحن يدك و أنصارك و القول ما قلت وقد فهمنا ما ذكرت فادعنا إلى أي شيء شئت فقال له الضحاك بن عبدالله يا ابن السوداء و الله لا يعز من نصرت و لا يذل من خذلت فتشاتما. و الضحاك هذا هو الذي يقول

يا أيهذا السائلي عن نسبي *** بين ثقيف و هلال منصبي

أسماء وضحاك أبي *** وسيط مني المجد من معتبي

و هو القائل في بني العباس:

ا ولدت من ناقة لفحل *** بحبل نعلمه و سهل

كستة من بطن أم الفضل*** أكرم بها من كهلة و كهل

عم النبي المصطفى ذي الفضل *** و خاتم الأنباء بعد الرسل

ص: 323

فقام عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي ثم التيمي فقال عباد الله إنا لم ندعكم إلى الاختلاف و الفرقة و لا نريد أن تقتتلوا ولا نريد أن تتنابذوا ولكنا إنما ندعوكم لجمع كلمتكم و توازروا إخوانكم الذين هم على رأيكم و أن تلموا شعتكم وتصلحوا ذات بينكم فهلا مهلا رحمكم الله اسمعوا لهذا الكتاب الذي يقرأ عليكم ففضوا كتاب معاوية و إذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المؤمنين و المسلمين من أهل البصرة سلام عليكم أما بعد فإن سفك الدماء بغير حلها وقتل النفس التي حرم الله قتلها هلاك موبق و خسران مبين لا يقبل الله ممن سفكها صرفا و لا عدلا .

و قد رأيتم رحمكم الله آثار ابن عفان و سيرته وحبه للعافية و معدلته و سده للثغور و إعطاءه بالحقوق و إنصافه للمظلوم و حبه الضعيف حتى وثب الواثبون عليه وتظاهر عليه الظالمون فقتلوه مسلما مخرما ظمآن صائما لم يسفك فيهم دما و لم يقتل منهم أحدا و لا يطلبونه بضربة سيف و لا سوط.

و إنما ندعوكم أيها المسلمون إلى الطلب بدمه و إلى قتال من قتله فانا و إياكم على أمر هدى واضح و سبيل مستقيم إنكم إن جامعتمونا طفئت النائرة و اجتمعت الكلمة واستقام أمر هذه الأمة و أقر الظالمون المتوثبون الذين قتلوا إمامهم بغير حق فأخذوا بجرائرهم و ما قدمت أيديهم.

إن لكم على أن أعمل فيكم بالكتاب و أن أعطيكم في السنة عطاءين و لا أحتمل فضلا من فيئكم عنكم أبدا فناز عوا إلى ما تدعون إليه رحمكم الله وقد بعثت إليكم رجلا من الناصحين و كان من أمناء خليفتكم المظلوم ابن عفان و عماله و أعوانه على الهدى و الحق جعلنا الله وإياكم ممن يجيب

ص: 324

إلى الحق و يعرفه و ينكر الباطل و يجحده و السلام عليكم و رحمة الله.

فلما قرئ عليهم الكتاب قال عظماؤهم سمعنا وأطعنا.

3- عنه عن أبي منقر الشيباني قال قال الأحنف بن قيس لما قرئ عليهم الكتاب أما أنا فلا ناقة لي في هذا ولا جمل و أعتزل أمرهم ذلك.

و قال عمرو بن مرحوم من عبد قيس أيها الناس الزموا طاعتكم و لا تنكثوا بيعتكم فتقع بكم واقعة وتصيبكم قارعة و لا تكن لكم بعدها بقية ألا إني قد نصحت لكم و لكن لا تحبون الناصحين.

4- عنه حدثنا ثعلبة بن عباد أن الذي كان سدد لمعاوية رأيه في إرسال ابن الحضرمي كتاب كتبه إليه صحار بن عباس العبدي و هو ممن كان يرى رأي عثمان ويخالف قومه في حبهم علياء (علیه السّلام) ونصرتهم إياه.

قال فكتب إلى معاوية:

أما بعد فقد بلغنا وقعتك بأهل مصر الذين بغوا على إمامهم وقتلوا خليفتهم ظلما و بغيا فقرت بذلك العيون وشفيت بذلك النفوس و ثلجت أفئدة أقوام كانوا لقتل عثمان كارهين و لعدوه مفارقين و لكم موالين وبكم راضين فإن رأيت أن تبعث إلينا أميرا طيبا زاكيا ذا عفاف و دين يدعو إلى الطلب بدم عثمان فعلت فإني لا إخال الناس إلا مجمعين عليك فإن ابن عباس غائب عن الناس و السلام.

فلما قرأ معاوية كتابه قال لا عزمت رأيا سوى ما كتب به إلي هذا و كتب إليه جوابه:

أما بعد فقد قرأت كتابك فعرفت نصيحتك و قبلت مشورتك فرحمك الله وسددك اثبت هداك الله على رأيك الرشيد فكأنك بالرجل الذي سألت قد أتاك و كأنك بالجيش قد أطل عليك فسررت و حییت و قبلت و

ص: 325

السلام.

5 - عنه قال لما نزل ابن الحضرمي ببني تميم أرسل إلى الرءوس فأتوه فقال لهم أجيبوني إلى الحق و انصروني على هذا الأمر و إن الأمير بالبصرة يومئذ زياد بن عبيد قد استخلفه عبد الله بن عباس و قدم على علي (علیه السّلام) إلى الكوفة يعزيه عن محمد بن أبي بكر قال فقام إليه صحار فقال إي و الذي له أسعى و إياه أخشى لننصرنك بأسيافنا و أيدينا.

وقام المثنى بن مخربة العبدي فقال لا و الذي لا إله إلا هو لئن لم ترجع إلى مكانك الذي أقبلت منه لنأخذنك بأسيافنا و أيدينا ونبالنا و أسنة رماحنا أنحن ندع ابن عم نبينا و سيد المسلمين و ندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاغ والله لا يكون ذلك أبدا حتى نسير كتيبة إلى كتيبة و نفلق الهام بالسيوف .

قال فأقبل ابن الحضرمي على صبرة بن شيمان الأزدي فقال يا صبرة أنت رأس قومك وعظيم من عظماء العرب و أحد الطلبة بدم عثمان رأينا رأيك و رأيك رأينا و بلاء القوم عندك في نفسك و عشيرتك ما قد ذقت و رأيت فانصرني و كن من دوني فقال له إن أنت أتيت فنزلت في داري نصرتك و منعتك فقال إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أنزل في قومه من مضر فقال اتبع ما أمرك به و انصرف من عنده.

و أقبل الناس إلى ابن الحضرمي فكثر تبعه ففزع لذلك زياد و هاله و هو في دار الإمارة فبعث إلى الحصين بن المنذر و مالك بن مسمعفدعاهما فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإنكم أنصار أمير المؤمنين و شيعته و ثقته و و قد جاءكم هذا الرجل بما قد بلغكم.

فأجيروني حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين و رأيه فأما مالك بن مسمع

327

ص: 326

فقال هذا أمر لي فيه نظر فارجع إلى من ورائي و انظر و أستشير في ذلك و ألقاك و أما الحصين بن المنذر فقال نعم نحن فاعلون و لن نخذلك و لن نسلمك فلم ير زياد من القوم ما يطمئن إليه.

فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزدي فقال يا ابن شيمان أنت سيد قومك و أحد عظماء هذا المصر فإن يكن فيه أحد هو أعظم أهله فأنت أفلا تجيرني و تمنعني و تمنع بيت مال المسلمين؟ فإنما أنا أمين عليه فقال بلى إن أنت تحملت حتى تنزل في داري منعتك.

فقال له إني فاعل فحمله ثم ارتحل ليلا حتى نزل دار صبرة بن شيمان و كتب إلى عبد الله بن عباس و لم يكن معاوية ادعى زيادا بعد لأنه إنما

ادعاه بعد وفاة على (علیه السّلام).

بسم الله الرحمن الرحيم للأمير عبد الله بن عباس من زياد بن عبيد سلام عليك أما بعد فإن عبد الله بن عامر الحضرمي أقبل من قبل معاوية حتى نزل في بني تميم و نعى ابن عفان و دعا إلى الحرب فبايعه جل أهل البصرة فلما رأيت ذلك استجرت بالأزد بصبرة بن شيمان و قومه لنفسي و لبيت مال المسلمين.

فرحلت من قصر الإمارة فنزلت فيهم و أن الأزد معى و شيعة أمير المؤمنين من سائر القبائل تختلف إلي و شيعة عثمان تختلف إلى ابن الحضرمي و القصر خال منا و منهم فارفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه و يعجل علي بالذي يرى أن يكون فيه منه و السلام.

قال فرفع ذلك ابن عباس إلى علي (علیه السّلام) فشاع في الناس بالكوفة ما كان من ذلك و كانت بنو تميم و قيس و من يرى رأي عثمان قد أمروا ابن الحضرمي أن يسير إلى قصر الإمارة حين خلاه زياد فلما تهياً لذلك و دعا

ص: 327

له أصحابه ركبت الأزد و بعثت إليه وإليهم.

إنا و الله لا ندعكم تأتون القصر فتنزلون به من لا نرضى و من نحن له كارهون حتى يأتي رجل لنا و لكم رضى فأبى أصحاب ابن الحضرمي إلا أن يسيروا إلى القصر و أبت الأزد إلا أن يمنعوهم فركب الأحنف فقال لأصحاب ابن الحضرمي.

إنكم والله ما أنتم بأحق بقصر الإمارة من القوم و ما لكم أن تؤمروا عليهم من يكرهونه فانصرفوا عنهم ثم جاء إلى الأزد فقال إنه لم يكن ما تكرهون و لن يؤتى إلا ما تحبون فانصرفوا رحمكم الله ففعلوا.

6- عنه عن الكلبي أن ابن الحضرمي لما أتى البصرة و دخلها نزل في بني تميم في دار سنبل و دعا بني تميم و أخلاط مضر فقال زياد لأبي الأسود الدؤلي أما ترى ما صنع أهل البصرة إلى معاوية و ما في الأزد لي مطمع فقال إن كنت تركتهم لم ينصروك و إن أصبحت فيهم منعوك.

فخرج زياد من ليلته و أتى الأزد و نزل على صبرة بن شيمان فأجاره فبات ليلته فلما أصبح قال له صبرة يا زياد ليس حسنا بنا أن تقوم فينا مختفيا أكثر من يومك هذا فاتخذ له منبرا و سريرا في مسجد الحدان و جعل له شرطا وصلى بهم الجمعة في مسجد الحدان.

و غلب ابن الحضرمي على ما يليه من البصرة و جباها و اجتمعت الأزد على زياد فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

يا معشر الأزد أنتم كنتم أعدائي فأصبحتم أوليائي و أولى الناس بي و إني لو كنت في بني تميم و ابن الحضرمي فيكم نازلا لم أطمع فيه أبدا وأنتم دونه فلا يطمع ابن الحضرمي في و أنتم دوني و ليس ابن آكلة الأكباد في بقية الأحزاب و أولياء الشيطان بأدنى إلى الغلبة من أمير المؤمنين علي في

ص: 328

المهاجرين والأنصار.

و قد أصبحت فيكم مضمونا و أمانة مؤداة و قد رأينا وقعتكم يوم الجمل فاصبروا مع الحق كصبركم مع الباطل فإنكم لا تحمدون إلا على النجدة و لا تعذرون على الجبن.

فقام شيمان أبو صبرة و لم يكن شهد يوم الجمل و كان غائبا فقال:

يا معشر الأزد ما أبقت عواقب الجمل عليكم إلا سوء الذكر و قد كنتم أمس على علي (علیه السّلام) فكونوا اليوم له واعلموا أن سلمكم جاركم ذل و خذلكم إياه عار و أنتم حي مضماركم الصبر و عاقبتكم الوفاء فإن سار القوم بصاحبهم فسيروا بصاحبكم و إن استمدوا معاوية فاستمدوا عليا و إن وادعوكم فوادعوهم.

ثم قام صبرة بن شيمان فقال يا معشر الأزد إنا قلنا يوم الجمل نمنع مصرنا و نطيع أمنا وننصر خليفتنا المظلوم فأنعمنا القتال و أقمنا بعد انهزام الناس حتى قتل منا من لا خير فينا بعده و هذا زياد جاركم اليوم والجار مضمون و لسنا نخاف من علي (علیه السّلام) ما نخاف من معاوية.

فهبوا لنا أنفسكم و امنعوا جاركم أو فأبلغوه مأمنه فقالت الأزد إنما نحن لكم تبع فأجير وه فضحك زياد و قال يا صبرة أتخشون ألا تقوموا لبنى تميم فقال صبرة إن جاءونا بالأحنف جئناهم بأبي صبرة و إن جاءونا بالحتات جئتهم أنا و إن كان فيهم شباب ففينا شباب كثير فقال زياد إنما كنت مازحا .

فلما رأت بنو تميم أن الأزد قد قاموا دون زياد بعثت إليهم أخرجوا صاحبكم و نحن نخرج صاحبنا فأي الأميرين غلب علي أو معاوية دخلنا في طاعته و لم نهلك عامتنا فبعث إليهم أبو صبرة إنما كان هذا يرجى عندنا

ص: 329

قبل أن نجيره و لعمري ما قتل زياد و إخراجه إلا سواءً و إنكم لتعلمون أنا لم نجره إلا تكرما فالهوا عن هذا.

عنه عن أبي الكنود أن شبث بن ربعي قال لعلي (علیه السّلام) يا أمير المؤمنين ابعث إلى هذا الحي من تميم فادعهم إلى طاعتك و لزوم بيعتك و لا تسلط عليهم أزد عمان البعداء البغضاء فإن واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم فقال له مخنف بن سليم الأزدي إن البعيد البغيض من عصیالله و خالف أمير المؤمنين و هم قومك.

و إن الحبيب القريب من أطاع الله و نصر أمير المؤمنين و هم قومي واحدهم لأمير المؤمنين خير من عشرة من قومك فقال أمير المؤمنين (علیه السّلام) مه تناهوا أيها الناس و ليردعكم الإسلام و وقاره عن التباغي و التهاذي و لتجتمع كلمتكم و الزموا دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره و كلمة الإخلاص التي هي قوام الدين و حجة الله على الكافرين .

و اذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متفرقين متباغضين فألف بينكم بالإسلام فكثرتم و اجتمعتم و تحاببتم فلا تفرقوا بعد إذ اجتمعتم و لا تباغضوا بعد أن تحاببتم فإذا انفصل الناس وكانت بينهم الثائرة فتداعوا إلى العشائر و القبائل فاقصدوا لهامهم و وجوههم بالسيوف حتى يفزعوا إلى الله و كتابه و سنة نبيه فأما تلك الحمية حين تكون في المسلمين من خطوات الشيطان فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا و تنجحوا.

ثم إنه (علیه السّلام) دعا أعين بن ضبيعة المجاشعي فقال يا أعين ما بلغك أن قومك وثبوا على عاملي مع ابن الحضرمي بالبصرة يدعون إلى فراقي و شقاقي و يساعدون الضلال الفاسقين علي فقال لا تستأ يا أمير المؤمنين و لا يكن ما تكره ابعثني إليهم فأنا لك زعيم بطاعتهم و تفريق جماعتهم و نفي

ص: 330

ابن الحضرمي من البصرة أو قتله قال فاخرج الساعة فخرج من عنده و مضى حتى قدم البصرة.

ثم دخل على زياد و هو بالأزد مقيم فرحب به و أجلسه إلى جانبه فأخبره بما قال له على (علیه السّلام) و بما رد عليه و ما الذي عليه رأيه قال فو الله إنه ليكلمه وإذا بكتاب من أمير المؤمنين (علیه السّلام) إلى زياد فيه.

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى زياد بن عبيد سلام عليك أما بعد فإني قد بعثت أعين بن ضبيعة ليفرق قومه عن ابن الحضرمي فارقب ما يكون منه فإن فعل و بلغ من ذلك ما يظن به وكان في ذلك تفريق تلك الأوباش فهو ما تحب.

و إن ترامت الأمور بالقوم إلى الشقاق والعصيان فانهض بمن أطاعك إلى من عصاك فجاهدهم فإن ظفرت فهو ما ظننت و إلا فطاوعهم و ماطلهم ثم تسمع بهم و أبصر فكان كتائب المسلمين قد أظلت عليك فقتل الله المفسدين الظالمين و نصر المؤمنين المحقين و السلام.

فلما قرأه زياد أقرأه أعين بن ضبيعة فقال له أعين إني لأرجو أن تكفى هذا الأمر إن شاء الله ثم خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالا من قومه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

يا قوم على م تقتلون أنفسكم وتهريقون دماءكم على الباطل مع السفهاء الأشرار و إني والله ما جئتكم حتى عبيت إليكم الجنود فإن تنيبوا إلى الحق يقبل منكم و يكف عنكم و إن أبيتم فهو و الله استئصالكم و بواركم. فقالوا بل نسمع ونطيع فقال انهضوا الآن على بركة الله فنهض بهم إلى جماعة ابن الحضرمي فخرجوا إليه مع ابن الحضرمي فصافوه و واقفهم عامة يومه يناشدهم الله و يقول يا قوم لا تنكثوا بيعتكم و لا تخالفوا

ص: 331

إمامكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.

فقد رأيتم و جربتم كيف صنع الله بكم عند نكتكم بيعتكم و خلافكم فكفوا عنه و لم يكن بينه و بينهم قتال و هم في ذلك يشتمونه و ينالون منه فانصرف عنهم و هو منهم منتصف. فلما آوى إلى رحله تبعه عشرة نفر يظن أنهم خوارج فضربوه بأسيافهم و هو على فراشه و لا يظن أن الذي كان يكون فخرج يشتد عريانا فلحقوه في الطريق فقتلوه فأراد زياد أن يناهض ابن الحضرمي حين قتل أعين بجماعة من معه من الأزد و غيرهم من شيعة علي عامة .

فأرسلت بنو تميم إلى الأزد و الله ما عرضنا لجاركم إذ أجرتموه و لا لمال هو له و لا لأحد ليس على رأينا فما تريدون إلى حربنا و إلى جارنا فكان الأزد عند ذلك كرهت قتالهم.

فكتب زياد إلى علي (علیه السّلام).

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا أمير المؤمنين فإن أعين بن ضبيعة قدم علينا من قبلك بجد و مناصحة و صدق و يقين فجمع إليه من أطاعه من عشيرته فحثهم على الطاعة و الجماعة وحذرهم الفرقة و الخلاف ثم نهض بمن أقبل معه إلى من أدبر عنه فواقفهم عامة النهار فهال أهل الضلال مقدمه و تصدع عن ابن الحضرمي كثير ممن كان معه يريد نصرته.

فكان كذلك حتى أمسى فأتى رحله فبيته نفر من هذه الخارجة المارقة فأصيب. فأردت أن أناهض ابن الحضرمي عند ذلك فحدث أمر قد أمرت صاحب كتابي هذا أن يذكره لأمير المؤمنين و قد رأيت إن رأي أمير المؤمنين ما رأيت أن يبعث إليهم جارية بن قدامة فإنه نافذ البصيرة مطاع في العشيرة شديد على عدو أمير المؤمنين فإن يقدم يفرق بينهم بإذن الله و

ص: 332

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

فلما جاء الكتاب و قرأه علي (علیه السّلام) دعا جارية بن قدامة فقال يا ابن قدامة تمنع الأزد عاملي و بيت مالي و تشاقني مضر و تنابذني و بنا ابتدأها الله بالكرامة و عرفها الهدى و تدعو إلى المعشر الذين حادوا الله و رسوله و أرادوا إطفاء نور الله حتى علت كلمة الله و هلك الكافرون.

قال يا أمير المؤمنين ابعثني إليهم واستعن بالله عليهم قال قد بعثتك إليهم و استعنت بالله عليهم.

8 - عنه قال كعب بن قعين فخرجت مع جارية من الكوفة إلى البصرة في خمسين رجلا من بني تميم ما كان فيهم يماني غيري و كنت شديد التشيع قال فقلت لجارية إن شئت سرت معك و إن شئت ملت إلى قومي فقال بل سر معي و انزل منزلي فو الله لوددت أن الطير و البهائم تنصرني عليهم فضلا من الإنس.

9 - عنه عن كعب بن قعين أن عليا (علیه السّلام) كتب مع جارية بن قدامة كتابا فقال اقرأه على أصحابك قال فمضينا معه فلما دخلنا البصرة بدأ بزياد فرحب به و أجلسه إلى جانبه و ناجاه ساعة و ساءله ثم خرج فكان أفضل ما أوصاه به أن قال احذر على نفسك و اتق أن تلقى ما لقي صاحبك القادم قبلك و خرج جارية من عنده فقام في الأزد.

فقال: - جزاكم الله من حي خيرا - ما أعظم عناءكم و أحسن بلاءكم و أطوعكم لأميركم و قد عرفتم الحق إذ ضيعه من أنكره و دعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه ثم قرأ عليهم و على من كان معه من شيعة علي (علیه السّلام) و غيرهم كتاب علي فإذا فيه:

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرى عليه كتابي هذا من

ص: 333

ساكني البصرة من المؤمنين و المسلمين سلام عليكم أما بعد فإن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة قبل البينة و لا يأخذ المذنب عند أول وهلة ولكنه يقبل التوبة و يستديم الأناة و يرضى بالإنابة ليكون أعظم للحجة و أبلغ في المعذرة وقد كان من شقاق جلكم.

أيها الناس ما استحققتم أن تعاقبوا عليه فعفوت عن مجرمكم و رفعت السيف عن مدبركم و قبلت من مقبلكم و أخذت بيعتكم فإن تفوا ببيعتي و تقبلوا نصيحتي و تستقيموا على طاعتي أعمل فيكم بالكتاب و السنة و قصد الحق و أقم فيكم سبيل الهدى فو الله ما أعلم أن واليا بعد محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أعلم بذلك منى و لا أعمل.

أقول قولي هذا صادقا غير ذام لمن مضى و لا منتقصا لأعمالهم فإن خطت بكم الأهواء المردية و سفه الرأي الجائر إلى منابذتي تريدون خلافي فها أنا ذا قربت جيادي و رحلت رکابي و ايم الله لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل عندها إلا كلعقة لاعق.

و إني لظان أن لا تجعلوا إن شاء الله على أنفسكم سبيلا و قد قدمت هذا الكتاب حجة عليكم و لن أكتب إليكم من بعده كتابا إن أنتم استغششتم نصيحتي و نابذتم رسولي حتى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شاء الله والسلام.

فلما قرئ الكتاب على الناس قام صبرة بن شيمان فقال سمعنا وأطعنا و نحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب و لمن سالم أمير المؤمنين سلم إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك و إن أحببت أن ننصرك نصرناك و قام وجوه ه الناس فتكلموا بمثل ذلك فلم يأذن لأحد منهم أن يسير معه و مضى نحو بني تميم. فقام زياد في الأزد فقال:

ص: 334

يا معشر الأزد إن هؤلاء كانوا أمس سلما فأصبحوا حربا و إنكم كنتم حربا فأصبحتم اليوم سلما و إني والله ما اخترتكم إلا على التجربة و لا أقمت فيكم إلا على التأمل فما رضيتم أن أجرتموني حتى نصبتم لي منبرا و سريرا و جعلتم لي شرطا و أعوانا و مناديا و جمعة فما فقدت بحضرتكم شيئا إلا هذا الدرهم لا أجيبه فإن لم أجبه اليوم أجبه غدا إن شاء الله.

و اعلموا أن حربكم اليوم معاوية أيسر عليكم في الدين والدنيا من حربكم أمس عليا و قد قدم عليكم جارية بن قدامة و إنما أرسله على(علیه السّلام) ليصدع أمر قومه و الله ما هو بالأمير المطاع و لا المغلوب المستغيث و لو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين أو لكان لي تبعا و أنتم الهامة العظمى والجمرة الحامية فقدموه إلى قومه فإن اضطر إلى نصركم فسيروا إليه إن رأيتم ذلك.

فقام أبو صبرة بن شيمان فقال: يا زياد إني والله لو شهدت قومي يوم الجمل رجوت أن لا يقاتلوا عليا و قد مضى الأمر بما فيه و هو يوم بيوم و أمر بأمر و الله إلى الجزاء بالإحسان أسرع منه إلى الجزاء بالسيئ و التوبة مع الحق و العفو مع الندم و لو كانت هذه فتنة لدعونا القوم إلى إبطال الدماء و استئناف الأمور و لكنها جماعة دماؤها حرام و جروحها قصاص و نحن معك فقدم هواك نحب لك ما أحببت.

فعجب زیاد من کلامه و و قال ما أظن في الناس مثل هذا. ثم قام صبرة ابنه فقال: إنا والله ما أصبنا بمصيبة في دين و لا دنيا كما أصبنا أمس يوم الجمل و إنا لنرجو اليوم أن نمحص ذلك بطاعة الله وطاعة أمير المؤمنين و أما أنت يا زياد فو الله ما أدركت أملك فينا و لا أدركنا أملنا فيك دون ردك إلى دارك و نحن رادوك إليها غدا إن شاء الله تعالى فإذا فعلنا.

ص: 335

فلا يكن أحد أولى بك منا فإنك إن لم تفعل تأت ما لا يشبهك و إنا و الله نخاف من حرب علي في الآخرة ما لا نخاف من حرب معاوية في الدنيا فقدم هواك و أخر هوانا فنحن معك و طوعك.

ثم قام جيفر العماني و كان لسان القوم فقال: أيها الأمير إنك لو رضيت منا بما ترضى به من غيرنا لم نرض لك ذلك من أنفسنا و لو رضينا لك كنا قد خناك لأن لنا عقدا مقدما و حمدا مذكورا سر بنا إلى القوم إن شئت و ايم الله ما لقينا يوما قط إلا اكتفينا بعفونا دون جهدنا إلا ما كان أمس .

فلما أصبحوا أشارت الأزد إلى جارية أن سر بمن معك و مضت الأزد بزياد حتى أدخلوه دار الإمارة و أما جارية فإنه كلم قومه و صاح فيهم فلم يجيبوه و خرج إليه منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه و أسمعوه فأرسل إلى زياد و الأزد يستصرخهم و يأمرهم أن يسيروا إليه.

فسارت الأزد بزياد حتى أدخلوه دار الامارة، ثم ساروا إلى ابن الحضرمي و خرج إليهم ابن الحضرمي و على خيله عبد الله بن خازم السلمي فاقتتلوا ساعة فأقبل شريك بن الأعور الحارثي و كان من شيعة علي (علیه السّلام) و صديقا لجارية بن قدامة فقال ألا أقاتل معك عدوك فقال بلى.

10- عنه قال: فما لبثت بنو تميم أن هزموهم و اضطروهم إلى دار سنبل السعدي فحصر وهم ذلك اليوم إلى العشي في دار ابن الحضرمي و كان ابن خازم معه فجاءت أمه وهي سوداء حبشية اسمها عجلى فنادته فأشرف عليها فقالت: يا بني انزل إلي، فأبى فكشفت رأسها و أبدت قناعها و سألته النزول فقالت والله لئن لم تنزل لأتعرين و أهوت بيدها على ثيابها.

فلما رأى ذلك نزل فذهبت به و أحاط جارية و زياد بالدار و قال

ص: 336

جارية علي بالنار فقالت الأزد لسنا من الحريق بالنار في شيء و هم قومك و أنت أعلم فحرق جارية الدار عليهم فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي ثم التيمي و سمي جارية منذ ذلك اليوم محرقا.

فلما أحرق ابن الحضرمي وسارت الأزد بزياد حتى أوطنوه قصر الإمارة و معه بيت المال قالت له هل بقي علينا من جوارك شيء قال لا قالوا فبرئنا من جوارك قال نعم فانصرفوا عنه إلى ديارهم و استقام لزياد أمر البصرة وارتحل ببيت المال حتى رجع إلى القصر.

و قال أبو العرندس العوذي في زياد و تحريق ابن الحضرمي:

رددنا زیادا إلى داره *** و جار تميم ينادي الشجب

لحا الله قوما شووا جارهم *** وللشاء بالدرهمين الشصب

ينادي الحباق و حمانها *** وقد حرقوا رأسه فالتهب

11 - عنه عن محمد بن قيس عن ظبيان بن عمارة قال دعاني زياد فكتب معي إلى علي (علیه السّلام) أما بعد فإن جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن الحضرمي بمن نصره و أعانه بمن نصره و أعانه من الأزد ففضه و اضطره إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من عدد كثير من أصحابه.

فلم يخرج حتى حكم الله بينهما فقتل الحضرمي و أصحابه منهم من أحرق بالنار و منهم من ألقي عليه الجدار و منهم من هدم عليه البيت من أعلاه و منهم من قتل بالسيف و سلم منهم نفر أنابوا و تابوا فصفح عنهم بعدا لمن عصى و غوى والسلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته.

فلما وصل كتاب زياد قراه علي (علیه السّلام) على الناس فسر بذلك و سر أصحابه وأثنى على جارية و على الأزد و ذم البصرة فقال إنها أول القرى

ص: 337

خرابا إما غرقا و إما حرقا حتى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة ثم قال لظبيان أين منزلك منها فقلت مكان كذا فقال عليك بضواحيها عليك بضواحيها.

12 - عنه عن جندب الأزدي عن أبيه قال: أوّل غارة كانت بالعراق غارة الضّحاك بن قيس على أهل العراق وكانت بعد ما حكم الحكمان و قبل قتل أهل النّهر وذلك أنّ معاوية لما بلغه أن عليّا (علیه السّلام) بعد تحكيم الحكمين تحمّل إليه مقبلا فهاله أمره فخرج من دمشق معسكرا و بعث الى كور الشام فصاح فيها: أنّ عليا قد سار إليكم و كتب إليهم نسخة واحدة فقرئت على النّاس:

أما بعد فانا كنا قد كتبنا بيننا و بين علي كتابا و شرطنا فيه شروطا، و حكمنا رجلين يحكمان علينا وعليه بحكم الكتاب لا يعدوانه، و جعلنا عهد الله و ميثاقه على من نكث العهد و لم يمض الحكم، و ان حكمي الذي كنت حكمته أثبتني، و انّ حكمه خلعه، وقد أقبل إليكم ظالما ظالما و من نكث فانما ينكث على نفسه تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز، و أعدوا لها آلة القتال و أقبلوا خفافا و ثقالا و کسالی و نشاطا يسرنا الله وإياكم لصالح الأعمال.

فاجتمع إليه النّاس من كلّ كورة و أرادوا المسير الى صفّين فاستشارهم و قال ان عليّا قد خرج إليكم من الكوفة و عهد العاهد به أنه فارق النخيلة.

فقال له حبيب بن مسلمة: فانّي أرى أن نخرج حتى ننزل منزلنا الذي كنّا فيه فانّه منزل مبارك قد متعنا الله به و و أعطانا من عدوّنا فيه النّصف ، و قال له عمرو بن العاص انّي أرى لك أن تسير بالجنود حتى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة فانّ ذلك أقوى لجندك وأذلّ لأهل حربك.

ص: 338

فقال معاوية :و الله اني لأعرف أنّ الرّأي الذي تقول، و لكنّ النّاس لا يطيقون ذلك، قال عمرو: انّها أرض رفيعة فقال معاوية و الله ان جهد النّاس أن يبلغوا منزلهم الذي كانوا به يعني صفين.

فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة حتى قدمت عليهم عيونهم أن عليا اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة و أنه قد رجع عنكم إليهم، فكثر سرور النّاس بانصرافه عنهم، و ما ألقى الله من الخلاف بينهم.

فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من علي و أصحابه و هل يقبل عليّ بالنّاس أم لا؟ فما برح معاوية حتى جاءه الخبر أنّ عليا قد قتل تلك الخوارج و أراد بعد قتلهم أن يقبل إليه بالنّاس وأنّهم استنظروه و ،دافعوه فسر بذلك هو و من قبله من النّاس.

13 - عنه عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري قال جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط من الكوفة و نحن معسكرون مع معاوية نتخوّف أن يفرغ علي من خارجته ثم يقبل إلينا و نحن نقول: ان أقبل إلينا كان أفضل المكان الذي نستقبله به مكاننا الذي لقيناه فيه العام الماضي و كان في كتاب عمارة:

أمّا بعد فانّ عليّا خرج عليه علية أصحابه و نساكهم فخرج عليهم فقتلهم. وقد فسد عليه جنده و أهل مصره و وقعت بينهم العداوة و تفرّقوا أشدّ الفرقة، فأحببت اعلامك لتحمد الله، و السلام.

قال: فقرأه معاوية عليّ و على أخيه و علي أبي الأعور السلمي ثم نظر الى أخيه عتبة و الى الوليد بن عقبة وقال للوليد: لقد رضى أخوك أن يكون لنا عينا، قال: فضحك الوليد و قال ان في ذلك أيضا لنفعا.

ص: 339

و بلغني أنّ الوليد بن عقبة قال لأخيه عمارة بن عقبة بن أبي معيط يحرّضه :

فان يك ظنّي بابن امي صادقا *** عمارة لا يطلب بذحل و لا وتر.

يبيت و أوتار ابن عفان عنده *** مخيّمة بين الخورنق و القصر

تمشى رخيّ البال مستشزر القوى *** كأنك لم تشعر بقتل أبي عمرو

قال: فعند ذلك دعا معاوية الضّحاك بن قيس الفهري و قال له: سر حتى تمر بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه، و ان وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليهما، و إذا أصبحت في بلدة فأمس في اخرى و لا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرّحت إليك لتلقاها فتقاتلها، فسرّحه فيما بين - ثلاثة آلاف الى أربعة آلاف جريدة خيل قال:

فأقبل الضّحاك يأخذ الأموال و يقتل من لق من الأعراب حتى مرّ بالتعلبية فأغار خيله على الحاج فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي و هو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة وقتل معه ناسا من أصحابه .

14 - عنه قال أبو روق فحدّثني أبي أنه سمع عليّا (علیه السّلام) و قد خرج الى النّاس و هو يقول على المنبر : يا أهل الكوفة اخرجوا الى العبد الصالح عمرو بن عميس و الى جيوش لكم قد أصيب منها طرف اخرجوا فقاتلوا عدوّكم وامنعوا حريمكم ان كنتم فاعلين.

قال: فردّوا عليه ردّا ضعيفا و رأى منهم عجزا و فشلا فقال والله لوددت أنّ لي بكلّ مائة منكم رجلا منهم و يحكم اخرجوا معي ثمّ فرّوا

ص: 340

عني ان بدا لكم، فو الله ما أكره لقاء ربّي على نيتي و بصيرتي و في ذلك روح لي عظيم و فرج من مناجاتكم ومقاساتكم و مداراتكم مثل ما تداری البكار العمدة و التّياب المتهترة كلّما خيطت من جانب تهتكت على صاحبها من جانب آخر ثم نزل.

فخرج يمشي حتى بلغ الغريين ثم دعا حجر بن عدي الكندي من خيله فعقد له ثم راية على أربعة آلاف ثم سرحه.

فخرج حتّى مرّ بالسماوة و هي أرض كلب فلقي بها إمرأ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي أصهار الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السّلام فكانوا أدلاءه على طريقه و على المياه فلم يزل مغذا في أثر الضحاك حتى لقيه بناحية تدمر فواقفه.

فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا و قتل من أصحاب حجر رجلان عبد الرحمن وعبد الله الغامدي، و حجز الليل بينهم فمضى الضّحاك فلما أصبحوا لم يجدوا له و لأصحابه أثرا، و كان الضّحاك يقول بعد:

أنا الضحاك بن قيس أنا أبو أنيس أنا قاتل عمرو بن عميس.

15 - عنه عن مسعر بن كدام قال: قال علي (علیه السّلام) : لوددت أنّ لي بأهل الكوفة أو قال: بأصحابي ألفا من بني فراس.

16 - عنه عن زيد بن وهب قال كتب عقيل بن أبي طالب الى على أمير المؤمنين حين بلغه خذلان أهل الكوفة و عصيانهم إياه بسم الله الرّحمن الرّحيم لعبد الله على أمير المؤمنين من عقيل بن أبي طالب سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد.

فإنّ الله حارسك من كلّ سوء، وعاصمك من كل مكروه وعلى كلّ

ص: 341

حال، انّي خرجت الى مكة معتمرا فلقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء فعرفت المنكر في وجوههم فقلت لهم: إلى أين يا أبناء الشانئين؟ أبمعاوية تلحقون؟ عداوة والله منكم قديما غير مستنكرة تريدون بها إطفاء نور الله و تبديل أمره؟ فأسمعني القوم و أسمعتهم.

فلما قدمت مكة سمعت أهلها يتحدّثون أنّ الضّحاك بن قيس أغار على الحيرة فاحتمل من أموالهم ما شاء ثم انكفأ راجعا سالما فأف لحياة في دهر جرّأ عليك الضحاك، و ما الضحاك؟ فقع بقرقر و قد توهمت حيث بلغني ذلك أنّ شيعتك و أنصارك خذلوك فاكتب الي يا بن أمّي برأيك.

فإن كنت الموت تريد تحمّلت إليك ببنى أخيك و ولد أبيك فعشنا معك ما عشت و متنا معك إذا مت فو الله ما أحب أن أبقي في الدنيا بعدك فواقا ، و أقسم بالأعزّ الأجل انّ عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير هنيء و لامرئ و لا نجيع و السّلام عليك ورحمة الله و بركاته.

فأجابه علي (علیه السّلام) :

بسم الله الرّحمن الرّحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين الى عقيل بن أبي طالب: سلام عليك، فاني أحمد إليك الله الذي لا إله الا هو اما بعد كلانا الله و إياك كلاءة من يخشاه بالغيب انه حميد مجيد. فقد وصل الي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد - الأزدي تذكر فيه أنك لقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح مقبلا من قديد في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء.

متوجّهين الى المغرب و انّ ابن أبي سرح طالما كاد الله و رسوله و كتابه وصدّ عن سبيله و بغاها عوجا، فدع ابن أبي سرح و دع عنك قريشا و خلّهم و تركاضهم في الضّلال و تجوالهم في الشقاق، ألا و انّ

ص: 342

العرب قد اجتمعت على حرب أخيك اليوم اجتماعها على حرب النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قبل اليوم.

فأصبحوا قد جهلوا حقه و جحدوا ،فضله و بادوه ،العداوة ونصبوا له الحرب، و جهدوا عليه كلّ الجهد، و جرّوا عليه جيش الأحزاب.

اللهم فاجز قريشا عنّي الجوازي فقد قطعت رحمي و تظاهرت عليّ، و دفعتني عن حقي و سلبتني سلطان ابن امي، و سلّمت ذلك الى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الإسلام، الا أن يدّعي مدّع ما لا أعرفه و لا أظنّ الله يعرفه، والحمد لله على كل حال.

و أما ما ذكرت من غارة الضّحاك على أهل الحيرة فهو أقلّ و أذلّ من أن يلمّ بها أو يدنو منها و لكنّه قد كان أقبل في جريدة خيل فأخذ على السماوة حتى مرّ بواقصة و شراف و القطقطانة فما و الى ذلك الصقع، فوجهت اليه جندا كثيفا من المسلمين فلما بلغه ذلك فرّ هاربا فلحقوه ببعض الطريق و قد أمعن.

و كان ذلك حين طفلت الشمس للاياب، فتنا وشوا القتال قليلا كلاولا، فلم يصبر لوقع المشرفية و ولى هاربا، وقتل من أصحابه تسعة عشر رجلا و نجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنّق و لم يبق منه غير الرّمق فلأيا بلأى ما نجا.

و أما ما سألتني أن اكتب إليك برأيي فيما أنا فيه فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله، لا يزيدني كثرة النّاس معي عزّة، و لا تفرقهم عني وحشة، لأني محق و الله مع الحق و والله ما أكره الموت على الحق، و ما الخير كله بعد الموت الا لمن كان محقا.

و أما ما عرضت به عليّ من مسيرك الي ببنيك و بني أبيك، فلا حاجة

ص: 343

لي في ذلك فأقم راشدا محمودا، فو الله ما أحب ان تهلكوا معي ان هلكت، و لا تحسبنّ ابن امّك و لو أسلمه النّاس متخشعا ولا متضرعا ولا مقرًا للضّيم واهنا ،ولا سلس الزمام للقائد و لا وطئ الظهر للراكب المقتعد انّى لكما قال أخو بني سليم:

فان تسأليني كيف أنت فانّني *** صبور على ريب الزمان صليب

يعزّ علي أن ترى بي كآبة *** فيشمت عاد أو يساء حبيب

17 - عنه عن محمد بن مخنف قال: انّي لأسمع الضحاك بن قيس بعد ذلك بزمان على منبر الكوفة يخطبنا و هو يقول: أنا ابن قيس و أنا أبو أنيس و أنا قاتل عمرو بن عميس، قال: و كان الذي ظاهره على ذلك أنه أخبر أنّ رجالا من الكوفة يظهرون شتم عثمان و البراءة منه قال: فسمعته و هو يقول:

بلغني أنّ رجالا منكم ضلالا يشتمون أئمة الهدى و يعيبون أسلافنا الصّالحين، أما والذي ليس له ند و لا شريك لئن لم تنتهوا عما بلغني عنكم لأضعن فيكم سيف زياد ثم لا تجدونني ضعيف السورة ولا كليل الشفرة، أما والله انى لصاحبكم الذى أغرت على بلادكم.

فكنت أوّل من - غزاها في الإسلام، فسرت ما بين التعلبية وشاطئ الفرات، أعاقب من شئت و أعفو عمّن شئت، لقد ذعرت المخبئات في خدورهن و ان كانت المرأة ليبكى ابنها فلا ترهبه و لا تسكته الا بذكر اسمى ،فاتقوا الله يا أهل العراق و اعلموا أني أنا الضحاك بن قيس.

فقام إليه عبد الرحمن بن عبيد فقال: صدق الأمير و أحسن القول ما أعرفنا و الله بما ذكرت.... و لقد أتيناك بغربي تدمر فوجدناك شجاعا صبورا مجربا، ثم جلس فقال: أيفتخر علينا بما صنع في بلادنا أوّل ما قدم؟! وأيم الله

ص: 344

لأذكّرنّه أبغض مواطنه تلك إليه. قال: فسكت الضحاك قليلا فكأنه خزي و استحيا ثم قال: نعم كان ذلك اليوم بأخرة بكلام ثقيل ثم نزل.

فقلت لعبد الرحمن بن عبيد أو قيل له: لقد اجترأت حين تذكره ذلك اليوم و تخبره أنك كنت فيمن لقيه، فقال: قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا.

18- عنه قال: وحدثني ابن أخي محمّد بن مخنف عن أبيه عن عمّه قال: قال الضحاك لعبد - الرحمن بن مخنف حين قدم الكوفة: لقد رأيت منكم بغربي تدمر رجلا ما كنت أرى في النّاس مثله رجلا، حمل علينا فما كذَّب حتى ضرب الكتيبة التي أنا فيها، فلما ذهب ليولّي حملت عليه فطعنته في قمته فوقع ثم قام فلم يضره شيئا فذهب ثم لم يلبث أن حمل علينا في الكتيبة التي أنا فيها فصرع رجلا.

ثم ذهب لينصرف فحملت عليه فضربته على رأسه بالسيف فخيّل إلى أنّ سيفي قد ثبت في عظم رأسه قال فضربني، فو الله ما صنع سيفه شيئا ثم ذهب فظننت أنه لن يعود فو الله ما راعني إلا وقد عصب رأسه بعمامة ثم أقبل نحونا، فقلت: ثكلتك أمك أما نهتك الأوليان عن الإقدام علينا؟ قال: و ما تنهياني و أنا أحتسب هذا في سبيل الله؟ قال:

ثم حمل علينا فطعنني و طعنته فحمل أصحابه علينا فانفصلنا و حال الليل بيننا. فقال له عبد الرحمن بن مخنف :

هذا يوم شهده هذا يعني ربيعة بن ناجد و هو فارس الحي و ما أظنّه هذا الرّجل يخفى عليه فقال له: أتعرفه ؟ قال نعم قال من هو ؟ قال: أنا ، قال فأرني الضربة التي برأسك.

قال: فأراه فإذا في ضربة قد برت العظم منكرة. فقال له: ما رأيك اليوم فينا؟ أهو كرأيك يومئذ؟ - قال: رأيي اليوم رأي الجماعة، قال: فما

ص: 345

عليكم اليوم من بأس، أنتم آمنون ما لم تظهروا خلافا، و لكنّ العجب كيف نجوت من زياد؟ لم يقتلك فيمن قتل ؟ أو لم يسيّرك فيمن سيّر؟ قال: أمّا التسيير فقد سيّرني و أما القتل فقد عافانا الله منه.

فقال الضّحّاك: والله لقد أصابني في ذلك الطريق عطش شديد ضلّ جملنا الّذي كان عليه الماء فعطشنا و خفقت برأسي خفقتين لنعاس أصابني فتركت الطريق فانتبهت و ليس معي إلا نفر يسير من أصحابي ليس فيهم أحد معه ماء فبعثت رجلا منهم في جانب يلتمس الماء و لا أنيس إذ رأيت جادة فلزمتها فسمعت قائلا يقول:

دعاني الهوى فازددت شوقا وربّما *** دعاني الهوى من ساعة فأجيب

و أرّقني بعد المنام وربّما *** أرقت لسارى الهم حين يؤوب

فان أك قد أحببتكم ورأيتكم *** فاني بدارا عامر لغريب

قال: فأشرف علي الرّجل فقلت: يا عبد الله اسقني ماء فقال: لا و الله حتى قال: فأشرف علي الرّجل فقلت: يا عبد الله اسقني ماء فقال: لا و الله حتى تعطيني ثمنه ،قال :قلت و ما ثمنه؟ قال: دينك، قلت: أما ترى عليك من الحق أن تقري الضّيف فتسقيه و تطعمه و تكرمه؟! قال: ربّما فعلنا و ربّما بخلنا، قال: قلت:

و الله ما أراك فعلت خيرا قط اسقني، قال: ما أطيق، قلت: انّي أحسن إليك و أكسوك .

قال: لا والله ما أنقصك شربة من مائة دينار، فقلت له: ويحك اسقني فقال: ويحك أعطني قال: قلت: لا والله ما هي معي و لكنك تسقيني ثم تنطلق معي أعطيكها قال:

لا و الله قال: قلت: اسقني ثم أرهنك فرسي حتى أوفيكها، قال: نعم،

ص: 346

فخرج بين يدي و اتّبعته فأشرفنا على أخبية و ناس على ماء فقال لي: مكانك حتى آتيك.

فقلت: لا، بل أجيء معك الى الناس، قال: فساءه حيث رأيت النّاس و الماء، فذهب يشتد حتى دخل بيتا ثم جاء بماء في إناء فقال: اشرب فقلت: لا حاجة لي فيه ثم دنوت من القوم فقلت: اسقوني ماء، فقال شيخ لابنته ،اسقيه فقامت ابنته و قال :

ما رأيت أمراة أجمل منها فجاءتني بماء و لبن، فقال الرجل: نجيتك من العطش و تذهب بحقي؟! و الله لا أفارقك حتى أستوفي منك حقّي، قال:

فقلت: اجلس حتى أوفيك، فجلس، فنزلت فأخذت الماء و اللبن من يد الفتاة، فشربته. ثم اجتمع الي أهل الماء فقلت لهم: هذا ألأم الناس، فعل لي كذا و كذا و هذا الشيخ خير منه و أسدى استسقيته فلم يكلّفني شيئا أمر ابنته فسقتني ثم هذا يلزمني بمائة دينار، فشتموه و وقعوا به و لم یکن بأسرع من أن لحقني قوم من أصحابي فسلّموا علي بالإمرة فارتاب الرّجل و الله و جزع فذهب يريد أن يقوم.

فقلت له: و الله لا تبرح حتى أوفّيك المائة فأخذ فرسي و جلس لا يدري ما أريد به، فلما كثرت أصحابي عندي سرّحت الى ثقلي فأتيت به ثمّ أمرت بالرّجل فجلد مائة جلدة، و دعوت الشيخ و ابنته فأمرت لهما بمائة دینار و كسوتهما، و كسوت أهل الماء ثوبا ثوبا فحرمته.

فقال أهل الماء: كان أيّها الأمير أهلا لذلك، وكنت أيها الأمير لما أتيتبه من خير أهلا. فلما رجعت الى معاوية فحدّثته فعجب و قال: لقد لقيت في سفرك هذا عجبا.

19 - عنه عن محمّد بن يوسف بن ثابت أنّ النعمان بن بشير قدم هو و

ص: 347

أبو هريرة على علي (علیه السّلام) من عند معاوية بعد أبي مسلم الخولاني يسألانه أن يدفع قتلة عثمان الى معاوية ليقتلهم بعثمان لعلّ الحرب أن تطفأ و يصطلح الناس.

و انّما أراد معاوية أن يرجع مثل النعمان و أبي هريرة من عند علي عليه السّلام الى النّاس و هم لمعاوية عاذرون و لعلي لائمون و قد علم معاوية أنّ عليا (علیه السّلام) لا يدفع قتلة عثمان إليه فأراد أن يكون هذان يشهدان له عند أهل الشّام بذلك و أن يظهر عذره.

فقال لهما: ائتيا عليّا فنا شداه الله و سلاه بالله لما دفع إلينا قتلة عثمان فانّه قد آواهم و منعهم، ثم لا حرب بيننا و بينه، فان أبى فكونوا شهداء الله عليه و أقبلا الى النّاس فأعلم اهم ذلك، فأتياه فدخلا عليه فقال له أبو هريرة: يا أبا حسن ان الله قد جعل لك في الإسلام فضلا و شرفا، أنت ابن عم محمّد رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم).

و قد بعثنا إليك ابن عمّك معاوية يسألك أمرا تهدأ به هذه الحرب و يصلح الله به ذات البين أن تدفع إليه قتلة عثمان ابن عمه، فيقتلهم به، ثم يجمع الله به أمرك و أمره ويصلح الله بينكم و تسلم هذه الأمة من الفتنة و الفرقة، ثم تكلّم النعمان بنحو من هذا.

فقال (علیه السّلام) لهما: دعا الكلام في هذا .

حدّثني عنك يا نعمان أنت أهدى قومك سبيلا يعني الأنصار؟ - قال: لا، فقال: كلّ قومك قد اتبعني إلا شدّ إذا منهم ثلاثة أو أربعة، أفتكون أنت من الشذّاذ ؟! فقال النّعمان: أصلحك الله أنّما جئت لأكون معك و ألزمك، و قد كان معاوية سألني أن أؤدي هذا الكلام و قد كنت رجوت أن يكون لي موقف أجتمع فيه معك و طمعت أن يجري الله تعالى بينكما صلحا، فإذا كان

ص: 348

غير ذلك رأيك فأنا ملازمك و كائن معك.

و أما أبو هريرة فلحق بالشّام فأتى معاوية و خبره الخبر فأمره أن يخبر النّاس ففعل، و أما النعمان فأقام بعده أشهرا ثم خرج فارًا من علي عليه السّلام حتى إذا مر بعين التمر أخذه مالك بن كعب الأرحبي و كان عامل على (علیه السّلام) عليها فأراد حبسه و قال له:

ما مر بك هاهنا: قال انّما أنا رسول بلغت رسالة صاحبي ثم انصرفت فحبسه ثمّ قال: كما أنت حتى أكتب الى علي فيك.

