مسند الإمام أميرالمؤمنین علي بن أبي طالب علیه السلام المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: العطاردي قوچانی، عزیزالله، 1307 .

عنوان المؤلف واسمه: مسند الامام امیرالمؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام / جمعه و رتبه عزيز الله العطاردي قوچاني.

تفاصيل النشر: طهران عطارد 1386.

مواصفات المظهر: 26 ج.

شابک : (ج.24) 6-53-7237-964-978 : (دوره) 8-46-7237-964-978

حالة الاستماع: فیپا

ملحوظة: العربية

ملحوظة: کتابنامه

موضوع : علي بن ابي طالب (علیه السلام) امام ،اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق .

موضوع : علي بن ابي طالب (علیه السلام) امام ،اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق. - - احادیث .

تصنيف الكونجرس: 5 م 6 ع / 37 BP

تصنيف ديوي: 951 / 297

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1064192

ص: 1

اشارة

مُسْنَد الْاِمام اَمیرُالْمُؤْمِنين

اَبِي الْحَسَن عَليِّ ابْنِ ابيطَالِب عليه السلام

الجُزءُ الخَامِسُ

جَمَعَهُ وَ رَتَبَهُ

الشَّیْخ عَزیزُ اللهِ العُطارِدَی

ص: 1

سرشناسه : عطاردی قوچانی ،عزیزالله، 1307 .

عنوان و نام پدیدآور: مسند الامام امیرالمؤمنین علی بن ابی طالب علیه السلام / جمعه و رتبه عزيز الله العطاردي.

ویراستار دیجیتالی: محمدرضا دهقانزاد

مشخصات نشر :تهران عطارد، 1386 .

مشخصات ظاهری : 26 ج.

شابک 978-964-7237-46-8 (os): 978-964-7237-51-2 (ج.5):

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

یادداشت: عربی .

یادداشت : کتابنامه

موضوع: علی بن ابی طالب (علیه السّلام)، امام اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق.

موضوع: علی بن ابی طالب (علیه السّلام)، امام اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق. - - احادیث.

رده بندی کنگره : 5 م 6 ع/ 37 BP

رده بندی دیویی :297/951

شماره کتابشناسی ملّی : 1064192

انتشارات عطارد

مرکز فرهنگی خراسان

82

اسم الكتاب: مسند الامام امیرالمؤمنین علی بن ابی طالب علیه السّلام

(ج 5)

المؤلّف: الشيخ عزيز الله العطاردي

الناشر: نشر عطارد

المطبعة افست • الطبعة الاولى: 1386

العدد: 3000

مرکز پخش: تجریش، خیابان در بند، نبش خیابان جعفرآباد، پلاک 340 و 342

تلفن: 22703362 - تلفکس: 22709053

«حقوق الطبع محفوظة للمؤلف»

شابک : (ج). 25 - 51 - 7237 - 964 - 978 ؛ دوره 8 - 46 - 7237 - 964 - 978

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

35- باب ماجری بینه عليه السلام والقاسطين

1- قال أبان سمعت سليم بن قيس يقول و سألته هل شهدت صفين فقال نعم قلت هل شهدت يوم الهرير قال نعم قلت كم كان أتى عليك من السن قال أربعون سنة قلت فحدثني رحمك الله قال نعم مهما نسيت من شيء من الأشياء فلا أنسى هذا الحديث ثم بكى و قال صفوا وصففنا.

فخرج مالك الأشتر على فرس. أدهم مجنب و سلاحه معلق على فرسه و بيده الرمح و هو يقرع به رءوسنا و يقول أقيموا صفوفكم فلما كتب الكتائب و أقام الصفوف أقبل على فرسه حتى قام بين الصفين فولى أهل الشام ظهره و أقبل علينا بوجهه.

فحمد الله و أثنى عليه وصلى على النبي صلّی الله علیه و آله ثم قال أما بعد فإنه كان من قضاء الله و قدره اجتماعنا في هذه البقعة. من الأرض لآجال قد اقتربت و أمور تصرمت يسوسنا فيها سيد المسلمين و أمير المؤمنين و خير الوصيين و ابن عم نبينا و أخوه و وارثه و سيوفنا سيوف الله و رئيسهم.

ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق و بقية الأحزاب يسوقهم إلى الشقاء و النار و نحن نرجو بقتالهم من الله الثواب و هم ينتظرون العقاب فإذا حمي الوطيس و ثار القتال و جالت الخيل بقتلانا و قتلاهم رجونا بقتالهم النصر من الله فلا أسمعن إلا غمغمة أو همهمة.

أيها الناس غضوا الأبصار و عضوا على النواجذ من الأضراس فإنها

ص: 3

أشد لضرب الرأس و استقبلوا القوم بوجوهكم و خذوا قوائم سيوفكم بأيمانكم فاضربوا الهام و اطعنوا بالرماح مما يلي الشرسوف فإنه مقتل و شدوا شدة قوم موتورين بآبائهم و بدماء إخوانهم حنقين على عدوهم.

قد وطنوا أنفسهم على الموت لكيلا تذلوا و لا يلزمكم في الدنيا عار ثم التقى القوم فكان بينهم أمر عظيم فتفرقوا عن سبعين ألف قتيل من جحاجحة العرب و كانت الوقعة يوم الخميس من حيث استقلت الشمس حتى ذهب ثلث الليل الأول ما سجد لله في ذينك العسكرين سجدة حتى مرت مواقيت الصلوات الأربع الظهر والعصر و المغرب و العشاء.

2- قال سليم ثم إن عليا علیه السّلام قام خطيبا فقال يا أيها الناس إنه قد بلغ بكم ما قد رأيتم و بعدوكم كمثل فلم يبق إلا آخر نفس و إن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغوا فيكم ما قد بلغوا و أنا غاد عليهم بالغداة إن شاء الله و محاكمهم إلى الله.

فبلغ ذلك معاوية ففزع فزعا شديدا و انكسر هو و جميع أصحابه و أهل الشام لذلك فدعا عمرو بن العاص فقال يا عمرو إنما هي الليلة حتى يغدو علينا فما ترى قال أرى الرجال قد قلوا و ما بقي فلا يقومون لرجاله و لست مثله.

و إنما يقاتلك على أمر و أنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء و ليس يخاف أهل الشام عليا إن ظفر بهم ما يخاف أهل العراق إن ظفرت بهم و لكن ألق إليهم أمرا فإن ردوه اختلفوا و إن قبلوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب الله و ارفع المصاحف على رءوس الرماح فإنك بالغ حاجتك فإني لم أزل أدخرها لك.

فعرفها معاوية و قال صدقت و لكن قد رأيت رأيا أخدع به عليا باب ماجری بینه عليه السلام والقاسطين

ص: 4

طلبي إليه الشام على الموادعة و هو الشيء الأول الذي ردني عنه فضحك عمرو و قال أين أنت يا معاوية من خديعة علي و إن شئت أن تكتب فاكتب قال فكتب معاوية إلى علي الا كتابا مع رجل من أهل السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة.

أما بعد فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت و علمناه نحن لم يجنها بعضنا على بعض و إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما نرم به ما مضى و نصلح ما بقي و قد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة و لا بيعة فأبيت ذلك فأعطاني الله ما منعت و أنا أدعوك إلى ما دعوتك إليه أمس.

فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجوه و لا تخاف من الفناء إلا ما أخاف و قد و الله رقت الأكباد و ذهبت الرجال و نحن بنو عبد مناف و ليس لبعضنا على بعض فضل يستدل به عزيز و لا يسترق به ذلیل و السلام.

3- قال سليم فلما قرأ علي علیه السّلام كتابه ضحك و قال العجب من معاوية و خديعته لي فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له اكتب أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنك لو علمت و علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك إلى ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض و إنا وإياك يا معاوية على غاية منها لم نبلغها بعد و أما طلبك الشام.

فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس و أما استواؤنا في الخوف و الرجاء فإنك لست بأمضى على الشك منى على اليقين و ليس أهل الشام أحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة و أما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض.

ص: 5

فكذلك نحن و لكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب ولا الطليق كالمهاجر و لا المنافق كالمؤمن ولا المبطل كالمحق في أيدينا فضل النبوة التي ملكنا بها العرب و استعبدنا بها العجم و السلام.

فلما انتهى كتاب علي علیه السّلام إلى معاوية كتمه عن عمرو ثم دعاه فأقرأه فشمت به عمرو و قد كان نهاه و لم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلة علیه السّلام من عمر و بعد اليوم الذي صرعه عن دابته فقال عمرو:

ألا الله درك يا ابن هند *** و در المرء ذي الحال المسود

أتطمع لا أبا لك في علي *** و قد قرع الحديد على الحديد

وترجو أن تخادعه بشك *** وترجو أن يهابك بالوعيد

و قد كشف القناع و جر حربا *** يشيب لهولها رأس الوليد

يقول لها إذا رجعت إليه *** و قابل بالطعان القوم عودي

فإن وردت فأولها ورودا *** و إن صدرت فليس بذي ورود

و ما هي من أبي حسن بنكر *** و ما هي من مسائك بالبعيد

و قلت له مقالة مستكين *** ضعيف القلب منقطع الوريد

طلبت الشام حسبك يا ابن هند *** من السوءات و الرأي الزهيد

و لو أعطاكها ما ازددت عزا *** و ما لك في استزادك من مزيد

فلم تكسر بهذا الرأي عودا ** سوى ما كان لا بل دون عود

فقال معاوية و الله لقد علمت ما أردت بهذا قال عمرو و ما أردت به قال عيبك رأيي و خلافك علي و إعظامك عليا لما فضحك يوم بارزته فضحك عمرو و قال أما خلافك و معصيتك فقد كانت و أما فضيحتي فلم يفتضح رجل بارز عليا فإن شئت أن تتلوها أنت منه فافعل فسكت معاوية

ص: 6

و فشا أمرهما في أهل الشام.

4- قال أبان قال سليم و مر علي علیه السّلام بجماعة من أهل الشام فيهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط و هم يشتمونه فأخبر بذلك فوقف فيمن يليهم من أصحابه ثم قال لهم انهضوا إليهم وعليكم السكينة و سيماء الصالحين و وقار الإسلام.

إن أقربنا من الجهل بالله و الجرأة عليه و الاغترار لقوم رئيسهم معاوية و ابن النابغة و أبو الأعور السلمي و ابن أبي معيط شارب الخمر و المجلود الحد في الإسلام والطريد مروان و هم هؤلاء يقومون و يشتمون و قبل اليوم ما قاتلوني و شتموني و أنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام و ه-م يدعونني إلى عبادة الأوثان.

فالحمد لله على ما عاداني الفاسقون إن هذا الخطب لجليل إن فساقا منافقين كانوا عندنا غير مؤتمنين و على الإسلام متخوفين خدعوا شطر هذه الأمة و أشربوا قلوبهم حب الفتنة و استمالوا أهواءهم إلى الباطل فقد نصبوا لنا الحرب وجدوا في إطفاء نور الله و الله متم نوره و لو كره الكافرون.

ثم حرض عليهم و قال إن هؤلاء لا يزالون عن موقفهم هذا دون طعن دراك تطير منه القلوب وضرب يفلق الهام و تطيح منه الأنوف و العظام و تسقط منه المعاصم و حتى تقرع جباههم بعمد الحديد و تنشر حواجبهم على صدورهم و الأذقان و النحور أين أهل الدين طلاب الأجر.

فثارت عليه عصابة نحو أربعة آلاف فدعا محمد بن الحنفية فقال يا بني امش نحو هذه الراية مشيا وئيدا على هينتك حتى إذا شرعت في صدورهم الأسنة فأمسك الأسنة فأمسك حتى يأتيك رأيي ففعل و أعد علي علیه السّلام مثلهم فلما

ص: 7

دنا محمد و أشرع الرماح في صدورهم أمر على علیه السّلام الذين كان أعدهم أن يحملوا معهم فشدوا عليهم و نهض محمد و من معه في وجوههم فأزالوهم عن مواقفهم وقتلوا عامتهم.

5- قال الثقفي كتب على علیه السّلام: من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى معاوية إن الله تبارك و تعالى ذا الجلال و الإكرام خلق الخلق و اختار خيرة من خلقه و اصطفى صفوة من عباده يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله و تعالى عما يشركون فأمر الأمر و شرع الدين و قسم القسم على ذلك و هو فاعله و جاعله و جاعله و هو الخالق و هو المصطفى و هو المشرع و هو القاسم و هو الفاعل لما يشاء.

له الخلق و له الأمر و له الخيرة و المشية و الإرادة و القدرة والملك السلطان أرسل رسوله خيرته و صفوته بالهدی و دين الحق و أنزل عليه كتابه فيه تبيان كل شيء من شرائع دينه فبينه لقوم يعلمون و فرض فيه الفرائض و قسم فيه سهاما أحل بعضها لبعض و حرم بعضها لبعض بينها.

يا معاوية إن كنت تعلم الحجة و ضرب أمثالا لا يعقلها إلا العالمون فأنا سائلك عنها أو بعضها إن كنت تعلم و اتخذ الحجة بأربعة أشياء على العالمين فما هي يا معاوية و لمن هي؟

و اعلم أنهن حجة لنا أهل البيت على من خالفنا و نازعنا و فارقنا و بغى علينا و المستعان الله عليه توكلت و عليه فليتوكل المتوكلون و كانت جملة تبليغه رسالة ربه فيما أمره و شرع و فرض و قسم جملة الدين يقول الله «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» هي لنا أهل البيت ليست لكم .

ثم نهى عن المنازعة و الفرقة و أمر بالتسليم و الجماعة كنتم أنتم القوم

ص: 8

الذين أقررتم الله ولرسوله بذلك فأخبركم الله أن محمدا صلّی الله علیه و آله لم يك أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين و قال عز و جل «أَ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» فأنت و شركاؤك.

يا معاوية القوم الذين انقلبوا على أعقابهم و ارتدوا و نقضوا الأمر و العهد فيما عاهدوا الله ونكثوا البيعة و لم يضروا الله شيئا ألم تعلم يا معاوية أن الأئمة منا ليست منكم و قد أخبركم الله أن أولي الأمر المستنبطوا العلم و أخبركم أن الأمر كله الذي تختلفون فيه و يرد إلى الله و إلى الرسول و إلى أولي الأمر المستنبطي العلم.

فمن أوفى بما عاهد الله عليه يجد الله موفيا بعهده يقول الله «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» و قال عز و جل «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَ آتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» وقال للناس بعدهم.

«فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ» فتبوأ مقعدك من جهنم و كفى بجهنم سعيرا نحن آل إبراهيم المحسودون و أنت الحاسد لنا.

خلق الله آدم بيده و نفخ فيه من روحه و أسجد له الملائكة و علمه الأسماء كلها و اصطفاه على العالمين فحسده الشيطان فكان من الغاوين و نوحا حسده قومه إذ قالوا «ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ» ذلك حسدا منهم لنوح أن يقروا له بالفضل و هو بشر و من بعده حسدوا هودا إذ يقول قومه.

«ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذا لَخَاسِرُونَ» قالوا ذلك حسدا أن يفضل الله من يشاء و يختص برحمته من يشاء و من قبل ذلك ابن آدم قابيل قتل

ص: 9

هابيل حسدا فكان من الخاسرين و طائفة من بني إسرائيل إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله.

فلما بعث الله لهم طالوت ملكا حسدوه و قالوا أنى يكون له الملك علينا و زعموا أنهم أحق بالملك منه كل ذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق و عندنا تفسيره و عندنا تأويله و قد خاب من افترى و نعرف فيكم شبهة و أمثاله و ما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون.

و كان نبينا صلّی الله علیه و آله فلما جاءهم كفروا به حسدا من عند أنفسهم أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده حسدا من القوم على تفضيل بعضنا على بعض ألا و نحن أهل البيت آل إبراهيم المحسودون حسدنا كما حسد آباؤنا من قبلنا سنة و مثلا قال الله و آل إبراهيم و آل لوط و آل عمران و آل یعقوب و آل موسی و آل هارون و آل داود.

فنحن آل نبينا محمد صلّی الله علیه و آله ألم تعلم يا معاوية أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و نحن أولو الأرحام قال الله تعالى « النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ» نحن أهل البيت.

اختارنا الله و اصطفانا وجعل النبوة فينا و الكتاب لنا و الحكمة و العلم والإيمان و بيت الله و مسكن إسماعيل و مقام إبراهيم فالملك لنا ويلك يا معاوية.

و نحن أولى بإبراهيم و نحن آله و آل عمران و أولى بعمران و آل لوط و نحن أولى بلوط و آل يعقوب و نحن أولى بيعقوب و آل موسی و آل هارون و آل داود و أولى بهم و آل محمد و أولى به و نحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ص: 10

و لكل نبي دعوة في خاصة نفسه و ذريته و أهله و لكل نبي وصية في آله ألم تعلم أن إبراهيم أوصى ابنه يعقوب و يعقوب أوصى بنيه إذ حضره الموت و أن محمدا أوصى إلى آله سنة إبراهيم و النبيين اقتداء بهم كما أمره الله ليس لك منهم و لا منه سنة في النبيين و في هذه الذرية التي بعضها من بعض قال الله لإبراهيم وإسماعيل و هما يرفعان القواعد من البيت.

«رَبَّنَا وَ اجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ» فنحن الأمة المسلمة و قالا «رَبَّنَا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ» فنحن أهل هذه الدعوة و رسول الله منا و نحن منه بعضنا من بعض و بعضنا أولى ببعض في الولاية و الميراث.

ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم و علينا نزل الكتاب و فينا بعث الرسول و علينا تليت الآيات و نحن المنتحلون للكتاب و الشهداء عليه و الدعاة إليه و القوام به فبأي حديث بعده يؤمنون.

أفغير الله يا معاوية تبغي ربا أم غير كتابه كتابا أم غير الكعبة بيت الله و مسكن إسماعيل و مقام أبينا إبراهيم تبغي قبلة أم غير ملته تبغي دينا أم غير الله تبغي ملكا فقد جعل الله ذلك فينا فقد أبديت عداوتك لنا و حسدك و بغضك و نقضك عهد الله وتحريفك آيات الله و تبديلك قول الله قال الله لإبراهيم:

«إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ» أفترغب عن ملته و قد اصطفاه الله في الدنيا و هو في الآخرة من الصالحين أم غير الحكم تبغي حكما أم غير المستحفظ منا تبغي إماما الإمامة لإبراهيم وذريته و المؤمنون تبع لهم لا يرغبون عن ملته قال:

«فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» أدعوك يا معاوية إلى الله و رسوله و كتابه و

ص: 11

ولي أمره الحكيم من آل إبراهيم و إلى الذي أقررت به زعمت إلى الله و الوفاء بعهده و ميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا.

و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هى أربى من أمة فنحن الأمة الأربى فلا تكونوا كالذين قالوا سمعنا و هم لا يسمعون اتبعنا و اقتدينا فإن ذلك لنا آل إبراهيم على العالمين مفترض.

فإن الأفئدة من المؤمنين و المسلمين تهوي إلينا و ذلك دعوة المرء المسلم فهل تنقم منا إلا أن آمنا بالله و ما أنزل إلينا واقتدينا و اتبعنا ملة إبراهيم صلوات الله عليه و على محمد و آله.

6- قال الثقفي كتب معاوية إلى علي ال : قد انتهى إلي كتابك فأكثرت فيه ذكر إبراهيم و إسماعيل و آدم و نوح و النبيين و ذكر محمد صلّی الله علیه و آله و قرابتكم منه و منزلتكم وحقك و لم ترض بقرابتك من محمد حتى انتسبت إلى جميع النبيين ألا و إنما كان محمد رسولا من الرسل إلى الناس كافة فبلغ رسالات ربه لا يملك شيئا غيره.

ألا و إن الله ذكر قوما جعلوا بينه و بين الجنة نسبا و قد خفت عليك أن تضارعهم ألا و إن الله أنزل في كتابه أنه «لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكَ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيُّ مِنَ الذُّلِّ».

فأخبرنا: ما فضل قرابتك و ما فضل حقك و أين وجدت اسمك في كتاب الله و ملكك و إمامتك وفضلك ألا وإنما نقتدي بمن كان قبلنا من الأئمة و الخلفاء الذين اقتدیت بهم فكنت كمن اختار و رضي و لسنا منكم.

قتل خليفتنا أمير المؤمنين عثمان بن عفان و قال الله «وَ مَنْ قُتِلَ

ص: 12

مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً فنحن أولى بعثمان و ذريته و أنتم أخذتموه على رضى من أنفسكم جعلتموه خليفة و سمعتم له و أطعتم.

7- قال الثقفى كتب على علیه السّلام الى معاوية :

أما الذي عيرتني به يا معاوية من كتابي وكثرة ذكر آبائي إبراهيم و إسماعيل و النبيين فإنه من أحب آباءه أكثر ذكرهم فذكرهم حب حب الله و رسوله و أنا أعيرك ببغضهم فإن بغضهم بغض الله و رسوله و أعيرك بحبك آبائك وكثرة ذكرهم فإن حبهم كفر.

و أما الذي أنكرت من نسبي من إبراهيم و إسماعيل و قرابتي من محمد صلّی الله علیه و آله و فضلي و حقي و ملكي و إمامتي فإنك لم تزل منكرا لذلك لم يؤمن به قلبك ألا و إنا أهل البيت كذلك لا يحبنا كافر و لا يبغضنا مؤمن.

و الذي أنكرت من قول الله عز و جل «فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» فأنكرت أن يكون فينا فقد قال الله «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ» و نحن أولى به.

و الذي أنكرت منه من إمامة محمد صلّی الله علیه و آله علمت أنه كان رسولا و لم يكن إماما فإن إنكارك ذلك على جميع النبيين الأئمة و لكنا نشهد أنه كان رسولا نبيا إماما صلّی الله علیه و آله و لسانك دليل على ما في قلبك.

و قال الله تعالى «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ وَ لَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَ اللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ» ألا و قد عرفناك قبل اليوم و عداوتك و حسدك و ما في قلبك من المرض الذي أخرجه الله.

و الذي أنكرت من قرابتي و حتي فإن سهمنا و حقنا في كتاب الله

ص: 13

قسمه لنا مع نبينا فقال «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى» و قال «فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» أو ليس وجدت سهمنا مع سهم الله و رسوله و سهمك مع الأبعدين لا سهم لك إن فارقته فقد أثبت الله سهمنا و أسقط سهمك بفراقك.

و أنكرت إمامتي و ملكي فهل تجد في كتاب الله قوله لآل إبراهيم و اصطفاهم على العالمين فهو فضلنا على العالمين أو تزعم أنك لست من العالمين أو تزعم أنا لسنا من آل إبراهيم فإن أنكرت ذلك لنا فقد أنكرت محمد صلّی الله علیه و آله فهو منا و نحن منه فإن استطعت أن تفرق بيننا و بين إبراهيم علیه السّلام و إسماعيل و محمد و آله فى كتاب الله فافعل.

8- روى الكليني عن علي بن الحسن المؤدب عن أحمد بن محمد بن خالد و أحمد بن محمد عن علي بن الحسن التيمي جميعا عن إسماعيل بن مهران قال حدثني عبد الله بن الحارث عن جابر عن أبي جعفر علیه السّلام قال خطب أمير المؤمنين علیه السّلام الناس بصفين فحمد الله و أثنى عليه وصلى على محمد النبي صلّی الله علیه و آله ثم قال:

أما بعد فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم و منزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم و لكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم و الحق أجمل الأشياء فى التواصف وأوسعها فى التناصف لا يجري لأحد إلا جرى عليه و لا يجري عليه إلا جرى له و لو كان لأحد أن يجري ذلك له و لا يجري عليه.

لكان ذلك الله عز و جل خالصا دون خلقه لقدرته على عباده و العدله في كل ما جرت عليه ضروب قضائه و لكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل كفارتهم عليه بحسن الثواب تفضلا منه و تطولا بكرمه و

ص: 14

توسعا بما هو من المزيد له أهلا.

ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافي في وجوهها و يوجب بعضها بعضا و لا يستوجب بعضها إلا ببعض فأعظم مما افترض الله تبارك و تعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية و حق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله عز و جل لكل على كل فجعلها نظام ألفتهم و عزا لدينهم و قواما لسنن الحق فيهم.

فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه و أدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم فقامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل و جرت على أذلالها السنن.

فصلح بذلك الزمان و طاب به العیش و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء و إذا غلبت الرعية واليهم و علا الوالي الرعية اختلفت هنالك الكلمة وظهرت مطامع الجور و كثر الإدغال في الدين و تركت معالم السنن.

فعمل بالهوى و عطلت الآثار وكثرت علل النفوس و لا يستوحش لجسيم حد عطل ولا لعظيم باطل أثل فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار و تخرب البلاد و تعظم تبعات الله عز و جل عند العباد.

فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز و جل و القيام بعدله و الوفاء بعهده و الإنصاف له في جميع حقه فإنه ليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك و حسن التعاون عليه و ليس أحد و إن اشتد على رضا الله حرصه و طال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله و لكن من واجب حقوق الله عز و جل على العباد النصيحة له

ص: 15

بمبلغ جهدهم و التعاون على إقامة الحق فيهم.

ثم ليس امرؤ و إن عظمت في الحق منزلته و جسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله عز و جل من حقه و لا لامرئ مع ذلك خسأت به الأمور واقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك و يعان عليه و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة و كل في الحاجة إلى الله عز و جل شرع سواء.

فأجابه رجل من عسكره لا يدرى من هو و يقال إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده.

فقال و أحسن الثناء على الله عز و جل بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقه عليهم و الإقرار بكل ما ذكر من تصرف الحالات به و بهم.

ثم قال: أنت أميرنا و نحن رعيتك بك أخرجنا الله عز و جل من الذل و بإعزازك أطلق عباده من الغل فاختر علينا و أمض اختيارك و ائتمر فأمض ائتمارك فإنك القائل المصدق و الحاكم الموفق و الملك المخول لا نستحل في شيء معصيتك و لا نقيس علما بعلمك يعظم عندنا في ذلك خطرك و يجل عنه في أنفسنا فضلك.

فأجابه أمير المؤمنين علیه السّلام.

فقال: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه و جل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه و إن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه و لطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما و إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس.

أن يظن بهم حب الفخر و يوضع أمرهم على الكبر و قد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء و استماع الثناء و لست بحمد الله

ص: 16

كذلك و لو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا الله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة و الكبرياء.

و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله و إليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة و لا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة و لا تخالطوني بالمصانعة و لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي و لا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي.

فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عني مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق ما أن أخطى و لا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني.

فإنما أنا و أنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا و أخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.

فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل.

فقال أنت أهل ما قلت والله والله فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا یکفر و قد حملك الله تبارك و تعالى رعايتنا و ولاك سياسة أمورنا فأصبحت علمنا الذي نهتدي به و إمامنا الذي نقتدي به و أمرك كله رشد و قولك كله أدب قد قرت بك في الحياة أعيننا و امتلأت من سرور بك قلوبنا و تحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا و لسنا نقول لك:

أيها الإمام الصالح تزكية لك و لا نجاوز القصد في الثناء عليك و لم يكن في أنفسنا طعن على يقينك أو غش في دينك فنتخوف أن تكون

ص: 17

أحدثت بنعمة الله تبارك وتعالى تجبرا أو دخلك كبر و لكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله عز و جل بتوقيرك و توسعا بتفضيلك و شكرا بإعظام أمرك.

فانظر لنفسك و لنا و آثر أمر الله على نفسك و علينا فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا.

فأجابه أمير المؤمنين علیه السّلام.

فقال: و أنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم و عما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه و السؤال عما كنا فيه ثم يشهد بعضنا على بعض فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا فإن الله عز و جل لا يخفى عليه خافية و لا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.

فأجابه الرجل و يقال لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين علیه السّلام فأجابه وقد عال الذي في صدره فقال والبكاء يقطع منطقه و غصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته و وحشة من كون فجيعته.

فحمد الله و أثنى عليه ثم شكا إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم و الذل الطويل في فساد زمانه و انقلاب جده و انقطاع ما كان من دولته ثم نصب المسألة إلى الله عز و جل بالامتنان عليه و المدافعة عنه بالتفجع و حسن الثناء.

فقال يا رباني العباد و يا سكن البلاد أين يقع قولنا من فضلك و أين يبلغ وصفنا من فعلك و أنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك فكيف و بك جرت نعم الله علينا و على يدك اتصلت أسباب الخير إلينا ألم تكن لذل الذليل ملاذا و للعصاة الكفار إخوانا فيمن إلا بأهل بيتك و بك.

ص: 18

أخرجنا الله عز و جل من فظاعة تلك الخطرات أو بمن فرج عنا غمرات الكربات و بمن إلا بكم أظهر الله معالم ديننا و استصلح ما كان فسد من دنيانا حتى استبان بعد الجور ذكرنا و قرت من رخاء العيش أعيننا لما وليتنا بالإحسان جهدك ووفيت لنا بجميع وعدك و قمت لنا على جميع عهدك.

فكنت شاهد من غاب منا و خلف أهل البيت لنا و كنت عز ضعفائنا و ثمال فقرائنا و عماد عظمائنا يجمعنا في الأمور عدلك و يتسع لنا في الحق تأنيك فكنت لنا أنسا إذا رأيناك و سكنا إذا ذكرناك.

فأي الخيرات لم تفعل و أي الصالحات لم تعمل و لو لا أن الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا و تقوى لمدافعته طاقتنا أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا و بمن نفديه بالنفوس من أبنائنا.

لقدمنا أنفسنا و أبناءنا قبلك ولأخطرناها و قل خطرها دونك و لقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك و في مدافعة من ناواك و لكنه سلطان لا يحاول و عز لا يزاول و رب لا يغالب فإن يمنن علينا بعافيتك و يترحم علينا ببقائك و يتحنن علينا بتفريج.

هذا من حالك إلى سلامة منك لنا و بقاء منك بين أظهرنا نحدث لله عز و جل بذلك شكرا نعظمه و ذكرا نديمه و نقسم أنصاف أموالنا صدقات و أنصاف رقيقنا عتقاء ونحدث له تواضعا في أنفسنا و نخشع في جميع أمورنا و إن يمض بك إلى الجنان و يجري عليك حتم سبيله فغير متهم فيك قضاؤه و لا مدفوع عنك بلاؤه و لا مختلفة مع ذلك قلوبنا.

بأن اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه و لكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا و للدين والدنيا أكيلا فلا نرى لك خلفا

ص: 19

نشكو إليه و لا نظيرا نأمله و لا نقيمه.

9-النعماني عن أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة و محمد بن همام ابن سهيل و عبد العزيز وعبد الواحد ابنا عبد الله بن يونس الموصلي عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس.

10- عنه أخبرنا به من غير هذه الطرق هارون بن محمد قال حدثني أحمد بن عبيد بن جعفر بن المعلى الهمداني قال حدثني أبو الحسن عمرو ابن جامع بن عمرو بن حرب الكندي قال حدثنا عبد الله بن المبارك شيخ لنا كوفي ثقة قال حدثنا عبد الرزاق بن همام شيخنا عن معمر عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.

و ذكر أبان أنه سمعه أيضا عن عمر بن أبي سلمة قال معمر و ذكر أبو هارون العبدي أنه سمعه أيضا عن عمر بن أبي سلمة عن سليم أن معاوية لما دعا أبا الدرداء و أبا هريرة و نحن مع أمير المؤمنين علي علیه السّلام بصفين فحملها الرسالة إلى أمير المؤمنين علي علیه السّلام و أدياه إليه

قال قد بلغتماني ما أرسلكما به معاوية فاستمعا مني و و أبلغاه عني کما بلغتماني قالا نعم فأجابه علي علیه السّلام الجواب بطوله حتى إذا انتهى إلى ذكر نصب رسول الله صلّی الله علیه و آله إياه بغدير خم بأمر الله تعالى قال لما نزل عليه «إنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ».

فقال الناس يا رسول الله أخاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم فأمر الله تعالى نبيه صلّی الله علیه و آله أن يعلمهم ولاية من أمرهم الله بولايته و أن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم و زكاتهم و صومهم و حجهم قال

ص: 20

علي علیه السّلام فنصبني رسول الله بغدير خم و قال إن الله عز و جل أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبوني فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني قم يا علي.

ثم نادى بأعلى صوته بعد أن أمر أن ينادى بالصلاة جامعة فصلى بهم الظهر ثم قال يا أيها الناس إن الله مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم منهم بأنفسهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه.

فقام إليه سلمان الفارسي فقال يا رسول الله ولاء ما ذا فقال ما ذا فقال من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه فأنزل الله عز و جل «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَقَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً»، فقال له سلمان:

يا رسول الله أنزلت هذه الآيات في علي خاصة قال بل فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة فقال يا رسول الله بينهم لي قال علي أخي و وصيي و وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي و أحد عشر إماما من ولده أولهم ابني حسن ثم ابني حسين ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد هم مع القرآن و القرآن معهم لا يفارقونه و لا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض.

فقام اثنا عشر رجلا من البدريين فقالوا نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلّی الله علیه و آله كما قلت يا أمير المؤمنين سواء لم تزد و لم تنقص و قال بقية البدريين الذين شهدوا مع علي صفين قد حفظنا جل ما قلت و لم نحفظ كله و هؤلاء الاثنا عشر خيارنا و أفاضلنا فقال علي الا صدقتم ليس كل الناس يحفظ و بعضهم أفضل من بعض.

ص: 21

و قام من الاثني عشر أربعة أبو الهيثم بن التيهان و أبو أيوب و عمار و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقالوا نشهد أنا قد حفظنا قول رسول الله صلّی الله علیه و آله يومئذ و الله إنه لقائم و علي علیه السّلام قائم إلى جانبه و هو يقول.

يا أيها الناس إن الله أمرني أن أنصب لكم إماما يكون وصيي فيكم و خليفتي في أهل بيتي و في أمتي من بعدي و الذي فرض الله طاعته على المؤمنين في كتابه و أمركم فيه بولايته فقلت يا رب خشيت طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لأبلغنها أو ليعاقبني.

أيها الناس إن الله عز وجل أمركم في كتابه بالصلاة وقد بينتها لكم و سننتها لكم والزكاة والصوم فبينتهما لكم وفسرتها و قد أمركم الله في كتابه بالولاية وإني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لهذا و لأوصيائي من ولدي و ولده أولهم ابني الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد الحسين لا يفارقون الكتاب حتى يردوا علي الحوض.

يا أيها الناس إني قد أعلمتكم مفزعكم بعدي و إمامكم و وليكم و هاديكم بعدي و هو علي بن أبي طالب أخي و هو فيكم بمنزلتي فقلدوه دينكم و أطيعوه في و أطيعوه في جميع أموركم فإن عنده جميع ما علمني الله عز و جل أمرني الله عز و جل أن أعلمه إياه و أن أعلمكم أنه عنده.

فسلوه و تعلموا منه و من أوصيائه ولا تعلموهم و لا تتقدموا عليهم و لا تتخلفوا عنهم فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلهم ولا يزايلونه.

ثم قال علي علیه السّلام لأبي الدرداء و أبي هريرة و من حوله يا أيها الناس أتعلمون أن الله تبارك و تعالى أنزل في كتابه إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فجمعني رسول الله و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السّلام في كساء ثم قال.

ص: 22

اللهم هؤلاء أحبتي و عترتي و ثقلي و خاصتي و أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة و أنا فقال صلّی الله علیه و آله لها و أنت إلى خير إنما أنزلت في و في أخي علي و في ابنتي فاطمة و في ابني الحسن و الحسين و في تسعة من من ولد الحسين علیهم السّلام خاصة.

ليس فيها معنا أحد غيرنا فقام جل الناس فقالوا نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول الله صلّى الله عليه و آله فحدثنا كما حدثتنا أم سلمة.

فقال على علیه السّلام ألستم تعلمون أن الله عز وجل أنزل في سورة الحج «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ جَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَةَ أَبِیکُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ في هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ».

فقام سلمان رضي الله عنه عند نزولها فقال يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت شهيد عليهم و هم شهداء على الناس الذين اجتباهم الله و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله عنة الله تعالى بذلك ثلاثة عشر إنسانا أنا و أخى عليا و أحد عشر من ولده فقالوا اللهم نعم قد سمعنا ذلك من رسول الله صلّی الله علیه و آله.

فقال على علیه السّۀام أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلّى الله عليه و آله قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك فقال أيها الناس إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله عز و جل و أهل بيتي فإن اللطيف الخبير قد أخبرني و عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فقالوا نعم.

اللهم قد شهدنا ذلك كله من رسول الله صلّى الله عليه و آله فقام اثنا عشر رجلا من الجماعة فقالوا نشهد أن رسول الله حين خطب في اليوم الذي قبض فيه

ص: 23

قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال يا رسول الله لكل أهل بيتك فقال لا و لكن لأوصيائي منهم علي أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي و هو أولهم وخيرهم.

ثم وصيه بعده ابني هذا و أشار إلى الحسن ثم وصيه ابني هذا و أشار إلى الحسين ثم وصيه ابني بعده سمي أخي ثم وصيه بعده سميي ثم سبعة من ولده واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض شهداء الله في أرضه و حججه على خلقه من أطاعهم أطاع الله و من عصاهم عصى الله.

فقام السبعون البدريون ونحوهم من المهاجرين فقالوا ذكرتمونا ما كنا نسيناه نشهد أنا قد كنا سمعنا ذلك من رسول الله صلّی الله علیه و آله.

فانطلق أبو الدرداء و أبو هريرة فحدثا معاوية بكل ما قال علي علیه السّلام و ما استشهد عليه و ما رد عليه الناس و شهدوا به.

11- ابو عبدالله المفيد عن محمد بن الحسن عن محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي عن نصر بن أحمد عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن محمد بن إسحاق عن صالح بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف قال حدثني شيخ من أسلم شهد صفين مع القوم قال والله إن الناس على سكناتهم فما راعنا إلا صوت عمار بن ياسر حين اعتدلت الشمس أو كادت أن تعتدل و هو يقول.

أيها الناس من رائح إلى الجنة كالظمآن يروى الماء ما الجنة إلا تحت أطراف العوالي اليوم ألقى الأحبة محمدا و حزبه يا معشر المسلمين اصدقوا الله فيهم فإنهم والله أبناء الأحزاب دخلوا في هذا الدين كارهين حين أذلتهم حد السيوف و خرجوا منه طائعين حتى أمكنتهم الفرصة و كان يومئذ ابن تسعين سنة قال.

ص: 24

فو الله ما كان إلا الإلجام و الإسراج و قال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص إن هذه الراية قد قاتلتنا ثلاث عركات و ما هي بأشدهن ثم حمل و هو يقول.

نحن ضربناكم على تنزيله *** فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله *** و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق إلى سبيله *** يا رب إني مؤمن بقيله

ثم استسقي عمار و اشتد ظماؤه فأتته امرأة طويلة اليدين ما أدرى أعسل معها أم إداوة فيها ضياح من لبن و قال الجنة تحت الأسنة اليوم ألق الأحبة محمدا و حزبه و الله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم حمل و حمل عليه ابن جوين السكسكي و أبو العادية الفزاري فأما أبو العادية فطعنه و أما ابن جوين اجتز رأسه لعنهم الله.

12- عنه عن أحمد بن هارون الفامي عن محمد بن الحسن عن محمد ابن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي عن أحمد بن النضر الخزاز عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر علیه السّلام قال شهد مع علي بن أبي طالب علیه السّلام من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول الله صلّى الله عليه و آله بالجنة و لم يرهم أويس القرني و زيد الله ابن صوحان العبدي و جندب الخير الأزدي رحمة الله عليهم.

13- عنه من كلامه علیه السّلام لما عمل على المسير إلى الشام لقتال معاوية ابن أبي سفيان بعد حمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله صلّی الله علیه و آله اتقوا الله عباد الله وأطيعوه وأطيعوا إمامكم فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل ألا و إن الرعية الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر و قد أصبح

ص: 25

معاوية غاصبا لما في يديه من حقي ناكثا لبيعتي طاعنا في دين الله عز و جل و قد علمتم أيها المسلمون ما فعل الناس بالأمس و جئتموني راغبين إلي في أمركم.

حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني فالتويت عليكم لأبلو ما عندكم فراددتموني القول مرارا و رادد تكموه و تكأكأتم على تكأكؤ الإبل الهيم على حياضها حرصا على بيعتي حتى خفت أن يقتل بعضكم بعضا فلما رأيت ذلك منكم رويت في أمري و أمركم و قلت إن أنا لم أجبهم إلى القيام بأمرهم لم يصيبوا أحدا منهم يقوم فيهم مقامي و يعدل فيهم عدلي و قلت. و الله لألينهم و هم يعرفون حقي و فضلي أحب إلي من أن يلوني و هم لا يعرفون حقي و فضلي فبسطت لكم يدي فبايعتموني يا معشر المسلمين و فيكم المهاجرون و الأنصار و التابعون بإحسان فأخذت عليكم عهد بيعتي و واجب صفقتي عهد الله و ميثاقه و أشد ما أخذ على النبيين من عهد و ميثاق لتفن لي و لتسمعن لأمري و لتطيعوني و تناصحوني و تقاتلون معي كل باغ علي أو مارق إن مرق فأنعمتم لي بذلك جميعا.

فأخذت عليكم عهد الله و ميثاقه و ذمة الله و ذمة رسوله فأجبتموني إلى ذلك و أشهدت الله عليكم و أشهدت بعضكم على بعض فقمت فيكم بكتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه و آله فالعجب من معاوية بن ، سفيان ينازعني الخلافة و يجحدني الإمامة و يزعم أنه أحق بها مني جرأة منه على الله و على رسوله بغير حق له فيها و لا حجة لم يبايعه عليها المهاجرون و لا سلم له الأنصار و المسلمون.

يا معشر المهاجرين والأنصار و جماعة من سمع كلامي أما أوجبتم لي على أنفسكم الطاعة أما بايعتموني على الرغبة أما أخذت عليكم العهد

ص: 26

بالقبول لقولي أما كانت بيعتي لكم يومئذ أوكد من بيعة أبي بكر و عمر فما بال من خالفني لم ينقض عليهما حتى مضيا و نقض علي و لم يف لي أما يجب عليكم نصحي و يلزمكم أمري.

أما تعلمون أن بيعتي تلزم الشاهد منكم و الغائب فما بال معاوية و أصحابه طاعنين في بيعتي و لم لم يفوا بها لي و أنا في قرابتي وسابقتي و صهري أولى بالأمر ممن تقدمنى أما سمعتم قول رسول الله صلّى الله عليه و آله يوم الغدير في ولايتي و موالاتي فاتقوا الله أيها المسلمون و تحاتوا على جهاد معاوية القاسط الناكث و أصحابه القاسطين.

اسمعوا ما أتلو عليكم من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل لتتعظوا فإنه والله عظة لكم فانتفعوا بمواعظ الله و از دجروا عن معاصي الله فقد صَدَ وعظكم الله بغيركم فقال النبيه صلّی الله علیه و آله :

«أَ لَمْ تَرَ إِلَى المَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيِّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً تُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قَالُوا وَ ما لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَ قَدْ أَخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَ أَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.

وَ قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَ زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ».

أيها الناس إن لكم في هذه الآيات عبرة لتعلموا أن الله تعالى جعل الخلافة و الإمرة من بعد الأنبياء في أعقابهم و أنه فضل طالوت و قدمه على الجماعة باصطفائه إياه و زيادته بسطة في العلم و الجسم فهل تجدون الله

ص: 27

اصطفى بني أمية على بني هاشم و زاد معاوية علي بسطة في العلم و الجسم فاتقوا الله عباد الله و جاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم له قال الله سبحانه:

«لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» «كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ» «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا» «وَ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ».

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» «يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»

اتقوا الله عباد الله وتحانوا على الجهاد مع إمامكم فلو كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر إذا أمرتهم أطاعوني و إذا استنهضتهم نهضوا معي لاستغنيت بهم عن عن كثير منكم و أسرعت النهوض إلى حرب معاوية و أصحابه فإنه الجهاد المفروض.

14- عنه من كلامه علیه السّلام وقد بلغه عن معاوية و أهل الشام ما يؤذيه من الكلام:

فقال الحمد لله قديما و حديثا ما عاداني الفاسقون فعاداهم الله ألم تعجبوا إن هذا لهو الخطب الجليل إن فساقا غير مرضيين و عن الإسلام و أهله منحرفين خدعوا بعض هذه الأمة و أشربوا قلوبهم حب الفتنة و استمالوا أهواءهم بالإفك و البهتان قد نصبوا لنا الحرب وهبوا في إطفاء نور الله و الله متم نوره ولو كره الكافرون اللهم فإن ردوا الحق فاقصص

ص: 28

جذمتهم و شتت كلمتهم و أبسلهم بخطاياهم فإنه لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت.

15-عنه من كلامه علیه السّلام في تحضيضه على القتال يوم صفين.

عباد الله اتقوا الله و غضوا الأبصار و اخفضوا الأصوات و أقلوا الكلام و وطنوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة والمبارزة و المبالطة والمبالدة و المعانقة و المكادمة و اثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا إن الله مع الصابرين اللهم ألهمهم الصبر و أنزل عليهم النصر و أعظم لهم الأجر.

16- عنه من كلامه علیه السّلام أيضا في هذا المعنى:

معاشر المسلمين إن الله قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم و تشفي بكم على الخير العظيم الإيمان بالله و رسوله صلّی الله علیه و آله و الجهاد في سبيله و جعل ثوابه مغفرة الذنب و مساكن طيبة في جنات عدن ثم أخبركم أنه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص.

فقدموا الدارع و أخروا الحاسر و عضوا على الأضراس فإنه أني للسيوف عن الهام والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة و غضوا الأبصار فإنه أضبط الجأش و أسكن للقلوب و أميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل و أولى بالوقار و رايتكم فلا تميلوها و لا تخلوها و لا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم.

فإن المانعين للذمار الصابرين على نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم و يكتنفونها رحم الله امرأ منكم آسى أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك لائمة و يأتي به دناءة فلا تعرضوا لمقت الله ولا تفروا من الموت.

ص: 29

فإن الله سبحانه و تعالى يقول «قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا» و ايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة فاستعينوا بالصبر والصلاة والصدق في النية فإن الله تعالى بعد الصبر ينزل النصر.

17- عنه من كلامه الا وقد مر براية لأهل الشام لا يزول أصحابها عن مواقفهم صبرا على قتال المؤمنين.

فقال لأصحابه إن هؤلاء لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم و ضرب يفلق الهام و يطيح العظام و تسقط منه المعاصم و الأكف و حتى تصدع جباههم بعمد الحديد و تنتثر ح-واج-به-م ع-لى الصدور و الأذقان أين أهل البصر أين طلاب الأجر. فثار إليهم حينئذ عصابة من المسلمين فكشفوهم.

18- عنه من كلامه علیه السّلام في هذا المعنى:

إن هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحق و لا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر و حتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب و حتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس و حتى تدعق الخيول في نواحي أرضهم و بأعنان مساربهم و مسارحهم و حتى تشن الغارات في كل فج وتخفق عليهم الرايات و يلقاهم قوم صدق صبر.

لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم و موتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله و حرصا على لقاء الله والله لقد كنا مع النبي صلّی الله علیه و آله يقتل آباؤنا و أبناؤنا و إخواننا وأعمامنا لا يزيدنا ذلك إلا إيمانا و تسليما و مضيا على مض الألم و جرأة على جهاد العدو و استقلالا بمبارزة الأقران و لقد كان الرجل منا و الآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين و يتخالسان

ص: 30

أنفسهما أيهما يسقى صاحبه كأس المنية فمرة لنا من عدونا و مرة لعدونا منا.

فلما رآنا الله تعالى صبرا صدقا أنزل بعدونا الكبت و أنزل علينا النصر و العمري لو كنا نأتي مثل ما أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام وايم الله لتحتلبنها دما عبيطا فاحفظوا ما أقول.

19 - عنه من كلامه علیه السّلام حين رجع أصحابه عن القتال بصفين لما اغترهم معاوية برفع المصاحف فانصرفوا عن الحرب.

لقد فعلتم فعلة ضعضعت من الإسلام قواه و أسقطت منته و أورثت وهنا و ذلة لما كنتم الأعلين و خاف عدوكم الاجتياح و استحر بهم القتل و وجدوا ألم الجراح.

رفعوا المصاحف و دعوكم إلى ما فيها ليفتئوكم عنهم و يقطعوا الحرب فيما بينكم و بينهم و يتربصوا بكم ريب المنون خديعة و مكيدة فما أنتم إن جامعتموهم على ما أحبوا و أعطيتموهم الذي سألوا إلا مغرورون و ايم الله ما أظنكم بعدها موافقي رشد و لا مصيبي حزم.

20- عنه من كلامه الا بعد كتب الصحيفة بالموادعة و التحكيم وقد اختلف عليه أهل العراق في ذلك.

و الله ما رضيت و لا أحببت أن ترضوا فإذ أبيتم إلا أن ترضوا فقد رضيت و إذا رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرضا و لا التبديل بعد الإقرار إلا أن يعصى الله بنقض العهد و يتعدى كتابه بحل العقد فقاتلوا حينئذ من ترك أمر الله.

و أما الذي ذكرتم عن الأشتر من تركه أمري بخط يده في الكتاب و خلافه ما أنا عليه فليس من أولئك و لا أخافه على ذلك و ليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوكم ما يرى إذا لخفت علي

ص: 31

مئونتكم و رجوت أن يستقيم لي بعض أودكم و قد نهيتكم عما أتيتم فعصيتموني فكنت أنا و أنتم كما قال أخو هوازن:

و هل أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت و إن ترشد غزية أرشد

21 - عنه قال حدثني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي قال حدثنا علي ابن عبد الله بن أسد الأصفهاني قال حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي قال حدثنا إسماعيل بن يسار قال حدثنا عبد الله بن ملح عن عبد الوهاب بن إبراهيم الأزدي عن أبي صادق عن مزاحم بن عبد الوارث عن محمد بن زكريا عن شعيب بن واقد المزني عن محمد بن سهل مولى سليمان بن علي ابن عبد الله بن العباس عن أبيه عن قيس مولى علي بن أبي طالب علیه السّلام قال:

إن عليا أمير المؤمنين علیه السّلام كان قريبا من الجبل بصفين فحضرت صلاة المغرب فأمعن بعيدا ثم أذن فلما فرغ من أذانه إذا رجل مقبل نحو الجبل أبيض الرأس و اللحية و الوجه فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته مرحبا بوصي خاتم النبيين و قائد الغر المحجلين و الأغر المأمون والفاضل الفائز بثواب الصديقين وسيد الوصيين.

فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام و عليك السلام كيف حالك فقال بخير أنا منتظر روح القدس القدس ولا و لا أعلم أحدا أعظم في الله عز و جل اسمه بلاء و لا أحسن ثوابا منك و لا أرفع عند الله مكانا أصبر يا أخي على ما أنت فيه حتى تلقى الحبيب.

فقد رأيت أصحابنا ما لقوا بالأمس من بني إسرائيل نشروهم بالمناشير وحملوهم على الخشب.

و لو يعلم هذه الوجوه التربة الشائهة و أومأ بيده إلى أهل الشام ما أعد لهم في قتالك من عذاب و سوء نكال لأقصروا و لو تعلم هذه الوجوه

ص: 32

المبيضة و أومأ بيده إلى أهل العراق ما ذا لهم من الثواب في طاعتك لودت أنها قرضت بالمقاريض و السلام عليك ورحمة الله و بركاته ثم غاب من موضعه.

فقام عمار بن ياسر و أبو الهيثم بن التيهان و أبو أيوب الأنصاري و عبادة بن الصامت و خزيمة بن ثابت و هاشم المرقال في جماعة من شيعة أمير المؤمنين علیه السّلام و قد كانوا سمعوا كلام الرجل فقالوا يا أمير المؤمنين من هذا الرجل فقال لهم أمير المؤمنين علیه السّلام.

هذا شمعون وصي عيسى علیه السّلام بعثه الله يصبرني على قتال أعدائه فقالوا له فداك آباؤنا وأمهاتنا و الله لننصرنك نصرنا الرسول الله صلّی الله علیه و آله و لا يتخلف عنك من المهاجرين والأنصار إلا شقي فقال لهم أمير المؤمنين علیه السّلام معروفا.

22- عنه قال حدثنا أبو الحسن علي بن بلال المهلبي قال حدثنا أبو أحمد العباس بن الفضل بن جعفر الأزدي المكي بمصر قال حدثنا علي بن سعيد بن بشير الرازي قال حدثنا علي بن عبد الواحد عن محمد بن أبان قال حدثنا محمد بن تمام بن سابق قال حدثنا عامر بن سيار عن أبي الصباح عن أبي تمام عن كعب الخبر قال:

جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله قبل أن يسلم فقال يا رسول الله صلّی الله علیه و آله ما اسم علي فيكم فقال له النبي صلّی الله علیه و آله علي عندنا الصديق الأكبر فقال عبد الله أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إنا لنجد في التوراة محمد نبي الرحمة و علي مقيم الحجة.

23- قال الرضي: وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد و قدم عليه عاملاه على اليمن و هما عبيد الله بن عباس و

ص: 33

سعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة فقام علیه السّلام على المنبر ضجرا يتناقل أصحابه عن الجهاد و مخالفتهم له في الرأي فقال.

ما هي إلا الكوفة أقبضها و أبسطها إن لم تكوني إلا أنت تهب أعاصيرك فقبحك الله وتمثل بقول الشاعر.

لعمر أبيك الخير يا عمرو إنني *** على وضر من ذا الإناء قليل

ثم قال علیه السّلام: لا أنبئت بسرا قد اطلع اليمن و إني و الله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم و تفرقكم عن حقكم و بمعصيتكم إمامكم في الحق وطاعتهم إمامهم في الباطل و بأدائهم الأمانة إلى صاحبهم و خیانتکم و بصلاحهم في بلادهم و فسادكم فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته.

اللهم إني قد مللتهم وملوني و سئمتهم و سئموني فأبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا منى اللهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء أما والله لوددت أن لى بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم.

هنالك لو دعوت أتاك منهم *** فوارس مثل أرمية الحمیم

ثم نزل علیه السّلام من المنبر.

24 – عنه و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد إرساله جرير بن عبد الله البجلى إلى معاوية إن استعدادي لحرب أهل الشام و جرير عندهم إغلاق للشام و صرف لأهله عن خير إن أرادوه و لكن قد وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا و الرأي عندي مع الأناة فأرودوا و لا أكره لكم الإعداد.

و لقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه و قلبت ظهره و بطنه فلم أر لي

ص: 34

فيه إلا القتال أو الكفر بما جاء محمد صلّی الله علیه و آله إنه قد كان على الأمة وال أحدث أحداثا و أوجد الناس مقالا فقالوا ثم نقموا فغيروا

25- عنه قال علیه السّلام : الحمد لله كلمها وقب ليل و غسق و الحمد لله كلما لاح نجم و خفق و الحمد لله غير مفقود الإنعام ولا مكافئ الإفضال أما بعد فقد بعثت مقدمتي و أمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري و قد رأيت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين أكناف دجلة فأنهضهم معكم إلى عدوكم و أجعلهم من أمداد القوة لكم.

26- عنه لما غلب أصحاب معاوية أصحابه علیه السّلام على شريعة الفرات بصفين و منعوهم الماء:

قد استطعموكم القتال فأقروا على مذلة و تأخير محلة أو رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء فالموت في حياتكم مقهورين و الحياة في موتكم قاهرين ألا و إن معاوية قاد لمة من الغواة و عمس عليهم الخبر حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية.

27- عنه و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين.

أما قولكم أكل ذلك كراهية الموت فوالله ما أبالي ادخلت إلى الموت أو خرج الموت إلي و أما قولكم شكا في أهل الشام فوالله ما دفعت الحرب يوما إلا و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي و تعشو إلى ضوئي و ذلك أحب إلي من أن أقتلها على ضلالها و إن كانت تبوء بآثامها.

28- عنه كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين:

معاشر المسلمين استشعروا الخشية و تجليبوا السكينة وعضوا على النواجذ فإنه أنبي للسيوف عن الهام و أكملوا اللأمة و قلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها و الحظوا الخزر و اطعنوا الشزر و نافحوا بالظبي وصلوا

ص: 35

السيوف بالخطا.

و اعلموا أنكم بعين الله و مع ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله فعاودوا الكر و استحيوا من الفر فإنه عار في الأعقاب و نار يوم الحساب و طيبوا عن أنفسكم نفسا و امشوا إلى الموت مشيا سجحا.

و عليكم بهذا السواد الأعظم و الرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان كامن في كسره و قد قدم للوثبة يدا و أخر للنكوص رجلا فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق «وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ وَ أَعْمَالَكُمْ».

29 - عنه لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان:

أو لم ينه أمية علمها بي عن قرفي أو ما وزع الجهال سابقتي عن تهمتي و لما وعظهم الله به أبلغ من لساني به أبلغ من لساني أنا حجيج المارقين و خصيم الناكثين المرتابين و على كتاب الله تعرض الأمثال و بما في الصدور تجازى العباد.

30- عنه إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد صلّی الله عیه و آله تفويقا لأنفضنهم نفض اللحام الوذام التربة.

31- عنه لما عزم على لقاء القوم بصفين.

اللهم رب السقف المرفوع و الجو المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل و النهار و مجرى للشمس والقمر و مختلفا للنجوم السيارة و جعلت سكانه سبطا من ملائكتك لا يسأمون من عبادتك و رب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و مدرجا للهوام و الأنعام و ما لا يحصى مما يرى و ما لا يرى و رب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق اعتمادا.

إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة و اعصمنا من الفتنة. أين المانع للذمار و الغائر عند

ص: 36

نزول الحقائق من أهل الحفاظ العار وراءكم و الجنة أمامكم.

32- عنه وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حر حربهم بصفين.

إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول و أبلغ في العذر و قلتم مكان سبكم إياهم اللهم احقن دماءنا و دماءهم و أصلح ذات بيننا و بينهم و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله و يرعوي عن الغي و العدوان من لهج به.

إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد و إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل و سموه إماما كان ذلك لله رضا فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه

فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى و لعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان و لتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك و السلام.

33- و من كتاب له الا إلى معاوية :

أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة و رسالة محبرة نفقتها بضلالك و أمضيتها بسوء رأيك و كتاب امرئ ليس له بصر يهديه و لا قائد قد دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا وضل خابطا.

و منه لأنها بيعة واحدة لا يثنى فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار الخارج منها طاعن و المروي فيها مداهن.

34- عنه قال علیه السّلام فأراد قومنا قتل نبينا و اجتياح أصلنا و هموا بنا

ص: 37

الهموم و فعلوا بنا الأفاعيل و منعونا العذب و أحلسونا الخوف و اضطرونا إلى جبل وعر و أوقدوا لنا نار الحرب فعزم الله لنا على الذب عن حوزته و الرمي من وراء حرمته مؤمننا يبغي بذلك الأجر و كافرنا يحامي عن الأصل و من أسلم من قريش خلو مما نحن فيه بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه فهو من القتل بمكان أمن.

و كان رسول الله صلّی الله علیه و آله إذا احمر البأس و أحجم الناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف و الأسنة فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر و قتل حمزة يوم أحد و قتل جعفر يوم مؤتة و أراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة و لكن آجالهم عجلت و منيته أجلت.

فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي و لم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه و لا أظن الله يعرفه و الحمد لله على كل حال.

و أما ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك فإني نظرت في هذا الأمر فلم أره يسعني دفعهم إليك و لا إلى غيرك و لعمري لئن لم تنزع عن غيك و شقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك لا يكلفونك طلبهم في بر ولا بحر و لا جبل و لا سهل إلا أنه طلب يسوءك وجدانه و زور لا يسرك لقيانه و السلام لأهله.

35- عنه و كتب إلى معاوية:

و كيف أنت صانع إذا تكشفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهجت بزینتها و خدعت بلذتها دعتك فأجبتها وقادتك فاتبعتها وأمرتك فأطعتها و إنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجن فاقعس عن هذا الأمر و خذ أهبة الحساب و شمر لما قد نزل بك و لا تمكن الغواة من

ص: 38

سمعك و إلا تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك.

فإنك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه و بلغ فيك أمله و جرى منك مجرى الروح والدم و متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية و ولاة أمر الأمة بغير قدم سابق و لا شرف باسق و نعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء و أحذرك أن تكون متماديا في غرة الأمنية مختلف العلانية و السريرة.

و قد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانبا و اخرج إلي و أعف الفريقين من القتال لتعلم أينا المرين على قلبه و المغطى على بصره فأنا أبو حسن قاتل جدك و أخيك و خالك شدخا يوم بدر و يوم بدر و ذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوي ما استبدلت دينا و لا استحدثت نبيا و إني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين و دخلتم فيه مكرهين.

و زعمت أنك جئت ثائرا بدم عثمان و لقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا فكأني قد رأيتك تضج من الحرب إذا عضتك ضجيج الجمال بالأثقال وكأني بجماعتك تدعوني جزعا من الضرب المتتابع والقضاء الواقع ومصارع بعد مصارع إلى كتاب الله و هي كافرة جاحدة أو مبايعة حائدة.

36- عنه قال علیه السّلام لعسكره قبل لقاء العدو بصفين:

لا تقاتلوهم حتى يبدء وكم فإنكم بحمد الله على حجة و ترككم إياهم حتى يبدء وكم حجة أخرى لكم عليهم فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرا و لا تصيبوا معورا و لا تجهزوا على جريح و لا تهيجوا النساء بأذى و إن شتمن أعراضكم وسبين أمراءكم فإنهن ضعيفات القوى و الأنفس و العقول إن كنا لنؤمر بالكف عنهن و إنهن لمشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة فيعير بها و عقبة من بعده.

ص: 39

37- عنه كتب علیه السّلام إلى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه:

و أما طلبك إلي الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس و أما قولك إن الحرب قد أكلت العرب إلا حشاشات أنفس بقيت ألا و من أكله الحق فإلى الجنة و من أكله الباطل فإلى النار و أما استواؤنا في الحرب و الرجال فلست بأمضى على الشك مني على اليقين و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة.

و أما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن و لكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب و لا المهاجر كالطليق و لا الصريح كاللصيق و لا المحق كالمبطل ولا المؤمن كالمدغل و لبئس الخلف خلف سلفا يتبع هوى في نار جهنم.

و في أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز و نعشنا بها الذليل و لما أدخل الله العرب في دينه أفواجا و أسلمت له هذه الأمة طوعا وكرها كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة و إما رهبة على حين فاز أهل السبق بسبقهم و ذهب المهاجرون الأولون بفضلهم فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا ولا على نفسك سبيلا.

38- عنه كتب إلى معاوية جوابا، و هو من محاسن الكتب:

أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمدا صلّی الله علیه و آله لدينه و تأييده إياه لمن أيده من أصحابه فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا و نعمته علينا في نبينا فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر أو داعي مسدده إلى النضال و زعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان و فلان فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله و إن نقص لم يلحقك ثلمه.

و ما أنت و الفاضل و المفضول و السائس والمسوس و ما للطلقاء و

ص: 40

أبناء الطلقاء و التمييز بين المهاجرين الأولين و ترتیب درجاتهم و تعریف طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ألا تربع أيها الإنسان على ظلعك و تعرف قصور ذرعك و تتأخر حيث أخرك القدر.

فما عليك غلبة المغلوب و لا ظفر الظافر و إنك لذهاب في التيه رواغ عن القصد ألا ترى غير مخبر لك و لكن بنعمة الله أحدث أن قوما استشهدوا في سبيل الله تعالى من المهاجرين والأنصار و لكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء و خصه رسول الله صلّی الله علیه و آله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه ؟

أو لا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله و لكل فضل حتى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة و ذو الجناحين و لو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين و لا تمجها آذان السامعين فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا.

لم يمنعنا قديم عزنا و لا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا و أنكحنا فعل الأكفاء و لستم هناك و أنى يكون ذلك و منا النبي و منكم المكذب و منا أسد الله و منكم أسد الأحلاف و منا سيدا شباب أهل الجنة و منكم صبية النار و منا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم.

فإسلامنا قد سمع و جاهليتنا لا تدفع و كتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا و هو قوله سبحانه و تعالى: «وَ أُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله»، و قوله تعالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هَذَا النَّبِيُّ وَ

ص: 41

الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ».

فنحن مرة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة و لما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول اللهصلّی الله علیه و آله فلجوا عليهم فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم و إن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم و زعمت أني لكل الخلفاء حسدت و على كلهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليست الجناية عليك فيكون العذر إليك.

و تلك شكاة ظاهر عنك عارها

و قلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع و لعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه ولا مرتابا بيقينه و هذه حجتي إلى غيرك قصدها و لكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها.

ثم ذكرت ما كان من أمري و أمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له و أهدى إلى مقاتله أمن بذل له نصرته فاستقعده و استكفه أم من استنصره فتراخى عنه و بث المنون إليه حتى أتى قدره عليه كلا و الله لَقَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا».

و ما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا فإن كان الذنب إليه إرشادي و هدايتي له قرب ملوم لا ذنب له.

و قد يستفيد الظنة المتنصح

و ما أردت «إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ مَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ».

ص: 42

و ذكرت أنه ليس لي و لأصحابي عندك إلا السيف فلقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيت بني عبد عبد المطلب عن الأعداء ناكلين و بالسيف مخوفين.

لبث قليلا يلحق الهيجا حمل.

فسيطلبك من تطلب و يقرب منك ما تستبعد. و أنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار و التابعين لهم بإحسان شديد زحامهم ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم و قد صحبتهم ذرية بدرية وسيوف هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدك و أهلك «وَ مَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ».

39- عنه كتب علیه السّلام إلى معاوية:

فاتق الله فيما لديك وانظر في حقه عليك و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته فإن للطاعة أعلاما واضحة و سبلا نيرة و محجة نهجة و غاية مطلبة يردها الأكياس و يخالفها الأنكاس من نكب عنها جار عن الحق و خبط في التيه و غير الله نعمته و أحل به نقمته فنفسك نفسك.

فقد بين الله لك سبيلك و حيث تناهت بك أمورك فقد أجريت إلى غاية خسر و محلة كفر فإن نفسك قد أو لجتك شرا و أقحمتك غيا و أوردتك المهالك و أوعرت عليك المسالك.

40-عنه كتب علیه السّلام إلى معاوية:

فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة و الحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق و اطراح الوثائق التي هي الله طلبة و على عباده حجة فأما إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له والسلام.

ص: 43

41- عنه كتب الله إلى معاوية:

و إن البغي و الزور يوتغان المرء في دينه ودنياه و يبديان خلله عند من يعيبه و قد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته و قد رام أقوام أمرا بغير الحق فتأولوا على الله فأكذبهم فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله و يندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه و قد دعوتنا إلى حكم القرآن و لست من أهله و لسنا إياك أجبنا و لكنا أجبنا القرآن في حكمه و السلام.

42- عنه كتب علیه السّلام إلى معاوية:

أما بعد فإن الله سبحانه قد جعل الدنيا لما بعدها و ابتلى فيها أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا و لسنا للدنيا خلقنا و لا بالسعي فيها أمرنا و إنما وضعنا فيها لنبتلي بها و قد ابتلاني الله بك و ابتلاك بي فجعل أحدنا حجة على الآخر فعدوت على الدنيا بتأويل القرآن فطلبتني بما لم تجن يدي و لا لساني و عصيته أنت و أهل الشام بي و ألب عالمكم جاهلكم و قائمكم قاعدكم.

فاتق الله في نفسك و نازع الشيطان قيادك و اصرف إلى الآخرة وجهك فهي طريقنا و طريقك و احذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة تمس الأصل و تقطع الدابر فإني أولي لك بالله ألية غير فاجرة لأن جمعتني و إياك جوامع الأقدار لا أزال بباحتك «حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ»

43 - عنه وصى بها شريح بن هانى لما جعله على مقدمته إلى الشام.

اتق الله في كل صباح و مساء و خف على نفسك الدنيا الغرور و لا تأمنها على حال و اعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة

ص: 44

مكروه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر فكن لنفسك مانعا رادعا و لنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا.

44- عنه كتب علیه السّلام إلى معاوية، جوابا:

أما بعد فإنا كنا نحن و أنتم على ما ذكرت من الألفة و الجماعة ففرق بيننا و بينكم أمس أنا آمنا و كفرتم و اليوم أنا استقمنا وفتنتم و ما أسلم مسلمكم إلا كرها و بعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله صلّی الله علیه و آله حزبا .

و ذكرت أني قتلت طلحة والزبير و شردت بعائشة و نزلت بين المصرين و ذلك أمر غبت عنه فلا عليك و لا العذر فيه إليك.

و ذكرت أنك زائري في المهاجرين والأنصار و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك فإن كان فيه عجل فاسترفه فإني إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله إنما بعثني إليك للنقمة منك و إن تزرني فكما قال أخو بني أسد.

مستقبلين رياح الصيف تضربهم *** بحاصب بين أغوار و جلمود

و عندي السيف الذي أعضضته بجدك و خالك و أخيك في مقام واحد و إنك و الله ما علمت الأغلف القلب المقارب العقل و الأولى أن يقال لك إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك لأنك نشدت غير ضالتك و رعيت غير سائمتك و طلبت أمرا لست من أهله و لا في معدنه.

فما أبعد قولك من فعلك و قريب ما أشبهت من أعمام و أخوال حملتهم الشقاوة و تمني الباطل على الجحود بمحمد صلّی الله علیه و آله فصر عوا مصارعهم حيث علمت لم يدفعوا عظيما و لم يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغى و لم تماشها الهوينا.

و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم

ص: 45

إلي أحملك و إياهم على كتاب الله تعالى و أما تلك التي تريد فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال و السلام لأهله.

45- عنه كتب علیه السّلام إلى معاوية:

أما بعد فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الأباطيل و اقتحامك غرور المين و الأكاذيب وبانتحالك ما قد علا عنك وابتزازك لما قد اختزن دونك فرارا من الحق و جحودا لما هو ألزم لك ألزم لك من لحمك و دمك مما قد وعاه سمعك و ملی به صدرك.

فما ذا بعد الحق إلا الضلال المبين و بعد البيان إلا اللبس فاحذر الشبهة و اشتمالها على لبستها فإن الفتنة طالما أغدفت جلابيبها و أغشت الأبصار ظلمتها.

و قد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها عن السلم و أساطير لم يحكها منك علم و لا حلم أصبحت منها كالخائض في الدهاس و الخابط في الديماس و ترقيت إلى مرقبة بعيدة المرام نازحة الأعلام تقصر دونها الأنوق و يحاذى بها العيوق.

و حاش لله أن تلي للمسلمين بعدي صدرا أو وردا أو أجري لك على أحد منهم عقدا أو عهدا فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها فإنك إن فرطت حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك الأمور و منعت أمرا هو منك اليوم مقبول و السلام.

46- عنه كتب الالها إلى سهل بن حنيف الأنصاري في قوم لحقوا بمعاوية:

أما بعد فقد بلغني أن رجالا ممن قبلك يتسللون إلى معاوية فلا تأسف

ص: 46

على ما يفوتك من عددهم و يذهب عنك من مددهم فكفى لهم غيا و لك منهم شافيا فرارهم من الهدى و الحق وإيضاعهم إلى العمى و الجهل فإنما هم أهل دنيا مقبلون عليها و مهطعون إليها وقد عرفوا العدل و رأوه و سمعوه و وعوه و علموا أن الناس عندنا في الحق أسوة فهربوا إلى الأثرة فبعدا لهم و سحقا.

إنهم و الله لم ينفروا من جور و لم يلحقوا بعدل و إنا لنطمع في هذا الأمر أن يذلل الله لنا صعبه و يسهل لنا حزنه إن شاء الله و السلام.

47- عنه كتب علیه السّلام إلى معاوية:

أما بعد فإني على التردد في جوابك والاستماع إلى كتابك لموهن رأيي و مخطى فراستي و إنك إذ تحاولني الأمور وتراجعني السطور كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه و المتحير القائم يبهظه مقامه لا يدري أله ما يأتي أم عليه و لست به غير أنه بك شبيه و أقسم بالله إنه لو لا بعض الاستبقاء لوصلت إليك منى قوارع تقرع العظم وتهلس اللحم واعلم أن الشيطان قد تبطك عن أن تراجع أحسن أمورك و تأذن لمقال نصيحتك و السلام لأهله

48 - أخبرنا الشيخ المفيد أبو على الحسن بن محمد الطوسي، قال: أخبرنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال أخبرنا الحسن بن علي بن عبد الكريم، قال حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال أخبرني عبيد الله بن القاسم قال حدثنا عمرو بن ثابت، ع--ن جبلة بن سحيم، عن أبيه، قال:

لما بويع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام بلغه أن معاوية قد توقف عن إظهار البيعة له، و قال إن أقرني على الشام و أعمالي التي ولانيها

ص: 47

عثمان بايعته فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين علیه السّلام فقال له يا أمير المؤمنين، إن معاوية من قد عرفت، و قد ولاه الشام من قد كان قبلك، فوله أنت كيما تتسق عرى الأمور ثم اعزله إن بدا لك.

فقال أمير المؤمنين علیه السّلام أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه قال لا قال لا يسألني الله (عز وجل) عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا «وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً» لكن أبعث إليه و أدعوه إلى ما في يدي من الحق، فإن أجاب فرجل من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم، و إن أبى حاكمته إلى الله، فولى المغيرة و هو يقول فحاكمه إذن و أنشأ يقول:

نصحت عليا في ابن حرب نصيحة *** فرد فما منى له الدهر ثانيه

و لم يقبل النصح الذي جئته به *** و كانت له تلك النصيحة عافيه

و قالوا له ما أخلص النصح كله *** فقلت له إن النصيحة غاليه

فقام قيس بن سعد (رحمه الله) فقال يا أمير المؤمنين، إن المغيرة أشار عليك بأمر لم يرد الله به، فقدم فيه رجلا و أخر فيه أخرى، فإن كان لك الغلبة تقرب إليك بالنصيحة، و إن كانت لمعاوية تقرب إليه بالمشورة، ثم أنشأ يقول:

کادو من أرسى ثبيرا مكانه *** مغيرة أن يقوى عليك معاوية

و كنت بحمد الله فينا موفقا *** و تلك التي أراكها غير كافيه

فسبحان من اعلى السماء مكانها *** وأرضا دحاها فاستقرت كما هيه

49 - ابن شهر آشوب: في حرب صفين عن تفسير الحسن و السدي و وكيع و الثعلبي و مسند أحمد أنه قال الزبير في قوله تعالى «وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» لقد لبثنا أزمانا و لا نرى من أهلها فإذا

ص: 48

نحن المعنيون بها.

50- عنه قال السدي في قوله تعالى «فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ» نزلت في حربين يوم صفين و يوم الجمل فسمى الله أصحاب الجمل و صفين ظالمين ثم قال «وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ» بالنصر و الحق مع أمير المؤمنين و أصحابه.

51- عنه قال: بعض المفسرين في قوله تعالى «قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ» فيما بعد «إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ» أنهم أهل صفين.

52 - عنه قال: أن النبي صلّی الله علیه و آله قال للأعراب الذين تخلفوا عنه بالحديبية و عزموا على خيبر «قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذلِكُمْ قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ».

53- عنه أبي سعيد الخدري و عبد سعيد الخدري و عبد الله بن عمر قالا في قوله تعالى «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ» كما نقول ربنا واحد و نبينا واحد و ديننا واحد فما هذه الخصومة فلما كان حرب صفين و شد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا.

54- عنه قال الباقر علیه السّلام قال أمير المؤمنين علیه السّلام و هو يقاتل معاوية «فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» الآية هم هؤلاء و رب الكعبة.

55- عنه قال ابن مسعود قال النبي صلّی الله علیه و آله أئمة الكفر معاوية و عمرو.

56 - عنه لما فرغ أمير المؤمنين علیه السّلام من الجمل نزل في الرحبة السادس من رجب و خطب فقال الحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الناكث المبطل،

57 - عنه ثم إنه علیه السّلام دعا الأشعث بن قيس من ثغر آذربيجان و الأحنف بن قيس من البصرة وجرير بن عبد الله البجلي من همدان فأتوه

ص: 49

إلى الكوفة فوجه جرير إلى معاوية يدعوه إلى طاعته فلما بلغها توقف معاوية في ذلك حتى قدم شرحبيل الكندي.

ثم خطب فقال أيها الناس قد علمتم أني خليفة عمر و خليفة عثمان و قد قتل عثمان مظلوما و أنا وليه و ابن عمه و أولى الناس بطلب دمه فما ذا رأيكم فقالوا نحن طالبون بدمه فدعا عمرو بن العاص على أن يطعمه مصر فكان عمرو يأمر بالجمل و الحط مرارا فقال له غلامه وردان تفكر أن الآخرة مع علي و الدنيا مع معاوية فقال عمرو:

لا قاتل الله وردانا وانيه *** أبدا لعمري ما في الصدر وردان

فلما ارتحل قال ابن عمرو له:

ألا يا عمرو ما أحرزت نصرا *** ولا أنت الغداة إلى رشادا

أبعت الدين بالدنيا خسارا *** وأنت بذاك من شر العباد

58- عنه قال: فانصرف جرير فكتب معاوية إلى أهل المدينة أن عثمان قتل مظلوما و علي آوى قتلته فإن دفعهم إلينا كففنا عنه و جعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين كما جعله عمر عند وفاته فانهضوا رحمكم الله معنا إلى حربه فأجابوه بكتاب فيه:

معاوي إن الحق أبلج واضح *** وليس كما ربصت أنت و لا عمرو

نصبت لنا اليوم ابن عفان خدعة *** كما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر

رمیتم عليا بالذي لم يضره *** وليس له في ذاك نهي و لا أمر

و ما ذنبه إن نال عثمان معشر *** أتوه من الأحياء تجمعهم مصر

و كان علي لازما قعر بيته *** همته التسبيح و الحمد و الذكر

فما أنتما لا در در أبيكما *** وذكركم الشورى وقد وضع الأمر

فما أنتما و النصر منا و أنتما *** طليق أسارى ما تبوح بها الخمر

ص: 50

59- عنه جاء أبو مسلم الخولاني بكتاب من عنده إلى أمير المؤمنين علیه السّلام يذكر فيه و كان أنصحهم الله خليفته ثم خليفة خليفته ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما فكلهم حسدت و على كلهم بغيت عرفنا ذلك ثم نظرك الشزر و قولك الهجر و تنفسك الصعداء و إبطاؤك عن الخلفاء و في كل ذلك تقاد كما يقاد الجمل المغشوش و لم تكن لأحد منهم أشد حسدا منك لابن عمك.

و كان أحقهم أن لا تفعل ذلك لقرابته وفضله فقطعت رحمه و قبحت حسنه فأظهرت له العداوة و بطنت له بالغش و ألبت الناس عليه فقتل معك في المحلة و أنت تسمع الهائعة و لا تدرأ عنه بقول و لا فعل. فلما وصل الخولاني وقرأ الكتاب على الناس قالوا كلنا قاتلون و لأفعاله منكرون. فكان جواب أمير المؤمنين علیه السّلام.

و بعد فإني رأيت قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله وسنة نبيه صلّی الله علیه و آله و أما تلك التي تريدها فإنها خدعة الصبي عن اللبن و لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لعلمت أني من أبرأ الناس من دم عثمان و قد علمت أنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، وأجمع علیه السّلام على المسير و حض الناس على ذلك.

60- عنه قال ابن مردويه قال ابن أبي حازم التميمي و أبو وائل قال أمير المؤمنين علیه السّلام انفروا إلى بقية الأحزاب أولياء الشيطان انفروا إلى من يقول كذب الله و رسوله.

61- عنه جاء رجل من عبس إلى أمير المؤمنين علیه السّلام فسأل ما الخبر فقال إن في الشام يلعنون قاتلي عثمان و يبكون على قميصه فقال أمير

ص: 51

المؤمنين ما قميص عثمان بقميص يوسف ولا بكاؤهم عليه إلا كبكاء أولاد يعقوب فلما فتح الكتاب وجده بياضا فحولق، فقال قيس بن سعد:

و لست بناج من علي وصحبه *** و إن تك في جابلق لم تك ناجيا

و كتب إلى أمير المؤمنين علیه السّلام ليت القيامة قد قامت فترى المحق من المبطل فقال أمير المؤمنين علیه السّلام «يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا» الآية.

62 - عنه عن الشاذكوني رفع رجل إلى أمير المؤمنين كتابا في آخره:

فازجر حمارك لا يرتع بروضتنا *** إذا ترد وقيذ العين مكروبا

فقال لعبد الله بن أبي رافع اكتب أن بيعتي شملت الخاص والعام و إنما الشورى للمؤمنين من المهاجرين الأولين و السابقين بالإحسان من البدريين و إنما أنت طليق ابن طليق لعين ابن لعين وثن ابن وثن ليست لك هجرة و لا سابقة و لا منقبة و لا فضيلة و كان أبوك من الأحزاب الذين حاربوا الله و رسوله فنصر الله عبده و صدق وعده و هزم الأحزاب ثم وقع في آخر الكلام:

ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم *** أجابوا وإن يغضب على القوم يغضب

وكتب معاوية اتق الله يا علي و ذر الحسد فلطالما لم ينتفع به أهله و لا تفسدن سابقة قدمك بشر من حديثك فإن الأعمال بخواتيمها و لا تعمدن بباطل في حق من لا حق له فإنك إن تفعل ذلك فلا تضر إلا نفسك و لن تمحق إلا عملك.

فأجابه علیه السّلام بعد كلام عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب و لم يخف العقاب و لا يرجو لله وقارا و لم يخف حذارا فشأنك و ما أنت عليه من الضلالة و الحيرة و الجهالة تجد الله عز و جل في ذلك بالمرصاد.

ص: 52

ثم قال في آخره فأنا أبو الحسن قاتل جدك عتبة و عمك شيبة و أخيك حنظلة الذين سفك الله دماءهم على يدي في يوم بدر و ذلك السيف معي و و بذلك القلب ألقى عدوي و من كلامه متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين و بالسيوف مخوفين

لبث قليلا يلحق الهيجاء جمل

فسيطلبك من تطلب و تقرب منك من تستبعد و أنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار و التابعين بإحسان شديد زحامهم ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم قد صحبتهم ذرية بدرية و سيوف هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدك و ما هي من الظالمين ببعيد

فنهاه عمرو عن مكاتبته و لم يكتب إلا بيتا.

ليس بيني و بين قيس عتاب *** غير طعن الكلي وضرب الرقاب

قال أمير المؤمنين علیه السّلام قاتلت الناكثين و هؤلاء القاسطين وسأقاتل المارقين. ثم ركب فرس النبي صلّی الله علیه و آله وقصده في تسعين ألفا.

63 - عنه قال سعيد بن جبير منها تسعمائة رجل من الأنصار و ثمانمائة من المهاجرين.

64 - عنه قال: عبد الرحمن بن أبي ليلى سبعون رجلا من أهل بدر و يقال مائة و ثلاثون رجلا و خرج معاوية في مائة وعشرين ألفا يتقدمهم مروان و قد تقلد بسيف عثمان فنزل صفين في المحرم على شريعة الفرات و قال:

أتاكم الكاشر عن أنيابه *** ليث العرين جاء في أصحابه

65- عنه قال فأنفذ علي شبث بن ربعي الرياحي و صعصعة بن

ص: 53

صوحان فقالا في ذلك لطفا و عنفا فقالوا أنتم قتلتم عثمان عطشا.

فقال علیه السّلام أرووا السيوف من الدماء ترووا من الماء و الموت في حياتكم مقهورين خير من الحياة في موتكم قاهرين.

فقال شاعر:

أتحمون الفرات على رجال *** و في أيديهم الأسل الظباء

و في الأعناق أسياف حداد *** كأن القوم عندهم النساء

الأشتر:

ميعادنا الآن بياض الصبح *** لا يصلح الزاد بغير ملح

الأشعث:

لأوردن خيلى الفراتا *** شعت النواصي أو يقال فاتا

و حملا في سبعة عشر ألف رجل حملة رجل واحد ففرق بعضهم و انهزم الباقون فأمر علي علیه السّلام أن لا يمنعوهم الماء.

66- عنه كان نزوله علیه السّلام بصفين لليالى بقين من ذي الحجة سنة ست و ثلاثين فأمر معاوية للنقابين أن ينقبوا تحت معسكر علي متفرقين و نودوا أنه يجري عليكم الماء فقال هذه خدعة.

فصاحوا ثم انقلبوا فلما أصبحوا رأوا معاوية في معسكرهم، فقال علي علیه السّلام.

فلو أني أطعت عصيت قومي *** إلى ركن اليمامة أو شئام

ولكني إذا أبرمت أمرا *** يخالفنى أقاويل الطغام

فتقدم الأشتر و قتل صالح بن فيروز العتلي و مالك بن الأدهم و زياد ابن عبيد الكناني و زامل بن عبيد الخزاعي و مالك بن روضة الجمحي مبارزة وطعن الأشعث لشرحبيل بن السمط و لأبي الأعور السلمي

ص: 54

فخرج حوشب ذو الظليم و ذو الكلاع في نفر فقالوا أمهلونا هذه الليلة فقالوا لا نبيت إلا في معسكرنا فانكشفوا.

ثم إن عليا أنفذ سعيد بن قيس الهمداني و بشر بن عمرو الأنصاري ليدعواه إلى الحق فانصرفا بعد ما احتجا عليه ثم أنفذ شبث بن ربعي الرياحي و عدي بن حاتم الطائي و بريدة بن قيس الأرحبي و زياد بن حفص بمثل ذلك فكان معاوية يقول سلموا قتلة عثمان لأقتلهم به ثم نعتزل الأمر حتى يكون شورى.

فتقاتلوا في ذي الحجة و أمسكوا في المحرم فلما استهل صفر سنة سبع و ثلاثين أمر على فنودي بالشام والإعذار و الإنذار ثم عبى عسكره فجعل على ميمنته الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر و مسلم بن عقیل و علی ميسرته محمد بن الحنفية و محمد بن أبي بكر و هاشم بن عتبة المرقال و على القلب عبد الله بن العباس و العباس بن ربيعة بن الحارث و الأشتر والأشعث.

و على الجناح سعد بن قيس الهمداني و عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعي و رفاعة بن شداد البجلي و عدي بن حاتم و على الكمين عمار بن ياسر و عمرو بن الحمق و عامر بن واثلة الكناني و قبيصة بن جابر الأسدي.

و جعل معاوية على ميمنته ذا الكلاع الحميري و حوشب ذا الظليم و على الميسرة عمرو بن العاص و حبیب بن مسلمة و على القلب الضحاك بن قيس الفهري و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و على الساقة بسر بن أرطاة الفهري و على الجناح عبد الله بن مسعدة الفزاري و همام بن قبيصة النمري و على الكمين أبا الأعور السلمي و حابس بن سعد الطائي.

ص: 55

67- عنه قال فبعث عليا إلى معاوية أن اخرج إلي أبارزك فلم يفعل و قد جرى بين العسكرين أربعون وقعة يغلبها أهل العراق أولها یوم الأربعاء بين الأشتر و حبيب بن و حبيب بن مسلمة و الثاني بين المرقال و أبي الأعور السلمي و الثالث بين عمار و عمرو بن العاص و الرابع بين ابن الحنفية و عبيد الله بن عمر.

و الخامس بين عبد الله بن العباس و الوليد بن عقبة و السادس بين سعد بن قيس و ذي الكلاع إلى تمام الأربعين وقعة آخرها ليلة الهرير خرج عون بن عوف الحارثي قائلا:

إني أنا عون أخو الحروب *** صاحبها و لست بالهروب

فبارزه علقمة قائلا:

يا عون لوكنت امراً حازما *** لم تبرز الدهر إلى علقمة

لقيت لينا أسدا باسلا *** يأخذ بالأنفاس و الغلصمة

و خرج أحمر مولى عثمان قائلا:

إن الكتيبة عند كل تصادم *** تبكي فوارسها على عثمان

فأجابه كيسان مولى علي علیه السّلام:

عثمان ويحك قد مضى لسبيله *** فاثبت لحد مهند و سنان

فقتله الأحمر فقال علي علیه السّلام قتلني الله إن لم أقتلك و أخذ بجربان درعه و رفعه و ضربه على الأرض و جعل يجول في الميدان و يقول:

لهف نفسي وقليل ما أسر *** ما أصاب الناس من خير وشر

لم أرد في الدهر يوما حربهم *** و هم الساعون في الشر الشمر

فحث معاوية غلامه حريثا أن يغتال عليا في قتله فطير أمير المؤمنين علیه السّلام تحفه في الهواء و جعل يجول ويقول:

ص: 56

ألا احذروا في حربكم أبا الحسن *** فلا تروموه فذا من الغبن

فإنه يدقكم دق الطحن *** و لا يخاف في الهياج من و من

و خرج عمرو بن العاص مرتجزا يقول:

لا عيش إن لم ألق يوما هاشما *** ذاك الذي جشمني المجاشما

ذاك الذي لم ينج مني سالما *** ذاك الذي يشتم عرضي ظالما

فبرز هاشم مرتجزا:

ذاك الذي نذرت فيه النذرا *** ذاك الذي أعذرت فيه العذرا

ذاك الذي ما زال ينوي الغدرا *** أو يحدث الله لأمر أمرا

فضربه هاشم و خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد يقول:

قل لعلي هكذا الوعيد *** أنا ابن سيف الله لا مزيد

و خالد ابن نبته الوليد *** قد فتر الحرب فزيدوا زيدوا

فبرز الأشتر مرتجزا يقول:

بالضرب أو في ميتة مؤخرة *** يا رب جنبني سبيل الفجرة

ولا تخيبني ثواب البررة *** و اجعل وفاتي بأكف الكفرة

فضربه الأشتر فانصرف قائلا أفنانا دم عثمان فقال معاوية هذه قاشرة الصباة في اللعب فاصبر فإن الله مع الصابرين

68- عنه خرج معاوية يشير إلى همدان و هو يقول:

لا عيش إلا فلق قحف الهام *** من أرحب و يشكر شبام

قوم هم أعداء أهل الشام *** كم من كريم بطل همام

و کم قتيل و جريح ذام *** كذاك حرب السادة الكرام

فبرز سعيد بن قيس يرتجز و يقول:

لاهم رب الحل والحرام *** لا تجعل الملك لأهل الشام

ص: 57

فحمل و هو مشرع رمحه فولى معاوية هاربا و دخل في غمار القوم و جعل قيس يقول.

يا لهف نفسي فاتني معاوية *** على طمر كالعقاب هاوية

و الراقصات لا يعود ثانية *** إلا هوى معفرا في الهاوية

و برز أبو الطفيل الكناني قائلا:

تحامت كنانة في حربها *** و حامت تميم و حامت أسد

و هامت هوازن من بعدها *** فما حام منها ومنهم أحد

طحنا الفوارس يوم العجاج *** و سقنا الأراذل سوق النكد

69- عنه و جال علي علیه السّلام في الميدان قائلا:

أنا علي فاسألوني تخبروا *** ثم ابرزوا لي في الوغى و ابدروا

سيفي حسام و سناني يزهر *** منا النبي الطاهر المطهر

و حمزة الخير و منا جعفر *** و فاطم عرسي و فيها مفخر

هذا لهذا و ابن هند محجر *** مذبذب مطرد مؤخر

فاستخلفه عمرو بن الحصين السكوني على أن يطعنه فرآه سعيد بن قيس فطعنه و أنشد:

أقول له و في رمحي حشاه *** و قد قرت بمصرعه العيون

ألا يا عمرو عمرو بني حصين *** وكل فتى ستدركه المنون

أ تدرك أن تنال أبا حسين *** بمعضلة وذا ما لا يكون

70- عنه أنفذ معاوية ذا الكلاع إلى بني همدان فاشتبكت الحرب بينهم إلى الليل ثم انهزم أهل الشام.

ثم أنشأ أمير المؤمنين علیه السّلام أبياتا منها:

فوارس من همدان ليسوا بعزل *** غداة الوغى من شاكر و شبام

ص: 58

يقودهم حامي الحقيقة ماجد *** سعيد بن قيس و الكريم محام

جزى الله همدان الجنان فإنهم *** سهام العدى في كل يوم حمام

71- عنه برز أبو أيوب الأنصاري فنكلوا عنه فحاذى معاوية حتى دخل فسطاطه فترفع ابن منصور.

فقال أمير المؤمنين علیه السّلام:

وعلمنا الحرب آباؤنا *** وسوف نعلم أيضا بنينا

خرج رجل في براز رجل كو في فصرعه الكوفي فإذا هو أخوه فقالوا خله فأبى أن يطلقه إلا بأمر على علیه السّلام فأذن له بذلك.

72- عنه و برز عبد الله بن خليقة الطائي في جماعة من طي و ارتجز.

يا طي طي السهل و الأجبال *** ألا اثبتوا بالبيض والعوالي

فقاتلوا أئمة الضلال

و خرج من العسكرين زهاء ألف رجل فاقتتلوا حتى لم يبق منهم أحد وفيهم يقول شبث بن ربعي:

وقاتلت الأبطال منا و منهم *** و قام نساء حولنا و بنحيب

73- عنه خرج بسر بن أرطاة مرتجزا:

أكرم بجند طيب الأردان *** جاءوا يكونوا أولياء الرحمن

إني أتاني خبر شجاني *** أن عليا نال من عثمان

فبرز إليه سعيد بن قيس قائلا:

بؤسا لجند ضائع الإيمان *** أسلمهم بر إلى الهوان

إلى سيوف لبني همدان

فانصرف بسر من طعنته مجروحا و خرج أدهم بن لام القضاعي مرتجزا:

ص: 59

اثبت لوقع الصارم الصقيل *** فأنت لا شك أخو قتيل

74- عنه فقتله حجر بن عدي فخرج الحكم بن الأزهر قائلا:

با حجر حجر بني عدي الكندي *** اثبت فإني ليس مثلي بعدي

حجر فخرج إليه مالك بن مسهر بن مسهر القضاعي يقول:

إني أنا مالك بن مسهر *** أنا ابن عم الحكم بن الأزهر

فأجابه حجر:

فقتله إني حجر و أنا ابن مسعر *** اقدم إذا شئت و لا تؤخر

و برز علقمة فأصيب في رجله.

75- عنه و قتل من أهل العراق عمير بن عبيد المحاربي و بكر بن هوذة النخعي و ابنه حيان و سعيد بن نعيم و أبان بن قيس فحمل علي علیه السّلام فهزمهم. فقال معاوية كنت أرجو اليوم ظفرا.

76- عنه و برز الأشتر و جعل يقتل واحدا بعد واحد فقال معاوية في ذلك فبرز عمرو بن العاص في أربعمائة فارس إليه و تبع الأشتر مائتا رجل من نخع و مذحج و حمل الأشتر عليه فوقعت الطعنة في القربوس فانكسر و خر عمرو صريعا و سقطت ثناياه فاستأمنه.

77- عنه و برز الأصبغ بن نباتة قائلا:

حتى متى ترجو البقا يا أصبغ *** إن الرجاء للقنوط يدمغ

و قاتل حتى حرك معاوية من مقامه.

78- عنه خرج عوف المرادي قائلا:

أنا المرادي و اسمي عوف *** هل من عراقي عصاه سيف

فبرز إليه كعبر الأسدي قائلا:

الشام فيها لقوي مغور *** أنا العراقي و اسمي كعبر

ص: 60

فقتله و رأى معاوية على تل فقصد نحوه فلما قرب منه حمل عليه مرتجزا.

ويلي عليك يا بني هند *** أنا الغلام الأسدي حمد

فأخذه أهل الشام بالطعان والضراب فانسل من بينهم قائلا:

فلو نلته نلت الذي ليس بعدها *** من الأمر شيء غير مين مقالي

و لو مت من يتلى له ألف ميتة *** لقلت لما قد نلت لست أبالي

79- عنه و خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبرز إليه حارثة بن قدامة السعدي فقتله.

80- عنه و خرج أبو الأعور السلمي فانصرف من طعنة زياد بن كعب الهمداني مجروحا و قتل بنو همدان خلقا كثيرا من أهل الشام فقال معاوية بنو همدان أعداء عثمان.

81- عنه و برز عمير بن عطارد التميمي في قومه قائلا:

قد صابرت في حربها تميم *** لها حديث ولها قديم

دین قدیم و هدی قدیم

فقاتلوا إلى الليل.

82- عنه و برز قيس بن سعد و قال:

أنا ابن سعد و أبي عبادة *** و الخزرجيون رجال سادة

حتى متى انثني إلى الوسادة *** يا ذا الجلال لقني الشهادة

83- عنه فخرج بسر بن أرطاة الفهري و ارتجز:

أنا ابن أرطاة الجليل القدر *** في أسرة من غالب و فهر

إن أرجع اليوم بغير وتر *** فقد قضيت في ابن سعد نذري.

فانصرف مجروحا من ضربة قيس. و خرج المخارق بن عبد الرحمن و قتل

ص: 61

المرادي و مسلم الأزدي و رجلين آخرين فبرز إليه علي علیه السّلام متنكرا فقتلهو قتل سبعة بعده.

84 - عنه و خرج كريب بن الصباح فقتل المبرقع الخولاني و شرحبيل البكري والحارث الحكيمي و عبد الرحمن الهمداني فقتله أمير المؤمنين ثم قتل الحرث بن وداع و المطاع بن المطلب و عروة بن داود.

85- عنه و خرج مولى لمعاوية مرتجزا:

إني أنا الحارث ما بي من حذر *** مولى ابن صخر و به قد انتصر

فقتله قنبر.

86- عنه خرج بريد الكلبي قائلا:

لقد ضلت معاشر من نزار *** إذا انقادوا لمثل أبي تراب

فقتله الأشتر.

87- عنه خرج مشجع الجذامي فطعنه عدي بن حاتم. و نادى خالد السدوسي من يبايعني على الموت فأجابه تسعة آلاف فقاتلوا حتى بلغوا فسطاط معاوية فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه و أنفذ معاوية إليه فقال يا خالد لك عندي إمرة خراسان متى ظفرت فاقصر ويحك عن فعالك هذا فنكل عنها فتفل أصحابه في وجهه و حاربوا إلى الليل وفيه يقول النجاشي:

و فر ابن حرب غير الله وجهه *** و ذاك قليل من عقوبة قادر

88- عنه و خرج حمزة بن مالك الهمداني قائلا لهاشم المرقال:

يا أعور العين وما فينا عور *** نبغي ابن عفان و نلحي من عذر

فقتله المرقال فهجموا على المرقال فقتلوه فأخذ سفيان بن الثور رايته فقاتل حتى قتل ثم أخذ عتبة بن المرقال فقاتل حتى قتل فأخذها أبو الطفيل

ص: 62

الكناني مرتجزا:

يا هاشم الخير دخلت الجنة *** قتلت في الله عدو السنة

فقاتل حتى جرح فرجع القهقرى و أخذها عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي مرتجزا:

أضربكم و لا أرى معاوية *** الأبرج العين العظيم الحاوية

هوت به في النار أم هاوية *** جاوره فيها كلاب عاوية

فهجموا عليه فقتلوه فأخذها عمرو بن الحمق قائلا:

جزى الله فينا عصبة أي عصبة *** حسان وجوه صرعوا حول هاشم

وقاتل أشد قتال.

89- عنه فخرج ذو الظليم قائلا:

أهل العراق ناسبوا وانتسبوا *** أنا اليماني و اسمي حوشب

من ذي الظليم أين أين المهرب

فبرز إليه سليمان بن صرد الخزاعي قائلا.

يا أيها الحي الذي تذبذبا *** لسنا نخاف ذا الظليم حوشبا

فحملت الأنصار حملة رجل واحد و قتلوا ذا الكلاع و ذا الظليم و ساروا إليهم وكاد يؤخذ معاوية فقال الأنصار.

معاوي ما أفلت إلا بجرعة *** من الموت حتى تحسب الشمس كوكبا

فإن تفرحوا با بن البديل و هاشم *** فإنا قتلنا ذا الكلاع وحوشبا

90 - عنه خرج عبيد الله بن عمر و دعا محمد بن الحنفية فنهض محمد فنهاه أبوه و كان يقول:

أنا عبيد الله ينميني عمر *** خير قريش من مضى و من غير

فقتله عبدالله بن سوار و يقال حريث بن خالد و يقال هاني بن

ص: 63

الخطاب و يقال هاني بن عمرو الينبوعي و يقال محمد بن الصبيح فأمر معاوية بتقديم سبعين راية.

91- عنه برز عمار في رايات فقتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل و من أصحاب علي مائتا رجل.

92- عنه خرج علي علیه السّلام في مقاتلة همدان و قال بعضهم برك الجمل برك الجمل فبركوا و بركت أيضا ،همدان، فقال أمير المؤمنين علیه السّلام:

قد حمل القوم فبركا فبركا *** لا يدخل القوم على ما شكا

93- عنه خرج عمرو بن العاص يقول.

إني إذا الحرب تفرت عن كثر *** أحمل ما أحملت من خير و شر

فقصده الأشتر مرتجزا:

إني أنا الأشتر معروف السير *** إني أنا الأفعى العراقي الذكر

فهزمهم و جرح عمرو فقال النجاشي:

عدو النبي خلال العجاج *** وأفلت في خيله الأبتر

فرد اللواء على عقبة *** و فاز بخطوتها الأشتر

94 - عنه خرج العراد بن الأدهم و دعا العباس بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب فقتله العباس فنهاه على علیه السّلام عن المبارزة و لعبد الله بن العباس فقال معاوية من قتل العباس فله ، ما يشاء فخرج رجلان لخميان فدعاه أحدهما فقال إن أذن لى سيدي أبارزك و أتى عليا علیه السّلام فبرز علي في سلاح العباس و فرسه متنكرا فقال الرجل أذنك سيدك فقال علیه السّلام :

«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا» فقتله و تقدم الآخر فقتله.

95 - عنه خرج قبيصة النميري و كان يشتم عليا و يرتجز :

أقدم إقدام الهزبر العالي *** في نصر عثمان و لا أبالي

ص: 64

فبرز عدي بن حاتم قائلا:

يا صاحب الصوت الرفيع العالي *** يفدي عليا ولدي و مالي

96- عنه خرج حجل بن أثال العبسي فطلب البراز إليه ابنه أثال فلما رآه قال انصرف إلى الشام فإن فيها أموالا جمة فقال ابنه يا أبة انصرف إلينا و جنة الخلد مع علي و عبى معاوية أربعة صفوف فتقدم أبو الأعور السلمي يحرضهم و يقول يا أهل الشام إياكم و الفرار فإنها سبة و ع-ار فدقوا على أهل العراق فإنهم أهل فتنة و نفاق فبرز سعيد بن قيس و عدي بن حاتم و الأشتر و الأشعث فقتلوا منهم ثلاثة آلاف و نيفا و انهزم الباقون و خرج كعب بن جعيل شاعر معاوية قائلا:

ابرز إلي الآن يا نجاشي *** و إنني ليث لدى الهراش

فأجابه النجاشي شاعر علي علیه السّلام و برز إليه:

اربع قليلا فأنا النجاشي *** لست أبيع الدين بالمعاشي

أنصر خير راكب و ماش *** ذاك علي بين الرياش

97- عنه برز عبد الله بن جعفر فى ألف رجل فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص و أتى أويس القرني متقلدا بسيفين و يقال كان معه مرماة و مخلاة من الحصى فسلم على أمير المؤمنين و ودعه و برز مع رجالة ربيعة فقتل من يومه فصلى عليه أمير المؤمنين و دفنه. ثم إن عمار جعل يقاتل و يقول.

نحن ضربناكم على تنزيله *** ضربا يزيل الهام عن مقيله

و يذهل الخليل عن خليله *** أو يرجع الحق إلى سبيله

فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله

ص: 65

98- عنه برز أمير المؤمنين علیه السّلام و دعا معاوية قال أسألك أن تحقن الدماء و تبرز إلي و أبرز إليك فيكون الأمر لمن غلب فبهت معاوية و لم ينطق بحرف فحمل أمير المؤمنين علیه السّلام على الميمنة فأزالها ثم حمل على الميسرة فطحنها ثم حمل على القلب و قتل منهم جماعة و أنشد:

فهل لك في أبي حسن علي *** لعل الله يمكن من قفاكا

دعاك إلى البراز فكعت عنه *** و لو بارزته تربت يداكا

فانصرف أمير المؤمنين علیه السّلام ثم برز متنكرا فخرج عمرو بن العاص مرتجزا :

يا قادة الكوفة من أهل الفتن *** يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن

كفى بهذا حزنا مع الحزن *** أضربكم و لا أرى أبا الحسن

فتناكل عنه علي علیه السّلام حتى تبعه عمرو ثم ارتجز:

أنا الغلام القرشي المؤتمن *** الماجد الأبيض ليث كالشطن

یرضی به السادة من أهل اليمن *** من ساكني نجد و من أهل عدن

أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن

فولى عمرو هاربا فطعنه أمير المؤمنين فوقعت في ذيل درعه فاستلقی على قفاه و أبدى عورته فصفح عنه استحياء و تكرما فقال معاوية.

الحمد لله مد لله الذي عافاك *** و احمد استك الذي وقاك

قال أبو نواس:

فلا خير في دفع الردى بمذلة *** كما ردها يوما بسوأته عمرو

و قال حيص بيص:

قبح مخازيك هازم شرفي *** سواة عمرو ثنت سنان علي

99- عنه برز علي علیه السّلام و دعا معاوية فنكل عنه فخرج بسر بن

ص: 66

أرطاة يطمع في علي فضربه أمير المؤمنين علیه السّلام فاستلقی على قفاه و كشف عن عورته فانصرف عنه علي فقال ويلكم يا أهل الشام أما تستحيون من معاملة المخانيث لقد علمكم رأس المخانيث عمر و لقد روى هذه السيرة عن أبيه عن جده في كشف الأستار وسط عرصة الحروب.

فخرج غلامه لاحق ثم قال:

أرديت بسرا و الغلام ثائره *** و کل آب من عليه قادره

فطعنه الأشتر قائلا:

في كل يوم رجل شيخ بادرة *** و عورة وسط العجاج ظاهرة

أبرزها طعنة كف فاتره *** عمرو و بسر رهبا بالقاهرة

100- عنه فلما رأى معاوية كثرة براز أمير المؤمنين أخذ فى الخديعة فأنفذ عمرو إلى ربيعة رجالاته فوقعوا فيه فقال اكتب إلى ابن عباس و غره فكان فيما كتب شعرا.

طال البلاء فما ندري له آس *** بعد الإله سوى رفق ابن عباس

فكان جواب ابن عباس:

يا عمرو حسبك من خدع و وسواس *** فاذهب فما لك في ترك الهدى آس

إلا بوادر طعن في نحوركم *** تشجى النفوس له في نقع إفلاس

إن عادت الحرب عدنا و التمس هربا *** في الأرض أو سلما في الأفق يا قاسي

101- عنه ثم كتب معاوية إليه يذكر فيه إنما بق من قريش ستة أنا و عمرو بالشام ناصبان و سعد و ابن عمر بالحجاز و علي و أنت بالعراق على

ص: 67

خطب عظيم و لو بويع لك بعد عثمان الأسرعنا فيه فأجابه ابن عباس بمسكة فيها:

دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة *** ولست له حتى تموت بخادع

102 - عنه كتب إلى علي علیه السّلام أما بعد فإنا لو علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يحنها بعضنا إلى بعض و إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا ما نرم به ما مضى و نصلح به ما بقي و قد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمنى لك طاعة و لا بيعة.

فأبيت علي و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو و لا تخاف الفناء إلا ما أخاف و قد و الله رقت الأجساد و ذهبت الرجال و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عزیز و يسترق به حر.

103 - عنه فأجابه علیه السّلام أما قولك إن الحرب قد أكلت العرب إلا حشاشات أنفس بقيت ألا و من أكله الحق فإلى النار و أما طلبتك إلي الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس و أما استواؤنا في الخوف و الرضا فلست أمضى على الشك مني على اليقين و ليس أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة.

و أما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن و ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب و لا الطليق كالمهاجر و لا الصريح كاللصيق و لا المحق كالمبطل و لا المؤمن كالمدغل و في أيدينا فضل النبوة الذي ذللنا بها العزيز ونعثنا بها الذليل و بعثا به الحر.

104- عنه و أمر معاوية لابن الخديج الكندي أن يكاتب الأشعث و النعمان بن البشير أن يكاتب قيس بن سعد في الصلح ثم أنفذ عمرا و عتبة و

ص: 68

حبيب بن مسلمة و الضحاك و الضحاك بن قيس إلى أمير المؤمنين علیه السّلام فلما كلموه.

قال أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه فإن تجيبوا إلى ذلك فللرشد أصبتم و للخير وفقتم و إن تابوا لم تزدادوا من الله إلا بعدا فقالوا قد رأينا أن تنصرف عنا فنخلي بينكم و بين عراقكم و تخلون بيننا و بين شامنا فنحن نحقن دماء المسلمين.

فقال علیه السّلام: لم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله عز وجل على محمد صلّی الله علیه و آله.

ثم برز الأشتر و قال سووا صفوفكم.

105- عنه قال أمير المؤمنين علیه السّلام أيها الناس من يبع يربح في هذا اليوم في كلام له علیه السّلام ألا إن خضاب النساء الحناء و خضاب الرجال الدماء و الصبر خير في عواقب الأمور ألا إنها إحن بدرية وضغائن أحدية و أحقاد جاهلية وقرأ «فَقَاتِلُوا أَثْمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» فتقدم و هو يرتجز:

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا *** و أصبحوا في حربكم و بيتوا

كيما تنالوا الدين أو تموتوا *** أو لا فإني طال ما عصيت

قد قلتم لو جئتنا فجئت

فحمل في سبعة عشر ألف رجل فكسروا الصفوف فقال معاوية العمرو اليوم صبر و غدا فخر فقال عمرو صدقت يا معاوية و لكن الموت حق و الحياة باطل و لو حمل علي في أصحابه حملة أخرى فهو البوار ، فقال أمير المؤمنين علیه السّلام فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنة.

106- عنه فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلا:

أحمد ربي فهو الحميد *** ذاك الذي يفعل ما يريد

ص: 69

دين قويم و هو الرشيد

فقاتل حتى قتل.

107- عنه برز خزيمة بن ثابت قائلا:

كم ذا يرجى أن يعيش الماكث *** والناس موروث و فيهم وارث

هذا علي من عصاه ناكث

فقاتل حتى قتل.

108- عنه برز عدي بن حاتم قائلا:

أبعد عمار و بعد هاشم *** و ابن بديل صاحب الملاحم

ترجو البقاء من بعد يا ابن حاتم

فما زال يقاتل حتى فقئت عينه.

109- عنه برز الأشتر مرتجزا:

سيروا إلى الله و لا تعوجوا *** دین قویم و سبيل منهج

110 - عنه قتل جندب بن زهير فلم يزالوا يقاتلون حتى دخل وقعة الخميس و هي ليلة الهرير و كان أصحاب علي علیه السّلام يضربون الطبول من أربع جوانب عسكر معاوية و يقولون علي المنصور. و هو يرفع رأسه إلى السماء ساعة بعد ساعة و يقول:

اللهم إليك نقلت الأقدام و إليك أفضت القلوب و رفعت الأيدي و مدت الأعناق و طلبت الحوائج و شخصت الأبصار اللهم افتح بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الفاتحين و ينشد:

الليل داج و الكباش تنتطح *** نطاح أسد ما أراها تصطلح

منها قيام و فريق منبطح *** فمن نجا برأسه فقد ربح

و كان يحمل عليهم مرة بعد مرة ويدخل في غمارهم ويقول الله الله

ص: 70

فى الحرم و الذرية فكانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل.

فلما أصبح كان قتلى عسكره أربعة آلاف رجل و قتلى عسكر معاوية اثنين وثلاثين ألف رجل فصاحوا يا معاوية هلكت العرب فاستغاث هو بعمرو فأمره برفع المصاحف.

قال قتادة قتل يوم صفين ستون ألفا و قال ابن سيرين سبعون ألفا و هو المذكور في أنساب الأشراف أنساب الأشراف وصنعوا على كل قتيل قصبة ثم عدوا القصب.

111- الطبرى الإمامي: أخبرنا الشيخ أبو محمد الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه رحمه الله بالري سنة عشرة و خمسمائة عن عمه محمد بن الحسن عن أبيه الحسن بن الحسين عن عمه الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن علي ره قال حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى بالبصرة قال حدثني المغيرة بن محمد قال حدثنا رجاء بن أبي سلمة عن عمر بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي علیهماالسّلام.

قال خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام بالكوفة عند منصرفه من النهروان و بلغه أن معاوية يسبه و يعيبه و يقتل أصحابه فقام خطيبا فحمد الله و أثنى عليه وصلى على رسول الله صلّی الله علیه و آلخ و ذكر ما أنعم الله على نبيه و عليه ثم قال لو لا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا يقول الله عز و جل «وَ أما بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ».

اللهم لك الحمد على نعمك التي لا تحصى و فضلك الذي لا ينسى أيها الناس إنه بلغني ما بلغني و إني أراني قد اقترب أجلي و كأني بكم و قد جهلتم أمري و إني تارك فيكم ما تركه رسول الله كتاب الله و عترتي و هي

ص: 71

عترة الهادي إلى النجاة خاتم الأنبياء و سيد النجباء و النبي المصطفى يا أيها الناس لعلكم لا تسمعون قائلا يقول مثل قولي بعدي إلا مفتر.

أنا أخو رسول الله و ابن عمه و سیف نقمته و عماد نصرته و بأسه و شدته أنا رحى جهنم الدائرة و أضراسها الطاحنة أنا مؤتم البنين والبنات و قابض الأرواح و بأس الله الذي لا يرده عن القوم المجرمين أنا مجدل الأبطال و قاتل الفرسان و مبيد من كفر بالرحمن و صهر خير الأنام أنا سيد الأوصياء و وصي خير الأنبياء أنا باب مدينة العلم و خازن علم رسول الله صلّی الله علیه و آله و وارثه.

أنا زوج البتول سيدة نساء العالمين فاطمة التقية النقية الزكية البرة المهدية حبيبة حبيب الله و خير بناته و سلالته و ريحانة رسول الله صلّی الله علیه و آله سبطاه خير الأسباط و ولدي خير الأولاد هل ينكر أحد ما أقول أين مسلمو أهل الكتاب.

أنا اسمي في الإنجيل إليا و في التوراة بريا و في الزبور اريا و عند الهند كابر و عند الروم بطريسا و عند الفرس جبير و عند الترك تبير و عند الزنج خبير و عند الكهنة بوي و عند الحبشة بتريك و عند أمي حيدرة و عند ظئري ميمون وعند العرب علي و عند الأرمن فريق و عند أبي ظهير ألا و إني مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم يقول الله عز وجل.

إن الله مع الصادقين أنا ذلك الصادق و أنا المؤذن في الدنيا و الآخرة قال الله تعالى «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» أنا ذلك المؤذن و قال الله تعالى «وَ أَذَانٌ مِنَ اللهِ وَ رَسُولِهِ» فأنا ذلك الأذان و أنا ذلك المحسن يقول الله عز و جل «وَ إِنَّ اللهَ لَمَعَ الْحْسِنِينَ» و أنا ذو القلب يقول الله عز و

ص: 72

جل «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ».

أنا الذكر يقول الله عز و جل «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ و نحن أصحاب الأعراف أنا و عمي و أخي و ابن عمي و الله فالق الحب و النوى لا يلج النار لنا محب و لا يدخل الجنة مبغض.

يقول الله عز و جل «وَ عَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيَاهُم» و أنا الصهر يقول الله عز و جل «وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً» و أنا الأذن الواعية يقول الله عز و جل «وَ تَعِيَها أذُنٌ وَاعِيَةٌ» و أنا السالم لرسول الله صلّى الله عليه و آله يقول الله عز و جل «وَ رَجُلًا سَلَا لِرَجُلٍ» و من ولدي مهدي هذه الأمة ألا و قد جعلت محنتكم ببغضي يعرف المنافقون و بمحبتي امتحن الله المؤمنين.

هذا عهد النبي صلّی الله علیه و آله الأمي إلىّ أنه لا يحبك إليّ مؤمن و لا يبغضك إلا منافق و أنا صاحب لواء رسول الله صلّی الله علیه و آله في الدنيا و الآخرة و رسول الله صلّی الله علیه و آله فرطي و أنا فرط شيعتي و الله لا عطش محبي ولا خاف والله موالي أنا ولي المؤمنين و الله وليه يحب محبي أن يحبوا من أحب الله و يحب مبغضي أن يبغضوا من أحب الله ألا و إنه.

قد بلغني أن معاوية سبني و لعنني اللهم اشدد وطأتك عليه و أنزل اللعنة على المستحق آمين رب العالمين رب إسماعيل و باعث إبراهيم إنك حميد مجيد ثم نزل علیه السّلام عن أعواده فما عاد إليها حتى قتله ابن ملجم لعنه الله.

112 - عنه أخبرنا الشيخ أبو البقاء البصري إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم الوفا المجاور بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام في المحرم سنة ست عشرة وخمسمائة بقراءتي عليه قال حدثنا أبو طالب محمد بن الحسين بن عتبة بالبصرة في مشهد النخاسين على صاحبه السلام سنة

ص: 73

ثلاث وستين وأربعمائة قال حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين الفقيه.

قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن وهبان قال أخبرني علي بن حبشي ابن القوني الكاتب قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان قال حدثني نصر بن مزاحم قال حدثني محمد بن عمان بن عبد الكريم عن أبيه عن جعفر بن عن جعفر بن محمد علیهماالسّلام .

