مُسْنَد الْاِمام اَمیرُالْمُؤْمِنين
اَبِي الْحَسَن عَليِّ ابْنِ ابيطَالِب عليه السلام
الجُزءُ الرَّابع
جَمَعَهُ وَ رَتَبَهُ
الشَّیْخ عَزیزُ اللهِ العُطارِدَی
بطاقة تعريف: العطاردي قوچانی، عزیزالله، 1307 .
عنوان المؤلف واسمه: مسند الامام امیرالمؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام / جمعه و رتبه عزيز الله العطاردي قوچاني.
تفاصيل النشر: طهران عطارد 1386.
مواصفات المظهر: 26 ج.
شابک : (ج.24) 6-53-7237-964-978 : (دوره) 8-46-7237-964-978
حالة الاستماع: فیپا
ملحوظة: العربية
ملحوظة: کتابنامه
موضوع : علي بن ابي طالب (علیه السلام) امام ،اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق .
موضوع : علي بن ابي طالب (علیه السلام) امام ،اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق. - - احادیث .
تصنيف الكونجرس: 5 م 6 ع / 37 BP
تصنيف ديوي: 951 / 297
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1064192
ص: 1
سرشناسه : عطاردی قوچانی، عزیز الله، 1307 -
عنوان و نام پدیدآور : مسند الامام امیرالمؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام / جمعه و رتبه عزيز الله العطاردي.
مشخصات نشر: تهران: عطارد، 1386 .
شخصات ظاهری : 26 ج.
شابک: (ج. 4) 978-964-7237-50-5؛ (دوره) 978-964-7237-46-8
وضعیت فهرست نویسی : فیبا
یادداشت : عربی
یادداشت : کتابنامه
موضوع: على بن ابى طالب (علیه السّلام)، امام اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق.
موضوع : على بن ابى طالب (علیه السّلام)، امام اول 23 قبل از هجرت - - 40 ق. – احادیث.
رده بندی کنگره : 5 م 6 ع / 37 B
رده بندی دیویی : 297 / 951
شماره کتابشناسی ملی : 1064192
انتشارات عطارد
مرکز فرهنگی خراسان
81
اسم الكتاب: مسند الامام امیرالمؤمنین علی بن ابی طالب علیه السّلام
(ج 4)
المؤلف : الشيخ عزيز الله العطاردى
الناشر: نشر عطارد
المطبعة: افست • الطبعة الاولى: 1386
العدد: 3000
مرکز پخش: تجریش، خیابان در بند، نبش خیابان جعفرآباد، پلاک 340 و 332 تلفن: 22703362 - تلفکس: 22709053
«حقوق الطبع محفوظة للمؤلف»
شابک : (ج. 4) 5 - 50 - 7237 - 964 - 978 ؛ دوره 8 - 46 - 7237 - 964 - 978
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 - الشيخ المفيد روى عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب بن عبد الله قال دخلت على علي بن أبي طالب بالمدينة بعد بيعة الناس لعثمان فوجدته مطرقا كئيبا فقلت له ما أصاب قومك قال صبر جميل فقلت له سبحان الله و الله إنك لصبور قال فأصنع ما ذا فقلت تقوم في الناس و تدعوهم إلى نفسك و تخبرهم أنك أولى بالنبي صلّی الله علیه و آله بالفضل و السابقة و تسألهم النصر على هؤلاء المتمالئين عليك.
فإن أجابك عشرة من مائة شددت بالعشرة على المائة و إن دانوا لك كان ذلك على ما أحببت و إن أبوا قاتلتهم فإن ظهرت عليهم فهو سلطان الله الذي آتاه نبيه علیه السّلام و كنت أولى به منهم و إن قتلت في طلبه قتلت شهيدا و كنت أولى بالعذر عند الله و أحق بميراث رسول الله صلّی الله علیه و آله.
فقال أتراه يا جندب يبايعني عشرة من مائة قلت أرجو ذلك قال لكنني لا أرجو و لا من كل مائة اثنين وسأخبرك من أين ذلك إنما ينظر الناس إلى قريش و إن قريشا تقول إن آل محمد يرون أن لهم فضلا على سائر الناس وإنهم أولياء الأمر دون قريش وإنهم إن ولوه لم يخرج منهم هذا السلطان إلى أحد أبدا و متى كان في غيرهم تداولتموه بينكم.
ولا و الله لا تدفع قريش إلينا هذا السلطان طائعين أبدا قال فقلت له
ص: 3
أفلا أرجع فأخبر الناس بمقالتك هذه و أدعوهم إليك فقال لي يا جندب ليس هذا زمان ذلك.
قال فرجعت بعد ذلك إلى العراق فكنت كلما ذكرت للناس شيئا من فضائل علي بن أبي طالب علیه السّلام و مناقبه و حقوقه زبروني و نهروني حتى رفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة ليالي ولينا فبعث إلي فحبسني حتى كلم في فخلي سبيلي.
2 - عنه و من كلامه علیه السّلام حين تخلف عن بيعته عبد الله بن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة و حسان بن ثابت و أسامة بن زيد.
روى الشعبي قال لما توقفوا عن بيعته حمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي و إنما الخيار إلى الناس قبل أن يبايعوا فإذا بايعوا فلا خيار لهم و إن على الإمام الاستقامة و على الرعية التسليم.
و هذه بيعة عامة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام و اتبع غير سبيل أهله و لم تكن بيعتكم إياي فلتة و ليس أمري و أمركم واحدا و إني أريدكم لله و أنتم تريدونني لأنفسكم و ايم الله لأنصحن للخصم و لأنصفن للمظلوم و قد بلغني عن سعد و ابن مسلمة و أسامة و عبد الله و حسان بن ثابت أمور كرهتها و الحق بيني و بينهم.
3- الطوسي قال أخبرنا ابن الصلت، عن أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدثنا الحسن بن صالح الهمداني أبو علي من كتابه في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين، و أحمد بن يحيى، قالا حدثنا محمد بن عمرو، قال حدثنا عبد الكريم، قال حدثنا القاسم بن أحمد، قال حدثنا أبو الصلت عبد السلام ابن
ص: 4
صالح الهروي. قال أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد و حدثنا القاسم بن الحسن العلوي الحسني،
قال حدثنا أبو الصلت، قال حدثنا علي بن عبد الله بن النعجة، قال حدثنا أبو سهيل ابن مالك عن مالك، بن أوس بن الحدثان، قال لما ولي علي بن أبي طالب علیه السّلام أسرع الناس إلى بيعته المهاجرون و الأنصار و جماعة الناس، لم يتخلف عنه أحد من أهل الفضل إلا نفر يسير خذلوا و بايع الناس .
و كان عثمان قد عود قريشا و الصحابة كلهم، وصبت عليهم الدنيا صبا، و آثر بعضهم على بعض، و خص أهل بيته من بني أمية، و جعل لهم البلاد، و خولهم العباد، فأظهروا في الأرض الفساد، و حمل أهل الجاهلية و المؤلفة قلوبهم على رقاب الناس حتى غلبوه على أمره، فأنكر الناس ما رأوا من ذلك، فعاتبوه فلم يعتبهم، و راجعوه فلم يسمع منهم، وحملهم على رقاب الناس حتى انتهى إلى أن ضرب بعضا، و نفی بعضا، و حرم بعضا،
فرأى أصحاب رسول الله أن يدفعوه بالبيعة، و ما عقدوا له في رقابهم، فقالوا إنما بايعناه على كتاب الله وسنة نبيه و العمل بهما، فحيث لم يفعل ذلك لم تكن له علينا طاعة. فافترق الناس في أمره على خاذل و قاتل، فأما من قاتل فرأى أنه حيث خالف الكتاب و السنة، و استأثر بالفيء، و استعمل من لا يستأهل، رأوا أن جهاده جهاد،
و أما من خذله، فإنه رأى أنه يستحق الخذلان، و لم يستوجب النصرة بترك أمر الله حتى قتل. و اجتمعوا على علي بن أبي طالب علیه السّلام فبايعوه، فقام و حمد الله و أثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي وآله، ثم قال:
أما بعد، فإني قد كنت كارها لهذه الولاية، يعلم الله في سماواته و فوق
ص: 5
عرشه على أمة محمد صلّی الله علیه و آله حتى اجتمعتم على ذلك، فدخلت فيه، و ذلك أني سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول.
أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم القيامة على حد الصراط، و نشرت الملائكة صحيفته، فإن نجا فبعدله، و إن جار انتقض به الصراط انتقاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو و عضو من أعضائه مسيرة مائة عام، يخرق به الصراط، فأول ما يلق به النار أنفه و حر وجهه، و لكني لما اجتمعتم علي نظرت فلم يسعني ردكم حيث اجتمعتم، أقول ما سمعتم، و أستغفر الله لي ولكم. فقام إليه الناس فبايعوه، فأول من قام فبايعه طلحة والزبير، ثم قام المهاجرون والأنصار وسائر الناس حتى بايعه الناس، و كان الذي يأخذ عليهم البيعة عمار بن ياسر و أبو الهيثم بن التيهان، و هما يقولان نبايعكم على طاعة الله وسنة رسوله، و إن لم نف لكم فلا طاعة لنا عليكم، ولا بيعة في أعناقكم، والقرآن إمامنا و إمامكم.
ثم التفت علي علیه السّلام عن يمينه و عن شماله ، و هو على المنبر، و هو يقول ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا، فاتخذوا العقار، وفجروا الأنهار، و ركبوا الخيول الفارهة، واتخذوا الوصائف الروقة، فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إن لم يغفر لهم الغفار، إذا منعوا ما كانوا فيه، وصيروا إلى حقوقهم التي يعلمون، يقولون.
حرمنا ابن أبي طالب و ظلمنا حقوقنا، و نستعين بالله و نستغفره، و أما من كان له فضل و سابقة منكم، فإنما أجره فيه على الله، فمن استجاب لله و لرسوله و دخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، و أكل ذبيحتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده. فأنتم أيها الناس، عباد الله المسلمون، و المال مال
ص: 6
الله يقسم بينكم بالسوية،
و ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى و للمتقين عند الله خير الجزاء و أفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين جزاء، و ما عند الله خير للأبرار، إذا كان غدا فاغدوا، فإن عندنا مالا اجتمع، فلا يتخلفن أحد كان في عطاء، أو لم يكن إذا كان مسلما حرا، احضروا رحمكم الله.
فاجتمعوا من الغد، و لم يتخلف عنه أحد، فقسم بينهم ثلاثة دنانير لكل إنسان الشريف و الوضيع و الأحمر والأسود، لم يفضل أحدا، و لم يتخلف عنه أحد إلا هؤلاء الرهط طلحة والزبير و عبد الله بن عمر و سعيد بن العاص و مروان بن الحكم و ناس معهم.
فسمع عبيد الله بن أبي رافع و هو كاتب علي بن أبي طالب علیه السّلام عبد الله بن الزبير و هو يقول للزبير و طلحة و سعيد بن العاص لقد التفت إلى زید بن ثابت.
فقلت له إياك أعني و اسمعي يا جارة. فقال له عبيد الله يا سعيد بن العاص و عبد الله بن الزبير، إن الله يقول في كتابه «وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ». قال عبيد الله فأخبرت عليا علیه السّلام فقال لأن سلمت لأحملنهم على الطريق، قاتل الله ابن العاص، لقد علم في كلامي أني أريده و أصحابه بكلامي، و الله المستعان.
قال مالك بن أوس و كان علي بن أبي طالب علیه السّلام أكثر ما يسكن القناة، فبينا نحن في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة، فجلسنا في ناحية عن علي علیه السّلام، ثم طلع مروان و سعید و عبد الله بن الزبير و المسور بن مخرمة فجلسوا، و كان على علیه السّلام جعل عمار بن ياسر على الخيل،
فقال لأبي الهيثم بن التيهان و لخالد بن زيد أبي أيوب و لأبي حية و
ص: 7
لرفاعة بن رافع في رجال من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله قوموا إلى هؤلاء القوم، فإنه بلغنا عنهم ما نكره من خلاف أمير المؤمنين إمامهم، و الطعن عليه، و قد دخل معهم قوم من أهل الجفاء و العداوة، و إنهم سيحملونهم على ما ليس من رأيهم.
قال فقاموا، و قمنا معهم حتى جلسوا إليهم، فتكلم أبو الهيثم بن التيهان، فقال إن لكما لقدما في الإسلام و سابقة و قرابة من أمير المؤمنين، و قد بلغنا عنكما طعن و سخط لأمير المؤمنين، فإن يكن أمر لكما خاصة فعاتبا ابن عمتكما و إمامكما، و إن كان نصيحة للمسلمين فلا تؤخراه عنه، و نحن عون لكما،
فقد علمتها أن بني أمية لن تنصحكما أبدا وقد عرفتها و قال أحمد عرفتم عداوتهم لكما، و قد شركتها في دم عثمان و مالأتما، فسكت الزبير و تكلم طلحة، فقال افرغوا جميعا مما تقولون، فإني قد عرفت أن في كل واحد منكم خبطة. فتكلم عمار بن ياسر رحمه الله.
فحمد الله و أثنى عليه، وصلى على النبي صلّی الله علیه و آله ، وقال أنتما صاحبا رسول الله، و قد أعطيتما إمامكما الطاعة و المناصحة، و العهد والميثاق على العمل بطاعة الله وطاعة رسوله، و أن يجعل كتاب الله إمامنا و هو علي بن أبي طالب طلق النفس عن الدنيا، وقدم كتاب الله،
- قال أحمد و جعل كتاب الله إماما، - ففيم السخط والغضب على علي بن أبي طالب علیه السّلام فغضب الرجال في الحق انصرا نصركما الله.
فتكلم عبد الله بن الزبير، فقال لقد تهذرت يا أبا اليقظان. فقال له عمار ما لك تتعلق في مثل هذا يا أعبس، ثم أمر به فأخرج، فقام الزبير فالتفت إلى عمار (رحمه الله) فقال عجلت يا أبا اليقظان على ابن أخيك
ص: 8
رحمك الله. فقال عمار بن ياسر يا أبا عبد الله، أنشدك الله أن تسمع قول من رأيت، فإنكم معشر المهاجرين لم يهلك من هلك منكم حتى استدخل في أمره المؤلفة قلوبهم.
فقال الزبير معاذ الله أن نسمع منهم. فقال عمار و الله يا أبا عبد الله، لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب لما خالفته، و لا زالت يدي مع يده و ذلك لأن عليا لم يزل مع الحق منذ بعث الله نبيه صلّی الله علیه و آله، فإني أشهد أنه لا ینبغي لأحد أن يفضل عليه أحدا.
فاجتمع عمار بن ياسر و أبو الهيثم و رفاعة و أبو أيوب و سهل بن حنيف، فتشاوروا أن يركبوا إلى على علیه السّلام بالقناة فيخبروه بخبر القوم، فركبوا إليه فأخبروه باجتماع القوم و ما هم فيه من إظهار الشكوى و التعظيم لقتل عثمان، و قال له أبو الهيثم يا أمير المؤمنين، انظر في هذا الأمر،
فركب بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله و دخل المدينة، وصعد المنبر، فحمد الله و أثنى عليه، واجتمع أهل الخير و الفضل من الصحابة و المهاجرين، فقالوا العليا علیه السّلام إنهم قد كرهوا الأسوة، و طلبوا الأثرة، وسخطوا لذلك. فقال علي علیه السّلام ليس لأحد فضل في هذا المال، و هذا كتاب الله بيننا و بينكم، و نبيكم محمد صلّی الله علیه و آله و سيرته .
ثم صاح بأعلى صوته يا معشر الأنصار، أتمنون علي بإسلامكم قال أحمد على الله بإسلامكم بل الله و رسوله المن عليكم إن كنتم صادقين، أنا أبو الحسن القرم. و نزل عن المنبر و جلس ناحية المسجد، و بعث إلى طلحة و الزبير فدعاهما، ثم قال لهما ألم تأتياني و تبايعاني طائعين غير مكرهين، فما أنكرتم، أجور في حكم أو استئثار في فيء قالا لا.
قال علیه السّلام أو في أمر دعوتماني إليه من أمر المسلمين فقصرت عنه قالا
ص: 9
معاذ الله. قال علیه السّلام فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتها خلافي قالا خلافك عمر بن الخطاب في القسم، و انتقاصنا حقنا من الفيء، جعلت حظنا في الإسلام كحظ غيرنا مما أفاء الله علينا بسيوفنا، ممن هو لنا فيء، فسويت بيننا و بينهم.
فقال علي علیه السّلام الله أكبر، اللهم إني أشهدك و أشهد من حضر عليهما، أما ما ذكرتما من الاستشارة فو الله ما كانت لي في الولاية رغبة، و لا لي فيها محبة و لكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، فكرهت خلافكم،
فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله و ما وضع و أمر فيه بالحكم و قسم و سن رسول الله صلّی الله علیه و آله فأمضيته ، و لم أحتج فيه إلى رأيكما و دخولكما معي و لا غير كما، و لم يقع أمر جهلته فأتقوى فيه برأيكما و مشورتكما، و لو كان ذلك لم أرغب عنكما، و لا عن غيركا، إذا لم يكن في كتاب الله ولا في سنة نبينا صلّی الله علیه و آله ،
فأما ما كان فلا يحتاج فيه إلى أحد، و أما ما ذكرتما من أمر الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه، و وجدت أنا و أنتما ما قد جاء به محمد صلّی الله علیه و آله من كتاب الله، فلم أحتج فيه إليكما، قد فرغ من قسمه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد،
و أما قولكما جعلتنا فيه كمن ضربناه بأسيافنا، وأفاء الله علينا، فقد سبق رجال رجالا فلم يفضلهم رسول الله صلّی الله علیه و آله و لم يستأثر عليهم من سبقهم، و لم يضرهم حين استجابوا لربهم، والله ما لكم ولا لغيركم إلا ذلك، ألهمنا الله وإياكم الصبر عليه.
فذهب عبد الله بن الزبير يتكلم، فأمر به فوجئت عنقه و أخرج من المسجد، فخرج و هو يصيح و يقول اردد إليه بيعته. فقال علي علیه السّلام لست
ص: 10
مخرجكما من أمر دخلتها فيه، ولا مدخلكما في أمر خرجتما منه، فقاما عنه فقالا أما إنه ليس عندنا أمر إلا الوفاء. قال فقال علي علیه السّلام رحم الله عبدا رأى حقا فأعان عليه، أو رأى جورا فرده، و كان عونا للحق على من خالفه.
4 - قال الرضى قوله علیه السّلام: لما بويع بالخلافة:
ذمتي بما أقول رهينة «وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ» إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزته التقوى عن تقحم الشبهات ألا و إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه صلّی الله علیه و آله و الذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة و لتساطن سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم و ليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سباقون كانوا سبقوا.
و الله ما كتمت وشمة و لا كذبت كذبة و لقد نبئت بهذا المقام و هذا اليوم ألا و إن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها و خلعت لجمها فتقحمت بهم في النار ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة حق و باطل و لكل أهل فلئن أمر الباطل لقديما فعل و لئن قل الحق فلربما و لعل و لقلما أدبر شيء فأقبل.
شغل من الجنة والنار أمامه ساع سريع نجا و طالب بطيء رج-ا و مقصر في النار هوى اليمين و الشمال مضلة و الطريق الوسطى هي الجادة عليها باقي الكتاب و آثار النبوة و منها منفذ السنة و إليها مصير العاقبة من ادعى «خَابَ مَنِ افْتَرى» من أبدى صفحته للحق هلك و كفى بالمرء جهلا ألا يعرف قدره لا يهلك على التقوى سنخ أصل ولا يظمأ عليها زرع قوم فاستتروا في بيوتكم «وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم» والتوبة من ورائكم و لا يحمد حامد إلا ربه و لا يلم لائم إلا نفسه.
ص: 11
5- عنه قال علیه السّلام : عنه ما لا الهلال: عنه ما بويع بالخلافة:
فقمت بالأمر حين فشلوا و تطلعت حين تقبعوا و نطقت حين تعتعوا و مضيت بنور الله حين وقفوا وكنت أخفضهم صوتا و أعلاهم فوتا فطرت بعنانها و استبددت برهانها كالجبل لا تحركه القواصف و لا تزيله العواصف لم يكن لأحد في مهمز و لا لقائل في مغمز.
الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له و القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه رضينا عن الله قضاءه و سلمنا الله أمره أتراني أكذب على رسول الله صلّی الله علیه و آله والله لأنا أول من صدقه فلا أكون أول من كذب عليه فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي و إذا الميثاق في عنقي لغيري.
6 - عنه قال علیه السّلام : عنه البيعة: دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول و إن الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و لم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب و إن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم و أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا.
7- عنه قال علیه السّلام: فى اول خلافته إن الله تعالى أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير و الشر فخذوا نهج الخير تهتدوا و اصدفوا عن سمت الشر تقصدوا الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تؤدكم إلى الجنة إن الله حرم حراما غير مجهول و أحل حلالا غير مدخول وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها و شد بالإخلاص و التوحيد حقوق المسلمين في معاقدها.
فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق و لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادروا أمر العامة و خاصة أحدكم و هو الموت فإن الناس أمامكم و إن الساعة تحدوكم من خلفكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر
ص: 12
بأولكم آخركم اتقوا الله في عباده و بلاده فإنكم مسئولون حتى عن البقاع و البهائم أطيعوا الله و لا تعصوه و إذا رأيتم الخير فخذوا به و إذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه.
8- عنه قال علیه السّلام: لما بويع بالخلافة: يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون و لكن كيف لي بقوة و القوم المجلبون على حد شوكتهم يملكوننا و لا نملكهم وها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم و التفت إليهم أعرابكم و هم خلالكم يسومونكم ما شاءوا و هل ترون موضعا لقدرة على شيء تريدونه إن هذا الأمر أمر جاهلية و إن لهؤلاء القوم مادة إن الناس من هذا الأمر إذا حرك على أمور:
فرقة ترى ما ترون و فرقة ترى ما لا ترون و فرقة لا ترى هذا و لا ذاك فاصبروا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها و تؤخذ الحقوق مسمحة فاهدءوا عني وانظروا ماذا يأتيكم به أمري و لا تفعلوا فعلة تضعضع قوة و تسقط منة و تورث وهنا و ذلة وسأمسك الأمر ما استمسك و إذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي.
9- عنه قال علیه السّلام في وصف بيعته بالخلافة: وبسطتم يدى فكففتها و مددتموها فقبضتها، ثم تداككتم على تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطع النعل و سقط الرداء و وطئ الضعيف و بلغ من سرور الناس ببيعتهم اياى ان ابتهج بها الصغير و هدج اليها الكبير و تحامل نحوها العليل و حسرت اليها الكعاب.
10 - قال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح قال: كان الحادى يحدو بعثمان و هو يقول:
إن الأمير بعده علي *** وفي الزبير خلف رضي
ص: 13
قال: قال كعب: ولكنه صاحب البغلة الشهباء - يعنى معاوية، فقيل لمعاوية إن كعبا يسخر بك و يزعم أنك تلى هذا الأمر، قال: فأتاه فقال: يا أبا إسحاق و كيف و هنها على و الزبير و اصحاب محمد، قال: أنت صاحبها.
11 - عنه حدثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي قال: لما بويع أبو بكر قال: قال سلمان: أخطأتم وأصبتم ، أما لو جعلتموها في اهل بيت نبيكم لأكلتموها رغدا.
12 - عنه حدثنا يزيد بن هارون عن عيينة بن عبدالرحمن بن جوشن عن أبيه عن عبدالرحمن بن أبي بكرة قال: ما رزأ على من بيت مالنا حتى فارقنا إلا جبة محشوة و خميصة درا بجردية.
13 - عنه حدثنا غندر عن شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت عبيدالله بن أبي رافع قال: رأيت علياً حين ازدحموا عليه حتى أدموا رجله، فقال: اللهم إنى قد كرهتهم و كرهوني فأرحنى منهم و أرحهم منى.
14- قال الدينوري بايع الناس علياً علیه السّلام ، فقال: أيها الناس با يعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي و إنما الخيار قبل أن تقع البيعة، فإذا وقعت فلا خيار لهم و إنما على الإمام الاستقامة و على الرعية التسليم و إن هذه بيعة عامة من ردها رغب عن دين الإسلام وإنها لم تكن فلتة».