فناشده و عظم عليه أن يكتب الى علي (علیه السّلام)ا فيه، و قد كان قال لعلي عليه السّلام: انّما جئت لاقيم فأرسل النّعمان الى قرظة بن كعب الأنصاري و هو بجانب عين التمر يجبي خراجها لعلي اللا فجاء مسرعا حتى وصل الى مالك بن كعب فقال له خلّ سبيل هذا الرّجل - يرحمك الله - فقال له:

يا قرظة اتق الله ولا تتكلّم في هذا. فانّ هذا لو كان من عباد الأنصار و نساكهم ما هرب من أمير المؤمنين الى أمير المنافقين، فلم يزل يقسم عليه حتى خلّى سبيله، فقال له: يا هذا لك الأمان اليوم والليلة و غدا ثم قال: و الله لئن أدركتك بعدها لأضربن عنقك فخرج مسرعا لا يلوي على شيء و ذهبت به راحلته فلم يدر أين يتسكّع من الأرض، وأصبح ثلاثا لا يدري أين هو؟

قال النعمان: و الله ما علمت أين أنا حتى سمعت قائلة تقول و هي تطحن :

شربت مع الجوزاء كأسا رؤية *** واخرى مع الشعرى إذا ما استقلت

معتّقة كانت قريش تصونها *** فلما استحلوا قتل عثمان حلت

فعلمت أنّى عند عند حيّ من أصحاب معاوية وإذا الماء لبنى القين فعلمت

ص: 349

عند ذلك أنّي قد انتهيت الي مأمني.

ثم انتهى حتى قدم على معاوية فخبره بما كان و لقي، ثم لم يزل مع معاوية مناصحا مجالدا لعلّي و يتتبع قتلة عثمان حتى غزا الضحاك بن قيس أرض العراق ثم انصرف الى معاوية و قد كان معاوية قال قبل ذلك بشهرين أو ثلاثة أما ثلاثة أما من رجل أبعث معه بجريدة خيل حتى يغير على شاطئ الفرات فانّ الله يرعب بها أهل العراق.

فقال له النعمان: ابعثني فانّ لي في قتالهم نية و هوى، و كان النعمان عثمانيا، قال: فانتدب على اسم الله، فانتدب، و ندب معه ألني رجل، و أوصاه أن يتجنّب المدن و الجماعات و أن لا يغير إلّا على مسلحة، و أن يعجّل بالرجوع .

فأقبل النّعمان بن بشير حتى دنا من عين التمر و كان بها مالك بن كعب الأرحيّ الذي جرى له معه ما ذكرناه و كان معه بها ألف رجل و قد أذن لهم فرجعوا الى الكوفة، فلم يك بقي معه الا مائة أو نحوها.

فكتب مالك الى على (علیه السّلام) : أما بعد فانّ النّعمان بن بشير قد نزل بي في جمع كثيف فرمى أنت ترى - سدّدك الله تعالى و ثبتك - و السلام.

20 - عنه عن عبد الرحمن بن مخنف قال: كان مخنف بن سليم على الصدقة لعلي (علیه السّلام)فكان على أرض الفرات الى أرض بكر بن وائل و ما يليهم، و كان قد بعث مالك بن كعب الأرحبي على العين، فأقبل النّعمان بن بشير في ألف رجل حتى أغار على العين فاستعان مالك بن كعب مخنف بن سليم و كان معه ناس كثير كانوا متفرّقين.

قال عبد الله بن مخنف: فندب معي أبي مخنف خمسين رجلا، و لم يوافه يومئذ غيرهم، فبعثني عليهم فانتهيت الى مالك بن كعب و هو في مائة و

ص: 350

النّعمان و أصحابه قاهرون لمالك، فانتهينا إليه مع الماء، فلما رأوني ظنوا أنّ ورائي جيشا فانحازوا فالتقيناهم فقاتلناهم و حجز الليل بيننا و بينهم و هم يظنّون أنّ لنا مددا فانصرفوا، فقتل من أصحاب مالك بن كعب عبد الرحمن بن حرم الغامدي، و ضرب مسلم بن عمرو الأزدي على قمته فکسر، وانصرف النّعمان.

فبلغ الخبر علياً (علیه السّلام) فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: يا أهل الكوفة المنسر من مناسر أهل الشام إذا أظلّ عليكم أغلقتم أبوابكم و انجحرتم في بيوتكم انجحار الصّبة في جحرها و الضبع في وجارها، الدليل و الله من نصرتموه، و من رمى بكم رمى بأفوق ناصل، أنّ لكم لقد لقيت منكم ترحا، ويحكم يوما أناجيكم و يوما أناديكم، فلا أجاب عند النداء، و لا اخوان صدق عند اللقاء، أنا و الله منيت بكم، صم لا تسمعون، بكم لا تنطقون، عمى لا تبصرون.

فالحمد لله ربّ العالمين، و يحكم اخرجوا الى أخيكم مالك بن كعب فانّ النّعمان بن بشير قد نزل به في جمع من أهل الشّام ليس بالكثير فانهضوا الى إخوانكم لعل الله يقطع بكم من الظالمين طرفا، ثم نزل.

فلم يخرجوا، فأرسل الى وجوههم و كبرائهم فأمرهم أن ينهضوا و يحثّوا الناس على المسير، فلم يصنعوا شيئا فقام عدي بن حاتم فتكلّم.

21- عنه قال بكر بن عيسى: فحدثني سعد بن مجاهد الطائي عن المحلّ بن خليفة، قال: لما دخل علي (علیه السّلام) منزله قام عدي بن حاتم فقال هذا الله الخذلان القبيح، هذا والله الخذلان غير الجميل، ما على هذا بايعنا أمير المؤمنين ثم دخل على أمير - المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام) فقال: يا أمير المؤمنين انّ معي ألف رجل من طيّئ لا يعصونني.

ص: 351

فان شئت أن أسير بهم سرت؟ قال: ما كنت لأعرض قبيلة واحده من قبائل العرب النّاس و لكن اخرج الى النّخيلة فعسكر بهم، فخرج فعسکر و فرض عليّ (علیه السّلام) سبعمائة لكل رجل فاجتمع إليه ألف فارس عدا طيئا أصحاب عدي بن حاتم فسار بهم على شاطئ الفرات فأغار في أداني الشّام، ثم أقبل.

22 - عنه عن عن عبد الله بن حوزة الأزدي قال : كنت مع مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير و هو في ألفين و ما نحن الا مائة فقال لنا: قاتلوهم في القرية و اجعلوا الجدر في ظهوركم و لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة واعلموا أنّ الله تعالى ينصر العشرة على المائة و المائة على الألف، و القليل على الكثير مما يفعل الله ذلك. ثم قال:

انّ أقرب من هاهنا إلينا من شيعة علي (علیه السّلام) و أنصاره و عماله قرظة بن كعب و مخنف بن سليم فاركض اليهما و أعلمهما حالنا وقل لهما: فلينصرانا بما استطاعا فأقبلت أركض و قد تركته و أصحابه و إنّهم ليترامون بالنّبل، فمررت بقرظة بن كعب فاستغثته فقال: انّما أنا صاحب خراج و ما معي أحد اغيثه به.

فمضيت حتى أتيت مخنف بن - سليم فأخبرته الخبر، فسرّح معي عبد الرّحمن بن مخنف في خمسين رجلا و قاتلهم مالك مالك بن كعب و أصحابه الي العصر فأتيناه و قد كسر هو و أصحابه جفون سيوفهم واستسلموا للموت فلو أبطأنا عنهم هلكوا فما هو الا أن رأنا أهل الشّام قد أقبلنا عليهم أخذوا ينكصون عنهم و يرتفعون و رآنا مالك و أصحابه.

فشدّوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية واستعرضناهم فصرعنا منهم رجالا ثلاثة وارتفع القوم عنّا، و ظنّوا أنّ وراءنا مددا، و لو ظنّوا أنه ليس

ص: 352

غيرنا لأقبلوا علينا و أهلكونا، و حال بيننا و بينهم الليل فانصرفوا الى أرضهم.

و كتب مالك بن كعب الى علي (علیه السّلام):

أما بعد فقد نزل بنا النّعمان بن بشير في جمع من أهل الشام كالظاهر علينا و كان عظم أصحابي متفرّقين و كنا للذي كان منهم آمنين فخرجنا اليهم رجالا مصلتين فقاتلناهم حتى المساء و استصرخنا مخنف بن سليم فبعث إلينا رجالا مصلتين فقاتلناهم حتى المساء و استصرخنا مخنف بن سليم رجالا من شيعة أمير - المؤمنين علي (علیه السّلام) و ولده عند المساء فنعم الفتى و نعم الأنصار كانوا.

فحملنا على عدوّنا و شددنا عليهم فأنزل الله علينا نصره و هزم عدوّه و أعزّ جنده، و الحمد لله ربّ العالمين، والسّلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته.

قال: لما ورد الكتاب على علي (علیه السّلام) قرأه على أهل الكوفة فحمد الله و أثنى عليه ثمّ نظر الى جلسائه فقال: الحمد لله، وندم كثرهم.

23 - عنه عن أبي الطفيل قال علي (علیه السّلام) : يا أهل الكوفة دخلت إليكم و ليس لي سوط الّا الدّرّة فرفعتموني الى السوط، ثم رفعتموني الى الحجارة أو قال الحديد ألبسكم الله شيعا و أذاق بعضكم بأس بعض فمن فاز بكم فقد فاز بالقدح الأخيب.

24 - عنه عن زيد بن علي بن أبي طالب قال: قال علي (علیه السّلام) :

أيها النّاس انّي دعوتكم الى الحق فتولّيتم عني، وضربتكم بالدّرّة فأعييتموني، أما إنّه سيليكم بعدي ولاة لا يرضون منكم بهذا حتى يعذبوكم بالسياط و بالحديد، فأما أنا فلا اعذبكم بهما، أنّه من عذب الناس في الدنيا

ص: 353

عذبه الله في الآخرة،

و آية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتى يحل بين أظهركم فيأخذ العمال و عمال العمال رجل يقال له: يوسف بن عمرو يأتيكم عند ذلك رجل منّا أهل البيت فانصروه فانّه داع الى الحق. قال: وكان الناس يتحدّثون أنّ ذلك الرجل هو زيد (علیه السّلام).

25 - عنه عن أبي صالح الحنفي قال: رأيت علياً (علیه السّلام) يخطب و قد وضع المصحف على رأسه حتى رأيت الورق يتقعقع على رأسه قال: فقال: اللهم قد منعوني ما فيه فأعطنى ما فيه، اللّهمّ قد أبغضتهم و أبغضوني و مللتهم و ملوني، و حملوني على غير خلقي و طبيعتي، و أخلاق لم تكن تعرف لي، اللهم فأبدلني بهم خيرا منهم و أبدلهم بي شرّا مني، اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء.

26- عنه عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت ابن أبي رافع قال: رأيت عليا قد ازدحموا عليه حتى أدموا رجله فقال: اللهم قد كرهتهم و كرهوني، فأرحني منهم و أرحهم مني.

27 - عنه ذكر من حديث عبد الرحمن بن جندب عن أبيه أنّ أهل دومة الجندل من كلب لم يكونوا في طاعة علي (علیه السّلام) ولا معاوية و قالوا: نكون على حالنا حتى يجتمع النّاس على امام قال: فذكرهم معاوية مرّة فبعث إليهم مسلم بن عقبة فسألهم الصدقة وحاصرهم فبلغ ذلك عليا عليه السّلام و إمرأ القيس بن عدي أصهاره .

فبعث الى مالك بن كعب فقال: استعمل على عين التمر رجلا وأقبل الى، فولاها عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب الأرحبي و أقبل إلى علي (علیه السّلام) فسرّحه في ألف فارس فما شعر مسلم بن عقبة الا و مالك بن كعب الى

ص: 354

جنبه نازلا فتواقفا قليلا.

ثم ان النّاس اقتتلوا وطاردوا يومهم ذلك الى الليل لم يستفز بعضهم من بعض شيئا حتى إذا كان من الغد صلّى مسلم بأصحابه ثم انصرف، و أقام مالك بن كعب في دومة الجندل يدعوهم الى الصلح عشرا، فلم يفعلوا فرجع الى علي (علیه السّلام) .

28 - عنه من حديث ابن المثنى الكلبي أن عليّاً (علیه السّلام) بعث الى الجلاس ابن عمير و عمرو بن مالك بن العشبة الكلبتين و جعفر بن عبد الله الأشجعي فبعثهم الى رجل يقال له: زهير بن مكحول بن كلب من بني عامر وقد أقبل يصدّق الناس في السماوة فاقتتلوا قتالا شديدا.

ثم أنّ زهير بن مكحول هزم خيل على اللي فاقتتلوا ورفعوا الجلاس بن عمير في إبل كلب فيها رعاة لهم فعرفوه فسقوه من اللبن و سرحوه.

و أما عمرو بن العشبة فقدم على عليّ هو و الأشجعي و كان قد قال عليه السّلام: إذا اجتمعتم فعليكم عمرو بن العشبة، فلما رأى علي عمرا قال: انهزمت؟ و علا رأسه بالدّرّة فسكت، فلما خرج لحق بمعاوية، و بعث علي عليه السّلام الى داره فهدمها و قال عمرو بن العشبة:

لو كنت فينا يوم لاقانا العدي *** جاشت إليك النّفس و الأحشاء

29 - عنه عن عبد الله بن يزيد بن المغفّل أنّ أبا الكنود حدّثه عنسفيان بن عوف الغامدي قال: دعاني معاوية فقال: اني باعثك في جيش كثيف ذي أداة و جلادة فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بهيت فتقطعها، فان وجدت بها جندا فأغر عليهم و الّا فامض حتى تغير علي الأنبار، فان لم تجد بها جندا فامض حتى تغير على المدائن ثم أقبل الي، و اتق أن تقرب الكوفة.

ص: 355

و اعلم أنك ان أغرت على أهل الأنبار و أهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة، انّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترهب قلوبهم و تجرّئ كلّ من كان له فينا هوي منهم و يرى فراقهم، و تدعو إلينا كلّ من كان يخاف الدوائر و خرّب كلّ ما مررت به من القرى.

و اقتل كلّ من لقيت ممن ليس هو على رأيك، واحرب الأموال، فانّه شبيه بالقتل و هو أوجع للقلوب.

قال: فخرجت من عنده فعسكرت و قام معاوية في النّاس خطيبا فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

أمّا بعد أيّها النّاس فانتدبوا مع سفيان بن عوف فانه وجه عظيم فيه أجر عظيم سريعة فيه أو بتكم إن شاء الله، ثم نزل.

قال: فو الله الّذي لا إله الّا هو ما مرّت بي ثلاثة حتى خرجت في ستة آلاف ثم لزمت شاطى الفرات فأغذذت السير حتى أمر بهيت فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات فمررت بها و ما بها عريب كأنها لم تحلل قطّ فوطئتها حتى مررت بصندوداء فتنافروا فلم ألق بها أحدا.

فمضيت حتى أفتتح الأنبار و قد أنذروا بي، فخرج الي صاحب المسلحة فوقف لى فلم أقدم عليه حتى أخذت غلمانا من أهل القرية فقلت لهم خبروني كم بالأنبار من أصحاب علي (علیه السّلام)؟ قالوا: عدة رجال المسلحة خمسمائة، و لكنهم قد تبدّدوا ورجعوا الى الكوفة و لا ندري الذي يكون فيها، قد يكون مائتي رجل.

قال: فنزلت فكتبت أصحابي كتائب ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة فيقاتلونهم و الله و يصبرون لهم و يطاردونهم في الأزقة فلما رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين ثم أتبعتهم الخيل فلما مشت إليهم الرجال و

ص: 356

حملت عليهم الخيل فلم يكن الا قليلا حتى تفرّقوا، و قتل صاحبهم في رجال من أصحابه و أتيناه في نيف وثلاثين رجلا فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها، ثم انصرفت.

فو الله ما غزوت غزوة أسلم ولا أقرّ للعيون و لا أسرّ للنّفوس منها و بلغني و الله أنها أفزعت النّاس، فلما أتيت معاوية فحدثته الحديث على وجهه قال كنت و الله عند ظنّى بك لا تنزل في بلد من بلداني الّا قضيت فيه مثل ما يقضى فيه أميره و ان أحببت توليته وليتك، و أنت أمين أينما كنت من سلطاني، و ليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني.

قال: فو الله ما لبثنا الّا يسيرا حتى رأيت رجال أهل العراق يأتوننا على الإبل هرابا من قبل عليّ.

30- عنه عن جندب بن عفيف قال: و الله اني لفي جند الأنبار مع أشرس بن حسّان البكري إذ صبّحنا سفيان بن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها فهالونا و الله وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا بهم طاقة و لا يد فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرّقنا فلم يلقهم نصفنا و أيم الله لقد قاتلناهم فأحسنًا قتالهم و الله حتى كرهونا، ثم نزل صاحبنا و هو يتلو قوله تعالى:

«فَمِنْهُمْ من قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ من يَنْتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» ثم قال لنا: من كان لا يريد لقاء الله ولا يطيب نفسا بالموت فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم، فانّ قتالنا إيّاهم شاغل لهم عن طلب هارب، و من أراد ما عند الله فما عند الله خير للأبرار.

ثم نزل في ثلاثين رجلا قال فهممت و الله بالنزول معه ثم ان نفسي أبت، و استقدم هو و أصحابه فقاتلوا حتى قتلوا - رحمهم الله - فلما قتلوا أقبلنا منهزمين.

ص: 357

31 - عنه عن محمّد بن مخنف أن سفيان بن عوف لما أغار على الأنبار قدم علج من أهلها على علي (علیه السّلام) فأخبره الخبر فصعد المنبر فقال: أيها النّاس انّ أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار و هو معتز لا يخاف ما كان، فاختار ما عند الله على الدنيا فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم فان أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا.

ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلّموا، أو يتكلّم متكلّم منهم بخير فلم ينبس أحد منهم بكلمة فلما رأى صمتهم على ما في أنفسهم نزل فخرج يمشي راجلا حتى أتى النخيلة و النّاس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا: ارجع يا أمير المؤمنين نحن نكفيك، فقال: ما تكفونني و لا تكفون أنفسكم فلم يزالوا به حتى صرفوه الى منزله، فرجع و هو واجم كئيب.

و دعا سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النخيلة بثمانية آلاف و ذلك أنه أخبر أنّ القوم جاءوا في جمع كثيف فقال له: انّي قد بعثتك في ثمانية آلاف فاتبع هذا الجيش حتى تخرجه من أرض العراق فخرج على شاطى الفرات في طلبه حتى إذا بلغ عانات سرّح أمامه هاني بن الخطاب الهمداني فاتبع آثارهم حتى إذا بلغ أداني أرض قنسرين و قد فاتوه ثم انصرف.

قال: فلبث علي (علیه السّلام) ترى فيه الكآبة و الحزن حتى قدم عليه سعيد بن قيس فكتب كتابا و كان في تلك الأيام عليلا فلم يطق على القيام في النّاس بكل ما أراد من القول فجلس بباب السّدّة التي تصل الى المسجد و معه الحسن و الحسين عليهما السّلام و عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فدعا سعدا مولاه فدفع الكتاب إليه فأمره أن يقرأه على الناس فقام سعد بحيث يسمع علي قراءته و ما يردّ عليه النّاس ثم قرأ الكتاب:

ص: 358

بسم الله الرّحمن الرّحيم من عبد الله عليّ الى من قرى عليه كتابي من المسلمين سلام عليكم أما بعد فالحمد لله ربّ العالمين، و سلام على المرسلين، و لا شريك الله الأحد القيوم وصلوات الله على محمد و السلام عليه فى العالمين.

أما بعد فانّي قد عاتبتكم في رشدكم حتى سئمت، أرجعتموني بالهزء من قولكم حتى ،برمت هزء من القول لا يعاديه و خطل لا يعزّ أهله، و لو وجدت بدا من خطابكم والعتاب إليكم ما فعلت، و هذا كتابي يقرأ عليكم فردوا خيرا و افعلوه و ما أظنّ أن تفعلوا، فالله المستعان.

أيها الناس ان الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه و هو لباس التقوى و درع الله الحصينة و جنّته الوثيقة فمن ترك الجهاد في الله ألبسه الله ثوب ذلّة وشمله البلاء و ضرب على قلبه بالشبهات ودیت بالصّغار و القماءة و أديل الحق منه بتضييع الجهاد وسيم الخسف و منع النّصف.

ألا و انّي قد دعوتكم الى جهاد عدوّكم ليلا و نهارا و سرا و جهرا و قلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم فو الله ما غزي قوم قط في عقر دارهم الا ذلّوا، فتواكلتم و تخاذلتم و ثقل عليكم قولي فعصيتم واتخذتموه وراءكم ظهريًا حتى شنّت عليكم الغارات في بلادكم و ملكت عليكم الأوطان.

و هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار فقتل بها أشرس بن حسّان فأزال مسالحكم عن مواضعها وقتل منكم رجالا صالحين و قد بلغني أنّ الرّجل من أعدائكم كان يدخل بيت المرأة المسلمة والمعاهدة فينتزع خلخالها من ساقها، و رعتها من أذنها فلا تمتنع منه ثم انصرفوا وافرين لم يكلم منهم رجل كلما.

ص: 359

فلو أنّ أمرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما بل كان عندي به جديرا، فيا عجبا عجبا و الله يميت القلب ويجلب الهمّ ويسعر الأحزان من اجتماع هؤلاء على باطلهم وتفرّقكم عن حقكم فقبحا لكم و ترحا لقد صيّرتم أنفسكم غرضا يرمى يغار عليكم و لا تغيرون، و تغزون و لا تغزون و يعصى الله و ترضون و يقضى إليكم فلا تأنفون.

قد ندبتكم إلى جهاد عدوّكم في الصيف فقلتم : هذه حمارة القيظ ،أمهلنا حتى ينسلخ عنا الحرّ، و إذا أمرتكم بالسّير إليهم في الشّتاء قلتم: هذه صبّارة القرّ أمهلنا ينسلخ عنا البرد فكلّ هذا فرارا من الحر و الصر فإذا كنتم من الحرّ والبرد تفرون فأنتم و الله من حرّ السّيوف أفرّ، لا و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده عن السيف تحيدون فحتى متى؟ و الى متى؟

يا أشباه الرّجال ولا رجال و يا طغام الأحلام أحلام الأطفال و عقول ربّات ،الحجال، الله يعلم لقد سئمت الحياة بين أظهركم و لوددت أنّ يقبضني الى رحمته من بينكم و ليتني لم أركم و لم أعرفكم معرفة و الله جرت ندما و أعقبت سدما أوغرتم يعلم الله صدري غيظا و جرعتموني جرع التهام أنفاسا و أفسدتم علي رأيي و خرصي بالعصيان و الخذلان حتى قالت قریش و غيرها :

ان ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب الله أبوهم؟ و هل كان منهم: رجل أشدّ مقاساة و تجربة و لا أطول لها مراسا منى فو الله لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين فها أنا ذا قد زرّفت على الستين و لكن لا رأي لمن لا يطاع.

فقام إليه رجل من الأزد يقال له: حبيب بن عفيف آخذا بيد ابن أخ له يقال له: عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف فأقبل يمشي حتى استقبل أمير

ص: 360

المؤمنين (علیه السّلام) بباب السدّة ثم جثا على ركبتيه وقال: يا أمير المؤمنين ها أنا ذا لا أملك الا نفسي و أخي فمرنا بأمرك فو الله لننفذن له و لو حال دون ذلك شوك الهراس و جمر الغضا حتى ننفذ أمرك أو نموت دونه، فدعا لهما بخير و قال لهما: أين تبلغان ممّا نريد ؟

ثم أمر الحارث الأعور الهمداني فنادى في الناس: أين من يشري نفسه لربه، و يبيع دنياه بآخرته، أصبحوا غدا بالرحبة إن شاء الله، و لا يحضرنا إلّا صادق النية في المسير معنا و الجهاد لعدوّنا، فأصبح بالرّحبة نحو من ثلاثمائة فلما عرضهم قال: لو كانوا ألفا كان لي فيهم رأي قال:

و أتاه قوم يعتذرون و تخلف آخرون فقال: وجاء المعذرون و تخلف المكذَّبون قال و مكث أمير المؤمنين أياما باديا حزنه شديد الكآبة ثم إنّه

نادى في النّاس فاجتمعوا فقام خطيبا فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد أيّها النّاس فو الله لأهل مصركم في الأمصار أكثر من الأنصار في العرب و ما كانوا يوم أعطوا رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أن يمنعوه و من معه من المهاجرين حتى يبلغ رسالات ربّه الّا قبيلتين صغير مولدهما و ما هما بأقدم العرب ميلادا و لا بأكثرهم عددا فلما آووا النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و أصحابه و نصروا الله ودينه رمتهم العرب عن قوس واحدة.

و تحالفت عليهم اليهود و غزتهم اليهود و القبائل قبيلة بعد قبيلة فتجرّدوا لنصرة - دين الله وقطعوا ما بينهم و بين العرب من الحبائل وما بينهم و بين اليهود من العهود و نصبوا لأهل نجد وتهامة و أهل مكة و اليمامة و أهل الحزن و السّهل و أقاموا قناة الدّين، وتصبّروا تحت أحلاس الجلاد .

حتى دانت لرسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) العرب و رأى فيهم قرة العين قبل أن

ص: 361

يقبضه الله إليه، فأنتم في النّاس أكثر من أولئك في أهل ذلك الزمان من العرب.

فقام إليه رجل آدم طوال فقال: ما أنت بمحمد و لا نحن بأولئك الذين ذكرت فلا تكلّفنا ما لا طاقة لنا به فقال له علي (علیه السّلام) : أحسن سمعا تحسن اجابة تكلتكم التواكل ما تزيدونني الاغما، هل أخبرتكم أني محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنكم الأنصار؟ انّما ضربت لكم مثلا و انما أرجو أن تأسّوا بهم.

ثم قام رجل آخر فقال: ما أحوج أمير المؤمنين اليوم و من معه الى أصحاب النّهروان ثمّ تكلّم النّاس من كلّ ناحية و لغطوا، فقام رجل فنادى بأعلى صوته: استبان فقد الأشتر على أهل العراق ، و أشهد أن لو كان حيا لقلّ اللّغط و لعلم كلّ أمرئ ما يقول، فقال (علیه السّلام) لهم: هبلتكم الهوابل لأنا أوجب عليكم حقا من الأشتر و هل للأشتر عليكم من الحق الا حق المسلم على المسلم؟ فغضب و نزل.

فقام حجر بن عدي الكندي و سعيد بن قيس الهمداني فقالا: لا يسؤك الله يا أمير المؤمنين، مرنا بأمرك نتبعه فو الله ما نعظم جزعا على أموالنا ان نفدت، و لا على عشائرنا ان قتلت في طاعتك، فقال لهم: تجهزوا للمسير الى عدوّنا.

فلما دخل منزله و دخل عليه وجوه أصحابه قال لهم: أشيروا علي برجل صليب ناصح يحشر النّاس من السواد فقال له سعيد بن قيس الهمداني: يا أمير المؤمنين أشير عليك بالناصح الأريب الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي، قال: نعم، ثم دعاه فوجهه فسار فلم يقدم حتى أصيب أمير المؤمنين (علیه السّلام).

32- عنه عن أبي مسلم قال: سمعت عليّا (علیه السّلام) يقول: لو لا بقيّة

ص: 362

المسلمين لهلكتم.

33- عنه عن إسماعيل بن رجاء الزّبيدي أنّ عليا (علیه السّلام)خطبهم بعد هذا الكلام، فقال بعد أن حمد الله و أثنى عليه:

أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم المتفرّقة أهواؤهم ما عزّ من دعاكم و لا استراح من قاساكم ،كلامكم يوهن الصّم الصّلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوّكم، ان قلت لكم: سيروا إليهم في الحرّ، قلتم: أمهلنا ينسلخ عنا الحرّ، و ان قلت لكم سيروا إليهم في الشتاء قلتم أمهلنا حتى ينسلخ عنا البرد، فعل ذي الدّين المطول.

من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب أصبحت لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم فرّق الله بيني و بينكم - أيّ دار بعد داركم تمنعون؟ و مع أيّ امام بعدي تقاتلون؟ أما إنّكم ستلقون بعدي أثرة يتخذها عليكم الضّلال ،سنّة، وفقرا يدخل بيوتكم، وسيفا قاطعا، وتتمنون عند ذلك أنّكم رأيتموني و قاتلتم معي وقتلتم دوني، وكأن قد.

34- عنه عن الأعمش عن ابن عطيّة قال: قال لهم علي (علیه السّلام) :

إنّ بالكوفة مساجد مباركة و مساجد ملعونة، فأما المباركة فإنّ منها مسجد غنيّ و هو مسجد مبارك، و الله إنّ قبلته لقاسطة، و لقد أسسه رجل مؤمن، و إنّه لفى سرّة الأرض و إنّ بقعته لطيبة، ولا تذهب الليالي والأيام حتى تنفجر فيه عين و حتى تكون على جنبيه جنتان وأهله ملعونون، و هو مسلوب منهم، و مسجد جعفي مسجد مبارك.

و ربّما اجتمع فيه أناس من الغيب يصلّون فيه و مسجد ابن - ظفر مسجد مبارك والله إنّ اطباقه لصخرة خضراء ما بعث الله من نبي إلّا فيها تمثال وجهه و هو مسجد السهلة و مسجد الحمراء و هو مسجد يونس بن

ص: 363

متّى (علیه السّلام)و لتنفجرنّ فيه عين تظهر على السبخة و ما حوله و أما المساجد الملعونة فمسجد الأشعث بن قيس و مسجد جرير بن عبد الله البجلي، مسجد ثقیف، و مسجد سماك بني على قبر فرعون من الفراعنة.

35- عنه عن بكر بن عيسى أنهم لما أغاروا بالسواد قام علي (علیه السّلام) فخطب إليهم فقال: أيّها النّاس ما هذا؟ فو الله إن كان ليدفع عن القرية بالسبعة نفر من المؤمنين تكون فيها.

36- عنه عن ثعلبة بن يزيد الحماني أنّه قال: بينما أنا في السوق إذ سمعت مناديا ينادي: الصلاة جامعة فجئت أهرول و النّاس يهرعون فدخلت الرّحبة فإذا على الله على منبر من طين بحصص و هو غضبان قد بلغه أنّ ناسا قد أغاروا بالسواد فسمعته يقول:

أما و ربّ السّماء والأرض، ثمّ ربّ السّماء والأرض، إنه لعهد النبي صلّى الله عليه و آله إليّ أنّ الأمّة ستغدر بي.

37- عنه عن المسيب بن نجبة الفزاري أنه قال: سمعت عليّا (علیه السّلام) يقول: إنِّي قد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم بطاعتهم إمامهم و معصيتكم إمامكم ، و بأدائهم الأمانة و خيانتكم وبصلاحهم في أرضهم و فسادكم في أرضكم و باجتماعهم على باطلهم وتفرّقكم عن حقكم، حتّى تطول دولتهم و حتى لا يدعوا الله محرّما إلّا استحلوه .

حتى لا يبقى بيت وبر و لا بيت مدر إلا دخله جورهم وظلمهم حتى يقوم الباكيان باك يبكى لدينه و باك يبكي لدنياه، و حتى لا يكون منكم إلّا نافعا لهم أو غير ضارّ بهم، و حتى يكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيّده، إذا شهده أطاعه، و إذا غاب عنه سبّه، فإن أتاكم الله بالعافية فاقبلوا، و إن ابتلاكم فاصبروا، ف «إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ».

ص: 364

38- عنه عن يحيى بن صالح عن أصحابه أنّ عليّا (علیه السّلام)ندب الناس عند ما أغاروا على نواحي السواد فانتدب لذلك شرطة الخميس فبعث إليهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ثم وجههم فساروا حتى وردوا تخوم الشّام.

وكتب علي (علیه السّلام) إلى معاوية : أنّك زعمت أنّ الذي دعاك إلى ما فعلت الطّلب بدم عثمان فما أبعد قولك من فعلك... ويحك و ما ذنب أهل الذمة قتل في ابن عفّان؟ و بأيّ شيء تستحلّ أخذ فيء المسلمين؟ فانزع و لا تفعل و احذر عاقبة البغي و الجور، و إنما مثلي ومثلك كما قال بلعاء لدريد بن الصمة:

مهلا دريد عن التسرّع إنني *** ماضي الجنان بمن تسرع مولع

مهلا دريد عن السفاهة إنني *** ماض على رغم العداة سميدع

مهلا دريد لا تكن لاقيتني *** يوما دريد فكل هذا يصنع

و إذا أهانك معشر أكرمهم *** فتكون حيث ترى الهوان و تسمع

فأجابه معاوية:

أما بعد فإنّ الله أدخلني في أمر عزلك عنه نائيا عن الحق فنلت منه أفضل أملي فأنا الخليفة المجموع عليه، و لم تصب في مثلي ومثلك إنما مثلي و مثلك كما قال بلعاء حين صولح على دم أخيه ثمّ نكث فعنّفه قومه فأنشأ يقول:

ألا آذنتنا من تدلّلها ملس *** و قالت: أما بيني و بينك من بلس

و قالت ألا تسعى فتدرك ما مضى *** وما أهلك الحانون في القدع والضرس

أتأمرني سعد وليث و جندع *** و لست براض بالدنية و الوكس

يقولون: خذ عقلا و صالح عشيرة *** فما يأمروني بالهموم إذا امسى

ص: 365

39 - عنه قال جندب بن عبد الله الوائلي: كان علي (علیه السّلام) يقول: أما إنّكم ستلقون بعدي ثلاثا ذلّا شاملا ،و سيفا قاتلا، وأثرة يتّخذها الظَّالمون عليكم سنّة، فستذكروني عند تلك الحالات فتمنون لو رأيتموني و نصرتموني وأهرقتم دماءكم دون دمي، فلا يبعد الله إلّا من ظلم.

و كان جندب بعد ذلك إذا رأى شيئا يكرهه قال: لا يبعد الله إلا من ظلم.

40 - عنه عن جندب بن عبد الله الأزدي أنّ عليّا (علیه السّلام) استنفرهم أياما فلم ينفروا فقام في النّاس فقال:

أمّا بعد أيّها النّاس فانّي قد استنفرتكم فلم تنفروا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، فأنتم شهود كغياب وصم ذوو أسماع أتلو عليكم الحكمة،وأعظكم بالموعظة الحسنة و أحتكم على جهاد عدوّكم الباغين فما آتي علي آخر منطقي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا.

فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين تضربون الأمثال، و تتناشدون الأشعار و تسألون عن الأخبار، قد نسيتم الاستعداد للحرب و شغلتم قلوبكم بالأباطيل تربت أيديكم اغزوا القوم قبل أن يغزوكم فو الله ما غزي قوم قط في عقر ديارهم إلّا ذلّوا، وأيم الله ما أراكم تفعلون حتى يفعلوا، و لوددت أني لقيتهم على نيتي و بصيرتي فاسترحت من مقاساتكم.

فما أنتم إلا كابل جمة ضلّ راعيها كلّما ضمّت من جانب انتشرت من جانب آخر، والله لكأني بكم لو قد حمس الوغا و أحمّ البأس قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس و انفراج المرأة عن قبلها.

فقام إليه الأشعث بن قيس فقال له: يا أمير المؤمنين فهلا فعلت كما

ص: 366

فعل ابن عفّان فقال له علي (علیه السّلام): يا عرف النار ويلك ان فعل ابن عفان لمخزاة على من لا دين له و لا حجة معه، فكيف و أنا على بيّنة من ربي و الحق في يدي.

و الله إنّ أمراً يمكن عدوّه من نفسه يخذع لحمه و يهشم عظمه و يفري جلده و يسفك دمه لضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره، أنت فكن كذلك إن أحببت، فأما أنا فدون أن اعطى ذلك ضرب بالمشرقي يطير منه فراش الهام و تطيح منه الأكفّ و المعاصم، و يفعل الله بعد ما يشاء.

فقام أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه و آله فقال:

أيّها النّاس إنّ أمير المؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية و قلب حفيظ إنّ الله قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها، إنه ترك بين أظهركم ابن عمّ - نبيّكم، وسيّد المسلمين من بعده، يفقهكم في الدين، ويدعوكم إلى جهاد المحلين، فكأنكم صم لا تسمعون، أو على قلوبكم غلف مطبوع عليها فأنتم لا تعقلون، أفلا تستحيون ؟

عباد الله أليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس قد شمل البلاء و شاع في البلاد فذو حق محروم و ملطوم وجهه و موطأ بطنه و ملق بالعراء تسني عليه الأعاصير لا يكنّه من الحرّ والقرّ و صهر الشمس و الضّحّ إلا الأثواب الهامدة و بيوت الشعر البالية حتى حباكم الله بأمير المؤمنين (علیه السّلام) فصدع بالحق و نشر العدل و عمل بما في الكتاب.

يا قوم فاشكروا نعمة الله عليكم و لا تولوا مدبرين و لا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا و هم لا يسمعون اشحذوا السيوف، واستعدوا الجهاد عدوّكم، فإذا دعيتم فأجيبوا، وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا، و ما قلتم فليكن

ص: 367

ما أضمرتم عليه تكونوا بذلك من الصادقين.

41 - عنه عن عباد بن عبد الله الأسدي قال: كنت جالسا يوم الجمعة و علي (علیه السّلام) - يخطب على منبر من آجر و ابن صوحان جالس فجاء الأشعث فجعل يتخطّى النّاس فقال: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على وجهك فغضب. فقال ابن صوحان ليبيّن اليوم من أمر العرب ما كان يخفى فقال علي (علیه السّلام):

من يعذرني من هؤلاء الضّياطرة يقيل أحدهم يتقلب على حشاياه، و يهجر قوم لذكر الله ؟ فيأمرني أن أطردهم فأكون من الظالمين؟ و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة لقد سمعت محمدا (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول: ليضربنكم والله على الدّين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا.

42 - عنه قال :مغيرة: كان علي (علیه السّلام) أميل إلى الموالي و ألطف بهم، و كان عمر أشدّ تباعدا منهم.

43 - عنه عن النعمان بن سعد :قال رأيت عليا (علیه السّلام) على المنبر يقول: أين الثمودي؟ - فطلع الأشعث، فأخذ كفا من الحصى و ضرب وجهه فأدماه و انجفل و انجفل النّاس معه و يقول : ترحا لهذا الوجه، ترحا لهذا الوجه.

44 - عنه عن يحيى بن سعيد عن أبيه قال: خطب علي (علیه السّلام) فقال : إنما أهلك النّاس خصلتان هما أهلكتا من كان قبلكم و هما مهلكتان من يكون بعدكم أمل ينسي الآخرة، وهوي يضلّ عن السبيل، ثم نزل.

45 - عنه عن الأصبغ بن نباتة قال :خطب علي (علیه السّلام) فحمد الله و أثنى عليه و ذكر النّبي فصلّى عليه ثم قال:

أمّا بعد فإني أوصيكم بتقوى الله الذي بطاعته ينفع أولياءه، و بمعصيته يضر أعداءه، و أنّه ليس لهالك هلك من معذرة في تعمّد ضلالة حسبها

ص: 368

هدىّ و لا ترك حق حسبه ضلالة و أن أحق ما يتعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بالّذي الله عليهم في وظائف دينهم، و إنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به، و أن ننهاكم عما نهاكم الله عنه.

و أن نقيم أمر الله في قريب النّاس و بعيدهم، لا نبالي فيمن جاء الحق عليه، و قد علمت أن أقواما يتمنون في دينهم الأماني ويقولون: نحن نصلّي مع المصلين، و نجاهد مع المجاهدين، و نمتحن الهجرة، و نقتل العدو، وكلّ ذلك يفعله أقوام.

ليس الايمان بالتحلّي و لا بالتمني الصلاة لها وقت فرضه رسول الله صلّى الله عليه و آله لا تصلح إلا به فوقت صلاة الفجر حين يزايل المرء ليله، و يحرم على الصائم طعامه و شرابه و وقت صلاة الظهر إذا كان القيظ حين يكون ظلّك مثلك، وإذا كان الشّتاء حين تزول الشمس من الفلك، و ذلك حين تكون على حاجبك الأيمن مع شروط الله في الركوع والسجود .

و وقت العصر تصلّي و الشمس بيضاء نقية قدر ما يسلك الرجل على الجمل التقيل فرسخين قبل غروبها و وقت المغرب إذا غربت الشمس و أفطر الصائم، و وقت صلاة العشاء الآخرة حين يسق الليل و تذهب حمرة الأفق إلى ثلث الليل، فمن نام عند ذلك فلا أنام الله عينه فهذه مواقيت الصّلاة، «إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً».

و يقول الرّجل: هاجرت و لم يهاجر إنّما المهاجرون الذين يهجرون السيئات و لم يأتوا بها ويقول الرّجل جاهدت و لم يجاهد، إنما الجهاد اجتناب المحارم و مجاهدة العدو، وقد يقاتل اقوام فيحسنون القتال ولا يريدون إلا الذكر و الأجر،

و إنّ الرّجل ليقاتل بطبعه من الشجاعة فيحمي من يعرف و من لا

ص: 369

يعرف، و يجبن بطبيعته من الجبن فيسلم أباه و امه إلى العدوّ، وإنما المثال حتف من الحتوف، وكلّ أمرى على ما قاتل عليه و ان الكلب ليقاتل دون أهله.

و الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرّجل من الطعام والشراب. و الزكاة التي فرضها النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) طيبة بها نفسك لا تسنوا عليها سنيها، فافهموا ما توعظون فإنّ الحريب من حرب دينه و السعيد من وعظ بغيره ألا و قد وعظتكم فنصحتكم، و لا حجّة لكم على الله، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي ولكم.

46- عنه عن جابر بن عمرو بن قعين قال: دعا معاوية يزيد بن شجرة الرّهاوي فقال : إنّي مسرّ إليك سرًا فلا تطلعن على سرّي أحدا حتى تخرج من أرض الشام كلّها، إنّي باعثك إلى أهل الله و إلى حرم الله و أهلي و عشيرتي و بيضتي التي انفلقت عني واليها رجل ممن قتل عثمان وسفك دمه و في ذلك شفاء لنا و لك و قربة إلى الله و زلفى.

فسر على بركة الله حتى تنزل مكة فإنّك الآن تلاقي الناس هناك بالموسم، فادع النّاس إلى طاعتنا و اتباعنا فإن أجابوك فاكفف عنهم و اقبل منهم، و إن أدبروا عنك فنابذهم و ناجزهم و لا تقاتلهم حتى تبلغهم أني قد أمرتك أن تبلغ عني فإنّهم الأصل و العشيرة، و إنّي لاستبقائهم محبّ و لاستئصالهم ،كاره، ثمّ صلّ بالناس وتولّ أمر الموسم.

فقال له يزيد بن شجرة الرهاوي: إني لا أسير لك في هذا الوجه حتى تسمع مقالتي و تشفّعني بحاجتي. قال: فإنّ ذلك لك فقل ما بدا لك، فقال:

الحمد لله أهل الحمد ، و أشهد أن لا إله إلّا الله ربّ العالمين و أنّ محمّدا عبده و رسوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و أما بعد فإنّك وجهتني إلى قوم الله و مجمع الصالحين ،

ص: 370

فإن رضيت أن أسير إليهم فأعمل فيهم برأيي و بما أرجو أن يجمعك الله و إياهم به سرت إليهم و إن كان لا يرضيك عني إلا الغشم و تجريد السيف و إخافة البريء و ردّ العذر فلست بصاحب ما هناك.

فاطلب لهذا الأمر أمرأ غيري فقال له: سر راشدا لقد رضيت برأيك و سيرتك، و كان رجلا ناسكا يتأله و كان عثمانيا و كان ممن شهد مع معاوية صفّين، فخرج من دمشق مسرعا و شيّعه رؤساء أهلها فأخذوا يدعون الله بحسن الصحابة و يقولون: أين تريد؟

فيقول: ما أسرع ما تعلمون ذلك إن شاء الله، فلما أخذوا ما يقبلون عنه قال: سبحان الله... «خُلِقَ الْإِنْسَانُ من عَجَلٍ» كأنكم قد علمتم إن شاء الله ثم مضى فقال:

اللّهمّ إن كنت قد قضيت أن يكون بين هذا الجيش الذي وجهت فيه و بين أهل حرمك الذي وجهت إليه قتال فاكفنيه، فإني لست أعظم قتال من شرك في قتل عثمان خليفتك المظلوم و لا قتال من خذله و لا دخل في طاعته وانتهك حرمته و لكني أعظم القتال في حرمك الذي حرّمت.

فخرج يسير و قدّم أمامه الحارث بن نمير التنوخي على مقدمته فأقبلوا حتى مروا بوادي القرى ثمّ أخذوا على الجحفة ثمّ مضوا حتى قدموا مكة في عشر ذي الحجة.

47 - عنه عن عبّاس بن سعد الأنصاري قال: لما سمع قثم بن عبّاس ابن عبد المطلب بدنوّهم منه قبل أن يفصلوا من الجحفة و كان عاملا لعليّ عليه السّلام على مكة فقام في أهل مكة وذلك في سنة تسع و ثلاثين فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فقد وجّه إليكم جند من الشّام عظيم قد أظلكم، فإن كنتم على

ص: 371

طاعتكم و بيعتكم فانهضوا إليهم معي حتى أناجزهم، و إن كنتم غير فاعلين فبينوا لي ما في أنفسكم ولا تغرّوني فإنّ الغرور حتف يضلّ معه الرأى و يصرع معه الرائي و يصرع به الرّيب فسكت القوم مليّا لا يتكلمون.

فقال: قد بينتم لي ما في أنفسكم، فذهب لينزل. فقام شيبة بن عثمان فقال له: رحمك الله - أيها الأمير لا يقبح فينا رأيك و لا يسوؤ بنا ظنّك نحن على طاعتنا و بيعتنا و أنت أميرنا و ابن عم خليفتنا، فإن تدعنا نحبك، و إن تأمرنا نطعك فيما أطقنا ونقدر عليه، فقرّب دوابه و حمل متاعه و أراد التنحي من مكة.

48 - عنه عن عبّاس بن سهل بن سعد قال: قدم أبو سعيد سعيد الخدريّ فسأل عن قثم و كان له ودا وصفيًا، فقيل: قد قدم دوابه و حمل متاعه يريد أن يتنحى عن مكة فجاء فسلم عليه ثم قال له: ما أردت؟ -

قال له: قد حدث هذا الأمر الذي بلغك و ليس معي جند أمتنع به فرأيت أن أعتزل عن مكة فإن يأتني جند أقاتل بهم و إلا كنت قد تنحيت بدمي، قال له:

إني لم أخرج من المدينة حتى قدم علينا حاج أهل العراق و تجارهم يخبرون أنّ النّاس بالكوفة قد ندبوا إليك مع معقل بن قيس الرياحي. قال: هيهات هيهات يا أبا سعيد إلى ذلك ما يعيش أولادنا فقال له أبو سعيد :رحمك الله .

فما عذرك عند ابن عمّك ؟ و ما عذرك عند العرب ان انهزمت قبل أن تطعن و تضرب ؟ فقال : يا با سعيد إنّك لا تهزم عدوّك و لا تمنع حريمك بالمواعيد والأماني اقرأ كتاب صاحبي فقرأه أبو سعيد فإذا فيه:

بسم الله الرّحمن الرّحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى قثم بن

ص: 372

العبّاس، سلام عليك أما بعد فإنّ عيني بالمغرب كتب إليّ يخبرني أنه قد وجّه إلى الموسم ناس من العرب من العمي القلوب الصّمّ الأسماع البكم الأبصار الذين يلبسون الحق بالباطل، و يطيعون المخلوقين في معصية الخالق و يجلبون الدنيا بالدين، ويتمنون على الله جوار الأبرار.

و أنه لا يفوز بالخير إلّا ،عامله و لا يجزى بالسّيّى إلّا فاعله وقد وجهت إليكم جمعا من المسلمين ذوى بسالة و نجدة مع الحسيب الصليب الورع التقي معقل بن قيس الرّياحي و قد أمرته باتباعهم و قص آثارهم حتى ينفيهم من أرض الحجاز.

فقم على ما في يديك مما إليك مقام الصليب الحازم المانع سلطانه الناصح للامة، ولا يبلغني عنك وهن و لا خور و ما تعتذر منه، و وطن نفسك على الصبر في البأساء والضراء، ولا تكونن فشلا و لا طائشا ولا رعديدا و السّلام .

فلما قرأ أبو سعيد الكتاب قال قثم: ما ينفعني من هذا الكتاب و قد سمعت بأن قد سبقت خيلهم خيله و هل يأتي جيشه حتى ينقضي أمر الموسم كلّه؟ فقال له أبو سعيد إنك ان أجهدت نفسك في مناصحة إمامك فرأى ذلك لك و عرف ذلك النّاس، فخرجت من اللائمة و قضيت الذي عليك من الحق فإنّ القوم قد قدموا و أنت فى الحرم، و الحرم حرم الله الذي جعله آمنا و قد كنّا في الجاهلية قبل الإسلام نعظّم الحرم فاليوم أحق أن نفعل ذلك.

فأقام قتم و جاء يزيد بن شجرة الرهاوي حتى دخل مكة ثم أمر مناديا فنادى في النّاس: ألا انّ النّاس آمنون كلّهم إلّا من عرض لنا في عملنا و سلطاننا وذلك قبل التروية بيوم، فلما كان ذلك مشت قريش و

ص: 373

الأنصار و من شهد الموسم من الصحابة وصلحاء الناس فيما بينهما وسألتهما أن يصطلحا.

فكلاهما سرّه ذلك الصلح فأمّا قتم فإنّه لم يثق بأهل مكة و لا رأى أنّهم يناصحونه، و أمّا يزيد فكان رجلا متنسكا و كان يكره أن يكون منه في الحرم شر.

49- عنه عن عمرو بن محصن قال: قام يزيد بن شجرة فحمد الله أثنى عليه ثمّ قال: أما بعد يا أهل الحرم و من حضره فإنّي وجّهت إليكم لأصلي بكم و أجمع و آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر، فقد رأيت والي هذه البلدة كره ما جئنا له والصلاة معنا و نحن للصّلوة معه كارهون، فإن شاء اعتزلنا الصلاة بالنّاس و اعتزلها و تركنا أهل مكة.

يختارون لأنفسهم من أحبوا حتى يصلي بهم، فإن أبى فأنا آبي و آبي و الّذي لا إله غيره لو شئت لصلّيت بالناس و أخذته حتى أردّه إلى السّام و معه و من يمنعه و لكني و الله ما أحب أن أستحلّ حرمة هذا البلد الحرام.

قال: ثمّ إنّ يزيد بن شجرة أقبل حتى أتى أبا سعيد الخدري فقال: رحمك الله الق هذا الرجل فقل له: لا ربّ لغيرك اعتزل الصلاة بالناس و أعتزلها و دع أهل مكة يختارون لأنفسهم من أحبّوا فو الله لو أشاء لبعثتك و إياهم و لكن و الله ما يحملني على ما تسمع إلا رضوان الله و التماسه و احترام الحرم، فإنّ ذلك أقرب للتقوى و خير في العاقبة.

قال له أبو سعيد: ما رأيت رجلا من أهل المغرب أصوب مقالا و لا أحسن رأيا منك. فانطلق أبو سعيد إلى قثم فقال: ألا ترى ما أحسن ما صنع الله لك؟ و ذكر له ذلك، فاعتزلا الصّلاة و اختار الناس شيبة بن عثمان فصلّى بهم .

ص: 374

فلما قضى النّاس حجهم رجع يزيد إلى السّام و أقبلت خيل علي (علیه السّلام)فأخبروا بعود أهل الشام فتبعوهم و عليهم معقل بن قيس فأدركوهم و قد رحلوا عن وادي القرى فظفروا بنفر منهم و أخذوهم أسارى و أخذوا ما معهم و رجعوا إلى أميرالمؤمنين، ففادى بهم أسارى كانت له (علیه السّلام) عند معاوية.