قال دخل أبي المسجد فإذا هو بأناس من شيعتنا فدنا منهم فسلم عليهم ثم قال لهم والله إنى لأحب ريحكم و أرواحكم و إنكم لعلى دين الله و ما بين أحدكم و بين أن يغتبط بما هو فيه إلا أن يبلغ نفسه هاهنا و أشار بيده إلى حنجرته فأعينونا بورع و اجتهاد و من يأتم منكم بإمام فليعمل بعمله.

أنتم شرط الله و أنتم أعوان الله و أنتم أنصار الله و أنتم السابقون الأولون و أنتم السابقون الآخرون و أنتم السابقون إلى الجنة قد ضمنا لكم الجنان بأمر الله و رسوله كأنكم في الجنة تتنافسون في فضائل الدرجات كل مؤمن منكم صديق وكل مؤمنة منكم حوراء قال أمير المؤمنين علیه السّلام.

يا قنبر قم فاستبشر فالله ساخط على الأمة ما خلا شيعتنا ألا وإن لكل شيء شرفا و شرف الدين الشيعة ألا و إن لكل شيء عمادا و عماد الدين الشيعة ألا و إن لكل شيء سيدا و سيد المجالس مجلس شيعتنا ألا و إن لكل شيء شهودا و شهود الأرض سكان شيعتنا فيها ألا و إن من خالفكم منسوب إلى هذه الآية.

«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلى ناراً حَامِيَةً» ألا و إن من دعا منكم فدعاؤه مستجاب ألا و إن من سأل منكم حاجة فله بها مائة يا حبذا حسن صنع الله إليكم تخرج شيعتنا من قبورهم يوم القيامة مشرقة

ص: 74

ألوانهم و وجوههم قد أعطوا الأمان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون و الله أشد حبا لشيعتنا منا لهم.

113-عنه قال حدثنا عمر بن ثابت عن جبلة بن سحيم عن أبيه قال لما بويع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام بلغه أن معاوية قد توقف عن إظهار البيعة له و قال إن أقرني على الشام و أعمالي التي ولانيها عثمان بايعته فجاء المغيرة إلى أمير المؤمنين.

فقال له يا أمير المؤمنين إن معاوية من قد علمت و قد ولاه الشام من كان قبلك فوله أنت كيما تتسق الأمور ثم اعزله إن بدا لك فقال أمير المؤمنين علیه السّلام أتضمن لي عمري يا مغيرة فيما توليته إلى خلعه قال لا.

قال فلا يسألني الله عز و جل عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا و ما كنت متخذ المضلين عضدا لكنى أبعث إليه قأدعوه إلى ما في يدي من الحق فإن أجاب فرجل من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم و إن أبى حاكمته إلى الله فولى المغيرة و هو يقول:

نصحت عليا في ابن حرب نصيحة *** فرد فما مني له الدهر ثانية

و لم يقبل النصح الذي جئته به *** و كانت له تلك النصيحة كافية

و قالوا له ما أخلص النصح كله *** فقلت له إن النصيحة غالية

فقام قيس بن سعد فقال يا أمير المؤمنين إن المغيرة أشار عليك بأمر لم يرد الله به فقدم فيه رجلا و أخر فيه آخر فإن الغلبة تقرب إليك بالنصيحة و إن كانت لمعاوية تقرب إليه بالمشورة ثم أنشأ يقول:

كاد و من أرسى ثبيرا مكانه *** مغيرة أن يقوى عليك معاوية

و كنت بحمد الله فينا موفقا *** و تلك التي أراكها غير كافية

فسبحان من علا السماء مكانها *** و الأرض دحاها كما هي هيه

ص: 75

114- عنه بحذف الإسناد قال استأذن عمرو بن العاص على معاوية ابن أبي سفيان فلما دخل عليه استضحك معاوية فقال له عمرو ما يضحكك يا أمير المؤمنين أدام الله سرورك قال ذكرت علي بن أبي طالب و قد غشيك بسيفه فاتقيته و ولیت.

فقال أتشمت بي يا معاوية فأعجب من هذا يوم دعاك إلى البراز فالتمع لونك و أطت ضلاعك و انتفخ سحرك و الله لو بارزته لأوجع قذالك و أيتم عيالك و بزك سلطانك و أنشأ عمرو:

معاوي لا تشمت بفارس بهمه *** لقي فارسا لا تعتليه الفوارس

معاوي لو أبصرت في الحرب مقبلا *** أباحسن يهوي عليك الوساوس

لأيقنت أن الموت حق وأنه *** لنفسك إن لم تمعن الركض خالس

دعاك فصمت دونه الإذن إذ دعا *** و نفسك قد ضاقت عليها الأبالس

أتشمت بي إذنالني حدرمحه *** وعضضني ناب من الحرب ناهس

و أي أمر لاقاه لم يلق شلوه *** بمعترك تسفي عليه الروامس

أبى الله إلا أنه ليث غابه *** أبو أشبل تهدى إليه الفرائس

فإن كنت في شك فارهق عجاجة *** وإلا فتلك الترهات البسابس

فقال معاوية مهلا يا أبا عبد الله ولا كل هذا قال أنت استدعيته.

115 - قال ابوبكر بن ابي شيبة: حدثنا يحيي بن آدم قال حدثنا زيد ابن عبدالعزيز عن أبيه عن حبيب بن أبي ثابت قال: رأيت أو كانت – شك يحيي - رأية علي يوم صفين مع هاشم بن عتبة، و كان رجلا أعور، فحمل عمار يقول: أقدم يا أعور.

لا خير في أعور، لا يأتي الفزع فيستحي فيتقدم، قال: يقول عمرو بن العاص: إني لأري لصاحب الراية السوداء عملا لتن دام علي ما أري لتفانن

ص: 76

العرب اليوم، قال: فما زال أبو اليقظان يتألف فيهم، قال: و هو يقول كل الماء ورد والمياه رود، صبرا عباد الل،ه الجنة تحت ظلال السيوف.

116- عنه حدثنا أسحاق بن منصور عن محمد بن راشد عن جعفر بن عمرو بن أمية عن مسلم بن الأجدع الليثي، و كان ممن شهد صفين، قال: كان عمار يخرج بين الصفين، و قد أخرجت الرايات، فينادي حتي يسمعهم باعلي صوته: روحوا إلي الجنة، قد تزينت الحور العين.

117- عنه حدثنا غندر عن شعبة عن أبي مسلمة قال: سمعت عمار ابن ياسر يقول: من سره أن تكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبا، فاني لأري صفا ليضر بنكم ضربا برتاب منه المبطلون، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أنا علي الحق وأنهم علي الضلالة.

118- عنه حدثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبدالله ابن سلمة - أو عن البختري - عن عمار قال: لو ضربونا حتي يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا علي الحق لعلمنا أنا علي الحق و أنهم علي الباطل.

119- عنه حدثنا زيد بن هارون عن الحسن ابن الحكم عن زياد بن الحارث قال: كنت إلي جنب عمار بن ياسر بصفين، و ركبتي تمس ركبته، فقال رجل: كفر أهل الشام، فقال عمار: لا تقولوا ذلك نبينا و نبيهم واحد، و قبلتنا وقبلتهم واحدة ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق فحق علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه.

120- عنه حدثنا وكيع عن حسن بن الحارث عن شيخ له يقال له رباح قال: قال عمار: لا تقولوا كفر أهل الشام، ولكن قولوا: فسقوا ظلموا.

121- عنه عن وكيع عن مسعر عن عبد الله عن رباح عن عمار قال: لا

ص: 77

تقولوا كفر أهل الشام ولكن قولوا: فسقوا ظلموا.

122- عنه حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا العوام بن حوشب قال حدثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد الغنزي قال: إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد منهما يقول: أنا قتلته، قال عبدالله بن عمرو: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه، فاني سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول:

تقتل الفئة الباغية، فقال معاوية: ألا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إني معكم و لست أقاتل، إن أبي شكاني إلي رسول الله صلّی الله علیه و آله، فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله : أطع أباك ما دام حيا و لا تعصه، فأنا معكم و لست أقاتل.

123- عنه حدثنا وكيع عن محمد بن قيس عن سعد بن إبراهيم قال: بينما على آخذ بيد عدي بن حاتم و هو يطوف في القتلي أذ مر برجل عرفته :فقلت يا أمير المؤمنين! عهدي بهذا و هو مومن قال: والآن؟.

124 - عنه حدثنا يحيي بن آدم قال حدثنا فطر عن أبي القعقاع قال: رأيت عليا علي بغلة النبي صلّی الله علیه و آله الشهباء يطوف بين القتلي.

125 - عنه حدثنا يحيي بن آدم قال حدثنا أبوبكر بن عياش قال حدثنا صهيب الفقعسي أبو أسد عن عمه قال: ما كانت أوتاد فساطيطنا يوم صفين إلا القتلي، و ما كنا نستطيع أن نأكل الطعام من النتن، قال: و قال رجل: من دعا إلى البغلة ليوم كفر أهل الشام، قال فقال: من الكفر فروا.

126 - عنه حدثنا يحيي بن آدم قال حدثنا ابن عيبنة عن عمران ابن ظبيان عن حكم بن سعد قال: لقد أشرعوا رماحهم بصفين و أشرعنا رماحنا، و لو أن إنسانا يمشي عليها لفعل.

ص: 78

127- عنه حدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا ابن أبي ذئب عمن حدثه عن علي علیه السّلام قال : لما قاتل معاوية سبقه إلي الماء فقال: دعوهم، فان الماء لا يمنع.

128 - عنه حدثنا ابن علية عن ابن عون عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: يقتل عمارا الفئة الباغية.

129 - عنه حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا موسي بن قيس قال سمعت حجر بن عنبس قال: قيل لعلي يوم صفين: قد حيل بيننا و بين الماء، قال: فقال: أرسلوا إلي الأشعث، قال: فجاءوه فقال: ائتوني بدرع ابن سهر - رجل من بني براء - فصبها عليه ثم أتاهم فقاتلهم حتى أزالهم عن الماء.

130- عنه حدثنا الفضل بن دكين عن حسن بن صالح عن عبدالله بن الحسن قال سمعته قال: قال علي الا للحكمين علي أن تحكما ما في كتاب الله، و كتاب الله كله لي فان لم تحكما بما في كتاب الله فلا حكومة لكما.

131 - عنه حدثنا الفضل بن دكين حدثنا حسن بن صالح قال سمعت جعفرا قال: قال علي علیها السّلام : أن تحكما بما في كتاب الله فتحييا ما أحيا القرآن و تميتا ما أمات القرآن ولا تزنيا.

132- حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا حسن بن صالح قال سمعت عبدالله بن الحسن يذكر عن أمه أن المسلمين قتلوا عبيدالله بن عمرو يوم صفين، و أخذ المسلمون سلبه و كان مالا.

133- عنه حدثنا شريك عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر قال: كان علي اذا أتي بأسير يوم صفين أخذ دابته و سلاحه، و أخذ عليه أن يعود، و خلي سبيله.

134- عنه حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام

ص: 79

عن محمد بن سيرين بن سيرين قال: بلغ القتلي يوم صفين سبعين ألفا، فما قدروا علي عدهم إلا بالقصب، وضعوا علي كل إنسان ،قصبة ثم عدوا القصب.

135 - عنه حدثنا محمد بن عبدالله الأسدي قال حدثنا كيسان قال حدثني مولاي يزيد بن بلال قال: شهدت مع علي علیه السّلام يوم صفين، فكان إذا إتي بالأسير قال: لن أقتلك صبرا، إني أخاف الله رب العالمين، وكان يأخذ سلاحه و يحلفه: لا يقاتله، و يعطيه اربعة دراهم.

136 - عنه حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن شقيق قال: قيل له: أشهدت صفين: نعم، و بئست الصفوان كانت.

137- عنه حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك في قوله و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تضيئ إلي أمر الله قال: بالسيف، قلت: فما قتلاهم؟ قال شهداء مرزقون؛ قال: قلت: فما حال الأخري أهل البغي من قتل منهم؟ قال: ألى النار.

138- عنه حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال: حدثني غير واحد أن قاضيا من قضاة الشام أتي قضاة الشام أتي عمر فقال: يا أمير المؤمنين، رؤيا أفظعتني، قال: ما هي؟ قال: رأيت الشمس و القمر يقتتلان، والنجوم معهما نصفين، قال: فمع أيتها كنت؟ قال: كنت مع القمر علي الشمس، فقال عمر و جعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة فانطلق فو الله لا تعمل لي عملا أبدا، قال عطاء: فبلغني أنه قتل مع معاوية يوم صفين.

139- عنه حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة قال أخبرني عبدالله ابن عروة قال: أخبرني رجل شهد صفين قال: رأيت عليا علیه السّلام خرج في

ص: 80

بعض تلك الليالي، فنظر الي أهل الشام فقال: اللهم اغفر لي و لهم، فأتي عمار فذكر ذلك له فقال: جروا له الحطير ما جره لكم - يعني سعدا رحمه الله.

140 - عنه حدثنا وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن - سلمة قال: رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم طوالا و يداه ترتعش و بیده الحربة فقال: لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أن مصلحتنا علي الحق و أنهم علي الباطل.

141- عنه حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا عبدالملك بن قدامة الجمحي قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لما رفع الناس أيديهم عن صفين قال عمرو بن العاص:

شبت الحرب فأعددت لها *** مفرع الحارك مروي التبج

يصل الشد بشد فاذا *** وثب الخيل من الشد معج

جرشع أعظمه جفرته *** فاذا ابتل من الماء خرج

قال: و قال عبدالله بن عمرو:

لو شهدت جمل مقامي و مشهدي *** بصفين يوما شاب منها الذوائب

عشية جاء أهل العراق كأنهم *** سحاب ربيع رفعته الجنائب

و جئناهم نردي كأن صفوفنا *** من البحر مدموجه متراكب

فدارت رحانا و استدارت رجاهم *** سراه النهار ما تولي المناكب

إذا قلت قد ولوا سراعا بدت لنا *** كتائب منهم فارجحنت كتائب

فقالوا لنا: إنا نري أن تبايعوا *** عليا فقلنا: بل نري أن نضارب

142 - عنه حدثنا أسود بن عامر قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي ابن زيد عن الحسن ان جنديا كان مع علي يوم صفين، قال حماد: لم يكن يقاتل.

ص: 81

143- عنه حدثنا شريك عن منصور عن إبراهيم قال: قلت له: شهد علقمة صقين؟ قال: نعم، خضب سيفه و قتل أخوه.

144 - عنه حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن مسلم عن أبي البختري قال: رجع علقمة يوم صفين و قد خضب سيفه مع علي.

145 - عنه حدثنا أبو معاوية عن الاعمش عن شقيق أبي وائل قال: قال سهل بن حنيف يوم صفين: أيها الناس! اتهموا رأيكم فانه والله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا مع رسول الله صلّی الله علیه و آله لأمر يفضعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر تعرفه غير هذا.

146-عنه حدثنا غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن سلمة سمعته يقول: رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم طوالا آخذ حربة بيده و يده ترعد، فقال: والذي نفسي بيده لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا علي الحق و أنهم علي الباطل.

147 - عنه حدثنا يحيي بن آدم قال حدثنا ابن عيبنة عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال: إني لخارج من المسجد إذ رأيت ابن عباس حين جاء من عند معاوية في أمر الحكمين فدخل دار سليمان بن ربيعة فدخلت معه فما زال يرمي إليه رجل ثم رجل بعد رجل يا ابن عباس كفرت و أشركت و نددت.

قال الله في كتابه كذا و قال الله كذا حتي دخلني من ذلك، قال: و من هم؟ هم والله السن الأول أصحاب محمد، هم والله أصحاب البرانس ، والسواري قال فقال ابن عباس: انظروا أخصمكم وأجدلكم وأعلمكم بحجتكم فليتكلم، فاختاروا رجلا أعور يقال له عتاب من بني تغلب.

فقام فقال: قال الله كذا، وقال الله كذا؛ كأنما ينزع بحاجته من القرآن

ص: 82

في سورة واحدة، قال: فقال ابن عباس: إني أراك قارئا للقرآن عالما بما قد فصلت و وصلت، أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، هل علمتم أن أهل الشام سألوا القضية فكرهناها و أببناها، فلما أصابتكم الجروح وعضكم الألم و منعتم ماء الفرات وأنشأتم تطلبونها ، و لقد أخبرني معاوية أنه أتي بفرس بعيد البطن من الأرض ليهرب عليه ثم أتاه آت منكم.

فقال: إني تركت أهل العراق يموجون مثل الناس ليلة النفر بمكة، يقولون مختلفين في كل وجه مثل ليلة النفر بمكة، قال: ثم قال ابن عباس، أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أي رجل كان أبو بكر ؟ فقالوا: خير و اثنوا فقال: أفرأيتم لو أن رجلا خرج حاجا أو معتمرا فأصاب ظبيا أو بعض هوام الأرض فحكم فيه أحدهما وحده، أكان له، والله يقول.

«يحكم به ذوا عدل» فما اختلفتم فيه من أمر الأمة أعظم، يقول: فلا تنكروا حكمين دماء الأمة، وقد جعل الله في قتل طائر حكمين، و قد جعل بين اختلاف رجل و أمرأته حكمين لاقامة العدل والانصاف بينها فيما اختلفا فيه.

148- عنه حدثنا ابن ادريس عن عبدالعزيز بن رفيع قال: لما سار علي إلي صفين استخلف أبا مسعود علي الناس فخطبهم يوم الجمعة فرأي فيهم قلة فقال : يا أيها الناس! اخرجوا فمن خرج فهو آمن، إنا نعلم والله أن منكم الكاره لهذا الوجه و المتثاقل عنه، اخرجوا فمن خرج فهو آمن والله ما نعدها عافية أن يلتقي هذان العران يتقى أحدهما الآخر، ولكن نعدها عافية أن يصلح الله أمة محمد و يجمع ألفتها.

ألا أخبركم عن عثمان و ما نقم الناس عليه أنهم لم يدعوه و ذنبه حتي يكون الله يعذبه أو يعفو عنه، و لم يدرك الذين طلبوه إذ حيدوه ما آتي الله

ص: 83

إياه، فلما قدم علي قال: أنت القائل ما بلغني عنك يا فروج، إنك شيخ قد ذهب عقلك، قال لقد سمتني أمي باسم أحسن من هذا أذهب عقلي و قد وجبت لي الجنة من الله و من ،رسوله تعلمه أنت، و ما بقى من عقلي فانا كنا نتحدث أن الآخر فالآخر شر.

قال: فلما كان بالسيلحين أو بالقادسية خرج عليهم و ظفراه يقطران، يري أنه قد تهيا للاحرام، فلما وضع رجله في الغرز و أخذ بمؤخر واسطة الرحل قام إليه ناس من الناس فقالوا: لو عهدت إلينا يا أبا مسعود فقال: عليكم بتقوي الله و الجماعة فان الله لا يجمع أمة محمد علي ضلالة، قال: فأعادوا عليه فقال: عليكم بتقوي الله و الجماعة فانما يستريح بر أو يستراح من فاجر.

عنه حدثنا علي بن حفص عن أبي معشر عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت :قال ما زال جدي كافا سلاحه يوم صفين و يوم الجمل حتي قتل عمار، فلما قتل سل سیفه و قال سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: تقتل عمارا الفئة الباغية، فقاتل حتي قتل.

149-عنه حدثنا يحيي ابن آدم قال حدثنا و رقاء عن عمرو بن دينار عن زياد مولي عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : تقتل عمارا الفئة الباغية.

150- عنه حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب عن أبي البختري قال: لما كان يوم صفين و اشتدت الحرب دعا عمار بشربة لبن فشربها، وقال: إن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال لي : إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن.

151 - عنه حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن شمر عن عبدالله بن سنان الأسدي قال: رأيت عليا يوم صفين و معه سيف رسول الله صلّی الله علیه و آله

ص: 84

ذوالفقار قال: فنظبطه فيفلت فيحمل علهيم، قال: ثم يجيّ، قال: ثم يحمل عليهم، قال: فجاء بسيفه قد تثني، فقال: إن هذا يعتذر إليكم.

152 - عنه حدثنا شبابة قال حدثنا شعبة قال: سألت الحكم: هل شهد أبو أيوب صفين؟ قال: لا ؛ ولكن شهد يوم النهر.

153- قال ابن سعد: خرج علي علیه السّلام يريد معاوية بن أبي سفيان و من معه بالشام. فبلغ ذلك معاوية فخرج فيمن معه من أهل الشام و التقوا بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين. فلم يزالوا يقتتلون بها أياما و قتل بصفين عمار ابن ياسر. و خزيمة بن ثابت. و أبو عمرة المازني. و كانوا مع علي. و رفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها مكيدة من عمرو بن العاص أشار بذلك على معاوية و هو معه.

فكره الناس الحرب و تداعوا إلى الصلح. و حكموا الحكمين فحكم علي أبا موسى الأشعري. و حكم معاوية عمرو بن العاص. و كتبوا بينهم كتابا أن يوافوا رأس الحول بأذرح فينظروا في أمر هذه الأمة. فافترق الناس فرجع معاوية بالألفة من أهل الشام و انصرف علي إلى الكوفة بالاختلاف و الدغل.

فخرجت عليه الخوارج من أصحابه و من كان معه و قالوا: لا حكم إلا الله. وعسكروا بحروراء. فبذلك سموا الحرورية. فبعث إليهم علي عبد الله ابن عباس و غیره فخاصمهم و حاجهم فرجع منهم قوم كثير و ثبت قوم على رأيهم وساروا إلى النهروان فعرضوا للسبيل و قتلوا عبد الله بن خباب ابن الأرت.

فسار إليهم علي فقتلهم بالنهروان وقتل منهم ذا الثدية. و ذلك سنة ثمان وثلاثين. ثم انصرف علي إلى الكوفة فلم يزل بها يخافون عليه

ص: 85

الخوارج من يومئذ إلى أن قتل علیه السّلام. و اجتمع الناس بأذرح في شعبان سنة ثمان وثلاثين. وحضرها سعد بن أبي وقاص و ابن عمر و غيرهما من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله. فقدم عمرو أبا موسى فتكلم فخلع عليا. و تكلم عمرو فأقر معاوية وبايع له. فتفرق الناس على هذا.

154- قال أبو حنيفة الدينوري قالوا و ضربت الركبان الى الشام بنعي عثمان، و تحريض معاوية على الطلب بدمه، فبينا معاوية ذات يوم جالس إذ دخل عليه رجل، فقال: السلام عليك يا امير المؤمنين ، فقال معاوية: و عليك، من أنت، لله أبوك؟ فقد روعتني بتسليمك على بالخلافة قبل ان انا لها، فقال انا الحجاج بن خزيمة بن الصمة، قال: ففيم قدمت؟، قال: قدمت قاصدا إليك بنعي عثمان، ثم أنشأ يقول:

ان بني عمك عبد المطلب *** هم قتلوا شيخكم غير الكذب

و أنت اولى الناس بالوثب فثب *** و سر مسير المحزئل المتلئب

قال: ثم انى كنت فيمن خرج مع يزيد بن أسد لنصر عثمان، فلم نلحقه، فلقیت رجلا، و معى الحارث بن زفر، فسألناه عن الخبر، فأخبرنا بقتل عثمان، وزعم انه ممن شایع علی قتله، فقتلناه، و انى اخبرك، انك تقوى بدون ما يقوى به على لان معك قوما لا يقولون إذا سكت، و يسكتون إذا نطقت، و لا يسألون إذا امرت.

و مع على قوم يقولون إذا قال، ويسألون إذا سكت، فقليلك خير من كثيره، و على لا يرضيه الا سخطك، و لا يرضى بالعراق دون الشام، و أنت ترضى بالشام دون العراق، فضاق معاوية بما أتاه به الحجاج بن خزيمة ذرعا، و قال:

أتاني امر فيه للناس غمة *** وفيه بكاء للعيون طويل

ص: 86

مصاب امير المؤمنين، و هذه *** تكاد لها صم الجبال تزول

فلله عينا من راى مثل هالك *** اصيب بلا ذحل و ذاك جليل.

تداعت عليه بالمدينة عصبة *** فريقان، منهم قاتل و خذول

دعاهم، فصموا عنه عند دعائه *** و ذاك على ما في النفوس دليل

سانعى أبا عمرو بكل مثقف *** و بيض لها في الدارعين صليل

تركتك للقوم الذين تظافروا *** عليك، فما ذا بعد ذاك اقول

فلست مقيما ما حييت ببلدة *** اجر بها ذيلي و أنت قتيل

و اما التي فيها مودة بيننا *** فليس إليها ما حييت سبيل

سالقحها حربا عوانا ملحة *** وانى بها من عامنا لكفيل

155 - عنه كتب على الى جرير بن عبد الله البجلي، و كان عامل عثمان بأرض الجبل مع زحر بن قيس الجعفى، يدعوه الى البيعة له، فبايع و أخذ بيعة من قبله، و سار حتى قدم الكوفة.

و كتب الى الاشعث بن قيس بمثل ذلك، وكان مقيما باذربيجان طول ولايه عثمان بن عفان، و كانت ولايته مما عتب الناس فيه على عثمان، لأنه ولاه عند مصاهرته اياه، و تزويج ابنة الاشعث من ابنه، ويقال ان الاشعث هو الذي افتتح عامة اذربيجان، و كان له بها اثر و نصح و اجتهاد، و كان كتابه اليه مع زياد بن مرحب، فبایع لعلی، و سار حتى قدم عليه الكوفة.

156 - عنه قال: ان عليا ارسل جرير بن عبد الله الى معاوية يدعوه الى الدخول في طاعته، و البيعة له، او الإيذان بالحرب، فقال الاشتر: ابعث غيره فاني لا آمن مراهنته فلم يلتفت الى قول الاشتر. فسار جرير الى معاوية بكتاب على، فقدم على معاوية، فالفاه و عنده وجوه اهل الشام، فناوله کتاب علی، و قال:

ص: 87

هذا كتاب على إليك، و الى اهل الشام يدعوكم الى الدخول في طاعته، فقد اجتمع له الحرمان، و المصران، و الحجازان، واليمن، و البحران، و عمان، و اليمامه، و مصر، و فارس، و الجبل، و خراسان، و لم يبق الا بلادكم هذه، و ان سال عليها واد من أوديته غرقها.

و فتح معاوية الكتاب فقراه:

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على امير المؤمنين الى معاوية بن ابی سفیان، اما بعد فقد لزمك و من قبلك من المسلمين بيعتي، و انا بالمدينة، و أنتم بالشام، لأنه بايعنى الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان. فليس للشاهد ان يختار، و لا للغائب ان يرد، و انما الأمر في ذلك للمهاجرين و الانصار، فإذا اجتمعوا على رجل مسلم.

فسموه اماما، كان ذلك لله رضى، فان خرج من أمرهم احد بطعن فيه او رغبة عنه رد الى ما خرج منه، فان ابى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، و ولاه الله ما تولى، و يصله جهنم وساءت مصيرا، فادخل فيما دخل فيه المهاجرون والانصار.

فان أحب الأمور فيك و فيمن قبلك العافية، فان قبلتها والا فائذن بحرب، وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم الى، احملك و إياهم على ما في كتاب الله وسنة نبيه، فاما تلك التي تريدها، فإنما هي خدعة الصبى عن الرضاع.

فجمع معاوية اليه اشراف اهل بیته، فاستشارهم في امره، فقال اخوه عتبة بن ابي سفيان: استعن على امرك بعمرو بن العاص و كان مقيما في ضيعة له من حيز فلسطين، قد اعتزل الفتنة. فكتب اليه معاوية انه قد كان من امر على في طلحه و الزبير و عائشة أم المؤمنين ما بلغك، و قد قدم علينا جرير

ص: 88

بن عبد الله فى أخذنا ببيعه على، فحبست نفسي عليك، فاقبل، اناظرك في ذلك، و السلام.

فسار و معه ابناه عبد الله و محمد حتى قدم على معاوية، وقد عرف حاجة معاوية اليه، فقال له معاوية: أبا عبد الله، طرقتنا في هذه الأيام ثلاثة امور، ليس فيها ورد و لا صدر، قال: و ما هن؟ قال: اما أولهن، فان محمد ابن ابي حذيفة كسر السجن و هرب نحو مصر فيمن كان معه من اصحابه، و هو من اعدى الناس لنا.

و اما الثانيه فان قيصر الروم قد جمع الجنود ليخرج إلينا فيحاربنا على الشام، و اما الثالثه فان جريرا قدم رسولا لعلى بن ابى طالب يدعونا الى البيعة له او إيذان بحرب.

قال عمرو: اما ابن ابى حذيفة فما يغمك من خروجه من سجنه في اصحابه، فأرسل في طلبه الخيل، فان قدرت عليه قدرت، و ان لم تقدر عليه لم يضرك، و اما قيصر، فاكتب اليه تعلمه، انك ترد عليه جميع من في يديك من أسارى الروم، و تسأله الموادعة و المصالحه تجده سريعا الى ذلك، راضيا بالعفو منك، و اما على بن ابى طالب فان المسلمين لا يساوون بينك و بينه.

قال معاوية: انه مالاً على قتل عثمان، و اظهر الفتنة، و فرق الجماعة.

قال عمرو: انه و ان كان كذلك، فليست لك مثل سابقته و قرابته، و لكن ما لي ان شايعتك على امرك حتى تنال ما تريد؟.

قال: حكمك. قال عمرو : اجعل لي مصر طعمة ما دامت لك ولاية. فتلكأ معاوية، و قال: يا عبد الله، لو شئت ان اخدعك خدعتك. قال عمرو: ما مثلي يخدع. قال له معاوية: ادن منى اسارك.

فدنا عمرو منه، فقال: هذه خدعة، هل ترى في البيت غيرى و غيرك

ص: 89

ثم قال: يا عبد الله اما تعلم ان مصر مثل العراق؟.

قال عمرو: غير انها انما تكون لي إذا كانت لك الدنيا، و انما تكون لك إذا غلبت عليا. فتلكا عليه، و انصرف عمرو الى رحله، فقال عتبة لمعاوية: اما ترضى ان تشترى عمرا بمصر ان صفت لك قليتك لا تغلب على الشام.

و قال معاوية: بت عندنا ليلتك هذه، فبات عتبة عنده فلما أخذ معاوية مضجعة أنشأ عتبة:

ايها المانع سيفا لم يهز *** انما ملت على خز و قز

انما أنت خروف ناعم *** بين ضرعين وصوف لم يجز

نالك الخير، فخذ من درة *** شخبه الاول، و اترك ما عزز

و اترك الحرص عليها ضنة *** و اشبب النار لمقرور يكز

ان مصرا لعلى او لنا *** يغلب اليوم عليها من عجز

وسمع معاوية ذلك، فلما اصبح بعث الى عمرو، فاعطاه ما سال، و كتبا بينهما في ذلك كتابا، ثم ان معاوية استشار عمرا في امره، و قال ما ترى؟

قال عمرو: انه قد أتاك فى هذه البيعة خبر اهل العراق من عند خير الناس، و لست ارى لك ان تدعو اهل الشام الى الخلافة، فان ذلك خطر عظيم حتى تتقدم قبل ذلك بالتوطين للاشراف منهم، و اشراب قلوبهم اليقين، بان عليا مالاً على قتل عثمان.

و اعلم ان رأس اهل الشام شرحبيل ابن السمط الكندى، فأرسل اليه ليأتيك، ثم وطن له الرجال على طريقه كله، يخبرونه بان عليا قتل عثمان ، و ليكونوا من اهل الرضى عنده، فإنها كلمة جامعه لك اهل الشام، و ان تعلق هذه الكلمة بقلبه لم يخرجها شيء ابدا.

157- عنه فدعا يزيد بن اسد، و بسر بن ابى ارطاة، و سفيان بن

ص: 90

عمرو، و مخارق بن الحارث، و حمزة بن مالك، و حابس بن سعد، و غیر هؤلاء من اهل الرضا عند شرحبيل بن السمط، فوطنهم له على طريقه، ثم كتب اليه يأمره بالقدوم عليه، فكان يلقى الرجل بعد الرجل من هؤلاء في طريقه، فيخبرونه ان عليا مالا على قتل عثمان، ثم اشربوا قلبه ذلك.

فلما دنا من دمشق امر معاوية اشراف الشام باستقباله، فاستقبلوه، و أظهروا تعظيمه، فكان كلما خلا برجل منهم القی اليه هذه الكلمة، فاقبل حتى دخل على معاوية مغضبا فقال: ابى الناس الا ان ابن ابى طالب قتل عثمان، و الله لئن بايعته لنخرجنك من الشام، فقال معاوية: ما كنت لا خالف امركم، و انما انا واحد منكم.

قال: فاردد هذا الرجل الى صاحبه يعنى جريرا فعلم عند ذلك معاوية ان اهل الشام مع شرحبيل، فقال لشرحبيل: ان هذا الذى تهم به لا يصلح الا برضى العامه، فسر في مدائن الشام، فاعلمهم ما نحن عليه من الطلب بثار خليفتنا و بايعهم على النصره و المعونة.

فسار شرحبيل يستقرى مدن الشام، مدينة بعد مدينة، و يقول: ايها الناس، ان عليا قتل عثمان، و انه غضب له قوم فلقيهم، فقتلهم، و غلب على ارضهم، ولم يبق الا هذه البلاد، و هو واضع سيفه على عاتقه، و خائض به غمرات الموت حتى ياتيكم، ولا يجد أحدا اقوى على قتله من معاوية، فانهضوا ايها الناس بثار خليفتكم المظلوم. فأجابه الناس كلهم الا نفرا من اهل حمص نساكا ، فإنهم قالوا نلزم بيوتنا و مساجدنا، و أنتم اعلم.

158- عنه فلما ذاق معاوية اهل الشام، و عرف مبايعتهم له قال لجرير الحق بصاحبك، و اعلمه انى و اهل الشام لا نجيبه الى البيعة، ثم كتب اليه بابيات كعب بن جعيل:

ص: 91

ارى الشام تكره ملك العراق *** و اهل العراق لهم كارهونا

و كل لصاحبه مبغض *** يرى كل ما كان من ذاك دينا

و قالوا على امام لنا *** فقلنا رضينا ابن هند رضينا

و قالوا نرى ان تدينوا لنا *** فقلنا لهم لا نرى ان ندينا

و كل يسر بما عنده *** يرى غث ما في يديه سمينا

وما في على لمستعتب *** مقال سوى ضمه المحدثينا

و لیس براض و لا ساخط *** و لا في النهاة و لا الامرينا

ولا هو ساء ولا سره *** و لا بد من بعد ذا أن يكونا

فلما قرأ على علیه السّلام قال للنجاشي أجب، فقال:

دعن معاوي ما لن يكونا *** فقد حقق الله ما تحذرونا

أتاكم على باهل العراق *** و اهل الحجاز فما تصنعونا

يرون الطعان خلال العجاج *** و ضرب القوانس في النقع دينا

هم هزموا الجمع جمع الزبير *** وطلحه و المعشر الناكثينا

فان يكره القوم ملك العراق *** فقد ما رضينا الذى تكرهونا

فقولو قولو الكعب أخي وائل *** ومن جعل الغث يوما سمينا

جعلتم عليا و اشياعه *** نظير ابن هند أما تستحونا

159 - عنه لما رجع جرير الى علي علیه السّلام كثر قول الناس في التهمة له، و اجتمع هو و الاشتر عند على، فقال الاشتر: اما و الله يا امير المؤمنين، لو أرسلتني فيما أرسلت فيه هذا لما ارخيت من خناق معاوية، و لم ادع له بابا یرجو فتحه الا سددته، ولا عجلته عن الفكره.

قال جرير: فما يمنعك من إتيانهم؟

قال الاشتر: الان وقد افسدتهم، والله ما احسبك أتيتهم الا لتتخذ

ص: 92

عندهم مودة، و الدليل على ذلك كثره ذكرك مساعدتهم وتخويفنا بكثرة جموعهم، و لو أطاعني امير المؤمنين لحبسك و اشباهك من اهل الظنة محبسا لا يخرجون منه حتى يستتب هذا الأمر. فغضب جرير جرير مما استقبله به الاشتر، فخرج من الكوفة ليلا في اناس من اهل بيته، فلحق بقرقيسيا، و هي كورة من كور الجزيرة، فأقام بها.

و غضب على لخروجه عنه، فركب الى داره، فامر بمجلس له فاحرق، فخرج ابو زرعة بن عمرو ابن عم جرير، فقال: ان كان انسان قد اجرم فان في هذه الدار أناسا كثيرا لم يجرموا إليك جرما، و قد روعتهم، فقال على: استغفر الله. ثم خرج منها الى دار لابن عم جرير، يقال له ثوير بن عامر، و قد كان خرج معه، فشعث فيها شيئا، ثم انصرف.

160-عنه قالوا: و لما فرغ على علیه السّلام من اصحاب الجمل خافه عبيد الله ابن عمر ان يقتله بالهرمزان فخرج حتى لحق بمعاويه، فقال معاوية لعمرو: قد أحيا الله لنا ذكر عمر بن الخطاب بقدوم عبيد الله ابنه علينا. قال:

فاراده معاوية على ان يقوم في الناس فيلزم عليا دم عثمان، فأبى، فاستخف به معاوية، ثم ادناه بعد و قربه.

161- عنه قالوا: و لما عزم اهل الشام على نصر معاوية، و القيام معه اقبل ابو مسلم الخولاني، وكان من عباد اهل الشام، حتى قدم على معاوية، فدخل عليه في اناس من العباد، فقال له: يا معاوية قد بلغنا انك تهم بمحاربة على ابن ابى طالب، فكيف تناوئه و ليست لك سابقته؟ ، فقال لهم معاوية: لست ادعى انى مثله فى الفضل، و لكن هل تعلمون ان عثمان قتل مظلوما؟، قالوا: نعم، قال: فليدفع لنا قتلته حتى نسلم اليه هذا الأمر.

قال ابو مسلم: فاكتب اليه هذا الأمر ، حتى انطلق انا بكتابك، فكتب:

ص: 93

بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن ابي سفيان الى على بن ابى طالب، سلام عليك، فانى احمد إليك الله الذى لا اله الا هو، اما بعد، فان الخليفة عثمان قتل معك في المحلة، و أنت تسمع من داره الهيعة، فلا تدفع عنه بقول و لا بفعل، و اقسم بالله لو قمت في امره مقاما صادقا، فنهنهت عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا، و اخرى أنت بها ظنين.

ايواؤك قتلته، فهم عضدك و يدك و أنصارك و بطانتك، و بلغنا انك تبتهل من دمه، فان كنت صادقا فأمكنا من قتلته، نقتلهم به، و نحن اسرع الناس إليك، و الا فليس لك و لا لأصحابك عندنا الا السيف، فو الله الذي لا اله غيره لنطلبن قتلة عثمان في البر و البحر حتى نقتلهم او تلحق أرواحنا بالله و السلام.

فسار ابو مسلم بكتابه حتى ورد الكوفة، فدخل على علي علیه السّلام، فناوله الكتاب، فلما قراه تكلم ابو مسلم فقال يا أبا الحسن، انك قد قمت بأمر، و وليته.

و الله ما نحب انه لغيرك ان اعطيت الحق من نفسك، ان عثمان قتل مظلوما، فادفع إلينا قتلته، و أنت أميرنا، فان خالفك احد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة، و ألسنتنا لك شاهدة، وكنت ذا عذر و محجه، فقال له على: اغد على بالغداة. و امر به، فانزل، و اکرم.

فلما كان من الغد دخل الى على و هو في المسجد، فإذا هو بزهاء عشره آلاف رجل، قد لبسوا السلاح، و هم ينادون: كلنا قتلة عثمان، فقال ابو مسلم لعلى: انى لأرى قوما ما لك معهم امر، و احسب انه بلغهم الذي قدمت له، ففعلوا ذلك خوفا من ان تدفعهم الى.

قال على علیه السّلام: انى ضربت انف هذا الأمر و عينه، فلم أر يستقيم

ص: 94

دفعهم إليك و لا الى غيرك، فاجلس حتى اكتب جواب كتابك. ثم كتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله على امير المؤمنين الى معاوية بن ابي سفيان، اما بعد، فان أخا خولان قدم على بكتاب منك، تذكر فيه قطعى رحم عثمان، و تالیبی الناس عليه، و ما فعلت ذلك، غير انه رحمه الله عتب الناس عليه، فمن بين قاتل و خاذل، فجلست في بيتي، و اعتزلت امره، الا ان تتجنى فتجن ما بدا لك.

فاما ما سالت من دفعي إليك قتلته، فانى لا ارى ذلك، لعلمي انك انما تطلب ذلك ذريعة الى ما تامل، و مرقاة الى ما ترجو، و ما الطلب بدمه تريد، و العمري لئن لم تنزع عن غيك و شقاقك لينزل بك ما ينزل بالشاق العاصي الباغي، و السلام.

162- عنه قال: كتب الى عمرو بن العاص:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله على امير المؤمنين الى عمرو بن العاص، اما بعد، فان الدنيا مشغلة عن غيرها، صاحبها منهوم فيها لا يصيب منها، شيئا الا ازداد عليها حرصا، و لم يستغن بما نال عما لا يبلغ، و من وراء ذلك فراق ما جمع، و السعيد من اتعظ بغيره، فلا تحبط عملك بمجاراة معاوية في باطله، فانه سفه الحق و اختار الباطل والسلام. فكتب اليه عمرو بن العاص :

من عمرو بن العاص الى على بن ابى طالب، اما بعد فان الذي فيه صلاحنا و الفة ذات بيننا ان تجيب الى ما ندعوك اليه، من شورى تحملنا و إياك على الحق، ويعذرنا الناس لها بالصدق و السلام.

163- عنه قالوا: و لما اجمع علي علیه السّلام على المسير الى اهل الشام، و حضرت الجمعة صعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه، وصلى على

ص: 95

النبي صلّی الله علیه و آله ، ثم قال: ايها الناس، سيروا الى أعداء السنن و القرآن، سيروا الى قتلة المهاجرين والانصار، سيروا الى الجفاة الطغام الذين كان اسلامهم خوفا و کرها، سيروا الى المؤلفه قلوبهم ليكفوا عن المسلمين بأسهم.

فقام اليه رجل من فزارة، يسمى اربد، فقال: أتريد ان تسير بنا الى إخواننا من اهل الشام فنقتلهم كما سرت بنا الى إخواننا من اهل البصرة فقتلناهم؟ کلا ها الله ، إذا لا نفعل ذلك.

فقام الاشتر، فقال ايها الناس، من هذا؟ فهرب الفزاری و سعی شؤبوب من الناس في اثره، فلحقوه بالكناسة فضربوه بنعالهم حتى سقط، ثم وطئوه بارجلهم حتى مات، فاخبر بذلك على علیه السّلام فقال: قتيل عمية، لا يدرى من قتله فدفع ديته الى اهله من بيت المال، و قال بعض شعراء بنى تميم:

اعوذ بربي ان تكون منيتي *** كما مات في سوق البراذين اربد

تعاوره همدان خصف نعالهم *** إذا رفعت عنه يد وقعت يد

و قام الاشتر، فقال: يا امير المؤمنين، لا يؤيسنك من نصرتنا ما هذا سمعت من الخائن، ان جميع من ترى من الناس شيعتك، لا يرغبون بانفسهم عنك، و لا يحبون البقاء بعدك، فسر بنا الى اعدائك، فو الله ما ينجو من الموت من خافه، و لا يعطى البقاء من احبه، ولا يعيش بالأمل الا المغرور.

164 - عنه فأجابه جل الناس الى المسير، الا اصحاب عبد الله بن مسعود، و عبيدة السلماني، و الربيع بن خثيم في نحو من أربعمائة رجل من القراء، فقالوا: يا امير المؤمنين، قد شككنا في هذا القتال، مع معرفتنا فضلك، و لا غنى بك ولا بالمسلمين عمن يقاتل المشركين، فولنا بعض هذه الثغور

ص: 96

النقاتل عن اهله. فولاهم ثغر قزوين و الري، و ولى عليهم الربيع بن خثيم، و عقد له لواء، و كان أول لواء عقد في الكوفة.

165- عنه قالوا و بلغ عليا ان حجر بن عدی و عمرو بن الحمق يظهران شتم معاوية و لعن اهل الشام فأرسل إليهما ان كفا عما يبلغني عنكما. فاتياه، فقالا: يا أمير المؤمنين، ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟ ، قال: بلی، و رب الكعبه المسدنة.

قالوا: فلم تمنعنا من شتمهم و لعنهم؟، قال: كرهت لكم ان تكونوا شتامين لعانين، و لكن قولوا: اللهم احقن دماءنا و دماءهم، واصلح ذات بيننا و بينهم، و اهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، و يرعوى عن الغى من لجج به.

166 - عنه قالوا: ولما عزم على علیه السّلام على الشخوص امر مناديا، فنادی بالخروج الى المعسكر بالنخيلة، فخرج الناس مستعدين، و استخلف على علیه السّلام على الكوفة أبا مسعود الأنصاري، و هو من السبعين الذين بايعوا رسول الله صلّی الله علیه و آله ليلة العقبة. و خرج على علیه السّلام الى النخيلة، و امامه عمار بن ياسر ، فأقام بالنخيلة معسكرا، وكتب الى عمالة بالقدوم عليه.

167- عنه لما انتهى كتابه الى ابن عباس ندب الناس، وخطبهم، وكان أول من تكلم الأحنف بن قيس، ثم قام خالد بن العمر السدوسي، ثم قام عمرو ابن مرحوم العبدى، وكلهم أجاب، فخلف على البصرة أبا الأسود الديلي و سار بالناس حتى قدم على علي علیه السّلام بالنخيلة.

168- عنه قال: فلما اجتمع الى على قواصيه، و انضمت اليه اطرافه تهيأ للمسير من النخيلة، و دعا زياد بن النضر و شريح بن هانئ، فعقد لكل واحد منهما على سته آلاف فارس، و قال: ليسر كل واحد منكما منفردا عن

ص: 97

صاحبه، فان جمعتكما حرب، فأنت يا زياد الأمير، و اعلما ان مقدمة القوم عيونهم، و عيون المقدمة طلائعهم، فاياكما ان تسأما عن توجيه الطلائع، و لا تسيرا بالكتائب و القبائل من لدن مسير كما الى نزولكما الا بتعبية و حذر.

و إذا نزلتم بعد و او نزل بكم فليكن معسكركم في اشرف المواضع ليكون ذلك لكم حصنا حصينا، وإذا غشيكم الليل فحفوا عسكركم بالرماح و الترسة، و ليليهم الرماة، و ما اقمتم فكذلك فكونوا، لئلا يصاب منكم غرة، و احرسا عسكركها بأنفسكما، و لا تذوقا نوما الا غرارا و مضمضة.

و ليكن عندي خبركما، فانى و لا شيء الا ما شاء الله حثيث السير في اثر كما، ولا تقاتلا حتى تبدأ او يأتيكما امرى ان شاء الله.

فلما كان اليوم الثالث من مخرجهما قام في اصحابه خطيبا، فقال: يا ايها الناس، نحن سائرون غدا في آثار مقدمتنا، فإياكم و التخلف، فقد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي، وجعلته على الساقة، و امرته الا يدع أحدا الا الحقه بنا.

فلما اصبح نادى في الناس بالرحيل و سار، فلما انتهى الى رسوم مدينة بابل، قال لمن كان يسايره من اصحابه: ان هذه مدينة قد خسف بها مرارا، فحركوا خيلكم، و ارخوا أعنتها، حتى تجوزوا موضع المدينة، لعلنا ندرك العصر خارجا منها . فحرك، وحركوا دوابهم.

فخرج من حد المدينة وقد حضرت الصلاة، فنزل، فصلى بالناس، ثم رکب، و سار حتى انتهى الى دیر کعب فجاوزه، و اتى ساباط المدائن، فنزل فيه بالناس، و قد هيئت له فيه الأنزال.

ص: 98

فلما اصبح ركب و ركب الناس معه، و انهم لثمانون الف رجل، او يزيدون، سوى الاتباع و الخدم، ثم سار حتى اتى مدينة الأنبار، فلما وافي المدائن عقد لمعقل بن قيس في ثلاثة آلاف رجل، و امره ان يسير على الموصل و نصيبين حتى يوافيه بالرقة، فسار حتى وافى حديثة الموصل، و هي إذ ذاك المصر، و انما بنى الموصل بعد ذلك مروان بن محمد.

فلما انتهى معقل إليها إذا هو بكبشين يتناطحان، و مع معقل رجل من خثعم يزجر، فجعل الخثعمي يقول: ايه، ايه، فاقبل رجلان، فاخذ كل منهما كبشا، فقاده و انطلق به. فقال الختعمى لمعقل لا تغلبون و لا تغلبون فقال معقل: يكون خيرا، ان شاء الله.

169-عنه ثم مضى حتى وافى عليا و قد نزل البليخ فأقام ثلاثا، ثم امر بجسر، فعقد، و عبر الناس، و لما قطع على علیه السّلام الفرات امر زياد بن النضر و شريح بن هانئ ان يسيرا امامه، فسارا حتى انتهيا الى مكان يدعى سور الروم لقيهما ابو الأعور السلمى في خيل عظيمة من اهل الشام، فأرسلا الى على يعلمانه ذلك.

فامر على الاشتر ان يسير إليهما، وجعله أميرا عليهما، فسار حتى وافى القوم، فاقتتلوا، وصبر بعضهم لبعض حتى جن عليهم الليل، و انسل ابو الأعور فى جوف الليل حتى اتى معاوية.

170- عنه و اقبل معاوية بالخيل نحو صفين، و على مقدمته سفیان بن عمرو، و على ساقته على ساقته بسر بن ابى ارطاة العامري.

فاقبل سفيان بن عمرو، و معه ابو الأعور ، حتى وافيا صفين، و هي قرية خراب من بناء الروم، منها الى الفرات غلوة، و على شط الفرات مما يليها غيضة ملتفة، فيها نزور طولها نحو من فرسخين، و ليس في ذينك

ص: 99

الفرسخين طريق الى الفرات الا طريق واحد مفروش بالحجارة، وسائر ذلك خلاف و غرب ملتف لا يسلك، و جميع الغيضة نزور و وحل الا ذلك الطريق الذى يأخذ من القرية الى الفرات.

171- عنه فاقبل سفيان بن عمرو و ابو الأعور حتى سبقا الى موضع القرية، فنزلا هناك مع ذلك الطريق، و وافاهما معاوية بجميع الفيلق، حتى نزل معهما، و عسكر مع القرية، و امر معاوية أبا الأعور ان يقف في عشرة آلاف من اهل الشام على طريق الشريعة، فيمنع من اراد السلوك الى الماء من اهل العراق.

172- عنه و اقبل على علیه السّلام حتى وافى المكان، فصادف اهل الشام قد احتووا على القرية و الطريق، فامر الناس، فنزلوا بالقرب من عسكر معاوية، و انطلق السقاءون و الغلمان الى طريق الماء، فحال ابو الأعور بينهم و بينه.

و اخبر على علیه السّلام بذلك، فقال لصعصعة بن صوحان ايت معاوية، فقل له انا سرنا إليكم لنعذر قبل القتال، فان قبلتم كانت العافية أحب إلينا، و أراك قد حلت بيننا و بين الماء، فان كان اعجب إليك ان ندع ما جئنا له، و نذر الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا.

173 - عنه فقال الوليد: امنعهم الماء كما منعوه امير المؤمنين عثمان، اقتلهم عطشا، قتلهم الله. فقال معاوية لعمرو بن العاص: ما ترى؟. قال: ارى ان تخلى عن الماء، فان القوم لن يعطشوا و أنت ريان. فقال عبد الله بن ابى سرح، و كان أخا عثمان لامه: امنعهم الماء الى الليل، لعلهم ان ينصرفوا الى طرف الغيضة، فيكون انصرافهم هزيمة.

فقال صعصعة لمعاوية: ما الذى ترى؟ قال معاوية: ارجع، فسيأتيكم

ص: 100

رأيي. فانصرف صعصعة الى على، فاخبره بذلك.

و ظل اهل العراق يومهم ذلك و ليلتهم بلا ماء الا من كان ينصرف من الغلمان الى طرف الغيضة، فيمشى مقدار فرسخين، فيستقی، فغم عليا علیه السّلام امر الناس غما شديدا، وضاق بما أصابهم من العطش ذرعا ، فأتاه الاشعث بن قيس فقال: يا امير المؤمنين، أيمنعنا القوم الماء و أنت فينا و معنا سيوفنا ؟ ولنى الزحف اليه، فو الله لا ارجع او اموت، و مر الاشتر فلينضم الى في خيله، فقال له على: ايت في ذلك ما رايت.

174- عنه فلما اصبح زاحف أبا الأعور، فاقتتلوا، وصدقهم الاشتر و الاشعث حتى نفيا أبا الأعور و اصحابه عن الشريعة، وصارت في أيديهما، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: ما ظنك بالقوم اليوم ان منعوك الماء كما منعتهم أمس؟ ، فقال معاوية: دع ما مضى، ما ظنك بعلى؟، قال: ظني انه لا يستحل منك ما استحللت منه، لأنه أتاك في غير امر الماء.

ثم توادع الناس، و كف بعضهم عن بعض، و امر على الا يمنع اهل الشام من الماء، فكانوا يسقون جميعا، و يختلط بعضهم ببعض، و يدخل بعضهم في معسكر بعض، فلا يعرض احد من الفريقين لصاحبه الا بخير، و رجوا ان يقع الصلح.

175 - عنه اقبل عبيد الله بن عمر بن الخطاب حتى استاذن على علي علیه السّلام ، فاذن له، فدخل عليه، فقال له على: أقتلت الهرمزان ظلما، وقد كان اسلم على يدي عمى العباس، و فرض له ابوك في الفين، و ترجو ان تسلم مني ؟ . فقال له عبيد الله: الحمد لله الذى جعلك تطلبني بدم الهرمزان، و مني؟ انا اطلبك بدم امير المؤمنين عثمان.

فقال له على: ستجمعنا و إياك الحرب، فتعلم. قال: فلم يزالوا

ص: 101

يتراسلون شهری ربیع و جمادى الاولى، و يفزعون فيما بين ذلك، يزحف بعضهم الى بعض، فيحجز بينهم القراء و الصالحون، فيفترقون من غير حرب حتى فزعوا في هذه الثلاثة الأشهر خمسا و ثمانين فزعة، كل ذلك يحجز بينهم القراء.

فلما انقضت جمادى الاولى بات على علیه السّلام يعبى اصحابه، و يكتب كتائبه، و بعث الى معاوية يؤذنه بحرب، فعبى معاوية أيضا اصحابه، و كتب كتائبه.

فلما أصبحوا تزاحفوا و تواقفوا تحت راياتهم في صفوفهم، ثم تحاجزوا، فلم تكن حرب، وكانوا يكرهون ان يلتقوا بجميع الفيلقين مخافه الاستئصال، غير انه يخرج الجماعة من هؤلاء الى الجماعة من أولئك، فيقتتلون بين العسكرين، فكانوا كذلك حتى اهل هلال رجب، فامسك الفريقان.

176- عنه قالوا: و اقبل ابو الدرداء و ابو امامة الباهلى حتى دخلا على معاوية، فقالا: علام تقاتل عليا، و هو أحق بهذا الأمر منك؟. قال: اقاتله على دم عثمان. قالا: او هو قتله؟. قال: آوى قتلته، فسلوه ان يسلم إلينا قتلته، و انا أول من يبايعه من اهل الشام فاقبلا الى على علیه السّلام ، فأخبراه بذلك. فاعتزل من عسكر على زهاء عشرين الف رجل، فصاحوا: نحن جميعا قتلنا عثمان.

فخرج ابو الدرداء و ابو امامه فلحقا ببعض السواحل، ولم يشهدا شيئا من تلك الحروب.

177 - عنه أن معاوية بعث الى شرحبيل بنh لسمط، و حبيب بن مسلمة، و معن بن يزيد ابن الاخنس، و قال: انطلقوا اليه، و سلوه ان يسلم

ص: 102

إلينا قتلة عثمان و يتخلى مما هو فيه حتى نجعلها شورى بين المسلمين، يختارون لأنفسهم من رضوا و أحبوا.

فاقبلوا حتى دخلوا على على علیه السّلام، فبدا حبيب بن مسلمة، فتكلم بما حمله معاوية، فقال له على: و ما أنت و ذاك، لا أم لك، فلست هناك ؟ فقام حبيب مغضبا، فقال: و الله لتريني بحيث تكره، فقال شرحبيل: افلا تسلم إلينا قتلة عثمان؟، قال على علیه السّلام: انى لا استطيع ذلك، و هم زهاء عشرين الف رجل، فقاما عنه، فخرجا، قالوا: فمكث الناس كذلك الى ان انسلخ المحرم.

و في ذلك يقول حابس بن سعد الطائي، و كان صاحب لواء طيّئ مع معاوية:

فما بين المنايا غير سبع *** بقين من المحرم او ثمان

ألم يعجبك انا قد هجمنا *** و إياهم على الموت العيان

أينهانا كتاب الله عنهم *** ولا ينهاهم آي القرآن

فلما انسلخ المحرم بعث على مناديا فنادى في عسكر معاوية عند غروب الشمس: انا أمسكنا لتنصرم الأشهر الحرم، و قد تصرمت، و انا ننبذ إليكم على سواء، ان الله لا يحب الخائنين.

فبات الفريقان يكتبون الكتائب، و قد أوقدوا النيران في العسكرين، فلما أصبحوا تزاحفوا، وقد استعمل على على الخيل عمار بن ياسر، و على الرجالة عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعي، و دفع الراية العظمى الى هاشم بن عتبة المرقال، و جعل على الميمنة الاشعث بن قيس و على الميسرة عبد الله بن عباس، و على رجال الميمنة سليمان بن صرد.

و على رجالة الميسرة الحارث بن مرة العبدي، و جعل في القلب

ص: 103

مضر، و في الميمنة ربيعة، و في الميسرة اهل اليمن، وضم قريشا و أسدا و كنانة الى عبد الله بن عباس، وضم كندة الى الاشعث، وضم بكر البصرة الى الحضين ابن المنذر ، وضم تميم البصرة الى الأحنف بن قيس.

و ولی امر خزاعة عمرو بن الحمق و ولى بكر الكوفة نعيم بن هبيرة ، و ولى سعد رباب البصرة خارجة ابن قدامة، و ولى بجيلة رفاعة بن شداد، و ولى ذهل الكوفة رويما الشيباني، و ولى حنظلة البصرة اعين بن ضبيعة، و جعل على قضاعة كلها عدى بن حاتم، و جعل على لهازم الكوفة عبد الله ابن بديل، وعلى تميم الكوفة عمير بن عطارد.

و على الأزد جندب بن زهير، و على ذهل البصرة خالد بن المعمر، و على حنظلة الكوفة شبث ابن ربعي، و على همدان سعد بن قيس، و على لهازم البصرة خزيمة بن خازم، و على سعد رباب الكوفة أبا صرمة، و اسمه الطفيل، و على مذحج الاشتر، وعلى عبد قيس الكوفة عبد الله بن الطفيل، و على عبد قيس البصرة عمرو بن حنظلة، و على قيس البصرة شدادا الهلالي، و على اللفيف من القواصى القاسم بن حنظلة الجهني.

و استعمل معاوية على الخيل عبد الله بن بن عمرو بن العاص، و على الرجالة مسلم ابن عقبة، لعنه الله ،و على الميمنة عبيد الله بن عمر بن الخطاب، و على الميسرة حبيب ابن مسلمة، و دفع اللواء الأعظم الى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، و استعمل على اهل دمشق الضحاك بن قيس، و على اهل حمص ذا الكلاع، و علی اهل قنسرين زفر بن الحارث، و على اهل الأردن سفيان بن عمرو.

و على اهل فلسطين مسلمة ابن خالد، و على رجالة دمشق بسر بن ابى ارطاة، و على رجالة حمص حوشبا ذا ظليم، و على رجالة قنسرين

ص: 104

طريف بن حابس، و على رجالة الأردن عبد الرحمن القينى، و على رجالة فلسطين الحارث بن خالد الأزدي، و على قيس دمشق همام ابن قبيصة.

و على قيس حمص هلال بن ابى هبيرة، وعلى رجالة الميمنة حابس ابن ربيعة، و على قضاعة دمشق حسان بن بجدل، و على قضاعة حمص عباد ابن یزید، و على كندة دمشق عبد الله بن جون السكسي، و على کندة حمص يزيد بن هبيرة، و على النمر بن قاسط يزيد بن اسد العجلي.

و على حمير هانئ بن عمير، و على قضاعة الأردن مخارق بن الحارث، و على لخم فلسطين نابل ابن قيس، و على همدان الأردن حمزة بن مالك، وعلى غسان الأردن زيد بن الحارث، و على اهل القواصى القعقاع ابن أبرهة، و على الخيل كلها عمرو بن العاص، و على الرجالة كلها الضحاك بن قيس.

178 - عنه و اصطف كل فريق منهم سبعة صفوف، صفين في الميمنة و صفين في الميسرة، و ثلاثة صفوف في القلب، فكان الفريقان أربعة عشر صفا، فوقفوا تحت راياتهم، لا ينطق احد منهم بكلمة، فخرج رجل من اهل العراق يسمى جحل بن اثال، و كان من فرسان العرب، فوقف بين صفوف اهل العراق و اهل الشام.

ثم نادى هل من مبارز؟ و هو متقنع بالحديد، فخرج اليه أبوه اثال، و كان من معدودى فرسان اهل الشام متقنعا بالحديد، و لم يعلم واحد منهما من صاحبه، فتطاردا، و الناس قد شخصت أبصارهم، ينظرون، فطعن كل واحد منهما صاحبه، فلم يصنعا شيئا، لكمال لامتيهما.

فحمل الأب على الابن، فاحتضنه حتى اشاله عن سرجه، فسقط و سقط الأب عليه، فانكشفت وجوههما، فعرف كل واحد منهما صاحبه،

ص: 105

فانصرفا الى عسكريهما، ثم تفرق الناس يومئذ ، و لم يكن بينهما غير هذا.

فلما أصبحوا عادوا الى مواقفهم، كما كانوا بالأمس، فخرج عتبة بن ابى سفيان حتى وقف على فرسه بين الصفين، فدعا جعدة بن هبيرة بن ابى وهب القرشي، ليخرج اليه فاقبل جعدة حتى دنا من عتبة، فتجاريا ما هم فيه، و تقاولا حتى اغضب جعدة عتبة، فتناوله عتبة بلسانه

فانصرفا مغضبين، و عبى كل منهما لصاحبه كتيبة، فاقتتلوا بين الصفين، و اعين الناس اليهم ، و باشر جعدة القتال، فانهزم عتبة، و انصرف الفريقان لم يكن بينهم يومئذ الا ذاك، فقال النجاشي يذكر ما كان بينهما:

ان شتم الكريم يا عتب خطب *** فاعلمنه من المخطوب عظيم

أمه أم هانئ، و أبوه *** من لؤي بن غالب لصميم

انه للهبيرة بن ابى وه_ ** _ب، اقرت بفضله مخزوم

و قال أيضا:

ما زلت تنظر في عطفيك أبهة *** لا يرفع الطرف منك التيه والصلف

لما رايتهم صبحا حسبتهم *** اسدالعرين حمى اشبالها الغرف

ناديت خيلك إذ عض السيوف بها *** عوجى الى فما عاجوا وما وقفوا

هلا عطفت الى قتلى مصرعة *** منها السكون و منها الأزد والصدف

قد كنت في منظر عن ذا و مستمع *** يا عتب لولا سفاه الرأي والترف

179 - عنه قالوا و خرج الاشعث في يوم من الأيام في خيل من ابطال اهل العراق، فخرج اليه حبيب بن مسلمة في مثل ذلك من اهل الشام، فاقتتلوا بين الصفين مليا حتى مضى جل النهار، ثم انصرفوا و قد انتصف بعضهم من بعض.

180 - عنه و خرج يوما آخر المرقال هاشم بن عتبة بن ابي وقاص في

ص: 106

خيل، فخرج اليه ابو الأعور السلمى في مثل ذلك، فاقتتلوا بين الصفين جل النهار. فلم يفر احد عن احد.

181- عنه و خرج يوما آخر عمار بن ياسر في خيل من اهل العراق، فخرج اليه عمرو بن العاص في ذلك، و معه شقة سوداء على قناه، فقال الناس هذا لواء عقده رسول الله صلّی الله علیه و آله، فقال على علیه السّلام : انا مخبركم بقصة هذا اللواء: هذا لواء عقده رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و قال: من يأخذه بحقه؟

فقال عمرو: و ما حقه يا رسول الله؟ فقال: لا تفر به من کافر، و لا تقاتل به مسلما. فقد فر به من الكافرين في حياة رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و قد قاتل به المسلمين اليوم. فاقتتل عمرو و عمار ذلك اليوم كله، لم يول واحد منهما صاحبه الدبر.

182 - عنه و خرج في يوم آخر محمد بن الحنفية، فخرج اليه عبيد الله بن عمر في مثل عدده من اهل الشام، فقال عبيد الله لابن الحنفية: ابرز لي فقال محمد: نزال قال: و ذاك. فنزلا جميعا عن فرسيهما، و نظر على إليهما، فحرك فرسه حتى دنا من محمد، ثم نزل، و قال لمحمد: امسك على فرسي ففعل. و مشى الى عبيد الله، فولى عنه عبيد الله، و قال:

ما لي في مبارزتك من حاجة، انما اردت ابنك فقال محمد: يا أبت، لو تركتني ابارزه لرجوت ان اقتله قال: لو بارزته لرجوت ذلك، و ما كنت آمنا ان يقتلك. و اقتتلت خيلاهما الى انصاف النهار، ثم انصرفت، و كل غير غالب.

183 - عنه و خرج في يوم آخر عبد الله بن عباس في خيل من اهل العراق، فخرج اليه الوليد بن عتبة في مثلها من اهل الشام، فقال الوليد: يا ابن عباس، قطعتم أرحامكم، وقتلتم امامكم، و لم تدركوا ما املتم، فقال له

ص: 107

ابن عباس: دع عنك الأساطير، و ابرز الى فأبي الوليد، و قاتل ابن عباس يومئذ بنفسه قتالا شديد، ثم انصرفا منتصفين.

و خرج في يوم آخر عمرو بن العاص في خيل من اهل الشام، فخرج اليه سعد بن قيس الهمدانى في مثل ذلك من اهل العراق، وعمرو يرتجز:

لا تامين بعدها أبا حسن *** طاحنة تدقكم دق الطحن

انا نمر الحرب امرار الرسن

فبدر ممن كان مع عمرو فتى من اهل الشام، يسمى حجر الشر، فدعا للبراز، فبرز اليه حجر بن عدى، فأطعنا، فطعنه ،فأطعنا فطعنه حجر الشر طعنة اذراه عن فرسه، و حماه اصحابه، فانصرفا و قد جرحه السنان، فخرج اليه الحكم بن ازهر، و كان من اشراف الكوفة، فاختلفا ضربتين، فضربه حجر الشر فقتله، ثم نادى هل من مبارز؟ ، فبرز اليه ابن عم للحكم يسمى رفاعة بن طليق، فضربه حجر الشر فقتله، فقال على: الحمد لله الذي قتل هذا مقتل عبدالله بن بديل.

184 - عنه و خرج في يوم آخر عبد الله بن بديل الخزاعي، و كان من افاضل اصحاب على في خيل من اهل العراق، فخرج اليه ابو الأعور السلمى في مثل ذلك من اهل الشام فاقتتلوا هويا من النهار، فترك عبد الله اصحابه يعتركون في مجالهم، و ضرب فرسه حتى احماه، ثم ارسله على اهل الشام.

فشق جموعهم، لا يدنو منه احد الا ضربه بالسيف حتى انتهى الى الرابة التي كان معاوية عليها، فقام اصحاب معاوية دونه، فقال معاوية: و يحكم، أن الحديد لم يؤذن له في هذا، فعليكم بالحجارة فرث بالصخر حتى مات، فاقبل معاوية حتى وقف عليه، فقال: هذا كبش القوم هذا كما قال

ص: 108

الشاعر:

أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها *** و ان شمرت عن ساقها الحرب شمرا

کلیث كليث عرين بات يحمى عرينه *** رمته المنايا قصدها فتقطرا

185 - عنه قالوا: وكان فارس معاوية الذى يبتهی به حریث مولاه، و كان يلبس بزه معاوية، ويستلئم سلاحه، ويركب فرسه، و يحمل متشبها بمعاويه، فإذا حمل قال الناس: هذا معاوية وقد كان معاوية نهاه عن على، و قال اجتنبه، وضع رمحك حيث شئت. فخلا به عمرو، وقال: ما يمنعك من مبارزه على، و أنت له كفء؟، قال: نهاني مولاي عنه، قال: و انى و الله لأرجو ان بارزته أن تقتله، فتذهب بشرف ذلك. فلم يزل يزين له ذلك حتى وقع في قلب حريث.

فلما أصبحوا خرج حريث حتى قام بين الصفين، وقال: يا أبا الحسن، ابرز الى، انا حريث، فخرج اليه على، فضربه، فقتله.

186- عنه و بعث على يوما من تلك الأيام الى معاوية: لم نقتل الناس بيني و بينك؟ ابرز الى، فأينا قتل صاحبه تولى الأمر. فقال معاوية لعمرو: ما تری؟

قال: قد انصفك الرجل، فابرز اليه، فقال معاوية: أتخدعني عن نفسي، و لم ابرز اليه، و دوني عك و الأشعرون. ثم قال:

ما للملوك و للبراز و إنما *** حظ المبارز خطفة من باز

و وجد من ذلك على عمرو، فهجره أياما، فقال عمرو لمعاوية : انا خارج الى على غدا.

فلما أصبحوا بدر عمرو حتى وقف بين الصفين، و هو يرتجز:

شدا على شكتى لا تنكشف *** يوم لهمدان و يوم للصدف

ص: 109

و لتميم مثله او تنحرف *** و الربعيون لهم يوم عصف

إذا مشيت مشيه العود النطف *** اطعنهم بكل خطى ثقف

ثم نادى: يا أبا الحسن، اخرج الى، انا عمرو بن العاص. فخرج اليه على، فتطاعنا، فلم يصنعا شيئا، فانتضى على سيفه، فحمل عليه، فلما اراد ان يجلله رمى بنفسه عن فرسه، و رفع احدی رجلیه، فبدت عورته، فصرف على وجهه، و ترکه. و انصرف عمرو الى معاوية، فقال له معاوية: احمد الله وسوداء استك يا عمرو.

187 - عنه قالوا: و خرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب يوما من تلك الأيام، و كان من فرسان العرب و ابطالها في خيل من اهل الشام، و خرج الاشتر في مثلها، فاشتدت بينهما الحرب، فالتقى عبيد الله و الاشتر، فحمل الله على الاشتر و بدره الاشتر يطعنه، فاخطاه، و اسرع الاشتر في اصحاب عبيد الله، فانصرف الفريقان، و للأشتر الفضل.

188- عنه و خرج يوما آخر عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان من معدودى رجال معاوية، فخرج اليه عدي بن حاتم في مثلها، فاقتتلوا يومهم كله، ثم انصرفوا وكل غير غالب.

189- عنه و خرج يوما ذو الكلاع في اربعة آلاف فارس من اهل الشام قد تبايعوا على الموت، فحملوا على ربيعة، و كانوا في ميسره على، و عليهم عبد الله بن عباس، فتصدعت جموع ربيعة، فناداهم خالد بن المعمر: يا معشر ربيعة اسخطتم الله فتابوا اليه، فاشتد القتال حتى كثرت القتلى، و نادى عبيد الله بن عمر: انا الطيب ابن الطيب، فسمعه عمار، فناداه: بل أنت الخبيث ابن الطيب.

ثم حمل عبيد الله، و هو يرتجز:

ص: 110

انا عبيد الله ينميني عمر *** خير قريش من مضى و من غبر

غير رسول الله و الشيخ الأغر *** أبطأ عن نصر ابن عفان مضر

و الربعيون، فلا اسقوا المطر

فضرب شمر بن الريان العجلى، فقتله، و كان من فرسان ربيعة.

190 - عنه فلما أصبحوا خرج عبيد الله فيمن كان معه بالأمس، و خرجت اليهم ربيعة، فاقتتلوا بين الصفين، و عبيد الله امامهم يضرب بسيفه، فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي، فطعنه في لبته، فقتله، وقد اختلفوا في قتله، فقالت همدان: قتله هانئ بن الخطاب، و قالت حضرموت: قتله مالك بن عمرو الحضرمي، و قالت ربيعة: حريث بن جابر الحنفي، و هو المجمع عليه، فقال كعب بن جعيل يرثيه:

الا انما تبكي العيون لفارس *** بصفين اجلت خيله و هو واقف

فاضحی عبيد الله بالقاع مسلما *** تمج دما منه و العروق النوازف

ينوء و تعلوه سبائب من دم *** كما لاح في جيب القميص الكفائف

و قد ضربت حول ابن عم نبينا *** من الموت شهباء المناكب شارف

تموج ترى الرايات حمرا كأنها *** إذا صوبت للطعن طير عواكف

جزى الله قتلانا بصفين خير ما *** جزى عبادا غادرتها المواقف

191 - عنه قالوا: و خرج ذو الكلاع في يوم من تلك الأيام في كتيبة من اهل الشام من عك و لخم، فخرج اليه عبد الله بن عباس في ربيعة، فالتقوا، و نادى رجل من مذحج العراق يا آل مذحج، خذموا فاعترضت مذحج عكا يضربون سوقهم بالسيوف، فيبركون. فنادى ذو الكلاع يا آل عك، بروكا كبروك الإبل.

192- عنه و حمل رجل من بكر بن وائل يسمى خندفا على ذي

ص: 111

الكلاع، فضربه بالسيف على عاتقه، فقد الدرع، و فرى عاتقه، فخر ميتا، فلما قتل ذو الكلاع تمحكت عك، وصبروا لعض السيوف، فلم يزالوا كذلك حتى أمسوا.

و كان اهل العراق و اهل الشام ايام صفين إذا انصرفوا من الحرب يدخل كل فريق منهم في الفريق الآخر، فلا يعرض احد لصاحبه، و كانوا يطلبون قتلاهم، فيخرجونهم من المعركة، ويدفنونهم.

193- عنه قالوا: و ان عليا علیه السّلام اشاع انه يخرج الى اهل الشام بجميع الناس، فيقاتلهم حتى يحكم الله بينه و بينهم، ففزع الناس لذلك فزعا شديدا، وقالوا: انما كنا الى اليوم تخرج الكتيبة الى مثلها، فيقتتلون بين الجمعين، فان التقينا بجميع الفيلقين فهو فناء العرب.

و قام علي علیه السّلام في الناس خطيبا، فقال: الا انكم ملاقو القوم غدا بجميع الناس، فأطيلوا الليلة القيام، و أكثروا تلاوة القرآن، وسلوا الله الصبر و العفو، و القوهم بالجد.

فقال كعب بن جعيل:

اصبحت الامة في امر عجب *** و الملك مجموع غدا لمن غلب

اقول قولا صادقا غير الكذب *** ان غدا تهلك اعلام العرب

194 - عنه و اجتمع اهل الشام الى معاوية، فعرضهم، فنادى مناديه: اين الجند المقدم؟ فخرج اهل حمص تحت راياتهم، و عليهم ابو الأعور السلمی، ثم نادی: این اهل الأردن؟، فخرجوا تحت راياتهم، و عليهم زفر بن الحارث الكلابي، ثم نادى: اين جند الأمير؟ فجاء اهل دمشق تحت راياتهم، وعليهم الضحاك ابن قيس، فأطافوا بمعاويه، فعقد لعمرو بن العاص على جميع الناس، و ساروا حتى وقفوا بإزاء اهل العراق.

ص: 112

و قعد معاوية على منبر ينظر منه فوق رابية الى الفريقين إذا اقتتلوا، و اقبلت عك الشام، وقد عصبوا انفسهم بالعمائم، و طرحوا بين ايديهم حجرا، و قالوا لا نولي الدبر او يولى معنا هذا الحجر ، فصفهم عمرو خمسة صفوف، و وقف امامهم يرتجز:

يا ايها الجيش الصليب الأيمان *** قوموا قياما، فاستعينوا الرحمن.

انى أتاني خبر فأبكان *** ان عليا قتل ابن عفان

ردوا علينا شيخنا كما كان

و أنشأ رجل من اهل الشام يقول:

تبكى الكتيبة يوم جر حديدها *** يوم الوغى جزعا على عثمانا

يسلون حق الله لا يعدونه *** و سألتم لعلى السلطانا

فاتوا ببينة بما تسلونه *** هذا البيان، فاحضروا البرهانا

195 - عنه ولما اصبح على علیه السّلام اغلس . بصلاة الفجر، ثم امر اصحابه، فخرجوا تحت راياتهم، ثم جعل يدور على رايات اهل الشام، فيقول: من هؤلاء؟ فيسمون له، حتى إذا عرفهم، و عرف مراكزهم، قال لازد الكوفة: اكفوني ازد الشام، و قال لخثعم: اكفوني خثعم، فامر كل قبيلة من اهل العراق ان تكفيه أختها من اهل الشام.

ثم امرهم ان يحملوا من كل ناحية حملة رجل واحد فحملوا، و حمل على علیه السّلام على الجمع الذى كان فيه معاوية في اهل الحجاز من قريش و الانصار وغيرهم، و كانوا زهاء اثنى عشر الف فارس، و على امامهم، و كبروا وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الارض، فانتقضت صفوف اهل الشام، و اختلفت راياتهم، و انتهوا الى معاوية، و هو جالس على منبره، معه عمرو بن العاص، ينظران الى الناس، فدعا بفرس ليركبه.

ص: 113

ثم ان اهل الشام تداعوا بعد جولتهم، و ثابوا، و رجعوا على اهل العراق، وصبر القوم بعضهم لبعض الى ان حجز بينهم الليل، فقتل في ذلك اليوم اناس كثير من اعلام العرب و اشرافهم، فلما أصبحوا دخل الناس بعضهم في بعض، يستخرجون قتلاهم، فيدفنونهم يومهم ذلك كله.

ثم ان عليا قام في عشية ذلك اليوم في اصحابه، فقال: ايها الناس، اغدوا على مصافكم، و ازحفوا الى عدوكم، و غضوا الابصار، و اخفضوا الأصوات، و أقلوا الكلام، و اثبتوا، واذكروا الله كثيرا، ولا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم، و اصبروا، ان الله مع الصابرين.

وقام معاوية في اهل الشام، فقال: ايها الناس، اصبروا وصابروا، ولا تتخاذلوا و لا تتواكلوا، فإنكم على حق، و لكم حجة، وانما تقاتلون من سفك الدم الحرام، فليس له في السماء عاذر.

و قام عمرو، فقال: ايها الناس، قدموا المستلئمة و أخروا الحسر، و أعيرونا جماجمكم اليوم، فقد بلغ الحق مقطعه، و انما هو ظالم او مظلوم.

فبات الفريقان طول تلك الليلة يتعبون للحرب، ثم غدوا على مصافهم، وحمل الفريقان بعضهم على بعض، و حمل حبيب بن مسلمة ، و كان على ميسره معاوية على ميمنة على علیه السّلام ، فانكشفوا و جالوا جولة، و نظر على الى ذلك، فقال لسهل بن حنيف: انهض فيمن معك من اهل الحجاز حتى تعين اهل الميمنة.

فمضى سهل فيمن كان معه من اهل الحجاز نحو الميمنة، فاستقبلهم جموع اهل الشام، فكشفوه ومن معه حتى انتهوا الى على، و هو في القلب فجال القلب، و فيه على جولة، فلم يبق مع على الا اهل الحفاظ و النجدة، فحث على فرسه نحو ميسرته، و هم وقوف يقاتلون من بازائهم من اهل

ص: 114

الشام، وكانوا ربيعة.

196- عنه قال زيد بن وهب: فانى لانظر الى علي علیه السّلام ، و هو يمر نحو ربيعة، و معه بنوه الحسن و الحسين علیهماالسّلام و محمد، و ان النبل ليمر بين أذنيه و عاتقه، و بنوه يقونه بانفسهم، فلما دنا على من الميسرة، وفيها الاشتر، وقد وقفوا في وجوه اهل الشام يجالدونهم، فناداه علی، و قال: ايت هؤلاء المنهزمين، فقل: این فراركم من الموت الذى لم تعجزوه الى الحياة التي لا تبقی لكم.

فدفع الاشتر فرسه، فعارض المنهزمين، فناداهم: ايها الناس، الى الى، انا مالك بن الحارث فلم يلتفتوا اليه، فظن انه بالاستعراف، فقال: أيها الناس انا الاشتر فثابوا اليه، فزحف بهم نحو ميسره اهل الشام. فقاتل بهم قتالا شديدا حتى انكشف اهل الشام، و عادوا الى مواقفهم الاولى.

و رتب الاشتر ميمنة على علیه السّلام و القلب مراتبهما قبل الجولة، فلما عادوا الى مواقفهم جعل على يسير في الصفوف و يؤنبهم على ما كان من جولتهم، وذلك ما بين صلاة العصر والمغرب.

قال: ثم ان اهل الشام حملوا على تميم، وكانوا في الميمنة، فكشفوهم، فناداهم زحر في الأصل: زجر. بن نهشل: يا بني تميم، الى أين؟ قالوا: ألا ترى الى ما قد غشينا؟!

فقال: ويحكم، افرارا و اعتذارا؟! ان لم تقاتلوا على الدين، فقاتلوا على الاحساب، احملوا معى. فحمل و حملوا، فقاتل حتى قتل، و هو امامهم، و حمل الناس جميعا بعضهم على بعض، و اقتتلوا حتى تكسرت الرماح و تقطعت السيوف، ثم تكادموا. بالأفواه، وتحالوا بالتراب، ثم تنادوا من كل جانب: يا معشر العرب، من للنساء و الأولاد، الله الله في الحرمات.

ص: 115

و ان عليا علیه السّلام لينغمس في القوم، فيضرب بسيفه حتى ينثني، ثم يخرج متخضبا بالدم حتى يسوى له سيفه، ثم يرجع، فينغمس فيهم، و ربيعة لا تترك جهدا فى القتال معه و الصبر، و غابت الشمس، و قربوا من معاوية، فقال لعمرو ما ترى؟ قال: ان تخلى سرادقك.

فنزل معاوية عن المنبر الذى كان يكون عليه، و اخلى السرادق، و اقبلت ربيعة، و امامها على علیه السّلام حتى غشوا السرادق، فقطعوه، ثم انصرفوا و بات على تلك الليلة في ربيعة.

197- عنه فلما اصبح على غادى اهل الشام القتال، و دفع رايته العظمى الى هاشم بن عتبة، فقاتل بها نهاره كله، فلما كان العشى انكشف اصحابه انكشافة، و ثبت هاشم في اهل الحفاظ منهم و النجدة، فحمل عليهم الحارث بن المنذر التنوخي، فطعنه طعنة جائفة.

فلم ينته عن القتال و وافاه رسول على يأمره ان يقدم رايته، فقال للرسول: انظر الى ما بي فنظر الى بطنه، فرآه منشقا، فرجع الى على، فاخبره و لم يلبث هاشم ان سقط، و جال اصحابه عنه، و تركوه بين القتلى، فلم يلبث ان مات. و حال الليل بين الناس و بين القتال.

198- عنه فلما اصبح على غلس بالصلاة، و زحف بجموعه نحو القوم على التعبئة الاولى، و دفع الراية الى ابنه عبد الله بن هاشم بن عتبة، و تزاحف الفريقان فاقتتلوا. فروى عن القعقاع الظفري انه قال: لقد سمعت في ذلك اليوم من أصوات السيوف ما الرعد القاصف دونه و على علیه السّلام واقف ينظر الى ذلك، و يقول : لا حول و لا قوه الا بالله، و الله المستعان، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق، و أنت خير الفاتحين.

ثم حمل على بنفسه على اهل الشام حتى غاب فيهم، فانصرف مخضبا

ص: 116

بالدماء، فلم يزالوا كذلك يومهم كله و الليل حتى مضى و الليل حتى مضى ثلثه، و جرح على خمس جراحات، ثلاث في راسه و اثنتان في وجهه، ثم تفرقوا و غدوا على ،مصافهم، وعمرو بن العاص يقدم اهل الشام.

فحمل عبد الله بن جعفر ذو الجناحين في قريش و الانصار في وجه عمرو فاقتتلوا، و حمل غلامان اخوان من الانصار على جموع اهل الشام حتى انتهيا الى سرادق معاوية، فقتلا على باب السرادق، و دارت رحى الحرب الى ان ذهب ثلث الليل، ثم تحاجزوا، و لما اصبح الناس اختلط بعضهم ببعض، يستخرجون قتلاهم، فيدفنونهم.

199- عنه وكتب معاوية الى على علیه السّلام: اما بعد، فانى انما اقاتلك على دم عثمان، و لم أر المداهنة في امره و اسلام حقه، فان ادرك بثارى فيه فذاك، و الا فالموت على الحق اجمل من الحياة على الضيم، و انما مثلي ومثل عثمان، كما قال المخارق:

فمهما تسل عن نصرتي السيد لا تجد *** لدى الحرب بيت السيد عندي مذمما

فكتب اليه على: اما بعد، فانى عارض عليك ما عرض مخارق على بني فالج، حيث قال:

يا راكبا اما عرضت فبلغا *** بنى فالج حيث استقر قرارها

هلموا إلينا لا تكونوا كأنكم *** بلاقع ارض طار عنها غبارها

سليم بن منصور اناس أعزة *** و ارضهم ارض كثير وبارها

فكتب اليه معاوية : انا لم نزل للحرب قادة و انما مثلي ومثلك ما قال أوس ابن حجر:

ص: 117

إذا الحرب حلت ساحة الحى أظهرت *** عیوب رجال يعجبونك في الأمن

و للحرب اقوام يحامون دونها *** و كم قد ترى من ذي رواء و لا يغنى

200- عنه ثم غدوا على الحرب، و راية اهل الشام العظمى مع عبد الرحمن ابن خالد ابن الوليد، و كان يحمل بها فلا يلقاه شيء الا هده، و كان من فرسان العرب، و كانت من اهل العراق جولة شديدة، فنادى الناس الاشتر، و قالوا: أما ترى اللواء اين قد بلغ؟، فتناول الاشتر لواء اهل العراق، فتقدم به، و هو يرتجز:

انى انا الاشتر معروف الشتر *** انى انا الأفعى العراقي الذكر

فقاتل اهل الشام حتى رد اللواء، وردهم على اعقابهم، ففي ذلك يقول النجاشي:

رايت اللواء كظل العقاب *** يقحمه الشامي الاخزر.

دعونا له الكبش كبش العراق *** و قد خالط العسكر العسكر

فرد اللواء على عقبة *** و فاز بحظوتها الاشتر

201 - عنه قالوا: و أخذ الراية جندب بن زهير، فخرج اليه حوشب ذو ظليم، و كان من عظماء اهل الشام، و فرسانهم، فاخذ الراية و جعل يمضى بها قدما، وينكا في اهل العراق، فخرج اليه سليمان بن صرد، و كان من فرسان على، فاقتتلوا، فقتل حوشب، و جال اهل العراق جولة انتقضت صفوفهم، و انحاز اهل الحفاظ منهم مع علي علیه السّلام الى ناحية اخرى يقاتلون، و اقبل عدی بن حاتم يطلب عليا في موضعه الذي خلفه فيه، فلم يجده، فسال عنه، فدل عليه، فاقبل اليه، فقال:

ص: 118

يا امير المؤمنين، اما إذ كنت حيا فالأمر امم، و اعلم انى ما مشيت إليك الا على أشلاء القتلى، و ما ابق هذا اليوم لنا و لا لهم عميدا. وكان اكثر من صبر في تلك الساعة مع على و قاتل ربيعة، فقال على علیه السّلام: يا معشر ربیعه، أنتم درعي و سيني ثم ركب الفرس الذى كان لرسول الله صلّی الله علیه و آله يسمى الريح و جنب بين يديه بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله الشهباء، و تعمم بعمامته صلّی الله علیه و آله السوداء، ثم أمر مناديه.

فنادى: ايها الناس، من يشرى نفسه لله ؟ فانتدب له الناس، و انضموا اليه، فاقبل بهم على اهل الشام حتى أزال راياتهم، و جالوا جولة قبيحه حتى دعا معاوية بفرسه ليركبها، ثم نادى مناديه في اهل الشام: الى اين ايها الناس؟ أثيبوا، فان الحرب سجال فئاب اليه الناس، و كروا على اهل العراق.

202- عنه وقال معاوية لعمرو: قدم عك و الاشعرين، فإنهم كانوا أول من انهزم في هذه الجولة. فأتاهم عمرو، فبلغهم قول معاوية، فقال رئيسهم مسروق العكي: انتظروني حتى آتى معاوية فأتاه، فقال: افرض لقومى في الفين الفين، و من هلك منهم، فابن عمه مكانه، قال: ذلك لك، فانصرف الى قومه، فاعلمهم ذلك، فتقدموا، فاضطربوا هم و همدان بالسيوف اضطرابا شديدا، فاقسمت عك لا ترجع حتى ترجع همدان، و اقسمت همدان علی مثل ذلك.

فقال عمرو لمعاوية: لقيت اسد أسدا، لم أر كاليوم قط. فقال معاوية: لو ان معك حيا آخر كعك، و مع على كهمدان لكان الفناء.

203- عنه وكتب معاوية الى على:

بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن ابي سفيان الى على بن ابى

ص: 119

طالب، اما بعد فانى احسبك ان لو علمت و علمنا، ان الحرب تبلغ بك و بنا ما بلغت لم نجنها على أنفسنا، فانا و ان كنا قد غلبنا على عقولنا، فقد بقي لنا منها ما ينبغى ان نندم على ما مضى و نصلح ما بقي، فإنك لا ترجو من البقاء الا ما أرجو، و لا اخاف من القتل الا ما تخاف، و قد و الله رقت الأجناد، و تفانى الرجال، و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل الا ما يستذل به العزيز، و لا يسترق به الحر، و السلام.

204- عنه فكتب اليه على علیه السّلام:

بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد، فقد أتاني كتابك، تذكر انك لو علمت و علمنا ان الحرب تبلغ بك و بنا ما بلغت لم نجنها على أنفسنا، فاعلم انك و إيانا منها الى غاية لم نبلغها بعد، و اما استواؤنا في الخوف و الرجاء، فإنك لست امضى على الشك منى على اليقين، و ليس اهل الشام باحرص على الدنيا من اهل العراق على الآخرة.

و اما قولك انا بنو عبد مناف، و ليس لبعضنا على بعض فضل، فليس كذلك، لان امية ليس كهاشم، و لا حربا كعبد المطلب، و لا أبا سفيان كابي طالب، و لا المهاجر كالطليق، و في أيدينا فضل النبوه التي بها قتلنا العزيز، و دان لنا بها الذليل.

205- عنه ثم ان عليا علیه السّلام غلس بالصلاة صلاة الفجر، و زحف مجموعه نحو اهل الشام، فوقف الفريقلن تحت راياتهم، و خرج الاشتر على فرس کمیت ذنوب. مقنعا بالحديد، و بيده الرمح، فحمل على اهل الشام، فاتبعه الناس، وكسر فيهم ثلاثة ارماح، و اضطرب الناس بالسيوف و عمد الحديد، و برز رجل من اهل الشام مقنعا بالحديد، و نادى: يا أبا الحسن.

ادن منى، اكلمك فدنا منه على حتى اختلفت اعناق فرسيهما بين

ص: 120

الصفين، فقال: ان لك قدما في الاسلام ليس لأحد، وهجرة مع رسول الله صلّی الله عليه و آله ، و جهادا ، فهل لك ان تحقن هذه الدماء، وتؤخر هذه الحرب برجوعك الى عراقك، ونرجع الى شامنا الى ان تنظر و ننظر في امرنا؟.

فقال على: يا هذا، انى قد ضربت انف هذا الأمر و عينيه، فلم اجده يسعني الا القتال او الكفر بما انزل الله على محمد، ان الله لا يرضى من اوليائه ان يعصى في الارض، و هم سكوتف، لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر، فوجدت القتال اهون من معالجة الأغلال في جهنم.

قال: فانصرف الشامي، و هو يسترجع، ثم اقتتلوا حتى تكسرت الرماح، و تقطعت السيوف، و اظلمت الارض من القتام، و أصابهم البهر، و بقي بعضهم ينظر الى بعض بهيرا. فتحاجزوا بالليل، و هو ليلة الهرير. ثم أصبحوا غداه هذه الليلة، و اختلط بعضهم ببعض يستخرجون قتلاهم و يدفنونهم.

ثم ان عليا قام من صبيحة ليلة الهرير في الناس خطيبا، فحمد الله و اثنى عليه، ثم قال: ايها الناس، انه قد بلغ بكم و بعدوكم الأمر الى ما ترون، و لم يبق من القوم الا آخر نفس، فتأهبوا رحمكم الله لمناجزة عدوكم غدا، حتى يحكم الله بيننا و بينهم، و هو خير الحاكمين.

206- عنه و بلغ ذلك معاوية، فقال لعمرو: ما ترى فإنما هو يومنا هذا و ليلتنا هذه ؟، فقال عمرو: انى قد اعددت بحيلتي امرا اخرته الى هذا اليوم، فان قبلوه اختلفوا، و ان ردوه تفرقوا، قال معاوية: و ما هو ؟ قال عمرو: تدعوهم الى كتاب الله حكما بينك و بينهم، فإنك بالغ به حاجتك. فعلم معاوية ان الأمر كما قال.

207- عنه قالوا: و ان الاشعث بن قيس قال لقومه، وقد اجتمعوا اليه:

ص: 121

قد رايتم ما كان في اليوم الماضى من الحرب المبيرة. و انا و الله ان التقينا غدا، انه لبوار العرب وضيعة الحرمات.

208- عنه قالوا: فانطلقت العيون الى معاوية بكلام الاشعث، فقال: صدق الاشعث، لئن التقينا غدا ليميلن الروم على ذراري اهل الشام، و ليميلن دهاقين فارس على ذراري اهل العراق، و ما يبصر هذا الأمر الا ذوو الأحلام اربطوا المصاحف على اطراف القنا.

209- عنه قالوا فربطت المصاحف، فأول ما ربط مصحف دمشق الأعظم، ربط على خمسة ارماح، يحملها خمسة رجال، ثم ربطوا سائر المصاحف، جمیع ما كان معهم، و أقبلوا في الغلس، و نظر اهل العراق الى اهل الشام قد أقبلوا و امامهم شبيه بالرايات فلم يدروا ما هو، حتى أضاء الصبح، فنظروا ، فإذا هي المصاحف.

ثم قام الفضل بن ادهم امام القلب، و شريح الجذامى امام الميمنة، و ورقاء ابن المعمر امام الميسرة، فنادوا: يا معشر العرب، الله. الله في نسائكم و أولادكم من فارس و الروم غدا، فقد فنيتم، هذا كتاب الله بيننا و بينكم. فقال على علیه السّلام: ما الكتاب تريدون، ولكن المكر تحاولون.

ثم اقبل ابو الأعور السلمى على برذون اشهب، و على راسه مصحف، و هو ينادي: يا اهل العراق، هذا كتاب الله حكما فيما بيننا و بينكم.

210 - عنه فلما سمع اهل العراق ذلك قام كردوس بن هانئ البكرى، فقال: يا اهل العراق، لا يهدئكم ما ترون من رفع هذه المصاحف، فإنها مكيدة. ثم تكلم سفيان بن ثور النكرى، فقال: ايها الناس، انا قد كنا بدأنا بدعاء اهل الشام الى كتاب الله، فردوا علينا، فاستحللنا قتالهم، فان رددناه عليهم حل لهم قتالنا، ولسنا نخاف ان يحيف الله علينا ولا رسوله.

ص: 122

ثم قام خالد بن المعمر ، فقال لعلى: يا امير المؤمنين، ما البقاء الا فيما دعا القوم اليه ان رايته، و ان لم تره فرأيك افضل. ثم تكلم الحضين بن المنذر، فقال: ايها الناس، ان لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره، و هو المأمون على ما فعل، فان قال: لا، قلنا: لا، و ان قال: نعم، قلنا: نعم.

211 - عنه فتكلم على، وقال: عباد الله، انا احرى من أجاب الى كتاب الله ، و كذلك أنتم، غير ان القوم ليس يريدون بذلك الا المكر، وقد عضتهم الحرب، و الله، لقد رفعوها و ما رأيهم العمل بها، و ليس يسعني مع ذلك ان ادعى الى كتاب الله فأبى، وكيف و انما قاتلناهم ليدينوا بحكمه.

فقال الاشعث: يا امير المؤمنين نحن لك اليوم على ما كنا عليه لك أمس، غير ان الرأي ما رايت من اجابة القوم الى كتاب الله حكما. فاما عدی بن حاتم و عمرو بن الحمق فلم يهويا ذلك ، و لم يشيروا على علي علیه السّلام به.

و لما أجاب على علیه السّلام ، قالوا له: فابعث الى الاشتر ليمسك عن الحرب و يأتيك. و كان يقاتل فى ناحية الميمنة، فقال على ليزيد بن هانئ: انطلق الى الاشتر، فمره ان يدع ما هو فيه، ويقبل، فأتاه، فابلغه، فقال: ارجع الى امير المؤمنين، فقل له ان الحرب قد اشتجرت بيني و بين اهل الناحية، فليس يجوز ان انصرف.

فانصرف يزيد الى على، فاخبره بذلك، و علت الأصوات من ناحية الاشتر، و ثار النقع، فقال القوم لعلى، و الله ما نحسبك امرته الا بالقتال.

فقال: كيف امرته بذلك، و لم اساره سرا؟! ثم قال ليزيد: عد الى الاشتر، فقل له. اقبل ، فان الفتنة قد وقعت. فأتاه، فاخبره بذلك.

فقال الاشتر: الرفع هذه المصاحف ؟، قال : نعم. قال: اما و الله لقد

ص: 123

ظننت بها حين رفعت، انها ستوقع اختلافا و فرقه.

212- عنه فاقبل الاشتر حتى انتهى اليهم، فقال يا اهل الوهن والذل، أحين علوتم القوم تنكلون لرفع هذه المصاحف؟ أمهلوني فواقا، قالوا: لا ندخل معك في خطيئتك، قال: ويحكم ،كيف بكم و قد قتل خياركم و بقي اراذلكم، فمتى كنتم محقين؟ أحين كنتم تقاتلون أم الان حين أمسكتم ؟ فما حال قتلاكم الذين لا تنكرون فضلهم، أفي الجنة أم في النار؟. قالوا: قاتلناهم في الله، وندع قتالهم في الله.

فقال: يا اصحاب الجباه السود، كنا نظن ان صلاتكم عباده و شوق الى الجنة، فنراكم قد فررتم الى الدنيا، فقبحا لكم. فسبوه، و سبهم، وضربوا وجه دابته بسیاطهم، و ضرب هو وجوه دوابهم بسوطه. و كان مسعر بن فدكي و ابن الكواء وطبقتهم من القراء الذين صاروا بعد خوارج كانوا من أشد الناس في الإجابة الى حكم المصحف.

213- عنه و أن معاوية قام في اهل الشام، فقال: ايها الناس، أن الحرب قد طالت بيننا وبين هؤلاء القوم، و ان كل واحد منا يظن انه على الحق و صاحبه على الباطل، و انا قد دعوناهم الى كتاب الله و الحكم به، فان قبلوه، و الا كنا قد أعذرنا اليهم.

214- عنه ثم كتب الى على: ان أول من يحاسب على هذا القتال انا و أنت، و انا ادعوك الى حقن هذه الدماء و الفة الدين و اطراح الضغائن، و ان يحكم بيني و بينك حكمان، أحدهما من قبلي و الآخر من قبلك، ما يجدانه مكتوبا مبينا في القرآن يحكمان به، فارض بحكم القرآن ان كنت من اهله.

215 - عنه فكتب اليه على دعوت الى حكم القرآن، و انى لأعلم انك ليس حكمه تحاول، و قد أجبنا القرآن الى حكمه لا إياك، و من لم يرض

ص: 124

بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا.

216- عنه وكتب الى عمرو بن العاص: اما بعد، فان الدنيا مشغلة عن غيرها، و لم يصب صاحبها منها شيئا الا انفتح له بذلك حرص يزيده فيها رغبة و لن يستغنى صاحبها بما نال منها عما لم ينله، و من وراء ذلك فراق ما جمع، فلا تحبط عملك بمجاراة معاوية على باطله، و ان لم تنته لم تضر بذلك الا نفسك، و السلام.

فأجابه عمرو: اما بعد، فان الذي فيه صلاحنا و الفة ما بيننا الإنابة الى الحق، وقد جعلنا القرآن حكما بيننا وبينك لنرضى بحكمه، و يعذرنا الناس عند المناجزة، والسلام.

فكتب اليه على: اما بعد، فان الذى اعجبك مما نازعتك نفسك اليه من طلب الدنيا منقلب عنك، فلا تطمئن إليها، فإنها غرارة، و لو اعتبرت بما مضى انتفعت بما بقي، و السلام.

217- عنه فكتب اليه عمرو: اما بعد، فقد انصف من جعل القرآن حكما، فاصبر يا أبا الحسن، فانا غير منيليك الا ما انا لك القرآن، و السلام.

فاجتمع قراء اهل العراق و قراء اهل الشام، فقعدوا بين الصفين، و معهم المصحف يتدارسونه، فاجتمعوا على ان يحكموا حكمين، و انصرفوا.

فقال اهل الشام: قد رضينا بعمرو.

و قال الاشعث و من كان معه من قراء اهل العراق: قد رضينا نحن بابی موسی.

فقال لهم على: لست أثق براى ابى موسى، و لا بحزمه، و لكن اجعل ذلك لعبد الله بن عباس.

قالوا: والله ما نفرق بينك و بين ابن عباس، و كأنك تريد ان تكون

ص: 125

أنت الحاكم، بل اجعله رجلا هو منك و من معاوية سواء، ليس الى احد منكما بأدنى منه الى الآخر.

قال على علیه السّلام: فلم ترضون لأهل الشام بابن العاص، و ليس كذلك؟.

قالوا: أولئك اعلم، انما علينا أنفسنا.

قال: فانى اجعل ذلك الى الاشتر.

قال الاشعث: و هل سعر هذه الحرب الا الاشتر، و هل نحن الا في حكم الاشتر؟

قال على علیه السّلام: و ما حكمه؟. قال: يضرب بعض وجوه بعض حتى يكون ما يريد الله. قال: فقد ابيتم الا ان تجعلوا أبا موسى. قالوا: نعم. قال: فاصنعوا ما احببتم.

218 - عنه قالوا: فأرسلوا رسولا الى ابى موسى، و قد كان اعتزل الحرب، و اقام بعرض. من اعراض الشام، فدخل عليه مولى له، فقال: قد اصطلح الناس، قال: الحمد لله رب العالمين. قال: وقد جعلوك حكما.

قال: انا لله و انا اليه راجعون.

فاقبل ابو موسى حتى دخل عسكر على، فولوه الأمر، و رضوا به، فقبله.

219- عنه فقال الأحنف بن قيس لعلى: انك قد منيت بحجر الارض ، و داهية العرب، و قد عجمت أبا موسى، فوجدته كليل الشفرة، قريب العقر، و انه لا يصلح لهذا الأمر الا رجل يدنو من صاحبه حتى يكون في کفه، و يبعد منه حتى يكون مكان النجم، فان شئت ان تجعلني حكما فافعل، و الا فثانيا او ثالثا، فان قلت انى لست من اصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله، فابعث رجلا من صحابته، و اجعلنى وزيرا له و مشيرا.

ص: 126

فقال على: ان القوم قد أبوا ان يرضوا بغير ابى موسى، و الله بالغ امره.

قالوا: فقال ايمن بن خريم الأسدي من اهل الشام، و كان معتزلا للقوم :

لو كان للقوم راى يهتدون به *** بعد القضاء رموكم بابن عباس

لكن رموكم بشيخ من ذوى يمن *** لم يدر ما ضرب اخماس لأسداس

قالوا: وقد كان معاوية جعل لايمن بن خريم ناحية من فلسطين على ان يبايعه فأبى، و قال:

لست بقاتل رجلا يصلى *** على سلطان آخر من قريش

له سلطانه وعلى إثمي *** معاذ الله من سفه و طيش

أاقتل مسلما في غير حق *** فلیس بنافعى ما عشت عيشي

قالوا: فاجتمع اهل العراق و اهل الشام و أتوا بكاتب، وقالوا: اكتب الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضى عليه امير المؤمنين. فقال معاوية بئس الرجل انا ان اقررت بانه امير المؤمنين ثم اقاتله. قال عمرو بل اكتب اسمه و اسم ابيه. فقال الأحنف بن قيس: يا امير المؤمنين، لا تمح اسم امرة المؤمنين، فانى اخاف ان محوتها لم ترجع إليك ابدا، و لا تجبهم الى ذلك.

220 - عنه فقال على الله اكبر سنة بسنة اما و الله لقد جرى على يدي نظير هذا يعنى القضية يوم الحديبية، و امتناع قريش ان يكتب محمد رسول الله، فقال النبي صلّی الله علیه و آله للكاتب، اكتب محمد بن عبد الله، فكتبوا.

هذا ما تقاضى عليه على بن ابى طالب و معاوية بن ابي سفيان و شيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلّی الله علیه و آله، قضية على على اهل العراق شاهدهم و غائبهم، و قضية معاوية على اهل الشام شاهدهم و غائبهم، انا تراضينا ان نقف عند حكم القرآن فيما يحكم من

ص: 127

فاتحته الى خاتمته.

نحيى ما أحيا، و نميت ما أمات، على ذلك تقاضيا و به تراضيا، و ان عليا و شيعته رضوا بعبد الله بن قيس ناظرا و حاكما، و رضى معاوية و شيعته بعمرو بن العاص ناظرا و حاكما، على ان عليا و معاوية أخذا على عبد الله بن قیس و عمرو بن العاص عهد الله و ميثاقه، و ذمته و ذمة رسوله.

ان يتخذا القرآن اماما و لا يعدوا به الى غيره في الحكم بما وجداه فيه مسطورا، و ما لم يجدا في الكتاب رداه الى سنة رسول الله الجامعه، لا يتعمدان لها خلافا، ولا يبغيان فيها بشبهه.

221 - عنه و أخذ عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص على علي علیه السّلام و معاوية عهد الله و ميثاقه بالرضى بما حكما به مما في كتاب الله وسنة نبيه، و ليس لهما ان ينقضا ذلك، و لا يخالفاه الى غيره، و هما آمنان في حكومتهما على دمائهما و أموالهما و اشعارهما و ابشارهما و اهاليهما وأولادهما ما لم يعدوا الحق، رضى به راض او سخطه ساخط، و ان الامة انصارهما على ما قضيا به من الحق مما هو في كتاب الله.

فان توفى احد الحكمين قبل انقضاء الحكومة، فلشيعته و اصحابه ان يختاروا مكانه رجلا من اهل المعدلة و الصلاح على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق، و ان مات احد الأميرين قبل انقضاء الأجل المحدد في هذه القضية فلشيعته ان يولوا مكانه رجلا يرضون عدله.

و قد وقعت القضية بين الفريقين و المفاوضة، و رفع السلاح، و قد وجبت القضية على ما سمينا في هذا الكتاب من موقع الشرط على الأميرين و الحكمين و الفريقين، و الله اقرب شهید، و کفی به شهیدا فان خالفا و

ص: 128

تعديا فالأمة بريئة من حكمهما ولا عهد لهما ولا ذمة، و الناس آمنون على انفسهم وأهاليهم و أولادهم الى انقضاء الأجل، و السلاح موضوعة و السبل آمنة.

و الغائب من الفريقين مثل الشاهد في الأمر، و للحكمين ان ينزلا منزلا متوسطا عدلا بين اهل العراق و اهل الشام، و لا يحضرهما فيه الا من احبا عن تراض منهما، و الأجل الى انقضاء شهر رمضان، فان رای الحكمان تعجيل الحكومة عجلاها، و ان رايا تأخيرها الى آخر الأجل اخراها.

فان هما لم يحكما بما في كتاب الله وسنة نبيه الى انقضاء الأجل، فالفريقان على امرهم الاول في الحرب، و على الامة عهد الله و ميثاقه في هذا الأمر، و هم جميعا يد واحدة على من اراد في هذا الأمر إلحادا او ظلما او خلافا.

شهد على ما في هذا الكتاب الحسن و الحسين ابنا على بن ابى طالب، و عبد الله ابن عباس، و عبد الله بن جعفر بن ابي طالب، و الاشعث بن قيس، و الاشتر ابن الحارث، و سعيد بن قيس، و الحصين و الطفيل ابنا الحارث بن عبد المطلب، و ابو سعيد بن ربيعة الأنصاري، و عبد الله بن خباب بن الأرت، و سهل بن حنيف، و ابو بشر بن عمر الأنصاري.

و عوف بن الحارث بن عبد المطلب، و يزيد بن عبد الله الأسلمي، و عقبة بن عامر الجهني، و رافع بن خديج الأنصاري، و عمرو بن الحمق الخزاعي، و النعمان بن العجلان الأنصاري، و حجر بن عدى الكندي، و يزيد بن حجية النكرى، و مالك بن كعب الهمداني، و ربيعة بن شرحبيل، و الحارث بن مالك، و حجر بن يزيد، و علبة بن حجية.

ص: 129

و من اهل الشام: حبيب بن مسلمة الفهري، و ابو الأعور السلمي، و بسر ابن ارطاة القرشي، ومعاوية بن خديج الكندى، و المخارق بن الحارث، و مسلم ابن عمرو السكسكي، و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وحمزة ابن مالك، و سبيع و ابن يزيد الحضرمي، و عبد الله بن عمرو بن العاص، و علقمة بن يزيد الكلبي، و خالد بن الحصين السكسكي.

و علقمة بن يزيد الحضرمي، و يزيد بن ابجر العبسي، و مسروق بن جبلة العكي، و بسر بن يزيد الحميري، و عبد الله بن عامر القرشي، و عتبة ابن ابی سفیان، و محمد بن ابی سفیان، و محمد بن عمرو بن العاص، و عمار ابن الأحوص الكلبى، و مسعدة بن عمرو العتبى، و الصباح بن جلهمة الحميرى، و عبد الرحمن بن ذي الكلاع، و ثمامة بن حوشب و علقمة بن حكم.

و كتب يوم الأربعاء لثلاث عشره ليلة بقيت من صفر سنة سبع و ثلاثين.

222- عنه و ان الاشعث أخذ الكتاب فقراه على الفريقين، يمر به على کل، رایه رایه، و قبیله قبيله، فيقرؤه عليهم، فمر برايات عنزة، و كان مع على منهم اربعة آلاف رجل، فلما قراه عليهم قال اخوان منهم، اسمهما جعد و معدان: لا حكم الا لله ثم شدا على اهل الشام، فقاتلا حتى قتلا، و هما أول من حكم.

ثم مر على رايات مراد، فقراه عليهم، فقال صالح بن شقيق، وكان من افاضلهم لا حكم الا لله، و ان كره المشركون، ثم مر به على رايات بنى راسب، فتنادوا لا يحكم الرجال في دين الله، ثم مر به علی رایات بنی تمیم، فقالوا مثل ذلك، فقال عروة بن ادية: أتحكمون في دين الله الرجال، فأين

ص: 130

قتلانا يا اشعث ؟ ثم حمل بسيفه على الاشعث، فاخطاه، و أصاب السيف عجز دابته، فانصرف الاشعث الى قومه، فمشى اليه سادات تميم، فاعتذروا اليه، فقبل و صفح.

223 - عنه و اقبل سليمان بن صرد الى على مضروبا في وجهه بالسيف. فقال: يا امير المؤمنين، اما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة. وقام محرز ابن خنيس بن ضليع الى على، فقال: يا امير المؤمنين، اما الى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل، فو الله انى لخائف ان يورثك ذلا ؟. قال علي علیه السّلام: ابعد ان كتبناه ننقضه ؟ هذا لا يجوز.

224- عنه ثم ان عليا و معاوية اتفقا على ان يكون مجتمع الحكمين بدومة الجندل، و هو المنصف بين العراق والشام. و وجه على مع ابى موسى شريح ابن هانئ في اربعة آلاف من خاصته، و صير عبد الله بن عباس على صلاتهم، و بعث معاوية مع عمرو بن العاص أبا الأعور السلمى في مثل ذلك من اهل الشام.

فساروا من صفين حتى وافوا دومة الجند،ل و انصرف على باصحابه حتى وافى الكوفة، و انصرف معاوية باصحابه حتى وافى دمشق، ينتظر ان ما يكون من أمر الحكمين.

225 - عنه و كان على إذا كتب الى ابن عباس في امر اجتمع اليه اصحابه، فقالوا: ما كتب إليك امير المؤمنين؟ فيكتمهم، فيقولون: لم كتمتنا؟ و انما كتب إليك في كذا وكذا، فلا يزالون يزكنون حتى يقفوا على ما كتب.

و تأتي كتب معاوية الى عمرو بن العاص، فلا يأتيه احد من اصحابه ، يسأله عن شيء من امره.

226- عنه قالوا: وكتب معاوية الى عبد الله بن عمر بن الخطاب، والى

ص: 131

عبدالله بن الزبير، و الى ابى الجهم بن حذيفة، و الى عبد الرحمن بن عبد يغوث: اما بعد، فان الحرب قد وضعت أوزارها، و صار هذان الرجلان الى دومة الجندل، فاقدموا عليها ان كنتم قد اعتزلتم الحرب، فلم تدخلوا فيما دخل فيه الناس، لتشهدوا ما يكون منهما، والسلام.

227- عنه فلما أتاهم كتابه ساروا جميعا الى دومة الجندل، فأقاموا ينتظرون ما يكون من الرجلين، و حضر معهم سعد بن ابی وقاص، و سار المغيرة بن شعبة، و كان مقيما بالطائف لم يشهد شيئا من تلك الحروب حتى اتى دومة الجندل، فأقام ينتظر ما يكون منهما، فلما طال مقامه سار من هناك حتى اتى معاوية بدمشق، فقال له معاوية : اشر على بما ترى، فقال له المغيرة: لو اشرت عليك لقاتلت معك، و لكنى قد اتيتك بخبر الرجلين. قال: و ما خبرهما؟.

228- عنه قال: انى خلوت بابى موسى لأبلو ما عنده، فقلت: ما تقول فيمن اعتزل عن هذا الأمر، و جلس في بيته كراهية للدماء؟، فقال: أولئك خيار الناس، خفت ظهورهم من دماء إخوانهم، و بطونهم من أموالهم.

قال: فخرجت من عنده، و اتيت عمرو بن العاص، فقلت: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن اعتزل هذه الحروب؟، فقال: أولئك شرار الناس، لم يعرفوا حقا، و لم ينكروا باطلا. و انا احسب أبا موسى خالعا صاحبه و جاعلها لرجل لم يشهد، و احسب هواه في عبد الله بن عمر بن الخطاب. و اما عمرو بن العاص فهو صاحبك الذى عرفته، و احسب سيطلبها لنفسه او لابنه عبد الله، و لا أراه يظن انك أحق بهذا الأمر منه. فاقلق ذلك معاوية.

229 - عنه قالوا: ثم ان عمرو بن العاص جعل يظهر تبجيل ابى موسى و اجلاله، وتقديمه في الكلام وتوقيره، و يقول: صحبت رسول الله صلّی الله علیه و آله

ص: 132

قبلي، و أنت اكبر سنا منى. ثم اجتمعا ليتناظرا في الحكومة، فقال ابو موسى: يا عمرو، هل لك فيما فيه صلاح الامة و رضى الله ؟ قال: و ما هو ؟ .

قال: نولي عبد الله بن عمر، فانه لم يدخل نفسه في شيء من هذه الحروب.

قال له عمرو: اين أنت من معاوية؟. قال ابو موسى: ما معاوية موضعا لها، و لا يستحقها بشيء من الأمور. قال عمرو: ألست تعلم ان عثمان قتل مظلوما؟. قال: بلى.

قال: فان معاوية ولى عثمان، و بيته بعد في قريش ما قد علمت، فان قال الناس: لم ولى الأمر و ليست له سابقة؟ فان لك في ذلك عذرا، تقول: انى وجدته ولى عثمان، و الله تعالى يقول: و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا و هو مع هذا أخو أم هذا أخو أم حبيبه زوج النبي صلّی الله علیه و آله ، و هو احد اصحابه.

230- عنه قال ابو موسی: اتق الله يا عمرو، اما ما ذكرت من شرف معاوية، فلو كان يستوجب بالشرف الخلافة، لكان أحق الناس بها أبرهة ابن الصباح، فانه من أبناء ملوك اليمن التبابعة الذين ملكوا شرق الارض و غربها، ثم اى شرف لمعاوية مع على بن ابى طالب؟، و اما قولك ان معاوية ولى عثمان ،فاولى منه ابنه عمرو بن عثمان، و لكن ان طاوعتنى أحيينا سنة عمر بن الخطاب و ذكره بتوليتنا ابنه عبد الله الحبر.

قال عمرو: فما يمنعك من ابنى عبد الله مع فضله و صلاحه و قدیم هجرته و صحبته؟.

فقال ابو موسی: ان ابنك رجل صدق، و لكنك قد غمسته في هذه الحروب غمسا، و لكن هلم نجعلها للطيب ابن الطيب عبد الله بن عمر.

قال عمرو: يا أبا موسى، انه لا يصلح لهذا الأمر الا رجل له ضرسان،

ص: 133

يأكل بأحدهما، و يطعم بالآخر.

قال ابو موسى : ويحك يا عمرو، ان المسلمين قد اسندوا إلينا امرا بعد ان تقارعوا بالسيوف و تشاكوا بالرماح، فلا نردهم في فتنة. قال: فما ترى؟.

قال: ارى ان نخلع هذين الرجلين، عليا و معاوية، ثم نجعلها شورى بين المسلمين، يختارون لأنفسهم من أحبوا. قال عمرو: فقد رضيت بذلك، و هو الرأي الذي فيه صلاح الناس.

231- عنه قال: فافترقا على ذلك، و اقبل ابن عباس الى ابی موسی، فخلا به، و قال: ويحك يا أبا موسى، احسب و الله عمرا قد اختدعك، فان كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمه قبلك ليتكلم، ثم تكلم بعده، فان عمرا رجل غدار، و لست آمن ان يكون قد أعطاك الرضى فيا بينك و بينه، فإذا قمت به في الناس خالفك، قال ابو موسى: قد اتفقنا على امر لا يكون لأحدنا على صاحبه فيه خلاف ان شاء الله.