ثم إن علياً علیه السّلام اظهر أنه يريد السير إلى العراق، و كان على الشام يومئذ معاوية بن أبي سفيان، وليها لعمر بن الخطاب سبعا، و وليها جميع ولاية عثمان أثنتي عشرة سنة، فواتاه الناس على السير إلا ثلاثة نفر: سعد بن أبي وقّاص، و عبدالله بن عمر بن الخطاب، و محمد بن مسلمة الأنصاري.
ص: 14
و بعث على علیه السّلام عمّاله إلى الأمصار ، فاستعمل عثمان بن حنيف على البصرة، وعمارة بن حسان على الكوفة، وكانت له هجرة، و استعمل عبدالله ابن عباس على جميع أرض اليمين، و استعمل قيس بن سعد بن عبادة على مصر، و استعمل سهل بن حنيف على الشام.
فأما سهل فإنه لما إنتهى تبوك، و هي تخوم أرض الشام استقبله خيل لمعاوية، فَرَدّوه، فانصرف إلي علي، فعلم علي علیه السّلام عند ذلك أن معاوية قد خالف، و أن أهل الشام بايعوه.
و حضر الموسم، فاستأذن الزّبير و طلحة عَليّا في الحج، فأذن لهما، و قد كانت عائشة أم المومنين خرجت قبل ذلك مُعتمرة، و عثمان محصور، و ذلك قبل مقتله بعشرين يوما، فلما قضت عُمرتها أقامت، فوافاها الزبير و طلحة.
و كتب عليّ بن ابي طالب علیه السّلام إلي معاوية » أما بعد، فقد يلغك الذي كان من مصاب عثمان ، و اجتماع الناس عليّ و مبايعتهم لي، فادخل في السلم أو ائذن بحرب و بعث الكتاب مع الحجاج بن غَزِيّة الأنصاريّ، فلما قدم علي معاوية، و أوصل كتاب عليّ إليه، فقرأه.
فقال انصرف إلي صاحبك، فإن كتابي مع رسولي علي إثرك فانصرف الحجاج ، و أمر معاوية بطُومارين فوصل أحدهما بالآخر، ولُفا، و لم يكتب فيهما شيئا إلا بسم الله الرحمن الرحيم؛ و كتب علي العنوان » من معاوية ابن أبي سفيان إلي عليّ بن ابي طالب»،
ثم بعث به مع رجل من عبس له لسان و جسارة، فقدم العبسيّ علي عليّ، فناوله الكتاب، ففتحه، فلم ير فيه شيئا، إلا بسم الله الرحمن الرحيم، و عند عليّ وجوه الناس.
ص: 15
فقام العبسيّ، فقال: «يا ايها الناس، هل فيكم أحد من عَبس؟» قالوا: نعم. قال: فاسمعوا مني، و افهموا عني، إني قد خلّفت بالشام خمسين ألف شيخ خاضِبي لحاهم بدموع أعينهم تحت قميص عثمان، رافعيه علي أطراف الرّماح، قد عاهدوا الله الا يَشيموا سيوفهم حتى يقتلوا قتلته، أو نلحق أرواحهم بالله.» فقام إليه خالد بن زَفر العبسي
فقال: بئس لعمر الله و افدُ الشام أنت أَتخوّف المهاجرين والأنصار بجنود أهل الشام و بكائهم علي قميص عثمان، فوالله ما هو بقميص يوسف و لا بحزن يعقوب، ولئن بكوا عليه بالشام، فقد خَذَلوه بالعراق».
ثم إن المغيرة بن شعبة دخل علي عليّ علیه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين، إن لك حَقّ الصّحبة، فأقرّ معاوية علي ما هو عليه من إمرة الشام، و كذلك جميع عُمّال عثمان، حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعتهم استبدلت حينئذ أو تركت» فقال عليّ علیه السّلام : أنا ناظر في ذلك.
و خرج عنه المغيرة ثم عاد إليه من غدٍ، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أشرت أمس عليك برأي، فلما تدبّرته عرفت خطأه، و الرأي أن تعاجل معاوية و سائر عمّال عثمان بالعزل، لتعرف السامع المطيع من العاصي، فتكافي كُلاً بجزائه.
ثم قام، فتلقّاه ابن عباس داخلا فقال لعليّ علیه السّلام «فيم أتاك المغيرة؟» فأخبره عليّ بما كان من مشورته بالأمس، و ما أشار عليه بعد؛ فقال ابن عباس: «أماّ أمس فإنه نصح لك؛ و أما اليوم فغشّك».
و بلغ المغيرة ذلك، فقال: «صدق ابن عباس نصحت له، فلما رَدّ نُصحي بَدِّلت قولي»، و لما خاض الناس في ذلك سار المغيرة إلى مكة، فأقام بها ثلاثة أشهر، ثم انصرف إلي المدينة.
ص: 16
ثم عليّا علیه السّلام نَادي في الناس بالتأهُب للمسير إلي العراق، فدخل عليه سعد بن أبي وقّاص، و عبدالله بن عمر بن الخطاب، و محمد بن مسلَمة، فقال لهم: «قد بلغني عنكم هناة كرهتها لكم»، فقال سعد: «قد كان ما بلغك، فأعطني سيفاً يعرف المسلم من الكافر حتى أُقاتِل به معك».
و قال عبد الله بن عمر: «أنشدك الله أن تحملني علي ما لا أعرف».
و قال محمد بن مسلمة: «إن رسول الله صلّی الله علیه و آله أمرني أن أُقاتلَ بسيفي قُوتِلَ به المشركون، فإذا قُوتل أهل الصلاة ضربت به صخر أُحُد حتي ينكسر، و قد كسرته بالأمس». ثم خرجوا من عنده.
ثم إن أُسامة بن زَيدٍ، دخل فقال: «أعفني من الخروج معك في هذا الوجه، فإني عاهدت الله ألّا أُقاتِلَ مَن يشهد أن لا إله إلا الله».
و بلغ ذلك الأشتر، فدخل علي عليّ، فقال: «يا أمير المؤمنين، إنا و إن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا من التابعين بإحسان، و إن القوم و إن كانوا أولي بما سبقونا إليه فليسوا بأولي مما شركناهم فيه، و هذه بيعة عامة، الخارج منها طاعن مُستعتِب، فَحُضّ هؤلاء الذين يريدون التخلُف عنك باللسان، فإن أبو فأدّبهم بالحبس» فقال عليّ علیه السّلام : «بل أدعهم ورأيهم الذي هم عليه».
و لما همّ علي علیه السّلام بالمسير إلي العراق، اجتمع أشراف الأنصار، فإقبلوا حتي دخلوا علي عليّ، فتكلم عُقبة بن عامر ، و كان بَدريّاً فقال: » يا امير المؤمنين إن الذي يفوتك من الصلاة في مسجد رسول الله صلّی الله علیه و آله، و السعي بين قبره و منبره أعظم مما ترجو من العراق.
فإن كنت أنما تسير لحرب الشام، فقد أقام عمر فينا فينا و كفاه سعد زحف القادسيّة، و أبو موسي زحفَ الأهواز، و ليس من هؤلاء رجل إلا و
ص: 17
مثله معك، و الرجال أشباه، والأيام دُول» فقال علىّ علیه السّلام: «إن الأموال و الرجال بالعراق، و لأهل الشام و ثبة أحب أن أكون قريبا منها» و نادي في الناس بالمسير، فخرج و خرج معه الناس.
15 - قال الطبري: حدثني جعفر بن عبدالله المحمدي قال حدثنا عمرو ابن حماد وعلي بن حسين قالا حدثنا حسين عن أبيه عن عبدالملك بن أبي سليمان الفزاري عن سالم بن ابي الجعد الأشجعي عن محمد بن الحنفية قال كنت مع أبي حين قتل عثمان فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله.
فقالوا إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلّی الله علیه و آله فقال لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أكون أميرا فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك.
قال ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين قال سالم بن أبي الجعد فقال عبد الله بن عباس فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه وأبى ه-و إلا المسجد فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس.
16 - عنه حدثني جعفر قال حدثنا عمرو وعلي قالا حدثنا حسين عن أبيه عن أبي ميمونة عن أبي بشير العابدي قال كنت بالمدينة حين قتل عثمان واجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليا فقالوا يا أبا حسن هلم نبايعك فقال لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقد رضیت به فاختاروا والله فقالوا ما نختار غيرك.
قال فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمان مرارا ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا
ص: 18
له إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة وقد طال الأمر فقال لهم إنكم قد اختلفتم إلي وأتيتم وإني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم وإلا فلا حاجة لي فيه قالوا ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه.
فقال إني كنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا وإنه ليس لي أمر دونكم إلا أن مفاتيح مالكم معي ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم رضيتم قالوا نعم قال اللهم اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك.
قال أبو بشير وأنا يومئذ عند منبر رسول الله صلّی الله علیه و آله قائم أسمع ما يقول.
17- عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد قال أخبرنا أبو بكر الهذلي عن أبي المليح قال لما قتل عثمان خرج علي إلى السوق وذلك يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فاتبعه الناس وبهشوا في وجهه فدخل حائط بني عمرو بن مبذول وقال لأبي عمرة بن عمرو بن محصن أغلق الباب فجاء الناس فقرعوا الباب فدخلوا فيهم طلحة والزبير.
فقالا يا علي ابسط يدك فبايعه طلحة والزبير فنظر حبيب بن ذؤيب إلى طلحة حين بايع فقال أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وطاق وعمامة خز ونعلاه في يده متوكئا على قوس فبايعه الناس وجاؤوا بسعد فقال علي بايع.
قال لا أبايع حتى يبايع الناس والله ما عليك مني بأس قال خلوا سبيله وجاؤوا بابن عمر فقال بايع قال لا أبايع حتى يبايع الناس قال ائتني بجميل قال لا أرى حميلا قال الأشتر خل عني أضرب عنقه قال علي دعوه أنا حميله إنك ما علمت لسيء الخلق صغيرا وكبيرا.
ص: 19
18 - عنه حدثني محمد بن سنان القزاز قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا هشيم قال أخبرنا حميد عن الحسن قال رأيت الزبير بن العوام بايع عليا في حش من حشان المدينة.
19 - عنه حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا وهب بن جرير قال سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال بايع الناس عليّ بن أبي طالب فأرسل إلى الزبير وطلحة فدعاهما إلى البيعة فتلكأ طلحة فقام مالك الأشتر وسل سيفه قال والله لتبايعن أو لأضر بن به ما بين عينيك.
فقال طلحة وأين المهرب عنه فبايعه وبايعه الزبير والناس وسأل طلحة والزبير أن يؤمرهما على الكوفة والبصرة فقال تكونان عندي فأتحمل بكما فإني وحش لفراقكما قال الزهري وقد بلغنا أنه قال مهما إن أحببتها أن تبايعا لي وإن أحببتها بايعتكما.
فقالا: بل نبايعك وقالا بعد ذلك إنما صنعنا ذلك خشية على أنفسنا وقد عرفنا أنه لم يكن ليبايعنا فظهرا إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر.
20 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن عن عبدالملك بن أبي سليمان عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن الحنفية قال كنت أمسي مع أبي حين قتل عثمان حتى دخل بيته فأتاه ناس من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله فقالوا إن هذا الرجل قد قتل ولا بد من إمام للناس.
قال: أو تكون شورى قالوا أنت لنا رضا قال فالمسجد إذا يكون عن رضا من الناس فخرج إلى المسجد فبايعه من بايعه وبايعت الأنصار عليا إلا نفيرا يسيرا فقال طلحة مالنا من هذا الأمر إلا كحسة أنف الكلب.
ص: 20
21 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال أخبرنا شيخ من بني هاشم عن عبد الله بن الحسن قال لما قتل عثمان بايعت الأنصار عليا إلا نفيرا يسيرا منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة كانوا عثمانية.
فقال رجل لعبد الله بن حسن كيف أبي هؤلاء بيعة علي وكانوا عثمانية قال أما حسان فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع وأما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان وبيت المال فلما حصر عثمان قال يا معشر الأنصار كونوا أنصارا الله مرتين فقال أبو أيوب ما تنصره إلا أنه أكثر لك من العضدان فأما كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزينة وترك ما أخذ منهم له.
22 - عنه قال حدثني من سمع الزهري يقول هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا عليا ولم يبايعه قدامة بن مظعون وعبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة وقال آخرون إنما بايع طلحة والزبير عليا كرها.
23 - عنه حدثني عبدالله بن أحمد المروزي قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبدالله عن جرير بن حازم قال حدثني هشام بن أبي هشام مولى عثمان بن عفان عن شيخ من أهل الكوفة يحدثه عن شيخ آخر قال حصر عثمان وعلي بخيبر.
فلما قدم أرسل إليه عثمان يدعوه فانطلق فقلت لأنطلقن معه ولأسمعن مقالتها فلما دخل عليه كلمه عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن لي عليك حقوقا حق الإسلام وحق الإخاء وقد علمت أن رسول الله صلّی الله علیه و آله حين آخى بين الصحابة.
آخى بيني وبينك وحق القرابة والصهر وما جعلت لي في عنقك من
ص: 21
العهد والميثاق فوالله لو لم يكن من هذا شيء ثم كنا إنما نحن في جاهلية لكان مبطأ على بني عبد مناف أن يبتزهم أخو بني تيم ملكهم.
فتكلم علي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فكل ما ذكرت من حقك علي على ما ذكرت أما قولك لو كنا في جاهلية لكان مبطأ على بني عبد مناف أن يبتزهم أخو بني تيم ملكهم فصدقت وسيأتيك الخبر ثم خرج فدخل المسجد فرأى أسامة جالسا فدعاه فاعتمد على يده فخرج يمشي إلى طلحة وتبعته فدخلنا دار طلحة بن عبیدالله الله وهي دحاس من الناس فقام إليه فقال.
يا طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه فقال يا أبا حسن بعدما مس الحزام الطبيين فانصرف علي ولم يحر إليه شيئا حتى أتى بيت المال فقال افتحوا هذا الباب فلم يقدر على المفاتيح فقال اكسروه فكسر باب بيت المال فقال أخرجوا المال فجعل يعطي الناس.
فبلغ الذين في دار طلحة الذي صنع علي فجعلوا يتسللون إليه حتى ترك طلحة وحده وبلغ الخبر عثمان فسر بذلك ثم أقبل طلحة يمشي إلى دار عثمان فقلت والله لأنظرن ما يقول هذا فتبعته فاستأذن على عثمان فلما دخل عليه قال يا أمير المؤمنين أستغفر الله وأتوب إليه أردت أمرا فحال الله بيني وبينه فقال عثمان إنك والله ما جئت تائبا ولكنك جئت مغلوبا الله حسيبك يا طلحة.
24- عنه حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن سعد قال قال طلحة بايعت والسيف فوق رأسي فقال سعد لا أدري والسيف على رأسه أم لا إلا أني أعلم أنه بايع كارها.
ص: 22
قال وبايع الناس عليا بالمدينة وتربص سبعة نفر فلم يبايعوه منهم سعد بن أبي وقاص ومنهم ابن عمر وصهيب وزيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة وسلمة بن وقش وأسامة بن زيد ولم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع فيما نعلم.
25- عنه حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب بن عبدالله قال حدثني أبي عبد الله بن مصعب عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير قال لما قتل الناس عثمان وبايعوا عليا جاء على إلى الزبير فاستأذن عليه فأعلمته به فسل السيف ووضعه تحت فراشه ثم قال ائذن له فأذنت له فدخل فسلم على الزبير وهو واقف بنحره ثم خرج.
فقال الزبير لقد دخل المرء ما أقصاه قم في مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئا فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته فقال ذاك أعجل الرجل فلما خرج علي سأله الناس فقال وجدت أبر ابن أخت وأوصله فظن الناس خيرا فقال علي إنه بايعه.
26 - عنه مما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف بن عمر قال حدثنا محمد بن عبدالله بن سواد بن نويرة وطلحة بن الأعلم وأبو حارثة وأبو عثمان قالوا بقيت المدينة بعد قتل عثمان خمسة أيام وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه يأتي المصريون عليا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة.
فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد مرة ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه فأرسلوا إليه حيث هو رسلا فباعدهم وتبرأ من مقالتهم ويطلب البصريون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يهوون.
ص: 23
فلما لم يجدوا ممالئا ولا مجيبا جمعهم الشر على أول من أجابهم وقالوا لا نولي أحدا من هؤلاء الثلاثة فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع فاقدم نبايعك فبعث إليهم إني وابن عمر خرجنا منها فلا حاجة لي فيها على حال وتمثل:
لا تخلطن خبئات بطيية *** واخلع ثيابك منها وانج عريانا
ثم إنهم أتوا ابن عمر عبدالله فقالوا أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر فقال إن هذا الأمر انتقاما والله لا أتعرض له فالتمسوا غيري فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون والأمر أمرهم.
27 - عنه كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال كانوا إذا لقوا طلحة أبي وقال:
ومن عجب الأيام والدهر أنني *** بقيت وحيدا لا أمر ولا أحلي
فيقولون: إنك لتوعدنا فيقومون فيتركونه فإذا لقوا الزبير وأرادوه أبى وقال:
متى أنت عن دار بفيحان راحل *** وباحتها تخنو عليك الكتائب
فيقولون: إنك لتوعدنا فإذا لقوا عليا وأرادوه أبى وقال:
لو أن قومي طاوعتني سراتهم *** أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا
فيقولن إنك لتوعدنا فيقومون ويتركونه.
28 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن المدائني ق-ال أخبرنا مسلمة بن محارب عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال لما قتل عثمان أتى الناس عليا وهو في سوق المدينة وقالوا له ابسط يدك نبايعك قال لا تعجلوا فإن عمر كان رجلا مباركا وقد أوصى بها شورى فأمهلوا يجتمع
ص: 24
الناس ويتشاورون فارتد الناس عن علي.
ثم قال بعضهم إن رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم بهذا الأمر لم نأمن اختلاف الناس وفساد الأمة فعادوا إلى علي فأخذ الأشتر بيده فقبضها على فقال أبعد ثلاثة أما والله لئن تركتها لتقصرن عنيتك عليها حينا فبايعته العامة وأهل الكوفة يقولون إن أول من بايعه الأشتر.
29 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان قالا لما كان يوم الخميس على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان جمعوا أهل المدينة فوجدوا سعدا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائط له ووجدوا بني أمية قد هربوا إلا من لم يطق الهرب وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أول من خرج وتبعهم مروان وتتابع على ذلك من تتابع فلما اجتمع أهل المدينة قال لهم أهل مصر أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون الإمامة وأمركم عابر على الأمة فانظروا رجلا تنصبونه ونحن لكم تبع فقال الجمهور علي بن أبي طالب نحن به راضون.
30 - عنه أخبرنا علي بن مسلم قال حدثنا حبان بن هلال قال حدثنا جعفر بن سليمان عن عوف قال أما أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول إن عليا جاء فقال لطلحة ابسط يدك يا طلحة لأبايعك فقال طلحة أنت أحق وأنت أمير المؤمنين فابسط يدك قال فبسط على يده فبايعه.
31- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا فقالوا لهم دونكم يا أهل المدينة فقد أجلناكم يومين فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن غدا عليا وطلحة والزبير وأناسا كثيرا فغشى الناس عليا فقالوا نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من ذوي القربى فقال علي
ص: 25
دعوني والتمسوا غيري.
فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وله ألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول فقالوا ننشدك الله ألا ترى ما نرى ألا ترى الإسلام ألا ترى الفتنة ألا تخاف الله فقال قد أجبتكم لما أرى واعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم.
ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد وتشاور الناس فيما بينهم وقالوا إن دخل طلحة والزبير فقد استقامت فبعث البصريون إلى الزبير بصريا وقالوا احذر لاتحاده وكان رسولهم حكيم بن جبلة العبدي في نفر.
فجاؤوا به يحدونه بالسيف وإلى طلحة كوفيا وقالوا له احذر لاتحاده فبعثوا الأشتر فى نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف وأهل الكوفة وأهل البصرة شامتون بصاحبهم وأهل مصر فرحون بما اجتمع عليه أهل المدينة وقد خشع أهل الكوفة وأهل البصرة أن صاروا أتباعا لأهل مصر وحشوة فيهم وازدادوا بذلك على طلحة والزبير غيظا فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد جاء علي حتى صعد المنبر.
فقال يا أيها الناس عن ملاء وإذن إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس على أمر فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا أجد على أحد فقالوا نحن على ما فارقناك عليه بالأمس وجاء القوم بطلحة فقالوا بايع فقال إني إنما أبايع كرها فبايع وكان به شلل أول الناس وفي الناس رجل يعتاف فنظر من بعيد.
فلما رأى طلحة أول من بايع ق:ال إنا لله وإنا إليه راجعون أول يد بايعت أمير المؤمنين يد شلاء لا يتم هذا الأمر ثم جيء بالزبير فقال مثل
ص: 26
ذلك وبايع وفي الزبير اختلاف ثم جيء بقوم كانوا قد تخلفوا فقالوا نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز والذليل فبايعهم ثم قام العامة فبايعوا.
32- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي زهير الأزدي عن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه قال لما قتل عثمان واجتمع الناس على علي ذهب الأشتر فجاء بطلحة فقال له دعني أنظر ما يصنع الناس فلم يدعه وجاء به يتله تلا عنيفا وصعد المنبر فبايع.
33- عنه كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس عن الحارث الوالبي قال جاء حكيم بن جبلة بالزبير حتى بايع فكان الزبير يقول جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت واللج على عنق.
34 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وبايع الناس كلهم.
35 عنه قال أبو جعفر: وسمح بعد هؤلاء الذين اشترطوا الذين جيء بهم وصار الأمر أمر أهل المدينة وكانوا كما كانوا فيه وتفرقوا إلى منازلهم لولا مكان النزاع والغوغاء فيهم.
36- عنه بويع علي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة - والناس يحسبون من يوم قتل عثمان فأول خطبة خطبها على حين استخلف فيما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن سليمان بن أبي المغيرة عن علي بن الحسين حمد الله وأثنى عليه فقال:
إن الله عز وجل أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذو بالخير ودعوا الشر الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة إن الله حرم حرما غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص
ص: 27
والتوحيد المسلمين والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادرو أمر العامة وخاصة أحدكم الموت.
فإن الناس أمامكم وإن ما من خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر الناس أخراهم اتقوا الله عباده في عباده وبلاده إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم أطيعوا الله عز وجل ولا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَليلٌ مُسْتَضْعَفُونَ في الْأَرْضِ».
ولما فرغ علي من خطبته وهو على المنبر قال المصريون:
خذها... واحذرا أبا حسن *** إنا غمر الأمر إمرار الرسن
فقال علي مجيبا:
إني عجزت عجزة ما أعتذر *** سوف أكيس بعدها وأستمر
37- عنه قال : اجتمع إلى علي بعد ما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا بأنفسهم.
فقال لهم يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم ها هم هؤلاء قد ثارت هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون قالوا لا قال:
فلا والله لا أرى إلا رأيا ترونه إن شاء الله إن هذا الأمر أمر جاهلية وإن لهؤلاء القوم مادة وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدا إن الناس من هذا الأمر إن حرك على أمور فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا ترون وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ
ص: 28
الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق فاهدؤوا عنى وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا.
واشتد على قريش وحال بينهم وبين الخروج على حال وإنما هيجه على ذلك هرب بني أمية وتفرق القوم وبعضهم يقول والله لئن ازداد الأمر لا قدرنا على انتصار من هؤلاء الأشرار لترك هذا إلى ما قال على أمثل وبعضهم يقول نقضي الذي علينا ولا نؤخره ووالله إن عليا لمستغن برأيه وأمره عنا ولا نراه إلا سيكون على قريش أشد من غيره فذكر ذلك لعلي.
فقام فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره لهم وقيامه دونهم وأنه ليس له من سلطانهم إلا ذلك والأجر من الله عز وجل عليه ونادى برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه.