قال: قال أمير المؤمنين لأهل الكوفة ما أرى هؤلاء القوم يعنى أهل السّام إلّا ظاهرين عليكم قالوا تعلم بما ذا يا أمير المؤمنين؟ - قال: أرى أمورهم قد علت و أرى نيرانكم قد خبت و أراهم جادين و أراكم وانين، و أراهم مجتمعين و أراكم متفرقين و أراهم لصاحبهم طائعين و أراكم لي عاصين، وأيم الله لئن ظهروا عليكم لتجدنّهم أرباب سوء لكم من بعدي.

كأنّي انظر إليهم قد شاركوكم في بلادكم وحملوا إلى بلادهم فيئكم، و كأنّي انظر إليكم يكش بعضكم على بعض كشيش الضباب لا تمنعون حقا و لا تمنعون الله حرمة وكأنّي انظر إليهم يقتلون قراءكم، وكأنّي بهم يحرمونكم و يحجبونكم و يدنون أهل الشّام دونكم ، فإذا رأيتم الحرمان و الأثرة و وقع السيف تندمتم و تحزّنتم على تفريطكم في جهادكم و تذكرتم ما فيه من الحفظ حين لا ينفعكم التّذكار .

50 - عنه عن أبي روق قال: كان الذي هاج معاوية على تسريح بسر ابن أبي أرطاة الى الحجاز واليمن أنّ قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظمون قتله لم يكن لهم نظام ولا رأس فبايعوا لعلي (علیه السّلام) على ما في أنفسهم، و عامل علي (علیه السّلام) يومئذ على صنعاء عبيد الله بن العباس، و عامله على الجند سعيد بن نمران.

فلما اختلف الناس على علي الا بالعراق و قتل محمد بن أبي بكر

ص: 375

بمصر و كثرت غارات أهل الشّام تكلّموا و دعوا الى الطلب بدم عثمان و منعوا الصدقات و أظهروا الخلاف فبلغ ذلك عبيد الله بن العباس فأرسل الى ناس من وجوههم.

فقال: ما هذا الذي بلغني عنكم ؟ - قالوا: أنا لم نزل ننكر قتل عثمان و نرى مجاهدة من سعى عليه فحبسهم فكتبوا الى من بالجند من أصحابهم فثاروا بسعيد بن نمران فأخرجوه من الجند و أظهروا أمرهم و خرج إليهم من كان بصنعاء، وانضم إليهم كلّ من كان على رأيهم، ولحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم ارادة أن يمنعوا الصدقة.

فذكر من حديث أبى روق قال و التق عبيد الله و سعيد بن نمران و معهما شيعة علي فقال ابن عبّاس لابن نمران و الله لقد اجتمع هؤلاء و إنهم لنا لمقاربون و لئن قاتلناهم لا نعلم علي من تكون الدائرة فهلم فلنكتب الى أمير المؤمنين الا بخبرهم و عددهم و بمنزلهم الذي هم به فكتبا الى على (علیه السّلام) :

أما بعد، فانّا نخبر أمير المؤمنين أنّ شيعة عثمان وثبوا بنا و أظهروا أنّ معاوية قد شيّد أمره و اتسق له أكثر الناس و أنا سرنا إليهم بشيعة أمير المؤمنين و من كان على طاعته و انّ ذلك أحمشهم و البهم فتعبّوا لنا و تداعوا علينا من كل أوب، و نصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم ممن سعى إلينا ارادة أن يمنع حق الله المفروض عليه.

و قد كانوا لا يمنعون حقا عليهم و لا يؤخذ منهم الّا الحق فاستحوذ عليهم الشيطان فنحن في خير و هم منك في قفزة و ليس يمنعنا من مناجزتهم الا انتظار الأمر من مولانا أمير المؤمنين أدام الله عزّه و أيده و قضى بالاقدار الصالحة في جميع أموره و السلام.

ص: 376

فلما وصل كتابهما ساء عليّا (علیه السّلام) وأغضبه فكتب اليهما:

من عبد الله علي أمير المؤمنين الى عبيد الله بن العباس و سعيد بن ،غمران سلام عليكما فإنّي أحمد اليكما الله الذي لا إله الا هو أمّا بعد فانّه أتاني كتابكما تذكران فيه خروج هذه الخارجة و تعظمان من شأنها صغيرا، و تكثّران من عددها قليلا .

و قد علمت أنّ نخب أفئدتكما وصغر أنفسكما و شتات رأيكما و سوء - تدبيركما هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عنكما نائما وجرّأ عليكما من كان عن لقائكما جبانا، فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا الى القوم حتى تقرءا عليهم كتابي إليهم وتدعواهم الى حظهم و تقوى ربّهم.

فان أجابوا حمدنا الله و قبلنا منهم و ان حاربوا استعنا عليهم بالله نبذناهم على سواء، أنّ الله لا يحبّ الخائنين و السّلام عليكما.

51 - عنه عن الكلبي أنّ عليّا (علیه السّلام) قال ليزيد بن قيس الأرحبي: ألا ترى الى ما صنع قومك ؟ فقال: إنّ ظنّي يا أمير المؤمنين بقومي لحسن في طاعتك فإن شئت خرجت إليهم فكفيتهم و إن شئت فكتبت إليهم فتنظر ما يجيبونك، فكتب إليهم علي (علیه السّلام):

بسم الله الرّحمن الرّحيم من عبد الله عليّ أمير المؤمنين الي من شاق و غدر من أهل الجند و صنعاء، أما بعد فانّي أحمد إليكم الله الذي لا إله الا هو الذي لا يعقب له حكم ولا يردّ له قضاء و لا يردّ بأسه عن القوم المجرمين و قد بلغني تحزبكم و شقاقكم وإعراضكم عن دينكم و توتبكم بعد الطاعة و إعطاء البيعة و الألفة فسألت أهل الحجي و الدين الخالص و الورع الصادق و اللب الراجح عن بدء مخرجكم و ما نويتم به و ما أحمشكم له.

فحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شيء منه عذرا مبينا و لا مقالا

ص: 377

جميلا، ولا حجّة ظاهرة، فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا وانصرفوا الى رحالكم أعف عنكم و اتقوا الله و ارجعوا الى الطاعة أصفح عن جاهلكم و أحفظ عن قاصيكم و أقوم فيكم بالقسط و أعمل فيكم بكتاب الله و ان أبيتم ولم تفعلوا.

فاستعدوا لقدوم جيش جمّ الفرسان عريض الأركان، يقصد لمن طغى و عصى فتطحنوا طحنا كطحن الرّحى، فمن أحسن فلنفسه «وَ من أَسْاءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» ألا فلا يحمد حامد الا ربه، و لا يلم لائم الا نفسه، والسّلام عليكم.

و وجّه الكتاب مع رجل من همدان فقدم رسول علي (علیه السّلام) بالكتاب فلم يجيبوه إلى حين فقال لهم: إنّي تركت أمير المؤمنين يريد أن يوجّه إليكم يزيد بن قيس في جيش كثيف فلم يمنعه إلا انتظار ما يأتيه من قبلكم فشاع ذلك في شيعة عثمان فقالوا: نحن سامعون مطيعون إن عزل عنا هذين الرّجلين عبيد الله وسعيدا.

قال: فرجع الرسول من عندهم إلى علي (علیه السّلام) فأخبره خبر القوم. و جاء على بقية ذلك أنّ معاوية قد سرّح بسر بن أبي أرطاة لعنه الله.

52 - عنه قال عبد الله بن عاصم حدثت أنّ تلك العصابة حين بلغهم أنّ عليّا يوجّه إليهم يزيد بن قيس بعثوا إلى معاوية يخبرونه و كتبوا إليه كتابا فيه :

معاوي إلّا تسرع السير نحونا *** نبايع عليّا أو يزيد اليمانيا

فلما قدم الكتاب إلى معاوية دعا بسر بن أبي أرطاة و كان قاسي القلب، سفّاكا للدّماء، لا رأفة عنده و لا رحمة فوجهه إلى اليمن وأمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مكة حتى ينتهي إلى اليمن و قال له: لا تنزل

ص: 378

على بلد أهله على طاعة عليّ إلّا بسطت عليهم لسانك حتى يروا أنهم لا نجاة لهم منك و أنك محيط بهم، ثم أكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فأقتله، و اقتل شيعة علي حيث كانوا.

53 - عنه من وجه آخر عن يزيد بن جابر الأزديّ قال: سمعت عبد الرّحمن بن مسعدة الفزاري يحدّث في خلافة عبد الملك بن مروان قال: لما دخلت سنة أربعين تحدث الناس بالشام أن عليا (علیه السّلام) يستنفر النّاس بالعراق فلا ينفرون معه، و تذاكروا أن قد اختلفت أهواؤهم و وقعت الفرقة بينهم. :قال فقمت في نفر من أهل الشام إلى الوليد بن عقبة.

فقلنا له: إنّ النّاس لا يشكون في اختلاف الناس على عليّ بالعراق فادخل إلى صاحبك فمره فليسر بنا إليهم قبل أن يجتمعوا بعد تفرقهم أو يصلح لصاحبهم منهم ما قد فسد عليه من أمرهم قال فقال: بلى لقد قاولته على ذلك و راجعته و عاتبته حتى لقد برم بي و استثقل طلعتي، وأيم الله على ذلك ما أدع أن ابلغه ما مشيتم به إليّ.

فدخل عليه فخبّره بمجيئنا إليه و مقالتنا له، فأذن لنا، فدخلنا عليه فقال: ما هذا الخبر الذي جاءني به عنكم الوليد؟ فقلنا: هذا خبر في النّاس سائر، فشمّر للحرب، و ناهض الأعداء، و اهتبل الفرصة، و اغتنم الغرّة، فانّك لا تدري متى تقدر من عدوّك على مثل حالهم التي هم عليها، و أن تسير الى عدوّك أعزّ لك من أن يسيروا إليك.

و اعلم و الله أنه لو لا تفرّق النّاس عن صاحبك لقد نهض إليك، فقال لنا: ما أستغنى عن رأيكم ومشورتكم ومتى أحتج الى ذلك منكم أدعكم انّ هؤلاء الذين تذكرون تفرقهم على صاحبهم و اختلاف أهوائهم لم يبلغ ذلك عندي بهم أن أكون أطمع في استئصالهم واجتياحهم الى أن أسير إليهم

ص: 379

مخاطرا بجندي لا أدري علي تكون الدائرة أم لي؟ فإياكم و استبطاني.

فانّى آخذ بهم في وجه هو في وجه هو أرفق بكم و أبلغ في هلاكهم قد شننت عليهم الغارات في كلّ جانب فخيلى مرّة بالجزيرة و مرّة بالحجاز و قد فتح الله فيما بين ذلك ،مصر، فأعزّ بفتحها ولينا و أذلّ به عدوّنا فأشراف أهل العراق لما يرون من حسن صنيع الله لنا .

يأتوننا على قلائصهم في كلّ يوم، و هذا مما يزيدكم الله به و ينقصهم، و يقوّيكم و يضعفهم، ويعزكم و يذهم، فاصبروا و لا تعجلوا، فانّي لو رأيت فرصتي لاهتبلتها.

فخرجنا من عنده و نحن نعرف الفضل فيما ذكر فجلسنا ناحية و بعث معاوية عند مخرجنا من عنده الى بسر بن أبي أرطاة من بني عامر بن لؤي فبعثه في ثلاثة آلاف و قال سر حتى تمر بالمدينة فاطرد النّاس وأخف من مررت به و انهب أموال كلّ من أصبت له مالا ممن لم يكن يدخل في طاعتنا .

فإذا دخلت المدينة فأرهم أنك تريد أنفسهم و أخبرهم أنه لا براءة لهم عندك و لا عذر حتى إذا ظنّوا أنك موقع بهم فاكفف عنهم ثم سر حتّى تدخل مكة و لا تعرّض فيها لأحد و أرهب النّاس فيما بين المدينة و مكة و اجعلهم شردات حتى تأتي صنعاء و الجند فانّ لنا بهما شيعة و قد جاءني كتابهم.

فخرج بسر بن أبي أرطاة في ذلك البعث حتى أتى دير مران فعرضهم فسقط منهم أربعمائة ومضي في ألفين وستمائة، فقال الوليد بن عقبة: أرينا معاوية برأينا أن يسير الى الكوفة فبعث الجيش الى المدينة فمثلنا و مثله كما قال الأوّل: أريها السّها و تريني القمر فبلغ ذلك معاوية فغضب عليه و قال:

ص: 380

و الله لقد هممت بمساءة هذا الأحمق الّذي لا يحسن التدبير و لا يدري سياسة الأمور ثم إنّه كفّ عنه.

ثم سار بسر بن أبي أرطاة بمن تخلف معه من جيشه و كانوا إذا وردوا ماء أخذوا إبل أهل ذلك الماء فركبوها و قادوا خيولهم حتى يردوا الماء الآخر فيردّون تلك الإبل فيركبون إبل هؤلاء فلم يزل يصنع ذلك حتى قرب من المدينة.

54 - عنه قال: و قد روي أنّ قضاعة استقبلتهم ينحرون لهم الجزر حتى دخلوا المدينة و عامل علي (علیه السّلام) على المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصاري فخرج عنها هاربا و دخل بسر المدينة فخطب النّاس وشتمهم و تهدّدهم يومئذ و توعدهم و قال شاهت الوجوه إن الله ضرب «مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِئَةً يَأْتِيها رِزْقُهَا رَغَداً » (الآية) و قد أوقع الله ذلك المثل بكم وجعلكم أهله.

كان بلدكم مهاجر النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و منزله و فيه قبره و منازل الخلفاء من بعده، فلم تشكروا نعمة ربّكم و لم ترعوا حق أئمتكم و قتل خليفة الله بين أظهركم فكنتم بين قاتل و خاذل و شامت و متربّص ان كانت للمؤمنين قلتم : ألم نكن معكم و ان كان للكافرين نصيب قلتم : ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين.

ثمّ شتم الأنصار فقال: يا معاشر اليهود و أبناء العبيد بني زريق و بني النجار و بني سالم و بني عبد الأشهل أما والله لأوقعنّ بكم وقعة تشفي غليل صدور المؤمنين و آل عثمان أما والله لأدعنكم أحاديث كالأمم السالفة فتهدّدهم حتى خاف النّاس أن يوقع بهم ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزّى و يقال: انّه زوج أمّه فصعد إليه المنبر فناشده و قال: عشيرتك و

ص: 381

أنصار رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و ليسوا بقتلة عثمان.

فلم يزل به حتى سكن فدعا الناس الى بيعة معاوية فبايعوا، و نزل بسر فأحرق دورا أحرق دار زرارة بن جرول أحد بني عمرو بن عوف و دار رفاعة بن رافع الزرقي، و دار أبي أيوب الأنصاري و فقد جابر بن عبد الله فقال: ما لي لا أرى جابرا يا بني سلمة ؟ - لا أمان لكم عندي أو تأتوني بجابر بن عبد الله الأنصاري.

فعاذ جابر بأم سلمة - رضي الله عنها - فأرسلت الى بسر بن أبي أرطاة، فقال: لا أؤمنه حتى يبايع فقالت له امّ سلمة: اذهب فبايع، وقالت لابنها :عمر: اذهب فبايع، فذهبا فبايعا.

55 - عنه عن وهب بن كيسان قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة الى المدينة ليبايع أهلها على راياتهم و قبائلهم فجاءته بنو سلمة فقال: أفيهم جابر؟ - قالوا: لا، قال: فليرجعوا فانّي لست مبايعهم حتى يحضر جابر، قال: فأتاني قومي فقالوا: ننشدك الله لما انطلقت معنا فبايعت، فحقنت دمك و دماء قومك فان لم تفعل ذلك قتلت مقاتلينا و سبيت ذرّيّتنا.

قال: فاستنظرتهم الليل فأتيت أم سلمة زوجة النّبي فأخبرتها الخبر فقالت: يا بني انطلق فبايع احقن دمك و دماء قومك فانّي قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع و إنّي لأعلم أنها بيعة ضلالة.

قال: فأقام بسر أياما ثم قال لهم: إنّي قد عفوت عنكم و ان لم تكونوا لذلك بأهل، ما قوم قتل امامهم بين ظهرانيهم بأهل أن يكفّ عنهم العذاب و لئن نالكم العفو منّي في الدنيا فانّي لأرجو أن لا تنالكم رحمة الله في الآخرة، وقد استخلفت عليكم أبا هريرة فإيّاكم و خلافه، ثم خرج الي

ص: 382

مكة.

56 - عنه عن الوليد بن هشام قال: بعث بسر بن أبي أرطاة أحد بني عامر بن لؤي لقتل من كان على رأي علي بن أبي طالب (علیه السّلام) فأقبل من الشّام حتى قدم المدينة فصعد منبر النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فقال: يا أهل المدينة أخضبتم لحاكم وقتلتم عثمان مخضوبا والله لا أدع في المسجد مخضوبا الا قتلته ثم قال لأصحابه : خذوا بأبواب المسجد و هو يريد أن يستعرضهم.

فقام إليه عبد الله بن الزّبير و أبو قيس رجل من بني عامر بن لؤي فطلبا إليه حتّى كفّ عنهم وخرج من المدينة فأتى مكة فلما قرب منها هرب قثم بن العباس و كان عامل علي و دخل بسر مكة فشتمهم و و أنبهم ثمّ خرج من مكة و استعمل عليها شيبة بن عثمان الحجبي.

57 - عنه عن الكلبي أنّ بسرا لما الكلبيّ أنّ بسرا لما خرج من المدينة الى مكة فقتل في طريقه رجالا و أخذ أموالا و بلغ أهل مكة خبره فتنحى عنها عامة أهلها و تراضى النّاس بشيبة بن عثمان أميرا لما خرج قثم بن العبّاس عنها، فخرج الى بسر قوم من قريش فتلقوه فشتمهم ثم قال: أما والله لو تركت ورأيي فيكم لما خليت فيكم روحا تمشى على الأرض فقالوا: ننشدك الله في أهلك و عشيرتك فسكت ثم دخل فطاف بالبيت و صلّى ركعتين ثم خطبهم فقال:

الحمد لله الذي أعزّ دعوتنا، و جمع ألفتنا، و أذلّ عدوّنا بالقتل و التشريد، هذا ابن أبي طالب بناحية العراق في ضنك وضيق، قد ابتلاه الله بخطيئته، و أسلمه بجريرته، فتفرّق عنه أصحابه ناقمين عليه و ولى الأمر معاوية الطالب بدم عثمان فبايعوا و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فبايعوا، و فقد سعيد بن العاص فطلبه فلم يجده و أقام أياما ثم خطبهم فقال:

يا أهل مكة إنّي قد صفحت عنكم فإيّاكم و الخلاف، فو الله لئن فعلتم

ص: 383

لأقصدن منكم الى التي تبير الأصل، و تحرب المال و تخرب الديار و خرج بسر الى الطائف فلقيه المغيرة بن شعبة فسأله. و بلغني من غير هذا الوجه أنّ المغيرة بن شعبة كتب الى بسر حين خرج من مكة متوجها الى الطائف:

بعد فقد بلغني مسيرك الى الحجاز، و نزولك مكة، و شدّتك على المريب، و عفوك عن المسيء، و إكرامك لأولي النهى، فحمدت رأيك في ذلك فدم على صالح ما أنت عليه، فانّ الله لن يزيد بالخير أهله الا خيرا، جعلنا الله و إياك من الأمرين بالمعروف والقاصدين الى الحق، و الذاكرين الله كثيرا.

ثم لقيه بسر فقال: يا مغيرة إنّي أريد أن أستعرض قومك ؟ قال المغيرة: انّي أعيذك بالله من ذلك، إنّه لم يزل يبلغنا منذ خرجت شدّتك على عدوّ أمير المؤمنين عثمان فكنت بذلك محمود الرّأى فإذا كنت على عدوّك و وليك سواء أثمت ربّك و تغري بك عدوّك.

و وجّه رجلا من قريش إلى تبالة و بها قوم من شيعة علي (علیه السّلام) أمره بقتلهم فأخذهم وكلّم فيهم فقيل له : هؤلاء قومك فكفّ عنهم حتى نأتيك بكتاب من بسر بأمانهم فخرج منيع الباهلي الى الطائف و استشفع الى بسر فيهم و تحمّل بقوم من الطائف عليه فكلّموه فيهم وسألوه الكتاب بإطلاقهم فأنعم لهم و مطلهم بالكتاب حتى ظن أنهم قد قتلوا، و أنّ كتابه لا يصل إليهم حتى يقتلوا؛

فكتب إليهم، فأتى منيع منزله وقد كان نزل على أمرأة بالطائف رحله عندها فلم يجدها في منزلها فتوطا على ناقته بردائه و ركب فسار يوم الجمعة و ليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط فأتاهم ضحوة و قد اخرج القوم ليقتلوا واستبطئ كتاب بسر فيهم فقدّم رجل منهم فضربه رجل من

ص: 384

أهل الشّام فانقطع سيفه.

فقال الشّاميون بعضهم لبعض: شمّسوا سيوفكم حتى تلين فهزّوها، فتبصر منيع بريق السيوف فلوّح بثوبه فقال القوم: هذا راكب عنده خبر فكفّوا و قام به بعيره فنزل عنه و جاء يشتدّ على رجليه فدفع الكتاب اليهم، و كان الرّجل المقدّم الذي ضرب بالسيف فانقطع السيف أخاه و أمر بتخليتهم.

58 - عنه عن سنان بن أبي سنان أنّ أهل مكة لما بلغهم ما صنع بسر خافوا و هربوا و خرج ابنا عبيد الله سليمان و داود و امهما جويرية امّ حكيم ابنة خالد بن قارظ الكنانية و هم حلفاء بني زهرة و هما غلامان مع أهل مكة فأضلّوهما عند بئر ميمون و میمون هذا ابن الحضرمي أخو العلاء بن الحضرمي و هجم عليهما بسر فأخذهما فذبحهما فقالت امها:

ها من أحسّ بنّيي الذين هما *** سمعي وقلبي فقلبي اليوم مختطف

ها من أحسّ بنّبيّ الذين هما *** مخّ العظام فمخّي اليوم مزدهف

نبّئت بسرا وما صدقت ما زعموا *** من قتلهم ومن الافك الذي اقترفوا

أنحى على ودجي ابني مرهفة *** مشحوذة و كذاك الإثم يقترف

من ذلّ والهة حرّى مسلّبة *** على صبيّين ضلّا إذ مضى السّلف

59 -عنه قال: و لما دخل بسر الطائف و كلّمه المغيرة قال له: صدقتني و نصحتني، فبات فيها ثم خرج منها ، و خرج المغيرة فشيعه ساعة ثم ودعه و انصرف عنه، فخرج حتى مرّ ببني كنانة و فيهم ابنا عبيد الله بن العباس عبد الرّحمن وقتم و امتها جويرية بنت قارظ الكنانية وقارظ من حلفاء بني زهرة، و كان عبيد الله قد جعل ابنيه عند رجل من بني كنانة.

فلما انتهى بسر إليهما أراد أن يقتلهما فلما رأي ذلك الكناني دخل بيته و

ص: 385

أخذ السيف و خرج إليه فقال له بسر : ثكلتك امك و الله ما كنا أردنا قتلك فلم عرّضت نفسك للقتل؟ قال: نعم اقتل دون جاري أعذر لي عند الله و النّاس، ثمّ شدّ عليهم بالسيف حاسرا و هو يقول:

آليت لا يمنع حافات الدار *** ولا يموت مصلتا دون الجار

إلا فتى أروع غير غدّار

فضارب بسيفه حتّى قتل و قدّم الغلامين فقتلها، فخرج نسوة من بني كنانة. فقالت أمرأة منهنّ هذه الرّجال تقتلها فعلام تقتل الولدان ؟ و الله ما كانوا يقتلون في الجاهلية و لا في الإسلام و الله إنّ سلطانا لا يشتدّ إلّا بقتل الضّرع الضعيف و المدرهم الكبير و رفع الرحمة و قطع الأرحام السلطان سوء فقال فقال :بسر و الله لهممت أن أضع فيكن السيف، قالت: و الله إنه لأحب إلى إن فعلته وقالت جويرية أبياتها.

ها من أحسّ بنیّي الذين هما *** كالدرتين تشظى عنها الصدف

التي كتبناها، ويقال: إنّه ذبحهما على درج صنعاء لا رحم الله بسرا.

60 - عنه عن الكناني قال: و خرج بسر من الطائف فأتى نجران فقتل عبد الله الأصغر بن عبد المدان و كان يقال له: عبد الحجر، و ابنه مالكا، و قال بعضهم: أنّه لم يقتل عبد الله وقتل مالكا و رجلا آخر من بني عبد ،المدان فبكاهما شاعر قريش فقال:

و لو لا أن تعنفني قريش *** بكيت على بني عبد المدان

لهم أبوان قد علمت معدّ *** على أبنائهم متفضّلان

61 - عنه بلغنا أنّ عبد الله بن عبد المدان كان صهرا لعبيد الله بن العبّاس فأخذه بسر و قتله و دعا ابنه مالكا و كان أدنى لأبيه في الشرف، و كان يدعى لمالك باليمن فضرب عنقه، ثم جمعهم و قام فيهم يتهدّد أهل

ص: 386

نجران فقال: يا معاشر النّصارى و إخوان القرود أما و الله لئن بلغني عنكم ما أكره لأعودنّ عليكم بالتي تقطع النسل، وتهلك الحرث، و تخرب الديار فهلا مهلا .

و سار حتى أتى أرحب فقتل أبا كرب و كان يتشيّع ويقال: انه كان سيّد من بالبادية من همدان فقدّمه و قتله قتلا ذريعا، و أتى صنعاء و قد خرج عنها عبيد الله بن العبّاس و سعيد بن ،نمران و قد استخلف عبيد الله عليها عمرو ابن أراكة بن عبد الله بن الحارث بن حبيب الثّقفيّ.

فمنع بسرا من دخول صنعاء و قاتله فقتله بسر و دخل صنعاء فقتل فيها قوما و أتاه وفد مأرب فقتلهم فلم ينج منهم الا رجل واحد رجع الى قومه فقال لهم:

أنعى قتلانا *** شيوخا و شبّانا.

62 - عنه و بلغني من حديث عبد الملك بن نوفل عن أبيه أنّ بسرا لما صمد صمد عبيد الله ابن العبّاس بصنعاء فأقبل نحوهم فاجتمعت شيعة عثمان فأقبلوا نحو صنعاء.

63 - عنه ذكر عن أبي الودّاك قال: كنت عند علي (علیه السّلام) حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه و على عبيد الله أن لا يكونا قاتلا بسرا فقال سعيد: و الله قاتلت ولكنّ ابن عبّاس خذلني و أبي أن يقاتل، و لقد خلوت به حين دنا منا بسر فقلت ان ابن عمّك لا يرضى مني و لا منك الا بالجد في قتالهم و ما نعذر.

قال: لا و الله ما لنا بهم طاقة و لا يدان فقمت في النّاس و حمدت الله و أثنيت عليه ثم قلت يا أهل اليمن من كان في طاعتنا و على بيعة أمير المؤمنين فالي الي فأجابني منهم عصابة فاستقدمت بهم فقاتلت قتالا ضعيفا

ص: 387

و تفرّق النّاس عني.

مسند الامام أمير المؤمنين علي بن ابيطالب اللا - ج 6

و انصرفت و وجهت الى صاحبي فحذرته موجدة صاحبه عليه و أمرته أن يتمسك بالحصن و يبعث الى صاحبنا و يسأله المدد فانّه أجمل بنا و أعذر لنا، فقال: لا طاقة لنا بمن جاءنا، وأخاف تلك.

و زحف إليهم بسر فاستقبلهم سعيد بن غمران فحملوا عليه فقاتل قتالا كلاولا ثم انصرف هو و أصحابه الى عبيد الله و حضر صنعاء ثم خرج منها حتى لقي أهل جيشان و هم شيعة لعلي (علیه السّلام) فقاتلهم وهزمهم وقتلهم قتلا ذريعا و تحصنوا منه ثم انه رجع الى صنعاء.

64 - عنه عن الوليد بن هشام قال خرج بسر من مكةو استعمل عليها شيبة بن عثمان ثم مضى يريد اليمن فلما جاوز مكة رجع قثم بن العبّاس الى مكة فغلب عليها، و كان بسر إذا قرب من منزل تقدّم رجل من أصحابه حتى يأتى أهل الماء فيسلّم فيقول:

ما تقولون في هذا المقتول بالأمس عثمان؟ - قال: ان قالوا: قتل مظلوما لم يعرض لهم، و ان قالوا: كان مستوجبا للقتل قال: ضعوا السّلاح فيهم.

فلم يزل على ذلك حتى دخل صنعاء، فهرب منه عبيدالله بن العباس و كان واليا لعلي (علیه السّلام) عليها، و استخلف عمرو ابن أراكة فأخذه بسر فضرب عنقه و أخذ ابني عبيد الله فذبحها على درج صنعاء، و ذبح في آثارهما مائة شيخ من أبناء فارس، و ذلك أنّ الغلامين كانا في منزل امّ النعمان بنت بزرج أمرأة من الأبناء.

65 - عنه حدّثنا محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا إبراهيم، عن محمّد بن عبد الله عن الوليد بن الحارث، عن أبي سفيان عن عبد الواحد

ص: 388

عن الضّحّاك و عوانة عن الكلبي و لوط بن يحيى الأزدي أنّ ابن قيس بن زرارة الشاذي فخذ من همدان قدم على علي (علیه السّلام) فأخبره بخروج بسر فندب علي (علیه السّلام) الناس فتثاقلوا عنه فقال:

أتريدون أن أخرج بنفسي في كتيبة تتبع كتيبة في الفيافي و الجبال؟ ذهب و الله منكم أولو النّهى و الفضل الذين كانوا يدعون فيجيبون، و يؤمرون فيطيعون، لقد هممت أن أخرج عنكم فلا أطلب بنصركم ما اختلف الجديدان.

فقام جارية بن قدامة فقال: أنا أكفيكهم يا أمير المؤمنين فقال: أنت لعمري لميمون النقيبة حسن النّيّة صالح العشيرة، وندب معه ندب معه ألفين و قال بعضهم: ألفا، و أمره أن يأتي البصرة فيضم إليه مثلهم، فشخص جارية و خرج معه يشيّعه فلما ودعه قال:

اتق الله الذي إليه تصير و لا تحتقر مسلما و لا معاهدا، و لا تغصبنّ مالا ولا ولدا و لا دابة و ان حفيت و ترجّلت، وصلّ الصّلاة لوقتها.

فقدم جارية البصرة فضم إليه مثل الذي معه ثم أخذ طريق الحجاز حتى قدم اليمن لم يغصب أحدا و لم يقتل أحدا الا قوما ارتدوا باليمن فقتلهم و حرقهم و سأل عن طريق بسر فقالوا: أخذ على بلاد بني تميم فقال: أخذ في ديار قوم يمنعون أنفسهم ، فانصرف جارية فأقام بجرش.

66 - عنه حدّثنا محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا إبراهيم قال: و من حديث الكوفيين عن نمير بن وعلة عن أبي وذاك الشاذي قال: قدم زرارة بن قيس الشاذي فخبر عليا (علیه السّلام) بالعدّة التي خرج فيها بسر فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

أمّا بعد أيّها النّاس فانّ أوّل فرقتكم و بدء نقصكم ذهاب اولي النهي

ص: 389

و أهل الرّأي منكم الذين كانوا يلقون فيصدقون، و يقولون فيعدلون، و يدعون فيجيبون، و أنا و الله قد دعوتكم عودا و بدءا و سرا و جهارا و في الليل والنهار و الغدو والآصال فما يزيدكم دعائي الا فرارا و إدبارا أما تنفعكم العظة و الدعاء الى الهدى و الحكمة و اني لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم.

و لكني و الله لا أصلحكم بإفساد نفسي و لكن أمهلونى قليلا فكأنكم و الله بإمرئ قد جاءكم يحرمكم ويعذبكم فيعذبه الله كما يعذبكم ان من ذل المسلمين و هلاك الدين أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأراذل و الأشرار فيجاب،و أدعوكم و أنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون و تدافعون، ما هذا بفعل المتقين.

ان بسر بن أبي أرطاة وجّه الى الحجاز و ما بسر ؟ لعنه الله لينتدب إليه منكم عصابة حتى تردّوه عن شنّته فانّما خرج في ستّ مائة أو يزيدون.

قال: فسكت الناس مليا لا ينطقون، فقال: ما لكم أمخرسون أنتم لا تتكلمون؟

67- عنه فذكر عن الحارث بن حصيرة عن مسافر بن عفيف قال: قام أبو بردة بن عوف الأزدي فقال: ان سرت يا أمير المؤمنين سرنا معك فقال:

اللهمّ ما لكم؟ لا سدّدتم لمقال الرّشد، أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟ أنما يخرج في مثل هذا رجل ممن ترضون من فرسانكم و شجعانكم و لا ينبغي لي أن أدع الجند و المصر و بيت المال و جباية الأرض والقضاء بين المسلمين و النظر في حقوق النّاس ثم أخرج في كتيبة أتبع اخري في الفلوات و شعف الجبال هذا و الله الرّأي السوء.

ص: 390

و الله لو لا رجائي عند لقائهم لو قد حمّ لي لقاؤهم لقربت ركابي ثم لشخصت عنكم فلا أطلبكم ما اختلف جنوب و شمال فو الله ان في فراقكم لراحة للنّفس و البدن.

فقام إليه جارية بن قدامة السعدي فقال: يا أمير المؤمنين لا أعدمنا الله نفسك، و لا أرانا الله ،فراقك، أنا لهؤلاء القوم فسرّحني إليهم، قال: فتجهز فانّك ما علمت ميمون النقيبة، وقام إليه وهب بن مسعود الخثعمي فقال: أنا أنتدب إليهم يا أمير المؤمنين؟ - قال: فانتدب بارك الله فيك و نزل.

فدعا جارية بن قدامة فأمره أن يسير الى البصرة فخرج منها في ألفين و ندب مع الخثعمي من الكوفة ألفين فقال لهما اخرجا في طلب بسر بن أبى أرطاة حتى تلحقاه فأينما لحقتاه فناجزاه فإذا التقيتا فجارية بن قدامة على النّاس، فخرجا في طلب بسر فخرج وهب بن مسعود من الكوفة و مضى جارية الى البصرة فخرج من أرض البصرة فالتقيا بأرض الحجاز فذهبا في طلب بسر.

68 - عنه عن الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن عبيد قال:

لما بلغ عليا (علیه السّلام) دخول بسر أرض الحجاز و قتله ابني عبيد الله بن العباس و قتله عبد الله بن عبد المدان و مالك بن عبد الله بعثني بكتاب في اثر جارية بن قدامة قبل أن يبلغه أنّ بسرا ظهر على صنعاء و أخرج عبيد الله منها و ابن ،نمران فخرجت بالكتاب حتى لحقت به جارية ففضّه فإذا فيه .

أما بعد فانّي بعثتك في وجهك الذي وجهت له، و قد أوصيتك بتقوى الله ، و تقوى ربّنا جماع كلّ خير و رأس كلّ أمر، و تركت أن اسمي لك الأشياء بأعيانها و انّي أفسرها حتى تعرفها سر على بركة الله حتى تلقي

ص: 391

عدوّك، و لا تحتقرنّ من خلق الله أحدا و لا تسخّرن بعيرا و لا حمارا و ان ترجّلت و حفيت و لا تستأثرنّ على أهل المياه بمياههم.

و لا تشرين من مياههم إلا بطيب أنفسهم، ولا تسبّ مسلما ولا مسلمة، و لا تظلم معاهدا ولا معاهدة وصلّ الصّلاة لوقتها و اذكر الله بالليل والنهار، واحملوا راجلكم و تأسوا على ذات أيديكم و أغذ السّير حتى تلحق بعدوّك ، فتجليهم عن بلاد اليمن وتردّهم صاغرين إن شاء الله و السّلام عليك ورحمة الله و بركاته.

69 - عنه عن الضحاك و عوانة عن الكلبي أنّ وائل بن حجر كتب إلى بسر أنّ نصف حضر موت شيعة عثمان فاقدم فليس بها أحد يمنعك فخرج بسر إلى حضرموت فلا قرب منها تلقاه وائل بن حجر بحملان و كسوة و قال له :وائل ما تريد أن تصنع بأهل حضرموت؟

قال: أريد أن أقتل ربعهم قال له :وائل: إن كنت تريد ذلك فاقتل عبد الله بن ثوابة فاستنسر و هو آمن للقتل فقتله، و بلغ بسرا مسير جارية و أنه أخذ طريق الحجاز، فخرج بسر من اليمن فانحدر إلى اليمامة.

70 - عنه أمّا من ذكر عن فضيل بن خديج قال: كان وائل بن حجر عند علي (علیه السّلام) بالكوفة و كان يرى رأي عثمان فقال لعلي (علیه السّلام): إن رأيت أن تأذن لي بالخروج إلى بلادي و أصلح مالي هناك، ثم لا ألبث إلا قليلا إن شاء الله حتى أرجع إليك.

فأذن له علي (علیه السّلام) وظنّ أنّ ذلك مثل ما ذكره. فخرج إلى بلاد قومه و كان قيلا من أقيالهم عظيم الشأن فيهم و كان الناس بها أحزابا و ش-يعا فشيعة ترى رأي عثمان و أخرى ترى رأي علي(علیه السّلام)، فكان وائل بن حجر هناك حتى دخل بسر صنعاء.

ص: 392

فكتب إليه أمّا بعد فإنّ شيعة عثمان ببلادنا شطر أهلها فاقدم علينا فإنّه ليس بحضرموت أحد يردّك عنها و لا ينصب لك فيها، فأقبل إليها بسر بمن معه حتى دخلها فزعم أنّ وائلا استقبل بسر بن أبي أرطاة بشنوءة فأعطاه عشرة آلاف و أنه كلّمه في حضرموت فقال له: ما تريد؟ قال: أريد أن أقتل ربع حضرموت.

قال: إن كنت تريد أن تقتل ربع حضرموت فاقتل عبد الله بن ثوابة، أنّه لرجل فيهم و كان من المقاولة العظام و كان له عدوّا فى رأيه مخالفا فجاءه بسر حتى أحاط بحصنه، و هو حصن مما كان الحبش بنته أوّل ما ،قدمت وكان بناء معجبا لم ير في ذلك الزمان مثله، فدعاه إليه فنزل، و كان للقتل آمنا.

فلما نزل أتاه فقال: اضربوا عنقه، قال له: أتريد قتلي ؟ - قال: نعم قال: فدعني أتوضأ و أصلى ركعتين، قال: افعل ما أحببت، فاغتسل و توضأ و لبس ثيابا بيضا وصلى ركعتين ثم قدّم ليقتله فقال:

اللهم إنك عالم بأمري، فقدّم فضرب عنقه و أخذ ماله و أخذ له مائة و خمسين عينا و كان له أخت وكان ذلك المال بينهما و كان لها منه الثلث، فلما قتل و أخذ ماله قالت أخته من بقي القتيل و يبكع الدية أي و يعطي الدية و هذه لغتهم، فبلغ قولها معاوية فردّ عليها ثلث المال.

و بلغ علیاً (علیه السّلام) مظاهرة وائل بن حجر شيعة عثمان على شيعته و مكاتبته بسرا فحبس ولديه عنده .

71 - عنه عن عبد الرحمن بن عبيد أنّ جارية بن قدامة أغذّ السّير في طلب بسر بن أبي أرطاة ما يلتفت إلى مدينة مرّ بها و لا أهل حصن ولا يعرّج على شيء إلا أن يرمل بعض أصحابه من الزاد فيأمر أصحابه

ص: 393

بمواساته، أو يسقط بعير رجل أو تحفى دابته فيأمر أصحابه فيعقبونه قال فمضى حتى انتهى إلى بلاد اليمن فهربت شيعة عثمان فلحقوا بالجبال.

و اتبعتهم عند ذلك شيعة علي (علیه السّلام) و تداعت عليهم من كل جانب و أصابوا منهم، و خرج جارية في أثر القوم و ترك المدائن أن يدخلها و مضى نحو بسر فمضى بسر من حضرموت حين بلغه أنّ الجيش قد أقبل و أخذ طريقا على الجوف وترك الطريق الذي أقبل منه، و بلغ ذلك جارية.

فاتبعه حتى أخرجه من اليمن كلها و واقعه في أرض الحجاز، فلمّا فعل ذلك به أقام بجرش نحوا من شهر حتى استراح و أراح أصحابه.

72 - عنه عن عبد الرّحمن بن نعيم عن أشياخ من قومه أنّ عليّاً (علیه السّلام) كان كثيرا ما يقول في خطبته أيها الناس إنّ الدنيا قد أدبرت و آذنت أهلها بوداع، و إنّ الاخرة قد أقبلت و آذنت باطلاع، ألا وإن المضمار اليوم و السباق غدا، ألا و ان السبق الجنّة و الغاية النار.

ألا وإنّكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل، فمن عمل في أيام مهلة قبل حضور أجله نفعه عمله و لم يضره أمله ألا و إنّ الأمل يسهى القلب ويكذب الوعد و يكثر الغفلة و يورث الحسرة، فاعزبوا عن الدنيا كأشدّ ما أنتم عن شيء تعزبون.

فإنّها غرور وصاحبها منها في غطاء معنى و أفزعوا إلى قوام دينكم بإقامة الصّلاة لوقتها، و أداء الزكاة لحلّها، و التضرّع إلى الله و الخشوع له ،و صلة الرحم، و خوف المعاد، و إعطاء السائل و إكرام الضيف، وتعلّموا القرآن و اعملوا به و اصدقوا الحدیث و آثروه، و أوفوا بالعهد إذا عاهدتم، و أدّوا الأمانة إذا ائتمنتم و ارغبوا في ثواب الله و خافوا عقابه.

فإنّي لم أر كالجنّة نام طالبها و لم أر كالنار نام هاربها، فتزوّدوا في

ص: 394

الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا من النار، و اعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز أهل الخير بالخير.

73 عنه عن القاسم بن الوليد أنّ عبيد الله بن العبّاس و سعيد بن نمران قدما على علي (علیه السّلام) و كان عبيد الله عامله على صنعاء و سعيد بن نمران عامله على الجند خرجا هاربين من بسر بن أبي أرطاة و أصاب ابني عبيد الله بن العبّاس لم يدركا الحنث فقتلها.

قال و كان أمير المؤمنين (علیه السّلام) يجلس كلّ يوم في موضع من المسجد الأعظم يسبّح فيه بعد الغداة إلى طلوع الشمس، فلما طلعت الشمس نهض إلى المنبر فضرب بإصبعيه على راحته و هو يقول: ما هي الا الكوفة أقبضها و أبسطها.

لعمر أبيك الخير يا عمرو إنّني *** على وضر من ذا الإناء قليل

74- عنه من حديث بعضهم أنه قال: لو لم تكوني إلّا أنت تهبّ أعاصيرك فقبحك الله. ثم رجع إلى الحديث ثم قال: أيها النّاس ألا إن بسرا قد اطلع اليمن و هذا عبيد الله بن عبّاس و سعيد بن نمران قدما علي هاربين، و لا أرى هؤلاء القوم إلّا ظاهرين عليكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرّقكم عن حقكم، وطاعتهم لإمامهم ومعصيتكم لإمامكم.

و بأدائهم الأمانة إلى صاحبهم و خيانتكم إيَّاي، إنّي وليت فلانا فخان و غدر و احتمل فيء المسلمين إلى معاوية و وليت فلانا فخان و غدر و فعل مثله، فصرت لا أتمنكم على علاقة سوط و إن ندبتكم إلى عدوّكم في الصيف قلتم أمهلنا ينسلخ الحرّ عنا، وإن ندبتكم في الشتاء قلتم: أمهلنا ينسلخ القرّ عنا.

اللهمّ إنّي قد مللتهم و ملّوني و سئمتهم و سئموني، فأبدلني بهم من

ص: 395

هو خير لي منهم، و أبدلهم بي من هو شر لهم مني، اللهم من قلوبهم ميث الملح في الماء، ثم نزل.

75- عنه عن عبد الله بن الحارث بن سليمان عن أبيه قال: قال عليّ عليه السّلام: لا أرى هؤلاء القوم إلّا ظاهرين عليكم بتفرقكم عن حقّكم و اجتماعهم على باطلهم و ان الامام ليس يساق شعره و أنه يخطئ و يصيب، فإذا كان عليكم إمام يعدل في الرّعيّة، و يقسم بالسوية، فاسمعوا له و أطيعوا.

فإنّ الناس لا يصلحهم إلا إمام برّ أو فاجر، فإن كان برا فللراعي و الرّعيّة، و إن كان فاجرا عبد المؤمن ربّه فيها وعمل فيها الفاجر إلى أجله، و إنكم ستعرضون بعدي على سبي و البراءة منّي فمن سبني فهو في حلّ من ستي، و لا تتبرءوا مني، فانّ ديني الإسلام.

76 - عنه عن أبي عبد الرحمن السلمي انّ النّاس تلاقوا و تلاوموا و مشت الشيعة بعضها إلى بعض، و لقي أشراف الناس بعضهم بعضا فدخلوا على علي (علیه السّلام) فقالوا:

يا أمير المؤمنين اختر منّا رجلا ثم ابعث معه إلى هذا الرجل جندا حتى يكفيك أمره، و مرنا بأمرك فيما سوى ذلك فإنّك لن ترى منّا شيئا تكرهه ما صحبتنا.

قال (علیه السّلام) : فإني قد بعثت رجلا إلى هذا الرّجل لا يرجع أبدا حتى يقتل أحدهما صاحبه أو ينفيه، و لكن استقيموا لي فيا آمركم به و أدعوكم إليه من غزو الشام و أهله.

فقام إليه سعيد بن قيس الهمداني فقال: يا أمير المؤمنين و الله لو أمرتنا بالمسير إلى قسطنطينية و روميّة مشاة حفاة على غير عطاء و لا قوّة

ص: 396

ما خالفتك أنا و لا رجل من قومي، قال: فصدقتم جزاكم الله خيرا.

ثم قام زياد بن خصفة و وعلة بن مخدوع فقالا: نحن شيعتك يا أمير المؤمنين التي لا نعصيك و لا نخالفك فقال: أجل أنتم كذلك فتجهزوا إلى غزو الشام، فقال الناس: سمعا وطاعة قال: فأشيروا عليّ برجل يحشر الناس من السواد و من القرى و من محشرهم.

فقال سعيد بن قيس: أما و الله أشير عليك بفارس العرب الناصح الشديد على عدوّك. قال له: من؟ قال: معقل بن قيس الرياحي. قال: أجل، فدعاه فسرّحه في حشر النّاس من السواد إلى الكوفة فلم يقدم حتى أصيب أمير المؤمنين صلوات الله عليه و سلامه.

77 - عنه رجع إلى حديث جارية بن قدامة و بسر قال: و لمّا قدم جارية أقام بجرش شهرا فاستراح و أراح أصحابه و سأل عن بسر بن أبي أرطاة فقيل : إنّه بمكّة فسار نحوه و وثب النّاس ببسر في طريقه حين انصرف لسوء سيرته و اجتنبه النّاس بمياه الطريق وفرّ النّاس عنه لغشمه و ظلمه، و أقبل جارية حتى دخل مكة و خرج بسر منها يمضي قبل اليمامة فقام جارية على منبر مكة فقال: يا أهل مكة ما رأيكم ومع من أنتم؟

قالوا: كان رأينا معكم و كانت بيعتنا لكم فجاء هؤلاء القوم فدخلوا علينا فلم نستطع منهم و لم نقم لهم وكانت بيعتكم قبلهم و لكنّهم قهرونا قال: إنما مثلكم مثل الذين «إذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَ إِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ» قوموا فبايعوا.

قالوا: لمن نبايع رحمك الله و قد هلك أمير المؤمنين علي - رحمة الله عليه - و لا ندري ما صنع النّاس بعد؟ قال: و ما عسى أن يصنعوا الا أن يبايعوا الحسن بن علي قوموا فبايعوا ثم اجتمعت عليه شيعة علي (علیه السّلام)

ص: 397

فبايعوا.

و خرج منها فجاء ودخل المدينة و قد اصطلحوا على أبي هريرة يصلي بالناس فلما بلغهم مجيء جارية توارى أبو هريرة و جاء جارية حتّى دخل المدينة فصعد منبرها فحمد الله و أثنى عليه و ذكر رسول الله فصلّى عليه ثم قال:

أيّها النّاس انّ علياً (علیه السّلام) يوم ولد و يوم توفّاه الله و يوم يبعث حيّا كان عبدا من عباد الله الصّالحين عاش بقدر و مات بأجل فلا يهنأ الشّامتين هلك سيّد المسلمين و أفضل المهاجرين و ابن عم النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أما و الذي لا اله الا هو لو أعلم الشّامت منكم لتقرّبت الى الله عزّ و جلّ بسفك دمه و تعجيله الى النّار، قوموا فبايعوا الحسن بن علي.

فقام النّاس فبايعوا، و أقام يومه ذلك ثمّ غدا منها منصرفا الى الكوفة و غدا أبو هريرة يصلي بالناس و رجع بسر فأخذ على طريق السماوة حتى أتى الشام فقدم على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين احمد الله فاني سرت في هذا الجيش أقتل عدوّك ذاهبا و راجعا لم ينكب رجل منهم نكبة.

فقال معاوية: الله فعل ذلك لا أنت و كان الذي قتل بسر في وجهه ذاهبا و راجعا ثلاثين ألفا و حرّق قوما بالنّار و قال الشاعر و هو ابن مفرّغ:

الى حيث سار المرء بسر بجيشه *** فقتل بسر ما استطاع و حرّقا

قال: ولما قدم جارية بن قدامة الجرش بلغه بها قتل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - صلوات الله عليه و سلامه - فقدم مكة فقال: بايعتم معاوية؟ قالوا: أكرهنا ،قال جارية: أخاف أن تكونوا من الذين قال الله فيهم: «وَ إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا» الآية.

ص: 398

ثم خرج حتى أتى المدينة فقال: انّي لا أعلم أنّ فيكم أمير المؤمنين و لو أعرفه لبدأت به فبايعوا الحسن بن علي (علیه السّلام) .

و قد كان علي (علیه السّلام) دعا قبل موته على بسر بن أبي أرطاة - لعنه الله - فيما بلغنا فقال: اللهمّ انّ بسرا باع دينه بدنياه وانتهك محارمك و كانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك، اللهم فلا تمته حتى تسليه عقله، فما لبث بعد وفاة على (علیه السّلام) الّا يسيرا حتى وسوس و ذهب عقله.

78 - عنه عن علي بن محمد بن أبي سيف قال: قال علي (علیه السّلام): اللّهمّ العن معاوية و عمرا و بسرا أما يخاف هؤلاء المعاد؟ فاختلط بسر بعد ذلك فكان يهذي و يدعو بالسّيف فاتّخذ له سيف من خشب فإذا دعا بالسّيف أعطي السّيف الخشب فيضرب به حتى يغشى عليه فإذا أفاق طلبه فيدفع اليه فيصنع به مثل ذلك حتى مات لا رحمه الله.

79 - عنه في حديث آخر أنه ذكر عنده (علیه السّلام) بسر فقال: اللهم العن بسرا و عمرا و معاوية اللهم ليحلّ عليهم غضبك، و لتنزل بهم نقمتك ليصبهم بأسك و رجزك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين، قال: فلم يزل بسر الا قليلا حتى وسوس و ذلك بعد صلح الحسن بن علي معاوية، فكان يهذي فيقول: أعطوني السيف أقتل به حتى جعل له سيف من عيدان و كانوا یدنون به الى المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فما زال كذلك حتى مات لا رحمه الله.