232- عنه فلما أصبحوا من غد خرجوا الى الناس، و هم مجتمعون في المسجد الجامع، فقال ابو موسى لعمر:و اصعد المنبر، فتكلم.

فقال عمرو: ما كنت اتقدمك و أنت افضل منى فضلا، و اقدم هجرة و سنا.

فبدا ابو موسى، فصعد المنبر، فحمد الله و اثنى عليه ثم قال:

ايها الناس، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به الفة هذه الامة ويصلح أمرها، فلم نر شيئا هو ابلغ في ذلك من خلع هذين الرجلين، على و معاوية، و تصييرها شوری لیختار الناس لأنفسهم من راوه لها أهل،ا و انى قد خلعت عليا و معاوية، فاستقبلوا امركم، و ولوا عليكم من احببتم ثم نزل.

وصعد عمرو، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال:

ص: 134

ان هذا قد قال ما سمعتم، و خلع صاحبه الا و انى قد خلعت صاحبه كما خلعه، و اثبت صاحبي معاوية، فانه ولى امير المؤمنين عثمان، و الطالب بدمه، و أحق الناس بمقامه.

فقال له ابو موسى: مالك، لا وفقك الله، غدرت و فجرت، و انما مثلك مثل الكلب، ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث. فقال له عمرو: و مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.

و حمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط، و حجز الناس بينهما، و كان شريح يقول: ما ندمت على شيء قط كندامتى الا أكون ضربته مكان السوط بالسيف، اتى الدهر فى ذلك بما اتى.

و انسل ابو موسی، فرکب راحلته، و هرب، حتى لحق بمكة، فكان ابن عباس يقول : لحى الله أبا موسى، لقد نبهته فما انتبه، و حذرته بما صار اليه فما انحاش. و كان ابو موسى يقول: لقد حذرني ابن عباس غدر عمرو، فاطمأننت اليه ، و لم أظن انه يؤثر شيئا على نصيحه المسلمين.

ثم انصرف عمرو و اهل الشام الى معاوية، فسلموا عليه بالخلافة.

و اقبل ابن عباس و شریح بن هانئ و من كان معهما من اهل العراق الى علي علیه السّلام ، فاخبروه الخبر، فقام سعيد بن قيس الهمداني، فقال: و الله لو اجتمعنا على الهدى ما زادنا على ما نحن عليه بصيرة. ثم تكلم عامة الناس بنحو من هذا.

233- قال نصر بن مزاحم: قدم على علي بن أبي طالب علیه السّلام بعد قدومه الكوفة، الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة و حارثة بن بدر و زيد بن جبلة و أعين بن ضبيعة وعظيم الناس بنو تميم و كان فيهم أشراف و لم يقدم هؤلاء على عشيرة من أهل الكوفة فقام الأحنف بن قيس و جارية

ص: 135

بن قدامة و حارثة بن بدر فتكلم الأحنف فقال:

يا أمير المؤمنين إنه إن تك سعد لم تنصرك يوم الجمل فإنها لم تنصر عليك و قد عجبوا أمس ممن نصرك و عجبوا اليوم ممن خذلك لأنهم شكوا في طلحة والزبير و لم يشكوا في معاوية و عشيرتنا بالبصرة فلو بعثنا إليهم فقدموا إلينا فقاتلنا بهم العدو و العدو و انتصفنا بهم و أدركوا اليوم ما فاتهم أمس.

قال علي علیه السّلام لجارية بن قدامة و كان رجل تميم بعد الأحنف «ما تقول يا جارية؟» قال أقول هذا جمع حشره الله لك بالتقوى و لم تستكره فيه شاخصا و لم تشخص فيه مقيما و الله لو لا ما حضرك فيه من الله لغبك سياسته و ليس كل من كان معك نافعك و رب مقيم خير من شاخص و مصراك خير لك و أنت أعلم .

فكأنه بقوله كان معك ربما كره اشخاص قومه عن البصرة. وكان حارثة بن بدر أسد الناس رأيا عند الأحنف و كان شاعر بني تميم و فارسهم فقال علي: «ما تقول يا حارثة؟» فقال يا أمير المؤمنين إنا نشوب الرجاء بالمخافة والله لوددت أن أمواتنا رجعوا إلينا فاستعنا بهم على عدونا و لسنا نلقى القوم بأكثر من عددهم و ليس لك إلا من كان معك و إن لنا في قومنا عددا لا نلقى بهم عدوا أعدى من معاوية و لا نسد بهم ثغر ثغرا أشد من الشام و ليس بالبصرة بطانة نرصدهم لها و لا عدو نعدهم له.

و وافق الأحنف في رأيه فقال علي للأحنف اكتب إلى قومك فكتب الأحنف إلى بني سعد.

234 - عنه عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي أن عليا علیه السّلام حين قدم من البصرة نزع جريرا همدان فجاء حتى نزل الكوفة فأراد على أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير ابعثني إلى معاوية فإنه

ص: 136

لم يزل لي مستنصحا و ودا فآتيه فأدعوه على أن يسلم لك هذا الأمر و يجامعك على الحق.

على أن يكون أميرا من أمرائك و عاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله و اتبع ما في كتاب الله و أدعو أهل الشام إلى طاعتك و ولايتك و جلهم قومي و أهل بلادي و قد رجوت ألا يعصوني-. فقال له الأشتر لا تبعثه و دعه و لا تصدقه فو الله إني لأظن هواه هواهم و نيته نيتهم فقال له علي: دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا.

فبعثه علي علیه السّلام و قال له حين أراد أن يبعثه: «إن حولي من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله من أهل الدين و الرأي من قد رأيت و قد اخترتك عليهم لقول رسول الله صلّی الله علیه و آله فيك:

إنك من خير ذي يمن انت معاوية بكتابي فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون و إلا فانبذ إليه و أعلمه أني لا أرضى به أميرا و أن العامة لا ترضى به خليفة.

فانطلق جرير حتى أتى الشام و نزل بمعاوية فدخل عليه فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين و أهل المصرين و أهل الحجاز و أهل اليمن و أهل مصر و أهل العروض و عمان و أهل البحرين و اليمامة فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها و قد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك و يهديك إلى مبايعة هذا الرجل و دفع إليه كتاب علي بن أبي طالب و فيه. «بِسمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»

أما بعد فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بويعوا عليه فلم يكن للشاهد أن

ص: 137

يختار و لا للغائب أن يرد و إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك الله رضا فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه.

فإن أبى قاتلوه على اتباعه «غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ» و ولاه الله ما تولى و يصليه «جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً» و إن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي و كان نقضهما كردّهما فجاهدتهما على ذلك «حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَارِهُونَ» فادخل فيها دخل فيه المسلمون فإن أحب الأمور إلي فيك العافية.

إلا أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له قاتلتك و استعنت الله عليك و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن و لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان.

و اعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و لا تعرض فيهم الشورى و قد أرسلت إليك و إلى من قبلك جرير بن عبد الله و هو من أهل الإيمان و الهجرة فبايع و «لا قُوَّةَ إِلَّا بِالله».

فلما قرأ الكتاب قام جرير فقال.

الحمد لله المحمود بالعوائد المأمول منه الزوائد المرتجى منه الثواب المستعان على النوائب أحمده و أستعينه في الأمور التي تحير دونها الألباب و تضمحل عندها الأسباب و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، «كُلُّ شَيْءٍ هَالِك إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ».

و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بعد الفترة و بعد الرسل الماضية و القرون الخالية و الأبدان البالية و الجبلة الطاغية فبلغ الرسالة و

ص: 138

نصح الأمة و أدى الحق الذي استودعه الله و أمره بأدائه إلى أمته صلّی الله علیه و آله من مبتعث و منتجب.

ثم قال أيها الناس إن أمر عثمان قد أعيا من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه و إن الناس بايعوا عليا غير واتر ولا موتور و كان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث ألا و إن هذا الدين لا يحتمل الفتن ألا و إن العرب لا تحتمل السيف و قد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس.

و قد بايعت العامة عليا و لو ملكنا الله أمورنا لم نختر لها غيره و من خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس فإن قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين و كان لكل امرئ ما في يديه و لكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول وجعل تلك أمورا موطأة و حقوقا ينسخ بعضها بعضا.

ثم قعد فقال معاوية انظر و ننظر و استطلع رأي أهل الشام. فلما فرغ جرير من خطبته أمر معاوية مناديا فنادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر ثم قال:

الحمد لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركانا و الشرائع للإيمان برهانا يتوقد قبسه في الأرض المقدسة التي جعلها الله محل الأنبياء و الصالحين من عباده فأحلها أهل الشام و رضيهم لها و رضيها لهم لما سبق من مكنون علمه من طاعتهم و مناصحتهم خلفاءه و القوام بأمره و الذابين عن دينه و حرماته.

ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما و في سبيل الخيرات أعلاما يردع الله بهم الناكثين و يجمع بهم ألفة المؤمنين و الله نستعين على ما تشعب من أمر

ص: 139

المسلمين بعد الالتئام و تباعد بعد القرب اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا و يخيفون آمننا و يريدون هراقة دمائنا و إخافة سبيلنا و قد يعلم الله أنا لم نرد بهم عقابا و لا نهتك لهم حجابا و لا نوطئهم زلقا.

غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى و سقط الندى و عرف الهدى حملهم على خلافنا البغي و الحسد فالله نستعين عليهم أيها الناس قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و أني خليفة عثمان بن عفان عليكم.

و أني لم أقم رجلا منكم على خزاية قط و أني ولي عثمان و قد قتل مظلوما والله يقول «وَ من قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً» و أنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.

فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان. و بايعوه على ذلك و أوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم و أموالهم أوريدركوا بثأره أو يفني الله أرواحهم فلما أمسى معاوية و كان قد اغتم بما هو فيه.

235 - قال نصر: فحدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال لما جن معاوية الليل و اغتم و عنده أهل بيته قال:

تطاول ليلي و اعترتني وساوسي *** لآت أتى بالترهات البسابس

أتانا جرير و الحوادث جمة *** بتلك التي فيها اجتداع المعاطس

أكابده و السيف بيني و بينه *** و لست لأثواب الدني بلابس

إن الشام أعطت طاعة يمنية *** تواصفها أشياخها في المجالس

فإن يجمعوا أصدم عليا بجبهة *** تفت عليه كل رطب و یابس

و إني لأرجو خير ما نال نائل *** و ما أنا من ملك العراق بآيس

ص: 140

و إلا يكونوا عند ظني بنصرهم *** و إن يخلفوا ظني كف عابس

236 - نصر قال حدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال و استحثه جرير بالبيعة فقال يا جرير إنها ليست بخلسة و إنه أمر له ما بعده فأبلعنى ريقي حتى أنظر و دعا ثقاته فقال له عتبة بن أبي سفيان و كان نظيره اجتمعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص و أثمن له بدينه فإنه من قد عرفت و قد اعتزل أمر عثمان في حياته و هو لأمرك أشد اعتزالا إن ير فرصة

237 - نصر عن بن عبيد الله عن الجرجاني قال كان معاوية أتى جريرا في منزله فقال يا جرير إني قد رأيت رأيا قال هاته قال اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام و مصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي و أسلم له هذا الأمر و أكتب إليه بالخلافة فقال اكتب بما أردت و أكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير:

أما بعد فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة و أن يختار من أمره ما أحب و أراد أن يريئك حتى يذوق أهل الشام و إن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن أستعمل معاوية على الشام و أنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه و لم يكن الله ليراني أتخذ «الْمُضِلّينَ عَضُدا» فإن بايعك الرجل و إلا فأقبل.

قال: فخرج جرير يتجسس الأخبار فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له و هو يقول:

حکیم و عمار الشجا و محمد *** وأشتر و المكشوح جروا الدواهيا

وقد كان فيها للزبير عجاجة *** وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا

فأما علي فاستغاث ببيته *** فلا آمر فيها ولم يك ناهيا

وقل في جميع الناس ما شئت بعده *** وإن قلت أخطأ الناس لم تك خاطيا

ص: 141

و إن قلت عم القوم فيه بفتنة *** فحسبك من ذاك الذي كان كافيا

فقولا لأصحاب النبي محمد *** و خصا الرجال الأقربين المواليا

أ يقتل عثمان بن عفان وسطكم *** على غير شيء ليس إلا تماديا

فلا نوم حتى نستبيح حريمكم *** و نخضب من أهل الشنان العواليا

قال جرير يا ابن أخي من أنت؟ قال أنا غلام من قريش و أصلي من ثقيف أنا ابن المغيرة بن الأخنس بن شريق قتل أبي مع عثمان يوم الدار فعجب جرير من قوله وكتب بشعره إلى علي، فقال علي و الله ما أخطأ الغلام شيئا.

238 - عنه في حديث صالح بن صدقة قال أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس و قال علي علیه السّلام وقت الرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو علي عاصيا و أبطأ على علي علیه السّلام حتى أيس منه.

239- عنه في حديث محمد و صالح بن صدقة قالا و كتب علي إلى جرير بعد ذلك، أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل و خذه بالأمر الجزم ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية فإن اختار الحرب فانبذ له و إن اختار السلم فخذ بيعته.

240-عنه كتب على الا إلى معاوية من علي إلى معاوية بن صخر. أما بعد فقد أتاني كتاب امرئ ليس له نظر يهديه و لا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه و قاده فاتبعه زعمت أنه أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان و لعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا و أصدرت كما أصدروا و ما كان الله ليجمعهم على ضلالة و لا ليضربهم بالعمى و ما أمرت فيلزمني خطيئة الأمر ولا قتلت فيجب علي القصاص.

و أما قولك: إن أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز فهات رجلا

ص: 142

من قريش الشام يقبل في الشورى أو تحل له الخلافة. فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون والأنصار و إلا أتيتك به من قريش الحجاز و أما قولك: ادفع إلينا قتلة عثمان فما أنت و عثمان إنما أنت رجل من بني أمية و بنو عثمان أولى بذلك منك.

فإن زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على المحجة و أما تمييزك بين الشام و البصرة و بين طلحة والزبير فلعمري ما الأمر فيا هناك إلا واحد لأنها بيعة عامة لا يثنى فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار.

و أما ولوعك بي في أمر عثمان فما قلت ذلك عن حق العيان و لا يقين الخبر و أما فضلي في الإسلام و قرابتي من الإسلام و قرابتي من النبي صلّی الله علیه و آله و شرفي في قريش فلعمري لو استطعت دفع ذلك لدفعته.

241- نصر عن صالح بن صدقة بإسناده قال لما رجع جرير إلى علي كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير و الأشتر عند علي فقال الأشتر أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه و أقام أقام عنده عنده حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه أو يخاف غمه إلا سده فقال جرير و الله لو أتيتهم لقتلوك و خوفه بعمرو و ذي الكلاع و حوشب ذي ظليم و قد زعموا أنك من قتلة عثمان.

فقال الأشتر لو أتيته و الله يا جرير لم يعيني جوابها و لم يثقل علي محملها و لحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر قال فأتهم إذا قال الآن وقد أفسدتهم و وقع بينهم الشر؟

242- نصر عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي قال:

ص: 143

اجتمع جرير و الأشتر عند علي علیه السّلام فقال الأشتر أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا و أخبرتك بعداوته وغشه و أقبل الأشتر بشتمه و يقول يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان و الله ما أنت بأهل أن تمشي فوق الأرض حيا.

إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم و أنت و الله منهم و لا أرى سعيك إلا لهم و لئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك و أشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستبين هذه الأمور و يهلك الله الظالمين.

قال جرير وددت والله إنك كنت مكاني بعثت إذا و الله لم ترجع قال فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا و لحق به أناس من قسر من قومه و لم يشهد صفين من قسر غير تسعة عشر و لكن أحمس شهدها منهم سبعمائة رجل و خرج علي إلى دار جرير فشعث منها و حرق مجلسه و خرج أبو زرعة بن عمر بن جرير فقال أصلحك الله إن فيها أرضا لغير جرير فخرج علي منها إلى دار ثوير بن عامر فحرقها و هدم منها و كان ثوير رجلا شريفا و كان قد لحق بجرير.

243- قال نصر و في حديث صالح بن صدقة قال لما أراد معاوية السير إلى صفين قال لعمرو بن العاص إني قد رأيت أن نلقي إلى أهل مكة و أهل المدينة كتابا نذكر لهم فيه أمر عثمان فإما أن ندرك حاجتنا و أما أن يكف القوم عنا.

قال عمرو: إنما نكتب إلى ثلاثة نفر راض بعلي فلا يزيده ذلك إلا بصيرة أو رجل يهوى عثمان فلن نزيده على ما هو عليه أو رجل معتزل فلست بأوثق في نفسه من علي قال: علي ذلك فكتبا:

ص: 144

أما بعد فإنه مهما غابت عنا من الأمور فلن يغيب عنا أن عليا قتل عثمان والدليل على ذلك مكان قتلته منه و إنما نطلب بدمه حتى يدفعوا إلينا قتلته فنقتلهم بكتاب الله فإن دفعهم علي إلينا كففنا عنه و جعلناها شورى بين المسلمين على ما جعلها عليه عمر بن الخطاب و أما الخلافة فلسنا نطلبها فأعينونا على أمرنا هذا و انهضوا من ناحيتكم فإن أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت على أمر واحد هاب علي ما هو فيه.

قال: فكتب إليهما عبد الله بن عمر:

أما بعد فلعمري لقد أخطأتما موضع البصيرة وتناولتماها من مكان بعيد و ما زاد الله من شاك في هذا الأمر بكتابكما إلا شكا وما أنتما و الخلافة و أما أنت يا معاوية فطليق و أما أنت يا عمرو فظنون ألا فكفا عني أنفسكما فليس لكما و لا لي نصير.

244 - قال نصر و في حديث صالح بن صدقة بإسناده قال: قام عدي بن حاتم إلى علي علیه السّلام فقال يا أمير المؤمنين إن عندي رجلا من قومي لا يجارى به و هو يريد أن يزور ابن عم له حابس بن سعد الطائي بالشام فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره و يكسر أهل الشام.

فقال له علي نعم فمره بذلك و كان اسم الرجل خفاف بن عبد الله فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام وكان حابس سید طبئ فحدث خفاف حابسا أنه شهد عثمان بالمدينة وسار مع علي إلى الكوفة. و كان الخفاف لسان وهيئة و شعر.

فغدا حابس و خفاف إلى معاوية فقال حابس هذا ابن عمي قدم الكوفة مع علي و شهد عثمان بالمدينة و هو ثقة فقال له معاوية هات يا أخا طيئ حدثنا عن عثمان قال حصره المكشوح و حكم فيه حكيم و وليه محمد

ص: 145

و عمار و تجرد في أمره ثلاثة نفر عدي بن حاتم و الأشتر النخعي و عمرو بن الحمق وجد في أمره رجلان طلحة والزبير و أبرأ الناس منه علي.

قال ثم مه؟ قال: ثم تهافت الناس على علي الا بالبيعة تهافت الفراش حتى ضلت النعل و سقط الرداء و وطئ الشيخ و لم يذكر عثمان و لم يذكر له ثم تهيأ للمسير و خف معه المهاجرون و الأنصار و كره القتال معه ثلاثة نفر سعد بن مالك و عبد الله بن عمر و محمد بن مسلمة.

فلم يستكره أحدا و استغنى بمن خف معه عمن ثقل ثم سار حتى أتى جبل طيئ فأتاه منا جماعة كان ضاربا بهم الناس حتى إذا كان في بعض الطريق أتاه مسير طلحة طلحة والزبير و عائشة إلى البصرة فسرح رجالا إلى الكوفة فأجابوا دعوته فسار إلى البصرة فهى في كفه ثم قدم إلى الكوفة فحمل إليه الصبي و دبت إليه العجوز و خرجت إليه العروس فرحا به و شوقا إليه فتركته و ليس همه إلا الشام.

فذعر معاوية من قوله وقال حابس أيها الأمير لقد أسمعني شعرا غير به حالي في عثمان و عظم به عليا عندي قال معاوية أسمعنيه يا خفاف فأسمعه قوله شعرا:

قلت و الليل ساقط الأكناف *** و لجنبي عن الفراش تجاف

أرقب النجم مائلا و متى الغمض *** بعين طويلة التذراف

ليت شعري و إنني لسئول *** هل لي اليوم بالمدينة شاف

من صحاب النبي إذ عظم الخطب *** و فيهم من البرية كاف

أحلال دم الإمام بذنب *** أم حرام بسنة الوقاف

قال لي القوم لا سبيل إلى ما *** تطلب اليوم قلت حسب خفاف

عند قوم ليسوا بأوعية العلم *** ولا أهل صحة و عفاف

ص: 146

قلت لما سمعت قولا دعوني *** إن قلبي من القلوب الضعاف

قد مضى ما مضى و مر به الدهر *** امر ذاهب الأسلاف

إنني و الذي يحج له الناس *** على لحق البطون العجاف

تتبارى مثل القسي من النبع *** بشعث مثل الرصاف نحاف

أرهب اليوم إن أتاك علي *** صيحة مثل صيحة الأحقاف

إنه الليث عاديا و شجاع *** مطرق نافث بسم زعاف

فارس الخيل كل يوم نزال *** و نزال الفتى من الإنصاف

واضع السيف فوق عاتقه الأيمن *** يذري به شئون القحاف

لا يرى القتل فى الخلاف عليه *** ألف ألف كانوا من الإسراف

سوم الخيل ثم قال لقوم *** تابعوه إلى الطعان خفاف

استعدوا لحرب طاغية الشام *** فلبوه كالبنين اللطاف

ثم قالوا أنت الجناح لك الريش *** القدامى و نحن منه الخوافي

أنت وال و أنت والدنا البر *** و نحن الغداة كالأضياف

و قرى الضيف في الديار قليل *** قد تركنا العراق للإتحاف

وهم ما هم إذا نشب البأس *** ذوو الفضل و الأمور الكوافي

و انظر اليوم قبل نادية القوم *** بسلم أردت أم بخلاف

إن هذا رأي الشفيق على الشام *** و لولاه ما خشيت مشاف.

فانكسر معاوية و قال يا حابس إني لا أظن هذا إلا عينا لعلي أخرجه عنك لا يفسد أهل الشام وكنى معاوية بقوله ثم بعث إليه بعد فقال يا خفاف أخبرني عن أمور الناس فأعاد عليه الحديث فعجب معاوية من عقله و حسن وصفه للأمور.

245- أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب ابن

ص: 147

المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي قال أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصير في بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع و ثمانين و أربعمائة قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر قال:

أخبرنا أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بنعقبة قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز قال أبو الفضل نصر بن مزاحم عن عطية بن غني عن زياد بن رستم قال كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله بن عمر بن الخطاب خاصة و إلى سعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة دون كتابه إلى أهل المدينة فكان في كتابه إلى ابن عمر:

أما بعد فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلي أن يجتمع عليه الأمة بعد قتل عثمان منك ثم ذكرت خذلك إياه وطعنك على أنصاره فتغيرت لك و قد هون ذلك علي خلافك على علي علیه السّلام ومحا عنك بعض ما كان منك فأعنا رحمك الله على حق هذا الخليفة المظلوم فإني لست أريد الإمارة عليك و لكني أريدها لك فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين.

قال فأجابه ابن عمر:

أما بعد فإن الرأي الذي أطمعك في هو الذي صيرك إلى ما صيرك إليه. أنى تركت عليا في المهاجرين والأنصار و طلحة والزبير و عائشة أم المؤمنين و اتبعتك أما زعمك أني طعنت على علي علیه السّلام فلعمري ما أنا كعلي في الإيمان و الهجرة و مكانه من رسول الله صلّی الله علیه و آله و نكايته في المشركين.

او و لكن حدث أمر لم يكن من رسول الله صلّی الله علیه و آله إلى فيه عهد ففزعت فيه إلى الوقوف و قلت إن كان هدى ففضل تركته و إن كان ضلالة فشر نجوت منه فأغن عنا نفسك.

ص: 148

ثم قال لابن أبي غزية أجب الرجل و كان أبوه ناسكا و كان أشعر قریش فقال:

معاوي لا ترج الذي لست نائلا *** و حاول نصيرا غير سعد مالك

بن و لا ترج عبد الله و اترك محمدا *** ففي ما تريد اليوم جب الحوارك

تركنا عليا في صحاب محمد *** وكان لما يرجى له غير تارك

نصير رسول الله في كل موطن *** وفارسه المأمون عند المعارك

و قد خفت الأنصار معه و عصبة *** مهاجرة مثل الليوث الشوابك

و طلحة يدعو و الزبير و أمنا *** فقلنا لها قولي لنا ما بدا لك

حذار أمور شبهت و لعلها *** موانع في الأخطار إحدى المهالك

و تطمع فينا يا ابن هند سفاهة *** عليك بعليا حمير و السكاسك

و قوم يمانيون يعطوك نصرهم *** بصم العوالي و السيوف البواتك

246- عنه قال وكان من كتاب معاوية إلى سعد:

أما بعد فإن أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش الذين أثبتوا حقه و اختاروه على غيره و قد نصره طلحة والزبير و هما شريكاك في الأمر و نظيراك في الإسلام و خفت لذلك أم المؤمنين فلا تكرهن ما رضوا و لا تردن ما قبلوا فإنا نردها شورى بين المسلمين.

فأجابه سعد:

أما بعد فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من يحل له الخلافة من قريش فلم يكن أحد منا أحق بها من صاحبه إلا باجتماعنا عليه غير أن عليا قد كان فيه ما فينا و لم يك فينا ما فيه و هذا أمر قد كرهنا أوله و كرهنا آخره فأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما و الله يغفر لأم المؤمنين ما أتت.

ص: 149

معاوي داؤك الداء العياء *** فليس لما تجيء به دواء

طمعت اليوم في يا ابن هند *** فلا تطمع فقد ذهب الرجاء

عليك اليوم ما أصبحت فيه *** فما يكفيك من مثلي الإباء

فما الدنيا بباقية لحي *** ولاحي له فيها بقاء

و کل سرورها فيها غرور *** و کل متاعها فيها هباء

أيدعوني أبو حسن علي *** فلم أردد عليه بما يشاء

و قلت له أعطني سيفا بصيرا *** تمربه العداوة والولاء

فإن الشر أصغره كبير *** و إن الظهر تثقله الدماء

أ تطمع في الذي أعيا عليا *** على ما قد طمعت به العفاء

ليوم منه خير منك حيا *** و ميتا أنت للمرء الفداء

فأما أمر عثمان فدعه *** فإن الرأي أذهبه البلاء

247- نصر عن عمر بن سعد عن أبي ورق أن ابن عمر بن مسلمة الأرحبي أعطاه كتابا في إمارة الحجاج بكتاب من معاوية إلى علي قال و إن أبا مسلم الخولاني قدم إلى معاوية في أناس من قراء أهل الشام قبل مسير أمير المؤمنين علیه السّلام إلى صفين فقالوا له يا معاوية علام تقاتل عليا و ليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته و لا سابقته؟

قال لهم: ما أقاتل عليا و أنا أدعي أن لي في الإسلام مثل صحبته و لا هجرته و لا قرابته و لا سابقته و لكن خبروني عنكم ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما؟ قالوا: بلى قال فليدع إلينا قتلته فنقتلهم به و لا قتال بيننا و بینه.

قالوا فاكتب إليه كتابا يأتيه به بعضنا فكتب إلى علي هذا الكتاب مع أبي مسلم الخولاني فقدم به على علي علیه السّلام ثم قام أبو مسلم خطيبا فحمد الله

ص: 150

و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فإنك قد قمت بأمر و توليته والله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك أن عثمان قتل مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا قتلته و أنت أميرنا فإن خالفك أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة و ألسنتنا لك شاهدة و كنت ذا عذر و حجة.

فقال له علي: اغد علي غدا فخذ جواب كتابك فانصرف ثم رجع من الغد ليأخذ جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد وأخذوا ينادون كلنا قتل ابن عفان و أكثروا من النداء بذلك و أذن لأبي مسلم فدخل على علي أمير المؤمنين علیه السّلام فدفع إليه جواب كتاب معاوية.

فقال له أبو مسلم: قد رأيت قوما ما لك معهم أمر قال و ما ذاك؟ قال بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا و اجتمعوا و لبسوا السلاح و زعموا أنهم كلهم قتلة عثمان فقال علي: و الله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينيه ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك.

فخرج بالكتاب و هو يقول الآن طاب الضراب. وكان كتاب معاوية ألی علي علیه السّلام:

«بسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه و جعله الأمين على وحيه و الرسول إلى خلقه و اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم في إسلامه وأنصحهم لله ولرسوله

ص: 151

الخليفة من بعده و خليفة خليفته و الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلهم حسدت و على كلهم بغيت

عرفنا ذلك في نظرك الشزر و في قولك الهجر و في تنفسك الصعداء و في في إبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع و أنت كاره ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان و كان أحقهم ألا تفعل به ذلك في قرابته و صهره فقطعت رحمه و قبحت محاسنه و ألبت الناس عليه و بطنت و ظهرت.

حتى ضربت إليه آباط الإبل وقيدت إليه الخيل العراب و حمل عليه السلاح في حرم رسول الله فقتل معك في المحلة و أنت تسمع في داره الهائعة لا تردع الظن و التهمة عن نفسك فيه بقول و لا فعل. فأقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا و لمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان و البغي عليه و أخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين إيواؤك قتلة عثمان.

فهم عضدك و أنصارك و يدك وبطانتك و قد ذكر لي أنك تنصل من دمه فإن كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به و نحن أسرع الناس إليك و إلا فإنه فليس لك و لا لأصحابك إلا السيف و الذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال و الرمال و البر و البحر حتى يقتلهم الله أو لتلحقن أرواحنا بالله و السلام.

فكتب إليه علي علیه السّلام:

«بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه محمد صلّی الله علیه و آله و ما أنعم الله عليه به من الهدى و الوحي و الحمد لله الذي

ص: 152

صدقه الوعد و تمم له النصر و مكن له في البلاد و أظهره على أهل العداء و الشنئان من قومه الذين وثبوا به و شنفوا له.

و أظهروا له التكذيب و بارزوه بالعداوة و ظاهروا على إخراجه و على إخراج أصحابه و أهله و ألبوا عليه العرب و جامعوهم على حربه و جهدوا في أمره كل الجهد و قلبوا له الأمور حتى «ظَهَرَ أَمْرُ الله وَ هُمْ كارِهُونَ» و كان أشد الناس عليه ألبة أسرته و الأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصمه الله يا ابن هند.

فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا و لقد قدمت فأفحشت إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالى في نبيه محمد صلّی الله علیه و آله و فينا فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر أو كداعي مسدده إلى النضال و ذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام.

فكان أفضلهم زعمت في الإسلام و أنصحهم الله و رسوله الخليفة و خليفة الخليفة و لعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم و إن المصاب بهما الجرح في الإسلام شديد رحمهما الله و جزاهما بأحسن الجزاء و ذكرت أن عثمان كان في الفضل ثالثا فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه و إن يك مسيئا فسيلقى ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره.

و لعمر الله إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم الله و رسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر إن محمدا صلّی الله علیه و آله لا لما دعا إلى الإيمان بالله و التوحيد كنا أهل البيت أول من آمن به و صدق بما جاء به فلبثنا أحوالا مجرمة و ما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا.

ص: 153

فأراد قومنا قتل نبينا و اجتياح أصلنا و هموا بنا الهموم و فعلوا بنا الأفاعيل فمنعونا الميرة و أمسكوا عنا العذب و أحلسونا الخوف وجعلوا علينا الأرصاد و العيون و اضطرونا إلى جبل وعر و أوقدوا لنا نار الحرب و كتبوا علينا بينهم كتابا لا يؤاكلونا و لا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا و لا نأمن فيهم حتى ندفع النبي صلّی الله علیه و آله فيقتلوه ويمثلوا به.

فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم فعزم الله لنا على منعه و الذب عن حوزته و الرمي من وراء حرمته و القيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار فمؤمننا يرجو بذلك الثواب و كافرنا يحامى به عن الأصل فأما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء.

فمنهم حليف ممنوع أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف فهم من القتل بمكان نجوة و أمن فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ثم أمر الله رسوله بالهجرة و أذن له بعد ذلك في قتال المشركين فكان إذا احمر البأس و دعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا فوقى بهم أصحابه حر الأسنة و السيوف.

فقتل عبيدة يوم بدر و حمزة يوم أحد و جعفر و زيد يوم مؤتة و أراد لله من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلّی الله علیه و آله غير مرة إلا أن آجالهم عجلت و منيته أخرت و الله مولى الإحسان إليهم و المنان عليهم بما قد أسلفوا من الصالحات.

فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح الله في طاعة رسوله و لا أطوع لرسوله في طاعة ربه و لا أصبر على اللأواء و الضراء و حين البأس و مواطن المكروه مع النبي صلّی الله علیه و آله من هؤلاء النفر الذين سميت لك و في المهاجرين خير كثير نعرفه جزاهم الله بأحسن أعمالهم و ذكرت حسدي

ص: 154

الخلفاء و إبطائي عنهم و بغيي عليهم فأما البغي فمعاذ الله أن يكون و أما الإبطاء عنهم و الكراهة لأمرهم.

فلست أعتذر منه إلى الناس لأن الله جل ذكره لما قبض نبيه صلّی الله علیه و آله قالت قريش منا أمير وقالت الأنصار منا أمير فقالت قريش منا محمد رسول الله له فنحن أحق بذلك الأمر فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية والسلطان فإذا استحقوها بمحمد صلّی الله علیه و آله دون الأنصار.

فإن أولى الناس بمحمد صلّی الله علیه و آله أحق بها منهم و إلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا أو الأنصار ظلموا بل عرفت أن حقي هو المأخوذ و قد تركته لهم تجاوز الله عنهم.

و أما ما ذكرت من أمر عثمان و قطيعتي رحمه و تأليبي عليه فإن عثمان عمل ما قد بلغك فصنع الناس به ما قد رأيت وقد علمت أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك و أما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فإني نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عينيه.

فلم أر دفعهم إليك و لا إلى غيرك و لعمري لئن لم تنزع عن غيك و شقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك و لا يكلفونك أن تطلبهم في بر و لا بحر و لا جبل ولا سهل وقد كان أبوك أتاني حين ولى الناس أبا بكر فقال أنت أحق بعد محمد ما بهذا الأمر و أنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك.

ابسط يدك أبايعك فلم أفعل و أنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك و أراده حتى كنت أنا الذي أبيت لقرب عهد الناس بالكفر مخافة الفرقة بين أهل الإسلام فأبوك كان أعرف بحقي منك فإن تعرف من حقي ما كان يعرف

ص: 155

أبوك تصب رشدك و إن لم تفعل فسيغني الله عنك و السلام.

248- نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن إسماعيل بن يزيد و الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال لما أراد علي المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار فحمد الله و أثنى عليه وقال أما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم مقاويل بالحق مباركو الفعل و الأمر وقد أردنا المسير إلى عدونا و عدوكم فأشيروا علينا برأيكم.

فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير هم لك و لأشياعك أعداء و و هم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء و هم مقاتلوك و مجاهدوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا و ضنا بما في أيديهم منها و ليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان بن عفان.

كذبوا ليسوا بدمه يثأرون و لكن الدنيا يطلبون فسر بنا إليهم فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق «إِلَّا الضَّلَالُ» و إن أبوا إلا الشقاق فذلك الظن بهم والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى و لا يسمع إذا أمر.

249- نصر عمر بن سعد عن الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود أن عمار بن ياسر قام فذكر الله بما هو أهله وحمده و قال يا أمير المؤمنين إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا فافعل أشخص بنا قبل استعار نار الفجرة و اجتماع رأيهم على الصدود و الفرقة و ادعهم إلى رشدهم و حظهم فإن قبلوا سعدوا و إن أبوا إلا حربنا فو الله إن سفك دمائهم و الجد في جهادهم لقربة عند الله و هو كرامة منه.

ص: 156

و في هذا الحديث ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين انكمش بنا إلى عدونا و لا تعرد فو الله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك و الروم لإدهانهم في دين الله و استذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد الله من المهاجرين والأنصار و التابعين بإحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه وفيئنا لهم في أنفسهم حلال و نحن لهم فيما يزعمون قطين قال يعني رقيق.

فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت و أبو أيوب الأنصاري و غيرهما لم تقدمت أشياخ قومك و بدأتهم يا قيس بالكلام فقال أما إني عارف بفضلكم معظم لشأنكم و لكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب.

فقال بعضهم لبعض ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم فقالوا قم يا سهل بن حنيف فقام سهل فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت و حرب لمن حاربت و رأينا رأيك و نحن كف يمينك و قد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة فتأمرهم بالشخوص و تخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل.

فإنهم هم أهل البلد و هم الناس فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد و تطلب و أما نحن فليس عليك منا خلاف متى دعوتنا أجبناك و متى أمرتنا أطعناك.

250 - نصر عمر بن سعد عن أبي مخنف عن زكريا بن الحارث عن أبي حشيش عن معبد قال قام علي خطيبا على منبره فكنت تحت المنبر حين حرض الناس و أمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام فبدأ فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

ص: 157

سيروا إلى أعداء الله سيروا إلى أعداء السنن و القرآن سيروا إلى بقية الأحزاب قتلة المهاجرين والأنصار.

فقام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال أتريد أن تسيرنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم كلا ها الله إذا لا نفعل ذلك فقام الأشتر فقال من لهذا أيها الناس و هرب الفزاري و اشتد الناس على أثره فلحق بمكان من السوق تباع فيه البراذين.

فوطئوه بأرجلهم و ضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم حتى قتل، فأتى علي فقيل يا أمير المؤمنين قتل الرجل قال: «و من قتله؟» قالوا قتلته همدان و فيهم شوبة من الناس فقال: «قتيل عمية لا يدري من قتله ديته من بيت مال المسلمين.» وقال علاقة التيمي

أعوذ بربي أن تكون منيتي *** كمامات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم *** إذا رفعت عنه يد وضعت يد.

251- عنه قال وقام الأشتر فحمد الله و أثنى عليه فقال يا أمير المؤمنين لا يهدنك ما رأيت ولا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن جميع من ترى من الناس شيعتك و ليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك و لا يحبون بقاء بعدك فإن شئت فسر بنا إلى عدوك.

و الله ما ينجو من الموت من خافه و لا يعطى البقاء من أحبه و ما يعيش بالآمال إلا شقى و إنا لعلى بينة من ربنا أن نفسا لن تموت حتى يأتي أجلها فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين و قد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين بالأمس فأسخطوا الله و أظلمت بأعمالهم الأرض و باعوا خلاقهم بعرض من الدنيا يسير.

ص: 158

فقال علي علیه السّلام : الطريق مشترك و الناس في الحق سواء و من اجتهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى و قد قضى ما عليه ثم نزل فدخل منزله.

252 - نصر عن عمر بن سعد قال حدثني أبو زهير العبسي عن النضر ابن صالح أن عبد الله بن المعتم العبسي و حنظلة بن الربيع التميمي لما أمر علي علیه السّلام الناس بالمسير إلى الشام دخلا في رجال كثير من غطفان و بني تميم على أمير المؤمنين.

فقال له التميمي: يا أمير المؤمنين إنا قد مشينا إليك بنصيحة فاقبلها منا و رأينا لك رأيا فلا ترده علينا فإنا نظرنا لك و لمن معك أقم و كاتب هذا الرجل و لا تعجل إلى قتال أهل الشام فإني والله ما أدري و لا تدري لمن تكون إذا التقيتم الغلبة و على من تكون الدبرة.

و قام ابن المعتم فتكلم وتكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل ما تكلم به. فحمد علي الله و أثنى عليه وقال:

أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد و رب السماوات السبع و الأرضين السبع «وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» يؤتي الملك من يشاء و ينزعه ممن يشاء و يعز من يشاء ويذل من يشاء أما الدبرة فإنها على الضالين العاصين ظفروا أو ظفر بهم و ايم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن يعرفوا معروفا ولا ينكروا منكرا.

فقام إليه معقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي فقال:

يا أمير المؤمنين إن هؤلاء و الله ما أتوك بنصح و لا دخلوا عليك إلا بغش فاحذرهم فإنهم أدنى العدو.

فقال له مالك بن حبيب يا أمير المؤمنين إنه بلغني أن حنظلة هذا يكاتب معاوية فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك ثم تنصرف

ص: 159

و قام إلى علي عياش بن ربيعة وقائد بن بكير العبسيان فقالا يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية فاحبسه أو أمكنا منه نحبسه حتى تنقضي غزاتك و تنصرف فأخذا يقولان هذا جزاء من نظر لكم و أشار عليكم بالرأي فيما بينكم و بين عدوكم فقال لهما علي:

الله بيني و بينكم و إليه أكلكم و به أستظهر عليكم اذهبوا حيث شئتم. ثم بعث علي إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب و هو من الصحابة فقال: يا حنظلة أعلي أم لي ؟ قال لا عليك و لا لك قال: فما تريد؟ قال أشخص إلى الرها فإنه فرج من الفروج أصمد له حتى ينقضي هذا الأمر فغضب من ذلك خيار بني عمرو بن تميم و هم رهطه.

فقال: إنكم والله لا تغروني من ديني. دعوني فأنا أعلم منكم. فقالوا و الله لئن لم تخرج مع هذا الرجل لا ندع فلانة تخرج معك لأم ولده ولا ولدها و لئن أردت ذلك لنقتلنك فأعانه ناس من قومه فاخترطوا سيوفهم فقال: أجلوني حتى أنظر فدخل منزله و أغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية.

و خرج من بعده إليه من قومه رجال كثير و لحق ابن المعتم أيضا حتى أتى معاوية و خرج معه أحد عشر رجلا من قومه و أما حنظلة فخرج بثلاثة و عشرين رجلا من قومه و لكنهما لم يقاتلا مع معاوية و اعتزلا الفريقين جميعا فقال حنظلة حين خرج إلى معاوية:

يسل غواة عند بابي سيوفها *** و نادى مناد في الهجيم لأقبلا

سأترككم عودا لأصعب فرقة *** إذا قلتم كلا يقول لكم بلى.

قال: فلما هرب حنظلة أمر علي بداره فهدمت هدمها عريفهم بكر بن تميم و شبث بن ربعي.

ص: 160

253- نصر عن عمر بن سعد عن سعد بن طريف عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة قال قام عدي بن حاتم الطائي بين يدي علي علیه السّلام فحمد الله بما هو أهله و أثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين ما قلت إلا بعلم ولا دعوت إلا إلى حق و لا أمرت إلا برشد.

فإن رأيت أن تستأني هؤلاء القوم و تستديهم حتى تأتيهم كتبك و يقدم عليهم رسلك فعلت. فإن يقبلوا يصيبوا و يرشدوا و العافية أوسع لنا و لهم و إن يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا عن الغي فسر إليهم وقد قدمنا إليهم العذر و دعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق فو الله لهم من الله أبعد و على الله أهون من قوم قاتلناهم بناحية البصرة أمس لما أجهد لهم الحق فتركوه ناوخناهم براكاء القتال حتى بلغنا منهم ما نحب و بلغ الله منهم رضاه فيما يرى .

فقام زيد بن حصين الطائي و كان من أصحاب البرانس المجتهدين فقال: الحمد لله حتى يرضى و لا إله إلا الله ربنا و محمد رسول الله نبينا. أما بعد فو الله لئن كنا في شك من قتال من خالفنا لا يصلح لنا النية في قتالهم حتى نستديمهم و ن ما الأعمال إلا في تباب و لا السعي إلا في ضلال و الله يقول:

«وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّتْ » إنا والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه فكيف باتباعه القاسية قلوبهم القليل في الإسلام حظهم أعوان الظلم و مسددي أساس الجور و العدوان ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار ولا التابعين بإحسان.

فقام رجل من طيئ فقال يا زيد بن حصين أكلام سيدنا عدي بن حاتم تهجن قال فقال زيد ما أنتم بأعرف بحق عدي مني و لكني لا أدع

ص: 161

القول بالحق و إن سخط الناس قال فقال عدي بن حاتم الطريق مشترك و الناس في الحق سواء فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى الذي عليه.

254 - نصر عن عمر بن سعد عن الحارث بن حصيرة قال دخل أبو زبيب بن عوف على على علیه السّلام فقال : يا أمير المؤمنين لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا وأعظمنا في الخير نصيبا ولئن كنا في ضلالة إنك لأثقلنا ظهرا و أعظمنا وزرا أمرتنا بالمسير إلى هذا العدو و قد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية و أظهرنا لهم العداوة نريد بذلك ما يعلم الله من طاعتك و في أنفسنا من ذلك ما فيها أليس الذي نحن عليه الحق المبين و الذي عليه عدونا الغي و الحوب الكبير ؟

فقال علي: بلى شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا صحيح النية في نصرتنا قد قطعت منهم الولاية وأظهرت لهم العداوة كما زعمت فإنك ولي الله تسيح في رضوانه و تركض فى طاعته فأبشر أبا زبيب.

فقال له عمار بن ياسر اثبت أبا زبيب ولا تشك في الأحزاب عدو الله و رسوله.

255- عنه قال: فقال أبو زبيب: ما أحب أن لي شاهدين من هذه الأمة فيشهدا لي على ما سألت عنه من هذا الأمر الذي أهمني مكانكما قال و خرج عمار بن ياسر و هو يقول:

سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي *** سيروا فخير الناس أتباع علي

هذا أوان طاب سل المشرفي *** وقودنا الخيل و هز السمهري

256 - عنه عن عمر بن سعد عن أبي روق قال دخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي بن أبي طالب علیه السّلام فقال يا أمير المؤمنين نحن على جهاز و عدة و أكثر الناس أهل قوة و من ليس بمضعف و ليس به علة فمر مناديك

ص: 162

فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة فإن أخا الحرب ليس بالسئوم و لا النثوم و لا من إذا أمكنه الفرص أجلها و استشار فيها و لا من يؤخر الحرب في اليوم إلى غد و بعد غد.

فقال زياد بن النضر : لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيد بن قيس و قال ما يعرف فتوكل على الله و ثق به و اشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معانا فإن يرد الله بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك في السابقة مع النبي صلّی الله علیه و آله و القدم في الإسلام و القرابة من محمد صلّی الله علیه و آله و إلا ينيبوا و يقبلوا و يأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا و رجونا أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم بالأمس.

ثم قام عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعى فقال: يا أمير المؤمنين إن القوم لو كانوا الله يريدون أو الله يعملون ما خالفونا و لكن القوم إنما يقاتلون فرارا من الأسوة و حبا للأثرة وضنا بسلطانهم و كرها لفراق دنياهم التي في أيديهم و على إحن في أنفسهم و عداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم و إخوانهم.

ثم التفت إلى الناس فقال فكيف يبايع معاوية عليا و قد قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد وجده عتبة في موقف واحد و الله ما أظن أن يفعلوا و لن يستقيموا لكم دون أن تقصد فيهم المران و تقطع على هامهم السيوف و تنثر حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمة بين الفريقين.

257- نصر عن عمر بن سعد عن عبد الرحمن عن الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك قال خرج حجر بن عدي و عمرو بن الحمق يظهران البراءة و اللعن من أهل الشام فأرسل إليهما علي أن كفا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقين؟ قال: بلى قالا أو ليسوا

ص: 163

مبطلين؟ قال: بلى قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟ قال:

كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون و تتبرءون و لكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا و كذا و من عملهم كذا و كذا كان أصوب في القول و أبلغ في العذر و لو قلتم مكان لعنكم إياهم و براءتكم منهم:

اللهم احقن دماءنا و دماءهم وأصلح ذات بيننا و بينهم و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من جهله و يرعوى عن الغي و و العدوان من لهج به كان هذا أحب إلي و خيرا لكم فقالا يا أمير المؤمنين نقبل عظتك و نتأدب بأدبك.

و قال عمرو بن الحمق إني والله يا أمير المؤمنين ما أجبتك و لا بايعتك على قرابة بيني و بينك و لا إرادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان يرفع ذكري به و لكن أحببتك لخصال خمس إنك ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله و أول من آمن به و زوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد صلّی الله علیه و آله.

و أبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلّی الله علیه و آله و أعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي و نزح البحور الطوامي حتى يأتي علي يومي في أمر أقوي به وليك و أوهن به عدوك ما رأيت أني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك.

فقال أمير المؤمنين علي اللهم نور قلبه بالتقى و اهده إلى صراط مستقيم ليت أن في جندي مائة مثلك فقال حجر إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك و قل فيهم من يغشك.

ثم قام حجر فقال يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب و أهلها الذين نلقحها و ننتجها قد ضارستنا و ضارسناها و لنا أعوان ذوو صلاح و

ص: 164

عشيرة ذات عدد و رأي مجرب و بأس محمود و أزمتنا منقادة لك بالسمع و الطاعة فإن شرقت شرقنا و إن غربت غربنا و ما أمرتنا به من أمر فعلناه فقال علي: «أكل قومك يرى مثل رأيك؟ قال: ما رأيت منهم إلا حسنا و هذه يدي عنهم بالسمع والطاعة و بحسن الإجابة فقال له علي خيرا

258 - قال نصر و في حديث عمر بن سعد قال وكتب علي إلى عماله فكتب إلى مخنف بن سليم:

سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه و هب في نعاس العمى و الضلال اختيارا له فريضة على العارفين إن الله يرضى عمن أرضاه و يسخط على من عصاه و إنا قد هممنا بالمسير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله و استأثروا بالفيء و عطلوا الحدود و أماتوا الحق وأظهروا في الأرض الفساد و اتخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين.

فإذا ولي الله أعظم أحداثهم أبغضوه و أقصوه و حرموه و إذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبوه و أدنوه و بروه فقد أصروا على الظلم و أجمعوا على الخلاف. و قديما ما صدوا عن الحق و تعاونوا على الإثم «وَ كَانُوا ظالِمِينَ» فإذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك و أقبل إلينا لعلك تلقى هذا العدو المحل.

فتأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تجامع الحق و تباين الباطل فإنه لا غناء بنا و لا بك عن أجر الجهاد و «حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ولا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم وكتب عبد الله بن أبي رافع سنة سبع وثلاثين

فاستعمل مخنف على أصبهان الحارث بن أبي الحارث بن الربيع و استعمل على همدان سعيد بن وهب وكلاهما من قومه و أقبل حتى شهد مع

ص: 165

علي صفين.

259- عنه قال كان علي قد استخلف ابن عباس على البصرة فكتب عبدالله بن عباس إلى علي يذكر له اختلاف أهل البصرة فكتب إليه علي «من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس أما بعد فالحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد عبده و رسوله أما بعد فقد قدم علي رسولك و ذكرت ما رأيت و بلغك عن أهل البصرة بعد انصرافي و سأخبرك عن القوم هم بين مقيم لرغبة يرجوها أو عقوبة يخشاها.

فأرغب راغبهم بالعدل عليه و الإنصاف له و الإحسان إليه و حل عقدة الخوف عن قلوبهم فإنه ليس لأمراء أهل البصرة في قلوبهم عظم إلا قليل منهم و انته إلى أمري و لا تعده و أحسن إلى هذا الحي من ربيعة و كل قبلك فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله و السلام و كتب عبد الله بن أبي رافع في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين.

260 - عنه قال كتب من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأسود بن قطنة أما بعد فإنه من لم ينتفع بما وعظ لم يحذر ما هو غابر و من أعجبته الدنيا رضي بها و ليست بثقة فاعتبر بما مضى تحذر ما بقي و اطبخ للمسلمين قبلك الطلاء ما يذهب ثلثاه و أكثر لنا من لطف الجند و اجعله مكان ما عليهم من أرزاق الجند فإن للولدان علينا حقا و في الذرية من يخاف دعاؤه و هو لهم صالح والسلام.

261 - عنه قال كتب «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عامر أما بعد فإن خير الناس عند الله عز و جل أقومهم لله بالطاعة فيا له و عليه و أقولهم بالحق و لو كان مرا فإن الحق به قامت السماوات و الأرض ولتكن سريرتك كعلانيتك و ليكن حكمك

ص: 166

واحدا و طريقتك مستقيمة فإن البصرة مهبط الشيطان فلا تفتحن على يد أحد منهم بابا لا نطيق سدة نحن و لا أنت و السلام.

262- عنه قال كتب «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس عباس أما بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلات المسلمين و فيئهم فاقسمه من قبلك حتى تغنيهم و ابعث إلينا بما فضل نقسمه فيمن قبلنا و السلام.

263- عنه قال كتب «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» من عبدالله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن أما عباس بعد فإن الإنسان قد يسره ما لم يكن ليفوته و يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه و إن جهد فليكن سرورك فيما قدمت من حكم أو منطق أو سيرة و ليكن أسفك على ما فرطت الله فيه من ذلك ودع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر به حزنا و ما أصابك فيها فلا تبغ به سرورا و ليكن همك فيما بعد الموت و السلام

264- عنه قال كتب إلى أمراء الجنود «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» من عبد الله على أمير المؤمنين أما بعد فإن حق الوالي ألا يغيره على رعيته أمر ناله و لا أمر خص به و أن يزيده ما قسم الله له دنوا من عباده و عطفا عليهم ألا و إن لكم عندي ألا أحتجز دونكم سرا إلا في حرب و لا أطوي عنكم أمرا إلا في حكم و لا أؤخر حقا لكم عن محله و لا أرزاكم شيئا و أن تكونوا عندي في الحق سواء.

فإذا فعلت ذلك وجبت عليكم النصيحة و الطاعة فلا تنكصوا عن دعوتي ولا تفرطوا في صلاح دينكم من دنياكم و أن تنفذوا لما هو الله طاعة و المعيشتكم صلاح و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق و لا يأخذكم في الله لومة لائم.

ص: 167

فإن أبيتم أن تستقيموا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن فعل ذلك منكم ثم أعاقبه عقوبة لا يجد عندي فيها هوادة فخذوا هذا من أمرائكم وأعطوهم من أنفسكم يصلح الله أمركم و السلام.

265- عنه قال «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أمراء الخراج أما بعد فإنه من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدم لنفسه و لم يحرزها و من اتبع هواه و انقاد له على ما يعرف نفع عاقبته عما قليل ليصبحن من النادمين ألا و إن أسعد الناس في الدنيا من عدل عما يعرف ضره و إن أشقاهم من اتبع هواه.

فاعتبروا و اعلموا أن لكم ما قدمتم من خير و ما سوى ذلك وددتم لو أن بينكم «وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَ الله رَؤُفٌ» ورحيم «بالْعِبادِ» و أن عليكم ما فرطتم فيه و أن الذي طلبتم ليسير و أن ثوابه لكبير و لو لم يكن فيما نهى عنه من الظلم و العدوان عقاب يخاف كان في ثوابه ما لا عذر لأحد بترك طلبته.

فارحموا ترحموا و لا تعذبوا خلق الله لا تكلفوهم فوق طاقتهم و أنصفوا الناس من أنفسكم و اصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية لا تتخذن حجابا و لا تحجبن أحدا عن حاجته حتى ينهيها إليكم و لا تأخذوا أحدا بأحد إلا كفيلا عمن كفل عنه و اصبروا أنفسكم على ما فيه الاغتباط و إياكم و تأخير العمل و دفع الخير فإن في ذلك الندم و السلام.

266- عنه قال كتب إلى معاوية «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام «عَلَى من اتَّبَعَ الهُدى» فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنك قد رأيت من الدنيا و تصرفها بأهلها و إلى ما مضى منها وخير ما بقي من الدنيا ما أصاب العباد

ص: 168

الصادقون فيما مضى و من نسي الدنيا نسيان الآخرة يجد بينهما بونا بعيدا.

و اعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القدم ولا في الولاية و لست تقول فيه بأمر بين تعرف لك به أثره و لا لك عليه شاهد من كتاب الله و لا عهد تدعيه من رسول الله فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت بزينتها و ركنت إلى لذتها و خلى فيها بينك و بين عدو جاهد ملح مع ما عرض في نفسك من دنيا.

قد دعتك فأجبتها وقادتك فاتبعتها وأمرتك فأطعتها فاقعس عن هذا الأمر و خذ أهبة الحساب فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك منه مجن و متى كنتم يا معاوية ساسة للرعية أو ولاة لأمر هذه الأمة بغير قدم حسن و لا شرف سابق على قومكم فشمر لما قد نزل بك و لا تمكن الشيطان من بغيته فيك مع أني أعرف أن الله و رسوله صادقان.

فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء و إلا تفعل أعلمك ما أغفلك من نفسك فإنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق و اعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم الحسدونا و امتنوا به علينا

و لكنه قضاء ممن امتن به علينا على لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد العرفان و البينة اللهم احكم بيننا و بين عدونا بالحق و أنت خير الحاكمين.

267 - عنه قال كتب إلى عمرو بن العاص «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها وصاحبها مقهور فيها لم يصب منها شيئا قط إلا فتحت له حرصا و أدخلت عليه مئونة تزيده رغبة فيها و لن يستغني صاحبها بما

ص: 169

نال عما لم يبلغه و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبط أجرك أبا عبد الله و لا تجارين معاوية في باطله فإن معاوية غمص الناس و سفه الحق و السلام.

268- عنه قال كتب إليه عمرو بن العاص من عمرو بن العاص إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإن الذي فيه صلاحنا و ألفة ذات بيننا أن تنيب إلى الحق و أن تجيب إلى ما تدعون إليه من شورى فصبر الرجل منا نفسه على الحق و عذره الناس بالمحاجزة والسلام.

فجاء الكتاب إلى علي قبل أن يرتحل من النخيلة.

269- نصر عن عمر بن سعد عن أبي روق قال قال زياد بن النصر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء إن يومنا و يومهم ليوم عصيب ما يصبر عليه إلا كل مشيع القلب صادق النية رابط الجأش و ايم الله ما أظن ذلك اليوم يبقى منا و منهم إلا الرذال قال عبد الله بن بديل و الله أظن ذلك.

فقال علي «ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تظهراه ولا يسمعه منكما سامع إن الله كتب القتل على قوم و الموت على آخرين و كل آتيه منيته كما كتب الله له فطوبى للمجاهدين في سبيل الله و المقتولين في طاعته.

270- عنه فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم قام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا «كِتَابَ الله وَراءَ ظُهُورِهِمْ» و عملوا في عباد الله بغير رضا الله فأحلوا حرامه و حرموا حلاله و استولاهم الشيطان و وعدهم الأباطيل و مناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى و قصد قصد الردى و حبب إليهم الدنيا.

بهم فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجاز موعود

ص: 170

ربنا و أنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلّی الله علیه و آله رحما و أفضل الناس سابقة و قدما و هم يا أمير المؤمنين منك مثل الذي علمنا و لكن كتب عليهم الشقاء و مالت بهم الأهواء و كانوا ظالمين.

فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة و قلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة و أنفسنا تنصرك جذلة على من خالفك و تولى الأمر دونك و الله ما أحب أن لي ما في الأرض مما أقلت و ما تحت السماء مما أظلت و أني واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك.

271- عنه قال: فقال علي: اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك و المرافقة لنبيك صلّی الله علیه و آله. ثم إن عليا صعد المنبر فخطب الناس و دعاهم إلى الجهاد فبدأ بالحمد لله و الثناء عليه ثم قال:

إن الله قد أكرمكم بدينه وخلقكم لعبادته فانصبوا أنفسكم في أداء حقه و تنجزوا موعوده و اعلموا أن الله جعل أمراس الإسلام متينة و عراه وثيقة ثم جعل الطاعة حظ الأنفس برضا الرب و غنيمة الأكياس عند تفريط الفجرة و قد حملت أمر أسودها و أحمرها «ولا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ» و نحن سائرون إن شاء الله إلى من «سَفِهَ نَفْسَهُ» و تناول ما ليس له و ما لا يدركه معاوية وجنده الفئة الباغية الطاغية.

يقودهم إبليس و يبرق لهم ببارق تسويفه و يدليهم بغروره و أنتم أعلم الناس بحلاله و حرامه فاستغنوا بما علمتم و احذروا ما حذركم الله من الشيطان و ارغبوا فيها أنالكم من الأجر والكرامة واعلموا أن المسلوب من سلب دينه وأمانته و المغرور من آثر الضلالة على الهدى.

فلا أعرف أحدا منكم تقاعس عني و قال في غيري كفاية فإن الذود إلى الذود إبل و من لا يذد عن حوضه يتهدم ثم إني آمركم بالشدة في الأمر

ص: 171

و الجهاد في سبيل الله و ألا تغتابوا مسلما و انتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله.

272- عنه قال: ثم قام الحسن بن على خطيبا فقال: الحمد لله لا إله غيره وحده لا شريك له و أثنى عليه بما هو أهله.

ثم قال: إن مما عظم الله عليكم من حقه و أسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره و لا يؤدى شكره و لا يبلغه صفة و لا قول و نحن إنما غضبنا الله و لكم فإنه من علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه و بلاءه و نعماءه قولا يصعد إلى الله فيه الرضا و تنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا و نستوجب فيه المزيد من ربنا قولا يزيد و لا يبيد.

فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم و استحكمت عقدتهم فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده فإنه قد حضر و لا تخاذلوا فإن الخذلان يقطع نياط القلوب و إن الإقدام على الأسنة نجدة و عصمة لأنه لم يمتنع قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة و كفاهم جوائح الذلة و هداهم إلى معالم الملة.

و الصلح تأخذ منه ما رضيت به *** و الحرب يكفيك من أنفاسها جرع

273 - عنه قال: ثم قام الحسين بن علي خطيبا فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال: يا أهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء و الشعار دون الدثار جدوا في إحياء ما دثر بينكم وإسهال ما توعر عليكم و ألفة ما ذاع منكم ألا إن الحرب شرها ذريع و طعمها فظيع و هي جرع متحساة.

فمن أخذ لها أهبتها و استعد لها عدتها و لم يألم كلومها عند حلولها فذاك صاحبها و من عاجلها قبل أوان فرصتها و استبصار سعيه فيها فذاك قمن ألا ينفع قومه و أن يهلك نفسه نسأل الله بعونه أن يدعمكم بألفته.

ص: 172

274- عنه قال: ثم نزل فأجاب عليا إلى السير و الجهاد جل الناس إلا أن أصحاب عبد الله بن مسعود أتوه وفيهم عبيدة السلماني و أصحابه فقالوا له: إنا نخرج معكم ولا ننزل عسكركم و نعسكر على حدة حتى ننظر في أمركم و أمر أهل الشام فمن رأيناه أراد ما لا يحل له أو بدا منه بغي كنا عليه.

فقال علي علیه السّلام: مرحبا و أهلا هذا هو الفقه في الدين و العلم بالسنة من لم يرض بهذا فهو جائر خائن. و أتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن مسعود فيهم ربيع بن خثيم وهم يومئذ أربعمائة رجل فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا شككنا فى هذا القتال على معرفتنا بفضلك و لا غناء بنا و لا بك و لا المسلمين عمن يقاتل العدو فولنا بعض الثغور نكون به ثم نقاتل عن أهله فوجهه على علیه السّلام على ثغر الري فكان أول لواء عقده بالكوفة لواء ربيع ابن خثيم.

275- نصر عن عمر بن سعد عن ليث بن سليم قال: دعا علي باهلة فقال: «يا معشر باهلة أشهد الله أنكم تبغضوني و أبغضكم فخذوا عطاءكم و اخرجوا إلى الديلم» و كانوا قد كرهوا أن يخرجوا معه إلى صفين.

276- نصر عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر أن عليا لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة و كان كتب علي إلى ابن عباس و إلى أهل البصرة.

أما بعد فأشخص إلي من قبلك من المسلمين و المؤمنين و ذكرهم بلائي عندهم و عفوي عنهم و استبقائي لهم و رغبهم في الجهاد و أعلمهم الذي لهم في ذلك من الفضل.

فقام فيهم ابن عباس فقرأ عليهم كتاب علي علیه السّلام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أيها الناس استعدوا للمسير إلى إمامكم و «انْفِرُوا» في سبيل

ص: 173

الله «خفافاً وَ ثِقَالًا وَ جَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ» فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب «وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ» مع أمير المؤمنين و ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله.

الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر و الصادع بالحق و القيم بالهدى و الحاكم بحكم الكتاب الذي لا يرتشي في الحكم ولا يداهن الفجار و لا تأخذه في الله لومة لائم.

277- عنه قال: فقام الأحنف بن قيس فقال: نعم و الله لنجيبنك و لنخرجن معك على العسر واليسر و الرضا و الكره نحتسب في ذلك الخير و نأمل من الله العظيم من الأجر.

278- عنه قال: قام إليه خالد بن المعمر السدوسي فقال سمعنا وأطعنا فمتى استنفرتنا نفرنا ومتى دعوتنا أجبنا.

279- عنه قال : قام إليه عمرو بن مرجوم العبدي فقال: وفق الله أمير المؤمنين و جمع له أمر المسلمين و لعن المحلين القاسطين الذين لا يقرءون القرآن نحن و الله عليهم حنقون و لهم في الله مفارقون فمتى أردتنا صحبك خيلنا و رجلنا.

280 - عنه: أجاب الناس إلى المسير و نشطوا و خفوا فاستعمل ابن عباس على البصرة أبا الأسود الدؤلي و خرج حتى قدم على علیه السّلام و معه رءوس الأخماس، خالد بن المعمر السدوسي على بكر بن وائل و عمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس وصبرة بن شيمان الأزدي على الأزد و الأحنف بن قيس على تميم وضبة و الرباب.

و شريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية فقدموا على علي علیه السّلام بالنخيلة و أمر الأسباع من أهل الكوفة، سعد بن مسعود الثقفي على قيس و

ص: 174

عبد القيس و معقل بن قيس اليربوعي على تميم وضبة و الرباب و قريش و كنانة و أسد و مخنف بن سليم على الأزد و بجيلة و خثعم و الأنصار و خزاعة.

و حجر بن عدي الكندي على كندة وحضرموت و قضاعة و مهرة و زياد بن النضر على مذحج و الأشعريين و سعيد بن قيس بن مرة الهمداني علی همدان و من معهم من حمير و عدي بن حاتم على طيئ و يجمعهم الدعوة مع مذحج وتختلف الرايتان راية مذحج مع زياد بن النضر و راية طيئ مع عدي بن حاتم.

281- عنه قال: كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي بن صخر سلام على أهل طاعة الله ممن هو مسلم لأهل ولاية الله أما بعد فإن الله بجلاله و عظمته و سلطانه و قدرته خلق خلقا بلا عنت ولا ضعف في قوته و لا حاجة به إلى خلقهم و لكنه خلقهم عبيدا و جعل منهم شقيا و سعيدا و غويا و رشيدا ثم اختارهم على علمه فاصطفى و انتخب منهم محمدا صلّی الله علیه و آله.

فاختصه برسالته و اختاره لوحیه و ائتمنه على أمره و بعثه رسولا مصدقا لما بين يديه من الكتب و دليلا على الشرائع فدعا إلى سبيل ربه «بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» فكان أول من أجاب و أناب و صدق و وافق و أسلم وسلم أخوه و ابن عمه علي بن أبي طالب علیه السّلام فصدقه بالغيب المكتوم واثره على كل حميم فوقاه كل هول و واساه بنفسه في كل خوف.

فحارب حربه و سالم سلمه فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل و مقامات الروع حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده و لا مقارب له في فعله و قد رأيتك تساميه و أنت أنت و هو هو المبرز السابق في كل خير

ص: 175

أول الناس إسلاما و أصدق الناس نية و أطيب الناس ذرية و أفضل الناس زوجة و خير الناس ابن عم و أنت اللعين ابن اللعين.

ثم لم تزل أنت و أبوك تبغيان الغوائل لدين الله و تجهدان على إطفاء نور الله و تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال و تخالفان فيه القبائل على ذلك مات أبوك و على ذلك خلفته و الشاهد عليك بذلك من يأوي و يلجأ إليك من بقية الأحزاب و رءوس النفاق و الشقاق الرسول الله صلّی الله علیه و آله و الشاهد لعلي مع فضله المبين و سبقه القديم.

أنصاره الذين ذكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليهم من المهاجرين و الأنصار فهم معه عصائب و كتائب حوله يجالدون بأسيافهم و يهريقون دماءهم دونه يرون الفضل في اتباعه و الشقاء في خلافه فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي و هو وارث رسول الله صلّی الله علیه و آله و وصيه و أبو ولده و أول الناس له اتباعا و آخر هم به عهدا.

يخبره بسره و يشركه في أمره و أنت عدوه و ابن عدوه فتمتع ما استطعت بباطلك و ليمدد لك ابن العاص في غوايتك فكان أجلك قد انقضى و كيدك قد وهى و سوف يستبين لمن تكون العاقبة العليا و اعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده و أيست من روحه و هو لك بالمرصاد و أنت منه في غرور و بالله و أهل رسوله عنك الغناء و السلام «عَلى من اتَّبَعَ الهُدى».

282 - عنه قال: فكتب إليه معاوية «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر سلام على أهل طاعة الله أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته و سلطانه و ما أصفى به نبيه مع كلام ألفته و وضعته لرأيك فيه تضعيف و لأبيك فيه

ص: 176

تعنيف ذكرت حق ابن أبي طالب و قديم سوابقه و قرابته من نبي الله صلّی الله علیه و آله و نصرته له ومواساته إياه في كل خوف و هول و احتجاجك علي بفضل غيرك لا بفضلك.

فاحمد إلها صرف الفضل عنك و جعله لغيرك و قد كنا و أبوك معنا في حياة من نبينا صلّی الله علیه و آله نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا و فضله مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه صلّی الله علیه و آله ما عنده و أتم له ما وعده و أظهر دعوته و حجته قبضه الله إليه فكان أبوك و فاروقه أول من ابتزه و خالفه على ذلك اتفقا واتسقا.

ثم دعواه إلى أنفسهم فأبطأ عنهما و أ عليها فهما به الهموم و آرادا به العظيم فبايع و سلم لهما لا يشركانه في أمرهما و لا يطلعانه على سرهما حتى قبضا و انقضى أمرهما ثم قام بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان يهتدي بهداهما و يسير بسيرتهما فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي و بطنتها له و أظهرتما و كشفتها عداوتكما و غلكما.

حتى بلغتما منه مناكما فخذ حذرك يا ابن أبي بكر فسترى وبال أمرك و قس شبرك بفترك تقصر عن أن تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه و لا تلين على قسر قناته و لا يدرك ذو مدى أناته أبوك مهد مهاده و بنى ملكه و شاده فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله و إن يك جورا فأبوك أسسه

و نحن شركاؤه و بهداه أخذنا و بفعله اقتدينا و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب و أسلمنا له و لكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله و اقتدينا بفعاله فعب أباك ما بدا لك أو دع و السلام على من أناب و رجع عن غوايته و تاب.

ص: 177

283- عنه قال: و أمر علي علیه السّلام الحارث الأعور ينادي في الناس أن «اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة فنادى أيها الناس اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة و بعث علي إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب شرطته فأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر و دعا عقبة بن عمرو الأنصاري فاستخلفه على الكوفة و كان أصغر أصحاب العقبة السبعين ثم خرج علي و خرج الناس معه.

284- نصر عن عمر حدثني عبد الرحمن عن الحارث بن حصيرة عن عبدالله بن شريك أن الناس لما توافوا بالنخيلة قام رجال ممن كان سير عثمان فتكلموا فقام جندب بن زهير و الحارث الأعور و يزيد بن قيس الأرحبي فقال جندب قد آن للذين «أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ».

285- نصر عن عمر بن سعد حدثني يزيد بن خالد بن قطن أن عليا حين أراد المسير إلى النخيلة دعا زياد بن النضر و شريح بن هانئ و كانا على مذحج و الأشعريين قال: «يا زياد اتق الله في كل ممسى و مصبح و خف على نفسك الدنيا الغرور و لا تأمنها على حال من البلاء.

و اعلم أنك إن لم تزع نفسك عن كثير مما يحب مخافة مكروهة سمت بك الأهواء إلى كثير من الضر فكن لنفسك مانعا وازعا من البغي و الظلم و العدوان فإني قد وليتك هذا الجند فلا تستطيلن عليهم و إن خيركم «عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ» و تعلم من عالمهم و علم جاهلهم و احلم عن سفيههم فإنك إنما تدرك الخير بالحلم و كف الأذى و الجهل.

فقال زياد أوصيت يا أمير المؤمنين حافظا لوصيتك مؤدبا بأدبك يرى الرشد في نفاذ أمرك و الغي في تضييع عهدك. فأمرهما أن يأخذا في طريق واحد ولا يختلفا و بعثهما في اثني عشر ألفا على مقدمته شريح بن

ص: 178

هانئ على طائفة من الجند و زياد على جماعة فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حدة ولا يقرب زياد بن النضر.

286- عنه قال: فكتب زياد إلى علي علیه السّلام مع الام له أو مولى يقال له شوذب لعبد الله علي أمير المؤمنين من زياد بن النضر سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنك وليتني أمر الناس و إن شريحا لا يرى لي عليه طاعة و لا حقا وذلك فعله استخفاف بأمرك و ترك لعهدك و السلام.

287- عنه قال: كتب شريح بن هانئ سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن زياد بن النضر حين أشركته فى أمرك و وليته جندا من جنودك تنكر و استکبر و مال به العجب و الخيلاء و الزهو إلى ما لا يرضاه الرب تبارك و تعالى من القول والفعل فإن رأى أمير المؤمنين أن يعزله عنا و يبعث مكانه من يحب فليفعل فإنا له كارهون و السلام.

288 - عنه قال : فكتب إليهما علي علیه السّلام «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

من عبد الله علي أمير المؤمنين الالها إلى زياد بن النضر و شريح بن هانی سلام عليكما فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد وليت مقدمتي زياد بن النضر و أمرته عليها و شريح على طائفة منها أمير فإن أنتما جمعكما بأس فزياد بن النضر على الناس و إن افترقتها فكل واحد منكما أمير الطائفة التي وليناه أمرها و اعلما أن مقدمة القوم عيونهم و عيون المقدمة طلائعهم.

فإذا أنتما خرجتها من بلادكما فلا تسأما من توجيه الطلائع و من نفض الشعاب و الشجر و الخمر في كل جانب كي لا يغتركها عدو أو يكون لكم كمين و لا تسيرن الكتائب و القبائل من لدن الصباح إلى المساء إلا على

ص: 179

تعبئة.

فإن دهمكم داهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبئة و إذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كي ما يكون ذلك لكم ردءا و تكون مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال و بأعالي الأشراف و مناكب الهضاب.

يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن و إياكم و التفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا و إذا رحلتم فارحلوا جميعا و إذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والأترسة و رماتكم يلون ترستكم ورماحكم و ما أقمتم فكذلك فافعلوا كي لا تصاب لكم غفلة و لا تلغى منكم غرة.

فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم و ترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا كأنهم في حصون و احرسا عسكركها بأنفسكما و إياكما أن تذوقا نوما حتى تصبحا إلا غرارا أو مضمضة ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما.

و ليكن عندي كل يوم خبركما و رسول من قبلكما فإني و لا شيء إلا ما شاء الله حثيث السير في آثاركما عليكما في حربكما بالتؤدة وإياكم و العجلة إلا أن تمكنكم فرصة بعد الإعذار و الحجة و إياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا أن تبدءا أو يأتيكما أمري إن شاء الله و السلام.

289 - عنه في حديث عمر أيضا بإسناده ثم قال: إن عليا كتب إلى أمراء الأجناد:

«بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» من عبد الله علي أمير المؤمنين أما بعد فإني أبرأ إليكم و إلى أهل الذمة من معرة الجيش إلا من جوعة إلى شبعة و من

ص: 180

فقر إلى غنى أو عمى إلى هدى فإن ذلك عليهم فاعزلوا الناس عن الظلم و العدوان و خذوا على أيدي سفهائكم و احترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاءنا فإن الله تعالى يقول:

«قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً » فإن الله إذا مقت قوما من السماء هلكوا في الأرض فلا تألوا أنفسكم خيرا و لا الجند حسن سيرة و لا الرعية معونة و لا دين الله قوة و أبلوا في سبيله ما استوجب عليكم.

فإن الله قد اصطنع عندنا وعندكم ما يجب علينا أن نشكره بجهدنا و أن ننصره ما بلغت قوتنا و «لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ» و كتب أبو ثروان.

290 - عنه قال و في كتاب عمر بن سعد أيضا و كتب إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم و الذي عليهم:

من عبد الله علي أمير المؤمنين أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا سواء أسودكم و أحمركم وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد و بمنزلة الولد بمنزلة الولد من الوالد الذي لا يكفيهم منعه إياهم طلب عدوه و التهمة به ما سمعتم و أطعتم و قضيتم الذي عليكم و إن حقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم والكف عن فيئكم.

فإذا فعل ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق و نصرته على سيرته و الدفع عن سلطان الله فإنكم وزعة الله في الأرض قال عمر الوزعة الذين يدفعون عن الظلم فكونوا له أعوانا و لدينه أنصارا «وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها»، «إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

291- عنه قال: فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان مكان علي بالنخيلة و معسكره بها و معاوية بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان و هو

ص: 181

مخضب بالدم و حول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله لا تجف دموعهم على عثمان خطب معاوية أهل الشام.

فقال يا أهل الشام قد كنتم تكذبوني في علي و قد استبان لكم أمره و الله ما قتل خليفتكم غيره و هو أمر بقتله و ألب الناس عليه و آوى قتلته و هم جنده و أنصاره و أعوانه و قد خرج بهم قاصدا بلادكم و دیاركم لإبادتكم يا أهل الشام الله الله في عثمان فأنا ولي عثمان و أحق من طلب بدمه و قد جعل الله لولي المظلوم سلطانا.

فانصروا خليفتكم المظلوم فقد صنع به القوم ما تعلمون قتلوه ظلما و بغيا و قد أمر الله بقتال الفئة الباغية حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ «الله» ثم نزل.

فأعطوه الطاعة و انقادوا له و جمع إليه أطرافه و استعمل على فلسطين ثلاثة رهط فجعلهم بإزاء أهل مصر ليغيروا عليهم من خلفهم و كتب إلى معتزلة أهل مصر و هم يومئذ يكاتبون معاوية و لا يطيقون مكاثرة أهل مصر إن تحرك قيس عامل علي على مصر أن يثبتوا له.

و فيها معاوية بن خديج و حصين بن نمير و أمراء فلسطين الذين أمرهم معاوية عليها حباب بن أسمر و سمير بن كعب بن أبي الحميري و هيلة بن سحمة و استعمل على أهل حمص محول بن عمرو بن داعية و استخلف على أهل دمشق عمار بن السعر و استعمل على أهل قنسرين صيفي بن علية بن شامل.

292 - عنه عن عمرو بن شمر و عمر بن سعد و محمد بن عبد الله قال عمر حدثني رجل من الأنصار عن الحارث بن كعب الوالبي عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال: لما أراد على علیه السّلام الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء فقال: «الحمد لله غير

ص: 182

مفقود النعم ولا مكافإ الإفضال و أشهد ألا إله إلا الله ونحن عَلى ذلِكُمْ من الشَّاهِدِينَ» و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلّی الله علیه و آله أما بعد ذلكم فإني قد بعثت مقدماتي و أمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري.

فقد أردت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة فأنهضهم معكم إلى أعداء الله إن شاء الله و قد أمرت على المصر عقبة ابن عمرو الأنصاري و لم آلكم و لا نفسي فإياكم و التخلف و التربص فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي و أمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله.

293- عنه قال: فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال: يا أمير المؤمنين و الله لا يتخلف عنك إلا ظنين و لا يتربص بك إلا منافق فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين قال على علیه السّلام: قد أمرته بأمري و ليس مقصرا في أمري إن شاء الله» و أراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب و قال: «بسم الله» فلما جلس على ظهرها قال:

«سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ» ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و الحيرة بعد اليقين وسوء و سوء المنظر في الأهل و المال و الولد اللهم أنت الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل و لا يجمعها غيرك لأن المستخلف لا يكون مستصحبا و المستصحب لا يكون مستخلفا.

ثم خرج و خرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي، ربيعة تميم و هو يقول:

يا فرسي سيري و أمي الشاما *** و قطعي الحزون والأعلاما

ص: 183

و نابذي من خالف الإماما *** إني لأرجو إن لقينا العاما

جمع بني سية الطغاما *** أن نقتل العاصي و الهاما

و أن نزيل من رجال هاما

294- عنه قال : وقال مالك بن حبيب و هو على شرطة علي و هو آخذ بعنان دابته علیه السّلام يا أمير المؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد و القتال و تخلفني في حشر الرجال؟ فقال له علي: «إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه و أنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم لو كنت معهم» فقال: سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة صلى ركعتين.

295- نصر عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد أن عليا صلى بين القنطرة و الجسر ركعتين..

296 - نصر عن عمرو بن خالد عن أبي الحسين زيد بن علي عن آبائه عن علي علیه السّلام قال: خرج علي و هو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة قال: فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى الصلاة أقبل علينا فقال:

يا أيها الناس ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا قوم على سفر و من صحبنا فلا يصم المفروض و الصلاة المفروضة ركعتان.

297 - عنه قال: ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد قال: ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى و هو من الكوفة على فرسخين فصلى بها العصر فلما انصرف من الصلاة قال: «سبحان ذي الطول و النعم سبحان ذي القدرة و الإفضال أسأل الله الرضا بقضائه و العمل بطاعته و الإنابة إلى أمره فإنه سميع الدعاء ثم خرج حتى نزل على شاطئ نرس بين موضع حمام أبي بردة

ص: 184

و حمام عمر فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال:

الحمد لله الذي «يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ» و الحمد لله كلما وقب ليل و غسق و الحمد الله كلما لاح نجم و خفق.

ثم أقام حتى صلى الغداة ثم شخص حتى بلغ قبة قبين و فيها نخل طوال إلى جانب البيعة من وراء النهر فلما رآها قال: «وَ النَّخْلَ بَاسِقَاتِ لَهَا طَلْعُ نَضِيدٌ» ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها فمكث بها قدر الغداة.

298- نصر عن عمر عن رجل يعني أبا مخنف عن عمه ابن مخنف قال إني لأنظر إلى أبي مخنف بن سليم و هو يساير عليا ببابل و هو يقول إن ببابل أرضا قد خسف بها فحرك دابتك لعلنا أن نصلي العصر خارجا منها قال فحرك دابته وحرك الناس دوابهم في أثره فلما جاز جسر الصراة نزل فصلى بالناس العصر.

299- نصر عن عمر حدثني عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي عن أبيه عن عبد خير قال: كنت مع علي أسير في أرض بابل قال و حضرت الصلاة صلاة العصر قال فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح من الآخر قال حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا و قد كادت الشمس أن تغیب قال: فنزل علي و نزلت معه.

قال: فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر قال: فصلينا العصر ثم غابت الشمس ثم خرج حتى أتى دير كعب ثم خرج منها فبات بساباط فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل و الطعام فقال: لا ليس ذلك لنا عليكم فلما أصبح و هو بمظلم ساباط قال: «أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيع آيَةً تَعْبَثُونَ».

ص: 185

300- عنه قال و بلغ عمرو بن العاص مسيره فقال:

لا تحسبني يا علي غافلا *** لأوردن الكوفة القنابلا

يجمعي العام و جمعي قابلا

فقال علي:

لأوردن العاصي بن العاصي *** سبعين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص *** قد جنبوا الخيل مع القلاص

أسود غيل حين لا مناص

301- عنه قال: وكتب علي إلى معاوية:

أصبحت مني يا ابن حرب جاهلا *** إن لم نرام منكم الكواهلا

بالحق و الحق يزيل الباطلا *** هذا لك العام و عام قابلا

302 - عنه قال و بلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين و نشطوا و جدوا غير أنه كان من الأشعث بن قيس شيء عند عزل علي إياه عن الرئاسة و ذلك أن رئاسة كندة و ربيعة كانت للأشعث فدعا علي حسان بن مخدوج فجعل له تلك الرئاسة فتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن منهم الأشتر و عدي الطائي و زحر بن قيس و هانی بن عروة.

فقاموا إلى علي فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رئاسة الأشعث لا تصلح إلا لمثله و ما حسان بن مخدوج مثل الأشعث. فغضب ربيعة فقال حريث ابن :جابر يا هؤلاء رجل برجل و ليس بصاحبنا عجز في شرفه.

303- عنه قال: و أخذ مالك بن حبيب رجلا و قد تخلف عن علي علیه السّلام فضرب عنقه فبلغ ذلك قومه فقال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى مالك فنتسقطه لعله أن يقر لنا بقتله فإنه رجل أهوج فجاءوا فقالوا يا مالك قتلت الرجل؟ قال أخبركم أن الناقة ترأم ولدها اخرجوا عني قبحكم الله

ص: 186

أخبرتكم أني قتلته.

304- عنه قال حدثني مصعب بن سلام قال أبو حيان التميمي عن أبي عبيدة عن هرثمة بن سليم قال: غزونا مع علي بن أبي طالب علیه السّلام غزوة صفين فلما نزلنا بكربلاء صلى بنا صلاة فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال: «واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم «يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ».. «بِغَيْرِ حِسابِ» . فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته و هي جرداء بنت سمير و كانت شيعة لعلي.

فقال لها زوجها هرثمة: ألا أعجبك من صديقك أبي الحسن لما نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمها و :قال واها لك يا تربة ليحشرن م-نك قوم «يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ».. «بِغَيْرِ حِسَابِ» و ما علمه بالغيب فقالت: دعنا منك أيها الرجل فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا فلما بعث عبيد الله بن زياد بالبعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي علیهماالسّلام وأصحابه.

قال: كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم فلما انتهيت إلى القوم و حسين و أصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه و البقعة التي رفع إليه من ترابها و القول الذي قاله فكرهت مسيري فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين فسلمت عليه و حدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسين علیه السّلام: معنا أنت أو علينا ؟ فقلت: يا ابن رسول الله : لا معك و لا عليك تركت أهلي و ولدي أخاف عليهم من ابن زياد فقال الحسين فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل و لا يغيثنا إلا أدخله الله النار قال فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ص: 187

305- عنه عن نصر عن مصعب بن سلام قال حدثنا الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب فسأله و أنا أسمع فقال حديث حدثتنيه عن علي بن أبي طالب علیه السّلام قال نعم بعثني مخنف بن سليم إلى علي فأتيته بكربلاء:

فوجدته يشير بيده و يقول: هاهنا هاهنا فقال له رجل وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم وويل لكم منهم فقال له الرجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

306 - عنه قد روي هذا الكلام على وجه آخر أنه علیه السّلام قال: «فويل لكم منهم وويل لكم عليهم» قال الرجل: أما ويل لنا منهم فقد عرفت و ويل لنا عليهم ما هو ؟ قال: «ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم.

307- نصر عن سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا أتى كربلاء فوقف بها فقيل: يا أمير المؤمنين هذه كربلاء قال: ذات كرب و بلاء» ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: هاهنا موضع رحالهم و مناخ ركابهم و أومأ بيده إلى موضع آخر فقال: هاهنا مهراق دمائهم.

308- عنه قال: ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد قال: ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهرسير و إذا رجل من أصحابه يقال له حر ابن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك ينظر إلى آثار كسرى و هو يتمثل قول ابن يعفر التميمي:

جرت الرياح على مكان ديارهم *** فكأنما كانوا على ميعاد

فقال علي: أفلا :قلت: «كَمْ تَرَكُوا من جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ما بَكَتْ

ص: 188

عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ» إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم و كفر النعم لا تحل بكم النقم» ثم قال: انزلوا بهذه النجوة.

309 - نصر عن عمر بن سعد حدثني مسلم الأعور عن حبة العرني رجل من عرينة قال: أمر علي بن أبي طالب علیه السّلام الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة فحمد الله و أثنى عليه وقال:

أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم و انقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن «الظَّالِمِ أَهْلُها» و الهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به و لا منكرا تنهون عنه» قالوا يا أمير المؤمنين إنا كنا ننتظر أمرك و رأيك مرنا بما أحببت فسار و خلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليهم ثلاثا.

ثم خرج في ثمانمائة و خلف ابنه يزيد فلحقه في أربعمائة رجل منهم ثم لحق عليا و جاء علي حتى مر بالأنبار فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها. قال سليمان خش طيب نوشك راض يعني بني الطيب الراضي بالفارسية.

فلما استقبلوه نزلوا ثم جاءوا يشتدون معه قال: «ما هذه الدواب التي معكم؟ و ما أردتم بهذا الذي صنعتم ؟ قالوا أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء و أما هذه البراذين فهدية لك و قد صنعنا لك و للمسلمين طعاما و هيأنا لدوابكم علفا كثيرا قال: أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء.

فو الله ما ينفع هذا الأمراء و إنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له و أما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من

ص: 189

خراجكم أخذناها منكم و أما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن.

قالوا: يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه قال: إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما دونه قالوا يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي و معارف فتمنعنا أن نهدي لهم و تمنعهم أن يقبلوا منا؟

قال: كل العرب لكم موال و ليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم و إن غصبكم أحد فأعلمونا قالوا: يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا و كرامتنا قال لهم: ويحكم نحن أغنى منكم فتركهم ثم سار.

310- نصر عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصا قال: كنا مع علي علیه السّلام في مسيره إلى الشام حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد قال عطش الناس و احتاجوا إلى الماء فانطلق بنا علي حتى أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض كأنها ربضة عنز فأمرنا فاقتلعناها.

فخرج لنا ماء فشرب الناس منه و ارتووا قال: ثم أمرنا فأكفأناها عليه قال و سار الناس حتى إذا مضينا قليلا قال علي علیه السّلام: منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا نعم يا أمير المؤمنين قال: فانطلقوا إليه قال: فانطلق منا رجال ركبانا و مشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه.

قال: فطلبناها فلم نقدر على شيء حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دیر قريب منا فسألناهم أين الماء الذي هو عندكم؟ قالوا: ما قربنا ماء قالوا: بلى إنا شربنا منه؟ قالوا: أنتم شربتم منه ؟ قلنا: نعم قال صاحب الدير ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء و ما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.

ص: 190

311-عنه ثم رجع إلى الحديث قال: ثم مضى أمير المؤمنين حتى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب و النمر بن قاسط بالجزيرة قال قال علي علیه السّلام : ليزيد بن قيس الأرحبي يا يزيد بن قيس قال: لبيك يا أمير المؤمنين قال: هؤلاء قومك من طعامهم فاطعم و من شرابهم فاشرب.

312- نصر عن عمر بن سعد عن الكلبي عن الأصبغ بن نباتة أن رجلا سأل عليا بالمدائن عن وضوء رسول الله صلّی الله علیه و آله فدعا بمخضب من برام قد نصفه الماء قال علي علیه السّلام : من السائل عن وضوء رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟ فقام الرجل فتوضأ علي ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه واحدة و قال هكذا رأيت رسول الله يتوضاً.

313- عنه ثم رجع إلى الحديث الأول - حديث يزيد بن قيس الأرحبي ثم قال: و الله إني لشاهد إذ أتاه وفد بني تغلب فصالحوه على أن يقرهم على دينهم و لا يضعوا أبناءهم في النصرانية قال: وقد بلغني أنهم قد تركوا ذلك و ايم الله لئن ظهرت عليهم لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذراريهم فلما دخل بلادهم استقبلته مسلمة لهم كثيرة فسر بما رأى من ذلك و ثناه عن رأيه.

ثم سار أمير المؤمنين حتى أتى الرقة و جل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم و أهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها و تحصنوا فيها و كان أميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية و قد كان فارق عليا في نحو من مائة رجل من بني أسد ثم أخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل.

314- نصر عن عمر بن سعد حدثني مسلم الملائي عن حبة عن علي علیه السّلام قال لما نزل علي الرقة نزل بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات

ص: 191

فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك قال علي علیه السّلام : نعم فما هو ؟ قال الراهب: «بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».

الذي قضى فيما قضى و سطر فيما سطر أنه باعث في «الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ...» «يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ» ويدهم على سبيل الله لا فظ ولا غلیظ و لا صخاب في الأسواق و لا يجزي بالسيئة السيئة و لكن يعفو و يصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشز و في كل صعود و هبوط تذل ألسنتهم بالتهليل والتكبير والتسبيح و ينصره الله على كل من ناواه .

فإذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يقضي بالحق ولا يرتشي في الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ يخاف الله في السر وينصح له في العلانية و لا يخاف الله لومة لائم.

من أدرك ذلك النبي صلّی الله علیه و آله من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني و الجنة و من أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة ثم قال له: فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك قال: فبكي علي علیه السّلام ثم قال:

الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيا الحمد لله الذي ذكرني في كتب الأبرار و مضى الراهب معه و كان فيما ذكروا يتغدى مع علي و يتعشى حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي علیه السّلام اطلبوه فلما وجدوه صلى عليه ودفنه و قال هذا منا أهل البيت و استغفر له مرارا.

ص: 192

315- نصر عن عمر عن رجل و هو أبو مخنف عن نمير بن وعلة عن أبي الوداك - أن عليا علیه السّلام بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة آلاف رجل و قال له: خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القنى بالرقة فإني موافيها وسكن الناس و أمنهم و لا تقاتل إلا من قاتلك سر البردين و غور بالناس و أقم الليل و رفه في السير و لا تسر في الليل.

فإن الله جعله سكنا أرح فيك بدنك و جندك و ظهرك فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر فخرج حتى أتى الحديثة و هي إذ ذاك منزل الناس إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان فإذا هم بكبشين ينتطحان و مع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحرورية فأخذ يقول: إيه إيه .

فقال معقل ما تقول: قال فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا ثم انصرفا فقال الخثعمي لمعقل لا تغلبون و لا تغلبون قال له: من أين علمت ذلك؟ قال: أما أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الآخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا فلم يزل كل واحد منهما من صاحبه منتصفا حتى أتى كل واحد منهما صاحبه فانطلق به ؟ فقال له: معقل أو يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم ؟ ثم مضوا حتى أتوا عليا بالرقة.

316- نصر عن عمر بن سعد عن رجل عن أبي الوداك أن طائفة من أصحاب علي قالوا له: اكتب إلى معاوية و إلى من قبله من قومك بكتاب تدعوهم فيه إليك و تأمرهم بترك ما هم فيه من الخطأ فإن الحجة لن تزداد عليهم بذلك إلا عظما فكتب إليهم:

«بِسْم الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم» من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية و إلى من قبله من قريش سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الله الذي لا إله إلا

ص: 193

هو أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل و عرفوا التأويل وفقهوا في الدين و بين الله فضلهم في القرآن الحكيم و أنتم في ذلك الزمان أعداء لرسول الله صلّی الله علیه و آله تكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين.

من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه حتى أراد الله إعزاز دينه و إظهار رسوله و دخلت العرب في دينه أفواجا و أسلمت له هذه الأمة طوعا و كرها و كنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة و إما رهبة على حين فاز أهل السبق بسبقهم و فاز المهاجرون الأولون بفضلهم.

فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين و لا فضائلهم في الإسلام أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله و أولى به فيحوب بظلم و لا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره و لا أن يعدو طوره و لا أن يشقي نفسه بالتماس ما ليس له ثم إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما و حديثا أقربها من رسول الله صلّی الله علیه و آله.

و أعلمها بالكتاب و أفقهها في الدين و أولها إسلاما و أفضلها جهادا و أشدها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعا فاتقوا الله الذي إليه ترجعون «وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» و اعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون و أن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم.

فإن للعالم بعلمه فضلا و إن الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلا جهلا ألا و إني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلّی الله علیه و آله و حقن دماء هذه الأمة فإن قبلتم أصبتم رشدكم و اهتديتم لحظكم و إن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة فلم تزدادوا من الله إلا بعدا و لن يزداد الرب عليكم إلا سخطا و السلام. فكتب إليه معاوية أما بعد فإنه:

ص: 194

ليس بيني و بين قيس عتاب *** غير طعن الكلى و ضرب الرقاب

فقال علي: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».

317- نصر عن عمر عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث أن عليا علیه السّلام قال لأهل الرقة: اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج و خلف عليه الأشتر.

فناداهم فقال: يا أهل هذا الحصن إني أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين و لم تجسر وا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف و لأقتلن مقاتلتكم و لأخرجن أرضكم ولآخذن أموالكم فلقي بعضهم بعضا فقالوا: إن الأشتر يفي بما يقول و إن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر.

فبعثوا إليه: أنا ناصبون لكم جسرا فأقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي فجاء و نصبوا له الجسر فعبر الأثقال و الرجال ثم أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق أحد من الناس إلا عبر ثم إنه عبر آخر الناس رجلا.

و ذكر الحجاج أن الخيل ازدحمت حين عبرت و زحم بعضها بعضا و هي تعبر فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين فنزل فأخذها و ركب و سقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب فقال لصاحبه

إن يك ظن الزاجري الطير صادقا ***كما زعموا أقتل وشيكا و تقتل

318- عنه قال عبد الله بن أبي الحصين ما شيء أوتاه هو أحب إلي مما ذكرت فقتلا جميعا يوم صفين.

319- عنه قال خالد بن قطن فلما قطع علي الفرات دعا زياد بن النضر

ص: 195

و شريح بن هانئ فسرحها أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في اثني عشر ألفا و قد كانا حين سرحهما من الكوفة مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهما أخذ على على طريق الجزيرة وبلغهما أن معاوية أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقبال علي علیه السّلام.

فقالا: لا والله ما هذا لنا برأي أن نسير و بيننا و بين أمير المؤمنين هذا البحر ما لنا خير أن نلقی جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين من العدد و المدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات و حبسو حبسوا عندهم السفن فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت.

ثم لحقوا عليا بقرية دون قرقيسيا و قد أرادوا أهل عانات فتحصنوا منهم فلما لحقت المقدمة عليا - قال: مقدمتي تأتي من ورائي؟ فتقدم إليه زياد و شریح فأخبراه بالرأي الذي رأيا فقال قد أصبتها رشدكما فلما عبر الفرات قدمها أمامه نحو معاوية.

فلما انتهوا إلى معاوية لقيهم أبو الأعور السلمي في جند أهل الشام فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين فأبوا فبعثوا إلى علي أنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه و أصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا علينا فمرنا بأمرك. فأرسل علي إلى الأشتر فقال:

يا مال إن زيادا و شريحا أرسلا إلي يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم فنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء إلى أصحابك النجاء فإذا أتيتهم فأنت عليهم و إياك أن تبدأ القوم بقتال إلا أن يبدءوك حتى تلقاهم و تسمع منهم و لا يجرمنك

ص: 196

شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم و الإعذار إليهم مرة بعد مرة.

و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا وقف بين أصحابك وسطا و لا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتى أقدم عليك فإني حثيث السير إليك إن شاء الله .

و كان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي و كتب إليهما:

أما بعد فأني قد أمرت عليكما مالكا فاسمعا له وأطيعا أمره فإنه ممن لا يخاف رهقه و لا سقاطه و لا بطوه عن ما الإسراع إليه أحزم و لا الإسراع إلى ما البطء عنه أمثل و قد أمرته بمثل الذي أمرتك ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم فيدعوهم و يعذر إليهم إن شاء الله فخرج الأشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره به علي علیه السّلام و كف عن القتال.

فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فثبتوا له و اضطربوا ساعة ثم إن أهل الشام انصرفوا ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عدتها و عددها و خرج إليهم أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا و بكر عليهم الأشتر.

فقتل منهم عبد الله بن المنذر التنوخي قتله ظبيان بن عمارة التميمي و ما هو يومئذ إلا فتى حديث السن و إن كان الشامي لفارس أهل الشام و أخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا الأعور ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة.

فقال الأشتر: لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الأعور فادعه

ص: 197

إلى المبارزة فقال: إلى مبارزتي أو مبارزتك؟ فقال: إلى مبارزتي فقال الأشتر أو لو أمرتك بمبارزته فعلت؟ قال: نعم و الذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي فعلته حتى أضربه بالسيف.

فقال: يا ابن أخي أطال الله بقاءك و قد و الله ازددت فيك رغبة لا ما أمرتك بمبارزته إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي لأنه لا يبارز إن كان ذلك من شأنه إلا ذوي الأسنان و الكفاءة و الشرف و أنت بحمد الله من أهل الكفاءة و الشرف و لكنك حديث السن وليس يبارز الأحداث فاذهب فادعه إلى مبارزتي فأتاهم فقال: أمنوني فإني رسول فأمنوه حتى انتهى إلى أبي الأعور.

320- نصر عن عمر بن سعد عن رجل عن أبي زهير العبسي عن صالح بن سنان بن مالك عن أبيه قال: قلت له: إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته فسکت عني طويلا ثم قال إن خفة الأشتر و سوء رأيه هو الذي دعاه إلى إجلاء عمال عثمان من العراق و افترائه عليه يقبح محاسنه و يجهل حقه و يظهر عداوته و من خفة الأشتر و سوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره و قراره فقتله فيمن قتله.

فأصبح مبتغى بدمه لا حاجة لي في مبارزته. قال: قلت له: قد تكلمت فاستمع مني حتى أخبرك قال: فقال: لا حاجة لي في جوابك و لا الاستماع منك اذهب عني وصاح بي أصحابه فانصرفت عنه و لو سمع مني لأخبرته بعذر صاحبي و حجته فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة.

فقال: لنفسه نظر قال: فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل و بتنا متحارسين فلما أن أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا قال: وصبحنا علي

ص: 198

غدوة فسار نحو معاوية فإذا أبو الأعور السلمي قد سبق إلى سهولة الأرض وسعة المنزل و شريعة الماء مكان أفيح و كان على مقدمة معاوية.

321- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن محمد بن علي و زيد بن حسن و محمد يعني ابن المطلب قالوا استعمل علي علیه السّلام على مقدمته الأشتر بن الحارث النخعي و سار علي في خمسين ومائة ألف من أهل العراق وقد خنست طائفة من أصحاب علي وسار معاوية في نحو من ذلك من أهل الشام و استعمل معاوية على مقدمته – سفيان بن عمرو أبا الأعور السلمي فلما بلغ معاوية أن عليا يتجهز أمر أصحابه بالتهيؤ فلما استتب لعلي أمره.

سار بأصحابه فلما بلغ معاوية مسيره إليه سار بقضه و قضيضه نحو علي علیه السّلام و استعمل على مقدمته سفيان بن عمرو و على ساقته ابن أرطاة العامري يعني بسرا فساروا حتى توافوا جميعا بقناصرين إلى جنب صفين.

فأتى الأشتر صاحب مقدمة معاوية و قد سبقه إلى المعسكر على الماء و كان الأشتر في أربعة آلاف من متبصري أهل العراق فأزالوا أبا الأعور عن معسكره و أقبل معاوية في جميع الفيلق بقضه و قضيضه فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي علیه السّلام و غلب معاوية على الماء و حال بين أهل العراق و بينه و أقبل علي علیه السّلام حتى إذا أراد المعسكر إذا القوم قد حالوا بينه و بين الماء.

322- عنه ثم رجع إلى الحديث بإسناده إلى الأول ثم إن عليا علیه السّلام طلب موضعا لعسكره و أمر الناس أن يضعوا أثقالهم و هم مائة ألف أو يزيدون فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي على خيلهم إلى معاوية وكانوا في ثلاثين ومائة و لم ينزل بعد معاوية فناوشوهم القتال و اقتتلوا هويا.

323- نصر عن عمر بن سعد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة

ص: 199

قال: كتب معاوية إلى علي علیه السّلام : عافانا الله وإياك.

ما أحسن العدل والإنصاف من عمل *** وأقبح الطيش ثم النفس في الرجل

قال: و أمر علي علیه السّلام الناس فوزعوا عن القتال حتى تأخذ أهل المصاف مصافهم. ثم قال: أيها الناس هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة و من فلج فيه فلج يوم القيامة ثم قال علي علیه السّلام لما نزل معاوية بصفين:

لقد أتاكم كاشرا عن نابه *** يهمط الناس على اعتزابه

فليأتنا الدهر بما أتى به

324- عنه قال: كتب علي إلى معاوية:

فإن للحرب عراما شررا *** إن عليها قائدا عشنز را

ينصف من أجحر أو تنمرا *** على نواحيها مزجا زمجرا

إذا ونين ساعة تغشمرا

و قال أيضا:

ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم *** أجابوا و إن يغضب على القوم يغضبوا

هم حفظوا غيبي كما كنت حافظا *** لقومي أخرى مثلها إذ تغيبوا

بنو الحرب لم يقعد بهم أمهاتهم *** وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا

فتراجع الناس إلى معسكرهم و ذهب شباب من الناس و غلمانهم يستقون فمنعهم أهل الشام.

325- نصر عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر قال: لما قدمنا على معاوية و أهل الشام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا و أخذوا الشريعة فهي في أيديهم و قد صف أبو الأعور عليها الخيل و الرجالة. وقدم المرامية ومعهم

ص: 200

أصحاب الرماح و الدرق و على رءوسهم البيض و قد أجمعوا أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين فأخبرناه بذلك.

فدعا صعصعة بن صوحان فقال: ائت معاوية فقل: إنا سرنا مسيرنا هذا و أنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم و إنك قد قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك و بدأتنا بالقتال و نحن من رأينا الكف حتى ندعوك و نحتج عليك و هذه أخرى قد فعلتموها حتى حلتم بين الناس و بين الماء.

فخل بينهم و بينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له و قدمتم و إن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا فقال معاوية لأصحابه ما ترون؟ قال الوليد بن عقبة امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء و لين الطعام اقتلهم عطشا قتلهم الله.

قال عمرو خل بين القوم و بين الماء فإنهم لن يعطشوا و أنت ريان و لكن لغير الماء فانظر فيما بينك و بينهم فأعاد الوليد مقالته و قال عبد الله بن أبي سرح و هو أخو عثمان من الرضاعة امنعهم الماء إلى الليل فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا و كان رجوعهم هزيمتهم امنعهم الماء منعهم الله یوم القيامة.

فقال صعصعة بن صوحان: إنما يمنعه الله يوم القيامة الكفرة الفجرة شربة الخمر ضربك و ضرب هذا الفاسق يعني الوليد بن عقبة فتواثبوا إليه يشتمونه و يتهددونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فإنه رسول.

326- نصر عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر أن صعصعة رجع إلينا فحدثنا بما قال معاوية و ما كان منه و ما رد عليه فقلنا و ما رد عليك معاوية؟ قال: لما أردت الانصراف من

ص: 201

عنده قلت: ما ترد علي؟ قال: سيأتيكم رأيي قال : فو الله ما راعنا إلا تسوية الرجال و الخيل و الصفوف فأرسل إلى أبي الأعور: امنعهم الماء.

فازدلفنا و الله إليهم فارتمينا و أطعنا بالرماح و اضطربنا بالسيوف فطال ذلك بيننا و بينهم فضاربناهم فصار الماء في أيدينا فقلنا و الله لا نسقيهم فأرسل إلينا على خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى عسكركم و خلوا بينهم و بين الماء فإن الله قد نصركم ببغيهم و ظلمهم

327- نصر عن عمر بن سعد عن رجل عن أبي حرة أن عليا قال: هذا يوم نصرتم فيه بالحمية.

328- نصر عن محمد بن عبيد عن الجرجاني قال: فبقي أصحاب علي يوما و ليلة يوم الفرات بلا ماء و قال رجل من السكون من أهل الشام يعرف بالسليل بن عمرو: يا معاوية:

اسمع اليوم ما يقول السليل *** إن قولي قول له تأويل

امنع الماء من صحاب علي *** أن يذوقوه والذليل ذليل

و اقتل القوم مثل ما قتل الشي_ *** _خ ظما و القصاص أمر جميل

فو حق الذي يساق له البد *** ن هدايا لنحرها تأجيل

لو علي و صحبه وردوا الما *** ء لما ذقتموه حتى تقولوا:

قد رضينا بما حكمتم علينا *** بعد ذاك الرضا جلاد ثقيل

فامنع القوم ماءكم ليس للقو *** م بقاء و إن يكن فقليل

فقال معاوية الرأي ما تقول و لكن عمرو لا يدعني قال عمرو خل بينهم و بين الماء فإن عليا لم يكن ليظمأ و أنت ريان و في يده أعنة الخيل و هو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت و أنت تعلم أنه الشجاع المطرق و معه أهل العراق و أهل الحجاز و قد سمعته أنا و أنت و هو يقول: لو

ص: 202

استمكنت من أربعين رجلا فذكر أمرا يعني لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت يعني بيت فاطمة.

329- ذكروا أنه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة فقال معاوية يا أهل الشام هذا والله أول الظفر سقاني الله و لا سقى أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه و تباشر أهل الشام فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني ناسك يقال له المعري بن الأقبل وكان ناسكا و كان له - فيما تذكر همدان - لسان وكان صديقا و مواخيا لعمرو بن العاص.

فقال: يا معاوية سبحان الله ألأن سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعونهم عنه ؟ أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعونهم الفرات فينزلوا على فرضة أخرى فيجازوكم بما صنعتم ؟ أما تعلمون أن فيهم العبد و الأمة و الأجير و الضعيف و من لا ذنب له هذا و الله أول الجور لقد شجعت الجبان و بصرت المرتاب و حملت من لايريد قتالك على كتفيك فأغلظ. له معاوية فأتاه عمرو فأغلظ. فقال الهمداني في ذلك:

لعمرو أبي معاوية بن حرب *** و عمرو ما لدائهما دواء

سوى طعن يحار العقل فيه *** وضرب حين يختلط الدماء

فلست بتابع دین ابن هند *** طوال الدهر ما أرسى حراء

لقد ذهب العتاب فلا عتاب *** و قد ذهب الولاء فلا ولاء

و قولي في حوادث كل أمري *** على عمرو و صاحبه العفاء

ألا لله درك يا ابن هند *** لقد برح الخفاء فلا خفاء

أ تحمون الفرات على رجال *** و في أيديهم الأسل الظماء

ص: 203

و في الأعناق أسياف حداد *** كأن القوم عندهم نساء

فترجو أن يجاوركم علي *** بلا ماء وللأحزاب ماء

دعاهم دعوة فأجاب قوم *** كجرب الإبل خالطها الهناء

قال ثم سار الهمداني في سواد الليل فلحق بعلي علیه السّلام قال و مکث أصحاب علي يوما و ليلة بغير ماء و اغتم علي بما فيه أهل العراق.

330- نصر عن محمد بن عبيد عن الجرجاني قال خرج علي لما اغتم بما فيه أهل العراق من العطش قبل رايات مذحج و إذا رجل ينادي

أيمنعنا القوم ماء الفرات *** و فينا الرماح و فينا الحجف

و فينا الشوارب مثل الوشيج *** و فينا السيوف و فينا الزغف

و فينا علي له سورة *** إذا خوفوه الردى لم يخف

فنحن الذين غداة الزبير *** و طلحة خضنا غمار التلف

فما بالنا أمس أسد العرين *** و ما بالنا اليوم شاء النجف

فما للعراق ومكا للحجاز *** سوى اليوم يوم فصكوا الهدف

فدبوا إليهم كبزل الجمال *** دوين الذميل و فوق القطف

فإما تحلوا بشط الفرات *** ومنا و منهم عليه الجيف

وإما تموتوا على طاعة *** تحل الجنان و تحبو الشرف

و إلا فأنتم عبيد العصا *** و عبد العصا مستذل نطف

قال فحرك ذلك عليا علیه السّلام ثم مضى إلى راية كندة فإذا مناد ينادي إلى جنب منزل الأشعث و هو يقول:

لئن لم يجل الأشعث اليوم كربة *** من الموت فيها للنفوس تعنت

فنشرب من ماء الفرات بسيفه *** فهبنا أناسا قبل كانوا فموتوا

فإن أنت لم تجمع لنا اليوم أمرنا *** و تلق التي فيها عليك التشتت

ص: 204

فمن ذا الذي تثني الخناصر باسمه *** سواك و من هذا إليه التلفت

و هل من بقاء بعد يوم وليلة *** نظل عطاشا و العدو يصوت

هلموا إلى ماء الفرات و دونه *** صدور العوالي و الصفيح المشتت

و أنت امرؤ من عصبة يمنية *** و كل امرئ من غصنه حين ينبت

فلما سمع الأشعث قول الرجل أتى عليا من ليلته فقال يا أمير المؤمنين أ يمنعنا القوم ماء الفرات و أنت فينا و معنا السيوف خل عنا و عن القوم فو الله لا نرجع حتى نرده أو نموت و مر الأشتر فليعل بخيله فيقف حيث تأمره - فقال: ذاك إليكم فرجع الأشعث فنادى في الناس من كان يريد الماء أو الموت فميعاده الصبح فإني ناهض إلى الماء فأتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجل و شد علیه سلاحه و هو يقول:

ميعادنا اليوم بياض الصبح *** هل يصلح الزاد بغير ملح

لا لا ولا أمر بغير نصح *** دبوا إلى القوم بطعن سمح

مثل العزالي بطعان نفح *** لا صلح للقوم و أين صلحي

حسبي من الإقحام قاب رمح

فلما أصبح دب في الناس و سيوفهم على عواتقهم و جعل يلقي رمحه و يقول: بأبي أنتم و أمي تقدموا قاب رمحي هذا فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم و حسر عن رأسه و نادى أنا الأشعث بن قيس خلوا عن الماء فنادى أبو الأعور السلمي أما والله لا حتى تأخذنا و إياكم السيوف.

فقال: قد و الله أظنها دنت منا و كان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره على فبعث إليه الأشعث أن أقحم الخيل فأقحمها حتى وضع سنابكها في الفرات و أخذت القوم السيوف فولوا مدبرين.

331- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر علیه السّلام و عن زيد

ص: 205

ابن حسين قال: نادى الأشعث عمرو بن العاص قال: ويحك يا ابن العاص خل بيننا و بين الماء فو الله لئن لم تفعل ليأخذنا و إياكم السيوف فقال عمرو و الله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف و إياكم.

فيعلم ربنا أينا اليوم أصبر فترجل الأشعث و الأشتر و ذوو البصائر من أصحاب علي علیه السّلام و ترجل معهما اثنا عشر ألفا فحملوا على عمرو و من معه من أهل الشام فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي علیه السّلام سنابكها في الماء.

332- نصر: روى سعد أن عليا قال: ذلك اليوم هذا يوم نصرتم فيه بالحمية. ثم إن عليا عسكر هناك وقبل ذاك قال شاعر أهل العراق:

يتقون الله أن يمنعوننا ال_ *** _فرات و قد يروى الفرات الثعالب

و قد وعدونا الأحمرين فلم نجد *** لهم أحمرا إلا قراع الكتائب

إذا خفقت راياتنا طحنت لها *** حى تطحن الأرحاء والموت طالب

فنعطى إله الناس عهدا نفي به *** لصهر رسول الله حتى نضارب

و كان بلغ أهل الشام أن عليا جعل للناس إن فتحت الشام أن يقسم بينهم البر و الذهب و هما الأحمران و أن يعطيهم خمسمائة كما أعطاهم بالبصرة فنادى منادي أهل الشام يا أهل العراق لما ذا نزلتم بعجاج من الأرض؟ نحن أزد شنوءة لا أزد عمان يا أهل العراق.

333- نصر: قال عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت تميما الناجي قال سمعت الأشعث بن قيس يقول يوم حال عمرو بن العاص بيننا و بين الفرات ويحك يا عمرو و الله إن كنت لأظن لك رأيا فإذا أنت لا عقل لك أترانا نخليك و الماء تربت يداك و فمك أما علمت أنا معشر عرب ثكلتك أمك و هبلتك لقد رمت أمرا عظيما.

ص: 206

فقال له عمرو: أما والله لتعلمن اليوم أنا سنفي بالعهد و نقيم على العقد و نلقاك بصبر و جد فناداه الأشتر و الله لقد نزلنا هذه الفرضة يا ابن العاص و الناس تريد القتال على البصائر و الدين و ما قتالنا سائر اليوم إلا حمية.

ثم كبر الأشعث وكبر الأشتر ثم حملا فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام.

334 - قالوا فلقي عمرو بن العاص بعد ذلك الأشعث بن قيس فقال: أي أخا كندة أما والله لقد أبصرت صواب قولك يوم الماء و لكني كنت مقهورا على ذلك الرأي فكايدتك بالتهدد و الحرب خدعة. ثم إن عمرا أرسل إلى معاوية أن خل بين القوم و بين الماء أترى القوم يموتون عطشا و هم ينظرون إلى الماء فأرسل معاوية إلى يزيد بن أسد القسري أن خل بين القوم و بين الماء يا أبا عبد الله فقال يزيد و كان شديد العثمانية كلا و الله لنقتلنهم عطشا كما قتلوا أمير المؤمنين.

335- نصر عن عمرو بن شمر عن إسماعيل السدي قال سمعت بكر بن تغلب السدوسي يقول والله لكأني أسمع الأشتر و هو يحمل على عمرو بن العاص يوم الفرات و هو يقول:

ويحك يا ابن العاصي *** تنح في القواصي

و اهرب إلى الصياصي *** اليوم في عراص

نأخذ بالنواصي *** لا نحذر التناصي

نحن ذوي الخماص *** لا نقرب المعاصي

في الأدرع الدلاص *** في الموضع المصاص

336- عنه عن عمرو بن شمر عن إسماعيل السدي عن بكر بن تغلب قال حدثني من سمع الأشتر يوم الفرات و قد كان له يومئذ غناء عظيم من

ص: 207

أهل العراق و هو يقول:

اليوم يوم الحفاظ *** بين الكماة الغلاظ

نحفزها و المظاظ

قال: ثم قال: وقد قتل من آل ذي لقوة و كان يومئذ فارس أهل الأردن و قتل رجال من آل ذي يزن.