38 - عنه قال طلحة دعني فلات البصرة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل فقال حتى أنظر في ذلك وقال الزبير دعني آت الكوفة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل فقال حتى أنظر في ذلك وسمع المغيرة بذلك المجلس فجاء حتى دخل عليه فقال:
إن لك حق الطاعة والنصيحة وإن الرأي اليوم تحرز به ما في غد وإن الضياع اليوم تضيع به ما في غد أقرر معاوية على عمله وأقرر ابن عامر على عمله وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو تركت قال حتى أنظر.
فخرج من عنده وعاد إليه من الغد فقال إني أشرت عليك بالأمس برأي وإن الرأي أن تعاجلهم بالنزوع فيعرف السامع من غيره ويستقبل أمرك ثم خرج وتلقاه ابن عباس خارجا وهو داخل فلما انتهى إلى علي قال رأيت المغيرة خرج من عندك ففيم جاءك قال جاءني أمس بذية وذية
ص: 29
وجاءني اليوم بذية وذية.
فقال أما أمس فقد نصحك وأما اليوم فقد غشك قال فما الرأي قال كان الرأي أن تخرج حين قتل الرجل أو قبل ذلك فتأتي مكة فتدخل دارك وتغلق عليك بابك فإن كانت العرب جائلة مضطربة في أثرك لا تجد غيرك فأما اليوم فإن في بني أمية من يستحسنون الطلب بأن يلزموك شعبة من هذا الأمر.
ويشبهون على الناس ويطلبون مثل ما طلب أهل المدينة ولا تقدر على ما يريدون ولا يقدرون عليه ولو صارت الأمور إليهم حتى يصيروا في ذلك أموت الحقوقهم وأترك لها إلا ما يعجلون من الشبهة وقال المغيرة نصحته والله فلما لم يقبل غششته وخرج المغيرة حتى لحق بمكة
39- عنه حدثني الحارث عن ابن سعد عن الواقدي قال حدثني ابن أبي سبرة عن عبدالمجيد بن سهيل عن عبید الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس قال دعاني عثمان فاستعملني على الحج فخرجت إلى مكة فأقمت للناس الحج وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم ثم قدمت المدينة وق-د ب-ويع لعلي فأتيته في داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليا به فحبسني حتى خرج من عنده فقلت.
ماذا قال لك هذا فقال قال لي قبل مرته هذه أرسل إلى عبدالله بن عامر وإلى معاوية وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم ويبايعون لك الناس فإنهم يهدئون البلاد ويسكنون الناس فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي ولا وليت هؤلاء ولا مثلهم يولى.
قال: ثم انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنه يرى أني مخطئ ثم عاد
ص: 30
إلي الآن فقال إني أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت عليك وخالفتني فيه ثم رأيت بعد ذلك رأيا وأنا أرى أن تصنع الذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به فقد كفى الله وهم أهون شوكة مما كان قال ابن عباس فقلت لعلي:
أما المرة الأولى فقد نصحك وأما المرة الآخرة فقد غشك قال له علي ولم نصحني قال ابن عباس لأنك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى تثبتهم لا يبالوا بمن ولي هذا الأمر ومتى تعزلهم يقولوا أخذ هذا الأمر بغير شورى وهو قتل صاحبنا ويؤلبون عليك فينتقض عليك أهل الشام وأهل العراق مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك.
فقال علي أما ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشك أن ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان فوالله لا أولى منهم أحدا أبدا فإن أقبلوا فذلك خير لهم وإن أدبروا بذلت لهم السيف قال ابن عباس فأطعني وادخل دارك والحق بمالك بينبع وأغلق بابك عليك.
فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحملنك الناس دم عثمان غدا فأبى على فقال لابن عباس سر إلى الشام فقد وليتكها فقال ابن عباس ما هذا برأي معاوية رجل من بني أمية أمية وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم علي.
فقال له علي ولم قال لقرابة ما بيني وبينك وإن كل ما حمل عليك حمل علي ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده فأبى علي وقال والله لا كان هذا أبدا.
40 - عنه قال محمد وحدثني هشام بن سعد عن أبي هلال قال قال ابن عباس قدمت المدينة من مكة بعد قتل عثمان بخمسة أيام فجئت عليا
ص: 31
أدخل عليه فقيل لي عنده المغيرة بن شعبة فجلست بالباب ساعة فخرج المغيرة فسلم علي فقال متى قدمت فقلت الساعة فدخلت على علي فسلمت عليه فقال لي لقيت الزبير وطلحة قال قلت لقيتهما بالنواصف.
قال من معهما قالت أبو سعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش فقال على أما إنهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون نطلب بدم عثمان والله تعلم أنهم قتلة عثمان قال ابن عباس يا أمير المؤمنين أخبرني عن شأن المغيرة ولم خلا بك قال جاءني بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي أخلني ففعلت.
فقال إن النصح رخيص وأنت بقية الناس وإني لك ناصح وإني أشير عليك برد عمال عثمان عامك هذا فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم فإذا بايعوا لك واطمأن الأمر لك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت فقلت والله لا أدهن في ديني ولا أعطي الدني في أمري.
قال فإن كنت قد أبيت علي فانزع من شئت واترك معاوية فإن لمعاوية جرأة وهو في أهل الشام يسمع منه ولك حجة في إثباته كان عمر بن الخطاب قد ولاه الشام كلها فقلت لا والله لا أستعمل معاوية أستعمل معاوية يومين أبدا فخرج من عندي على ما أشار به.
ثم عاد فقال لي إني أشرت عليك بما أشرت به فأبيت على ثم نظرت في الأمر فإذا أنت مصيب لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة ولا يكون في أمرك دلسة قال.
فقال ابن عباس فقلت لعلي أما أول ما أشار به عليك فقد نصحك وأما الآخر فغشك وأنا أشير عليك بأن تثبت معاوية فإن بايع لك فعلي أن أقلعه من منزله قال علي لا والله لا أعطيه إلا السيف قال ثم تمثل بهذا البيت:
ما ميتة إن متها غير عاجز *** بعار إذا ما غالت النفس غولها
ص: 32
فقلت يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع لست بأرب بالحرب أما سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله ويقول الحرب خدعة فقال علي بلى فقال ابن عباس أما والله لئن أطعتني لأصدرن بهم بعد ورد ولأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم لك.
فقال يا بن عباس لست من هنيئاتك وهنيئات معاوية في شيء تشير علي وأرى فإذا عصيتك فأطعني قال فقلت أفعل إن أيسر ما لك عندي الطاعة.
41- عنه قال لما دخلت سنة ست وثلاثين فرق علي عماله فمما كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا بعث علي عماله على الأمصار فبعث عثمان بن حنيف على البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وكانت له هجرة وعبيد الله بن عباس على اليمن وقيس بن سعد على مصر و سهل بن حنيف على الشام.
فأما سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقالوا من أنت قال أمير قالوا على أي شيء قال على الشأم قالوا إن كان عثمان بعثك فحيهلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع قال أو ما سمعتم بالذي كان قالوا بلى فرجع إلى علي وأما قيس بن سعد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل.
فقالوا من أنت قال من فالة عثمان فأنا أطلب من أوى إليه وأنتصر به قالوا من أنت قال قيس بن سعد قالوا امض فمضى حتى دخل مصر فافترق أهل مصر فرقا فرقة دخلت في الجماعة وكانوا معه وفرقة وقفت واعتزلت إلى خربتا وقالوا إن قتل قتلة عثمان فنحن معكم وإلا فنحن على جديلتنا حتى نحرك أو نصيب حاجتنا وفرقة قالوا.
نحن مع علي ما لم يقد إخواننا وهم في ذلك مع الجماعة وكتب قيس
ص: 33
إلى أمير المؤمنين بذلك وأما عثمان بن حنيف فسار فلم يرده أحد عن دخول البصرة ولم يوجد في ذلك لابن عامر رأي ولا حزم ولا استقلال بحرب وافترق الناس بها فاتبعت فرقة القوم ودخلت فرقة في الجماعة وفرقة قالت ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما صنعوا وأما عمارة.
فأقبل حتى إذا كان بزبالة لقيه طليحة بن خويلد وقد كان حين بلغهم خبر عثمان خرج يدعو إلى الطلب بدمه ويقول لهني على أمر لم يسبقني ولم أدركه.
يا ليتني فيها جذع *** أكر فيها وأضع
فخرج حين رجع القعقاع من إغاثة عثمان فيمن أجابه حتى دخل الكوفة فطلع عليه عمارة قادما على الكوفة فقال له ارجع فإن القوم لا يريدون بأميرهم بدلا وإن أبيت ضربت عنقك فرجع عمارة وهو يقول احذر الخطر ما يماسك الشر خير من شر منه.
فرجع إلى علي بالخبر وغلب على عمارة بن شهاب هذا المثل من لدن اعتاصت عليه الأمور إلى أن مات وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن فجمع يعلى بن أمية كل شيء من الجباية وتركه وخرج بذلك وهو سائر على حاميته إلى مكة فقدمها بالمال ولما رجع سهل بن حنيف من طريق الشأم وأتته الأخبار ورجع من رجع دعا علي طلحة والزبير.
فقال إن الذي كنت أحذركم قد وقع يا قوم وإن الأمر الذي وقع لا يدرك إلا بإماتته وإنها فتنة كالنار كلما سعرت ازدادت واستنارت فقالا له فأذن لنا أن نخرج من المدينة فإما أن نكابر وإما أن تدعنا فقال سأمسك الأمر ما استمسك فإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي.
وكتب إلى معاوية وإلى أبي موسى وكتب إليه أبي موسى بطاعة أهل
ص: 34
الكوف وبيعتهم وبين الكاره منهم للذي كان والراضي بالذي قد كان ومن بين ذلك حتى كأن عليا على المواجهة من أمر أهل الكوفة وكان رسول علي إلى أبي موسى معبد الأسلمي وكان رسول أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء ولم يجبه ورد رسوله وجعل كلما تنجز جوابه لم يزد على قوله:
أدم إدامة حصن أو خدا بيدي *** حربا ضروسا تشب الجزل والضرما
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله *** شنعاء شيبت الأصداغ واللمما
أعيا المسود بها والسيدون فلم *** يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما
وجعل الجهني كلما تنجز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عبس ثم أحد بني رواحة يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه من معاوية إلى علي فقال إذا دخلت المدينة فاقبض على أسف الطومار ثم أوصاه بما يقول وسرح علي وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأول لغرته.
فلما دخلا المدينة رفع العبسى الطومار كما أمره وخرج الناس ينظرون إليه فتفرقوا إلى منازلهم وقد علموا أن معاوية معترض ومضى حتى يدخل على علي فدفع إليه الطومار ففض خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة فقال للرسول ما وراءك قال آمن أنا قال نعم إن الرسل آمنة لا تقتل.
قال ورائي اني تركت قوما لا يرضون إلا بالقود قال ممن قال من خيط نفسك وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق فقال مني يطلبون دم عثمان ألست موتورا كترة عثمان
اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله
ص: 35
فإنه إذا أراد أمرا أصابه اخرج قال وأنا آمن؟ قال: وأنت آمن فخرج العبسي وصاحت السبئية قالوا هذا الكلب هذا وافد الكلاب اقتلوه فنادی یا آل مضر يا آل قيس الخيل والنبل.
إني أحلف بالله جل اسمه ليردنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفجولة والركاب وتعاووا عليه ومنعنه مضر وجعلوا يقولون له اسكت فيقول لا والله لا يفلح هؤلاء أبدا فلقد أتاهم ما يوعدون فيقولون له اسكت فيقول لقد حل بهم ما يحذرون انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم فوالله ما أمسوا حتى عرف الذل فيهم.
4-2 قال ابن قتيبة: وذكروا انه لما كان في الصباح اجتمع الناس في المسجد، وكثر الندم والتأسف علي عثمان و سقط في أيديهم، و أكثر الناس علي طلحة والزبير و اتمهموهما بقتل عثمان، فقال الناس لهما: أيها الرجلان قد وقعتما في أمر عثمان فخليا عن أنفسكما؛ فقام طلحة فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أيها الناس إنا والله ما نقول اليوم إلا ما قلناه أمس.
إن عثمان خلط الذنب بالتوبة ف حتي كرهنا ولايته و كرهنا أن نقتله و سرّنا أن نُكفاه، و قد كثر فيه اللجاج، و أمره إلى الله، ثم قام الزبير فحمد الله و أثني عليه، ثم قال أيها الناس إن الله قد رضي لكم الشوري، فأذهب بها الهوي، و قد تشاورنا فرضينا علياً فبايعوه، و أما قتل عثمان فإنا تقول فيه إن أمره إلى الله، و قد أحدث أحداثاً والله وليه فيا كان.
فقام الناس، فأتوا عليا في داره فقالوا: نبايعك، فمديدك، لابد من أمير، فأنت أحق بها، فقال: ليس ذلك إليكم، إنما هو لأهل الشوري و أهل بدر، فمن رضي به أهل الشوري و أهل بدر فهو الخليفة، فنجتمع و ننظر في هذا الأمر فأبي أن يبايعهم.
ص: 36
فانصرفوا عنه، وكلم بعضهم بعضا فقالوا: يمضي قتل عثمان في الآفاق و البلاد فيسمعون بقتله، ولا يسمعون أنه بويع لأحد بعده، قيثور كل رجل منهم في ناحية، فلا نأمن أن يكون في ذلك الفساد.
فارجعوا إلي علي، فلا تتركوه حتى يبايع، فيسير مع قتل عثمان بيعة علي، فيطمئن الناس ويسكنون إلي علي، و ترددوا إلي الأشتر النخعي، فقال لعلي: أبسط يدك أو لتعصرن عينيك عليها ثالثة، و لم يزل به يكلمه، و يخوفه الفتنة، و يذكر له أنه ليس أحد يشبهه، فمد يده، فبايعه الأشتر و من معه، ثم أتوا طلحة، فقالوا له: اخرج فبايع، قال: من؟ قالوا: عليا. قال: تجتمع الشوري و تنظر.
فقالوا: اخرج فبايع. فامتنع عليهم فجاءوا به ،یلببونه، فبایعه بلسانه و منع يده، فقال أبو ثور، كنت فيمن حاصر عثمان فكنت آخذ سلاحي و أضعه، و علي ينظر إلي لا يأمرني و لا ينهاني، فلما كانت البيعة له، خرجت فى أثره، و الناس حوله يبايعونه، فدخل حائطا من حيطان بني مازن، فألجئوه إلى نخلة، و حالوا بيني وبينه.
فنظرت إليهم و قد أخذت أيدي الناس ذراعه، تختلف أيديهم علي يده ثم أقبل إلي المسجد الشريف، و كان أول من صعد المنبر طلحة فبايعه بیده، و كانت اصابعه شلاء، فتطير منها علي، فقال: ما أخلقها أن تنكث، ثم بايعه الزبير و سعد و أصحاب النبي صلّی الله علعیه و آله جميعاً.
ثم نرل فدعا الناس و أمر مروان فهرب منه، و طلب نفراً من بني أميه و ابن أبي معيط فهربوا، و خرجت عائشة باكية تقول قتل عثمان رحمه الله، فقال لها عمار، بالأمس تحرضين عليه الناس، و اليوم تبكينه، ثم جاء عليّ إلي امرأة عثمان فقال لها: من قتل عثمان؟ قالت: لا أدري، دخل عليه
ص: 37
رجال لا أعرفهم إلا أن أري وجوههم، و كان معهم محمد بن أبي بكر.
فدعا علي محمداً، فسأله عما ذكرت امرأة عثمان، فقال محمد: صدقت، قد والله دخلت عليه، فذكر لي أبي فقمت عنه، و أنا تائب إلى الله تعالي، والله ما قتلته، و لا أمسكته؛ فقالت: صدق، ولكن هو أدخلهم. قال: ثم خرج طلحة، فلقي عائشة، فقالت له: ما صنع الناس؟ قال: قتلوا عثمان. قالت: ثم ما صنعوا؟ قال: بايعوا علياً، ثم أتوني فأكرهوني و لببوني حتي بایعت.
قالت: و ما لعلي يستولي علي رقابنا، لا أدخل المدينة و لعلي فيها سلطان، فرجعت. و كان الزبير خارجاً لم يشهد قتل عثمان، و كان عمرو بن العاصي بفلسطين يوم قتل عثمان، فطلع عليه راكب من الحجاز، فقال له ما وراءك ؟ قال تركت عثمان محصوراً، قال عمرو: قد يضرط العير و المكواة في النار، ثم لبث اياماً، فطلع راكب آخر، فقال له عمرو: ما الخبر؟
قال: قتل عثمان. قال: فما فعل الناس؟ فقال: بايعوا علياً. قال فما فعل علي في قتله عثمان؟ قال: دخل عليه الوليد ابن عقبة فسأله عن قتله، فقال: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني. قال: فما فعل بقتلة عثمان،
فقال: آوي و لم يرض وقد قال له مروان. إن تكن أمرت فقد توليت الأمر، وإلا تكن قتلت أويت الاقتلين،
فقال عمرو بن العاص : خلط والله أبو الحسن، قال: ثم كتب عمرو بن العاص إلي سعد ابن أبي وقاص يسأله عن قتل عثمان: و من قتله: و من تولي كبره؟
فكتب إليه سعد: إنك سألتني من قتل عثمان؟ و إني أخبرك أنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة، و سمه ابن أبي طالب، و سكت الزبير و
ص: 38
أشار بيد، و أمسكنا نحن، و لو شئنا دفعنا عنه، ولكن عثمان غير و تغير، و أحسن و أساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، و إن كنا أسأنا فنستغفر الله، و أخبرك أن الزبير مغلوب بغلبة أهله و بطلبه بذنبه ، و طلحة لو يجد أن يشق بطنه من حب الإمارة لشقه.
قال: و كان ابن عباس غائباً بمكة المشرفة: فأقبل إلي المدينة و قد بايع الناس علياً. قال ابن عباس: فوجدت عنده المغيرة بن شعبة، فجلست حتي خرج، ثم دخلت عليه، فسألني و ساءلته: ثم قلت له: ما قال لك الخارج من عندك آنفاً؟ قال: قال لي قبل هذه الدخلة، أرسل إلي عبدالله بن عامر بعهده علي البصرة، و إلي معاوية بعهده علي الشام، فإنك تهدي عليك البلاد، و تسكن عليك الناس.
ثم أتأني الآن، فقال لي: أني كنت أشرت عليك برأي لم أتعقيه فلم أر ذلك رأياً، و إني أري أن تنبذ إليهما العدوة، فقد كفاك الله عثمان، و هما أهون موتة منه. فقال له ابن عباس: أما المرة الأولي فقد نصحك فيها، و أما الثانية فقد غشك فيها؛ قال: فإني قد وليتك الشام فسر إليها.
قال: قلت: ليس هذا برأي. أنري معاوية و هو ابن عم عثمان مخلياً بيني و بين عمله، و لست آمن إن ظفر بي أن يقتلني بعثمان، و أدني ما هو صانع أن يحبسني و يحكم علي، و لكن اكتب إلي معاوية، فمنه وعده، فإن استقام لك الأمر فابعثني؛ قال: ثم أرسل بالبيعة إلي الآفاق، و إلي جميع الأمصار، فجاءته البيعة من كل مكان إلا الشام، فإنه لم يأته منها بيعة. فأرسل إلي المغيرة بن شعبة.
فقال له: سر إلي الشام فقد وليتكها. قال: تبعثني إلي معاوية و قد قتل ابن عمه، ثم آتيه والياً، فيظن أني من قتله ابن عمه؟ ولكن إن شئت ابعث
ص: 39
إليه بعهده، فإنه بالحري إذا بعث له بعهده أن يسمع ويطيع. فكتب علي إلي معاوية: أما بعد فقد وليتك ما قبلك من الأمر والمال فبايع من قبلك؛ ثم اقدم في ألف رجل من أهل الشام. فلما أتي معاوية كتاب علي دعا بطومار فكتب فيه.
ليس بينى وبين قومی عناب ** غير طعن السكلى وضرب الرقاب
قال: ثم دخل المغيرة بن شعبة، فقال له علي: هل لك يا مغيرة في الله ؟ قال: فأين هو يا أمير المؤمنين؟ قال: تأخذ سيفك، فتدخل معنا في هذا الأمر فتردك من سبقك، و تسبق من معك، فإني أري أموراً لابد للسيوف تشحذ لها، و تقطف الرءوس بها،
فقال المغيرة: إني والله يا أمير المومنين ما رأيت عثمان مصيباً، و لا قتله صواباً، وإنها لظلمة تتلوها ،ظلمات فأريد يا أمير المؤمنين – إن اذنت لي - أن أضع سيفي و أنام في بيتي حتي تنجلي الظلمة و يطلع قمرها، فنسري مصرين، نقفو آثار المهتدين، و نتقي سبيل الجائرين.
قال علي قد اذنت لك، فكن من أمرك علي ما بدا لك. فقام عمار فقال: معاذ الله يا مغيرة تقعد أعمي بعد أن كنت بصيرا. يغلبك من غلبته، و يسبقك من سبقته، انظر ما تري و ما تفعل فأما أنا فلا أكون إلا فى الرعيل الأول. فقال له المغيرة، يا أبا اليقظان. إياك أن تكون كقاطع السلسلة. فر من الضحل فوقع في الرمضاء.
فقال علي للعمار: دعه، فإنه لن يأخذ من الآخرة إلا ما خالطته الدنيا، أما والله يا مغيرة إنها المثوبة المؤدية، تؤدي من قام فيها إلي الجنة، ولما اختار بعدها، فإذا غشيناك فنم في بيتك. فقال المغيرة: أنت والله يا أمير المؤمنين أعلم مني، و لئن لم أقاتل معك لا أعين عليك، فأن يكن ما فعلت
ص: 40
صواباً فإياه أردت، و إن يكن خطاً فمنه نجوت. ولي ذنوب كثيرة، لا قبل لي بها إلا الاستغفار منها.
قال: وذكروا أن البيعة لما تمت بالمدينة، خرج علي إلى المسجد الشريف، فصعد المنبر، فحمد الله تعالي و أثني عليه، و وعد الناس من نفسه خيراً، و تألفهم جهده، ثم قال: لا يستغني الرجل و إن كان ذا مال و ولد عن عشيرته، و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم. هم أعظم الناس حيطة من ورائه، و إليهم سعيه و أعظفهم عليه إن أصابته مصيبة، أو نزل به بعض مكاره الأمور.
و من يقبض يده عن عشيرته فإنه يقبض عنهم يداً واحدة، و تقبض عنه أيد ٍكثيرة، و من بسط يده بالمعروف ابتغاء وجه الله تعالي، يخلف الله ما أنفق في دنياه، و يضاعف له في آخرته، و اعلموا أن لسان صدق يجعله الله لامرء في الناس، خير له من المال، فلا يزدادنّ احدكم كبرياء و لا عظمة في نفسه، و لا يغفل أحدكم عن القرابة أن يصلها بالذي أقبلت.
ألا و إن المضار اليوم، و السبق غداً. ألا و إن السبقة الجنة. و الغاية النار، ألا إن الأمل يشهي القلب، و يكذب الوعد، و يأتى يغفلة، و يورث حسرة فهو غرور. و صاحبه في عناء، فافزعوا إلي قوام دينكم، و إتمام صلاتكم، وأداء زكاتكم، و النصيحة لإمامكم،
و تعلموا كتاب الله و اصدقوا الحديث عن رسول الله صلّی الله علیه و آله، و أوفوا بالعهد إذا عاهدتم، و أدوا الأمانات إذا اثتمنم و ارغبوا في ثواب الله، و ارهبوا عذابه، و اعلموا الخير تجزوا خيراً يوم يفوز بالخير من قدم الخير.
43 - قال بن عيدربه: لما قتل عثمان بن عفان، اقبل الناس يُهرعون إلي علي بن أبي طالب فتراكمت عليه الجماعة في البيعة، فقال: ليس ذلك إليكم،
ص: 41
إنما ذلك لأهل بَدر ليّبايعوا. فقال: أين طلحة والزبير و سعد؟ فاقبلوا فبايعوا، ثم بايعه المهاجرون والأنصار.
ثم بايعه الناس. و ذلك يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكان اول مَن بايع طلحة، فكانت إصبعه شلّاء، فتطيّر منها علىّ، وقال: ما أخلقه أن ينكث. فكان كما قال عليّ علیه السّلام.