80 - عنه قال: و أقبل جارية حتى دخل على الحسن بن علي عليهما السّلام فضرب على يده فبایعه و عزّاه و قال ما يجلسك؟ سرير يرحمك الله سر بنا الى عدوّك قبل أن يسار إليك، فقال: لو كان الناس كلهم مثلك سرت بهم و لم يحمل على الرّأي شطرهم أو عشرهم.

ص: 399

قال: و كان بسر مضى حتى مرّ بأرض اليمامة فنزل بالماء و لم يكن أهل اليمامة دخلوا في طاعة أحد بعد عثمان وكانوا معتزلين أمر النّاس مع القاسم بن وبرة أميرهم الذي ولّى عليهم، فلما مرّ بهم بسر و أراد مواقعتهم أتى ابن مجاعة بن مرارة فقال له : دع قومي لا تعرّض لهم اخرج بي الى معاوية حتى أصالحه على قومي فأخذه معه و ذهب به الى معاوية فصالحه و كاتبه عن قومه.

ثم ان معاوية لما أقبل على الحسن بن علي عليها السلام و صالحه عبيد الله بن العباس بمسكن و دخل في طاعة معاوية فأكرمه معاوية و أدناه و أوفى له بصلحه و ما ضمن له من المال فلما قدم معاوية النخيلة فبايعه الحسن و بسر صاحب مقدّمته في ذلك كله حتى انتهى الى النخيلة.

فلمّا بايعه الحسن تفرّغ معاوية لاستعمال العمال، فبعث المغيرة ابن شعبة على الكوفة وكان قدم عليه بعد ذلك باثني عشر ليلة من الطائف، و بعث عتبة بن أبي سفيان على البصرة فقام إليه عبد الله بن عامر وقال: يا أمير المؤمنين انّ عثمان هلك و أنا عامل البصرة.

عزلني علي فجعلت مالي ودائع عند النّاس، فان أنت لم تولّني البصرة ذهب مالي الذي في أيدي النّاس، فولاه عند ذلك البصرة فخرج اليها، و سرح معاوية معه بسر بن أبى أرطاة في جيش فأقبل حتى دخل البصرة فصعد المنبر فقال:

الحمد لله الذي أصلح أمر الأمّة و جمع الكلمة و أدرك لنا بثأرنا، و كفانا مؤنة عدوّنا، ألا انّ النّاس آمنون، ليس في صدورنا على أحد ضغينة و لا نأخذ أحدا بأخيه.

ثم ان بسرا صعد درجتين من المنبر ثم نادى بأعلى صوته: ألا ان ذمّة

ص: 400

الله بريئة ممن لم يخرج فيبايع، ألا انّ الله طلب بدم عثمان فقتل قاتليه و ردّ الأمر الى أهله فأقبل النّاس يبايعون من كل مكان.

و قد كان زياد عاملا لعلي (علیه السّلام)على فارس و قد كان فيما بلغنا أنّ معاوية كتب إليه في عهد على ما يدعوه و يهدّده فكتب إليه زياد فيما ذكر بعض البصريين.

أما بعد فقد بلغني كتابك و أيم الله لئن بقيت لك لأكافئتك.

81 - عنه كان كتاب زياد بن عبيد الى معاوية بن أبي سفيان: أما بعد فقد بلغني كتابك يا بن بقية الأحزاب، و ابن عمود النفاق، و يا بن آكلة الأكباد أتهدّدني و بيني و بينك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين ألفا، قواطع سيوفهم، وأيم الله لئن رميت ذلك مني لتجدني أحمر ضرابا بالسيف.

و رجع الى الحديث:

و لما بلغ زيادا قدوم عبد الله بن عامر أميرا أقبل إلى قلعة بفارس فنزلها و هي اليوم تدعى قلعة زياد و وثب بسر على بني زياد عبيد الله و سالم و محمّد فأوقفهم فخرج عمّهم أبو بكرة من البصرة حتى قدم على معاوية فقال له: يا معاوية ما جاء بأبي بكرة الّا أمر أخيه زياد.

82- عنه فقال: و من حديث آخر لما دخل على معاوية قال السّلام عليك يا أمير الفاسقين و لا رحمة الله و بركاته اتق الله يا معاوية واعلم أنك في كلّ يوم يزول عنك و ليلة تأتى عليك لا تزداد من الدنيا الّا بعدا و من الآخرة الّا قربا و على أثرك طالب لا تفوته قد نصب لك علما لا تجوزه .

فما أسرع ما تبلغ العلم، و ما أوشك ما يلحقك الطالب، انّ ما نحن و أنت فيه زائل و انّ الّذي نحن إليه صائرون باق ان خير و ان شرّ فنسأل الله الخير و نعوذ به من الشّر، ثم انه جلس ساعة لا يتكلّم فقال له: يا أبا بكرة

ص: 401

أزيارتنا أشخصتك أم حاجة حدثت لك قبلنا؟ قال: لا والله لا أقول باطلا و لكنّها حاجة بدت لي قبلك قال: فهات حاجتك فما أحب إلينا مما سرّك.

قال: أريد أن تؤمن أخي زيادا، قال: هو آمن على نفسه و لكن في يده مال ،فارس، و ذلك فيء المسلمين و ليس له مترك، إذ لا ينبغي لحق المسلمين أن يترك عند قريب ولا بعيد قال أبو بكرة أنّه لا يطلب صلحك، و يزعم أنه يدفع ما كان في يده من حقوق المسلمين، و يزعم أنه لا يستحلّ أموالهم. قال: وكم هذا المال؟ -قال : خمسة آلاف قال: فقد أمنته و رضيت بهذا منه، قال: فاكتب الى بسر فليخلّ سبيل بني أخي فانّه قد حبسهم فكتب إليه :

أما بعد فانّ أبا بكرة أتاني و التمس لأخيه الأمان على ما أحدث و الصلح على ما في يديه فخل سبيل بني أخيه حين يقدم عليك و السلام.

83 - عنه حدّثنا محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا إبراهيم قال: فأمّا محمّد بن عبدالله ابن عثمان فحدّثنا قال: حدثنا الوليد بن هشام أنّ بسرا أقبل بشرقي بلاد العرب حتى عبر البحر إلى فارس فأراد زيادا فتحصّن منه، و قد قتل علي بن أبي طالب (علیه السّلام) فانحدر إلى البصرة فدخلها فقام على المنبر فذكر عليا فقال: أنشدكم بالله أتعلمون أن عليا كان كافرا منافقا؟ فسكت النّاس فردّ عليهم القول وقال: ألا ترون أناشدكم؟

فقام أبو بكرة فقال: أما إذ ناشدتنا فلا نعلم أنه كان كافرا و لا منافقا فأمر به فطوي حتى كادوا أن يقتلوه، فوثب بنو السيّد من بني ضبّة فاستنقذوه من أيديهم .

و كتب بسر إلى زياد أن أقدم عليّ و إلّا قتلت ولدك، فكتب إليه زياد: أنّي لا أقدم والله لا أمكنك من نفسي و لو قتلت ولدي صبية لا ذنب لهم

ص: 402

فأبعد لا و الله .

و ركب أبو بكرة على برذون له و أتى الكوفة و بها معاوية فدخل عليه و قال يا معاوية أعلى هذا بايعناك على أن تقتل الأطفال؟ قال: فما ذلك يا أبا بكرة؟ قال: هذا بسر يريد أن يقتل بني زياد .

فكتب إلى بسر: لا تقتل بني زياد ولا تعرّض لهم، فرجع أبو بكرة فلما سار بالمربد نفق برذونه و كان سار في ذهابه و مجيئه ثلاثة أيام، فرفع أبو بكرة كتاب معاوية إلى بسر و قد أمر بسر بخشب فنصب لهم و لم يصلبوا بعد فكفّ عنهم.

84- عنه قال: و أقبل بسر يتتبع كلّ من كان له بلاء مع علي (علیه السّلام) أو كان من أصحابه وكلّ من أبطأ عن البيعة، فأقبل يحرق دورهم و يخرجها و ينهب أموالهم. ففي مسير بسر و قتله و حرقة يقول يزيد بن ربيعة بن مفرّغ حيث يقول:

تعلّق من أسماء ما قد تعلّقا *** ومثل الذي لاقى من الشوق أرقّا

فقصرك من أسماء بين وإنّها *** إذا ذكرت هاجت فؤادا مشوّقا

سقى هزم الارعاد منبجس الكلى *** منازلها من مسرقان فسرّقا

الى الشرف الأعلى إلى رامهرمز *** الى قريات الشيح من نهر أربقا

الی دشت بارين إلى السّط كله *** الى مجمع السّلان من بطن دورقا

فرام بني سرح عشيبا جنابه *** فدجلة أسقاها السّحاب المطبّقا

الى حيث ترقى من دجيل سفينة *** الى مجمع النهرين حيث تفرّقا

الى حيث سار المرء بسر بجيشه *** فقتل بسر ما استطاع و حرّقا

خيال لبنت الفارسي يشوقني *** على النارتسقيني شرابا مروّقا

85 -عنه قال: و اجتمع الى معاوية بالنخيلة أشياعه و من كان يهوى

ص: 403

هواه فأتاه أبو بكرة من البصرة، و أتاه أبو هريرة من الحجاز، و المغيرة بن شعبة من الطائف، و عبد الله بن قيس الأشعري من مكة.

86 - عنه قال: لما قدم معاوية النّخيلة أتاه أبو موسى و عليه جبّة سوداء و برنس أسود و معه عصا سوداء.

87 - عنه عن محمد بن عبد الله بن قارب قال: اني عند معاوية الجالس إذ جاء أبو موسى فقال: السّلام عليك يا أمير المؤمنين قال: وعليك السّلام فلمّا تولّى قال: والله لا يلي هذا على اثنين حتى يموت.

و كان أبو بكرة لما قدم علي (علیه السّلام) البصرة لقي الحسن بن أبي الحسن و هو متوجه نحو علي (علیه السّلام)، فقال : إلى أين؟ قال: الى علي (علیه السّلام) قال: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول : ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من القاعد، و القاعد فيها خير من النائم فلزمت بيتي.

فلما كان بعد ذلك لقيت جارية بن عبد الله و أبا سعيد فقالا: این کنت أمس؟ فحدّثتهما بما قال أبو بكرة فقالا: لعن الله أبا بكرة أساء سمعا فأساء جابة انّما قال النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لأبي موسى: تكون بعدي فتنة أنت فيها نائم خير منك قاعد و أنت فيها قاعد خير منك ساع.

88 - عنه قال : لما دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد فكان يحدث و يقول: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، و قال أبو القاسم، و قال خليلي فجاءه شاب من الأنصار يتخطّى النّاس حتى دنا منه فقال: يا أبا هريرة حدیث أسألك عنه فان كنت سمعته من النّبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فحدثنيه، أنشدك بالله سمعت النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يقول لعلي:

من كنت مولاه فعلی مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه؟ قال أبو هريرة: نعم و الذي لا إله إلا هو لسمعته من النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: من

ص: 404

كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فقال له الفتى لقد و الله واليت عدوّه و عاديت وليّه فتناول بعض النّاس الشّاب بالحصى و خرج أبو هريرة فلم يعد الى المسجد حتى خرج من الكوفة.

89 - عنه أمّا خبر زياد فانّه لحق معاوية فأتم له صلحه ثم انصرف بعد أن ادّعاه معاوية و ألحقه بأبي سفيان ثم ولاه بعد المغيرة بن شعبة الكوفة.

ثم اقام بسر بالبصرة الى أن استوفى أموال عبد الله بن عامر و أقبل الى معاوية و اجتمع ذات يوم هو و عبيد الله بن العبّاس عند معاوية بعد صلح الحسن (علیه السّلام) فقال ابن عبّاس لمعاوية: أنت أمرت هذا القاطع البعيد الرّحم القليل الرّحم بقتل ابني؟

فقال معاوية: ما أمرته بذلك و لا هويت فغضب بسر و رمی بسیفه و قال: قلّدتني هذا السيف وقلت اخبط به الناس حتى إذا بلغت ما بلغت قلت: ما هويت و لا أمرت فقال معاوية خذ سيفك فلعمري انك لعاجز حين تلقي سيفك بين يدي رجل من بني - عبد مناف و قد قتلت ابنيه أمس، فقال عبيد الله بن عبّاس: أتراني كنت قاتله بهما؟

فقال: ابن لعبيد الله ما كنا نقتل بهما الا يزيد و عبد الله ابنى معاوية ،فضحك معاوية و قال و ما ذنب يزيد و عبد الله؟ قال: عبيدالله أصغر من أخيه عبد الله.

90 - روى الرضى فى نهج البلاغة عنه (علیه السّلام):

أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم كلامكم يوهن الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب تقولون في المجالس كيت و كيت فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد ما عزت دعوة من دعاكم و لا

ص: 405

استراح قلب من قاساكم أعاليل أضاليل سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول.

لا يمنع الضيم الذليل و لا يدرك الحق إلا بالجد أي دار بعد داركم تمنعون. و مع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور و الله من غررتموه و من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل.

أصبحت والله لا أصدق قولكم و لا أطمع في نصركم و لا أوعد العدو بكم ما بالكم ما دواؤكم ما طبكم القوم رجال أمثالكم أقولا بغير علم و غفلة من غير ورع و طمعا في غير حق؟

91 - عنه قال : فى استنفار الناس الى أهل الشام: أف لكم لقد سئمت عتابكم «أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْاخِرَةِ» عوضا وبالذل من العز خلفا إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة و من الذهول في سكرة يرتج عليكم حواري فتعمهون فكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون .

ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي و ما أنتم بركن يمال بكم و لا زوافر عز يفتقر إليكم ما أنتم إلا كابل ضل رعاتها فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر لبئس لعمر الله سعر نار الحرب أنتم تكادون و لا تكيدون و تنتقص أطرافكم فلا تمتعضون لا ينام عنكم و أنتم في غفلة ساهون غلب و الله المتخاذلون .

و ايم الله إني لأظن بكم أن لو حمس الوغى و استحر الموت قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس و الله إن أمراً يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه و یهشه عظمه و يفري جلده لعظيم عجزه ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره أنت فكن ذاك إن شئت.

ص: 406

فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام و تطيح السواعد و الأقدام «وَ يَفْعَلُ الله بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ».

أيها الناس إن لي عليكم حقا و لكم علي حق فأما حقكم علي فالنصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم و تعليمكم كيلا تجهلوا و تأديبكم كيا تعلموا و أما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة و النصيحة في المشهد و المغيب و الإجابة حين أدعوكم و الطاعة حين آمركم.

92 - قال الطبرى حدثني عمر بن شبه قال حدثني على بن محمد قال: حدثنا ابو الذيال عن ابى نعامة، قال: لما قتل محمد بن ابى بكر بمصر، خرج ابن عباس من البصرة الى على بالكوفه و استخلف زیادا، و قدم ابن الحضرمي من قبل معاوية، فنزل في بني تميم، فأرسل زياد الى حضين بن المنذر و مالك بن مسمع.

فقال: أنتم يا معشر بكر بن وائل من انصار امير المؤمنين و ثقاته، و قد نزل ابن الحضرمي حيث ترون و أتاه من أتاه، فامنعونى حتى يأتيني رای امير المؤمنين فقال حضين نعم و قال مالك - وكان رايه مائلا الى بنى اميه، و كان مروان لجأ إليه يوم الجمل: هذا أمر لي فيه شركاء، استشير و انظر.

فلما رای زياد تثاقل مالك خاف ان تختلف ربيعة، فأرسل الى نافع ان اشر على فاشار عليه نافع بصبرة بن شيمان الحداني، فأرسل إليه زياد، فقال: الا تجيرني و بيت مال المسلمين فانه فيئكم، و انا أمين أمير المؤمنين :قال بلى ان حملته الى و نزلت داری .

قال: فانى حامله فحمله و خرج زیاد حتى اتى الحدان و نزل في دار صبرة بن شيمان و حول بيت المال و المنبر.

ص: 407

فوضعه في مسجد الحدان و تحول مع زياد خمسون رجلا، منهم ابو ابى حاضر - وكان زياد يصلى الجمعة في مسجد الحدان، ويطعم الطعام فقال زياد لجابر بن وهب الراسبي:

يا أبا محمد اني لا ارى ابن الحضر مى يكف، لا أراه الا سيقاتلكم، و لا ادرى ما عند أصحابك فأمرهم و انظر ما عندهم فلما صلى زياد جلس في المسجد، و اجتمع الناس إليه.

فقال جابر: يا معشر الأزد، تميم تزعم انهم هم الناس، و انهم اصبر منكم عند الباس، وقد بلغنى انهم يريدون ان يسيروا إليكم حتى يأخذوا جاركم، و يخرجوه من المصر قسرا، فكيف أنتم إذا فعلوا ذلك و قد اجرتموه و بيت مال المسلمين فقال صبرة بن شيمان - وكان مفخما ان جاء الأحنف جئت و ان جاء الحتات جئت و ان جاء شبان ففينا شبان.

فكان زياد يقول : اننى استضحكت و نهضت و ماكدت مكيدة قط كنت الى الفضيحة بها اقرب منى للفضيحة يومئذ، لما غلبني من الضحك قال: ثم كتب زياد الى على ان ابن الحضر مي اقبل من الشام فنزل في دار بنی تمیم و نعی عثمان، ودعا الى الحرب، وبايعته تميم وجل أهل البصرة و لم يبق معى من امتنع به.

فاستجرت لنفسي و لبيت المال صبرة بن شیمان و تحولت فنزلت ،معهم فشيعة عثمان يختلفون الى ابن الحضرمي فوجه على اعين بن ضبيعه المجاشعي ليفرق قومه عن ابن الحضرمي فانظر ما يكون منه فان فرق جمع ابن الحضر مى فذلك ما تريد، و ان ترقت بهم الأمور الى التمادي في العصيان فانهض إليهم فجاهدهم.

فان رايت ممن قبلك تثاقلا، و خفت الا تبلغ ما تريد، فدارهم و

ص: 408

طاولهم، ثم تسمع و ابصر فكان جنود الله قد أظلتك، تقتل الظالمين فقدم اعين فاتى زيادا، فنزل عنده ثم اتى ،قومه و جمع رجالا ونهض الى ابن ،الحضرمي، فدعاهم فشتموه و ناوشوه فانصرف عنهم و دخل عليه قوم فقتلوه، فلما قتل اعين ابن ضبيعة اراد زياد قتالهم.

فأرسلت بنو تميم الى الأزد: انا لم نعرض لجاركم، ولا لأحد من أصحابه، فما ذا تريدون الى جارنا و حربنا فكرهت الأزد القتال وقالوا ان عرضوا الجارنا ،منعناهم و ان يكفوا عن جارنا كففنا عن جارهم فأمسكوا و كتب زياد الى على ان اعين بن ضبيعة قدم فجمع من أطاعه من عشيرته.

ثم نهض بهم بجد و صدق نية الى ابن الحضرمي، فحثهم على الطاعة و دعاهم الى الكف و الرجوع عن شقاقهم و وافقتهم عامة ،قوم فهالهم ذلك، وتصدع عنهم كثير ممن كان معهم يمنيهم نصرته، و كانت بينهم مناوشه ثم انصرف الى اهله فدخلوا عليه فاغتالوه فاصيب ، رحم الله اعين.

فاردت قتالهم عند ذلك، فلم يخف معى من اقوی به علیهم و تراسل الحيان، فامسك بعضهم عن بعض.

فلما قرأ على كتابه دعا جارية بن قدامه السعدي، فوجهه في خمسين رجلا من بني تميم و بعث معه شريك بن الأعور - و يقال بعث جارية خمسمائة رجل - وكتب الى زياد كتابا يصوب رايه فيما صنع، و أمره بمعونة جارية ابن قدامه و الإشارة عليه، فقدم جارية البصرة.

فاتى زيادا فقال له احتفز و احذر ان يصيبك ما أصاب صاحبك، و لا تثقن بأحد من القوم فسار جارية الى قومه فقرا عليهم كتاب على و

ص: 409

وعدهم، فأجابه اكثرهم، فسار الى ابن الحضر مى فحصره في دار سنبيل، ثم احرق عليه الدار و على من معه و كان معه سبعون رجلا - و يقال اربعون - و تفرق الناس.

و رجع زياد الى دار الإمارة، وكتب الى على مع ظبيان بن عمارة، و كان ممن قدم مع جارية و ان جارية قدم علينا فسار الى ابن الحضرمي فقتله حتى اضطره الى دار من دور بني تميم في عدة رجال من أصحابه بعد الاعذار و الإنذار، و الدعاء الى الطاعة.

فلم ينيبوا و لم يرجعوا فاضرم عليهم الدار فاحرقهم فيها، و هدمت عليهم، فبعدا لمن طغى و عصى فقال عمرو بن العرندس العودي :

رددنا زيادا الى داره *** و جار تميم دخانا ذهب

لحى الله قوما شووا جارهم *** و للشاء بالدرهمين الشصب.

ينادى الخناق وخمانها *** وقد سمطوا راسه باللهب

و نحن اناس لنا عادة *** نحامى عن الجار ان يغتصب

حميناه إذ حمل أبياتنا *** ولا يمنع الجار الا الحسب

ولم يعرفوا حرمة للجوار *** إذ اعظم الجار قوم نجب

فعلهم قبلنا بالزبير *** عشية إذ بزه يستلب

و قال جرير بن عطية بن الخطفى:

غدرتم بالزبير فما وفيتم *** وفاء الأزد إذ منعوا زيادا

فاصبح جارهم بنجاة عز *** و جار مجاشع امسی رمادا

فلو عاقدت حبل ابي سعيد *** لذاد القوم ما حمل النجادا

و ادنى الخيل من رهج المنايا *** و اغشاها الأسنة و الصعادا

93 - عنه مما كان فى هذه السنه - اعنى سنة ثمان وثلاثين - اظهار

ص: 410

الخريت بن راشد في بنى ناجية الخلاف على على و فراقه اياه كالذي ذكر هشام بن محمد، عن ابي مخنف، عن الحارث الأزدي، عن عمه عبدالله بن فقيم، قال: جاء الخريت بن راشد الى على وكان مع الخريت ثلاثمائة رجل من بنى ناجية مقيمين مع على بالكوفه.

قدموا معه من البصرة، و كانوا قد خرجوا إليه يوم الجمل و شهدوا معه صفين و النهروان - فجاء الى على في ثلاثين راكبا من أصحابه يسير بينهم حتى قام بين يدي على فقال له: و الله يا على لا اطيع أمرك، و لا اصلى خلفك و انى غدا المفارقك و ذلك بعد تحكيم الحكمين فقال له على:

ثكلتك أمك ! إذا تعصى ربك، و تنكث عهدك، و لا تضر الا نفسك خبرني لم تفعل ذلك؟ قال: لأنك حكمت في الكتاب، و ضعفت عن الحق إذ جد الجد و ركنت الى القوم الذين ظلموا انفسهم فانا عليك ،زار و عليهم ناقم، و لكم جميعا مباين.

فقال له علي : هلم ادارسك الكتاب و اناظرك في السنن، و افاتحك أمورا من الحق انا اعلم بها منك، فلعلك تعرف ما أنت له الان منكر، و تستبصر ما أنت عنه الان جاهل قال: فانى عائد إليك، قال: لا يستهوينك الشيطان، و لا يستخفنك الجهل، و و الله لئن استرشدتني و استنصحتني و قبلت منى لاهدينك سبيل الرشاد.

فخرج من عنده منصرفا الى اهله فعجلت في اثره مسرعا و كان لي من بني عمه صديق، فاردت ان القى ابن عمه ذلك فاعلمه بشانه، و يأمره بطاعة امير المؤمنين و مناصحته و يخبره ان ذلك خير له في عاجل الدنيا و أجل الآخرة فخرجت حتى انتهيت الى منزله و قد سبقني.

فقمت عند باب داره و في داره رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا

ص: 411

معه دخوله على على. قال: فو الله ما جزم شيئا مما قال، و مما رد عليه، ثم قال لهم: يا هؤلاء انى قد رايت ان افارق هذا الرجل، وقد فارقته على ان ارجع إليه من غد، و لا أراني الا مفارقه من غد.

فقال له اكثر أصحابه لا تفعل حتى تأتيه، فان أتاك بأمر تعرفه قبلت منه، و ان كانت الاخرى فما اقدرك على فراقه.

فقال لهم: فنعم ما رايتم قال: ثم انى استأذنت عليه، فأذنوا لي، فدخلت فقلت: أنشدك الله ان تفارق امير المؤمنين وجماعة المسلمين و ان تجعل على نفسك سبيلا، و ان تقتل من ارى من عشيرتك! ان عليا لعلى الحق.

قال: فانا اغدو إليه فاسمع منه حجته، و انظر ما يعرض على به و يذكر، فان رايت حقا و رشدا قبلت و ان رايت غيا و جورا ترکت :قال فخلوت بابن عمه ذلك قال و كان احد نفره الادنين، و هو مدرك بن الريان، و كان من رجال العرب - فقلت له : ان لك على حقا لاخائك و ودك ذلك على بعد حق المسلم على المسلم.

ان ابن عمك كان منه ما قد ذكر لك، فأجد به فاردد عليه رايه و عظم عليه ما اتى فانى خائف ان فارق امير المؤمنين ان يقتله نفسه و عشيرته فقال: جزاك الله خيرا من أخ فقد نصحت و اشفقت آن اراد صاحبي فراق امير المؤمنين فارقته و خالفته، و كنت أشد الناس عليه. و انا بعد فانی خال به و مشير عليه بطاعة امير المؤمنين و مناصحته و الإقامة معه، و في ذلك حظه و رشده.

فقمت من عنده واردت الرجوع الى امير المؤمنين لا علمه بالذي كان، ثم اطمأننت الى قول صاحبي فرجعت الى منزلي فبت به ثم اصبحت ،

ص: 412

فلما ارتفع الضحى اتيت امير المؤمنين فجلست عنده ساعة و انا اريد ان احدثه بالذي كان من قوله لي على خلوة، فاطلت الجلوس، فلم يزدد الناس الا كثرة ، فدنوت منه فجلست وراءه.

فاصغى الى باذنيه ، فخبرته بما سمعت من الخريت بن راشد و بما قلت له و بما رد على و بما كان من مقالتي لابن عمه و بما رد على، فقال: دعه، فان عرف الحق و اقبل إليه عرفنا ذلك وقبلنا منه، و ان ابي طلبناه فقلت: يا امير المؤمنين و لم لا تأخذه الان و تستوثق منه و تحبسه؟

فقال: انا لو فعلنا هذا بكل من نتهمه من الناس ملانا سجننا منهم و لا أراه يعنى الوثوب على الناس و الحبس و العقوبة - حتى يظهروا لنا الخلاف قال فسكت عنه و تنحيت فجلست مع القوم .

ثم مكث ما شاء الله ثم انه قال: ادن منی فدنوت منه فقال لي مسرا اذهب الى منزل الرجل فاعلم لي ما فعل فانه كل يوم لم يكن يأتيني فيه الا قبل هذه الساعة فأتيت منزله، فإذا ليس في منزله منهم ديار، فدعوت على أبواب دور اخرى كان فيها طائفه من أصحابه، فإذا ليس فيها داع ولا مجیب، فرجعت فقال لي حين رآني:

وطنوا فآمنوا ، أم جنبوا فظعنوا ! فقلت: بل ظعنوا فاعلنوا، فقال: قد فعلوها! بعدا لهم كما بعدت ثمودا أمّا لو قد اشرعت لهم الأسنة و صببت على هامهم السيوف، لقد ندموا ان الشيطان اليوم قد استهواهم و أضلهم، و هو غدا متبرئ منهم، و مخل عنهم.

فقام إليه زياد بن خصفه فقال: يا امير المؤمنين انه لو لم يكن من مضره هؤلاء الا فراقهم إيانا لم يعظم فقدهم فناسى عليهم، فإنهم قلما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا و قلما ينقصون من عددنا بخروجهم عنا، و

ص: 413

لكنا نخاف ان يفسدوا علينا جماعة كثيره ممن يقدمون عليه من أهل طاعتك، فاذن لي في اتباعهم حتى اردهم عليك إن شاء الله.

فقال له على و هل تدری این توجه القوم؟ فقال: لا، و لكنى اخرج فاسال و اتبع الاثر.

فقال له: اخرج رحمك الله حتى تنزل دير أبي موسى، ثم لا تتوجه حتى يأتيك ،أمرى، فإنهم ان كانوا خرجوا ظاهرين للناس في جماعة، فان عمالى ستكتب الى بذلك، و ان كانوا متفرقين مستخفين فذلك اخفى لهم، و ساكتب الى عمالى فيهم فكتب نسخه واحده فأخرجها الى العمال:

اما بعد فان رجالا خرجوا هرابا و نظنهم وجهوا نحو بلاد البصرة فسل عنهم أهل بلادك، و اجعل عليهم العيون في كل ناحيه من أرضك، و اكتب الى بما ينتهى إليك عنهم، والسلام.

فخرج زياد بن خصفه حتى اتى داره و جمع أصحابه، فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: أما بعد يا معشر بكر بن وائل، فان امير المؤمنين ندبنى لامر من أمره مهم له و أمرني بالانكماش فيه، و أنتم شيعته و انصاره، و اوثق حي من الأحياء في نفسه، فانتدبوا معى فانتدبوا معى الساعة واعجلوا .

قال: فو الله ما كان الا ساعة حتى اجتمع له منهم مائه و عشرون رجلا او ثلاثون فقال اكتفينا ، لا نريد اكثر من هذا، فخرجوا حتى قطعوا الجسر، ثم دير ابي موسى فنزله فأقام فيه بقية يومه ذلك ينتظر أمر امير المؤمنين (علیه السّلام).

94 - عنه قال ابو مخنف:فحدثني ابو الصلت الأعور التيمي، عن ابى : سعيد العقيلي، عن عبد الله بن وال ،التيمى قال: والله انى لعند امير المؤمنين إذ جاءه فيج، كتاب بيديه من قبل قرظه بن كعب الأنصاري:

ص: 414

بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد فانى اخبر امير المؤمنين ان خيلا مرت بنا من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر و ان رجلا من دهاقين اسفل الفرات قد صلى يقال له: زاذان ،فروخ اقبل من قبل أخواله بناحيه نفر، فعرضوا له فقالوا: أمسلم أنت أم كافر؟ فقال: بل انا مسلم، قالوا: فما قولك في على؟ قال:

اقول فيه خيرا :اقول انه امير المؤمنين و سيد البشر فقالوا له: كفرت یا عدو الله ثم حملت عليه عصابة منهم فقطعوه، و وجدوا معه رجلا من أهل الذمة.

فقالوا: ما أنت؟ قال رجل من أهل الذمة، قالوا: أما هذا فلا سبيل عليه، فاقبل إلينا ذلك الذمي فأخبرنا هذا الخبر، و قد سالت عنهم فلم يخبرني احد عنهم بشيء، فليكتب الى امير المؤمنين برايه فيهم انته إليه و السلام.

فكتب (علیه السّلام) إليه:

اما بعد، فقد فهمت ما ذكرت من العصابة التي مرت بك فقتلت البر المسلم و امن عندهم المخالف الكافر، و ان أولئك قوم استهواهم الشيطان فضلوا و كانوا كالذين حسبوا الا تكون فتنه فعموا وصموا، فاسمع بهم و ابصر يوم تخبر اعمالهم والزم عملك، و اقبل على خراجك فإنك كما ذكرت في طاعتك و نصيحتك، والسلام.

95 - عنه قال ابو مخنف:وحدثني ابو الصلت الأعور التيمي عن ابى سعيد العقيلي، عن عبد الله بن وال، قال: كتب علي (علیه السّلام) معى كتابا الى زياد بن خصفة و انا يومئذ شاب حدث :8

اما بعد، فانى كنت أمرتك ان تنزل دير ابى موسى حتى يأتيك أمرى

ص: 415

و ذلك لانى لم أكن علمت الى اى وجه توجه القوم و قد بلغنى انهم أخذوا نحو قرية يقال لها نفر فاتبع ،آثارهم و سل عنهم، فإنهم قد قتلوا رجلا من أهل السواد مصليا، فإذا أنت لحقتهم فارددهم الى فان أبوا فناجزهم، و استعن بالله عليهم فإنهم قد فارقوا الحق و سفكوا الدم الحرام، و أخافوا السبيل و السلام .

قال: فأخذت الكتاب منه فمضيت به غير بعيد، ثم رجعت به فقلت يا امير المؤمنين، الا امضى مع زياد بن خصفة إذا دفعت إليه كتابك الى عدوك؟ فقال: يا بن أخي افعل فو الله انى أرجو ان تكون من أعواني على الحق و انصارى على القوم الظالمين فقلت له انا و الله يا امير المؤمنين كذلك و من أولئك و انا حيث تحب.

قال ابن وال: فو الله ما أحب ان لي بمقالة على تلك حمر النعم. قال: ثم مضيت الى زياد بن خصفة بكتاب على و انا على فرس لي رائع كريم، و على السلاح، فقال لي :زياد يا بن أخي و الله ما لي عنك من غناء، و انى لاحب ان تكون معى في وجهى هذا، فقلت له: قد هذا، فقلت له: قد استأذنت في ذلك امير المؤمنين فاذن لي، فسر بذلك.

قال: ثم خرجنا حتى أتینا نفر، فسألنا عنهم، فقيل لنا: قد ارتفعوا نحو جرجرايا، فاتبعناهم، فقيل لنا: قد أخذوا نحو المذار، فلحقناهم و هم نزول بالمذار، و قد أقاموا به يوما وليلة و قد استراحوا و اعلقوا و هم جامون ، فاتيناهم و قد تقطعنا و لغبنا و شقينا و نصبنا، فلما رأونا وثبوا على خيولهم فاستووا عليها، و جئنا حتى انتهينا إليهم.

فواقفناهم، و نادانا صاحبهم الخريت بن راشد يا عميان القلوب و الابصار، أمع الله أنتم و كتابه و سنة نبيه أم مع الظالمين؟ فقال له زياد بن

ص: 416

خصفة بل نحن مع الله و من الله و كتابه و رسوله آثر عنده ثوابا من الدنيا منذ خلقت الى يوم تفنى ايها العمى الابصار، الصم القلوب و الاسماع.

فقال لنا: أخبروني ما تريدون ؟ فقال له زياد - و كان مجربا رفيقا قد ترى ما بنا من اللغوب و السغوب، والذى جئنا له لا يصلحه الكلام علانية على رءوس أصحابي و أصحابك، و لكن انزل و تنزل.

ثم نخلو جميعا فنتذاكر أمرنا هذا جميعا و ننظر، فان رايت ما جئناك فيه حظا لنفسك قبلته و ان رايت فيما اسمعه منك أمرا أرجو فيه العافيه لنا لك لم اردده عليك قال: فانزل بنا، قال: فاقبل إلينا زياد فقال: انزلوا بنا على هذا الماء، قال: فأقبلنا حتى إذا انتهينا الى الماء، نزلناه فما هو الا ان نزلنا فتفرقنا.

ثم تحلقنا من عشرة وتسعة وثمانية و سبعة، يضعون طعامهم بين ايديهم فيأكلون، ثم يقومون الى ذلك الماء فيشربون و قال لنا زياد علقوا على خيولكم، فعلقنا عليها مخاليها، و وقف زياد بيننا و بين القوم، و انطلق القوم فتنحوا ناحيه.

ثم نزلوا، و أقبل إلينا زیاد فلما راى تفرقنا و تحلقنا قال سبحان الله أنتم أهل حرب؟ و الله لو ان هؤلاء جاء وكم الساعة على هذه الحال ما أرادوا من غيركم افضل من حالكم التي أنتم عليها. اعجلوا، قوموا الى خيلكم، فأسرعنا.

فتحشحشنا فمنا من يتنفض ثم يتوضأ، و منا من يشرب، و منا من يسق فرسه، حتى إذا فرغنا من ذلك كله، أتانا زياد و في يده عرق ينهشه، فنهش منه نهشتين او ثلاثا، واتى باداوة فيها ماء، فشرب منه، ثم القى العرق من يده ثم قال: يا هؤلاء انا قد لقينا القوم و و الله ان عدتكم كعدتهم.

ص: 417

و لقد حزرتكم وإياهم فما أظن احد الفريقين يزيد على الآخر بخمسة نفر، و انى و الله ما ارى أمرهم و أمركم الا مركم الا يرجع الى القتال فان كان الى ذلك ما يصير بكم و بهم الأمور فلا تكونوا اعجز الفريقين.

ثم قال لنا: ليأخذ كل أمرئ منكم بعنان فرسه حتى ادنو منهم، و ادعوا الى صاحبهم فأكلمه، فان بايعنى على ما اريد و الا فإذا دعوتكم فاستووا على متون الخيل، ثم أقبلوا الى معا غير متفرقين.

قال: فاستقدم امامنا و انا معه انا معه، فاسمع فاسمع رجلا من القوم يقول: جاءكم القوم و هم كالون معيون، و أنتم جامون مستريحون، فتركتموهم حتى نزلوا و أكلوا واشربوا و استراحوا هذا و الله سوء الرأي و الله لا يرجع الأمر بكم و بهم الا الى القتال فسكتوا و انتهينا إليهم، فدعا زياد بن خصفة صاحبهم، فقال:

اعتزل بنا فلننظر في أمرنا هذا، فو الله لقد اقبل الى زياد في خمسه، فقلت لزياد: ادع ثلاثة من أصحابنا حتى نلقاهم في عدتهم فقال لي ادع من احببت منهم فدعوت من أصحابنا ثلاثا، فكنا خمسة و خمسة فقال له زياد: ما الذي نقمت على امير المؤمنين و علينا إذ فارقتنا؟ فقال: لم ارض صاحبكم ،اماما و لم ارض سيرتكم سيرة.

فرايت ان اعتزل و أكون مع من يدعو الى الشورى من الناس، فإذا اجتمع الناس على رجل لجميع الأمة رضا كنت مع الناس فقال له زياد ويحك! و هل يجتمع الناس على رجل منهم يدانى صاحبك الذي فارقته علما بالله و بسنن الله وكتابه، مع قرابته من الرسول (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و سابقته في الاسلام .

فقال له: ذلك ما اقول لك، فقال له :زياد ففيم قتلت ذلك الرجل

ص: 418

المسلم؟ قال: ما انا قتلته انما قتلته طائفة من أصحابي، قال: فادفعهم إلينا، قال: ما الى ذلك سبيل قال : كذلك أنت فاعل؟ قال: هو ما تسمع، قال: فدعونا أصحابنا ودعا أصحابه.

ثم أقبلنا، فو الله ما رأينا قتالا مثله منذ خلقني ربى، قال: أطعنا و الله بالرماح حتى لم يبق في أيدينا رح، ثم اضطربنا بالسيوف حتى انحنت و عقر عامة خيلنا و خيلهم وكثرت الجراح فيما بيننا وبينهم و قتل منا رجلان مولى زياد كانت معه رايته يدعى سويدا و رجل من الأبناء يدعى وافد بن بكر، و صرعنا منهم خمسة، و جاء الليل يحجز بيننا و بينهم و قد و الله كرهونا و کرهناهم و قد جرح زیاد و جرحت.

قال: ثم ان القوم تنحوا وبتنا في جانب فمكثوا ساعة من الليل، ثم انهم ذهبوا و اتبعناهم حتى أتينا البصرة، و بلغنا انهم أتوا الاهواز، فنزلوا بجانب منها و تلاحق بهم اناس من أصحابهم نحو من مائتين كانوا معهم بالكوفة، ولم يكن لهم من القوة ما ينهضهم معهم حتى نهضوا فاتبعوهم فلحقوهم بأرض الاهواز، فأقاموا معهم و كتب زياد بن خصفة الى علي (علیه السّلام):

اما بعد، فانا لقينا عدو الله الناجى بالمذار، فدعوناهم الى الهدى و الحق و الى كلمة السواء، فلم ينزلوا على الحق و اخذتهم العزة بالإثم و زين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل، فقصدوا لنا و صمدنا صمدهم ،فاقتتلنا قتالا شديدا ما بين قائم الظهيره الى دلوك الشمس فاستشهد منا رجلان صالحان .

و اصيب منهم خمسة نفر و خلوا لنا المعركة، و قد فشت فينا و فيهم الجراح ثم ان القوم لما لبسهم الليل خرجوا من تحته متنكبين الى ارض

ص: 419

الاهواز، فبلغنا انهم نزلوا منها جانبا و نحن بالبصرة نداوى جراحنا، و ننتظر أمرك رحمك الله و السلام عليك.

فلما أتيته بكتابه قراه على الناس فقام إليه معقل بن قيس، فقال: اصلحك الله يا امير المؤمنين ! انما كان ينبغى أن يكون مع من يطلب هؤلاء مكان كل رجل منهم عشرة من المسلمين فإذا لحقوهم استاصلوهم و قطعوا دابر هم، فاما ان يلقاهم اعدادهم .

فلعمري ليصبرن لهم، هم قوم عرب و العدة تصبر للعدة، وتنتصف منها فقال: تجهز يا معقل بن قيس إليهم و ندب معه الفين من أهل الكوفه منهم يزيد بن المغفل الأزدي و كتب الى ابن عباس:

اما بعد فابعث رجلا من قبلك صليبا شجاعا معروفا بالصلاح في الفى ،رجل، فليتبع معقلا، فإذا مر ببلاد البصرة فهو امير أصحابه حتى يلق معقلا، فإذا لقى معقلا فمعقل امير الفريقين و ليسمع من معقل و ليطعه، و لا يخالفه و مر مر زياد بن خصفة فليقبل فنعم المرء زياد، و نعم القبيل قبيله!

96 - عنه قال ابو مخنف:وحدثني ابو الصلت الأعور، عن ابي سعيد العقيلي، :قال كتب على الى زياد بن خصفة اما بعد، فقد بلغنى كتابك، و فهمت ما ذكرت من أمر الناجى و اخوانه الذين طبع الله على قلوبهم و زين لهم الشيطان اعمالهم فهم يعمهون، و يحسبون انهم يحسنون صنعا و وصفت ما بلغ بك و بهم الأمر، فاما أنت و أصحابك فلله سعيكم، و على الله تعالى جزاؤكم.

فابشر بثواب الله خير من الدنيا التي يقتل الجهال انفسهم عليها، فان ما عندكم ينفد و ما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون و أمّا عدوكم الذين لقيتموهم فحسبهم بخروجهم من الهدى

ص: 420

الى الضلال، وارتكابهم فيه.

و ردهم الحق، و لجاجهم في الفتنة فذرهم و ما يفترون، و دعهم في طغيانهم يعمهون، فتسمع و تبصر، كأنك بهم عن قليل بين اسير و قتيل اقبل إلينا أنت و أصحابك ماجورين، فقد أطعتم و سمعتم، و احسنتم البلاء، و السلام .

و نزل الناجى جانبا من الاهواز و اجتمع إليه علوج من أهلها كثير أرادوا كسر الخراج، و لصوص كثيره، و طائفه أخرى من العرب ترى رايه.

97 عنه حدثني عمر بن شبه قال حدثنا ابو الحسن، عن على بن مجاهد، قال: قال الشعبي: لما قتل علي (علیه السّلام) أهل النهروان، خالفه قوم كثير، و انتقضت عليه ،اطرافه و خالفه بنو ،ناجية و قدم ابن الحضرمي البصرة، و انتقض أهل الاهواز و طمع أهل الخراج في كسره.

ثم اخرجوا سهل بن حنيف من فارس، و كان عامل على عليها، فقال ابن عباس لعلى اكفيك فارس بزياد، فأمره على ان يوجهه إليها، فقدم ابن عباس البصرة، و وجهه الى فارس في جمع كثير، فوطئ بهم أهل فارس ،فادوا الخراج.

98 - عنه رجع الحديث الى حديث ابي مخنف قال ابو مخنف:و حدثني الحارث بن كعب، عن عبد الله بن فقيم الأزدي، قال: كنت انا و أخي كعب في ذلك الجيش مع معقل بن قيس، فلما اراد الخروج اقبل الى على فودعه فقال يا معقل اتق الله ما استطعت فإنها وصية الله للمؤمنين، لا تبغ على أهل القبلة و لا تظلم أهل الذمة، و لا تتكبر فان الله لا يحب المتكبرين.

فقال: الله المستعان فقال له على خير مستعان قال فخرج و خرجنا

ص: 421

معه حتى نزلنا الاهواز، فأقمنا ننتظر أهل البصرة، و قد أبطئوا علينا، فقام فينا معقل بن قيس فقال يا ايها الناس انا قد انتظرنا أهل البصرة، وقد أبطئوا علينا، و ليس بحمد الله بنا قلة و لا وحشه الى الناس، فسيروا بنا الى هذا العدو القليل الذليل، فاني أرجو ان ينصركم الله و ان يهلكهم.

قال: فقام إليه أخي كعب بن فقيم، فقال: اصبت - ارشدك الله - رأيك! فو الله اني لأرجو ان ينصرنا الله عليهم و ان كانت الاخرى فان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا فقال: سيروا على بركة الله، قال: فسرنا و و الله ما زال معقل لي مكرما وادا ما يعدل بي من الجند أحدا، قال و لا يزال يقول: وكيف قلت ان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا؟

صدقت و الله و احسنت و وفقت ! فو الله ما سرنا يوما ما سرنا يوما حتى أدركنا فيج يشتد بصحيفة في يده من عند عبد الله بن عباس: أما بعد، فان أدركك رسولي بالمكان الذي كنت فيه مقيما ، أو أدركك و قد شخصت ،منه، فلا تبرح المكان الذي ينتهي فيه إليك رسولي.

و اثبت فيه حتى يقدم عليك بعثنا الذى وجهناه إليك، فاني قد بعثت إليك خالد بن معدان الطائي، و هو من أهل الإصلاح والدين و الباس و النجدة، فاسمع منه و اعرف ذلك له، و السلام.

فقرا معقل الكتاب على الناس وحمد الله، وقد كان ذلك الوجه هالهم. قال: فأقمنا حتى قدم الطائي علينا، وجاء حتى دخل على صاحبنا، فسلم عليه ،بالإمرة و اجتمعا جميعا في عسكر واحد قال ثم انا خرجنا فسرنا إليهم، فأخذوا يرتفعون نحو جبال رامهرمز يريدون قلعة بها حصينة و جاءنا أهل البلد فأخبرونا بذلك.

فخرجنا في آثارهم نتبعهم، فلحقناهم و قد دنوا من الجبل، فصففنا

ص: 422

لهم، ثم أقبلنا إليهم، فجعل معقل على ميمنته يزيد بن المغفل، و على ميسرته منجاب بن راشد الضبي من أهل البصرة، وصف الخريت بن راشد الناجي و من معه من العرب فكانوا ميمنة، و جعل أهل البلد و العلوج و من اراد كسر الخراج و اتباعهم من الأكراد ميسرة.

قال: وسار فينا معقل بن قيس يحرضنا و يقول لنا عباد الله لا تعدلوا القوم بأبصاركم غضوا الابصار ، و أقلوا الكلام، و وطنوا انفسكم

على الطعن و الضرب، و أبشروا في قتالهم بالأجر العظيم، انما تقاتلون مارقة مرقت من الدين و علوجا منعوا الخراج و أكرادا، انظروني فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد.

فمر في الصف كله يقول لهم هذه المقالة، حتى إذا مر بالناس كلهم اقبل حتى وقف وسط الصف في القلب و نظرنا إليه ما يصنع فحرك رايته تحريكتين فو الله ما صبروا لنا ساعة حتى ولوا و شدخنا منهم سبعين عربيا من بنى ناجية، و من بعض من اتبعهم من العرب، و قتلنا نحوا من ثلاثمائة من العلوج و الأكراد.

قال كعب بن فقيم: و نظرت فيمن قتل من العرب، فإذا انا بصديق مدرك بن الريان قتيلا و خرج الخريت ابن راشد و هو منهزم حتى لحق باسياف البحر، و بها جماعة من قومه كثير، فما زال بهم يسير فيهم و يدعوهم الى خلاف على ويبين لهم فراقه.

و يخبرهم ان الهدى في حربه حتى اتبعه منهم ناس كثير و اقام معقل بن قيس بأرض الاهواز، وكتب الى على معى معى بالفتح بالفتح، و كنت انا الذي قدمت عليه، فكتب إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله على امير المؤمنين، من معقل بن

ص: 423

قيس سلام عليك، فانى احمد إليك الله الذي لا اله الا هو، أما بعد فانا لقينا المارقين، وقد استظهروا علينا بالمشركين فقتلناهم قتل عاد وارم مع انا لم نعد فيهم سيرتك، و لم نقتل من المارقين مديرا و لا أسيرا، و لم نذفف منهم على جريح، و قد نصرك الله و المسلمين و الحمد لله رب العالمين.

قال: فقدمت عليه بهذا الكتاب فقراه على أصحابه، واستشارهم في الرأي، فاجتمع راى عامتهم على قول واحد فقالوا له: نرى ان تكتب الى معقل ابن قيس فيتبع أثر الفاسق، فلا يزال في طلبه حتى يقتله او ينفيه، فانا لا نامن ان يفسد عليك الناس قال: فردني إليه، وكتب معى :

اما بعد فالحمد فالحمد لله على تأیید اوليائه و خذلان اعدائه جزاك الله و المسلمين خيرا، فقد احسنتم البلاء، و قضيتم ما عليكم، وسل عن أخي بني ناجية، فان بلغك انه قد استقر ببلد من البلدان فسر إليه حتى تقتله او تنفيه ،فانه لن يزال للمسلمين عدوا، و للقاسطين وليا ما بقي و السلام عليك.

فسال معقل عن مستقره و المكان الذى انتهى إليه فني بمكانه ،بالاسياف و انه قد رد قومه عن طاعة على، و افسد من قبله من عبد القيس و من والاهم من سائر العرب و كان قومه قد منعوا الصدقة عام صفين و منعوها في ذلك العام أيضا، فكان عليهم عقالان، فسار إليهم معقل بن قيس في ذلك الجيش من أهل الكوفة و أهل البصرة.

فاخذ على فارس حتى انتهى الى اسياف البحر، فلما سمع الخريت بن راشد بمسيره إليه اقبل على من كان معه من أصحابه ممن يرى راى الخوارج، فاسر لهم انى ارى رأيكم، فان عليا لن ينبغي له ان يحكم الرجال في أمر الله وقال للآخرين منددا لهم:

ان عليا حكم حكما و رضی به فخلعه حكمه الذي ارتضاه لنفسه،

ص: 424

فقد رضيت انا من قضائه و حكمه ما ارتضاه لنفسه، و هذا كان الرأي الذى خرج عليه من الكوفة و قال سرا لمن يرى راى عثمان: انا و الله على رأيكم، قد و الله قتل عثمان ،مظلوما، فارضى كل صنف منهم و اراهم انه معهم، و قال لمن منع الصدقه :

شدوا ايديكم على صدقاتكم وصلوا بها أرحامكم، و عودوا بها ان شئتم على فقرائكم، وقد كان فيهم نصارى كثير قد أسلموا، فلما اختلف الناس بينهم قالوا: والله لديننا الذى خرجنا منه خير و اهدى من دين هؤلاء الذى هم عليه، ما ينهاهم دينهم عن سفك الدماء، و اخافة السبيل، و أخذ الأموال فرجعوا الى دينهم.

فلق الخريت أولئك، فقال لهم و يحكم! أتدرون حكم على فيمن اسلم من النصارى، ثم رجع الى نصرانيته ؟ لا والله ما يسمع لهم قولا ولا يرى لهم عذرا، و لا يقبل منهم توبة و لا يدعوهم إليها، و ان حكمه فيهم الضرب العنق ساعة يستمكن منهم.

فما زال حتى جمعهم و خدعهم، و جاء من كان من بني ناجية و من كان في تلك الناحية من غيرهم واجتمع إليهم ناس كثير.