337- نصر: حدثني عمرو بن شمر عن إسماعيل السدي عن بكر بن تغلب قال حدثني من سمع الأشعث يوم يوم الفرات و قد كان له غناء عظيم من أهل العراق و قتل رجالا من أهل الشام بيده و هو يقول: و الله إن كنت لكارها قتال أهل الصلاة و لكن معي من هو أقدم مني في الإسلام و أعلم بالكتاب.

338- نصر عن عمر بن سعد بإسناده قال طال بيننا و بين أهل الشام القتال فما أنسى قول عبد الله بن عوف بن الأحمر يوم الفرات و كان من فرسان علي علیه السّلام و هو يضربهم بالسيف و هو يقول:

خلوا لنا عن الفرات الجاري *** أو اثبتوا للجحفل الجرار

لكل قرم مستميت شار *** مطاعن برمحه كرار

ضراب هامات العدى مغوار

قال ثم إن الأشتر دعا الحارث بن همام النخعي ثم الصهباني فأعطاه لواءه ثم قال: يا حارث لو لا أني أعلم أنك تصبر عند الموت لأخذت لوائي منك و لم أحبك بكرامتي قال: والله يا مالك لأسرنك اليوم أو لأموتن فاتبعني فتقدم باللواء و هو يقول:

يا أشتر الخير و يا خير النخع *** و صاحب النصر إذا عم الفزع

و کاشف الأمر إذا الأمر وقع *** ما أنت في الحرب العوان بالجذع

ص: 208

قد جزع القوم و عموا بالجزع *** و جرعوا الغيظ و غصوا بالجرع

إن تسقنا الماء فما هي بالبدع *** أو نعطش اليوم فجند مقتطع

ما شئت خذ منها و ما شئت فدع

فقال الأشتر: ادن مني يا حارث فدنا منه فقبل رأسه وقال: لا يتبع رأسه اليوم إلا خير ثم قام الأشتر يحرض أصحابه يومئذ و يقول:

فدتكم نفسي شدوا شدة المحرج الراجي الفرج فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها و إذا عضتكم السيوف فليعض الرجل نواجذه فإنه أشد لشئون الرأس ثم استقبلوا القوم بهاماتكم قال و كان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك الغراب.

339- نصر: عن عمرو بن شمر عن جابر عن عامر عن عامر عن الحارث بن أدهم عن صعصعة بن صوحان قال قتل الأشتر في تلك المعركة سبعة وقتل الأشعث فيها خمسة و لكن أهل الشام لم يثبتوا فكان الذين قتلهم الأشتر صالح بن فيروز العكي و مالك بن أدهم السلماني و رياح بن عتيك الغساني و الأجلح بن منصور الكندي وكان فارس أهل الشام وإبراهيم بن وضاح الجمحي و زامل بن عبيد الحزامي و محمد بن روضة الجمحي.

340 - نصر: فأول قتيل قتل الأشتر ذلك اليوم بيده من أهل الشام رجل يقال له صالح ابن فيروز و كان مشهورا بشدة البأس فقال: و ارتجز على الأشتر:

یا صاحب الطرف الحصان الأدهم *** أقدم إذا شئت علينا أقدم

أنا ابن ذي العز و ذي التكرم *** سيد عك كل عك فاعلم

فبرز إليه الأشتر و هو يقول:

آليت لا أرجع حتى أضربا *** بسيفي المصقول ضربا معجبا

ص: 209

أنا ابن خير مذحج مركبا *** من خيرها نفسا وأما وأبا

قالک ثم شدَّ عليه بالرمح فقتله و فلق ظهره، ثم رجع إلى مكانه.

341 - نصر: عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن الحارث بن أدهم عن صعصعة قال ثم أقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتى كشف أهل الشام عن الماء و هو يقول:

لا تذكروا ما قد مضى و فاتا *** و الله ربي باعث أمواتا

من بعد ما صاروا صدى رفاتا *** لأوردن خيلي الفراتا

شعث النواصي أو يقال ماتا

342- نصر عن عمر بن سعد عن رجل قد سماه عن أبيه عن عمه محمد بن مخنف قال كنت مع أبي يومئذ و أنا ابن سبع عشرة سنة و لست في عطاء فلما منع الناس الماء قال لي لا تبرح فلما رأيت الناس يذهبون نحو الماء لم أصبر فأخذت سيفى فقاتلت فإذا أنا بغلام مملوك لبعض أهل العراق و معه قربة له فلما رأى أهل الشام قد أفرجوا عن الماء شد فملأ قربته ثم أقبل بها و شد عليه رجل من أهل الشام.

فضربه فصرعه و وقعت القربة منه و شددت على الشامي فضربته و صرعته و عدا أصحابه فاستنقذوه قال و سمعتهم يقولون لا بأس عليك و رجعت إلى المملوك فأجلسته فإذا هو يكلمني و به جرح رحيب فلم يكن أسرع من أن جاء مولاه فذهب به و أخذت قربته و هي مملوءة ماء فجئت بها إلى أبي فقال: من أين جئت بها؟

فقلت: اشتريتها و كرهت أن أخبره الخبر فيجد علي فقال: اسق القوم فسقيتهم و شربت آخرهم و نازعتني نفسي و الله القتال فانطلقت أتقدم فيمن يقاتل قال فقاتلتهم ساعة ثم أشهد أنهم خلوا لنا عن الماء قال فما

ص: 210

أمسيت حتى رأيت سقاتهم وسقاتنا يزدحمون على الماء فما يؤذي إنسان إنسانا.

قال و أقبلت راجعا فإذا أنا بمولى صاحب القربة فقلت هذه قربتك فخذها أو ابعث معي من يأخذها أو أعلمني مكانك فقال رحمك الله عندنا ما يكتفى به فانصرفت و ذهب فلما كان من الغد مر على أبي فوقف فسلم و رآني إلى جنبه فقال من هذا الفتى منك قال ابني.

قال أراك الله فيه السرور استنقذ و الله غلامي أمس و حدثني شباب الحي أنه كان من أشجع الناس قال فنظر إلي أبي نظرة عرفت منها الغضب في وجهه ثم سكت حتى مضى الرجل ثم قال هذا ما تقدمت إليك فيه قال فحلفني ألا أخرج إلى قتال إلا بإذنه فما شهدت لهم قتالا حتى كان آخر يوم من أيامهم إلا ذلك اليوم.

343 - نصر عن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن مهران مولى يزيد بن هانئ السبيعي قال والله إن مولاي ليقاتل على الماء و إن القربة لفي يدي فلما انكشف أهل الشام عن الماء شددت حتى أستقي و إني فيما بين ذلك لأرمي و أقاتل.

344- نصر عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي عمرة عن أبيه سليمان الحضر مي قال: لما خرج علي من المدينة خرج معه أبو عمرة بن عمرو بن محصن قال فشهدنا مع على الجمل ثم انصرفنا إلى الكوفة ثم سرنا إلى أهل الشام حتى إذا كان بيننا و بين صفين ليلة دخلني الشك فقلت: و الله ما أدري علام أقاتل و ما أدري ما أنا فيه.

قال و اشتکی رجل منا بطنه من حوت أكله فظن أصحابه أنه طعين فقالوا: نتخلف على هذا الرجل فقلت: أنا أتخلف عليه و الله ما أقول ذلك إلا

ص: 211

مما دخلني من الشك فأصبح الرجل ليس به بأس و أصبحت قد ذهب عني ما كنت أجد و نفذت لي بصيرتي.

حتى إذا أدركنا أصحابنا و مضينا مع علي إذا أهل الشام قد سبقونا إلى الماء فلما أردناه منعونا فصلتنا لهم بالسيف فخلونا و إياه وأرسل أبو عمرة إلى أصحابه قد و الله جزناهم فهم يقاتلونا و هم في أيدينا و نحن دونه إليهم كما كان في أيديهم قبل أن نقاتلهم فأرسل معاوية إلى أصحابه لا تقاتلوهم و خلوا بينهم و بينه.

فشربوا فقلنا لهم قد كنا عرضنا عليكم هذا أول مرة فأبيتم حتى أعطانا الله و أنتم غير محمودين قال فانصرفوا عنا و انصرفنا عنهم و لقد رأيت روایانا و روایاهم بعد و خیلنا و خیلهم ترد ذلك الماء جميعا حتى ارتووا و ارتوينا.

345- نصر عن محمد بن عبيد بن عبيد الله عن الجرجاني أن عمرو بن العاص قال يا معاوية ما ظنك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس أتراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه و ما أغنى عنك أن تكشف لهم السوأة؟ قال: دع عنك ما مضى منه ما ظنك بعلي؟ قال: ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه و أن الذي جاء له غير الماء فقال له معاوية قولا أغضبه فأنشأ عمرو يقول:

أمرتك أمرا فسخفته *** خالفني ابن أبي سرحه

و فأغمضت في الرأي إغماضة *** و لم تر في الحرب كالفسحة

فكيف رأيت كباش العراق *** لم ينطحوا جمعنا نطحة

أظن لها اليوم ما بعدها *** و میعاد ما بيننا صبحة

فإن ينطحونا غدا مثلها *** نکن كالزبيري أو طلحة

ص: 212

و إن أخروها لما بعدها *** فقد قدموا الخبط و النفحة

و قد شرب القوم ماء الفرات *** و قلدك الأشتر الفضحة

قال: و مكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية و لا يأتيه من قبل معاوية أحد و جاء عبيد الله بن عمر فدخل على على في عسكره فقال: أنت قاتل الهرمزان و قد كان أبوك فرض له في الديوان و أدخله في الإسلام فقال له ابن عمر الحمد لله الذي جعلك تطلبني بدم الهرمزان و أطلبك بدم عثمان بن عفان فقال له علي لا عليك سيجمعني و إياك الحرب غدا ثم مكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية و لا يرسل إليه معاوية.

346- عنه قال: ثم إن عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري و سعيد بن قيس الهمداني و شبث بن ربعي التميمي فقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عز و جل و إلى الطاعة و الجماعة و إلى اتباع أمر الله تعالى فقال له شبث: ألا نطمعه في سلطان توليه إياه و منزلة تكون به له أثرة عندك إن هو بايعك؟ قال علي علیه السّلام:

ائتوه الآن فالقوه واحتجوا عليه و انظروا ما رأيه و هذا في شهر ربيع الآخر فأتوه فدخلوا عليه فحمد أبو عمرة بن محصن الله و أثنى عليه وقال: يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة و إنك راجع إلى الآخرة و إن الله عز و جل مجازيك بعملك و محاسبك بما قدمت يداك و إني أنشدك بالله أن تفرق جماعة هذه الأمة و أن تسفك دماءها بينها.

فقطع معاوية عليه الكلام فقال: هلا أوصيت صاحبك؟ فقال: سبحان الله إن صاحبي ليس مثلك إن صاحبي أحق البرية في هذا الأمر في الفضل و الدين و السابقة و الإسلام والقرابة من رسول الله صلّی الله علیه و آله قال معاوية: فتقول ماذا؟

ص: 213

قال: أدعوك إلى تقوى ربك و إجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دينك و خير لك في عاقبة أمرك قال: و يطل دم عثمان لا و الرحمن لا أفعل ذلك أبدا قال: فذهب سعيد يتكلم فبدره شبث فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن إنه لا يخفى علينا ما تقرب و ب و ما تطلب إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس و تستميل به أهواءهم و تستخلص به طاعتهم إلا أن قلت لهم قتل إمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام رذال و قد علمنا أنك ق-د أبطأت عنه بالنصر و أحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب.

و رب مبتغ أمرا و طالبه يحول الله دونه و ربما أوتي المتمني أمنيته و ربما لم يؤتها و والله ما لك في واحدة منها خير و الله لئن أخطأك ما ترجو إنك لشر العرب حالا و لئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار فاتق الله يا معاوية و دع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله.

قال فحمد الله معاوية و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فإن أول ما عرفت به سفهك و خفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به و لقد كذبت و لويت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت و ذكرت انصرفوا من عندي فليس بيني و بينكم إلا السيف قال و غضب فخرج القوم و شبث يقول: أفعلينا تهول بالسيف؟ أما والله لنعجلنه إليك.

فأتوا عليا علیه السّلام فأخبروه بالذي كان من قوله وذلك في شهر ربيع الآخر قال و خرج قراء أهل العراق و قراء أهل الشام فعسكروا ناحية صفين في ثلاثين ألفا وعسكر علي على الماء و عسكر معاوية فوق ذلك و

ص: 214

مشت القراء فيما بين معاوية و علي علیه السّلام.

فيهم عبيدة السلماني و علقمة بن قيس النخعي و عبد الله بن عتبة و عامر بن عبد القيس وقد كان في بعض تلك السواحل قال: فانصرفوا من عسكر علي فدخلوا على معاوية فقالوا: يا معاوية ما الذي تطلب؟ قال: أطلب بدم عثمان.

قالوا: ممن تطلب بدم عثمان ؟ قال: من علي علیه السّلام قالوا: و علي علیه السّلام قتله؟ قال: نعم هو قتله و آوی قاتليه فانصرفوا من عنده فدخلوا على علي - فقالوا: إن معاوية يزعم أنك قتلت عثمان قال:

اللهم لكذب فيما قال لم أقتله فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال لهم معاوية: إن لم يكن قتله بيده فقد أمر و مالاً فرجعوا إلى على علیه السّلام فقالوا: إن معاوية يزعم أنك إن لم تكن قتلت بيدك فقد أمرت و مالات على قتل عثمان فقال:

اللهم كذب فيما قال فرجعوا إلى معاوية فقالوا: إن عليا علیه السّلام يزعم أنه لم يفعل فقال معاوية: إن كان صادقا فليمكنا من قتلة عثمان فإنهم في عسکره و جنده و أصحابه و عضده فرجعوا إلى علي علیه السّلام فقالوا: إن معاوية يقول لك: إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو أمكنا منهم.

قال لهم علي: تأول القوم عليه القرآن و وقعت الفرقة و قتلوه في سلطانه و ليس على ضربهم قود فخصم علي معاوية فقال معاوية: إن كان الأمر كما يزعمون فما له ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا و لا ممن هاهنا معنا؟ فقال علي علیه السّلام : إنما الناس تبع المهاجرين والأنصار و هم شهود المسلمين في البلاد على ولايتهم و أمر دينهم.

فرضوا بي وبايعوني و لست أستحل أن أدع ضرب معاوية يحكم

ص: 215

على الأمة و يركبهم و يشق عصاهم فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك فقال: ليس كما يقول فما بال من هاهنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر فيؤامروه فانصرفوا إلى علي علیه السّلام فقالوا له ذلك و أخبروه فقال علي علیه السّلام : ويحكم هذا للبدريين دون الصحابة ليس في الأرض بدري إلا قد بايعني و هو معي أو قد أقام و رضي.

فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم و دينكم فتراسلوا ثلاثة أشهر ربيعا الآخر و جماديين فيفزعون الفزعة فيما بين ذلك فيزحف بعضهم إلى بعض و تحجز القراء بينهم ففزعوا في ثلاثة أشهر خمسا و ثمانين فزعة كل فزعة يزحف بعضهم إلى بعض و يحجز القراء بينهم ولا يكون بينهم قتال.

347 - عنه قال: و خرج أبو أمامة الباهلي و أبو الدرداء فدخلا على معاوية و كانا معه فقالا: يا معاوية علام تقاتل هذا الرجل فو الله لهو أقدم منك سلما و أحق بهذا الأمر منك و أقرب من النبي صلّی الله علیه و آله فعلام تقاتله؟ فقال: أقاتله على دم عثمان و أنه أوى قتلته فقولوا له فليقدنا من قتلته فأنا أول من بايعه من أهل الشام.

فانطلقوا إلى علي فأخبروه بقول معاوية - فقال: هم الذين ت-رون فخرج عشرون ألفا أو أكثر مسربلين في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقالوا كلنا قتلة فإن شاءوا فلير وموا ذلك منا فرجع أبو أمامة و أبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال.

348- عنه قال: حتى إذا كان رجب و خشي معاوية أن يبايع القراء عليا على القتال أخذ في المكر.

و أخذ يحتال للقراء لكيما يحجموا عنه و يكفوا حتى ينظروا قال: و إن معاوية كتب في سهم من عبد الله الناصح فإني أخبركم أن معاوية يريد أن

ص: 216

يفجر عليكم الفرأت فيغرقكم فخذوا حذركم ثم رمى معاوية بالسهم في عسكر علي علیه السّلام فوقع السهم في يدي رجل من أهل الكوفة فقرأه ثم أقرأه صاحبه.

فلما قرأه و أقرأه الناس أقرأه من أقبل و أدبر قالوا: هذا أخ ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية فلم يزل السهم يقرأ ويرتفع حتى رفع إلى أمير المؤمنين و قد بعث معاوية مائتي رجل من الفعلة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور و الزبل يحفرون فيها بحيال عسكر علي بن أبي طالب.

فقال علي علیه السّلام ويحكم إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له و لا يقوم عليه و إنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فالهوا عن ذلك و دعوه فقالوا له: لا ندعهم والله يحفرون الساعة فقال علي: يا أهل العراق لا تكونوا ضعفى ويحكم لا تغلبوني على رأيي فقالوا: والله لنرتحلن فإن شئت فارتحل و إن شئت فأقم فارتحلوا و صعدوا بعسكرهم مليا و ارتحل علي في أخريات الناس و هو يقول:

لو أني أطعت عصبت قومي *** إلى ركن اليمامة أو شمام

و لكني إذا أبرمت أمرا *** منيت بخلف آراء الطغام

و ارتحل معاوية حتى نزل على معسكر علي الذي كان فيه فدعا علي الأشتر فقال: ألم تغلبني على رائي أنت و الأشعث فدونكما؟ فقال الأشعث: أنا أكفيك يا أمير المؤمنين سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك فجمع بني كندة و قال: يا معشر كندة لا تفضحوني اليوم ولا تخزوني. إنما أقارع بكم أهل الشام.

فخرجوا معه رجلا يمشون و بيد الأشعث رح له يلقيه على الأرض و يقول امشوا قيس رمحي هذا فيمشون فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه

ص: 217

ذلك و يمشون معه رجالة قد كسروا جفون سيوفهم حتى لقوا معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء و قد جاءه أداني عسكره فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة و انتهى أوائل أهل العراق فنزلوا.

و أقبل الأشتر في خيل من أهل العراق فحمل على معاوية حملة و الأشعث يحارب في ناحية أخرى فانحاز معاوية في بني سليم فردوا وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ ثم نزل و وضع أهل الشام أثقالهم والأشعث يهدر و بقول: أرضيتك يا أمير المؤمنين؟ ثم تمثل بقول طرفة بن العبد:

ففداء لبني سعد على *** ما أصاب الناس من خير و شر

ما أقلت قدماي إنهم *** نعم الساعون في الحي الشطر

و لقد كنت عليكم عاتبا *** فعقبتم بذنوب غير مر

كنت فيكم كالمغطي رأسه *** فانجلى اليوم قناعي و خمر

سادرا أحسب غيي رشدا *** فتناهیت و قد صابت بقر

قال و قال الأشعث: يا أمير المؤمنين قد غلب الله لك على الماء قال علي علیه السّلام: أنت كما قال الشاعر:

تلاقين قيسا و أتباعه *** فيشعل للحرب نارا فنارا

أخو الحرب إن لقحت بازلا *** سما للعلى و أجل الخطارا

فلما غلب علي على الماء فطرد عنه أهل الشام بعث إلى معاوية: إنا لا نكافيك بصنعك هلم إلى الماء فنحن و أنتم فيه سواء فأخذ كل واحد منهما بالشريعة مما يليه قال علي علیه السّلام لأصحابه : أيها الناس إن الخطب أعظم من منع الماء و قال معاوية الله در عمرو ما عصيته في أمر قط إلا أخطأت الرأي فيه قال:

فمكث معاوية أياما لا يكلم عمرا ثم بعث إليه فقال: يا عمرو كان فلتة

ص: 218

من رأي أعقبتني بخطائها و أمت ما كان قبلها من الصواب أما و الله لو تقايس صوابك بخطائك لقل صوابك فقال عمرو: قد كان كذا فرأيتك احتجت إلى رأيك و ما خطاؤك اليوم حين أعذرت إليك أمس و كذلك أنا لك غدا إن عصيتني اليوم.

فعطف عليه معاوية و رضي عنه و بات على مشق الحيل حتى أصبح ثم غاداهم على القتال و على رايته يومئذ هاشم بن عتبة المرقال قال: و معه الحدل التي يقول فيها الأشتر:

إنا إذا ما احتسبنا الوغى *** أدرنا الرحى بصنوف الحدل

و ضربا لهاماتهم بالسيوف *** و طعنا لهم بالقنا و الأسل

عرانين من مذحج وسطها *** يخوضون أغمارها بالهبل

و وائل تسعر نيرانها *** ينادونهم أمرنا قد كمل

أبو حسن صوت خيشومها *** بأسيافه كل حام بطل

على الحق فينا له منهج *** على واضح القصد لا بالميل

349- عنه قال و برز يومئذ عوف من أصحاب معاوية و هو يقول:

إني أنا عوف أخو الحروب *** عند هياج الحرب و الكروب

صاحب لا الوقاف والهيوب *** عند اشتعال الحرب باللهيب

و لست بالناجي من الخطوب *** و من رديني مارن الكعوب

إذ جئت تبغي نصرة الكذوب *** و لست بالعف و لا النجيب.

فبرز إليه علقمة بن عمرو من أصحاب علي و هو يقول:

يا عجبا للعجب العجيب *** قد كنت يا عوف أخا الحروب

و ليس فيها لك من نصيب *** إنك فاعلم ظاهر العيوب

في طاعة كطاعة الصليب *** في يوم بدر عصبة القليب

ص: 219

فدونك الطعنة في المنخوب *** قلبك ذو كفر من القلوب

فطعنه علقمة فقتله فقال علقمة في ذلك:

يا عوف لو كنت امراً حازما *** لم تبرز الدهر إلى علقمة

لاقيت لينا أسدا باسلا *** يأخذ بالأنفاس و الغلصمه

لاقيته قرنا له سطوة *** يفترس الأقران في الملحمه

ما كان في نصر امرئ ظالم *** ما يدرك الجنة والمرحمه

ما لابن صخر حرمة ترتجي *** لها ثواب الله بل مندمه

لاقيت ما لاقى غداة الوغى *** من أدرك الأبطال يا ابن الأمه

ضيعت حق الله في نصرة *** للظالم المعروف بالمظلمه

إن أبا سفيان من قبله *** لم يك مثل العصبة المسلمه

لکنه نافق في دينه *** من خشية القتل على المرغمه

بعدا لصخر مع أشياعه *** في جاحم النار لدى المضرمه.

350- عنه قال : فمكثوا على ذلك حتى كان ذو الحجة فجعل علي علیه السّلام يأمر هذا الرجل الشريف فيخرج معه جماعة فيقاتل و يخرج إليه من أصحاب معاوية رجل معه آخر فيقتتلان في خيلهما و رجلها ثم ينصرفان و أخذوا يكرهون أن يتراجعوا بجميع الفيلق من العراق و أهل الشام مخافة الاستئصال و الهلاك.

و كان علي علیه السّلام يخرج الأشتر مرة في خيله و حجر بن عدي مرة و شبث بن ربعي التميمي مرة ومرة خالد بن المعمر السدوسي و مرة زياد بن النضر الحارثي ومرة زياد بن جعفر الكندي ومرة سعد بن قيس الهمداني و مرة معقل بن قيس الرياحي و مرة قيس بن سعد بن عبادة و كان أكثر القوم حروبا الأشتر.

ص: 220

و كان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي و رة أبا الأعور السلمي و مرة حبيب بن مسلمة الفهري و مرة ابن ذي الكلاع و مرة عبيد الله بن عمر بن الخطاب و مرة شرحبيل بن السمط و مرة حمزة بن مالك الهمداني فاقتتلوا ذا الحجة و ربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين أوله و آخره.

351- نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن عبد الله بن عاصم قال حدثني رجل من قومي أن الأشتر خرج يوما فقاتل بصفين في رجال من القراء و رجال من فرسان العرب فاشتد قتالهم فخرج علينا رجل لقل و الله ما رأيت رجلا قط هو أطول و لا أعظم منه فدعا إلى المبارزة فلم يخرج إليه إنسان و خرج إليه الأشتر فاختلفا ضربتين و ضربه الأشتر فقتله و ايم الله لقد كنا أشفقنا عليه و سألناه ألا يخرج إليه فلما قتله نادى مناد من أصحابه:

يا سهم سهم بن أبي العيزار *** يا خير من نعلمه من زار

و جاء رجل من الأزد فقال: أقسم بالله لأقتلن قاتلك فحمل على الأشتر و عطف عليه الأشتر فضربه فإذا هو بين يدي فرسه و حمل أصحابه فاستنقذوه جريحا فقال أبو رقيقة السهمي كان هذا نارا فصادفت إعصارا.

فاقتتل الناس ذا الحجة كله فلما مضى ذو الحجة تداعى الناس أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم لعل الله أن يجري صلحا و اجتماعا فكف الناس بعضهم عن بعض.

352 - نصر عن عمر بن سعد عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة قال لما توادع علي علیه السّلام و معاوية بصفين اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح

ص: 221

فأرسل علي بن أبي طالب إلى معاوية عدي بن حاتم و شبث بن ربعي و يزيد بن قیس و زیاد بن خصفة فدخلوا على معاوية فحمد الله عدي بن حاتم و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فإنا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا و أمتنا و يحقن الله به دماء المسلمين و ندعوك إلى أفضلها سابقة و أحسنها في الإسلام آثارا و قد اجتمع له الناس و قد أرشدهم الله بالذي رأوا فأتوا فلم يبق أحد غيرك و غير من معك فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله و أصحابك بمثل يوم الجمل.

فقال له معاوية : كأنك إنما جئت متهددا و لم تأت مصلحا هيهات يا عدي كلا و الله إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان أما والله إنك لمن المجلبين على ابن عفان و أنت لمن قتلته وإني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله هيهات يا عدي قد حلبت بالساعد الأشد.

و قال له شبث بن ربعي و زياد بن خصفة و تنازعا كلاما واحدا أتيناك فيا يصلحنا و إياك فأقبلت تضرب الأمثال لنا دع ما لا ينفع من القول والفعل و أجبنا فيا يعمنا و إياك نفعه.

و تكلم يزيد بن قيس الأرحبي فقال : إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك و لنؤدي عنك ما سمعنا منك لن ندع أن ننصح لك و أن نذكر ما ظننا أن لنا به عليك حجة أو أنه راجع بك إلى الألفة و الجماعة إن صاحبنا لمن قد عرفت و عرف المسلمون فضله و لا أظنه يخفى عليك.

أن أهل الدين و الفضل لن يعدلوك بعلى علیه السّلام و لن يميلوا بينك و بينه فاتق الله يا معاوية و لا تخالف عليا فإنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى و لا أزهد في الدنيا و لا أجمع لخصال الخير كلها منه.

ص: 222

فحمد الله معاوية و أثنى عليه وقال: أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة و الجماعة فأما الجماعة التي دعوتم إليها فنعما هي و أما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها إن صاحبكم قتل خليفتنا و فرق جماعتنا و آوى ثأرنا و قتلتنا و صاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه أرأيتم قتلة صاحبنا ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به و نحن نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة.

فقال له شبث بن ربعي أيسرك بالله يا معاوية إن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته؟ قال: و ما يمنعني من ذلك و الله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان و لكن كنت أقتله بنائل مولى عثمان بن عفان فقال له: شبث: و إله السماء ما عدلت معدلا لا و الله الذي لا إله إلا هو لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال و تضيق الأرض الفضاء عليك برحبها.

فقال له معاوية : إنه لو كان ذلك كانت عليك أضيق و رجع القوم عن معاوية.

353- عنه قال: فلما رجعوا من عنده بعث إلى زياد بن خصفة التيمي فدخل عليه فحمد الله معاوية و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد يا أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا و قتل إمامنا و آوى قتلة صاحبنا و إني أسألك النصرة عليه بأسرتك وعشيرتك و لك علي عهد الله و ميثاقه إذا ظهرت أن أوليك أي المصرين أحببت.

354- قال أبو المجاهد : سمعت زياد بن خصفة يحدث بهذا الحديث قال: فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله و أثنيت عليه ثم قلت له: أما بعد فإني لعلى بينة من ربي و بما أنعم علي «فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ» قال: ثم قمت

ص: 223

فقال معاوية لعمرو بن العاص - وكان إلى جانبه جالسا -: ليس يكلم رجل منا رجلا منهم بكلمة فيجيب بخير ما لهم عضبهم الله ما قلوبهم إلا قلب رجل واحد.

355- نصر : حدثنا سليمان بن أبي راشد عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود أن معاوية بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري و شرحبيل بن السمط و معن بن يزيد بن الأخنس السلمي فدخلوا على علي علیه السّلام و أنا عنده فحمد الله حبيب بن مسلمة و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله و ينيب إلى أمر الله فاستثقلتم حياته و استبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع إلينا قتلة عثمان نقتلهم به فإن قلت إنك لم تقتله فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم هذا شورى بينهم يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم. فقال له علي علیه السّلام : و ما أنت لا أم لك و الولاية و العزل والدخول في هذا الأمر؟ اسكت فإنك لست هناك و لا بأهل لذاك.

فقام حبيب بن مسلمة فقال: أما والله لتريني حيث تكره فقال له علي و ما أنت و لو أجلبت بخيلك و رجلك؟ اذهب فصوب و صعد ما بدا لك فلا أبقى الله عليك إن أبقيت فقال شرحبيل بن السمط إن كلمتك فلعمري ما كلامي إياك إلا كنحو من كلام صاحبي قبلي فهل لي عندك جواب غير الجواب الذي أجبته به؟

فقال علي علیه السّلام: عندي جواب غير الذي أجبته به لك و لصاحبك فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد فإن الله بعث النبي صلّی الله علیه و آله فأنقذ به من الضلالة و نعش به من الهلكة و جمع به بعد الفرقة ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه ثم استخلف

ص: 224

الناس أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر و أحسنا السيرة و عدلا في الأمة و قد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا و نحن آل الرسول و أحق بالأمر فغفرنا ذلك لهما.

ثم ولي أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه فسار إليه ناس فقتلوه ثم أتاني الناس و أنا معتزل أمرهم فقالوا لي بايع فأبيت عليهم فقالوا لي: بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك و إنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني و خلاف معاوية إياك.

الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين و لا سلف صدق في الإسلام طليق ابن طليق و حزب من الأحزاب لم يزل الله ولرسوله و للمسلمين عدوا هو و أبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين فعجبنا لكم و لا جلابكم معه و انقيادكم له وتدعون أهل بيت نبيكم صلّی الله علیه و آله.

الذين لا ينبغي لكم شقاقهم و لا خلافهم و لا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيكم صلّی الله علیه و آله و إماتة الباطل و إحياء معالم الدين أقول قولي هذا و أستغفر الله لنا ولكل مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة.

فقال له شرحبيل و معن بن يزيد أتشهد أن عثمان قتل مظلوما؟ فقال لهما: إني لا أقول ذلك قالا: فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن براء منه ثم قاما فانصرفا فقال : «إِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَ مَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا من يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ».

ثم أقبل على أصحابه فقال: لا يكون هؤلاء بأولى في الجد في ضلالتهم

ص: 225

منكم في حقكم و طاعة إمامكم. ثم مكث الناس حتى دنا انسلاخ المحرم.

356 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل أن حابس بن سعد الطائي كان صاحب لواء طيئ مع معاوية فقال:

أما بين المنايا غير سبع *** بقين من المحرم أو ثمان

أما يعجبك أنا قد كففنا *** عن أهل الكوفة الموت العياني

أينهانا كتاب الله عنهم *** ولا ينهاهم السبع المثاني

فقتل بعد و كان مع معاوية فلما انسلخ المحرم و استقبل صفر و ذلك في سنة سبع و ثلاثين بعث علي نفرا من أصحابه حتى إذا كانوا من عسكر معاوية حيث يسمعونهم الصوت قام مرثد بن الحارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس يا أهل الشام -.

إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله يقولون لكم: إنا و الله ما كففنا عنكم شكا في أمركم و لا بقيا عليكم و إنما كففنا عنكم لخروج المحرم ثم انسلخ و إنا قد نبذنا إليكم «عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ». قال: فتحاجز الناس و ثاروا إلى أمرائهم.

357 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير قال كانت وقعة صفين في صفر.

358- قال نصر: في حديث عمر يعني ابن سعد: أن عليا علیه السّلام لما انسلخ المحرم أمر مرثد بن الحارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس: يا أهل الشام ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم : إني قد استدمتكم و استانيت بكم لتراجعوا الحق و تنيبوا إليه و احتججت عليكم بكتاب الله ودعوتكم إليه فلم تتناهوا عن طغيان و لم تجيبوا إلى حق و إني قد نبذت إليكم «عَلى سَوَاءٍ إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ».

ص: 226

فثار الناس إلى أمرائهم و رؤسائهم قال و خرج معاوية و عمرو بن العاص يكتبان الكتائب و يعبيان العساكر و أوقدوا النيران و جاءوا بالشموع و بات علي علیه السّلام ليلته كلها يعبئ الناس و يكتب الكتائب و يدور في الناس يحرضهم.

359- نصر عن عمر بن سعد و حدثني رجل عن عبد الله بن جندب عن أبيه : أن عليا علیه السّلام كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه يقول:

لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجة و ترككم إياهم حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا إلا بإذني و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و تناولن أمراءكم وصلحاءكم.

فإنهن ضعاف القوى والأنفس و العقول و لقد كنا و إنا لنؤمر بالكف عنهن و إنهن لمشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبة من بعده

360- نصر عن عمر بن سعد عن إسماعيل بن يزيد يعني ابن أبي خالد عن أبي صادق عن الحضرمي قال: سمعت عليا علیه السّلام حرض في الناس في ثلاثة مواطن في يوم الجمل و يوم صفين و يوم النهروان فقال:

عباد الله اتقوا الله عز و جل و غضوا الأبصار و اخفضوا الأصوات و أقلوا الكلام و وطنوا أنفسكم على المنازلة و المجاولة والمبارزة و المعانقة و المكادمة و اثبتوا «وَ اذْكُرُوا الله كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» «وَ لا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ» اللهم ألهمهم

ص: 227

الصبر و أنزل عليهم النصر و أعظم لهم الأجر.

361- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن محمد بن علي و زيد بن حسن و محمد بن المطلب أن عليا علیه السّلام و معاوية عقدا الألوية و أمرا الأمراء و كتبا الكتائب و استعمل علي على الخيل عمار بن ياسر و على الرجالة عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعي و دفع اللواء إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري.

و جعل على الميمنة الأشعث بن قيس و على الميسرة عبد الله بن العباس و جعل على رجالة الميمنة سليمان بن صرد الخزاعي و جعل على رجالة الميسرة الحارث بن مرة العبدي و جعل القلب مضر الكوفة و البصرة وجعل الميمنة اليمن وجعل الميسرة ربيعة و عقد ألوية القبائل فأعطاها قوما منهم بأعيانهم جعلهم رؤساءهم و أمراءهم.

و جعل على قريش و أسد و كنانة عبد الله بن عباس و على كندة حجر بن عدي و على بكر البصرة حضين بن المنذر و على تميم البصرة الأحنف بن قيس و على خزاعة عمرو بن الحمق و على بكر الكوفة نعيم ابن هبيرة و على سعد و رباب البصرة جارية بن قدامة السعدي.

و على بجيلة رفاعة بن شداد و على ذهل الكوفة يزيد بن رويم الشيباني و على عمرو و حنظلة البصرة أعين بن ضبيعة و على قضاعة و طيئ عدي بن حاتم و على لهازم الكوفة عبد الله بن حجل العجلي و على تميم الكوفة عمير بن عطارد.

و على الأزد و اليمن جندب بن زهير و على ذهل البصرة خالد بن المعمر السدوسي و على عمرو و حنظلة الكوفة شبث بن ربعي و على همدان سعيد بن قيس وعلى لهازم البصرة حريث بن جابر الحنفي و على

ص: 228

سعد و رباب الكوفة الطفيل أبا صريمة.

و على مذحج الأشتر بن الحارث النخعي و على عبد القيس الكوفة صعصعة بن صوحان وعلى قيس الكوفة عبد الله بن الطفيل البكائي و على عبد القيس البصرة عمرو بن حنظلة و على قريش البصرة الحارث بن نوفل الهاشمي و على قيس البصرة قبيصة بن شداد الهلالي و على اللفيف من القواصي القاسم بن حنظلة الجهني.

و استعمل معاوية على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب و على الرجالة مسلم بن عقبة المري و على الميمنة عبد الله بن عمرو بن العاص و على الميسرة حبيب بن مسلمة الفهري و أعطى اللواء عبد الرحمن بن خالد ابن الوليد و على أهل دمشق و هم القلب الضحاك بن قيس الفهري و على أهل حمص و هم الميمنة ذا الكلاع الحميري.

و على أهل قنسرين و هم في الميمنة أيضا زفر بن الحارث و على أهل الأردن و هم الميسرة - سفيان بن عمرو الأعور السلمي و على أهل فلسطين و هم في الميسرة أيضا مسلمة بن مخلد و على رجالة أهل حمص حوشبا ذا ظليم و على رجالة قيس طريف بن حابس الألماني و على رجالة أهل الأردن عبد الرحمن بن قيس القيني.

و على رجالة أهل فلسطين الحارث بن خالد الأزدي و على رجالة قيس دمشق همام بن قبيصة و على قيس و أياد حمص بلال بن أبي هبيرة الأزدي و حاتم بن المعتمر الباهلي و على رجالة الميمنة حابس بن سعد الطائي.

و على قضاعة دمشق حسان بن بحدل الكلبي و على قضاعة الأردن حبيش بن دلجة القيني و على كنانة فلسطين شريكا الكناني و على مذحج

ص: 229

الأردن المخارق بن الحارث الزبيدي و على لخم و جذام فلسطين ناتل بن قيس الجذامي و على همدان الأردن حمزة بن مالك الهمداني.

و على خثعم اليمن حمل بن عبد الله الخثعمي و على غسان الأردن يزيد بن الحارث و على جميع القواصي القعقاع بن أبرهة الكلاعي و أصيب في المبارزة أول يوم تراءت فيه الفئتان.

362- نصر عن إسماعيل بن أبي عميرة عن الشعبي أن عليا علیه السّلام بعث على ميمنته عبد الله بن بدیل بن ورقاء الخزاعي و على ميسرته عبد الله بن العباس.

363- عنه ذكر عن فضيل بن خديج أن عليا علیه السّلام بعث على خيل أهل الكوفة الأشتر و على خيل أهل البصرة سهل بن حنيف و على رجالة أهل الكوفة عمار بن ياسر و على رجالة أهل البصرة قيس بن سعد و كان قد أقبل من مصر إلى صفين و جعل معه هاشم بن عتبة و ابنه و جعل مسعود ابن فدكي التميمي على قراء أهل البصرة فصار قراء أهل الكوفة إلى ابن بدیل و عمار بن ياسر.

364- قال ابو الفضل نصر بن مزاحم عن عمر قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن القاسم مولى يزيد بن معاوية أن معاوية بعث على ميمنته ذا الكلاع و على ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري و على مقدمته من يوم أقبل من دمشق أبا الأعور السلمي و كان على خيل أهل دمشق و عمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها و جعل مسلم بن عقبة المري على رجالة أهل دمشق.

و الضحاك بن قيس على رجالة الناس كلهم و بايع رجال من أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم فكانوا خمسة صفوف معقلين و

ص: 230

كانوا يخرجون فيصطفون أحد عشر صفا و يخرج أهل العراق فيصطفون أحد عشر صفا. فخرجوا أول يوم من صفر من سنة سبع و ثلاثين و ذلك يوم الأربعاء فاقتتلوا وعلى من خرج يومئذ من أهل الكوفة الأشتر و على أهل الشام حبيب بن مسلمة.

فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ثم تراجعوا و قد انتصف بعضهم من بعض ثم خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عددها و عدتها و خرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم لبعض.

و خرج اليوم الثالث عمار بن ياسر و خرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد القتال و جعل عمار يقول يا أهل الإسلام أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله و رسوله و جاهدهما و بغى على المسلمين و ظاهر المشركين.

فلما أراد الله أن يظهر دينه و ينصر رسوله أتى النبي صلّی الله علیه و آله فأسلم و هو و الله فيما يرى راهب غير راغب و قبض الله رسوله الله صلّی الله علیه و آله و إنا و الله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم ألا وإنه معاوية فالعنوه لعنه الله و قاتلوه فإنه ممن يطف نور الله و يظاهر أعداء الله.

و كان مع عمار زياد بن النضر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل و صبروا له و شد عمار في الرجالة فأزال فأزال عمرو عمرو بن العاص عن موقفه و بارز يومئذ زياد بن النضر أخا لأمه من بني عامر يقال له معاوية ابن عمرو العقيلي و كانت أمهما هند امرأة من بني زبيد فلما التقيا تساءلا و تواقفا ثم انصرف كل واحد منها عن صاحبه و رجع الناس يومهم ذاك.

ص: 231

365- نصر عن أبي عبد الرحمن المسعودي حدثني يونس بن الأرقم ابن عوف عن شيخ من بكر بن وائل قال كنا مع علي بصفين فرفع عمرو ابن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رح فقال ناس: هذا لواء عقده له رسول الله صلّی الله علیه و آله فلم يزالوا كذلك حتى بلغ عليا.

فقال هل تدرون ما أمر هذا اللواء؟ إن عدو الله عمرو بن العاص أخرج له رسول الله هذه الشقة فقال من يأخذها بما فيها فقال عمرو و ما فيها يا رسول الله؟ قال: فيها أن لا تقاتل به مسلما و لا تقربه من كافر فأخذها.

فقد و الله قربه من المشركين و قاتل به اليوم المسلمين و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منا إلا أنهم لم يدعوا الصلاة.

366- نصر أخبرني عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال لما كان قتال صفين قال رجل العمار: يا أبا اليقظان ألم يقل رسول الله صلّی الله علیه و آله : قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا أسلموا عصموا مني دماءهم وأموالهم قال: بلى و لكن والله ما أسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.

367 - نصر عن عبد العزيز قال حبيب بن أبي ثابت: قال حدثني منذر الثوري قال: قال محمد بن الحنفية لما أتاهم رسول الله من أعلى الوادي و من أسفله و ملأ الأودية كتائب استسلموا حتى وجدوا أعوانا.

368- نصر عن فطر بن خليفة عن منذر الثوري قال عمار بن ياسر و الله ما أسلم القوم و لكن استسلموا و أسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.

369- نصر عن الحكم بن ظهير عن إسماعيل عن الحسن. قال: و

ص: 232

حدثنا الحكم أيضا عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قالا: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه. قال الحسن فما فعلوا و لا أفلحوا.

370- نصر عن عمرو بن ثابت عن إسماعيل عن الحسن قال قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه قال فحدثني بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدري: فلم نفعل و لم نفلح.

371- نصر عن يحيى بن يعلى عن الأعمش عن خيثمة قال: قال عبد الله بن عمر: إن معاوية في تابوت في «الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِن النّارِ» و لو لا كلمة فرعون «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ما كان أحد أسفل من معاوية.

372- نصر عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن سالم بن أبي الجعد عن أبي حرب بن أبي الأسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : شر خلق الله خمسة – إبليس و ابن آدم الذي قتل أخاه و فرعون ذو الأوتاد و رجل من بني إسرائيل ردهم عن دينهم و رجل من هذه الأمة يبايع على كفره عند باب لد قال الرجل إني لما رأيت معاوية بايع عند باب لد ذكرت قول رسول الله فلحقت بعلي فكنت معه.

373- نصر عن جعفر الأحمر عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: يموت معاوية على غير الإسلام عن جعفر الأحمر عن ليث عن محارب بن زياد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: يموت معاوية على غير ملتي.

374- نصر عن عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبل أبو سفيان و معه معاوية فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله:

ص: 233

اللهم العن التابع والمتبوع اللهم عليك بالأقيعس. فقال ابن البراء لأبيه من الأقيعس؟ قال: معاوية.

375- نصر عن قيس بن الربيع و سليمان بن قرم عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سعيد عن علي قال: رأيت النبي صلّی الله علیه و آله في النوم فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود و اللدد فقال: انظر فإذا عمرو ابن العاص و معاوية معلقين منكسين تشدخ رءوسهما بالصخر.

376- نصر عن عمر حدثني يحيى بن يعلى بن عبد الجبار بن عباس عن عمار الدهني عن أبي المثنى عن عبد الله بن عمر قال: ما بين تابوت معاوية و تابوت فرعون إلا درجة و ما انخفضت تلك الدرجة إلا أنه قال: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى».

377- نصر عن أبي عبد الرحمن قال حدثني العلاء بن يزيد القرشي عن جعفر بن محمد علیهماالسّلام قال: دخل زيد بن أرقم على معاوية فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما فقال له عمرو بن العاص أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني و بين أمير المؤمنين؟

فقال زيد: إن رسول الله غزا غزوة و أنتما معه فرآكما مجتمعين فنظر إليكما نظرا شديدا ثم رآكما اليوم الثاني و اليوم الثالث كل ذلك يديم النظر إليكما فقال في اليوم الثالث إذا رأيتم معاوية و عمرو بن العاص مجتمعين ففرقوا بينهما فإنهما لن يجتمعا على خير.

378- نصر عن محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي قال أخبرني أبو هلال أنه سمع أبا برزة الأسلمي يقول: إنهم كانوا مع رسول الله صلّی الله علیه و آله فسمعوا غناء فتشرفوا له فقام رجل

ص: 234

فاستمع له و ذاك قبل أن تحرم الخمر فأتاهم ثم رجع فقال: هذا معاوية و عمرو بن العاص يجيب أحدهما الآخر و هو يقول:

يزال حواري تلوح عظامه *** زوى الحرب عنه أن يحس فيقبرا

فرفع رسول الله يديه فقال اللهم اركسهم في الفتنة ركسا اللهم دعهم إلى النار دعا.

379- نصر عن محمد بن فضيل عن أبي حمزة الثمالي عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمر قال إن تابوت معاوية فى النار فوق تابوت فرعون و ذلك بأن فرعون قال «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى».

380- نصر عن شريك عن ليث عن طاوس عن عبد الله بن عمر قال: أتيت النبي صلّی الله علیه و آله فسمعته يقول : يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت و هو على غير سنتي. فشق علي ذلك و تركت أبي يلبس ثيابه و يجيء فطلع معاوية.

381 - نصر عن بليد بن سليمان حدثني الأعمش عن علي بن الأقمر قال: وفدنا على معاوية و قضينا حوائجنا ثم قلنا لو مررنا برجل قد شهد رسول الله صلّی الله علیه و آله و عاينه فأتينا عبدالله بن عمر فقلنا يا صاحب رسول الله صلّی الله علیه و آله حدثنا ما شهدت و رأيت قال: إن هذا أرسل إلي يعني معاوية.

فقال: لئن بلغني أنك تحدث لأضر بن عنقك. فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت: وددت أن أحد سيف في جندك على عنقي فقال: و الله ما كنت لأقاتلك و لا أقتلك وايم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله قال فيه رأيت رسول الله صلّی الله علیه و آله أرسل إليه يدعوه و كان يكتب بين يديه.

فجاء الرسول فقال: هو يأكل فقال : لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع

ص: 235

قال: و خرج من فج فنظر رسول الله إلى أبي سفيان و هو راكب و معاوية و أخوه أحدهما قائد و الآخر سائق فلما نظر إليهم رسول الله صلّی الله علیه و آله قال اللهم العن القائد و السائق و الراكب قلنا: أنت سمعت رسول الله صلّى الله عليه و آله قال نعم و إلا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي.

382- نصر عن عبد العزيز بن الخطاب عن صالح بن أبي الأسود عن إسماعيل عن الحسن قال قال رسول الله صلّی الله علیه و آله: إذا رأيتم معاوية على منبري يخطب فاقتلوه.

383- قال نصر ثم رجع إلى حديث عمرو بن شمر قال فلما كان من الغد خرج محمد بن علي بن أبي طالب و خرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا كأشد القتال ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية أن اخرج إلي أبارزك قال له: نعم ثم خرج إليه يمشي فبصر به علي فقال: من هذان المتبارزان؟ فقيل له: ابن الحنفية و ابن عمر.

فحرك علي دابته ثم دعا محمدا فوقف له فقال: أمسك دابتي فأمسكها له ثم مشى إليه فقال: أنا أبارزك فهلم إلي قال: ليس لي في مبارزتك حاجة قال فرجع ابن عمر و أخذ ابن الحنفية يقول لأبيه: منعتني من مبارزته فو الله لو تركتني لرجوت أن أقتله قال: يا بني.

لو بارزته أنا لقتلته و لو بارزته أنت لرجوت أن تقتله وما كنت آمن أن يقتلك ثم قال: يا أبه أتبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو الله ؟ و الله لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه فقال: يا بني لا تذكر أباه و لا تقل فيه إلا خيرا يرحم الله أباه.

ثم إن الناس تحاجزوا و تراجعوا فلما أن كان اليوم الخامس خرج

ص: 236

عبد الله بن العباس و الوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا و دنا ابن عباس من الوليد بن عقبة فأخذ الوليد يسب بني عبد المطلب و أخذ يقول يا ابن عباس قطعتم أرحامكم وقتلتم إمامكم.

فكيف رأيتم صنع الله بكم لم تعطوا ما طلبتم و لم تدركوا ما أملتم و الله إن شاء الله مهلككم و ناصرنا عليكم فأرسل إليه ابن عباس أن ابرز إلي فأبى أن يفعل و قاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا ثم انصرفوا عند الظهر و كل غير غالب وذلك يوم الأحد.

384- نصر عن عمر بن سعد قال أبو يحيى عن الزهري قال: و خرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري فلحق بعلي علیه السّلام في ناس من قراء أهل الشام ففت ذلك في عضد معاوية و عمرو بن العاص و قال عمرو يا معاوية إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلّی الله علیه و آله قرابة قريبة و رحم ماسة و قدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله و نجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله.

و إنه قد سار إليك بأصحاب محمد صلّی الله علیه و آله المعدودين و فرسانهم و قرائهم و أشرافهم و قدمائهم في الإسلام و لهم في النفوس مهابة فبادر بأهل الشام مخاشن الوعر و مضايق الغيض واحملها على الجهد و ائتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا فيظهر فيهم كآبة الخذلان و مهما نسيت فلا تنس أنك على باطل.

فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق معاوية خطبة و أمر بالمنبر فأخرج ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا خطبته فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:

أيها الناس أعيرونا أنفسكم وجماجمكم لا تفشلوا و لا تخاذلوا فإن اليوم يوم خطار و يوم حقيقة و حفاظ فإنكم على حق و بأيديكم حجة و

ص: 237

إنما تقاتلون من نكث البيعة وسفك الدم الحرام فليس له في السماء عاذر.

ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس قدموا المستلئمة و أخروا الحاسر و أعيروا جماجمكم ساعة فقد بلغ الحق مقطعه و إنما هو ظالم و مظلوم.

385- نصر عن عمر بن سعد عن أبي يحيى عن محمد بن طلحة عن أبي سنان الأسلمي قال: لما أخبر علي بخطبة معاوية و عمرو و تحريضهما الناس عليه أمر الناس فجمعوا قال: وكأني أنظر إلى علي متوكئا على قوسه و قد جمع أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله عنده فهم يلونه و كأنه أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله متوافرون عليه فحمد الله ثم قال:

أيها الناس اسمعوا مقالتي و عوا كلامي فإن الخيلاء من التجبر و و إن النخوة من التكبر و إن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابذوا و لا تخاذلوا فإن شرائع الدين واحدة و سبله قاصدة من أخذ بها لحق و من تركها مرق و من فارقها محق ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذا وعد ولا بالكذاب إذا نطق.

نحن أهل بيت الرحمة و قولنا الصدق و من فعالنا القصد و منا خاتم النبيين و فينا قادة الإسلام و منا قراء الكتاب ندعوكم إلى الله و إلى رسوله و إلى جهاد عدوه والشدة في أمره و ابتغاء رضوانه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان و توفير الفيء لأهله.

ألا و إن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص السهمي أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمها و قد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلّی الله علیه و آله قط و لم أعصه في أمر قط أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال و ترعد فيها الفرائص نجدة أكرمني الله

ص: 238

بها فله الحمد.

و لقد قبض رسول الله صلّی الله علیه و آله و إن رأسه لفي حجري و لقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة المقربون معي و ايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا ما شاء الله.

386 - عنه قال: فقال أبو سنان الأسلمي: فسمعت عمار بن ياسر :يقول: أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه أولا و أنها لن تستقيم عليه آخرا ثم تفرق الناس و قد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم فتأهبوا و استعدوا.

387- نصر عن عمرو بن شمر عن مالك بن أعين عن يزيد بن وهب أن عليا قال في هذه الليلة حتى متى لا تناهض القوم بأجمعنا قال فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال:

الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض و لا ينقض ما أبرم و لو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة و لا من خلقه و لا تنازعت الأمة في شيء من أمره و لا جحد المفضول ذا الفضل فضله و قد ساقتنا و هؤلاء القوم الأقدار حتى لفت بيننا في هذا المكان فنحن من ربنا بمرأى ومسمع فلو شاء لعجل النقمة و لكان منه التغيير.

حتى يكذب الله الظالم و يعلم الحق أين مصيره و لكنه جعل الدنيا دار الأعمال و جعل الآخرة عنده دار الجزاء و القرار: «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى» أَلا إنكم لاقوا العدو غدا إن شاء الله فأطيلوا الليلة القيام و أكثروا تلاوة القرآن و اسألوا الله الصبر و النصر و ألقوهم بالجد و الحزم و كونوا صادقين.

ثم انصرف و وثب الناس إلى سيوفهم و رماحهم و نبالهم يصلحونها

ص: 239

فمر عليهم كعب بن جعيل التغلبي و هو يقول

أصبحت الأمة في أمر عجب *** و الملك مجموع غدا لمن غلب

فقلت قولا صادقا غير كذب *** أن غدا يهلك أعلام العرب

غدا نلاقي ربنا فنحتسب *** يا رب لا تشمت بنا و لا تصب

من خلع الأنداد كلا و الصلب *** غدا يكونون رمادا قد كثب

بعد الجمال و الحياء و الحسب

فلما كان الليل خرج علي فعبأ الناس ليلته كلها حتى أصبح و عقد الألوية و أمر الأمراء وكتب الكتائب و بعث علي مناديا فنادى: يا أهل الشام اغدوا على مصافكم فضج أهل الشام في عسكرهم و اجتمعوا إلى معاوية فعباً خيله و عقد الألوية و أمر الأمراء و كتب الكتائب ثم نادى معاوية:

أين الجند المقدم؟ فخرج أهل حمص في رايتهم عليهم ذو الكلاع الحميري ثم نودي أين أهل الأردن فخرجوا في راياتهم عليهم أبو الأعور سفيان بن عمرو السلمي ثم نودي أين أهل قنسرين فجاءوا في راياتهم عليهم زفر بن الحارث ثم نودي أين جند الأمير فجاء أهل دمشق على راياتهم و هم القلب وعليهم الضحاك بن قيس الفهري.

فأطافوا بمعاوية و سار أبو الأعور و سار عمرو بن العاص و من معهما حتى وقفوا قريبا من أهل العراق فنظر إليهم عمرو فاستقلهم و طمع فيهم و كان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف. ثم رجع عمرو بن العاص إلى معاوية فقال قد عرفت و علمت ما بيننا من العهد والعقد.

فاعصب هذا الأمر برأسي و أرسل إلى أبي الأعور فنحه عني و دعني و القوم فأرسل معاوية إلى أبي الأعور أن لأبي عبد الله رأيا و تجربة ليست

ص: 240

لي و لا لك و قد وليته أعنة الخيل فسر حتى تقف أنت و خيلك على تل كذا و دعه و القوم.

فسار أبو الأعور فأقبل عمرو بن العاص ثم نادى ابنه: يا عبد الله بن عمرو قال: لبيك و قال يا محمد بن عمرو قال لبيك قال قدما لي هذه الدرع و أخرا عني هذه الحسر و أقيما الصف قص الشارب فإن هؤلاء قد جاءوا بخطة بلغت السماء فمشيا براياتهما وعدلا الصفوف.

و سار بينهما عمر و حتى عدل الصفوف و أحسن الصف ثانية ثم حمل قيسا و كلبا و كنانة على الخيول و رجل سائر الناس و قعد على منبره و أحاط به أهل اليمن و قال لا يقربن هذا المنبر أحد إلا قتلتموه كائنا من كان.

388- نصر عن عمر عن الحارث بن حصيرة و غيره قال لما قام أهل الشام و أهل العراق و تواقفوا و أخذوا مصافهم للقتال قال معاوية من هؤلاء في الميسرة ميسرة أهل العراق قالوا ربيعة فلم يجد في أهل الشام ربيعة فجاء بحمير فجعلهم بإزاء ربيعة على قرعة أقرعها من حمير و عك.

فقال ذو الكلاع باستك من سهم لم تبغ الضراب كأنه أنف من أن تكون حمير بإزاء ربيعة فبلغ ذلك الخندف الحنفي فحلف بالله لئن عاينه ليقتلنه أو ليموتن دونه فجاءت حمير حتى وقفت بإزاء ربيعة و جعل السكون والسكاسك بإزاء كندة و عليها الأشعث و جعل بإزاء همدان من أهل العراق الأزد و بجيلة و بإزاء مذحج من أهل العراق عكا فقال راجز من أهل الشام:

ويل لأم مذحج من عك *** و أمهم قائمة تبكي

نصكهم بالسيف أي صك *** فلا رجال كرجال عك

و جعل بإزاء التيم من أهل العراق - هوازن و غطفان و سليما و قد

ص: 241

قيدت عك أرجلها بالعمائم ثم طرحوا حجرا بين أيديهم و قالوا: لا نفر حتى يفر هذا الحكر بالكاف وعك تقلب الجيم كافا وصف القلب خمسة صفوف و فعل أهل العراق أيضا كذلك قال ثم قال عمرو بن العاص:

يا أيها الجند الصليب الإيمان *** قوموا قياما و استعينوا الرحمن

إني أتاني خبر فأشجان *** أن عليا قتل ابن عفان

ردوا علينا شيخنا كما كان

فرد عليه أهل العراق وقالوا:

أبت سيوف مذحج و همدان *** بأن نرد نعثلا كما كان

خلقا جديدا مثل خلق الرحمن *** ذلك شأن قد مضى و ذا شأن

و صاح رجل من أهل الشام:

ردوا علينا شيخنا ثم بجل *** أو لا تكونوا جزرا من الأسل

فقال رجل من أهل العراق:

کیف نرد نعثلا وقد قحل *** نحن ضربنا رأسه حتى انجفل

لما حكى حكم الطواغيت الأول *** وجار في الحكم وجار في العمل

و أبدل الله به خير البدل *** أقدم للحرب و أنكي للبطل

و قال إبراهيم بن أوس بن عبيدة السلمي من أهل الشام:

لله در كتائب جاءتكم *** تبكي فوارسها على عثمان

سبعون ألفا ليس فيهم قاسط *** يتلون كل مفصل و مثان

يسلون حق الله لا يعدونه *** و مجيئكم للملك و السلطان

فأتوا ببينة على ما جئتم *** أولا فحسبكم من العدوان

و أتوا بما يمحو قصاص خليفة *** لله ليس بكاذب خوان

389- قال و بات علي علیه السّلام ليلته كلها يعبئ الناس حتى إذا أصبح

ص: 242

زحف بالناس و خرج إليه معاوية في أهل الشام فأخذ علي يقول: من هذه القبيلة؟ و من هذه القبيلة؟ يعني قبائل أهل الشام فيسمون له حتى إذا عرفهم و عرف مراكزهم قال للأزد:

اكفوني الأزد و قال لخثعم: اكفوني خثعها و أمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من الشام إلا قبيلة ليس منهم بالشام أحد مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير فصرفهم إلى لخم . ثم تناهض القوم يوم الأربعاء فاقتتلوا اقتتالا شدیدا نهارهم کله و انصرفوا عند المساء وكل غير غالب و كان علي علیه السّلام يركب بغلا له يستلذه.

فلما حضرت الحرب قال: ائتوني بفرس فأتوه بفرس له ذنوب أدهم يقاد بشطنين يبحث الأرض بيديه جميعا له حمحمة و صهيل فركبه و قال «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَ مَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» ولا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

390 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم قال كان علي إذا سار إلى القتال ذكر اسم الله حين يركب ثم يقول: الحمد لله على نعمه علينا و فضله العظيم «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إنا إلى رَبِّنا لمنقَلِبُونَ» ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى الله ثم يقول:

اللهم إليك نقلت الأقدام و أتعبت الأبدان و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و شخصت الأبصار: «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ» سيروا على بركة الله ثم يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم - «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» اللهم كف عنا بأس الظالمين فكان هذا

ص: 243

شعاره بصفين.

391- نصر عن الأبيض بن الأغر بن الأغر عن سعد بن طريف عن الأصبغ قال: ما كان علي في قتال قط إلا نادى: كهيعص.

392- نصر عن قيس بن الربيع عن عبد الواحد بن حسان العجلي عمن حدثه عن علي: أنه سمع يقول يوم صفين اللهم إليك رفعت الأبصار و بسطت الأيدي و نقلت الأقدام و دعت الألسن و أفضت القلوب و تحوكم إليك في الأعمال فاحكم بيننا و بينهم بالحق «وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ».

اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا وقلة عددنا وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا و شدة الزمان و ظهور الفتن أعنا عليهم بفتح تعجله و نصر تعز به سلطان الحق وتظهره.

393- نصر عن عمرو بن شمر عن عمران عن سلام بن سويد قال: كان علي إذا أراد أن يسير إلى الحرب قعد على دابته و قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ» على نعمه علينا و فضله العظيم «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ» ثم يوجه دابته إلى القبيلة ثم يرفع يديه إلى السماء ثم يقول:

اللهم إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و شخصت الأبصار نشكو إليك غيبة نبينا وكثرة عدونا و تشتت أهوائنا «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ» سيروا على بركة الله ثم يحمل فيورد و الله من اتبعه و من حاده حياض الموت.

394 - نصر عن عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال لما كان غداة الخميس لسبع خلون من صفر من سنة سبع وثلاثين صلى علي فغلس بالغداة ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ ثم

ص: 244

خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم و كان هو يبدؤهم فيسير إليهم فإذا رأوه و قد زحف استقبلوه بزحوفهم.

395- قال: نصر فحدثني عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب: أن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال: اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل و النهار و جعلت فيه مجرى الشمس و القمر و منازل الكواكب والنجوم و جعلت سكانه سبطا الملائكة لا يسأمون العبادة.

و رب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و الهوام والأنعام و ما لا يحصى مما يرى و مما لا يرى من خلقك العظيم و رب «الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي في الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ» و رب «السَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» و ربِّ الْبَحْرِ المَسْجُورِ» المحيط بالعالمين.

و رب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة و اعصم بقية أصحابي من الفتنة.

396- عنه قال فلما رأوه و قد أقبل خرجوا إليه بزحوفهم وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي و على ميسرته عبدالله ابن العباس و قراء العراق مع ثلاثة نفر مع عمار بن ياسر و مع قيس بن سعد و مع عبد الله بن بديل و الناس على راياتهم و مراكزهم و علي في القلب في أهل المدينة و أهل الكوفة و أهل البصرة و عظم من معه من أهل المدينة الأنصار و معه من خزاعة عدد حسن و من كنانة و غيرهم من أهل المدينة

و كان علي علیه السّلام رجلا دحداحا أدعج العينين كأن وجهه القمر ليلة

ص: 245

البدر حسنا ضخم البطن عريض المسربة شئن الكفين ضخم الكسور كأن عنقه إبريق فضة أصلع ليس في رأسه شعر إلا خفاف من خلفه لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري.

إذا مشى تكفأ به و مار به جسده له سنام كسنام الثور لا تبين عضده من ساعده قد أدمجت إدماجا لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس و هو إلى السمرة أذلف الأنف إذا مشى إلى الحرب هرول و قد أيده الله بالعز و النصر.

ثم زحف علي بالناس إليهم و رفع معاوية قبة له عظيمة قد ألق عليها الكرابيس و جلس تحتها و زحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة و هو على ميسرة أهل الشام فلم يزل يحوزه و يكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر.

398- نصر عن عمر عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب أن عبد الله ابن بديل قام في أصحابه فقال إن معاوية ادعى ما ليس له و نازع الأمر أهله و من ليس مثله و جادل بالباطل ليدحض به الحق و صال عليكم بالأعراب و الأحزاب و زين لهم الضلالة و زرع في قلوبهم حب الفتنة و لبس عليهم الأمر و زادهم «رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ» و أنتم و الله على نور من ربكم و برهان مبين.

قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم وكيف تخشونهم و في أيديكم كتاب من ربكم ظاهر مبروز «أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» و قد قاتلتهم مع النبي صلّی الله علیه و آله و الله ما هم في هذه بأزكى و لا أتقی و لا أبر قوموا إلى عدو الله وعدوكم.

ص: 246

398- نصر عن قال قال عمر بن سعد عن عبد الرحيم بن عبد الرحمن عن أبيه أن عليا أمير المؤمنين علیه السّلام حرض الناس فقال: إن الله عز و جل قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب و تشفي بكم على الخير إيمان بالله و رسوله و جهاد في سبيله وجعل ثوابه مغفرة الذنوب «وَ مَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ من الله أَكْبَرُ» فأخبركم بالذي يحب فقال:

«إنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ» فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص و قدموا الدارع و أخروا الحاسر و عضوا على الأضراس فإنه أنبي للسيوف عن الهام و أربط للجأش و أسكن للقلوب و أميتوا الأصوات.

فإنه أطرد للفشل و أولى بالوقار والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة و راياتكم فلا تميلوها و لا تزيلوها و لا تجعلوها إلا في أيدي شجعانكم المانعي الذمار و الصبر عند نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفون براياتكم و يكتنفونها.

يضربون خلفها و أمامها و لا تضيعوها أجزأ كل امرئ منكم رحمه الله وقد قرنه و واسى أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك لائمة و يأتي به دناءة و أنى هذا وكيف يكون هكذا هذا يقاتل اثنين.

و هذا ممسك يده قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه و قائما ينظر إليه من يفعل هذا يمقته الله فلا تعرضوا لمقت الله فإنما مردكم إلى الله قال الله لقوم «قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ من المَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا» و ايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة استعينوا بالصدق و الصبر فإنه بعد الصبر ينزل النصر.

ص: 247

399- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن مالك بن قدامة الأرحبي قال قام سعيد بن قيس يخطب أصحابه بقناصرين فقال: الحمد لله الذي هدانا لدينه و أورثنا كتابه و امتن علينا بنبيه صلّی الله علیه و آله فجعله «رَحْمَةً لِلْعَالَمينَ» و سيدا للمسلمين وقائدا للمؤمنين و خاتم النبيين و حجة الله العظيم على الماضين و الغابرين و صلوات الله عليه و رحمة الله و بركاته.

ثم كان مما قضى الله و قدره و الحمد لله على ما أحببنا و كرهنا إن ضمنا و عدونا بقناصرين فلا يحمد بنا اليوم الحياص و ليس هذا بأوان انصراف «وَ لاتَ حِينَ مَنَاصٍ» و قد اختصنا الله منه بنعمة فلا نستطيع أداء شكرها و لا نقدر قدرها إن أصحاب محمد المصطفين الأخيار معنا و في حيزنا.

فو الله الذي هو بالعباد بصير أن لو كان قائدنا حبشيا مجدعا إلا أن معنا من البدريين سبعين رجلا لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا و تطيب أنفسنا فكيف و إنما رئيسنا ابن عم نبينا بدري صدق صلى صغيرا و جاهد مع نبيكم كبيرا و معاوية طليق من وثاق الإسار و ابن طليق ألا إنه أغوى جفاة «فَأَوْرَدَهُمُ النار» و أورثهم العار.

و الله محل بهم الذل و الصغار ألا إنكم ستلقون عدوكم غدا فعليكم بتقوى الله و الجد والحزم و الصدق و الصبر «إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ» ألا إنكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم.

و الله لا يقتل رجل منكم رجلا منهم إلا أدخل الله القاتل «جَنَّاتِ عَدْنٍ» و أدخل المقتول «نَاراً تَلَظَّى» - «لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ» عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه و جعلنا وإياكم ممن أطاعه و اتقاه و أستغفر الله لنا ولكم و للمؤمنين.

ص: 248

ثم قال الشعبي لعمري لقد صدق بفعله و بما قاله في خطبته.

400 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر و زيد بن حسن قالا طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام فقال له عمرو: على أن لي حكمي إن قتل الله ابن أبي طالب و استوسقت لك البلاد :قال أليس حكمك في مصر قال و هل مصر تكون عوضا عن الجنة و قتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي «لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ».

فقال معاوية إن لك حكمك أبا عبد الله إن قتل ابن أبي طالب رويدا لا يسمع الناس كلامك فقال لهم عمرو يا معشر أهل الشام سووا صفوفكم و أعيروا ربكم جماجمكم «و اسْتَعِينُوا بِاللهِ» إلهكم و جاهدوا عدو الله و عدوكم و اقتلوهم قتلهم الله و أبادهم: «وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها من يَشَاءُ من عِبَادِهِ وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين».

401- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الفضل بن أدهم قال حدثني أبي أن الأشتر قام يخطب الناس بقناصرين و هو يومئذ على فرس أدهم مثل حلك الغراب فقال:

الحمد لله الذي خلق السَّمَاوَاتِ الْعُلَى «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى لَهُ ما في السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثّرى» أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء حمدا كثيرا بكرة وأصيلا من يهده الله فقد اهتدى و من يضلل الله فقد غوى أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله.

أرسله بالصواب و الهدى و أظهره «عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ المشْرِكُونَ» صلّی الله علیه و آله ثم كان مما قضى الله و قدر أن ساقتنا المقادير إلى هذه

ص: 249

البلدة من الأرض ولف بيننا و بين عدونا فنحن بحمد الله و نعمته و منه و فضله قريرة أعيننا طيبة أنفسنا ونرجو في قتالهم حسن الثواب و الأمن من العقاب.

معنا ابن عم نبينا و سيف من سيوف الله علي بن أبي طالب صلى مع رسول الله صلّی الله علیه و آله لم يسبقه بالصلاة ذكر حتى كان شيخا لم يكن له صبوة و لا نبوة و لا هفوة فقيه في دين الله عالم بحدود الله ذو رأي أصيل وصبر جميل و عفاف قديم.

فاتقوا الله و عليكم بالحزم و الجد و اعلموا أنكم على الحق و أن القوم على الباطل يقاتلون مع معاوية و أنتم مع البدريين قريب من مائة بدري و من سوى ذلك من أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله لا أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و مع معاوية رايات قد كانت مع المشركين على رسول صلّی الله علیه و آله.

فما يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب فإنما أنتم على إحدى الحسنيين إما الفتح و إما الشهادة عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعه و اتقاه و ألهمنا وإياكم طاعته وتقواه و أستغفر الله لي ولكم.

402- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن صعصعة بن صوحان العبدي قال: سمعت زامل بن عمر و الجذامي يقول طلب معاوية إلى ذي الكلاع أن يخطب الناس و يحرضهم على قتال علي و من معه من أهل العراق فعقد فرسه و كان من أعظم أصحاب معاوية خطرا ثم قال:

الحمد لله حمدا كثيرا ناميا جزيلا واضحا منيرا بكرة وأصيلا أحمده و أستعينه و أومن به و أتوكل عليه: «وَ كَفَى بِاللهِ وَكِيلًا» ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالفرقان

ص: 250

حين ظهرت المعاصي و درست الطاعة و امتلأت الأرض جورا وضلالة و اضطرمت الدنيا كلها نيرانا وفتنة و ورك عدو الله إبليس على أن يكون قد عبد في أكنافها و استولى بجميع أهلها.

فكان الذي أطفأ الله به نيرانها و نزع به أوتادها و أوهى به قوى إبليس و آيسه مما كان قد طمع فيه من ظفره بهم رسول الله محمد بن عبد الله صلّی الله علیه و آله فأظهره «عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» ثم كان مما قضى الله أن ضم بيننا و بين أهل ديننا بصفين و إنا لنعلم أن فيهم قوما كانت لهم مع رسول الله صلّى الله عليه و آله سابقة ذات شأن و خطر.

و لكني ضربت الأمر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني أن يهدر دم عثمان صهر رسول الله صلّى الله عليه و آله نبينا الذي جهز جيش العسرة و ألحق في مسجد رسول الله بيتا و بنى سقاية وبايع له نبي الله صلّى الله عليه و آله بيده اليمنى على اليسرى و اختصه رسول الله بكريمتيه - أم كلثوم و رقية ابنتي رسول الله صلّى الله عليه و آله.

فإن كان أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خير منه و قد قال الله عز و جل النبيه صلّى الله عليه و آله : «لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ» و قتل موسى نفسا ثم استغفر الله فغفر له و لم يعر أحد من الذنوب و إنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله.

فإن لم يكن مالاً على قتل عثمان فقد خذله و إنه لأخوه في دينه و ابن عمه و سلفه و ابن عمته ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامكم و بلادكم و أنما عامتهم بين قاتل و خاذل «فاسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا» فلقد ابتليتم أيتها الأمة و الله.

و لقد رأيت في منامي في ليلتي هذه لكأنا و أهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا و نحن في ذلك جميعا ننادي: ويحكم الله و مع أنا و

ص: 251

الله ما نحن لنفارق العرصة حتى نموت فعليكم بتقوى الله و لتكن النيات الله.

فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله يقول: إنما يبعث المقتتلون على النيات أفرغ الله علينا وعليكم الصبر و أعز لنا ولكم النصر وكان لنا ولكم فى كل أمر وأستغفر الله لى و لكم.

403- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن عامر عن صعصعة العبدي عن أبرهة بن الصباح قال: قام يزيد بن أسد البجلي في أهل الشام يخطب الناس بصفين و عليه يومئذ قباء خز و عمامة سوداء آخذا بقائم سيفه واضعا نعل السيف على الأرض متوكئا عليه قال صعصعة: فذكر لي أبرهة أنه كان يومئذ من أجمل العرب وأكرمه و أبلغه فقال:

الحمد لله الواحد القهار ذي الطول و الجلال العزيز الجبار الحليم الغفار الكبير المتعال ذي العطاء و الفعال و السخاء والنوال و البهاء و الجمال و المن و الإفضال مالك اليوم الذي لا ينفع فيه بيع و لا خلال أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و في كل حالة شدة أو رخاء أحمده من على نعمه التؤام و آلائه العظام حمدا قد استنار بالليل و النهار.

ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة النجاة في الحياة و عند الوفاة و فيها الخلاص يوم القصاص و أشهد أن محمدا عبده و رسوله النبي المصطفى و إمام الهدى صلّی الله علیه و آله كثيرا ثم قد كان مما قضى الله أن جمعنا و أهل ديننا في هذه الرقعة من الأرض.

و الله يعلم أني كنت لذلك كارها و لكنهم لم يبلعونا ريقنا و لم يتركونا ترتاد لأنفسنا و ننظر لمعادنا حتى نزلوا بين أظهرنا و في حريمنا و بيضتنا و قد علمنا أن في القوم أحلاما و طغاما فلسنا نأمن طغامهم على ذرارينا و نسائنا و قد كنا نحب ألا نقاتل أهل ديننا.

ص: 252

فأخرجونا حتى صارت الأمور إلى أن قاتلناهم كراهية «فإِنَّا لِلَّهِ وَإِنا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» - «وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ» أما والله الذي بعث محمدا بالرسالة لوددت أني مت منذ سنة و لكن الله إذا أراد أمرا لم يستطع العباد رده فنستعين بالله العظيم و أستغفر الله لي و لكم ثم انكفأ.

404- قال نصر: و في حديث عمر عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب أن عمرو بن العاص قال يومئذ:

لا تأمننا بعدها أبا حسن *** إنا نمر الحرب إمرار الرسن

لتصبحن مثلها أم لبن *** طاحنة تدقكم دق الحفن.

فأجابه شاعر من شعراء أهل العراق:

ألا احذروا في حربكم أبا الحسن *** لينا أبا شبلين محذورا فطن

يدقكم دق المهاريس الطحن *** التغبنن يا جاهلا أي غبن

حتى تعض الكف أو تقرع سن *** ندامة أن فاتكم عدل السنن

405 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي أن أول فارسين التقيا في هذا اليوم وهو اليوم السابع من صفر و كان من الأيام العظيمة في صفين ذا أهوال شديدة - حجر الخير و حجر الشر أما حجر الخير فهو حجر بن عدي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و حجر الشر ابن عمه.

و ذلك أن حجر الشر دعا حجر بن عدي إلى المبارزة و كلاهما من كندة فأجابه فاطعنا برمحيهما ثم حجز بينهما امرؤ من بني أسد وكان مع معاوية فضرب حجرا ضربة برمحه و حمل أصحاب علي فقتلوا الأسدي و حجر بن يزيد أفلتهم حجر الشر هاربا و كان اسم الأسدي خزيمة بن ثابت .

ص: 253

406- نصر عن عمرو بن شمر عن عطاء بن السائب قال: أخبرني مروان بن الحكم أن حجرا يوم قتل الحكم بن أزهر جعل يرتجز و يقول:

أنا الغلام اليمني الكندي *** قد لبس الديباج والإفرندي

أنا الشريف الأريحي المهدي *** يا حكم بن أزهر بن فهد

لقد أصبت غارتي وحدي *** وكرتي و شدتي و جدي

اثبت أقاتلك الغداة وحدي

فلما أن أصاب الحكم بن أزهر حمل عليه رفاعة بن ظالم الحميري و هو يقول:

أنا ابن عم الحكم بن أزهر *** الماجد القمقام حين يذكر

في الذروتين من ملوك حمير *** یا حجر الشر تعال فانظر

أنا الغلام الملك المحبر *** الواضح الوجه كريم العنصر

أقدم إذا شئت ولا تأخر *** و الله لا ترجع ولا تعثر

في قاع صفين بواد معفر

ثم إن رفاعة حمل على حجر الشر فقتله. فقال علي الحمد لله الذي قتل حجرا بالحكم بن أزهر.

407- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم أن عليا قال: من يذهب بهذا المصحف إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى ما فيه؟ فأقبل فتى اسمه سعيد فقال: أنا صاحبه ثم أعادها فسكت الناس و أقبل الفتى فقال: أنا صاحبه فقال علي: دونك فقبضه بيده ثم أتى معاوية فقرأه عليهم و دعاهم إلى ما فيه فقتلوه و زعم تميم أنه سعيد بن قيس.

408- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت الشعبي يقول كان عبد الله بن بديل الخزاعي مع علي علیه السّلام يومئذ و عليه سيفان و درعان

ص: 254

فجعل يضرب الناس بسيفه قدما و هو يقول:

لم يبق إلا الصبر و التوكل *** و أخذك الترس و سيفا مقصل

ثم التمشي في الرعيل الأول *** مشي الجمال في حياض المنهل

و الله يقضي ما يشاء و يفعل.

فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية و الذين بايعوه على الموت فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل و بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري و هو في الميسرة أن يحمل عليه بجميع من معه و اختلط الناس و اضطرم الفيلقان ميمنة أهل العراق و ميسرة أهل الشام.

و أقبل عبد الله بن بديل يضرب الناس بسيفه قدما حتى أزال معاوية عن موقفه و جعل ينادي: يا لثارات عثمان يعني أخا كان له قد قتل و ظن معاوية و أصحابه أنه إنما يعني عثمان بن عفان و تراجع معاوية عن مكانه القهقرى كثيرا و أشفق على نفسه و أرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية و ثالثة يستنجده و يستصرخه و يحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق.

فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم و لجج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية و جعل يطلب موقفه و يصمد نحوه حتى انتهى إليه عبد الله بن عامر واقفا فنادى معاوية بالناس ويلكم الصخر و الحجارة إذا عجزتم عن السلاح.

فأقبل أصحاب معاوية على عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر حتى أثخنوه وقتل الرجل و أقبل إليه معاوية و عبد الله بن عامر حتى وقفا عليه فأما عبد الله بن عامر فألقى عمامته على وجهه و ترحم عليه و كان له من

ص: 255

قبل أخا و صديقا فقال معاوية اكشف عن وجهه.

فقال لا و الله لا يمثل به و في روح فقال معاوية اكشف عن وجهه فإنا لا نمثل به فقد وهبته لك فكشف ابن عامر عن وجهه فقال معاوية هذا كبش القوم و رب الكعبة اللهم أظفرني بالأشتر النخعي و الأشعث الكندي و الله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها *** وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

ويحمي إذا ما الموت كان لقاؤه *** قدى الشبر يحمى الأنف أن يتأخرا

کلیث هزبر كان يحمى ذماره *** رمته المنايا قصدها فتقطرا

مع أن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها فعلت

409- نصر عن عمرو عن أبي روق الهمداني أن يزيد بن قيس الأرحبي حرض الناس بصفين قال فقال:

إن المسلم السليم من سلم دينه و رأيه إن هؤلاء القوم و الله ما إن يقاتلونا على إقامة دين رأونا ضيعناه و لا إحياء عدل رأونا أمتناه و لا يقاتلونا إلا على إقامة الدنيا ليكونوا جبابرة فيها ملوكا فلو ظهروا عليكم لا أراهم الله ظهورا و لا سرورا إذا ألزموكم مثل سعيد و الوليد و عبد الله بن عامر السفيه يحدث أحدهم في مجلسه بذيت و ذيت و يأخذ مال الله و يقول هذا لي و لا إثم علي فيه.

كأنما أعطى تراثه من أبيه و إنما هو مال الله أفاءه الله علينا بأسيافنا و رماحنا قاتلوا عباد الله القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله و لا تأخذكم في جهادهم لومة لائم إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا دينكم و دنياكم و هم من قد عرفتم و جربتم و الله ما أرادوا إلى هذا إلا شرا و

ص: 256

أستغفر الله العظيم لي ولكم.

فقاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة حتى انتهى إلى معاوية مع الذين بايعوه على الموت فاقبلوا إلى معاوية فأمره أن يصمدوا لعبد الله بن بديل في الميمنة و بعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة فى الميسرة فحمل بمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم و كشف أهل العراق ميلا من قبل الميمنة حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة من القراء و استند بعضهم إلى بعض و انجفل الناس عليهم.

فأمر علي سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان مع على من أهل المدينة فاستقبلتهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة فحملوا عليهم و ألحقوهم بالميمنة و كانت الميمنة متصلة إلى موقف علي في القلب في أهل اليمن فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي فانصرف علي يمشي نحو الميسرة فانصرف عنه مضر من الميسرة و ثبت ربيعة.

410- نصر عن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال مر علي يومئذ و معه بنوه نحو الميسرة و معه ربيعة وحدها و إني لأرى النبل بين عاتقه و منكبيه و ما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه فيكره علي ذلك فيتقدم عليه فيحول بينه و بين أهل الشام و يأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه أو من ورائه.

فبصر به أحمر مولى أبي سفيان أو عثمان أو بعض بني أمية فقال علي: و رب الكعبة قتلني الله إن لم أقتلك أو تقتلني فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي فاختلفا ضربتين فقتله مولى بني أمية وخالط عليا ليضربه بالسيف فانتهزه علي فتقع يده في جيب درعه فجذبه ثم حمله على عاتقه.

فكأني أنظر إلى رجليه تختلفان على عنق علي ثم ضرب به الأرض

ص: 257

فکسر منكبه و عضده و شد ابنا علي عليه الحسين و محمد فضرباه بأسيافهما حتى برد فكأني أنظر إلى علي قائما و شبلاه يضربان الرجل حتى إذا أتيا عليه أقبلا إلى أبيهما و الحسن معه قائم قال: يا بني ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك؟ قال: كفياني يا أمير المؤمنين.

ثم إن أهل الشام دنوا منه والله ما يزيده قربهم منه و دنوهم إليه سرعة في مشيه فقال له الحسن ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء الذين صبروا لعدوك من أصحابك قال يعني ربيعة الميسرة قال يا بني إن لأبيك يوما لن يعدوه و لا يبطئ به عنه السعي و لا يعجل به إليه المشي إن أباك و الله ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.

411- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي إسحاق قال خرج علي يوم صفين و في يده عنزة فمر على سعيد بن قيس الهمداني فقال له سعيد أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد و أنت قرب عدوك فقال له علي إنه ليس من أحد إلا عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو تصيبه آفة فإذا جاء القدر خلوا بينه و بينه.

412 - نصر عن عمر عن فضيل بن خديج عن مولى الأشتر قال: لما انهزمت ميمنة أهل العراق أقبل علي يركض نحو الميسرة يستثيب الناس و يستوقفهم و يأمرهم بالرجوع نحو الفزع حتى مر بالأشتر فقال له: يا مالك قال: لبيك يا أمير المؤمنين قال: ائت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم.

فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم هؤلاء الكلمات التي أمره علي بهن و قال: أيها الناس أنا مالك بن الحارث يكررها فلم يلو أحد منهم عليه ثم ظن أنه بالأشتر أعرف في الناس فقال: أيها الناس أنا الأشتر

ص: 258

إلي أيها الناس فأقبلت إليه طائفة و ذهبت عنه طائفة فقال: عضضتم بهن أباكم ما أقبح و الله ما قاتلتم اليوم.

يا أيها الناس غضوا الأبصار و عضوا على النواجذ و استقبلوا القوم بهامكم ثم شدوا شدة قوم موتورين بآبائهم وأبنائهم و إخوانهم حنقا على عدوهم و قد وطنوا على الموت أنفسهم كي لا يسبقوا بثأر إن هؤلاء القوم و الله لن يقارعوكم إلا عن دينكم ليطفئوا السنة و يحيوا البدعة و يدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله نفسا بدمائكم دون دينكم فإن الفرار فيه سلب العز و الغلبة على الفيء و ذل المحيا و الممات و عار الدنيا و الآخرة وسخط الله و أليم عقابه.

ثم قال: أيها الناس أخلصوا إلي مذحجا فاجتمعت إليه مذحج فقال لهم عضضتم بصم الجندل و الله ما أرضيتم اليوم ربكم و لا نصحتم له في عدوه فكيف بذلك و أنتم أبناء الحرب و أصحاب الغارات و فتيان الصباح و فرسان الطراد و حتوف الأقران و مذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم و لا تطل دماؤهم ولا يعرفون في موطن من المواطن بخسف و أنتم أحد أهل مصركم و أعد حي في قومكم و ما تفعلوا في هذا اليوم فإنه مأثور بعد اليوم.

فاتقوا مأثور الحديث في غد و اصدقوا عدوكم اللقاء «فإنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ» والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء و أشار بيده إلى أهل الشام رجل على مثل جناح بعوضة من دين الله والله ما أحسنتم اليوم القراع أجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي عليكم بهذا السواد الأعظم فإن الله لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السيل مقدمه.

قالوا خذ بنا حيث أحببت فصمد بهم نحو عظمهم نحو عظمهم مما نحو الميمنة و

ص: 259

أخذ يزحف إليهم الأشتر و يردهم و يستقبله شباب من همدان و كانوا ثماني مائة مقاتل يومئذ وقد انهزموا آخر الناس و كانوا قد صبروا في ميمنة علي علیه السّلام حتى أصيب منهم ثمانون ومائة رجل وقتل منهم أحد عشر رئيسا كلما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر.

فكان أولهم كريب بن شريح و شرحبيل بن شریح و مرثد بن شریح و هبيرة بن شريح ثم يريم بن شريح ثم شمر بن شريح قتل هؤلاء الإخوة الستة جميعا ثم أخذ الراية سفيان بن زيد ثم عبد بن زيد ثم كرب بن زيد فقتل هؤلاء الإخوة الثلاثة جميعا ثم أخذ الراية عمير بن بشر و الحارث بن بشر فقتلا.

ثم أخذ الراية وهب بن كريب أبو القلوص فأراد أن يستقبل

فقال له رجل من قومه انصرف يرحمك الله بهذه الراية ترحها الله من راية فقد قتل أشراف قومك حولها فلا تقتل نفسك ولا من بقي ممن معك فانصرفوا و هم يقولون: ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا.

ثم نستقدم نحن و هم فلا ننصرف حتى نقتل أو نظهر فمروا بالأشتر و هم يقولون هذا القول فقال لهم الأشتر إلي أنا أحالفكم و أعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظهر أو نهلك فوقفوا معه على هذه النية و العزيمة ففي هذا القول قال كعب بن جعيل:

و همدان زرق تبتغي من تحالف

و زحف الأشتر نحو الميمنة و ثاب إليه أناس تراجعوا من أهل البصيرة و الحياء و الوفاء فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها و لا لجمع إلا حازه و رده فإنه لكذلك إذ مر بزياد بن النضر يحمل إلى العسكر فقال من هذا قيل زياد بن النضر استلحم عبد الله بن بديل و هو و أصحابه في الميمنة

ص: 260

فتقدم زیاد فرفع لأهل الميمنة رايته.

فقاتل حتى صرع ثم لم يمكثوا إلا كلا شيء حتى مروا بيزيد بن قيس محمولا إلى العسكر فقال الأشتر من هذا قالوا: يزيد بن قيس لما صرع زياد بن النضر رفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع فقال الأشتر هذا و الله الصبر الجميل و الفعل الكريم ألا يستحيي الرجل أن ينصرف لم يقتل و لم يقتل و لم يشف به على القتل؟

413- نصر عن عمر عن الحر بن الصياح النخعي أن الأشتر كان يومئذ يقاتل على فرس له في يده صفيحة له يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبا فإذا رفعها كاد يغشي البصر شعاعها و يضرب بسيفه قدما و هو يقول:

الغمرات ثم ينجلينا

قال فبصر به الحارث بن جمهان الجعفى و الأشتر مقنع في الحديد فلم يعرفه فدنا منه و قال له: جزاك الله منذ اليوم عن أمير المؤمنين علیه السّلام جماعة المسلمين خيرا فعرفه الأشتر فقال: يا ابن جمهان أمثلك يتخلف اليوم عن مثل موطني هذا الذي أنا فيه فتأمله ابن جمهان فعرفه و كان الأشتر من أعظم الرجال و أطوله إلا أن في لحمه خفة قليلة.

قال: جعلت فداك لا و الله ما علمت مكانك حتى الساعة ولا أفارقك حتى أموت قال و رآه منقذ و حمير ابنا قيس الناعطيان فقال منقذ الحمير ما في العرب رجل مثل هذا إن كان ما أرى من قتاله على نيته فقال له حمير: و هل النية إلا ما ترى قال: إني أخاف أن يكون يحاول ملكا.

414 - نصر عن عمر عن فضيل بن خديج عن مولى الأشتر قال لما اجتمع إلى الأشتر عظم من كان انهزم من الميمنة حرضهم فقال لهم: عضوا

ص: 261

على النواجذ من الأضراس و استقبلوا القوم بهامكم فإن الفرار من الزحف فيه سلب العز و الغلبة على الفيء و ذل المحيا و الممات و عار الدنيا والآخرة ثم حمل عليهم حتى كشفهم فألحقهم بصفوف معاوية بين صلاة العصر و المغرب.

415- نصر عن عمر عن محمد بن إسحاق أن عمرو بن حمية الكلبي خرج يوم صفين و هو مع معاوية يدعو للبراز.

416- نصر عن عمر عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب أن عليا لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها و مصافها و كشف من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم أقبل حتى انتهى إليهم فقال: إني قد رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الجفاة الطغام و أعراب أهل الشام و أنتم لهاميم العرب و السنام الأعظم و عمار الليل بتلاوة القرآن و أهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون.

فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولي يوم الزحف دبره و كنتم فيها أرى من الهالكين و لقد هون علي بعض وجدي و شفى بعض أحاح نفسي أني رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم و أزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحوزونهم بالسيوف ليركب أولهم آخرهم كالإبل المطردة الهيم.

فالآن فاصبروا أنزلت عليكم السكينة وثبتكم الله باليقين و ليعلم المنهزم أنه مسخط لربه و موبق نفسه و في الفرار موجدة الله عليه و الذل اللازم له و العار الباقي و اعتصار الفيء من يده و فساد العيش و أن الفار لا يزيد الفرار في عمره و لا يرضى ربه فموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها و الإقرار عليها.

ص: 262

417- نصر عن عمر قال حدثنا أبو علقمة الخثعمي أن عبد الله بن حنش الختعمي رأس خثعم مع معاوية أرسل إلى أبي كعب رأس خثعم مع علي: أن لو شئت لتواقفنا فلم نقتتل فإن ظهر صاحبك كنا معكم و إن ظهر صاحبنا كنتم معنا و لم يقتل بعضنا بعضا فأبى أبو كعب ذلك فلما التقت خثعم و خثعم و زحف الناس بعضهم إلى بعض قال رأس خثعم الشام لقومه:

يا معشر خثعم قد عرضنا على قومنا من أهل العراق الموادعة صلة لأرحامهم و حفظا لحقهم فأبوا إلا قتالنا فقد بدءونا بالقطيعة فكفوا أيديكم عنهم حفظا لحقهم أبدا ما كفوا عنكم فإذا قاتلوكم فقاتلوهم. فخرج رجل من أصحابه فقال: إنهم قد ردوا عليك رأيك و أقبلوا يقاتلونك. ثم ب-رز فنادى رجل لرجل يا أهل العراق فغضب رأس خثعم من أهل الشام فقال: اللهم قيض له وهب بن مسعود رجلا من خثعم من أهل الكوفة وقد كانوا يعرفونه في الجاهلية لم يبارزه رجل قط إلا قتله فخرج إليه وهب بن مسعود فحمل على الشامي فقتله ثم اضطربوا ساعة فاقتتلوا أشد القتال و أخذ أبو كعب يقول لأصحابه:

يا معشر خثعم خدموا و أخذ صاحب الشام يقول: يا أبا كعب الكل قومك فأنصف. فاشتد قتالهم فحمل شمر بن عبد الله الخثعمي من أهل الشام على أبي كعب رأس خثعم الكوفة فطعنه فقتله ثم انصرف يبكي و يقول: رحمك الله يا أبا كعب.

لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم و أحب إلي نفسا منهم و لكن و الله ما أدري ما أقول و لا أرى الشيطان إلا قد فتننا و لا أرى قريشا إلا قد لعبت بنا و وثب كعب بن أبي كعب إلى راية أبيه فأخذها

ص: 263

ففقئت عينه و صرع.

ثم أخذها شريح بن مالك فقاتل القوم تحتها حتى صرع منهم حول رايتهم ثمانون رجلا و أصيب من خثعم الشام نحو منهم ثم إن شريح بن مالك ردها بعد ذلك إلى كعب بن أبي كعب.

418- نصر عن عمرو عن عبد السلام بن عبد الله بن جابر أن راية بجيلة في صفين كانت في أحمس مع أبي شداد و هو قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عامر بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار فقالت له: بجيلة خذ رايتنا فقال غيري خير لكم مني قالوا ما نريد غيرك.

قال فو الله لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب قال و على رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهب يستره من الشمس قالوا اصنع ما شئت فأخذها ثم زحف و هو يقول:

إن عليا ذو أناة صارم *** جلد إذا ما حضر العزائم

لما رأى ما تفعل الأشائم *** قام له الذروة و الأكارم

الأشيبان مالك و هاشم.

ثم زحف بالراية حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب و كان في خيل عظيمة من أصحاب معاوية و ذكروا أنه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قال فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا قال و شد أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له رومي من دونه لمعاوية فضرب قدم أبي شداد فقطعها و ضربه أبو شداد فقتله و أشرعت إليه الأسنة فقتل و أخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي و هو يقول:

لا یبعد الله أبا شداد *** حيث أجاب دعوة المنادي

ص: 264

و شد بالسيف على الأعادي *** نعم الفتى كان لدى الطراد

و في طعان الخيل و الجلاد

ثم قاتل حتى قتل ثم أخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل فقتل ثم أخذها عفيف بن إياس الأحمسي فلم تزل بيده حتى تحاجز الناس.

419 - قال :نصر وحدثنا عمرو قال حدثنا عبد السلام قال قتل حازم ابن أبي حازم أخو قيس بن أبي حازم يومئذ و قتل نعيم بن صهيب بن العلية البجلي فأتى ابن عمه و سميه نعيم بن الحارث بن العلية معاوية و كان معه فقال: إن هذا القتيل ابن عمي فهبه لي أدفنه.

فقال: لا تدفنهم فليسوا أهلا لذلك فو الله ما قدرنا على دفن عثمان معهم إلا سرا قال: والله لتأذنن لي في دفنه أو لألحقن بهم و لأدعنك فقال له: معاوية ويحك ترى أشياخ العرب لا نواريهم و أنت تسألني دفن ابن عمك ثم قال له: ادفنه إن شئت أو دع فأتاه فدفنه.

420- نصر عن عمر عن أبي زهير العبسي عن النضر بن صالح أن راية غطفان العراق كانت مع عياش بن شريك بن حارثة بن جندب بن زید بن خلف بن رواحة قال فخرج رجل من آل ذي الكلاع يسأل المبارزة فبرز إليه قائد بن بكير العبسي فبارزه فشد عليه الكلاعي فأوهطه فخرج إليه عياش بن شريك أبو سليم.

فقال لقومه أنا مبارز الرجل فإن أصيب فرأسكم الأسود بن حبيب ابن جمانة بن قيس بن زهير فإن قتل فرأسكم هرم بن شتير بن عمرو بن جندب فإن قتل فرأسكم عبد عبد الله بن ضرار من بني حنظلة بن رواحة ثم مشى نحو الكلاعي فلحقه هرم بن شتير فأخذ بظهره فقال: ليمسك رحم لا تبرز لهذا الطوال.

ص: 265

قال هبلتك الهبول و هل هو إلا الموت قال: و هل يفر إلا منه قال: و هل منه بد قال: والله لأقتلنه أو ليلحقني بقائد بن بكير فبرز له و معه حجفة له من جلود الإبل فدنا منه فنظر عياش بن شريك فإذا الحديد عليه مفرغ.

لا يرى منه عورة إلا مثل شرائك النعل من عنقه بين بيضته و درعه فضربه الكلاعي فقطع حجفته إلا نحوا من شبر و يضربه عياش على ذلك الموضع فقطع نخاعه و خرج ابن الكلاعي ثائرا بأبيه فقتله بكير بن وائل.

421 - نصر: قال عمر حدثني حدثني أبو الصلت التيمي أن زياد بن خصفة بارزه فقتله.

422- نصر عن عمر عن الصلت بن زهير النهدي أن راية بني نهد بن زيد أخذها مسروق بن الهيثم بن سلمة فقتل و أخذ الراية صخر بن سمي فارتث ثم أخذها علي بن عمير فقاتل حتى ارتث ثم أخذها عبدالله بن كعب فقتل ثم رجع إليهم سلمة بن خذيم بن جرثومة و كان يحرض الناس.

فوجد عبد كعب قد قتل فأخذ رايته فارتث و صرع فأخذها عبدالله بن عمرو بن كبشة فارتث ثم أخذها أبو مسبح بن عمرو الجهني فقتل ثم أخذها عبد الله بن النزال فقتل ثم أخذها ابن أخيه عبد الرحمن بن زهير فقتل ثم أخذها مولاه مخارق فقتل حتى صارت إلى عبد الرحمن بن مخنف الأزدي.

423 - قال نصر فحدثنا عمر و قال حدثنا الصلت عمر وقال حدثنا الصلت بن زهير قال حدثني عبد الرحمن بن مخنف قال صرع يزيد بن المغفل إلى جنبي فقتلت صاحبه و قمت على رأسه وقتل أبو زبيب بن عروة فقتلت صاحبه و جاءني سفيان بن عوف فقال: أقتلتم يا معشر الأزد يزيد بن المغفل؟ فقلت

ص: 266

له: إي والله إنه لهذا الذي تراني قائما على رأسه.

قال و من أنت حياك الله قلت: أنا عبد الرحمن بن مخنف فقال الشريف الكريم : حیاك الله مرحبا بك يا ابن عم أفلا تدفعه إلي؟ فأنا عمة سفيان بن عوف بن المغفل فقلت مرحبا بك أما الآن فنحن أحق به منك و لسنا بدافعيه إليك و أما ما عدا ذلك فلعمري أنت عمه ووارثه.

424 - نصر قال: قال عمر عن الحارث بن حصيرة عن أشياخ من النمر من الأزد أن مخنف بن سليم لما ندب أزد العراق إلى أزد الشام حمد الله و أثنى عليه ثم قال: إن من الخطب الجليل والبلاء العظيم أنا صرفنا إلى قومنا و صرفوا إلينا فو الله ما هي إلا أيدينا نقطعها بأيدينا و ما هي إلا أجنحتنا تحذفها بأسيافنا فإن نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا و لم نواس جماعتنا و إن نحن فعلنا فعزنا أبحنا و نارنا أخمدنا.

فقال: جندب بن زهير و الله لو كنا آباءهم ولدناهم أو كنا أبناءهم ولدونا ثم خرجوا من جماعتنا و طعنوا على إمامنا و آزروا الظالمين و الحاكمين بغير الحق على أهل ملتنا و دمتنا ما افترقنا بعد أن اجتمعنا حتى يرجعوا عما هم عليه و يدخلوا فيما ندعوهم إليه أو تكثر القتلى بيننا و بينهم.

فقال مخنف: أعزبك الله في التيه أما والله ما علمتك صغيرا و لا كبيرا إلا مشئوما و الله ما ميلنا الرأي بين أمرين قط أيهما نأتي و أيهما ندع في الجاهلية و لا بعد ما أسلمنا إلا اخترت أعسر هما و أنكدهما اللهم فإن نعافى أحب إلينا من أن نبتلى فأعط كل رجل منا ما سألك.

فقال أبو بردة بن عوف اللهم احكم بيننا بما هو أرضى لك يا قوم إنكم سترون ما يصنع الناس و إن لنا الأسوة بما اجتمعت عليه الجماعة إن كنا على حق و إن يكونوا صادقين فإن أسوة في الشر والله ما علمنا ضرر

ص: 267

في المحيا و الممات.

425- عنه قال: تقدم جندب بن زهير فبارز رأس أزد الشام فقتله الشامي وقتل من رهط عبد الله بن ناجد - عجلا و سعيدا ابني عبد الله و قتل مع مخنف من رهطه عبد الله بن ناجد و خالد بن ناجد و عمرو و عامر ابنا عريف و عبد الله بن الحجاج و جندب بن زهير و أبو زينب بن عوف.

426 - عنه قال: خرج عبد الله بن أبي الحصين الأزدي في القراء الذين كانوا مع عمار ابن ياسر فاصيب معه و قد كان مخنف قال له معه و قد كان مخنف قال له نحن أحوج إليك من عمار فأبى عليه فأصيب مع عمار.

427- نصر عن عمر عن الحارث بن حصيرة عن أشياخ النمر أن عتبة ابن جويرية قال يوم صفين ألا إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما و أصبح زرعها حصيدا و جديدها سملا و حلوها مر المذاق ألا و إني أنبئكم نبأ امرئ صادق أني سئمت الدنيا و عزفت نفسي عنها و قد كنت أتمني الشهادة و أتعرض لها في كل حين فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم.

ألا و إني متعرض ساعتي هذه لها وقد طمعت ألا أحرمها فما تنتظرون عباد الله من جهاد أعداء الله أخوف الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف أو جبين بالسيف أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه الله عز و جل أو مرافقة «النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِينَ» في دار القرار ما هذا بالرأي السديد.

ثم قال يا إخوتاه إني قد بعت هذه الدار بالدار التي أمامها و هذا وجهي إليه لا يبرح الله وجوهكم ولا يقطع الله أرحامكم.

فتبعه إخوته عبيد الله و عوف و مالك و قالوا: لا نطلب رزق الدنيا بعدك قبح الله العيش بعدك اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا جميعا

ص: 268

فقاتلوا حتى قتلوا.

428- نصر عن عمر حدثني رجل من آل الصلت بن خارجة أن تميما - لما ذهبت لتنهزم ذلك اليوم ناداهم مالك بن حري النهشلي ضاع الضراب اليوم و الذي أنا له و سائر القوم عبد يا بني تميم قالوا: ألا ترى الناس قد انهزموا قال لهم: أفرارا و اعتذارا؟

ثم نادى بالأحساب فجعل يكررها فقالت له بنو تميم أفتنادي بنداء الجاهلية إن ذا لا يحل :قال فالفرار ويلكم أقبح إن لم تقاتلوا على الدين و اليقين فقاتلوا على الأحساب ثم أقبل يقاتل و يرتجز و هو يقول:

إن تميما أخلفت عنك ابن مر *** و قد أراهم و هم الحي الصبر

فإن تخيموا أو تفروا لا نفر.

و قال أخوه نهشل بن حري التميمي يرثيه:

تطاول هذا الليل ما كاد ينجلي *** كليل التمام ما يريد انصراما

فبت لذكرى مالك بكآبة *** أؤرق من بعد العشاء نياما

أبى جزعي في مالك غير ذكره *** فلا تعذليني إن جزعت أماما

سأبكي أخي ما دام صوت حمامة *** يؤرق من وادي البطاح حماما

و أبعث أنواحا عليه بسحرة *** و تذرف عيناي الدموع سجاما

و أدعو سراة الحى يبكون مالكا *** و أبعث وحا يلتدمن قیاما

يقلن ثوى رب السماحة و الندى *** وذو عزة يأبى بها أن يضاما

و فارس خيل لا تساير خيله *** إذا اضطرمت نار العدو ضراما

و أحيا عن الفحشاء من ذات كلة *** يرى ما يهاب الصالحون حراما

و أجرأ من ليث بخفان مخدر *** وأمضى إذا رام الرجال صداما

فلا ترجون ذا أمة بعد مالك *** ولا جاز را للمنشئات غلاما

ص: 269

و قل لهم لا يرحلوا الأدم بعده *** ولا يرفعوا نحو الجياد لجاما

و قال أيضا فيه:

أبكي الفتى الأبيض البهلول سنته *** عند النداء فلا نكسا و لا ورعا

أبكي على مالك الأضياف إذ نزلوا *** حين الشتاء و عز الرسل فانجدعا

و لم يجد لقراهم غير مربعة *** من العشار تزجي تحتها ربعا

أهوى لها السيف ترا و هي راتعة *** فأوهن السيف عظم الساق فانقطعا

فجاءهم بعد رقد الحي أطيبها *** وقد كفى منهم من غاب و اضطجعا

يا فارس الروع يوم الروع قد علموا *** وصاحب العزم لا نكسا و لا طبعا

و مدرك التبل في الأعداء يطلبه *** و إن طلبت بتبل عنده منعا

قالوا أخوك أتى الناعي بمصرعه *** فارتاع قلبي غداة البين فانصدعا

ثم ارعوى القلب شيئا بعد طيرته *** والنفس تعلم أن قد أثبتت وجعا

و قتل محيا بن سلامة بن دجاجة من تيم الرباب بصفين و قتل المسيب بن خداش من تيم الرباب و دینار عقيصا مولاه.

429 - نصر عن عمر بن سعد حدثني يونس بن أبي إسحاق قال قال لنا أدهم بن محرز الباهلي و نحن معه بأذرح هل رأى أحد منكم شمر بن ذي الجوشن ؟ فقال عبد الله بن كبار النهدي و سعيد بن خازم السلولي نحن رأيناه قال: فهل رأيتما ضربة بوجهه؟ قالا: نعم قال: أنا و الله ضربته تلك الضربة بصفين.

430- نصر عن عمر عن الصلت بن زهير النهدي عن مسلم قال: خرج أدهم بن محرز من أصحاب معاوية بصفين إلى شمر بن ذي الجوشن فاختلفا ضربتين فضربه أدهم على جبينه فأسرع فيه السيف حتى خالط العظم و ضربه شمر فلم يصنع سيفه شيئا فرجع إلى عسكره فشرب من الماء

ص: 270

و أخذ رمحا ثم أقبل و هو يقول:

إني زعيم لأخي باهله *** بطعنة إن لم أمت عاجله

و ضربة تحت الوغى فاصله *** شبيهة بالقتل أو قاتله

ثم حمل على أدهم و هو يعرف وجهه و أدهم ثابت له لم ينصرف فطعنه فوقع عن فرسه و حال أصحابه دونه فانصرف فقال شمر هذه بتلك. و خرج سويد بن قيس بن يزيد الأرحبي من عسكر معاوية يسأل المبارزة فخرج إليه من عسكر العراق - أبو العمرطة قيس بن عمرو بن عمير بن يزيد و هو ابن عم سويد وكل منهما لا يعرف صاحبه.

فلما تقاربا تعارفا و تواقفا و تساءلا و دعا كل واحد منهما صاحبه إلى ما هو عليه فقال أبو العمرطة أما أنا فو الله الذي لا إله إلا هو لئن استطعت لأضر بن بسيفي هذه القبة البيضاء يعني قبة معاوية التي هو فيها ثم انصرف كل منهما إلى أصحابه فقال في ذلك همام:

ألوم بن لوم ما غدا بك حاسرا *** إلى بطل ذي جرأة و شكيم

معاود ضرب الدارعين بسيفه *** على الهام عند الهيج غير لئيم

إلى فارس الغاوين حيث تلاقيا *** بصفين قرم نجل خير قروم

431 - عنه قال: و خرج بشر بن عصمة المزني يسأل المبارزة و كان من أهل الكوفة فلحق بمعاوية فخرج إليه مالك بن الجلاح و كان يقال له ابن العقدية و كان رجلا ناسكا فأقبلا فى خيلهما فتغفله بشر بن عصمة فطعنه فصرع ابن العقدية فقال بشر بن عصمة

إني لأرجو من مليكي و خالقي *** و من فارس الموسوم في الصدر هاجس

ص: 271

دلفت له تحت الغبار بطعنة *** على ساعة فيها الطعان يخالس

فرد عليه ابن العقدية

ألا أبلغا بشر بن عصمة أنني شغلت و ألهاني الذين أمارس و صادفت مني غرة فأصبتها كذا كانت الأبطال ماض و حابس

432 - عنه قال و خرج ذونواس بن هذيم بن قيس العبدي و كان ممن لحق بمعاوية يسأل المبارزة فخرج إليه ابن عمه الحارث بن منصور فاضطربا بسيفهما و انتميا إلى عشائرهما فعرف كل منهما صاحبه فتتاركا ثم خرج مالك المبارزة. ن يسار الحضرمي يسأل المبارزة.

فخرج إليه الجون بن مالك الحضرمي من أهل الشام فقتل الشامي الكوفي و خرج زياد بن النضر الحارثي يسأل المبارزة فخرج إليه رجل من أهل الشام من بني عقيل فلما عرفه انصرف عنه ثم خرج رجل من أزد شنوءة يسأل المبارزة فخرج إليه رجل من أهل العراق فقتله فخرج إلي-ه الأشتر فما لبث أن قتله فقال رجل كان هذا نارا فصادفت إعصارا فاقتتل الناس قتالا شديدا يوم الأربعاء فقال رجل من الأربعاء فقال رجل من أصحاب علي.

والله لأحملن على معاوية حتى أقتله فأخذ فرسا فركبه ثم ضربه حتى إذا قام على سنابكه دفعه فلم ينهنهه شيء عن الوقوف على رأس معاوية و دخل معاوية خباء فنزل الرجل عن فرسه و دخل عليه فخرج معاوية من جانب الخباء الآخر و طلع الرجل في إثره فخرج معاوية و هو يقول:

أقول لها و قد طارت شعاعا *** من الأبطال إنك لن تراعي

فإنك لو سألت خلاء يوم *** على الأجل الذي لك لم تطاعي

فأحاط به الناس فقال ويحكم إن السيوف لم يؤذن لها في هذا و لو لا

ص: 272

ذلك لم يصل إليكم، عليكم بالحجارة فرضخوه بالحجارة حتى همد الرجل ثم عاد معاوية إلى مجلسه و هو يقول هذا كما قال الآخر:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها *** و إن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

433- نصر عن عمر عن أبي روق عن أبيه عن عم له يدعى أبا أيوب قال: حمل يومئذ أبو أيوب على صف أهل الشام ثم رجع فوافق رجلا من أهل الشام صادرا قد حمل على صف أهل العراق ثم رجع فاختلفا ضربتين فنفحه أبو أيوب فأبان عنقه.

فثبت رأسه على جسده كما هو و كذب الناس أن يكون ضربه و أرابهم حتى إذا دخل في أهل الشام وقع ميتا و ندر رأسه فقال علي: و الله لأنا من ثبات رأس الرجل أشد تعجبا مني لضربته و إن كان إليها ينتهي وصف الضارب و غدا أبو أيوب إلى القتال فقال له علي: أنت و الله كما قال القائل:

و علمنا الضرب آباؤنا *** فسوف نعلم أيضا بنينا

434 - نصر: قال عمر و خرج رجل يسأل المبارزة من أهل الشام فنادى من يبارز؟ و هو بين الصفين فخرج إليه رجل من أهل العراق فاقتتلا بين الصفين قتالا شديدا ثم إن العراقي اعتنقه فوقعا جميعا تحت قوائم فرسيها فجلس على صدره و كشف المغفر عنه يريد ذبحه.

فلما رآه عرفه فإذا هو أخوه لأبيه و أمه فصاح به أصحاب علي: أجهز على الرجل فقال: إنه أخي قالوا: فاتركه قال: لا حتى يأذن لي أمير المؤمنين فأخبر علي بذلك فأرسل إليه: دعه فتركه فقام فعاد إلى صف معاوية.

ص: 273

435- نصر عن محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال كان فارس معاوية الذي يعده لكل مبارز و لكل عظيم حريث مولاه و كان يلبس سلاح معاوية متشبها به فإذا قاتل قال الناس ذاك معاوية و إن معاوية دعاه فقال: يا حريث اتق عليا وضع رمحك حيث شئت ضع رمحك حيث شئت فأتاه عمرو بن العاص.

فقال: يا حريث إنك و الله لو كنت قرشيا لأحب معاوية أن تقتل عليا و لكن كره أن يكون لك حظها فإن رأيت فرصة فاقحم و خرج علي علیه السّلام في هذا اليوم أمام الخيل و حمل عليه حريث.

436- قال نصر: فحدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن تميم قال: نادى حريث مولى معاوية هذا اليوم و كان شديدا ذا بأس فقال: يا علي هل لك في المبارزة؟ فأقدم أبا حسن إذا شئت. فأقبل علي و هو يقول:

أنا علي و ابن عبد المطلب *** نحن لعمر الله أولى بالكتب

منا النبي المصطفى غير كذب *** أهل اللواء و المقام و الحجب

نحن نصرناه على جل العرب *** يا أيها العبد الغرير المنتدب

أثبت لنا يا أيها الكلب الكلب

ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة واحدة فقطعه نصفين.

437 - قال نصر: قال محمد بن عبيد الله عن الجرجاني إن معاوية جزع عليه جزعا شديدا و عاتب عمرا قال معاوية:

حريث ألم تعلم و جهلك ضائر *** بأن عليا للفوارس قاهر

وأن عليا لم يبارزه فارس *** من الناس إلا أقصدته الأظافر

أمرتك أمرا حازما فعصيتني *** فجدك إذ لم تقبل النصح عاثر

و دلاك عمرو و الحوادث جمة *** غرورا و ما جرت عليك المقادر

ص: 274

وظن حريث أن عمرا نصيحه *** و قد يهلك الإنسان من لا يحاذر

أيركب عمرو رأسه خوف سيفه *** و يصلي حريثا إنه لفرافر

438 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم قال: فلما قتل علي حريثا برز عمرو بن حصين السكسكي فنادى: يا أبا حسن هلم إلى المبارزة فأنشأ على يقول:

ما علتي و أنا جلد حازم *** وعن يميني مذحج القماقم

و عن يساري وائل الخضارم *** و القلب حولي مضر الجماجم

و أقبلت همدان في الخضارم *** مشي الجمال البزل الخلاجم

أقسمت بالله العلى العالم *** لا أنثنى إلا برغم الراغم

و حمل عليه عمرو بن الحصين ليضربه فبادره إليه سعيد بن قيس ففلق صلبه.

نصر عن عمرو بن شمر قال: حدثني السدي عن أبي أراكة أن عليا قال يومئذ:

دعوت فلباني من القوم عصبة *** فوارس من همدان غير لئام

فوارس من همدان لبسوا بعزل *** غداة الوغى من شاكر و شبام

بكل رديني و عضب تخاله *** إذا اختلف الأقوام شعل ضرام

لهمدان أخلاق و دين يزينهم *** وبأس إذا لاقوا وحد خصام

قال قال نصر و في حديث عمر بن سعد:

و جد و صدق في الحروب و نجدة *** و قول إذا قالوا بغير أثام

متى تأتهم في دارهم تستضيفهم *** تبت ناعما في خدمة وطعام

جزى الله همدان الجنان فإنها *** سمام العدى في كل يوم زحام

فلو كنت بوابا على باب جنة *** لقلت لهمدان ادخلي بسلام

ص: 275

439- نصر: قال عمرو بن شمر في حديثه ثم قام علي بين الصفين ثم نادي: يا معاوية يكررها فقال معاوية: اسألوه ما شأنه؟ قال: أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة فبرز معاوية و معه عمرو بن العاص فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو و قال لمعاوية: ويحك علام يقتتل الناس بيني و بينك و يضرب بعضهم بعضا ابرز إلي فأينا قتل صاحبه فالأمر له.

فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أبا عبد الله فيما هاهنا أبارزه؟ فقال عمرو: لقد أنصفك الرجل واعلم أنه إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك و على عقبك ما بقي عربي فقال معاوية: يا عمرو بن العاص ليس مثلي يخدع عن نفسه والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط إلا سقي الأرض من دمه ثم انصرف راجعا حتى انتهى إلى آخر الصفوف و عمرو معه فلما رأى علي علیه السّلام لذلك ضحك و عاد إلى موقفه.

440- عنه قال: في حديث عمر قال: قال معاوية ويحك يا عمرو ما أحمقك؟ أتراني أبرز إليه و دوني عك و الأشعرون و جذام؟ قال و حقدها معاوية على عمرو باطنا و قال له ظاهرا ما أظنك قلت ما قلته يا عمرو إلا مازحا. فلما جلس معاوية مجلسه مع أصحابه أقبل عمر و يمشي حتى جلس فقال معاوية:

يا عمر و إنك قد قشرت لي العصا *** برضاك في وسط العجاج برازي

يا عمرو إنك قد أشرت بظنة *** إن المبارز كالجدي النازي

ما للملوك و للبراز و إنما *** حتف المبارز خطفة للبازي

و لقد أعدت فقلت مزحة مازح *** و المزح يحمله مقال الهازي

فإذا الذي منتك نفسك خاليا *** قتلي جزاك بما نويت الجازي

فلقد كشفت قناعها مذمومة *** و لقد لبست بها ثياب الخازي

ص: 276

فقال له عمرو: إيها أيها الرجل أتجبن عن خصمك و تتهم نصيحك؟ و قال مجيبا له:

معاوي إن نكلت عن البراز *** لك الويلات فانظر في المخازي

معاوي ما اجترمت إليك ذنبا *** ما أنا في التي حدثت بخازي

وما ذنبي بأن نادى علي *** و كبش القوم يدعى للبراز

فلو بارزته بارزت ليثا *** حديد الناب يخطف كل بازي

ويزعم أنني أضمرت غشا *** جزاني بالذي أضمرت جازي

سبع في العجاجة يا ابن هند *** و عند الباه كالتيس الحجازي

441 - نصر عن عمر قال حدثني فضيل بن خديج قال خرج رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة فخرج إليه عبد الرحمن بن محرز الكندي ثم الطمحي فتجاولا ساعة ثم إن عبد الرحمن حمل على الشامي فطعنه في نقرة نحره فصرعه ثم نزل إليه فسلبه درعه و سلاحه.

فإذا هو عبد أسود فقال: يا الله لقد أخطرت نفسي لعبد أسود قال: و خرج رجل من عك ليسأل المبارزة فخرج إليه قيس بن فهدان الكناني ثم البدني فما لبث العكي أن طعنة فقتله فقال قيس:

لقد علمت عك بصفين إننا *** إذا ما نلاقي الخيل نطعنها شزرا

و نحمل رايات القتال بحقها *** فنوردها بيضا و نصدرها حمرا

442 - عنه قال: حمل عبد الله بن الطفيل البكائي على صفوف أهل الشام فلما انصرف حمل عليه رجل من بني تميم يقال له قيس بن نهد الحنظلي اليربوعي و هو ممن لحق بمعاوية من أهل العراق فوضع الرمح بين كتفي عبد الله فاعترضه يزيد بن معاوية البكائي ابن عم عبد الله بن الطفيل.

فوضع الرمح بين كتفي التميمي و قال و الله لئن طعنته لأطعننك قال:

ص: 277

عليك عهد الله لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبك لترفعنه عني قال: نعم لك العهد والميثاق بذلك فرفع السنان عبد الله بن طفيل و رفع يزيد الرمح عن التميمي فوقف التميمي فقال ليزيد: من أنت؟ قال: أحد أنت؟ قال: أحد بني عامر قال: جعلني الله فداكم أينما لقيناكم وجدناكم كراما.

و الله إني لآخر أحد عشر رجلا من بني تميم قتلتموهم اليوم فلما تراجع الناس عن صفين عتب يزيد على عبد الله بن الطفيل في بعض ما يعتب الرجل على ابن عمه فقال:

ألم ترني حاميت عنك مناصحا *** بصفين إذ خلاك كل حميم

و نهنهت عنك الحنظلي و قد أتى *** على سابح ذي ميعة و هزيم

443 - عنه قال: ثم خرج ابن مقيدة الحمار الأسدي و كان ذا بأس و شجاعة و هو مع أهل الشام و كان في الناس ردف بشر بن عصمة و هو الثاني في الناس فنادى: ألا من مبارز ؟ فأحجم الناس عنه فقام المقطع العامري و كان شيخا كبيرا فقال له علي علیه السّلام : اقعد إنك شيخ كبير و ليس معه من رهطه أحد غيره ما كنت لأقدمك فجلس.

ثم إنه نادى ابن مقيدة الحمار: ألا من مبارز؟ الثانية فقام المقطع فأجلسه علي أيضا ثم نادى الثالثة: ألا من مبارز ؟ فقام المقطع فقال يا أمير المؤمنين و الله لا تردني إما أن يقتلني فأتعجل الجنة و أستريح من الحياة الدنيا في الكبر و الهرم أو أقتله فأريحك منه.

فقال له علي: ما اسمك؟ قال: أنا المقطع قد كنت أدعى هشيا فأصابتني جراحة فسميت مقطعا منها فقال له : اخرج إليه و أقدم عليه اللهم انصره فحمل عليه المقطع فأجهش ابن مقيدة الحمار و كان زكيا مجربا فلم يجد شيئا خيرا من الهرب فهرب حتى مر بمضرب معاوية و المقطع على أثره فجاز

ص: 278

معاوية فناداه معاوية:

لقد شمص بك العراقي قال: لقد فعل. ثم رجع المقطع حتى وقف في موقفه فلما كان عام الجماعة وبايع الناس معاوية سأل عن المقطع العامري حتى نزل عليه فدخل عليه فإذا هو شيخ كبير فلما رآه قال: أوه لو لا أنك في هذا الحال ما أفلتني قال: نشدتك الله إلا قتلتني و أرحتني من بؤس الحياة و أدنيتني إلى لقاء الله.

قال: إني لا أقتلك و إن لي إليك لحاجة قال: فما حاجتك؟ قال: جئت لأواخيك قال: إنا وإياكم قد افترقنا في الله أما أنا فأكون على حالي حتى يجمع الله بيننا في الآخرة. قال: فزوجني ابنتك قال: قد منعتك ما هو أهون علي من ذلك قال فاقبل مني صلة قال فلا حاجة لي في ما قبلك فتركه فلم يقبل منه شيئا.

444- عنه قال : فاقتتل الناس قتالا شديدا فعبت لطيئ جموع أهل الشام فجاءهم حمزة بن مالك الهمداني فقال: من أنتم الله أبوكم ؟ فقال عبد الله بن خليفة الطائي نحن طي السهل و طي الجبل و طي الجبل الممنوع بالنحل و نحن حماة الجبلين ما بين العذيب إلى العين طي الرماح وطي البطاح و فرسان الصباح فقال له: بخ بخ ما أحسن ثناءك على قومك فقال

إن كنت لم تشعر بنجدة معشر *** فاقدم علينا ويل غيرك تشعر

ثم اقتتلوا وأنشأ يقول:

يا طي فدى لكم طارفي و تلادي *** قاتلوا على الدين و الأحساب

ثم أنشأ يقول:

ياطيئ الجبال والسهل معا *** إنا إذا داع دعا مضطجعا

ندب بالسيف دبيبا أروعا *** فننزل المستلثم المقنعا

ص: 279

و نقتل المنازل السميدعا.

و قال بشر بن العشوش الطائي ثم الملقطي:

يا طيئ السهول والجبال *** ألا انهضوا بالبيض و العوالي

و بالكماة منكم الأبطال *** فقارعوا أئمة الضلال

السالكين سبل الجهال.

قال: ففقئت عينه فقال:

ألا يا ليت عيني هذه مثل هذه *** و لم أمش بين الناس إلا بقائد

و يا ليت رجلي ثم طنت بنصفها *** و يا ليت كفى ثم طاحت بساعدي

و يا ليتني لم أبق بعد مطرف *** و سعد و بعد المستنير بن خالد

فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم *** إذا هي أبدت من خدام الخرائد

445 - نصر بن مزاحم عن عمر عن فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه و يقول : إذا شددتم فشدوا جميعا و غضوا الأبصار و أقلوا الكلام و اللغط و اعتوروا الأقران و لا تؤتين من قبلكم العرب.

و قتل نهيك بن عزيز من بني الحارث بن عدي و عمرو بن يزيد من بني ذهل و سعد بن عمر من بني بدا و خرج قيس بن يزيد الكندي و هو ممن فر إلى معاوية من علي فخرج إليه من أصحاب علي - قيس بن عمرو بن عمير بن يزيد أبو العمرطة فلما دنا منه عرفه فانصرف كل واحد منهما عن صاحبه.

446- نصر عن عمر قال حدثني رجل عن أبي الصلت التيمي قال: أشياخ من محارب إنه كان رجل منهم يقال له: عنتر بن عبيد بن خالد و كان من أشجع الناس يوم صفين فلما رأى أصحابه منهزمين أخذ ينادي يا

ص: 280

معشر قيس أطاعة الشيطان آثر عندكم من طاعة الله ألا إن الفرار فيه معصية الله وسخطه و الصبر فيه طاعة الله ورضوانه أفتختارون سخط الله على رضوانه و معصيته على طاعته فإنما الراحة بعد الموت لمن مات محتسبا لنفسه و قال:

لا وألت نفس امرئ ولت دبر *** أنا الذي لا أنثني و لا أفر

و لا يرى مع المعازيل الغدر

فقاتل حتى ارتث ثم إنه بعد ذلك خرج في الخمسمائة الذين خرجوا مع فروة بن نوفل الأشجعي فنزلوا بالدسكرة و البندنيجين ثم إن النخع قاتلت قتالا شديدا فأصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة و حنان بن هوذة و شعيب بن نعيم من بني بكر النخع و ربيعة بن مالك بن وهبيل.

و أبي بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه و قطعت رجل علقمة بن قيس فكان يقول: ما أحب أن رجلي أصح ما كانت لما أرجو بها من حسن الثواب من ربي و لقد كنت أحب أن أبصر في نومي أخي و بعض إخواني فرأيت أخي في النوم فقلت له يا أخي ما ذا قدمتم عليه فقال التقينا نحن و القوم فاحتججنا عند الله عز و جل فحججناهم فما سررت بشيء مذ عقلت كسروري بتلك الرؤيا.

447- نصر عن عمر عن سويد بن حبة النضري عن الحضين بن المنذر الرقاشي قال: إن ناسا كانوا أتوا عليا قبل الوقعة في هذا اليوم فقالوا: إنا لا نرى خالد بن المعمر السدوسي إلا قد كاتب معاوية وقد خشينا أن يتابعه فبعث إليه على علیه السّلام و إلى رجال من أشرافهم فحمد الله ربه تبارك و تعالى و أثنى عليه ثم قال:

أما بعد يا معشر ربيعة فأنتم أنصاري و مجيبو دعوتي و من أوثق حي

ص: 281

في العرب في نفسي و لقد بلغني أن معاوية قد كاتب صاحبكم خالد بن المعمر وقد أتيت به و قد جمعتكم له لأشهدكم عليه و تسمعوا أيضا مني و منه ثم أقبل عليه فقال: يا خالد بن المعمر إن كان ما بلغني عنك حقا.

فإني أشهد الله و من حضرني من المسلمين أنك آمن حتى تلحق بالعراق أو بالحجاز أو أرض لا سلطان لمعاوية فيها و إن كنت مكذوبا عليك فأبر صدورنا بأيمان نطمئن إليها. فحلف له بالله ما فعل و قال رجال منا كثير و الله لو نعلم أنه فعل لقتلناه.

و قال شقيق بن ثور السدوسي ما وفق الله خالد بن المعمر حين نصر معاوية و أهل الشام على علي و ربيعة فقال له زياد و ربيعة فقال له زياد بن خصفة يا أمير المؤمنين استوثق من ابن المعمر بالأيمان لا يغدر فاستوثق منه ثم انصرفنا فلما كان يوم الخميس انهزم الناس من الميمنة فجاءنا علي حتى انتهى إلينا و معه بنوه.

فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس: وقال: لمن هذه الرايات؟ قلنا: رايات ربيعة قال: بل هي رايات الله عصم الله أهلها و صبرهم و ثبت أقدامهم ثم قال لي و أنا حامل راية ربيعة يومئذ يا فتى ألا تدني رايتك هذه ذراعا؟ فقلت له : نعم و الله و عشرة أذرع ثم ملت بها هكذا فأدنيتها فقال لي: حسبك مكانك.

448- نصر عن أبي عبد الرحمن قال: حدثني المثنى بن صالح من بني قيس بن ثعلبة عن يحيى بن مطرف أبي الأشعث العجلي شهد مع علي علیه السّلام صفين قال: لما نصبت الرايات اعترض علي الرايات ثم انتهى إلى رايات ربيعة فقال : لمن هذه الرايات؟ فقلت رايات ربيعة قال: بل هي رايات الله.

449 - نصر عن عمرو بن شمر قال: أقبل الحضين بن المنذر و هو يومئذ

ص: 282

غلام يزحف برايته قال السدي: وكانت حمراء فأعجب عليا زحفه و ثباته فقال:

لمن راية حمراء يخفق ظلها *** إذا قيل قدمها حضين تقدما

و يدنو بها في الصف حتى يديرها *** حمام المنايا تقطر الموت والدما

تراه إذا ما كان يوم عظيمة *** أبى فيه إلا عزة و تكرما

جزى ، قوما صابروا في لقائهم *** لدى البأس حرا ما أعف وأكرما

وأحزم صبرا حين تدعى إلى الوغى *** إذا كان أصوات الكماة تغمغما

ربيعة أعني إنهم أهل نجدة *** و بأس إذا لاقوا خميسا عرمرما

و قد صبرت عك و لخم و حمير *** لمذحج حتى لم يفارق دم دما

و نادت جذام يا لمذحج ويلكم *** جزى الله شرا أينا كان أظلما

أما تتقون الله فى حرماتكم *** و ما قرب الرحمن منها وعظما

أذقنا ابن حرب طعننا و ضرابنا *** بأسيافنا حتى تولى وأحجما

و فر ينادي الزبرقان و ظالما *** و نادی كلاعا و الكريب وأنعما

و عمرا و سفيانا وجهها و مالكا *** وحوشب والغاوي شريحا وأظلما

وکرز بن نبهان و عمرو بن جحدر *** وصباحا القيني يدعو و أسلما

450- نصر عن عمر قال حدثني الصلت بن يزيد بن أبي الصلت التيمي قال سمعت أشياخ الحي من بني تيم أشياخ الحي من بني تيم الله بن ثعلبة يقولون: كانت راية ربيعة كوفيتها وبصريتها مع خالد بن المعمر من أهل البصرة قال: وسمعتهم يقولون:

إن خالد بن المعمر وسعيد بن ثور السدوسي اصطلحا أن يوليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين بن المنذر قالوا و تنافسا في الراية قالا: هذا فتى له حسب و نجعلها له حتى نرى من رأينا ثم إن عليا علیه السّلام

ص: 283

أعطى الراية خالد بن المعمر راية ربيعة كلها.

451- قال: و ضرب معاوية الحمير بسهم على ثلاث قبائل لم يكن لأهل العراق قبائل أكثر منها عددا يومئذ على ربيعة و همدان و مذحج فوقع سهم حمير على ربيعة فقال ذو الكلاع قبحك الله من سهم كرهت الضراب. فأقبل ذو الكلاع في حمير و من لف لفها و معها عبيد الله بن عمر ابن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشام.

قد بايعوا على الموت و هي ميمنة أهل الشام و على ميمنتهم ذو الكلاع فحملوا على ربيعة و هم ميسرة أهل العراق و فيهم عبد الله بن العباس و هو على الميسرة فحمل عليهم ذو الكلاع و عبيد الله بن عمر فحملوا على ربيعة حملة شديدة بخيلهم و رجالهم فتضعضعت رايات ربيعة.

فتثبتوا إلا قليلا من الأحشام و الأنذال ثم إن أهل الشام انصرفوا ولم يمكثوا إلا قليلا حتى كروا ثانية و عبيد الله بن عمر في أوائلهم يقول يا أهل الشام هذا الحي من أهل العراق قتلة عثمان بن عفان و أنصار علي بن أبي طالب و إن هزمتم هذه القبيلة أدركتم تأركم في عثمان و هلك علي و أهل العراق.

فشدوا على الناس شدة شديدة فثبتت لهم ربيعة وصبروا صبرا حسنا إلا قليلا من الضعفاء و ثبت أهل الرايات و أهل البصائر منهم و الحفاظ وقاتلوا قتالا شديدا فلما رأى خالد بن المعمر أناسا قد انهزموا من قومه انصرف فلما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا و رأى قومه قد صبروا رجع و صاح بمن انهزم بالرجوع.

فقال: من أراد أن يتهمه من قومه أراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا و قال: هو لما رأيت رجالا منا قد انهزموا رأيت أن أستقبلهم ثم

ص: 284

أردهم إليكم فأقبلت إليكم بمن أطاعني منهم فجاء بأمر مشتبه و كان بصفين أربعة آلاف محجف من عنزة.

452- نصر عن عمر قال حدثني رجل من بكر بن وائل عن محرز بن عبد الرحمن العجلي أن خالد بن المعمر قال:

يا معشر ربيعة إن الله عز و جل قد أتى بكل رجل منكم من منبته و مسقط رأسه فجمعكم في هذا المكان جمعا لم تجتمعوا مثله منذ نشركم في الأرض و إنكم إن تمسكوا أيديكم تنكلوا عن عدوكم و تحولوا عن مصافكم لا يرضى الرب فعلكم و لا تعدموا معيرا يقول فضحت ربيعة الذمار و خامت عن القتال و أتيت من قبلها العرب.

فإياكم أن يتشاءم بكم المسلمون اليوم وإنكم إن تمضوا مقدمين و تصبروا محتسبين فإن الإقدام منكم عادة و الصبر منكم سجية فاصبروا و نيتكم صادقة تؤجروا فإن ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة الآخرة و لا يضيع الله «أَجْرَ من أَحْسَنَ عَمَلًا».

فقام إليه رجل من ربيعة فقال: ضاع و الله أمر ربيعة حين جعلت أمرها إليك تأمرنا ألا نحول و لا نزول حتى نقتل أنفسنا ونسفك دماءنا ألا ترى إلى الناس قد انصرف جلهم فقام إليه رجال من قومه فتناولوه بقسيهم و لكزوه بأيديهم.

فقال لهم خالد بن المعمر: أخرجوا هذا من بينكم فإن هذا إن بقي أضر بكم و إن خرج منكم لم ينقصكم هذا الذي لا ينقص العدد و لا يملأ البلد برحك الله من خطيب قوم. كيف جنبك الخير.

و اشتد قتال ربيعة و حمير و عبيد الله بن عمر حتى كثرت القتلى فيما بينهم و حمل عبيد الله بن عمر فقال أنا الطيب ابن الطيب قالوا أنت الخبيث

ص: 285

ابن الطيب فقتل شمر بن الريان بن الحارث و هو من أشد الناس بأسا ثم خرج نحو من خمسمائة فارس أو أكثر من أصحاب علي علیه السّلام على رءوسهم البيض و هم غائصون في الحديد.

لا يرى منهم إلا الحدق و خرج إليهم من أهل الشام نحوهم في العدو فاقتتلوا بين الصفين و الناس تحت راياتهم فلم يرجع من هؤلاء و لا من هؤلاء مخبر لا عراقي و لا شامي قتلوا جمعا بين الصفين.

453- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم قال نادى منادي أهل الشام ألا إن معنا الطيب ابن الطيب عبيد الله بن عمر فقال عمار بن ياسر بل هو الخبيث ابن الطيب و نادى منادي أهل العراق ألا إن معنا الطيب ابن الطيب محمد بن أبي بكر.

فنادى منادي أهل الشام بل هو الخبيث ابن الطيب

454- عنه قال: في حديث فقال عقبة بن سلمة أخو بني رقاش من أهل الشام وكان بصفين تل يلق عليه جماجم الرجال و كان يدعى تل الجماجم فقال:

لم أر فرسانا أشد بديهة *** و أمنع منهم يوم تل الجماجم

غداة غدا أهل العراق كأنهم *** نعام تلاقى في فجاج المخارم

إذا قلت قد ولوا أنابت كتيبة *** ململمة في البيض شمط المقادم

و قالوا لنا هذا علي فبايعوا *** فقلنا ألا لا بالسيوف الصوارم

و ثرنا إليهم بالسيوف و بالقنا *** تدافعهم فرساننا بالتزاحم

و قد كان معاوية نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة فقال في ذلك خالد بن المعمر:

تمنى ابن حرب نذره في نسائنا *** ودون الذي ينوي سيوف قواضب

ص: 286

و نمنح ملكا أنت حاولت خلعه *** بني هاشم قول امرئ غير كاذب

و قال أيضا:

و فتنة مثل ظهر الليل مظلمة *** لا يستبين لها أنف و لا ذنب

فرجتها بكتاب الله فانفرجت *** وقد تحير فيها سادة عرب

و قال شبث بن ربعي:

وقفنا لديهم يوم صفين بالقنا *** لدن غدوة حتى هوت لغروب

و ولی ابن حرب و الرماح تنوشه *** و قد أرضت الأسياف كل غضوب

نجالدهم طورا و طورا نصدهم *** على كل محبوك السراة شبوب

بكل أسيل كالقراط إذا بدت *** لوائحها بين الكمأة لعوب

نجالد غسانا و تشقى بحربنا *** جذام و وتر العبد غير طلوب

فلم أر فرسانا أشد حفيظة *** إذا غشي الآفاق نفح جنوب

أكر وأحمى بالغطاريف و القنا *** و كل حديد الشفرتين قضوب

و قال ابن الكواء:

ألا من مبلغ كلبا و لخما *** نصيحة ناصح فوق الشقيق

فإنكم و إخوتكم جميعا *** کباز حاد عن وضح الطريق

و بعتم دينكم برضاء عبد *** أضل بها مصافحة الرقيق

و قتم دوننا بالبيض صلتا *** بكل مصانع مثل الفنيق

و ساروا بالكتائب حول بدر *** يضيء لدى الغبار من البريق

يعني بالبدر عليا علیه السّلام.

455- عنه قال: حتى إذا كان يوم الخميس التاسع من صفر خطب الناس معاوية و حرضهم و قال:

إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون و حضركم ما قد حضركم فإذا

ص: 287

نهدتم إليهم إن شاء الله فقدموا الدارع و أخروا الحاسر وصفوا الخيل مجنبين و كونوا كقص الشارب و أعيرونا جماجمكم ساعة فإنما هو ظالم أو مظلوم و قد بلغ الحق مقطعه و الناس على تعبئة أخرى.

456- نصر عن عمر قال حدثني رجل عن جابر عن الشعبي قال قام معاوية يخطب بصفين قبل الوقعة العظمى فقال:

الحمد لله الذي علا في دنوه و دنا في علوه و ظهر و بطن و ارتفع فوق كل منظر أولا وآخرا و ظاهرا وباطنا يقضي فيفصل و يقدر فيغفر ويفعل ما يشاء إذا أراد أمرا أمضاه و إذا عزم على أمر قضاه لا يؤامر أحدا فيما يملك «و لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ» - «وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ» على ما أحببنا و كرهنا.

ثم كان فيما قضى الله أن ساقتنا المقادير إلى هذه البقعة من الأرض و لف بيننا و بين أهل العراق فنحن من الله بمنظر وقد قال سبحانه: «وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ الله يَفْعَلُ ما يُرِيدُ». انظروا يا معاشر أهل الشام فإنما تلقون غدا أهل العراق فكونوا على إحدى ثلاث أحوال إما أن تكونوا قوما طلبتم ما عند الله في قتال قوم بغوا عليكم.

فأقبلوا من بلادهم حتى نزلوا في بيضتكم و إما أن تكونوا قوما تطلبون بدم خليفتكم وصهر نبيكم صلّی الله علیه و آله و إما أن تكونوا قوما تذبون عن نسائكم و أبنائكم فعليكم بتقوى الله و الصبر الجميل. أسأل الله لنا ولكم النصر و أن يفتح «بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ» و هو خير الفاتحين.

فقام ذو الكلاع فقال يا معاوية:

إنا لنحن الصبر الكرام *** لا ننثني عند الخصام

بنو الملوك العظام *** ذوو النهى و الأحلام

ص: 288

لا يقربون الآثام.

فلما سكت قال له معاوية صدقت.

457- نصر قال: أخبرني عمر بن سعد قال أخبرني رجل عن جعفر ابن أبي القاسم العبدي عن يزيد بن علقمة عن زيد بن بدر أن زياد بن خصفة أتى عبد القيس يوم صفين و قد عبيت قبائل حمير مع ذي الكلاع و فيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب لبكر بن وائل فقاتلوا قتالا شديدا خافوا فيه الهلاك فقال زياد لعبد القيس لا بكر بعد اليوم إن ذا الكلاع و عبيد الله أبادا ربيعة.

فانهضوا لهم و إلا هلكوا فركبت عبد القيس و جاءت كأنها غمامة سوداء فشدت إزاء الميسرة فعظم القتال فقتل ذو الكلاع الحميري قتله رجل من بكر بن وائل اسمه خندف و تضعضعت أركان حمير و ثبتت بعد ذي الكلاع تحارب مع عبيد الله بن عمر.

و بعث عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي فقال: إن لي إليك حاجة فالقني. فلقيه الحسن فقال له عبيد الله: إن أباك قد وتر قريشا أولا و آخرا و قد شنئوه فهل لك أن تخلفه و نوليك هذا الأمر؟ قال: كلا والله لا يكون ذلك ثم قال له الحسن لكأني أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك.

أما إن الشيطان قد زين لك و خدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق ترى نساء أهل الشام موقفك و سيصرعك الله و يبطحك لوجهك قتيلا قال: فو الله ما كان إلا كيومه أو كالغد و كان القتال فخرج عبيد الله في كتيبة رقطاء و هي الخضرية كانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر.

و نظر الحسن فإذا هو برجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه و ربط فرسه برجله فقال الحسن لمن معه: انظروا من هذا؟ فإذا هو برجل

ص: 289

من همدان فإذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب قد قتله و بات عليه حتى أصبح ثم سلبه فسأل الرجل من هو ؟ فقال: رجل من همدان و إنه قتله فحمد الله و حزنا القوم حتى اضطررناهم إلى معسكرهم.

و اختلفوا في قاتل عبيد الله فقالت همدان قتله هاني بن الخطاب و قالت حضرموت قتله مالك بن عمرو السبيعي و قالت بكر بن وائل قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح من بني عائش بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة و أخذ سيفه ذا الوشاح فأخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل حين بويع فقالوا: إنما قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح فبعث معاوية إليه بالبصرة فأخذ السيف منه.

458 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي قال فعند ذلك يقول كعب بن جعيل التغلبي في قتل عبيد الله بن عمر:

ألا إنما تبكي العيون لفارس *** بصفين أجلت خيله و هو واقف

تبدل من أسماء أسياف وائل *** وأي فتى لو أخطأته المتالف

تركن عبيد الله بالقاع مسلما *** يمج دماه و العروق نوازف

ينوء و تغشاه شآبيب من دم *** كما لاح في جيب القميص الكفائف

دعاهن فاستسمعن من أين صوته *** وأقبلن شتى و العيون ذوارف

و قد صبرت حول ابن عم محمد *** لدى الموت شهباء المناكب شارف

فما برحوا حتى رأى الله صبرهم *** وحتى أتيحت بالأكف المصاحف

بمرج ترى الرايات فيه كأنها *** إذا اجتنحت للطعن طير عواكف

جزی الله قتلانا بصفين خير ما *** جزاه عبادا غادرتها المواقف

459- عنه قال: في حديث عمر قال كعب بن جعيل في قتل عبيد الله ابن عمر:

ص: 290

يقول عبيد الله لما بدت له *** سحابة موت تقطر الحتف و الدما

ألا يا لقومى اصبروا إن صبرنا *** أعف و أحجي عفة و تكرما

فلما تلاقى القوم خر مجدلا *** صريعا فلاقى الترب كفيه و الفما

و خلف أطفالا يتامى أذلة *** و خلف عرسا تسكب الدمع أيما

حلالا لها الخطاب لا تتقيهم *** وقد كان يحمى غيرة أن تكلما.

و حمل عبيد الله بن عمر و هو يقول:

أنا عبيد الله ينميني عمر *** خير قريش من مضى و من غبر

إلا نبي الله و الشيخ الأغر *** قد أبطأت عن نصر عثمان مضر

و الربعيون فلا أسقوا المطر *** وسارع الحي اليمانون الغرر

و الخير في الناس قديما يبتدر.

فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي و هو يقول:

قد سارعت في نصرها ربيعة *** في الحق والحق لهم شريعة

فاكفف فلست تارك الوقيعة *** في العصبة السامعة المطيعة

حتى تذوق كأسها الفظيعة

فطعنه فصرعه و أخذ لواءه ابن جون السكوني.

460- في حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال الصلتان العبدي يذكر مقتل عبيد الله و أن حريث بن جابر الحنفي قتله:

ألا يا عبيد الله ما زلت مولعا *** ببكر لها تهدي اللغا و التهددا

كأن حماة الحي من بكر وائل *** بذي الرمث أسد قد تبوأن غرقدا

و كنت سفيها قد تعودت عادة *** وكل أمري جار على ما تعودا

فأصبحت مسلوبا على شر آلة *** صريع قنا وسط العجاجة مفردا

تشق عليك الجيب ابنة هانئ *** مسلبة تبدي الشجا و التلددا

ص: 291

و كانت ترى ذا الأمر قبل عيانه *** و لكن أمر الله أهدى لك الردى

و قالت عبيد الله لا تأت وائلا *** فقلت لها لا تعجلي و انظري غدا

فقد جاء ما منيتها فتسلبت *** عليك و أمسى الجيب منها مقددا

حباك أخو الهيجا حريث بن جابر *** بجياشة تحكي الهدير المنددا

461 - نصر عن عمر عن الزبير بن مسلم قال سمعت حضين بن المنذر يقول: أعطاني علي علیه السّلام الراية ثم قال: سر على اسم الله يا حضين و اعلم أنه لا يخفق على رأسك راية أبدا مثلها إنها راية رسول الله صلّی الله علیه و آله.

قال: وقد كان حريث بن جابر نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء و كان إذا التق الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن والسويق و الماء و يطعمهم اللحم و التريد فمن شاء أكل أو شرب و في ذلك يقول الشاعر:

لو كان بالدهنا حريث بن جابر *** لأصبح بحرا بالمفازة جاريا

462 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت الشعبي يذكر أن صعصعة قال عباً لمذحج و لبكر بن وائل ذو الكلاع و عبيد الله فأصابوا ذا الكلاع و عبيد الله فاقتتلوا قتالا شديدا قال و شدت عك و لخم و جذام و الأشعرون من أهل الشام على مذحج و بكر بن وائل فقال العكي في ذلك:

ويل لأم مذحج من عك *** لنتركن أمهم تبكي

نقتلهم بالطعن ثم الصك *** فلا رجال كرجال عك

لكل قرن باسل مصك.

قال: و نادى منادي مذحج يا لمذحج خدموا فاعترضت مذحج لسوق القوم فكان بوار عامة القوم و ذلك أن مذحج حميت من قول العكي و قال العكي حين طحنت رحى القوم و خاضت الخيل و الرجال في الدماء قال: فنادى يا لمذحج الله الله في عك و جذام ألا تذكرون الأرحام أفنيتم

ص: 292

لخم الكرام و الأشعرين و آل ذي حمام أين النهى و الأحلام هذه النساء تبكي الأعلام.

و قال العكي:

یا عك أين المفر *** اليوم تعلم ما الخبر

إنكم قوم صبر *** کونوا كمجتمع المدر

لا تشمتن بكم مضر *** متى يحول الحكر

فيرى عدوكم الغير.

و قال الأشعري يا لمذحج من للنساء غدا إذا أفناكم الردى الله الله في الحرمات أما تذكرون نساءكم و البنات أما تذكرون أهل فارس و الروم و الأتراك لقد أذن الله فيكم بالهلاك و القوم ينحر بعضهم بعضا و يتكادمون بالأفواه و قال نادى أبو شجاع الحميري و كان من ذوي البصائر مع علي علیه السّلام.

فقال: يا معشر حمير تبت أيديكم أترون معاوية خيرا من علي أضل الله سعيكم ثم أنت يا ذا الكلاع فو الله إن كنا نرى أن لك نية في الدين فقال ذو الكلاع: إيها يا أبا شجاع و الله فاعلمن ما معاوية بأفضل من علي و لكن إنما أقاتل على دم عثمان قال وأصيب ذو الكلاع بعده قتله خندف بن بكر البكري في المعركة.

463 - نصر عن عمر عن الحارث بن حصيرة أن ابن ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس رسولا فقال له: إن ابن عمك ذي الكلاع يقرئك السلام و رحمة الله و إن كان ذو الكلاع قد أصيب و هو في الميسرة فتأذن لنا فيه فقال له الأشعث أقرئ صاحبك السلام و رحمة الله و قل له: إني أخاف أن يتهمني علي فأطلبه إلى سعيد بن قيس فإنه في الميمنة.

ص: 293

فذهب إلى معاوية فأخبره و كان منع ذلك منهم وكانوا في اليوم و الأيام يتراسلون فقال له معاوية: فما عسيت أن أصنع و ذلك لأنهم منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي لشيء خافوا أن يفسدوا أهل العسكر و قال معاوية: لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو فتحتها لأن ذا الكلاع كان يحجر على معاوية في أشياء كان يأمر بها.

فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد بن قيس فاستأذنه في ذلك فأذن له فقال سعد الإسكاف و الحارث بن حصيرة قالا: قال سعيد بن قيس لابن ذي الكلاع: كذبت أن يمنعوك إن أمير المؤمنين لا يبالي من دخل بهذا الأمر و لا يمنع أحدا من ذلك فادخل فدخل من قبل الميمنة فطاف في العسكر فلم يجده ثم أتى الميسرة فطاف في العسكر.

فوجده قد ربط رجله بطنب من أطناب بعض فساطيط العسكر فوقف على باب الفسطاط فقال: السلام عليكم يا أهل البيت فقيل له: و عليك السلام و كان معه عبد له أسود لم يكن معه غيره فقال: تأذنون لنا في طنب من أطناب فسطاطكم قالوا قد أذنا لكم ثم قالوا: معذرة إلى ربنا عز و جل و إليكم أما إنه لو لا بغيه علينا ما صنعنا به ما ترون.

فنزل ابنه إليه و كان من أعظم الناس خلقا و قد انتفخ شيئا فلم يستطيعا احتماله فقال ابنه هل من فتى معوان فخرج إليه خندف البكري فقال تنحوا عنه فقال له ابن ذي الكلاع: و من يحمله إذا تنحينا؟ قال: يحمله الذي قتله فاحتمله خندف ثم رمی به على ظهر البغل ثم شده بالحبال فانطلقوا به.

ثم تمادى الناس في القتال فاضطربوا بالسيوف حتى تعطفت و صارت كالمناجل و تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و تناثرت أسنتها ثم جئوا على

ص: 294

الركبات فتحاتوا بالتراب يحثو بعضهم في وجوه بعض التراب ثم تعانقوا و تكادموا بالأفواه وتراموا بالصخر و الحجارة ثم تحاجزوا فجعل الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام.

فيقول: من أين آخذ إلى رايات بني فلان فيقولون هاهنا لا هداك الله و يمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق فيقول كيف آخذ إلى رايات بني فلان فيقولون هاهنا لا حفظك الله و لا عافاك.

و كان من أمراء النمر بن قاسط عبد الله بن عمرو من بني تميم و قتل يومئذ فلان بن مرة بن شرحبيل و الحارث بن عمرو بن شرحبيل.

464 - نصر عن عمر بن سعد عن البراء بن حيان الذهلي أن أبا عرفاء جبلة بن عطية الذهلي قال للحضين يوم صفين: هل لك أن تعطيني رايتك أحملها فيكون لك ذكرها و يكون لي أجرها؟ فقال له الحضين: و ما غناي یا عم عن اجر أجرها مع ذكرها؟ قال له: لا غنى بك عن ذلك أعرها عمك ساعة فما أسرع ما ترجع إليك فعلم أنه يريد أن يستقتل.

قال: فما شئت فأخذ الراية أبو عرفاء فقال: يا أهل هذه الراية إن عمل الجنة كره كله و ثقيل و إن عمل النار خف كله و حبيب و إن الجنة لا يدخلها إلا الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض الله و أمره و ليس شيء مما افترض الله على العباد أشد من الجهاد هو أفضل الأعمال ثوابا.

فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا ويحكم أما تشتاقون إلى الجنة أما تحبون «أَنْ يَغْفِرَ اللَّه لَكُمْ»؟ فشد و شدوا معه فاقتتلوا اقتتالا شديدا و أخذ الحضين يقول:

شدوا إذا ما شد باللواء *** ذاك الرقاشي أبو عرفاء

فقاتل أبو عرفاء حتى قتل و شدت ربيعة بعده شدة عظيمة على

ص: 295

صفوف أهل الشام فنقضتها و في ذلك قال مجزاة بن ثور:

أضربهم و لا أرى معاوية *** الأبرج العين العظيم الحاويه

هوت به في النار أم هاويه *** جاوره فيها كلاب عاويه

أغوى طغاما لا هدته هاديه

قال: وقال معاوية لعمرو: أما ترى يا أبا عبد الله ما قد دفعنا فيه كيف ترى أهل العراق غدا صانعين إنا لمعرض خطر عظيم ؟ فقال له عمرو: إن أصبحت ربيعة متعطفين حول علي تعطف الإبل حول فحلها لقيت منهم جلادا صادقا و بأسا شديدا و كانت التي لا يتعزى له-ا ف-قال له معاوية: أبخئولتك تخوفني يا أبا عبد الله ؟

قال: إنك سألتني فأجبتك فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا و ربيعة محدقة بعلي علیه السّلام إحداق بياض العين بسوادها و قام خالد بن المعمر فنادى من يبايع نفسه على الموت و يشري نفسه الله فبايعه سبعة آلاف على ألا ينظر رجل منهم خلفه حتى يرد سرادق معاوية فاقتتلوا قتالا شديدا و قد كسروا جفون سيوفهم.

465- نصر: قال عمر حدثني ابن أخي عتاب بن لقيط البكري من بني قيس بن ثعلبة أن عليا حيث انتهى إلى رايات ربيعة قال ابن لقيط: إن أصيب علي فيكم افتضحتم و قد لجأ إلى راياتكم و قال لهم شقيق بن ثور: يا معشر ربيعة ليس لكم عذر في العرب إن أصيب علي فيكم و منكم رجل حي إن منعتموه فحمد الحياة ألبستموه.

فقاتلوا قتالا شديدا لم يكن قبله مثله حين جاءهم علي علیه السّلام ففي ذلك تعاقدوا وتواصوا ألا ينظر رجل منهم خلفه حتى يرد سرادق معاوية فلما نظر إليهم معاوية قد أقبلوا قال:

ص: 296

إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت *** كتائب منهم كالجبال تجالد

ثم قال معاوية لعمرو ما ذا ترى؟ قال: أرى ألا تحنث أخوالي اليوم. فخلى معاوية عنهم و عن سرادقه و خرج فارا عنه لائذا إلى بعض مضارب العسكر فدخل فيه و بعث معاوية إلى خالد بن المعمر أنك قد ظفرت و لك إمرة خراسان إن لم تتم فطمع خالد في ذلك و لم يتم فأمره معاوية حين بايعه الناس على خراسان فمات قبل أن يصل إليها.

و في ذلك قال النجاشي:

لو شهدت هند لعمري مقامنا *** بصفين فدتنا بكعب بن عامر

فيا ليت أن الأرض تنشر عنهم *** فيخبرهم أنباءنا كل خابر

بصفين إذ قمنا كأنا سحابة *** سحاب ولي صوبه متبادر

فأقسم لو لاقيت عمرو بن وائل *** بصفين ألقاني بعهدة غادر

فولوا سراعا موجفين كأنهم *** نعام تلاقى خلفهن زواجر

و فر ابن حرب عفر الله وجهه *** و أرداه خزيا إن ربي قادر

معاوي لو لا أن فقدناك فيهم *** لغودرت مطروحا بها مع معاشر

معاشر قوم ضلل الله سعيهم *** و أخزاهم ربي كخزي السواحر

قال: وقال مرة بن جنادة العليمي من بني عليم من كلبک

ألا سألت بنا غداة تبعثرت *** بكر العراق بكل عضب مقصل

برزوا إلينا بالرماح تهزها *** بين الخنادق مثل هز الصيقل

و الخيل تضبر في الحديد كأنها *** أسد أصابتها بليل شمأل

466 - عنه قال: في حديث عمر بن سعد قال : ثم إن عليا صلى الغداة ثم زحف إليهم فلما أبصروه قد خرج استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثم إن خيل أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب

ص: 297

علي ألف رجل أو أكثر فأحاطوا بهم و حالوا بينهم و بين أصحابهم فلم يروهم - فنادى علي علیه السّلام يومئذ:

ألا رجل يشري نفسه الله و يبيع دنياه بآخرته؟ فأتاه رجل من جعف يقال له: عبد العزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه غراب مقنعا في الحديد لا يرى منه إلا عيناه فقال يا أمير المؤمنين: مرني بأمر فو الله ما تأمرني بشيء إلا صنعته فقال علي علیه السّلام:

سمحت بأمر لا يطاق حفيظة *** و صدقا و إخوان الحفاظ قليل

جزاك إله الناس خيرا فقد وفت *** يداك بفضل ما هناك جزيل

أبا الحارث شد الله ركنك احمل على أهل الشام حتى تأتى أصحابك فتقول لهم أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام و يقول لكم هللوا وكبروا من ناحيتكم و نهلل نحن و نكبر من هاهنا و احملوا من جانبكم و نحمل من جانبنا على أهل الشام فضرب الجعني فرسه حتى إذا قام على السنابك حمل على أهل الشام المحيطين بأصحاب علي فطاعنهم ساعة وقاتلهم فانفرجوا له حتى أتى أصحابه.

فلما رأوه استبشروا به و فرحوا و قالوا ما فعل أمير المؤمنين؟ قال: صالح يقرئكم السلام و يقول لكم : هللوا و كبروا و احملوا حملة رجل واحد من ذلك الجانب وحملوا على أهل الشام من ثم و حمل علي من هاهنا في أصحابه فانفرج أهل الشام عنهم فخرجوا و ما أصيب منهم رجل واحد و لقد قتل من فرسان أهل الشام يومئذ زهاء سبعمائة رجل قال: و قال علي علیه السّلام : من أعظم الناس غناء ؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين قال كلا و لكنه الجعني.

467- ذكروا أن عليا كان لا يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق ذلك

ص: 298

على مضر و أظهروا لهم القبيح و أبدوا ذات أنفسهم فقال حضين بن المنذر الرقاشي شعرا أغضبهم فيه:

رأت مضر صارت ربيعة دونهم *** شعار أمير المؤمنين و ذا الفضل

فأبدوا إلينا ما تجن صدورهم *** علينا من البغضا وذاك له أصل

فقلت لهم لما رأيت رجالهم: *** بدت بهم قطو كأن بهم ثقل

إليكم أهيبوا لا أبا لأبيكم *** فإن لكم شكلا و إن لنا شكل

و نحن أناس خصنا الله بالتي *** رآنا لها أهلا و أنتم لها أهل

فأبلوا بلانا أو أقروا بفضلنا *** ولن تلحقونا الدهر ما حنت الإبل.

فغضبوا من شعر حضين فقام أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني و عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي و وجوه بني تميم و قبيصة بن جابر الأسدي في وجوه بني أسد و عبد الله بن الطفيل العامري في وجوه هوازن فأتوا عليا علیه السّلام فتكلم أبو الطفيل فقال:

يا أمير المؤمنين إنا والله ما نحسد قوما خصهم الله منك بخير إن أحمدوه و شكروه و إن هذا الحي من ربيعة قد ظنوا أنهم أولى بك منا و أنك لهم دوننا فأعفهم عن القتال أياما و اجعل لكل امرئ منا يوما يقاتل فيه فإنا إذا اجتمعنا اشتبه عليك بلاؤنا.

فقال علي علیه السّلام: أعطيتم ما طلبتم يوم الأربعاء و أمر ربيعة أن تكف عن القتال و كانت بإزاء اليمن من صفوف أهل الشام. فغدا أبو الطفيل عامر ابن واثلة في قومه من كنانة و هم جماعة عظيمة فتقدم أمام الخيل و هو يقول: طاعنوا و ضاربوا ثم حمل و هو يقول:

قد صابرت في حربها كنانة *** و الله يجزيها بها جنانه

من أفرغ الصبر عليه زانه *** أو غلب الجبن عليه شانه

ص: 299

أو كفر الله فقد أهانه *** غدا يعض من عصى بنانه

فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف أبو الطفيل إلى علي فقال يا أمير المؤمنين إنك نبأتنا أن أشرف القتل الشهادة و أحظى الأمر الصبر و قد و الله صبرنا حتى أصبنا فقتيلنا شهيد و حينا ثائر فاطلب بمن بقي نأر من مضى فإنا و إن كان قد ذهب صفونا وبقي كدرنا فإن لنا دينا لا يميل به الهوى و يقينا لا يزحمه الشبهة.

فأثنى علي عليه خيرا ثم غدا يوم الجمعة عمير بن عطارد بجماعة من بني تميم و هو يومئذ سيد مضر من أهل الكوفة فقال: يا قوم إني أتبع آثار أبي الطفيل و تتبعون آثار كنانة فتقدم برايته و هو يقول:

قد ضاربت في حربها تميم *** إن تميما خطبها عظيم

لها حدیث و لها قديم *** إن الكريم نسله كريم

إن لم تزرهم رايتي فلوموا *** دین قویم و هوی سلیم

فطعن برايته حتى خضبها دما و قاتل أصحابه قتالا شديدا حتى أمسوا و انصرف عمير إلى على وعليه سلاحه فقال: يا أمير المؤمنين قد كان ظني بالناس حسنا و قد رأيت منهم فوق ظني بهم قاتلوا من كل جهة و بلغوا من عفوهم جهد عدوهم و هم لهم إن شاء الله.

ثم غدا يوم السبت قبيصة بن جابر الأسدي في بني أسد و هم حي الكوفة بعد همدان فقال: يا معشر بني أسد أما أنا فلا أقصر دون صاحبي و أما أنتم فذاك إليكم ثم تقدم برايته و هو يقول:

قد حافظت في حربها بنو أسد *** ما مثلها تحت العجاج من أحد

أقرب من يمن وأنأى من نكد *** كأننا ركنا تبير أو أحد

لسنا بأوباش و لا بيض البلد *** لكننا المحة من ولد معد

ص: 300

كنت ترانا في العجاج كالأسد *** يا ليت روحي قد نأى عن الجسد

فقاتل القوم و لم يكونوا على ما يريد في الجهد فعذلهم على ما يجب فظفر ثم أتى عليا فقال: يا أمير المؤمنين إن استهانة النفوس في الحرب أبقى لها و القتل خير لها في الآخرة.

ثم غدا يوم الأحد عبد الله بن الطفيل العامري و كان سيد بني عامر فغدا بجماعة هوازن و هو يقول:

قد ضاربت في حربها هوازن *** أولاك قوم لهم محاسن

حبي لهم حزم و جاشي ساكن *** طعن مداريك و ضرب واهن

هذا و هذا كل يوم كائن *** لم يخبروا عنا و لكن عاينوا

و اشتد القتال بينهم حتى الليل ثم انصرف عبد الله بن الطفيل فقال: يا أمير المؤمنين أبشر فإن الناس نقمة لقيت و الله بقومي أعدادهم من عدوهم فما ثنوا أعنتهم حتى طعنوا في عدوهم ثم رجعوا إلي فاستكرهوني على الرجوع إليهم و استكرهتهم على الانصراف إليك فأبوا ثم عادوا فاقتتلوا. فأثنى علي عليهم خيرا و فخرت المضرية بما كان منهم على الربعية و انتصفوا من الربعية و قال عامر بن واثلة:

حامت كنانة في حربها *** و حامت تمیم و حامت أسد

و حامت هوازن یوم اللقا *** فما خام منا و منهم أحد

لقينا قبائل أنسابهم *** إلى حضرموت و أهل الجند

لقينا الفوارس يوم الخميس *** و العيد و السبت ثم الأحد

و أمدادهم خلف آذانهم *** وليس لنا من سوانا مدد

فلما تنادوا بآبائهم *** دعونا معدا و نعم المعد

فظلنا نفلق هاماتهم *** و لم نك فيها ببيض البلد

ص: 301

و نعم الفوارس يوم اللقاء *** فقل في عديد و قل في عدد

و قل في طعان كفرغ الدلاء *** و ضرب عظيم كنار الوقد

و لكن عصفنا بهم عصفة *** و في الحرب يمن و فيها نكد

طحنا الفوارس وسط العجاج *** و سقنا الزعانف سوق النقد

و قلنا علي لنا والد *** و نحن له طاعة كالولد

قال و بلغ أبا الطفيل أن مروان و عمرو بن العاص يشتمون أبا الطفيل فقال أبو الطفيل الكناني:

أيشتمني عمرو و مروان ضلة *** بحكم ابن هند و الشقي سعيد

وحول ابن هند شائعون كأنهم *** إذا ما استقاموا في الحديث قرود

بعضون من غيظ على أكفهم *** و ذلك غم لا أجب شديد

وما سبني إلا ابن هند و إنني *** لتلك التي يشجى بها لرصود

وما بلغت أيام صفين نفسه *** تراقیه و الشامتون شهود

وطارت لعمرو في الفجاج شظية *** و مروان من وقع الرماح يحيد

468 - نصر عن عمرو عن الأشعث بن سويد عن كردوس قال: كتب عقبة و هو ابن مسعود عامل علي على الكوفة إلى سليمان بن صرد الخزاعي و هو مع علي بصفين أما بعد «فإِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذا أَبَداً» فعليك بالجهاد و الصبر مع أمير المؤمنين و السلام عليك.

469- نصر عن عمر بن سعد و عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر علیه السّلام قال: قام علي فخطب الناس بصفين يومئذ فقال: الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر و الفاجر و على حججه البالغة على خلقه من أطاعه فيهم و من عصاه إن رحم فبفضله و منه و إن عذب

ص: 302

فيما كسبت أيديهم «وَ أَنَّ الله لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و أستعينه على ما نابنا من أمر دنيا أو آخرة و أومن به و أتوكل عليه «وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا».

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله «بِالهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ» ارتضاه لذلك و كان أهله و اصطفاه على جميع العباد لتبليغ رسالته و جعله رحمة منه على خلقه فكان كعلمه فيه رءوفا رحيما أكرم خلق الله حسبا و أجمله منظرا و أسخاه نفسا و أبره بوالد و أوصله لرحم و أفضله علما و أنقله حلمها و أوفاه بعهد و آمنه على عقد.

لم يتعلق عليه مسلم و لا كافر بمظلمة قط بل كان يظلم فيغفر و يقدر فيصفح و يعفو حتى مضى صلى الله عليه مطيعا الله صابرا على ما أصابه مجاهدا في الله «حَقَّ جهادِهِ» حتى أتاه اليقين صلّی الله علیه و آله فكان ذهابه أعظم المصيبة على جميع أهل الأرض و البر و الفاجر.

ثم ترك كتاب الله فيكم يأمر بطاعة الله و ينهى عن معصيته و قد عهد إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله عهدا فلست أحيد عنه و قد حضرتم عدوكم و قد علمتم من رئيسهم منافق ابن منافق يدعوهم إلى النار و ابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى الجنة و إلى طاعة ربكم و يعمل بسنة نبيكم صلّی الله علیه و آله.

فلا سواء من صلى قبل كل ذكر لم يسبقني بصلاتي مع رسول الله صلّی الله علیه و آله أحد و أنا من أهل بدر و معاوية طليق ابن طليق و الله إنكم لعلى حق و إنهم لعلى باطل فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا عليه و تفرقون عن حقكم حتى يغلب باطلهم حقكم «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ» فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم.

ص: 303

فأجابه أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى عدونا و عدوك إذا شئت فو الله ما نريد بك بدلا نموت معك و نحيا معك - فقال لهم علي مجيبا لهم: والذي نفسي بيده لنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله أضرب قدامة بسيفي فقال: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي و قال:

يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي و موتك وحياتك يا علي معي والله ما كذبت و لا كذبت و لا ضللت و لا ضل بي و ما نسيت ما عهد إلي و إني لعلى بينة من ربي و إني لعلى الطريق ألفظه لفظا .

الواضح ثم نهض إلى القوم فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق و ما كانت صلاة القوم إلا تكبيرا.

470- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن جابر عن الشعبي عن صعصعة بن صوحان ذكر أن علي بن أبي طالب صاف أهل الشام حتى برز رجل من حمير من آل ذي يزن آل ذي يزن اسمه كريب بن الصباح ليس في أهل الشام يومئذ رجل أشهر شدة بالبأس منه ثم نادى من يبارز؟ فبرز إليه المرتفع بن الوضاح الزبيدي فقتل المرتفع ثم نادى من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن الجلاح.

فقتل ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتل عائذا ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ثم قام عليها بغيا و اعتداء ثم :نادى هل بقي من مبارز؟ فبرز إليه علي ثم ناداه: ويحك يا كريب إني أحذرك الله و بأسه و نقمته و أدعوك إلى سنة الله وسنة رسوله ويحك لا يدخلنك ابن آكلة الأكباد النار.

فكان جوابه أن قال ما أكثر ما قد سمعنا هذه المقالة منك فلا حاجة

ص: 304

لنا فيها أقدم إذا شئت. من يشتري سيني و هذا أثره؟ فقال علي علیه السّلام لا حول و لا قوة إلا بالله ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه.

ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث. ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني فقتل مطاعا ثم نادى من يبرز؟ فلم يبرز إليه أحد.

ثم إن عليا نادى: يا معشر المسلمين «الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرام و الحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ» ويحك يا معاوية هلم إلي فبارزني و لا يقتلن الناس فيما بيننا.

فقال عمرو: اغتنمه منتهزا قد قتل ثلاثة من أبطال العرب و إني أطمع أن يظفرك الله به فقال معاوية: ويحك يا عمرو و الله إن تريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدي اذهب إليك فليس مثلي يخدع.

و قال المخارق بن الصباح الحميري في ذلك وقد قتل إخوة له ثلاثة و قتل أبوه و كان من أعلام العرب فقال و هو يبكي على العرب:

أعوذ بالله الذي قد احتجب *** بالنور والسبع الطباق و الحجب

أمن ذوات الدين منا والحسب *** لا تبكين عين على من قد ذهب

ليس كمثل الله شيء يرتهب *** يا رب لا تهلك أعلام العرب

القائلين الفاعلين في التعب *** والمطعمين الصالحين في السغب

أفناهم يوم الخميس المعتصب.

قال: فأرسل إليه معاوية بألف درهم.

471- نصر: قال عمر حدثني خالد بن عبد الواحد الجزري قال:

ص: 305

حدثني من سمع عمرو بن العاص قبل الوقعة العظمى بصفين و هو يحرض أصحابه بصفين فقام محنيا على قوس فقال:

الحمد الله العظيم في شأنه القوي في سلطانه العلي في مكانه الواضح في برهانه أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و في كل لزبة من بلاء أو شدة أو رخاء و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمد عبده و رسوله ثم إنا نحتسب عند الله رب العالمين ما أصبح في أمة محمد صلّی الله علیه و آله من اشتعال نیرانها و ظلام جنباتها و اضطراب حبلها و وقوع بأسها بينها.

«فإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» - «وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» أو لا تعلمون أن صلاتنا وصلاتهم و صيامنا و صيامهم و حجنا و حجهم و قبلتنا و قبلتهم و ديننا و دينهم واحد و لكن الأهواء متشتتة اللهم أصلح هذه الأمة بما أصلحت به أولها و احفظ فيها بنيها مع أن القوم قد وطئوا بلادكم وبغوا عليكم فجدوا في قتال عدوكم و استعينوا بالله ربكم و حافظوا على حرماتكم.

ثم إنه جلس ثم قام عبد الله بن العباس خطيبا فقال:

«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ» الذي دحا تحتنا سبعا و سمك فوقنا سبعا ثم خلق فيما بينهن خلقا و أنزل لنا منهن رزقا ثم جعل كل شيء يبلى و يفنى غير وجهه الحي القيوم الذي يحيا و يبقى ثم إن الله بعث أنبياء و رسلا فجعلهم حججا على عباده «عُذراً أَوْ نُذراً» لا يطاع إلا بعلمه و إذنه يمن بالطاعة على من يشاء من عباده ثم يثيب عليها و يعصى بعلم منه فيعفو و يغفر بحلمه.

لا يقدر قدره و لا يبلغ شيء مكانه «أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» و «أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن

ص: 306

محمدا عبده و رسوله صلّی الله علیه و آله إمام الهدى و النبي المصطفى و قد ساقنا قدر الله إلى ما قد ترون حتى كان فيها اضطرب من حبل هذه الأمة و انتشر من أمرها.

أن ابن آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعوانا على علي بن أبي طالب - ابن عم رسول الله و صهره و أول ذكر صلى معه بدري قد شهد مع رسول الله صلّی الله علیه و آله كل مشاهده التي فيها الفضل و معاوية و أبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام و اعلموا و الله الذي ملك الملك وحده فبان به و كان أهله.

لقد قاتل علي بن أبي طالب مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و علي يقول: صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ» و معاوية و أبو سفيان يقولان: كذب الله و رسوله فما معاوية في هذه بأبر و لا أتقى و لا أرشد و لا أصوب منه في قتالكم فعليكم بتقوى الله و الجد و الحزم والصبر و إنكم لعلى الحق و إن القوم لعلى الباطل.

فلا يكونن أولى بالجد في باطلهم منكم في حقكم أما والله إنا لنعلم أن الله سيعذبهم بأيديكم أو بأيدي غيركم.

اللهم ربنا أعنا و لا تخذلنا و انصرنا على عدونا و لا تخل عنا و «افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ» و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أقول قولي و أستغفر الله لي ولكم.

472- نصر عن عمر قال حدثني عبد الرحمن بن جندب عن جندب بن عبد الله قال: قام عمار بن ياسر بصفين فقال: امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الأمرون بالإحسان. فقال

ص: 307

هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم و لو درس هذا الدين لم قتلتموه فقلنا لإحداثه.

فقالوا إنه ما أحدث شيئا و ذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها و يرعونها و لا يبالون انهدت عليهم الجبال والله ما أظنهم يطلبون دمه إنهم ليعلمون أنه لظالم و لكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها و استمرءوها و علموا لو أن صاحب الحق لزمهم لحال بينهم و بين ما يأكلون و يرعون فيه منها و لم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية.

فخدعوا أتباعهم بأن قالوا قتل إمامنا مظلوما. ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون و لو لا هي ما بايعهم من الناس رجلان اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت و إن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم.

ثم مضى و مضى معه أصحابه فلما دنا من عمرو بن العاص قال: يا عمرو بعت دينك بمصر تبالك وطالما بغيت الإسلام عوجا ثم حمل عمار و هو يقول:

صدق الله و هو للصدق أهل *** و تعالى ربي و كان جليلا

رب عجل شهادة لي بقتل *** في الذي قد أحب قتلا جميلا

مقبلا غير مدبر إن للقت_ *** _ل على كل ميتة تفضيلا

إنهم عند ربهم في جنان *** يشربون الرحيق و السلسبيلا

من شراب الأبرار خالطه المس_ *** _ك و كأسا مزاجها زنجبيلا.

ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر وذلك قبل مقتله فقال: يا ابن عمر صرعك الله بعت دينك بالدنيا من عدو الله و عدو الإسلام قال: كلا ولكن أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم قال كلا أشهد على علمي فيك أنك

ص: 308

أصبحت لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله و أنك إن لم تقتل اليوم فستموت غدا فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك؟

ثم قال عمار: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم انحنى عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت اللهم و إني أعلم مما أعلمتني أني لا أعمل اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين و لو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته.

473- نصر عن يحيى بن يعلى عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن زبد بن أبي رجاء عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: كنا بصفين مع علي بن أبي طالب تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحي استظللنا ببرد أحمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا فقال: أيكم عمار بن ياسر ؟

فقال عمار بن ياسر: هذا عمار. قال: أبو اليقظان؟ قال: نعم قال: إن لي حاجة إليك فأنطق بها علانية أو سرا؟ قال: اختر لنفسك أي ذلك شئت :قال لا بل علانية قال: فأنطق قال: إني خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم و أنهم على الباطل.

فلم أزل على ذلك مستبصرا حتى كان ليلتي هذه صباح يومنا هذا فتقدم منادينا فشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و نادى بالصلاة فنادى مناديهم بمثل ذلك ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة و دعونا دعوة واحدة و تلونا كتابا واحدا و رسولنا واحد فأدركني الشك في ليلتي هذه

فبت بليلة لا يعلمها إلا الله حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنين

ص: 309

فذكرت ذلك له فقال هل لقيت عمار بن ياسر ؟ قلت: لا قال فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه فجئتك لذلك قال له عمار هل تعرف صاحب الراية السوداء المقابلتي؟ فإنها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول الله صلّی الله علیه و آله ثلاث مرات و هذه الرابعة ما هي بخيرهن و لا أبرهن بل هي شرهن و أفجرهن.

أشهدت بدرا و أحدا و حنينا أو شهدها لك أب فيخبرك عنها؟ قال: لا قال: فإن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم بدر و يوم أحد و يوم حنين و إن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب هل ترى هذا العسكر و من فيه؟

فو الله لوددت أن جميع من أقبل مع معاوية ممن يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته و ذبحته و الله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور أفترى دم عصفور حراما؟ قال: لا بل حلال قال: فإنهم كذلك حلال دماؤهم أتراني بينت لك؟ قال: قد بينت لي قال: فاختر أي ذلك أحببت.

قال: فانصرف الرجل ثم دعاه عمار بن ياسر فقال: أما إنهم سيضربوننا بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولون: لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا و الله ما هم من الحق على ما يقذي عين ذباب و الله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنا على حق و هم على باطل.

و ايم الله لا يكون سلما سالما أبدا حتى يبوء أحد الفريقين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين و حتى يشهدوا على الفريق الآخر بأنهم على الحق وإن قتلاهم في الجنة وموتاهم و لا ينصرم أيام الدنيا حتى يشهدوا بأن موتاهم

ص: 310

و قتلاهم في الجنة و إن موتى أعدائهم وقتلاهم في النار و كان أحياؤهم على الباطل.

474 - نصر عن يحيى عن علي بن حزور عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الذين نقاتلهم الدعوة واحدة و الرسول واحد و الصلاة واحدة و الحج واحد فيم نسميهم؟ قال: تسميهم بما سماهم الله في كتابه :قال ما كل ما في الكتاب أعلمه.

قال: أما سمعت الله قال: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ» إلى قوله «وَ لَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ من بَعْدِهِمْ» «من بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَات وَ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ من آمَنَ وَ مِنْهُمْ من كَفَرَ» فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله و بالكتاب و بالنبي و بالحق.

فنحن الذين آمنوا و هم الذين كفروا و شاء الله قتالهم فقاتلناهم هدى بمشيئة الله ربنا و إرادته.

475- نصر عن سفيان الثوري و قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي قال: جاء عمار بن ياسر يستأذن على النبي صلّی الله علیه و آله فقال: ائذنوا له مرحبا بالطيب ابن الطيب.

476- نصر عن سفيان بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن النبي صلّی الله علیه و آله: يعني أنه رآهم يحملون الحجارة حجارة المسجد فقال: ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار و ذاك الأشقياء الفجار.

477 - نصر عن سفيان عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي قال : لقد ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه .

478- نصر عن الحسن بن صالح عن أبي ربيعة الأيادي عن الحسن

ص: 311

عن النبي صلّی الله علیه و آله قال إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة علي و عمار و سلمان.

479 - نصر عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما بني المسجد جعل عمار يحمل حجرين فقال له رسول الله صلّی الله علیه و آله : يا أبا اليقظان لا تشقق على نفسك قال: يا رسول الله إني أحب أن أعمل في هذا المسجد قال: ثم مسح ظهره ثم قال: إنك من أهل الجنة تقتلك الفئة الباغية.

480 - نصر عن حفص بن عمران الأزرق البرجمي قال: حدثني نافع ابن الجمحي عن ابن أبي ملكية قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص لو لا أن رسول الله صلّی الله علیه و آله أمر بطواعيتك ما سرت معك هذا المسير أما سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول لعمار: يقتلك الفئة الباغية.

481- نصر عن حفص بن عمران البرجمي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري قال أصيب أويس القرني مع العلمي الله بصفين.

482- نصر عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله عز و جل: «وَ من النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضاتِ الله والله رَؤُفٌ بِالْعِبَادِ» قال: نزلت في رجل و هو صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان أخذه المشركون في رهط من المسلمين فيهم خير مولى قريش لبني الحضرمي و خباب بن الأرت مولى ثابت ابن أم أنمار.

و بلال مولى أبي بكر و عابس مولى حويطب بن عبد العزى و عمار ابن ياسر و أبو عمار و سمية أم عمار فقتل أبو عمار و أم عمار و هما أول قتيلين قتلا من المسلمين و عذب الآخرون بعد ما خرج النبي صلّی الله علیه و آله من مكة إلى المدينة فأرادوهم على الكفر فأما صهيب فكان شيخا كبيرا ذا متاع فقال للمشركين: هل لكم إلى خير؟

فقالوا: ما هو ؟ قال: أنا شيخ كبير ضعيف لا يضركم منكم كنت أو

ص: 312

من عدوكم و قد تكلمت بكلام أكره أن أنزل عنه فهل لكم أن تأخذوا مالي و تذروني و ديني؟ ففعلوا فنزلت هذه الآية فلقيه أبو بكر حين دخل المدينة :فقال ربح البيع يا صهيب و قال:

و بيعك لا يخسر و قرأ عليه هذه الآية ففرح بها أما بلال و خباب و عابس و عمار و أصحابهم فعذبوا حتى قالوا بعض ما أراد المشركون ثم أرسلوا ففيهم نزلت هذه الآية: «وَ الَّذِينَ هَاجَرُوا فى الله من بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّتَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الأَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ».

483- نصر عن أيوب بن خوط عن الحسن أن رسول الله صلّی الله علیه و آله لما أخذ في بناء المسجد قال: ابنوا لي عريشا كعريش موسى و جعل يناول اللبن و هو يقول: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار و المهاجرة وجعل يتناول من عمار بن ياسر و يقول: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية.

484- نصر عن عمر قال حدثني مالك بن أعين عن زيد بن وهب الجهني أن عمار بن ياسر نادى يومئذ: أين من يبغي رضوان ربه و لا يئوب إلى مال و لا ولد ؟ قال : فأتته عصابة من الناس فقال: أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان و يزعمون أنه قتل مظلوما و الله إن كان إلا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله.

485- عنه قال: دفع علي علیه السّلام الراية إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص و كانت عليه ذلك اليوم درعان فقال له علي كهيئة المازح أيا هاشم أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا؟ قال: ستعلم يا أمير المؤمنين و الله لألفن بين جماجم القوم لف رجل ينوي الآخرة فأخذ رمحا فهزه فانكسر ثم آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح لين فشد به لواءه و لما دفع علي

ص: 313

الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم: أقدم هاشم يكررها.

ثم قال: ما لك يا هاشم قد انتفخ سحرك أعورا و جبنا؟ قال: من هذا؟ قالوا: فلان قال أهلها و خير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها ثم قال: لأصحابه شدوا شسوع نعالكم و شدوا أزركم فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إليها.

ثم نظر هاشم إلى عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما فقال: من أولئك؟ قيل أصحاب ذي الكلاع ثم نظر فرأى جندا فقال: من أولئك؟ قالوا: جند أهل المدينة وقريش قال: قومي لا حاجة لي في قتالهم.

قال: من عند هذه القبة البيضاء؟ قيل: معاوية و جنده. قال: فإني أرى دونهم أسودة قالوا ذاك عمرو بن العاص و ابناه و مواليه. و أخذ الراية فهزها فقال له رجل من أصحابه امكث قليلا و لا تعجل فقال هاشم:

قد أكثروا لومي و ما أقلا *** إني شريت النفس لن أعتلا

أعور يبغي نفسه محلا *** لابد أن يفل أو يفلا

قد عالج الحياة حتى ملا *** أشدهم بذي الكعوب شلا

486- قال نصر: عمرو بن شمر:

أشلهم بذى الكعوب شلا

مع ابن عم أحمد المعلى *** فيه الرسول بالهدى استهلا

أول من صدقه و صلى *** فجاهد الكفار حتى أبلى

قال: وقد كان علي علیه السّلام قال له: أتخاف أن تكون أعور جبانا أيا هاشم المرقال؟ قال: يا أمير المؤمنين أما والله لتعلمني إن شاء الله ألف اليوم بين جماجم القوم فحمل يومئذ يرقل إرقالا.

ص: 314

487- نصر عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما كان قتال صفين و الراية مع هاشم بن عتبة قال: جعل عمار بن ياسر يتناوله بالرح و يقول: أقدم يا أعور

لا خير في أعور لا يأتي الفزع.

قال: فجعل يستحيي من عمار و كان عالما بالحرب فيتقدم فيركز الراية فإذا تنامت إليه الصفوف قال عمار: أقدم يا أعور:

لا خير في أعور لا يأتي الفزع.

فجعل عمرو بن العاص يقول: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا و جعل عمار يقول: صبرا عباد الله الجنة تحت ظلال البيض و كان لواء الشام مع أبي الأعور السلمي.

و لم يزل عمار بهاشم ينخسه حتى اشتد القتال و زحف هاشم بالراية يرقل بها إرقالا و كان يسمى المرقال قال و زحف الناس بعضهم إلى بعض و التقى الزحفان فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله و كثرت القتلى في الفريقين كليهما.

488 - عنه قال: و قال عمرو بن شمر عن أبي إسحاق عن أبي السفر قال لما التقينا بالقوم في ذلك اليوم وجدناهم خمسة صفوف قد قيدوا أنفسهم بالعمائم فقتلنا صفا صفا حتى قتلنا ثلاثة صفوف و خلصنا إلى الصف الرابع ما على الأرض شامي و لا عراقي يولي دبره و أبو الأعور يقول:

إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا *** صدود الخدود و ازورار المناكب

صدود الخدود والقنا متشاجر *** ولا تبرح الأقدام عند التضارب

ثم إن الأزد و بجيلة كشفوا همدان غلوة حتى ألجئوهم إلى التل

ص: 315

فصعدوا فشدت عليهم الأزد و بجيلة حتى أحدروهم منه ثم عطفت عليهم همدان حتى ألجئوهم إلى أن تركوا مصافهم وقتل من الأزد و بجيلة يومئذ ثلاثة آلاف في دفعة ثم إن همدان عبيت لعك فقيل:

همدان همدان و عك عك *** ستعلم اليوم من الأرك

و كانت على عك الدروع و ليس عليهم رانات فقالت همدان: خدموا القوم أي اضربوا سوقهم فقالت عك: برك كبرك الكمل فبركوا كما برك الجمل ثم رموا بحجر فقالوا: لا نفر حتى يفر الحكر.

489- عنه قال: بلغنا في حديث آخر أن عبيد الله بن عمر بعثه معاوية في أربعة آلاف وثلاث مائة و هي كتيبة الخضرية الرقطاء و كانوا قد أعلموا بالخضرة ليأتوا عليا من ورائه قال أبو صادق فبلغ عليا علیه السّلام أن عبيد الله بن عمر قد توجه قد توجه ليأتيه من ورائه فبعث إليهم أعدادهم ليس منهم إلا تميمي و اقتتل الناس من لدن اعتدال النهار إلى صلاة المغرب ما كانت صلاة القوم إلا التكبير عند مواقيت الصلاة.

ثم إن ميسرة العراق كشفت ميمنة أهل الشام فطاروا في سواد الليل و أعاد عبيد الله و التقى هو و كرب رجل من عكل فقتله و قتل الذين معه جميعا و إنما انكشف الناس لوقعة كرب فكشف أهل الشام أهل العراق فاختلطوا في سواد الليل و تبدلت الرايات بعضها ببعض فلما أصبح الناس وجد أهل الشام لواءهم و ليس حوله إلا ألف رجل.

فاقتلعوه و ركزوه من وراء موضعه الأول و أحاطوا به و وجد أهل العراق لواءهم مركوزا و ليس حوله إلا ربيعة و علي علیه السّلام بينها و هم يحيطون به و هو لا يعلم من هم و يظنهم غيرهم فلما أذن مؤذن علي حين طلع الفجر قال علیه السّلام:

ص: 316

يا مرحبا بالقائلين عدلا *** و بالصلاة مرحبا و أهلا

فلما صلى علي الفجر أبصر وجوها ليست بوجوه أصحابه بالأمس و إذا مكانه الذي هو به ما بين الميسرة و القلب بالأمس فقال: من القوم؟ قالوا: ربيعة و قد بت فيهم تلك الليلة قال: فخر طويل لك يا ربيعة ثم قال لهاشم: خذ اللواء فو الله ما رأيت مثل هذه الليلة ثم خرج نحو القلب حتى ركز اللواء به.

490- نصر : حدثنا عمرو بن شمر عن الشعبي قال: عبأ معاوية تلك الليلة أربعة آلاف وثلاثمائة من فارس و راجل معلمين بالخضرة و أمرهم أن يأتوا عليا علیه السّلام من ورائه ففطنت لهم همدان فواجهوهم وصمدوا إليهم فباتوا تلك الليلة يتحارسون و علي علیه السّلام قد أفضى به ذهابه و مجيئه إلى رايات ربيعة فوقف بينها و هو لا يعلم ويظن أنه في عسكر الأشعث.

فلما أصبح لم ير الأشعث و لا أصحابه و إذا سعيد بن قيس الهمداني على مركزه فلحقه رجل من ربيعة يقال له نفر فقال له: ألست الزاعم لئن لم تنته ربيعة لتكونن ربيعة ربيعة و همدان همدان فما أغنت عنك همدان البارحة فنظر إليه علي نظر منكر و نادى منادي علي علیه السّلام أن اتعدوا للقتال و اغدوا عليه و انهدوا إلى عدوكم.

فلما أصبحوا نهدوا للقتال غير ربيعة لم تتحرك فبعث إليهم علي أن انهدوا إلى عدوكم فأبوا فبعث إليهم أبا ثروان فقال: إن أمير المؤمنين يقرئكم السلام و يقول: يا معشر ربيعة ما يمنعكم أن تنهدوا و قد نهد الناس؟ قالوا: كيف ننهد و هذه الخيل من وراء ظهرنا؟ قل لأمير المؤمنين علیه السّلام فليأمر همدان أو غيرها بمناجزتهم لننهد.

فرجع أبو ثروان إلى علي علیه السّلام فأخبره فبعث إليهم الأشتر فقال: يا

ص: 317

معشر ربيعة ما منعكم أن تنهدوا و قد نهد الناس و كان جهير الصوت و أنتم أصحاب كذا و أصحاب كذا فجعل يعدد أيامهم فقالوا لسنا نفعل حتى ننظر ما تصنع هذه الخيل التي خلف ظهورنا و هي أربعة آلاف قل لأمير المؤمنين: فليبعث إليهم من يكفيه أمرهم و راية ربيعة يومئذ مع حضين بن المنذر.

فقال لهم الأشتر فإن أمير المؤمنين يقول لكم : اكفونيها إنكم لو بعثتم إليهم طائفة منكم لتركوكم في هذه الفلاة وفروا كاليعافير فوجهت حينئذ ربيعة إليهم تيم الله و النمر بن قاسط و عنزة. قالوا: فمشينا إليهم مستلئمين مقنعين في الحديد وكانت عامة قتال صفين مشيا.

فلما أتيناهم و انتشروا انتشار الجراد قال: فذكرت قول الأشتر و فروا كاليعافير فرجعنا إلى أصحابنا و قد نشب القتال بينهم و بين أهل الشام و قد اقتطع أهل الشام طائفة من أهل العراق بعضها من ربيعة فأحاطوا بها فلم نصل إليها حتى حملنا على أهل الشام فعلوناهم بالأسياف حتى انفرجوا لنا و أفضينا إلى أصحابنا فاستنقذناهم و عرفناهم تحت النقع بسيماهم و علامتهم.

و كانت علامة أهل العراق بصفين الصوف الأبيض قد جعلوه في رءوسهم و على أكتافهم و شعارهم يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد يا رحمان یا رحیم و كان علامة أهل الشام خرقا صفرا قد جعلوها على رءوسهم و أكتافهم و كان شعارهم نحن عباد الله حقا حقا.

يا لثارات عثمان وكانت رايات أهل العراق سودا و حمرا و دکنا و بيضا و معصفرة وموردة و الألوية مضروبة دكن و سود قال فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد قال: فما تحاجزوا حتى حجز بيننا سواد الليل قال:

ص: 318

و ما نرى رجلا منا ولا منهم موليا.

491 - نصر عن عمر حدثني صديق أبي عن الإفريقي بن أنعم قال: كانوا عربا يعرف بعضهم بعضا في الجاهلية وإنهم لحديثو عهد بها فالتقوا في الإسلام وفيهم بقايا تلك الحمية و عند بعضهم بصيرة الدين و الإسلام فتصابروا و استحيوا من الفرار حتى كادت الحرب تبيدهم و كانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء عسكر هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم.

فلما أصبحوا و ذلك يوم الثلاثاء خرج الناس إلى مصافهم –

فقال: أبو نوح فكنت في الخيل يوم صفين في خيل علي علیه السّلام و هو واقف بين جماعة من همدان و حمير و غيرهم من أفناء قحطان و إذا أنا برجل من أهل الشام يقول: من دل على الحميري أبي نوح؟ فقلنا هذا الحميري فأيهم تريد قال : أريد الكلاعي أبا نوح.

قال: قلت: قد وجدته فمن أنت؟ قال أنا ذو الكلاع سر إلي. فقلت له: معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتيبة. قال ذو الكلاع: بلى فسر فلك ذمة الله و ذمة رسوله و ذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسر دون خيلك حتى أسير إليك.

فسار أبو نوح وسار ذو الكلاع حتى التقيا فقال ذو الكلاع: إنما دعوتك أحدثك حديثا حدثناه عمرو بن العاص قديما في إمارة عمر بن الخطاب. قال أبو نوح و ما هو ؟ - قال ذو الكلاع: حدثنا عمرو بن العاص أن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال : يلتقي أهل الشام و أهل العراق و في إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى و معه عمار بن ياسر.

قال أبو نوح: لعمر الله إنه لفينا قال: أجاد هو في قتالنا؟ قال أبو نوح: نعم ورب الكعبة لهو أشد على قتالكم مني و لوددت أنكم خلق واحد

ص: 319

فذبحته و بدأت بك قبلهم و أنت ابن عمي قال ذو الكلاع: ويلك علام تتمنى ذلك منا؟! و الله ما قطعتك فيما بيني و بينك و إن رحمك لقريبة و ما يسرني أن أقتلك.

قال أبو نوح: إن الله قطع بالإسلام أرحاما قريبة ووصل به أرحاما متباعدة و إني لقاتلك أنت و أصحابك و نحن على الحق و أنتم على الباطل مقيمون مع أئمة الكفر و رءوس الأحزاب فقال له ذو الكلاع: فهل تستطيع أن تأتي معي في صف أهل الشام؟ فأنا جار لك من ذلك ألا تقتل و لا تسلب ولا تكره على بيعة و لا تحبس عن جندك.

و إنما هي كلمة تبلغها عمرو بن العاص لعل الله أن يصلح بذلك بين هذين الجندين و يضع الحرب و السلاح فقال أبو نوح: إني أخاف غدراتك و غدرات أصحابك فقال له ذو الكلاع: أنا لك بما قلت زعيم فقال أبو نوح اللهم إنك ترى ما أعطاني ذو الكلاع و أنت تعلم ما في نفسي فاعصمني و اختر لي و انصرني و ادفع عني.

ثم سار مع ذي الكلاع حتى أتى عمرو بن العاص و هو عند معاوية و حوله الناس و عبد الله بن عمرو يحرض الناس على الحرب فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو: يا أبا عبد الله هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمار بن ياسر لا يكذبك ؟ قال عمرو و من هو؟ قال: ابن عمي هذا و هو من أهل الكوفة.

فقال عمرو: إني لأرى عليك سيما أبي تراب قال أبو نوح: علي سيما محمد صلّی الله علیه و آله و أصحابه و عليك سيما أبي جهل و سيما فرعون فقام أبو الأعور فسل سيفه ثم قال : لا أرى هذا الكذاب اللئيم يشاتمنا بين أظهرنا و عليه سيما أبي تراب.

ص: 320

فقال ذو الكلاع: أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لأخطمن أنفك بالسيف ابن عمي و جاري عقدت له بذمتي و جئت به إليكما ليخبركما عما تماريتم فيه قال له عمرو بن العاص أذكرك بالله يا أبا نوح إلا ما صدقتنا و لم تكذبنا أفيكم عمار بن ياسر.

فقال له أبو نوح ما أنا بمخبرك عنه حتى تخبرني لم تسألني عنه فإنا معنا من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله عدة غيره و كلهم جاد على قتالكم - قال عمرو سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول : إن عمارا تقتله الفئة الباغية و إنه ليس ينبغي لعمار أن يفارق الحق و أن تأكل النار منه شيئا.

فقال أبو نوح: لا إله إلا الله و الله أكبر و الله إنه لفينا جاد على قتالكم فقال عمرو: و الله إنه لجاد على قتالنا؟ قال: نعم و الله الذي لا إله إلا هو و لقد حدثني يوم الجمل أنا سنظهر عليهم و لقد حدثني أمس أن لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق و أنهم على باطل.

و لكانت قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال له عمرو: فهل تستطيع أن تجمع بيني و بينه؟ قال: نعم فلما أراد أن يبلغه أصحابه ركب عمرو بن العاص و ابناه و عتبة بن أبي سفيان و ذو الكلاع و أبو الأعور السلمي و حوشب و الوليد بن عقبة بن أبي معيط فانطلقوا حتى أتوا خيولهم.

و سار أبو نوح و معه شرحبيل بن ذي الكلاع حتى انتهيا إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا مع أصحاب له منهم ابنا بدیل و هاشم و الأشتر و جارية بن المثنى و خالد بن المعمر و عبد الله بن حجل و عبد الله بن العباس. و قال أبو نوح: إنه دعاني ذو الكلاع و هو ذو رحم فقال: أخبرني عن عمار بن ياسر أفيكم هو؟ قلت: لم تسأل؟

ص: 321

قال: أخبرني عمرو بن العاص في إمرة عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول : يلتقي أهل الشام و أهل العراق و عمار في أهل الحق يقتله الفئة الباغية. فقلت: إن عمارا فينا فسألني: أجاد هو على قتالنا ؟ فقلت: نعم و الله أجد مني و لوددت أنكم خلق واحد فذبحتكم و بدأت بك يا ذا الكلاع.

فضحك عمار و قال: هل يسرك ذلك؟ قال: قلت: نعم قال أبو نوح أخبرني الساعة عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: عمار يقتله الفئة الباغية.

قال عمار: أقررته بذلك؟ قال: نعم أقررته فأقر فقال عمار: صدق و ليضرنه ما سمع و لا ينفعه.

ثم قال أبو نوح لعمار: و نحن اثنا عشر رجلا فإنه يريد أن يلقاك فقال عمار لأصحابه : اركبوا فركبوا وساروا ثم بعثنا إليهم فارسا من عبد القيس يسمى عوف بن بشر فذهب حتى كان قريبا من القوم ثم نادى: أين عمرو بن العاص؟ قالوا: هاهنا فأخبره بمكان عمار و خیله قال عمرو: قل له فليسر إلينا قال عوف : إنه يخاف غدراتك.

فقال له عمرو: ما أجرأك علي و أنت على هذه الحال؟ فقال له عوف: جرأني عليك بصيرتي فيك و في أصحابك فإن شئت نابذتك الآن «عَلى سَوَاءٍ» و إن شئت التقيت أنت و خصماؤك و أنت كنت غادرا فقال له عمرو: أ لا أبعث إليك بفارس يواقفك؟ فقال له عوف: ما أنا بالمستوحش فابعث بأشقى أصحابك قال عمرو: فأيكم يسير إليه.

فسار إليه أبو الأعور فلما تواقفا تعارفا فقال عوف: لأبي الأعور إني لأعرف الجسد و أنكر القلب - إني لا أراك مؤمنا و أنك لمن أهل النار فقال أبو الأعور لقد أعطيت لسانا يكبك الله به على وجهك في نار جهنم.

ص: 322

فقال عوف: كلا والله إني أتكلم أنا بالحق وتكلم أنت بالباطل و إني أدعوك إلى الهدى و أقاتل أهل الضلالة و أفر من النار و أنت بنعمة الله ضال تنطق بالكذب وتقاتل على ضلالة و تشتري العقاب بالمغفرة و الضلالة بالهدى انظروا إلى وجوهنا و وجوهكم و سيمانا و سيماكم و اسمعوا إلى دعوتنا ودعوتكم.

فليس أحد منا إلا و هو أولى بمحمد صلّی الله علیه و آله و أقرب إليه قرابة منكم قال له أبو الأعور: لقد أكثرت الكلام وذهب النهار ويحك ادع أصحابك و أدعو أصحابي فأنا جار لك حتى تأتي موقفك الذي أنت فيه الساعة فإني لست أبدوك بغدر و لا أجترئ على غدر حتى تأتي أنت وأصحابك و حتى تقفوا فإذا علمت كم هم جئت من أصحابي بعددهم فإن شاء أصحابك فليقلوا و إن شاءوا فليكثروا.

فسار أبو الأعور في مائة فارس حتى إذا كان حيث كنا بالمرة الأولى وقفوا وسار في عشرة بعمرو وسار عمار في اثني عشر فارسا حتى اختلفت أعناق الخيل خيل عمرو و خیل عمار و رجع عوف بن بشر في خيله و فيها الأشعث بن قيس و نزل عمار و الذين معه فاحتبوا بحمائل سيوفهم فتشهد عمرو بن العاص.

فقال له عمار بن ياسر: اسكت بعد هذا الكلام ليس عند ابن عقبة إلى موضع الله العلامة فقد تركتها في حياة محمد صلّی الله علیه و آله و بعد موته و نحن أحق بها منك فإن شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك و إن شئت كانت خطبة فنحن أعلم بفصل الخطاب منك و إن شئت أخبرتك بكلمة تفصل بيننا و بينك و تكفرك قبل القيام و تشهد بها على نفسك و لا تستطيع أن تكذبني فيها.

ص: 323

قال عمرو: يا أبا اليقظان ليس لهذا جئت إنما جئت لأني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم أذكرك الله إلا كففت سلاحهم و حقنت دماءهم و حرضت على ذلك فعلام تقاتلنا؟ أو لسنا نعبد إلها واحدا و نصلي إلى قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم و نؤمن برسولكم؟ قال عمار:

الحمد لله الذي أخرجها من فيك إنها لي و لأصحابي القبلة و الدين و عبادة الرحمن و النبي صلّی الله علیه و آله و الكتاب من دونك و دون أصحابك الحمد لله الذي قررك لنا بذلك دونك و دون أصحابك وجعلك ضالا مضلا لا تعلم هاد أنت أم ضال وجعلك أعمى و سأخبرك علام قاتلتك عليه أنت و أصحابك.

أمرني رسول الله صلّی الله علیه و آله أن أقاتل الناكثين وقد فعلت و أمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم هم و أما المارقون فما أدري أدركهم أم لا أيها الأبتر ألست تعلم أن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و أنا مولى الله و رسوله و علي بعده و ليس لك مولى.

قال له عمرو: لم تشتمني يا أبا اليقظان و لست أشتمك؟ قال عمار: و بم تشتمني أتستطيع أن تقول إني عصيت الله و رسوله يوما قط ؟ قال له عمرو: إن فيك لمسبات سوى ذلك. فقال عمار: إن الكريم من أكرمه الله كنت وضيعا فرفعني الله و مملوكا فأعتقني الله و ضعيفا فقواني الله و فقيرا فأغناني الله.

و قال له عمرو: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كل سوء. قال عمرو: فعلي قتله ؟ قال عمار بل الله رب علي قتله و علي معه قال عمرو: أكنت فيمن قتله ؟ (من هنا عند ابن عقبة) قال: كنت مع من قتله و أنا اليوم

ص: 324

أقاتل معهم قال عمرو : فلم قتلتموه ؟ قال عمار: أراد أن يغير ديننا فقتلناه. فقال عمرو ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان؟

قال عمار: و قد قالها فرعون قبلك لقومه: «أَ لَا تَسْتَمِعُونَ» فقام أهل الشام و لهم زجل فركبوا خيولهم فرجعوا و قام عمار و أصحابه فركبوا خيولهم و رجعوا فبلغ معاوية ما كان بينهم فقال: هلكت العرب أن أخذتهم خفة العبد الأسود يعني عمار بن ياسر.

492- قال نصر فحدثنا عمرو بن شمر قال: و خرج إلى القتال و صفت الخيول بعضها لبعض و زحف الناس و علی عمار درع بيضاء و هو يقول: أيها الناس الرواح إلى الجنة فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله و كثرت القتلى حتى إن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله فقال الأشعث:

لقد رأيت أخبية فلسطين و أروقتهم وما منها خباء و لا رواق و لا بناء و لا فسطاط إلا مربوطا بيد رجل أو رجله و جعل أبو سماك الأسدي يأخذ إداوة من ماء و شفرة حديد فإذا رأى رجلا جريحا و به رمق أقعده فيقول من أمير المؤمنين؟ فإن قال علي علیه السّلام: غسل عنه الدم و سقاه من الماء و إن سكت وجأه بالسكين حتى يموت ولا يسقيه. قال: فكان يسمى المخضخض.

493- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت الشعبي يقول قال الأحنف بن قيس و الله إني لإلى جانب عمار بن ياسر بيني و بينه رجل من بني الشعيراء فتقدمنا حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار: احمل فداك أبي وأمي و نظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم رحمك الله يا عمار إنك رجل تأخذك خفة في الحرب.

ص: 325

و إني إنما أزحف باللواء زحفا و أرجو أن أنال بذلك حاجتي و إني إن خففت لم آمن الهلكة وقد كان قال معاوية لعمرو: ويحك إن اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة وقد كان من قبل يرقل به ارقالا و إنه إن زحف به اليوم زحفا إنه لليوم الأطول لأهل الشام و إن زحف في عنق من أصحابه إني لأطمع أن تقتطع.

فلم يزل به عمار حتى حمل فبصر به معاوية فوجه إليه حماة أصحابه و من يزن بالبأس والنجدة منهم في ناحيته وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص و معه يومئذ سيفان قد تقلد واحدا و هو يضرب بالآخر و أطافت به خيل علي فقال عمرو: يا الله يا رحمان ابني ابني قال: و يقول معاوية:

صبرا صبرا فإنه لا بأس عليه قال عمرو و لو كان يزيد بن معاوية إذا لصبرت ؟ و لم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هاربا على فرسه و من معه و أصيب هاشم في المعركة.

494- قال نصر و حدثنا عمر بن سعد قال: و في هذا اليوم قتل عمار ابن ياسر رضي الله عنه أصيب في المعركة وقد كان قال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص و الله إن هذه الراية قاتلتها ثلاث عركات و ما هذه بأرشدهن ثم قال عمار:

نحن ضربناكم على تنزيله *** فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله*** و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق إلى سبيله

ثم استسقى و قد اشتد ظمؤه فأتته امرأة طويلة اليدين و الله ما أدري أعس معها أم إداوة فيها ضياح من لبن؟ فقال حين شرب:

ص: 326

الجنة تحت الأسنة *** اليوم ألقى الأحبة

محمدا و حزبه

و الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و هم على الباطل ثم حمل و حمل عليه ابن جون السكوني و أبو العادية الفزاري فأما أبو العادية فطعنه و أما ابن جون فإنه احتز رأسه. وقد كان ذو الكلاع يسمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلّی الله علیه و آله له لعمار بن ياسر - تقتلك الفئة الباغية و آخر شربة تشربها ضياح من لبن.

فقال ذو الكلاع لعمرو: ويحك ما هذا؟ قال عمرو: إنه سيرجع إلينا و يفارق أبا تراب وذلك قبل أن يصاب عمار فأصيب عمار مع علي و أصيب ذو الكلاع مع معاوية فقال عمرو: و الله يا معاوية ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا و الله لو بقي ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه إلى علي و لأفسد علينا جندنا. قال: فكان لا يزال رجل يجيء فيقول لمعاوية و عمرو أنا قتلت عمارا فيقول:

له عمرو: فما سمعته يقول فيخلط حتى أقبل ابن جون فقال: أنا قتلت عمارا فقال له عمرو فما كان آخر منطقه قال: سمعته يقول:

اليوم ألقى الأحبة *** محمدا و حزبه.

فقال له عمرو: صدقت أنت صاحبه أما والله ما ظفرت يداك و لكن أسخطت ربك.

495- نصر عن عمرو بن شمر قال حدثني إسماعيل السدي عن عبد خير الهمداني قال: نظرت إلى عمار بن ياسر يوما من أيام صفين رمي رمية فأغمي عليه و لم يصل الظهر و لا العصر ولا المغرب و لا العشاء ولا الفجر ثم أفاق فقضاهن جميعا يبدأ بأول شيء فاته ثم بالتي تليها.

ص: 327

496- نصر عن عمرو بن شمر عن السدي عن ابن حريث قال: أقبل غلام لعمار بن ياسر اسمه راشد يحمل شربة من لبن - فقال عمار إني سمعت خليلي رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: إن آخر زادك من الدنيا شربة لبن.

497 - نصر عن عمرو بن شمر عن السدي عن يعقوب بن الأوسط

قال: احتج رجلان بصفين في سلب عمار بن ياسر و في قتله فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال لهما: ويحكما اخرجا عني فإن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال و ولعت قريش بعمار ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار قاتله و سالبه في النار قال السدي: فبلغني أن معاوية قال إنما قتله من أخرجه يخدع بذلك طغام أهل الشام.

498- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير قال: أتى حذيفة بن اليمان رهط من جهينة فقالوا: يا أبا عبد الله إن رسول الله صلّی الله علیه و آله استجار من أن تصطلم أمته فأجير من ذلك و استجار من أن يذوق بعضها بأس بعض فمنع من ذلك - قال حذيفة إني سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: إن ابن سمية لم يخير بين أمرين قط إلا اختار أرشدهما ( يعني عمارا) فالزموا سمته.

499- عنه في حديث عمرو بن شمر قال: حمل عمار بن ياسر ذلك اليوم و هو يقول:

کلا و رب البيت لا أبرح أجي *** حتى أموت أو أرى ما أشتهي

أنا مع الحق أحامي عن علي *** صهر النبي ذي الأمانات الوفي

نقتل أعداه وينصرنا العلي *** ونقطع الهام بحد المشرفي

و الله ينصرنا على من يبتغي *** ظلما علينا جاهدا ما يأتلي.

قال: فضربوا أهل الشام حتى اضطروهم إلى الفرار.

ص: 328

500- عنه قال: و مشى عبد الله بن سويد الحميري سيد جرش إلى ذي الكلاع فقال له: لم جمعت بين الرجلين قال: لحديث سمعته من عمرو - و ذكر أنه سمعه من رسول الله صلّی الله علیه و آله و هو يقول لعمار بن ياسر يقتلك الفئة الباغية فخرج عبد الله بن عمر العنسي و كان من عباد أهل زمانه ليلا فأصبح في عسكر علي فحدث الناس بقول عمرو في عمار.

و قال الجرشي:

ما زلت يا عمرو قبل اليوم مبتدئا *** تبغي الخصوم جهارا غير إسرار

حتى لقيت أبا اليقظان منتصبا *** لله در أبي اليقظان عمار

ما زال يقرع منك العظم منتقيا *** مخ العظام بنزع غير مكثار

حتى رمى بك في بحر له حدب *** تهوي بك الوجها فاذهب إلى النار

و قال العنسي:

و الراقصات بركب عامدين له *** إن الذي جاء من عمرو لمأثور

قد كنت أسمع و الأنباء شائعة *** هذا الحديث فقلت: الكذب والزور

حتى تلقيته عن أهل عيبته *** فاليوم أرجع و المغرور مغرور

واليوم أبرأ من عمرو و شيعته *** و من معاوية المحدو به العير

لا لا أقاتل عمارا على طمع *** بعد الرواية حتى ينفخ الصور

تركت عمرا و أشياعا له نكدا *** إني بتركهم يا صاح معذور

يا ذا الكلاع فدع لي معشرا كفروا *** أو لا فدينك عين فيه تعزير

ما في مقال رسول الله في رجل *** شك ولا في مقال الرسل تحبير

فلما سمع معاوية بهذا القول بعث إلى عمرو فقال: أفسدت علي أهل الشام أكل ما سمعت من رسول الله تقوله : فقال عمرو: قلتها و لست و الله أعلم الغيب و لا أدري أن صفين تكون قلتها و عمار يومئذ لك و لي و قد

ص: 329

رويت أنت فيه مثل الذي رويت فيه فاسأل أهل الشام فغضب معاوية و تنمر لعمرو و منعه خيره فقال عمرو: لا خير لي في جوار معاوية إن تجلت هذه الحرب عنا و كان عمرو حمي الأنف فقال في ذلك:

تعاتبني إن قلت شيئا سمعته *** و قد قلت لو أنصفتني مثله قبلي

أنعلك فيما قلت نعل ثبيتة *** و تزلق بي في مثل ما قلته نعلي

و ما كان لي علم بصفين أنها *** تكون و عمار يحث على قتلي

فلو كان لي بالغيب علم كتمتها *** و كابدت أقواما مراجلهم تغلي

أبى الله إلا أن صدرك واغر *** علي بلا ذنب جنيت و لا ذحل

سوى أنني و الراقصات عشية *** بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل

فلا وضعت عندي حصان قناعها *** ولا حملت وجناء ذعلبة رحلي

و لا زلت أدعى في لؤي بن غالب *** قليلا غنائي لا أمر ولا أحلى

إن الله أرخى من خناقك مرة *** ونلت الذي رجيت إن لم أزر أهلي

وأترك لك الشام الذي ضاق رحبها *** عليك ولم يهنك بها العيش من أجلي

فأجاب معاوية:

الآن لما ألقت الحرب بركها *** وقام بنا الأمر الجليل على رجل

غمزت قناتي بعد ستين حجة *** تباعا كأني لا أمر ولا أحلى

أتيت بأمر فيه للشام فتنة *** و في دون ما أظهرته زلة النعل

فقلت لك القول الذي ليس ضائرا *** ولو ضر لم يضررك حملك لي ثقلي

فعاتبتني في كل يوم وليلة *** كأن الذي أبليك ليس كما أبلي

فيا قبح الله العتاب و أهله *** ألم تر ما أصبحت فيه من الشغل

فدع ذا و لكن هل لك اليوم حيلة *** ترد بها قوما مراجلهم تغلي

دعاهم علي فاستجابوا لدعوة *** أحب إليهم من ثرى المال و الأهل

ص: 330

إذا قلت ها بوا حومة الموت أرقلوا إلى الموت إرقال الهلوك إلى الفحل

فلما أتى عمرا شعر معاوية أتاه فأعتبه وصار أمرهما واحدا.

501- عنه قال: ثم إن عليا دعا في هذا اليوم هاشم بن عتبة و معه لواؤه و كان أعور فقال له: يا هاشم حتى متى تأكل الخبز و تشرب الماء فقال هاشم: لأجهدن على ألا أرجع إليك أبدا قال علي علیه السّلام : إن بإزائك ذا الكلاع و عنده الموت الأحمر؟

فتقدم هاشم فلما أقبل قال معاوية: من هذا المقبل؟ فقيل: هاشم المرقال فقال: أعور بني زهرة قاتله الله وقال: إن حماة اللواء ربيعة فأجيلوا القداح فمن خرج سهمه عبيته لهم فخرج سهم ذي الكلاع لبكر بن وائل فقال: ترحك الله من سهم كرهت الضراب و إنما كان جل أصحاب علي أهل اللواء من ربيعة لأنه أمر حماة منهم أن يحاموا عن اللواء فأقبل هاشم و هو يقول:

أعور يبغي نفسه خلاصا *** مثل الفنيق لابسا دلاصا

قد جرب الحرب و لا أناصا *** لا دية يخشى و لا قصاصا

كل امرئ و إن كبا و حاصا *** ليس يرى من موته مناصا

و حمل صاحب لواء ذي الكلاع و هو رجل من عذرة و هاشم حاسر و هو يقول:

يا أعور العين و ما بي من عور *** أثبت فإني لست من فرعى مضر

نحن اليمانون و ما فينا خور *** كيف ترى وقع غلام من عذر

ينعى ابن عفان و يلحى من غدر *** سيان عندي من سعى و من أمر.

فاختلفا طعنتين فطعنه هاشم فقتله و كثرت القتلى و حمل ذو الكلاع فاجتلد الناس فقتلا جميعا و أخذ ابن هاشم اللواء و هو يقول:

ص: 331

أهاشم بن عتبة بن مالك *** أعزز بشيخ من قريش هالك

تخبطه الخيلات بالسنابك *** فى أسود من نقعهن حالك

أبشر بحور العين في الأرائك *** و الروح والريحان عند ذلك.

502 - نصر: حدثنا عمرو بن شمر قال: لما انقضى أمر صفين وسلم الأمر الحسن علیه السّلام إلى معاوية و وفدت عليه الوفود أشخص عبد الله بن هاشم إليه أسيرا فلما أدخل عليه مثل بين يديه و عنده عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين هذا المختال ابن المرقال فدونك الضب المضب المغتر المفتون.

فإن العصا من العصية و إنما تلد الحية حية و جزاء السيئة «سَيِّئَةٌ مِثْلُها» فقال له ابن هاشم: ما أنا بأول رجل خذله قومه و أدركه يومه فقال معاوية: تلك ضغائن صفين و ما جنى عليك أبوك فقال عمرو: أمكني منه فأشخب أوداجه على أثباجه.

فقال له ابن هاشم: فهلا كانت هذه الشجاعة منك يا ابن العاص أيام صفين حين ندعوك إلى النزال و قد ابتلت أقدام الرجال من نقيع الجريال و قد تضايقت بك المسالك و أشرفت فيها على المهالك.

و ايم الله لو لا مكانك منه لنشبت لك مني خافية أرميك من خلالها أحد من وقع الأشافي فإنك لا تزال تكثر في هوسك و تخبط في دهشك و تنشب في مرسك تخبط العشواء في الليلة الحندس الظلماء قال فأعجب معاوية ما سمع من كلام ابن هاشم فأمر به إلى السجن و كف عن قتله فبعث إليه عمرو بأبيات يقولها له:

أمرتك أمرا حازما فعصيتني *** و كان من التوفيق قتل ابن هاشم

و كان أبوه يا معاوية الذي *** رماك على جد بحز الغلاصم

ص: 332

فما برحوا حتى جرت من دمائنا *** بصفين أمثال البحور الخضارم

و هذا ابنه و المرء يشبه أصله *** ستقرع إن أبقيته سن نادم.

فبلغ ذلك ابن هاشم و هو في محبسه فكتب إلى معاوية:

معاوي إن المرء عمرا أبت له *** ضغينة صدر ودها غير سالم

يرى لك قتلي يا ابن حرب وإنما *** يرى ما يرى عمر و ملوك الأعاجم

على أنهم لا يقتلون أسيرهم *** إذا كان منهم منعة للمسالم

و قد كان منا يوم صفين نفرة *** عليك جناها هاشم و ابن هاشم

قضى الله فيها ما قضى ثمت انقضى *** و ما ما مضى إلا كأضغات حالم

هي الوقعة العظمى التي تعرفونها *** و كل على ما قد مضى غير نادم

فإن تعف عني تعف عن ذي قرابة *** و إن تر قتلي تستحل محارمي

503 - عنه عن عمرو بن شمر عن السدي عن عبد الخير الهمداني قال: قال هاشم بن عتبة: أيها الناس إني رجل ضخم فلا يهولنكم مسقطى إن أنا سقطت فإنه لا يفرغ مني أقل من نحر جزور حتى يفرغ الجزار من جزرها.

ثم حمل فصرع فمر عليه رجل و هو صريع بين القتلى فقال له: اقرأ على أمير المؤمنين السلام و رحمة الله و قل له:

أنشدك بالله إلا أصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى فإن الدبرة تصبح غدا لمن غلب على القتلى. فأخبر الرجل عليا بذلك فسار على في بعض الليل حتى جعل القتلى خلف ظهره و كانت الدبرة له عليهم.

504 - نصر عن عمرو بن شمر عن رجل عن أبي سلمة إن هاشم بن عتبة دعا في الناس عند المساء: ألا من كان يريد الله و الدار الآخرة فليقبل. فأقبل إليه ناس فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا فليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له وقوتل فيه قتالا شديدا فقال لأصحابه:

ص: 333

لا يهولنكم ما ترون من صبرهم.

فو الله ما ترون منهم إلا حمية العرب وصبرها تحت راياتها و عند مراكزها و إنهم لعلى الضلال و إنكم لعلى الحق يا قوم «اصْبِرُوا وَصَابِرُوا» و اجتمعوا و امشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا ثم تأسوا وتصابروا «وَ اذْكُرُوا الله» و لا يسلم رجل أخاه و لا تكثروا الالتفات و اصمدوا صمدهم و جالدوهم محتسبين.

«حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ». فقال أبو سلمة فمضى في عصابة من القراء فقاتل قتالا شديدا هو و أصحابه حتى رأى بعض ما يسرون به إذ خرج عليهم فتى شاب يقول:

أنا ابن أرباب الملوك غسان *** و الدائن اليوم بدين غسان

أنبأنا أقوامنا بما كان *** أن عليا قتل ابن عفان.

ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه ثم جعل يلعن عليا و يشتمه و يسهب في ذمة فقال له هاشم بن عتبة إن هذا الكلام بعده الخصام و إن هذا القتال بعده الحساب فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف و ما أردت به قال: فإني أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي و أنكم لا تصلون و أقاتلكم أن صاحبكم قتل خليفتنا و أنتم وازرتموه على قتله.

فقال له هاشم: و ما أنت و ابن عفان؟ إنما قتله أصحاب محمد و قراء الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب و أصحاب محمد هم أصحاب الدين وأولى بالنظر في أمور المسلمين و ما أظن أن أمر هذه الأمة و لا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط قال الفتى: أجل أجل.

و الله لا أكذب فإن الكذب يضر ولا ينفع و يشين و لا يزين فقال له هاشم إن هذا الأمر لا علم لك به فخله و أهل العلم به قال: أظنك و الله قد

ص: 334

نصحتني و قال له هاشم و أما قولك: إن صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلى مع رسول الله و أفقهه في دين الله و أولاه برسول الله و أما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب لا ينامون الليل تهجدا.

فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون قال الفتى يا عبد الله إني لأظنك امراً صالحا و أظنني مخطئا أنما أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال: نعم تب إلى الله يتب عليك فإنه «يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ يَعْفُوا عَن السَّيِّئَاتِ»، «و يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المَتُطَهِّرِينَ».

قال فذهب الفتى بين الناس راجعا فقال له رجل من أهل الشام خدعك العراقي قال لا و لكن نصحني العراقي و قاتل هاشم هو و أصحابه قتالا شديدا حتى أتت كتيبة لتنوخ فشدوا على الناس فقاتلهم و هو يقول:

أعور يبغي أهله محلا *** لا بد أن يفل أو يفلا

قد عالج الحياة حتى ملا.

حتى قتل تسعة نفر أو عشرة و حمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط و بعث إليه علي أن قدم لواءك فقال للرسول انظر إلى بطني فإذا هو قد انشق فأخذ الراية رجل من بكر بن وائل و رفع هاشم رأسه فإذا هو بعبيد الله بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه فحبا حتى دنا منه، فعض على ثديه حتى نيبت فيه أنيابه.

ثم مات هاشم و هو على صدر عبيد الله بن عمر و ضرب البكري فوقع فرفع رأسه فأبصر عبيد الله بن عمر قريبا منه فحبا إليه حتى عض على ثديه الآخر حتى نيبت أنيابه فيه و مات أيضا فوجدا جميعا على صدر عبیدالله بن عمر، هاشم والبكري قد ماتا جميعا.

لما قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا و أصيب معه عصابة

ص: 335

من أسلم من القراء فمر عليهم علي و هم قتلى حول أصحابه الذين قتلوا معه فقال علیه السّلام:

جزى الله خيرا عصبة أسلمية *** صباح الوجوه صرعوا حول هاشم

یزید و عبد الله بشر و معبد *** و سفیان و ابنا هاشم ذي المكارم

و عروة لا يبعد ثناه و ذكره *** إذا اخترطت يوما خفاف الصوارم

ثم قال عبد الله بن هاشم: و أخذ الراية فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس إن ها شما كان عبدا من عباد الله الذين قدر أرزاقهم و كتب آثارهم و أحصى أعمالهم و قضى آجالهم فدعاه ربه الذي لا يعصى فأجابه و سلم الأمر الله و جاهد في طاعة ابن عم رسول الله.

و أول من آمن به و أفقههم في دين الله المخالف لأعداء الله المستحلين ما حرم الله الذين عملوا في البلاد بالجور و الفساد و «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ» فزين لهم الإثم والعدوان فحق عليكم جهاد من خالف سنة رسول الله و عطل حدود الله و خالف أولياء الله .

فجودوا بمهج أنفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا تصيبوا الآخرة و المنزل الأعلى و الملك الذي لا يبلى فلو لم يكن ثواب و لا عقاب و لا جنة و لا نار لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية ابن أكالة الأكباد فكيف و أنتم ترجون ما ترجون.

و قالت امرأة من أهل الشام:

لا تعدموا قوما أذاقوا ابن ياسر *** شعوبا و لم يعطوكم بالخزائم

فنحن قتلنا اليثربي بن محصن *** خطيبكم و ابني بديل و هاشم

و قال رجل من بني عذرة:

لقد رأيت أمورا كلها عجب *** وما رأيت كأيام بصفينا

ص: 336

لما غدوا و غدونا كلنا حنق *** كما رأيت الجمال المجلة الجونا

خيل تجول و خيل في أعنتها *** و آخرون على غيظ يرامونا

ثم ابتذلنا سيوفا في جماجمهم *** و ما نساقيهم من ذاك يجزونا

كأنها في أكف القوم لامعة *** سلاسل البرق يجد عن العرانينا

ثم انصرفنا كأشلاء مقطعة *** و كلنا عند قتلاهم يصلونا

505- عنه قال عبد الله بن أبي معقل بن نهيك بن أبي معقل بن نهيك بن يساف الأنصاري قال و في حديث عمرو بن شمر قال النجاشي يبكي أبا عمرة بن عمرو بن محصن و قتل بصفين:

لنعم فتى الحيين عمرو بن محصن *** إذا صائح الحي المصبح ثوبا

إذا الخيل جالت بينها قصد القنا *** يثرن عجاجا ساطعا متنصبا

لقد فجع الأنصار طرا بسيد *** أخي ثقة في الصالحين مجربا

فيا رب خير قد أفدت و جفنة *** ملأت و قرن قد ترکت مخيبا

و یا رب خصم قد رددت بغیظه *** فآب ذليلا بعد ما كان مغضبا

و راية مجد قد حملت و غزوة *** شهدت إذا النكس الجبان تهيبا

حووطا على جل العشيرة ماجدا *** و لم يك في الأنصار نكسا مؤنبا

طويل عمود المجد رحبا فناؤه *** خصيبا إذا ما رائد الحي أجدبا

عظيم رماد النار لم يك فاحشا *** ولا فشلا يوم القتال مغلبا

و كنت ربيعا ينفع الناس سيبه *** و سیفا جرازا باتك الحد مقضبا

فمن يك مسرورا بقتل ابن محصن *** فعاش شقيا ثم مات معذبا

و غودر منكبا لفيه و وجهه *** يعالج رمحا ذا سنان و ثعلبا

فإن تقتلوا الحر الكريم ابن محصن *** فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا

و إن تقتلوا ابني بديل و هاشما *** فنحن تركنا منكم القرن أعضبا

ص: 337

و نحن تركنا حميرا في صفوفكم *** لدى الموت صرعى كالنخيل مشذبا

وأفلتنا تحت الأسنة مرثد *** وكان قديما في الفرار مجربا

و نحن تركنا عند مختلف القنا *** أخاكم عبيد الله لحما ملحبا

بصفين لما ارفض عنه صفوفكم *** و وجه ابن عتاب تركناه ملغبا

طلحة من بعد الزبير و لم ندع *** لضبة في الهيجا عريفا و منكبا

و نحن أحطنا بالبعير وأهله *** ونحن سقيناكم سماما مقشبا

506 - نصر و كان ابن محصن من أعلام أصحاب علي علیه السّلام قتل في المعركة و جزع علي علیه السّلام لقتله.

507- قال و في قتل هاشم بن عتبة يقول أبو الطفيل عامر بن واثلة و هو من الصحابة وقيل: إنه آخر من بقي من صحب ر بقي من صحب رسول الله صلّی الله علیه و آله و شهد مع علي علیه السّلام صفين و كان من مخلصي الشيعة:

يا هاشم الخير جزيت الجنة *** قاتلت في الله عدو السنة

و التاركي الحق و أهل الظنه *** أعظم بما فزت به من منه

صيرني الدهر كأني شنه *** يا ليت أهلي قد علوني رنه

من حوبة و عمة و كنه

نصر: و الحوبة القرابة يقال لي في بنى فلان حوبة أي قربى.

508 - نصر عن عمرو بن شمر بإسناده قال: قال رجل يومئذ لعدي بن حاتم و كان من جلة أصحاب علي علیه السّلام يا أبا طريف ألم أسمعك تقول يوم الدار: و الله لا تحبق فيها عناق حولية و قد رأيت ما كان فيها وقد كانت فقئت عين عدي و قتل بنوه؟ قال بلى والله لقد حبقت فيه العناق و التيس الأعظم.

509- عنه قال: بعث علي خيلا ليحبسوا عن معاوية مادة فبعث

ص: 338

معاوية الضحاك ابن قيس الفهري في خيل إلى تلك الخيل فأزالوها و جاءت عيون علي فأخبرته بما قد كان فقال علي لأصحابه: فما ترون فيما هاهنا ؟ فقال بعضهم: نرى كذا و قال بعضهم نرى كذا.

فلما رأى ذلك الاختلاف أمرهم بالغدو إلى القوم فغاداهم إلى القتال قتال صفين فانهزم أهل الشام و قد غلب أهل العراق على قتلى أهل حمص و غلب أهل الشام على قتلى أهل العالية وانهزم عتبة بن أبي سفيان عشرين فرسخا عن موضع المعركة حتى أتى الشام فقال النجاشي من قصيدة أولها

لقد أمعنت يا عتب الفرارا *** و أورتك الوغى خزيا و عارا

فلا يحمد خصاك سوى طمر *** إذا أجريته انهمر انهمارا

510 - عنه قال كعب بن جعيل و هو شاعر أهل الشام بعد رفع المصاحف يذكر أيام صفين و يحرض معاوية:

معاوي لا تنهض بغير وثيقة *** فإنك بعد اليوم بالذل عارف

تركتم عبيد الله بالقاع مسندا *** يمج نجيعا و العروق نوازف

ألا أنما تبكي العيون لفارس *** بصفين أجلت خيله و هو واقف

ينوء و تعلوه شآبيب من دم *** كما لاح في جيب القميص اللفائف

يحللن عنه زر درع حصينة *** و يبدين عنه بعدهن معارف

تبدل من أسماء أسياف وائل *** وكان فتى لو أخطأته المتالف

ألا إن شر الناس في الناس كلهم *** بنو أسد إني لما قلت عارف

و فرت تميم سعدها و ربابها *** و خالفت الجعراء فيمن يخالف

فرد عليه أبو جهمة الأسدي فقال:

تعرفت و العراف تمج أمه *** فإن كنت عرافا فلست تقائف

ص: 339

أغرتم علينا تسرقون بناتنا *** و ليس لنا في قاع صفين قائف

يجالد من دون ابن عم محمد *** من الناس شهباء المناكب شارف

فما برحوا حتى رأى الله صبرهم *** وحتى أتيحت بالأكف المصاحف

و قال أبو جهمة الأسدى:

أنا أبو جهمة في جلد الأسد *** علي منه لبد فوق لبد

أهجو بني تغلب ما ينجي النقد *** أقود من شئت و صعب لم يقد

و قال عتبة يهجو كعب بن جعيل مجيبا له:

سمیت كعبا بشر العظام *** وكان أبوك سمي الجعل

و كان مكانك من وائل *** مكان القراد من است الجمل

و قال كعب مجيبا له:

سميت عتابا و لست بمعتب

ثم إن عليا أمر مناديه فنادى في الناس أن اخرجوا إلى مصافكم فخرج الناس إلى مصافهم واقتتل الناس و أقبل أبو الأعور السلمي يقول:

أضربهم و لا أرى عليا *** كفى بهذا حزنا عليا

و أقبل عبد الرحمن بن خالد و هو يقول:

أنا عبد الرحمن و ابن خالد *** أضرب كل قدم و ساعد

511 - نصر ثم كانت بين الفريقين الواقعة المعروفة بوقعة الخميس حدثنا بها عمر بن سعد عن سليمان الأعمش عن إبراهيم الهجري قال: حدثنا القعقاع بن الأبرد الطهوي قال: والله إني لواقف قريبا من علي بصفين يوم وقعة الخميس وقد التقت مذحج و كانوا في ميمنة علي و عك و جذام و لخم و الأشعرون وكانوا مستبصرين في قتال علي علیه السّلام.