44 - قال المسعودي: بويع علي ابن ابي طالب في اليوم الذي قُتل فيه عثمان بن عفان، فكانت خلافته إلي أن استشهد أربع سنين و سبعة أشهر و ثمانية أيام وقيل: أربع سنين و تسعة أشهر إلا يوماً.
45 - الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: اخبرني ابو سعيد احمد بن محمد الاخمسي ثنا الحسين بن حميد بن الربيع ثنا الحسين بن علي السلمي حدثني ن محمد بن حسان ثنا الحسن بن زياد عن أبي معشر عن شر حبيل بن سعد القرشي قال استخلف علي بن ابي طالب علیه السّلام خمس وثلاثين و هو ابن ثمان و خمسين سنة اشهر فلما حضر الموسم سنة خمسين و ثلاثين بعث عبدالله بن عباس علي الموسم سنة خمس وثلاثين و سنة ست وثلاثين و سنة سبع و ثلاثين وسنة ثمان وثلاثين و حضر الموسم و تشاغل علی علیه السّلام بالقتال فاصطلح الناس علي شيبة بن عثمان الحجبي فشهد بالناس فلما كان سنة اربعين قتل علي يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان من سنة اربعين و هو ابن ثلاث وستين سنة.
46 - عنه فنظرنا فوجدنا لهذه التواريخ برهانا ظاهرا باسناد صحيح) حدثناه (ابوالعباس محمد بن يعقوب ثنا السري بن يحيي التميمي ثنا قبيصة ابن عقبة حدثنا سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن البراء بن ناحية عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلّی الله علیه و آله .
ص: 42
تدور رحي الاسلام علي خمس وثلاثين اوست و ثلاثين فان يهلكوا فسبيل من هلك هلك و ان بقي لهم دينهم فسبعين عاما قال عمر يا رسول الله بما بقي او بما مضي قال بما بقي. هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه.
47 - الحاكم ابو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ املاء في شعبان سنة اثنتين و اربع مائة قال اختلفت الروايات في وقته فقيل انه بويع بعد اربعة ايام من قتل عثمان وقيل بعد خمس و قيل بعد ثلاث وقيل بويع يوم الجمعة لخمس يقين من ذي الحجة.
و قيل بويع عقيب قتل عثمان في دار عمر و بن محمد الأنصاري احد بني عمرو بن مبذول واضح الروايات انه امتنع عن البيعة الي ان دفن عثمان ثم بويع علي منبر رسول الله صلّی الله علیه و آله ظاهرا و كان اول من بايعة طلحة فقال هذه بيعة تنكث.
48- عنه عن ابي بكر بن ابي دارم الحافظ ثنا احمد بن موسي بن اسحاق التميمي ثنا وضاح بن يحيي النهشلي ثنا أبوبكر بن عياش عن ابي اسحاق عن الاسود بن يزيد النخعي قال لما بويع علي بن ابي طالب علیه السّلام على منبر رسول الله صلّی الله علیه و آله قال خزيمة بن ثابت و هو واقف بين يدي المنبر.
شعر:
اذا نحن بايعنا عليا فحسبنا ابو حسن مما نخاف من الفتن
وجدناه اولي الناس بالناس انه اطب قريشا بالكتاب و بالسنن
و ان قريشا ما تشق غباره اذا ما جري يوما علي الضمر البدن
و فيه الذي فيهم من الخير كله و ما فيهم كل الذي فيه من حسن
49- قال البلاذري: حدثنا خلف بن سالم المخزومي، حدثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبو جعدبة عن صالح بن كيسان قال: قتل عثمان بن
ص: 43
عفان باثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة، فدعا علي بن أبي طالب الناس إلي بيعته فبويع يوم السبت لاحدي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة.
كان اول من بايعه طلحة ابن عبيدالله و كانت إصبعه أصيبت يوم أحد، فشلت، فبصر بها أعرابي حين بايع، فقال: ابتداأ هذا الأمر أشل لايتم ثم بايعه الناس بعد طلحة في المسجد ؛ ثم خرج حتي اتي مسجد بني عمرو ابن مبذول من الانصار فبويع فيه أيضا.
50 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا إسماعيل بن مسلم العبدي عن أبي المتوكل ؛ قال: قتل عثمان و عليّ بأرض له يقال لها: البغيبغة فوق المدينة بأربعة فراسخ، فأقبل علي فقال له عمار بن ياسر: لتنصبنّ لنا نفسك أو لنبدأنّ بك؛ فنصب لهم نفسه فبايعوه.
51 - عنه حدثني عباس بن هشام بن محمد الكلبي، عن لوط بن يحيي أبي مخنف، عن أبي روق الهمداني، و عن المجالد بن سعيد عن الشعبي أن عثمان بن عفان لما قتل أقبل الناس إلي علي علیه السّلام ليبايعوه و مالوا إليه فمدوا يده فكفّها، و بسطوها فقبضها وقالوا: بايع فإنا لا نرضي إلا بك و لا نأمن من اختلاف الناس وفرقتهم. فبايعه الناس و خرج حتى صعد المنبر.
و أخذ طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام مفتاح بيت المال؛ و تخلفا عن البيعة فمضي الأشتر حتى جاء بطلحة يتلّه تلا عنيفاً و هو يقول: دعني حتى أنظر ما يصنع الناس فلم يدعه حتي بايع علياً فقال رجل من بني أسد يقال له: قبيصة بن ذويب: أول يد بايعت هذا الرجل من أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله شلاء والله ما أري هذا الأمر يتم.
كان طلحة أول من بايع من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و بعث علي
ص: 44
ين أبي طالب من أخذ مفاتيح بيت المال من طلحة. و خرج حكيم ابن جبلة العبدي إلي الزبير بن العوام حتي جاء به فبايع، فكان يقول: ساقني لصّ من لصوص عبد القيس حتي بايعت مكرها.
قال الشعبّي: و أتي عليّ بعبد الله بن عمر بن الخطاب ملبّباً و السيف مشهورٌ عليه، فقال له: بايع. فقال: لا أبايع حتى يجتمع الناس عليك.
قال: فأعطني حميلاً ألا تبرح. فقال: لا أعطيك حميلا. فقال الأشتر: إن هذا ا الرجل قد أمن سوطك و سيفك فأمكني منه. فقال عليّ: دعه أنا حميلة فو الله ما علمته إلا سيئى الخلق صغيراً و كبيرا.
قال: وجيء بسعد بن أبي وقاص فقيل له: بايع. فقال: يا با الحسن إذا لم يبق غيري بايعتك. فقال عليّ: خلوا سبيل أبي إسحاق.
و بعث عليّ إلي محمد بن مسلمة الأنصاري ليبايع فقال: إن رسول الله أمرني إذا اختلف الناس أن أخرج بسيني فأضرب به عرض حتى ينقطع فإذا انقطع أتيت بيتي فكنت فيه لا أبرح حتي تأتيني يد خاطفة أو ميتة قاضية. قال: فانطلق إذا. فخلي سبيله. و بعث إلي وهب بن صيفي الأنصاري ليبايعه فقال: إن خليلي و ابن عمك قال لي قاتل المشركين بسيفك فإذا رأيت فتنة فأكسره و اتّخذ سيفاً من خشب و اجلس في بيتك فتركه.
قال: و دعا أسامة بن زيد بن حارثة مولي رسول الله صلّی الله علیه و آله إلي البيعة، فقال: أنت أحب الناس إلي و أثرهم عندي و لو كنت بين لحمي أسد لأحببت أن أكون معك و لكني عاهدت الله أن لا أقاتل رجلاً يقول: لا إله إلا الله .
قال: فبايع أهل المدينة علياً فأتاه ابن عمر فقال له: يا علي اتق الله و لا تنتزين. علي أمر الأمامة بغير مشورة. و مضي إلي مكة.
ص: 45
52- عنه حدثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي حدثني محمد ابن عائشة، حدثنا معتمر بن سليمان قال: قلت لأبي: إن الناس يقولون: إن بيعة علي لم تتم. قال: يا بني بايعه أهل الحرمين و إنما البيعة لأهل الحرمين.
53- عنه حدثني عبدالله بن صالح بن مسلم العجلي قال: سمعت إسرائيل يحدث عن أصحابه ان الأحنف بن قيس لقي طلحة و الزبير؛ فقالا له: بايعت علياً و آزرته فقال نعم ألن تأمراني بذلك. فقالا له: إنما أنت ذباب طمع و تابع لمن غلب. فقال: يغفر الله لكما.
54 - عنه قال أبو مخنف و غيره قال عليّ لعبد الله بن عباس: سر إلي الشام فقد بعثتك عليها. فقال: ما هذا برأي؛ معاوية ابن عم عثمان و عامله و الناس بالشام معه و في طاعته، و لست آمن أن يقتلني بعثمان علي الظنة، فإن لم يقتلني تحكم علي و حبسني، و لكن اكتب إليه فمنّه وعده فإذا استقام لك الأمر بعثتني إن أردت.
55 - عنه حدثنا عفان بن مسلم أبو عثمان، حدثنا الأسود ابن شيبان، أنبأنا خالد بن سمير قال:
غدا عليّ علي ابن عمر صبيحة قتل عثمان فقال: أيّم أبو عبدالرحمان أيم الرجل اخرج إلينا فقال له: هذه كتبنا قد فرغنا منها فاركب بها إلي الشام. فقال ابن عمر: أذكرك الله واليوم الآخر فإن هذا أمر لم أكن في أوله و لا آخره.
فلئن كان أهل الشام يريدونك لتأتينّك طاعتهم و إن كانوا لا يريدونك فما أنا برادّ منهم عنك شيئا فقال: لتركبن طائعاً أو كارها ثم انصرف فلما أمسي دعا بنجائبة أو قال برواحله في سواد الليل فرمي بها مكة و ترك علياً يتذمر عليه بالمدينة.
ص: 46
56 - عنه قال أبو مخنف و غيره: قال المغيرة بن شعبة لعلي؛ أري أن تقرّ معاوية علي الشام و تثبت ولايته و تولي طلحة والزبير المصرين كي يستقيم لك الناس. فقال عبد الله بن العباس: إن الكوفة والبصرة عين المال و إن وليتهما إياهما لم أمن أن يضيقاً عليك، و إن وليت معاوية الشام لم تنفعك ولايته. فقال المغيرة: لا أري لك أن تنزع ملك معاوية و إنه الآن يتّهمكم بقتل ابن عمه، و إن عزلته قاتلك فوله و أطعني. فأبي و قبل قول ابن عباس.
57- عنه حدثنا عمرو بن محمد الناقد، حدثنا اسحاق الأزرق، عن عبدالملك بن سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن سالم ابن أبي الجعد عن محمد ابن الحنيفة، قال: إني لقاعد مع علي إذا أتاه رجل فقال: أنت هذا الرجل فإنه مقتول. فذهب ليقوم فأخدت بثوبه و قلت: أقسمت عليك أن تأته، ثم جاء رجل آخر.
فقال: قد قتل فقام فدخل البيت و دخل الناس عليه فقالوا: ابسط يدك نبايعك. فقال: لا، أنا لكم وزير خير مني لكم أمير. فأبوا فقال: أما إذ أبيتم فإن بيعتي لا تكون سرا فاخرجوا ألي المسجد فخرجوا.
58- عنه حدثت ايضاً عن اسحاق بن يوسف الأزرق، عن عبدالملك عن سلمة عن سالم عن ابن الحنيفة قال: كنت عند علي إذ أتاه رجل فقال: أمير المؤمنين مقتول الساعة. قال فقام واخذت بسوطه فقال: خلّ لا امّ لك. فانطلق إلي الدار و قد قتل الرجل، فاتاه الناس فقالوا.
إنه لابدّ للناس من خليفة و لا نعلم أحدا أحق بها منك. فقال لهم. لا تريدوني فإني لكم وزيراً خير منى اميراً، قالوا: والله ما نعلم أحق بها منك. قال: فإذ ابيتم فإن بيعتي لا تكون سرّاً، و لكن اخرج إلي المسجد فمن شاء
ص: 47
بايعني. فخرج ألي المسجد فبايعه الناس.
59- عنه حدثنا احمد بن ابراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير حدثنا جويرية بن اسماء، حدثني مالك بن أنس، عن الزهري عن عبيد الله ابن عبدالله عن المسور بن محرمه قال: قتل عثمان و علي في المسجد، فمال الناس قبل طلحة ،ليبايعوه وانصرف علي يريد منزله،
فلقيه رجل من قريش عند موضع الجنائز، فقال: انظروا إلي رجلٍ قتل ابن عمّته و سلب ملكه، فوليّ راجعاً فرقي المنبر فقيل: هذا عليّ على المنبر. فترك الناس طلحة ومالوا إليه فبايعوه.
60- عنه حدثنا احمد بن ابراهيم، حدثنا وهب بن جرير، عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان قال: لما بايع الناس علياً كتب إلي خالد ابن العاص ابن هشام بن المغيرة يأمره علي مكة، و أمره بأخذ البيعة، فأبي أهل مكة ان يبايعوا علياً، فأخذفتي من قريش يقال له: عبدالله بن الوليد بن زيد ابن ربيعة بن عبدالعزّي بن عبد شمس الصحيفة فمضغها و ألقاها فوطئت في سقاية زمزم، فقتل ذلك الفتي يوم الجمل عائشة.
قال: وسار علي بن عدي بن ربيعة بن عبدالعزي بن عبد شمس - و كان حين قتل عثمان أمير مكة - إلي البصرة فقتل بها و له يقال:
یا رب فاعقر لعلي جمله *** و لا تبارك في بعير حمله
إلا علي بن عدي ليس له.
61 - عنه قال أبو مخنف و غيره: وجّه عليّ المسور ابن محرمة الزهري إلي معاوية - لأخذ البيعة عليه، وكتب إليه معه: إن الناس قد قتلوا عثمان عن غير مشورة مني وبايعوا لي عن مشورة منهم و اجتماع فبايع موفقاً وفِد إليّ في اشراف أهل الشام ولم يذكر له ولاية.
ص: 48
فلما ورد الكتاب عليه؛ أبا البيعة لعلي و استعصي، و وجّه رجلا معه صحيفة بيضاء؛ لا كتاب فيها ولا عليها خاتم - ويقال كانت مختومة - و عنوانها: من معاوية بن ابي سفيان إلي علي بن ابي طالب فلما رآها علي قال: ويلك ما وراؤك؟ قال: اخاف ان تقتلني.
قال: و لم اقتلك و انت رسول فقال : إني اتيتك من قبل قوم يزعمون انك قتلت عثمان وليسوا براضين دون ان يقتلوك به. فقال عليّ: يا اهل المدينة والله لتقاتلن أو ليأتينّكم من يقاتلكم. فبايع علياً اهل الامصار الا ما كان من معاوية و أهل الشام و خواض من الناس.
62 - عنه حدثنا خلف بن سالم المخزومي، حدثنا وهب بن جرير، عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان قال: قتل عثمان و بويع علي و عائشة في الحج فأقامت بمكة؛ و خرج إليها طلحة والزبير؛ وقد ندما علي الذي كان من شأنهما في امر عثمان، وكتب علي إلي معاوية.
إن كان عثمان ابن عمك فأنا ابن عمك، و إن كان وصلك فإني اصلك و قد امرّتك علي ما انت عليه، فاعمل فيه بالذي يحق عليك. فلما ورد الكتاب علي معاوية دعا بطومار لا كتاب فيه ثم كتب: بسم الله الرحمن الرحيم فقط، ثم طواه و ختم عليه و كتب عنوانه: من معاوية إلي عليّ بن أبي طالب. و بعث به مع رجل من عبس يقال له: يزيد ابن الحر، فقدم يه علي علي فقال لعليّ، اجرني. قال: قد اجرتك إلا من دم.
فدفع الكتاب إليه، فلما نظر فيه عرف أن معاوية مباعد اياه ثم إن يزيد بن الحرّ قال: يا معشر قريش الخيل الخيل، والذي نفسي بيده ليدخلنها اليوم عليكم اربعة آلاف فارس - او قال: فرس-.
63 - عنه عن المدائني ابوالحسن عن أشياخ ذكرهم، و علي من
ص: 49
مجاهد.
قالوا: لما بويع عليّ اتي الكوفة الخبر فبايع هشام بن عتبة لعلي و قال: هذه يميني و شمالي لعلي و قال:
أبايع غير مكتتم علينا *** ولا أخشي أميري الأشعريا
و قدم ببيعته علي أهل الكوفة يزيد بن عاصم المحاربي، فبايع ابو موسي لعلي فقال عمّار - حين بلغته بيعتة له -: والله لينكثنّ عهده و لينقضنّ عقده و ليغرن جهده و ليسلمنّ جنده. فلما كان من طلحة طلحة والزبير ما كان قال ابو موسي: الإمرة ما امر و الملك ما غلب عليه. فلم يزل واليا علي الكوفة حتى كتب إليه عليّ من ذيقار يأمره ان تستنفر الناس فثبّطهم و قال: هذه فتنه. فوجه عليّ حينئذ عمار بن ياسر مع الحسن ابن عليّ إلي الكوفة لاستنفار الناس.
64 - عنه حدثني عمر بن محمد، و محمد بن حاتم، و عبدالله بن صالح، قالوا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش عن أبي صالح قال: قال علي: لو ظننت أن الأمر يبلغ ما بلغ ما دخلت فيه.
65- عنه حدثني محمد بن سعد، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزاهري، عن أبيه، عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب حدثني حميد ابن عبدالرحمان، أن عمر بن الخطاب كان يناجي رجلاً من الأنصار؛ من بني حارثة.
فقال: من تحدثون أنه يستخلف من بعدي؟ فعدّ الأنصاري المهاجرين و لم يذكر علياً، فقال عمر: فأين أنتم عن علي فوالله إني لأري أنه إن ولي شيئاً من أمركم سيحملكم علي طريقة الحق.
66 - عنه حدثني روح بن عبدالمؤمن، و محمد بن سعد؛ قالا: حدثنا
ص: 50
أبو داود الطيالسي، عن عبد الجليل القيسي قال: ذكر عمر من يستخلف بعده فقال رجل: يا أمير المؤمنين علي: فقال: أيم الله يستخلفونه و لئن استخلفتموه أقامكم علي الحق و إن كرهتموه.
67 - عنه حدثني أحمد بن هشام بن بهرام، و الحسين بن علي بن الأسود قالا: حدثنا عبيد الله بن موسي، أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق.
عن حارثة قال: حججت مع عمر، فسمعت حادي عمر يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان. قال و سمعت الحادي يحدو في إمارة عثمان.
إن الأمير بعده عليّ *** و في الزبير خلف رضيّ
68 - عنه حدثني محمد بن سعد، حدثنا أنس بن عياض، عن محمد بن أبي ليلي مولي الأسلميين، و محمد بن عطية الثقفي. ان عطية أخبره قال كان الغد من يوم قتل عثمان، أقبلت مع عليّ فدخلت المسجد، فوجدت جماعة من الناس قد اجتمعوا علي طلحة، فخرج أبو جهم ابن حذيفة العدوي فقال:
يا عليّ إن الناس قد اجتمعوا علي طلحة و أنت غافل. فقال: أيقتل ابن عمّي و أغلب علي ملكه، ثم أتي بيت المال ففتحه فلما سمع الناس بذلك تركوا طلحة و أقبلوا إليه.
69 - عنه حدثني محمد بن حاتم المروزي، و روح بن عبدالمؤمن، قالا: حدثنا موسي بن إسماعيل، عن محمد بن راشد صاحب مكحول، عن عوف قال.
كنت عند الحسن فقال له أبو جوشن الغطفاني: ما أزري بأبي موسي إلا إتباعه علياً. قال: فغضب الحسن ثم قال: و من يتبع ؟ قتل عثمان مظلوماً فعمدوا إلي أفضلهم فبايعوه، فجاء معاوية باغياً ظالما، فإذا لم يتّبع أبو موسي
ص: 51
علياً فمن يتّبع؟
70- عنه حدثني إبراهيم بن محمد الشامي و بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الرزاق بن همّام، حدثنا معمر: عن الزهري قال كان عليّ قدخلي بین طلحة و بين عثمان، فلمّا قتل عثمان برز عليّ للناس فدعاهم إلى البيعة فبايعوه، ذلك إنه خشي أن يبايع الناس ،طلحة، فلما دعا هم إلى البيعة لم يعدلوا به طلحة و لا غيره .
71- عنه حدثنا محمد بن سعد، حدثنا صفوان بن عيسي الزهري عن عوف قال : لما قتل عثمان جعل الناس يبايعون علياً: قال: فجاء طلحة فقال له عليّ. هات يدك أبايعك. فقال طلحة: أنت أحق بها منّي.
72- عنه حدثت عن عبد الله بن علي بن السائب، عن صهبان مولي الأسلمين قال: جاء علي و الناس معه و الصبيان يعدون و معهم الجريد الرطب، فدخل حائطاً في بني مبذول، و طرح الأشتر النخعي خميصته عليه ثم قال: ما تنتظرون؟ يا علي أبسط يدك. فبسط يده فبايعه ثم قال: قوموا فبايعوا، قم يا طلحة قم يا زبير فقاما فبايعا و بايع الناس.
73- عنه حدثنا خلف بن هشام، حدثنا هشيم بن بشير، حدثنا حميد، عن الحسن قال: رأيت الزبير بايع علياً في حشّ من أحشاش المدينة.
74 - عنه عن المدائني عن جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار: ان طلحة والزبير بايعا علياً.
75- عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثني أبو زكريا يحيي ابن معين، حدثنا عبد الله بن تمير، عن العلاء بن صالح، عن عدي بن ثابت: حدثني أبو راسد قال: انتهت بيعة عليّ إلي حذيفة و هو من مدائن، فبايع بيمينه شماله ثم قال: لا أبايع بعده لأحد من قريش، ما بعده إلا أشعر أو أبتر.
ص: 52
قال أحمد بن ابراهيم: و روي عن حذيفة انه قال: من أراد أن يلق كذا أمير المؤمنين حقاً فليأت علياً.
76 - عنه حدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن أبن مخنف قال: حدثني أبو يوسف الأنصاري: أنه سمع أهل المدينة يتحدثون ان الناس لما بايعوا علياً علیه السّلام بالمدينة بلغ عائشة أن الناس بايعوا الطلحة؛ فقالت: إيه ذا الإصبع لله أنت، لقد وجدوك لها محشاً و أقبلت جذلة مسرورة حتي إذا انتهت إلي سرف استقبلها عبيد ابن مسلمة الليثي الذي يدعي ابن أم كلاب فسألته عن الخبر.
قال: قتل الناس عثمان. قالت: نعم ثم صنعوا ما ذا؟ قال: صنعوا خيراً، حادث بهم الأمور إلي خير محار بايعوا ابن عم نبيهم علياً. فقالت: أو فعلوها؟ وددت أن هذه أطبقت علي هذه إن تمت الأمور لصاحبك الذي ذكرت، فقال لها: و لك؟ والله ما أري اليوم في الأرض مثله فلم تكرهين سلطانة ؟ فلم ترجع إليه جواباً و انصرفت إلى مكة.
فأتت الحجر فاستترت فيه و جعلت تقول: إنا عتبنا علي عثمان في أمور سميناها له و وقفناه عليها فتاب منها و استغفر ربّه فقبل المسلمون منه و لم يجدوا من ذلك بدا، فوثب عليه من إصبع من أصابع عثمان خيرُ منه فقتله، فقتل - والله - و قد ماصّوه كما يماص الثوب الرحيض وصفوه كما يصفي القلب.
77 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، و خلف بن سالم، قالا: حدثنا وهب بن جرير بن حازم، عن يونس بن يزيد الاملي عن الزهري قال سأل طلحة والزبير علياً أن يوليهما البصرة و الكوفة فقال تكونان عندي فأتجمّل بكما فإني أستوحش لفراقكما.
ص: 53
قال الزهري: وقد بلغنا علياً قال لهما: إن أحببتها أن تبايعاني فافعلا، و إن أحببتها بايعت أيكما شئتها؟ فقالا : بل نبايعك. ثم قالا بعد: إنما صنعنا ذلك خشية علي أنفسنا، وقد عرفنا أن لم يكن ليبايعنا. ثم طمرا إلي مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر.