99 - عنه فحدثني على بن الحسن الأزدي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان، عن عبد الملك بن سعيد بن حاب عن الحر، عن عمار الدهني :قال حدثني ابو الطفيل قال: كنت في الجيش الذين بعثهم على بن ابى طالب الى بنى ،ناجيه فقال : فانتهينا إليهم، فوجدناهم على ثلاث فرق، فقال أميرنا لفرقه منهم: ما أنتم؟ قالوا:

نحن قوم نصارى لم نر دينا افضل من ديننا، فثبتنا عليه فقال لهم: اعتزلوا، وقال للفرقة الاخرى ما أنتم؟ قالوا: نحن كنا نصارى فأسلمنا ،

ص: 425

فثبتنا على إسلامنا، فقال لهم: اعتزلوا ثم قال للفرقة الاخرى الثالثة ما أنتم؟ قالوا: نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا ، فلم نر دينا هو افضل من ديننا الاول.

فقال لهم أسلموا، فأبوا، فقال لأصحابه: إذا مسحت راسي ثلاث مرات فشدوا عليهم ، فاقتلوا المقاتله ،و اسبوا الذرية فجيء بالذرية الى على، فجاء مصقلة بن هبيرة، فاشتراهم بمائتي الف، فجاء بمائة الف فلم يقبلها على فانطلق بالدراهم و عمد إليهم مصقلة فاعتقهم و لحق بمعاوية، فقيل لعلى: الا تأخذ الذرية؟ فقال: لا، فلم يعرض لهم.

100 - عنه رجع الحديث الى حديث ابي مخنف قال ابو مخنف:و حدثني الحارث ابن كعب قال لما رجع إلينا معقل بن قيس قرأ علينا كتابا من على:

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على امير المؤمنين الى من يقرا عليه كتابي هذا من المؤمنين و المسلمين و النصارى و المرتدین سلام عليكم وعلى من اتبع الهدی و آمن بالله و رسوله و کتابه و البعث بعد الموت و او فى بعهد الله و لم يكن من الخائنين أما بعد فاني ادعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه و العمل بالحق، و بما أمر الله في الكتاب.

فمن رجع الى اهله منكم و كف يده و اعتزل هذا الهالك الحارب الذى جاء يحارب الله و رسوله و المسلمين و سعى في الارض فسادا فله الامان على ماله و دمه، و من تابعه على حربنا و الخروج من طاعتنا، استعنا بالله عليه، وجعلنا الله بيننا و بينه و كفى بالله نصيرا.

و اخرج معقل راية أمان فنصبها، وقال: من أتاها من الناس فهو آمن. الا الخريت و أصحابه الذين حاربونا و بدءونا أول مرة فتفرق عن

ص: 426

الخريت جل من كان معه من غير ،قومه و عبا معقل بن قيس أصحابه. فجعل على ميمنته يزيد بن المغفل الأزدي، و على ميسرته المنجاب ابن راشد الضبي ثم زحف بهم نحو الخريت، وحضر معه قومه مسلموهم و نصاراهم و مانعة الصدقه منهم.

101 - عنه قال ابو مخنف:وحدثني الحارث بن كعب، عن ابى الصديق الناجي ان الخريت يومئذ كان يقول لقومه : امنعوا حريمكم، وقاتلوا عن نسائكم و أولادكم، فو الله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم وليسبنكم.

فقال له رجل من قومه هذا والله ما جنته علينا يداك ولسانك ،فقال: قاتلوا الله أنتم سبق السيف العذل ايها و الله لقد اصابت قومي داهية.

102 - عنه قال ابو مخنف:وحدثني الحارث بن كعب، عن أبى الصديق الناجى، أنّ الحريت يومئذ كان يقول لقومه : امنعوا حريمكم وقاتلوا عن نسائكم وأولادكم، فوالله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم و ليسبنكم.

فقال له رجل من قومه : هذا والله ما جنته علينا يداك ولسانك. فقال: قاتلوا لله أنتم سبق السيف العدل، إيها والله لقد أصابت قومي داهية.

103 - عنه قال ابو مخنف:وحدثني الحارث بن كعب، عن عبد الله بن فقيم قال سار فينا معقل فحرض الناس فيما بين الميمنة و الميسرة يقول: ايها الناس المسلمون ما تزيدون افضل مما سيق لكم في هذا الموقف من الاجر العظيم ان الله ساقكم الى قوم منعوا الصدقة، وارتدوا عن الاسلام و نكثوا البيعة ظلما وعدوانا.

فاشهد لمن قتل منكم بالجنة و من عاش فان الله مقر عينه بالفتح و الغنيمة ففعل ذلك حتى مر بالناس كلهم ثم انه جاء حتى وقف في القلب برايته، ثم انه بعث الى يزيد بن المغفل و هو في الميمنة: ان احمل عليهم ،

ص: 427

فحمل عليهم، فثبتوا وقاتلوا قتالا شديدا .

ثم انه انصرف حتى وقف موقفه الذى كان به في الميمنة، ثم انه بعث الى منجاب ابن راشد الضبي و هو في الميسرة ثم ان منجابا حمل عليهم فثبتوا وقاتلوا قتالا شديدا طويلا، ثم انه رجع حتى وقف في الميسرة، ثم ان معقلا بعث الى الميمنة و الميسرة: إذا حملت فاحملوا باجمعكم فحرك رايته و هزها.

ثم انه حمل و حمل أصحابه جميعا، فصبروا ساعة لهم ثم ان النعمان بن صهبان الراسبي من جرم بصر بالخريت بن راشد فحمل عليه، فطعنه فصرعه عن دابته، ثم نزل و قد جرحه فأثخنه، فاختلفا ضربتين، فقتله النعمان بن صهبان و قتل معه فى المعركة سبعون ومائة و ذهبوا يمينا و شمالا و بعث معقل بن قيس الخيل الى رحالهم.

فسبى من ادرك منهم، فسبى رجالا كثيرا و نساء وصبيانا ثم نظر فيهم، فاما من كان مسلما فخلاه و أخذ بيعته و ترك له عياله و أما من كان ارتد فعرض عليهم الاسلام فرجعوا و خلى سبيلهم و سبيل عيالهم الا شيخا منهم نصرانيا يقال له: الرماجس بن منصور، قال:

و الله ما زللت منذ عقلت الا في خروجي من ديني، دين الصدق الى دينكم دين السوء، لا و الله لا ادع ديني، و لا اقرب دينكم ما حييت فقدمه فضرب عنقه و جمع معقل الناس فقال: أدوا ما عليكم في هذه السنين من الصدقة فاخذ من المسلمين عقالين و عمد الى النصارى و عيالهم فاحتملهم مقبلا بهم .

و اقبل المسلمون معهم يشيعونهم، فامر معقل بردهم فلما انصرفوا تصافحوا فبكوا، وبكى الرجال و النساء بعضهم الى بعض قال: فاشهد انى

ص: 428

رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم ولا بعدهم.

قال وكتب معقل بن قيس الى على أمّا بعد فانى اخبر امير المؤمنين عن جنده و عدوه انا دفعنا الى عدونا بالاسياف فوجدنا بها قبائل ذات عدة وحدة وجد، و قد جمعت لنا، و تحزبت علينا، فدعوناهم الى الطاعة و الجماعة، و الى حكم الكتاب و السنة، و قرأنا عليهم كتاب امير المؤمنين و رفعنا لهم راية أمان.

فمالت إلينا منهم طائفة، وبقيت طائفة اخرى منابذة، فقبلنا من التي ،اقبلت و صمدنا صمدا للتي ،ادبرت فضرب الله وجوههم و نصرنا عليهم، فاما من كان مسلما فانا مننا عليه و أخذنا بيعته لأمير المؤمنين و أخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم و أما من ارتد فانا عرضنا عليه الرجوع الى الاسلام والا قتلناه.

فرجعوا غير رجل واحد، فقتلناه، و أما النصارى فانا سبيناهم، وقد أقبلنا بهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذمة، لكيلا يمنعوا الجزية، و لكيلا يجترئوا على قتال أهل القبلة و هم أهل الصغار و الذل، رحمك الله يا امير المؤمنين و اوجب لك جنات النعيم، والسلام عليك.

ثم اقبل بهم حتى مر بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني، و هو عامل على على أردشير خرة و هم خمسمائة ،انسان فبكى النساء و الصبيان، و صاح الرجال: يا أبا الفضل يا حامى الرجال و فكاك العناة، امنن علينا فاشترنا و أعتقنا، فقال مصقلة اقسم بالله لا تصدقن عليهم.

ان الله يجزى المتصدقين فبلغها عنه معقل، فقال: والله لو اعلم انه قاله توجعا لهم وزراء عليكم لضربت عنقه و لو كان في ذلك تفاني تميم و بكر بن وائل ثم ان مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي الى معقل بن قيس

ص: 429

فقال له: بعنى بنى ناجية.

فقال: نعم، ابيعكم بألف الف، ودفعهم إليه، و قال له: عجل بالمال الى امير المؤمنين، فقال: انا باعث الآن بصدر ، ثم ابعث بصدر آخر كذلك، حتى لا يبق منه شيء إن شاء الله تعالى و اقبل معقل بن قيس الى امير المؤمنين، و اخبره بما كان منه في ذلك.

فقال له احسنت و اصبت و انتظر على مصقلة ان يبعث إليه بالمال و بلغ عليا ان مصقلة خلى سبيل الأسارى و لم يسألهم ان يعينوه في فكاك انفسهم بشيء، فقال: ما أظن مصقلة الا قد تحمل حمالة، الا أراكم سترونه عن قريب ملبدا ثم انه كتب إليه:

اما بعد، فان من اعظم الخيانة خيانة الأمة، و اعظم الغش على أهل المصر غش الامام، و عندك من حق المسلمين خمسمائة الف ، فابعث بها الى ساعة يأتيك رسولي، و الا فاقبل حين تنظر في كتابي، فانى قد تقدمت الى رسولي إليك الا يدعك ان تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك الا ان تبعث بالمال والسلام عليك.

و كان الرسول ابو جرة الحنفي، فقال له ابو جرة: ان يبعث بالمال الساعة و الا فاشخص الى امير المؤمنين فلما قرأ كتابه اقبل حتى نزل البصرة، فمكث بها أياما ثم ان ابن عباس ساله المال، و كان عمال البصرة يحملون من كور البصرة الى ابن عباس.

و يكون ابن عباس هو الذي يبعث به الى على، فقال له: نعم، انظرني أياما، ثم اقبل حتى اتى عليا فاقره أياما ، ثم ساله المال، فادى إليه مائتي الف ثم انه عجز فلم يقدر عليه.

104 - عنه قال ابو مخنف:وحدثني ابو الصلت الأعور ، عن ذهل بن

ص: 430

الحارث قال: دعانى مصقلة الى رحله فقدم عشاؤه فطعمنا منه، ثم قال: و الله ان امير المؤمنين يسألني هذا المال، و لا اقدر عليه، فقلت: و الله لو شئت ما مضت عليك جمعة حتى تجمع جميع المال فقال : والله ما كنت لأحملها ،قومی و لا اطلب فيها الى احد.

ثم قال: أما والله لو ان ابن هند هو طالبنى بها او ابن عفان لتركها لي الم تر الى ابن عفان حيث اطعم الاشعث من خراج اذربيجان مائة الف في كل سنة! فقلت له: ان هذا لا يرى هذا الرأي، لا و الله ما هو بباذل شيئا كنت أخذته، فسكت ساعة و سكت عنه.

فلا و الله ما مكث الا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية و بلغ ذلك عليا فقال: ما له برحه الله فعل فعل السيد، و فر فرار العبد، و خان خيانة الفاجر ! أما والله لو انه اقام فعجز ما زدنا على حبسه، فان وجدنا له شيئا أخذناه، و ان لم نقدر على مال تركناه .

ثم سار الى داره فنقضها و هدمها و كان اخوه نعيم بن هبيرة شيعيا، و لعلى مناصحا ، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بنى تغلب يقال له حلوان :

اما بعد فانى كلمت معاوية فيك، فوعدك الإمارة، ومناك الكرامة ،فاقبل الى ساعة يلقاك رسولى إن شاء الله و السلام.

فأخذه مالك بن كعب ،الارحبي فسرح به الى على فاخذ كتابه فقراه ،فقطع يد النصراني، فمات، وكتب نعيم الى أخيه مصقلة:

لا ترمين هداك الله معترضا *** بالظن منك فما بالي و حلوانا

ذاك الحريص على ما نال من طمع *** و هو البعيد فلا يحزنك إذ خانا

ماذا اردت إلى إرساله سفها *** ترجو سقاط أمرى لم يلف و سنانا

ص: 431

عرضته لعلى انه اسد *** يمشى العرضة من آساد خفانا

قد كنت في منظر عن ذا و مستمع *** تحمى العراق و تدعى خير شيبانا

حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه *** للراكبين له سرا و إعلانا

لو كنت أديت ما للقوم مصطبرا *** للحق أحييت أحيانا و موتانا

لكن لحقت باهل الشام ملتمسا *** فضل ابن هند و ذاك الرأي أشجانا

فاليوم تقرع سن الغرم من ندم *** ماذا تقول وقد كان الذي كانا

اصبحت تبغضك الأحياء قاطبة *** لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا

فلما وقع الكتاب إليه علم ان رسوله قد هلك، و لم يلبث التغلبيون الا قليلا حتى بلغهم هلاك صاحبهم حلوان فاتوا مصقلة فقالوا انك بعثت صاحبنا فاهلكته، فاما ان تحييه و أمّا ان تديه، فقال: أمّا ان أحييه فلا ،استطيع، و لكنى ساديه فوداه.

105 - عنه قال ابو مخنف:و حدثني عبد الرحمن بن جندب، قال: حدثنى ابى قال: لما بلغ عليا مصاب بنى ناجية وقتل صاحبهم قال: هوت أمه ما كان انقص عقله و أجراه على ربه فان جائيا جاءني مرة فقال لي: في أصحابك رجال قد خشيت ان يفارقوك، فما ترى فيهم؟ فقلت له:

انى لا آخذ على التهمه، و لا اعاقب على الظن، و لا اقاتل الا من خالفني و ناصبني و اظهر لي العداوة و لست مقاتله حتى ادعوه و اعذر اليه، فان تاب و رجع إلينا قبلنا منه و هو أخونا و ان ابى الا الاعتزام على حربنا استعنا عليه الله و ناجزناه فكف عنى ما شاء الله.

ثم جاءني مرة اخرى فقال لي: قد خشيت ان يفسد عليك عبد الله بن وهب الراسبي و زيد بن حصين، اني سمعتها يذكر انك بأشياء لو سمعتها لم تفارقهما عليها حتى تقتلهما او توبقها فلا تفارقهما من حبسك ابدا، فقلت :

ص: 432

انى مستشيرك فيهما، فما ذا تأمرني به؟

قال: فانى آمرك ان تدعو بهما، فتضرب رقابها، فعلمت انه لا ورع و لا عاقل فقلت والله ما اظنك ورعا و لا عاقلا نافعا و الله لقد كان ينبغى لك لو اردت قتلهم ان تقول: اتق الله، لم تستحل قتلهم ولم يقتلوا أحدا، ولم ينا بذوك، و لم يخرجوا من طاعتك.

حدثني احمد بن ثابت عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر. وكان قتم يومئذ عامل على على مكة و كان على اليمن عبيد الله بن العباس، و على البصرة عبد الله بن العباس.

106 - عنه فوجه النعمان بن بشير - فيما ذكر على بن محمد بن عوانه - في الفى رجل الى عين التمر، وبها مالك بن كعب مسلحة لعلى في الف رجل فاذن لهم، فاتوا الكوفه، و أتاه النعمان، و لم يبق معه الا مائة رجل، فكتب مالك الى على يخبره بأمر النعمان و من معه.

فخطب على الناس، و أمرهم بالخروج فتثاقلوا، و واقع مالك النعمان و النعمان في الفى رجل و مالك في مائة رجل و أمر مالك أصحابه ان يجعلوا جدر القرية في ظهورهم و اقتتلوا. وكتب الى مخنف بن سليم يسأله ان يمده و هو قريب منه.

فقاتلهم مالك بن كعب في العصابة التي معه كأشد القتال، و وجه إليه مخنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلا، فانتهوا الى مالك و أصحابه، وقد كسروا جفون سيوفهم، و استقتلوا، فلما رآهم أهل الشام و ذلك عند المساء. ظنوا ان لهم مددا و انهزموا و تبعهم مالك فقتل منهم ثلاثة نفر و مضوا على وجوههم.

107 - عنه حدثني عبد الله بن احمد بن شبويه المروزي، قال: حدثنا

ص: 433

ابى، قال حدثني سليمان عن عبد الله قال حدثني عبد الله بن ابى معاوية، عن عمرو بن حسان، عن شيخ من بني فزارة، قال: بعث معاوية النعمان بن بشير في الفين فاتوا عين التمر، فأغاروا عليها، و بها عامل لعلى يقال له ابن فلان الارحبي في ثلاثمائة، فكتب الى على يستمده، فامر الناس ان ينهضوا اليه، فتثاقلوا، فصعد المنبر، فانتهيت إليه وقد سبقني بالتشهد و هو يقول:

يا أهل الكوفه كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام اظلكم و اغلق بابه انجحر كل أمرئ منكم في بيته انجحار الضب في جحره و الضبع في و جارها، المغرور من غررتموه و لمن فاز بكم فاز بالسهم الاخيب.

لا احرار عند النداء، و لا اخوان ثقه عند النجاء انا لله و انا إليه راجعون ما ذا منيت به منكم عمى لا تبصرون، وبكم لا تنطقون، وصم لا تستمعون انا لله و انا إليه راجعون.

108 - عنه رجع الحديث الى حديث عوانه قال: و وجه معاوية في هذه السنه سفيان بن عوف في سته آلاف رجل، و أمره ان ياتي هيت فيقطعها، و ان يغير عليها، ثم يمضى حتى ياتى الأنبار و المدائن فيوقع بأهلها، فسار حتى اتى هيت فلم يجد بها أحدا ثم اتى الأنبار و بها مسلحة لعلى تكون خمسمائة ،رجل، وقد تفرقوا فلم يبق منهم الا مائة رجل.

فقاتلهم، فصبر لهم أصحاب على مع قلتهم، ثم حملت عليهم الخيل و الرجالة، فقتلوا صاحب المسلحة، و هو اشرس بن حسان البكرى في ثلاثين رجلا و احتملوا ما كان فى الأنبار من الأموال و اموال أهلها و رجعوا الى معاوية وبلغ الخبر عليا فخرج حتى اتى النخيلة، فقال له الناس نحن نكفيك، قال ما تكفوننى ولا انفسكم، و سرح سعيد ابن قيس في اثر القوم فخرج في طلبهم حتى جاز ،هيت فلم يلحقهم فرجع

ص: 434

109 - عنه قال: و فيها وجه معاوية أيضا عبد الله بن مسعدة الفزاري في الف وسبعمائة رجل الى تيماء و أمره ان يصدق من مر به من أهل البوادى، و ان يقتل من امتنع من عطائه صدقة ،ماله، ثم ياتى مكة والمدينة و الحجاز، يفعل ذلك، واجتمع إليه بشر كثير من قومه، فلما بلغ ذلك عليا وجه المسيب ابن نجبة الفزارى .

فسار حتى لحق ابن مسعدة بتيماء، فاقتتلوا ذلك اليوم حتى زالت الشمس قتالا شديدا و حمل المسيب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات كل ذلك لا يلتمس قتله و يقول له النجاء النجاء فدخل ابن مسعدة وعامة من معه الحصن، و هرب الباقون نحو الشام و انتهب الاعراب ابل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة، و حصره و من كان معه المسيب ثلاثة ايام.

ثم القى الحطب على الباب و القى النيران فيه حتى احترق فلا أحسوا بالهلاك أشرفوا على المسيب فقالوا: يا مسيب قومك فرق لهم و کره هلاكهم، فامر بالنار فاطفئت و قال لأصحابه: قد جاءتني عيون فأخبروني ان جندا قد أقبل إليكم من الشام، فانضموا في مكان واحد.

فخرج ابن مسعدة في أصحابه ليلا حتى لحقوا بالشام، فقال له عبد الرحمن بن شبیب: سر بنا في طلبهم، فأبى ذلك عليه، فقال له: غششت امير المؤمنين وداهنت في أمرهم.

110 - عنه فيها أيضا وجه معاوية الضحاك بن قيس، و أمره ان يمر باسفل واقصة، و ان يغير على كل من مر به ممن هو في طاعة على من الاعراب، و وجه معه ثلاثة آلاف ،رجل، فسار فاخذ اموال الناس، و قتل من لقی من الاعراب و مر بالثعلبية فاغار على مسالح على، و أخذ امتعتهم،

ص: 435

و مضى حتى انتهى الى القطقطانة.

فاتى عمرو بن عميس بن مسعود، وكان في خيل لعلى و امامه اهله و هو يريد الحج، فاغار على من كان معه و حبسه عن المسير، فلما بلغ ذلك عليا سرح حجر بن عدى الكندى في اربعة آلاف و اعطاهم خمسين خمسين فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر رجلا، و قتل من أصحابه رجلان و حال بينهم الليل، فهرب الضحاك و أصحابه، و رجع حجر و من معه.

111 - عنه قال وفيها سار معاوية بنفسه الى دجلة حتى شارفها، ثم نكص راجعا ، ذكر ذلك ابن سعد، عن محمد بن عمر قال حدثنی ابن جريح عن ابن ابى مليكة قال لما كانت سنة تسع وثلاثين اشرف عليها معاوية.

و حدثنى احمد بن ،ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى، عن ابى معشر مثله .

112 - عنه اختلف فيمن حج بالناس في هذه السنه، فقال بعضهم: حج بالناس فيها عبيد الله بن عباس من قبل على وقال بعضهم: حج بهم عبد الله ابن عباس، فحدثني ابو زيد عمر بن شبه قال: يقال ان عليا وجه ابن عباس ليشهد الموسم و يصلى بالناس في سنة تسع وثلاثين، و بعث معاوية یزید ابن شجرة الرهاوى.

113 - عنه قال: و زعم ابو الحسن ان ذلك باطل، و ان ابن عباس لم يشهد الموسم في عمل حتى قتل علي (علیه السّلام) ، قال : والذي نازعه يزيد بن شجرة قتم ابن العباس حتى انهما اصطلحا على شيبة بن عثمان، فصلى بالناس سنة تسع و ثلاثين.

ص: 436

114 - عنه كالذي حكيت عن ابي زيد عن ابي الحسن قال ابو معشر في ذلك: حدثنى بذلك احمد بن ثابت الرازى عمن حدثه، عن إسحاق بن عيسى عنه.

115 - عنه قال الواقدى: بعث على على الموسم في سنة تسع وثلاثين عبيدالله بن عباس، و بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوى ليقيم للناس الحج، فلما اجتمعا بمكة تنازعا و ابى كل واحد منهما ان يسلم لصاحبه، فاصطلحا على شيبة بن عثمان بن ابى طلحة.

116 - عنه كانت عمال على فى هذه السنة على الأمصار الذين ذكرنا انهم كانوا عماله في سنة ثمان وثلاثين غير ابن عباس، كان شخص في هذه السنه عن عمله بالبصرة، واستخلف زيادا - الذى كان يقال له: زياد بن ابيه - على الخراج و أبا الأسود الدولى على القضاء. و في هذه السنة وجه ابن عباس زيادا عن أمر على الى فارس و كرمان عند منصرفه من عند على (علیه السّلام) من الكوفة الى البصرة.

117 - عنه حدثني عمر، قال: حدثنا على، قال: لما قتل ابن الحضرمي و اختلف الناس على على طمع أهل فارس و أهل كرمان في كسر الخراج، فغلب أهل كل ناحية على ما يليهم، و اخرجوا عمالهم.

118 - عنه حدثني عمر، قال: حدثنا أبو القاسم، عن عن سلمة بن عثمان عن على بن كثير، ان عليا استشار الناس في رجل يوليه فارس حين امتنعوا من أداء الخراج فقال له جارية بن قدامة: الا ادلك يا امير المؤمنين على رجل صليب الرأي عالم بالسياسة، كاف لما ولى؟ قال: من هو ؟

قال: زياد :قال هو لها فولاه فارس و ،کرمان و وجهه في اربعه آلاف، فدوخ تلك البلاد حتى استقاموا.

ص: 437

119 - عنه حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن على بن مجاهد ،قال: قال الشعبي لما انتقض أهل الجبال و طمع أهل الخراج في كسره، و اخرجوا سهل بن حنيف من فارس و كان عاملا عليها لعلى - قال ابن عباس لعلى اكفيك ،فارس، فقدم ابن عباس البصرة، و وجه زيادا الى فارس في جمع كثير، فوطئ بهم أهل فارس، فادوا الخراج.

120 - عنه حدثني عمر قال: حدثني ابو الحسن، عن أيوب بن موسى، قال: حدثنى شيخ من أهل اصطخر قال سمعت ابى يقول: أدركت زيادا و هو امير على فارس و هي تضرم نارا، فلم يزل بالمداراة حتى عادوا الى ما كانوا عليه من الطاعة والاستقامة الطاعة و الاستقامة، لم يقف موقفا للحرب، و كان أهل فارس :يقولون ما رأينا سيرة اشبه بسيرة كسرى انو شروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة و العلم بما ياتى .

121 - عنه قال: ولما قدم زياد فارس بعث الى رؤسائها، فوعد من نصره و مناه و خوف قوما و توعدهم و ضرب بعضهم ببعض و دل بعضهم على عورة ،بعض و هربت طائفة و اقامت طائفة، فقتل بعضهم ،بعضا و صفت له ،فارس، فلم يلق فيها جمعا و لا حربا و فعل مثل ذلك بکرمان، ثم رجع الى فارس .

فسار في كورها و مناهم، فسكن الناس الى ذلك، فاستقامت له البلاد، و اتى اصطخر فنزلها و حصن قلعة بها ما بين بيضاء اصطخر و ،اصطخر فكانت تسمى قلعه زياد فحمل إليها الأموال، ثم تحصن فيها بعد ذلك منصور اليشكري .

فهى اليوم تسمى قلعة منصور فمما كان فيها من ذلك توجيه معاوية بسر بن ابى ارطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز.

ص: 438

122 - عنه فذكر عن زياد بن عبد الله البكائي، عن عوانة، قال ارسل معاوية ابن ابي سفيان بعد تحكيم الحكمين بسر بن ابى ارطاة و هو رجل من بني عامر بن لؤي في جيش - فساروا من الشام حتى قدموا المدينة ،و عامل على على المدينة يومئذ ابو أيوب الأنصاري، ففر منهم ابو أيوب، فاتى عليا بالكوفة، ودخل بسر المدينة.

قال: فصعد منبرها و لم يقاتله بها احد فنادى على المنبر يا دينار و یا نجار، و یا زريق شيخي شيخي عهدي به بالأمس، فأين هو!يعنى عثمان، ثم قال: يا أهل المدينة، و الله لو لا ما عهد الى معاوية ما تركت بها محتلها الا قتلته ثم بايع أهل المدينة، وارسل الى بني سلمة.

فقال: و الله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبدالله، فانطلق جابر الى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: ما ذا ترين؟ انى قد خشيت ان اقتل و هذه بيعة ضلاله قالت ارى ان تبايع فانی قد امرت ابنى عمر بن ابى سلمه ان يبايع.

و أمرت ختني عبد الله بن زمعة - وكانت ابنتها زينب ابنة ابى سلمه عند عبد الله بن زمعة - فأتاه جابر فبايعه و هدم بسر دورا بالمدينة، ثم مضى حتى اتى مكة، فخافه ابو موسى ان يقتله فقال له بسر: ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ذلك، فخلى عنه.

و كتب ابو موسى قبل ذلك الى اليمن: ان خيلا مبعوثة من عند معاوية تقتل الناس، تقتل من ابى ان يقر بالحكومة ثم مضى بسر الى اليمن، و كان عليها عبيد الله بن عباس عاملا ،لعلى فلما بلغه مسيره فر الى الكوفة حتى اتى عليا ،و استخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي على اليمن، فأتاه بسر فقتله و قتل ابنه

ص: 439

و لقی بسر ثقل عبيد الله بن عباس و فيه ابنان له صغيران، فذبحها و قد قال بعض الناس انه وجد ابنى عبيد الله بن عباس عند رجل من بنى کنانه من أهل البادية، فلما اراد قتلها قال الكناني علام تقتل هذين ولا ذنب لهما فان كنت قاتلها فاقتلني، قال: افعل.

فبدا بالكناني فقتله، ثم قتلهما ثم رجع بسر الى الشام و قد قيل ان الكنانى قاتل عن الطفلين حتى قتل و كان اسم احد الطفلين اللذين قتلها بسر : عبد الرحمن و الآخر قثم وقتل بسر في مسيره ذلك جماعة كثيرة من شيعة على باليمن و بلغ عليا خبر بسر.

فوجه جارية بن قدامه في الفين و وهب بن مسعود في الفين، فسار جارية حتى اتى نجران فحرق بها و أخذ ناسا من شيعة عثمان فقتلهم و هرب بسر و أصحابه منه، واتبعهم حتى بلغ مكة، فقال لهم جارية: بايعونا، فقالوا: قد هلك امير المؤمنين فلمن نبايع؟

قال: لمن بايع له أصحاب على فتثاقلوا، ثم بايعوا ثم سار حتى اتى المدينة و ابو هريرة يصلى بهم فهرب منه، فقال جارية و الله لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه، ثم قال لأهل المدينة : بايعوا الحسن بن على، فبايعوه و اقام يومه، ثم خرج منصرفا الى الكوفة، و عاد ابو هريرة فصلى بهم.

123 - قال ابن الاثير: بعد مقتل محمد بن أبي بكر و استيلاء عمرو بن العاص على مصر سيّر معاوية عبد الله بن عمرو بن الحضرمي إلى البصرة و قال له: إنّ جلّ أهلها يرون رأينا في عثمان و قد قتلوا في الطلب بدمه، فهم لذلك حنقون يودون أن يأتيهم من يجمعهم و ينهض بهم في الطلب بثأرهم و دم إمامهم، فانزل في مضر و تودّد الأزد فإنّهم كلهم معك، وادع ربيعة فلن ينحرف عنك أحد سواهم لأنهم كلّهم ترابية فاحذرهم.

ص: 440

فسار ابن الحضرمي حتى قدم البصرة، و كان ابن عباس قد خرج إلى على بالكوفة و استخلف زياد بن أبيه على البصرة، فلما وصل ابن الحضرمي إلى البصرة نزل في بني تميم، فأتاه العثمانية مسلمين عليه وحضره غيرهم، فخطبهم وقال إن عثمان إمامكم إمام الهدى قتل مظلوما، قتله عليّ، فطلبتم بدمه فجزاكم الله خيرا.

فقام الضحاك بن قيس الهلالي، وكان على شرطة ابن عباس، فقال: قبّح الله ما جئتنا به و ما تدعونا إليه ! أتيتنا و الله بمثل ما أتانا به طلحة و الزبير، أتيانا و قد بايعنا عليّا و استقامت أمورنا فحملانا على الفرقة حتى ضرب بعضنا بعضا.

و نحن الآن مجتمعون على بيعته، و قد أقال العثرة، و عفا عن المسيء، أ فتأمرنا أن ننتضي أسيافنا و يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا؟ الله ليوم من أيام عليّ خير من معاوية و آل معاوية.

فقام عبد الله بن خازم السّلمي فقال للضحاك : اسكت فلست بأهل أن تتكلّم. ثم أقبل على ابن الحضرمي فقال نحن أنصارك و يدك و القول قولك فاقرأ كتابك. فأخرج كتاب معاوية إليهم يذكرهم فيه آثار عثمان فيهم و حبّه العافية وسدّه ثغورهم و يذكر قتله و يدعوهم إلى الطلب بدمه و يضمن أنه يعمل فيهم بالسنّة و يعطيهم عطائين في السنة.

فلمّا فرغ من قراءته قام الأحنف فقال: لا ناقتي في هذا و لا جملي، و اعتزل القوم .وقام عمرو بن مرحوم العبدي فقال: أيّها الناس الزموا طاعتكم و جماعتكم ولا تنكثوا بيعتكم فتقع بكم الواقعة. وكان عبّاس بن صحار العبدي مخالفا لقومه في حبّ عليّ فقام و قال: لننصرنك بأيدينا و ألسنتنا .

ص: 441

فقال له المثنى بن مخرّبة . العبدي: والله لئن لم ترجع إلى مكانك الذي جئتنا منه لنجاهدتك بأسيافنا و رماحنا، ولا يغرنك هذا الذي يتكلّم، يعنى ابن صحار.

فقال ابن الحضرمي لصبرة بن شيمان أنت ناب من أنياب العرب فانصرني. فقال: لو نزلت في داري لنصرتك. فلما رأى زياد ذلك خاف فاستدعى حضين بن المنذر و مالك بن مسمع فقال: أنتم يا معشر بكر بن وائل أنصار أمير المؤمنين وثقاته وقد كان من ابن الحضرمي ما ترون و أتاه من أتاه فامنعوني حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين.

فقال حضين بن المنذر: نعم. و قال مالك و كان رأيه مائلا إلى بني :أميّة هذا أمر لي فيه شركاء أستشير فيه و انظر. فلما رأى زياد تثاقل مالك خاف أن تختلف عليه ربيعة فأرسل إلى صبرة بن شيمان الحدّاني الأزدي يطلب أن يجيره و بيت مال المسلمين فقال:

إن حملته إلى داري أجرتكما فنقله إلى داره بالحدان و نقل المنبر أيضا، فكان يصلي الجمعة بمسجد الحدّان و يطعم الطعام. فقال زياد لجابر بن وهب الراسي: يا أبا محمد إنّي لا أرى ابن الحضرمي يكفّ و أراه سيقاتلكم و لا أدري ما عند أصحابك فانظر ما عندهم. فلما صلّى زياد جلس في المسجد واجتمع الناس إليه، فقال جابر:

يا معشر الأزد إن تميما تزعم أنّهم هم الناس و أنهم أصبر منكم عند البأس، و قد بلغني أنهم يريدون أن يسيروا إليكم ويأخذوا جاركم و يخرجوه قسرا، فكيف أنتم إذا فعلوا ذلك و قد أجرتموه و بيت مال المسلمين فقال صبرة بن شيان، و كان مفخما:

إن جاء الأحنف جئت، و إن جاء حتاتهم جئت، و إن جاء شبابهم

ص: 442

ففينا شباب .

و کتب زياد إلى عليّ بالخبر، فأرسل علي إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي ثم التميمي ليفرّق قومه عن ابن الحضرمي، فإن امتنعوا قاتل بمن أطاعه من عصاه، و كتب إلى زياد يعلمه ذلك. فقدم أعين، فأتى زيادا، فنزل عنده، و جمع رجالا و أتى قومه و نهض إلى ابن الحضرمي و من معه و ،دعاهم فشتموه، و واقفهم نهاره.

ثم انصرف عنهم، فدخل عليه ،قوم قيل إنهم من الخوارج، و قيل وضعهم ابن الحضرمي على قتله، وكان معهم فقتلوه غيلة، فلما قتل أعين أراد زياد قتالهم، فأرسلت تميم إلى الأزد: إنا لم نعرض لجاركم فما تريدون إلى جارنا ؟ فكرهت الأزد قتالهم و قالوا: إن عرضوا لجارنا منعناه.

و كتب زياد إلى علي يخبره خبر أعين وقتله، فأرسل علي جارية بن قدامة السعدي، و هو من بني سعد من تميم، و بعث معه خمسين رجلا، و قيل خمسمائة من تميم، وكتب إلى زياد يأمره بمعونة جارية و الإشارة عليه. فقدم جارية البصرة، فحذره زياد ما أصاب أعين، فقام جارية في الأزد فجزاهم خيرا و قال: عرفتم الحق إذ جهله غيركم.

و قرأ كتاب عليّ إلى أهل البصرة يوبخهم و يتهددهم و يعنفهم و يتوعدهم بالمسير إليهم والإيقاع بهم وقعة تكون وقعة الجمل عندها هباء. فقال صبرة بن شيمان: سمعا لأمير المؤمنين وطاعة! نحن حرب لمن حاربه و سلم لمن سالمه.

و قال أبو صفرة، والد المهلب لزياد لو أدركت يوم الجمل ما قاتل قومي أمير المؤمنين. وقيل: إنّ أبا صفرة كان توفي في مسيره إلى صفّين، و الله أعلم.

ص: 443

و صار جارية إلى قومه و قرأ عليهم كتاب علي و وعدهم، فأجابه أكثرهم، فسار إلى ابن الحضرمي و معه الأزد و من تبعه من قومه، و على خيل ابن الحضرمي عبد الله بن خازم ،السلمي فاقتتلوا ساعة و أقبل شريك بن الأعور الحارثي فصار مع جارية، فانهزم ابن الحضرمي فتحصن بقصر سنبيل و معه ابن خازم فأتته أمه عجلي، و كانت حبشية.

فأمرته بالنزول، فأبى، فقالت: و الله لتنزلنّ أو لأنزعنّ ثيابي! فنزل و نجا، و أحرق جارية القصر بمن فيه، فهلك ابن الحضرمي و سبعون رجلا معه و عاد زياد إلى القصر و كان قصر سنبيل لفارس قديما و صار السنبيل السعدي و حوله خندق، وكان فيمن احترق دراع بن بدر أخو حارثة بن ،بدر فقال عمرو بن العرندس :

رددن زیادا إلى داره *** و جار تميم دخانا ذهب

لحي الله قوما شووا جارهم *** و لم يدفعوا عنه حرّ اللهب

في أبيات غير هذه، و قال جرير:

غدرتم بالزبير فما وفيتم *** وفاء الأزد إذ منعوا زيادا

فأصبح جارهم بنجاة عزّ *** وجار مجاشع أمسی رمادا

فلو عاقدت حبل أبي سعيد *** لذاد القوم ما حمل النّجادا

و أدنى الخيل من رهج المنايا *** وأغشاها الأسنة و الصعادا

124 - عنه فرّق معاوية جيوشه في العراق في أطراف علي، فوجّه النعمان بن بشير في ألف رجل إلى عين التمر و فيها مالك فيها مالك بن كعب مسلحة لعلي في ألف رجل، وكان مالك قد أذن لأصحابه فأتوا الكوفة ولم يبق معه إلّا مائة رجل ، فلما سمع بالنعمان كتب إلى أمير المؤمنين يخبره و يستمده، فخطب عليّ الناس و أمرهم بالخروج إليه.

ص: 444

فتثاقلوا، و واقع مالك النعمان و جعل جدار القرية في ظهور أصحابه، وكتب مالك إلى مخنف بن سليم يستعينه، و هو قريب منه، و اقتتل مالك و النعمان أشدّ قتال فوجّه مخنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلا، فانتهوا إلى مالك و قد كسروا جفون سيوفهم و استقتلوا، فلما رآهم أهل الشام انهزموا عند المساء وظنوا أن لهم ،مددا، وتبعهم مالك فقتل منهم ثلاثة نفر.

و لما تثاقل أهل الكوفة عن الخروج إلى مالك صعد علي المنبر فخطبهم ثم قال : يا أهل الكوفة كلّما سمعتم بجمع من أهل الشام أظلّكم انجحر كلّ أمرئ منكم في بيته و أغلق عليه بابه انجحار الضبّ في جحره و الضبع في وجارها المغرور من غررتموه.

و من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء و لا إخوان عند النجاء. «إنا لله وَ إِنَّا إِلَيْهِ َراجِعُونَ» ما ذا منيت به منكم؟ عمي لا

إِنَّا يبصرون، وبكم لا ينطقون، وصم لا يسمعون. «إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.»

125 - عنه وجّه معاوية أيضا سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل و أمره أن يأتي هيت فيقطعها، ثم يأتي الأنبار و المدائن فيوقع بأهلها. فأتى هيت فلم يجد بها أحدا، ثم أتى الأنبار و فيها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل و قد تفرّقوا و لم يبق منهم إلا مائتا رجل، و كان سبب تفرقهم أنه كان عليهم کمیل ابن زیاد .

فبلغه أن قوما بقرقيسياء يريدون الغارة على هيت فسار إليهم بغير أمر على، فأتى أصحاب سفيان و كميل غائب عنها، فأغضب ذلك عليا على كميل، فكتب إليه ينكر ذلك عليه، و طمع سفيان في أصحاب علي لقلّتهم فقاتلهم.

فصبر أصحاب علي ثم قتل صاحبهم، و هو أشرس بن حسّان

ص: 445

البكري، و ثلاثون رجلا و احتملوا ما في الأنبار من أموال أهلها و رجعوا إلى معاوية، و بلغ الخبر عليّا فأرسل في طلبهم فلم يدركوا.

126 - عنه وجّه معاوية عبد الله بن مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تياء و أمره أن يصدق من مرّ به من أهل البوادي و يقتل من امتنع ففعل ذلك، و بلغ مكة و المدينة و فعل ذلك، و اجتمع إليه بشر كثير من قومه، و بلغ ذلك عليّا فأرسل المسيب بن نجبة الفزاري في ألفي رجل، فلحق عبد الله بتيماء.

فاقتتلوا حتى زالت الشمس قتالا شديدا و حمل المسيب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات لا يريد قتله و يقول له النجاء النجاء! فدخل ابن مسعدة و جماعة معه الحصن و هرب الباقون نحو الشام، و انتهب الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة، و حصره و من معه ثلاثة أيام، ثم ألقى الحطب في الباب وحرقة.

فلما رأوا الهلاك أشرفوا عليه و قالوا يا مسيب قومك، فرق لهم و أمر بالنار فأطفئت، و قال لأصحابه قد جاءتني عيوني فأخبروني أن جندا قد أتاكم من الشام. فقال له عبد الرحمن ابن شبيب سرّحني في طلبهم، فأبى ذلك عليه، فقال: غششت أمير المؤمنين و داهنت في أمرهم.

127 - عنه وجّه معاوية الضحاك بن قيس و أمره أن يمر بأسفل واقصة و يغير على كلّ من مرّ به ممن هو في طاعة علي من الأعراب، و أرسل ثلاثة آلاف رجل معه، فسار الناس و أخذ الأموال و مضى إلى الثعلبية، و قتل و أغار على مسلحة علي، و انتهى إلى القطقطانة.

فلمّا بلغ ذلك عليّا أرسل إليه حجر بن عدي في أربعة آلاف و أعطاهم خمسين درهما خمسين درهما، فلحق الضحاك بتدمر فقتل منهم تسعة عشر

ص: 446

رجلا، وقتل من أصحابه رجلان و حجز بينهما اللّيل، فهرب الضحّاك و أصحابه و رجع حجر و من معه.

128 - عنه سار معاوية بنفسه حتى شارف دجلة ثم نكص راجعا.

و اختلف فيمن حجّ بالناس فقيل: حجّ بالناس عبيد الله بن عبّاس من قبل علي، وقيل: بل حجّ عبد الله أخوه، و ذلك باطل، فإنّ عبد الله ابن عبّاس لم يحجّ في خلافة عليّ، وإنما كان على هذه السنة على الحج عبيد الله بن عبّاس.

بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي، فاختلف عبيد الله و یزید بن شجرة و اتفقا على أن يحجّ بالناس شيبة بن عثمان، وقيل: إنّ الّذي حجّ من جانب على قثم بن العباس.

129 - عنه في دعا معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي، و هو من أصحابه، فقال له: إنّي أريد أن أوجهك إلى مكة لتقيم للناس الحج و تأخذ لي البيعة بمكة وتنفي عنها عامل عليّ.

فأجابه إلى ذلك وسار إلى مكة في ثلاثة آلاف فارس و بها قثم بن العبّاس عامل علي، فلما سمع به قثم خطب أهل مكة و أعلمهم بمسير الشامتين و دعاهم إلى حربهم، فلم يجيبوه بشيء، و أجابه شيبة بن عثمان العبدري بالسّمع والطاعة.

فعزم قثم على مفارقة مكّة و اللحاق ببعض شعابها و مكاتبة أمير المؤمنين بالخبر فإن أمده بالجيوش قاتل الشاميين، فنهاه أبو سعيد الخدري عن مفارقة مكة و قال له: أقم فإن رأيت منهم القتال و بك قوة فاعمل برأيك و إلّا فالمسير عنها أمامك. فأقام وقدم الشاميون و لم يعرضوا لقتال أحد، وأرسل قتم إلى أمير المؤمنين يخبره.

ص: 447

فسيّر جيشا فيهم الريان بن ضمرة بن هوذة بن علي الحنفي و أبو الطّفيل أوّل ذي الحجة و كان قدوم ابن شجرة قبل التروية بيومين، فنادى في الناس: أنتم آمنون إلا من قاتلنا و نازعنا واستدعى أبا سعيد الخدري و قال له: إنّي أريد الإلحاد في الحرم و لو شئت لفعلت لما فيه أميركم من الضعف.

فقل له يعتزل الصلاة بالناس و أعتزلها أنا و يختار الناس رجلا يصلّي بهم فقال أبو سعيد لقثم ذلك، فاعتزل الصلاة، و اختار الناس شيبة بن عثمان فصلى بهم و حجّ بهم فلما قضى الناس حجهم رجع يزيد إلى الشام، و أقبل خيل عليّ فأخبروا يعود أهل الشام فتبعوهم، و عليهم معقل بن قيس .

فأدركوهم و قد رحلوا عن وادي القرى، فظفروا بنفر منهم فأخذوهم أسارى و أخذوا ما معهم و رجعوا بهم إلى أمير المؤمنين، ففادى بهم أسارى كانت له عند معاوية.

130 - عنه قال: سيّر معاوية عبد الرحمن بن قبان بن أشيم إلى بلاد الجزيرة و فيها شبيب بن عامر جدّ الكرماني الّذي كان بخراسان، و كان شبيب بنصيبين فكتب إلى كميل بن زياد، و هو بهيت، يعلمه خبرهم، فسار كميل إليه نجدة له فى ستمائة فارس، فأدركوا عبد الرحمن و معه معن بن يزيد السلمي.

فقاتلهما كميل و هزمهما فغلب على عسكرهما وأكثر القتل في أهل الشام و أمر أن لا يتبع مدبر و لا يجهز على جريح، وقتل من أصحاب كميل رجلان، و كتب إلى عليّ بالفتح فجزاه خيرا وأجابه جوابا حسنا و رضي عنه، و كان ساخطا عليه لما تقدّم ذكره.

ص: 448

و أقبل شبيب بن عامر من نصيبين فرأى كميلا قد أوقع بالقوم فهناه بالظفر و اتبع الشامتين فلم يلحقهم فعبر الفرات و بت خيله فأغارت على أهل الشام حتى بلغ بعلبك، فوجه معاوية إليه حبيب بن مسلمة فلم يدركه، و رجع شبيب فأغار على نواحي الرقة.

فلم يدع للعثمانية بها ماشية إلّا استاقها و لا خيلا ولا سلاحا إلّا أخذه و عاد إلى نصيبين و كتب إلى علي فكتب إليه علي ينهاه عن أخذ أموال الناس إلّا الخيل والسلاح الذي يقاتلون به و قال: رحم الله شبيبا، لقد أبعد الغارة و عجّل الانتصار.

و لما قدم يزيد بن شجرة على معاوية وجّه الحارث بن نمر التنوخي إلى الجزيرة ليأتيه بمن كان في طاعة عليّ، فأخذ من أهل دارا سبعة نفر من بني تغلب، و كان جماعة من بني تغلب قد فارقوا عليّا إلى معاوية، فسألوه في إطلاق أصحابهم فلم يفعل فاعتزلوه أيضا.

و كتب معاوية إلى عليّ ليفاديه بمن أسر معقل بن قيس من أصحاب يزيد بن شجرة، فسيّرهم علي إلى معاوية، و أطلق معاوية هؤلاء، و بعث علي رجلا من خثعم يقال له عبد الرحمن إلى ناحية الموصل ليسكّن الناس فلقيه أولئك التغلبيون الذين اعتزلوا معاوية و عليهم قريع بن الحارث التغلبي.

فتشاتموا ثم اقتتلوا فقتلوه، فأراد عليّ أن يوجّه إليهم جيشا، فكلّمته ربيعة وقالوا هم معتزلون لعدوّك داخلون فى طاعتك و إنّما قتلوه خطأ.

فأمسك عنهم.

131 - عنه بعث معاوية زهير بن مكحول العامري من عامر الأجدار إلى السماوة و أمره أن يأخذ صدقات الناس، و بلغ ذلك عليا فبعث ثلاثة

ص: 449

نفر: جعفر بن عبد الله الأشجعي،و عروة بن العشبة و الجلاس بن عمير الكلبيين، ليصدّقوا من في طاعته من كلب و بكر بن وائل، فوافوا زهيرا فاقتتلوا.

فانهزم أصحاب علي و قتل جعفر بن عبد الله و لحق ابن العشبة بعلي، فعنّفه و علاه بالدّرّة، فغضب و لحق بمعاوية و كان زهير قد حمل ابن العشبة على فرس فلذلك اتهمه و أمّا الجلاس فإنه مرّ براع فأخذ جبته و أعطاه جبّة خزّ، فأدركته الخيل فقالوا أين أخذ هؤلاء الترابيون؟ فأشار إليهم أخذوا هاهنا، ثم أقبل إلى الكوفة.

132 - عنه بعث معاوية مسلم بن عقبة المرّي إلى دومة الجندل، وكان أهلها قد امتنعوا من بيعة على و معاوية جميعا، فدعاهم إلى طاعة معاوية و بيعته، فامتنعوا، و بلغ ذلك عليّا فسيّر مالك بن كعب الهمداني في جمع إلى دومة الجندل، فلم يشعر مسلم إلّا و قد وافاه مالك، فاقتتلوا يوما ثمّ انصرف مسلم منهزما و أقام مالك أياما يدعو أهل دومة الجندل إلى البيعة لعليّ فلم يفعلوا وقالوا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على إمام. فانصرف و تركهم.

133 - عنه توجّه الحارث بن مرّة العبدي إلى بلاد السند غازيا متطوعا بأمر أمير المؤمنين علي، فغنم و أصاب غنائم و سبيا كثيرا، وقسم في يوم واحد ألف رأس و بقي غازيا إلى أن قتل بأرض القيقان هو و من معه إلّا قليلا سنة اثنتين و أربعين أيام معاوية.

134 - عنه ولى عليّ زيادا كرمان و فارس و سبب ذلك أنه لما قتل ابن - الحضرمي و اختلف الناس على عليّ طمع أهل فارس و كرمان في كسر الخراج فطمع أهل كلّ ناحية و أخرجوا عاملهم و أخرج أهل فارس

ص: 450

سهل بن حنيف، فاستشار علي الناس فقال له جارية بن قدامة: ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صلب الرأي عالم بالسياسة كاف لما ولي؟ قال: من هو ؟ قال: زياد .

فأمر علي ابن عبّاس أن يولّي زيادا، فسيّره إليها في جمع كثير، فوطئ بهم أهل فارس، و كانت قد اضطرمت فلم يزل يبعث إلى رءوسهم يعد من ينصره و يمنيه و يخوّف من امتنع عليه، وضرب بعضهم ببعض، فدلّ بعضهم على عورة بعض و هربت طائفة.

و أقامت طائفة، فقتل بعضهم بعضا، و صفت له فارس و لم يلق منهم جمعا و لا حربا و فعل مثل ذلك بكرمان. ثم رجع إلى فارس و سكن الناس و استقامت له و نزل إصطخر و حصّن قلعة تسمّى قلعة زياد قريب إصطخر، ثمّ تحصن فيها بعد ذلك منصور اليشكري فهي تسمّى قلعة منصور. وقيل إنّ ابن عبّاس أشار بولايته .