و لقد والله رأيت ذلك اليوم من قتالهم و سمعت من وقع السيوف على

ص: 340

الرءوس و خبط الخيول بحوافرها في الأرض و في القتلى ما الجبال تهد و لا الصواعق تصعق بأعظم هولا في الصدور من ذلك الصوت نظرت إلى علي و هو قائم فدنوت منه فسمعته يقول:

لا حول و لا قوة إلا بالله و المستعان الله ثم نهض حين قام قائم الظهيرة و هو يقول: «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ» و حمل على الناس بنفسه و سیفه مجرد بیده فلا و الله ما حجز بيننا إلا الله رب العالمين في قريب من ثلث الليل وقتلت يومئذ أعلام العرب و كان في رأس علي ثلاث ضربات و في وجهه ضربتان.

512- نصر و قد قيل إن عليا لم يجرح قط. وقتل في هذا اليوم خزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين وقتل من أهل الشام عبد الله بن ذي الكلاع الحميري فقال معقل بن نهيك بن يساف الأنصاري:

يا لهف نفسي و من يشفي حزازتها *** إذ أفلت الفاسق الضليل منطلقا

وأفلت الخيل عمرو وهي شاحبة *** جنح الظلام يحث الركض و العنقا

وافت منية عبد الله إذ لحقت *** قب البطون به أعجز بمن لحقا

وانساب مروان في الظلماء مستترا *** تحت الدجى كلما خاف الردى أرقا

قال: وقال مالك الأشتر:

نحن قتلنا خوشبا *** لما غدا قد أعلها

و ذا الكلاع قبله *** و معبدا إذ أقدما

إن تقتلوا منا *** أبا اليقظان شيخا مسلما

فقد قتلنا منكم *** سبعين رأسا مجرما

أضحوا بصفين و قد *** لاقوا نكالا مؤثما.

و قال عامر بن الأمين السلمي:

ص: 341

كيف الحياة و لا أراك حزينا *** و غبرت في فتن كذاك سنينا

ونسيت تلذاذ الحياة وعيشها *** و ركبت من تلك الأمور فنونا

و رجعت قد أبصرت أمرى كله *** و عرفت ديني إذ رأيت يقينا

أبلغ معاوية السفيه بأنني *** في عصبة ليسوا لديك قطينا

لا يغضبون لغير ابن نبيهم *** يرجون فوزا إن لقوك ثمينا

و قال عبد الله بن يزيد بن عاصم الأنصاري يرثي من قتل من أصحابه:

يا عين جودي على قتلى بصفينا *** أضحوار فاتا وقد كانوا عرانينا

أنى لهم صرف دهر قد أضر بنا *** تبا لقاتلهم في اليوم مدفونا

كانوا أعزة قومي قد عرفتهم *** مأوى الضعاف وهم يعطون

ماعونا *** أعزز بمصرعهم تبا لقاتلهم

على النبي وطوبى للمصابينا

و قال النضر بن عجلان الأنصاري:

قد كنت عن صفين فيما قد خلا *** و جنود صفين لعمري غافلا

قد كنت حقا لا أحاذر فتنة *** و لقد أكون بذاك حقا جاهلا

فرأيت في جمهور ذلك معظما *** و لقيت من لهوات ذاك عياطلا

كيف التفرق و الوصي إمامنا *** لا كيف إلا حيرة و تخاذلا

لا تعتبن عقولكم لا خير في *** من لم يكن عند البلابل عاقلا

و ذروا معاوية الغوي و تابعوا *** دين الوصي تصادفوه عاجلا

و قالت أمينة الأنصارية ترثي مالكا:

منع اليوم أن أذوق رقادا *** مالك إذ مضى و كان عمادا

يا أبا الهيثم بن تيهان إني *** صرت للهم معدنا و وسادا

ص: 342

إذ غدا الفاسق الكفور عليهم *** إنه كان مثلها معتادا

أصبحوا مثل من ثوى يوم أحد *** يرحم الله تلكم الأجسادا

و قالت ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت ترثي أباها صاحب الشهادتين:

عين جودي على خزيمة بالدمع *** قتيل الأحزاب يوم الفرات

قتلوا ذا الشهادتين عتوا *** أدرك الله منهم بالتراب

قتلوه في فتية غير عزل *** يسرعون الركوب للدعوات

نصروا السيد الموفق ذا العدل *** و دانوا بذاك حتى الممات

لعن الله معشرا قتلوه *** و رماهم بالخزي و الآفات

513 - نصر حدثنا عمر بن سعد عن الأعمش قال: كتب معاوية إلى أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري صاحب منزل رسول الله صلّی الله علیه و آله و كان سيدا معظمها من سادات الأنصار و كان من شيعة علي علیه السّلام كتابا و كتب إلى زياد ابن سمية و كان عاملا لعلى علیه السّلام على بعض فارس كتابا فأما كتابه إلى أبي أيوب فكان سطرا واحدا لا تنسى شيباء أبا عذرتها و لا قاتل بكرها فلم يدر أبو أيوب ما هو ؟

فأتى به عليا و قال: يا أمير المؤمنين إن معاوية ابن أكالة الأكباد و كهف المنافقين كتب إلي بكتاب لا أدري ما هو؟ فقال له علي: و أين الكتاب؟ فدفعه إليه فقرأه و قال: نعم هذا مثل ضربه لك يقول ما أنسى الذي لا تنسى الشيباء لا تنسى أبا عذرتها و الشيباء المرأة البكر ليلة افتضاضها لا تنسى بعلها الذي افترعها أبدا و لا تنسى قاتل بكرها و هو أول ولدها كذلك لا أنسى أنا قتل عثمان.

و أما الكتاب الذي كتب إلى زياد فإنه كان وعيدا و تهددا فقال زياد ويلى على معاوية ابن أكالة الأكباد وكهف المنافقين و بقية الأحزاب

ص: 343

يتهددني و يوعدني و بيني و بينه ابن عم محمد و معه سبعون ألفا طوائع سيوفهم عند أذقانهم لا يلتفت رجل منهم وراءه حتى يموت أما و الله لئن خلص الأمر إلي ليجدني أحمر ضرابا بالسيف و الأحمر يعني أنه مولى فلما ادعاه معاوية صار عربيا منافيا.

514- قال نصر و روى عمرو بن شمر أن معاوية كتب في أسفل كتاب أبي أيوب:

أبلغ لديك أبا أيوب مالكة *** أنا و قومك مثل الذئب و النقد

إما قتلتم أمير المؤمنين فلا *** ترجوا الهوادة عندي آخر الأبد

إن الذي نلتموه ظالمين له *** أبقت حرارته صدعا على كبدي

إني حلفت يمينا غير كاذبة *** لقد قتلتم إماما غير ذي أود

لا تحسبوا أنني أنسى مصيبته *** و في البلاد من الأنصار من أحد

أعزز علي بأمر لست نائله *** و اجهد علينا فلسنا بيضة البلد

قد أبدل الله منكم خير ذي كلع *** و اليحصبيين أهل الحق في الجند

إن العراق لنا فقع بقرقرة *** أو شحمة بزها شاو و لم يكد

و الشام ينزلها الأبرار بلدتها *** أمن و حومتها عريسة الأسد

فلما قرأ الكتاب على على علیه السّلام قال: لشد ما شحذكم معاوية:

يا معشر الأنصار أجيبوا الرجل فقال أبو أيوب يا أمير المؤمنين ما أشاء أن أقول شيئا من الشعر يعيا به الرجال إلا قلته قال: فأنت إذا أنت.

فكتب أبو أيوب إلى معاوية أما بعد فإنك كتبت إلي لا تنسى الشيباء و قال في هذا الحديث الشيباء الشمطاء تكل ولدها و لا أبا عذرتها فضربتها مثلا بقتل عثمان و ما نحن و قتل عثمان إن الذي تربص بعثمان و ثبط يزيد بن أسد و أهل الشام في نصرته لأنت و إن الذين قتلوه لغير الأنصار و

ص: 344

كتب في آخر كتابه:

لا توعدنا ابن حرب إننا بشر *** لا نبتغي ود ذي البغضاء من أحد

فاسعوا جميعا بنى الأحزاب كلكم *** لسنا نريد ولاكم آخر الأبد

نحن الذين ضربنا الناس كلهم *** حتى استقاموا وكانوا عرضة الأود

و العام قصرك منا أن أقمت لنا *** ضربا يزيل بين الروح و الجسد

أما علي فإنا لن نفارقه *** ما رقرق الآل في الداويه الجرد

إما تبدلت منا بعد نصرتنا *** دین الرسول أناسا ساكني الجند

لا يعرفون أضل الله سعيهم *** إلا اتباعكم يا راعي النقد

فقد بغى الحق هضما شر ذي كلع *** واليحصبيون طرا بيضة البلد

ألا ندافع كفادون صاحبها *** حد الشقاق و لا أم ولا ولد

فلما أتى معاوية بكتاب أبي أيوب كسره.

515- نصر قال: و ذكر عمر عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سليمان الحضرمي و كان حضرها أبو سليمان مع علي أن الفيلقين التقيا بصفين و اضطربوا بالسيوف ليس معهم غيرها إلى نصف الليل.

516 - نصر قال عمر: وحدثني مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي و كان على مقدمة علي علیه السّلام قال: شهدت مع علي بصفين فاقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تكسرت الرماح و نفدت السهام ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا نحن و أهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضا وقد قاتلت ليلتئذ بجميع السلاح.

فلم يبق شيء من السلاح إلا قاتلت به حتى تحاتينا بالتراب و تكادمنا بالأفواه حتى صرنا قياما ينظر بعضنا إلى بعض ما يستطيع واحد

ص: 345

من الفريقين ينهض إلى صاحبه ولا يقاتل فلما كان نصف الليل من الليلة الثالثة انجاز معاوية و خيله من الصف و غلب علي علیه السّلام على القتلى في تلك الليلة و أقبل على أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله و أصحابه فدفنهم و قد قتل كثير منهم وقتل من أصحاب معاوية أكثر وقتل فيهم تلك الليلة شمر بن أبرهة و قتل عامة من أصحاب علي علیه السّلام يومئذ فقال عمارة:

قالت أمامة ما للونك شاحبا *** والحرب تشحب ذا الحديد الباسل

أنى يكون أبوك أبيض صافيا *** بين السمائم فوق متن السائل

تغدو الكتائب حوله ويسوقهم *** مثل الأسود بكل لدن ذابل

خزر العيون من الوفود لدى الوغى *** بالبيض تلمع كالشرار الطاسل

قالوا معاوية بن حرب بايعوا *** و الحرب شائلة كظهر البازل

فخرجت مخترما أجر فضولها *** حتى خلصت إلى مقام القاتل

و قال عمرو بن العاص:

إذا تخازرت و ما بي من خزر *** ثم خبأت العين من غير عور

نيتني ألوى بعيد المستمر *** ذا صولة في المصمئلات الكبر

أحمل ما حملت من خير وشر *** كالحية الصماء في أصل الصخر

و قال محمد بن عمرو بن العاص:

لو شهدت جمل مقامي و موقفي *** بصفين يوما شاب منها الذوائب

غداة غدا أهل العراق كأنهم *** من البحر موج لجة متراكب

و جئناهم نمشي صفوفا كأننا *** سحاب خريف صفقته الجنائب

فطار إلينا بالرماح كماتهم *** وطرنا إليهم و السيوف قواضب

فدارت رحانا و استدارت رحاهم *** سراة النهار ما تولى المناكب

إذا قلت يوما قد ونوا برزت لنا *** كتائب حمر و ارجحنت كتائب

ص: 346

فقالوا نرى من رأينا أن تبايعوا *** عليا فقلنا بل نرى أن تضاربوا

فأبنا و قد نالوا سراة رجالنا *** وليس لما لاقوا سوى الله حاسب

فلم أر يوما كان أكثر باكيا *** ولا عارضا منهم كميا يكالب

كأن تلألى البيض فينا وفيهم *** تلألؤ برق في تهامة ثاقب.

فرد عليه محمد بن علي بن أبي طالب علیه السّلام:

لو شهدت جمل مقامك أبصرت *** مقام لثيم وسط تلك الكتائب

أتذكر يوما لم يكن لك فخره *** و قد ظهرت فيها عليك الجلائب

وأعطيتمونا ما نقمتم أذلة *** على غير تقوى الله والدين واصب

517 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم قال: و الله إني مع علي حين أتاه علقمة بن زهير الأنصاري فقال: يا أمير المؤمنين إن عمرو بن العاص ينادي ثم:

أنا الغلام القرشي المؤتمن *** الماجد الأبلج ليث كالشطن

یرضی به الشام إلى أرض عدن *** يا قادة الكوفة من أهل الفتن

يا أيها الأشراف من أهل اليمن *** أضربكم و لا أرى أبا حسن

أعني عليا و ابن عم المؤتمن *** كفى بهذا حزنا من الحزن

فضحك علي علیه السّلام ثم قال: أما و الله لقد حاد عدي الله عني و إنه بمكاني لعالم كما قال العربي: غير الوهي ترقعين و أنت مبصرة ويحكم أروني مكانه لله أبوكم وخلاكم ذم. وقال النجاشي يمدح عليا:

إني إخال عليا غير مرتدع *** حتى يؤدي كتاب الله و الذمم

حتى ترى النقع معصوبا بلمته *** نقع القبائل في عرنينه شمم

غضبان يحرق نابيه بحرته *** كما يقط الفنيق المصعب القطم

حتى يزيل ابن حرب عن إمارته *** كما تنكب تيس الحبلة الحلم

ص: 347

أو أن تروه كمثل الصقر مرتبئا *** يخفقن من حوله العقبان و الرخم

و قال النجاشي أيضا يمدح عليا و يهجو معاوية و قد بلغه أنه يتهدده:

يا أيها الرجل المبدي عداوته *** رو لنفسك أي الأمر تأتمر

لا تحسبنى كأقوام ملكتهم *** طوع الأعنة لما ترشح العذر

و ما علمت بما أضمرت من حنق *** حتى أتتني به الركبان و النذر

فإن نفست على الأمجاد مجدهم *** فابسط يديك فإن الخير مبتدر

و اعلم بأن علي الخير من نفر *** مثل الأهلة لا يعلوهم بشر

لا يرتقي الحاسد الغضبان مجدهم *** ما دام بالحزن من صمائها حجر

بئس الفتى أنت إلا أن بينكما *** كما تفاضل ضوء الشمس و القمر

و لا إخالك إلا لست منتهيا *** حتى يمسك من أظفاره ظفر

لا تحمدن امراً حتى تجربه *** ولا تذمن من لم يبله الخبر

إني امرؤ قلما أثني على أحد *** حتى أرى بعض ما يأتي و ما يذر

إني إذا معشر كانت عداوتهم *** في الصدر أو كان في أبصارهم خزر

جمعت صبرا جراميزي بقافية *** لا يبرح الدهر منها فيهم أثر

فلما بلغ هذا الشعر معاوية قال ما أراه إلا قد قارب.

518- نصر عن عمر بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عبد الملك بن عبد الله عن ابن أبي شقيق أن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين كان يحمل على الخيل بصفين إذ جاء رجل من خزيمة فقال: هل من فرس؟ قال: نعم خذ أي الخيل شئت فلما ولى قال ابن جعفر: إن يصب أفضل الخيل يقتل قال: فما عتم أن أخذ أفضل الخيل فركبه و حمل على الذي دعاه إلى البراز فقتله الشامي.

و حمل غلامان من الأنصار جميعا أخوان حتى انتهيا إلى سرادق

ص: 348

معاوية فقتلا عنده و أقبلت الكتائب بعضها نحو بعض فاقتتلت قياما في الركب لا يسمع السامع إلا وقع السيوف على البيض و الدرق.

و قال عمرو بن العاص :

أجئتم إلينا تسفكون دماءنا *** و ما رمتم وعر من الأمر أعسر

لعمري لما فيه يكون حجاجنا *** إلى الله أدهى لو عقلتم و أنكر

تعاور تم ضربا بكل مهند *** إذا شد وردان تقدم قنبر

كتائبكم طورا تشد و تارة *** كتائبنا فيها القنا و السنور

إذا ما التقوا يوما تدارك بينهم *** طعان وموت في المعارك أحمر.

و قال مرة بن جنادة العليمي:

لله در عصابة في مأقط *** شهدوا مجال الخيل تحت قتامها

شهدوا ليوثا ليس يدرك مثلهم *** عند الهياج تذب عن آجامها

خزر العيون إذا أردت قتالهم *** برزوا سماحا كلهم بحمامها

لا ينكلون إذا تقوض صفهم *** جزعا على الإخوان عند جلامها

فوق البراح من السوابح بالقنا *** يردين مهيعة الطريق بهامها.

و قال العليمي

يا كلب ذبوا عن حريم نسائكم *** كما ذب فحل الشول بين عشارها

و لا تجزعوا إن الحروب لمرة *** إذا ذيق منها الطعم عند زيارها

فإن عليا قد أتاكم بفتية *** محددة أنيابها مع شفارها

إذا ندبوا للحرب سارع منهم *** فوارس حرب كالأسود ابتكارها

يخفون دون الروع في جمع قومهم *** بكل قضوب مقصل في حذارها.

و قال سماك بن خرشة الجعفي من خيل علي علیه السّلام:

لقد علمت غسان عند اعتزامها *** بأنا لدى الهيجاء مثل السعائر

ص: 349

مقاويل أيسار لهاميم سادة *** إذا سال بالجريال شعر البياطر

مساعير لم يوجد لهم يوم نبوة *** مطاعين أبطال غداة التناحر

ترانا إذا ما الحرب درت و أنشبت *** رواسيها في الحرب مثل الضباطر

فلم نر حيا دافعوا مثل دفعنا *** غداة قتلنا مكنفا و ابن عامر

أكر وأحمي عند وقع سيوفها *** إذا سافت العقبان تحت الحوافر

هم ناوشونا عن حريم ديارهم *** غداة التقينا بالسيوف البواتر

و قال رجل من كلب مع معاوية يهجو أهل العراق و يوبخهم –

لقد ضلت معاشر من نزار *** إذا انقادوا لمثل أبي تراب

وإنهم و بيعتهم عليا *** كواشمة التغضن بالخضاب

تزين من سفاهتها يديها *** و تحسر باليدين عن النقاب

فإياكم و داهية نئودا *** تسير إليكم تحت العقاب

إذا هشوا سمعت لحافتيهم *** دویا مثل تصفيق السحاب

يجيبون الصريخ إذا دعاهم *** إلى طعن الفوارس بالحراب

علیهم كل سابغة دلاص *** و أبيض صارم مثل الشهاب.

و قال الأحمر و قتل مع علي:

قد علمت غسان مع جذام *** أني كريم ثبت المقام

أحمي إذا ما زيل بالأقدام *** و التقت الجريال بالأهدام

إني و رب البيت و الإحرام *** لست أحامي عورة القمقام

و قال الشيخ بن بشر الجذامي:

يا لهف نفسي على جذام و قد *** هزت صدور الرماح و الخرق

كانوا لدى الحرب فى مواطنهم *** أسدا إذا انساب سائل العلق

فاليوم لا يدفعون إن دهموا *** ولا يردون شامة الغلق

ص: 350

فاليوم لا ينصفون إخوتهم *** عند وقوع الحروب بالحلق.

و قال الأشتر:

وسار ابن حرب بالغواية يبتغي *** قتال علي و الجيوش مع الحفل

فسرنا إليهم جهرة في بلادهم *** فصلنا عليهم بالسيوف و بالنبل

فأهلكهم ربي و فرق جمعهم *** وكان لنا عونا و ذاقواردى الخبل

519- عنه قال: ثم إن معاوية أرسل عمرو بن العاص في خيل عظيمة فلقيه حمزة بن عتبة بن أبي وقاص فقاتله حمزة وجعل حمزة يطعن بالرمح و يقول:

ما ذا يرجى من رئيس ملا *** لست بفرار و لا زميلا

في قومه مستبدلا مدلا *** قدسيّم الحياة و استملا

و كل أغراض له تملا.

وذلك عند غروب الشمس وقال حمزة:

دعاني عمرو للقاء فلم أقل *** و أي جواد لا يقال له هني

و ولى على طرف يجول بشكة *** مقلصة أحشاؤه ليس ينثني

فلو أدركته البيض تحت لوائه *** لغودر مجدولا تعاوره القني

عليه نجيع من دماء تنوشه *** قشاعم شهب في السباسب تجتني

فرجع عمرو إلى معاوية فحدثه فقال لقد لقيت اليوم رجلا هو خليق أن تدرسه الخيل بسنابكها أو تذريه في مداركها كدوس الحصرم و هو ضعيف الكبد شديد البطش يتلمظ تلمظ الشمطاء المفجعة فأتاه غمر فقال إذ به عندنا و الله ضرب كضرب القدار مرن الشراسيف بالشفار الواقع تشمص له النشوز في سراعيف الخيل.

فحمل عليه فدخل تحت بطن فرسه فطعنه حتى جدله عن فرسه و

ص: 351

جاء أصحابه فحملوه فعاش ثلاثة أيام ثم مات. و هو الذي جعل معاوية ابنه على عطائه و قتل حمزة يوم التليل المنفرد وقال حمزة:

بلغا عني السكون و هل لي *** من رسول إليهم غير آن

لم أصد السنان عن سبق الخيل *** و لم أتق هذام السنان

حين ضج الشعاع من ندب الخيل *** لحرب و هر الكمأة وقع الدان

و مشى القوم بالسيوف إلى القوم *** كمشي الجمال بين الإران.

و قال عمرو بن العاص :

أن لو شهدت فوارسا في قومنا *** يوم القوارع مر مر الأجهل

لرأيت مأسدة شوارع بالقنا *** جون الجلود من الحديد المرسل

متسربلين سوابغا عادية *** ادفوا الملوك بكل عضب مقصل

يمشون في عنت الطريق كأنهم *** أسد تقلقل في غريف الحسكل

يحمون إذ دهموا وذاك فعالهم *** عند البديهة في عجاج القسطل

النازلون أمام كل كريهة *** تخشى عوائدها غداة الفيصل

و الخيل غائرة العيون كأنما *** كحلت مآقيها بزرق الكعطل

يعدون إذ ضج المنادي فيهم *** نحو المنادي بذخة في القنبل

ودنا الكماة الكماة وأعملت *** من زرقا تعم سراتهم كالمشعل

و قال الأحمر:

كل امرئ لا بد يوما ميت *** و الموت حق فاعرفن وصيه

520 - عنه قال: جاء عدي بن حاتم يلتمس عليا ما يطأ إلا على إنسان ميت أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات بكر بن وائل فقال: يا أمير المؤمنين ألا نقوم حتى نموت فقال علي: ادنه فدنا حتى وضع أذنه أذنه عند أنفه فقال: ويحك إن عامة من معي يعصيني و إن معاوية فيمن يطيعه و لا

ص: 352

يعصيه.

و قال أبو حبة بن غزية الأنصاري و اسمه عمرو و هو الذي عقر الجمل، فقال بصفين:

سائل حليلة معبد عن فعلنا *** و حليلة اللخمي و ابن كلاع

و اسأل عبيد الله عن أرماحنا *** لماثوى متجدلا بالقاع

و اسأل معاوية المولي هاربا *** و الخيل تعدو و هي جد سراع

ماذا يخبرك المخبر منهم *** عنا و عنهم عند كل وقاع

إن يصدقوك يخبروك بأننا *** أهل الندى قدما مجيبو الداعي

ندعو إلى التقوى و نرعى أهلها *** برعاية المأمون لا المضياع

إن يصدقوك يخبروك بأننا *** نحمي الحقيقة عند كل مصاع

و نسن للأعداء كل مثقف *** لدن و كل مشطب قطاع.

و قال عدي بن حاتم بصفين:

أقول لما أن رأيت المعمعه *** و اجتمع الجندان وسط البلقعه

هذا علي و الهدى حقا معه *** یا رب فاحفظه و لا تضيعه

فإنه يخشاك ربي فارفعه *** و من أراد عيبه فضعضعه.

و قال النعمان بن عجلان الأنصاري يوم صفين:

سائل بصفين عنا عند وقعتنا *** و كيف كنا غداة المحك نبتدر

واسأل غداة لقينا الأزد قاطبة *** يوم البصيرة لما استجمعت مضر

لولا الإله وقوم قد عرفتهم *** فيهم عفاف و ما يأتي به القدر

لما تداعت لهم بالمصر داعية *** إلا الكلاب وإلا الشاء والحمر

كم مقعص قد تركناه بمقفرة *** تعوي السباع لديه و هو منعفر

ما إن تراه و لا يبكي علانية *** إلى القيامة حتى تنفخ الصور.

ص: 353

و قال عمرو بن الحمق الخزاعي:

تقول عرسي لما أن رأت أرقى *** ماذا يهيجك من أصحاب صفينا

ألست في عصبة يهدي الإله بهم *** لا يظلمون ولا بغيا يريدونا

فقلت إني على ما كان من سدر *** أخشى عواقب أمر سوف يأتينا

إدالة القوم في أمر يراد بنا *** فاقني حياء وكفي ما تقولينا.

و قال حجر بن عدي الكندي:

یا ربنا سلم لنا عليا *** سلم لنا المهذب النقيا

المؤمن المسترشد المرضيا *** و اجعله هادي أمة مهديا

لا أخطل الرأي و لا غبيا *** واحفظه ربي حفظك النبيا

فإنه كان له وليا *** ثم ارتضاه بعده وصيا

و قال معقل بن قيس التميمي:

با أيها السائل عن أصحابي *** إن كنت تبغي خبر الصواب

أخبر عنهم غير ما تكذاب *** بأنهم أوعية الكتاب

صبر لدى الهيجاء و الضراب *** و سل جموع الأزد و الرباب

و سل بذاك معشر الأحزاب.

و قال أبو شريح الخزاعي:

يا رب قاتل كل من يريدنا *** وكد إلهي كل من يكيدنا

حتى يرى معتدلا عمودنا *** إن عليا للذي يقودنا

و هو الذي بفقهه يئودنا *** عن قحم الفتنة إذ تريدنا

و قال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي:

ألا أبلغ معاوية بن حرب *** أ ما لك لا تنيب إلى الصواب

ص: 354

أ كل الدهر مرجوس لغير *** تحارب من يقوم لدى الكتاب

فإن تسلم و تبقى الدهر يوما *** نزرك بجحفل شبه الهضاب

يقودهم الوصي إليك حتى *** يردك عن عوائك و ارتیاب

و إلا فالتي جربت منا *** لكم ضرب المهند بالذؤاب

و قال أبو واقد الحارث بن عوف الخشني:

سائل بنا يوم لقينا الأزدا *** و الخيل تعدو شقرا و وردا

لما قطعنا كفهم والزندا *** و استبدلوا بغيا وباعوا الرشدا

و ضيعوا فيما أرادوا القصدا *** سحقا لهم في رأيهم و بعدا.

و قال همام بن الأغفل الثقفي:

قد قرت العين من الفساق *** و من رءوس الكفر والنفاق

إذ ظهرت كتائب العراق *** نحن قتلنا صاحب المراق

و قائد البغاة و الشقاق *** عثمان يوم الدار و الإحراق

لما لففنا ساقهم بساق *** بالطعن و الضرب مع العناق

وسل بصفين لدى التلاقي *** تنبأ بتبيان مع المصداق

أن قد لقوا بالمارق الممراق *** ضربا يدمي عقر الأعناق.

و قال محمد بن أبي سبرة بن أبي زهير القرشي:

نحن قتلنا نعثلا بالسيرة *** إذ صد عن أعلامنا المنيرة

يحكم بالجور على العشيرة *** نحن قتلنا قبله المغيرة

نالته أرماح لنا موتورة *** إنا أناس ثابتو البصيرة

إن عليا عالم بالسيره.

و قال حويرثة بن سمي العبدي:

سائل بنا يوم التقينا الفجره *** و الخيل تغدو في قتام الغبره

ص: 355

تنباً بأنا أهل حق نعمره *** كم من قتيل قد قتلنا تخبره

و من أسير قد فككنا مأسره *** بالقاع من صفين يوم عسكره.

و قال عمرو:

لعمري لقد لاقت بصفين خيلنا *** سميرا فلم يعدلن عنه تخوفا

قصدت له في وائل فسقيته *** سمام زعاف يترك اللون أكلفا

فما جبنت بكر عن ابن معمر *** و لكن رجا عود الهوادة فانكفا

وخاف الذي لاقى الهجيمي قبله *** تفرق عنه جمعه فتخطفا

و نحن قتلنا هاشما و ابن ياسر *** و نحن قتلنا ابني بديل تعسفا

و قال عرفجة بن أبرد الخشني:

ألا سألت بنا و الخيل شاحبة *** تحت العجاجة و الفرسان تطرد

وخيل كلب و لخم قد أضر بها *** وقاعنا إذ غدوا للموت واجتلدوا

من كان أصبر فيها عند أزمتها *** إذ الدماء على أبدانها جسد

و قال أيضا:

سائل بنا عكا و سائل كلبا *** و الحميريين وسائل شعبا

كيف رأونا إذ أرادوا الضربا *** ألم نكن عند اللقاء غلبا

لما ثوى معبدهم منكبا.

و قال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:

یا شرطة الموت صبرا لا يهولكم *** دين ابن حرب فإن الحق قد ظهرا

و قاتلوا كل من يبغي غوائلكم *** فإنما النصر في الضراء لمن صبرا

سيفوا الجوارح حد السيف واحتسبوا *** في ذلك الخير و ارجوا الله والظفرا

و أيقنوا أن من أضحى يخالفكم *** أضحى شقيا و أضحى نفسه خسرا

فيكم وصي رسول الله قائدكم *** وأهله و كتاب الله قد نشرا

ص: 356

ولا تخافوا ضلالا لا أبا لكم *** سيحفظ الدين والتقوى لمن صبرا

521 - عنه قال: كتب على علیه السّلام إلى معاوية: أما بعد فإنك قد ذقت ضراء الحرب و أذقتها و إني عارض عليكم ما عرض المخارق على بني فالج:

أيا راكبا إما عرضت فبلغن *** بني فالج حيث استقر قرارها

هلموا إلينا لا تكونوا كأنكم *** بلاقع أرض طار عنها غبارها

سليم بن منصور أناس بحرة *** و أرضهم أرض كثير وبارها

فأجابه معاوية من معاوية إلى علي أما بعد عافانا الله وإياك فإني إنما قاتلت على دم عثمان و كرهت التوهين في أمره و إسلام حقه فإن أدرك به فيها و إلا فإن الموت على الحق أجمل من الحياة على الضيم و إنما مثلي و مثل عثمان كما قال المخارق:

متى تسلي عن نصرتي السيد لا يجد *** لك السيد بيت السيد عندي مسلما

إذا حل بيتي عند جاري لم يخف *** غوائل ما يسري إذا الليل أظلما

و قلت له في الرحب وجهك إنني *** سأمسك عنك الدار أن يتهدما

فكتب إليه علي بن أبي طالب علیه السّلام : أما بعد فإنك و ما ترى كما قال أوس بن حجر:

و كائن يرى من عاجز متضعف *** جنى الحرب يوما ثم لم يغن ما يجني

ألم يعلم المهدي الوعيد بأنني *** سريع إلى ما لا يسر له قرني

وأن مكاني للمريدين بارز *** و إن برزوني ذو كئود و ذو حضن

فكتب إليه معاوية عافانا الله و إياك إنا لم نزل للحرب قادة و أبناء لم

تصب مثلنا و مثلك و لكن مثلنا كما قال أوس:

إذا الحرب حلت ساحة القوم أخرجت *** عيوب رجال يعجبونك في الأمر

ص: 357

و للحرب يجنيها رجال و منهم *** إذا ما جناها من يعيد ولا يغني

522 - عنه قال: الأحنف بن قيس التميمي بصفين و هو مع علي علیه السّلام : هلكت العرب فقال له أصحابه: و إن غلبنا أبا بحر؟ قال نعم قالوا: و إن غلبنا ؟ قال نعم قالوا: و الله ما جعلت لنا مخرجا قال الأحنف: إن غلبنا لم نترك بها رئيسا إلا ضربنا عنقه و إن غلبنا لم يعرج بعدها رئيس عن معصية الله أبدا.

523- نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال: ذكر معاوية يوما صفين بعد عام الجماعة و تسليم الحسن علیه السّلام الأمر إليه فقال للوليد بن عقبة: أي بني عمك كان أفضل يوم صفين يا وليد عند وقدان الحرب و استشاطة لظاها حين قاتلت الرجال على الأحساب؟ قال: كلهم قد وصل كنفتها عند انتشار وقعتها حتى ابتلت أثباج الرجال من الجريال بكل لدن عسال وكل عضب قصال.

ثم قال عبد الرحمن بن خالد الوليد أما

بن و الله لقد رأيتنا يوما من الأيام وقد غشينا ثعبان مثل الطود الأرعن قد أثار قسطلا حال بيننا و بين الأفق و هو على أدهم شائل يضربهم بسيفه ضرب غرائب الإبل كاشرا عن أنيابه كشر المخدر الحرب فقال معاوية : والله إنه كان يجالد و يقاتل عن ترة له و عليه أراه يعني عليها علیه السّلام.

524- نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال: أرسل علي إلى - معاوية أن ابرز لى و اعف الفريقين من القتال فأينا قتل صاحبه كان الأمر له قال عمرو: لقد أنصفك الرجل فقال معاوية: إني لأكره أن أبارز الأهوج الشجاع لعلك طمعت فيها يا عمرو ؟ فلما لم يجب قال علي علیه السّلام :

وا نفساه أيطاع معاوية و أعصى ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها و

ص: 358

هى مقرة بنبيها إلا هذه الأمة. ثم إن عليا أمر الناس أن يحملوا على أهل الشام فحملت خيل علي على صفوف أهل الشام فقوضت صفوفهم.

قال عمرو يومئذ: على من هذا الرهج الساطع؟ فقيل: على ابنيك عبد الله و محمد فقال عمرو يا وردان قدم لواءك فتقدم فأرسل إليه معاوية أنه ليس على ابنيك بأس فلا تنقض الصف و الزم موقعك فقال عمرو: هيهات هيهات

الليث يحمي شبليه ***ما خيره بعد ابنيه

فتقدم باللواء فلقي الناس و هو يحمل فأدركه رسول معاوية فقال: إنه ليس على ابنيك بأس فلا تحملن فقال له عمرو: قل له: إنك لم تلدهما و إني أنا ولدتهما و بلغ مقدم الصفوف فقال له الناس: مكانك إنه ليس على ابنيك بأس إنهما في مكان حريز فقال: أسمعوني أصواتهما حتى أعلم أحيان هما أم قتيلان و نادی یا وردان قدم لواءك قدر قيس قوسي و لك فلانة (جارية له) فتقدم بلوائه.

فأرسلى علي إلى أهل الكوفة: أن احملوا، وإلى أهل البصرة أن احملوا فحمل الناس من كل جانب فاقتتلوا قتالا شديدا فخرج رجل من أهل الشام فقال: من يبارز؟ فخرج إليه رجل من أصحاب علي فاقتتلا ساعة ثم إن العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها فقاتل ولم يسقط إلى الأرض.

ثم ضرب يده فقطعها فرمى الشامي بسيفه بيده اليسرى إلى أهل الشام ثم قال: يا أهل الشام دونكم سيفي هذا فاستعينوا به على عدوكم فأخذوه فاشترى معاوية ذلك السيف من أولياء المقتول بعشرة آلاف و قال أبو زبيد الطائي يمدح عليا و يذكر بأسه:

إن عليا ساد بالتكرم *** و الحلم عند غاية التحلم

ص: 359

هداه ربي للصراط الأقوم *** بأخذه الحل و ترك المحرم

كالليث عند اللبوات الضيغم *** يرضعن أشبالا و لما تفطم

هو يحمي غيره و يحتمي *** عبل الذراعين كريه شدقم

مجوف الجوف نبيل المحزم *** نهد كعادي البناء المبهم

يزدجر الوحي بصوت أعجم *** تسمع بعد الزبر و التقحم

منه إذا حش له ترمرم *** مندلق الوقع جري المقدم

ليث الليوث في الصدام مصدم *** و كهمس الليل مصك ملدم

عفروس آجام عقار الأقدم *** كروس الذفرى أغم مكدم

ذو جبهة غرا و أنف أخثم *** يكنى من البأس أبا محطم

قسورة النطر صفي شجعم *** صم صمات صلخد صلدم

مصمت الصم صموت سرطم *** إذا رأته الأسد لم ترمرم

من هيبة الموت ولم تجمجم *** رهبة مرهوب اللقاء ضيغم

مجرمز شان ضرار شيظم *** عند العراك كالفنيق الأعلم

يفري الكمي بالسلاح المعلم *** منه بأنياب ولما تقضم

ركن مما ضيغ بلحي سلجم *** حامي الذمار و هو لما يكدم

ترى من الفرس به نضح الدم *** بالنحر و الشدقين لون العندم

أغلب ما رضى الأنوف الرغم *** إذا الأسود أحجمت لم يحجم

إذا تناجي النفس قالت صمم *** غمغمة في جوفها المغمغم

أغضف رئبال خدب فدغم *** منتشر العرف هضيم هيصم.

قالها أبو زبيد لعلي و قال علي علیه السّلام :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة *** رئبال آجام كريه المنظرة

عبل الذراعين شديد القسورة *** أكيلهم بالصاع كيل السندرة

ص: 360

525- نصر قال: وحدثني رجل عن مالك الجهني عن زيد بن وهب: أن عليا مر على جماعة من أهل الشام بصفين فيهم الوليد بن عقبة و هم يشتمونه و يقصبونه فأخبروه بذلك فوقف في ناس من أصحابه فقال: انهدوا إليهم وعليكم السكينة و سيما الصالحين و وقار الإسلام .

و الله لأقرب قوم من الجهل بالله عز و جل قوم قائدهم و مؤدبهم معاوية و ابن النابغة و أبو الأعور السلمي و ابن أبي معيط شارب الحرام و المجلود حدا في الإسلام و هم أولاء يقومون فيقصبونني و يشتمونني و قبل اليوم ما قاتلوني و شتموني و أنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام و هم يدعونني إلى عبادة الأصنام.

فالحمد لله و لا إله إلا الله و قديما ما عاداني الفاسقون إن هذا هو الخطب الجليل إن فساقا كانوا عندنا غير مرضيين و على الإسلام و أهله متخوفين أصبحوا و قد خدعوا شطر هذه الأمة فأشربوا قلوبهم حب فاستمالوا أهواءهم بالإفك و البهتان و قد نصبوا لنا الحرب وجدوا في إطفاء نور الله «وَ الله مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ».

اللهم فإنهم قد ردوا الحق فافضض جمعهم وشتت كلمتهم و أبسلهم بخطاياهم فإنه لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت.

526 - نصر عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي: أن علي بن أبي طالب مر بأهل راية فرآهم لا يزولون عن موقفهم فحرض الناس على قتالهم و ذكر أنهم غسان فقال : إن هؤلاء القوم لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم و ضرب يفلق الهام ويطيح العظام و تسقط منه المعاصم و الأكف حتى تصدع جباههم وتنثر حواجبهم على الصدور و الأذقان.

ص: 361

أين أهل الصبر وطلاب الخير أين من يشري وجهه الله عز و جل فثابت إليه عصابة من المسلمين فدعا ابنه محمدا فقال له: امش نحو هذه الراية مشيا رويدا على هينتك حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك يدك حتى يأتيك أمري ورأيي ففعل و أعد علي علیه السّلام مثلهم مع الأشتر

فلما دنا منهم و أشرع الرماح في صدورهم أمر علي الذين أعدوا فشدوا عليهم و نهض محمد في وجوههم فزالوا عن مواقفهم و أصابوا منهم رجالا واقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا فما صلى كثير من الناس إلا إيماء. وقال العديل بن نائل العجلي:

لست أنسى مقام غسان بالتل *** و لو عشت ما أظل شمام

سادة قادة إذا اعصوصب القوم *** ليوم القراع عند الكدام

ولهم أنديات ناد كرام *** فهم الغر في ذرى الأعلام

ناوشونا غداة سرنا إليهم *** بالعوالي و بالسيوف الدوامي

فتولوا و لم يصيبوا حميما *** عند وقع السيوف يوم اللغامي

و رضينا بكل كهل كريم *** ثابت أسهه من القمقام

527 - نصر عن رجل عن محمد بن عتبة الكندي قال حدثني شيخ من حضرموت شهد مع علي صفين فقال: كان منا رجل يدعى بهاني بن نمر و كان هو الليث النهد فخرج إليه رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة فلم يخرج إليه أحد فقال: سبحان الله ما يمنعكم أن يخرج منكم رجل إلى هذا؟

فلو لا أني موعوك و أني أجد لذلك ضعفا شديدا لخرجت إليه؟ فما رد عليه رجل من أصحابه شيئا فوثب فقال أصحابه: سبحان الله تخرج و أنت موعوك قال: والله لأخرجن إليه و لو قتلني فلما رآه عرفه و إذا الرجل من

ص: 362

قومه يقال له: يعمر بن أسيد الحضرمي و بينها قرابة من قبل النساء.

فقال له: يا هانى ارجع فإنه إن يخرج إلي غيرك أحب إلي إني لست أريد قتلك قال له هانئ: ما خرجت إلا و أنا موطن نفسي على القتل لا و الله لأقاتلن اليوم حتى أقتل ما أبالي قتلتني أنت أو غيرك ثم مشى نحوه فقال:

اللهم في سبيلك وسبيل رسولك و نصرا لابن عم نبيك ثم اختلفا ضربتين فقتل هانى صاحبه و شد أصحابه نحوه و شد أصحابهانئ نحوه ثم اقتتلوا و انفرجوا عن اثنين وثلاثين قتيلا ثم إن عليا أرسل إلى الناس أن احملوا.

فحمل الناس على راياتهم كل قوم بحيالهم فتجالدوا بالسيوف و عمد الحديد لا يسمع إلا صوت ضرب الهامات كوقع المطارق على السنادين و مرت الصلوات كلها و لم يصلوا إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة حتى تفانوا و رق الناس فخرج رجل بين الصفين لا يعلم من هو .

فقال: أخرج فيكم المحلقون؟ قلنا لا قال: إنهم سيخرجون ألسنتهم أحلى من العسل و قلوبهم أمر من الصبر لهم حمة كحمة الحيات ثم غاب الرجل و لم يعلم من هو.

528 - نصر عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي يحيى عن عبد الرحمن بن حاطب قال: خرجت ألتمس أخي في القتلى بصفين سويدا فإذا برجل قد أخذ بثوبي صريع في القتلى فالتفت فإذا بعبد الرحمن بن كلدة فقلت: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ هل لك في الماء؟ قال: لا حاجة لي في الماء قد أنفذ في السلاح و خرقني و لست أقدر على الشرب.

هل أنت مبلغ عني أمير المؤمنين رسالة فأرسلك بها؟ قلت: نعم قال:

ص: 363

فإذا رأيته فاقرأ عليه مني السلام و قل يا أمير المؤمنين احمل جرحاك إلى عسكرك حتى تجعلهم من وراء القتلى فإن الغلبة لمن فعل ذلك ثم لم أبرح حتى مات فخرجت حتى أتيت عليا فدخلت عليه فقلت: إن عبد الرحمن بن كلدة يقرأ عليك السلام.

قال: و عليه أين هو ؟ قلت: قد و الله يا أمير المؤمنين أنفذه السلاح و خرقه فلم أبرح حتى توفي فاسترجع قلت: قد أرسلني إليك برسالة قال و ما هي؟ قلت: قال: يا أمير المؤمنين احمل جرحاك إلى عسكرك حتى تجعلهم من وراء القتلى فإن الغلبة لمن فعل ذلك قال: صدق و الذي نفسي بیده.

فنادى منادي العسكر أن احملوا جرحاكم إلى عسكركم ففعلوا ذلك فلما أصبح نظر إلى أهل الشام و قد ملوا من الحرب و أصبح علي فرحل الناس و هو يريد أن ينزل على أهل الشام في عسكرهم فقال معاوية فأخذت معرفة فرسي و وضعت رجلي في الركاب حتى ذكرت أبيات عمرو بن الإطنابة:

أبت لي عفتي وأبى بلائي *** وأخذى الحمد بالثمن الربيح

و إجشامي على المكروه نفسي *** وضربي هامة البطل المشيح

و قولي كلما جشأت و جاشت *** مكانك تحمدي أو تستريحي

فعدت إلى مقعدي فأصبت خير الدنيا.

و كان علي علیه السّلام إذا أراد القتال هلل و كبر ثم قال:

من أي يومي من الموت أفر *** أيوم ما قدر أم يوم قدر

و أقبل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و معه لواء معاوية الأعظم و هو يقول:

ص: 364

أنا ابن سيف الله ذاكم خالد *** أضرب كل قدم وساعد

بصارم مثل الشهاب الواقد *** أنصر عمي إن عمي والدي

بالجهد لا بل فوق جهد الجاهد *** ما أنا فيها نابني براقد

فاستقبله جارية بن قدامة السعدي و هو يقول:

اثبت لصدر الرمح ياابن خالد *** اثبت لليث ذي فلول حارد

من أسد خفان شديد الساعد *** ينصر خير راكع و ساجد

من حقه عندي كحق الوالد *** ذاكم علي كاشف الأوابد

و أطعنا مليا ومضى عبد الرحمن و انصرف جارية و عبد الرحمن لا يأتي على شيء إلا أهمده و هو يقول:

إني إذا ما الحرب فرت عن كبر *** تخالني أخزر من غير خزر

أقحم و الخطي في النقع كشر *** كالحية الصماء في رأس الحجر

أحمل ما حملت من خير و شر.

فغم ذلك عليا و أقبل عمرو بن العاص في خيل من بعده فقال: أقحم يا ابن سيف الله فإنه الظفر و أقبل الناس على الأشتر فقالوا: يوم من أيامك الأول و قد بلغ لواء معاوية حيث ترى فأخذ الأشتر لواءه ثم حمل و هو يقول:

إني أنا الأشتر معروف الشتر *** إني أنا الأفعى العراقي الذكر

لست من الحي ربيع أو مضر *** لكنني من مذحج الغر الغرر

فضارب القوم حتى ردهم على أعقابهم فرجعت خيل عمرو. و قال النجاشي في ذلك:

رأيت اللواء لواء العقاب *** يقحمه الشانئ الأخزر

كليث العرين خلال العجاج *** و أقبل في خيله الأبتر

ص: 365

دعونا لها الكبش كبش العراق *** و قد خالط العسكر العسكر

فرد اللواء على عقبة *** و فاز بحظوتها الأشتر

كما كان يفعل في مثلها *** إذا ناب معصوصب منکر

فإن يدفع الله عن نفسه *** فحظ العراق بها الأوفر

إذا الأشتر الخير خلى العراق *** فقد ذهب العرف و المنكر

و تلك العراق و من قد عرفت *** كفقع تنبته القرقر

529 - ذكروا أنه لما رد لواء معاوية و رجعت خيل عمر و اشرأب لعلى همام بن قبيصة و كان من أشتم الناس لعلي و كان معه لواء هوازن فقصد المذحج وهو يقول:

قد علمت حوراء كالتمثال *** إني إذا ما دعيت نزل

أقدم إقدام الهزبر الغالي *** أهل العراق إنكم من بالي

كل تلادي و طريف مالي *** حتى أنال فيكم المعالي

أو أطعم الموت وتلكم حالي *** في نصر عثمان و لا أبالي

فقال عدي بن حاتم لصاحب لوائه ادن مني فأخذه و حمل و هو يقول:

يا صاحب الصوت الرفيع العالي *** إن كنت تبغي في الوغى نزالي

فادن فأني كاشف عن حالي *** تفدي عليا مهجتي و مالي

و أسرتي يتبعها عيالي

فضربه و سلب لوائه فقال ابن حطان و هو شامت به:

أهمام لا تذكر مدى الدهر فارسا *** و عض على ما جئته بالأباهم

سما لك يوما في العجاجة فارس *** شديد القفيز ذو شجا و غماغم

فوليته لما سمعت نداءه *** تقول له خذ يا عدي بن حاتم

ص: 366

فأصبحت مسلوب اللواء مذبذبا *** وأعظم بهذا من شتيمة شاتم

ثم حمل خزيمة بن ثابت و هو يقول:

قد مر يومان و هذا الثالث *** هذا الذي يلهث فيه اللاهث

هذا الذي يبحث فيه الباحث *** كم ذا يرجى أن يعيش الماكث

الناس موروث و منهم وارث *** هذا علي من عصاه ناكث

فقتل. ثم خرج خالد بن خالد الأنصاري و هو يقول:

هذا على والهدى أمامه *** هذا لوا نبينا قدامة

يقحمه في بقعة إقدامة *** لا جبنه نخشى و لا أثامه

منه غداه و به ادامه

فطعن ساعة ثم رجع ثم حمل جندب بن زهير و هو يقول:

هذا علي والهدى حقا معه *** يا رب فاحفظه ولا تضيعه

فإنه يخشاك ربي فارفعه *** نحن نصرناه على من نازعه

صهر النبي المصطفى قد طاوعه *** أول من بايه و تابعه

و أقبل الأشتر يضرب بسيفه و هو يقول:

أضر بهم ولا أرى معاوية *** الأخزر العين العظيم الحاويه

هوت به في النار أم هاويه *** جاوره فيها كلاب عاويه

أغوى طغاما لا هدته هاديه.

530- قال: و ذكروا أن عمرو بن العاص لما رأى الشر استقبل فقال له - معاوية: ائت ببني أبيك فقاتل بهم فإنه إن يك عند أحد خير فعندهم فأتى جماعة أهل اليمن فقال: أنتم اليوم الناس و غدا لكم الشأن هذا يوم له ما بعده من الأمر حملوا معي على هذا الجمع قالوا: نعم فحملوا و حمل عمرو و هو يقول:

ص: 367

أكرم بجمع طيب يمان *** جدوا تكونوا أولياء عثمان

إني أتانى خبر فأشجان *** أن عليا قتل ابن عفان

خليفة الله على تبيان *** ردوا علينا شيخنا كما كان

فرد على عمرو:

أبت شيوخ مذحج وهمدان *** بأن نرد نعثلا کماکان

خلقا جديدا مثل خلق الرحمن

فقال عمرو بن الحمق دعوني و الرجل فإن القوم قومي فقال ابن بديل: دع الجمع يلقى بعضهم بعضا فأبى عليه و حمل و هو يقول:

بؤسا لجند ضائع يمان *** مستوسقين كاتساق الضان

تهوي إلى راع لها وسنان *** أقحمها عمرو إلى الهوان

يا ليت كفي عدمت بناني *** و إنكم بالشحر من عمان

مثل الذي أفناكم أبكاني

ثم طعن في صدره فقتله و ولت الخيل و زال القوم عن مراكزهم ثم إن حوشبا ذا ظليم و هو يومئذ سيد أهل اليمن أقبل في جمعه و صاحب لوائه يقول:

نحن اليمانون و منا حوشب *** أذا ظليم أين منا المهرب

فينا الصفيح و القنا المعلب *** و الخيل أمثال الوشيج شرب

إن العراق حبلها مذبذب *** إن عليا فيكم محبب

في قتل عثمان وكل مذنب

فحمل عليه سليمان بن صرد الخزاعي و هو يقول:

يا لك يوما كاسفا عصبصبا *** يا لك يوما لا يواري كوكبا

يا أيها الحي الذي تذبذبا *** لسنا نخاف ذا ظليم حوشبا

ص: 368

لأن فينا بطلا مجربا *** ابن بديل كالهزبر مغضبا

أمسى علي عندنا محببا *** نفديه بالأم ولا نبقي أبا

فطعنه و قتله و استدار القوم و قتل حوشب و ابن بدیل و صبر بعضهم لبعض و فرح أهل الشام بمقتل هاشم. وقال جريش السكوني مع علي علیه السّلام:

معاوي ما أفلت إلا بجرعة *** من الموت رعبا تحسب الشمس كوكبا

نجوت و قد أدميت بالسوط بطنه *** أزوما على فأس اللجام مشذبا

فلا تكفرنه و اعلمن أن مثلها *** إلى جنبها ما دارك الجري أو كبا

فإن تفخروا بابني بديل و هاشم *** فنحن قتلنا ذا الكلاع و حوشبا

وإنهما ممن قتلتم على الهدى *** ثواء فكفوا القول ننسى التحوبا

فلما رأينا الأمر قد جد جده *** و قد كان مما يترك الطفل أشيبا

صبرنا لهم تحت العجاج سيوفنا *** و كان خلاف الصبر جدعا موعبا

فلم نلف فيها خاشعين أذلة *** و لم يك فيها حبلنا متذبذبا

كسرنا القنا حتى إذا ذهب القنا *** صبرنا و فللنا الصفيح المجربا

فلم نر في الجمعين صادف خده *** و لا ثانيا من رهبة الموت منكبا

و لم نر إلا قحف رأس و هامة *** و ساقا طنونا أو ذراعا مخضبا

و اختلط أمرهم حتى ترك أهل الرايات مراكزهم و أقحم أهل الشام من آخر النهار و تفرق الناس عن علي فأتى ربيعة ليلا فكان فيهم و أقبل عدي بن حاتم يطلب عليا في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده فطاف يطلبه فأصابه في مصاف ربيعة فقال يا أمير المؤمنين.

أما إذ كنت حيا فالأمر أمم ما مشيت إليك إلا على قتيل و ما أبقت هذه الوقعة لنا و لهم عميدا فقاتل حتى يفتح الله عليك فإن في القوم بقية بعد

ص: 369

و أقبل الأشعث يلهث جزعا فلما رأى عليا هلل و كبر و قال يا أمير المؤمنين خيل كخيل و رجال كرجال و لنا الفضل عليهم إلى ساعتنا هذه.

فعد إلى مقامك الذي كنت فيه فإن الناس إنما يظنونك حيث تركوك و أرسل سعيد بن قيس الهمداني إلى على علیه السّلام إنا مشتغلون بأمرنا مع القوم و فينا فضل فإن أردت أن نمد أحدا أمددناه.

و أقبل علي على ربيعة فقال: أنتم درعي و رمحي قال: فربيعة تفخر بهذا الكلام إلى اليوم فقال عدي بن حاتم يا أمير المؤمنين إن قوما أنست بهم و كنت فيهم في هذه الجولة لعظيم حقهم علينا. و الله إنهم لصبر عند الموت أشداء عند القتال.

و ركب علي علیه السّلام فرسه الذي كان لرسول الله و كان يقال له: المرتجز فركبه ثم تقدم أمام الصفوف ثم قال: بل البغلة بل البغلة. فقدمت له بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله الشهباء فركبها ثم تعصب بعمامة رسول الله السوداء ثم نادى: أيها الناس من يشر نفسه الله يربح يربح هذا يوم له ما بعده إن عدوكم قد مسه القرح كما مسكم.

فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم وتقدمهم علي منقطعا على بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله و هو يقول:

بوا دبيب النمل لا تقوتوا *** وأصبحوا بحربكم و بيتوا

حتى تنالوا الثأر أو تموتوا *** أو لا فإني طالما عصيت

قد قلتم لو جئتنا فجيت *** ليس لكم ما شئتم و شيت

بل ما يريد المحيي المميت

و تبعه ابن عدي بن حاتم بلوائه وهو يقول:

أبعد عمار و بعد هاشم *** وابن بديل فارس الملاحم

ص: 370

نرجو البقاء مثل حلم الحالم *** وقد عضضنا أمس بالأباهم

فاليوم لا نقرع سن نادم *** ليس امرؤ من يومه بسالم.

و تقدم الأشتر و هو يقول:

حرب بأسباب الردى تأجج *** يهلك فيها البطل المدجج

یکفیکها همدانها و مذحج *** قوم إذا ما أحمشوها انضجوا

روحوا إلى الله و لا تعرجوا *** دین قویم و سبيل منهج

و حمل الناس حملة واحدة فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتقض و أهمدوا ما أتوا عليه حتى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية - و علي يضربهم بسيفه و يقول:

أضر بهم و لا أرى معاوية *** الأخزر العين العظيم الحاويه

هوت به في النار أم هاويه

فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه فلما وضع رجله في الركاب تمثل بأبيات عمرو بن الإطنابة:

أبت لي عفتي وأبى بلائي *** وأخذي الحمد بالثمن الربيح

و إجشامي على المكروه نفسي *** و ضربي هامة البطل المشيح

و قولي كلما جشأت و جاشت *** مكانك تحمدي أو تستريحي

لأدفع عن مآثر صالحات *** وأحمي بعد عن عرض صحيح

بذي شطب كلون الملح صاف *** و نفس ما تقر على القبيح

و قال يا ابن العاص اليوم صبر و غدا فخر صدقت انا و ما نحن فيه كما قال ابن أبي الأقلح:

ما علتي و أنا رام نابل *** و القوس فيها وتر عنابل

تزل عن صفحتها المعابل *** الموت حق و الحياة باطل

ص: 371

فثنى معاوية رجله من الركاب و نزل و استصرخ بعك و الأشعريين فوقفوا دونه و جالدوا عنه حتى كره كل من الفريقين صاحبه و تحاجز الناس قال الشني في ذلك:

أتانا أمير المؤمنين فحسبنا *** على الناس طرا أجمعين بها فضلا

على حين إن زلت بنا النعل زلة *** و لم تترك الحرب العوان لنا فحلا

و قد أكلت منا و منهم فوارسا *** كما تأكل النيران ذا الحطب الجزلا

و كنا له في ذلك اليوم جنة *** وكنا له من دون أنفسنا نعلا

فأثنى ثناء لم ير الناس مثله *** على قومنا طرا و كنا له أهلا

و رغبة فينا عدي بن حاتم *** بأمر جميل صدق القول والفعلا

فإن يك أهل الشام أودوا بهاشم *** و أودوا بعمار و أبقوا لنا ثكلا

و بابني بديل فارسي كل بهمة *** و غيث خزاعي به ندفع المحلا

فهذا عبيد الله و المرء حوشب *** و ذو كلع أمسوا بساحتهم قتلى

ثم إن معاوية لما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال هذا يوم تمحيص إن القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم اصبروا يومكم هذا و خلاكم ذم و حضض علي أصحابه فقام إليه الأصبغ بن نباتة التميمي فقال: يا أمير المؤمنين إنك جعلتني على شرطة الخميس و قدمتني في الثقة دون الناس و إنك اليوم لا تفقد لي صبرا و لا نصرا.

و أما أهل الشام فقد هدهم ما أصبنا منهم و نحن ففينا بعض البقية فاطلب بنا أمرك و أذن لي في التقدم فقال له علي: تقدم باسم الله و أقبل الأحنف بن قيس السعدي فقال: يا أهل العراق و الله لا تصيبون هذا الأمر أذل عنقا منه اليوم قد كشف القوم عنكم قناع الحياء و ما يقاتلون على دين و ما يصبرون إلا حياء فتقدموا.

ص: 372

فقالوا: إنا إن تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس فما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: تقدموا في موضع التقدم و تأخروا في موضع التأخر تقدموا من قبل أن يتقدموا إليكم. و حمل أهل العراق وتلقاهم أهل الشام فاجتلدوا و حمل عمرو بن العاص معلما و هو يقول:

شدوا علي شكتي لا تنكشف *** بعد طليح و الزبير فأتلف

يوم لهمدان و يوم للصدف *** و في تميم نخوة لا تنحرف

أضربها بالسيف حتى تنصرف*** إذا مشيت مشية العود الصلف

و مثلها لحمير أو تنحرف *** و الربعيون لهم يوم عصف

فاعترضه علي علیه السّلام و هو يقول:

قد علمت ذات القرون الميل *** والخصر و الأنامل الطفول

إني بنصل السيف خنشليل *** أحمي و أرمي أول الرعيل

بصارم ليس بذي فلول

ثم طعنة فصرعه و اتقاه عمرو برجله فبدت عورته فصرف علي وجهه عنه و ارتث فقال القوم : أفلت الرجل يا أمير المؤمنين قال: و هل تدرون من هو ؟ قالوا لا قال: فإنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه. و رجع عمرو إلى معاوية فقال له: ما صنعت يا عمرو ؟ قال: لقيني علي فصر عني قال احمد الله و عورتك أما و الله أن لو عرفته ما أقحمت عليه. وقال معاوية في ذلك:

ألا لله من هفوات عمرو *** يعاتبني على تركي برازي

فقد لاقى أبا حسن عليا *** قاب الوائلي مآب خازي

فلو لم يبد عورته للاقي *** به ليستا يذلل كل نازي

له كف كأن براحتيها *** منايا القوم يخطف خطف بازي

ص: 373

فإن تكن المنايا أخطأته *** فقد غنى بها أهل الحجاز

فغضب عمرو وقال: ما أشد تغبيطك عليا في أمري هذا هل هو إلا رجل لقيه ابن عمه فصرعه أفترى السماء قاطرة لذلك دما؟ قال: و لكنها معقبة لك خزيا.

قال: و تقدم جندب بن زهير برايته و راية قومه و هو يقول: والله لا أنتهي حتى أخضبها فخضبها مرارا إذ اعترضه رجل من أهل الشام فطعنه فمشى إلى صاحبه في الريح حتى ضربه بالسيف فقتله.

531- عنه: ثم إن معاوية دعا أخاه عتبة بن أبي سفيان فقال: الق الأشعث بن قيس فإنه إن رضي رضيت العامة و كان عتبة لا يطاق لسانه فخرج عتبة فنادى الأشعث بن قيس فقال الناس: يا أبا محمد هذا الرجل يدعوك . فقال : الأشعث كما يكون الرجل فسلوه من هو ؟ فقال: أنا عتبة بن

أبي سفيان.

فقال الأشعث بن قيس: غلام مترف و لا بد من لقائه فخرج إليه فقال: ما عندك يا عتبة ؟ فقال : أيها الرجل إن معاوية لو كان لاقيا رجلا غير علي للقيك إنك رأس أهل العراق و سيد أهل اليمن و قد سلف من عثمان إليك ما سلف من الصهر و العمل و لست كأصحابك.

أما الأشتر فقتل عثمان و أما عدي فحرض عليه و أما سعيد فقلد عليا ديته و أما شريح و زحر بن قيس فلا يعرفان غير الهوى و إنك حاميت عن أهل العراق تكرما ثم حاربت أهل الشام حمية و قد بلغنا و الله منك و بلغت منا ما أردت و إنا لا ندعوك إلى ترك علي و نصر معاوية و لكنا ندعوك إلى البقية التي فيها صلاحك وصلاحنا.

فتكلم الأشعث فقال: يا عتبة أما قولك إن معاوية لا يلقى إلا

ص: 374

عليا علیه السّلام فإن لقيني و الله لما عظم عني و لا صغرت عنه فإن أحب أن أجمع بينه و بين علي فعلت و أما قولك إني رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن فإن الرأس المتبع و السيد المطاع هو علي بن أبي طالب علیه السّلام و أما ما سلف من عثمان إلي.

فو الله ما زادني صهره شرفا و لا عمله عزا و أما عيبك أصحابي فإن هذا لا يقربك منى و لا يباعدني عنهم و أما محاماتي عن أهل العراق فمن نزل بيتا حماه و أما البقية فلستم بأحوج إليها منا و سنرى رأينا فيها إن شاء الله.

فلما بلغ معاوية كلام الأشعث قال يا عتبة لا تلقه بعدها فإن الرجل عظيم عند نفسه و إن كان قد جنح للسلم و شاع في أهل العراق ما قاله عتبة للأشعث و ما رده الأشعث عليه وقال النجاشي يمدحه:

یا ابن قیس و حارث و یزید *** أنت والله رأس أهل العراق

أنت والله حية تنفث *** السم قليل فيها غناء الراقي

أنت كالشمس و الرجال نجوم *** لا يرى ضوؤها مع الإشراق

قد حميت العراق بالأسل السمر *** و بالبيض كالبروق الرقاق

و أجبناك إذ دعوت إلى الشام *** على القب كالسحوق العتاق

و سعرت القتال في الشام بالبيض *** المواضي و بالرماح الدقاق

لانرى غير أذرع و أكف *** و رءوس بهامها أفلاق

كلما قلت قد تصرمت الهيجاء *** سقيتهم بكأس دهاق

قد قضيت الذي عليك من الحق *** و سارت به القلاص المناقي

و بقي حقك العظيم على الناس *** و حق المليك صعب المراقي

أنت حلو لمن تقرب بالود *** و للشانئين مر المذاق

ص: 375

لابس تاج جده وأبيه *** لو وقاه ردى المنية واق

بئس ما ظنه ابن هند و من مثلك *** للناس عند ضيق الخناق

532 - عنه قال و إن معاوية لما يئس من جهة الأشعث قال لعمرو بن العاص: إن رأس الناس بعد علي هو عبد الله بن عباس فلو ألقيت إليك كتابا لعلك ترققه به فإنه إن قال شيئا لم يخرج علي منه و قد أكلتنا الحرب و لا أرانا نصل إلى العراق إلا بهلاك أهل الشام قال له عمرو: إن ابن عباس لا يخدع و لو طمعت فيه لطمعت في علي فقال معاوية: علي ذلك فاكتب إليه.

فكتب إليه عمرو: أما بعد فإن الذي نحن و أنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء و ساقته العافية و أنت رأس هذا الجمع بعد علي فانظر فيما بقي و دع ما مضى فو الله ما أبقت هذه الحرب لنا ولكم حياة و لا صبرا. و اعلموا أن الشام لا تملك إلا بهلاك العراق و أن العراق لا تملك إلا بهلك الشام.

و ما خيرنا بعد هلاك أعدادنا منكم و ما خيركم بعد هلاك أعدادكم منا و لسنا نقول ليت الحرب غارت و لكنا نقول: ليتها لم تكن و إن فينا من يكره القتال كما أن فيكم من يكرهه و إنما هو أمير مطاع أو مأمور مطيع أو مؤتمن مشاور و هو أنت.

و أما الأشتر الغليظ الطبع القاسي القلب فليس بأهل أن يدعى في الشورى ولا في خواص أهل النجوى وكتب في أسفل الكتاب:

طال البلاء و ما يرجى له آس *** بعد الإله سوى رفق ابن عباس

قولا له قول من يرضى بحظوته *** لا تنس حظك إن الخاسر الناسي

يا ابن الذي زمزم سقيا الحجيج له *** أعظم بذلك من فخر على الناس

كل لصاحبه قرن يساوره *** أسد العرين أسود بين أخياس

ص: 376

لو قيس بينهم في العرب لاعتدلوا *** العجز بالعجز ثم الرأس بالرأس

انظر فدى لك نفسي قبل قاصمة *** للظهر ليس لها راق و لا آسي

إن العراق و أهل الشام لن يجدوا *** طعم الحياة مع المستغلق القاسي

بسر و أصحاب بسر و الذين هم *** داء العراق رجال أهل وسواس

قوم عراة من الخيرات كلهم *** فما يساوى به أصحابه كاسي

إني أرى الخير في سلم الشآم لكم *** و الله يعلم ما بالسلم من بأس

فيها التقی و أمور ليس يجهلها *** إلا الجهول و ما النوكى كأكياس

قال: فلما فرغ من شعره عرضه على معاوية فقال معاوية: لا أرى كتابك على رقة شعرك - فلما قرأ ابن عباس الكتاب أتى به عليا فأقرأه شعره فضحك و قال قاتل الله ابن العاص ما أغراه بك يا ابن العباس أجبه و ليرد عليه شعره الفضل بن العباس فإنه شاعر فكتب ابن عباس إلى عمرو:

أما بعد فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياء منك إنه مال بك معاوية إلى الهوى و بعته دينك بالثمن اليسير ثم خطبت بالناس في عشوة طمعا فى الملك فلما لم تر شيئا أعظمت الدنيا إعظام أهل الذنوب و أظهرت فيها نزاهة أهل الورع فإن كنت ترضي الله بذلك فدع مصر و ارجع إلى بیتك.

و هذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي ابتدأها علي بالحق و انتهى فيها إلى العذر و بدأها معاوية بالبغى و انتهى فيها إلى السرف و ليس أهل العراق فيها كأهل الشام بايع أهل العراق عليا و هو خير منهم و بايع معاوية أهل الشام و هم خير منه و لست أنا و أنت فيها بسواء أردت الله و أردت أنت مصر.

و قد عرفت الشيء الذي باعدك مني و لا أرى الشيء الذي قربك من

ص: 377

معاوية فإن ترد شرا لا نسبقك به و إن ترد خيرا لا تسبقنا إليه و السلام.

ثم دعا أخاه الفضل بن العباس فقال له: يا ابن أم أجب عمرا فقال الفضل:

يا عمر و حسبك من خدع و وسواس *** فاذهب فليس لداء الجهل من آسي

إلا تواتر طعن في نحوركم *** يشجي النفوس ويشفي نخوة الرأس

هذا الدواء الذي يشفي جماعتكم *** حتى تطيعوا عليا و ابن عباس

أما علي فإن الله فضله *** بفضل ذي شرف عال على الناس

إن تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة *** أو تبعثوها فإنا غير أنكاس

قد كان منا و منكم في عجاجتها *** ما لا يرد و كل عرضة البأس

قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة *** هذا بهذا و ما بالحق من بأس

لا بارك الله في مصر لقد جلبت *** شرا وحظك منها حسوة الكأس

يا عمرو إنك عار من مغارمها *** و الراقصات و من يوم الجزا کاسي

ثم عرض الشعر و الكتاب على علي علیه السّلام فقال: لا أراه يجيبك بشيء بعدها إن كان يعقل و لعله يعود فتعود عليه فلما انتهى الكتاب إلى عمرو أتى به معاوية فقال: أنت دعوتني إلى هذا ما كان أغناني و إياك عن بني عبد المطلب فقال: إن قلب ابن عباس و قلب علي قلب واحد كلاهما ولد عبد المطلب و إن كان قد خشن فلقد لان.

و إن كان قد تعظم أو عظم صاحبه فلقد قارب و جنح إلى السلم و إن معاوية كان يكاتب ابن عباس و كان يجيبه بقول لين و ذلك قبل أن يعظم الحرب فلما قتل أهل الشام قال معاوية : إن ابن عباس رجل من قريش و أنا كاتب إليه في عداوة بني هاشم لنا و أخوفه عواقب هذه الحرب لعله

ص: 378

يكف عنا فكتب إليه:

أما بعد فإنكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان بن عفان حتى أنكم قتلتم طلحة والزبير لطلبها دمه و استعظامهما ما نيل منه فإن يكن ذلك لسلطان بني أمية فقد وليها عدي و تيم فلم تنافسوهم و أظهرتم لهم الطاعة.

و قد وقع من الأمر ما قد ترى و أكلت هذه الحروب بعضها من بعض حتى استوينا فيها فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم و ما آيسكم منا آيسنا منكم و قد رجونا غير الذي كان و خشينا دون ما وقع و لستم بملاقينا اليوم بأحد من حد أمس ولا غدا بأحد من حد اليوم و قد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق و أبقوا على قريش.

فإنما بقى من رجالها ستة رجلان بالشام و رجلان بالعراق و رجلان بالحجاز فأما اللذان بالشام فأنا و عمرو و أما اللذان بالعراق فأنت و علي و أما اللذان بالحجاز فسعد و ابن عمر و اثنان من الستة ناصبان لك.

و اثنان واقفان فيك و أنت رأس هذا الجمع اليوم و لو بايع لك الناس بعد عثمان كنا إليك أسرع منا إلى علي في كلام كثير كتب إليه.

فلما انتهى الكتاب إلى ابن عباس أسخطه ثم قال: حتى متى يخطب ابن هند إلى عقلي و حتى متى أجمجم على ما في نفسي فكتب إليه.

أما بعد فقد أتاني كتابك وقرأته فأما ما ذكرت من سرعتنا إليك بالمساءة في أنصار ابن عفان و كراهيتنا لسلطان بني أمية فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره حتى صرت إلى ما صرت إليه و بيني و بينك في ذلك ابن عمك و أخو عثمان الوليد بن عقبة و

ص: 379

أما طلحة والزبير فإنهما أجلبا عليه وضيقا خناقه.

ثم خرجا ينقضان البيعة و يطلبان الملك فقاتلناهما على النكت و قاتلناك على البغي و أما قولك إنه لم يبق من قريش غير ستة فما أكثر رجالها و أحسن بقيتها وقد قاتلك من خيارها من قاتلك لم يخذلنا إلا من خذلك.

و أما إغراؤك إيانا بعدي و تيم - فأبو بكر و عمر خير من عثمان كما أن عثمان خير منك و قد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله و يخاف ما بعده و أما قولك إنه لو بايع الناس لي لاستقامت لي فقد بايع الناس عليا و ه-و خير مني فلم يستقيموا له و إنما الخلافة لمن كانت له فى المشورة و ما أنت يا معاوية و الخلافة و أنت طليق و ابن طليق و الخلافة للمهاجرين الأولين و ليس الطلقاء منها في شيء و السلام.

فلما انتهى الكتاب إلى معاوية قال: هذا عملي بنفسي لا و الله لا أكتب إليه كتابا سنة كاملة و قال معاوية في ذلك:

دعوت ابن عباس إلى حد خطة *** و كان امراً أهدي إليه رسائلي

فأخلف ظني و الحوادث جمة *** و لم يك فيما قال مني بواصل

و ما كان فيما جاء ما يستحقه *** و ما زاد أن أغلى عليه مراجلي

فقل لابن عباس: تراك مفرقا *** بقولك من حولي و أنك آكلي

و قل لابن عباس: تراك مخوفا *** بجهلك حلمي إنني غير غافل

فأبرق و أرعد ما استطعت فإنني *** إليك بما يشجيك سبط الأنامل

فلما قرأ ابن عباس الشعر قال: لن أشتمك بعدها و قال الفضل بن عباس:

ألا يا ابن هند إنني غير غافل *** وإنك ما تسعى له غير نائل

ص: 380

لأن الذي اجتبت إلى الحرب نابها *** عليك و ألقت بركها بالكلاكل

فأصبح أهل الشام ضربين خيره *** وفقعة قاع أو شحيمة آكل

و أيقنت أنا أهل حق وإنما *** دعوت لأمر كان أبطل باطل

دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة *** وليس لها حتى تدين بقابل

فلا سلم حتى تشجر الخيل بالقنا *** و تضرب هامات الرجال الأماثل

آليت لا أهدي إليه رسالة *** إلى أن يحول الحول من رأس قابل

أردت به قطع الجواب وإنما *** رماك فلم يخطئ بنات المقاتل

و قلت له لو بايعوك تبعتهم *** فهذا علي خير حاف و ناعل

وصي رسول الله من دون أهله *** و فارسه إن قيل: هل من منازل؟

فدونكه إن كنت تبغي مهاجرا *** أشم كنصل السيف عير حلاحل

فعرض شعره على علي علیه السّلام فقال: أنت أشعر قريش فضرب بها الناس إلى معاوية.

533- ذكروا أنه اجتمع عند معاوية تلك الليلة – عتبة بن أبي سفيان و - الوليد بن عقبة و مروان بن الحكم و عبد الله بن عامر و ابن طلحة الطلحات فقال عتبة: إن أمرنا و أمر علي لعجب ليس منا إلا موتور محاج أما أنا فقتل جدي و اشترك في دم عمومتي يوم بدر و أما أنت يا وليد فقتل أباك يوم الجمل و أيتم إخوتك و أما أنت يا مروان فكما قال الأول:

و أفلتهن علباء جريضا *** ولو أدركنه صفر الوطاب

قال معاوية: هذا الإقرار فأين الغير قال مروان: أي غير تريد؟ قال: أريد أن يشجر بالرماح فقال والله إنك لهازل و لقد ثقلنا عليك فقال الوليد ابن عقبة في ذلك:

يقول لنا معاوية بن حرب *** أما فيكم لواتركم طلوب

ص: 381

يشد على أبي حسن علي *** بأسمر لا تهجنه الكعوب

فيهتك مجمع اللبات منه *** و نقع القوم مطرد يثوب

فقلت له أتلعب يا ابن هند *** كأنك وسطنا رجل غريب

أ تأمرنا بحية بطن واد *** إذا نهشت فليس لها طبيب

وماضبع يدب ببطن واد *** أتيح له به أسد مهيب

بأضعف حيلة منا إذا ما *** لقيناه و ذا منا عجیب

دعا للقاه في الهيجاء لاق *** فأخطأ نفسه الأجل القريب

سوى عمرو وقته خصيتاه *** نجا و لقلبه منها وجيب

كأن القوم لما عاينوه *** خلال النقع ليس لهم قلوب

لعمر أبي معاوية بن حرب *** وما ظني بملقحة العيوب

لقد ناداه في الهيجا علي *** فاسمعه ولكن لا يجيب.

فغضب عمرو و قال: إن كان الوليد صادقا فليلق عليا أو ليقف حيث يسمع صوته. وقال عمرو:

يذكرني الوليد دعا علي *** و بطن المرء يملؤه الوعيد

متى يذكر مشاهدة قريش *** يطر من خوفه القلب الشديد

فأما في اللقاء فأين منه *** معاوية بن حرب و الوليد

وعيرني الوليد لقاء ليث *** إذا ما زار هابته الأسود

لقيت و لست أجهله عليا *** و قد بلت من العلق الكبود

فأطعنه و يطعنني خلاسا *** و ماذا بعد طعنته أريد

فرمها منه يا ابن أبي معيط *** و أنت الفارس البطل النجيد

فأقسم لو سمعت ندا علي *** لطار القلب و انتفخ الوريد

و لو لاقيته شقت جيوب *** عليك و لطمت فيك الخدود.

ص: 382

534- قال أبو الفضل نصر بن مزاحم ثم إنهم التقوا بصفين و اقتتلوا أشد القتال حتى كادوا أن يتفانوا ثم إن عمرو بن العاص مر بالحارث بن نصر الجشمي و كان عدوا لعمرو و كان عمرو قلما يجلس مجلسا إلا ذكر فيه الحرب فقال الحارث في ذلك:

ليس عمرو بتارك ذكره الحر *** ب مدى الدهر أو يلاقي عليا

واضع السيف فوق منكبه الأيم_ *** _ن لا يحسب الفوارس شيا

ليت عمرا يلقاه في حمس النق_ *** _ع و قد صارت السيوف عصيا

حيث يدعو البراز حامية القو *** م إذا كان بالبراز مليا

فوق شهب مثل السحوق من النخ_ *** _ل ينادي المبارزين إليا

ثم يا عمرو تستريح من الفخ_ *** _ر و تلتقي به فتی هاشمیا

فالقه إن أردت مكرمة الده_ *** _ر أو الموت كل ذاك عليا

فلما سمع عمر و شعره قال: و الله لو علمت أني أموت ألف موتة لبارزت عليا في أول ما ألقاه فلما بارزه طعنة علي فصرعه و اتقاه عمرو بعورته فانصرف علي علیه السّلام عنه.

و قال علي علیه السّلام حين بدت له عورة عمرو فصرف وجهه عنه:

ضربي ثبي الأبطال في المشاغب *** ضرب الغلام البطل الملاعب

أين الضراب في العجاج الثائب *** حين احمرار الحدق الثواقب

بالسيف في تهتهة الكتائب *** والصبر فيه الحمد للعواقب

535- عنه قال: ثم إن معاوية عقد لرجال من مضر منهم بسر بن أرطاة وعبيد الله ابن عمر و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و محمد و عتبة ابنا أبي سفيان قصد بذلك إكرامهم و رفع منازلهم و ذلك في الوقعات الأولى من صفين فغم ذلك رجالا من أهل اليمن وأرادوا ألا يتأمر عليهم أحد إلا

ص: 383

منهم فقام رجل من كندة يقال له عبد الله بن الحارث السكوني فقال: يا معاوية إني قلت شيئا فاسمعه وضعه مني على النصيحة فقال: هات قال:

معاوي أحييت فينا الإحن *** وأحدثت في الشام ما لم يكن

عقدت لبسر و أصحابه *** وما الناس حولك إلا اليمن

فلا تخلطن بنا غيرنا *** كما شيب بالماء محض اللبن

و إلا فدعنا على ما لنا *** وإنا و إنا إذا لم نهن

ستعلم إن جاش بحر العراق *** وأبدى نواجذه في الفتن

و نادى علي وأصحابه *** و نفسك إذ ذاك عند الذقن

بأنا شعارك دون الدثار *** وأنا الرماح و أنا الجنن

و أنا السيوف وأنا الحتوف *** وأنا الدروع و أنا المجن

فكبا له معاوية و نظر إلى وجوه أهل اليمن فقال: أعن رضاكم قال هذا ما قال: فقال القوم: لا مرحبا بما قال الأمر إليك فاصنع ما أحببت. قال معاوية إنما خلطت بكم ثقاتي وثقاتكم و من كان لي فهو لكم و من كان لكم فهو لي فرضي القوم و سكتوا.

فلما بلغ أهل الكوفة مقالة عبد الله بن الحارث لمعاوية فيمن عقد له من رءوس أهل الشام قام الأعور الشني إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين إنا لا نقول لك كما قال أصحاب أهل الشام لمعاوية و لكنا نقول زاد الله في هداك و سرورك نظرت بنور الله فقدمت رجالا و أخرت رجالا فعليك أن تقول و علينا أن نفعل أنت الإمام فإن هلكت فهذان من بعدك يعني حسنا و حسينا و قد قلت شيئا فاسمعه قال: هات فقال:

أبا حسن أنت شمس النهار *** وهذان في الحادثات القمر

و أنت و هذان حتى الممات *** بمنزلة السمع بعد البصر

ص: 384

و أنتم أناس لكم سورة *** يقصر عنها أكف البشر

يخبرنا الناس عن فضلكم *** وفضلكم اليوم فوق الخبر

عقدت لقوم ذوي نجده *** من أهل الحياء و أهل الخطر

مساميح بالموت عند اللقاء *** منا و إخواننا من مضر

ومن حي ذي يمن جلة *** يقيمون في الحادثات الصعر

فكل يسرك في قومه *** و من قال لا فبفيه الحجر

و نحن الفوارس يوم الزبير *** وطلحة إذ قيل أودى غدر

ضربناهم قبل نصف النهار *** إلى الليل حتى قضينا الوطر

و لم يأخذ الضرب إلا الرءوس *** ولم يأخذ الطعن إلا الثغر

فنحن أولئك في أمسنا *** و نحن كذلك فيما غبر

فلم يبق أحد من الناس به طرق أو له ميسرة إلا أهدى للشني أو أتحفه.

536- قال :نصر وحدثنا عمر بن سعد قال ولما تعاظمت الأمور على معاوية قبل قتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب دعا عمرو بن العاص و بسر بن أرطاة وعبيد الله بن عمر بن الخطاب و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فقال لهم: إنه قد غمني رجال من أصحاب علي منهم سعيد بن قيس في همدان و الأشتر في قومه و المرقال و عدي بن حاتم و قيس بن سعد في الأنصار وقد وقتكم يمانيتكم بأنفسها أياما كثيرة.

حتى لقد استحييت لكم و أنتم عدتهم من قريش و قد أردت أن يعلم وقد الناس أنكم أهل غناء وقد عبأت لكل رجل منهم رجلا منكم فاجعلوا ذلك إلي فقالوا: ذلك إليك قال: فأنا أكفيكم سعيد بن قيس و قومه غدا و أنت يا عمرو لأعور بني زهرة المرقال و أنت يا بسر لقيس بن سعد و أنت

ص: 385

يا عبيد الله للأشتر النخعي.

و أنت يا عبد الرحمن بن خالد لأعور طيئ يعني عدي بن حاتم ثم ليرد كل رجل منكم عن حماة الخيل فجعلها نوائب في خمسة أيام لكل رجل منهم يوم فأصبح معاوية في غده فلم يدع فارسا إلا حشده ثم قصد لهمدان بنفسه و تقدم الخيل و هو يقول:

لا عيش إلا فلق قحف الهام *** من أرحب و شاكر و شبام

لن تمنع الحرمة بعد العام *** بين قتيل و جریح دام

سأملك العراق بالشام *** أنعى ابن عفان مدى الأيام

فطعن في أعراض الخيل مليا ثم إن همدان تنادت بشعارها و أقحم سعيد بن قيس فرسه على معاوية واشتد القتال و حجز بينهم الليل فذكرت همدان أن معاوية فاتها ركضا وقال سعيد بن قيس في ذلك:

يا لهف نفسي فأتني معاوية *** فوق طمر كالعقاب هاويه

و الراقصات لا يعود ثانيه *** إلا على ذات خصيل طاويه

إن يعد اليوم فكفي عاليه.

فانصرف معاوية و لم يعمل شيئا و إن عمرو بن العاص غدا في اليوم الثاني في حماة الخيل فقصد المرقال و مع المرقال لواء علي الأعظم في حماة الناس وكان عمرو من فرسان قريش فتقدم و هو يقول:

لاعيش إن لم ألق يوما هاشما *** ذاك الذي أجشمني المجاشما

ذاك الذي أقام لي المآتما *** ذاك الذي يشتم عرضي ظالما

ذاك الذي إن ينج مني سالما *** یکن شجا حتى الممات لازما

فطعن في أعراض الخيل مزبدا فحمل هاشم و هو يقول:

لا عيش إن لم ألق يومي عمرا *** ذاك الذي أحدث فينا الغدرا

ص: 386

أو يحدث الله لأمر أمرا *** لا تجزعي يا نفس صبرا صبرا

ضربا هذاذيك و طعنا شزرا *** يا ليت ما تجني يكون قبرا

فطاعن عمرا حتى رجع واشتد القتال و انصرف الفريقان بعد شدة القتال و لم يسر معاوية ذلك.

و إن بسر بن أرطاة غدا في اليوم الثالث في حماة الخيل فلقي قيس بن سعد في كماة الأنصار فاشتدت الحرب بينها و برز قيس كأنه فنيق مقرم و هو يقول:

أنا ابن سعد زانه عبادة *** و الخزرجيون رجال سادة

ليس فراري في الوغى بعادة *** إن الفرار للفتى قلادة

یا رب أنت لقني الشهادة *** و القتل خير من عناق غادة

حتى متى تثنى لي الوسادة.

و طاعن خيل بسر و برز له بسر بعد ملي و هو يقول:

أنا ابن أرطاة عظيم القدر *** مردد في غالب بن فهر

ليس الفرار من طباع بسر *** أن يرجع اليوم بغير وتر

و قد قضيت في عدوي نذري *** يا ليت شعري ما بقي من عمري

و يطعن بسر قيسا فيضر به قيس بالسيف فرده علی عقبیه و رجع القوم جميعا و لقيس الفضل. و إن عبيد الله بن عمر تقدم في اليوم الرابع ولم يترك فارسا مذكورا و جمع من استطاع فقال له معاوية إنك تلقى أفاعي أهل العراق فارفق و اتئد. فلقيه الأشتر أمام الخيل مزبدا و كان الأشتر إذا أراد القتال أزيد و هو يقول:

في كل يوم هامتي مقيره *** بالضرب أبغي منة مؤخرة

و الدرع خير من برود حبرة *** يا رب جنبني سبيل الكفرة

ص: 387

و اجعل وفاتي بأكف الفجرة *** لا تعدل الدنيا جميعا وبرة

و لا بعوضا في ثواب البررة.

و شد على الخيل خيل الشام فردها فاستحيا عبيد الله فبرز أمام الخيل و كان فارسا شجاعا و هو يقول:

أنعى ابن عفان و أرجو ربي *** ذاك الذي يخرجني من ذنبي

ذاك الذي يكشف عني كربي *** إن ابن عفان عظيم الخطب

يأبى له حبي بكل قلبي *** إلا طعاني دونه و ضربي

حسبي الذي أنويه حسبي حسبي.

فحمل عليه الأشتر فطعنه و اشتد الأمر و انصرف القوم للأشتر و الفضل فغم ذلك معاوية. و إن عبد الرحمن بن خالد غدا في اليوم الخامس و كان أرجاهم عند معاوية أن ينال حاجته فقواه معاوية بالخيل و السلاح و كان معاوية يعده ولدا فلقيه عدي بن حاتم في حماة مذحج و قضاعة فبرز عبد الرحمن أمام الخيل و هو يقول:

قل لعدي ذهب الوعيد *** أنا ابن سيف الله لا مزيد

و خالد يزينه الوليد *** ذاك الذي هو فيكم الوحيد

قد ذقتم الحرب فزيدوا زيدوا *** فالنا ولا لكم محيد

عن يومنا و يومكم فعودوا.

ثم حمل فطعن الناس و قصده عدي بن حاتم و سدد إليه الرمح و هو يقول:

أرجو إلهي و أخاف ذنبي *** و ليس شيء مثل عفو ربي

يا ابن الوليد بغضكم في قلبي *** كالهضب بل فوق قنان الهضب.

فلما كاد أن يخالطه بالريح توارى عبد الرحمن في العجاج و استتر

ص: 388

بأسنة أصحابه و اختلط القوم و رجع عبد الرحمن إلى معاوية مقهورا و انكسر معاوية. و إن أيمن بن خريم الأسدي لما بلغه ما لقي معاوية و أصحابه شمت و كان أنسك رجل من أهل الشام و أشعره و كان في ناحية معتزلا فقال في ذلك:

معاوي إن الأمر الله وحده *** وإنك لا تستطيع ضرا و لا نفعا

عبأت رجالا من قريش لمعشر *** يمانية لا تستطيع لها دفعا

فكيف رأيت الأمر إذ جد جده *** لقد زادك الرأي الذي جئته جدعا

تعبي لقيس أو عدي بن حاتم *** و الأشتر يا للناس أغمارك الجدعا

تعبئ للمرقال عمرا و إنه *** لليث لقي من دون غابته ضبعا

و إن سعيدا إذ برزت لرمحه *** لفارس همدان الذي يشعب الصدعا

ملي بضرب الدارعين بسيفه *** إذا الخيل أبدت من سنابكها نقعا

رجعت فلم تظفر بشيء أردته *** سوى فرس أعيت و أبت بها ظلعا

فدعهم فلا و الله لا تستطيعهم *** مجاهرة فاعمل لقهرهم خدعا

537 - عنه قال : وإن معاوية أظهر لعمرو شماتة و جعل يقرعه و يوبخه و قال لقد انصفتكم إذ لقيت سعيد بن قيس في همدان و قررتم و إنك لجبان فغضب عمرو ثم قال: والله لو كان عليا ما قحمت عليه يا معاوية فهلا برزت إلى علي إذ دعاك إن كنت شجاعا كما تزعم و قال عمرو في ذلك

تسير إلى ابن ذي يزن سعيد *** و تترك في العجاجة من دعاكا

فهل لك في أبي حسن علي *** لعل الله يمكن من قفاكا

دعاك إلى النزال فلم تجبه *** و لو نازلته تربت يداكا

وكنت أصم إذ ناداك عنها *** و كان سكوته عنها مناكا

فآب الكبش قد طحنت رحاه *** بنجدته و لم تطحن رحاكا

ص: 389

390

فما أنصفت صحبك يا ابن هند *** أتفرقه و تغضب من كفاكا

فلا و الله ما أضمرت خيرا *** ولا أظهرت لي إلا هواكا

538 - عنه قال: وإن القرشيين استحيوا مما صنعوا و شمتت بهم اليمانية من أهل الشام فقال معاوية يا معشر قريش و الله لقد قربكم لقاء القوم من الفتح و لكن لا مرد لأمر الله و مم تستحيون إنما لقيتم كباش أهل العراق و قتلتم و قتل منكم و ما لكم علي من حجة لقد عبأت نفسي لسيدهم سعيد بن قيس. فانقطعوا عن معاوية أياما فقال معاوية فى ذلك:

لعمري لقد أنصفت و النصف عادة *** و عاين طعنا في العجاج المعاين

و لو لا رجائي أن تبوءوا بنهزة *** و أن تغسلوا عارا وعته الكنائن

لناديت للهيجا رجالا سواكم *** و لكنما تحمي الملوك البطائن

أ تدرون من لاقيتم فل جيشكم *** لقيتم جيوشا أصحرتها العرائن

لقيتم صناديد العراق و من بهم *** إذا جاشت الهيجاء تحمى الظعائن

و ما كان منكم فارس دون فارس *** و لكنه ما قدر الله كائن.

قال فلما سمع القوم ما قال معاوية أتوه فاعتذروا له و استقاموا له على ما يجب.

539- قال نصر: و حدثنا عمرو بن شمر قال ولما اشتد القتال و عظم الخطب أرسل معاوية إلى عمرو أن قدم عكا و الأشعريين إلى من بإزائهم. فبعث عمرو إلى معاوية أن همدان بإزاء عك فبعث إليه معاوية أن قدم عكا إلى همدان فأتاهم عمرو فقال يا معشر عك إن عليا قد عرف أنكم حي أهل الشام فعبا لكم حي أهل العراق همدان فاصبروا و هبوا لي جماجمكم ساعة منالنهار وقد بلغ الحق مقطعه.

فقال ابن مسروق العكي: أمهلوني حتى آتي معاوية فأتاه فقال: يا

ص: 390

معاوية اجعل لنا فريضة ألفي رجل في ألفين و من هلك فابن عمه مكانه لنقر اليوم عينك قال: ذلك لك فرجع ابن مسروق إلى أصحابه فأخبرهم الخبر فقالت عك: نحن لهمدان.

قال: فتقدمت عك و نادی سعید بن قیس یا همدان خدموا فأخذت السيوف أرجل عك فنادى أبو مسروق العكي يا لعك بركا كبرك الكمل فبركوا تحت الحجف و شجروهم بالرماح و تقدم شيخ من همدان و هو يقول:

يا لبكيل لخمها و حاشد *** نفسي فداكم طاعنوا وجالدوا

حتى تخر منكم القماحد *** و أرجل تتبعها سواعد

بذاك أوصى جدكم و الوالد *** إني لقاضي عصبتي و رائد.

و تقدم رجل من عك و هو يقول:

يدعون همدان و ندعو عکا *** نفسي فداكم يا لعك بكا

إن خدم القوم فيركا بركا *** لا تدخلوا نفسي عليكم شكا

قد محك القوم فزيدوا محكا

قال: فألقی القوم الرماح وصاروا إلى السيوف و تجالدوا حتى أدركهم الليل فقالت همدان: یا معشر عك إنا و الله لا ننصرف حتى تنصرفوا. و قالت عك: مثل ذلك فأرسل معاوية إلى عك أبروا قسم القوم و هلموا فانصرفت عك ثم انصرفت همدان و قال عمرو يا معاوية لقد لقيت أسد أسداً لم أر كاليوم قط لو أن معك حيا كعك أو مع على حيا كهمدان لكان الفناء. وقال عمرو في ذلك:

إن عكا و حاشدا و بکیلا *** كأسود الضراب لاقت أسودا

وجثا القوم بالقنا و تساقوا *** بظبات السيوف موتا عتيدا

ص: 391

ليس يدرون ما الفرار وإن كان *** فرارا لكان ذاك سديدا

ازورار المناكب الغلب بالش_ *** _م و ضرب المسومين الخدودا

يعلم الله ما رأيت من القو *** م از ورارا و لا رأيت صدودا

غير ضرب فوق الطلى و على الها *** م و قرع الحديد يعلو الحديدا

و لقد فضل المطيع على العا *** صي و لم يبلغوا به المجهودا

و لقد قال قائل خدموا السو *** ق فخرت هناك عك قعودا

كبروك الجمال أثقلها الحم_ *** _ل فما تستقل إلا وئيدا.

و لما اشترطت عك و الأشعرون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة و العطاء فأعطاهم لم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية و شخص بصره إليه حتى فشا ذلك في الناس و بلغ ذلك عليا فساءه.

و جاء المنذر بن أبي حميصة الوادعي و كان فارس همدان و شاعرهم فقال يا أمير المؤمنين إن عكا و الأشعريين طلبوا إلى معاوية الفرائض و العطاء فأعطاهم فباعوا الدين بالدنيا و إنا رضينا بالآخرة من الدنيا و بالعراق من الشام و بك من معاوية و الله لآخرتنا خير من دنياهم و لعراقنا خير من شامهم و لإمامنا أهدى من إمامهم فاستفتحنا بالحرب و ثق منا بالنصر و احملنا على الموت ثم قال في ذلك:

إن عكا سألوا الفرائض و الأشعر *** سألوا جوائزا بثنيه

تركوا الدين للعطاء و للفرض *** فكانوا بذاك شر البريه

و سألنا حسن الثواب من الله *** و صبرا على الجهاد و نيه

فلكل ما سأله و نواه *** كلنا يحسب الخلاف خطيه

و لأهل العراق أحسن في الحرب *** إذا ما تدانت السمهريه

ص: 392

و لأهل العراق أحمل للثقل *** إذا عمت العباد بليه

ليس منا من لم يكن لك في الله *** وليا يا ذا الولاء و الوصية.

فقال علي: حسبك رحمك الله و أثنى عليه خيرا و على قومه و انتهى شعره إلى معاوية فقال معاوية و الله لأستميلن بالأموال ثقات علي و لأقسمن فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته. و إنه لما أصبح الناس غدوا على مصافهم و إن معاوية نادى في أحياء اليمن فقال: عبوا إلى كل فارس مذكور فيكم أتقوى به لهذا الحي من همدان فخرجت خيل عظيمة ف-ل-ما رآها علي عرف أنها عيون الرجال فنادى يا لهمدان فأجابه سعيد بن قيس

فقال له علي علیه السّلام : احمل فحمل حتى خالط الخيل و اشتد القتال و حطمتهم همدان حتى ألحقوهم بمعاوية فقال: ما لقيت من همدان و جزع جزعا شديدا و أسرع في فرسان أهل الشام القتل و جمع علي همدان فقال: يا معشر همدان أنتم درعي و رمحي يا همدان ما نصرتم إلا الله و لا أجبتم غيره فقال سعيد بن قيس: أجبنا الله و أجبناك و نصرنا نبي الله صلّی الله علیه و آله في قبره و قاتلنا معك من ليس مثلك فارم بنا حيث أحببت.

قال نصر: و في هذا اليوم قال علي علیه السّلام:

و لو كنت بوابا على باب جنة *** لقلت لهمدان ادخلي بسلام

فقال علي علیه السّلام الصاحب لواء همدان اكفني أهل حمص فإني لم ألق من أحد ما لقيت منهم.

فتقدم و تقدمت همدان و شدوا شدة واحدة على أهل حمص فضربوهم ضربا شديدا متداركا بالسيوف و عمد الحديد حتى ألجئوهم إلى قبة معاوية و ارتجز من همدان رجل عداده في أرحب و هو يقول:

ص: 393

قد قتل الله رجال حمص *** حرصا على المال و أي حرص

غروا بقول كذب و خرص *** قد نكص القوم و أي نكص

عن طاعة الله و فحوى النص.

و حمل أهل حمص و رجل من كندة يقدمهم و هو يقول:

قد قتل الله رجال العاليه *** في يومنا هذا و غدوا ثانيه

حتى يكونوا كرجام باليه *** من عهد عاد و ثمود الثاويه

بالحجر أو يملكهم معاوية.

540- قال و لما عبأ معاوية حماة الخيل لهمدان فردت خيله أسف فخرج بسيفه فحملت عليه فوارس همدان ففاتها ركضا و انكسر حماة أهل الشام و رجعت همدان إلى مكانها و قال حجر بن قحطان الوادعي يخاطب سعيد بن قيس:

ألا يا ابن قيس قرت العين إذ رأت *** فوارس همدان بن زید بن مالك

على عارفات للقاء عوابس *** طوال الهوادي مشرفات الحوارك

موقرة بالطعن في ثغراتها *** يجلن و يحطمن الحصى بالسنابك

عباها علي لابن هند و خيله *** فلولم يفتها كان أول هالك

وكانت له في يومه عند ظنه *** وفي كل يوم كاسف الشمس حالك

وكانت بحمد الله في كل كربة *** حصونا و عزا للرجال الصعالك

فقل لأمير المؤمنين: أن ادعنا *** إذا شئت إنا عرضة للمهالك

و نحن حطمنا السمر في حي حمير *** و كندة و الحي الخفاف السكاسك

و عك و لخم شائلين سياطهم *** حذار العوالي كالإماء العوارك.

541 - قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن رجالة أن معاوية دعا مروان بن الحكم فقال: يا مروان إن الأشتر قد غمني و أقلقني فاخرج بهذه

ص: 394

الخيل في كلاع و يحصب فالقه فقاتل بها فقال له مروان: ادع لها عمرا فإنه شعارك دون دثارك قال: و أنت نفسي دون وريدي قال: لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء أو ألحقته بي في الحرمان و لكنك أعطيته ما في يديك و منيته ما في يدي غيرك.

فإن غلبت طاب له المقام و إن غلبت خف عليه الهرب فقال معاوية: يغني الله عنك قال: أما اليوم فلا. و دعا معاوية عمرا و أمره بالخروج إلى الأشتر فقال: و الله إني لا أقول لك كما قال لك مروان قال: و لم تقوله وقد قدمتك و أخرته وأدخلتك و أخرجته ؟ قال عمرو: أما والله لئن كنت فعلت لقد قدمتني كافيا و أدخلتني ناصحا. و قد أكثر القوم عليك في أمر مصر و إن كان لا يرضيهم إلا أخذها فخذها.

فخرج عمرو في تلك الخيل فلقيه الأشتر أمام الخيل و قد علم أنه سیلقاه و هو يرتجز و يقول:

يا ليت شعري كيف لي بعمرو *** ذاك الذي أوجبت فيه نذري

ذاك الذي أطلبه بوتري *** ذاك الذي فيه شفاء صدري

ذاك الذي إن ألقه بعمري *** تغلي به عند اللقاء قدري

أو لا فربي عاذري بعذري.

فعرف عمرو أنه الأشتر و فشل حيله و جبن و استحيا أن يرجع فأقبل نحو الصوت و هو يقول:

يا ليت شعري كيف لي بمالك *** كم كاهل جببته و حارك

و فارس قتلته و فاتك *** و نابل فتكته و باتك

مقدم آب بوجه حالك *** هذا و هذا عرضة المهالك.

قال: فلما غشيه الأشتر بالريح زاغ عنه عنه عمرو فطعنه الأشتر في وجهه

ص: 395

فلم يصنع الرمح شيئا و ثقل عمرو فأمسك عنان فرسه و جعل يده على وجهه و رجع راكضا إلى العسكر و نادى غلام من يحصب يا عمرو عليك العفا ما هبت الصبا يا لحمير إنما لكم ما كان معكم أبلغوني اللواء فأخذه ثم مضى و كان غلاما شابا و هو يقول:

إن يك عمرو قد علاه الأشتر *** بأسمر فيه سنان أزهر

فذاك و الله لعمري مفخر *** يا عمرو هيهات الجناب الأخضر

یا عمرو يكفيك الطعان حمير *** واليحصبي بالطعان أمهر ***

دون اللواء اليوم موت أحمر.

فنادى الأشتر إبراهيم ابنه: خذ اللواء فغلام لغلام فتقدم و هو يقول:

يا أيها السائل عني لاترع *** أقدم فإني من عرانين النخع

كيف ترى طعن العراقي الجذع *** أطير في يوم الوغى و لا أقع

ما ساءكم سر و سر وماضر نفع *** أعددت ذا اليوم لهول المطلع.

و يحمل على الحميري فالتقاه الحميري بلوائه و رمحه و لم يبرحا يطعن كل منهما صاحبه حتى سقط الحميري قتيلا و سمت مروان بعمرو و غضب القحطانيون على معاوية فقالوا: تولى علينا من لا يقاتل معنا؟ ول رجلا منا و إلا فلا حاجة لنا فيك فقال المزعف اليحصبي و كان شاعرا: أيها الأمير اسمع:

معاوي إما تدعنا لعظيمة *** يلبس من نكرائها الغرض بالحقب

فول علينا من يحوط ذمارنا *** من الحمريين الملوك على العرب

و لا تأمرنا بالتي لا نريدها *** ولا تجعلنا للهوى موضع الذنب

ولا تغضبنا و الحوادث جمة *** عليك فيفشوا اليوم في يحصب الغضب

فإن لنا حقا عظيما وطاعة *** وحبا دخيلا في المشاشة و العصب

ص: 396

فقال لهم معاوية و الله لا أولي عليكم بعد موقفي هذا إلا رجلا منكم.

542 - قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد قال: إن معاوية لما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال: هذا يوم تمحيص و إن لهذا اليوم ما بعده إن القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم فاصبروا و كونوا كراما.

قال و حرض علي بن أبي طالب أصحابه فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال: يا أمير المؤمنين قدمني في البقية من الناس فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا و لا نصرا أما أهل الشام فقد أصبنا منهم و أما نحن ففينا بعض البقية ائذن لي فأتقدم فقال علي: تقدم باسم الله و البركة فتقدم و أخذ رايته فمضى و هو يقول:

حتى متى ترجو البقا يا أصبغ *** إن الرجاء بالقنوط يدمغ

أما ترى أحداث دهر تنبغ *** فاديغ هواك و الأديم يدبغ

و الرفق فيما قد تريد أبلغ *** اليوم شغل و غدا لا تفرغ.

فرجع الأصبغ و قد خضب سيفه دما و رمحه و كان شيخا ناسكا عابدا و كان إذا لقي القوم بعضهم بعضا يغمد سيفه و كان من ذخائر علي ممن قد بايعه على الموت و كان من فرسان أهل العراق و كان علي علیه السّلام يضن به على الحرب و القتال.

543- قال: و كانوا قد ثقلوا عن البراز حين عضتهم الحرب فقال الأشتر يا أهل العراق أما من رجل يشري نفسه الله فخرج أثال بن حجل فنادى بين العسكرين: هل من مبارز ؟ فدعا معاوية حجلا فقال دونك الرجل و كانا مستبصرين في رأيهما فبرز كل واحد منهما إلى صاحبه فبدره الشيخ بطعنة فطعنه الغلام و انتمى

فإذا هو ابنه فنزلا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه و بكيا فقال له

ص: 397

الأب: أي أثال هلم إلى الدنيا. فقال له الغلام يا أبة هلم إلى الآخرة و الله يا أبة لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام لوجب عليك أن يكون من رأيك لى أن تنهانى واسوأتاه فما ذا أقول لعلى و للمؤمنين الصالحين؟

كن على ما أنت عليه و أنا أكون على ما أنا عليه. و انصرف حجل إلى أهل الشام و انصرف أثال إلى أهل العراق فخبر كل واحد منهما أصحابه و قال في ذلك حجل:

إن حجل بن عامر و أثالا *** أصبحا يضربان في الأمثال

أقبل الفارس المدجج في النق_ *** _ع أنال يدعو يريد نزالي

دون أهل العراق يخطر كالفح_ *** _ل على ظهر هیکل ذیال

فدعاني له ابن هند و ما زا*** _ل قليلا في صحبة أمثالي

فتناولته ببادرة الرم_ *** _ح و أهوي بأسمر عسال

فأطعنا وذاك من حدث الده_ *** _ر عظیم فتی ظيم فتى لشيخ بجال

شاجرا بالقناة صدر أبيه *** و عظيم علي طعن أثال

لا أبالى حين اعترضت أثالا *** و أثال كذاك ليس يبالي

فافترقنا على السلامة و النف_ *** _س يقيها مؤخر الآجال

لا يراني على الهدى و أراه *** من هداي على سبيل ضلال.

فلما انتهى شعره إلى أهل العراق قال أثال: و كان مجتهدا مستبصرا

إن طعني وسط العجاجة حجلا لم يكن في الذي نويت عقوقا

كنت أرجو به الثواب من الل_ *** _ه و كوني مع النبي رفيقا

لم أزل أنصر العراق على الشا *** م أرانى بفعل ذاك حقيقا

قال أهل العراق إذ عظم الخط_ *** _ب و نق المبارزون نقيقا

من فتى يأخذ الطريق إلى الل_ *** _ه فكنت الذي أخذت الطريقا

ص: 398

حاسر الرأس لا أريد سوى المو *** ت أرى كل ما يرون دقيقا

فإذا فارس تقحم في النق_ *** _ع خدبا مثل السحوق عتيقا

فبداني حجل ببادرة الطع_ *** _ن وماكنت قبلها مسبوقا

فتلافيته بعالية الرم_ *** _ح كلانا يطاول العيوقا

أحمد الله ذا الجلالة و القد *** رة حمدا يزيدني توفيقا

لم أنل قتله ببادرة الطع_ *** _نة منى و لم أنل ثفروقا

قلت للشيخ لست أكفرك الده_ *** _ر لطيف الغذاء و التفنيقا

غير أنى أخاف أن تدخل النا *** رفلا تعصني و كن لي رفيقا

و كذا قال لي فغرب تغري_ *** _با و شرقت راجعا تشريقا.

544 - عنه قال: إن معاوية دعا النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري و مسلمة بن مخلد الأنصاري و لم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال يا هذان لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى و الله جبنوا أصحابي الشجاع و الجبان و حتى و الله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قالوا قتلته الأنصار.

أما والله لألقينهم بحدي و حديدي ولاعبين لكل فارس منهم فارسا ينشب في حلقه ثم لأرمينهم بأعدادهم من قريش رجال لم يغذهم التمر و الطفيشل ويقولون: نحن الأنصار قد و الله آووا و نصروا و لكن أفسدوا حقهم بباطلهم.

فغضب النعمان فقال: يا معاوية لا تلومن الأنصار بسر الأنصار بسرعتهم في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية فأما دعاؤهم الله فقد رأيتهم مع رسول الله صلّی الله علیه و آله يفعلون ذلك كثيرا و أما لقاؤك إياهم في أعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم قديما.

ص: 399

فإن أحببت أن ترى فيهم مثل ذلك آنفا فافعل و أما التمر و الطفيشل فإن التمر كان لنا فلما أن ذقتموه شاركتمونا فيه و أما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على السخينة.

ثم تكلم مسلمة مخلد فقال: يا معاوية إن الأنصار لا تعاب أحسابها و لا نجداتها و أما غمهم إياك فقد و الله غمونا و لو رضينا ما فارقونا وما فارقنا جماعتهم و إن في ذلك لما فيه من مباينة العشيرة و مباعدة الحجاز و حرب العراق و لكن حملنا ذلك لك ورجونا منك عوضه و أما التمر و الطفيشل فإنهما يجران عليك نسب السخينة و الخرنوب.

و انتهى الكلام إلى الأنصار فجمع قيس بن سعد الأنصاري الأنصار ثم قام خطيبا فيهم فقال: إن معاوية قد قال ما بلغكم و أجاب عنكم صاحباكم فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس و إن وترتموه في الإسلام فقد وترتموه في الشرك.

و ما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه فجدوا اليوم جدا تنسونه به ما كان أمس و جدوا غدا جدا تنسونه به ما كان اليوم و أنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل و عن يساره ميكائيل و القوم مع لواء أبي جهل و الأحزاب.

و أما التمر فإنا لم نغرسه و لكن غلبنا عليه من غرسه و أما الطفيشل فلو كان طعامنا لسمينا به اسما كما سميت قريش السخينة. ثم قال قيس بن سعد في ذلك: -

یا ابن هند دع التوثب في الحر *** ب إذا نحن في البلاد نأينا

نحن من قد رأيت فادن إذا شئ_ *** _ت بمن شئت في العجاج إلينا

إن برزنا بالجمع نلقك في الجم_ *** _ع و إن شئت محضة أسرينا

ص: 400

فالقنا في اللفيف نلقك في الخز *** رج ندعو في حربنا أبوينا

أي هذين ما أردت فخذه *** ليس مسنا و ليس منك الهوينا

ثم لا تنزع العجاجة حتى *** تنجلي حربنا لنا أو علينا

ليت ما تطلب الغداة أتانا *** أنعم الله بالشهادة عينا

إننا إننا الذين إذا الفت_ *** _ح شهدنا و خیبرا و حنينا

بعد بدر و تلك قاصمة الظه_ *** _ر ر وأحد و بالنضير ثنينا

يوم الأحزاب قد علم النا *** س شفينا من قبلكم و اشتفينا.

فلما بلغ شعره معاوية دعا عمرو بن العاص فقال: ما ترى في شتم الأنصار؟ قال: أرى أن توعد و لا تشتم ما عسى أن نقول لهم إذا أردت ذمهم فذم أبدانهم و لا تذم أحسابهم قال معاوية: إن خطيب الأنصار قيس بن سعد يقوم كل يوم خطيبا و هو و الله يريد أن يفنينا غدا إن لم يحبسه عنا حابس الفيل فما الرأي ؟ قال: الرأي التوكل و الصبر فأرسل معاوية إلى رجال من الأنصار.

فعاتبهم منهم عقبة بن عمرو و أبو مسعود و البراء بن عازب و عبد الرحمن بن أبي ليلى و خزيمة بن ثابت و زيد بن أرقم و عمرو بن عمير و الحجاج بن غزية و كان هؤلاء يلقون في تلك الحرب فبعث معاوية بقوله: لتأتوا قيس بن سعد فمشوا بأجمعهم إلى قيس فقالوا: إن معاوية لا يريد شتما فكف عن شتمه.

فقال: إن مثلي لا يشتم و لكني لا أكف عن حربه حتى ألقى الله و تحركت الخيل غدوة فظن قيس بن سعد أن فيها معاوية فحمل على رجل يشبهه فقنعه بالسيف فإذا غير معاوية و حمل الثانية على آخر يشبهه أيضا فضربه ثم انصرف و هو يقول:

ص: 401

قولوا لهذا الشاتمى معاوية *** إن كل ما أوعدت ريح هاويه

خوفتنا أكلب قوم عاويه *** إلي يا ابن الخاطئين الماضيه

ترقل إرقال العجوز الجاريه *** في أثر الساري ليالي الشاتيه

فقال معاوية: يا أهل الشام إذا لقيتم هذا الرجل فأخبروه بمساويه و غضب النعمان و مسلمة على معاوية فأرضاهما بعد ما هما أن ينصرفا إلى قومها و لم يكن مع معاوية من الأنصار غيرهما ثم إن معاوية سأل النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله السلم فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين فقال يا قيس أنا النعمان بن بشير.

فقال قيس: هيه يا ابن بشير فما حاجتك فقال النعمان: يا قيس إنه قد أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه ألستم معشر الأنصار تعلمون أنكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار وقتلتم أنصاره يوم الجمل و أقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة و لكنكم خذلتم حقا و نصرتم باطلا.

ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى أعلمتم في الحرب و دعوتم إلى البراز ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هو نتم عليه المصيبة و وعدتموه الظفر و قد أخذت الحرب منا و منكم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية.

فضحك قيس ثم قال: ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة إنه لا ينصح أخاه من غش نفسه و أنت والله الغاش الضال المضل أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها مني واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه و خذله من هو خير منك و أما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث و أما معاوية.

فو الله أن لو اجتمعت عليه العرب قاطبة لقاتلته الأنصار و أما قولك

ص: 402

إنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله نتقى السيوف بوجوهنا و الرماح بنحورنا «حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ الله وَ هُمْ كَارِهُونَ» و لكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور؟

انظر أين المهاجرون والأنصار و التابعون بإحسان الذين ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك و صويحبك و لستما و الله ببدريين و لا عقبيين و لا أحديين و لا لكما سابقة في الإسلام و لا آية في القرآن. و لعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك. وقال قيس في ذلك:

و الراقصات بكل أشعث أغبر *** خوص العيون تحتها الركبان

ما ابن المخلد ناسيا أسيافنا *** في من نحاربه و لا النعمان

تركا البيان و في العيان كفاية *** لو كان ينفع صاحبيه عيان.

545 - قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال: كان فارس أهل الكوفة الذي لا ينازع رجل كان يقال له العكبر بن جدير الأسدي و كان فارس أهل الشام الذي لا ينازع عوف بن مجزاة الكوفي المرادي المكنى أبا أحمر و هو أبو الذي استنقذ الحجاج بن يوسف - يوم صرع في المسجد بمكة و كان العكبر له عبادة و لسان لا يطاق فقام إلى على علیه السّلام فقال:

يا أمير المؤمنين إن في أيدينا عهدا من الله لا نحتاج فيه إلى الناس و قد ظننا بأهل الشام الصبر وظنوه بنا فصبرنا و صبروا و قد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة وصبر أهل الحق على أهل الباطل و رغبة أهل الدنيا ثم نظرت فإذا أعجب ما يعجبني جهلي بآية من كتاب الله :

«الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ

ص: 403

فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» و أثنى عليه علي خيرا و قال خيرا.

و خرج الناس إلى مصافهم و خرج عوف بن مجزاة المرادي نادرا من الناس و كذلك كان يصنع و قد كان قتل قبل ذلك نفرا من أهل العراق مبارزة فنادى يا أهل العراق هل من رجل عصاه سيفه يبارزني و لا أغركم من نفسي فأنا فارس زوف فصاح الناس بالعكبر فخرج إليه منقطعا من أصحابه و الناس وقوف و وقف المرادي و هو يقول:

بالشام أمن ليس فيه خوف *** بالشام عدل ليس فيه حيف

بالشام جود ليس فيه سوف *** أنا المرادي و رهطي زوف

أنا ابن مجزاة و اسمي عوف *** هل من عراقي عصاه سيف

يبرز لي وكيف لي و كيف.

فبرز إليه العكبر و هو يقول:

الشام محل و العراق تمطر *** بها الإمام والإمام معذر

و الشام فيها للإمام معور *** أنا العراقي و اسمي العكبر

ابن جدير و أبوه المنذر *** ادن فإني للكمي مصحر

فاطعنا فصرعه العكبر فقتله و معاوية على التل في أناس من قريش و نفر من الناس قليل - فوجه العكبر فرسه فملأ فروجه ركضا يضربه بالسوط مسرعا نحو التل فنظر إليه معاوية فقال : إن هذا الرجل مغلوب على عقله أو مستأمن فاسألوه فأتاه رجل و هو في حمي فرسه فناداه فلم يجبه.