78- عنه حدثني الحسن بن علي، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي حصين قال: دعا عبدالله بن عامر بن كريز طلحة والزبير إلى البصرة، و أشار عليهما بها وقال لي بها صنائع. و كان واليها من قبل عثمان بعد أبي موسي الأشعري فقال أبو موسي الأشعري: يا أهل البصرة قد أنا كم فتى من قريش كريم الأمهات والعمات والخالات يقول بالمال فيكم كذا وكذا.
79- قال ابن اثير اخبرنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الحفاف و غيره اجازة قالوا أخبرنا أبو غالب بن الينا أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد الآبنوسي أنبأنا أبو القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيي بن حنيفا أنبأنا أبو محمد اسماعيل بن علي بن اسماعيل الحظي قال استخلف أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه و بويع له بالمدينة في مسجد رسول الله صلّی الله علیه و آله بعد قتل عثمان في ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين.
80- عنه حدثنا اسماعيل الخطي حدثنا اسحاق بن ابراهيم بن أبي حسان الأنماطي حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن عيسي بن القاسم ابن سميع القرشي تي حدثنا محمد بن عبدالرحمان بن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب قال لما قتل عثمان جاء الناس كلهم علي يهرعون أصحاب محمد و غيرهم.
كلهم يقول أمير المؤمنين علي حتي دخلوا عليه داره فقالوا نبايعك فمديدك فأنت أحق بها فقال علي ليس ذلك اليكم انما ذلك الي أهل بدر فن
ص: 54
رضي به أهل بدر فهو خليفة فلم يبق أحد الا أتي عليا فقالوا ما نري أحدا أحق بها منك مديدك نبايعك.
فقال أبن طلحة والزبير فكان أول الزبير فكان أول من بايعه طلحة بلسانه و سعد بيده فلما رأي علي ذلك خرج الي المسجد فصعد المنبر فكان أوّل من صعد اليه فبايعه طلحة و تابعه الزبير و أصحاب النبي صلّی الله علیه و آله و رضي عنهم أجمعين.
81 - عنه أنبأنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي اجازة أنبأنا أبي أنبأنا أبو القاسم علي بن ابراهيم بن رشا بن نظيف حدثنا الحسن بن اسماعيل حدثنا أحمد بن مروان حدثنا محمد بن موسي بن حماد حدثنا محمد بن الحارث عن المدايني.
قال لما دخل علي بن ابي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال والله يا أمير المؤمنين لقد زنت الخلافة و ما زانتك و رفعتها و ما رفعتك و هي كانت أحوج اليك منك اليها.
82- عنه أنبأنا أبو ياسر بن أبي حبة باسناده الي عبدالله بن أحمد قال حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا قبيصته عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل قال قلت لعبد الرحمن بن عوف كيف بايعتم عثمان و تركتم عليا فقال ما ذنبي قد بدت بعلي فقلت أبايعك علي كتاب الله وسنة نبية و سيرة أبي بكر و عمر.
قال فقال فيما استطعت قال ثم عرضتها علي عثمان فقبلها و لما بايعه الناس تخلف عن بيعته جماعة من الصحابة منهم ابن عمرو سعد و أسامة و غيرهم فلم يلزمهم بالبيعة وسئل علي عمن تخلف عن بيعته فقال اولئك قعدوا عن الحق و لم ينصروا الباطل.
ص: 55
83- قال ابن عبد البر : بُويع لعلي علیه السّلام بالحلافة يوم قتل عثمان، و اجتمع علي بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلّف عن بيعته منهم نفر، فلم یَهجهم، و لم يكرههم و سئل عنهم فقال: أولئك قوم قعدوا عن الحق، و لم يقوموا مع الباطل.
84- عنه في رواية أخري: اولئك قوم خَذلوا الحقّ، و لم ينصروا الباطل.
85- قال المقدسي: و كان الناس لا يشكون أنّ ولي الأمر بعد عثمان عليّ بن أبي طالب و كان يجدو الحادي لعثمان فيقول
إن الأمير بعده علي *** ثُمّ الزبير خلفهُ مَرضي
فلما قُتل عثمان جلس طلحة في داره يبايع الناس و كانت مفاتيح بيت المال عنده و جاءه ناس يهرعون ألي عليّ علیه السّلام فدخل داره و قال ليس ذاك عليكم إنما ذلك الي أهل بدر فما بقي بَدري إلا أتاه فجاء علي فصعد المنبر فبايعوه و أمر بيوت الأموال فكسرت أغلاقها و جعل يفرقّها في الناس بالسوية ويقال.
أن عليّاً لمّا قُتل عثمان أرسل الي طلحة و الزبير ان احببتها أن أُبايعكما بايعت فقالا بل نبايعك فبايعا ثم بويع عليّ علیه السّلام سنة خمس و ثلثين و يقال أول من بايعه طلحة و كانت اصبعُه شلّا، فتطير منها عليّ و قال يدُ شلّا و أمر لا يتم ما اخلقه أن ينتكث.
و تخلّف من بيعة عليّ بنو أُميّة و مروان بن الحكم و سعيد بن العاص و الوليد بن عُقبة و لم يبايعه العثمانية من الصحابة حسّان بن ثابت و كعب بن عُجرة و كعب بن مالك و النعمان بن بشير و رافع بن خَدیج و زید ابن ثابت و محمد بن مسلمة ثم بايعوه بعد أيام.
ص: 56
86- الموفق الخوارزمي أخبرنا الشيخ الزاهد ابو الحسن على بن أحمد العاصمي، أخبرني اسماعيل ابن أحمد الواعظ. أخبرني والدي أحمد بن الحسين البيهقي. أخبرني أبوبكر الحارث الاصفهاني. أخبرني أبو محمد بن حيان. حدثني عبدان بن أحمد. حدثني هشام بن عمار. حدثني محمد بن علي بن القاسم بن سميع عن محمد بن عبدالرحمن ابن أبي ذيب عن أبن شهاب الزهري.
قال: قلت لسعيد بن المسيب هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان فذكر الحديث بطوله ثم قال: و خرج علي فأتي منزله و جاء الناس كلهم يهرعون الي علي و أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله يقولون أمير المؤمنين علي حتى دخلوا عليه داره فقالوا له نبايعك فمد يدك فلابد من أمير.
فقال علي ليس ذلك اليكم إنما ذلك لاهل بدر فمن رضى به أهل بدر فهو خليفة فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتي علياً علیه السّلام فقالوا ما نري أحداً أحق بها منك مد يدك نبايعك، فقال اين طلحة والزبير، فكان أول من بايعه طلحة فبايعه بيده و كانت أصبع طلحة شلاء فتطير منها علي علیه السّلام و قال: ما اخلقه أن ينكث ثم بايعه الزبير و سعد و أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله جميعاً.
87- عنه بهذا الاسناد عن أحمد أحمد بن الحسين، أخبرني أبو عبدالله الحافظ حدثني أبوبكر بن أبي دارم الحافظ. حدثنا احمد بن موسي بن اسحاق التميمي حدثني وضاح بن يحيي النشهلي. حدثني أبوبكر بن عياش عن أبي اسحاق عن الأسود بن يزيد النخعي قال: لما بويع عليّ بن أبي طالب علیه السّلام كان أول يد مدت الي المبايعة يد طلحة بن عبدالله و كانت يده مشلولة.
ص: 57
فنظر اليه حبيب بن ذويب وقال: إنا لله و إنا إليه راجعون أول ید مدت الي البيعة يد شلا والله لا يتم هذا الامر بايعه الزبير و قال لها على علیه السّلام : إن أحببتها أن تبايعانى وان أخترتما بايعتكما قالوا بل نبايعك لأنك أحق بالبيعة منا و من سائر الناس اجمع ثم بعد أيام قالوا انما بايعناه غصبا و ركبوا روأحلهم و هربوا الي مكة وبايعه الناس و جاؤا بسعد بن بن أبي وقاص.
فقال له علي علیه السّلام. بايع فقد بايع الناس فقال حتي يبايع الناس فقال له ما عليك مني بأس فقال علي علیه السّلام: خلوا سبيله و جاؤا بعبدالله بن عمر بن الخطاب فقالوا له بايع فقال لا حتى يبايع الناس فقال: الاشتر للإمام ع علي علیه السّلام دعني أضرب عنقه فقال دعوه أنا كفيله أما علمت أنه سيء الخلق صغيراً وكبيراً و بايعه الناس و الانصار إلا نفراً يسيرا.
منهم حسان بن ثابت و كعب بن مالك و مسيلمة بن مخلد و أبو سعيد الخدري و محمد بن مسلمة و النعمان بن بشير و زید بن ثابت و رافع بن خدیج و فضالة بن عبيد عبيد و كعب بن عجرة و كل هؤلاء كانوا عثمانية فاما حسان بن ثابت فكان شاعراً قلاشا لا يبالي بما يصنع كالانعام بل أضل سبيلا.
و أما زيد بن ثابت فكان عثمان ولاه بيت المال فلما حاصروا عثمان أخذ ما كان معه و بيده من المال و اغتنم الحرام فتمكن منه الشيطان و أما كعب بن مالك فكان عثمان استعمله علي صدقة المدينة فسرق منها ما لا جزيلا فتركه له و من جملة الذين لم يبايعوا عليا علیه السّلام عبدالله بن سلام و صهیب بن سنان و مسلمة بن سلام و أسامة بن زيد و قدامة بن مظعون و المغيرة ابن شعبة.
ص: 58
88- عنه بهذا الاسناد أخبرني به أبو العلاء المحافظ قال: أنبأني به الحسن بن أحمد الهمداني اجازة بهذا اللفظ علي منبر رسول الله صلّی الله علیه و آله قال خزيمة بن ثابت الانصاري هذه الابيات و هو واقف بين يدي المنبر.
إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا *** أبو حسن مما نخاف من الفتن
وجدناه أولي الناس بالناس إنه *** أطب قريش بالكتاب و بالسنن
و إن قريشاً ما تشق غباره *** اذا ماجري يوماً علي الضمر البدن
و فيه الذي فيهم من الخير كله *** وما فيهم بعض الذي فيه من حسن
89- قال ابن ابى الحديد في شرح قوله علیه السّلام: فتداكوا علي تداك الإبل الهيم يوم وردها و قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها حتى ظننت أنهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض لدي و قد قلبت هذا الأمر بطنه و ظهره حتى منعني النوم فما وجدتني يسعني إلا قتالهم أو الجحود بما جاء به محمد صلّی الله علیه و آله فكانت معالجة القتال أهون علي من معالجة العقاب و موتات الدنيا أهون علي من موتات الآخرة.
اختلف الناس في بيعة أمير المؤمنين علیه السّلام الذي عليه أكثر الناس و جمهور أرباب السير أن طلحة و الزبير بايعاه طائعين غير مكرهين ثم تغيرت عزائمهما و فسدت نياتهما و غدرا به.
90 - عنه قال الزبيريون منهم عبد الله بن مصعب و الزبير بن بكار و شيعتهم و من وافق قولهم من بني تيم بن مرة أرباب العصبية لطلحة إنهما بايعا مكرهين و إن الزبير كان يقول بايعت واللج على قني و اللج سيف الأشتر و قفي لغة هذلية إذا أضافوا المقصور إلى أنفسهم قلبوا الألف ياء و أدغموا إحدى الياءين في الأخرى فيقولون قد وافق ذلك هوي أي هواي و هذه عصي أي عصاي.
ص: 59
91 - عنه ذكر صاحب كتاب الأوائل أن الأشتر جاء إلى العلي علیه السّلام حين قتل عثمان فقال قم فبايع الناس فقد اجتمعوا لك و رغبوا فيك و الله لئن نكلت عنها لتعصرن عليها عينيك مرة رابعة فجاء حتى دخل بئر سكن و اجتمع الناس و حضر طلحة والزبير لا يشكان أن الأمر شورى.
فقال الأشتر أتنتظرون أحدا قم يا طلحة فبايع فتقاعس فقال قم يا ابن الصعبة و سل سيفه فقام طلحة يجر رجله حتى بايع فقال قائل أول من بايعه أشل لا يتم أمره ثم لا يتم قال قم يا زبير و الله لا ينازع أحد إلا و ضربت قرطة بهذا السيف فقام الزبير فبايع ثم انثال الناس عليه فبايعوا.
92 - عنه قيل أول من بايعه الأشتر ألقى خميصة كانت عليه و اخترط سيفه و جذب يد علي علیه السّلام فبايعه وقال للزبير وطلحة قوما فبايعا و إلا كنتها الليلة عند عثمان فقاما يعثران في ثيابهما لا يرجوان نجاة حتى صفقا بأيديهما على يده ثم قام بعدهما البصريون و أولهم عبد الرحمن بن عديس البلوي فبايعوا وقال له عبد الرحمن.
خذها إليك و اعلمن أبا حسن *** أنا نمر الأمر إمرار الرسن
و قد ذكرنا نحن في شرح الفصل الذي فيه أن الزبير أقر بالبيعة و ادعى الوليجة أن بيعة أمير المؤمنين لم تقع إلا عن رضا جميع أهل المدينة أولهم طلحة والزبير و ذكرنا في ذلك ما يبطل رواية الزبير.
93 - عنه ذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن الأنصار و المهاجرين اجتمعوا في مسجد رسول الله صلّی الله علیه و آله لينظروا من يولونه أمرهم حتى غص المسجد بأهله فاتفق رأي عمار و أبي الهيثم بن التيهان و رفاعة بن رافع و مالك بن عجلان و أبي أيوب خالد بن يزيد على إقعاد أمير المؤمنين علیه السّلام في الخلافة و كان أشدهم تهالكا عليه عمار.
ص: 60
فقال لهم: أيها الأنصار قد سار فيكم عثمان بالأمس بما رأيتموه و أنتم على شرف من الوقوع في مثله إن لم تنظروا لأنفسكم و إن عليا أولى الناس بهذا الأمر لفضله و سابقته فقالوا رضينا به حينئذ وقالوا بأجمعهم لبقية الناس من الأنصار والمهاجرين أيها الناس إنا لن نألوكم خيرا و أنفسنا إن شاء الله و إن عليا من قد علمتم و ما نعرف مكان أحد أحمل لهذا الأمر منه و لا أولى به.
فقال الناس بأجمعهم قد رضينا و هو عندنا ما ذكرتم و أفضل وقاموا كلهم فأتوا عليها علیه السّلام فاستخرجوه من داره و سألوه بسط يده فقبضها فتداكوا عليه تداك الإبل الهيم على وردها حتى كاد بعضهم يقتل بعضا فلما رأى منهم ما رأى سألهم أن تكون بيعته في المسجد ظاهرة للناس وقال إن كرهني رجل واحد من الناس لم أدخل في هذا الأمر.
فنهض الناس معه حتى دخل المسجد فكان أول من بايعه طلحة فقال قبيصة بن ذؤيب الأسدي تخوفت ألا يتم له أمره لأن أول يد بايعته شلاء ثم بايعه الزبير.
و بايعه المسلمون بالمدينة إلا محمد مسلمة و عبد بن الله بن عمر و أسامة بن زيد و سعد بن أبي وقاص و كعب بن مالك و حسان بن ثابت و عبد الله بن سلام.
فأمر بإحضار عبد الله بن عمر فقال له بايع قال لا أبايع حتى يبايع جميع الناس فقال له علیه السّلام فأعطني حميلا ألا تبرح قال و لا أعطيك حميلا فقال الأشتر يا أمير المؤمنين إن هذا قد أمن سوطك و سيفك فدعني أضرب عنقه فقال لست أريد ذلك منه على كره خلوا سبيله فلما انصرف قال أمير المؤمنين لقد كان صغيرا و هو سيى الخلق الخلق و هو في كبره أسوأ
ص: 61
خلقا.
ثم أتي بسعد بن أبي وقاص فقال له بايع فقال يا أبا الحسن خلني فإذا لم يبق غيري بايعتك فو الله لا يأتيك من قبلي أمر تكرهه أبدا فقال صدق خلوا سبيله.
ثم بعث إلى محمد بن مسلمة فلما أتاه قال له بايع قال إن رسول الله صلّی الله علیه و آله أمرني إذا اختلف الناس وصاروا هكذا و شبك بين أصابعه أن أخرج بسيفي فأضرب به عرض أحد فإذا تقطع أتيت منزلي فكنت فيه لا أبرحه حتى تأتيني يد خاطية أو منية قاضية فقال له علیه السّلام فانطلق إذا فكن كما أمرت به.
ثم بعث إلى أسامة بن زيد فلما جاء قال له بايع فقال إني مولاك و لا خلاف مني عليك و ستأتيك بيعتي إذا سكن الناس فأمره بالانصراف و لم يبعث إلى أحد غيره.
و قيل له ألا تبعث إلى حسان بن ثابت و كعب بن مالك و عبد الله بن سلام فقال لا حاجة لنا فيمن لا حاجة له فينا.
94 - عنه قال: فأما أصحابنا فإنهم يذكرون في كتبهم أن هؤلاء الرهط إنما اعتذروا بما اعتذروا به لما ندبهم إلى الشخوص معه لحرب أصحاب الجمل و أنهم لم يتخلفوا عن البيعة و إنما تخلفوا عن الحرب.
95 - عنه روى شيخنا أبو الحسين رحمه الله تعالى في كتاب الغرر أنهم لما اعتذروا إليه بهذه الأعذار قال لهم ما كل مفتون يعاتب أعندكم شك في بيعتي قالوا لا قال فإذا بايعتم فقد قاتلتم و أعفاهم من حضور الحرب.
فإن قيل رويتم أنه قال إن كرهني رجل واحد من الناس لم أدخل في هذا الأمر ثم رويتم أن جماعة من أعيان المسلمين كرهوا و لم يقف مع
ص: 62
كراهتهم. قيل إنما مراده علیه السّلام أنه متى وقع الاختلاف قبل البيعة نفضت يدي عن الأمر و لم أدخل فيه فأما إذا بويع ثم خالف ناس بعد البيعة فلا يجوز له أن يرجع عن الأمر و يتركه لأن الإمامة تثبت بالبيعة و إذا ثبتت لم يجز له تركها.
96 - عنه روى أبو مخنف عن ابن عباس قال لما دخل علي علیه السّلام المسجد و جاء الناس ليبايعوه خفت أن يتكلم بعض أهل الشنئان لعلى علیه السّلام ممن قتل أباه أو أخاه أو ذا قرابته في حياة رسول الله صلّی الله علیه و آله فيزهد على في الأمر و يتركه فكنت أرصد ذلك و أتخوفه فلم يتكلم أحد حتى بايعه الناس كلهم راضين مسلمين غير مكرهين.
97 - عنه لما بايع الناس عليا علیه السّلام و تخلف عبد الله بن عمر و كلمه علي علیه السّلام في البيعة فامتنع عليه أتاه في اليوم الثاني فقال إني لك ناصح إن بيعتك لم يرض بها كلهم فلو نظرت لدينك و رددت الأمر شورى بين المسلمين فقال علي علیه السّلام ويحك و هل ما كان عن طلب له ألم يبلغك صنيعهم قم عني يا أحمق ما أنت و هذا الكلام.
فلما خرج أتى عليا في اليوم الثالث آت فقال إن ابن عمر قد خرج إلى مكة يفسد الناس عليك فأمر بالبعث في أثره فجاءت أم كلثوم ابنته فسألته و ضرعت إليه فيه وقالت يا أمير المؤمنين إنما خرج إلى مكة ليقيم بها وإنه ليس بصاحب سلطان ولا هو من رجال هذا الشأن وطلبت إليه أن يقبل شفاعتها في أمره لأنه ابن بعلها فأجابها و كف عن البعثة إليه و قال دعوه و ما أراده.
98- عنه قال أبو جعفر لما اجتمعت الصحابة في مسجد رسول الله صلّی الله علیه و آله بعد قتل عثمان للنظر في أمر الإمامة أشار أبو الهيثم بن التيهان و
ص: 63
رفاعة بن رافع و مالك بن العجلان و أبو أيوب الأنصاري و عمار بن ياسر بعلى علیه السّلام و ذكروا فضله و سابقته و جهاده و قرابته فأجابهم الناس إليه فقام كل واحد منهم خطيبا يذكر فضل على علیه السّلام فمنهم من فضله على أهل عصره خاصة و منهم من فضله على المسلمين كلهم كافة.
ثم بويع وصعد المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعة و هو يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة فحمد الله و أثنى عليه و ذكر محمدا فصلى عليه ثم ذكر نعمة الله على أهل الإسلام ثم ذكر الدنيا فزهدهم فيها و ذكر الآخرة فرغبهم إليها ثم قال.
أما بعد فإنه لما قبض رسول الله صلّی الله علیه و آله استخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر فعمل بطريقه ثم جعلها شورى بين ستة فأفضي الأمر منهم إلى عثمان فعمل ما أنكرتم و عرفتم ثم حصر و قتل ثم جئتموني طائعين فطلبتم إلي و إنما أنا رجل منكم لي ما لكم وعلي ما عليكم.
و قد فتح الله الباب بينكم و بين أهل القبلة و أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم و لا يحمل هذا الأمر إلا أهل الصبر و البصر و العلم بمواقع الأمر و إني حاملكم على منهج نبيكم صلّی الله علیه و آله و منفذ فيكم ما أمرت به إن استقمتم لي وبالله المستعان.
ألا إن موضعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته فامضوا لما تؤمرون به و قفوا عند ما تنهون عنه و لا تعجلوا في أمر حتى نبينه لكم فإن لنا عن كل أمر تنكرونه عذرا.
ألا و إن الله عالم من فوق سمائه و عرشه أني كنت كارها للولاية على أمة محمد حتى اجتمع رأيكم على ذلك لأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول والله أيما وال ولي الأمر من بعدي أقيم على حد الصراط ونشرت الملائكة
ص: 64
صحيفته.
فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله و إن كان جائرا انتفض به الصراط حتى تتزايل مفاصله ثم يهوى إلى النار فيكون أول ما يتقيها به أنفه و حر وجهه و لكني لما اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم.
ثم التفت علیه السّلام يمينا وشمالا فقال ألا لا يقولن رجال منكم غدا ق-د غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار و فجروا الأنهار و ركبوا الخيول الفارهة و اتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه و أصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون فينقمون ذلك و يستنكرون و يقولون:
حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا ألا و أيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته فإن الفضل النير غدا عند الله و ثوابه و أجره على الله و أيما رجل استجاب الله و للرسول فصدق ملتنا و دخل في ديننا و استقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده.
فأنتم عباد الله و المال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لأحد على أحد و للمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء و أفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرا و لا ثوابا و ما عند الله خير للأبرار و إذا كان غدا إن شاء الله فاغدوا علينا فإن عندنا مالا نقسمه فيكم و لا يتخلفن أحد منكم عربي ولا عجمي كان من أهل العطاء أو لم يكن إلا حضر إذا كان مسلما حرا أقول قولي هذا و أستغفر الله لي ولكم ثم نزل.
99 - عنه قال شيخنا أبو جعفر و كان هذا أول ما أنكروه من كلامه علیه السّلام و أورثهم الضغن عليه و كرهوا إعطاءه و قسمه بالسوية فلما كان
ص: 65
من الغد غدا و غدا الناس لقبض المال فقال لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه ابدأ بالمهاجرين فنادهم و أعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك و من يحضر من الناس كلهم الأحمر و الأسود فاصنع به مثل ذلك.
فقال سهل بن حنيف يا أمير المؤمنين هذا غلامي بالأمس و ق-د أعتقته اليوم فقال نعطيه كما نعطيك فأعطى كل واحد منهما ثلاثة دنانير و لم يفضل أحدا على أحد و تخلف عن هذا القسم يومئذ طلحة و الزبير و عبد الله بن عمر و سعيد بن العاص و مروان بن الحكم و رجال من قريش و غيرها.
قال و سمع عبيد الله بن أبي رافع عبد الله بن الزبير يقول لأبيه و طلحة و مروان و سعيد ما خفي علينا أمس من كلام علي ما يريد فقال سعيد بن العاص و التفت إلى زيد بن ثابت إياك أعني و اسمعي يا جارة فقال عبيد الله بن أبي رافع لسعيد و عبد الله بن الزبير إن الله يقول في كتابه و لَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ.
ثم إن عبيد الله بن أبي رافع أخبر علياء علیه السّلام بذلك فقال و الله إن بقيت و سلمت لهم لأقيمنهم على المحجة البيضاء و الطريق الواضح قاتل الله ابن العاص لقد عرف من كلامي و نظري إليه أمس أني أريده وأصحابه ممن هلك فيمن هلك.