135 - عنه بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة، و هو من عامر بن لؤي، في ثلاثة آلاف، فسار حتى قدم المدينة، و بها أبو أيوب الأنصاري عامل علي عليها، فهرب أبو أيوب فأتى عليّا بالكوفة و دخل بسر المدينة و لم يقاتله ،أحد، فصعد منبرها فنادى علیه یا دینار یا نجار یا زريق و هذه بطون من الأنصار، شيخي شيخي عهدته هاهنا بالأمس فأين هو؟ يعني عثمان.

ثم قال: والله لو لا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلها فأرسل إلى بني سلمة فقال: والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله ! فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم)، فقال لها: ما ذا ترين؟ إن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن أقتل.

قالت: أرى أن تبايع فإنّي قد أمرت ابني عمر و ختني ابن زمعة أن

ص: 451

يبايعا، وكانت ابنتها زينب تحت ابن زمعة، فأتاه جابر فبايعه.

و هدم بالمدينة دورا ثم سار إلى مكة، فخاف أبو موسى الأشعري أن يقتله فهرب منه، و أكره الناس على البيعة.

ثم سار إلى اليمن و كان عليها عبيد الله ابن عبّاس عاملا لعلي، فهرب منه إلى عليّ بالكوفة، واستخلف عليّ على اليمن عبد الله بن عبد المدان الحارثي، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه و أخذ ابنين لعبيد الله بن عبّاس صغيرين هما: عبد الرحمن وقتم فقتلها، و كانا عند رجل من كنانة بالبادية.

فلما أراد قتلها قال له الكناني: لم تقتل هذين و لا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معها! فقتله وقتلها بعده. وقيل إنّ الكناني أخذ سيفه و قاتل عن الغلامين و هو يقول:

الليث من يمنع حافات الدّار *** ولا يزال مصلتا دون الجار

و قاتل حتى قتل و أخذ الغلامين فدفنها. فخرج نسوة من بني كنانة فقالت أمرأة منهن يا هذا قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟ و الله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام! و الله يا ابن أبي أرطاة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير و الشيخ الكبير و نزع الرحمة و عقوق الأرحام لسلطان سوء.

و قتل بسر في مسيره ذلك جماعة من شيعة علي باليمن، وبلغ عليّا الخبر فأرسل جارية بن قدامة السعدي في ألفين و وهب بن من مسعود في ،ألفين، فسار جارية حتى أتى نجران فقتل بها ناسا من شيعة عثمان و هرب بسر و أصحابه منه، و اتبعه جارية حتى أتى مكة فقال: بايعوا أمير المؤمنين. فقالوا: قد هلك فلمن نبايع؟ قال: لمن بايع له أصحاب علي. فبايعوا خوفا

ص: 452

منه .

ثم سار حتى أتى المدينة و أبو هريرة يصلّي بالناس، فهرب منه، فقال جارية: لو وجدت أبا سنور لقتلته. ثم قال لأهل المدينة بايعوا الحسن بن عليّ، فبايعوه، و أقام يومه، ثم عاد إلى الكوفة و رجع أبو هريرة يصلّي بهم.

و كانت أم ابني عبيد الله أمّ الحكم جويرية بنت خويلد بن قارظ، و قيل: عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان فلا قتل ولداها ولهت عليهما، فكانت لا تعقل و لا تصفي و لا تزال تنشدهما في المواسم فتقول:

يا من أحسّ بنيّي اللذين هما *** كالدّرّتين تشظى عنها الصدف

يا من أحسّ بنتي اللذين هما *** مخ العظام فخي اليوم مزدهف

يا من أحسّ بنيّي اللذين هما *** قلبي و سمعي، فقلبي اليوم مختطف

من ذلّ والهة حيرى مدلّة *** على صبيّين ذلّا إذ غدا السلف

نبئت بسرا و ما صدقت ما زعموا *** من إفكهم و من القول الذي اقترفوا

أحنى على ودجي ابني مرهفة *** من الشّفار، كذاك الإثم يقترف

و هي أبيات مشهورة، فلما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعا شديدا و دعا على بسر فقال: اللهم اسلبه دينه و عقله! فأصابه ذلك و فقد عقله فكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب و يجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه و لم يزل كذلك حتى مات

136 - عنه لما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه عبيد الله بن عبّاس و عنده بسر فقال لبسر: وددت أن الأرض أنبتني عندك حين قتلت ولدي. فقال بسر: هاك سيفي. فأهوى عبيد الله ليتناوله فأخذه معاوية و قال لبسر: أخزاك الله شيخا قد خرفت و الله لو تمكّن منه لبدأ بي! قال عبيد الله : أجل، ثم ثنيت به .

ص: 453

وقيل: إنّ مسير بسر إلى الحجاز كان سنة اثنتين و أربعين، فأقام بالمدينة شهرا يستعرض الناس لا يقال له عن أحد إنه شرك في دم عثمان إلا قتله.

137 - روى الثقفي عن الكلبي، عن محمد بن يوسف، عن العبّاس بن سهل أنّ محمّد بن أبي حذيفة هو الذي حرّض المصريين على قتل عثمان و ندبهم إليه فلما ساروا الى عثمان فحصروه و كان هو حينئذ بمصر وثب على عبد الله بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤي و هو عامل عثمان يومئذ على مصر فطرده منها و صلّى بالنّاس.

فخرج ابن أبي سرح من مصر و نزل على تخوم أرض مصر مما يلي فلسطين و انتظر ما يكون من أمر عثمان فطلع عليه راكب فقال: يا عبد الله ما وراءك ؟ خبّرنا بخبر النّاس فقال: اقعد قتل المسلمون عثمان، فقال ابن أبى سرح: «إِنا لله وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» يا عبد الله ثم صنعوا ما ذا؟

قال: بايعوا ابن عم رسول الله عليّ بن أبي طالب (علیه السّلام)- قال: «إنا لله وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ قال له الرّجل كأن ولاية علي عدلت عندك قتل عثمان؟ - :قال أجل، فنظر إليه الرّجل فتأمله فعرفه فقال: كأنك عبد الله بن أبي سرح أمير مصر؟ فقال: أجل، قال له الرجل: ان كانت لك في نفسك حاجة فالنجاء النّجاء.

فانّ رأى أمير المؤمنين فيك و في أصحابك شر، ان ظفر بكم قتلكم أو نفاكم عن بلاد المسلمين، و هذا بعدي أمير يقدم عليكم، قال ابن أبى سرح: و من الأمير؟ - قال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري.

فقال ابن أبى :سرح أبعد الله ابن أبي حذيفة فانه بغى على ابن عمه وسعى عليه و قد كان كفله و ربّاه و أحسن إليه فأساء جواره فوثب على

ص: 454

عامله و جهز الرّجال إليه حتى قتل و خرج ابن أبي سرح حتى قدم على معاوية بدمشق.

138 - عنه عن سهل بن سعد قال: لما قتل عثمان و ولى علي بن أبى طالب - صلوات الله عليه - دعا قيس بن سعد فقال: سر الى مصر فقد وليتكها و اخرج إلى رحلك فاجمع فيه من ثقاتك من أحببت أن يصحبك حتى تأتيها و معك جند فإنّ ذلك أرهب لعدوّك و أعز لوليك فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن و اشتد على المريب، و ارفق بالخاصة والعامة، فان الرفق يمن.

فقال له قيس بن سعد رحمك الله يا أمير المؤمنين قد فهمت ما ذكرت أما قولك: اخرج اليها بجند، فو الله إن لم أدخلها بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبدا، فإذا أدع ذلك الجند لك فإن احتجت إليهم كانوا منك قريبا ، و إن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا عدّة لك، و لكنى أسير إليها بنفسي و أهل بيتي و أما ما أوصيتني به من الرفق و الإحسان، فإنّ الله تعالى هو المستعان على ذلك.

قال: فخرج قيس بن سعد في سبع نفر من أصحابه حتى دخل مصر فصعد - المنبر فأمر بكتاب معه فقرئ على النّاس، فيه:

بسم الله الرّحمن الرّحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين، سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا .هو أمّا بعد فإنّ الله بحسن صنعه و تقدیره و تدبيره اختار الإسلام دينا لنفسه و ملائکته و رسله و بعث به الرّسل إلى عباده و خصّ من انتجب من خلقه .

فكان مما أكرم الله عزّ و جلّ به هذه الأمة و خصّهم به من الفضيلة أن

ص: 455

بعث محمدا - (صلّی الله علیه و آله و سلّم) - إليهم فعلّمهم الكتاب والحكمة و السّنة و الفرائض، و أدبهم لكيا يهتدوا، وجمعهم لكيا لا يتفرقوا و زكّاهم لكما يتطهروا، فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله إليه فعليه صلوات الله و سلامه و رحمته و رضوانه إنه حميد مجيد.

ثمّ إنّ المسلمين من بعده استخلفوا أمرين منهم صالحين عملا بالكتاب و أحسنا السيرة و لم يتعدّيا السنة ثم توفاهما الله فرحمهما الله، ثمّ ولى من بعدهما وال أحدث أحداثا فوجدت الأمة عليه مقالا، فقالوا.

ثم نقموا عليه فغيّروا ثم جاءوني فبايعوني، فأستهدى الله الهدى و أستعينه على التقوى، ألا و إنّ لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله و القيام بحقه و النّصح لكم بالغيب و الله المستعان و «حَسْبُنَا الله وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ».

و قد بعثت إليكم قيس بن سعد الأنصاري أميرا فوازروه و أعينوه على الحق و قد أمرته بالإحسان إلى محسنكم و الشّدّة على مريبكم و الرفق بعوامكم و خواصكم، و هو ممن أرضى هديه و أرجو صلاحه و نصيحته، نسأل الله لنا ولكم عملا زاكيا و ثوابا جزيلا، و رحمة واسعة، و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

و كتب عبيد الله بن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين.

139 - عنه قال: لما فرغ من قراءة الكتاب قام قيس بن سعد خطيبا فحمد الله و أثنى عليه وقال الحمد لله الذي أمات الباطل و أحيى الحق و كبت الظالمين، أيها الناس إنا بايعنا خير من نعلم بعد نبينا - (صلّی الله علیه و آله و سلّم) - فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنّة نبيّه، فإن نحن لم نعمل فيكم بكتاب الله وسنّة رسوله فلا بيعة لنا عليكم.

ص: 456

فقام النّاس فبايعوا ،و استقامت له مصر و أعمالها فبعث عليها عماله إلّا أنّ قرية منها قد أعظم أهلها قتل عثمان و بها رجل من بني كنانة يقال له: يزيد بن الحارث، فبعث إلى قيس بن سعد: ألا إنا لا نأتيك فابعث عمالك و الأرض أرضك و لكن أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر النّاس.

قال و وثب مسلمة مخلد بن بن صامت الأنصاري فنعى عثمان و دعي الى الطلب بدمه فأرسل إليه قيس ويحك أعلى تتب؟! و الله ما أحبّ أنّ لي ملك السّام إلى مصر و انّى قتلتك فاحقن دمك فأرسل إليه مسلمة أنّى كافّ عنك ما دمت أنت والى مصر.

140 - عنه قال: و كان قيس له حزم و رأى، فبعث إلى الذين اعتزلوا أنّى لا أكرهكم على البيعة و لكنّى أدعكم و أكفّ عنكم، فهادنهم و هادن مسلمة بن مخلد، و و جبى الخراج وليس أحد ينازعه.

قال و خرج أمير المؤمنين علي - (علیه السّلام) - إلى الجمل و هو على مصر، و رجع إلى الكوفة من البصرة و هو بمكانه، فكان أثقل خلق الله على معاوية لقربه من الشّام و مخافة أن يقبل إليه علي - (علیه السّلام) - بأهل العراق، و يقبل إليه قيس بأهل مصر فيقع بينهما.

فكتب معاوية إلى قيس بن سعد و علي - (علیه السّلام)- يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفين:

بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد، سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله الا هو أما بعد فإنّكم ان كنتم نقمتم على عثمان في أثرة رأيتموها، أو في ضربة سوط رأيتموه ضربها، أو في شتمة رجل أو تعييره واحدا أو في استعماله الفتيان من أهله.

فإنكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أنّ دمه لم يحل لكم بذلك فقد ركبتم

ص: 457

عظيما من الأمر و «جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا» فتب إلى ربّك يا قيس إن كنت من المجلبين على عثمان ان كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا، و أما صاحبك فإنّا قد استيقنا أنه أغرى النّاس به و حملهم على قتله حتى قتلوه، و أنه لم يسلم من دمه عظم قومك.

فإن استطعت يا قيس أن تكون ممن يطلب بدم عثمان فافعل و بايعنا على أمرنا هذا ، و لك سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت و لمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي ،سلطان، و سلني من غير هذا ما تحبّ فإنّك لا تسألنى من شيء إلا أوتيته و اكتب إلي برأيك فيما كتبت به إليك و السلام.

فلما جاء فيسا كتاب معاوية أحبّ أن يدافعه و لا يبدي له أمره و لا یعجل له حربه فكتب إليه:

أمّا بعد فقد وصل الى كتابك و فهمت ما ذكرت من قتل عثمان، و ذلك أمر لم أقاربه، و ذكرت أنّ صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان و دسهم إليه حتى قتلوه، و هذا أمر لم أطلع عليه، و ذكرت أنّ عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان، فلعمري ان أولى الناس كان في أمره عشيرتي.

و أمّا ما سألتني من متابعتك على الطلب بدمه و عرضت علي ما عرضت فقد فهمته، و هذا أمر لي فيه نظر و فكر، و ليس هذا مما يعجل إليه و أنا كافّ عنك و ليس يأتيك من قبلي شيء تكرهه حتى ترى و نری و السّلام عليك ورحمة الله و بركاته.

قال: فلما قرأ معاوية كتابه لم يره الا مقاربا مباعدا و لم يأمن أن يكون له في ذلك مخادعا مكايدا، فكتب إليه معاوية أيضا:

بسم الله الرّحمن الرّحيم، أما بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو

ص: 458

فأعدّك سلما، و لم أرك تتباعد فأعدّك حربا أنت هاهنا كجمل جرور و ليس مثلي من يصانع بالخدائع و لا يختدع بالمكايد و معه عدد الرّجال و أعنّة الخيل، فان قبلت الّذي عرضت عليك فلك ما أعطيتك، و ان أنت لم تفعل ملأت عليك مصر خيلا و رجلا و السلام.

قال: فلما قرأ قيس بن سعد كتاب معاوية و علم أنه لا يقبل منه المدافعة و المطاولة أظهر له ما في قلبه فكتب إليه:

بسم الله الرّحمن الرّحيم من قيس بن سعد الى معاوية بن أبي سفيان: أمّا بعد فالعجب من استسقاطك رأيي و اغترارك بى و طمعك في أن تسومني لا أبا لغيرك الخروج من طاعة أولى النّاس بالأمر و أقولهم بالحق و أهداهم سبيلا و أقربهم من رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) وسيلة.

و تأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر و أقولهم بالزور و أضلهم سبيلا و أبعدهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلة، و لديك قوم ضالّون مضلّون طواغيت إبليس و أما قولك: أنك تملأ على مصر خيلا و رجلا، فلئن لم أشغلك عن ذلك حتى يكون منك انك لذو جد و السلام.

فلما أتى معاوية كتاب قيس بن سعد أيس منه وثقل مكانه عليه و كان أن يكون بالمكان الذي هو به غيره أعجب إليه، واشتدّ على معاوية لما يعرف من بأسه و نجدته فأظهر للنّاس قبله أنّ قيسا قد بايعكم فادعوا الله له، و قرأ عليهم كتابه الذي لان فيه وقار به و اختلق معاوية كتابا نسبه الى قيس فقرأه على أهل الشّام.

بسم الله الرّحمن الرّحيم، الى الأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد، أمّا بعد فان قتل عثمان كان حدثا في الإسلام عظيما و قد نظرت لنفسي و ديني لم أر يسعني مظاهرة قوم قتلوا امامهم مسلما محرما برّا تقيّا، و

ص: 459

نستغفر الله لذنوبنا، ونسأله العصمة لديننا، ألا و انّى قد ألقيت إليك بالسلم و أجبتك الى قتال قتلة امام الهدى المظلوم فعوّل علي فيما أحببت من الأموال و الرّجال أعجّله إليك إن شاء الله تعالى و السّلام عليك.

قال: فشاع في أهل الشام كلّها أنّ قيسا صالح معاوية فسرّحت عيون علي بن أبي طالب (علیه السّلام) إليه بذلك، فلما أتاه ذلك أعظمه و أكبره و تعجب له و دعا ابنيه الحسن و الحسين و ابنه محمدا و دعا عبد الله بن جعفر فأعلمهم بذلك، وقال: ما رأيكم؟ فقال عبد الله بن جعفر:

يا أمير المؤمنين دع ما يريبك الى ما لا يريبك، اعزل قيس بن سعد عن مصر، فقال لهم: انّى والله ما اصدق بهذا على قيس فقال له عبد الله بن :جعفر اعزله يا أمير المؤمنين، فو الله ان كان ما قد قيل حقا لا يعتزلك ان عزلته.

قال: و انهم لكذلك إذ أتاهم كتاب من قيس بن سعد فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم أمّا بعد فانّى أخبر أمير المؤمنين - أكرمه الله - أنّ قبلي رجالا معتزلين سألوني أن أكفّ عنهم و أن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس فنرى و يرون و قد رأيت أن أكفّ عنهم و ألا أعجل و أن أتألّفهم فيما بين ذلك لعلّ الله أن يقبل بقلوبهم و يفرقهم عن ضلالتهم إن شاءالله والسلام.

فقال له الله عبد :جعفر ما أخوفنى يا أمير المؤمنين أن يكون هذا ممّا اتهم عليه أنّك ان أطعته في تركهم و اعتزالهم استشرى الأمر و تفاقمت الفتنة، و قعد عن بيعتك كثير ممن تريده على الدخول فيها و لكن مره بقتالهم.

فكتب إليه على (علیه السّلام) :

ص: 460

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فسر الى القوم الذين ذكرت فان دخلوا فيما دخل فيه المسلمون و الّا فناجزهم و السّلام.

فلما أتى قيس بن سعد الكتاب فقرأه لم يتمالك أن كتب الى أمير المؤمنين :

أمّا بعد يا أمير المؤمنين فالعجب لك تأمرني بقتال قوم كافين عنك و لم يمدوا إليك يدا للفتنة و لا أرصدوا لها فأطعنى يا أمير المؤمنين وكفّ عنهم فانّ الرّأى تركهم يا أمير المؤمنين و السّلام.

فلما أتاه هذا الكتاب قال له عبد الله بن جعفر : يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبى بكر الى مصر يكفك أمرها و اعزل قيسا فو الله لبلغنى أن قيسا يقول: انّ سلطانا لا يتم الا بقتل مسلمة بن مخلّد لسلطان سوء، والله ما أحبّ أنّ لي سلطان الشّام مع سلطان مصر و اني قتلت ابن مخلد. وكان عبدالله بن جعفر أخا لمحمّد بن أبي بكر لأمه، و كان يحبّ أن يكون له إمرة و سلطان.

قال: فبعث علي بن أبي طالب - (علیه السّلام)- محمد بن أبي بكر الى مصر و عزل قيسا و كتب معه الى أهل مصر كتابا فلما قدم على قيس قال له قيس: فما بال أمير المؤمنين؟ ما غيّره؟ أدخل أحد بيني و بينه؟ قال: لا، و هذا السلطان سلطانك و كان بينهما نسب إذ كانت تحت قيس قريبة بنت أبى قحافة أخت أبي بكر.

فكان قيس زوج عمّته فقال قيس: لا و الله لا أقيم معك ساعة واحدة و غضب حين عزله علي (علیه السّلام)عنها فخرج منها مقبلا الى المدينة و لم يمض الى على الا بالكوفة. و كان قيس مع شجاعته و نجدته جوادا مفضالا .

ص: 461

141 - عنه عن هشام بن عروة عن أبيه أنّ قيسا لما خرج عن مصر فمرّ بأهل بيت من بلقين فنزل بينهم فنحر لهم صاحب المنزل جزورا فأتاهم بها، قال: دونكم هذه، فلما كان الغد نحر لهم أخرى، ثم جستهم السماء اليوم الثالث فنحر لهم ثالثة فأتاهم فقال: دونكم هذه ثم ان السماء أقلعت.

فلما أراد قيس أن يرتحل- و كان جوادا - وضع عشرين ثوبا من ثياب مصر و أربعة آلاف درهم عند أمرأة الرّجل و قال لها: إذا جاء صاحبك فادفعي هذه إليه، و خرج قيس بن سعد فما أتت عليه إلا ساعة حتى لحقه الرجل صاحب المنزل على فرس و معه رح، و التياب والدراهم بين يديه .

فقال: يا هؤلاء خذوا ثيابكم و دراهمكم، فقال قيس انصرف أيها الرّجل فإنا لم نكن لنأخذها، فقال الرجل: والله لتأخذنها، فعجب فيس منه ثمّ قال الله أبوك؟ ألم تكرمنا و تحسن ضافتنا؟ فكافأناك، فليس بهذا بأس فقال الرّجل:

إنا لا نأخذ لقرى ابن السبيل و الضّيف ثمنا، و الله لا أفعل ذلك أبدا، فقال قيس أمّا إذ أبى ألا يأخذها فخذوها فو الله ما فضلني رجل من العرب قطّ غيره.

142 - عنه قال: و قال أبو المنذر مرّ قيس في طريقه برجل من بلى يقال له: الأسود فنزل به فأكرمه فلما أراد قيس أن يرتحل وضع عند أمرأته ثيابا و دراهم، فلما جاء الرّجل دفعت إليه أمرأته ذلك فلحقه فقال: ما أنا ببائع ضيافتي، و الله لتأخذنها و الا طعنتك بالريح فقال قيس: ويحكم خذوه.

ثم أقبل قيس حتى دخل المدينة فجاءه حسّان بن ثابت شامتا به، و كان عثمانيا فقال له: نزعك علي بن أبي طالب و قد قتلت عثمان فبقي عليك

ص: 462

الإثم. و لم يحسن لك الشكر فزجره قیس و قال له يا أعمى القلب يا أعمى البصيرة و الله لو لا أن القى بين رهطي و رهطك حربا لضربت عنقك، اخرج عنّي .

ثم إن قيسا و سهل بن حنيف خرجا حتّى قدما على علي الكوفة فخبّره قيس الخبر و ما كان بمصر ، فصدّقه و شهد هو و سهل بن حنيف مع على - (علیه السّلام)- صفّين .

و كان قيس بن سعد طوالا أطول النّاس وأمدهم قامة و كان سناطا أصلع شيخا شجاعا مجرّبا مناصحا لعلي و ولده حتى توفي.

143 - عنه بحذف الاسناد - قال: كان قيس بن سعد بن عبادة مع أبي بكر و عمر في سفر في حياة رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فكان ينفق عليهما وعلى غيرهما و يتفضّل، فقال له أبو بكر: إنّ هذا لا يقوم به مال أبيك فأمسك يدك فلما قدموا من سفرهم قال سعد بن عبادة لأبي بكر: أردت أن تبخّل ابني؟! انا لقوم لا نستطيع البخل .

و كان قيس يقول في دعائه: اللهم ارزقني حمدا و مجدا و شكرا فإنّه لأحمد إلّا بفعال، و لا مجد إلا بمال اللّهمّ وسّع علي فإن القليل لا يسعني و لا أسعه .

144 - عنه قال: كان قيس على مصر عاملا لعلي (علیه السّلام) فجعل معاوية يقول: لا تسبوا قيسا فإنّه معنا، فبلغ ذلك عليا فعزله، و أتى المدينة فجعل النّاس يغرونه و يقولون له نصحت فعزلك، فلحق بعلي (علیه السّلام)، و بايعه و معه اثنا عشر ألفا على الموت و أصيب علي (علیه السّلام)وصالح الحسن (علیه السّلام) معاوية فقال لهم :قيس: إن شئتم دخلتم فيها دخل فيه النّاس، فبايع من معه معاوية الا خثيمة الضّيّ، فقال معاوية: دعوا خثيمة.

ص: 463

145 - عنه عن هشام بن عروة عن أبيه قال، كان قيس بن سعد بن عبادة مع عليّ بن أبي طالب (علیه السّلام) على مقدمته ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رءوسهم.

146 - عنه عن الحارث بن كعب عن أبيه قال: كنت مع محمد بن أبي بكر حيث قدم مصر فلما أتاها قرأ عليهم عهده.

بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر أمره بتقوى الله و الطاعة له في السّرّ و العلانية، و خوف الله في المغيب و المشهد و أمره باللين للمسلم و بالغلظة على الفاجر، و بالعدل على أهل الذمة، وبالإنصاف للمظلوم و بالشّدّة على الظالم، و بالعفو عن النّاس و بالإحسان ما استطاع .

و الله يجزى المحسنين و يعذَّب المجرمين و أمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة و الجماعة، فإنّ لهم في ذلك من العاقبة و عظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره، و لا يعرفون كنهه. و أمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تحبى عليه من قبل و لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه.

ثم يقسمه بين أهله كما كانوا يقسمونه عليه من قبل، وأمره أن يلين لهم جناحه و أن يساوى بينهم في مجلسه و وجهه، و ليكن القريب و البعيد عنده في الحق سواء، و أمره أن يحكم بين النّاس بالحق، و أن يقوم بالقسط، و لا يتبع الهوى، ولا يخاف في الله لومة لائم، فإنّ الله مع من أتقاه و آثر طاعته على ما سواه، و السلام.

و كتبه عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لغرة شهر رمضان سنة ست وثلاثين.

147 - عنه قال، ثمّ إنّ محمّد بن أبى بكر قام خطيبا فحمد الله و أثنى

ص: 464

عليه و قال: أما بعد. فالحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختلف فيه من الحق، و بصرنا و إياكم كثيرا مما عمى عنه الجاهلون، ألا إن أمير المؤمنين ولانى أموركم و عهد إلي بما سمعتم و أوصاني بكثير منه مشافهة و لن آلوكم خيرا ما استطعت و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

فان يكن ما ترون من آثاري و أعمالى الله طاعة و تقوى فاحمدوا الله على ما كان من ذلك، فانّه هو الهادي له، و ان رأيتم من ذلك عملا بغير حق فادفعوه الىّ وعاتبوني عليه، فانّى بذلك أسعد، و أنتم بذلك جديرون، وفقنا الله وإياكم لصالح العمل برحمته. ثم نزل:

148 - عنه قال: كتب محمّد بن أبي بكر الى علي بن أبي طالب (علیه السّلام) - هو إذ ذاك بمصر عاملها لعليّ يسأله جوامع من الحرام والحلال و السنن و المواعظ، فكتب إليه. لعبد الله أمير المؤمنين من محمّد بن أبى بكر:

سلام عليك فانّى أحمد إليك الله الذي لا إله الا هو، أما بعد فان رأى أمير المؤمنين - أرانا الله و جماعة المسلمين فيه أفضل سرورنا و أملنا فيه - أن يكتب لنا كتابا فيه فرائض و أشياء مما يبتلى به مثلي من القضاء بين النّاس ،فعل، فانّ الله يعظم لأمير المؤمنين الأجر و يحسن له الذّخر .

فكتب إليه علي (علیه السّلام):

بسم الله الرّحمن الرّحيم، من عبد الله أمير المؤمنين - علي بن أبى طالب الى محمّد بن أبي بكر و أهل مصر، سلام عليكم فانّى أحمد إليكم الله الذي لا إله الا هو، أما بعد فقد وصل الي كتابك فقرأته و فهمت ما سألتني عنه و أعجبنى اهتمامك بما لا بد لك منه و ما لا يصلح المسلمين غيره.

و ظننت أنّ الّذي دلّك عليه نية صالحة و رأى غير مدخول ولا خسيس و قد بعثت إليك أبواب الأقضية جامعا لك فيها «و لا قُوَّةَ إِلَّا بِالله»

ص: 465

و «حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ».

و كتب إليه عمّا سأله من القضاء، و ذكر الموت، و الحساب، وصفة الجنّة و النّار، وكتب في الإمامة، وكتب في الوضوء، وكتب إليه في مواقيت الصَّلاة، وكتب إليه في الركوع والسجود، وكتب إليه في الأدب، وكتب إليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

و كتب إليه في الصّوم والاعتكاف و كتب إليه في الزنادقة، وكتب اليه في نصراني فجر بامرأة مسلمة، وكتب إليه في أشياء كثيرة لم يحفظ منها غير هذه الخصال، وحدّثنا ببعض ما كتب إليه.

149 - عنه قال إبراهيم فحدّثنا يحيى بن صالح قال: حدثنا مالك بنخالد الأسدي عن الحسن بن إبراهيم عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام عن عباية. أن عليا (علیه السّلام) كتب الى محمد بن أبى بكر و أهل مصر:

أمّا بعد فانّى أوصيك بتقوى الله في سرّ أمرك و علانيته و على أيّ حال كنت عليها واعلم أنّ الدنيا دار بلاء وفناء، و الآخرة دار بقاء و جزاء، فإن استطعت أن تؤثر ما يبقى على ما يفنى فافعل، فانّ الآخرة تبق و انّ الدّنيا ،تفنى رزقنا الله و إياك بصرا لما بصرنا و فهما لما فهمنا حتى لا نقصر عما أمرنا به ولا نتعدّى الى ما نهانا عنه ،

فانّه لا بدّ لك من نصيبك من الدنيا و أنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فان عرض لك أمران أحدهما للآخرة و الآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة، و لتعظم رغبتك في الخير و لتحسن فيه نيتك فانّ الله عزّ و جلّ يعطى العبد على قدر نيته، و إذا أحب الخير و أهله و لم يعمله كان إن شاء الله كمن عمله.

ص: 466

فانّ رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) قال حين رجع من تبوك: لقد كان بالمدينة أقوام ما سرتم من مسير و لا هبطتم من واد الا كانوا معكم، ما حبسهم الا المرض يقول: كانت لهم نية.

ثم اعلم يا محمد أنّى وليتك أعظم أجنادى في نفسي أهل مصر، و إذ ولّيتك ما ولّيتك من أمر النّاس فأنت محقوق أن تخاف فيه على نفسك تحذر فيه على دينك و لو كان ساعة من نهار، فان استطعت أن لا تسخط فيها ربّك لرضى أحد من خلقه فافعل، فانّ في الله خلفا من غيره و ليس في شيء غيره خلف منه، فاشتدّ على الظالم و لن لأهل الخير و قربهم إليك و اجعلهم بطانتك و إخوانك و السلام.

150 - عنه عن الحارث بن كعب عن أبيه قال: بعث علي (علیه السّلام) محمد بن أبى بكر أميرا على مصر فكتب الى علي (علیه السّلام) يسأله عن رجل مسلم فجر بامرأة نصرانية، و عن زنادقة فيهم من يعبد الشمس والقمر، وفيهم من يعبد غير ذلك، وفيهم مرتد عن الإسلام، وكتب يسأله من مكاتب مات و ترك مالا و ولدا.

و كتب إليه علي أن أقم الحدّ فيهم على المسلم الذي فجر بالنّصرانية، و ادفع النصرانية إلى النّصارى يقضون فيها ما شاءوا، و أمره في الزنادقة أن يقتل من كان يدعى الإسلام ويترك سائرهم يعبدون ما شاءوا، و أمره في المكاتب ان كان ترك وفاء لمكاتبته فهو غريم بيد مواليه يستوفون ما بقي من مكاتبته، و ما بقي فلولده .

151 - عنه عن عبد الله بن الحسن عن عباية قال: كتب عليه(علیه السّلام) الى محمد و أهل مصر:

أما بعد فانّى أوصيكم بتقوى الله و العمل بما أنتم عنه مسئولون فأنتم

ص: 467

به رهن و أنتم إليه صائرون، فانّ الله عزّ و جلّ يقول: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» و قال: و يحذركم الله نفسه والى الله المصير، وقال: فو ربّك لنسألتهم أجمعين عما كانوا يعملون فاعلموا عباد الله أنّ الله سائلكم عن الصغير من أعمالكم و الكبير.

فان يعذب فنحن أظلم، و ان يعف فهو أرحم الراحمين، واعلموا أنّ أقرب ما يكون العبد الى الرحمة والمغفرة حين يعمل بطاعة الله. و مناصحته في التوبة، فعليكم بتقوى الله عزّ و جلّ فانها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها، و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها، خير الدنيا وخير الاخرة، يقول الله:

«وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَا ذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ».

اعلموا عباد الله أنّ المؤمن يعمل لثلاث امّا لخير الدنيا فانّ الله يثيبه بعمله في الدنيا، قال الله سبحانه: «وَ آتَيْنَاهُ أَجْرَهُ في الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمنَ الصَّالِحِينَ» فمن عمل الله تعالى أعطاه أجره في الدنيا والآخرة و كفاه المهم فيهما، و قد قال:

يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة أرض الله واسعة «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة قال: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيَادَةٌ» فالحسنى هي الجنّة، و الزيادة هي الدّنيا، و امّا لخير الآخرة فانّ الله يكفّر عنه بكل حسنة سيئة.

يقول: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرىَ لِلذَّاكِرِينَ» حتّى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم و أعطوا بكلّ واحدة عشر أمثالها الى

ص: 468

سبعمائة ضعف ، فهو الذي يقول: جزاء من ربّك عطاء حسابا و يقول عزّ و جلّ: «فَأُولَئِكَ هُمْ جَزَاءُ الضَّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ» فارغبوا فيه و اعملوا به و تحاضّوا عليه.

و اعلموا عباد الله أنّ المؤمنين المتقين ذهبوا بعاجل الخير و آجله شاركوا أهل الدنيا في دنياهم و لم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم يقول الله عزّ و جلّ: «قُلْ من حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ من الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ».

سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت ، و أكلوها بأفضل ما اكلت ، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم أكلوا من أفضل ما يأكلون، و شربوا من أفضل ما يشربون، و لبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا بأفضل ما يسكنون، و تزوّجوا من أفضل ما يتزوجون، وركبوا من أفضل ما يركبون.

أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا مع أنهم غدا من جيران الله عزّ و جلّ يتمنون عليه، فيعطيهم ما يتمنون لا يردّ لهم دعوة و لا ينقص لهم نصيب من لذة، فإلى هذا يشتاق من كان له عقل و لا حول ولا قوة الا بالله.

و اعلموا عباد الله أنكم ان اتقيتم ربِّكم و حفظتم نبيّكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد، و ذكرتموه بأفضل ما ذكر، وشكرتموه بأفضل ما شكر، و أخذتم بأفضل الصبر، و جاهدتم بأفضل الجهاد، و ان كان غيركم أطول صلاة منكم و أكثر صياما، إذ كنتم أتقى الله وأنصح لأولياء الأمر من آل محمّد و أخشع.

و احذروا عباد الله الموت و نزوله و خذوا له عدّته فانّه يدخل بأمر عظيم، خير لا يكون معه شرّ أبدا، وشرّ لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب

ص: 469

من الى الجنّة من عاملها؟! و من أقرب الى النّار من عاملها ؟! أنّه ليس أحد النّاس تفارق روحه جسده حتى يعلم الى أيّ المنزلين يصير ! الى الجنّة أو إلى النّار؟ أعدوّ هو الله أم هو ولى له؟

فان كان وليّا الله فتحت له أبواب الجنّة و شرعت له طرقها و رأى ما أعد الله له فيها ففرغ من كلّ شغل و وضع عنه كلّ ثقل، و ان كان عدّوا الله فتحت له أبواب النار و شرعت له طرقها و نظر إلى ما أعد الله له فيها فاستقبل كلّ مكروه و ترك كلّ ،سرور كلّ هذا يكون عند الموت و عنده يكون بيقين.

قال الله تعالى: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» و يقول: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ من سُوءٍ بَلَى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِرِينَ».

و اعلموا عباد الله أنّ الموت ليس منه فوت فاحذروه قبل وقوعه و أعدّوا له عدته فانكم طرداء الموت وجدوا للقواب ان أقمتم له أخذكم و ان وان هربتم منه أدرككم، فهو ألزم لكم من ظلكم، معقود بنواصيكم، و الدنيا تطوى من خلفكم، فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات.

فإنّه كفى بالموت ،واعظا و كان رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) كثيرا ما يوصى أصحابه بذكر الموت فيقول: أكثروا ذكر الموت فانّه هادم اللذات حائل بينكم و بين الشهوات.

و اعلموا عباد الله أنّ ما بعد الموت أشدّ من الموت لمن لم يغفر الله له و يرحمه، واحذروا القبر وضمّته و ضيقه و ظلمته وغربته، فانّ القبر يتكلّم

ص: 470

كلّ يوم ويقول: أنا بيت التراب و أنا بيت الغربة و أنا بيت الدود و الهوام، و القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار، ان المسلم إذا دفن قالت له الأرض مرحبا و أهلا.

قد كنت ممن أحبّ أن يمشى على ظهري فاذ وليتك فستعلم كيف صنعي بك فيتّسع له مد البصر، و إذا دفن الكافر قالت له الأرض: لا مرحبا و لا أهلا قد كنت ممن أبغض ان يمشى على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك، فتنضم عليه حتى تلتق أضلاعه.

و اعلموا أنّ المعيشة الضّنك التي قال الله تعالى: «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضنكاً» هي عذاب القبر، و أنّه ليسلّط على الكافر في قبره تسعة وتسعين تنينا تنهش لحمه حتى يبعث، لو أنّ تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت ريعها أبدا.

و أعلموا عباد الله أنّ أنفسكم و أجسادكم الرقيقة الناعمة التي يكفيها اليسير من العقاب ضعيفة عن هذا، فان استطعتم أن ترحموا أنفسكم و أجسادكم مما لا طاقة لكم به ولا صبر لكم عليه فتعملوا بما أحبّ الله سبحانه و تتركوا ما كره، فافعلوا، و لا حول و لا قوة الا بالله.

و اعلموا عباد الله أنّ ما بعد القبر أشدّ من القبر يوم يشيب فيه الصغير و يسكر فيه الكبير و يسقط فيه الجنين و «تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ »و احذروا «يَوْماً عَبُوساً قَبْطَرِيراً »، «يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً» أما ان شرّ ذلك اليوم و فزعه استطار حتى فزعت منه الملائكة الذين ليست لهم ذنوب و السبع الشداد و الجبال الأوتاد و الأرضون المهاد.

«وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةً» و تغيّرت فَكَانَتْ وَرْدَةٌ كَالدّهانِ و كانت الجبال سرابا بعد ما كانت صماً صلابا يقول الله سبحانه:

ص: 471

وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ من في السَّمَاوَاتِ وَ مِن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مِن شَاءَ الله» فكيف بمن يعصيه بالسمع والبصر و اللسان و اليد و الرجل و الفرج و البطن ان لم يغفر الله و يرحم.

و اعلموا عباد الله أنّ ما بعد ذلك اليوم أشد وأدهى على من لم يغفر الله له من ذلك اليوم، فانّه يقضى ويصير الى غيره الى نار قعرها بعيد و حرّها شدید و عذابها جدید و شرابها صدید و مقامعها حديد لا يفتر عذابها و لا يموت ، ساكنها دار ليست الله سبحانه فيها رحمة و لا يسمع فيها دعوة.

و اعلموا عباد الله أنّ مع هذا رحمة الله التي وسعت كلّ شيء لا تعجز عن العباد و جنة عرضها كعرض السماوات والأرض أعدّت للمتقين خير لا يكون معه شرّ أبدا، و شهوة لا تنفد أبدا، و لذة لا تفنى أبدا، و مجمع لا يتفرّق أبدا، قوم قد جاوروا الرحمن و قام بين أيديهم الغلمان «بصحافٍ من ذَهَبٍ» فيها الفاكهة و الرّيحان.

فقال :رجل یا رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) انى أحب الخيل أفى الجنّة خيل؟ قال: نعم والذي نفسي بيده ان فيها خيلا من ياقوت أحمر عليها يركبون فتدفّ بهم خلال ورق الجنّة. قال رجل: يا رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) انى يعجبني الصّوت الحسن، أفي الجنّة الصوت الحسن؟

قال: نعم، والذي نفسي بيده ان الله ليأمر لمن أحبّ ذلك منهم بشجر يسمعه صوتا بالتسبيح ما سمعت الأذان بأحسن منه قطّ .

قال رجل: يا رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) : انى أحب الابل - أفى الجنة إبل؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده ان فيها نجائب من ياقوت أحمر عليها رحال الذهب قد ألحفت بنمارق الديباج يركبون فتزفّ خلال ورق الجنّة و انّ فيها

ص: 472

صور رجال و نساء يركبون مراكب أهل الجنة فإذا أعجب أحدهم الصورة.

قال: اجعل صورتي مثل هذه الصورة فيجعل صورته عليها، وإذا أعجبته صورة المرأة قال: ربّ اجعل صورة فلانة زوجته مثل هذه الصورة، فيرجع و قد صارت صورة زوجته على ما اشتهى.

و انّ أهل الجنة يزورون الجبّار كلّ جمعة فيكون أقربه منه على منابر من نور، و الذين يلونهم على منابر من ياقوت و الذين يلونهم على منابر من زبرجد، و الذين يلونهم على منابر من مسك، فبينا هم كذلك ينظرون الى نور الله جلّ جلاله و ينظر الله فى وجوههم إذ أقبلت سحابة تغشاهم فتمطر عليهم من النّعمة و اللذة و السّرور والبهجة ما لا يعلمه الا الله سبحانه .

ثم قال: بلى أنّ مع هذا ما هو أفضل منه رضوان الله الأكبر فلو أننا لم يخوّفنا الّا ببعض ما خوّفنا لكنّا محقوقين أن يشتد خوفنا مما لا طاقة لنا به و لا صبر لنا عليه و أن يشتدّ شوقنا الى ما لا غنى لنا عنه ولا بد لنا منه فان استطعتم عباد الله أن يشتد خوفكم من ربّكم و يحسن به ظنكم فافعلوا، فانّ العبد أنّما تكون طاعته على قدر خوفه، أن أحسن الناس طاعة الله أشدّهم له خوفا.

انظر يا محمد صلاتك كيف تصليها فانّما أنت امام ينبغي لك أن تتمّتها و أن تحفظها بالأركان و لا تخفّفها و أن تصلّيها لوقتها فانّه ليس من امام يصلّى بقوم فيكون في صلاتهم نقص الا كان إثم ذلك عليه و لا ينقص ذلك من صلاتهم شيئا.

ثم الوضوء فأنّه من تمام الصلاة، اغسل كفيك ثلاث مرّات، و تمضمض ثلاث مرّات و استنشق ثلاث مرّات و اغسل وجهك ثلاث

ص: 473

مرّات، ثم يدك اليمنى ثلاث مرّات الى المرفق، ثم يدك الشمال ثلاث مرات الى المرفق، ثم امسح رأسك، ثمّ اغسل رجلك اليمنى ثلاث مرات ثم اغسل رجلك اليسرى ثلاث مرّات، فانّى رأيت النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) هكذا كان يتوضاً. قال النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) : الوضوء نصف الايمان.

قال العطاردى مؤلف هدا الكتاب: «هكذا فى النسخة المطبوعة من الغارات وقال المحدث الارموى رحمه الله فى تعليقته: روى المجلسى رحمة الله عليه فى البحار باب وجوب الوضوء عن مجالس ابن الشيخ عن المفيد عن على بن محمد بن حبيش عن الحسن بن على الزعفراني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عبدالله بن محمد بن عثمان عن على بن محمد بن أبي سعيد عن فضيل بن الجعد عن أبي إسحاق الهمداني.

قال: فيا كتب أمير المؤمنين (علیه السّلام) لمحمد بن أبى بكر وانظر الى الوضوء فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرات و استنشق ثلاثا و اغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك فانى رأيت رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) يصنع ذلك، واعلم أن الوضوء نصف الايمان.

انظر صلاة الظهر فصلها لوقتها لا تعجل بها عن الوقت لفراغ، و لا تؤخّرها عن الوقت لشغل، فانّ رجلا جاء الى رسول الله -(صلّی الله علیه و آله و سلّم) فسأله عن وقت الصلاة، فقال (صلّی الله علیه و آله و سلّم) : أتاني جبرئيل فأرانى وقت الصلاة، فصلّى الظهر حين زالت الشمس، ثمّ صلّى العصر و هي بيضاء نقية، ثمّ صلّى المغرب حين غابت الشمس.

ثمّ صلّى العشاء حين غاب الشفق، ثمّ صلّى الصبح فأغلس به و النّجوم مشتبكة، كان النبي - (صلّی الله علیه و آله و سلّم)- كذا يصلّى قبلك، فان استطعت و لا قوة الا بالله أن تلتزم السنّة المعروفة و تسلك الطريق الواضح الذي أخذوا،

ص: 474

فافعل، لعلّك تقدم عليهم غدا.

ثم انظر ركوعك و سجودك فان النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) كان أتم النّاس صلاة و أحفظهم لها، و كان إذا ركع قال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات ، و إذا رفع صلبه قال: سمع الله لمن حمده، اللهم لك الحمد ملء سماواتك ملء أرضك و ملء ما شئت من شيء، فإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى و بحمده ثلاث مرات.

اعلم يا محمّد أنّ كلّ شيء من عملك يتبع صلاتك واعلم أنّ من ضيّع الصلاة فهو لغيرها أضيع، أسأل الله الذي يرى و لا يرى و هو بالمنظر الأعلى أن يجعلنا وإيّاك ممن يحب ويرضى حتى يبعثنا وإياكم على شكره و ذکره و حسن عبادته عبادته و أداء حقه و على كلّ شيء اختاره لنا من دنيانا و ديننا و أولانا و أخرانا جعلنا الله وإياكم من المتقين الذين «لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ».

ان استطعتم يا أهل مصر ولا قوة الا بالله أن يصدّق قولكم فعلكم و سركم علانيتكم ولا تخالف ألسنتكم قلوبكم، فافعلوا، عصمنا الله وإياكم بالهدى و سلك بنا و بكم المحجّة الوسطى، وإيّاكم ودعوة الكذاب ابن هند و تأمّلوا واعلموا أنه لا سواء امام الهدى و امام الرّدى و وصيّ النّبي و عدوّ النّبي جعلنا الله و إياكم ممن يحب ويرضى.

و قد قال النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم): أنى لا أخاف على امتى مؤمنا و لا مشركا، أمّا المؤمن فيمنعه الله بإيمانه و أمّا المشرك فيخزيه الله بشركه، و لكنّي أخاف عليكم كلّ منافق عالم حلو اللسان، يقول ما تعرفون و يعمل ما تنكرون لیس به خفاء، و قال النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم): من سرته حسناته و ساءته سيئاته فذلك المؤمن حقا، وقد كان يقول : خصلتان لا تجتمعان في منافق، حسن سمت، و

ص: 475

فقه في سنة.

اعلم يا محمد أنّ أفضل الفقه الورع في دين الله و العمل بطاعته أعاننا الله و إياك على شكره و ذكره و أداء حقه و العمل بطاعته انه سميع قريب.

ثمّ انّى أوصيك بتقوى الله في سرّ أمرك و علانيته و على أي حال كنت عليها، جعلنا الله وإياك من المتقين ثم أوصيك بسبع هنّ جوامع الإسلام اخش الله ولا تخش النّاس في الله، فإنّ خير القول ما صدقه العمل، و لا تقض في أمر واحد بقضاء ين مختلفين فيتناقض أمرك وتزيغ عن الحق.

و أحبّ لعامّة رعيّتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك و اكره لهم ما تكره لنفسك و أهل بيتك و الزم الحجّة عند الله، و أصلح أحوال رعيتك، وخض الغمرات إلى الحق و لا تخف في الله لومة لائم، و أنصح لمن استشارك، و اجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين و بعيدهم.

و عليك بالصّوم فإنّ رسول الله - (صلّی الله علیه و آله و سلّم)- عكف عاما في العشر الأوّل من شهر رمضان و عكف في العام المقبل في العشر الأوسط من شهر رمضان، فلما كان العام الثالث رجع من بدر فقضى اعتكافه فنام فرأى في منامه ليلة القدر في العشر الأواخر كأنه يسجد في ماء و طين.

فلمّا استيقظ رجع من ليلته و أزواجه و أناس معه من أصحابه، ثمّ إنهم مطروا ليلة ثلاث وعشرين فصلّى النّبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) حين أصبح فرأى في وجه النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) الطين، فلم يزل يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله.

و قال النّبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) : من صام رمضان ثم صام ستة أيام من شوال فكأنّما صام السنة، جعل الله خلتنا و ودنا خلّة المتقين وود المخلصين، و جمع بيننا وبينكم في دار الرّضوان إخوانا على سرر متقابلين إن شاء الله أحسنوا

ص: 476

يا أهل مصر مؤازرة محمّد و اثبتوا على طاعتكم تردوا حوض نبيكم (صلّی الله علیه و آله و سلّم) .

152 - عنه قال إبراهيم : حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان، عن علي بن محمّد بن أبي سيف ، عن أصحابه أن علیّاً (علیه السّلام) لما أجاب محمد بن أبي بكر بهذا الجواب كان ينظر فيه و يتعلّمه ويقضى به، فلما ظهر عليه وقتل أخذ عمرو بن العاص كتبه أجمع فبعث بها الى معاوية بن أبي سفيان، و كان معاوية ينظر في هذا الكتاب و يعجبه.

فقال الوليد بن عقبة و هو عند معاوية لما رأى إعجاب معاوية به، مر بهذه الأحاديث أن تحرق فقال له معاوية مه يا ابن أبي معيط انّه لا رأى لك، فقال له الوليد أنّه لا رأى لك أفمن الرّأى أن يعلم الناس أن أحاديث أبى تراب عندك ؟! تتعلّم منها وتقضى بقضائه؟! فعلام تقاتله؟

فقال معاوية : ويحك أتأمرني أن أحرق علما مثل هذا؟! و الله ما سمعت يعلم أجمع منه و لا أحكم و لا أوضح، فقال الوليد: إن كنت تعجب من علمه و قضائه فعلام تقاتله؟ - فقال معاوية: لو لا أنّ أبا تراب قتل عثمان ثمّ أفتانا لأخذنا عنه ، ثم سكت هنيئة ثم نظر إلى جلسائه فقال: إنا لا نقول: إنّ هذه من كتب علي بن أبي طالب ولكنا نقول: ان هذه من كتب أبي بكر الصديق كانت عند ابنه محمّد فنحن نقضي بها و نفتي.

فلم تزل تلك الكتب في خزائن بنى أميّة حتى ولّى عمر بن عبد العزيز فهو الذي أظهر أنّها من أحاديث علي بن أبي طالب (علیه السّلام). فلما بلغ علي أبي طالب (علیه السّلام) أن ذلك الكتاب صار إلى معاوية اشتدّ ذلك عليه.

153 - عنه قال أبو إسحاق: فحدثنا بكر بن بكار، عن قيس بن الربيع ،عن ميسرة ابن حبيب، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال صلّى

ص: 477

بنا علي (علیه السّلام) فلما انصرف قال:

لقد عثرت عثرة لا أعتذر *** سوف أكيس بعدها و أستمرّ

و أجمع الأمر الشتيت المنتشر

قلنا: ما بالك يا أمير المؤمنين؟ - سمعنا منك كذا؟- قال: إنّي استعملت محمّد بن أبي بكر على مصر فكتب الي أنه لا علم لي بالسنة، فكتبت إليه كتابا فيه السِّنّة فقتل وأخذ الكتاب.