فمضى مبادرا حتى انتهى إلى معاوية وجعل يطعن في أعراض الخيل و رجا العكبر أن يفردوا له معاوية فقتل رجالا و قام القوم دون معاوية

ص: 404

بالسيوف والرماح فلما لم يصل إلى معاوية نادى أولى لك يا ابن هند أنا الغلام الأسدي فرجع إلى علي فقال له: ما ذا دعاك إلى ما صنعت يا عكبر؟ لا تلق نفسك إلى التهلكة قال: أردت غرة ابن هند و كان شاعرا فقال:

قتلت المرادي الذي جاء باغيا *** ينادي و قد ثار العجاج نزال

يقول: أنا عوف بن مجزاة و المنى *** لقاء ابن مجزاة بيوم قتال

فقلت له: لما علا القوم صوته *** منيت بمشبوح الذراع طوال

فأوجرته في معظم النقع صعدة *** ملأت بها رعبا قلوب رجال

فغادرته يكبو صريعا لوجهه *** ينادي مرارا في مكر مجال

فقدمت مهري آخذا حد جريه *** فأضربه في حومة بشمالي

أريد به التل الذي فوق رأسه *** معاوية الجاني لكل خبال

يقول و مهري يغرف الجري جامحا *** بفارسه قد بان كل ضلال

فلما رأوني أصدق الطعن فيهم *** جلا عنهم رجم الغيوب فعالي

فقام رجال دونه بسيوفهم *** و قام رجال دونه بعوالي

فلو نلته نلت التي ليس بعدها *** من الأمر شيء غير قيل وقال

و لو مت في نيل المنى ألف ميتة *** لقلت إذا ما مت لست أبالي.

و انكسر أهل الشام لقتل عوف المرادي و هدر معاوية دم العكبر فقال العكبر : يد الله فوق يد معاوية فأين دفاع الله عن المؤمنين. و قال نصر حيث شرك الناس عليا في الرأي.

فجزع النجاشي من ذلك و قال-:

كف حزنا أنا عصينا إمامنا *** عليا و أن القوم طاعوا معاوية

و أن لأهل الشام في ذاك فضلهم *** علينا بما قالوه فالعين باكيه

فسبحان من أرسى ثبيرا مكانه *** و من أمسك السبع الطباق كما هيه

ص: 405

أيعصى إمام أوجب الله حقه *** علينا و أهل الشام طوع لطاغيه.

ثم إن عليا علیه السّلام دعا قيس بن سعد فأثنى عليه خيرا و سوده على الأنصار و كانت طلائع أهل الشام و أهل العراق يلتقون فيما بين ذلك و يتناشدون الأشعار و يفخر بعضهم على بعض و يحدث بعضهم بعضا على أمان فالتقوا يوما وفيهم النجاشي فتذاكر القوم رجراجة علي و خضرية معاوية فافتخر كل بكتيبتهم.

فقال أهل الشام: إن الخضرية مثل الرجراجة و كان مع علي أربعة آلاف مجفف من همدان مع سعيد بن قيس رجراجة و كان عليهم البيض و السلاح و الدروع و كان الخضرية الله عبيد بن عمر بن الخطاب أربعة آلاف عليهم الخضرة فقال فتى من جذام من أهل الشام ممن كان في طليعة معاوية:

ألا قل لفجار أهل العراق *** و لين الكلام لهم سيه

متى ما تجيئوا برجراجة *** نجئكم بجأواء خضريه

فوارسها كأسود الضراب *** طوال الرماح يمانيه

قصار السيوف بأيديهم *** يطولها الخطو و النيه

يقول ابن هند إذا أقبلت *** جزى الله خيرا جذاميه

فقال القوم للنجاشي: أنت شاعر أهل العراق وفارسهم فأجب الرجل فتنحى ساعة ثم أقبل يهدر مزبدا يقول:

معاوي إن تأتنا مزبدا *** بخضرية تلق رجراجه

أسنتها من دماء الرجال *** إذا جالت الخيل محاجه

فوارسها كأسود الضراب *** إلى الله في القتل محتاجه

و ليست لدى الموت وقافة *** و ليست لدى الخوف فجفاجه

ص: 406

و ليس بهم غير جد اللقاء *** إلى طول أسيافهم حاجة

خطاهم مقدم أسيافهم *** و أذرعهم غير خداجه

و عندك من وقعهم مصدق *** و قد أخرجت أمس إخراجه

فشنت عليهم ببيض السيوف *** بها فقع لجاجه.

فقال أهل الشام: يا أخا بني الحارث أروناها فإنها جيدة فأعادها عليهم حتى رووها و كانت الطلائع تلتقي يستأمن بعضهم بعضا فيتحدثون.

546 - قال نصر و روى عمر بن سعد عن الحارث بن حصيرة عن أبي الكنود قال: جزع أهل الشام على قتلاهم جزعا شديدا فقال معاوية بن خدیج:

يا أهل الشام قبح الله ملكا يملكه المرء بعد حوشب و ذي الكلاع و الله لو ظفرنا بأهل العراق بعد قتلهما بغير مئونة ما كان ظفرا و قال يزيد بن أنس لمعاوية: لا خير في أمر لا يشبه أوله آخره لا يدمل جريح و لا يبكى على قتيل حتى تنجلي هذه الفتنة فإن يكن الأمر لك دملت و بكيت على قرار و إن كان الأمر لغيرك فما أصبت فيه أعظم.

فقال معاوية يا أهل الشام ما جعلكم أحق بالجزع على قتلاكم من أهل العراق على قتلاهم فو الله ما ذو الكلاع فيكم بأعظم من عمار بن ياسر فيهم و لا حوشب فيكم بأعظم من هاشم فيهم و ما عبيد الله بن عمر فیکم بأعظم من ابن بديل فيهم و ما الرجال إلا أشباه و ما التمحيص إلا من عند الله.

فأبشروا فإن الله قد قتل من القوم ثلاثة قتل عمار بن ياسر و هو كان فتاهم و قتل هاشما و كان جمرتهم و قتل ابن بديل و هو فاعل الأفاعيل و بقي الأشعث و الأشتر و عدي بن حاتم فأما الأشعث فحماه مصره و أما

ص: 407

الأشتر و عدي فغضبا للفتنة و الله قاتلها غدا إن شاء الله.

فقال ابن خديج : إن يكن الرجال عندك أشباها فليست عندنا كذلك و غضب معاوية من ابن خديج و قال الحضرمي في ذلك شعرا:

معاوي قد نلنا و نیلت سراتنا *** و جدع أحياء الكلاع و يحصب

بذي كلع لا يبعد الله داره *** و كل يمان قد أصيب بحوشب

هما ما هما كانا معاوي عصمة *** متى ما أقله جهرة لا أكذب

و لو قبلت في هالك بذل فدية *** فديناهما بالنفس و الأم و الأب

و قد علقت أرماحنا بفوارس *** منى قومهم منا بجدع موعب

و ليس ابن قيس أو عدي بن حاتم *** و الأشتر أن ذاقوا فنا بتحوب.

547 - نصر عن عمر عن عبد الرحمن بن عبد الله : أن عبد الله بن كعب قتل يوم صفين فمر به الأسود بن قيس بآخر رمق فقال: عز علي و الله مصرعك أما والله لو شهدتك لآسيتك و لدافعت عنك و لو رأيت الذي أشعرك لأحببت ألا يزايلني حتى أقتله أو يلحقني بك ثم نزل إليه.

فقال: رحمك الله يا عبد الله و الله إن كان جارك ليأمن بوائقك و إن كنت لمن «الذاكِرِينَ الله كَثِيراً» أوصني رحمك الله قال: أوصيك بتقوى الله و أن تناصح أمير المؤمنين و أن تقاتل معه المحلين حتى يظهر الحق أو تلحق بالله و أبلغه عني السلام و قل له: قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح و المعركة خلف ظهره كان الغالب.

ثم لم يلبث أن مات فأقبل الأسود إلى علي فأخبره فقال: رحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة و نصح لنا في الوفاة ثم إن عليا غلس بالناس بصلاة الفجر ثم زحف بهم فخرج الناس على راياتهم و أعلامهم و زحف إليهم أهل الشام.

ص: 408

548- قال: فحدثني عمرو بن شمر عن جابر عن عامر عن صعصعة بن صوحان و الحارث بن أدهم أن أبرهة بن الصباح بن أبرهة الحميري قام فقال: ويلكم يا معشر أهل اليمن و الله إني لأظن أن قد أذن بفنائكم ويحكم خلوا بين هذين الرجلين فليقتتلا فأيهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا وكان أبرهة من رؤساء أصحاب معاوية.

فبلغ ذلك عليا فقال: صدق أبرهة بن الصباح و الله ما سمعت بخطبة منذ وردت الشام أنا بها أشد سرورا مني بهذه و بلغ معاوية كلام أبرهة فتأخر آخر الصفوف و قال لمن حوله إني لأظن أبرهة مصابا في عقله فأقبل أهل الشام يقولون و الله إن أبرهة لأفضلنا دينا و رأيا وبأسا و لكن معاوية كره مبارزة علي علیه السّلام فقال أبرهة في ذلك:

لقد قال ابن أبرهة مقالا *** وخالفه معاوية بن حرب

لأن الحق أوضح من غرور *** ملبسة غرائضه بحقب

رمی بالفيلقين به جهارا *** وأنتم ولد قحطان بحرب

فخلوا عنهما ليثي عراك *** فإن الحق يدفع كل كذب

و ما إن يعتصم يوما بقول *** ذوو الأرحام إنهم لصحبي

و كم بين المنادي من بعيد *** و من يغشى الحروب بكل عضب

و من يرد يرد البقاء و من يلاقي *** بإسماح الطعان و صفح ضرب

أ يهجرني معاوية بن حرب *** وما هجرانه سخطا لربي

و عمرو إن يفارقني بقول *** فإن ذراعه بالغدر رحب

و إني إن أفارقهم بديني *** لفي سعة إلى شرق و غرب.

و برز يومئذ عروة بن داود الدمشقي فقال: إن كان معاوية كره مبارزتك يا أبا الحسن فهلم إلي فتقدم إليه علي فقال له أصحابه: ذر هذا

ص: 409

الكلب فإنه ليس لك بخطر فقال: والله ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه دعوني و إياه ثم حمل عليه فضربه فقطعه قطعتين سقطه إحداهما يمنة و الأخرى يسرة فارتج العسكران لهول الضربة.

ثم قال: اذهب يا عروة فأخبر قومك. أما و الذي بعث محمدا بالحق لقد عاينت النار و أصبحت من النادمين و قال ابن عم لعروة واسوء صباحاه قبح الله البقاء بعد أبي داود ثم أنشأ يقول في ذلك:

فقدت عروة الأرامل والأي_ *** _تام يوم الكريمة الشنعاء

كان لا يشتم الجليس ولاين_ *** _كل يوم العظيمة النكباء

من الله من عدي و من اب_ *** _ن أبي طالب و من علياء

يا لعيني ألا بكت عروة الأق_ *** _وام يوم العجاج و الترباء

فليبكيه نسوة من بني عا *** مرمن يثرب و أهل قباء

الله عروة الخير ذا النج_ *** _دة و ابن القاقم النجباء

أرهقته المنون في قاع صفين *** صريعا قد غاب في الجرباء

غادرته الكماة من أهل بدر *** ومن التابعين و النقباء.

و قال عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري:

عرو یا عروقد لقيت حماما *** إذ تقحمت في حمى اللهوات

أ عليا لك الهوان تنادي *** ضيغما في أياطل الحومات

إن لله فارسا كأبي الشبلين *** ما إن يهوله المتلفات

مؤمنا بالقضاء محتسبا بالخير *** يرجو الثواب بالسابقات

ليس يخشى كريهة في لقاء *** لا ولا ما يجيء به الآفات

فلقد ذقت في الجحيم نكالا *** و ضراب المقامع المحميات

يا ابن داود قد وقيت ابن هند *** أن يكون القتيل بالمقفرات.

ص: 410

549- قال و حمل ابن عم أبي داود على علي فطعنه فضرب الرمح فبرأه ثم قنعه ضربة فألحقه بأبي داود و معاوية واقف على التل يبصر و يشاهد فقال: تبا لهذه الرجال و قبحا أما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو غيلة أو في اختلاط الفيلق و ثوران النقع فقال الوليد بن عقبة: ابرز إليه أنت فإنك أولى الناس بمبارزته فقال:

و الله لقد دعاني إلى البراز حتى استحييت من قريش و إني و الله لا أبرز إليه ما جعل العسكر بين يدي الرئيس إلا وقاية له فقال عتبة بن أبي سفيان: الهوا عن هذا كأنكم لم تسمعوا نداءه فقد علمتم أنه قتل حريثا و فضح عمرا و لا أرى أحدا يتحكك به إلا قتله فقال معاوية لبسر بن أرطاة: أ تقوم المبارزته؟

فقال: ما أحد أحق بها منك و إذ أبيتموه فأنا له. فقال له معاوية أما إنك ستلقاه في العجاجة غدا في أول الخيل و كان عند بسر بن أرطاة ابن عم له قد قدم من الحجاز يخطب ابنته فأتى بسرا فقال له: إني سمعت أنك وعدت من نفسك أن تبارز عليا.

أما تعلم أن الوالي من بعد معاوية عتبة ثم بعده محمد أخوه وكل من هؤلاء قرن لعلي فما يدعوك إلى ما أرى؟ قال: الحياء خرج مني كلام فأنا أستحيي أن أرجع عنه. فضحك الغلام وقال في ذلك:

تنازله یا بسر إن كنت مثله *** و إلا فإن الليث للضبع آكل

كأنك يا بسر بن أرطاة جاهل *** بإثاره في الحرب أو متجاهل

معاوية الوالي و صنواه بعده *** و ليس سواء مستعار و ثاكل

أولئك هم أولى به منك إنه *** علي فلا تقربه أمك هابل

متى تلقه فالموت في رأس رمحه *** و في سيفه شغل لنفسك شاغل

ص: 411

وما بعده في آخر الحرب عاطف *** و لا قبله فى أول الخيل حامل

فقال بسر: هل هو إلا الموت؟ لا بد و الله من لقاء الله تعالى.

فغدا علي علیه السّلام منقطعا من خيله و معه الأشتر و هو يريد التل و هو يقول:

إني علي فاسألوا لتخبروا *** ثم ابرزوا إلى الوغى أو أدبروا

سيفي حسام و سناني أزهر *** منا النبي الطيب المطهر

و حمزة الخير ومنا جعفر *** له جناح في الجنان أخضر

ذا أسد الله و فيه مفخر *** هذا و هذا و این هند مجحر

مذبذب مطرد مؤخر

فاستقبله بسر قريبا من التل و هو مقنع في الحديد لا يعرف فناداه: ابرز إلي أبا حسن فانحدر إليه على تؤدة غير مكترث حتى إذا قاربه طعنة و هو دارع فألقاه على الأرض و منع الدرع السنان أن يصل إليه فاتقاه بسر بعورته و قصد أن يكشفها يستدفع بأسه.

فانصرف عنه علي علیه السّلام مستدبرا له فعرفه الأشتر حين سقط فقال: يا أمير المؤمنين هذا بسر بن أرطاة عدو الله وعدوك فقال: دعه عليه لعنة الله أبعد أن فعلها. فحمل ابن عم لبسر شاب على علیه السّلام و هو يقول:

أرديت بسرا و الغلام ثائره *** أرديت شيخا غاب عنه ناصره

و كلنا حام لبسر واتره.

فحمل عليه الأشتر و هو يقول:

أكل يوم رجل شيخ شاغره *** و عورة وسط العجاج ظاهره

تبرزها طعنة كف واتره *** عمرو و بسر رميا بالفاقره

فطعنه الأشتر فكسر صلبه و قام بسر من طعنة علي علي موليا و ولت

ص: 412

خيله و ناداه علي يا بسر معاوية كان أحق بهذا منك فرجع بسر إلى معاوية فقال له معاوية ارفع طرفك قد أدال الله عمرا منك فقال في ذلك النضر بن الحارث:

أفي كل يوم فارس تندبونه *** له عورة وسط العجاجة باديه

يكف بها عنه علي سنانه *** ويضحك منها في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمر و فقنع رأسه *** وعورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو و ابن أرطاة أبصرا *** سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

و لا تحمدا إلا الحيا و خصاكما *** هما كانتا و الله للنفس واقيه

فلولاهما لم تنجوا من سنانه *** و تلك بما فيها عن العود ناهيه

متى تلقيا الخيل المشيحة صبحة *** و فيها على فاتركا الخيل ناحية

و كونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا *** وحمي الوغى إن التجارب كافية

وإن كان منه بعد في النفس حاجة *** فعودا إلى ما شئتما هي ما هيه

فكان بسر بعد ذلك إذا لقي الخيل التي فيها علي تنحى ناحية و تحامى فرسان أهل الشام عليا.

550 - قال نصر وحدثنا عمر بن سعد عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال: ثم إن معاوية جمع كل قرشي بالشام فقال: العجب يا معشر قريش إنه ليس لأحد منكم في هذه الحرب فعال يطول به لسانه غدا ما عدا عمرا فما بالكم و أين حمية قريش فغضب الوليد بن عقبة و قال:

و أي فعال تريد والله ما نعرف في أكفائنا من قريش العراق من يغني غناءنا باللسان و لا باليد فقال معاوية بل إن أولئك قد وقوا عليا بأنفسهم. قال الوليد: كلا بل وقاهم علي بنفسه قال: ويحكم أما منكم من يقوم لقرنه منهم مبارزة أو مفاخرة فقال :مروان أما البراز فإن عليا لا يأذن لحسن ولا

ص: 413

لحسين و لا لمحمد بنيه فيه ولا لابن عباس و إخوته و يصلى بالحرب دونهم فلأيهم نبارز.

و أما المفاخرة فيما ذا نفاخرهم أبالإسلام أم بالجاهلية. فإن كان بالإسلام فالفخر لهم بالنبوة و إن كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن. فإن قلنا قريش قالت العرب فأقروا لبني عبد المطلب فغضب عتبة بن أبي سفيان فقال الهوا عن هذا فإني لاق بالغداة جعدة بن هبيرة.

فقال معاوية بخ بخ قومه بنو مخزوم و أمه أم هانئ بنت أبي طالب و أبوه هبيرة بن أبي وهب كفو كريم و ظهر العتاب بين عتبة و القوم حتى أغلظ لهم و أغلظوا له. فقال مروان: أما والله لو لا ما كان مني يوم الدار مع عثمان و مشهدي بالبصرة لكان مني في علي رأي كان يكفي امرأ ذا حسب و دين و لكن و لعل. و نابذ معاوية الوليد بن عقبة دون القوم.

فأغلظ له الوليد فقال معاوية: يا وليد إنك إنما تجترئ علي بحق عثمان و قد ضربك حدا و عزلك عن الكوفة. ثم إنهم ما أمسوا حتى اصطلحوا و أرضاهم معاوية من نفسه و وصلهم بأموال جليلة و بعث معاوية إلى عتبة فقال ما أنت صانع في جعدة ؟

فقال: ألقاه اليوم و أقاتله غدا و كان الجعدة في قريش شرف عظيم و كان له لسان و كان من أحب الناس إلى علي فغدا عليه عتبة فنادى أیا جعدة أيا جعدة فاستأذن عليا علیه السّلام في الخروج إليه فأذن له و اجتمع الناس لكلامهما فقال عتبة:

يا جعدة إنه والله ما أخرجك علينا إلا حب خالك و عمك ابن أبي سلمة عامل البحرين و إنا و الله ما نزعم أن معاوية أحق بالخلافة من علي لو لا أمره في عثمان و لكن معاوية أحق بالشام لرضا أهلها به فاعفوا لنا

ص: 414

عنها فو الله ما بالشام رجل به طرق إلا و هو أجد من معاوية في القتال و لا بالعراق.

من له مثل جد علي في الحرب و نحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم و ما أقبح بعلي أن يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس حتى إذا أصاب سلطانا أفنى العرب فقال جعدة: أما حبي الخالي فو الله أن لو كان لك خال مثله لنسيت أباك و أما ابن أبي سلمة فلم يصب أعظم من قدره و الجهاد أحب إلي من العمل.

و أما فضل علي على معاوية فهذا ما لا يختلف فيه اثنان و أما رضاكم اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس فلم نقبل و أما قولك إنه ليس بالشام من رجل إلا و هو أجد من معاوية و ليس بالعراق لرجل مثل جد على فهكذا ينبغي أن يكون مضى بعلي يقينه و قصر بمعاوية شكه و قصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل.

و أما قولك نحن أطوع لمعاوية منكم لعلي علیه السّلام فو الله ما نسأله إن سكت و لا نرد عليه إن قال و أما قتل العرب فإن الله كتب القتل و القتال فمن قتله الحق فإلى الله فغضب عتبة و فحش على جعدة فلم يجبه و أعرض عنه و انصرفا جميعا مغضبين.

فلما انصرف عتبة جمع خيله فلم يستبق منها شيئا و جل أصحابه السكون و الأزد و الصدف و تهيأ جعدة بما استطاع فالتقيا وصبر القوم جميعا و باشر جعدة يومئذ القتال بنفسه و جزع عتبة فأسلم خيله و أسرع هاربا إلى معاوية فقال له : فضحك جعدة و هزمتك لا تغسل رأسك منها أبدا.

قال عتبة: لا و الله لا أعود إلى مثلها أبدا و لقد أعذرت و ما كان على

ص: 415

أصحابي من عتب و لكن الله أبى أن يديلنا منهم فما أصنع فحظي بها جعدة عند علي علیه السّلام فقال النجاشي فما كان من شتم عتبة الجعدة شعرا:

إن شتم الكريم يا عتب خطب *** فاعلمنه من الخطوب عظيم

أمه أم هانئ و أبوه *** من معد و من لؤي صميم

ذاك منها هبيرة بن أبي وه_ *** _ب أقرت بفضله مخزوم

كان في حربكم يعد بألف *** حين تلقى بها القروم القروم

و ابنه جعدة الخليفة منه *** هكذا يخلف الفروع الأروم

كل شيء تريده فهو فيه *** حسب ثاقب و دین قویم

و خطيب إذا تمعرت الأو *** جه يشجى به الألد الخصيم

و حليم إذا الحبى حلها الجه_ *** _ل و خفت من الرجال الحلوم

و شكيم الحروب قد علم النا *** س إذا حل في الحروب الشكيم

و صحيح الأديم من نغل العي_ *** _ب إذا كان لا يصح الأديم

حامل للعظيم في طلب الحم_ *** _د إذا أعظم الصغير اللئيم

ما عسى أن تقول للذهب الأح_ *** _مر عيبا هيهات منك النجوم

كل هذا بحمد ربك فيه *** و سوى ذاك كان و هو فطيم

و قال الشني في ذلك لعتبة:

مازلت تنظر في عطفيك أبهة *** لا يرفع الطرف منك التيه و الصلف

لا تحسب القوم إلا فقع قرقرة *** أو شحمة بزها شاو لها نطف

حتى لقيت ابن مخزوم و أي فتى *** أحيا مآثر آباء له سلفوا

إن كان رهط أبي وهب جحاجحة *** في الأولين فهذا منهم خلف

أشجاك جعدة إذ نادى فوارسه *** حاموا عن الدين والدنيا فما وقفوا

حتى رموك بخيل غير راجعة *** إلا و سمر العوالي منكم تكف

ص: 416

قد عاهدوا الله لن يثنوا أعنتها *** عند الطعان و لا في قولهم خلف

لما رأيتهم صبحا حسبتهم *** أسد العرين حمى أشبالها الغرف

ناديت خيلك إذ عض الثقاف بهم *** خيلي إلي فما عاجوا و لا عطفوا

هلا عطفت على قتلى مصرعة *** منها السكون ومنها الأزد و الصدف

قد كنت في منظر من ذا و مستمع *** يا عتب لو لا سفاه الرأي و السرف

فاليوم يقرع منك السن عن ندم *** ما للمبارز إلا العجز و النصف.

551 - نصر عن عمر في إسناده قال و كان من أهل الشام بصفين رجل يقال له الأصبغ بن ضرار الأزدي و كان يكون طليعة و مسلحة لمعاوية فندب علي له الأشتر فأخذه أسيرا من غير أن يقاتل و كان علي ينهى عن قتل الأسير الكاف فجاء به ليلا و شد وثاقه و ألقاه عند أصحابه ينتظر الصباح و كان الأصبغ شاعرا مفوها و نام أصحابه فرفع صوته فأسمع الأشتر فقال:

ألا ليت هذا الليل طبق سرمدا *** على الناس لا يأتيهم بنهار

يكون كذا حتى القيامة إنني *** أحاذر في الإصباح ضرمة نار

فيا ليل طبق إن في الليل راحة *** و في الصبح قتلي أو فكاك أساري

ولو كنت تحت الأرض ستين واديا *** لما رد عني ما أخاف حذاري

فيا نفس مهلا إن للموت غاية *** فصبرا على ما ناب يا ابن ضرار

أ أخشى و لي في القوم رحم قريبة *** أبى الله أن أخشى و الأشتر جاري

و لو أنه كان الأسير ببلدة *** أطاع بها شمرت ذيل إزاري

و لو كنت جار الأشعث الخير فكني *** و قل من الأمر المخوف فراري

و جار سعيد أو عدي بن حاتم *** و جار شريح الخير قراري

و جار المرادي العظيم و هانى *** و زحر بن قيس ما كرهت نهاري

ص: 417

ولو أنني كنت الأسير لبعضهم *** دعوت رئيس القوم عند عثاري

أولئك قومي لا عدمت حياتهم *** و عفوهم عني و ستر عواري.

فغدا به الأشتر على علي فقال: يا أمير المؤمنين هذا رجل من المسلحة لقيته بالأمس فو الله لو علمت أن قتله الحق قتلته وقد بات عندنا الليلة و حركنا بشعره فإن كان فيه القتل فاقتله و إن غضبنا فيه و إن ساغ لك العفو عنه فهبه لنا قال: هو لك يا مالك فإذا أصبت منهم أسيرا فلا تقتله فإن أسير أهل القبلة لا يفادى و لا يقتل فرجع به الأشتر إلى منزله و قال: لك ما أخذنا منك ليس لك عندنا غيره.

552 - عنه قال: ذكروا أن عليا أظهر أنه مصبح غدا معاوية و مناجزه فبلغ ذلك معاوية و فزع أهل الشام لذلك و انكسروا لقوله و كان معاوية بن الضحاك ابن سفيان صاحب راية بني سليم مع معاوية و كان مبغضا لمعاوية و أهل الشام و له هوى مع أهل العراق و علي بن أبي طالب علیه السّلام.

و كان يكتب بالأخبار إلى عبد الله بن الطفيل العامري و يبعث بها إلى علي علیه السّلام فبعث إلى عبد الله بن الطفيل أني قائل شعرا أذعر به أهل الشام أرغم به معاوية و كان معاوية لا يتهمه و كان له فضل و نجدة و لسان فقال ليلا ليسمع أصحابه:

ألا ليت هذا الليل أطبق سرمدا *** علينا و إنا لا نرى بعده غدا

و يا ليته إن جاءنا بصباحة *** وجدنا إلى مجرى الكواكب مصعدا

حذار علي إنه غير مخلف *** مدى الدهر ما لبى الملبون موعدا

فأما قراري في البلاد فليس لي *** مقام و لو جاوزت جابلق مصعدا

كأني به في الناس كاشف رأسه *** على ظهر خوار الرحالة أجردا

يخوض غمار الموت في مرجحنة *** ينادون في نقع العجاج محمدا

ص: 418

فوارس بدر والنضير وخيبر *** وأحد يروون الصفيح المهندا

و يوم حنين جالدوا عن نبيهم *** فريقا من الأحزاب حتى تبددا

هنالك لا تلوي عجوز على ابنها *** وإن أكثرت في القول نفسي لك الفدا

فقل لابن حرب ما الذي أنت صانع *** أ تثبت أم ندعوك في الحرب قعددا

و ظني بأن لا يصبر القوم موقفا *** يقفه و إن لم يجر في الدهر للمدى

فلا رأي إلا تركنا الشام جهرة *** و إن أبرق الفجفاج فيها و أرعدا.

فلما سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية فهم بقتله ثم راقب فيه قومه و طرده عن الشام فلحق بمصر و ندم معاوية على تسييره إياه و قال معاوية: و الله لقول السلمي أشد على أهل الشام من لقاء علي ما له قاتله الله لو أصاب خلف جابلق مصعدا نفذه.

و قال الأشتر حين قال علي علیه السّلام إنني مناجز القوم إذا أصبحت:

قد دنا الفصل في الصباح و ل_ *** _لمسلم رجال و للحروب رجال

فرجال الحروب كل خدب *** مقحم لا تهده الأهوال

يضرب الفارس المدجج بالسيف *** إذا فل في الوغى الأكفال

يا ابن هند شد الحيازيم للموت *** ولا يذهبن بك الآمال

إن في الصبح إن بقيت لأمرا *** تتفادى من هوله الأبطال

فيه عز العراق أو ظفر الشام *** بأهل العراق و الزلزال

فاصبروا للطعان بالأسل السمر *** و ضرب تجرى به الأمثال

إن تكونوا قتلتم النفر البيض *** و غالت أولئك الآجال

فلنا مثلهم و إن عظم الخطب *** قليل أمثالهم أبدال

يخضبون الوشيج طعنا إذا جرت *** من الموت بينهم أذيال

طلب الفوز في المعاد و في ذا *** تستهان النفوس و الأموال

ص: 419

فلما انتهى معاوية شعر الأشتر قال شعر منكر من شاعر منكر رأس أهل العراق و عظيمهم و مسعر حربهم و أول الفتنة و آخرها و قد رأيت أن أكتب إلى علي كتابا أسأله الشام و هو الشيء الأول الذي ردني عنه و ألق في نفسه الشك والريبة فضحك عمرو بن العاص.

ثم قال: أين أنت يا معاوية من خدعة علي؟ فقال: ألسنا بني عبد مناف قال: بلى و لكن لهم النبوة دونك و إن شئت أن تكتب فاكتب فكتب معاوية إلى علي مع رجل من السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة و كان من ناقلة أهل العراق فكتب.

أما بعد فإني أظنك أن لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت و علمنا لم يجنها بعضنا على بعض و إنا و إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى و نصلح به ما بقي و قد كنت سألتك الشام على ألا يلزمني لك طاعة و لا بيعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس.

فإني لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو و لا أخاف من الموت إلا ما تخاف و قد و الله رقت الأجناد و ذهبت الرجال و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزیز و لا يسترق حرّ به و السلام.

فلما انتهى كتاب معاوية إلى علي قرأه ثم قال: «العجب لمعاوية و كتابه» ثم دعا علي عبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال: اكتب إلى معاوية: «أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت و علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض فإنا و إياك منها في غاية لم تبلغها و إني لو قتلت في ذات الله و حييت.

ص: 420

ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله و الجهاد لأعداء الله و أما قولك إنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى فإني ما نقصت عقلي و لا ندمت على فعلي فأما طلبك الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك منها أمس وأما استواؤنا في الخوف و الرجاء.

فإنك لست أمضى على الشك منى على اليقين و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة و أما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل فلعمري إنا بنو أب واحد.

و لكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق و لا المحق كالمبطل و في أيدينا بعد فضل النبوة التى أذللنا بها العزيز و أعززنا بها الذليل و السلام».

553- نصر عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة قال: فلما أتى معاوية كتاب علي كتمه عن عمرو بن العاص أياما ثم دعاه بعد ذلك فأقرأه الكتاب فشمت به عمرو و لم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي من عمرو منذ يوم لقيه و صفح عنه فقال عمرو بن العاص فيما كان أشار به على معاوية:

ألا الله درك يا ابن هند *** و در الآمرين لك الشهود

أتطمع لا أبالك في علي *** وقد قرع الحديد على الحديد

و ترجو أن تحيره بشك *** وترجو أن يهابك بالوعيد

و قد كشف القناع و جر حربا *** يشيب لهولها رأس الوليد

له جأواء مظلمة طحون *** فوارسها تلهب كالأسود

يقول لها إذا دلفت إليه *** و قد ملت طعان القوم عودي

إن وردت فأولها ورودا *** و إن صدت فليس بذي صدود

و ما هي من أبي حسن بنكر *** وما هي من مسائك بالبعيد

ص: 421

و قلت له مقالة مستكين *** ضعيف الركن منقطع الوريد

دعن الشام حسبك يا ابن هند *** من السوءات و الرأي الزهيد

و لو أعطاكها ما ازددت عزا *** و لا لك لو أجابك من مزيد

و لم تكسر بذاك الرأي عودا *** لركته ولا ما دون عود.

فلما بلغ معاوية قول عمرو دعاه فقال: يا عمرو إنني قد أعلم ما أردت بهذا قال: ما أردت قال أردت تغييل رأيي و إعظام علي و قد فضحك قال: أما تفييلي رأيك فقد كان و أما إعظامي عليا فإنك بإعظامه أشد معرفة مني و لكنك تطويه و أنا أنشره و أما فضيحتي فلم يفتضح امرؤ لقي أبا حسن.

و قد كان معاوية شمت بعمرو حيث لقي من علي علیه السّلام ما لقي فقال عمرو في شماتة معاوية:

معاوي لا تشمت بفارس بهمة *** لقي فارسا لا تعتريه الفوارس

معاوي إن أبصرت في الخيل مقبلا *** أبا حسن يهوي دهتك الوساوس

و أيقنت أن الموت حق و أنه *** لنفسك إن لم تمض في الركض حابس

فإنك لو لاقيته كنت بومة *** أتيح لها صقر من الجو آنس

و ما ذا بقاء القوم بعد اختباطه *** وإن امرأ يلق عليا لآيس

دعاك فصمت دونه الأذن هاربا *** بنفسك قد ضاقت عليك الأمالس

و أيقنت أن الموت أقرب موعد *** و أن التي ناداك فيها الدهارس

و تشمت بي إن نالني حد رمحه *** و عضضني ناب من الحرب ناهس

أبى الله إلا أنه ليث غابة *** أبو أشبل تهدى إليه الفرائس

و إني امرؤ باق فلم يلف شلوه *** بمعترك تسفى عليه الروامس

فإن كنت في شك فأرهج عجاجة *** وإلا فتلك الترهات البسابس.

ص: 422

554- نصر حدثنا عمرو بن شمر قال: حدثنا أبو ضرار قال: حدثني عمار بن ربيعة قال: غلس علي بالناس صلاة الغداة - يوم الثلاثاء عاشر شهر ربیع الأول سنة سبع وثلاثين وقيل عاشر شهر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق و الناس على راياتهم و زحف إليهم أهل الشام و قد كانت الحرب أكلت الفريقين و لكنها في أهل الشام أشد نكاية و أعظم وقعا.

فقد ملوا الحرب و كرهوا القتال و تضعضعت أركانهم قال فخرج رجل من أهل العراق على فرس كمیت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه و بيده الربح فجعل يضرب رءوس أصحاب علي بالقناة و يقول: سووا صفوفكم رحمكم الله حتى إذا عدل الصفوف و الرايات استقبلهم بوجهه و ولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله و أثنى عليه ثم قال:

الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه أقدمهم هجرة و أولهم إسلاما سيف من سيوف الله صبه على أعدائه فانظروا إذا حمي الوطيس و ثار القتام و تكسر المران و جالت الخيل بالأبطال فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة فاتبعوني وكونوا في إثري قال: ثم حمل على أهل الشام وكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر.

قال و خرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي قال فخرج إليه علي حتى إذا اختلف أعناق دابتيها بين الصفين فقال: يا علي إن لك قدما في الإسلام و هجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك؟

فقال له علي: و ما ذاك ؟ قال : ترجع إلى عراقك فنخلي بينك و بين

ص: 423

العراق و نرجع إلى شامنا فتخلي بيننا و بين شامنا فقال له علي: «لقد عرفت إنما عرضت هذا نصيحة و شفقة و لقد أهمني هذا الأمر و أسهرني و ضربت أنفه و عينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلّی الله علیه و آله .

إن الله تبارك و تعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن المنكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم».

فرجع الشامي و هو يسترجع.

قال: و زحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل و الحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و اندقت ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيف و عمد الحديد فلم يسمع السامع إلا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق و من جبال تهامة يدك بعضها بعضا .

قال: و انكشفت الشمس بالنقع و ثار القتام و ضلت الألوية و الرايات قال: و أخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة و الميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها قال: فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل لم يصلوا الله صلاة.

فلم يزل يفعل ذلك الأشتر بالناس حتى أصبح والمعركة خلف ظهره و افترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم و تلك الليلة و هي ليلة الهرير و كان الأشتر في ميمنة الناس و ابن عباس في الميسرة و علي في القلب و الناس يقتتلون.

ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى و الأشتر يقول لأصحابه : و هو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيد رمحي هذا و

ص: 424

إذا فعلوا قال: ازحفوا قاب هذا القوس فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس الإقدام فلما رأى ذلك قال: أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم.

ثم دعا بفرسه و ركز رايته و كانت مع حيان بن هوذة النخعي و خرج يسير في الكتائب ويقول: ألا من يشري نفسه الله و يقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه و يقاتل معه.

555- نصر عن عمر بن سعد قال: حدثني أبو ضرار عن عمار بن ربيعة قال مر بي و الله الأشتر و أقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به فقام في أصحابه فقال شدوا فدى لكم عمي و خالي شدة ترضون بها الله و تعزون بها الدين فإذا شددت فشدوا قال ثم نزل و ضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته: أقدم.

فأقدم بها ثم شد على القوم و شد معه أصحابه يضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى عسكرهم ثم إنهم قاتلوا عند العسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايته و أخذ علي لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال.

قال: وإن عليا قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس قد بلغ بكم الأمر و بعدوكم ما قد رأيتم و لم يبق منهم إلا آخر نفس و إن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا و إنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله عز و جل».

فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فقال: يا عمرو إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى؟ قال إن رجالك لا يقومون الرجاله و لست مثله هو يقاتلك على أمر و أنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء و

ص: 425

هو يريد الفناء و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم و أهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم.

و لكن ألق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا و إن ردوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك و بينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم فإني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه فعرف ذلك معاوية فقال: صدقت.

556 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال: والله لكأني أسمع عليا يوم الهرير حين سار أهل الشام و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي من حين استقلت الشمس حتى قام قائم الظهيرة ثم إن عليا قال: «حتى متى نخلي بين هذين الحيين؟ قد فنيا و أنتم وقوف تنظرون إليهم.

أما تخافون مقت الله» ثم انفتل إلى القبلة و رفع يديه إلى الله ثم نادى: «یا الله یا رحمان یا رحیم یا واحد يا أحد يا صمد يا الله يا إله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و امتدت الأعناق و شخصت الأبصار و طلبت الحوائج.

اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا صلّی الله علیه و آله وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ».

سيروا على بركة الله ثم نادى «لا إله إلا الله و الله أكبر كلمة التقوى».

ثم قال: لا و الله الذي بعث محمد الله بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السموات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب - إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب –

يخرج بسيفه منحنيا فيقول : «معذرة إلى الله عز و جل و إليكم من

ص: 426

هذا.

لقد هممت أن أصقله و لكن حجزني عنه أني سمعتل الرسول الله صلّی الله علیه و آله يقول كثيرا: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي و أنا أقاتل به دونه» قال فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به في عرض الصف فلا و الله ما ليث بأشد نكاية في عدوه منه رحمة الله عليه رحمة واسعة.

557- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت تميم بن حذيم يقول: لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح و هي عظام مصاحف العسكر و قد شدوا ثلاثة أرماح جميعا و قد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط.

و قال أبو جعفر و أبو الطفيل استقبلوا عليا بمائة مصحف و وضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف و كان جميعها خمسمائة مصحف قال أبو جعفر: ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي و قام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ثم نادوا يا معشر العرب الله الله فى نسائكم و بناتكم فمن للروم والأتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم الله الله في دينكم هذا كتاب الله بيننا و بينكم - فقال علي:

اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا و بينهم إنك أنت الحكم الحق المبين، فاختلف أصحاب علي في الرأي فطائفة قالت: القتال و طائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب و لا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم الكتاب فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت أوزارها فقال محمد بن علي فعند ذلك حكم الحكمان.

ص: 427

558- قال نصر و في حديث عمرو بن شمر بإسناده قال: فلما أن كان اليوم الأعظم قال أصحاب معاوية و الله ما نحن لنبرح اليوم العرصة حتى يفتح الله لنا أو نموت. فبادروا القتال غدوة في يوم من أيام الشعرى طويل شديد الحر فتراموا حتى فنيت النبل ثم تطاعنوا حتى تقصفت رماحهم ثم نزل القوم عن خيولهم فمشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها و قامت الفرسان في الركب.

ثم اضطربوا بالسيوف و بعمد الحديد فلم يسمع السامع إلا تغمغم القوم وصليل الحديد في الهام و تكادم الأفواه و كسفت الشمس و ثار القتام وضلت الألوية و الرايات و مرت مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله فيهن إلا تكبيرا و نادت المشيخة في تلك الغمرات يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء و البنات.

قال جابر فبكى أبو جعفر و هو يحدثنا بهذا الحديث.

559 - قال : و أقبل الأشتر على فرس كميت محذوف قد وضع مغفره على قربوس السرج و هو يقول: اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس و رجعت الشمس من الكسوف و اشتد القتال و أخذت السباع بعضها بعضا فهم، كما قال الشاعر:

مضت واستأخر القرعاء عنها *** وخلي بينهم إلا الوريع

قال: يقول واحد لصاحبه في تلك الحال: أي رجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه و أي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك و هبلتك. إن رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء و ما أضجرته الحرب و قد غلت هام الكماة من الحر «وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ» و هو كما تراه جذعا يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا.

ص: 428

560- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن صعصعة قال: قام الأشعث بن قيس الكندي ليلة الهرير في أصحابه من كندة فقال: الحمد لله أحمده و أستعينه و أومن به و أتوكل عليه و أستنصره و أستغفره و أستخيره و أستهديه و أستشيره و أستشهد به فإنه من يهد الله فلا مضل له و من يضلل «فَلا هَادِيَ لَهُ » و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلّی الله علیه و آله.

ثم قال: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي و ما قد فني فيه من العرب فو الله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط ألا فليبلغ الشاهد الغائب أنا إن نحن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات أما والله ما أقول هذه المقالة جزعا من

الحتف و لكني رجل مسن أخاف على النساء و الذراري غدا إذا فنينا.

اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي و لأهل دينى فلم آل «وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» و الرأي يخطئ و يصيب وإذا قضى الله أمرا أمضاه على ما أحب العباد أو كرهوا أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي ولكم.

قال صعصعة: فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال: أصاب و رب الكعبة لأن نحن التقينا غدا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا و لتميلن أهل فارس على نساء أهل العراق و ذراريهم و إنما يبصر هذا ذوو الأحلام و النهى اربطوا المصاحف على أطراف القنا.

قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل يا أهل العراق من لذرارينا إن قتلتمونا و من لذراريكم إن قتلناكم الله الله في البقية فأصبح أهل الشام و قد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح و قلدوها الخيل و

ص: 429

الناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه و رفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح و نادوا.

با أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم و أقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض و قد وضع المصحف على رأسه ينادي يا أهل العراق كتاب الله بيننا و بينكم.

و أقبل عدي بن حاتم فقال: يا أمير المؤمنين إن كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فإنه لم يصب عصبة منا إلا وقد أصيب مثلها منهم و كل مقروح و لكنا أمثل بقية منهم و قد جزع القوم و ليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم.

فقام الأشتر النخعي فقال: يا أمير المؤمنين إن معاوية لا خلف له من رجاله و لك بحمد الله الخلف و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لا بصرك فأقرع الحديد بالحديد و استعن بالله الحميد.

ثم قام عمرو بن الحمق فقال: يا أمير المؤمنين إنا والله ما أجبناك ولا نصرناك عصبية على الباطل و لا أجبنا إلا الله عز و جل و لا طلبنا إلا الحق و لو دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لاستشرى فيه اللجاج و طالت فيه النجوى و قد بلغ الحق مقطعه و ليس لنا معك رأي.

فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس و ليس آخر أمرنا كأوله و ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق و لا أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب الله فإنك أحق به منهم و قد أحب الناس البقاء و كرهوا القتال.

فقال علي علیه السّلام: إن هذا أمر ينظر فيه. و ذكروا أن أهل الشام جزعوا فقالوا: يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه فأعدها

ص: 430

جذعة فإنك قد غمرت بدعائك القوم و أطمعتهم فيك.

فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص و أمره أن يكلم أهل العراق فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى: يا أهل العراق أنا عبد الله بن عمرو بن العاص إنها قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا فإن تكن للدين فقد و الله أعذرنا و أعذرتم و إن تكن للدنيا فقد و الله أسرفنا و أسرفتم و قد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم.

فإن يجمعنا و إياكم الرضا فذلك من الله فاغتنموا هذه الفرجة لعله أن يعيش فيها المحترف و ينسى فيها القتيل فإن بقاء المهلك بعد الهالك قليل فخرج سعيد بن قيس فقال: يا أهل الشام إنه قد كان بيننا و بينكم أمور حامينا فيها على الدين والدنيا سميتموها غدرا و سرفا.

و قد دعوتمونا اليوم إلى ما قاتلناكم عليه بالأمس ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم و لا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم بما أنزل الله فالأمر في أيدينا دونكم و إلا فنحن نحن و أنتم أنتم. وقام الناس إلى علي فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك إليه فإنا قد فنينا. و نادى إنسان من أهل الشام في سواد الليل بشعر سمعه الناس و هو:

رءوس العراق أجيبوا الدعاء *** فقد بلغت غاية الشده

و قد أودت الحرب بالعالمين *** و أهل الحفائظ و النجدة

فلسنا و لستم من المشركين *** و لا المجمعين على الرده

و لكن أناس لقوا مثلهم *** لنا عدة و لهم عده

فقاتل كل على وجهه *** قحمه الجد والحده

فإن تقبلوها ففيها البقاء *** و أمن الفريقين و البلده

و إن تدفعوها ففيها الفناء *** وكل بلاء إلى مده

ص: 431

و حتى متى مخض هذا السقاء *** ولابد أن يخرج الزبده

ثلاثة رهط هم أهلها *** و إن يسكتوا تخمد الواقده

سعيد بن قيس و كبش العراق *** و ذاك المسود من كندة

561 - نصر هؤلاء النفر المسمون في الصلح قال: فأما المسود من كندة و هو الأشعث فإنه لم يرض بالسكوت بل كان من أعظم الناس قولا في إطفاء الحرب و الركون إلى الموادعة و أما كبش العراق و هو الأشتر فلم يكن يرى إلا الحرب و لكنه سكت على مضض و أما سعيد بن قيس فتارة هكذا وتارة هكذا.

562 - قال: ذكروا أن الناس ماجوا وقالوا: أكلتنا الحرب وقتلت الرجال و قال قوم: نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس و لم يقل هذا إلا قليل من الناس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة وثارت الجماعة بالموادعة. فقام علي أمير المؤمنين فقال:

إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب و قد و الله أخذت منكم وتركت وأخذت من عدوكم فلم تترك و إنها فيهم أنكى و أنهك ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا و كنت ناهيا فأصبحت منهيا وقد أحببتم البقاء و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون.

ثم قعد ثم تكلم رؤساء القبائل فأما من ربيعة و هي الجبهة العظمى فقام كردوس بن هانئ البكري فقال: أيها الناس إنا و الله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه و لا تبرأنا من علي منذ توليناه و إن قتلانا لشهداء و إن أحياءنا لأبرار و إن عليا لعلى بينة من ربه ما أحدث إلا الإنصاف و كل محق منصف فمن سلم له نجا و من خالفه هلك.

ص: 432

ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال: أيها الناس إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه وإنهم دعونا إلى كتاب الله فإن رددناه عليهم حل لهم منا ما حل لنا منهم و لسنا نخاف أن يحيف الله علينا ولا رسوله و إن عليا ليس بالراجع الناكص و لا الشاك الواقف و هو اليوم على ما كان عليه أمس و قد أكلتنا هذه الحرب ولا نرى البقاء إلا في الموادعة.

ثم قام حريث بن جابر البكري فقال: أيها الناس إن عليا لو كان خلفا من هذا الأمر لكان المفزع إليه فكيف وهو قائده و سائقه وإنه والله ما قبل من القوم اليوم إلا ما دعاهم إليه أمس و لو رده عليهم كنتم له أعنت. و لا يلحد في هذا الأمر إلا راجع على عقبيه أو مستدرج بغرور فما بيننا و بين من طغى علينا إلا السيف.

ثم قام خالد بن المعمر فقال: يا أمير المؤمنين إنا و الله ما اخترنا هذا المقام أن يكون أحد هو أولى به منا غير أنا جعلناه ذخرا و قلنا أحب الأمور إلينا ما كفينا مؤنته فأما إذ سبقنا في المقام فإنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك إليه القوم إن رأيت ذلك فإن لم تره فرأيك أفضل.

إن الحضين الربعي و هو أصغر القوم سنا قام فقال: أيها الناس إنما بني هذا الدين على التسليم فلا توفروه بالقياس و لا تهدموه بالشفقة فإنا و الله لو لا أنا لا نقبل إلا ما نعرف لأصبح الحق في أيدينا قليلا و لو تركنا ما نهوى لكان الباطل فى أيدينا كثيرا و إن لنا داعيا قد حمدنا ورده و صدره و هو المصدق على ما قال المأمون على ما فعل فإن قال: لا قلنا: لا وإن قال: نعم قلنا: نعم.

فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى مصقلة بن هبيرة فقال: يا مصقلة ما لقيت

ص: 433

من أحد ما لقيت من ربيعة قال ما هم منك بأبعد من غيرهم و أنا باعث إليهم فيما صنعوا فبعث مصقلة إلى الربعيين فقال:

لن يهلك القوم أن تبدي نصيحتهم *** إلا شقيق أخو ذهل و كردوس

و ابن المعمر لا تنفك خطبته *** فيها البيان و أمر القوم ملبوس

أما حريث فإن الله ضلله *** إذ قام معترضا و المرء كردوس

طأطأ حضين هنا في فتنة جمحت *** إن ابن وعلة فيها كان محسوس

منوا علينا و مناهم و قال لهم *** قولا يهيج له البزل القناعيس

كل القبائل قد أدى نصيحته *** إلا ربيعة زعم القوم محبوس.

و قال النجاشي:

إن الأراقم لا يغشاهم بوس *** ما دافع الله عن حوباء كردوس

نمته من تغلب الغلبا فوارسها *** تلك الرءوس و أبناء المرائيس

ما بال كل أمير يستراب به *** دين صحيح و رأي غير ملبوس

والى عليا بغدر بذ منه إذا *** ما صرح الغدر عن رد الضغابيس

نعم النصير لأهل الحق قد علمت *** عليا معد على أنصار إبليس

قل للذين ترقوا في تعنته *** إن البكارة ليست كالقناعيس

لن تدركوا الدهر كردوسا و أسرته *** أبناء ثعلبة الحادى و ذو العيس

و :قال فيها قال خالد بن المعمر:

وفت لعلي من ربيعة عصبة *** بصم العوالي و الصفيح المذكر

شقیق و کردوس ابن سید تغلب *** وقد قام فيها خالد بن المعمر

و قارع بالشوری حریث بن جابر *** و فاز بها لو لا حضين بن منذر

لأن حضينا قام فينا بخطبة *** من الحق فيها ميتة المتجبر

أمرنا بمر الحق حتى كأننا *** خشاش تفادى من قطام بقرقر

ص: 434

و كان أبوه خير بكر بن وائل *** إذا خيف من يوم أغر مشهر

نماه إلى عليا عكابة عصبة *** و آب أبي للدنية أزهر

و قال الصلتان:

شقيق بن ثور قام فينا بخطبة *** يحدثها الركبان أهل المشاعر

بمالم يقف فينا خطيب بمثلها *** جزى الله خيرا من خطيب وناصر

و قد قام فينا خالد بن معمر *** و کردوس الحامي ذمار العشائر

بمثل الذي جاءا به حذو نعله *** وقد بين الشورى حريث بن جابر

فلا يبعدنك الدهر ما هبت الصبا *** ولا زلت مسقيا بأسحم ماطر

و لا زلت تدعى في ربيعة أولا *** باسمك في أخرى الليالي الغوابر

و قال حريث بن جابر:

أتى نبأ من الأنباء ينمي *** وقد يشفي من الخبر الخبير.

قال: فلما ظهر قول حضين رمته بكر بن وائل بالعداوة ثم إن عليا أصلح بينهم.

و قال رفاعة بن شداد البجلي أيها الناس إنه لا يفوتنا شيء من حقنا و قد دعونا في آخر أمرنا إلى ما دعوناهم إليه في أوله وقد قبلوه من حيث لا يعقلون فإن يتم الأمر على ما نريد فبعد بلاء و قتل و إلا أثرناها جذعة و قد رجع إليه جدنا و قال في ذلك:

تطاول ليلي للهموم الحواضر *** وقتلى أصيبت من رءوس المعاشر

بصفين أمست و الحوادث جمة *** يهيل عليها الترب ذيل الأعاصر

فإنهم في ملتقى الخيل بكرة *** وقد جالت الأبطال دون المساعر

فإن يك أهل الشام نالوا سراتنا *** فقد نيل منهم مثل جزرة جازر

و قام سجال الدمع منا ومنهم *** يبكين قتلي غير ذات مقابر

ص: 435

فلن يستقيل القوم ما كان بيننا *** وبينهم أخرى الليالي الغوابر

و ما ذا علينا أن تريح نفوسنا *** إلى سنة من بيضنا و المغافر

و من نصبنا وسط العجاج جباهنا *** لوقع السيوف المرهفات البواتر

و طعن إذا نادى المنادي أن اركبوا *** صدور المذاكي بالرماح الشواجر

أثرنا التي كانت بصفين بكرة *** و لم نك في تسعيرها بعواثر

فإن حكما بالحق كانت سلامة *** ورأي وقانا منه من شؤم ثائر

563 - في حديث عمر بن سعد قال: لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قال علي علیه السّلام: عباد الله إنى أحق من أجاب إلى كتاب الله و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهم أطفالا و صحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال و شر رجال إنها كلمة حق يراد بها باطل.

إنهم و الله ما رفعوها إنهم يعرفونها و يعملون بها و لكنها الخديعة و الوهن و المكيدة أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه و لم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا فجاءه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم و قد اسودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي و زيد بن حصين و عصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد.

فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم فقال لهم ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله و أول من أجاب إليه و ليس يحل لي و لا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله إني إنما أقاتلهم

ص: 436

ليدينوا بحكم القرآن.

فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده و نبذوا كتابه و لكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم و أنهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتيك وقد كان الأشتر صبيحة ليل الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله.

564- نصر فحدثني فضيل بن خديج عن رجل من النخع قال: رأيت إبراهيم بن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير فسأله عن الحال كيف كانت؟ فقال: كنت عند علي حين بعث إلى الأشتر أن يأتيه وقد كان الأشتر أشرف على معسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي يزيد بن هانئ أن ائتني فأتاه فبلغه فقال الأشتر : ائته فقل له: ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي.

إني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني فرجع يزيد بن هانئ إلى علي فأخبره فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج و علت الأصوات من قبل الأشتر و ظهرت دلائل الفتح و النصر لأهل العراق و دلائل الخذلان و الإدبار على أهل الشام فقال له القوم: و الله ما نراك إلا أمرته بقتال القوم قال: أرأيتموني ساررت رسولي إليه؟

أليس إنما كلمته على رءوسكم علانية و أنتم تسمعون؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلا فو الله اعتزلناك قال: ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره فقال له الأشتر: ألرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم قال:

أما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافا و فرقة إنها من مشورة ابن النابغة يعني عمرو بن العاص قال: ثم قال ليزيد: ويحك ألا ترى

ص: 437

إلى ما يلقون ألا ترى إلى الذي يصنع الله لنا أيبتغي أن ندع هذا و تنصرف عنه ؟ فقال له :يزيد أتحب أنك ظفرت هاهنا و أن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه و يسلم إلى عدوه؟!

قال: سبحان الله لا و الله ما أحب ذلك قال: فإنهم قالوا: لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك قال: فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح فقال: يا أهل الذل و الوهن أحين علوتم القوم فظنوا أنكم لهم قاهرون و رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها؟

و قد و الله تركوا ما أمر الله به فيها و سنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فإني قد أحسست بالفتح قالوا: لا قال: فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر قالوا: إذن ندخل معك في خطيئتك قال: فحدثوني عنكم وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم متى كنتم محقين أحين كنتم تقتلون أهل الشام.

فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون؟ فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم و كانوا خيرا منكم في النار قالوا: دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا قال خدعتم و الله فانخدعتم و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم.

يا أصحاب الجباه السود كنا نظن أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت. ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم براءين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون فسبوه و سبهم و ضربوا بسیاطهم وجه دابسته و ضرب بسوطه وجوه

ص: 438

دوابهم.

فصاح بهم علي فكفوا و قال الأشتر: يا أمير المؤمنين احمل الصف على الصف يصرع القوم فتصايحوا أن عليا أمير المؤمنين قد قبل الحكومة و رضي بحكم القرآن ولم يسعه إلا ذلك. قال الأشتر : إن كان أمير المؤمنين قد قبل و رضي بحكم القرآن فقد رضيت بما رضي أمير المؤمنين.

فأقبل الناس يقولون: قد رضي أمير المؤمنين قد قبل أمير المؤمنين و هو ساكت لا يبض بكلمة مطرق إلى الأرض. و قال أبو محمد نافع بن الأسود التميمي:

ألا أبلغا عني عليا تحية *** فقد قبل الصماء لما استقلت

بنى قبة الإسلام بعد انهدامها *** و قامت عليه قصره فاستقرت

كأن نبيا جاءنا حين هدمها *** بما سن فيها بعد ما قد أبرت

بماسن قال: و لما صدر علي من صفين أنشأ يقول:

و كم قد تركنا في دمشق وأرضها *** من أشمط موتور و شمطاء تثاكل

و عانية صاد الرماح حليلها *** فأضحت تعد اليوم إحدى الأرامل

تبكي على بعل لها راح غاديا *** فليس إلى يوم الحساب بقافل

و إنا أناس ما تصيب رماحنا *** إذا ما طعنا القوم غير المقاتل

565 - قال : وقال الناس قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا و بينهم حكما و بعث معاوية أبا الأعور السلمي على برذون أبيض فسار بين الصفين صف أهل العراق وصف أهل الشام و المصحف على رأسه و هو يقول كتاب الله بيننا و بينكم فأرسل معاوية إلى علي أن الأمر قد طال بيننا و بينك و كل واحد منا يرى أنه على الحق فيما يطلب من صاحبه.

و لن يعطي واحد منا الطاعة للآخر وقد قتل فيما بيننا بشر كثير و أنا

ص: 439

أتخوف أن يكون ما بقى أشد مما مضى و إنا سوف نسأل عن ذلك الموطن و لا يحاسب به غيري و غيرك فهل لك في أمر لنا و لك فيه حياة و عذر و براءة وصلاح للأمة و حقن للدماء و ألفة للدين و ذهاب للضغائن و الفتن أن يحكم بيننا و بينك حكمان رضيان.

أحدهما من أصحابي و الآخر من أصحابك فيحكمان بما في كتاب الله بيننا فإنه خير لي و لك و أقطع لهذه الفتن فاتق الله فيما دعيت له و ارض بحكم القرآن إن كنت من أهله و السلام.

فكتب إليه علي بن أبي طالب من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أفضل ما شغل به المرء نفسه اتباع ما يحسن به فعله و يستوجب فضله و يسلم من عيبه و إن البغي و الزور يزريان بالمرء في دينه و دنیاه و يبديان من خلله عند من يغنيه ما استرعاه الله ما لا يغني عنه تدبيره.

فاحذر الدنيا فإنه لا فرح في شيء وصلت إليه منها. و لقد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته و قد رام قوم أمرا بغير الحق فتأولوا على الله تعالى فأكذبهم و متعهم قليلا ثم اضطرهم «إلى عَذَابٍ غَلِيظ» فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله و يندم فيه من أمكن الشيطان من قیاده و لم يحاده فغرته الدنيا واطمأن إليها.

ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن و لقد علمت أنك لست من أهل القرآن و لست حکمه تريد و الله المُسْتَعَانُ» و قد أجبنا القرآن إلى حكمه و لسنا إياك أجبنا و من لم يرض بحكم «فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيداً».

566- قال أبو الفضل نصر بن مزاحم:

عن عمر بن سعد عن رجل عن شقيق بن سلمة قال: جاءت عصابة

ص: 440

من القراء قد سلوا سيوفهم واضعيها على عواتقهم فقالوا: يا أمير المؤمنين ما تنتظر بهؤلاء القوم أن نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا و بينهم بالحق فقال لهم علي قد جعلنا حكم القرآن بيننا و بينهم و لا يحل قتالهم حتى ننظر بم يحكم القرآن.

قال وكتب معاوية إلى علي أما بعد عافانا الله و إياك فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا و ألفة بيننا و قد فعلت و أنا أعرف حقي و لكن اشتريت بالعفو صلاح الأمة و لا أكثر فرحا بشيء جاء و لا ذهب و إنما أدخلني في هذا الأمر القيام بالحق فيما بين الباغي و المبغي عليه و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فدعوت إلى كتاب الله فيما بيننا وبينك فإنه لا يجمعنا و إياك إلا هو نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أمات القرآن و السلام.

و كتب على إلى عمرو بن العاص يعظه و يرشده: :شده أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها و لم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة و لن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغه و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبط أبا عبد الله أجرك و لا تجار معاوية في باطله.

فأجابه عمرو عمرو بن العاص أما بعد فإن ما فيه صلاحنا و ألفتنا الإنابة إلى الحق و قد جعلنا القرآن حكما بيننا فأجبنا إليه وصبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن و عذره الناس بعد المحاجزة و السلام.

فكتب إليه علي أما بعد فإن الذي أعجبك من الدنيا مما نازعتك إليه نفسك و وثقت به منها لمنقلب عنك و مفارق لك فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة و لو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقي و انتفعت بما وعظت به و السلام.

ص: 441

فأجابه عمرو: أما بعد فقد أنصف من جعل القرآن إماما ودعا الناس إلى أحكامه فاصبر أبا حسن و أنا غير منيلك إلا ما أنالك القرآن. و جاء الأشعث بن قيس إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين ما أرى الناس إلا و قد رضوا و سرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن.

فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد و نظرت ما الذي يسأل. قال: ائته إن شئت فأتاه فسأله فقال: يا معاوية لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال: لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر الله به في كتابه فابعثوا منكم رجلا ترضون به و نبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه.

فقال الأشعث: هذا هو الحق فانصرف إلى علي فأخبره بالذي قال: و قال الناس قد رضينا و قبلنا فبعث علي قراء من أهل العراق و بعث معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف فنظروا فيه و تدارسوه و أجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن و أن يميتوا ما أمات القرآن.

ثم رجع كل فريق إلى أصحابه و قال الناس قد رضينا بحكم القرآن فقال أهل الشام فإنا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص و قال الأشعث و القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد: فإنا قد رضينا و اخترنا أبا موسى الأشعري-

فقال لهم علي: إني لا أرضى بأبي موسى و لا أرى أن أوليه فقال الأشعث و زيد بن حصين و مسعر بن فدكي في عصابة من القراء -: إنا لا نرضى إلا به فإنه قد حذرنا ما وقعنا فيه قال علي علیه السّلام: فإنه ليس لي برضا و قد فارقني و خذل الناس عني.

ثم هرب حتى أمنته بعد أشهر و لكن هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا:

ص: 442

و الله ما نبالي أكنت أنت أو ابن عباس و لا نريد إلا رجلا هو منك و من معاوية سواء و ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر قال على علیه السّلام: فإني أجعل الأشتر.

567 - قال نصر: قال عمرو فحدثني أبو جناب قال: قال الأشعث و هل سعر الأرض علينا غير الأشتر؟ و هل نحن إلا في حكم الأشتر ؟ قال له علي و ما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما أردت و ما أراد.

568 - نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي علیهماالسّلام قال : لما أراد الناس عليا على أن يضع حكمين قال لهم علي: إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو ابن العاص و إنه لا يصلح للقرشي إلا مثله فعليكم بعبد الله بن عباس فارموه به.

فإن عمرا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله و لا يحل عقدة إلا عقدها و لا يبرم أمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلا أبرمه فقال الأشعث: لا و الله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة و لكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر.

فقال علي علیه السّلام : إني أخاف أن يخدع يمنيكم فإن عمرا ليس من الله في شيء إذا كان له في أمر هوى فقال الأشعث: والله لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما و هما مضریان و ذكر الشعبي مثل ذلك.

569- عنه قال: في حديث عمر قال: قال علي علیه السّلام : قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم قال: فاصنعوا ما أردتم فبعثوا إلى أبي موسى و قد اعتزل

ص: 443

بأرض من أرض الشام يقال لها عرض و اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال: إن الناس قد اصطلحوا قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ» قال: و قد جعلوك حكما قال: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».

فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر على وجاء الأشتر حتى أتى عليا فقال له: يا أمير المؤمنين ألزني بعمرو بن العاص فو الله الذي لا إله غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه قال: وجاء الأحنف بن قيس التميمي فقال: يا أمير المؤمنين إنك قد رميت بحجر الأرض و من حارب الله و رسوله أنف الإسلام.

و إني قد عجمت هذا الرجل يعني أبا موسی و حلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر و إنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم و يتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم فإن تجعلني حكما فاجعلني و إن أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا أو ثالثا.

فإنه لا يعقد عقدة إلا حللتها و لن يحل عقدة إلا عقدتها و عقدت لك أخرى أشد منها فعرض ذلك على الناس فأبوه و قالوا: لا يكون إلا أبا موسی.

570- نصر و في حديث عمر :قال قام الأحنف بن قيس إلى علي فقال: يا أمير المؤمنين إني خيرتك يوم الجمل أن آتيك فيمن أطاعني و أكف عنك بني سعد فقلت: كف قومك فكفى بكفك نصيرا فأقمت بأمرك و إن عبد الله بن قيس رجل قد حلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المدية و هو رجل يمان و قومه مع معاوية.

و قد رميت بحجر الأرض و بمن حارب الله و رسوله و إن صاحب القوم من ينأى حتى يكون مع النجم و يدنو حتى يكون في أكفهم فابعثني و

ص: 444

والله لا يحل عقدة إلا عقدت لك أشد منها فإن قلت: إني لست من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله.

فابعث رجلا من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله غير عبد الله بن قيس و ابعثني معه. فقال علي: إن القوم أتوني بعبد الله بن قيس مبرنسا فقالوا: ابعث هذا فقد رضينا به و الله بالغ أمره.

571- ذكروا أن ابن الكواء قام إلى علي الله فقال: هذا عبد الله بن قيس وافد أهل اليمن إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و صاحب مقاسم أبي بكر و عامل عمر و قد رضي به القوم و عرضنا على القوم عبد الله بن عباس فزعموا أنه قريب القرابة منك ظنون في أمرك.

فبلغ ذلك أهل الشام فبعث أيمن بن خريم الأسدي و هو معتزل لمعاوية هذه الأبيات و كان هواه أن يكون هذا الأمر لأهل العراق فقال:

لو كان للقوم رأي يعصمون به *** من الضلال رموكم بابن عباس

لله در أبيه أيما رجل *** ما مثله لفصال الخطب في الناس

لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن *** لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس

أن يخل عمرو به يقذفه في لجج *** يهوي به النجم تيسا بين أتياس

أبلغ لديك عليا غير عاتبه *** قول امرئ لا يرى بالحق من بأس

ما الأشعري بمأمون أبا حسن *** فاعلم هديت وليس العجز كالرأس

فاصدم بصاحبك الأدنى زعيمهم *** إن ابن عمك عباس هو الآسي.

قال فلما بلغ الناس قول أيمن طارت أهواء قوم من أولياء علي علیه السّلام و شيعته إلى عبد الله بن عباس و أبت القراء إلا أبا موسى.

572- في حديث عمر بن سعد قال: قال بسر بن أرطاة: لقد رضي

ص: 445

معاوية بهذه المدة و لئن أطاعني لينقصن هذه المدة. قال أيمن بن خريم بن فاتك و كان قد اعتزل عليا و معاوية ثم قارب أهل الشام و لم يبسط يدا:

أما و الذي أرسى ثبيرا مكانه *** وأنزل ذا الفرقان في ليلة القدر

لئن عطفت خيل العراق عليكم *** والله لا للناس عاقبة الأمر

تقحمها قدما عدي بن حاتم *** والأشتر يهدي الخيل في وضح الفجر

و طاعنكم فيها شريح بن هانئ *** و زحر بن قيس بالمثقفة السمر

و شمر فيها الأشعث اليوم ذيله *** تشبهه بالحارث بن أبي شمر

لتعرفه يا بسر يوما عصبصبا *** يحرم أطهار النساء من الذعر

يشيب وليد الحي قبل مشيبه *** وفي بعض ما أعطوك راغية البكر

وعهدك يا بسر بن أرطاة والقنا *** رواء من أهل الشام أظماؤها تجري

و عمرو بن سفيان على شر آلة *** بمعترك حام أحر من الجمر.

قال: فلما سمع القوم الذين كرهوا المدة قول أيمن بن خريم كفوا عن الحرب و كان أيمن رجلا عابدا مجتهدا قد كان معاوية جعل له فلسطين على أن يتابعه ويشايعه على قتال علي علیه السّلام فبعث إليه أيمن:

و لست مقاتلا رجلا يصلي *** على سلطان آخر من قريش

له سلطانه و علي إثمي *** معاذ الله من سفه و طيش

أ أقتل مسلما في غير جرم *** فليس بنافعي ما عشت عيشي.

قال: و بعث بسر إلى أهل الشام أما و الله إن من رأيي أن دفعتم هذه الموادعة أن ألحق بأهل العراق فأكون يدا من أيديها عليكم و ما كففت عن الجمعين إلا طلبا للسلامة قال معاوية: يا بسر أتريد أن تمن علينا بخير؟ قال: فرضي أهل الشام ببعث الحكمين فلما رضي أهل الشام بعمرو بن العاص و رضي أهل العراق بأبي موسى أخذوا في كتاب الموادعة و رضوا

ص: 446

بالحكم حكم القرآن.

573- نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن زيد بن حسن قال عمرو قال جابر: سمعت زید بن حسن و ذكر كتاب الحكمين فزاد فيه شيئا على ما ذكره محمد بن علي الشعبي في كثرة الشهود و في زيادة في الحروف و نقصان أملاها علي علیه السّلام من كتاب عنده فقال:

هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان و شيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلّی الله علیه و آله قضية علي على أهل العراق و من كان من شيعته من شاهد أو غائب و قضية معاوية على أهل الشام و من كان من شيعته من شاهد أو غائب.

إنا رضينا أن ننزل عند حكم القرآن فيها حكم و أن نقف عند أمره فيما أمر و إنه لا يجمع بيننا إلا ذلك و إنا جعلنا كتاب الله فيما بيننا حكما فيما اختلفنا فيه من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا و نميت ما أمات على ذلك تقاضيا و به تراضيا و إن عليا و شيعته رضوا أن يبعثوا عبد الله بن قيس ناظرا و محاكما.

و رضي معاوية و شيعته أن يبعثوا عمرو بن العاص ناظرا و محاكمها على أنهما أخذوا عليهما عهد الله و ميثاقه و أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه ليتخذان الكتاب إماما فيما بعثا له لا يعدوانه إلى غيره في الحكم بما وجداه فيه مسطورا و ما لم يجداه مسمى في الكتاب رداه إلى سنة رسول الله صلّی الله علیه و آله الجامعة لا يتعمدان لهما خلافا و لا يتبعان فى ذلك لهما هوى و لا يدخلان في شبهة.

و أخذ عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص على علي و معاوية عهد الله و ميثاقه بالرضا بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه صلّی الله علیه و آله و ليس لها

ص: 447

أن ينقضا ذلك و لا يخالفاه إلى غيره و إنهما آمنان في حكومتهما على دمائهما و أموالهما و أهلهما ما لم يعدوا الحق رضي بذلك راض أو أنكره منكر و إن الأمة أنصار لهما على ما قضيا به من العدل.

فإن توفي أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته و أصحابه يختارون مكانه رجلا لا يألون عن أهل المعدلة و الإقساط على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق و الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلّی الله علیه و آله و له مثل شرط صاحبه و إن مات أحد الأميرين قبل القضاء فلشيعته أن يولوا مكانه رجلا يرضون عدله.

و قد وقعت القضية و معها الأمن و التفاوض و وضع السلاح و السلام و الموادعة و على الحكمين عهد الله و ميثاقه ألا يألوا اجتهادا و لا يتعمدا جورا و لا يدخلا في شبهة و لا يعدوا حكم الكتاب و سنة رسول الله صلّی الله علیه و آله فإن لم يفعلا برئت الأمة سقط من كتاب ابن عقبة من حكمها و لا عهد لهما و لا ذمة.

و قد وجبت القضية على ما قد سمي في هذا الكتاب من مواقع الشروط على الأميرين و الحكمين و الفريقين و الله أقرب شهيدا و أدنى حفيظا و الناس آمنون على أنفسهم و أهليهم و أموالهم إلى انقضاء مدة الأجل و السلاح موضوع و السبل مخلاة و الغائب و الشاهد من الفريقين سواء في الأمن.

و للحكمين أن ينزلا منزلا عدلا بين أهل العراق و أهل الشام و لا يحضرهما فيه إلا من أحبا عن ملا منها وتراض. و إن المسلمين قد أجلوا القاضيين إلى انسلاخ رمضان فإن رأى الحكمان تعجيل الحكومة فيما وجها له عجلاها و إن أرادا تأخيرها بعد رمضان إلى انقضاء الموسم.

ص: 448

فإن ذلك إليهما فإن هما لم يحكما بكتاب الله وسنة نبيه صلّی الله علیه و آله إلى انقضاء الموسم فالمسلمون على أمرهم الأول في الحرب ولا شرط بين واحد من الفريقين و على الأمة عهد الله و ميثاقه على التمام و الوفاء بما في هذا الكتاب و هم يد على من أراد فيه الحادا و ظلما أو حاول له نقضا .

و شهد بما في الكتاب من أصحاب علي عبد الله بن عباس و الأشعث بن قيس و الأشتر مالك بن الحارث و سعيد بن قيس الهمداني و الحصين و الطفيل ابنا الحارث بن المطلب و أبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري و خباب بن الأرت و سهل بن حنيف و أبو اليسر بن عمرو الأنصاري و رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري.

و عوف بن الحارث بن المطلب القرشي و بريدة الأسلمي و عقبة بن عامر الجهني و رافع بن خديج الأنصاري و عمرو بن الحمق الخزاعي و الحسن و الحسين ابنا علي و عبد الله بن جعفر الهاشمي و النعمان بن عجلان الأنصاري.

و حجر بن عدي الكندي و ورقاء بن مالك بن كعب الهمداني و ربيعة بن شرحبيل و أبو صفرة بن يزيد و الحارث بن مالك الهمداني و حجر بن يزيد و عقبة بن حجية (إلى هنا السقط).

و من أصحاب معاوية حبيب بن مسلمة الفهري و أبو الأعور بن سفيان السلمي و بسر بن أرطاة القرشي و معاوية بن خديج الكندي و المخارق بن الحارث الحميري و رعبل بن عمرو السكسكي و عبد الرحمن ابن خالد المخزومي و حمزة بن مالك الهمداني و سبيع بن يزيد الهمداني.

و يزيد بن الحر الثقفي و مسروق بن حرملة العكي و نمير بن يزيد الله الحميري و عبد بن عمرو بن العاص و علقمة بن يزيد الكلبي و خالد

ص: 449

بن المعرض السكسكي و علقمة بن يزيد الجرمي و عبد الله بن عامر القرشي و مروان بن الحكم و الوليد بن عقبة القرشي و عتبة بن أبي سفيان و محمد بن أبي سفيان و محمد بن عمرو بن العاص.

و يزيد بن عمر الجذامي و عمار بن الأحوص الكلبي و مسعدة بن عمرو التجيبي و الحارث بن زياد القيني و عاصم بن المنتشر الجذامي و عبد الرحمن بن ذي الكلاع الحميري و القباح بن جلهمة الحميري و ثمامة بن حوشب و علقمة بن حكيم و حمزة بن مالك و إن بيننا على ما في هذه الصحيفة عهد الله و ميثاقه و كتب عمر يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع و ثلاثين.

574 - قال نصر و في كتاب عمر بن سعد هذا ما تقاضى عليه على أمير المؤمنين فقال معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته. و قال عمرو: اكتب اسمه واسم أبيه إنما هو أميركم و أما أميرنا فلا فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه فقال الأحنف: لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك.

فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا لا تمحها و إن قتل الناس بعضهم بعضا فأبى مليا من النهار أن يمحوها ثم إن الأشعث بن قيس جاء فقال: امح هذا الاسم فقال علي لا إله إلا الله و الله أكبر سنة بسنة أما والله لعلى يدي دار هذا يوم الحديبية حين كتبت الكتاب عن رسول الله صلّی الله علیه و آله.

هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سهيل بن عمرو فقال سهيل: لا أجيبك إلى كتاب تسمي فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله و لو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك إني إذا ظلمتك إن منعتك أن تطوف ببيت الله و أنت رسول الله و لكن اكتب محمد بن عبد الله أحبك فقال محمد صلّی الله علیه و آله:

يا علي إني لرسول الله و إني لمحمد بن عبد الله و لن يمحو عني الرسالة

ص: 450

كتابي إليهم من محمد بن عبد الله فاكتب محمد بن عبد الله فراجعني المشركون في هذا إلى مدة فاليوم أكتبها إلى أبنائهم كما كتبها رسول الله صلّی الله علیه و آله إلى آبائهم سنة و مثلا فقال عمرو بن العاص سبحان الله و مثل هذا شبهتنا بالكفار و نحن مؤمنون فقال له علي:

يا ابن النابغة و متى لم تكن للكافرين وليا و للمسلمين عدوا و هل تشبه إلا أمك التي وضعت بك؟ فقام عمرو فقال: و الله لا يجمع بيني و بينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم فقال علي: والله إني لأرجو أن يظهر الله عليك و على أصحابك.

قال و جاءت عصابة قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم فقالوا: يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت فقال لهم ابن حنيف: أيها الناس اتهموا رأيكم فو الله لقد كنا مع رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم الحديبية و لو نرى قتالا لقاتلنا وذلك في الصلح الذي صالح عليه النبي صلّی الله علیه و آله.

575 - نصر عن عمر بن سعد عن محمد بن إسحاق عن بريدة الأسلمي يعني ابن سفيان عن محمد بن كعب القرظي عن علقمة بن قيس النخعي قال: لما كتب علي الصلح يوم صالح معاوية فدعا الأشتر ليكتب قال قائل: اكتب بينك و بين معاوية فقال : إني والله لأنا كتبت الكتاب بيدي يوم الحديبية و كتبت.

«بسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فقال سهيل: لا أرضى اكتب باسمك اللهم فكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك قال علي علیه السّلام : فغضبت فقلت: بلى و الله إنه لرسول الله و إن رغم أنفك فقال رسول الله صلّی الله علیه و آله: اكتب ما يأمرك إن لك مثلها ستعطيها و أنت مضطهد.

ص: 451

576- نصر عن عمر بن سعد قال حدثني أبو إسحاق الشيباني قال قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء عليها خاتمان خاتم من أسفلها و خاتم من أعلاها و في خاتم علي محمد رسول الله و في خاتم معاوية محمد رسول الله - فقيل لعلي حين أراد أن يكتب الكتاب بينه و بين معاوية و أهل الشام.

أتقر أنهم مؤمنون مسلمون فقال علي ما أقر لمعاوية و لا لأصحابه أنهم مؤمنون و لا مسلمون و لكن يكتب معاوية ما شاء و يقر بما شاء لنفسه و أصحابه و يسمي نفسه وأصحابه ما شاء فكتبوا

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان قاضى علي بن أبي طالب على أهل العراق و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين و قاضى معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين إنا ننزل عند حكم الله وكتابه و ألا يجمع بيننا إلا إياه.

و أن كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أمات القرآن فما وجد الحكمان في كتاب الله بيننا وبينكم فإنهما يتبعانه و ما لم يجداه في كتاب الله أخذا بالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة و الحكمان عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص.

و أخذنا عليهما عهد الله و ميثاقه ليقضيا بما وجدا في كتاب الله فإن لم يجدا في كتاب الله فالسنة الجامعة غير المفرقة و أخذ الحكمان من علي و معاوية و من الجندين مما هما عليه من أمر الناس بما يرضيان به من العهد و الميثاق و الثقة من الناس أنها آمنان على أموالهما وأهليهما و الأمة لهما أنصار على الذي يقضيان به عليهما.

ص: 452

و على المؤمنين و المسلمين من الطائفتين كلتيها عهد الله أنا على ما في هذه الصحيفة و لنقومن عليه و إنا عليه لأنصار و إنها قد وجبت القضية بين المؤمنين بالأمن والاستقامة و وضع السلاح أينما ساروا على أنفسهم و أموالهم و أهليهم و أرضيهم و شاهدهم و غائبهم و على عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص عهد الله و ميثاقه ليحكمان بين الأمة بالحق.

و لا يردانها في فرقة ولا بحرب حتى يقضيا و أجل القضية إلى شهر رمضان فإن أحبا أن يعجلا عجلا و إن توفي واحد من الحكمين فإن أمير شيعته يختار مكانه رجلا لا يألو عن المعدلة و القسط و إن ميعاد قضائهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الشام وأهل الكوفة.

فإن رضيا مكانا غيره فحيث رضيا لا يحضرهما فيه إلا من أرادا و أن يأخذ الحكمان من شاءا من الشهود ثم يكتبوا شهادتهم على ما في الصحيفة و نحن براء من حكم بغير ما أنزل الله اللهم إنا نستعينك على من ترك ما في هذه الصحيفة و أراد فيها إلحادا و ظلما.

و شهد على ما في الصحيفة عبد الله بن عباس و الأشعث بن قيس و سعيد بن قيس و ورقاء بن سمي و عبد الله بن الطفيل و حجر بن يزيد و عبد الله بن جمل و عقبة بن جارية و يزيد بن حجية و أبو الأعور السلمي و حبيب بن مسلمة و المخارق بن الحارث و زمل بن عمرو و حمزة بن مالك و عبد الرحمن بن خالد و سبیع بن یزید و علقمة بن مرثد و عتبة بن أبي سفيان و يزيد بن الحر وكتب عميرة يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين.

و اتعد الحكمان أذرح و أن يجيء علي بأربعمائة من أصحابه و يجيء معاوية بأربعمائة من أصحابه فيشهدون الحكومة.

ص: 453

577- نصر عن عمر بن سعد قال أبو جناب عن عمارة بن ربيعة الجرمي قال لما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر فقال لا صحبتني يميني و لا نفعتني بعدها الشمال إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح و لا .موادعة. أو لست على بينة من ربي و يقين من ضلالة عدوي أو لستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور.

فقال له رجل من الناس إنك و الله ما رأيت ظفرا و لا خورا هلم فاشهد على نفسك و أقرر بما كتب في هذه الصحيفة فإنه لا رغبة بك عن الناس قال بلى و الله إن بي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا و في الآخرة للآخرة و لقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي و و لا أحرم دما.

فقال عمار بن ربيعة فنظرت إلى ذلك الرجل و كأنما قصع على أنفه الحمم و هو الأشعث بن قيس ثم قال ولكن قد رضيت بما صنع علي أمير المؤمنين و دخلت فيما دخل فيه وخرجت مما خرج منه فإنه لا يدخل إلا في هدى وصواب.

578- نصر عن عمر عن أبي جناب عن إسماعيل بن سميع عن شقيق بن سلمة و غيره أن الأشعث خرج في الناس بذلك الكتاب يقرؤه على الناس و يعرضه عليهم و يمر به على صفوف أهل الشام و راياتهم فرضوا بذلك ثم مر به على صفوف أهل العراق و راياتهم يعرضه عليهم حتى مر برايات عنزة و كان مع علي علیه السّلام من عنزة بصفين أربعة آلاف مجفف.

فلما مر بهم الأشعث فقرأه عليهم قال فتيان منهم: لا حكم إلا لله ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية و هما أول من حكم و اسماهما معدان و جعد إخوان ثم مر بها على مراد فقال

ص: 454

صالح بن شقيق و كان من رؤسائهم:

ما لعلي في الدماء قد حكم *** لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم.

لا حكم إلا لله «وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» ثم مر على رايات بني راسب فقرأها عليهم فقالوا: لا حكم إلا لله لا نرضى و لا نحكم الرجال في دين الله. ثم مر على رايات بني تميم فقرأها عليهم فقال رجل منهم: لا حكم إلا لله يقضي بالحق «وَ هُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ» فقال رجل منهم لآخر:

أما هذا فقد طعن طعنة نافذة و خرج عروة بن أدية أخو مرداس بن أدية التميمي قال : أتحكمون الرجال في أمر الله ؟ لا حكم إلا لله فأين قتلانا يا أشعث ثم . بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه و ضرب به عجز دابته ضربة خفيفة فاندفع به الدابة وصاح به الناس: أن أمسك يدك.

فكف و رجع الأشعث إلى قومه فأتاه ناس كثير من أهل اليمن فمشى إليه الأحنف بن قيس و معقل بن قیس و معسر بن فدكي و رجال من بني تميم فتنصلوا إليه و اعتذروا فقبل منهم الأشعث فتركهم و انطلق إلى علي علیه السّلام فقال : يا أمير المؤمنين قد عرضت الحكومة على صفوف أهل الشام و أهل العراق.

فقالوا جميعا: قد رضينا حتى مررت برایات بني راسب و نبذ من الناس سواهم فقالوا: لا نرضى لا حكم إلا لله فلنحمل بأهل العراق و أهل الشام عليهم فنقتلهم فقال علي علیه السّلام : هل هي غير راية أو رايتين ونبذ من الناس؟ قال: بلى قال: دعهم.

قال: فظن علي علیه السّلام أنهم قليلون لا يعبأ بهم فما راعه إلا نداء الناس من كل جهة و في كل ناحية لا حكم إلا لله الحكم الله يا على لا لك لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين الله إن الله قد أمضى حكمه في معاوية و أصحابه

ص: 455

أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم و قد كانت منا زلة حين رضينا بالحكمين.

فرجعنا و تبنا فارجع أنت يا علي كما رجعنا و تب إلى الله كما تبنا و إلا برئنا منك فقال علي علیه السّلام : ويحكم أبعد الرضا و الميثاق و العهد نرجع؟ أو ليس الله تعالى قال «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و قال «وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» فأبى علي أن يرجع و أبت الخوارج إلا تضليل التحكيم و الطعن فيه و برئت من علي علیه السّلام و برئ منهم.

و قام خطيب أهل الشام حمل بن مالك بين الصفين فقال: أنشدكم الله يا أهل العراق إلا أخبر تمونا لم فارقتمونا؟ قالوا: فارقناكم لأن الله عز و جل أحل البراءة ممن حكم بغير ما أنزل الله فتوليتم الحاكم بغير ما أنزل الله وقد أحل عداوته وأحل دمه إن لم يرجع إلى التوبة و يبؤ بالدين.

و زعمتم أنتم خلاف حكم الله فتوليتم الحاكم بغير ما أنزل الله و قد أمر الله بعداوته و حرمتم دمه و قد أمر الله بسفكه فعاديناكم لأنكم حرمتم ما أحل الله وحللتم ما حرم الله و عطلتم أحكام الله واتبعتم هواكم «بِغَيْرِ هُدىً من الله» قال الشامي حمل بن مالك:

قتلتم أخانا و خليفتنا و نحن غيب عنه بعد أن استتبتموه فتاب فعجلتم عليه فقتلتموه فنذكركم الله لما أنصفتم الغائب المتهم لكم فإن قتله لو كان عن ملا من الناس و مشورة كما كانت إمرته لم يحل لنا الطلب بدمه و إن أطيب التوبة و الخير في العاقبة أن يعرف من لا حجة له الحجة عليه و ذلك أقطع للبغي.

و أقرب للمناصحة و قد رضينا أن تعرضوا ذنوبه على كتاب الله أولها

ص: 456

و آخرها فإن أحل الكتاب دمه برئنا منه و ممن تولاه و من يطلب دمه و كنتم قد أجرتم في أول يوم و آخره و إن كان كتاب الله يمنع دمه و يحرمه تبتم إلى الله ربكم و أعطيتم الحق من أنفسكم في سفك دم بغير حله بعقل أو قود أو براءة ممن فعل ذلك و هو ظالم.

و نحن قوم نقرأ القرآن و ليس يخفى علينا منه شيء فأفهمونا الأمر الذي استحللتم عليه دماءنا قالوا: نعم قد بعثنا منا رجلا و منكم رجلا يقرآن القرآن كله ويتدارسان ما فيه و ينزلان عند حكمه علينا وعليكم و إنا قد بعثنا منا من هو عندنا مثل أنفسنا و جعلنا لهما أن ينتهيا إليه و أن يكون أمرهما على تؤدة ونسأل عما يجتمعان عليه و ما يتفرقان عنه.

فإنما فارقناكم في تفسيره ولم نفارقكم في تنزيله. و نحن و أنتم نشهد أنه من عند الله فإنما نريد أن نسأل فإنما نريد أن نسأل عنه مما تفسرون مما جهلنا نحن تفسيره فنسأل عنه أهل العلم منا و منكم فأعطيناكم على هذا الأمر ما سألتم من شأن الحكمين و إنما بعثا ليحكما بكتاب الله يحييان ما أحيا الكتاب ويميتان ما أمات الكتاب.

فأما ما لم يجدا في الكتاب فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة و لم يبعثا ليحكما بغير الكتاب و لو أرادا اللبس على أمة محمد لبرئت منهما الذمة و ليس لهما على أمة محمد حكم. فلما سمع المسلمون قولهم علموا أن على كل مخاصم إنصاف خصيمه و قبول الحق منه وإن كان قد منعه فقاتل عليه.

لأنهم إلى الحق دعوا أول يوم و به عملوا يقينا غير شك و من الباطل استعتبوا و على عماية قتلوا من قتلوا ونظر القوم في أمرهم و شاوروا قائدهم و قالوا قد قبلنا من عثمان بن عفان حين دعي إلى الله و التوبة من بغيه و ظلمه و قد كان منا عنه كف حين أعطانا أنه تائب حتى جرى علينا

ص: 457

حكمه بعد تعريفه ذنوبه.

فلما لم يتم التوبة و خالف بفعله عن توبته قلنا اعتزلنا و نولي أمر المؤمنين رجلا يكفيك و يكفينا فإنه لا يحل لنا أن نولي أمر المؤمنين رجلا نتهمه في دمائنا وأموالنا فأبى ذلك و أصر فلما أن رأينا ذلك منه قتلناه و من تولاه بعد قتلنا إياه و هم يعرضون كتاب الله بيننا و بينهم ويسألونا حجتنا عليهم.

و إنما هم صادقون أو كاذبون في نيتهم و ليس لنا عذر في إنصافهم و الموادعة و الكف عنهم حتى يرجعوا بتوبة أو مناصحة بعد أن نقررهم و نعرفهم ظلمهم و بغيهم أو يصروا فيغلبنا عليهم ما غلبنا على قائدهم فنقتلهم فإنما نطلب الحجة بعد العذر و لا عذر إلا ببينة و لا بينة إلا بقرآن أو سنة.

و هم خلطاء في الدين و مقرون بالكتاب و النبي صلّی الله علیه و آله ليسوا بمنزلة أحد ممن حارب المسلمين أهل بغى أمر الله أن يقاتلوا حتى يفيئوا من بغيهم إلى أمر الله و برءوا ببغيهم من الإيمان قال الله عز و جل على لسان نبيه داود.

« وَ إِنَّ كَثِيراً من الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» هؤلاء منافقون لأمرهم بالمنكر ونهيهم عن المعروف و قتالهم عليه و لاتباعهم «ما أَسْخَطَ الله وَ كَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ» بذلك تفنى حسناتهم و ذلك أنه كانت لهم حسنات لم تنفعهم حين عاداهم. فقبل أمير المؤمنين مناصفتهم في المنازعة عند الحكمين بالدين بأن

يحكم بكتاب الله و يرد المحق والمبطل إلى أمره و ما يرضى به و فيما نزل بهم

ص: 458

أمر ليس فيه قرآن يعرفونه فالسنة الجامعة العادلة غير المفرقة - فلم يكن يسع أحدا من الفريقين ترك كتاب الله و السنة بعد قول الله عز و جل في صفة عدوه و من يرغب عن كتابه و هو مقر بتنزيله حامل لميثاقه.

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً من الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ» و قال الله تعالى يعيرهم بذلك - «أَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» و ما أولئك بالمؤمنين إنهم لو كانوا مؤمنين رضوا بكتابي و رسولي.

ثم أنزل «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى الله وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» يعنى أنهم أصابوا حقائق الإيمان و الصلح فلم يسع عليا أمير المؤمنين إلا الكف بعد توكيدهم الميثاق الأجل و الرضا بأن يحكم بينهم رجلان بكتاب الله فيما تنازع فيه وضربهم عباد الله بما أنزل الله وسنة رسوله.

ليبلغ الشاهد الغائب منهم سبيل المحق من المبطل ألا يغير بمؤمن غائب برضا غوي أو عم غير مهتد فيسمى أمير المؤمنين من كل باسمه حتى يقره الكتاب على منزلته.

قال: فنادت الخوارج أيضا في كل ناحية: لا حكم إلا الله لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله قد أمضى الله حكمه في معاوية و أصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم وقد كانت منا خطيئة و زلة حين رضينا بالحكمين و قد تبنا إلى ربنا و رجعنا عن ذلك فارجع كما رجعنا و إلا فنحن منك براء.

فقال علي علیه السّلام ويحكم بعد الرضا و العهد والميثاق أرجع؟ أو ليس الله

ص: 459

يقول «وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ الله إِذا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» فبرءوا من علي علیه السّلام و شهدوا عليه بالشرك و برئ علي علیه السّلام منهم.

579- نصر عن عمر بن سعد قال: حدثني أبو عبد الله يزيد الأودي أن رجلا منهم كان يقال له: عمرو بن أوس قاتل مع علي علیه السّلام يوم صفين و أسره معاوية فى أسرى كثيرة فقال له عمرو بن العاص : اقتلهم قال عمرو بن أوس لمعاوية: إنك خالي فلا تقتلني فقامت إليه بنو أود فقالوا: هب لنا أخانا فقال: دعوه.

فلعمري لئن كان صادقا ليستغنين عن شفاعتكم و إن كان كاذبا فإن شفاعتكم لمن وراءه فقال له معاوية: من أين أنا خالك فما بيننا و بين أود من مصاهرة؟ فقال: فإذا أخبرتك فعرفت فهو أماني عندك؟ قال: نعم.

قال: ألست تعلم أن أم حبيبة ابنة أبي سفيان زوجة النبي صلّی الله علیه و آله هي أم المؤمنين؟ قال بلى قال: فأنا ابنها و أنت أخوها فأنت خالي فقال معاوية: ما له لله أبوه ما كان في هؤلاء الأسرى أحد يفصن لها غيره و قال: خلوا سبيله.

580- نصر عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة عن الشعبي قال: أسر علي علیه السّلام أسرى يوم صفين فخلى سبيلهم فأتوا معاوية وقد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية اقتلهم فما شعروا إلا بأسراهم قد خلى سبيلهم على علیه السّلام فقال معاوية: يا عمرو.

علي لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر ألا تراه قد خلى سبيل أسرانا فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي علیه السّلام و كان علي إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلى سبيله إلا أن يكون قد قتل أحدا من

ص: 460

أصحابه فيقتله به فإذا خلى سبيله فإن عاد الثانية قتله و لم يخل سبيله و كان علي علیه السّلام لا يجهز على الجرحى و لا على من أدبر بصفين لمكان معاوية.

581 - نصر عن عمر بن سعد عن الصقعب بن زهير عن عون بن أبي جحيفة قال: أتى سليمان بن صرد عليا أمير المؤمنين بعد الصحيفة و وجهه مضروب بالسيف فلما نظر إليه علي علیه السّلام قال: «فَمِنْهُمْ من قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ من يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» فأنت ممن ينتظر و ممن لم يبدل فقال: يا أمير المؤمنين أما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة أبدا أما والله لقد مشيت في الناس ليعودوا إلى أمرهم الأول فما وجدت أحدا عنده خير إلا قليلا.

و قام إلى علي علیه السّلام محرز بن جريش بن ضليع فقال: يا أمير المؤمنين ما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل؟ فو الله إني لأخاف أن يورث ذلا فقال علي علیه السّلام : أبعد أن كتبناه ننقضه ؟ إن هذا لا يحل و كان محرز يدعى مخضخضا و ذاك أنه أخذ عنزة بصفين و أخذ معه إداوة من ماء فإذا وجد رجلا من أصحاب علي جريحا سقاه من الماء و إذا وجد رجلا من أصحاب معاوية خضخضة بالعنزة حتى يقتله.

582- نصر عن عمر بن سعد عن نير بن وعلة عن أبي الوداك قال: لما تداعى الناس إلى الصلح بعد رفع المصاحف قال: قال علي علیه السّلام : إنما فعلت ما فعلت لما بدا فيكم الخور و الفشل هما الضعف فجمع سعيد بن قيس قومه ثم جاء في رجراجة من همدان كأنها ركن حصير يعني جبلا باليمن فيهم عبد الرحمن غلام له ذؤابة.

فقال سعيد: ها أنا ذا وقومي لا نرادك و لا نرد عليك فمرنا بما شئت قال: أما لو كان هذا قبل رفع المصاحف لأزلتهم عن عسكرهم أو تنفرد

ص: 461

سالفتي قبل ذلك و لكن انصرفوا راشدين فلعمري ما كنت لأعرض قبيلة واحدة للناس.

583- نصر عن عمر بن سعد عن إسحاق بن يزيد عن الشعبي: أن عليا قال يوم صفين حين أقر الناس بالصلح إن هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيئوا إلى الحق و لا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر و حتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب و حتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس.

و حتى يدعوا الخيل في نواحي أرضهم وبأحناء مساربهم و مسارحهم و حتى تشن عليهم الغارات من كل فج و حتى يلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك هلك من من قتلاهم و موتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله وحرصا على لقاء الله و لقد كنا مع رسول الله صلّی الله علیه و آله نقتل آباءنا و أبناءنا و إخواننا و أعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما و مضيا على أمض الألم.

و جدا على جهاد العدو والاستقلال بمبارزة الأقران و لقد كان الرجل منا و الآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا و مرة لعدونا منا.

فلما رآنا الله صبرا صدقا أنزل الله بعدونا الكبت و أنزل علينا النصر و لعمري لو كنا نأتي مثل الذين أتيتم ما قام الدين و لا عز الإسلام و ايم الله لتحلينها دما فاحفظوا ما أقول لكم يعني الخوارج.

584- نصر عن عمر عن فضيل بن خديج قال: قيل لعلي لما كتبت الصحيفة: إن الأشتر لم يرض بما في هذه الصحيفة و لا يرى إلا قتال القوم فقال علي علیه السّلام : بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضیت و قد رضیت و رضیتم و

ص: 462

لا يصلح الرجوع بعد الرضا و لا التبديل بعد الإقرار إلا أن يعصى الله و يتعدى ما في كتابه.

و أما الذي ذكرتم من تركه أمري و ما أنا عليه فليس من أولئك و ليس أتخوفه على ذلك وليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوه مثل رأيه إذن لخفت علي علیه السّلام مئونتكم و رجوت أن يستقيم لي بعض أودكم و أما القضية فقد استوثقنا لكم فيها.

فقد طمعت ألا تضلوا إن شاء الله رب العالمين و كان الكتاب في صفر و الأجل في شهر رمضان لثمانية أشهر يلتقي الحكمان.

585- عنه قال: ثم إن الناس أقبلوا على قتلاهم يدفنونهم قال: وكان عمر بن الخطاب دعا حابس بن سعد الطائي فقال له: إني أريد أن أوليك قضاء حمص فكيف أنت صانع ؟ قال أجتهد رأيي و أستشير جلسائي فانطلق فلم يمض إلا يسيرا حتى رجع فقال يا أمير المؤمنين إني رأيت رؤيا أحببت أن أقصها عليك قال هاتها :قال رأيت كأن الشمس أقبلت من المشرق و معها جمع عظيم و كأن القمر أقبل من المغرب و معه جمع عظيم.

فقال له عمر: مع أيهما كنت ؟ قال: كنت مع القمر قال عمر: كنت مع الآية الممحوة اذهب فلا و الله لا تعمل لي عملا فرده فشهد مع معاوية صفين و كانت راية طيئ معه فقتل يومئذ فمر به عدي بن حاتم و معه ابنه زید بن عدي فرآه قتيلا فقال: يا أبة هذا و الله خالي قال: نعم.

لعن الله خالك فبئس و الله المصرع مصرعه فوقف زيد فقال: من قتل هذا الرجل مرارا فخرج إليه رجل من بكر بن وائل طوال يخضب فقال: أنا و الله قتلته قال له: كيف صنعت به فجعل يخبره فطعنه زيد بالرمح فقتله و ذلك بعد أن وضعت «الحَرْبُ أَوْزَارَها».

ص: 463

فحمل عليه عدي يسبه و يسب أمه ويقول يا ابن المائقة لست على دين محمد إن لم أدفعك إليهم فضرب زيد فرسه فلحق بمعاوية فأكرمه معاوية و حمله أدنى مجلسه فرفع عدي يديه فدعا عليه فقال:

اللهم إن زيدا قد فارق المسلمين و لحق بالمحلين اللهم فارمه بسهم من سهامك لا يشوي أو قال: لا يخطئ فإن رميتك لا تنمي لا و الله لا أكلمه من رأسي كلمة أبدا و لا يظلني و إياه سقف بيت أبدا قال: و قال زيد في قتل البكري.

من مبلغ أبناء طي بأنني *** ثأرت بخالي ثم لم أتأثم

تركت أخا بكر ينوء بصدره *** بصفين مخضوب الجيوب من الدم

و ذكرني ثأري غداة رأيته *** فأوجرته رمحي فخر على الفم

لقد غادرت أرماح بكر بن وائل *** قتيلا عن الأهوال ليس بمحجم

قتيلا يظل الحي يثنون بعده *** عليه بأيد من نداه و أنعم

لقد فجعت طي بحلم و نائل *** و صاحب غارات و نهب مقسم

لقد كان خالي ليس خال كمثله *** دفاعا لضيم و احتمالا لمغرم.

586 - قال: و لما لحق زيد بن عدي بمعاوية تكلم رجال من أهل العراق في عدي بن حاتم و طعنوا في أمره و كان عدي سيد الناس مع علي الا في نصيحته و غنائه فقام إلى علي فقال يا أمير المؤمنين أما عصم الله رسوله من حديث النفس و الوساوس و أماني الشيطان بالوحي و ليس هذا لأحد بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله.

و قد أنزل في عائشة و أهل الإفك و النبي صلّی الله علیه و آله خير منك و عائشة يومئذ خير مني و قد قربني زيد للظن و عرضني للتهمة. غير أني إذا ذكرت مكانك من الله و مكاني منك ارتفع حناني وطال نفسي و و الله أن لو

ص: 464

وجدت زيدا لقتلته و لو هلك ما حزنت عليه فأثنى عليه علي علیه السّلام خيرا و قال عدي في ذلك:

يا زيد قد عصبتني بعصابة *** و ما كنت للثوب المدنس لابسا

فليتك لم تخلق و كنت كمن مضى *** و ليتك إذ لم تمض لم تر حابسا

ألا زاد أعداء و عق ابن حاتم *** أباه وأمسى بالفريقين ناكسا

و حامت عليه مذحج دون مذحج *** و أصبحت للأعداء ساقا ممارسا

نکصت على العقبين يا زيد ردة *** وأصبحت قد جدعت منا المعاطسا

قتلت امرأ من آل بكر بحابس *** فأصبحت مما كنت آمل آیسا.

587 - نصر عن عمرو بن شمر عن إسماعيل السدي قال: حدثني نويرة ابن خالد الحارثي أن ابن عمه النجاشي قال في وقعة صفين رواه نصر قال: رواه أيضا عن عمر بن سعد بإسناده:

و نجا ابن حرب سابح ذو علالة *** أجش هزيم و الرماح دواني

سليم الشظى عبل الشوى شنج النسا *** أقب الحشا مستطلع الرديان

إذا قلت أطراف العوالي ينلنه *** مرته به الساقان و القدمان

حسبتم طعان الأشعرين و مذحج *** و همدان أكل الزبد بالصرفان

فما قتلت عك و لخم و حمير *** و عيلان إلا يوم حرب عوان

و ما دفنت قتلی قریش و عامر *** بصفين حتى حكم الحكمان

غشيناهم يوم الهرير بعصبة *** يمانية كالسيل سيل عران

فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا *** عليها كتاب الله خير قران

و نادوا عليا يا ابن محمد *** أما تتقي أن يهلك الثقلان

فمن للذراري بعدها ونسائنا *** و من للحريم أيها الفتيان

أبکي عبيدا إذ ينوء بصدره *** غداة الوغى يوم التق الجبلان

ص: 465

و بتنا نبكي ذا الكلاع وحوشبا *** إذا ما أنى أن يذكر القمران

و مالك و اللجلاج و الصخر و الفتى *** محمد قد ذلت له الصدفان

فلا تبعدوا لقاكم الله حبرة *** و بشركم من نصره بجنان

و ما زال من همدان خيل تدوسهم *** سمان و أخرى غير جد سمان

فقاموا ثلاثا يأكل الطير منهم *** على غير نصف و الأنوف دوان

و ما ظن أولاد الإماء بنواستها *** بكل فتى رخو النجاد يمان

فمن ير خيلينا غداة تلاقيا *** يقل جبلا جيلان ينتطحان

كأنهما ناران في جوف غمرة *** بلا حطب حد الضحى تقدان

و عارضة براقة صوبها دم *** تكشف عن برق لها الأفقان

تجود إذا جادت وتجلو إذا انجلت *** بلبس ولا يحمى لها كربان

قتلنا و أبقينا وما كل ما ترى *** بكف المذري يأكل الرحيان

وفرت ثقیف فرق الله جمعها *** إلى جبل الزيتون و القطران

كأني أراهم يطرحون ثيابهم *** من الروع و الخيلان يطردان

فيا حزنا ألا أكون شهدتم *** فأدهن من شحم العبيد سناني

وأما بنو نصر ففر شريدهم *** إلى الصلتان الخور والعجلان

وفرت تمیم سعدها و ربابها *** إلى حيث يضفو الحمض و الشبهان

فأضحى ضحى من ذي صباح كأنه *** وإياه راما حفرة قلقان

إذا ابتل بالماء الحميم رأيته *** كقادمة الشؤبوب ذي النفيان

كأن جنابي سرجه و لجامه *** إذا ابتل ثوبا ماتح خضلان

جزاه بنعمی کان قدمها له *** وكان لدى الإسطبل غير مهان.

فرد عليه ابن مقبل العامري:

تأمل خليلي هل ترى من ظعائن *** تحملن بالجرعاء فوق ظعان

ص: 466

على كل حياد اليدين مشهر *** يمد بذفری درة و جران

فصبحن من ماء الوحيدين نقرة *** بميزان رعم إذ بدا ضدوان

و أصبحن لم يبركن في ليلة السرى *** من السوق إلا عقبة الدبران

و عرسن و الشعرى تغور كأنها *** شهاب غضا يرمى به الرجوان

فهل يبلغني أهل دهماء حرة *** و أعيس نضاح القفا مرجان

588 - قال ابن قتيبة: وذكروا أن النعمان بن بشير لما قدم على معاوية بكتاب زوجة عثمان، تذكر فيه دخول القوم عليه، و ما صنع محمد بن أبي بكر من نتف لحيته، في كتاب قد رققت فيه و أبلغت، حتى إذا سمعه السامع بكى حتى يتصدع قلبه و بقميص عثمان مخضبا بالدم ممزقا و عقدت شعر لحيته في زر القميص . قال : فصعد المنبر معاوية بالشام، وجمع الناس، و نشر عليهم القميص ، و ذكر ما صنعوا بعثمان.

فبكى الناس و شهقوا، حتى كادت نفوسهم أن تزهق، ثم دعاهم إلى الطلب بدمه، فقام إليه أهل الشام، فقالوا: هو ابن عمك، و أنت وليه، و نحن الطالبون معك بدمه، فبايعوه أميرا عليهم، وكتب و بعث الرسل إلى كور الشام، وكتب إلى شرحبيل بن السمط الكندي و هو بحمص، يأمره أن يبايع له بحمص كما بايع أهل الشام، فلما قرأ شرحبيل كتاب معاوية دعا أناسا من أشراف أهل حمص.

فقال لهم: ليس من قتل عثمان بأعظم جرما ممن يبايع لمعاوية أميرا، و هذه سقطة، و لكنا نبايع له بالخلافة، و لا نطلب بدم عثمان مع غير خليفة. فبايع لمعاوية بالخلافة هو و أهل حمص، ثم كتب إلى معاوية أما بعد: فإنك أخطأت خطأ عظيما، حين كتبت إلي أن أبايع لك بالإمرة، و أنك تريد أن تطلب بدم الخليفة المظلوم و أنت غير خليفة، وقد بايعت و من قبلي لك

ص: 467

بالخلافة.

فلما قرأ معاوية كتابه سره ذلك، و دعا الناس، وصعد المنبر و أخبرهم بما قال شرحبيل و دعاهم إلى بيعته بالخلافة، فأجابوه، و لم يختلف منهم أحد، فلما بايع القوم له بالخلافة، واستقام له الأمر، كتب إلى على علیه السّلام : سلام الله على من اتبع الهدى.

أما بعد، فإنا كنا نحن وإياكم يدا جامعة، و ألفة أليفة، حتى طمعت يا ابن أبي طالب فتغيرت، و أصبحت تعد نفسك قويا على من عاداك. بطعام أهل الحجاز، و أوباش أهل العراق و حمقی الفسطاط و غوغاء السواد و ايم الله لينجلين عنك حمقاها، و لينقشعن عنك غوغاؤها انقشاع السحاب عن السماء.

قتلت عثمان بن عفان و رقيت سلما أطلعك الله عليه مطلع سوء عليك لا لك. وقتلت الزبير و طلحة و شردت بأمك عائشة و نزلت بين المصريين فمنيت و تمنيت و خيل لك أن الدنيا قد سخرت لك بخيلها و رجلها و إنما تعرف أمنيتك لو قد زرتك في المهاجرين من أهل الشام بقية الإسلام، فيحيطون بك من ورائك، ثم يقضي الله علمه فيك، و السلام على أولياء الله .

فأجابه علي علیه السّلام: أما بعد فقدر الأمور تقدير من ينظر لنفسه دون جند، و لا يشتغل بالهزل من قوله، فلعمري لئن كانت قوتي بأهل العراق، أوثق عندي من قوتي بالله و معرفتي به فليس عنده بالله تعالى يقين من كان على هذا، فناج نفسك مناجاة من يستغني بالجد دون الهزل، فإن في القول سعة، و لن يعذر مثلك فيما طمح إليه الرجال. و أما ما ذكرت من أنا كنا و إياكم يدا جامعة فكنا كما ذكرت.

ص: 468

ففرق بيننا و بينكم أن الله بعث رسوله منا، فآمنا به و كفرتم، ثم زعمت أني قتلت طلحة والزبير، فذلك أمر غبت عنه و لم تحضره، و لو حضرته لعلمته فلا عليك، و لا العذر فيه إليك، و زعمت أنك زائري في المهاجرين، و قد انقطعت الهجرة حين أسر أخوك، فإن يك فيك عجل فاسترفه و إن أزرك فجدير أن يكون الله بعثني عليك للنقمة منك، و السلام.

589 - عنه قال: وذكروا أن عقيل بن أبي طالب قدم على أخيه علي علیه السّلام بالكوفة، فقال له علي: مرحبا بك و أهلا ما أقدمك يا أخي؟ قال: تأخر العطاء عنا، وغلاء السعر ببلدنا و ركبني دين عظيم فجئت لتصلني. ، فقال علي علیه السّلام : و الله ما لي مما ترى شيئا إلا عطائي، فإذا خرج فهو لك. فقال عقيل: و إنما شخوصي من الحجاز إليك من أجل عطائك؟ و ما ذا يبلغ مني عطاؤك ؟ و ما يدفع من حاجتي؟

فقال علي علیه السّلام : فمه! هل تعلم لي مالا غيره؟ أم تريد أن يحرقني الله في نار جهنم في صلتك بأموال المسلمين ؟ فقال عقيل: و الله لأخرجن إلى رجل هو أوصل لي منك: «يريد معاوية»، فقال له علي راشدا مهديا. فخرج عقيل حتى أتى معاوية. فلما قدم عليه قال له معاوية: مرحبا و أهلا بك يا ابن أبي طالب، ما أقدمك علي؟ فقال: قدمت عليك لدين عظيم ركبني، فخرجت إلى أخي ليصلني.

فزعم أنه ليس له مما يلي إلا عطاؤه، فلم يقع ذلك مني موقعا، و لم يسد مني مسدا، فأخبرته أني سأخرج إلى رجل هو أوصل منه لي، فجئتك.

فازداد معاوية فيه رغبة ، و قال: يا أهل الشام هذا سيد قريش، و ابن سيدها، عرف الّذي فيه أخوه من الغواية و الضلالة، فأتاب إلى أهل الدعاء إلى الحق، و لكني أزعم أن جميع ما تحت يدي لي.

ص: 469

فما أعطيت فقربة إلى الله، و ما أمسكت فلا جناح علي علیه السّلام فيه فأغضب كلامه عقيلا لما سمعه ينتقص أخاه، فقال: صدقت خرجت من عند أخي على هذا القول، وقد عرفت من في عسكره، لم أفقد و الله رجلا من المهاجرين والأنصار، و لا والله ما رأيت في عسكر معاوية رجلا من أصحاب النبي صلّی الله علیه و آله . فقال معاوية عند ذلك: يا أهل الشام، أعظم الناس من قريش عليكم حقا ابن عم النبي صلّی الله علیه و آله، و سيد قريش، و ها هو ذا تبرأ إلى الله مما عمل به أخوه. قال: و أمر له معاوية بثلاث مائة ألف دينار، قال له: هذه مائة ألف تقضي بها ديونك و مائة ألف تصل بها رحمك، و مائة ألف توسع بها على نفسك.

590- عنه قال عبد الله بن مسلّم: و ذكر ابن عفير، عن عون بن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، قال : قدم الحجاج بن خزيمة الشام بكتاب معاوية بعد قتل عثمان بأيام، فقال له: أتعرفني؟ قال: نعم. أنت الحجاج بن خزيمة، فما وراءك ؟ فقال الحجاج: أنا النذير العريان. أنعي إليك أمير المؤمنين عثمان.

ثم قال: إني كنت ممن خرج معينا لعثمان مع يزيد بن أسد فتقدمت إلى الرّبدة.

فلقينا بها رجلا حدثنا عن قتل عثمان و زعم أنه ممن قتله. فقتلناه. و إني أخبرك يا معاوية أنك تقوى على علي علیه السّلام بدون ما يقوى به عليك، لأن من معك لا يقولون إذا قلت ولا يسألون إذا أمرت ، و لأن من مع علي علیه السّلام يقولون إذا قال، و يسألون إذا أمر فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه. و اعلم أن عليا لا يرضيه إلا الرضى و إن رضاه يسخطك، و لست و علي علیه السّلام بالسواء، لا يرضى علي بالعراق دون الشام، و رضاؤك بالشام دون

ص: 470

العراق.

591- عنه قال: وذكروا أنه لما فرغ من وقعة الجمل بايع له القوم جميعا، وبايع له أهل العراق واستقام له الأمر بها فكتب إلى معاوية أما ،بعد، فإن القضاء السابق، و القدر النافذ، ينزل من السماء كقطر المطر ، فتمضي أحكامه عز وجل، و تنفذ مشيئته بغير تحاب المخلوقين، ولا رضا الآدميين،

و قد بلغك ما كان من قتل عثمان و بيعة الناس عامة إياي، و مصارع الناكثين لي فادخل فيما دخل الناس فيه، و إلا فأنا الّذي عرفت، و حولي من تعلمه، و السلام.

592- عنه فلما قدم على معاوية كتاب علي علیه السّلام مع الحجاج بن عدي - الأنصاري، ألفاه و هو يخطب الناس بدمشق، فلما قرأه اغتم بذلك، و أسره عن أهل الشام ثم قام الحجاج بن عدي خطيبا، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: يا أهل الشام، إن أمر عثمان أشكل على من حضره، المخبر عنه كالأعمى، و السميع كالأصم، عابه قوم فقتلوه، و غدره قوم فلم ينصروه، فكذبوا الغائب و اتهموا الشاهد

و قد بايع الناس عليا على منبر رسول الله صلّی الله علیه و آله بيعة عامة، من رغب عنها رد إليها صاغرا داحرا، فانظروا في ثلاث وثلاث ثم اقضوا على أنفسكم:

أين الشام من الحجاز؟ و أين معاوية من علي علیه السّلام ؟ و أين أنتم من المهاجرين والأنصار و التابعين لهم بالإحسان؟

قال: فغضب معاوية لقوله وقال: يا حجاج، أنت صاحب زيد بن ثابت يوم الدار؟ قال: نعم، فإن كان بلغك و إلا أحدثك، قال: هات. قال: أشرف علينا زيد بن ثابت و كان مع عثمان في الدار، و قال:

ص: 471

يا معشر الأنصار، انصروا الله (مرتين)، فقلت: يا زيد، إنا نكره أن خلق الله فنقول كما قال القوم: «رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا»، فقال معاوية: انصرف إلى علي، و أعلمه أن رسولي على إثرك.

ثم إن معاوية انتخب رجلا من عبس، و كان له لسان، فكتب معاوية إلى علي كتابا عنوانه: من معاوية إلى علي، و داخله: بسم الله الرّحمن الرّحيم لا غير. فلما قدم الرسول دفع الكتاب إلى علي، فعرف علي ما فيه و أن معاوية محارب له، و أنه لا يجيبه إلى شيء مما يريد، وقام رسول معاوية خطيبا، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: هل هاهنا أحد من ابنا قيس عيلان، و بني عبس و ذبيان؟ قالوا: نعم، هم حولك.