قال فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير و طلحة فجلسا ناحية عن علي علیه السّلام ثم طلع مروان و سعید و عبد الله بن الزبير فجلسوا إليهما ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم فتحدثوا نجيا ساعة ثم قام الوليد ابن عقبة بن أبي معيط فجاء إلى علي علیه السّلام فقال يا أبا الحسن.
ص: 66
إنك قد وترتنا جميعا أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا و خذلت أخي يوم الدار بالأمس و أما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب و كان ثور قريش و أما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه إليه و نحن إخوتك و نظراؤك من بني عبد مناف و نحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان و أن تقتل قتلته و إنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام.
فقال أما ما ذكرتم من وتري إياكم فالحق وتركم و أما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حق الله عنكم و لا عن غيركم و أما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس و لكن لكم علي إن خفتموني أن أؤمنكم و إن خفتكم أن أسيركم.
فقام الوليد إلى أصحابه فحدثهم و افترقوا على إظهار العداوة و إشاعة الخلاف فلما ظهر ذلك من أمرهم قال عمار بن ياسر لأصحابه قوموا بنا إلى هؤلاء النفر من إخوانكم فإنه قد بلغنا عنهم ورأينا منهم ما نكره من الخلاف والطعن على إمامهم و قد دخل أهل الجفاء بينهم و بين الزبير و الأعسر العاق يعني طلحة.
فقام أبو الهيثم و عمار و أبو أيوب و سهل بن حنيف و جماعة معهم فدخلوا على علي علیه السّلام فقالوا يا أمير المؤمنين انظر في أمرك و عاتب قومك هذا الحي من قريش فإنهم قد نقضوا عهدك و أخلفوا وعدك و قد دعونا في السر إلى رفضك هداك الله لرشدك و ذاك لأنهم كرهوا الأسوة وفقدوا الأثرة و لما آسيت بينهم و بين الأعاجم أنكروا و استشاروا عدوك و عظموه و أظهروا الطلب بدم عثمان فرقة للجماعة و تألفا لأهل الضلالة فرأيك.
ص: 67
فخرج علي علیه السّلام فدخل المسجد وصعد المنبر مرتديا بطاق مؤتزرا
ببرد قطري متقلدا سيفا متوكئا على قوس فقال:
أما بعد فإنا نحمد الله ربنا و إلهنا و ولينا و ولي النعم علينا الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة امتنانا منه بغير حول منا و لا قوة ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده و من كفر عذبه فأفضل الناس عند الله منزلة و أقربهم من الله وسيلة أطوعهم لأمره و أعملهم بطاعته وأتبعهم السنة رسوله و أحياهم لكتابه.
ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول هذا كتاب الله بين أظهرنا و عهد رسول الله وسيرته فينا لا يجهل ذلك إلا جاهل عاند عن الحق منكر قال الله تعالى «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثى وَ جَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» ثم صاح بأعلى صوته «أَطِيعُوا الله وأطيعوا الرَّسُولَ» فإن توليتم «فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ».
ثم قال يا معشر المهاجرين والأنصار أتمنون على الله ورسوله بإسلامكم «بَلِ اللهُ يَمَنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ».
ثم قال أنا أبو الحسن وكان يقولها إذا غضب ثم قال ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تمنونها و ترغبون فيها و أصبحت تغضبكم و ترضیکم لیست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له فلا تغرنكم فقد حذرتكموها و استتموا نعم الله عليكم بالصبر لأنفسكم على طاعة الله و الذل لحكمه جل ثناؤه.
فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة و قد فرغ الله من قسمته فهو مال الله و أنتم عباد الله المسلمون و هذا كتاب الله به أقررنا و له أسلمنا و عهد نبينا بين أظهرنا فمن لم يرض به فليتول كيف شاء فإن العامل
ص: 68
بطاعة الله و الحاكم بحكم الله لا وحشة عليه.
ثم نزل عن المنبر فصلى ركعتين ثم بعث بعمار بن ياسر و عبد الرحمن ابن حسل القرشي إلى طلحة والزبير و هما في ناحية المسجد فأتياهما فدعواهما فقاما حتى جلسا إليه علیه السّلام فقال لهما نشد تكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة و دعوتماني إليها و أنا كاره لها قالا نعم فقال غير مجبرين و لا مقسورين فأسلمتما لي بيعتكما و أعطيتماني عهدكما قالا نعم.
قال فما دعاكما بعد إلى ما أرى قالا أعطيناك بيعتنا على الا نقضي الأمور و لا تقطعها دوننا و أن تستشيرنا في كل أمر و لا تستبد بذلك علينا و لنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت فأنت تقسم القسم و تقطع الأمر و تمضي الحكم بغير مشاورتنا و لا علمنا.
فقال لقد نقمما يسيرا و أرجأتما كثيرا فاستغفرا الله يغفر لكما ألا تخبرانني أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه قالا معاذ الله قال فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء قالا معاذ الله قال أفوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه قالا معاذ الله قال فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتها خلافي؟
قالا خلافك عمر بن الخطاب في القسم أنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا و سويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا و رماحنا و أوجفنا عليه بخيلنا و رجلنا و ظهرت عليه دعوتنا و أخذناه قسرا قهرا ممن لا يرى الإسلام إلا كرها فقال فأما ما ذكر تماه من الاستشارة بكما فو الله ما كانت لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها و جعلتموني عليها.
فخفت أن أردكم فتختلف الأمة فلما أفضت إلي نظرت في كتاب الله و
ص: 69
سنة رسوله فأمضيت ما دلاني عليه و اتبعته و لم أحتج إلى آرائكما فيه ولا رأي غيركما و لو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه و لا في السنة برهانه و احتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه و أما القسم و الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء.
قد وجدت أنا و أنتما رسول الله صلّی الله علیه و آله يحكم بذلك و كتاب الله ناطق به و هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و أما قولكما جعلت فيئنا و ما أفاءته سيوفنا و رماحنا سواء بيننا و بين غيرنا فقديما سبق إلى الإسلام قوم و نصروه بسيوفهم و رماحهم فلم يفضلهم رسول الله صلّى الله عليه و آله في القسم و لا آثرهم بالسبق.
و الله سبحانه موف السابق و المجاهد يوم القيامة أعمالهم وليس لكما و الله عندي ولا لغيركما إلا هذا أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق و ألهمنا و إياكم الصبر ثم قال رحم الله امرأ رأى حقا فأعان عليه و رأی جورا فرده و كان عونا للحق على من خالفه.
100 - عنه قال شيخنا أبو جعفر و قد روي أنهما قالا له وقت البيعة نبايعك على أنا شركاؤك في هذا الأمر فقال لهما لا و لكنكما شريكاي في الفىء لا أستأثر عليكما ولا على عبد حبشي مجدع بدرهم فما دونه لا أنا و لا ولداي هذان فإن أبيتما إلا لفظ الشركة فإنما عونان لي عند العجز و الفاقة لا عند القوة والاستقامة.
قال أبو جعفر فاشترطا ما لا يجوز في عقد الأمانة و شرط علیه السّلام لهما ما يجب في الدين و الشريعة.
قال رحمه الله تعالى و قد روي أيضا أن الزبير قال في ملإ من الناس هذا جزاؤنا من علي قمنا له في أمر عثمان حتى قتل فلما بلغ بنا ما أراد جعل
ص: 70
فوقنا من كنا فوقه.
و قال طلحة ما اللوم إلا علينا كنا معه أهل الشورى ثلاثة فكرهه أحدنا يعني سعدا و بايعناه فأعطيناه ما في أيدينا و منعنا ما في يده فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس و لا نرجو غدا ما أخطأنا اليوم.
فإن قلت فإن أبا بكر قسم بالسواء كما قسمه أمير المؤمنين علیه السّلام و لم ينكروا ذلك كما أنكروه أيام أمير المؤمنين علیه السّلام فما الفرق بين الحالتين.
قلت إن أبا بكر قسم محتذيا لقسم رسول الله صلّى الله عليه و آله فلما ولي عمر الخلافة و فضل قوما على قوم ألفوا ذلك ونسوا تلك القسمة الأولى و طالت أيام عمر و أشربت قلوبهم حب المال وكثرة العطاء و أما الذين اهتضموا فقنعوا و مرنوا على القناعة و لم يخطر لأحد من الفريقين له أن هذه الحال تنتقض أو تتغير بوجه ما فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه فازداد وثوق القوم بذلك و من ألف أمرا أشق عليه فراقه و تغيير العادة فيه.
فلما ولي أمير المؤمنين علیه السّلام أراد أن يرد الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله صلّی الله علیه و آله و أبي بكر و قد نسي ذلك و رفض و تخلل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة.
فشق ذلك عليهم وأنكروه وأكبروه حتى حدث ما حدث من نقض البيعة و مفارقة الطاعة و لله أمر هو بالغه.
101 - قال ابن الاثير بويع أمير المومنين علي بن أبي طالب علیه السّلام ، وقد اختلفوا في كيفية بيعته، فقيل: إنّه لما قتل عثمان اجتمع أصحاب رسول الله، صلّی الله علیه و آله من المهاجرين والأنصار و فيهم طلحة والزبير، فأتوا علياً فقالوا له: إنه لابدّ للناس من امام قال: لا حاجة لي في أمركم فمن اخترتم
ص: 71
رضیت به.
فقالوا: ما نختار غيرك، و تردّ دوا إليه مراراً و قالوا له في آخر ذلك: إنا لا نعلم أحداً أحقّ به منك لا أقدم سابقةً، و لا أقرب قرابة من رسول الله، صلّی الله علیه و آله فقال : لا تفعلوا فإنّي أكون وزيراً خيراً من أكون أميراً. فقالوا: والله ما نحن بفاعلين حتي نبايعك. قال: ففي المسجد، فإنّ بيعتي لا تكون خفيةً و لا تكون إلا في المسجد. وكان في بيته، وقيل: في حائط لبني عمرو ابن مبذول.
فخرج إلى المسجد و عليه إزار و طاق و عمامة خز و نعلاه في يده متوكئاً علي قوس، فبايعه الناس؛ و كان أوّل من بايعه من الناس طلحة بن عبيد الله، فنظر إليه حبيب بن ذؤيب فقال: إنا لله، أوّل من بدأ بالبيعة يد شلاء. لا يتم هذا الامر، و بايعه الزبير. وقال لهما عليّ: إن أحببتما أن تبايعاني و إن أحببتما بايعتكما. فقالا: بل نبايعك. و قالا بعد ذلك:
إنّما فعلنا ذلك خشية علي نفوسنا و عرفنا أنه لا يبايعنا. و هربا إلي مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر. و بايعة الناس، وجاؤوا بسعد بن أبي وقّاص، فقال عليّ: بايع. فقال: لا، حتى يبايع الناس، والله ما عليك مني بأس. فقال: خلّوا سبيله.
و جاؤوا بابن عمر. فقالوا: بايع. قال: لا، حتى يبايع الناس. قال: ائتني بكفيل. قال: لا أري كفيلاً. قال الاشتر: دعني أضرب عنقه، قال عليّ: دعوه أنا كفيله، إنك ما علمتُ لسيء الخلق صغيراً و كبيراً.
و بايعت الأنصار إلّا نُفيراً يسيراً، منهم: حسان بن ثابت، و کعب ابن مالك، و مسلمة بن مخلّد، و أبو سعيد الحدري، و محمد بن مسلمة، و النعمان ابن بشیر، و زید بن ثابت، و رافع بن خدیج، و فضالة بن عبيد، و كعب بن
ص: 72
عجزة، وكانوا عثمانية؛
فأما حسان فكان شاعراً لا يبالي ما يصنع، و أما زيد ابن ثابت فولّاه عثمان الديوان و بیت المال، فلمّا حُصر عثمان قال: يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله، مرّتين. فقال له أبو أيّوب: ما تنصره إلّا لأنه أكثر لك من العبدان. و أمّا كعب بن مالك فاستعمله علي صدقة مزينة و ترك له ما أخذ منهم؛
و لم يبايعه عبدالله بن سلّام، و صهيّب بن سنان، وسلمة بن سلامة ابن وَقش، و أسامة بن زيد، و قُدامة بن مطعون، و المغيرة بن شعبة،
فأما النعمان بن بشير فإنّه أخذ أصابع نائلة امرأة عثمان التي قُطعت و قميص عثمان الذي قُتل فيه و هرب به فلحق بالشام،
فكان معاوية يعلّق قميص عثمان و فيه الأصابع، فإذا رأي ذلك أهل الشام ازدادوا غيظاً وجدّاً في أمرهم، ثمّ رفعه، فإذا أحسّ منهم بفتور يقول له عمرو بن العاص : حرّك لها حُوارها تحن، فيعلقها.
102 - قال المسعودى: اجتمع المهاجرون والانصار علي محاصرة عثمان و الهجوم عليه حتي قتلوه. ثم صار الناس الي أمير المؤمنين ليبايعوه فامتنع عليهم فألحوا عليه حتى أكرهوه و تداكوا عليه تداك الابل علي الماء، فبايعهم علي كتاب الله وسنة نبيه طائعين راغبين فلما بايعوه قام خطيباً في الناس فحمد الله و أثنى عليه و ذكرهم بأيام الله.
ثم قال أيها الناس إن أول قتيل بغي علي وجه الارض عناق بنت آدم خلق الله لها عشرين اصبعاً لكل اصبع فيها ظفران كالمجلين الطويلين من حديد و كان مجلسها علي جريب من الارض فبغت في الارض ثمانين سنة فلما أراد الله هلاكها خلق لها أسداً مثل الفيل و ذئباً مثل الحمار الكبير و نسراً مثل البعير فسلطهم عليها فمزقوها فقتلوها و أكلوها
ص: 73
ثم قتل الله الجبابرة في زمانها و قد أهلك الله فرعون و هامان و خسف بقارون و قد قتل عثمان و كان لي حق حازه من أمنه عليه و لم اشركه فيه فهو منه علي شفا حفرة من البار لا يستنقذه منها إلا نبي مرسل يتوب علي يديه و لا نبي بعد محمد، ثم قال أيها الناس الدنيا دار حق و باطل و لكل أهل ألا و لئن غلب الباطل فقديماً. كان و لئن قل الحق و ضعف صاحبه فليس بما عاد و لئن عليكم أمركم إنكم لسعداء، و لقد خشيت أن تكونوا في فترة من الزمن، أما أني لو أشاء أن أقول لقلت سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه،
يا ويحه لو قص جناحه و قطع رأسه كان خيراً له شغل عن الجنة و النار امامه) ثم قال بعد كلام طويل في هذه الخطبة إن الله جل و علا أدّب هذه الامة بالسيف و السوط فاستتروا وأصلحوا ذات بينكم فان التوبة ورائكم، من أيدي صفحته للحق هلك ألا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان أو قال أعطاء من مال الله فهو مردود علي بيت مال المسلمين فان الحق قديم يبطله شيء و لو وجدته تفرق في البلدان لرددته، فان في الحق سعة، و من ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي ولكم.
(1) الارشاد: 116، (2) امالي الطوسي: 337/2، (3) نهج البلاغة: ج 15 - 36 - 88 - 162 - 163 - 164، (4) طبقات ابن سعد: 20/3، (5) المصنف لابن ابي شيبة: 594/14 – 595، (6) اخبار الطوال: 140
(7) تاريخ الطبري: 427 الي 444 (8) الامامة والسياسة: 46، الي
ص: 74
50. (9) العقد الفريد : 310/4 ، (10) مروج الذهب: 358/2،
(11) مستدرك الحاكم: 114/3 (12) انساب الاشراف: 205 الي 219، (13) اسد الغابة : 31/4 ، (14) الاستيعاب : 1121/3،
(15) البدء و التاريخ: 208/5
(16) مناقب الخوارزمي: 14 - 15 ، (17) شرح نهج البلاغة: 7/4 ، الي 11 و 36/7 ، الي (42 (18) كامل التواريخ: 1903 ،
(19) اثبات الوصية 145
ص: 75
1- قال أبان سمعت سليم بن قيس يقول شهدت يوم الجمل عليا علیه السّلام و كنا اثني عشر ألفا و كان أصحاب الجمل زيادة على عشرين و مائة ألف و كان مع علي علیه السّلام من المهاجرين والأنصار نحو من أربعة آلاف ممن شهد مع رسول الله صلّی الله علیه و آله بدرا و الحديبية و مشاهده و سائر الناس من لا الكوفة إلا من تبعه من البصرة و الحجاز ليست له هجرة ممن أسلم بعد الفتح و جل الأربعة آلاف من الأنصار و لم يكره أحدا على البيعة و لا على القتال إنما نديهم.
فانتدب من أهل بدر سبعون ومائة رجل جلهم من الأنصار ممن شاهد أحدا و الحديبية و لم يتخلف عنه أحد، و ليس أحد من المهاجرين و الأنصار، إلا و هواه معه يتولونه و يدعون له بالظفر و النصر و يحبون ظهوره على من ناواه و لم يحرجهم و لا يضيق عليهم و قد بايعوه و ليس كل الناس يقاتل في سبيل الله.
و الطاعن عليه و المتبرئ منه قليل مستتر عنه مظهر له الطاعة غير ثلاثة رهط بايعوه ثم شكوا في القتال معه، و قعدوا في بيوتهم محمد بن مسلمة و سعد بن أبي وقاص و ابن عمر و أسامة بن زيد سلم بعد ذلك و رضي و دعا لعلي علیه السّلام، و استغفر له و برئ من عدوه و شهد أنه على الحق و من خالفه ملعون حلال الدم.
ص: 76
2- قال أبان قال سليم لما التقى أمير المؤمنين علیه السّلام و أهل البصرة يوم الجمل نادى علیه السّلام الزبير يا أبا عبد الله اخرج إلي، فقال له أصحابه، يا أمير المؤمنين تخرج إلى الزبير الناكث بيعته و هو على فرس شاك في السلاح، و أنت على بغلة بلا سلاح، فقال علي علیه السّلام إن علي جنة واقية لن يستطيع أحد فرارا من أجله، و إني لا أموت و لا أقتل إلا على يدي أشقاها كما عقر ناقة الله أشق نمود.
فخرج إليه الزبير، فقال أين طلحة ليخرج فخرج طلحة فقال: نشدتكما بالله أتعلمان و أولو العلم من آل محمد و عائشة بنت أبي بكر أن أصحاب الجمل وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلّی الله علیه و آله و قد خاب من افترى، فقال الزبير كيف نكون ملعونين و نحن من أهل الجنة.
فقال علي علیه السّلام لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم، فقال الزبير: أما سمعت رسول الله يقول يوم أحد أوجب طلحة الجنة و من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض حيا فلينظر إلى طلحة أو ما سمعت رسول الله يقول عشرة من قريش في الجنة.
فقال علي علیه السّلام فسمهم قال فلان و فلان و فلان حتى عد تسعة فيهم أبو عبيدة بن الجراح و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. فقال علي علیه السّلام عددت تسعة فمن العاشر قال الزبير أنت.
فقال علي علیه السّلام أما أنت فقد أقررت أني من أهل الجنة و أما ما ادعيت لنفسك و أصحابك فإني به لمن الجاحدين و الله إن بعض من سميت لفي تابوت في جب في أسفل درك من جهنم على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسم- يسعر جهنم رفع تلك الصخرة فأسعرت جهنم.
سمعت ذلك رسول الله وإلا فأظفرك الله بي و سفك دمي
ص: 77
بيدك و إلا فأظفرني الله بك و بأصحابك فرجع الزبير إلى أصحابه و هو يبكي. ثم أقبل على طلحة فقال يا طلحة معكما نساؤكما قال لا، قال عمدتما إلى امرأة موضعها في كتاب الله القعود في بيتها فأبرزتماها وصنتما حلائلكما في الخيام و الحجال.
ما أنصفتها رسول الله صلّی الله علیه و آله و قد أمر الله أن لا يكلمن إلا من وراء حجاب أخبرني عن صلاة ابن الزبير بكما، أما يرضى أحدكما بصاحبه أخبرني عن دعائكما الأعراب إلى قتالي ما يحملكما على ذلك، فقال طلحة يا هذا كنا في الشورى ستة مات منا واحد و قتل آخر فنحن اليوم أربعة كلنا لك كاره.
فقال له علي علیه السّلام ليس ذلك علي قد كنا في الشورى و الأمر في يد غيرنا و هو اليوم في يدي أرأيت لو أردت بعد ما بايعت عثمان أن أرد هذا الأمر شورى أكان ذلك لي قال لا قال و لم قال لأنك بايعت طائعا فقال علي علیه السّلام و كيف ذلك و الأنصار معهم السيوف مخترطة يقولون لئن فرغتم و بايعتم واحدا منكم و إلا ضربنا أعناقكم أجمعين.
فهل قال لك و لأصحابك أحد شيئا من هذا حيث بايعتماني و حجتي في الاستكراه في البيعة أوضح من حجتك و قد بايعتني أنت وصاحبك طائعين غير مكرهين و كنتما أول من فعل ذلك و لم يقل أحد لتبايعان أو لنقتلنكما، فانصرف طلحة و نشب القتال فقتل طلحة و انهزم الزبير.
3- محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن محبوب عن سلام بن عبد الله و محمد بن الحسن و علي بن محمد عن سهل ابن زياد و أبو علي الأشعري عن محمد بن حسان جميعا عن محمد بن علي عن علي بن أسباط عن سلام بن عبد الله الهاشمي قال محمد بن قال محمد بن علي و قد
ص: 78
سمعته منه عن أبي عبد الله علیه السّلام قال:
بعث طلحة والزبير رجلا من عبد القيس يقال له خداش إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، و قالا له إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه و أهل بيته بالسحر والكهانة و أنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا من أن تمتنع ذلك و أن تحاجه لنا حتى تقفه على أمر معلوم و اعلم أنه أعظم الناس دعوى فلا يكسرنك ذلك عنه و من الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام و الشراب و العسل و الدهن و أن يخالي الرجل.
فلا تأكل له طعاما و لا تشرب له شرابا و لا تمس له عسلا و لا دهنا و لا تخل معه و احذر هذا كله منه و انطلق على بركة الله فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة و تعوذ بالله من كيده وكيد الشيطان فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كله و لا تستأنس به ثم قل له إن أخويك في الدين و ابني عمك في القرابة يناشدانك القطيعة و يقولان لك أما تعلم أنا تركنا الناس لك و خالفنا عشائرنا فيك منذ قبض الله عز و جل محمدا صلّی الله علیه و آله
فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا و قطعت رجاءنا ثم قد رأيت أفعالنا فيك و قدرتنا على النأي عنك وسعة البلاد دونك و أن من كان يصرفك عنا و و عن صلتنا كان أقل لك نفعا و أضعف عنك دفعا منا وقد وضح الصبح لذي عينين وقد بلغنا عنك انتهاك لنا ودعاء علينا فما الذي يحملك على ذلك فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب أتتخذ اللعن لنا دينا و ترى أن ذلك يكسرنا عنك.
فلما أتى خداش أمير المؤمنين علیه السّلام صنع ما أمراه فلما نظر إليه علي علیه السّلام و هو يناجي نفسه ضحك و قال هاهنا يا أخا عبد قيس و أشار له إلى مجلس قريب منه فقال ما أوسع المكان أريد أن أؤدي إليك رسالة قال بل
ص: 79
تطعم و تشرب و تحل ثيابك و تدهن ثم تؤدي رسالتك قم يا قنبر فأنزله قال ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة قال فأخلو بك؟
قال كل سر لي علانية قال فأنشدك بالله الذي هو أقرب إليك من نفسك الحائل بينك و بين قلبك الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور أ تقدم إليك الزبير بما عرضت عليك قال:
اللهم نعم قال لو كتمت بعد ما سألتك ما ارتد إليك طرفك فأنشدك الله هل علمك كلاما تقوله إذا أتيتني قال اللهم نعم قال علي علیه السّلام آية السخرة قال نعم قال فاقرأها فقرأها و جعل علي علیه السّلام يكررها و يرددها و يفتح عليه إذا أخطأ حتى إذا قرأها سبعين مرة قال الرجل ما يرى أمير المؤمنين علیه السّلام أمره بترددها سبعين مرة ثم قال له أتجد قلبك اطمأن قال إي و الذي نفسي بيده قال فما قالا لك فأخبره.