154 - عنه حدّثنا المدائني عن أصحابه قال: فلم يلبث ابن أبي بكر شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك المعتزلين الذين كان قيس بن سعد مواد عالهم فقال: يا هؤلاء امّا أن تدخلوا في طاعتنا و إما أن تخرجوا من بلادنا. فبعثوا إليه: إنا لا نفعل، فدعنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس فلا تعجل حربنا فأبى عليهم، فامتنعوا منه وأخذوا حذرهم، ثم كانت وقعة صفّين و هم لمحمد هائبون.

فلما أتاهم خبر معاوية و أهل الشّام و صارت أمورهم إلى الحكومة، و أنّ عليا و أهل العراق قد رجعوا عن معاوية و أهل الشام إلى عراقهم اجترءوا على محمّد بن أبى بكر و أظهروا المنابذة له، فلما رأى ذلك محمّد بعث ابن جمهان البلوي إليهم وفيهم يزيد بن الحارث من بني كنانة فقاتلهم فقتلوه ثم بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا.

و خرج معاوية بن حديج السكسكي قدعى الى الطلب بدم عثمان، فأجابه القوم و ناس كثير ،آخرون و فسدت مصر على محمّد بن أبي بكر، فبلغ عليّا تونبهم عليه فقال: ما لمصر إلّا أحد الرجلين صاحبنا الّذي عزلناه عنها بالأمس يعني قيس بن سعد، أو مالك بن الحارث الأشتر. و كان علي (علیه السّلام)

ص: 478

حين رجع عن صفّين قد ردّ الأشتر إلى عمله بالجزيرة، و قال لقيس بن سعد:

أقم أنت معى على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخرج إلى آذربيجان فكان قيس مقيما على شرطته، فلما انقضى أمر الحكومة كتب عليّ الى مالك الأشتر، و هو يومئذ بنصيبين.

أما بعد، فإنّك ممن أستظهر به على إقامة الدين، و أقمع به نخوة الأثيم، و أسدّ به التّغر المخوف و قد كنت وليت محمّد بن أبي بكر مصر فخرجت عليه بها خوارج، و هو غلام حدث السنّ ليس بذي تجربة للحروب و لا مجريا للأشياء، فاقدم عليّ لننظر فيما ينبغي، و استخلف على عملك أهل الثقة و النصيحة من أصحابك و السلام.

فأقبل مالك إلى علي (علیه السّلام) و استخلف على عمله شبيب بن عامر الأزدي - و هو جد الكرماني الذي كان بخراسان صاحب نصر بن سيار - فلما دخل مالك على علي (علیه السّلام) حدثه حديث مصر و خبره خبر أهلها و قال:

ليس لها غيرك فاخرج اليها رحمك الله فانّى ان لم أوصك اكتفيت برأيك، و استعن بالله على ما أهمك اخلط الشّدّة باللين و ارفق ما كان

الرّفق أبلغ واعتزم على الشّدّة حين لا يغنى عنك إلّا الشّدّة.

فخرج الأشتر من عند علي (علیه السّلام) فأتى رحله فتهيأ للخروج إلى مصر، و أتت معاوية عيونه فأخبروه بولاية الأشتر مصر، فعظم ذلك عليه، وقد كان طمع في مصر، فعلم أنّ الأشتر ان قدم عليها كان أشدّ عليه من محمد بن أبي بكر.

فبعث معاوية إلى رجل من أهل الخراج يثق به فقال له: إنّ الأشتر قد

ص: 479

ولى مصر فإن كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت و بقيت، فاحتل له بما قدرت عليه .

فخرج الأشتر من عند علي (علیه السّلام) حتى أتى القلزم حيث تركب السّفن من مصر إلى الحجاز فلما انتهى إليه أقام.

155 - عنه قال ان معاوية لما بلغه تفرّق الناس عن علي (علیه السّلام) و تخاذلهم أرسل عمرو بن العاص الى مصر في جيش من أهل الشّام فسار حتى دنا من مصر فتلقى محمّد بن أبي بكر و كان عامل علي على مصر، فلما نزل أدانى مصر اجتمعت إليه العثمانية فأقام بها وكتب الى محمّد بن أبى بكر:

أما بعد فتنح عني بدمك يا ابن أبي بكر فانّي لا أحبّ أن يصيبك منى ظفر و انّ النّاس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك، و ندموا على اتباعك و هم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان، «فَاخْرُج» منها «إِنِّي لَكَ من النَّاصِحِينَ» و السّلام.

قال: و بعث عمرو أيضا مع هذا الكتاب بكتاب معاوية إليه و فيه:

أمّا بعد فانّ غبّ البغى والظلم عظيم الوبال و ان سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا و التبعة الموبقة في الآخرة، و ما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا و لا أسوأ له عيبا و لا أشدّ عليه خلافا منك سعيت عليه في السّاعين وساعدت عليه مع المساعدين، و سفكت دمه مع السافكين.

ثمّ أنت تظنّ أنّى عنك نائم، ثم تأتى بلدة فتأمن فيها و جلّ أهلها أنصارى، يرون رأيي و يرقبون قولي و يستصرخونني عليك و قد بعثت إليك قوما حناقا عليك يستسفكون دمك و يتقربون الى الله بجهادك.

قد أعطوا الله عهدا ليقتلنك، و لو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك الله

ص: 480

بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه فاحذرك و أنذرك و أحبّ أن يقتلوك بظلمك ووقيعتك وعدوانك على عثمان يوم الدار تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه و أوداجه ولكنّى أكره أن تقتل و لن يسلمك الله من القصاص أين كنت و السّلام.

قال: فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما الى علي (علیه السّلام) وكتب الیه :

أما بعد فان العاصي ابن العاص قد نزل أدانى مصر و اجتمع إليه من أهل البلد كلّ من كان يرى رأيهم وقد جاء في جيش جرّار و قد رأيت ممن قبلي بعض الفشل، فان كان لك في أرض مصر حاجة فأمددنى بالأموال و الرّجال، و السلام. فكتب إليه علي (علیه السّلام) :

أما بعد فقد جاءنى رسولك بكتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل أدانى مصر في جيش جرّار، و أنّ من كان على مثل رأيه قد خرج إليه، و خروج كان يرى رأيه خير لك من إقامته عندك، و ذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا، فلا تفشل و ان فشلوا، حصّن قريتك و اضمم إليك شيعتك أذك الحرس في عسكرك.

و اندب الى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة و التجربة و البأس، و أنا نادب إليك الناس على الصعب و الذلول، فاصبر لعدوّك و امض على بصيرتك، وقاتلهم على نيّتك و جاهدهم محتسبا الله و ان كانت فئتك أقل الفئتين.

فان الله يعزّ القليل و يخذل الكثير، و قد قرأت كتابي الفاجرين المتحابين على المعصية، والمتلائمين على الضّلالة والمرتشيين اللذين استمتعا بخلاقهما فلا يهدنك إرعادهما و ابراقهما، و أجبها ان كنت لم تجبها بما هما

ص: 481

أهله فانّك تجد مقالا ما شئت، و السلام.

قال: فكتب محمّد بن أبي بكر الى معاوية جواب كتابه :

أمّا بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه، و تأمرنى بالتنحي عنك كأنك لي ناصح و تخوفني بالمثلة كأنك علي شفيق، و أنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم و أن يهلككم الله في الوقعة و أن ينزل بكم الذل و أن تولّوا الدّبر.

فان يكن لكم الأمر في الدنيا فكم وكم لعمري من ظالم قد نصرتم و كم من مؤمن قد قتلتم و مثلتم به و الى الله المصير و إليه تردّ الأمور، و هو أرحم الرّاحمين و الله المستعان على ما تصفون.

قال: وكتب محمّد بن أبى بكر الى عمرو بن العاص جواب كتابه:

أمّا بعد فقد فهمت كتابك و علمت ما ذكرت و زعمت أنك لا تحبّ أن يصيبني منك ظفر فأشهد بالله انك لمن المبطلين، و زعمت أنك لي ناصح و اقسم أنك عندي ظنين و زعمت أنّ أهل البلد قد رفضوني و ندموا على اتباعى فأولئك حزبك و حزب الشيطان الرجيم، حسبنا الله ربّ العالمين و نعم الوكيل وتوكلت على الله العزيز الرّحيم، ربّ العرش العظيم.

قال: و أقبل عمرو بن العاص فقصد مصر فقام محمد بن أبى بكر في النّاس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ثم قال :

أما بعد يا معاشر المؤمنين فانّ القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة و ينعشون الضّلالة و يشبّون نار الفتنة و يستطيلون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود فمن أراد الجنّة و المغفرة فليخرج الى هؤلاء القوم فليجالد هم في الله انتدبوا الى هؤلاء رحمكم الله مع كنانة بن بشر و من يجيب معه من كندة.

ص: 482

فانتدب معه نحو ألف رجل و خرج محمد في نحو ألفين، و استقبل عمرو كنانة و هو على مقدّمة محمّد، فأقبل عمر و نحو كنانة فلما دنا منه سرّح نحوه الكتائب كتيبة بعد كتيبة، فجعل كنانة لا يأتيه كتيبة من كتائب أهل الشّام الّا شدّ عليها بمن معه فيضربها حتى يلحقها بعمرو.

ففعل ذلك مرارا، فلما رأى عمر و ذلك بعث الى معاوية بن حديج الكنديّ فأتاه في مثل الدّهم فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه و نزل معه أصحابه، فضاربهم بسيفه و هو يقول: «وَ مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَكُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ الله كِتاباً مُؤَجَّلًا وَ من يُرِدْ تَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَ مَن يُرِدْ تَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ» ثم ضاربهم بسيفه حتى استشهد .

ان عمرو بن العاص لما قتل كنانة أقبل نحو محمّد بن أبي بكر و قد تفرّق عنه أصحابه، فلما رأى ذلك محمد خرج يمضى في الطريق حتى انتهى الى خربة في ناحية الطريق فآوى اليها، و جاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط، و خرج معاوية بن حديج في طلب محمد بن أبي بكر حتى انتهى الى علوج على قارعة الطريق فسألهم: هل مرّ بكم أحد تنكرونه؟ قالوا: لا فقال أحدهم :

انى دخلت تلك الخربة فإذا أنا فيها برجل جالس فقال ابن حديج :هو هو و ربّ الكعبة، فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه و استخرجوه و قد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط.

قال و وثب أخوه عبد الرحمن بن أبى بكر الى عمرو بن العاص و كان في جنده فقال: والله لا يقتل أخى صبرا، ابعث الى معاوية بن حديج فانهه عن قتله، فأرسل عمرو الى معاوية أن ائتني بمحمّد، فقال معاوية :أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمّى و اخلّى عن محمد ؟! هيهات.

ص: 483

«أَكْفَارُكُمْ خَيْرٌ من أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ». فقال محمد: اسقوني قطرة من الماء، فقال معاوية: لا سقاني الله ان سقيتك قطرة أبدا أنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه ظاميا محرما، فسقاه الله من الرّحيق المختوم، و الله لأقتلنّك يا ابن أبى بكر و أنت ظمآن فيسقيك الله من الحميم و الغسلين.

فقال له محمّد بن أبى بكر : يا ابن اليهوديّة النّساجة: ليس ذلك إليك و لا الى من ذكرت، انما ذلك الى الله يسقى أولياءه و يظمئ أعداءه و هم أنت و قرناؤك و من تولاك و توليته و الله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منّى ما بلغتم، فقال له معاوية بن حديج - لعنه الله -: أتدري ما أصنع بك؟! أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنّار.

فقال محمّد : ان فعلتم ذلك بی فطالما ذلك بأولياء الله، و أيم الله انّى لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوّفنى بها علي بردا وسلاما كما جعلها على إبراهيم خليله و أن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و أوليائه، و انّي لأرجو أن يحرقك الله و امامك يعنى معاوية بن أبي سفيان و هذا.

و أشار الى عمرو بن العاص بنار تلظّى عليكم كلّما خبت زادها الله سعيرا، فقال له معاوية: انّي لا أقتلك ظلما، انما أقتلك بعثمان. فقال له محمّد: و ما أنت و عثمان؟ انّ عثمان عمل بغير الحق و بدّل حكم القرآن و قد قال الله عزّ و جلّ: «وَ من لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»، «فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، «فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ».

فنقمنا عليه أشياء عملها، فأردنا أن يختلع من عملنا فلم يفعل، فقتله من قتله من النّاس فغضب معاوية بن حديج فقدّمه فضرب عنقه ثم ألقاه

ص: 484

في جوف حمار و أحرقه بالنار.

فلما بلغ ذلك عائشة أم المؤمنين جزعت عليه جزعا شديدا و قنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج، و قبضت عيال محمد أخيها و ولده اليها، فكان القاسم بن محمّد بن أبي بكر فى عيالها.

و كان معاوية بن حديج ملعونا خبيثا، و كان يسب علي بن أبي طالب (علیه السّلام) .

156 - عنه قال: حدّثنا داود بن أبي عوف قال: دخل معاوية بن حديج على الحسن بن علي بن أبى طالب عليهم السلام مسجد المدينة فقال له الحسن: ويلك يا معاوية أنت الذي تسبّ أمير المؤمنين علياً (علیه السّلام) ؟! أما والله لئن رأيته يوم القيامة و ما ان أظنّك تراه، لترينه كاشفا عن ساق يضرب وجوه المنافقين ضرب غريبة الإبل.

157 - عنه عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن شداد قال: حلفت عائشة لا تأكل شواء أبدا فما أكلت شواء بعد مقتل محمّد حتى لحقت بالله ، و ما عثرت قط الا قالت تعس معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج.

158 - عنه عن أبى إسحاق: أن أسماء بنت عميس لما أتاها نعى محمد بن أبي بكر و ما صنع به كظمت حزنها و قامت الى مسجدها حتى تشخبت دما .

159 - عنه عن أبى إسماعيل كثير النوّاء: أنّ أبا بكر خرج في غزاة فرأت أسماء بنت عميس في منامها و هي تحته كأن أبا بكر مخضب بالحّناء رأسه و لحيته و عليه ثياب بيض فجاءت الى عائشة فأخبرتها، فقالت: ان صدقت

ص: 485

رؤياك فقد قتل أبو بكر، ان خضابه الدم، و انّ ثيابه أكفانه ثم بكت، فدخل النَّبيِّ (صلّی الله علیه و آله و سلّم) وهي كذلك فقال:

ما أبكاها؟ - فقالوا: يا رسول الله ما أبكاها أحد ولكن أسماء ذكرت رؤيا رأتها لأبي بكر فأخبر النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، فقال: ليس كما عبرت عائشة و لكن يرجع أبو بكر صالحا فيلق أسماء فتحمل منه أسماء بغلام تسمّيه محمّدا يجعله الله غيظا على الكافرين و المنافقين، فكان الغلام محمد بن أبى بكر قتل يؤمئذ فكان كما أخبر.

160 - عنه قال: وكتب عمرو بن العاص الى معاوية بن أبي سفيان عند قتل محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر :

أمّا بعد فانّا لقينا محمّد بن أبى بكر وكنانة بن بشر في جموع من أهل مصر فدعوناهم الى الكتاب و السنّة فعصوا الحق وتهوّكوا في الضّلال فجاهدناهم فاستنصرنا الله عليهم، فضرب الله وجوههم و أدبارهم و منحنا أكتافهم، فقتل محمّد بن أبي بكر و كنانة بن بشر، والحمد لله ربّ العالمين، و السلام .

161 - عنه عن جندب بن عبد الله قال: والله انى لعند علي جالس إذ جاءه عبد الله بن قعين جد كعب يستصرخ من قبل محمد بن أبى بكر و هو يومئذ أمير على مصر، فقام علي الا فنادى في الناس: الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه وصلى على النبي (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ثم قال:

أما بعد فهذا صريخ محمّد بن أبي بكر و إخوانكم من أهل مصر و قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله و عدوّكم.

فلا يكوننّ أهل الضَّلال الى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت

ص: 486

أشدّ اجتماعا على باطلهم وضلالتهم منكم على حقكم، فكأنكم بهم قد بدء وكم و إخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة و النصر، عباد الله ان مصر أعظم من الشّام خيرا، و خير أهلا فلا تغلبوا على مصر.

فانّ بقاء مصر في أيديكم عزّ لكم وكبت لعدوّكم اخرجوا الى الجرعة و الجرعة بين الكوفة و الحيرة لنتوافى هناك كلنا غدا إن شاء الله. فلما كان الغد خرج يمشى فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار يومه ذلك فلم يوافه منهم مائة رجل فرجع، فلمّا كان العشيّ بعث الى الأشراف، فجمعهم، فدخلوا عليه القصر و هو كئيب حزين فقال.

الحمد لله على ما قضى من أمر ، و قدر من فعل و ابتلاني بكم أيتها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرت و لا تجيب إذا دعوت لا أبا لغيركم ما تنتظرون بنصركم ربكم، والجهاد على حقكم؟! الموت أو الذُّلّ لكم في هذه الدنيا في غير الحق و الله لئن جاءني الموت - وليأتيني فليفرّقنّ بيني وبينكم و انّى لصحبتكم لقال.

الادين يجمعكم، ألا حميّة تغضبكم، إذ أنتم سمعتم بعدوّكم ينتقص بلادكم و يشنّ الغارة عليكم، أو ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الظلمة الطعام فيتبعونه على غير عطاء و لا معونة، فيجيبونه في السنة المرّة و المرتين و الثلاث إلى أى وجه شاء.

ثمّ إني أدعوكم و أنتم أولو النّهى و بقية الناس على المعونة و طائفة منكم على العطاء فتختلفون وتتفرّقون عني و تعصوننى و تخالفون عليّ. فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي فقال: يا أمير المؤمنين اندب الناس معى، فانّه لا عطر بعد عروس لمثل هذا اليوم كنت أدخر نفسي، و انّ الأجر لا يأتى إلّا بالكره.

ص: 487

ثم التفت إلى النّاس وقال: اتقوا الله وأجيبوا إمامكم و انصروا دعوته وقاتلوا عدوّكم و أنا أسير إليهم يا أمير المؤمنين.

قال: فأمر عليّ مناديه سعدا مولاه فنادى: ألا سيروا مع مالك بن كعب الى مصر و كان وجها مكروها، فلم يجتمعوا إليه شهرا، فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب فعسكر بظاهر الكوفة، ثم إنه خرج و خرج معه أمير المؤمنين علي(علیه السّلام).

فنظروا فإذا جميع من خرج معه نحو من ألفي رجل، فقال علي (علیه السّلام): سيروا على اسم الله فو الله ما إخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم. قال: فخرج مالك بهم و ساربهم خمس ليال .

162 - عنه قال: ثمّ إنّ الحجّاج بن غزيّة الأنصاري قدم على عليّ من مصر، و قدم عليه عبد الرحمن بن المسيب الفزاري من الشّام، فأما الفزارى فكان عينه الا بالشام، و أما الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر بمصر.

فحدّثه الأنصاري بما عاين و شهد بهلاك محمّد، وحدّثه الفزاري أنه لم يخرج من الشّام حتى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص تترى يتبع بعضها على أثر بعض بفتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر و حتى أذن معاوية بقتله على المنبر فقال له يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا بمثل سرور رأيته بالشام حتى أتاهم هلاك ابن أبي بكر فقال علي (علیه السّلام) :

أما إنّ حزننا على قتله على قدر سرورهم به، لا بل يزيد أضعافا. :قال: فسرّح علي عبد الرحمن بن شريح الشامي إلى مالك بن كعب فردّه من الطريق.

قال و حزن علي على محمد بن أبي بكر حتى رئي ذلك فيه و تبيّن في وجهه وقام في النّاس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا و

ص: 488

ان مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله و بغوا الإسلام عوجا، ألا و ان محمد بن أبي بكر قد استشهد فعند الله نحتسبه.

أما و الله لقد كان ما علمت لممّن ينتظر القضاء و يعمل للجزاء، و يبغض شكل الفاجر و يحبّ هين المؤمن، و انّى و الله ما ألوم نفسي على تقصير و لا عجز و انّى بمقاساة الحرب لجدّ بصير و انّى لأقدم على الأمر و أعرف وجه الحزم و أقوم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا و أناديكم نداء المستغيث معربا.

فلا تسمعون لي قولا و لا تطيعون لي أمراء تصيرون الأمور الى عواقب المساءة فأنتم القوم لا يدرك بكم النار و لا تنقض بكم الأوتار، دعوتكم الى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين يوما فجرجرتم عليّ جرجرة الجمل الأشدق وتناقلتم الى الأرض تناقل من ليس له نيّة في جهاد العدوّ ، و لا رأي له في اكتساب الأجر.

ثم خرج الي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون الى الموت و هم ينظرون، فافٌ لكم ثم نزل فدخل رحله.

163 - عنه قال: كتب علي (علیه السّلام) الی عبد الله بن العباس و هو على البصرة:

بسم الله الرّحمن الرّحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين الى عبد الله بن العبّاس: سلام عليك ورحمة الله وبركاته، أما بعد فانّ مصر قد افتتحت و قد استشهد محمّد بن أبي بكر فعند الله عزّ و جلّ نحتسبه. و قد كنت كتبت الى الناس و تقدمت إليهم في بدء الأمر و أمرتهم بإغاثته قبل الوقعة و دعوتهم سرا و جهرا، و عودا و بدءا، فمنهم الآتي كارها و منهم المعتل

ص: 489

كاذبا، و منهم القاعد خاذلا.

أسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا و مخرجا و أن يريحني منهم عاجلا، فو الله لو لا طمعي عند لقاء عدوّى في الشهادة و توطيني نفسي على المنيّة لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا، عزم هؤلاء يوما واحدا، عزم الله لنا ولك على الرّشد و على تقواه و هداه أنّه على كلّ شيء قدير، و السلام.

فكتب إليه عبد الله بن عبّاس: بسم الله الرّحمن الرّحيم.

لعبد الله عليّ أمير المؤمنين من عبد الله بن عبّاس: سلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته، أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر و هلاك محمد بن أبي بكر و أنك سألت الله ربّك أن يجعل لك من رعيّتك التي ابتليت بها فرجا و مخرجا و أنا أسأل الله أن يعلى كلمتك، و أن يعينك بالملائكة عاجلا .

و اعلم أنّ الله صانع لك ذلك و معزّك و مجيب دعوتك و كابت عدوّك، و أخبرك يا أمير المؤمنين أنّ النّاس ربّما تباطئوا ثم نشطوا فارفق بهم يا أمير المؤمنين و دارهم و منهم و استعن بالله عليهم كفاك الله المهم و السلام .

164 - عنه قال: و أخبرنى ابن أبى سيف أنّ عبد الله بن عبّاس قدم على علي (علیه السّلام) من البصرة فعزّاه بمحمد بن أبي بكر.

165 - عنه عن مالك مالك بن الجون الحضر مي أنّ عليّا (علیه السّلام) :قال رحم الله محمّدا، كان غلاما حدثا، أما والله لقد كنت أردت أن أولّي المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مصر، و الله لو أنه وليها لما خلّى لعمرو بن العاص و أعوانه العرصة و لما قتل الا و سيفه في يده بلا ذمّ لمحمد بن أبي بكر فلقد أجهد نفسه و قضى ما عليه.

ص: 490

قال: فقيل لعلي (علیه السّلام) : لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر جزعا شديدا يا أمير المؤمنين...! قال: و ما يمنعني؟ أنه كان لي ربيبا و كان لبني أخا، و كنت له والدا أعده ولدا.

166 - عنه عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب قال: دخل عمرو بن الحمق و حجر بن عدی و حبّة العرني و الحارث الأعور و عبد الله بن سبا على أمير المؤمنين (علیه السّلام) بعد ما افتتحت مصر و هو مغموم حزين فقالوا له: بيّن لنا ما قولك في أبى بكر و عمر ؟ فقال لهم علي (علیه السّلام): و هل فرغتم لهذا ؟ و هذه مصر قد افتتحت و شيعتي بها قد قتلت؟

أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم، وأسألكم أن تحفظوا من حق ما ضيعتم، فاقرءوه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا، وهذه نسخة الكتاب من عبد الله على أمير المؤمنين الى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين و المسلمين:

السّلام عليكم، فانّى أحمد إليكم الله الذي لا إله الّا هو .

أمّا بعد فانّ الله بعث محمّد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) نذيرا للعالمين و أمينا على التنزيل و شهيدا على هذه الأمة، و أنتم يا معشر العرب يومئذ على شرّ دين و في شرّ دار، منيخون على حجارة خشن و حيّات صم، وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث، و تأكلون الطعام الجشيب.

و تسفكون دماءكم و تقتلون أولادكم و تقطعون أرحامكم و تأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، و الأصنام فيكم ،منصوبة، و الآثام بكم معصوبة و لا يؤمن أكثرهم بالله الا و هم مشركون فمن الله عليكم بمحمد وال فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم، و قال فيما أنزل من كتابه :

ص: 491

«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا من قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»، و قال: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ من أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيم» و قال: «لَقَدْ من الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا من أَنفُسِهِمْ»، وقال:

«ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَ الله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم». فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم، وكنتم أوّل المؤمنين تعرفون وجهه و شیعته و عمارته، فعلّمكم الكتاب والحكمة و الفرائض و السنّة، و أمركم بصلة أرحامكم و حقن دمائكم، وصلاح ذات البين، و «أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلى أَهْلِها»، و أن توفوا بالعهد و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها.

و أمركم أن تعاطفوا وتباروا و تباذلوا و تراحموا ، و نهاكم عن التناهب و التظالم و التحاسد و التّقاذف و التباغي، و عن شرب الخمر و بخس المكيال و نقص الميزان و تقدّم إليكم فيما أنزل عليكم ألّا تزنوا، ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما و أن تؤدّوا الأمانات الى أهلها «وَ لا تَعْتَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ».

«وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»، و كلّ خير يدنى الى الجنة و يباعد من النار أمركم به، وكلّ شرّ يباعد من الجنة و يدنى من النار نهاكم عنه.

فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله إليه سعيدا حميدا، فيا لها مصيبة خصت الأقربين و عمت جميع المسلمين ما أصيبوا بمثلها قبلها، ولن يعاينوا بعد أختها.

فلما مضى لسبيله (علیه السّلام) تنازع المسلمون الأمر بعده، فو الله ما كان

ص: 492

يلقى في روعي، و لا يخطر على بالي أنّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّد صلى الله عليه و آله عن أهل بيته و لا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني الا انتيال النّاس على أبي بكر و إجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي و رأيت أنّي أحق بمقام رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) في النّاس ممن تولى الأمر من بعده فلبثت بذاك ما شاء الله.

حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام يدعون الى محق دين الله وملة محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و إبراهيم (علیه السّلام) فخشيت ان لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما و هدما يكون مصيبته أعظم علي من فوات ولاية أموركم التي انما هي متاع أيام قلائل.

ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشع السحاب، فمشيت عند ذلك الى أبي بكر فبايعته و نهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل و زهق و كانت «كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيا»؛ «وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ».

فتولّى أبو بكر تلك الأمور فيسّر و شدّد و قارب و اقتصد، فصحبته مناصحا و أطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا، و ما طمعت ان لو حدث به حدث و أنا حتى أن يردّ الى الأمر الذي نازعته فيه طمع مستيقن و لا يئست منه يأس من لا يرجوه و لو لا خاصة ما كان بينه و بين عمر لظننت أنه لا يدفعها عنّي، فلما احتضر بعث الى عمر.

فولاه فسمعنا و أطعنا و ناصحنا و تولّى عمر الأمر و كان مرضيّ السيرة ميمون النقيبة حتى إذا احتضر قلت في نفسي: لن يعدلها عني فجعلني سادس سنّة فما كانوا لولاية أحد أشدّ كراهية منهم لولايتي عليهم، فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أحاج أبا بكر و أقول:

يا معشر قريش أنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من

ص: 493

يقرأ القرآن و يعرف السنّة و يدين دين الحق فخشي القوم ان أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعا واحدا، فصرفوا الولاية الى عثمان وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من قبلي.

ثم قالوا: هلم فبايع و الا جاهدناك، فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا، فقال قائلهم يا ابن أبي طالب انك على هذا الأمر لحريص فقلت: أنتم أحرص مني و أبعد أأنا أحرص إذا طلبت تراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله أولى به؟ أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه؟ و تحولون بيني و بينه؟! فبهتوا و الله لا يهدى القوم الظالمين.

اللّهمّ انّى أستعديك على قريش فانّهم قطعوا رحمي، و أصغوا إنائي، و صفّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه، ثم قالوا: ألا ان في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه، فاصبر كمدا متوفّها أو مت متأسفا حنقا فنظرت.

فإذا ليس معي رافد و لا ذاب و لا مساعد الا أهل بيتي فضننت بهم عن الهلاك فأغضيت على القذى و تجرّعت ريقي على الشجي، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم و آلم للقلب من حزّ الشّفار .

حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم و أمسكت يدي فنازعتموني و دافعتموني، و بسطتم يدي فكففتها و مددتم يدي فقبضتها و ازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو أنكم ،قاتلي فقلتم : بايعنا لا نجد غيرك و لا نرضى الا بك، فبايعنا لا نفترق ولا تختلف كلمتنا، فبايعتكم و دعوت الناس الى بيعتي.

فمن بايع طائعا قبلته منه، و من أبى لم أكرهه وتركته فبايعني فيمن

ص: 494

بايعني طلحة والزبير و لو أبيا ما أكرهتهما كما لم اكره غيرهما، فما لبثنا الا يسيرا حتى بلغني أن خرجا من مكة متوجّهين الى البصرة في جيش ما منهم رجل الا بايعني وأعطاني الطاعة.

فقدما على عاملي و خزّان بيت مالي و على أهل مصر كلّهم على بيعتي و في طاعتي فشتتوا كلمتهم و أفسدوا جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا، وطائفة صبرا و طائفة عصّبوا بأسيافهم فضار بوا بها حتى لقوا الله صادقين.

فو الله لو لم يصيبوا منهم الا رجلا واحدا متعمدين لقتله بلا جرم جرّه لحلّ لي به قتل ذلك الجيش كله فدع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدّة التي دخلوا بها عليهم و قد أدال الله منهم «فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ».

ثم اني نظرت في أهل الشام فإذا أعراب أحزاب و أهل طمع جفاة طغام يجتمعون من كلّ أوب و من كان ينبغي ان يؤدب و يدرّب أو يولّى عليه و يؤخذ على يديه، ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار، و لا التابعين بإحسان، فسرت إليهم فدعوتهم الى الطاعة و الجماعة.

فأبوا الّا شقاقا ونفاقا و نهوضا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل و يشجرونهم بالرماح، فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلما عظّهم السلاح و وجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن، و أنهم رفعوها غدرا و مكيدة و خديعة و وهنا و ضعفا، فامضوا على حقكم و قتالكم.

فأبيتم علي وقلتم اقبل منهم فان أجابوا الى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، و ان أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم، فقبلت منكم

ص: 495

و كففت عنهم إذ أبيتم وونيتم، و كان الصلح بينكم وبينهم على رجلين يحييان ما أحيا القرآن ويميتان ما أمات القرآن .

فاختلف رأيهما وتفرّق حكمهما ونبذا ما في القرآن وخالفا ما في الكتاب فجنّبها الله السداد ودلاهما في الضّلال فنبذا حكمها و كانا أهله، فانخزلت فرقة منّا فتركناهم ما تركونا حتى إذا عتوا في الأرض يقتلون و يفسدون أتيناهم فقلنا:

ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثم كتاب الله بيننا و بينكم، قالوا: كلنا قتلهم، و كلنا استحلّ دماءهم و دماءكم، و شدّت علينا خيلهم و رجالهم فصرعهم الله مصرع الظالمين. فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك الى عدوّكم فقلتم :

کلّت سيوفنا و نفدت نبالنا و نصلت أسنّة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا فارجع بنا الى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا، و إذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منّا و فارقنا فانّ ذلك أقوى لنا على عدوّنا فأقبلت بكم حتى إذا أطللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنّخيلة، و أن تلزموا معسكركم، و أن تضمّوا قواضبكم.

و أن توطّنوا على الجهاد أنفسكم، و لا تكثروا زيارة أبنائكم و نسائكم، فانّ أصحاب الحرب المصابروها ، و أهل التشمير فيها الذين لا ينوحون من سهر ليلهم ولا ظمأ نهارهم و لا خمص بطونهم و لا نصب ،أبدانهم، فنزلت طائفة منكم معي معذرة و دخلت طائفة منكم المصر عاصية.

فلا من بقي منكم ثبت و صبر، و لا من دخل المصر عاد الى ورجع ، فنظرت الى معسكري و ليس فيه خمسون رجلا، فلما رأيت ما أتيتم دخلت

ص: 496

إليكم فما قدرت على أن تخرجوا معي الى يومنا هذا.

فما تنتظرون؟ أما ترون الى أطرافكم قد انتقصت، و إلى أمصاركم قد افتتحت، و الى شيعتي بها بعد قد قتلت، و الى مسالحكم تعرى، و الى بلادكم تغزى و أنتم ذوو عدد كثير و شوكة و بأس شديد فما بالكم ؟ الله أنتم من أين تؤتون؟ و ما لكم أنّى تؤفكون؟! و أنّى تسحرون؟! و لو أنكم عزمتم و أجمعتم لم تراموا ألا أنّ القوم قد اجتمعوا و تناشبوا.

و تناصحوا و أنتم قد ونيتم و تغاششتم و افترقتم ما أنتم ان أتممتم عندي على ذي سعداء فأنبهوا نائمكم و اجتمعوا على حقكم و تجردوا لحرب عدوّكم، قد بدت الرغوة عن الصريح وقد بين الصبح لذي عينين انما تقاتلون الطلقاء و أبناء الطلقاء، و أولى الجفاء و من أسلم كرها.

و كان لرسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنف الإسلام كلّه حربا أعداء الله و السنّة و القرآن و أهل البدع و الأحداث و من كانت بوائقه تتق و كان على الإسلام و أهله مخوفا و أكلة الرّشا و عبدة الدنيا، لقد انهي إلي أنّ ابن النابغة لم يبايع حتى أعطاه ثمنا و شرط أن يؤتيه أتيّة هي أعظم مما في يده من سلطانه.

ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، و خزيت أمانة هذا المشترى نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين و انّ فيهم لمن قد شرب فيكم الخمر و جلد الحدّ في الإسلام، يعرف بالفساد في الدين و الفعل السّيّئ، و انّ فيهم لمن لم يسلم حتى رضخ له على الإسلام رضيخة.

فهؤلاء قادة القوم ، و من تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل هو شرّ منهم و هؤلاء الذين ذكرت لو ولّوا عليكم لأظهروا فيكم الفساد والكبر والفجور و التسلّط بالجبرية و الفساد في

ص: 497

الأرض، و اتبعوا الهوى و حكموا بغير الحق، و لأنتم على ما كان فيكم من تواكل و تخاذل خير منهم و أهدى سبيلا.

فيكم العلماء و الفقهاء و النجباء و الحكماء، و حملة الكتاب، و المتهجدون بالأسحار و عمار المساجد بتلاوة القرآن أفلا تسخطون و تهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم، والأشرار الأراذل منكم.

فاسمعوا قولي - هداكم الله - إذا قلت، وأطيعوا أمري إذا أمرت فو الله لئن أطعتموني لا تغوون، و أن عصيتموني لا تر شدون، خذوا للحرب أهبتها و أعدوا لها عدتها، وأجمعوا اليها فقد شبّت و أوقدت نارها و علا شنارها و تجرّد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله، و يطفئوا نور الله.

ألا أنّه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والجفاء و الكبر بأولى بالجد في غيّهم وضلالهم و باطلهم من أولياء الله، من أهل البر و الزهادة و الإخبات في حقهم و طاعة ربهم و مناصحة إمامهم، انّي و الله لو لقيتهم فردا و هم ملء الأرض ما باليت و لا استوحشت، و انّى من ضلالتهم التي هم فيها و الهدى الّذي نحن عليه لعلى ثقة وبيّنة و يقين وصبر، و انّى الى لقاء ربي لمشتاق و لحسن ثواب ربّي لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني، و حزنا يخامرني من أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها و فجارها فيتخذوا مال الله دولا و عباد الله خولا و الصالحين حربا و الفاسقين حزبا.

و أيم الله لو لا ذلك ما أكثرت تأنيبكم و تأليبكم و تحريضكم و لتركتكم إذ ونيتم و أبيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حم لي لقاؤهم، فو الله اني لعلى الحق، و انّي للشهادة لمحبّ، «فانْفِرُوا خِفافاً وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» و لا تناقلوا الى الأرض فتقرّوا بالخسف و تبوءوا بالذل.

ص: 498

و يكن نصيبكم الأخسر أن أخا الحرب اليقظان الأرق، و من نام لم ینم عنه، و من ضعف أودى، و من ترك الجهاد في الله كان كالمغبون المهين.

اللهم اجمعنا وإيّاهم على الهدى و زهدنا وإياهم في الدنيا، واجعل الآخرة خيرا لنا ولهم من الاولى و السلام.

167 - عنه عن بكر بن عيسى قال: لمّا قتل محمد بن أبي بكر و ظهر معاوية على مصر قوي أمره و كثرت أمواله، و ازداد أصحاب علي (علیه السّلام) تفرّقا عليه و كراهية للقتال، و كان عامل مصر قيس بن سعد بن عبادة عزله علي و بعث الأشتر - رحمه الله - اليها وقد كان له قبل أن يشخصه الى مصر غارات بالجزيرة.

و ذلك أن معاوية بعث الضّحاك بن قيس على ما في سلطانه أرض الجزيرة و كان فى يديه حرّان و الرّقة و الرهاء و قرقيسياء، و كان من كان بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان معاوية فبلغ الأشتر فسار يريد الضّحاك بحران، فلما بلغ ذلك الضحاك بعث الى أهل الرّقة واستمدّهم فأمدوه و كان جلّ من بها عثمانية أتوها هرابا من علي (علیه السّلام) فجاءوا و عليهم سماك بن مخرمة الأسدي.

فأمره أهل الرّقة فعسكروا جميعا بمرج مرينا بين حران و الرقة وأقبل الأشتر إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا.

و بنو أسد يومئذ يقاتلون بنية وبصيرة و فشت فيهم الجراحات حتى كان عند المساء و سرع الأشتر فيهم فلما حجز بينهم الليل سار الضحاك من ليلته حتى نزل حرّان فلما أصبح الأشتر تبعهم فنزل عليهم فحاصرهم بحران فأتى الصّريخ معاوية فدعا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأمره بالمسير إليهم فلما بلغ ذلك الأشتر كتب كتائبه و عبّأ جنوده و خيله ثم

ص: 499

ناداهم :

ألا انّ الحيّ ،عزيز، ألا أنّ الذّمار منيع، ألا تنزلون أنها الثعالب الرواغة الجحر الجحر يا معاشر الضباب فنادوا يا عباد الله أقيموا قليلا علمتم و الله أن قد أتيتم.

ثم مضى حتى مرّ بالرّقة فتحصنوا منه، ثم مضى حتى مرّ على أهل قرقيسياء، فتحصنوا و انصرف فبلغ عبد الرحمن بن خالد منصرفه فأقام فلما كان بعد ذلك كاتب أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي معاوية فذكر بلاء قومه يوم مرج مرينا فقال في ذلك:

من مبلغ عني ابن حرب رسالة *** من عاتبين مساعر أنجاد

منيتهم ان آثروك مثوبة *** فر شدت إذ لم توف بالميعاد

أنسيت إذ في كلّ يوم غارة *** في كل ناحية كرجل جراد

غارات أشتر في الخيول يريدكم *** بمعرة و مضرة و فساد

وضع المسالح مرصدا لهلاككم *** ما بين عانات الى سنداد

و حوى رساتيق الجزيرة كلّها *** غصبا بكلّ طمرة وجواد

لما رأى نيران قومي أوقدت *** وأبو أنيس فاتر الإيقاد

أمضى إلينا خيله و رجاله *** وأغذ لا يجري لأمر رشاد

ثرنا إليهم عند ذلك بالقنا *** و بكل أبيض كالعقيقة صاد

في مرج مرينا ألم تسمع بنا *** نبغي الامام به وفيه نعادي

لو لا مقام عشيرتي وطعانهم *** و جلادهم بالمرج أي جلاد

لأتاك أشتر مذحج لا ينثني *** بالجيش ذا حنق عليك و آد

168 - عنه عن سليم: لما قتل محمّد بن أبي بكر أتيت علياً (علیه السّلام) فعزّيته و حدثته بحديث حدثنيه محمّد بن أبى بكر فقال علي (علیه السّلام) : صدق محمد - رحمه

ص: 500

الله - انّه حي يرزق.

169 - عنه قال: حدثنا علي بن محمد بن أبي سيف أنّ محمّد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أصيب لما فتح عمرو بن العاص مصر فبعث به الى معاوية بن أبي سفيان و هو يومئذ بفلسطين، فحبسه معاوية في سجن له فمكث فيه غير كثيرا ثم أنّه هرب و كان ابن خال - معاوية فأرى معاوية النّاس أنه كره انفلاته من السجن فقال لأهل الشّام:

من يطلبه ؟ وقد كان معاوية فيما يرون يحبّ أن ينجو.

فقال رجل من خثعم يقال له: عبيد الله بن عمرو بن ظلام و كان شجاعا و كان عثمانيا: أنا أطلبه، فخرج في خيله فلحقه بحوارين و قد دخل في غار هناك فجاءت حمر تدخله و قد أصابها المطر، فلما رأت الرّجل في الغار فزعت منه فنفرت، فقال حمارون كانوا قريبا من الغار:

و الله ان لنفر هذه الحمر من الغار لشأنا ما نفّرها من هذا الغار الا أمر، فذهبوا ينظرون ،فاذاهم به فخرجوا، فوافاهم عبيد الله بن بن عمرو بن ظلام فسألهم عنه و وصفه ،لهم، فقالوا له: ها هو ذا في الغار، فجاء حتى استخرجه و كره أن يحمله الى معاوية فيخلي سبيله، فضرب عنقه.

170 - قال الرضى فمن عهد له ظلام فسأ إلى محمد بن أبي بكر حين قلده مصر :

فاخفض لهم جناحك و ألن لهم جانبك و ابسط لهم وجهك و آس بينهم في اللحظة و النظرة حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم و لا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم فإن الله تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة و الظاهرة و المستورة فإن يعذب فأنتم أظلم و إن يعف فهو أكرم.

ص: 501

و اعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا و أجل الآخرة فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم و لم يشاركوا أهل الدنيا في آخرتهم سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت و أكلوها بأفضل ما أكلت فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون و أخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ و المتجر الرابح أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم و تيقنوا أنهم جيران الله غدا في آخرتهم.

لا ترد لهم دعوة و لا ينقص لهم نصيب من لذة فاحذروا عباد الله الموت وقربه و أعدوا له عدته فإنه يأتى بأمر عظيم و خطب جليل بخير لا يكون معه شر أبدا أو شر لا يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها و من أقرب إلى النار من عاملها و أنتم طرداء الموت إن أقمتم له أخذكم و إن فررتم منه أدرككم و هو ألزم لكم من ظلكم.

الموت معقود بنواصيكم و الدنيا تطوى من خلفكم فاحذروا نارا قعرها بعيد و حرها شدید و عذابها جدید دار ليس فيها رحمة و لا تسمع فيها دعوة و لا تفرج فيها كربة و إن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله و أن يحسن ظنكم به فاجمعوا بينهما فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه و إن أحسن الناس ظنا بالله أشدهم خوفا لله.

و اعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر فأنت محقوق أن تخالف على نفسك و أن تنافح عن دينك و لو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر و لا تسخط الله برضا أحد من خلقه فإن في الله خلفا من غيره وليس من الله خلف في غيره صل الصلاة لوقتها المؤقت لها و لا تعجل وقتها لفراغ ولا تؤخرها عن وقتها لاشتغال و اعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك.

ص: 502

فإنه لا سواء إمام الهدى و إمام الردى و ولي النبي و عدو النبي و لقد قال لي رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) إني لا أخاف على أمتي مؤمنا و لا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه و أما المشرك فيقمعه الله بشركه و لكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون.

171 - عنه و من كتاب له (علیه السّلام) إلى محمد بن أبي بكر لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر، ثم توفي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها:

أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك و إني لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهد و لا ازديادا لك في الجد و لو نزعت ما تحت يدك سلطانك لوليتك ما هو أيسر عليك مئونة و أعجب إليك ولاية.

إن الرجل الذي كنت وليته أمر مصر كان رجلا لنا ناصحا و على عدونا شديدا ناقما فرحمه الله فلقد استكمل أيامه ولاقى حمامه و نحن عنه راضون أولاه الله رضوانه و ضاعف الثواب له فأصحر لعدوك و امض على بصيرتك و شمر لحرب من حاربك و «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ» و أكثر الاستعانة بالله يكفك ما أهمك و يعنك على ما ينزل بك إن شاء الله.

172 - عنه و من كتاب اله الا إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد ابن أبي بكر:

أما بعد فإن مصر قد افتتحت و محمد بن أبي بكر قد استشهد فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا و عاملا كادحا و سیفا قاطعا و ركنا دافعا و قد كنت حثثت الناس على الحاقه و أمرتهم بغياثه قبل الوقعة ودعوتهم سرا و جهرا و عودا و بدءا.

ص: 503

فمنهم الآتي كارها و منهم المعتل كاذبا و منهم القاعد خاذلا أسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا فوالله لو لا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة و توطيني نفسي على المنية لأحببت ألا ألقى مع هؤلاء يوما واحدا و لا ألتقي بهم أبدا.

173 - الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه أن ابن غزيّة الأنصاري ثم النجاري قدم على علي بن أبي طالب (علیه السّلام) من مصر، و قدم عليه عبد الرحمن بن شبيب الفزاري من الشام، و كان عيناً لعلي بن أبى طالب الا بها، فأما الأنصارى فكان مع محمد بن أبي بكر.

فحدثه ما رأى و عاين من قتل محمد بن ابى بكر وحدثه الفزاري انه لم يخرج من الشام حتى قدمت الرسل و البشرى من قبل عمر و ابن العاص تترى، يتبع بعضها بعضاً بفتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر حتى أذن معاوية بقتله على المنبر و قال ما رأيت يا أمير المؤمنين سرور قوم قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد بن أبي بكر.

فقال له علي (علیه السّلام) حزننا على قتله على قدر سرورهم بقتله، لا بل يزيد أضعافاً، أضعافاً، و حزن على قتله حزناً شديداً، حتى رئي في وجهه، و تبيّن فيه، وقام على المنبر، فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

ألا ان مصر قد افتتحت ألا و ان محمد بن أبي بكر اصيب و عند الله ،نحتسبه، أما والله ان كان ممن ينتظر القضاء، و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر، و يحب هدي المؤمنين اني والله لا ألوم نفسى في تقصير، و لا عجز، اني بمقاساة الحرب الجد خبير، و اني لأتقدم فى الأمر فأعرف وجه الحزم.

فأقوم فيكم بالرأى المصيب معلنا و أناديكم نداء المستغيث فلا تسمعون لي قولا و لا تطيعون لي أمراً حتى تصير بي الأمور الى عواقب

ص: 504

الفساد، و أنتم لا تدرك بكم الأوتار، و لا يشفى بكم الغل.

دعوتكم إلى غيات إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فجرجرتم جرجرة الجمل الأشر و تثاقلتم إلى الأرض تناقل من ليس له نية في الجهاد العدو لا احتساب الأجر ثم خرج منكم جنيد ضعيف كأنما يساقون إلى الموت و هم ينظرون فأف لكم ثم نزل فدخل رحله.

174 - قال الطبري: حدثنا عبد الله، عن يونس، عن الزهري، قال: لما حدث قيس بن سعد بمجيء محمد بن ابى بكر، و انه قادم عليه أميرا تلقاه و خلا به و ناجاه، فقال: انك جئت من عند أمرئ لا راى له و ليس عزلكم إياي بمانعي ان انصح لكم و انا من أمركم هذا على بصيرة.

و انى في ذلك على الذي كنت اكايد به معاوية و عمرا و أهل خربتا فكايدهم ،به، فإنك ان تكايدهم بغيره تهلك و وصف قيس ابن سعد المكايدة التي كان يكايدهم بها، و اغتشه محمد بن ابى بكر، و خالف كل شيء أمره به فلما قدم محمد بن ابی بکر و خرج قيس قبل المدينة بعث محمد أهل مصر الى خربتا، فاقتتلوا.

فهزم محمد بن ابى بكر، فبلغ ذلك معاوية و عمرا، فسارا باهل الشام حتى افتتحا ،مصر، وقتلا محمد بن ابى بكر، و لم تزل في حيز معاوية، حتى ظهر و قدم قيس بن سعد المدينة، فاخافه مروان و الأسود بن ابى البختري، حتى إذا خاف ان يؤخذ او يقتل ركب راحلته، وظهر الى علي (علیه السّلام) .

فكتب معاوية الى مروان و الأسود يتغيظ عليهما و يقول: امددتما عليا بقيس بن سعد و رایه و مكايدته، فو الله لو انكما امددتماه بمائة الف مقاتل ما كان باغيظ الى من اخراجكما قيس بن سعد الى عليّ.

فقدم قيس بن سعد على على فلما بانه الحديث، و جاءهم قتل محمد

ص: 505

بن ابى بكر، عرف ان قيس بن سعد كان يوازى أمورا عظاما من المكايدة ،و ان من كان يشير عليه بعزل قيس بن سعد لم ينصح له.

175 - عنه عن يزيد بن ظبيان الهمداني قال: و لما قتل أهل خربتا ابن مضاهم الكلبى الذى وجهه إليهم محمد بن ابى بكر، خرج معاوية بن حديج الكندى ثم السكوني، فدعا الى الطلب بدم عثمان، فأجابه ناس آخرون، و فسدت مصر على محمد بن ابى بكر، فبلغ عليا و ثوب أهل مصر على محمد بن ابی بکر و اعتمادهم اياه.

فقال: ما لمصر الا احد الرجلين صاحبنا الذى عزلناه عنها - يعنى قيسا - او مالك بن الحارث - يعنى الاشتر :قال و كان على حين انصرف من صفين رد الاشتر على عمله بالجزيرة، وقد كان قال لقيس بن سعد : أقم معى على شرطى حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة.

ثم اخرج الى اذربيجان فان قيسا مقيم مع على على شرطته فلما انقضى أمر الحكومة كتب على الى مالك بن الحارث الاشتر، و هو يومئذ

بنصيبين: أمّا بعد، فإنك ممن استظهرته على اقامه الدین واقع به نخوة الأثيم، و أشد به الثغر المخوف و كنت وليت محمد بن ابى بكر مصر.

فخرجت عليه بها ،خوارج و هو غلام حدث ليس بذى تجربة للحرب، و لا بمجرب للأشياء، فاقدم على لننظر في ذلك فيما ينبغي، و استخلف على عملك أهل الثقه و النصيحة من أصحابك و السلام.

فاقبل مالك الى على حتى دخل عليه، فحدثه حديث أهل مصر، و خبره خبر أهلها، وقال: ليس لها غيرك، اخرج رحمك الله؛ فاني ان لم اوصك اكتفيت برأيك و استعن بالله على ما أهمك فاخلط الشدة باللين و ارفق ما كان الرفق ابلغ واعتزم بالشدة حين لا يغنى عنك الا الشدة.

ص: 506

قال: فخرج الاشتر من عند على فاتى رحله، فتهيأ للخروج الى مصر، و أتت معاوية عيونه فاخبروه بولاية على الاشتر، فعظم ذلك عليه و قد كان طمع في مصر، فعلم ان الاشتر ان قدمها كان أشد عليه من محمد ابن ابي بكر.