قال: فاسمعوا ما أقول لكم، يا معشر قيس، إني أحلف بالله لقد خلفت بالشام خمسين ألف شيخ، خاضبين لحاهم من دموع أعينهم تحت قميص عثمان، رافعيه على الرماح مخضوبا بدمائه، قد أعطوا الله عهدا أن لا يغمدوا سيوفهم، و لا يغمضوا جفونهم، حتى يقتلوا قتلة عثمان، يوصي به الميت الحي، و يرثه الحي من الميت، حتى و الله نشأ عليه الصبي.

و هاجر عليه الأعرابي، و ترك القوم تعس الشيطان، وقالوا: تعسا لقتلة عثمان، و أحلف بالله ليأتينكم من خضر الخيل اثنا عشر ألفا، فانظروا كم الشهب و غيرها ؟ فقال له علي: ما يريدون بذلك؟ قال: يريدون بذلك و الله خبط رقبتك. فقال علي: تربت يداك، و كذب فوك، أما والله لو أن رسولا قتل لقتلتك.

فقام الصلت بن زفر فقال: بئس وافد أهل الشام أنت و رائد أهل العراق، ونعم العون لعلي و بئس العون لمعاوية، يا أخا عبس أتخوف المهاجرين والأنصار بخضر الخيل، و غضب الرجال؟ أما والله ما نخاف

ص: 472

غضب رجالك و لا خضر خيلك.

فأما بكاء أهل الشام على قميص عثمان، فو الله ما هو بقميص يوسف و لا بحزن يعقوب، و لئن بكوا عليه بالشام، لقد خذلوه بالحجاز، و أما قتالهم عليا، فإن الله يصنع في ذلك ما أحب. قال: و إن العبسي أقام بالعراق عند علي، حتى اتهمه معاوية، و لقيه المهاجرون و الأنصار فأشربوه حب علي، و حدثوه عن فضائله، حتى شك في أمره.

593- عنه قال: وذكروا أن عدي بن حاتم قدم إلى على بالكوفة، قبل أن يسير إلى البصرة، فقال: يا أمير المؤمنين، لسنا نخاف أحدا إلا معاوية، عندي رجل من قومي يريد أن يزور ابن عم له بالشام، يقال له حابس بن سعد، فلو أمرناه أن يلق معاوية لعله أن يكسره و يكسر أهل الشام؟ فقال له علي: افعل، فأغروه بذلك.

فلما قدم على ابن عمه، و كان سيد طيّئ بالشام، سأله فأخبره أنه شهد قتل عثمان بالمدينة المنورة، وسار مع علي إلى الكوفة، وكان له لسان و هيبة، فغدا به حابس إلى معاوية فقال هذا ابن عمي قدم من الكوفة، و كان مع علي و شهد قتل عثمان بالمدينة، و هو ثقة، فقال له معاوية حدثنا عن أمر عثمان.

قال: نعم وليه محمد بن أبي بكر، و عمار بن ياسر، و تجرد في أمره ثلاثة نفر، عدي بن حاتم، و الأشتر النخعي، و عمرو بن الحصين. و دب في أمره رجلان: طلحة والزبير. و أبرأ الناس منه علي بن أبي طالب، ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش، حتى ضلت النعل، وسقط الرداء، و وطئ الشيخ. و لم يذكر عثمان، و لم يذكروه.

ثم تهيأ للمسير، فخف معه المهاجرون و الأنصار، و كره القتال معه

ص: 473

الله ثلاثة نفر عبد بن عمر، و سعد بن أبي وقاص، و محمد بن مسلمة، فلم يستكره أحدا، و استغنى بمن خف عمن ثقل، ثم سار حتى انتهى إلى جبل طیِّئ، فأتاه منهم جماعة عظيمة، حتى إذا كان في بعض الطريق أتاه مسير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة.

فسرح رسله إلى الكوفة، فأجابوا دعوته، ثم قدمها، فحملوا إليه الصبي و دبت إليه العجوز، و خرجت إليه العروس، فرحا به و سرورا و شوقا إليه، ثم سار إلى البصرة، فبرز إليه القوم، طلحة والزبير و أصحابهما، فلم يلبثوا إلا يسيرا، حتى صرعهم الله ، وأبرزهم إلى مضاجعهم.

ثم صارت البصرة وما حولها في كفة، قال: و تركته و ليس له هم إلا أنت و الشام. فانكسر معاوية لقوله، و قال: و الله ما أظنه إلا عينا لعلي، أخرجوه لا يفسد أهل الشام. ثم قال معاوية: وكيف لا يضيع عثمان و يقتل و قد خذله أهل ثقاته، و أجمعوا عليه؟ أما والله لئن بقينا لهم لندرسنهم درس الجمال هشيم اليبيس.

594- عنه قال: وذكروا أن عليا لما صار من البصرة بعد فراغه من أصحاب الجمل، استعمل عليها عبد الله بن عباس، و قال له: أوصيك بتقوى الله عز و جل، و العدل على من ولاك الله أمره، اتسع للناس بوجهك و علمك و حكمك، وإياك والإحن، فإنّها تميت القلب و الحق، و اعلم أن ما قربك من الله بعدك النار، و ما قربك من النار بعدك من الله. اذكر الله كثيرا ولا تكن من الغافلين.

فلم يلبث على حين قدم الكوفة، و اراد المسير إلى الشام أن انضم إليه ابن عباس و استعمل على البصرة زياد بن أبي سفيان.

595 - عنه قال: وذكروا أن الأحنف بن قيس قام إلى علي فقال: يا

ص: 474

أمير المؤمنين، إنه إن يك بنو سعد لم ينصروك يوم الجمل، فلن ينصروا عليك غيرك، وقد عجبوا ممن نصرك يومئذ، و عجبوا اليوم ممن خذلك، لأنهم شكوا في طلحة والزبير، و لم يشكوا في عمرو و معاوية، و إن عشيرتنا بالبصرة فلو بعثنا إليهم فقدموا علينا، فقاتلنا بهم العدو، و بهم من الناس و أدركوا اليوم ما فاتهم أمس.

و هذا جمع قد حشره الله عليك بالتقوى، لم نستكره شاخصا، و لم نشخص فيه مقيما، و من كان معك نافعك، و رب مقيم خير من شاخص. و إنما نشوب الرجاء بالمخافة، و و الله لوددنا أن أمواتنا رجعوا إلينا، فاستعنا بهم على عدونا، و ليس لك إلا من كان معك، و لنا من قومنا عدد، و لا نلقی بهم عدوا أعدى من معاوية، و لا نسد بهم ثغرا أشد من الشام.

596 - عنه قال: وذكروا أن عليا قال للأحنف بن قيس: اكتب إلى قومك. قال: نعم. فكتب الأحنف إلى بني سعد: أما بعد، فإنه لم يبق أحد من بني تميم إلا وقد شقوا برأي سيدهم غيركم، و عصمكم الله برأيي، حتى نلتم ما رجوتم، و أمنتم مما خفتم، و أصبحتم منقطعين من أهل البلاء، لاحقين بأهل العافية، و إني أخبركم أنا قدمنا على تميم بالكوفة.

فأخذوا علينا بفضلهم مرتين مسيرهم إلينا مع علي، و تهيئهم للمسير إلى الشام، ثم انحشرنا معهم، فصرنا كأنا لا نعرف إلا بهم، فأقبلوا إلينا، و لا تتكلوا علينا، فإن لهم أعدادنا من رؤسائهم فلا تبطئوا عنا، فإن من تأخير العطاء حرمانا، و من تأخير النصر خذلانا. فحرمان العطاء القلة، وخذلان النصر الإبطاء و لا تنقضي الحقوق إلا بالرضا و قد يرضى المضطر بدون الأمل.

فلما انتهى كتاب الأحنف إلى بني سعد، ساروا بجماعتهم، حتى نزلوا

ص: 475

الكوفة.

597- عنه قال: وذكروا أنه قام إلى علي بعد انصرافه من البصرة إلى الكوفة، وجوه بكر بن وائل فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن نعيما أخا مصقلة يستحي منك، لما صنع مصقلة، وقد أتانا اليقين أنه لا يمنع مصقلة من الرجوع إليك إلا الحياء، و لم يبسط منذ فارقنا لسانه ولا يده، فلو كتبنا إليه كتابا، و بعثنا من قبلنا رسولا، فإنا نستحيي أن يكون فارقنا مثل مصقلة من أهل العراق إلى معاوية.

فقال علي: اكتبوا. فكتبوا: أما بعد، فقد علمنا أنك لم تلحق بمعاوية رضا بدينه، و لا رغبة في دنياه، و لم يعطفك عن علي طعن فيه، و لا رغبة عنه، و لكن توسطت أمرا فقويت فيه الظن، و أضعفت فيه الرجاء، فكان أولاهما عندك أن قلت: أفوز بالمال، و ألحق بمعاوية. و لعمرنا ما استبدلت الشام بالعراق، و لا السكاسك بربيعة، و لا معاوية بعلي، و لا أصبت دنيا تهنأ بها، و لا حظا تحسد عليه، و إن أقرب ما تكون مع الله، أبعد ما تكون مع معاوية.

فارجع إلى مصرك، فقد اغتفر أمير المؤمنين الذنب، و احتمل الثقل، و اعلم أن رجعتك اليوم خير منها غدا، و كانت أمس خيرا منها اليوم، و إن كان عليك حياء من أبي الحسن، فما أنت فيه أعظم، فقبح الله أمرا ليس فيه دنيا و لا آخرة. فلما انتهى كتابهم إلى مصقلة، و كان لرسولهم عقل و لسان.

قال الرسول: يا مصقلة، انظر فيما خرجت منه، و فيما صرت إليه، و انظر من أخذت، و من ترکت، و انظر من جاورت، و من زايلت، ثم اقض بعقلك دون هواك. قال: و إن مصقلة مضى إلى معاوية بالكتاب، فأقرأه إياه، فقال معاوية: يا مصقلة إنك عندي غير ظنين.

ص: 476

فإذا أتاك شيء فاستره عني، فانصرف مصقلة إلى منزله، فدعا الرسول فقال: يا أخا بكر، إنما هربت بنفسي من علي، و لا و الله ما يطول لساني بغيبته، و لا قلت فيه قط حرفا بسوء، اذهب بكتابي هذا إلى قومي.

598 - عنه قال: وذكروا أن مصقلة كتب إلى قومه: أما بعد، فقد جاءني كتابكم، و إني أخبركم أنه من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، و قد علمتم الأمر الّذي قطعني من عليّ، و أضافني إلى معاوية، و قد علمت أني لو رجعت إلى علي وإليكم لكان ذنبي مغفورا، و لكني أذنبت إلى عليّ، و صحبت معاوية، فلو رجعت إلى علىّ أحدثت عيبا، و أحييت عارا، وكنت بين لائمين، أولهما خيانة، و آخرهما غدر، و لكني أقيم بالشام.

فإن غلب معاوية فداري العراق، و إن غلب علي فداري أرض الروم. فأما الهوى فإليكم طائر، وكانت فرقتي عليا على بعض العذر أحب إليّ من فرقتي معاوية و لا عذر لي. ثم قال للرسول: يا بن أخي، استعرض الناس عن قولي في علي. فقال: قد سألت، فقالوا خيرا. قال: فإنّي والله عليه حتى أموت. فرجع الرسول بالكتاب، فأقرأه عليا، فقال: كفوا عن صاحبكم، فلیس براجع حتى يموت. فقال حصين: أما والله ما به إلا الحياء.

599- عنه قال: وذكروا أن عبد الله بن عامر الحق بالشام، ولم يأت معاوية، و خاف يوما كيوم الجمل، فبعث إليه معاوية أن يأتيه، و ألح عليه. فكتب ابن عامر، أما بعد: فإنّي أخبرك أني أقحمت طلحة و الزبير إلى البصرة، و أنا أقول إذا رأى الناس أم المؤمنين مالوا إليها، و إن فر الناس لم يفرّ الزبير، و إن غدر الناس لم يغدر مروان.

فغضبت عائشة، و رجع الزبير، و قتل مروان طلحة، و ذهب مالي بما فيه، و الناس أشباه، واليوم كأمس، فإن أتبعتني هواي، و إلا أرتحل عنك و

ص: 477

السلام. فكتب معاوية إليه: أما بعد، فإنك قلدت أمر دينك قتلة عثمان، و أنفقت مالك لعبد الله بن الزبير و آثرت العراق على الشام.

فأخرجك الله من الحرب صفر اليدين ليس لك حظ الحق، ولا ثأر القتيل. فلما انتهى كتابه إلى ابن عامر أتاه، فغمس يده معه، و بایعه، فلاطفه معاوية، و عرف له قرابته من عثمان.

600- عنه قال: وذكروا أن عمار بن ياسر قام إلى علي علیه السّلام ، فقال : يا أمير المؤمنين، إنما بايعناك و لا نرى أحدا يقاتلك، فقاتلك من بايعك، و أعطاك الله فيهم ما وعد في قوله جل و عز: «ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ الله»، و قوله: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِما بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ» و قوله: «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»، وقد كانت الكوفة لنا، و البصرة علينا.

فأصبحنا على ما تحب، بين ماض مأجور، و راجع معذور، و إن بالشام الداء العضال، رجلا لا يسلمها أبدا إلا مقتولا أو مغلوبا، فعاجله قبل أن يعاجلك، و انبذ إليه قبل الحرب.

601- عنه قال: وذكروا أن الأشتر النخعيّ قام إلى عليّ، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما لنا أن نقول قبل أن تقول ، فإذا عزمت فلم نقل، فلو سرت بنا إلى الشام بهذا الحدّ و الجدّ، لم يلقوك بمثله، فإن القلوب اليوم سليمة، و الأبصار صحيحة، فبادر بالقلوب القسوة، و بالأبصار العمى.

602- عنه قال: وذكروا أن عليا كتب إلى جرير بن عبد الله، و كان على ثغر همذان كان استعمله عليه عثمان، فكتب عليّ إليه مع زفر بن قيس: أما بعد، فإن الله «لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ، وَإِذَا أَرَادَ الله بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ، وَ ما هُمْ من دُونِهِ من والٍ». ثم إني أخبرك عنا و عمن سرنا إليهم، من جمع طلحة والزبير، عند نكتهما ببيعتهما، و ما صنعا بعاملي

ص: 478

عثمان بن حنيف: إني هبطت من المدينة بالمهاجرين والأنصار.

حتى إذا كنت ببعض الطريق، بعثت إلى الكوفة الحسن ابني، و عبد الله بن العباس ابن عمي، و عمّار بن ياسر، و قيس بن سعد بن عبادة، فاستنفرتهم بحق الله و رسوله فأجابوا، و سرت بهم، حتى نزلت بظهر البصرة، فأعذرت في الدعاء، و أقلت في العثرة، وناشدتهم عقد بيعتهم، فأبوا إلا قتالي.

فاستعنت الله عليهم، فقتل من قتل، و ولوا مدبرين إلى مصرهم، فسألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء، فقبلت العافية، و رفعت عنهم السيف، و استعملت عليهم عبد الله بن عباس، و بعثت إليك زفر بن قيس فاسأله عنا وعنهم.

603 - عنه قال: وذكروا أنه لما قدم زفر على جرير بكتاب علي علیه السّلام ، و قرأه جرير، قام زفر خطيبا، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن عليا كتب إليكم بكتاب لا يقول بعده إلا رجيعا من القول إن الناس بايعوا عليا بالمدينة غير محاباة ببيعتهم، لعلمه بكتاب الله، و يرى الحقّ فيه، و إن طلحة والزبير نقضا بيعة عليّ على غير حدث.

ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب، و ألبا عليه الناس. و أخرجا أم المؤمنين عائشة حجاب ضربه الله و رسوله صلّی الله علیه و آله ، فلقيها فأعذر في من الدعاء، وخشي البغي، و حمل الناس على ما يعرفون، فهذا عيان ما غاب عنكم. و إن سألتم الزيادة زدناكم.

604- عنه قال: وذكروا أن جرير بن عبد الله قام خطيبا. فحمد الله. فقال: أيها الناس. هذا كتاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السّلام . و هو المأمون على الدين والدنيا. و كان من أمره و أمر عدوّه ما قد سمعتم، فالحمد

ص: 479

لله على أقضيته. وقد بايعه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار و التابعون بإحسان، و لو جعل الله هذا الأمر شورى بين المسلمين لكان عليّ أحق بها.

ألا و إن البقاء فى الجماعة و الفناء في الفرقة، و عليّ حاملكم على الحق ما استقمتم له، فإن ملتم أقام ميلكم، قال الناس: سمعا وطاعة، و رضانا رضا من بعدنا.

605- عنه قال: وذكروا أن عليا كتب إلى الأشعث بن قيس مع زياد ابن كعب.

و الأشعث يومئذ بأذربيجان عاملا لعثمان، كان استعمله عليها: أما بعد، فلو لا هنات كن فيك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس، فلعل أمرا يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله، وقد كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك، و كان طلحة و الزبير أول من بايعني.

ثم نقضا بيعتي على غير حدث، و أخرجا أم المؤمنين إلى البصرة، فسرت إليهما في المهاجرين والأنصار، فالتقينا، فدعوتهما إلى أن يرجعا إلى ما خرجا منه، فأبيا. فأبلغت في الدعاء، و أحسنت في البقاء، و إن عملك ليس لك بطعمة و لكنه أمانة في عنقك، و المال مال الله، و أنت من خزاني عليه حتى تسلمه إليّ إن شاء الله، و عليّ أن لا أكون شر ولاتك.

606- عنه قال: وذكروا أن الأشعث بن قيس لما قرأ كتاب علي، قام زياد بن كعب خطيبا، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير، وإن أمر عثمان لم ينفع فيه العيان، و لم يشف منه الخبر، غير أن من سمعه كمن عاينه، و إن المهاجرين والأنصار بايعوا عليا راضين به، و إن طلحة والزبير نقضا بيعة علي، على غير حدث، و أخرجا

ص: 480

أم المؤمنين على غير رضى فسار إليهم، و لم ينلهم، فتركهم و ما في نفسه منهم حاجة، فأورثه الله الأرض، و جعل له عاقبة المتقين.

607- عنه قال: فقام الأشعث بن قيس خطيبا، فقال: أيها الناس، إن عثمان ولاني أذربيجان، و هلك و هي في يدي، و قد بايع الناس عليا، و طاعتنا له لازمة، وقد كان من أمره و أمر عدوه ما قد بلغكم، و هو المأمون على ما غاب عنا وعنكم من ذلك.

608- عنه قال: و ذكروا أن الأشعث رجع إلى منزله، فدعا أهل ثقته من أصحابه، فقال لهم: إن كتاب عليّ جاءني، و قد أوحشني، و هو آخذي بمال أذربيجان و أنا لاحق بمعاوية، فقال القوم الموت خير لك من ذلك، أ تدع مصرك و جماعة قومك، و تكون ذنبا لأهل الشام؟

609- عنه قال: وذكروا أن جريرا كتب إلى الأشعث: أما بعد، فإنه أتتني بيعة عليّ فقبلتها. و لم أجد إلى دفعها سبيلا، و إني نظرت فيما غاب عني من أمر عثمان، فلم أجده يلزمني، و قد شهده المهاجرون و الأنصار، فكان أوثق أمرهم فيه الوقوف، فاقبل بيعته، فإنك لا تلتفت إلى خير منه. و اعلم أن بيعة علي خير من مصارع أهل البصرة. و قد تحلب الناقة الضجور. و يجلس العود على البعير الدبر . فانظر لنفسك و السلام.

610- عنه قال: وذكروا أن جريرا لما قدم على عليّ قال له: يا جرير. انطلق إلى معاوية بكتابي هذا وكن عند ظني فيك، و اعلم يا جرير أنك ترى من حولي من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله من المهاجرين و البدريين و العقبيين. و إني اخترتك عليهم، لقول رسول الله صلّی الله علیه و آله : خير ذي يمن جرير.

فاذهب إلى معاوية بكتابي هذا و رسالتي، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون، و إلا فانبذ إليه بالحرب، و أعلمه أني لا أرضى به أميرا، و العامة

ص: 481

لا ترضى به واليا فقال جرير: إني لأكره أن أمنعك معونتي، و ما أطمع لك في معاوية، و يصنع الله ما يشاء.

611- عنه قال: وذكروا أن عليا كتب إلى معاوية مع جرير: أما بعد، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام، لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوا، فلم يكن للشاهد أن يختار، و لا للغائب أن يرد، و إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج منهم خارج ردّوه إلى ما خرج منه.

فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، و أولاه الله ما تولى، و أصلاه جهنم . و ساءت مصيرا . و إن طلحة والزبير بايعاني بالمدينة، ثم نقضا بيعتهما، فكان نقضهما كردّتهما، فجاهدتهما بعد ما أعذرت إليهما، حتى جاء الحق، وظهر أمر الله و هم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب أمورك إلىّ العافية.

فإن تتعرض للبلاء قاتلتك، واستعنت بالله عليك، و قد أكثرت الكلام في قتلة عثمان، فادخل في الطاعة، ثم حاكم القوم إلىّ أحملك و إياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن، و لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان.

و اعلم يا معاوية أنك من الطلقاء، الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الإمامة و لا تعرض فيهم الشورى، و قد بعثت إليك و إلى من قبلك جرير بن عبد الله، و هو من أهل الإيمان و الهجرة السابقة، فبايع، و لا قوة إلا بالله.

612- عنه قال: وذكروا أن جريرا لما قدم على معاوية بكتاب علي، قام جرير بالشام خطيبا، فقال: أيها الناس إن أمر عثمان قد أعيا من شهده،

ص: 482

فما ظنكم بمن غاب عنه، و إن الناس بايعوا عليا، و إن طلحة والزبير كانا ممن بايع، ثم نقضا بيعته، ألا و إن هذا الدين لا يحتمل الفتن.

ألا و إن هذا الدين لا يحتمل السيف. وقد كانت بالبصرة أمس روعة ملمّة، إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس، و قد بايعت العامة عليا، و لو ملكنا أمرنا لم نختر لها غيره، فمن خالف هذا فقد استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل الناس فيه، فإن قلت: إن عثمان ولاني ولم يعزلني، فإن هذا لو كان لم يقم الله دين و كان لكل أمرئ ما هو فيه.

613- عنه قال: وذكروا أن عليا استشار الناس، فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة عامة ذلك، غير الأشتر النخعي، و عديّ بن حاتم، و شريح بن هانئ، فإنّهم قاموا إلى عليّ، فتكلموا بلسان واحد، فقالوا: إن الذين أشاروا عليك بالمقام، إنما خوفوك بحرب الشام، و ليس في حربهم شيء أخوف من الموت و نحن نريده.

فقال لهم: إن استعدادي لحرب أهل الشام، و جرير عندهم إغلاق للشام، وصرف لأهله عن خير إن أرادوه، و لكني قد وقّت له وقتا لا يقيم بعده إلا أن يكون مخدوعا أو عاصيا، و لا أكره لكم الإعداد، و أبطأ جرير على عليّ بالشام حتى يئس منه، و إن جريرا لما أبطأ عليه معاوية برأيه، استحثه بالبيعة، فقال معاوية لجرير: يا جرير، إن البيعة ليست بخلسة، وإنه أمر له ما بعده. فأبلعني ريقي.

614 - عنه قال: وذكروا أن معاوية دعا أهل ثقته فاستشارهم، فقال عتبة بن أبي سفيان: استعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص، فإنه من قد عرفت و قد اعتزل عثمان في حياته، و هو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن ترضيه.

ص: 483

615- عنه قال: و ذكروا أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص و هو بفلسطين: أما بعد، فقد كان من أمر علي و طلحة و الزبير ما قد بلغك، و قد سقط علينا مروان بن الحكم في رافضة من أهل البصرة، وقدم عليّ جرير ابن عبد الله في بيعة علي و قد حبست نفسي عليك، فاقدم على بركة الله، و السلام.

616- عنه قال: وذكروا أن معاوية قال الجرير: إني قد رأيت رأيا. قال جرير: هات.

قال: أكتب إلى عليّ أن يجعل لي الشام و مصر جباية، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنق بيعة، وأسلّم إليه هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة. قال جرير اكتب ما شئت.

و إنما أراد معاوية في طلبه الشام و مصر ألا يكون لعليّ في عنقه بيعة، و أن يخرج نفسه مما دخل فيه الناس، فكتب إلى علي يسأله ذلك، فلما أتى عليا كتاب معاوية عرف أنها خدعة منه.

417- عنه قال: وذكروا أن عليا كتب إلى جرير: أما بعد، فإن معاوية إنما أراد بما طلب ألا يكون لي في عنقه بيعة، و أن يختار من أمره ما أحب، و قد كان المغيرة ابن شعبة أشار علىّ و أنا بالمدينة أن أستعمله على الشام، فأبيت ذلك عليه، و لم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعك الرجل، وإلا فأقبل.

618- عنه قال و ذكروا أنه لما انتهى إلى عمرو بن العاص كتاب معاوية و هو بفلسطين، استشار ابنيه عبد الله و محمدا و قال: يا ابني، إنه قد كان مني في أمر عثمان فلتات لم أستقبلها بعد، و قد كان من هروبي بنفسي حين ظننت أنه مقتول ما قد احتمله معاوية عني، و قد قدم على معاوية جرير

ص: 484

ببيعة علي، و قد كتب إليّ معاوية بالقدوم عليه فما تريان؟ فقال عبد الله و هو الأكبر: أرى و الله أن نبي الله قبض و هو عنك راض، و الخليفتان من بعده كذلك.

و قتل عثمان و أنت غائب، فأقم في منزلك، فلست مجعولا خليفة، و لا تزيد على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة، أوشكتها أن تهلكا فتستويا فيها جميعا. وقال محمد: أرى أنك شيخ قريش، و صاحب أمرها، فإن ينصرم هذا الأمر و أنت فيه غافل، يصغر أمرك، فالحق بجماعة أهل الشام و اطلب بدم عثمان، فإنك به تستميل إلى بني أمية.

فقال عمرو: أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني، و أما أنت يا محمد فقد أمرتني بما هو خير لي في دنياي. ثم دعا غلاما له يقال له وردان و كان دأهيا فقال له عمرو يا وردان احطط، يا وردان أرحل، يا وردان احطط، يا وردان أرحل . فقال :وردان: أما إنك إن شئت نبأتك بما في نفسك.

فقال عمرو: هات یا وردان، فقال اعتركت الدنيا و الآخرة على قلبك، فقلت: مع علي الآخرة بلا دنيا، و مع معاوية الدنيا بغير آخرة، فأنت واقف بينها. فقال عمرو: ما أخطأت ما في نفسي، فما ترى يا وردان؟ فقال: أرى أن تقيم في منزلك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، و إن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك فقال عمرو: الآن حين شهر تني العرب بمسيري إلى معاوية؟

619- عنه قال: وذكروا أن عمرو بن العاص لما قدم إلى معاوية، و عرف حاجته إليه باعده من نفسه، و كايد كل واحد منهما صاحبه، فقال عمرو لمعاوية: أعطني مصر، فتلكأ معاوية و قال: ألم تعلم أن مصر كالشام؟

ص: 485

قال: بلى ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك و إنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق. و قد بعث أهلها بطاعتهم إلى عليّ. فدخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية.

فقال: أما ترضى أن تشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك؟ ليتك لا تغلب على الشام. فلما سمع معاوية قول عتبة بعث إلى عمرو، فأعطاه مصر، و لما كتب معاوية لعمرو بمصر، كتب في أسفل الكتاب: و لا ينقض شرط طاعة. وكتب عمرو، و لا تنقض طاعة شرطا، و کاید كل واحد منهما صاحبه

و كان مع عمرو بن العاص ابن أخ له، جاءه من مصر، فلما جاء عمرو بالکتاب مسرورا به، عجب ابن أخيه من سروره، فقال: يا عمرو ألا تخبرني بأي رأي تعيش في قريش و قد أعطيت دينك غيرك؟ أترى أهل مصر و هم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية و عليّ حيّ؟ أو تراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذك بالجدل الّذي قدمه؟

فقال عمرو: يا بن أخي، إنه لأمر الله دون معاوية و عليّ. يا بن أخي لو كنت مع علي وسعني بيتي، و لكني مع معاوية. فقال الفتى: إنك لم ترد معاوية، و لكنك تريد دنياه، و يريد دينك. فبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب، فلحق بعلي، وحدث عليا بأمر معاوية و عمرو، و ما قاله، فسر علي بذلك، وقرّبه.

620 - عنه قال: وذكروا أن معاوية قال لعمرو: يا أبا عبد الله، طرقتني في ليلتي هذه ثلاثة أخبار ، ليس فيها ورد و لا صدر، منها أن ابن أبي حذيفة كسر سجن مصر ، و منها أن قيصر زحف بجماعة الروم ليغلب على الشام، و منها أن عليا قد تهيأ للمجيء إلينا، فما عندك؟ قال عمرو: كل هذا عظيم.

ص: 486

أما ابن أبي حذيفة فخرج في أشباهه من الناس، فإن تبعث إليه رجلا يقتله و إن يقتل فلا يضرك، و أما قيصر فأهد له من وصائف الروم و من الذهب و الفضة و اطلب إليه الموادعة، تجده إليها سريعا، و أما عليّ فو الله إن له في الحرب لحظا ما هو لأحد الناس، و إنه لصاحب الأمر. قال معاوية: صدقت، و لكني أقاتله على ما بأيدينا، و نلزمه دم عثمان. فقال عمرو: واسوأتاه، إن أحق الناس ألا يذكر عثمان لأنا و لأنت، قال معاوية: و لم ؟ فقال عمرو: أما أنت فخذلته و معك أهل الشام، و استغاثك فأبطأت عليه، و أما أنا فتركته عيانا، و هربت إلى فلسطين. قال معاوية: دعني من هذا، هلم فبايعني. فقال عمرو: لا و الله و لا أعطيك من ديني حتى آخذ من دنياك، قال معاوية: صدقت، سل تعط، قال عمرو: مصر طعمة.

فغضب مروان بن الحكم، وقال: ما بالي لا أشترى، فقال معاوية: اسكت يا بن عم، فإنما يشترى لك الرجال. فكتب معاوية لعمرو: مصر طعمة.

621- عنه قال: و ذكروا أن معاوية قال لعمرو: إني أريد أن أكتب إلى أهل مكة والمدينة كتابا أذكر فيه قتل عثمان، فإما أن ندرك به حاجتنا، أو نكفهم عن المسير. فقال له عمرو: إلى من تكتب؟ قال: إلى ثلاثة نفر: رجل لعلي لا يريد غيره، و لا يزيده كتابنا فيه إلا بصيرة، أو رجل يهوى عثمان، فلا يزيده على ما هو عليه أو رجل معتزل لا يريد القتال.

قال عمرو: على ذلك؟ قال: نعم. قال اكتب، فكتب إلى أهل مكة و المدينة: أما بعد، فإنه مهما غاب عنا فإنه لم يفت علينا أن عليا قتل عثمان، و الدليل على ذلك أن قتلته عنده، و إنما نطلب بدمه حتى يدفع إلينا قتلته، فنقتلهم بكتاب الله تعالى، فإن دفعهم إلينا كففنا عنه، و جعلناها شوری بین

ص: 487

المسلمين على ما جعلها عمر بن الخطاب، فأما الخلافة فلسنا نطلبها، فأعينونا يرحمكم الله و انهضوا من ناحيتكم.

622- عنه قال: وذكروا أنه لما قرأ عليهم كتابه اجتمع رأيهم على أن يسندوا أمرهم إلى المسور بن مخرمة، فجاوب عنهم، فكتب إليه: أما بعد، فإنك أخطأت خطأ عظيما، و أخطأت مواضع النصرة، وتناولتها من مكان بعيد، و ما أنت و الخلافة يا معاوية، و أنت طليق، و أبوك من الأحزاب. فكف عنا، فليس لك قبلنا وليّ و لا نصير.

623- عنه قال: وذكروا أن معاوية كتب إلى ابن عمر كتابا خاصا، دون كتابه إلى أهل المدينة: أما بعد، فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إليّ أن يجتمع الناس عليه منك بعد عثمان، فذكرت خذلك إياه، و طعنك على أنصاره، فتغيرت لك، و قد هون ذلك عليّ خلافك على عليّ، وطعنك عليه، و ردني إليك بعض ما كان منك، فأعنا يرحمك الله على حق هذا الخليفة المظلوم، فإنّي لست أريد الإمارة عليك، و لكني أريدها لك، فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين.

624 - عنه فكتب إليه عبد الله بن عمر: أما بعد، فإن الرأي الّذي أطمعك في هذا هو الّذي صيرك إلى ما صيرك. تركت عليا من المهاجرين و الأنصار، وتركت طلحة والزبير وعائشة، و أتبعك فيمن اتبعك؟ و أما قولك إني طعنت على عليّ فلعمري ما أنا كعليّ في الإسلام والهجرة، و مكانه من رسول الله صلّی الله علیه و آله، و لكن أحدث أمرا لم يكن إلينا فيه من رسول الله صلّی الله علیه و آله عهد، ففزعت إلى الوقوف، وقلت: إن كان هذا فضلا تركته، و إن كان ضلالة فشر منه نجوت، فأغن عن نفسك.

625- عنه قال: وذكروا أن معاوية كتب إلى سعد بن أبي وقاص: أما

ص: 488

بعد، فإن أحق الناس بنصرة عثمان أهل الشورى، و الذين أثبتوا حقه، و اختاروه على غيره، و قد نصره طلحة والزبير، و هما شريكاك في الأمر و الشورى، ونظيراك فى الإسلام، و خفّت لذلك أم المؤمنين، فلا تكرهنّ ما رضوا، و لا تردنّ ما قبلوا، فإنما نردها شورى بين المسلمين.

626 - عنه قال: وذكروا أن سعدا كتب إليه: أما بعد، فإن أهل الشورى ليس منهم أحق بها من صاحبه، غير أن عليا كان من السابقة، و لم يكن فينا ما فيه، فشاركنا في محاسننا، و لم نشاركه في محاسنه، و كان أحقنا كلنا بالخلافة، و لكن مقادير الله تعالى التي صرفتها عنه، حيث شاء لعلمه و قدره.

و قد علمنا أنه أحق بها منا و لكن لم يكن بد من الكلام في ذلك و التشاجر، فدع ذا. و أما أمرك يا معاوية، فإنه أمر كرهنا أوله وآخره. وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيرا لها. و الله تعالى يغفر لعائشة أم المؤمنين.

627- عنه معاوية إلى محمد بن مسلمة الأنصاري أما بعد فإنّي لم أكتب إليك و أنا أرجو مبايعتك، و لكني أذكرك النعمة التي خرجت منها، إنك كنت فارس الأنصار وعدة المهاجرين، فادعيت على رسول الله صلّی الله علیه و آله أمرا لم تستطع فيه الإمضاء، فهذا أعني، و عن قتال أهل الصلاة.

فهلا نهيت أهل الصلاة عن قتل بعضهم بعضا؟ أو ترى أن عثمان و أهل الدار ليسوا بمسلمين؟ و أما قومك الأنصار فقد عصوا الله تعالى، و خذلوا عثمان، وسائلهم و سائلك الله تعالى عن الّذي كان يوم القيامة.

628 - عنه قال: وذكروا أن محمد بن مسلمة كتب إليه: أما بعد، فقد اعتزل هذا الأمر من ليس في يده من رسول الله صلّی الله علیه و آله مثل الّذي في يدي،

ص: 489

و قد أخبرت بالذي هو كائن قبل أن يكون، فلما كان كسرت سيفي، و لزمت بيتي، و اتهمت الرأي على الدين، إذ لم يصح لي معروف آمر به، و لا منكر أنهى عنه، و لعمري يا معاوية ما طلبت إلا الدنيا، و لا اتبعت إلا الهوى، و لئن كنت نصرت عثمان ميتا لقد خذلته حيا، و نحن و من قبلنا من المهاجرين والأنصار أولى بالصواب.

قال: فلما أجاب القوم معاوية بما أجابوه من الخلاف إلى ما دعاهم إليه قال له عمرو: كيف رأيت يا معاوية و رأيك، أخبرتك بالأمر قبل أن يقع ، قال معاوية رجوت ما خفت.

629- عنه قال: وذكروا أن معاوية كتب إلى عليّ. أما بعد، فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك و أنت بريء من دم عثمان، كنت كأبي بكر و عمر و عثمان، و لكنك أغريت بعثمان المهاجرين، و خذلت عنه الأنصار، فأطاعك الجاهل، و قوي بك الضعيف، و قد أبى أهل الشام إلا قتالك، حتى تدفع إليهم قتلة عثمان، فإذا دفعتهم كانت شورى بين المسلمين.

و قد كان أهل الشام الحكام على الناس و في أيديهم الحق، فلما تركوه صار الحق في أيدي أهل الشام، و لعمري ما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة، و لا حجتك على طلحة والزبير، لأن أهل البصرة بايعوك، و لم يبايعك أحد من أهل الشام، و إن طلحة والزبير بايعاك و لم أبايعك. و أما فضلك في الإسلام و قرابتك من النبي صلّی الله علیه و آله فلعمري ما أدفعه و لا أنكره.

630- عنه قالوا: فكتب إليه عليّ: أما بعد، فقد جاءني منك كتاب أمرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه، و قاده فاستقاده. زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان، و لعمري ما

ص: 490

كنت إلا رجلا من المهاجرين، أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا، و ما كان الله ليجمعهم على الضلال، و لا ليضربهم بالعمى.

و ما أمرت فيلزمني خطيئة عثمان، و لا قتلت فيلزمني قصاص القاتل. أما قولك إن أهل الشام هم الحكام على الناس، فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى، أو تحل له الخلافة، فإن سميت كذّبك المهاجرون و الأنصار، وإلا أتيتك به من قريش الحجاز. و أما قولك ندفع إليك قتلة عثمان فما أنت و عثمان؟ إنما أنت رجل من بني أمية، و بنو عثمان أولى بعثمان منك، فإن زعمت أنك أقوى على ذلك، فادخل في الطاعة.

ثم حاكم القوم إليّ. و أما تمييزك بين الشام و البصرة و ذكرك طلحة و الزبير، فلعمري ما الأمر إلا واحد، إنها بيعة عامة، لا ينثي عنها البصير، ولا يستأنف فيها الخيار، و أما ولوعك بي في أمر عثمان، فو الله ما قلت ذلك عن حق العيان و لا عن يقين الخبر، و أما فضلي في الإسلام و قرابتي من رسول الله قاده ، و شرفي في قريش، فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته.

631 - عنه قال : وذكروا أن عبيد الله بن عمر قدم على معاوية الشام فسر به سرورا شديدا و سر به أهل الشام، و كان أشد قريش سرورا به عمرو بن العاص فقال معاوية لعمرو: ما منع عبد الله أن يكون كعبيد الله ؟ فضحك عمرو، و قال: شبهت غير شبيه، إنما أتاك عبيد الله مخافة أن يقتله عليّ بقتله الهرمزان، و رأى عبد الله ألا يكون عليك و لا لك، و لو كان معك النفعك أو عليك لضرك.

632- عنه قال: وذكروا أن معاوية بعث إلى رؤساء أهل الشام، فجمعهم ثم قال: أنتم أهل الفضل، فليقم كل رجل منكم يتكلم، فقام رجل فقال: أما والله لو شهدنا أمر عثمان، فعرفنا قتلته بأعيانهم لاستغنينا عن

ص: 491

إخبار الناس، و لكنا نصدقك على ما غاب عنا، و إن أبغض الناس إلينا من يقاتل عليّ بن أبي طالب لقدمه في الإسلام، و علمه بالحرب.

633- عنه ثم قام حوشب فقال : والله ما إياك ننصر، و لا لك نغضب، و لا عنك نحامي، ما ننصر إلا الله، و لا نغضب إلا للخليفة، و لا نحامي إلا عن الشام، فلف الخيل بالخيل، و الرجال بالرجال، وقد دعونا قومنا إلى ما دعوتنا إليه أمس، و أمرناهم بما أمرتنا به، فجعلوك بيننا و بين الله، و نحن بينك و بينهم فمرنا بما تحب و انهنا عما تكره.

634- عنه قال: فلما عزم معاوية على المسير إلى صفّين عبّأ أهل الشام، فجعل على مقدمته أبا الأعور السلمىّ، و على ساقته بسر بن أرطاة، و على الخيل عبيد الله بن عمر، و دفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، و على الميمنة يزيد العبسيّ، و على الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص، ثم قال:

يا أهل الشام، إنكم قد سرتم لتمنعوا الشام، وتأخذوا العراق، و لعمري ما للشام رجال العراق و أموالها، و لا لأهل العراق بصر أهل الشام و لا بصائرهم، مع أن القوم بعدهم غيرهم مثلهم ، و ليس بعدكم غيركم، فإن غلبتموهم فلم تغلبوا إلا من قد أتاكم.

و إن غلبوكم عاقبوا من بعدكم و القوم لاقوكم ببصائر أهل الحجاز ورقة أهل اليمن و قسوة أهل مصر وكيد أهل العراق، و إنما يبصر غدا من أبصر اليوم، ف_«اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ».

635- عنه ثم سار معاوية في ثلاثة آلاف وثمانين ألفا، حتى نزل بصفّين، و ذلك في نصف محرم و سبق إلى سهولة الأرض، وسعة المناخ، و قرب الفرات، وكتب إلى عليّ يخبره بمسيره.

ص: 492

636- عنه قال: وذكروا أن عليا لما بلغه تأهب معاوية قال: أيها الناس، إنما بايع معاوية أهل الشام، و ليس له غيرهم وليّ ولا نصير، و إنكم أهل الحجاز، و أهل العراق، و أهل اليمن، و أهل مصر، و قد جعل القوم معاوية بينهم و بين الله، و ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، وقد وادع القوم الروم.

فإن غلبتموهم استعانوا بهم، و لحقوا بأرضهم، و إن غلبوكم فالغاية الموت، و المفر إلى الله العزيز الحكيم. و قد زعم معاوية أن أهل الشام أهل صبر و نصر، و لعمري لأنتم أولى بذلك منهم، لأنكم المهاجرون و الأنصار و التابعون بإحسان، و إنما الصبر اليوم، والنصر غدا.

قال: فجد الناس و نشطوا و تأهبوا، فسار عليّ بالناس من الكوفة في مائة ألف و تسعين ألفا، فجعل على المقدمة الأشتر النخعي، و على ساقته شريح بن هانئ، و على المهاجرين والأنصار محمد بن أبي بكر، و على أهل البصرة عبد الله بن عباس، و على الكوفة عبد الله بن جعفر، و على جماعة الخيل عمار بن ياسر، و على القلب الحسن بن علي، و سار علي حتى نزل صفين، و قد سبقه معاوية إلى سهولة الأرض. وسعة المناخ، و قرب الفرات.

637- عنه قال: وذكروا أنه لما نزل معاوية بصفين، بعث أبا الأعور بمن معه، ليحولوا بينهم و بين الفرات، و أن أهل العراق لما نزلوا بعثوا غلمانهم ليستقوا لهم من الفرات، فحالت خيل معاوية بينهم و بين الماء، فانصرفوا، فساروا إلى عليّ، فأخبروه فقال عليّ للأشعث: اذهب إلى معاوية، فقل له: إن الّذي جئنا له غير الماء، و لو سبقناك إليه لم نحل بينك و بينه.

فإن شئت خليت عن الماء، و إن شئت تناجزنا عليه و تركنا ما جئنا

ص: 493

له. فانطلق الأشعث إلى معاوية، فقال له: إنك تمنعنا الماء و أيم الله لنشر بنه، فمرهم يكفوا عنه قبل أن نغلب عليه، و الله لا نموت عطشا و سيوفنا على رقابنا. فقال معاوية لأصحابه: ما ترون ؟ فقال رجل منهم: نرى أن نقتلهم عطشا كما قتلوا عثمان ظلما .

فقال عمرو بن العاص: لا تظن يا معاوية أن عليا يظمأ و أعنة الخيل بيده، و هو ينظر إلى الفرات، حتى يشرب أو يموت دونه، خلّ عن القوم يشربوا. فقال معاوية: هذا و الله أول الظفر، لا سقاني الله الله من حوض الرسول إن شربوا منه حتى يغلبوني عليه.

فقال عمرو: و هذا أول الجور، أما تعلم أن فيهم العبد و الأجير و الضعيف و من لا ذنب له ؟ لقد شجعت الجبان، و حملت من لا يريد قتالك على قتالك.

638- عنه قال: وذكروا أن معاوية لما غلب على الماء اغتم عليّ لما فيه الناس من العطش، فخرج ليلا والناس يشكون بعضهم إلى بعض، مخافة أن يغلب أهل الشام على الماء، فقال الأشعث: يا أمير المؤمنين، أ يمنعنا القوم الماء و أنت فينا و معنا السيوف؟ خل عنا و عن القوم، فو الله لا أرجع إليك حتى أرده، أو أموت دونه، و أمر الأشتر أن يعلو الفرات في الخيل، حتى آمره بأمري.

فقال علي: ذلك لك. فانصرف الأشعث، فنادى في الناس: من كان يريد الماء فميعاده الصبح، فإنّي ناهض إلى الماء، فأجابه بشر كثير، فتقدم الأشعث في الرجّالة، و الأشتر في الخيل، حتى وقفا على الفرات، فلم يزل الأشعث في الرجّالة يمضي، حتى خالط القوم، ثم حسر عن رأسه، فنادى: أنا الأشعث بن قيس، خلوا عن الماء.

ص: 494

فقال أبو الأعور : أما والله قبل أن تأخذنا وإياكم السيوف فلا. فقال الأشعث أظنها والله قد دنت منا و منكم. قال: و بعث الأشعث إلى الأشتر أن أقحم الخيل، فأقحمها الأشتر، حتى وضع سنابكها في الفرات، و حمل الأشتر في الرجالة، فأخذت القوم السيوف فانكشف أبو الأعور و أصحابه، و بعث الأشتر إلى علي:

هلم يا أمير المؤمنين، قد غلب الله لك على الماء، فلما غلب أهل العراق على الماء، شمت عمرو بن العاص بمعاوية، و قال: يا معاوية، ما ظنك إن منعك علي الماء اليوم كما منعته أمس؟ أتراك ضاربهم كما ضربوك؟ فقال: دع ما مضى عنك فإن عليا لا يستحل منك ما استحللت منه، و إن الّذي جاء له غير الماء.

639 - عنه قال: وذكروا أن الناس مكثوا بصفين أربعين ليلة: يغدون إلى القتال و يروحون، فأما القتال الّذي كان فيه الفناء فثلاثة أيام. فلما رأى على كثرة القتال والقتل في الناس، برز يوما من الأيام ومعاوية فوق التل، فنادى بأعلى صوته: يا معاوية فأجابه فقال: ما تشاء يا أبا الحسن؟

قال على علیه السّلام: علام يقتتل الناس و يذهبون؟ على ملك إن نلته كان لك دونهم؟ و إن نلته أنا كان لي دونهم ؟ أبرز إليّ ودع الناس، فيكون الأمر لمن غلب. قال عمرو بن العاص: أنصفك الرجل يا معاوية. فضحك معاوية و قال: طمعت فيها يا عمرو، فقال عمرو: و الله ما أراه يجمل بك إلا أن تبارزه. فقال معاوية: ما أراك إلا مازحا، نلقاه بجمعنا.

640 - عنه قال: وذكروا أن عمرا قال لمعاوية: أتجبن عن علي، و تتهمني في نصيحتي إليك؟ و الله لأبارزن عليا و لو مت ألف موتة في أول لقائه فبارزه ،عمرو، فطعنه علي فصرعه فاتقاه بعورته فانصرف عنه عليّ،

ص: 495

و ولی بوجهه دونه. و كان علي علیه السّلام لم ينظر قط إلى عورة أحد، حياء و تكرما، وتنزها عما لا يحل و لا يجمل بمثله علیه السّلام.

641- عنه قال: وذكروا أن عليا دعا زجر بن قيس، فقال له: سر في بعض هذه الخيل إلى القطقطانة، فاقطع الميرة عن معاوية، ولا تقتل إلا من يحل لك قتله، وضع السيف موضعه، فبلغ ذلك معاوية، فدعا الضحاك بن قيس، فأمره أن يلقی زحر بن قيس فيقاتله، فسار الضحاك فلقيه زحر فهزمه، و قتل من أصحابه، و قطع الميرة عن أهل الشام، و رجع الضحاك إلى معاوية منهزما.

فجمع معاوية الناس، فقال: أتاني خبر من ناحية من نواحيّ، أمر شدید، فقالوا: يا أمير المؤمنين، لسنا في شيء مما أتاك، إنما علينا السمع و الطاعة، و بلغ عليا قول معاوية و قول أهل الشام، فأراد أن يعلم ما رأي أهل العراق، فجمعهم، فقال: أيها الناس إنه أتاني خبر من ناحية من نواحي.

فقال ابن الكواء وأصحابه إن لنا في كل أمر رأيا، فما أتاك فأطلعنا عليه، حتى نشير عليك.

فبكى علي، ثم قال: ظفر و الله ابن هند باجتماع أهل الشام له، و اختلافكم عليّ، و الله ليغلبن باطله حقكم، إنما أتاني أن زحر بن قيس ظفر بالضحاك، و قطع الميرة، و أتى معاوية هزيمة صاحبه، فقال: يا أهل الشام، إنه أتاني أمر شديد، فقلدوه أمرهم، و اختلفتم عليّ.

فقام قيس بن سعد، فقال: أما والله لنحن كنا أولى بالتسليم من أهل الشام.

642- عنه قال: وذكروا أن أبا هريرة و أبا الدرداء قدما على معاوية من حمص، و هو بصفين فوعظاه و قالا له: يا معاوية، علام تقاتل عليا و

ص: 496

هو أحق بهذا الأمر منك في الفضل و السابقة؟ لأنه رجل من المهاجرين الأولين السابقين بإحسان و أنت طليق، و أبوك من الأحزاب. أما والله ما نقول لك أن تكون العراق أحب إلينا من الشام، و لكن البقاء أحب إلينا من الفناء، و الصلاح أحب إلينا من الفساد.

فقال معاوية: لست أزعم أني أولى بهذا الأمر من علي، و لكني أقاتله حتى يدفع إلىّ قتلة عثمان. فقالا: إذا دفعهم إليك ما ذا يكون؟ قال: أكون رجلا من المسلمين، فأتيا عليا فإن دفع إليكما قتلة عثمان جعلتها شورى. فقدما على عسكر علي، فأتاهما الأشتر.

فقال: يا هذان إنه لم ينزلكما الشام حب معاوية، و قد زعمتها أنه يطلب قتلة عثمان، فعمن أخذتما ذلك فقبلتماه؟ أ عمن قتله فصدقتموهم على الذنب، كما صدقتموهم على القتل؟ أم عمن نصره، فلا شهادة لمن جرّ إلى نفسه، أم عمن اعتزلوا، إذ علموا ذنب عثمان و قد علموا ما الحكم في قتله؟ أم عن معاوية و قد زعم أن عليا قتله ؟ اتقيا الله، فإننا شهدنا و غبتها، و نحن الحكام على من غاب.

فانصرفا ذلك اليوم، فلما أصبحا أتيا عليا، فقالا له: إن لك فضلا لا يدفع، و قد سرت مسير فتى إلى سفيه من السفهاء، و معاوية يسألك أن تدفع إليه قتلة عثمان، فإن فعلت ثم قاتلك كنا معك. قال علي علیه السّلام: أ تعرفانهم؟ قالا : نعم. قالا: فخذاهم، فأتيا محمد قالا: فخذاهم، فأتيا محمد بن أبي بكر، و عمار بن ياسر، و الأشتر، فقالا: أنتم من قتلة عثمان وقد أمرنا بأخذكم، فخرج إليهما أكثر من عشرة آلاف رجل.

فقالوا: نحن قتلنا عثمان، فقالا: نرى أمرا شديدا ألبس علينا الرجل. و إن أبا هريرة و أبا الدرداء انصرفا إلى منزلهما بحمص، فلما قدما حمص لقيهما

ص: 497

عبد الرحمن بن عثمان، فسألهما عن مسيرهما، فقصا عليه القصة، فقال: العجب منكما أنكما من صحابة رسول الله صلّی الله علیه و آله.

أما و الله لئن كففتها أيديكما ما كففتها ،ألسنتكما، أتأتيان عليا و تطلبان إليه قتلة عثمان و قد علمتها أن المهاجرين والأنصار لو حرموا دم عثمان نصروه و بايعوا عليا على قتلته، فهل فعلوا ؟ و أعجب من ذلك رغبتكما عما صنعوا، وقولكما لعليّ: اجعلها شوری، و اخلعها من عنقك، وإنكما لتعلمان أن من رضي بعلي خير ممن كرهه، و أن من بايعه خير ممن لم يبايعه.

ثم صرتما رسولي رجل من الطلقاء، لا تحلّ له الخلافة، ففشا قوله و قولهما، فهمّ معاوية بقتله، ثم راقب فيه عشيرته.

643-عنه وذكروا أن رجلا من همذان يقال له برد قدم على معاوية، فسمع عمرا يقع في علي، فقال له: يا عمرو إن أشياخنا سمعوا رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو حق و أنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علي، ففزع الفتى.

فقال عمرو: إنه أفسدها بأمره في عثمان، فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا، و لكنه آوى و منع. قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال: نعم.

قال: فما أخرجك من بيعته؟ قال: اتهامي إياه في عثمان. قال له: و أنت أيضا قد اتهمت؟ قال: صدقت فيها خرجت إلى فلسطين، فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنا أتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم. عليّ على الحق فاتبعوه.

644- عنه قال: وذكروا أن معاوية كتب إلى أبي أيوب الأنصاري، و كان أشد الأنصار على معاوية: أما بعد، فإنّي ناسيتك ما لا تنسى الشيباء.

ص: 498

فلما قرأ كتابه أتى به عليا، فأقرأه إياه. قال علي علیه السّلام : يعني بالشيباء المرأة الشمطاء لا تنسى شكل ابنها، فأنا لا أنسى قتل عثمان.

فكتب إليه أبو أيوب: إنه لا تنسى الشيباء ثكل ولدها، و ضربتها مثلا لقتل عثمان، فما نحن وقتلة عثمان؟ إن الّذي تربص بعثمان و ثبط أهل الشام عن نصرته لأنت، و إن الذين قتلوه غير الأنصار، والسلام.

645- عنه قال: وذكروا أن النعمان بن بشير الأنصاري وقف بين الصفين، فقال: يا قيس بن سعد، أما أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه، إنكم يا معشر الأنصار أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار، و قتلكم أنصاره يوم الجمل، و إقحامكم على أهل الشام بصفين، فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا، كان هذا بهذا، و لكنكم خذلتم حقا، و نصرتم باطلا.

ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس، حتى أشعلتم الحرب، و دعوتم إلى البراز، فقد و الله وجدتم رجال الحرب من أهل الشام سراعا إلى برازكم، غير أنكاس عن حربكم، ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة، و وعدتموه الظفر، و قد و الله أخلفتموه، و هان عليكم بأسكم، و ما كنتم التخلوا به أنفسكم، من شدتكم في الحرب، وقدرتكم على عدوكم.

و قد أصبحتم أذلاء على أهل الشام، لا يرون حربكم شيئا، و أنتم أكثر منهم و مددا، و قد و الله كاثر وكم بالقلة، فكيف لو كانوا مثلكم فى الكثرة؟ والله لا تزالون أذلاء فى الحرب بعدها أبدا، إلا أن يكون معكم أهل الشام، وقد أخذت الحرب منا و منكم ما قد رأيتم، و نحن أحسن بقية، و أقرب إلى الظفر، فاتقوا الله في البقية.

فضحك قيس و قال: و الله ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذا المقام، أما المنصف المحقّ فلا ينصح أخاه من غشّ نفسه، و أنت و الله الغاشّ

ص: 499

لنفسه، المبطل فيم انتصح غيره، أما ذكرك عثمان فإن كان الإيجاز يكفيك فخذه، قتل عثمان من لست خيرا منه، و خذله من هو خير منك، و أما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث.

و أما معاوية فلو اجتمعت العرب على بيعته لقاتلهم الأنصار، و أما قولك: إنا لسنا كالناس، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله صلّی الله علیه و آله نتقي السيوف بوجوهنا و الرماح بنحورنا، «حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَارِهُونَ». و لكن انظر يا نعمان: هل ترى مع معاوية إلا طليقا أعرابيا، أو يمانيا مستدرجا؟

و انظر أين المهاجرون والأنصار، و التابعون بإحسان، الذين ورضوا عنه ؟ ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وغير صويحبك و لستما و الله بدريين، و لا عقبيين و لا أحديين و لا لكما سابقة في الإسلام، و لا آية في القرآن.

646- عنه قال: وذكروا أن معاوية قال لعمرو بن العاص : إن رأس أهل العراق مع علي عبد الله بن عباس، فلو ألقيت إليه كتابا ترفق فيه، فإن قال شيئا لم يخرج منه عليّ، و قد أكلتنا هذه الحرب، و لا أرانا نطيق العراق إلا بهلاك الشام. فقال له عمرو: إن ابن عباس لا يخدع، و لو طمعت فيه طمعت في عليّ. قال معاوية: على ذلك.

فكتب عمرو إلى ابن عباس أما بعد، فإن الّذى نحن و أنت فيه ليس أول أمر قاده البلاء، و ساقته العافية، و إنك رأس هذا الجمع بعد عليّ، فانظر فيما بقي بغير ما مضى، فو الله ما أبقت هذه الحرب لنا و لا لكم حياة ولا صبرا. و اعلم أن الشام لا تهلك إلا بهلاك العراق، و أن العراق لا تهلك إلا بهلاك الشام.

ص: 500

فما خيرنا بعد أعدادنا منكم؟ و ما خيركم بعد أعدادكم منا؟ و لسنا نقول: ليت الحرب عادت، و لكنا نقول: ليتها لم تكن. و إن فينا لمن يكره البقاء كما فيكم، و إنما هما ثلاثة: أمير مطاع، أو مأمور مطيع، أو مشاور مأمون. فأما العاصي السفيه فليس بأهل أن يدعى في ثقات أهل الشورى، و لا خواص أهل النجوى.

647- عنه قال: وذكروا أنه لما انتهى كتاب عمرو إلى ابن عباس، أتى به إلى علي، فأقرأه إياه، فقال علي: قاتل الله ابن العاص، أجبه. فكتب إليه: أما بعد، فإنّي لا أعلم رجلا أقل حياء منك في العرب، إنك مال بك الهوى إلى معاوية، و بعته دينك بالثمن الأوكس، ثم خبطت الناس في عشواء، طمعا في هذا الملك.

فلما ترامينا، أعظمت الحرب و الرماء إعظام أهل الدين، و أظهرت فيها كراهية أهل الورع، لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب، وكسر أهل الدين، فإن كنت تريد الله فدع مصر و ارجع إلى بيتك، فإن هذه حرب ليس فيها معاوية كعليّ، بدأها علي بالحق، و انتهى فيها إلى العذر، و بدأها معاوية بالبغي، و انتهى فيها إلى السرف، و ليس أهل الشام فيها كأهل العراق.

بايع أهل العراق عليا و هو خير منهم، و بايع أهل الشام معاوية و هم خير منه، و لست أنا و أنت فيها سواء، أردت الله، و أنت أردت مصر، و قد عرفت الشيء الّذي باعدك مني، و لا أعرف الشيء الّذي قربك من معاوية، فإن ترد شرّا لا تفتنا به، و إن ترد خيرا لا تسبقنا إليه.

648- عنه قال: وذكروا أن معاوية دعا مروان بن الحكم، فقال: يا مروان، إن الأشتر قد غمني، فاخرج بهذه الخيل، فقاتله بها غدا. فقال مروان: ادع لها عمرا، فإنه شعارك دون دثارك. قال معاوية: و أنت نفسي

ص: 501

دون وزيري. قال مروان: لو كنت كذلك ألحقتني به في العطاء، و ألحقته بي في الحرمان، و لكنك أعطيته ما في يدك، و منيتني ما في يدي غيرك، فإن غلبت طاب المقام، و إن غلبت خف عليك المهرب.

قال معاوية: يغني الله عنك، قال: أما اليوم فلا. فدعا معاوية عمرا، فأمره بأمره، فقال: أما والله لئن فعلت لقد قدمتني كافيا، وأدخلتني ناصحا، و قد غمك القوم في مصر، فإن كان لا يرضيهم إلا أخذها فخذها، عليها لعنة الله، أما والله يا أمير المؤمنين إن مروان يباعدك منا و يباعدنا منك، و يأبى الله إلا أن يقربنا إليك.

649- عنه قال: وذكروا أن معاوية كتب إلى عبد الله بن عباس: أما بعد، فإنكم معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع منكم بالمساءة إلى أنصار عثمان، فإن يك ذلك لسلطان بني أمية، فقد ورثها عدي و تيم، وقد وقع من الأمر ما قد ترى، و أدالت هذه الحرب بعضنا من بعض، حتى استوينا فيها، فما أطمعكم فينا، و ما أيأسكم منا أيأسنا منكم، وقد رجونا غير الّذي كان، و خشينا دون ما وقع.

و لستم ملاقينا اليوم بأحد من حدّكم أمس، و قد منعنا بما كان منا الشام، و قد منعتم بما كان منكم العراق، فاتقوا الله في قريش. فما بقي من رجالها إلا ستة: رجلان بالشام، و رجلان بالعراق، و رجلان بالحجاز، فأما اللذان بالحجاز: فسعد، و عبد الله بن عمر، و أما اللذان بالشام: فأنا، و عمرو.

و أما اللذان بالعراق، فعلي و أنت. و من الستة رجلان ناصبان لك، و آخران واقفان عليك، و أنت رأس هذا الجمع اليوم وغدا، و لو بايع الناس لك بعد عثمان كنا أسرع إليك منا إلى عليّ.

ص: 502

650- عنه قال: وذكروا أنه لما أتى كتاب معاوية إلى ابن عباس ضحك، ثم قال: حتى متى يخطب إليّ معاوية عقلي؟ و حتى متى أجمجم له عما في نفسي؟

فكتب إليه: أما بعد، فقد جاءني كتابك فأما ما ذكرت من سرعتنا بالمساءة إلى أنصار عثمان لسلطان بني أمية، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك، لقد استنصرك فلم تنصره، حتى صرت إلى ما صرت إليه و بيني و بينك في ذلك ابن عمك، و أخو عثمان الوليد بن عقبة.

و أما قولك: إنه لم يبق من رجال قريش غير ستة، فما أكثر رجالها، و أحسن بقيتها، وقد قاتلك من خيارها من قاتلك، و لم يخذلنا إلا من خذلك، و أما إغراؤك إيانا بعدي و تيم، فأبو بكر و عمر كانا خيرا منك و من عثمان، كما أن عليا خير منك، و أما قولك: إنا لن نلقاك إلا بما لقيناك به، فقد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله و تخاف له ما بعده.

و أما قولك: إنه لو بايعني الناس استقمت فقد بايعوا عليا و هو خير مني، فلم تستقم له، و إن الخلافة لا تصلح إلا لمن كان في الشورى، فما أنت و الخلافة؟ و أنت طليق الإسلام، و ابن رأس الأحزاب، و ابن آكلة الأكباد من قتلى بدر.

651- عنه قال: وذكروا أن عليا قام خطيبا فقال: أيها الناس، ألا إن هذا القدر ينزل من السماء كقطر المطر، على كل نفس بما كسبت من زيادة أو نقصان، في أهل أو مال، فمن أصابه نقصان في أهل أو مال فلا يغشّ نفسه، ألا و إنما المال حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام، وقد دخل فى هذا العسكر طمع من معاوية.

فضعوا عنكم هم الدنيا بفراقها، وشدّة ما اشتدّ منها، برجاء ما بعدها،

ص: 503

فإن نازعتكم أنفسكم إلى غير ذلك فردوها إلى الصبر، و وطنوها على العزاء، فو الله إن أرجى ما أرجوه الرزق من الله، حيث لا نحتسب، وقد فارقكم مصقلة بن هبيرة، فآثر الدنيا على الآخرة، وفارقكم بسر بن أرطاة فأصبح ثقيل الظهر من الدماء.

مفتضح البطن من المال، وفارقكم زيد بن عدي بن حاتم، فأصبح يسأل الرجعة. وايم الله لوددت رجال مع معاوية أنهم معي، فباعوا الدنيا بالآخرة، و لوددت رجال معي أنهم مع معاوية، فباعوا الآخرة بالدنيا.

652- عنه قال: وذكروا أن عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية. فقال: يا أمير المؤمنين، إني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب. فقال معاوية: لله أنت أتدري ما قلت؟ أما قولك الغبي، فو الله لو أن ألسن الناس جمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان عليّ، و أما قولك إنه جبان، فثكلتك أمك، هل رأيت أحدا قط بارزه إلا قتله ؟ و أما قولك إنه بخيل، فو الله لو كان له بيتان أحدهما من تبر و الآخر من تبن، لأنفذ تبره قبل تبنه.

فقال الثقفي: فعلام تقاتله إذا ؟ قال: على دم عثمان، و على هذا الخاتم، الّذي من جعله في يده جادت طينته، و أطعم عياله، و ادخر لأهله. فضحك الثقفي ثم لحق بعلي، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي يديّ بجرمي، لا دنيا أصبت و لا آخرة. فضحك علي، ثم قال: أنت منها على رأس أمرك، و إنما يأخذ الله العباد بأحد الأمرين.

653- عنه قال: وذكروا أن أهل العسكرين باتوا بشدة من الألم، و نادى عليّ أصحابه، فأصبحوا على راياتهم و مصافّهم، فلما رآهم معاوية و قد برزوا للقتال، قال لعمرو بن العاص: يا عمرو، ألم تزعم أنك ما وقعت في

ص: 504

أمر قط إلا خرجت منه ؟ قال: بلى، قال: أفلا تخرج مما ترى؟ قال: و الله لأدعونّهم إن شئت إلى أمر أفرق به جمعهم، و يزداد جمعك إليك اجتماعا، إن أعطوكه اختلفوا، و إن منعوكه اختلفوا.

قال معاوية: و ما ذلك؟ قال عمرو: تأمر بالمصاحف فترفع ثم تدعوهم إلى ما فيها، فو الله لئن قبله لتفترقن عنه جماعته، و لئن ردّه ليكفرنه أصحابه. فدعا معاوية بالمصحف، ثم دعا رجلا من أصحابه يقال له ابن هند، فنشره بين الصفين، ثم نادى: الله الله في دمائنا و دمائكم الباقية، بينا و بينكم كتاب الله.

فلما سمع الناس ذلك ثاروا إلى عليّ، فقالوا: قد أعطاك معاوية الحق، و دعاك إلى كتاب الله، فأقبل منه. و رفع صاحب معاوية المصحف و هو يقول: بيننا و بينكم هذا المصحف، ثم تلا: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً من الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ».

ثم نادى من لفارس من الروم؟ فقال الأشعث: والله لا نأتي هذه أبدا، و نرضى معك، أو نقاتل معك و تابعه أشراف أهل اليمن، و ركنوا إلى الصلح، و كرهوا القتال.

654 - عنه قال : وذكروا أن معاوية دعا عبد الله بن عمرو بن العاص، فأمره أن يكلم أهل العراق، فأقبل عبد الله بن عمرو، حتى إذا كان بين الصفين نادى: يا أهل العراق، أنا عبد الله بن عمرو بن العاص، إنه قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا، فإن تك للدين، فقد و الله أسرفنا و أسرفتم، و إن تك للدنيا فقد والله أعذرنا و أعذرتم، و قد دعوناكم لأمر لو دعوتمونا إليه أجبناكم.

ص: 505

فإن يجمعنا وإياكم الرضا، فذلك من الله، وإلا فاغتنموا هذه الفرجة، لعلّ الله أن ينعش بها الحيّ، و ينسى بها القتيل، فإن بقاء المقلد بعد الهالك قليل. فقال عليّ لسعد بن قيس: أجب الرجل، وقد كان عبد الله بن عمرو قاتل يوم صفين بسيفين، وكان من حجته أن قال: أمرني رسول الله أن أطيع أبي. فتقدّم سعد بن قيس، حتى إذا كان بين الصفين نادى:

يا أهل الشام إنه كانت بيننا وبينكم أمور حامينا فيها على الدين و الدنيا، وقد دعوتمونا إلى ما قاتلناكم عليه أمس، و لم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم، و لا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل منه، فإن يحكم فيه بما أنزل الله فالأمر في أيدينا، وإلا فنحن نحن و أنتم أنتم، و إن الناس ثاروا إلى عليّ عند كلام عبد الله بن عمرو.

فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك إليه، فإنا دعونا عثمان إلى ما دعاك القوم إليه، فأبى فقاتلناه. فبعث علىّ الأشعث إلى أهل الرايات، يأمرهم أن ينقضوها و يرجعوا إلى رحالهم، حتى يبرموا رأيهم.

655 - عنه قال: وذكروا أن معاوية دعا عتبة فقال له: ألن إلى الأشعث كلاما، فإنه إن رضي بالصلح رضيت به العامة، فخرج عتبة حتى إذا وقف بين الصفين نادي الأشعث، فأتاه. فقال عتبة: أيها الرجل، إن معاوية لو كان لاقيا أحدا غيرك و غير علىّ لقيك، إنك رأس أهل العراق، و سيد أهل اليمن، و من قد سلف إليه من عثمان ما قد سلف من الصهر و العمل، و لست كأصحابك.

أما الأشتر فقتل عثمان ، و أما عديّ فخصص، و أما سعد بن قيس فقلد عليا دينه، و أما شريح بن هانئ و زحر بن قيس فلا يعرفان غير الهوى، و أما أنت فحاميت عن أهل العراق تكرّما، وحاربت أهل الشام حميّة وقد و

ص: 506

الله بلغنا منك ما أردنا وبلغت منا ما أردت و إنا لا ندعوك إلى ما لا يكون منك من تركك عليا، و لا نصرة معاوية ولكنا ندعوك إلى البقية، التي فيها صلاحك وصلاحنا.

فتكلم الأشعث فقال: يا عتبة، أما قولك إن معاوية لا يلقى إلا عليا، فلو لقيني ما زاد و لا عظم في عيني، و لا صغرت عنه، و لكن أحب أن أجمع بينه و بين عليّ لأفعلن، و أما قولك: إني رأس أهل العراق و سيد أهل اليمن، فالرأس الأمير، و السيد المطاع، و هاتان لعليّ، و أما ما سلف إليّ من عثمان فو الله ما زادني صهره شرفا، و لا عمله غنى، و أما عيبك أصحابك، فإن هذا الأمر لا يقربك مني، و أما محاماتي عن العراق، فمن نزل بيننا حميناه، و أما البقية فلسنا بأحوج منها إليكم.

656- عنه قال: وذكروا أن عليا أظهر أنه مصبح معاوية للقتال، فبلغ ذلك معاوية ففزع أهل الشام، فانكسروا لذلك، فقال معاوية لعمرو: إني قد رأيت رأيا، أن أعيد إلى على كتابا أسأله فيه الشام. فضحك عمرو، ثم قال: أين أنت يا معاوية من خدعة علي؟ فقال معاوية: ألسنا بني عبد مناف ؟ فقال: بلى و لكن لهم النبوة دونكم، فإن شئت أن تكتب فاكتب.

فكتب معاوية إلى علي: أما بعد، فإنّي أظنك أن لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض، و إن كنا قد غلبنا على عقولنا، فلنا منها ما ندم به ما مضى، و نصلح ما بقي، و قد كنت سألتك ألا يلزمني لك طاعة و لا بيعة، فأبيت ذلك علي.

فأعطاني الله ما منعت، و إني أدعوك إلى ما دعوتك إليه أمس، فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو، و لا تخاف الفناء إلا ما أخاف. و قد و الله رقت الأجناد و ذهبت الرجال، و نحن بنو عبد مناف، ليس لبعضنا على

ص: 507

بعض فضل، إلا فضل لا يستدل به عزيز، و لا يسترقّ به حر.

657 - عنه قال: فلما انتهى كتابه إلى علي، دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع، فقال: اكتب: أما بعد فقد جاءني كتابك، تذكر أنك لو علمت و علمنا أن الحرب تبلغ ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض، و أنا و إياك في غاية لم نبلغها بعد، و أما طلبك إليّ الشام، فإنّي لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس، و أما استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنك لست أمضى على الشك مني على اليقين، وليس أهل الشام بأحرص من أهل العراق على الآخرة.

و أما قولك: إنا بنو عبد مناف فكذلك، و لكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، و لا أبو سفيان كأبي طالب ولا المهاجر كالطليق، و لا المحقّ كالمبطل، و في أيدينا فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز، و بعنا بها الحر، و السلام

فلما أتى معاوية الكتاب أقرأه عمرا، فشمت به عمرو، و لم يكن أحد أشد تعظيما لعلي من عمرو بن العاص بعد يوم مبارزته، فقال معاوية لعمرو: قد علمت أن إعظامك لعليّ لما فضحك، قال عمرو: لم يفتضح أمرؤ بارز عليا، وإنما افتضح من دعاه إلى البراز فلم يجبه.

658- عنه قال: وذكروا أنه لما عظم الأمر، و استحر القتال، قال له رأس من أهل العراق: إن هذه الحرب قد أكلتنا، و أذهبت الرجال، و الرأي الموادعة. وقال بعضهم: لا بل نقاتلهم اليوم على ما قاتلناهم عليه أمس، و كانت الجماعة قد رضيت الموادعة، و جنحت إلى الصلح و المسالمة. فقام علي علیه السّلام خطيبا فقال:

أيها الناس، إني لم أزل من أمري على ما أحب حتى قدحتكم الحرب، و قد و الله أخذت منكم و تركت، و هي لعدوكم أنهك. و قد كنت بالأمس

ص: 508

أميرا، فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت اليوم منهيا، فليس لي أن أحملكم على ما تكرهون.

659 - عنه قال و ذكروا أن كردوس بن هانئ قام فقال: أيها الناس، إنه و الله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه، و لا تبرأنا من على منذ توليناه، و إن قتيلنا الشهيد، و إن حيّنا لفائز، وإن عليا على بينة من ربه، و ما أجاب القوم إلا إنصافا، وكل محقّ منصف، فمن سلّم له نجا، و من خالفه هوى.

660 - عنه قال: وذكروا أن سفيان بن ثور قال: أيها الناس إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله، فردوه علينا، فقاتلناهم، و إنهم دعونا إلى كتاب الله، فإن رددناه عليهم، حل لهم منا ما حل لنا منهم، و لسنا نخاف أن يحيف الله علينا ورسوله، و إن عليا ليس بالراجع الناكص، و هو اليوم على ما كان عليه أمس، و قد أكلتنا هذه الحرب، و لا نرى البقاء إلا في الموادعة.

661 - عنه ثم قام حريث بن جابر، فقال: أيها الناس، إن عليا لو كان خلوا من هذا الأمر لكان المرجع إليه، فكيف و هو قائده و سابقة؟ و إنه الله ما قبل من القوم اليوم إلا الأمر الّذي دعاهم إليه أمس، و لو رده عليهم كنتم له أعيب و لا يلحد في هذا الأمر إلا راجع على عقبيه، أو مستدرج مغرور، و ما بيننا و بين من طعن علينا إلا السيف.

662- عنه ثم قام خالد بن معمر، فقال: يا أمير المؤمنين، إنا و الله ما أخرنا هذا المقام أن يكون أحد أولى به منا، و لكن قلنا: أحب الأمور إلينا ما كفينا مئونته، فأما إذا استغنينا فإنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك القوم إليه اليوم، إن رأيت ذلك، و إن لم تره فرأيك أفضل.

663- عنه ثم قام الحصين بن المنذر، وكان أحدث القوم سنا، فقال: أيها الناس، إنما بني هذا الدين على التسليم، فلا تدفعوه بالقياس، ولا

ص: 509

تهدموه بالشبهة، و إنا و الله لو أنا لا نقبل من الأمور إلا ما نعرف، لأصبح الحق في الدنيا قليلا، و لو تركنا و ما نهوى لأصبح الباطل في أيدينا كثيرا، و إن لنا راعيا قد حمدنا ورده و صدره، و هو المأمون على ما قال و فعل، فإن قال: لا، قلنا: لا، و إن قال: نعم، قلنا: نعم.

664- عنه ثم قام عثمان بن حنيف و كان من صحابة رسول الله صلّی الله علیه وآله، و كان عاملا لعلي على البصرة، و كان له فضل، فقال: أيها الناس، اتهموا رأيكم، فقد و الله كنا مع رسول الله صلّی الله علیه وآله ، وبالحديبية يوم أبي جندل و إنا لنريد القتال، إنكارا للصلح، حتى ردنا عنه رسول الله، و إن أهل الشام دعوا إلى كتاب الله اضطرارا.

فأجبناهم إليه إعذارا، فلسنا و القوم سواء إنا و الله ما عدلنا الحي بالحي، و لا القتيل بالقتيل، و لا الشاميّ بالعراقيّ، و لا معاوية بعلي، و إنه لأمر منعه غير نافع، و إعطاؤه غير ضائر، وقد كلت البصائر التي كنا نقاتل بها، وقد حمل الشك اليقين الۀذي كنا نئول إليه.

و ذهب الحياء الۀذي كنا نماري به، فاستظلوا في هذا الفيء، و اسكنوا في هذه العافية، فإن قلتم : نقاتل على ما كنا نقاتل عليه أمس، هيهات هيهات، ذهب و الله قياس أمس، و جاء غد. فأعجب عليا قوله، و افتخرت به الأنصار، ولم يقل أحد بأحسن من مقالته.

665- عنه ثم قام عدي بن حاتم فقال: أيها الناس، إنه والله لو غير عليّ دعانا إلى قتال أهل الصلاة ما أجبناه، و لا وقع بأمر قط إلا و معه من الله برهان، و في يديه من الله سبب، و إنه وقف عن عثمان بشبهة، و قاتل أهل الجمل على النكث، و أهل الشام على البغي، فانظروا في أموركم و أمره، فإن كان له عليكم فضل، فليس لكم مثله.

ص: 510

فسلموا له، و إلا فنازعوا عليه، و الله لئن كان إلى العلم بالكتاب و السنة إنه لأعلم الناس بهما، و لئن كان إلى الإسلام إنه لأخو نبي الله، و الرأس في الإسلام، و لئن كان إلى الزهد و العبادة، إنه لأظهر الناس زهدا، و أنهكهم عبادة، و لئن كان إلى العقول و النحائز، إنه لأشد الناس عقلا، و أكرمهم نحيزة.

و لئن كان إلى الشرف و النجدة إنه لأعظم الناس شرفا و نجدة، و لئن كان إلى الرضا، لقد رضي به المهاجرون والأنصار في شورى عمر، و بايعوه بعد عثمان، و نصروه على أصحاب الجمل و أهل الشام، فما الفضل الّذي قربكم إلى الهدى، و ما النقص الّذي قربه إلى الضلال، و الله لو اجتمعتم جميعا على أمر واحد لأتاح الله له من يقاتل لأمر ماض، و كتاب سابق.

فاعترف أهل صفين لعدي بن حاتم بعد هذا المقام، و رجع كل من تشعّب على عليّ علیه السّلام .

666 - عنه ثم قام عبد الله بن حجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أمرتنا يوم الجمل بأمور مختلفة، كانت عندنا أمرا واحدا، فقبلناها بالتسليم، و هذه مثل تلك الأمور، و نحن أولئك أصحابك، وقد أكثر الناس في هذه القضية، و ايم الله ما المكثر المنكر بأعلم بها من المقل المعترف، و قد أخذت الحرب بأنفاسنا.

فلم يبق إلا رجاء ضعيف، فإن تجب القوم إلى ما دعوك إليه، فأنت أولنا إيمانا، و آخرنا بنبي الله عهدا، و هذه سيوفنا على أعناقنا، وقلوبنا بين جوانحنا، و قد أعطيناك بقيتنا، و شرحت بالطاعة صدورنا، و نفذت في جهاد عدوك بصيرتنا، فأنت الوالي المطاع، و نحن الرعية الأتباع.

أنت أعلمنا بربنا و أقربنا بنبينا، وخيرنا في ديننا، وأعظمنا حقا فينا،

ص: 511

فسدد رأيك نتبعك، و استخر الله تعالى في أمرك، و أعزم عليه برأيك، فأنت الوالي المطاع، قال: فسرّ علي علیه السّلام بقوله، و أثنى خيرا.

667- عنه ثم قام صعصعة بن صوحان فقال: يا أمير المؤمنين، إنا سبقنا الناس إليك يوم قدوم طلحة والزبير عليك، فدعانا حكيم إلى نصرة عاملك عثمان بن حنيف فأجبناه، فقاتل عدوّك، حتى أصيب في قوم من بني عبد قيس، عبدوا الله حتى كانت أكفهم مثل أكف الإبل، و جباههم مثل ركب المعز، فأسر الحيّ و سلب القتيل.

فكنا أوّل قتيل و أسير، ثم رأيت بلاءنا بصفين، و قد كلت البصائر، و ذهب الصبر، و بقي الحق موفورا، و أنت بالغ بهذا حاجتك، و الأمر إليك، ما أراك الله فمرنا به.

668 - عنه ثم قام المنذر بن الجارود، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أرى أمرا لا يدين له الشام إلا بهلاك العراق، و لا يدين له العراق إلا بهلاك الشام، و لقد كنا نرى أن ما زادنا نقصهم، و ما نقصنا أضرّهم، فإذا في ذلك أمران، فإن رأيت غيره ففينا والله ما يفل به الحدّ، و يردّ به الكلب، وليس لنا معك إيراد ولا صدر.

669- عنه ثم قام الأحنف بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الناس بين ماض و واقف، و قائل و ساكت، وكلّ في موضعه حسن، و إنه لو نكل الآخر عن الأول لم يقل شيئا، إلا أن يقول اليوم ما قد قيل أمس، و لكنه حق يقضى، و لم نقاتل القوم لنا ولا لك، إنما قاتلناهم لله ، فإن حال أمر الله دوننا و دونك فاقبله، فإنك أولى بالحق، و أحقنا بالتوفيق، و لا أرى إلا القتال.

670- عنه ثم قام عمير بن عطارد فقال : يا أمير المؤمنين، إن طلحة و

ص: 512

الزبير و عائشة كانوا أحب الناس إلى معاوية، وكانت البصرة أقرب إلينا من الشام، و كان القوم الذين وثبوا عليك من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله، خيرا من الذين وثبوا عليك من أصحاب معاوية اليوم، فو الله ما منعنا ذلك من قتل المحارب، و عيب الواقف، فقاتل القوم إنا معك.

671- عنه ثم قام علي خطيبا، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه قد بلغ بكم و بعدوّكم ما قد رأيتم، و لم يبق منهم إلا آخر نفس، و إن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها، وقد صبر لكم القوم على غير دين، حتى بلغوا منكم ما بلغوا، و أنا غاد عليهم بنفسي بالغداة فأحاكمهم بسيفي هذا إلى الله.

672- عنه قال: فلما بلغ معاوية قول علي دعا عمرو بن العاص، فقال له: يا عمرو إنما هي الليلة، حتى يغدو علينا عليّ بنفسه، فما ترى؟ قال عمرو: إن رجالك لا يقومون لرجاله، و لست مثله، أنت تقاتله على أمر، و يقاتلك على غيره، و أنت تريد البقاء، و علي يريد الفناء، و ليس يخاف أهل الشام من علي ما يخاف منك أهل العراق و إن هلكوا، و لكن ادعهم إلى كتاب الله.

فإنك تقضي منه حاجتك، قبل أن ينشب مخلبه فيك، فأمر معاوية أهل الشام أن ينادوهم، فنادوا في سواد الليل نداء معه صراخ و استغاثة، يقولون: يا أبا الحسن من لذرارينا من الروم إن قتلتنا؟ الله الله، البقيا، كتاب الله بيننا وبينكم. فأصبحوا و قد رفعوا المصاحف على الرماح، و قلدوها أعناق الخيل، و الناس على راياتهم قد أصبحوا للقتال.

673- عنه فقام عدي بن حاتم، فقال: يا أمير المؤمنين، إن أهل الباطل لا تعوق أهل الحق، و قد جزع القوم حين تأهبت للقتال بنفسك، و ليس

ص: 513

بعد الجزع إلا ما تحب، ناجز القوم.

674- عنه ثم قام الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين، ما أجبناك لدنيا. إن معاوية لا خلف له من رجالة، ولكن بحمد الله الخلف لك، و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لا نصرتك، فافرج الحديد بالحديد، و استعن بالله.

675- عنه ثم قام عمرو بن الحمق، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أجبناك لدنيا، و لا نصرناك على باطل، ما أجبناك إلا لله تعالى، و لا نصرناك إلا للحق، و لو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا لكثر فيه اللجاج، وطالت له النجوى، وقد بلغ الحق مقطعه، وليس لنا معك رأي.

676- عنه ثم قام الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس، و لست أدري كيف يكون غدا. و ما القوم الذين كلموك بأحمد لأهل العراق مني، و لا بأوتر لأهل الشام مني، فأجب القوم إلى كتاب الله، فإنك أحق به منهم، و قد أحب الله البقيا.

677- عنه ثم قام عبد الرحمن بن الحارث، فقال: يا أمير المؤمنين، امض لأمر الله، و لا يستخفنك الذين لا يوقنون. أحكم بعد حكم؟ و أمر بعد أمر؟ مضت دماؤنا و دماؤهم، و مضى حكم الله علينا وعليهم

قال: فمال علي إلى قول الأشعث بن قيس و أهل اليمن، فأمر رجلا ينادي: إنا قد أجبنا معاوية إلى ما دعانا إليه، فأرسل معاوية إلى علي: إن كتاب الله لا ينطق، و لكن نبعث رجلا منا و رجلا منكم، فيحكمان بما فيه. فقال علي: قد قبلت ذلك.

678 - عنه نادى عمار: أيها الناس هل من رائح إلى الجنة، فخرج إليه خمس مائة رجل، منهم أبو الهيثم و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، فاستسقى

ص: 514

عمار الماء، فأتاه غلام له باداوة فيها لبن فلما رآه کبّر و قال: سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول : آخر زادك من الدنيا لبن، ثم قال عمار: اليوم ألقى الأحبة: محمدا و حزبه.

ثم حمل عمار و أصحابه، فالتقی عليه رجلان فقتلاه، و أقبلا برأسه إلى معاوية يتنازعان فيه، كل يقول أنا قتلته، فقال لهما عمرو بن العاص: و الله إن تتنازعان إلا في النار، سمعت رسول الله صلّیا لله علیه و آله يقول: تقتل عمارا الفئة الباغية فقال معاوية: قبحك الله من شيخ فما تزال تتزلق في قولك، أو نحن قتلناه ؟ إنما قتله الذين جاءوا به، ثم التفت إلى أهل الشام.

فقال: إنما نحن الفئة الباغية ؟ التي تبغي دم عثمان. فلما قتل عمار اختلط الناس، حتى ترك أهل الرايات مراكزهم، و أقحم أهل الشام، و ذلك من آخر النهار، و تفرق الناس عن عليّ، فقال عدي بن حاتم: و الله يا أمير المؤمنين ما أبقت هذه الوقعة لنا و لا لهم عميدا، فقاتل حتى يفتح الله تعالى لك، فإن فينا بقية.

فقال على: يا عديّ، قتل عمار بن ياسر ؟ قال: نعم، فبكى على و قال: رحمك الله يا عمار، استوجب الحياة و الرزق الكريم، كم تريدون أن يعيش عمار، و قد نيّف على التسعين؟.

ثم أقبل الأشتر جريحا، فقال: يا أمير المؤمنين، خيل كخيل، و رجال كرجال، و لنا الفضل إلى ساعتنا هذه، فعد مكانك الّذي كنت فيه، فإن الناس إنما يطلبوك حيث تركوك. و إن عليا دعا بفرسه التي كانت لرسول الله صلّی الله علیه و آله ، ثم دعا ببغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله ، الشهباء، ثم تعصب بعمامة رسول الله صلّی الله علیه و آله السوداء.

ثم نادى: من يبع نفسه اليوم يربح غدا، يوم له ما بعده، و إن عدوكم

ص: 515

قد قدح كما قدحتم. فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى اثنى عشر ألفا واضعي سيوفهم على عواتقهم و تقدموا، فحمل عليّ و الناس حملة واحدة، فلم يبق لأهل الشام صف إلا أهمد، حتى أفضى الأمر إلى معاوية، و علي يضرب بسيفه، و لا يستقبل أحدا إلّا ولى عنه.

فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فلما وضع رجله في الركاب نظر إلى عمرو بن العاص، فقال له: يا بن العاص، اليوم صبر، و غدا فخر، قال: صدقت، فترك الركوب، و صبر و صبر القوم معه إلى الليل، فبات الناس يتحارسون، و كرهوا القتال، و هو اليوم الّذي فيه البلاء العظيم، يوم قتل عمار، وكل يظن أن الدائرة عليه ، و أسرف الفريقان في القتل.

و لم يكن في الإسلام بلاء و لا قتل أعظم منه في تلك الثلاثة الأيام، و إن عليا نادى بالرحيل في جوف الليل، فلما سمع معاوية رغاء الإبل، دعا عمرو بن العاص، فقال: ما ترى هاهنا ؟ قال عمرو: أظن الرجل هاربا ، فلما أصبحوا إذا علي و أصحابه إلى جانبهم قد خالطوهم، فقال معاوية:

كلا، زعمت يا عمرو أنه هارب، فضحك و قال من فعلاته و الله، فعندها أيقن معاوية بالهلكة، و نادى أهل الشام: كتاب الله بيننا وبينكم، و يومئذ استبان ذل أهل الشام، و رفعوا المصاحف، ثم ارتحلوا فاعتصموا بحبل منيف، وصاحوا: لا تردّ كتاب الله يا أبا الحسن فإنك أولى به منا، و أحق من أخذ به.

679- عنه قال: فأقبل الأشعث بن قيس في أناس كثير من أهل اليمن، فقالوا لعليّ: لا تردّ ما دعاك القوم إليه، قد أنصفك القوم، و الله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء معك، و لا نرمي معك بسهم و لا حجر، و لا نقف معك موقفا.

ص: 516

680- عنه قال: فلما سمع عليّ قول الأشعث و رأى حال الناس قبل القضية، و أجاب إلى الصلح، وقام إلى عليّ أناس، وهم القراء منهم عبد الله بن وهب الراسبي في أناس كثير قد اخترطوا سيوفهم، و وضعوها على عواتقهم، فقالوا لعليّ: اتّق الله، فإنك قد أعطيت العهد وأخذته منا، لنفنين أنفسنا أو لنفنين عدوّنا.

أو يفيء إلى أمر الله، و إنا نراك قد ركبت إلى أمر فيه الفرقة و المعصية لله ، و الذلّ في الدنيا، فانهض بنا إلى عدونا، فلنحاكمه إلى الله بسيوفنا. حتى يحكم الله بيننا و بينهم، و هو خير الحاكمين، لا حكومة الناس.

681- عنه ثم قام عثمان بن حنيف، فقال: أيها الناس، اتهموا رأيكم، فإنا و الله قد كنا مع رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم الحديبيّة و لو رأينا قتالا قاتلنا و ذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلّی الله علیه و آله و بين أهل مكة، فامض على القضية، واتهم هذا الصلح.

682 - عنه قال: فأنكرها الأشتر و قيس بن سعد و كانا أشدّ الناس على عليّ فيها قولا، فكان الذين عملوا في الصلح الأشعث بن قيس، و عدي بن حاتم و شريح بن هانئ، و عمرو بن الحمق و زحر بن قيس، و من أهل الشام زيد بن أسد، و مخارق بن الحارث، وحمزة بن مالك. فلما رأى ذلك أبو الأعور قام إلى معاوية، فقال:

يا أمير المؤمنين إن القوم لم يجيبوا إلى ما دعوناهم إليه حتى لم يجدوا من ذلك بدا و إنهم إن ينصرفوا العام يعودوا في قابل في سنة يبرأ فيها الجريح، و ينسى القتيل، و قد أخذت الحرب منا و منهم، غير أنهم اختلفوا على علىّ، و لم يختلف عليك أحد و الخلاف أشد من القتل، ناجز القوم، فقال بسر بن أرطاة:

ص: 517

و الله إن الشام خير من العراق لعلي و ما في يدك لك، و ما في يد علي لأصحابه دونه، فإنه كنت إنما سألت المدة لإعداد العدة، و انتظار المدد، فنعم، و إن كنت سألتها بغض الحرب، و بقيا على أهل الشام، فلا.

683 - عنه قال: وذكروا أن معاوية قال لأصحابه حين استقامت المدة، و لم يسم الحكمان: من ترون عليا يختار؟ فأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص. قال عتبة بن أبي سفيان: أنت أعلم بعلي منا. فقال معاوية: إن لعلي خمسة رجال من ثقاته، منهم عدي بن حاتم، و عبد الله بن عباس، و قيس بن سعد، و شريح بن هانئ، و الأحنف بن قيس، و أنا أصفهم لك:

أما ابن عباس فإنه لا يقوى عليه، و أما عدي بن حاتم فيرد عمرا سائلا، و يسأله مجيبا، و أما شريح بن هانئ فلا يدع لعمرو حياضا ، و أما الأحنف بن قيس فبديهته كروّيته، و أما قيس بن سعد فلو كان من قريش بايعته العرب. و مع هذا إن الناس قد ملوا هذه الحرب، و لم يرضوا إلا رجلا له تقيّة.

و كل هؤلاء لا تقيّة لهم، و لكن انظروا أين أنتم من رجل من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله، تأمنه أهل الشام، و ترضى به أهل العراق، فقال عتبة: ذلك أبو موسى الأشعري.

684- عنه قال: وذكروا أن عليا لما استقام رأيه على أن يرسل عبد الله بن عباس مع عمرو بن العاص، قام إليه الأشعث بن قيس، و شريح بن هانئ، و عدي بن حاتم، و قيس بن سعد، و معهم أبو موسى الأشعري، فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا أبو موسى الأشعري وافد أهل اليمن إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و صاحب مغانم أبي بكر و عامل عمر بن الخطاب، وقد عرضنا على القوم ابن عباس

ص: 518

فزعموا أنه قريب القرابة منك، ضنين في أمرك، و ايم الله لو لقيت به عمرا لأخذ بصره، و غم صدره. و لكن الناس قد رضوا برجل يثق أهل العراق و أهل الشام بتقيّته. فتكلم شبيب بن ربعي، فقال: إنا و الله و إن خفنا على أبي موسى من عمرو ما لا يخافه أهل الشام على عمرو من أبي موسى، فلعل ما خفناه لا يضرّنا ، و لعل ما رجوا لا ينفعهم، فإن قلت في أبي موسى ضعف فضعفه وتقاه خير من قوة عمرو و فجوره.

فأغلق به البلاء، وافتح به العافية. ثم تكلم ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أجبت الله و أجبناك، و لكنا نقول: الله بيننا و بينك، إن كنت تخشى من أبي موسى عجزا فشرّ من أرسلت الخائن العاجز، و لست تحتاج من عقله إلا إلى حرف واحد، أن لا يجعل حقك لغيرك، فيدرك حاجته منك. ثم قال لأبي موسى: اعلم أن معاوية طليق الإسلام، و أن أباه رأس الأحزاب، و أنه ادّعى الخلافة من غير مشورة.

فإن صدقك فقد حل خلعه، و إن كذبك فقد حرم عليك كلامه، و إن ادعى أن عمر و عثمان استعملاه، فلقد صدق، استعمله عمر و هو الوالي عليه بمنزلة الطبيب من المريض، يحميه ما يشتهي، و يوجره ما يكره، ثم استعمله عثمان برأي عمر و ما أكثر من استعملا ممن لم يد،ع الخلافة، واعلم أن لعمرو مع كل شيء يسرك خبرا يسوؤك، و مهما نسيت

فلا تنس أن عليا بايعه الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان، و أنها بيعة هدي، و أنه لم يقاتل إلا عاصيا أو ناكثا. فقال أبو موسى: رحمك الله، أما و الله ما لي إمام غير علي، و إني لواقف عند ما رأى، و لرضاء الله تعالى أحب إليّ من رضاء الناس، و ما أنا و أنت إلا بالله تعالى.

685- عنه قال: وذكروا أن أهل الشام قالوا لأهل العراق: أعطونا

ص: 519

رجالا نسميهم لكم، يكونوا شهودا على ما يقوله صاحبنا وصاحبكم، بيننا و بينكم صحيفة، فقال عليّ: سمّوا من أحببتم، فسمّوا ابن عباس، و الأشعث بن قیس، و زیاد بن کعب، و شریح بن هانئ، و عديّ بن حاتم، و حجر بن عدي، و عبد الله بن الطفيل، و سفیان بن ثور، و عروة بن عامر، و عبد الله بن حجر، و خالد بن معمر.

و طلب أهل العراق من أهل الشام: عتبة بن أبي سفيان، و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، و يزيد بن أسيد، و أبا الأعور ، و الحصين بن نمير، وحمزة بن مالك، و بسر بن أرطاة، و النعمان بن بشير، و مخارق بن الحارث.

686- عنه فلما سمى أهل العراق رجال أهل الشام، و سمى أهل الشام رجال أهل العراق، قال معاوية: أين يكون هذان الرجلان؟ فرضي الناس أن يكونا بدومة الجندل.

687- عنه قال: فلما لم يبق إلا الكتاب، قال الأحنف بن قيس لعلي: يا أمير المؤمنين إن أبا موسى رجل يماني، و قومه مع معاوية، فابعثني معه، فو الله لا يحل لك عقدة إلا عقدت لك أشد منها، فإن قلت: إني لست من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله، فابعث ابن عباس و ابعثني معه.

688- عنه فقال علي: إن الأنصار و القراء أتوني بأبي موسى، فقالوا: ابعث هذا، فقد رضيناه، و لا نريد سواه، و الله «بالِغُ أَمْرِهِ».

689- عنه قال: فوضع الناس السلاح، و التقوا بين العسكرين، فلما جيء بالكتاب قال علي علیه السّلام : اكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا ما تقاضى عليه عليّ ابن أبي طالب أمير المؤمنين، و معاوية بن أبي سفيان، فقال معاوية: علام قاتلناك إذا كنت أمير المؤمنين؟ اكتب: علي بن أبي طالب.

ص: 520

فقال الأشعث: اطرح هذا الاسم فإنه لا يضرك، فضحك علي.

ثم قال: دعاني رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم الحديبية، حين صده المشركون عن مكة، فقال : يا علي اكتب: هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله و مشركو قريش، فقال سهيل بن عمرو: لقد ظلمناك إذا يا محمد إن قاتلناك و أنت رسول الله، و لكن اكتب اسمك و اسم أبيك ، فقال صلّی الله علیه و آله : اكتب محمد بن عبد الله و إني رسول الله.

و كنت إذا أمرني بشيء رسول الله صلّی الله علیه و آله أسرعت، و إذا قال مشركو قريش أبطأت به، و إذا كتبت شيئا قال نبي الله، امحها، فتعاظمني ذلك. فدعا بمقراض فقرضه، و کتب:

بسم الله الرّحمن الرّحيم: هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، و معاوية بن أبي سفيان، فقال أبو الأعور: أو معاوية و عليّ، فقال الأشعث: لا لعمر الله ، و لكن نبدأ بأولهما إيمانا و هجرة، و أدناهما من الغلبة. فقال معاوية: قدموا أو أخروا، تقاضوا على أن عليا و من معه من شيعته من أهل العراق، و معاوية و من معه من أهل الشام.

أنا ننزل عند حكم الله وكتابه، من فاتحته إلى خاتمته، ما أحيا القرآن أحييناه، و ما أمات القرآن أمتناه، و ما لم يجد عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص في القرآن حكما بما يجدان في السنة العادلة، غير المفرقة، و على عليّ و معاوية، وتبيعتهما وضع السلاح إلى انقضاء هذه المدة، و هي من رمضان إلى رمضان، و على أن عبد الله بن قيس و عمرا آمنان على دمائهما و أموالهما و حريمهما و الأمة على ذلك أنصار .

و عليهما مثل الّذي أخذا أن يقضيا بما في كتاب الله تعالى، و ما لم يجدا في كتاب الله قضيا بما يجدان في السنة، وعليهما أن لا يؤخرا أمرهما عن هذه

ص: 521

المدة، فإن أحبا أن يقولا قبل انقضائها، فلهما أن يقولا عن تراض منهما، على أن يرجع أهل العراق إلى العراق، و أهل الشام إلى الشام، فيكون الاجتماع إلى دومة الجندل.

فإن رضيا أن يجتمعا بغيرهما فلها ذلك، و لهما ألا يحضرهما إلا من أحبّا، و لا يشهدا إلا من أرادا، و هؤلاء النفر من أهل العراق و أهل الشام ضامنون بالوفاء إلى هذه المدة، فكتب أهل العراق بهذا كتابا لأهل الشام، و كتب أهل الشام كتابا بهذا لأهل العراق، بخط عمرو ابن عبادة كاتب معاوية، و شهد شهود أهل الشام على أهل العراق، و شهد شهود أهل العراق على أهل الشام.

فلما كتب الكتابان أقبل رجل من بني يشكر، على فرس له أبلق، حتى وقف بين الصفين على عليّ، فقال: يا عليّ، أكفر بعد إسلام، و نقض بعد توكيد، و ردة بعد معرفة ؟ أنا من صحيفتيكما بريء، و ممن أقر بها بريء، ثم حمل على أصحاب معاوية، فطعن منهم، حتى إذا عطش أتى عسكر علي، فاستسقی فسقي، ثم حمل على عسكر عليّ، فطعن فيهم، حتى إذا عطش أتى عسكر معاوية، فاستسقى فسقي.

690- عنه قال: وذكروا أن شريح بن هانئ أخذ بيد أبي موسى فقال: يا أبا موسى إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه، و لا تستقال فلتته، و مهما تقل من شيء لك أو عليك، يثبت حقه، و يزيل باطله، إنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكها معاوية، و لا بأس بأهل الشام إن ملكها عليّ، فانظر في ذلك من يعرف هذا الأمر حقا.

691 - عنه قال: ثم جاء الأحنف بن قيس، فأخذ بيده، ثم قال: يا أبا موسی اعرف خطب هذا الأمر، واعلم أن له ما بعده، و إنك إن ضيعت

ص: 522

العراق، فلا عراق لك، فاتق الله، فإنك تجمع بذلك دنيا و أخرى، و إذا لقيت عمرا غدا فلا تبادره بالسلام، فليس من أهله، و لا تعطه يدك، فإنّها أمانة، و إياك أن يقعدك على صدر الفراش، فإنّها خدعة، و لا تلقه إلا وحده، و إياك أن يكلمك في بيت فيه مخدع يخبأ لك فيه رجالا.

و إن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي، فخيره أن يختار أهل العراق من قريش أهل الشام من شاءوا، فإنّهم إن يولّوا الخيار يختاروا من يريدون، فإن أبى فلتختر أهل الشام من قريش أهل العراق من شاءوا، فإن فعلوا كان الأمر بيننا.

692 - عنه قال : وذكروا أن معاوية قال لعمرو : إن أهل العراق أكرهوا عليا على أبي موسى، و أنا و أهل الشام راضون بك، و أرجو في دفع هذه الحرب خصالا قوّة لأهل الشام و فرقة لأهل العراق، و إمدادا لأهل اليمن، و قد ضم إليك رجل طويل اللسان، قصير الرأي، و له على ذلك دين و فضل فدعه يقل، فإذا هو قال فاصمت.

و اعلم أن حسن الرأي زيادة في العقل، إن خوفك العراق فخوّفه بالشام، و إن خوفك مصر فخوفه باليمن، و إن خوفك عليا فخوفه بمعاوية، و إن أتاك بالجميل، فأته بالجميل. قال عمرو: يا أمير المؤمنين، أقلل الاهتمام بما قبلي، و ارج الله تعالى فيما وجهتني له، إنك من أمرك على مثل حد السيف، لم تنل في حربك ما رجوت، و لم تأمن ما خفت.

و نحن نرجو أن يصنع الله تعالى لك خيرا، و قد ذكرت لأبي موسى دينا، و إن الدين منصور، أرأيت إن ذكر عليا و جاءنا بالإسلام و الهجرة و اجتماع الناس عليه، ما أقول؟ فقال معاوية : قل ما تريد و ترى. قال: فانصرف عمرو إلى منزله، فقال لأصحابه: هل ترون ما أراه معاوية من

ص: 523

تصغير أبي موسى؟ قالوا: لا، قال: عرف أني خادعه غدا.

693- عنه قال: و أتى شرحبيل بن السمط إلى عمرو، فقال: يا عمرو، إنك رجل قريش، و إن معاوية لم يبعثك إلا لثقته بك، و اعلم أنك لا تؤتى من عجز، و قد علمت أن وطأة هذا الأمر لصاحبك و لك، فكن عند ظننا بك.

694- عنه قال: وذكروا أن أبا موسى و عمرا لما اجتمعا بدومة الجندل، و حضرهما من يليهما من العرب، ليستمعوا قول الرجلين، فلما التقيا استقبل عمرو أبا موسى، فأعطاه يده و ضم عمرو أبا موسى إلى صدره، فقال: يا أخي قبح الله أمرا فرق بيننا، ثم أقعد أبا موسى على صدر الفراش، و أقبل عليه بوجهه، و الناس مجتمعون،

فلم يزالا حتى تفرقا، و مكنا أياما يلتقيان في أمرهما سرا وجهرا، و أقبل الأشعث بن قيس، و كان من أحرص الناس على إتمام الصلح، و الراحة من الحرب، فقال: يا هذان، إنا قد كرهنا هذه الحرب، فلا تردّاها إلينا، فإنّها مرّة الرضاع و الفطام، فكفّاها بما شئتما.

695 - عنه قال: فأقبل سعيد بن قيس، و كان من النصحاء لعلي علیه السّلام، فقال: أيها الرجلان، إني أراكما قد أبطأتما بهذا الأمر حتى أيس القوم منكما، فإن كنتما اجتمعتما على خير فأظهراه، نسمعه و نشهد عليه، و إن كنتما لم تجتمعا رجعنا إلى الحرب.

696 - عنه قال: وذكروا أن عديا قال لعمرو: أما والله يا عمرو إنك لغير مأمون الغناء، و إنك يا أبا موسى لغير مأمون الضعف، و ما ننتظر بالقول منكما إلا أن تقولا، والله ما لكما مع كتاب الله إيراد ولا صدر. فقال أبو موسى: كفوا عنا فإنا إنما نقول فيما بقي، و لسنا نقول فيما مضى.

ص: 524

697- عنه قال: وذكروا أن عمرا غدا على أبي موسى، فقال: يا أبا موسی، قد عرفت حال معاوية في قريش، و شرفه في بني عبد مناف، و أنه ابن هند، و ابن أبي سفيان، فما ترى؟ فقال أبو موسى: أما معاوية فليس بأشرف في قريش من عليّ، و لو كان هذا الأمر على شرف الجاهلية، كان أخوال ذي أصبح، و لكنني أرى وترى، و باعده أبو موسى، ثم غدا عليه عمرو، فقال:

يا أبا موسى إن قال قائل: إن معاوية من الطلقاء، و أبوه رأس الأحزاب، لم يبايعه المهاجرون و الأنصار فقد صدق، و إذا قال إن عليا آوى قتلة عثمان، وقتل أنصاره يوم الجمل، و برز على أهل الشام بصفين فقد صدق، و فينا و فيكم بقية، و إن عادت الحرب ذهب ما بقي، فهل لك أن تخلعهما جميعا، و تجعل الأمر لعبد الله بن عمر، فقد صحب رسول الله صلّی الله علیه و آله، و لم يبسط في هذه الحرب يدا و لا لسانا.

و قد علمت من هو مع فضله و زهده و ورعه و علمه فقال أبو موسى: جزاك الله بنصيحتك خيرا، و كان أبو موسى لا يعدل بعبد الله بن عمر أحدا لمكانه من رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و مكانه من أبيه، لفضل عبد الله في نفسه، و افترقا على هذا الأمر، و اجتمع رأيهما على ذلك. ثم إن عمرا غدا على أبي موسى بالغد و جماعة الشهود فقال يا أبا ،موسى ناشدتك الله تعالى، من أحق بهذا الأمر؟ من أوفى، أو من غدر ؟

قال أبو موسى: من أوفى. قال عمرو: يا أبا موسى، نشدتك الله تعالى، ما تقول في عثمان ؟ قال أبو موسى: قتل مظلوما. قال عمرو: فما الحكم فيمن قتل ؟ قال أبو موسى: يقتل بكتاب الله تعالى. قال: فمن يقتله؟ قال: أولياء عثمان. قال: فإن الله يقول في كتابه العزيز: «وَ من قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا

ص: 525

لِوَلِيّهِ سُلْطاناً» قال: فهل تعلم أن معاوية من أولياء عثمان؟ قال: نعم. قال عمرو للقوم : اشهدوا . قال أبو موسى للقوم: اشهدوا على ما يقول عمرو.

ثم قال أبو موسى لعمرو: قم يا عمرو: فقل و صرح بما اجتمع عليه رأيي و رأيك، و ما اتفقنا عليه، فقال عمرو: سبحان الله أقوم قبلك و قد قدمك الله قبلي في الإيمان و الهجرة، وأنت وافد أهل اليمن إلى رسول الله، و وافد رسول الله إليهم، و بك هداهم الله، و عرفهم شرائع دينه، و سنة نبيه، و صاحب مغانم أبي بكر و عمر و لكن قم أنت فقل، ثم أقوم فأقول. فقام أبو موسى، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس. إن خير الناس للناس خيرهم لنفسه، و إني لا أهلك ديني بصلاح غيري، إن هذه الفتنة قد أكلت العرب، و إني رأيت و عمرا أن نخلع عليا و معاوية، و نجعلها لعبد الله بن عمر ، فإنه لم يبسط في هذه الحرب يدا و لا لسانا، ثم قام عمرو فقال: أيها الناس هذا أبو موسى شيخ المسلمين، و حكم أهل العراق و من لا يبيع الدين بالدنيا، و قد خلع عليا و أنا أثبت معاوية.

فقال أبو موسى: مالك؟ عليك لعنة الله ما أنت إلا كمثل الكلب تلهث فقال عمرو : لكنك مثل الحمار يحمل أسفارا، و اختلط الناس فقالوا: و الله لو اجتمعنا على هذا ما حوّلتمانا عما نحن عليه، و ما صلحكما بلازمنا، وإنا اليوم على ما كنا عليه أمس، و لقد كنا ننظر إلى هذا قبل أن يقع، و ما أمات قولكما حقا، ولا أحيا باطلا.

ثم تشاتم أبو موسی و عمرو، ثم انصرف عمرو إلى معاوية، و لحق أبو موسى بمكة، و انصرف القوم إلى علي، فقال عديّ: أما والله يا أمير المؤمنين، لقد قدمت القرآن، و أخرت الرجال، و جعلت الحكم لله. فقال

ص: 526

علي: أما إني قد أخبرتكم أن هذا يكون بالأمس، و جهدت أن تبعثوا غير أبي موسى، فأبيتم عليّ، ولا سبيل إلى حرب القوم حتى تنقضي المدة، فصعد المنبر.

فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: قم يا حسن فتكلم في أمر هذين الرجلين: أبي موسى و عمرو. فقام الحسن، فتكلم، فقال: أيها الناس، قد أكثرتم في أمر أبي موسى و عمرو، و إنما بعثا ليحكما بالقرآن دون الهوى، فحكما بالهوى دون القرآن، فمن كان هكذا لم يكن حكما، و لكنه محكوم عليه، و قد كان من خطأ أبي موسى أن جعلها لعبد الله بن عمر.

فأخطأ في ثلاث خصال: خالف (يعني أبا موسى) أباه عمر، إذ لم يرضه لها، و لم يره أهلا لها، و كان أبوه أعلم به من غيره، و لا أدخله في الشورى إلا على أنه لا شيء له فيها، شرطا مشروطا من عمر على أهل الشورى، فهذه واحدة، و ثانية: لم تجمع عليه المهاجرون والأنصار، الذين يعقدون الإمامة، و يحكمون على الناس، وثالثة: لم يستأمر الرجل في نفسه، و لا علم ما عنده من رد أو قبول.

ثم جلس. ثم قال علي علیه السّلام لعبد الله بن عباس: قم فتكلم. فقام عبد الله ابن عباس، و قال: أيها الناس، إن للحق أناسا أصابوه بالتوفيق و الرضا و الناس بين راض، به و راغب عنه، و إنما سار أبو موسى بهدى إلى ضلال، و سار عمرو بضلالة إلى هدى، فلما التقيا رجع أبو موسى عن هداه، و مضى عمرو على ضلاله.

فو الله لو كانا حكما عليه بالقرآن لقد حكما عليه، و لئن كان حكما بهواهما على القرآن، و لئن مسكا بما سارا به لقد سار أبو موسى و عليّ إمامه، و سار عمرو و معاوية إمامه. ثم جلس فقال عليّ لعبد الله بن جعفر:

ص: 527

قم فتكلم فقام و قال:

أيها الناس هذا أمر كان النظر فيه لعلي و الرضا فيه إلى غيره، جئتم بأبي موسى، فقلتم قد رضينا هذا، فارض به، و ايم الله ما أصلحا بما فعلا الشام، و لا أفسدا العراق و لا أمانا حق علي، و لا أحييا باطل معاوية، ولا يذهب الحق قلة رأي، و لا نفخة شيطان، و إنا لعليّ اليوم كما كنا أمس عليه. ثم جلس.

698- عنه قال: وذكروا أن عبد الله بن عمر لما بلغه ما كان من رأي أبي موسى، كتب إليه: أما بعد يا أبا موسى، فإنك تقربت إليّ بأمر لم تعلم هواي فيه، أكنت تظن أني أبسط يدا إلى أمر نهاني عنه عمر ؟ أو كنت تراني أتقدم على عليّ و هو خير مني ؟ لقد خبت إذا و خسرت، و ما أنا من المهتدين، فأغضبت بقولك و فعلك علىّ عليا و معاوية.

ثم أعظم من ذلك خديعة عمرو إياك، و أنت حامل القرآن، و وافد أهل اليمن إلى نبي الله، و صاحب مغانم أبي بكر و عمر، فقدمك عمرو للقول مخادعا، حتى خلعت عليا قبل أن تخلع معاوية، و لعمري ما يجوز لك على عليّ ما جاز لعمرو على معاوية، و لا ما جاز لنا عليه و لقد كرهنا ما رضيت و أردت، إن الحاكم هو من يحكم بما حكم الله بين الناس، و لم تبلغ من خطيئتك عنده ما غيّر أمرك في خلاف هواه.

فلما أتى أبا موسى كتاب ابن عمر كتب إليه: أما بعد، فإنّي و الله ما أردت بتوليتي إياك و بيعتي لك القربة إليك، ما أردت بذلك إلا الله عز و جل، و ما تقلدي أمر هذه الأمة غير مستكره، فإنّهم كانوا على مثل حد السيف، فقلت: إلى سنة محيا و ممات، إن يصطلحوا فهو الّذي أردت، و إلا لم يرجعوا إلى أعظم مما كانوا عليه.

ص: 528

و أما إغضابي عليك عليا و معاوية، فقد غضبا عليك قبل ذلك، و أما خديعة عمرو إياي فو الله ما ضر بخديعته عليا، و لا نفع معاوية، و قد كان الشرط ما اجتمعنا عليه، لا ما اختلفنا فيه، و أما نهي أبيك، فو الله لو تم الأمر لأكرهت عليه.

699 - عنه قال: وذكروا أن معاوية كتب إلى أبي موسى بعد الحكومة و هو بمكة: أما بعد فأكره من أهل العراق ما كرهوا منك، و أقبل إلى الشام، فإنّي خير لك من علي، و السلام.

700- عنه فكتب إليه أبو موسى: أما بعد فإنه لم يكن مني في علي إلا ما كان من عمرو فيك، غير أني أردت بما صنعت وجه الله، و أراد عمرو بما صنع ما عندك، و قد كان بيني و بينه شروط عن تراض، فلما رجع عمرو رجعت، و أما قولك: إن الحكمين إذا حكما على أمر فليس للمحكوم عليه أن يكون بالخيار، إنما ذاك في الشاة و البعير.

و أما في أمر هذه الأمة فليست تساق إلى ما تكره، و لن تذهب بين عجز عاجز، و لا كيد كائد، و لا خديعة فاجر، و أما دعاؤك إياي إلى الشام، فليس لي بدل و لا إيثار عن قبر ابن إبراهيم أبي الأنبياء.

701- عنه قال: وذكروا أنه لما بلغ عليا كتاب أبي موسى رق له، و أحب أن يضمّه إليه، فكتب إليه: أما بعد، فإنك أمرؤ ضللك الهوى، و استدرجك الغرور، فاستقل الله يقلك عثرتك، فإنه من استقال الله أقاله، إن الله يغفر ولا يغيّر، و أحب عباده إليه المتقون، و السلام. فلما انتهى كتاب علي إلى أبي موسى هم أن يرجع، ثم قال لأصحابه: إني أمرؤ غلب علي الحياء، ولا يستطيع هذا الأمر رجل فيه حياء.

702-عنه فكتب أبو موسى إلى علي علیه السّلام : أما بعد، فلو لا أني خشيت

ص: 529

أن يؤول منع الجواب إلى أعظم مما في نفسك لم أجبك، لأنه ليس عذر ينفعني، و لا عذر يمنعني منك، و أما التزامي مكة، فإنّي امتنسرت إلى أهل الشام، و انقطعت من أهل العراق، و أصبت أقواما صغّروا من ذنبي ما عظمتم، و عظموا من حق ما صغرتم، فأقمت بين أظهرهم، إذ لم يكن لي منكم وليّ ولا نصير.

قال العطاردي:

قد تم بحمد الله وتوفيقه؛ المجلد الخامس من مسند مسند الإمام أمیر المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام و يتلوه انشاء الله المجلد السادس و فيه بقية أخبار صفين:

و ماجرى بينه عليه السلام والقاسطين

ص: 530

فهرست

العنوان ... الصفحة ... عدد الاحاديث

باب ماجرى بينه علیه السّلام والقاسطين ... 3 ... 700

ص: 531

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.