فقال: قل لهما: كفى بمنطقكما حجة عليكما و لكن الله لا يهدي القوم الظالمين زعمتها أنكما أخواي في الدين و ابنا عمي في النسب فأما النسب فلا أنكره و إن كان النسب مقطوعا إلا ما وصله الله بالإسلام و أما قولكما إنكما أخواي في الدين فإن كنتم صادقين فقد فارقتها كتاب الله عز و جل و عصيتها أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين و إلا فقد كذبتها و افتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين.
و أما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا صلّی الله علیه و آله فإن كنتما فارقتاهم يحق فقد نقضتها ذلك الحق بفراقكما إياي أخيرا و إن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتها مع أن صفقتكما بمفارقتكما الناس لم تكن إلا لطمع الدنيا زعمتها و ذلك قولكما فقطعت رجاءنا لا تعيبان بحمد الله من ديني شيئا و أما الذي صرفني عن صلتكما.
ص: 80
فالذي صرفكما عن الحق و حملكما على خلعه من رقابكما كما يخلع الحرون لجامه و هو الله ربي لا أشرك به شيئا فلا تقولا أقل نفعا و أضعف دفعا فتستحقا اسم الشرك مع النفاق و أما قولكما إني أشجع فرسان العرب و هربكما من لعني و دعائي فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة و ماجت لبود الخيل و ملأ سحراكما أجوافكما.
فتم يكفيني الله بكمال القلب و أما إذا أبيتما بأني أدعو الله فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما اللهم أقعص الزبير بشر قتلة و اسفك دمه على ضلالة و عرف طلحة المذلة و ادخر لهما في الآخرة شرا من ذلك إن كانا ظلماني و افتريا علي و كتما شهادتها و عصياك و عصيا رسولك في قل: آمين. قال خداش آمين.
ثم قال خداش لنفسه: والله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك حامل حجة ينقض بعضها بعضا لم يجعل الله لها مساكا أنا أبرأ إلى الله منهما قال علي علیه السّلام ارجع إليهما وأعلمها ما قلت قال لا والله حتى تسأل الله أن يردني إليك عاجلا و أن يوفقني لرضاه فيك ففعل فلم يلبث أن انصرف و قتل معه يوم الجمل.
4 - عنه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن محمد بن النعمان أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر علیه السّلام قال قال إن أمير المؤمنين علیه السّلام لما انقضت القصة فيما بينه و بين طلحة والزبير و عائشة بالبصرة صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسول الله علیه السّلام ثم قال:
يا أيها الناس إن الدنيا حلوة خضرة تفتن الناس بالشهوات و تزين لهم بعاجلها و ايم الله إنها لتغر من أملها و تخلف من رجاها و ستورث
ص: 81
أقواما الندامة و الحسرة بإقبالهم عليها وتنافسهم فيها و حسدهم و بغيهم على أهل الدين و الفضل فيها ظلما وعدوانا و بغيا و أشرا و بطرا و بالله إنه ما عاش قوم قط في غضارة من كرامة نعم الله في معاش دنيا و لا دائم تقوى في طاعة الله و الشكر لنعمه.
فأزال ذلك عنهم إلا من بعد تغيير من أنفسهم و تحويل عن طاعة الله و الحادث من ذنوبهم وقلة محافظة و ترك مراقبة الله جل و عز و تهاون بشكر نعمة الله لأن الله عز و جل يقول في محكم كتابه: «إِنَّ اللهَ لا يُغَيّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَ مَا هُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالِ»،
و لو أن أهل المعاصي و كسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعم الله و حلول نقمته و تحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جل ذكره بما كسبت أيديهم فأقلعوا و تابوا و فزعوا إلى الله جل ذكره بصدق من نياتهم و إقرار منهم بذنوبهم و إساءتهم لصفح لهم عن كل ذنب و إذا لأقالهم كل عثرة و لرد عليهم كل كرامة نعمة ثم أعاد لهم من صلاح أمرهم و مما كان أنعم به عليهم كل ما زال عنهم و أفسد عليهم.
فاتقوا الله أيها الناس حق تقاته و استشعروا خوف الله جل ذكره و أخلصوا اليقين و توبوا إليه من قبيح ما استفزكم الشيطان من قتال ولي الأمر و أهل العلم بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله و ما تعاونتم عليه من تفريق الجماعة و تشتت الأمر و فساد صلاح ذات البين إن الله عز و جل يقبل التوبة و يعفو عن السيئات و يعلم ما تفعلون.
5 - الصدوق: أخبرنا الحاكم أبو حامد أحمد بن الحسين بن علي ببلخ قال حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثني
ص: 82
إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلّی الله علیه و آله أنه قال لنسائه ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوأب فيقتل عن يمينها و ع-ن يسارها قتلي كثيرة ثم تنجو بعد ما كادت.
6 - عنه في حديث قال علیه السّلام: أما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لا لي لما لم يطمعوا في تلك مني وثبوا بالمرأة علي و أنا ولي أمرها و الوصي عليها فحملوها على الجمل و شدوها على الرحال و أقبلوا بها تخبط الفيافي و تقطع البراري و تنبح عليها كلاب الحوأب و تظهر لهم علامات الندم في كل ساعة و عند كل حال في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي صلّی الله علیه و آله
حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم طويلة لحاهم قليلة عقولهم عازبة آراؤهم و هم جیران بدو و وراد بحر فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم و يرمون بسهامهم بغير فهم فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محله المكروه ممن إن كففت لم يرجع و لم يعقل و إن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت فقدمت الحجة بالإعذار و الإنذار،
و دعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها و القوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي و الترك لنقضهم عهد الله عز و جل في و أعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه و ناظرت بعضهم فرجع و ذكرت فذكر ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلا و تماديا و غيا.
فلما أبوا إلا هي ركبتها منهم فكانت عليهم الدبرة و بهم الهزيمة و لهم الحسرة و فيهم الفناء و القتل و حملت نفسي على التي لم أجد منها بدا و لم يسعني إذ فعلت ذلك و أظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من
ص: 83
الإغضاء و الإمساك و رأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بإمساكي على ما صاروا إليه،
و طمعوا فيه من تناول الأطراف و سفك الدماء وقتل الرعية و تحكيم النساء النواقص العقول و الحظوظ على كل حال كعادة بنى الأصفر و من مضى من ملوك سبأ و الأمم الخالية فأصير إلى ما كرهت أولا وآخرا و قد أهملت المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس و لم أهجم على الأمر إلا بعد ما قدمت و أخرت،
و تأنیت و راجعت و أرسلت و سافرت و أعذرت و أنذرت و أعطيت القوم كل شيء يلتمسوه بعد أن عرضت عليهم كل شيء لم يلتمسوه فلما أبوا إلا تلك أقدمت عليها فبلغ الله بى و بهم ما أراد و كان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا ثم التفت علیه السّلام إلى أصحابه فقال أليس كذلك :قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال علیه السّلام.
7- قال المفيد: عند نكث طلحة والزبير بيعته وتوجههما إلى مكة للاجتماع مع عائشة فى التأليب عليه و التألف على خلافه ما حفظه العلماء عنه بعد أن حمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد:
فإن الله بعث محمدا صلّی الله علیه و آله للناس كافة و جعله رحمة للعالمين فصدع بما أمر به و بلغ رسالات ربه فلم به الصدع و رتق به الفتق و آمن به السبل و حقن به الدماء و ألف به بين ذوي الإحن و العداوة و الوغر في الصدور و الضغائن الراسخة في القلوب ثم قبضه الله تعالى إليه حميدا لم يقصر عن الغاية التي إليها أداء الرسالة و لا بلغ شيئا كان في التقصير عنه القصد و كان من بعده من التنازع في الإمرة.
فتولي أبو بكر و بعده عمر ثم تولى عثمان فلما كان من أمره ما
ص: 84
عرفتموه أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لا أفعل فقلتم بلى فقلت لا وقبضت يدي فبسطتموها و نازعتكم فجذبتموها و تداككتم على تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت أنكم قاتلي و أن بعضكم قاتل بعض فبسطت يدي فبايعتموني مختارين و بايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين.
ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة و الله يعلم أنهما أرادا الغدرة فجددت عليها العهد في الطاعة و أن لا يبغيا للأمة الغوائل فعاهداني ثم لم يفيا لي و نكثا بيعتي و نقضا عهدي فعجبا لهما من انقيادهما لأبي بكر و عمر و خلافهما لي و لست بدون أحد الرجلين و لو شئت أن أقول لقلت اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقي وصغرا من أمري و ظفرني بهما.
8- عنه قال : ثم تكلم علیه السّلام في مقام آخر بما حفظ عنه في هذا المعنى بعد حمد الله و الثناء: أما بعد فإن الله تعالى لما قبض نبيه علیه السّلام قلنا نحن أهل بیته و عصبته وورثته وأولياؤه و أحق الخلائق به لا تنازع حقه و سلطانه فبينا نحن على ذلك إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا منا و ولوه غيرنا.
فبكت و الله لذلك العيون و القلوب منا جميعا معا و خشنت له الصدور و جزعت النفوس جزعا أرغم و ايم الله لو لا مخافتي الفرقة بين المسلمين و أن يعود أكثرهم إلى الكفر و يعور الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا وقد بايعتموني الآن وبايعني هذان الرجلان طلحة والزبير على الطوع منهما ومنكم والإيثار.
ثم نهضا يريدان البصرة ليفرقا جماعتكم و يلقيا بأسكم بينكم اللهم فخذهما لغشهما لهذه الأمة و بسوء نظرهما للعامة ثم قال انفروا رحمكم الله في طلب هذين الناكثين القاسطين الباغين قبل أن يفوت تدارك ما جنياه.
ص: 85
9- عنه قال: و لما اتصل به مسیر عائشة و طلحة والزبير إلى البصرة من مكة حمد الله و أثنى عليه ثم قال: قد سارت عائشة و طلحة و الزبير كل واحد منهما يدعى الخلافة دون صاحبه ولا يدعى طلحة الخلافة إلا أنه ابن عم عائشة و لا يدعيها الزبير إلا أنه صهر أبيها والله لئن ظفرا بما يريدان ليضر بن الزبير عنق طلحة و ليضر بن طلحة عنق الزبير ينازع هذا على الملك هذا.
و قد و الله علمت أنها الراكبة الجمل لا تحل عقدة و لا تسير عقبة و لا تنزل منزلا إلا إلى معصية حتى تورد نفسها و من معها موردا يقتل ثلثهم و يهرب ثلثهم ويرجع ثلثهم والله إن طلحة والزبير ليعلمان أنهما مخطئان و ما يجهلان و لربما عالم قتله جهله و علمه معه لا ينفعه و الله لينبحنها كلاب الحوأب فهل يعتبر معتبر و يتفكر متفكر ثم قال قد قامت الفئة الباغية فأين المحسنون.
10 - عنه قال: ذهب أمير المؤمنين علیه السّلام إلى البصرة و نزل الربذة فلقيه بها آخر الحاج فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه و هو في خبائه قال ابن عباس فأتيته فوجدته يخصف نعلا فقلت له نحن إلى أن تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تصنع فلم يكلمني حتى فرغ من نعله ثم ضمها إلى صاحبتها ثم قال لي قومها فقلت ليس لها قيمة قال على ذاك قلت كسر درهم.
قال و الله لهما أحب إلي من أمركم هذا إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا قلت إن الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا من كلامك فتأذن لى أن أتكلم فإن كان حسنا كان منك و إن كان غير ذلك كان مني قال لا أنا أتكلم ثم وضع يده في صدري و كان شئن الكف فآلمني ثم قام فأخذت بثوبه فقلت نشدتك الله و الرحم قال لا تنشدني ثم خرج فاجتمعوا عليه فحمد الله و أثنى عليه ثم
ص: 86
قال:
أما بعد فإن الله بعث محمدا صلّی الله علیه و آله و ليس في العرب أحد يقرأ كتابا و لا يدعي نبوة فساق الناس إلى منجاتهم أم والله ما زلت في ساقتها ما غيرت و لا خنت حتى تولت بحذافيرها ما لي و لقريش أم والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين و إن مسيري هذا عن عهد إلي فيه أم و الله لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم فى حيزنا و أنشد:
ذنب لعمري شربك المحض خالصا *** و أكلك بالزبد المقشرة البجرا
و نحن وهبناك العلاء و لم تكن *** عليا وحطنا حولك الجرد والسمرا
11- عنه قال: لما نزل بذي قار أخذ البيعة على من حضره ثم تكلم فأكثر من الحمد لله و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله صلّی الله علیه و آله ثم قال قد جرت أمور صبرنا فيها و في أعيننا القذى تسليما لأمر الله تعالى فيما امتحننا به رجاء الثواب على ذلك و كان الصبر عليها أمثل من أن يتفرق المسلمون و تسفك دماؤهم نحن أهل بيت النبوة و أحق الخلق بسلطان الرسالة و معدن الكرامة التي ابتدأ الله بها هذه الأمة.
و هذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوة و لا من ذرية الرسول حين رأيا أن الله قد قد رد علينا حقنا بعد أعصر فلم يصبرا حولا واحدا و لا شهرا كاملا حتى وثبا على دأب الماضين قبلها ليذهبا بحقي و يفرقا جماعة المسلمين عنى ثم دعى عليهما.
12 - عنه عن عبد الحميد بن عمران العجلي عن سلمة بن كهيل قال - لما التقى أهل الكوفة بأمير المؤمنين علیه السّلام بذي قار رحبوا به و قالوا الحمد لله الذي خصنا بجوارك و أكرمنا بنصرتك فقام أمير المؤمنين علیه السّلام فيهم خطيبا:
ص: 87
فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا أهل الكوفة إنكم من أكرم المسلمين و أقصدهم تقويما و أعدلهم سنة و أفضلهم سهما في الإسلام وأجودهم في العرب مركبا و نصابا.
أنتم أشد العرب ودّا للنبي صلّی الله علیه و آله و لأهل بيته و إنما جئتكم ثقة بعد الله بكم للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير و خلعهما طاعتي و إقبالها بعائشة للفتنة وإخراجهما إياها من بيتها حتى أقدماها البصرة فاستغووا طغامها و غوغاءها مع أنه قد بلغني أن أهل الفضل منهم و خيارهم في الدين قد اعتزلوا و كرهوا ما صنع طلحة والزبير.
ثم سكت علیه السّلام فقال أهل الكوفة نحن أنصارك و أعوانك على عدوك و لو دعوتنا إلى أضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير و رجوناه فدعى لهم أمير المؤمنين علیه السّلام وأثنى عليهم، ثم قال:
لقد علمتم معاشر المسلمين أن طلحة والزبير بايعاني طائعين راغبين ثم استأذناني في العمرة فأذنت لهما فسارا إلى البصرة فقتلا المسلمين و فعلا المنكر، اللهم إنهما قطعاني و ظلماني و نكتا بيعتي و ألبا الناس علي فاحلل ما عقدا و لا تحكم ما أبرما وأرهما المساءة فيما عملا.
13 - عنه قال: و من كلامه علیه السّلام حين نفر من ذي قار متوجها إلى البصرة؛ بعد حمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله صلّی الله علیه وآله: أما بعد فإن الله فرض الجهاد و عظمه و جعله نصرة له والله ما صلحت دنيا قط و لا دين إلا به و إن الشيطان قد جمع حزبه و استجلب خيله و شبه في ذلك و خدع و قد بانت الأمور و تمخضت والله ما أنكروا على منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا.
و إنهم ليطلبون حقا ترکوه و دما هم سفكوه و لئن كنت شركتهم فيه
ص: 88
إن لهم لنصيبهم منه و إن كانوا ولوه دوني فما تبعته إلا قبلهم و إن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم و إني لعلى بصيرتي ما لبست علي و إنها للفئة الباغية فيها الحمى و الحمة قد طالت هلبتها و أمكنت درتها يرضعون أما فطمت و يحيون بيعة تركت ليعود الضلال إلى نصابه.
ما أعتذر مما فعلت و لا أتبرأ مما صنعت فخيبة للداعي و من دعا لو قيل له إلى من دعواك و إلى من أجبت و من إمامك و ما سنته ما سنته إذا لزاح الباطل عن مقامه و لصمت لسانه فما نطق و ايم الله لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه و لا يلقون بعده ريا أبدا و إني لراض بحجة الله عليهم وعذره فيهم إذ أنا داعيهم فيعذر إليهم فإن تابوا و أقبلوا فالتوبة مبذولة و الحق مقبول و ليس على الله كفران و إن أبوا أعطيتهم حد السيف و كفى به شافيا من باطل و ناصرا لمؤمن.
14 - عنه قال من كلامه علیه السّلام حين دخل البصرة و جمع أصحابه فحرضهم على الجهاد؛ فكان مما قال عباد الله انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم فإنهم نكثوا بيعتي و أخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح و العقوبة الشديدة وقتلوا السيابجة وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي وقتلوا رجالا صالحين.
ثم تتبعوا منهم من نجى يأخذونهم في كل حائط و تحت كل رابية ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون انهدوا إليهم و كونوا أشداء عليهم و ألقوهم صابرين محتسبين تعلمون أنكم منازلوهم ومقاتلوهم.
و قد وطنتم أنفسكم على الطعن الدعسي و الضرب الطلحفي و مبارزة الأقران و أي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء و
ص: 89
رأى من أحد من إخوانه فشلا فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء الله لجعله مثله.
15 - عنه قال من كلامه علیه السّلام حين قتل طلحة و انفض أهل البصرة؛ بنا تسنمتم الشرفاء و بنا انفجرتم عن السرار و بنا اهتديتم في الظلماء وقر سمع لم يفقه الواعية كيف يراع للنبأة من أصمته الصيحة ربط جنان لم يفارقه الخفقان ما زلت أتوقع بكم عواقب الغدر و أتوسمكم بحلية المغترين سترني عنكم جلباب الدين و بصرنيكم صدق النية.
أقمت لكم الحق حيث تعرفون و لا دليل و تحتفرون و لا تميهون اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان عزب فهم امرئ تخلف عني ما شككت في الحق منذ رأيته كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا أباهم و باعوا أخاهم و بعد الإقرار كانت توبتهم و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم.
16 - عنه قال: من كلامه علیه السّلام عند تطوافه على القتلى هذه قريش جدعت أنفي و شفيت نفسي لقد تقدمت إليكم أحذركم عض السيوف و كنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون و لكنه الحين و سوء المصرع فأعوذ بالله من سوء المصرع ثم مر على معبد بن المقداد فقال رحم الله أبا هذا أما إنه لو كان حيا لكان رأيه أحسن من رأي هذا.
فقال عمار بن ياسر الحمد لله الذي أوقعه و جعل خده الأسفل إنا والله يا أمير المؤمنين لا نبالي من عند عن الحق من ولد و والد؛ فقال أمير المؤمنين علیه السّلام رحمك الله وجزاك عن الحق خيرا.
17- عنه قال و مر بعبد الله بن ربيعة بن دراج و هو في القتلى فقال هذا البائس ما كان أخرجه أدين أخرجه أم نصر لعثمان والله ما كان رأي عثمان فيه و لا في أبيه بحسن ثم مر بمعبد بن زهير بن أبي أمية فقال لو
ص: 90
كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام و الله ما كان فيها بذي نحيزة و لقد أخبرني من أدركه و أنه ليولول فرقا من السيف.
18 - عنه قال: ثم مر بمسلم بن قرظة فقال البر أخرج هذا و الله لقد كلمني أن أكلم له عثمان في شيء كان يدعيه قبله بمكة فأعطاه عثمان و قال لو لا أنت ما أعطيته إن هذا ما علمت بئس أخو العشيرة ثم جاء المشوم للحين ينصر عثمان، ثم مر بعبد الله بن حميد بن زهير ، فقال هذا أيضا ممن أوضع في قتالنا زعم يطلب الله بذلك و لقد كتب إلى كتبا يؤذي فيها عثمان فأعطاه شيئا فرضي عنه.
19 - عنه قال: مر بعبد الله بن حكيم بن حزام فقال هذا خالف أباه في الخروج و أبوه حيث لم ينصرنا قد أحسن في بيعته لنا و إن كان قد كف و جلس حيث شك في القتال و ما ألوم اليوم من كف عنا و عن غيرنا و لكن المليم الذي يقاتلنا.
20: عنه قال: ثم مر بعبد الله بن المغيرة بن الأخنس فقال: أما هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان في الدار فخرج مغضبا لمقتل أبيه و هو غلام حدث حين لقتله.
21 - عنه قال: ثم مر بعبد الله بن أبي عثمان بن الأخنس بن شريق فقال: أما هذا فإني أنظر إليه و قد أخذ القوم السيوف هاربا يعدو من الصف فنهنهت عنه فلم يسمع من نهنهت حتى قتله و كان هذا مما خفى على فتيان قريش أغمار لا علم لهم بالحرب خدعوا و استزلوا فلما وقفوا وقعوا فقتلوا.
22- عنه قال: ثم مشى قليلا فمر بكعب بن سور، فقال: هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم أنه ناصر أمه يدعو الناس إلى ما فيه و هو لا يعلم ما فيه ثم استفتح فخاب كل جبار عنيد أما إنه دعا الله أن يقتلني
ص: 91
فقتله الله أجلسوا كعب بن سور فأجلس فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام يا كعب قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ثم قال أضجعوا كعبا.
23 - عنه قال: مر على طلحة بن عبيد الله فقال هذا الناكث بيع- بيعتي و المنشى الفتنة في الأمة و المجلب على الداعي إلى قتلي و قتل عترتي أجلسوا طلحة بن عبيد الله، فأجلس فقال أمير المؤمنين علیه السّلام يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعد ربك حقا ثم قال أضجعوا طلحة و سار فقال له بعض من كان معه يا أمير المؤمنين أتكلم كعبا و طلحة بعد قتلهما قال أم و الله إنهما لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم بدر.
24 - عنه قال: من كلامه علیه السّلام بالبصرة حين ظهر على القوم بعد حمد الله تعالى و الثناء عليه، أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة و مغفرة دائمة و عفو جم و عقاب أليم قضى أن رحمته ومغفرته وعفوه لأهل طاعته من خلقه و برحمته اهتدى المهتدون و قضى أن نقمته و سطواته و عقابه على أهل معصيته من خلقه و بعد الهدى و البينات ما ضل الضالون فما ظنكم يا أهل البصرة وقد نكثتم بيعتي و ظاهرتم على عدوي.
فقام إليه رجل فقال نظن خيرا و نراك قد ظفرت و قدرت فإن عاقبت فقد اجترمنا ذلك و إن عفوت فالعفو أحب إلى الله فقال قد عفوت عنكم فإياكم و الفتنة فإنكم أول الرعية نكث البيعة وشق عصا هذه الأمة قال ثم جلس للناس فبايعوه.
25- عنه قال: ثم كتب علیه السّلام بالفتح إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة؛ سلام عليكم فإني
ص: 92
أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن الله حكم عدل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، و إذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال.
أخبركم عنا و عمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة و من تأشب إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير و نكتهم صفقة أيمانهم فنهضت من المدينة حين انتهى إلى خبر من سار إليها وجماعتها و ما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذاقار فبعثت الحسن بن علي و عمار بن ياسر و قيس بن سعد فاستنفرتكم بحق الله و حق رسوله صلّی الله علیه و آله و حقي فأقبل إلى إخوانكم سراعا حتى قدموا علي فسرت بهم.
حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء و قمت بالحجة و أقلت العثرة و الزلة من أهل الردة من قريش و غيرهم و استنبتهم من نكثهم بيعتي و عهد الله عليهم فأبوا إلا قتالي و قتال من معي و التمادي في البغي فناهضتهم بالجهاد فقتل الله من قتل منهم ناكثا و ولي من ولي إلى مصرهم و قتل طلحة والزبير على نكتها و شقاقهما.