فبعث معاوية الى الجايستار - رجل من أهل الخراج - فقال له: ان الاشتر قد ولى مصر، فان أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت، فاحتل له بما قدرت عليه فخرج الجايستار حتى اتى القلزم و اقام به، و خرج الاشتر من العراق الى مصر .

فلما انتهى الى القلزم استقبله الجايستار فقال: هذا منزل وهذا طعام و علف، و انا رجل من أهل الخراج فنزل به الاشتر، فأتاه الدهقان بعلف وطعام، حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سما فسقاه اياه فلما شربها مات و اقبل معاوية يقول لأهل الشام:

ان عليا وجه الاشتر الى مصر، فادعوا الله ان يكفيكموه قال فكانوا كل يوم يدعون الله على الاشتر و اقبل الذى سقاه الى معاوية فاخبره بمهلك الاشتر، فقام معاوية في الناس خطيبا، فحمد الله و اثنى عليه و قال: اما بعد فانه كانت لعلى بن ابى طالب يدان ،يمينان قطعت إحداهما يوم صفين - یعنی عمار بن ياسر - و قطعت الاخرى اليوم - يعنى الاشتر.

176 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى فضيل بن خديج، عن مولى للأشتر قال: لما هلك الاشتر وجدنا في ثقله رسالة على الى أهل مصر:

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على امير المؤمنين الى أمه المسلمين الذين غضبوا الله حين عصى في الارض، و ضرب الجور بارواقه على البر و الفاجر، فلا حق يستراح إليه، و لا منكر يتناهى عنه سلام

ص: 507

عليكم ، فاني احمد الله إليكم الذى لا اله الا هو .

اما بعد فقد بعثت إليكم عبدا من عبيد الله لا ينام ايام الخوف ولا ينكل عن الأعادي حذار الدوائر أشد على الكفار من حريق النار، و هو مالك بن الحارث أخو مذحج فاسمعوا له وأطيعوا، فانه سيف من سيوف الله لا نابي الضريبة، و لا كليل الحد.

فان أمركم ان تقدموا فاقدموا، و ان أمركم ان تنفروا فانفروا، فانه لا يقدم و لا يحجم الا بأمري و قد آثرتكم به على نفسي لنصحه لكم و شدة شكيمته على عدوكم، عصمكم الله بالهدى وثبتكم على اليقين و السلام.

قال: و لما بلغ محمد بن ابى بكر ان عليا قد بعث الاشتر شق عليه، فكتب على الى محمد بن ابى بكر عند مهلك الاشتر، و ذلك حين بلغه موجدة محمد بن ابى بكر لقدوم الاشتر عليه :

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على امير المؤمنين الى محمد بن ابى بكر، سلام عليك، أما بعد، فقد بلغنى موجدتك من تسريحى الاشتر الى عملك، و انى لم افعل ذلك استبطاء لك في الجهاد، و لا ازديادا منى لك في الجد، و لو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما سلطانك لوليتك ما هو ايسر عليك في المئونة، واعجب إليك ولاية منه.

ان الرجل الذى كنت وليته مصر كان لنا نصيحا، و على عدونا ،شدیدا و قد استكمل ،ایامه و لاقی حمامه و نحن عنه راضون فرضى الله و ضاعف له الثواب و احسن له المآب اصبر لعدوك، و شمر للحرب، و ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظه الحسنة.

و اكثر ذكر الله و الاستعانة به و الخوف منه، يكفك ما أهمك ،يعنك على ما ولاك، أعاننا الله و إياك على ما لا ينال الا برحمته و السلام

و

ص: 508

عليك.

فكتب إليه محمد بن ابی بکر جواب كتابه :

بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله على امير المؤمنين من محمد بن ابى بكر، سلام عليك، فاني احمد الله إليك الذى لا اله غيره، أما بعد فانى ق-د انتهى الى كتاب امير المؤمنين، ففهمته و عرفت ما فيه و ليس احد من الناس بارضى منى برأى امير المؤمنين و لا اجهد على عدوه، و لا اراف بوليه منی، و قد خرجت فعسکرت و امنت الناس الا من نصب لنا حرباء و اظهر لنا خلافا و انا متبع أمر امير المؤمنين و حافظه، و ملتجئ إليه، و قائم به و الله المستعان على كل حال، و السلام عليك.

177 - عنه قال ابو مخنف: حدثني أبو جهضم الأزدي - رجل من أهل الشام - عن عبد الله بن حوالة الأزدي ان أهل الشام لما انصرفوا من صفين كانوا ينتظرون ما ياتى به الحكمان فلما انصرفا وتفرقا بايع أهل الشام معاوية بالخلافة، ولم يزدد الاقوة و اختلف الناس بالعراق على علي.

فما كان لمعاوية هم الا مصر، وكان لأهلها هائبا خائفا لقربهم منه، و شدتهم على من كان على راى عثمان و قد كان على ذلك علم أن بها قوما قد ساءهم قتل عثمان و خالفوا عليا وكان معاوية يرجو ان يكون إذا ظهر عليها ظهر على حرب على لعظم خراجها قال:

فدعا معاوية من كان معه من قريش عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و بسر بن ابي ارطاة و الضحاك بن قيس و عبد الرحمن بن خالد الوليد و من غيرهم أبا الأعور عمرو بن سفيان السلمي و حمزة بن مالك الهمدانی و شرحبيل بن السمط الكندى.

فقال لهم: أتدرون لم دعوتكم؟ انى قد دعوتكم لامر مهم أحب ان

ص: 509

يكون الله قد اعان عليه فقال القوم كلهم - او من قال منهم: ان الله لم يطلع على الغيب أحدا، و ما يدرينا ما تريد فقال عمرو بن العاص:

ارى و الله أمر هذه البلاد الكثير خراجها و الكثير عددها و عدد أهلها أهمك أمرها.

فدعوتنا إذا لتسالنا عن رأينا فى ذلك، فان كنت لذلك دعوتنا و له جمعتنا، فاعزم و اقدم و نعم الرأي رايت ففى افتتاحها عزك وعز أصحابك، و كبت عدوك، و ذل أهل الخلاف عليك قال له معاوية مجيبا: أهمك يا بن العاص ما أهمك .

و ذلك لان عمرو بن العاص كان صالح معاوية حين بايعه على قتال على بن ابى طالب على ان له مصر طعمة ما بقى - فاقبل معاوية على أصحابه فقال: ان هذا يعنى عمرا - قد ظن ثم حقق ظنه قالوا له: لكنا لا ندري، قال معاوية: فان أبا عبد الله قد أصاب، قال عمرو: و انا ابو عبد الله، قال: ان افضل الظنون ما اشبه اليقين.

ثم ان معاوية حمد الله و اثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فقد رايتم كيف صنع الله بكم في حربكم عدوكم، جاء وكم و هم لا يرون الا انهم سيقيضون بيضتكم و يخربون بلادكم ما كانوا يرون الا انكم في ايديهم، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا مما أحبوا، و حاكمناهم الى الله، فحكم لنا عليهم.

ثم جمع لنا كلمتنا، واصلح ذات بيننا، وجعلهم أعداء متفرقين يشهد بعضهم على بعض بالكفر، و يسفك بعضهم دم بعض و الله انى لأرجو ان يتم لنا هذا الأمر، و قد رايت ان نحاول أهل مصر، فكيف ترون ارتياءنا لها! فقال عمرو: قد اخبرتك عما سألتني عنه، وقد اشرت عليك بما سمعت.

فقال معاوية: ان عمرا قد عزم و صرم و لم يفسر، فكيف لي ان

ص: 510

اصنع! قال له عمرو : فانى أشير عليك كيف تصنع ارى ان تبعث جيشا كثيفا، عليهم رجل حازم صارم تامنه و تثق به، فيأتي مصر حتى يدخلها فانه سيأتيه من كان من أهلها على رأينا فيظاهره على من بها من عدونا .

فإذا اجتمع بها جندك و من بها من شيعتك على من بها من أهل حربك، رجوت أن يعين الله بنصرك و يظهر فلجك قال له معاوية :

هل عندك شيء دون هذا يعمل به فيما بيننا و بينهم؟ قال: ما اعلمه، قال: بلى، فان غير هذا عندي ارى ان نكاتب من بها من شيعتنا، و من بها من أهل عدونا.

فاما شيعتنا فأمرهم بالثبات على أمرهم، ثم امنيهم قدومنا عليهم و اما من بها من عدونا فندعوهم الى صلحنا و نمنيهم شكرنا و نخوفهم حربنا، فان صلح لنا ما قبلهم بغير قتال فذاك ما أحببنا، و الا كان حربهم من وراء ذلك كله انك يا بن العاص أمرؤ بورك لك في العجلة، و انا أمرؤ بورك لي في التوؤدة.

قال: فاعمل بما أراك الله، فو الله ما ارى أمرك و أمرهم يصير الا الى الحرب العوان قال: فكتب معاوية عند ذلك الى مسلمة بن مخلد الأنصاري و الى معاوية بن خديج الكندى - و كانا قد خالفا عليا:

بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فان الله قد ابتعثكما لامر عظيم اعظم به اجرکما، و رفع به ذکرکها و زينكما به في المسلمين ، طلبكما بدم الخليفة المظلوم، و غضبكما لله إذ ترك حكم الكتاب، و جاهدتما أهل البغي و العدوان، فابشروا برضوان الله، و عاجل نصر أولياء الله، والمواساة لكما في الدنيا وسلطاننا.

حتى ينتهى في ذلك ما يرضيكما، و نودى به حقكما الى ما يصير أمر

ص: 511

كما إليه فاصبروا وصابروا عدوكما و ادعوا المدير الى هداكما و حفظكما فان الجيش قد أضل عليكما، فانقشع كل ما تكرهان، و كان كل ما تهويان والسلام عليكما.

وكتب هذا الكتاب و بعث به مع مولى له يقال له سبيع. فخرج الرسول بكتابه حتى قدم عليهما مصر و محمد بن ابى بكر أميرها، وقد ناصب هؤلاء الحرب بها، و هو غير متخون بها يوم الاقدام عليه فدفع كتابه الى مسلمة بن مخلد و كتاب معاوية بن حديج، فقال مسلمة: امض بكتاب معاوية إليه حتى يقرأه، ثم القنى به حتى اجيبه عني و عنه، فانطلق الرسول بكتاب معاوية بن حديج إليه.

فاقراه اياه، فلما قراه قال: ان مسلمة ابن مخلد قد أمرني ان اراد إليه الكتاب إذا قرأته لكي يجيب معاوية عنك و عنه قال: قل له فليفعل، ودفع اليه الكتاب، فأتاه ثم كتب مسلمة عن نفسه و عن معاوية بن حديج: بعد.

فان هذا الأمر الذى بذلنا له نفسنا و اتبعنا أمر الله فيه أمر نرجو به ثواب ،ربنا و النصر ممن خالفنا وتعجيل النقمة لمن سعى على أمامنا و طأطأ الركض في جهادنا، و نحن بهذا الحيز من الارض قد نفينا من كان به من أهل البغى و أنهضنا من كان به من أهل القسط و العدل.

و قد ذكرت المواساة في سلطانك ودنياك، و بالله ان ذلك لامر ما له نهضنا، و لا اياه أردنا ، فان يجمع الله لنا ما نطلب، و يؤتنا ما تمنينا، فان الدنيا والآخرة الله رب العالمين، و قد يؤتيهما الله معا عالما من خلقه، كما قال فى كتابه، ولا خلف لموعوده قال :

«فَاتَاهُمُ اللهُ تَوَابَ الدُّنْيَا وَ حُسْنَ تَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ المَحْسِنِينَ» عجل علينا خيلك ورجلك، فان عدونا قد كان علينا حربا و كنا فيهم

ص: 512

قليلا فقد أصبحوا لنا هائبين و أصبحنا لهم مقرنين، فان يأتنا الله بعدد من قبلك يفتح الله عليكم، و لا حول و لا قوة الا بالله، و حسبنا الله ونعم الوكيل و السلام عليك.

قال: فجاءه هذا الكتاب و هو يومئذ بفلسطين، فدعا النفر الذين سماهم في الكتاب فقال: ما ذا ترون؟ قالوا: الرأي ان تبعث جندا من قبلك فإنك تفتتحها باذن الله قال معاوية فتجهز يا أبا عبد الله إليها - يعني عمرو بن العاص - قال: فبعثه في ستة آلاف رجل و خرج معاوية و ودعه و قال له عند وداعه اياه :

اوصيك يا عمرو بتقوى الله و الرفق فانه يمن، و بالمهل و التوؤدة، فان العجلة من الشيطان، و بان تقبل ممن اقبل، و ان تعفو عمن ادبر، فان قبل فبها و نعمت و ان ابى فان السطوة بعد المعذرة ابلغ في الحجة، و احسن في العاقبة، وادع الناس الى الصلح و الجماعة.

فإذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر الناس عندك، وكل الناس فأول حسنا قال: فخرج عمرو يسير حتى نزل ادانى ارض مصر، فاجتمعت العثمانية إليه ، فأقام بهم ، و كتب الى محمد بن ابى بكر:

اما بعد، فتنح عنى بدمك يا بن ابى بكر فاني لا أحب ان يصيبك منى ظفر، ان الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك، و ندموا على اتباعك فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها، فانى لك من الناصحين والسلام

و بعث إليه عمرو أيضا بكتاب معاوية إليه:

اما بعد، فان غب البغى و الظلم عظيم الوبال و ان سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا و من التبعة الموبقة في الآخرة، و انا لا

ص: 513

نعلم أحدا كان اعظم على عثمان بغيا ، و لا اسوا له عيبا، و لا أشد عليه خلافا منك، سعيت عليه في الساعين و سفكت دمه في السافكين، ثم أنت تظن انى عنك نائم او ناس لك.

حتى تأتي فتامر على بلاد أنت فيها جاری، و جل أهلها انصاری، يرون رأيي و يرقبون قولي، و يستصرخونى عليك.

و قد بعثت إليك قوما حناقا عليك يستسقون دمك، ويتقربون الى الله بجهادك، و قد أعطوا الله عهدا ليمثلن بك و لو لم يكن منهم إليك. ما عدا قتلك ما حذرتك و لا أنذرتك، و لأحببت ان يقتلوك بظلمك و قطيعتك عدوك على عثمان يوم يطعن بمشاقصك بين خششائه و أوداجه و لكن اكره ان امثل بقرشي ،و لن يسلمك الله من القصاص ابدا أينما كنت و السلام.

قال: فطوى محمد كتابيهما، و بعث بهما الى على وكتب معهما:

اما بعد، فان ابن العاص قد نزل ادانى ارض مصر و اجتمع إليه أهل البلد جلهم ممن كان يرى رأيهم، وقد جاء في جيش لجب خراب، و قد رايت ممن قبلي بعض الفشل، فان كان لك في ارض مصر حاجة فامدنى بالرجال و الأموال، و السلام عليك.

فكتب إليه على:

اما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر ان ابن العاص قد نزل بأداني ارض مصر في لجب من جيشه خراب و ان من كان بها على مثل رايه قد خرج اليه، و خروج من يرى رايه إليه خير لك من اقامتهم عندك .

و ذكرت انك قد رايت في بعض من قبلك فشلا فلا تفشل و ان فشلوا فحصن قريتك و اضمم إليك شيعتك و اندب الى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة و النجده و الباس فانى نادب إليك الناس على

ص: 514

الصعب و الذلول فاصبر لعدوك، وامض على بصيرتك، و قاتلهم على نيتك و جاهدهم صابرا محتسبا و ان كانت فئتك اقل الفئتين فان الله قد يعز القليل، ويخذل الكثير.

و قد قرات كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية و الفاجر ابن الكافر عمرو، المتحابين في عمل المعصية، والمتوافقين المرتشيين في الحكومة المنكرين في الدنيا، قد استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم خلاقهم.

فلا يهلك ارعادهما و ابراقهما، و أجبهما ان كنت لم تجبهما بما هما اهله فإنك تجد مقالا ما شئت، و السلام

178 - عنه قال ابو مخنف:فحدثني محمد بن يوسف ثابت الأنصاري، عن شيخ من أهل المدينة، قال: كتب محمد بن ابى بكر الى معاوية بن ابي سفيان جواب کتابه:

اما بعد، فقد أتاني كتابك تذكرني من أمر عثمان أمرا لا اعتذر إليك منه و تأمرني بالتنحى عنك كأنك لي ناصح، و تخوفني المثلة كأنك شفيق، و نا أرجو ان تكون لي الدائرة عليكم، فاجتاحكم في الوقعة و أن تؤتوا النصر و يكن لكم الأمر في الدنيا.

فكم لعمري من ظالم قد نصرتم، و كم من مؤمن قتلتم و مثلتم به! و الى الله مصيركم و مصيرهم و الى الله مرد الأمور، و هو ارحم الراحمين، و الله المستعان على ما تصفون و السلام.

و كتب محمد الى عمرو بن العاص :

اما بعد فقد فهمت ما ذكرت في كتابك يا بن العاص زعمت انك تكره ان يصيبني منك ظفر، و اشهد انك ظفر، و اشهد انك من المبطلين و تزعم انك لي نصيح

ص: 515

و اقسم انك عندي ظنين، وتزعم ان أهل البلد قد رفضوا رأيي و أمرى، و ندموا على اتباعي، فأولئك لك و للشيطان الرجيم أولياءه فحسبنا الله رب العالمين و توكلنا على الله رب العرش العظيم، والسلام.

قال: أقبل عمرو بن العاص حتى قصد مصر، فقام محمد بن أبي بكر في الناس، فحمد الله واثنى عليه وصلى على رسوله، ثم قال: أما بعد معاشر المسلمين والمؤمنين فان القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة و ينعشون الضلال و يشبون نار الفتنة، و يتسلطون بالجبرية، قد نصبوا لكم العداوة، و ساروا إليكم بالجنود عباد الله !

فمن اراد الجنة و المغفرة فليخرج الى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله ،انتدبوا الى هؤلاء القوم رحمكم الله مع كنانة ابن بشر .

قال: فانتدب معه نحو من الفى رجل، و خرج محمد في الفى رجل. و استقبل عمرو بن العاص كنانة و هو على مقدمه محمد، فاقبل عمرو نحو كنانة، فلما دنا من كنانة سرح الكتائب كتيبة بعد كتيبة، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة من كتائب أهل الشام الا شد عليها بمن معه، فيضربها حتى يقربها لعمرو بن العاص ففعل ذلك مرارا.

فلما راى ذلك عمرو بعث الى معاوية بن حديج السكوني، فأتاه في مثل الدهم، فاحاط بكنانة و أصحابه و اجتمع أهل الشام عليهم من كل جانب، فلما راى ذلك كنانة بن بشر نزل عن فرسه و نزل أصحابه وكنانة يقول: «وَ مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَكُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً وَ مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيا نُؤْتِه مِنْها وَ مَنْ يُرِدْتَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِى الشَّاكِرِينَ» فصار بهم بسيفه حتى استشهد رحمه الله.

و اقبل عمرو بن العاص نحو محمد بن ابى بكر، و قد تفرق عنه

ص: 516

أصحابه لما بلغهم قتل كنانة، حتى بقي و ما معه احد من أصحابه فلما راى ذلك محمد خرج يمشى في الطريق حتى انتهى الى خربة في ناحيه الطريق، فاوى إليها، وجاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط و خرج معاوية

بن حديج في طلب محمد حتى انتهى الى علوج في قارعة الطريق. فسألهم هل مر بكم احد تنكرونه؟ فقال احدهم لا والله، الا انى دخلت تلك الخربة، فإذا انا برجل فيها جالس، فقال ابن حديج هو هو و رب الكعبة، فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه فاستخرجوه و قد کاد يموت عطشا فاقبلوا به نحو فسطاط مصر قال :

و وثب اخوه عبد الرحمن بن ابى بكر الى عمرو بن العاص - وكان في جنده فقال: أتقتل أخي صبرا! ابعث الى معاوية بن حديج فانهه، فبعث اليه عمرو بن العاص يأمره ان يأتيه بمحمد بن ابى بكر، فقال معاوية: اكذاك قتلتم كنانة بن بشر و اخلى انا عن محمد بن ابى بكر هيهات.

«أكفارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَّيْكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةُ فِي الزُّبُرِ»، فقال لهم محمد: اسقونى من الماء، قال له معاوية بن حديج: لا سقاه الله ان سقاك قطرة ابدا! انكم منعتم عثمان ان يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما، فتلقاه الله بالرحيق المختوم و الله لأقتلنك يا ابن ابى بكر فيسقيك الله الحميم و الغساق! قال له :محمد :

يا ابن اليهودية النساجة، ليس ذلك إليك و الى من ذكرت انما ذلك الى الله عز و جل يسقى ،أولياءه، و يظمى اعداءه، أنت و ضرباؤك و من تولاه، أما والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منى هذا، قال له معاوية: اتدرى ما اصنع بك؟ ادخلك في جوف حمار، ثم احرقه عليك بالنار.

فقال له :محمد : ان فعلتم بي ذلك، فطالما فعل ذلك بأولياء الله! و انى

ص: 517

لأرجو هذه النار التي تحرقني بها ان يجعلها الله على بردا وسلاما كما جعلها على خليله ،ابراهيم، و ان يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و اوليائه ان الله يحرقك و من ذكرته قبل و امامك - يعنى معاوية، و هذا - و اشار الى عمرو بن العاص - بنار تلظى عليكم، كلما خبت زادها الله سعيرا.

قال له معاوية: انى انما اقتلك بعثمان قال له محمد و ما أنت و عثمان! ان عثمان عمل بالجور، ونبذ حكم القرآن، و قد قال الله تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»، فنقمنا ذلك عليه فقتلناه، و حسنت أنت له ذلك و نظراؤك، فقد برانا الله إن شاء الله من ذنبه، و أنت شريكه في إثمه و عظم ذنبه و جاعلك على مثاله.

قال: فغضب معاوية فقدمه فقتله، ثم القاه في جيفة حمار، ثم احرقه بالنار، فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا، و قنتت عليه في دبر الصلاة تدعو على معاوية و عمرو ثم قبضت عيال محمد إليها، فكان القاسم بن محمد بن ابى بكر في عيالها.

179 - عنه أما الواقدى فانه ذكر لي ان سويد بن عبد العزيز حدثه عن ثابت ابن عجلان، عن القاسم بن عبد الرحمن ان عمرو بن العاص خرج في اربعة آلاف فيهم معاوية بن حديج، و ابو الأعور السلمي، فالتقوا ،بالمسناة فاقتتلوا قتالا شديدا، حتى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي و لم يجد محمد بن ابى بكر مقاتلا فانهزم فاختبا عند جبلة بن مسروق، فدل عليه معاوية بن ،حدیج فاحاط به فخرج محمد فقاتل حتى قتل.

قال الواقدى: و كانت المسناة في صفر سنة ثمان وثلاثين و اذرح في شعبان منها في عام واحد.

180 - عنه رجع الحديث الى حديث أبي مخنف و کتب عمرو بن

ص: 518

العاص الى معاوية عند قتله محمد بن ابى بكر و كنانة بن بشر:

اما بعد، فانا لقينا محمد بن ابى بكر و كنانه بن بشر في جموع جمة من أهل مصر، فدعوناهم الى الهدى و السنة و حكم الكتاب، فرفضوا الحق، و توركوا في الضلال، فجاهدناهم و استنصرنا الله عليهم، فضرب الله وجوههم و ،ادبارهم و منحونا اكتافهم فقتل الله محمد بن ابي بكر و كنانة ابن بشر و امائل القوم و الحمد لله رب العالمين، والسلام عليك .

اختلف أهل السير في وقت مقتله، فقال الواقدى: قتل في سنة ست و ثلاثين قال و كان سبب قتله ان معاوية وعمرا سارا إليه و هو بمصر قد ضبطها، فنزلا بعين شمس فعالجا الدخول فلم يقدروا عليه، فخدعا محمد بن ابى حذيفة على ان يخرج في الف رجل الى العريش.

فخرج و خلف الحكم بن الصلت على مصر، فلما خرج محمد بن أبى حذيفة الى العريش ،تحصن، و جاء عمرو فنصب المجانيق حتى نزل في ثلاثين من أصحابه، فأخذوا فقتلوا قال و ذاك قبل ان يبعث على الى مصر قيس بن سعد.

181 - عنه أما هشام بن محمد الكلبي فانه ذكر ان محمد بن ابی حذيفة انما أخذ بعد ان قتل محمد بن ابی بکر و دخل عمرو بن العاص مصر و غلب عليها، و زعم أن عمرا لما دخل هو و أصحاه مصر أصابوا محمد بن ابي حذيفة، فبعثوا به الى معاوية و هو بفلسطين، فحبسه في سجن له.

فمكث فيه غير كثير، ثم انه هرب من السجن - و كان ابن خال معاوية - فأرى معاوية الناس انه قد كره ،انفلاته، فقال لأهل الشام من يطلبه؟ قال: وقد كان معاوية يحب فيما يرون أن ينجو، فقال رجل من خثعم - يقال له عبد الله ابن عمرو بن ظلام و كان رجلا شجاعا، و كان

ص: 519

عثمانيا انا اطلبه .

فخرج في حاله حتى لحقه بأرض البلقاء بحوران و قد دخل في غار هناك، فجاءت حمر تدخله، و قد أصابها المطر، فلما رات الحمر الرجل في الغار فزعت ،فنفرت فقال حصادون كانوا قريبا من الغار و الله أن لنفر هذه الحمر من الغار لشأنا فذهبوا لينظروا، فإذا هم به.

فخرجوا، و يوافقهم عبد الله بن عمرو بن ظلام الخثعمى، فسألهم عنه، و وصفه ،لهم، فقالوا له: ها هو ذا في الغار، قال: فجاء حتى استخرجه، و كره ان يرجعه الى معاوية فيخلي سبيله فضرب عنقه.

182 - عنه قال هشام، عن ابی مخنف قال و حدثني الحارث بن كعب بن فقيم، عن جندب، عن عبد الله بن فقيم عم الحارث بن كعب يستصرخ من قبل محمد بن ابى بكر الى على - و محمد يومئذ أميرهم- فقام على في الناس و قد أمر فنودي الصلاة جامعه فاجتمع الناس، فحمد الله و اثنى عليه، وصلى على محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، ثم قال:

اما بعد، فان هذا صريخ محمد بن ابى بكر و إخوانكم من أهل مصر، قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله و ولى من عادى الله، فلا يكونن أهل الضلال الى باطلهم و الركون الى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا منكم على حقكم هذا، فإنهم قد بدءوكم و إخوانكم بالغزو، فاعجلوا إليهم بالمؤاساة و النصر.

عباد الله، ان مصر اعظم من الشام اكثر خيرا، وخير أهلا، فلا تغلبوا على مصر، فان بقاء مصر في ايديكم عز لكم، وكبت لعدوكم، اخرجوا الى الجرعة بين الحيرة و الكوفه، فوافونى بها هناك غدا إن شاء الله قال:

فلما كان من الغد خرج يمشى، فنزلها بكرة، فأقام بها حتى انتصف

ص: 520

النهار يومه ذلك، فلم يوافه منهم رجل واحد فرجع فلما كان من العشى بعث الى اشراف الناس، فدخلوا عليه القصر و هو حزين كئيب، فقال:

الحمد لله على ما قضى من أمرى و قدر من فعلى و ابتلاني بكم أيتها الفرقة ممن لا يطيع إذا أمرت، و لا يجيب إذا دعوت، لا أبا لغيركم ما تنتظرون بصبركم، والجهاد على حقكم الموت و الذل لكم في هذه الدنيا على غير الحق، فو الله لئن جاء الموت - وليأتين - ليفرقن بيني و بينكم، و انا لصحبتكم قال وبكم غير ضنين.

لله أنتم لا دين يجمعكم ولا حمية تحميكم، إذا أنتم سمعتم بعدوكم يرد بلادكم، ويشن الغارة عليكم او ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير عطاء و لا معونة و يجيبونه في السنة المرتين و الثلاث الى اى وجه شاء و انا ادعوكم - و أنتم أولو النهى و بقية الناس - على المعونة وطائفة منكم على العطاء، فتقومون عنى و تعصوننی و تختلفون عليّ.

فقام إليه مالك بن كعب الهمداني ثم الارحبي، فقال: يا امير المؤمنين اندب الناس فانه لا عطر بعد عروس لمثل هذا اليوم كنت ادخر نفسي و الاجر لا ياتى الا بالكره اتقوا الله و أجيبوا امامكم و انصروا دعوته و قاتلوا ،عدوه، انا اسير إليها يا امير المؤمنين قال فامر على مناديه سعدا فنادى في الناس الا انتدبوا الى مصر مع مالك بن كعب.

ثم انه خرج و خرج معه على فنظر فإذا جميع من خرج نحو الفى رجل، فقال: سر فو الله ما اخالك تدرك القوم حتى ينقضي أمرهم، قال:

فخرج بهم فسار خمسا ثم ان الحجاج بن غزيه الأنصاري ثم النجاري قدم على على من مصر و قدم عبد الرحمن بن شبيب الفزاري

ص: 521

فكان عينه بالشام.

و أمّا الأنصاري فكان مع محمد بن ابى بكر، فحدثه الأنصاري بما رای و عاین و بهلاك ،محمد و حدثه الفزارى انه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تترى يتبع بعضها بعضا بفتح مصر و قتل محمد بن ابى بكر، و حتى اذن بقتله على المنبر و قال :

يا امير المؤمنين قلما رايت قوما قط اسر، ولا سرورا قط اظهر من سرور رايته بالشام حين أتاهم هلاك محمد بن ابي بكر فقال على: أما أن حزننا عليه على قدر سرورهم به، لا بل يزيد أضعافا قال: و سرح على عبد الرحمن بن شريح الشبامي الى مالك بن كعب، فرده من الطريق.

قال: و حزن على على محمد بن ابى بكر حتى رئى ذلك في وجهه، و تبين فيه، وقام في الناس خطيبا فحمد الله واثنى عليه، وصلى على رسوله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) ، و قال : الا ان مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله و بغوا الاسلام عوجا.

الا و ان محمد بن ابى بكر قد استشهد رحمه الله، فعند الله نحتسبه أمّا و الله ان كان ما علمت لممن ينتظر القضاء، و يعمل للجزاء، و يبغض شكل الفاجر، و يحب هدى المؤمن انى و الله ما الوم نفسي على التقصير و انى لمقاساة الحرب الجد خبير، و انى لأقدم على الأمر و اعرف وجه الحزم.

و اقوم فيكم بالرأي المصيب، فاستصرخكم معلنا، و اناديكم نداء المستغيث معربا، فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمراء حتى تصير بي الأمور الى عواقب المساءة، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثار، و لا تنقض بكم الأوتار، دعوتكم الى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة.

فتجر جر تم جرجرة الجمل الاشدق و تثاقلتم الى الارض تناقل من

ص: 522

ليس له نية في جهاد العدو، و لا اكتساب الاجر ، ثم خرج الى منكم جنيد متذانب كأنما يساقون الى الموت و هم ينظرون فاف لكم ! ثم نزل و كتب الى عبد الله بن عباس و هو بالبصرة:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله على امير المؤمنين الى عبدالله بن عباس سلام عليك، فانى احمد الله إليك الذى لا اله الا هو أمّا بعد فان مصر قد افتتحت، و محمد بن ابى بكر قد استشهد، فعند الله نحتسبه و ندخره، و قد كنت قمت في الناس في بدئه، و أمرتهم بغياثه قبل الوقعه، و دعوتهم سرا و جهرا و عودا و بدءا.

فمنهم من اتى كارها و منهم من اعتل كاذبا ، ومنهم القاعد حالا، اسال الله ان يجعل لي منهم فرجا و مخرجا ، و ان يريحني منهم عاجلا و الله لو لا طمعي عند لقاء عدوى في الشهاده لأحببت الا ابقى مع هؤلاء يوما واحدا عزم الله لنا و لك على الرشد، و على تقواه و هداه، أنه على كل شيء قدير و السلام .

فكتب إليه ابن عباس:

بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله على بن ابى طالب امير المؤمنين، من عبد الله بن عباس سلام عليك يا امير المؤمنين و رحمة الله و بركاته، أمّا بعد، فقد بلغنى كتابك تذكر فيه افتتاح مصر، وهلاك محمد بن ابى بكر، فالله المستعان على كل حال و رحم الله محمد بن ابى بكر و آجرك يا امير المؤمنين.

و قد سالت الله ان يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا و مخرجا، و ان يعزك بالملائكة عاجلا بالنصرة، فان الله صانع لك ذلك، معزك و مجيب دعوتك و كابت عدوك اخبرك يا امير المؤمنين ان الناس

ص: 523

ربما تثاقلوا ثم ينشطون فارفق بهم يا امير المؤمنين و داجنهم و منهم و استعن بالله عليهم كفاك الله المهم والسلام.

183 - عنه قال ابو مخنف:حدثنى فضيل بن خديج عن مالك بن الحور، ان عليا قال رحم الله محمدا! كان غلاما حدثا، أما والله لقد كنت على ان أولى المرقال هاشم بن عتبة مصر، أما والله لو انه وليها ما خلى لعمرو بن العاص و أعوانه الفجرة العرصة و لما قتل الا و سيفه في يده، لا بلا دم كمحمد فرحم الله محمدا، فقد اجتهد نفسه، و قضى ما عليه.

184 - قال الثقفي: إنّ أهل مصر كتبوا إلى علي (علیه السّلام) أن يكتب عليهم من يكون عليها؟ فبعث إليهم الأشتر. قال المدائني في اسناده: انّ الأشتر لما أتى القلزم أتى الخراخر الذي دسّه معاوية فقال: هذا منزل فيه طعام و علف و انّى رجل من أهل الخراج فأقم و استرح فنزل به الأشتر فأتاه الدهقان يعلف وطعام حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سما فسقاه إياه فلما شربها مات .

185 - عنه عن جابر و ذكر ذلك عن الشعبي عن صعصعة بن صوحان أنّ عليا - كتب إليهم من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين الى من بمصر من المسلمين: سلام عليكم فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلّا هو أمّا بعد فإنّي قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف، و لا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر ، لا نأكل عن قدم و لا واه في عزم .

من أشدّ عباد الله بأسا و أكرمهم حسبا، أضر على الفجار من حريق النّار، و أبعد النّاس من دنس أو عار، و هو مالك بن الحارث الأشتر لا نابي الضّريبة و لا كليل الحد، حليم في الجد رزين في الحرب. ذو رأى أصيل و صبر جميل، فاسمعوا له وأطيعوا أمره.

ص: 524

فإن أمركم بالنفر فانفروا ، و إن أمركم بالمقام فأقيموا، فإنّه لا يقدم و لا يحجم إلّا بأمرى و قد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم وشدّة شكيمة على عدوّكم، عصمكم الله بالهدى و ثبتكم بالتق، ووفقنا وإياكم لما يحب و ،يرضى و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

قال :جابر عن الشّعبيّ: أنّه هلك حين أتى عقبة أفيق.

186 - عنه عن عاصم بن كليب عن أبيه: أن علياً (علیه السّلام) لما بعث الأشتر إلى مصر واليا عليها و بلغ معاوية خبره بعث رسولا يتبع الأشتر إلى مصر يأمره باغتياله فحمل معه مزودين فيها شراب و صحب الأشتر فاستسق الأشتر يوما فسقاه من أحدهما ثم استسقى ثانية فسقاه من الآخر وفيه سم فشربه فمالت عنقه، فطلبوا الرّجل ففاتهم.

187 - عنه عن مغيرة الضّبيّ أنّ معاوية دس للأشتر مولى لآل عمر فلم يزل المولى يذكر للأشتر فضل علي و بنى هاشم حتى اطمأنّ إليه الأشتر ر استأنس به فقدّم الأشتر يوما ثقله أو تقدّم ثقله فاستسقى ماء فقال له مولى عمر هل لك - أصلحك الله - في شربة سويق؟ - فسقاه شربة سويق فيها سم فمات.

قال: وقد كان معاوية قال لأهل الشام لما دس إليه مولى عمر ادعوا على الأشتر، فدعوا عليه، فلما بلغه موته قال: ألا ترون كيف استجيب لكم.

188 - عنه و بلغنا من وجه آخر عن بعض العلماء أن الأشتر قتل بمصر بعد قتال شديد و وجه الأمر أنه سق السّم قبل أن يبلغ مصر.

189 - عنه عن عليّ بن محمّد المدائني، عن بعض أصحابه: أن معاوية أقبل يقول لأهل الشّام:

أيها الناس انّ عليّا قد وجّه الأشتر إلى أهل مصر فادعوا الله أن

ص: 525

يكفيكموه، فكانوا كلّ يوم يدعون الله عليه في دبر كل صلاة، وأقبل الذي سقاه السّم إلى معاوية فأخبره بهلاك الأشتر ، فقام معاوية في النّاس خطيبا فقال :

أما بعد فإنّه كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان، فقطعت إحداهما يوم صفين يعني عمار بن ياسر و قطعت الأخرى اليوم و هو مالك الأشتر.

190 - عنه عن الشعبي، عن صعصعة بن صوحان قال: فلما بلغ عليّا عليه السّلام موت الأشتر قال: «إنا لله وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» «و الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ» اللّهمّ إنّي أحتسبه عندك، فإنّ موته من مصائب الدهر، فرحم الله مالكا فقد وفى بعهده، و قضى نحبه، و لقي ربّه، مع أنا قد وطنّا أنفسنا على أن نصبر على كلّ مصيبة بعد مصابنا برسول الله الا فإنها أعظم المصائب.

191 - عنه عن مغيرة الصّبي قال: لم يزل أمر علي شديدا حتى مات الأشتر، وكان الأشتر بالكوفة أسود من الأحنف بالبصرة.

192 - عنه عن فضيل بن خديج، عن أشياخ النخع قالوا دخلنا على علي (علیه السّلام) حين بلغه موت الأشتر، فجعل يتلهف و يتأسف عليه ويقول: الله در مالك و ما مالك لو كان جبلا لكان فندا، و لو كان حجرا لكان صلدا ،اما و الله ليهدّن موتك عالما و ليفرحن عالما، على مثل مالك فلتبك البواكي و هل موجود كما لك؟ قال: فقال علقمة بن قيس النّخعي فما زال عليّ يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا و قد عرف ذلك في وجهه أيّاما .

193- عنه عن فضيل بن خديج عن مولى الأشتر قال: لما هلك الأشتر وجدنا في ثقله رسالة علي إلى أهل مصر:

بسم الله الرّحمن الرّحيم، من عبد الله أمير المؤمنين إلى النفر من

ص: 526

المسلمين الذين غضبوا الله إذ عصى في الأرض و ضرب الجور برواقه على البرّ والفاجر، فلا حق يستراح إليه و لا منكر يتناهى عنه ، سلام عليكم فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد فقد وجهت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف، و لا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر ، أشدّ على الكفّار من حريق النار، و هو مالك بن الحارث الأشتر أخو مذحج فاسمعوا له وأطيعوا، فإنّه سيف من سيوف الله لا نابي الضّريبة و لا كليل الحد.

فإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، و ان أمركم أن تنفروا فانفروا و إن أمركم أن تحجموا فأحجموا فإنّه لا يقدم ولا يحجم إلّا بأمرى وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته و شدّة شكيمته على عدوه، عصمكم الله بالحق وثبتكم باليقين والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

194 - عنه أخبرني ابن أبي سيف، عن أصحابه، أنّ محمّد بن أبى بكر لما بلغه أنّ علياً (علیه السّلام) قد وجّه الأشتر إلى مصر شقّ عليه، فكتب علي (علیه السّلام) عند مهلك الأشتر الى محمّد بن أبي بكر و ذلك حين بلغه موجدة محمّد بن أبى بكر لقدوم الأشتر عليه:

بسم الله الرّحمن الرّحيم، من عبد الله على أمير المؤمنين الى محمد بن أبي بكر سلام عليك أما بعد. فقد بلغني موجدتك من تسريحى الأشتر إلى عملك، و لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهاد، و لا استزادة لك منى في الجدّ، و لو نزعت ما حوت يداك من سلطانك لولّيتك ما هو أيسر مئونة عليك، و أعجب ولاية إليك إلّا أنّ الرّجل الذى كنت وليته مصر.

كان رجلا لنا مناصحا و على عدوّنا شديدا، فرحمة الله عليه و قد استكمل أيامه ولاقى حمامه و نحن عنه راضون، فرضی الله عنه و ضاعف له

ص: 527

القواب و أحسن له المآب فأصحر لعدوّك و شمر للحرب، و ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة و أكثر ذكر الله و الاستعانة به والخوف منه يكفك ما أهمك و يعنك على ما ولاك، أعاننا الله وإياك على ما لا ينال إلّا برحمته و السلام. فكتب إليه (علیه السّلام) محمد بن أبي بكر جوابه.

بسم الله الرّحمن الرّحيم، لعبد الله أمير المؤمنين علي من محمّد بن أبى بكر سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فقد انتهى إليّ كتاب أمير المؤمنين و فهمته و عرفت ما فيه و ليس أحد من النّاس أشدّ على عدوّ أمير المؤمنين و لا أرأف و أرق لوليه منى و قد خرجت فعسكرت و أمّنت النّاس إلّا من نصب لنا حربا و أظهر لنا خلافا، و أنا متبع أمر أمير المؤمنين و حافظه و لاجئ إليه و قائم به و الله المستعان على كل حال، و السّلام.

195- عنه عن عبد الله بن حوالة الأزدي أنّ أهل الشام لمّا انصرفوا من صفّين كانوا ينتظرون ما يأتى به الحكمان. فلما انصرفا و تفرّقا و بايع أهل الشام معاوية بالخلافة فلم يزدد معاوية إلّا قوّة واختلف أهل العراق على علي (علیه السّلام) فما كان لمعاوية هم الا مصر.

و قد كان لأهلها هائبا لقربهم منه و شدّتهم على من كان على رأى عثمان، و قد كان علم أنّ بها قوما قد ساءهم قتل عثمان و خالفوا عليا مع أنه كان يرجو أن يكون له فيها معاونة إذا ظهر عليها على حرب علي (علیه السّلام) العظم خراجها.

قال: فدعا معاوية من كان معه من قريش عمرو بنالعاص السهمي، و حبيب بن مسلمة الفهرى و بسر بن أرطاة العامري، والضحاك ابن قيس الفهري و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و دعا من غير

ص: 528

قريش نحو شرحبيل بن السمط، و أبي الأعور السلمي، و حمزة بن مالك الهمداني.

فقال: أتدرون لماذا دعوتكم؟ قالوا: لا، قال: فإني دعوتكم لأمر هو لي ،مهم و أرجو أن يكون الله قد أعان عليه، فقال له القوم كلّهم أو من قال له منهم: إنّ الله لم يطلع على غيبه أحدا، و ما ندري ما تريد؟

فقال له عمرو بن العاص : أرى و الله ان أمر هذه البلاد لكثرة خراجها و عدد أهلها قد أهمّك، فدعوتنا لتسألنا عن رأينا في ذلك، فان كنت لذلك دعوتنا و له جمعتنا فاعزم و أصرم و نعم الرّأى ما رأيت إن في افتتاحها عزّك و عزّ أصحابك وكبت عدوّك و ذلّ أهل الخلاف عليك.

فقال له معاوية مجيبا أهمك يا بن العاص ما أهمك ؟ وذلك أن عمرو بن العاص كان بايع معاوية على قتال علي بن أبي طالب (علیه السّلام) و أنّ له مصر طعمة ما بقي، فأقبل معاوية على أصحابه و قال: إنّ هذا يعنى ابن العاص قد ظنّ وقد حقق ظنّه قالوا له: لكنا لا ندري و لعلّ أبا عبد الله قد أصاب. فقال عمرو: و أنا أبو عبد الله انّ أشبه الظَّنون ما شابه اليقين.

ثم إن معاوية حمد الله و أثنى عليه وقال:

أما بعد فقد رأيتم كيف صنع الله لكم في حربكم هذه على عدوّكم، و لقد جاء وكم و هم لا يشكون أنهم يستأصلون بيضتكم. و يحوزون بلادكم ما كانوا يرون إلا أنكم في أيديهم، فردّهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا «وَ كَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ» و كفاكم مئونتهم ، و حاكمتموهم إلى الله فحكم لكم عليهم.

ثم جمع لنا كلمتنا، وأصلح ذات بيننا، و جعلهم أعداء متفرقين يشهد بعضهم على بعض بالكفر، و يسفك بعضهم دم بعض، و الله إنّي لأرجو أن يتم الله لنا هذا الأمر. وقد رأيت أن أحاول حرب مصر فما ذا ترون؟

ص: 529

فقال له :عمرو قد أخبرتك عمّا سألت و أشرت عليك بما سمعت .

فقال معاوية للقوم: ما ترون؟ فقالوا نرى ما رأى عمرو. فقال معاوية: إنّ عمرا قد عزم و صرم بما قال ولم يفسر كيف ينبغي أن نصنع.

قال عمرو: فإني أشير عليك كيف تصنع، أرى أن تبعث جيشا كثيفا، عليهم رجل صارم تأمنه و تثق به فيأتى مصر فيدخلها فإنّه سيأتيه من كان من أهلها على مثل رأينا فيظاهره على من كان بها من عدوّنا، فإن اجتمع بها جندك و من كان بها من شيعتك على من بها من أهل حربك رجوت أن يعزّ الله نصرك و يظهر فلجك، قال له معاوية:

هل عندك شيء غير هذا نعمله فيما بيننا وبينهم قبل هذا؟ قال: ما أعلمه، قال معاوية: فانّ رأيي غير هذا أرى أن نكاتب من كان بها من شيعتنا و من كان بها من عدوّنا فأما شيعتنا فنأمرهم بالثبات على أمرهم و منّيهم قدومنا عليهم و أما من كان بها من عدوّنا فندعوهم الى صلحنا و نمنّيهم شكرنا و نخوّفهم حربنا ، فان صلح لنا ما قبلهم بغير حرب و لا قتال.

فذلك ما أحببنا و الا فحربهم بين أيدينا، أنّك يا ابن العاص لامرؤ بورك لك في العجلة، و أنا أمرؤ بورك لي في التؤدة، قال له عمرو: فاعمل بما أراك الله فو الله ما أرى أمرك و أمرهم يصير الا الى الحرب العوان.

قال: فكتب معاوية عند ذلك الى مسلمة بن مخلد الأنصاري و إلى معاوية ابن حديج الكندي وكانا قد خالفا علياً (علیه السّلام) :

بسم الله الرّحمن الرّحيم، أما بعد فانّ الله عزّ و جلّ قد ابتعثكما لأمر عظيم أعظم به أجركها و رفع به ذكركما و زينكما به في المسلمين طلبتها بدم الخليفة المظلوم و غضبهما الله إذ ترك حكم الكتاب، و جاهدتما أهل الظلم و ،العدوان فأبشرا برضوان الله و عاجل نصرة أولياء الله والمواساة لكما في

ص: 530

دار الدنيا وسلطاننا.

حتى ينتهى ذلك الى ما يرضيكما و يؤدّى به حقكما، فالزما أمركيا، و جاهدا عدوّكما، و ادعوا المدبرين عنكما الى هداكما فكأنّ الجيش قد أظلّ عليكما فانقشع كلّ ما تكرهان و دام كلّ ما تهويان و السّلام عليكما .

و بعث بالكتاب مع مولى له يقال له: سبيع فخرج الرسول بكتابه حتى قدم به عليهما بمصر و محمّد بن أبى بكر يومئذ أميرها قد ناصبه هؤلاء النفر الحرب بها و هم عنه متنحون يهابون الاقدام عليه، فدفع الكتاب الى مسلمة بن مخلد فلمّا قرأه قال له :

الق به معاوية بن حديج ثم القني به حتى أجيب عني و عنه، فانطلق اليه الرسول بكتاب معاوية فأقرأه إياه ثم قال له: ان مسلمة قد أمرنى أن أردّ الكتاب إليه لكي يجيب معاوية عنك و عنه، قال: قل له: فليفعل، فأتى مسلمة بالكتاب فكتب مسلمة الجواب عنه و عن معاوية بن حديج: الى معاوية بن أبي سفيان:

أمّا بعد فانّ هذا الأمر الذي قد ندبنا له أنفسنا و ابتعثنا الله به على عدوّنا أمر نرجو به ثواب ربّنا و النّصر على من خالفنا و تعجيل النقمة على من سعى على امامنا وطأطأ الركض في جهادنا، و نحن بهذه الأرض قد نفينا من كان بها من أهل البغي و أنهضنا من كان بها من أهل القسط و العدل، وقد ذكرت مؤازرتك في سلطانك وذات يدك، و بالله انه لا من أجل مال غضبنا و لا إيّاه أردنا .

فان يجمع الله لنا ما نريد و نطلب و يؤتنا ما نتمنى فانّ الدنيا والآخرة لله ربّ العالمين و قد يؤتيها الله معا عالما من خلقه كما قال في كتابه: «فَتَاهُمُ الله تَوَابَ الدُّنْيَا وَ حُسْنَ ثَوَابِ الأَخِرَةِ وَ اللَّه يُحِبُّ الْحْسِنِينَ» عجّل

ص: 531

علينا بخيلك ورجلك.

فانّ عدوّنا قد كان علينا حربا و كنا فيهم قليلا وقد أصبحوا لنا هائبين و أصبحنا لهم منابذين فان يأتنا مدد من قبلك يفتح الله عليك، و لا قوة الا به و هو حسبنا ونعم الوكيل.

قال: فجاء هذا الكتاب معاوية و هو يومئذ بفلسطين، فدعا النّفر الذين سميناهم من قريش و غيرهم و أقرأهم الكتاب و قال لهم: ما ذا ترون؟ قالوا: نرى أن تبعث إليهم جندا من قبلك فانك مفتتحها إن شاء الله.

قال: معاوية: فتجهز اليها يا أبا عبد الله یعنی عمرو بن العاص فبعثه في ستة آلاف رجل فخرج يسير و خرج معه معاوية يودعه فقال له معاوية عند وداعه إيّاه أوصيك بتقوى الله يا عمرو، وبالرفق فانه يمن و بالتؤدة فان العجلة من الشيطان، وبأن تقبل من أقبل ، وأن تعفو عمّن أدبر، أنظره فان تاب و أناب قبلت منه، و ان أبى فانّ السطوة بعد المعرفة أبلغ في الحجة و أحسن في العاقبة وادع الناس الى الصلح و الجماعة، فان أنت ظفرت فليكن أنصارك آثر الناس عندك وكلّ النّاس فأول حسنا.

قال العطاردى :

قد تم بحمد الله وتوفيقه؛ المجلد السادس من مسند الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الله و يتلوه انشاء الله المجلد السابع أوله:

باب ماجری بینه عليه السلام و المارقين

المنابع:

ص: 532

(1) الغارات 373/2 ، الى 412 ، 416 الى 442، 445 الى 512 - 592 ، الى 663 ،

(2) نهج البلاغة خ: 28 - 33 .

(3) تاريخ الطبري: 110/5 الی 140 .

(4) كامل التواريخ : 360/3 ، الى 364 ،

(5) الغارات: 205/1، الى 276 ،

(6) الموفقيات: (347،

(7) الغارات 259/1 ، الى 276.

ص: 533

الفهرست

العنوان / الصفحة / عدد الاحاديث

(بقية ) باب ماجرى بينه (علیه السّلام)والقاسطين... 3 ...1014

باب مراجعته الله إلى الكوفة ... 256 ... 54

باب الغارات على اعمال أمير المؤمنين (علیه السّلام) ... 320 ...195

الجمع ... 1263

ص: 534

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.