و كانت المرأة عليهم أشأم من ناقة الحجر فخذلوا و أدبروا و تقطعت بهم الأسباب فلما رأوا ما حل بهم سألوني العفو فقبلت منهم و عمدت السيف عنهم و أجريت الحق و السنة بينهم واستعملت عبد الله بن العباس على البصرة و أنا سائر إلى الكوفة إن شاء الله وقد بعثت إليكم زحر بن قيس الجعني لتسألوه فيخبركم عنا و عنهم و ردهم الحق علينا و رد الله لهم و هم کارهون و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
26 - عنه قال أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي القلانسي قال حدثنا أبو القاسم الحسن بن علي بن الحسن قال حدثنا جعفر بن محمد بن
ص: 93
مروان قال حدثنا أبي قال حدثنا إسحاق بن يزيد قال حدثنا خالد ب-ن مختار قال حدثنا الأعمش عن حبة العرني قال سمعت حذيفة بن اليمان قبل أن يقتل عثمان بن عفان بسنة و هو يقول:
كأني بأمكم الحميراء قد سارت يساق بها على جمل و أنتم آخذون بالشوى و الذنب معها الأزد أدخلهم الله النار و أنصارها بنو ضبة جد الله أقدامهم قال فلما كان يوم الجمل و برز الناس بعضهم لبعض نادى منادي أمير المؤمنين صلوات الله عليه: لا يبدأن أحد منكم بقتال حتى آمركم قال فرموا فينا فقلنا يا أمير المؤمنين قد رمينا، فقال:
كفوا ثم رمونا فقتلوا منا، قلنا يا أمير المؤمنين قد قتلونا فقال احملوا على بركة الله قال: فحملنا عليهم فأنشب بعضنا في بعض الرماح حتى لو مشى ماش لمشى عليها ثم نادى منادي على علیه السّلام عليكم بالسيوف فجعلنا نضرب بها البيض فتنبو لنا فنادى منادي أمير المؤمنين السلام عليكم بالأقدام.
قال: فما رأينا يوما كان أكثر قطع أقدام منه قال: فذكرت حديث حذيفة أنصارها بنو ضبة - جد الله أقدامهم - فعلمت أنها دعوة مستجابة. ثم نادى منادي أمير المؤمنين علیه السّلام: عليكم بالبعير فإنه شيطان. قال: فعقره رجل برمحه و قطع إحدى يديه رجل آخر فبرك و رغا و صاحت عائشة صيحة شديدة فولى الناس منهزمين فنادى منادي أمير المؤمنين علیه السّلام لا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا و من أغلق بابه فهو آمن و من ألق سلاحه فهو آمن.
27- عنه قال: أخبرني أبو الحسن علي بن خالد المراغي قال: حدثنا أبو القاسم الحسن بن علي الكوفي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مروان
ص: 94
قال: حدثنا أبي قال: حدثنا إسحاق بن يزيد قال حدثنا سليمان بن قرم عن أبي الجحاف عن عمار الدهني قال حدثنا أبو عثمان مؤذن بني أفصى قال سمعت علي بن أبي طالب علیه السّلام حين خرج طلحة و الزبير لقتاله يقول:
عذيري من طلحة والزبير بايعاني طائعين غير مكرهين ثم نكثا بيعتي من غير حدث ثم تلا هذه الآية: «وَ إِنْ نَكَنُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ»
28- عنه قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن داود الحتمي إجازة قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبدان قال: حدثنا إبراهيم الحربي قال: حدثنا سعيد بن داود بن أبي زنبر قال: حدثنا مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه.
قال: إني لواقف مع المغيرة بن شعبة عند نهوض علي بن أبي طالب علیه السّلام من المدينة إلى البصرة إذ أقبل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فقال له: هل لك في الله عز و جل يا مغيرة؟ فقال و أين هو لي يا عمار؟
قال: تدخل في هذه الدعوة فتلحق بمن سبقك و تسود من خلفك فقال له: المغيرة أو خير من ذلك يا أبا اليقظان قال عمار و ما هو؟ قال: ندخل بيوتنا و نغلق علينا أبوابنا حتى يضيء لنا الأمر فنخرج و نحن مبصرون، و لا نكون كقاطع السلسلة أراد الضحك فوقع في الغم فقال له عمار هيهات هيهات أجهل بعد علم و عمى بعد استبصار و لكن اسمع قولي فو الله لن تراني إلا في الرعيل الأول.
قال: فطلع عليهما أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: يا أبا اليقظان ما يقول لك الأعور فإنه والله دائبا يلبس الحق بالباطل و يموه فيه و لن يتعلق من الدين إلا بما يوافق الدنيا ويحك يا مغيرة إنها دعوة تسوق من
ص: 95
يدخل فيها إلى الجنة فقال له المغيرة صدقت يا أمير المؤمنين إن لم أكن معك فلن أكون عليك.
29 - عنه قال أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب قال: أخبرني الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي قال : أخبرنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا عمرو بن شمر قال: سمعت جابر بن يزيد يقول: سمعت أبا جعفر محمد بن على علیه السّلام يقول:
حدثني أبي عن جدي قال لما توجه أمير المؤمنين علیه السّلام من المدينة إلى الناكثين بالبصرة نزل الربذة فلما ارتحل منها لقيه عبد الله بن خليفة الطائي - وقد نزل بمنزل يقال له قديد - فقربه أمير المؤمنين علیه السّلام فقال له: عبد الله الحمد لله الذي رد الحق إلى أهله و وضعه في موضعه، كره ذلك قوم أو سروا به.
فقد و الله كرهوا محمدا صلّی الله علیه و آله و نابذوه و قاتلوه فرد الله كيدهم في نحورهم و جعل دائرة السوء عليهم و و الله لنجاهدن معك في كل موطن حفظا لرسول الله صلّی الله علیه و آله فرحب به أمير المؤمنين علیه السّلام و أجلسه إلى جنبه و كان له حبيبا و وليا.
و أخذ يسائله عن الناس إلى أن سأله عن أبي موسى الأشعري فقال: و الله ما أنا أثق به و لا آمن عليك خلافه إن وجد مساعدا على ذلك فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام و الله ما كان عندي مؤتمنا و لا ناصحا و لقد كان الذين ولا تقدموني استولوا على مودته و ولوه و سلطوه بالإمرة على الناس و لقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه أن أقره فأقررته على كره مني له و تحملت على صرفه من بعد.
قال: فهو مع عبد الله في هذا و نحوه إذ أقبل سواد كبير من قبل جبال
ص: 96
طى فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: انظروا ما هذا السواد؟ فذهبت الخيل تركض فلم تلبث أن رجعت فقيل هذه طي قد جاءتك تسوق الغنم و الإبل و الخيل فمنهم من جاءك بهداياه و كرامته و منهم من يريد النفور معك إلى عدوك فقال أمير المؤمنين علیه السّلام جزى الله طيا خيرا وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظما.
فلما انتهوا إليه سلموا عليه قال عبد الله بن خليفة فسرنى و الله ما رأيت من جماعتهم و حسن هيئتهم و تكلموا فأقروا و الله ما رأيت بعيني خطيبا أبلغ من خطيبهم وقام عدي بن حاتم الطائي فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:
أما بعد فإني كنت أسلمت على عهد رسول الله صلّی الله علیه و آله و أديت الزكاة على عهده و قاتلت أهل الردة من بعده أردت بذلك ما عند الله و على الله ثواب من أحسن و اتقى و قد بلغنا أن رجالا من أهل مكة نكثوا بيعتك و خالفوا عليك ظالمين فأتيناك لننصرك بالحق فنحن بين يديك فمرنا بما أحببت ثم أنشأ يقول:
و نحن نصرنا الله قبل ذاكم *** من ذاكم و أنت بحق جئتنا فستنصر
سنكفيك دون الناس طرا بأسرنا *** و أنت به من سائر الناس أجدر
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام: جزاكم الله من حي عن الإسلام و أهله خيرا، فقد أسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين و نويتم نصر المسلمين. و قام سعيد ابن عبيد البحتري من بني بحتر فقال يا أمير المؤمنين إن من الناس من يقدر أن يعبر بلسانه عما في قلبه ومنهم من لا يقدر أن يبين ما يجده في نفسه بلسانه.
فإن تكلف ذلك شق عليه و إن سكت عما في قلبه برح به الهم و البرم
ص: 97
و إني والله ما كل ما في نفسي أقدر أن أؤديه إليك بلساني و لكن و الله لأجهدن على أن أبين لك و الله ولي التوفيق أما أنا فإني ناصح لك في السر و العلانية و مقاتل معك الأعداء في كل موطن.
و أرى لك من الحق ما لم أكن أراه لمن كان قبلك ولا لأحد اليوم من أهل زمانك لفضيلتك في الإسلام و قرابتك من الرسول و لن أفارقك أبدا حتى نظفر أو أموت بين يديك.
فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام : يرحمك الله فقد أدى لسانك ما يجن ضميرك لنا و نسأل الله أن يرزقك العافية و يثيبك الجنة و تكلم نفر منهم فما حفظت غير كلام هذين الرجلين ثم ارتحل أمير المؤمنين علیه السّلام فأتبعه منهم ستمائة رجل حتى نزل ذا قار فنزلها في ألف وثلاثمائة رجل.
30- عنه حدثنا جعفر بن الحسين المؤمن وجماعة من مشايخنا عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن موسى بن جعفر البغدادي عن علي بن معبد عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان عن واصل بن سليمان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله علیه السّلام قال لما صرع زيد بن صوحان يوم الجمل جاء أمير المؤمنين علیه السّلام حتى جلس عند رأسه فقال يرحمك الله يا زيد فقد كنت خفيف المئونة عظيم المعونة قال:
فرفع زيد رأسه إليه ثم قال و أنت فجزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين ما علمتك إلا بالله عليها و في أم الكتاب عليا حكيما و إن الله في صدرك لعظيم و الله ما قاتلت معك على جهالة و لكني سمعت أم سلمة زوجة رسول الله صلّی الله علیه و آله تقول سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل نصره و اخذل من خذله و كرهت و الله أن أخذلك فيخذلني الله.
ص: 98
31- عنه حدثني محمد بن علي بن شاذان و قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوي أبو العباس ثعلب قال حدثنا أحمد بن سهل أبو عبد الرحمن قال حدثنا يحيى بن محمد بن إسحاق بن موسى قال حدثنا أحمد قال حدثنا أحمد بن قتيبة أبو بكر عن عبد الحكم القتيبي عن أبي كيسة و يزيد بن رومان قالا لما اجتمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت أم سلمة و كانت بمكة.
فقالت: يا بنت أبي أمية كنت كبيرة أمهات المؤمنين وكان رسول الله صلّی الله علیه و آله يقمأ في بيتك و كان يقسم لنا في بيتك و كان ينزل الوحي في بيتك الله قالت لها يا بنت أبي بكر لقد زرتني و ما كنت زوارة و لأمر ما تقولين هذه المقالة؟ قالت:
إن ابني و ابن أخي أخبراني أن الرجل قتل مظلوما و أن بالبصرة مائة ألف سيف يطاعون فهل لك أن أخرج أنا و أنت لعل الله أن يصلح بين فئتين مشاجرتين؟ فقالت: يا بنت أبي بكر أبدم عثمان تطلبين فلقد كنت أشد الناس عليه و إن كنت لتدعينه بالتبري أم أمر ابن أبي طالب تنقضين فقد تابعه المهاجرون و الأنصار.
إنك سدة بين رسول الله علیه السّلام و بين أمته و حجابه مضروبة على حرمه وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه و سكني عقيراك فلا تضحى بها الله من وراء هذه الأمة قد علم رسول الله صلّی الله علیه و آله مكانك و لو أراد أن يعهد إليك فعل قد نهاك رسول الله صلّی الله علیه و آله عن الفراطة في البلاد.
إن عمود الإسلام لا ترأبه النساء إن انثلم و لا يشعب بهن إن انصدع حماديات النساء غض بالأطراف و قصر الوهادة و ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلّی الله علیه و آله عرض لك ببعض الفلوات و أنت ناصة قلوصا من منهل إلى آخر إن بعين الله مهواك و على رسول الله صلّی الله علیه و آله تردين قد وجهت
ص: 99
سدافته و تركت عهيداه أقسم بالله لو سرت مسيرك هذا.
ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألق محمد صلّی الله علیه و آله هاتكة حجابا قد ضربه علي اجعلي حصنك بيتك وقاعة الستر قبرك حتى تلقاه و أنت على ذلك أطوع ثم قالت لو ذكرتك من رسول الله صلّی الله علیه و آله خمسا في علي علیه السّلام لنهشتنی نهش الحية الرقشاء المطرقة ذات الجب أتذكرين إذ كان رسول الله صلّی الله علیه و آله يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا.
فأقرع بينهن فخرج سهمي و سهمك فبينا نحن معه و هو هابط من قديد و معه علي علیه السّلام و يحدثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك رسول الله عمال العالم معه ابن عمه و لعل له إليه حاجة فعصيتني و رجعت باكية فسألتك فقلت بأنك هجمت عليها فقلت له:
يا علي إنما لي من رسول الله يوم من تسعة أيام و قد شغلته عني فأخبرتني أنه قال لك أتبغضيه فما يبغضه أحد من أهلي و لا من أمتى إلا خرج من الإيمان أتذكرين هذا يا عائشة قالت: نعم.
و يوم أراد رسول الله صلّی الله علیه و آله سفرا و أنا أجش له جشيشا فقال ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب فرفعت يدي من الحشيش و قلت أعوذ بالله أن أكونه. فقال: والله لا بد لأحدكما أن يكونه اتقي الله يا حميراء أن تكونيه أتذكرين هذا يا عائشة قالت: نعم.
و يوم تبذلنا لرسول الله صلّی الله علیه و آله فلبست ثيابي و لبست ثيابك فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فجلس إلى جنبك فقال أتظنين يا حميراء أني لا أعرفك أما إن لأمتي منك يوما مرا أو يوما حمرا أتذكرين يا عائشة قالت: نعم.
و يوم كنت أنا و أنت مع رسول الله صلّی الله علیه و آله فجاءك أبوك وصاحبه يستأذن فدخلت الخدر فقالا: يا رسول الله إنا لا ندري قدر مقامك فينا فلو
ص: 100
جعلت لنا إنسانا نأتيه بعدك قال أما إني أعرف مكانه و أعلم موضعه و لو أخبرتكم به لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن عيسى ابن مريم.
فلما خرجا خرجت إليه أنا و أنت وكنت حزينة عليه فقلت له من كنت جاعلا لهم فقال خاصف النعل و كان علي بن أبي طالب علیه السّلام يصلح نعل رسول الله صلّی الله علیه و آله إذا تخرقت و يغسل ثوبه إذا اتسخ فقلت ما أرى إلا عليا فقال هو ذاك أتذكرين هذا يا عائشة قالت: نعم.
قالت: و يوم جمعنا رسول الله صلّی الله علیه و آله في بيت ميمونة فقال: يا نسائي اتقين الله و لا يسفر بكن أحد أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم. ما أقبلني لوعظك و أسمعني لقولك فإن أخرج ففي غير حرج و إن أقعد ففي غير بأس و خرجت فخرج رسولها.
فنادى في الناس من أراد أن يخرج فليخرج فإن أم المؤمنين غير خارجة فدخل عليها عبد الله بن الزبير فنفث في أذنها وقلبها في الذروة فخرج رسولها فنادى من أراد أن يسير فليسر فإن أم المؤمنين خارجة فلما كان من ندمها أنشأت أم سلمة تقول:
لو أن معتصما من زلة أحد *** كانت لعائشة العتبي على الناس
كم سنة لرسول الله تاركة *** و تلوآي من القرآن مدراس
قد ينزع الله من ناس عقولهم *** حتى يكون الذي يقضي على الناس
فيرحم الله أم المؤمنين لقد *** كانت تبدل إيحاشا بإيناس
32- قال الرضى و من كلام له علیه السّلام لما أشير عليه بألا يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال.
و الله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم حتى يصل إليها طالبها و يختلها راصدها و لكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه و بالسامع المطيع
ص: 101
العاصي المريب أبدا حتى يأتي علي يومي فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه صلّی الله علیه و آله حتى يوم الناس هذا.
33- عنه قال علیه السّلام : يزعم أنه قد بايع بيده و لم يبايع بقلبه فقد أقر بالبيعة و ادعى الوليجة فليأت عليها بأمر يعرف و إلا فليدخل فيها خرج منه.
34- عنه قال علیه السّلام : و قد أرعدوا و أبرقوا و مع هذين الأمرين الفشل و لسنا نرعد حتى نوقع و لا نسيل حتى نمطر.
35- عنه قال علیه السّلام: ألا و إن الشيطان قد جمع حزبه و استجلب خیله و رجله و إن معي لبصيرتي ما لبست على نفسي و لا لبس علي و ايم الله لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه ولا يعودون إليه.
36- عنه قال علیه السّلام: لابنه محمد ابن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل:
تزول الجبال و لا تزل عض على ناجذك أعر الله جمجمتك تد في الأرض قدمك ارم ببصرك أقصى القوم و غض بصرك واعلم أن النصر من عند الله سبحانه.
37- عنه قال علیه السّلام: لما أظفره الله بأصحاب الجمل و قد قال له بعض أصحابه وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك فقال له علیه السّلام أهوى أخيك معنا فقال نعم قال فقد شهدنا و لقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال و أرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان.
38- عنه قال علیه السّلام: في ذم أهل البصرة : كنتم جند المرأة و أتباع البهيمة رغا فأجبتم و عقر فهربتم أخلاقكم دقاق و عهدكم شقاق و دينكم نفاق و ماؤكم زعاق و المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه و الشاخص عنكم
ص: 102
متدارك برحمة من ربه كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها و من تحتها و غرق من في ضمنها.
39- عنه قال: في رواية و ايم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة.
40 - عنه قال في رواية كجؤجؤ طير في لجة بحر.
41 - عنه قال: في رواية أخرى بلادكم أنتن بلاد الله تربة أقربها من الماء و أبعدها من السماء و بها تسعة أعشار الشر المحتبس فيها بذنبه و الخارج بعفو الله كأني أنظر إلى قريتكم هذه قد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر.
42 - عنه قال علیه السّلام: أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء خفت عقولكم و سفهت حلومكم فأنتم غرض لنابل و أكلة لأكل و فريسة لصائل.
43 - عنه قال علیه السّلام: لابن عباس لما ارسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل.
لا تلقين طلحة فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه يركب الصعب و يقول هو الذلول و لكن الق الزبير فإنه ألين عريكة فقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق، فما عدا مما بدا.
قال السيد الشريف: اقول: و هو علیه السّلام أول من سمعت منه هذه الكلمة أعني فما عدا مما بدا.
44 - عنه قال علیه السّلام : المروان بن الحكم بالبصرة قالوا: أخذ مروان بن لا الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع الحسن و الحسين علیهماالسّلام إلى أمير المؤمنين علیه السّلام فكلماه فيه فخلى سبيله فقالا له يبايعك يا أمير المؤمنين
ص: 103
قال علیه السّلام :
أو لم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية لو بايعني با يعني بكفه لغدر بسبته أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه و هو أبو الأكبش الأربعة و ستلقی الأمة منه و من ولده يوما أحمر.
45- عنه قال علیه السّلام: بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء.
معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوظ نواقص العقول فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة و الصيام في أيام حيضهن و أما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد و أما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر.
46 - عنه قال علیه السّلام : والله ما أنكروا علي منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا و إنهم ليطلبون حقا هم ترکوه و دما هم سفكوه فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم نصيبهم منه و إن كانوا ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم و إن أول عدلهم للحكم على أنفسهم إن معي لبصيرتي.
ما لبست و لا لبس على و إنها للفئة الباغية فيها الحمأ و الحمة و الشبهة المغدفة و إن الأمر لواضح و قد زاح الباطل عن نصابه و انقطع لسانه عن شغبه وايم الله لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه بري و لا يعبون بعده في حسي.
47- عنه قال علیه السّلام: فأقبلتم إلى إقبال العوذ المطافيل على أولادها تقولون البيعة البيعة قبضت يدي فبسطتموها و نازعتكم يدي فجاذبتموها. اللهم إنهما قطعاني و ظلماني و نكتا بيعتي و ألبا الناس علي فاحلل ما عقدا و
ص: 104
لا تحكم لهما ما أبرما وأرهما المساءة فيها أملا و عملا، و لقد استثبتهما قبل القتال و استأنيت بهما أمام الوقاع فغمطا النعمة و ردا العافية.
48 - عنه قال علیه السّلام : في ذكر أهل البصرة.
كل واحد منهما يرجو الأمر له و يعطفه عليه دون صاحبه لا يمتان إلى الله بحبل و لا يمدان إليه بسبب كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه و عما قليل يكشف قناعه به و الله لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعن هذا نفس هذا و ليأتين هذا على هذا قد قامت الفئة الباغية فأين المحتسبون فقد سنت لهم السنن وقدم لهم الخبر و لكل ضلة علة و لكل ناكث شبهة و الله لا أكون كمستمع اللدم يسمع الناعي و يحضر الباكي ثم لا يعتبر.
49 - عنه قال علیه السّلام : عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة.
إن الله بعث رسولا هاديا بكتاب ناطق و أمر قائم لا يهلك عنه إلا هالك و إن المبتدعات المشبهات من المهلكات إلا ما حفظ الله منها و إن في سلطان الله عصمة لأمركم فأعطوه طاعتكم غير ملومة و لا مستكره بها و الله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الأمر إلى غيركم.
إن هؤلاء قد تمالأوا على سخطة إمارتي و سأصبر ما لم أخف على جماعتكم فإنهم إن تمموا على فيالة هذا الرأي انقطع نظام المسلمين و إنما طلبوا هذه الدنيا حسدا لمن أفاءها الله عليه فأرادوا رد الأمور على أدبارها و لكم علينا العمل بكتاب الله تعالى و سيرة رسول الله صلّی الله علیه و آله و القيام بحقه و النعش لسنته.
50- عنه قال كلم به علیه السّلام بعض العرب و قد أرسله قوم من أهل البصرة لما قرب علیه السّلام منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل
ص: 105
لتزول الشبهة من نفوسهم فبين له علیه السّلام من أمره معهم ما علم به أنه على الحق ثم قال له بايع، فقال: إني رسول قوم و لا أحدث حدثا حتى أرجع إليهم فقال علیه السّلام:
أرأيت لو أن الذين وراءك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث فرجعت إليهم و أخبرتهم عن الكلإ و الماء فخالفوا إلى المعاطش و المجادب ما كنت صانعا؟ قال كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلأ و الماء. فقال علیه السّلام : فامدد إذا يدك فقال الرجل: فوالله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجة علي فبايعته علیه السّلام (و الرجل يعرف بكليب الجرمي).
51 - عنه قال علیه السّلام : و قد قال قائل: إنك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص، فقلت: بل أنتم والله لأحرص و أبعد و أنا أخص و أقرب و إنما طلبت حقا لي و أنتم تحولون بيني و بينه و تضربون وجهي دونه فلما قرعته بالحجة في الملا الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به.
اللهم إني أستعينك على قريش و من أعانهم فإنهم قطعوا رحمي و صغروا عظيم منزلتي و أجمعوا على منازعتي أمرا هو لي؛ ثم قالوا ألا إن في الحق أن تأخذه و في الحق أن تتركه.
52- عنه قال : فخرجوا يجرون حرمة رسول الله صلّی الله علیه و آله كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة فحبسا نساءهما في بيوتهما و أبرزا حبيس رسول الله صلّی الله علیه و آله لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا و قد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عاملي بها و خزان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها؛
فقتلوا طائفة صبرا و طائفة غدرا فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جره الحل لي قتل ذلك الجيش كله إذ
ص: 106
حضروه فلم ينكروا و لم يدفعوا عنه بلسان و لا بيد دع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا بها عليهم.
53- عنه قال علیه السّلام في طلحة:
قد كنت و ما أهدد بالحرب و لا أرهب بالضرب و أنا على ما قد وعدني ربي من النصر و الله ما استعجل متجردا للطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لأنه مظنته و لم يكن في القوم أحرص عليه منه فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلتبس الأمر ويقع الشك و و الله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث؛
لئن كان ابن عفان ظالما كما كان يزعم لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه و أن ينابذ ناصريه. و لئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه و المعذرين فيه و لئن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله و يركد جانبا ويدع الناس معه فما فعل واح--دة م--ن الثلاث وجاء بأمر لم يعرف بابه و لم تسلم معاذيره.
54 - عنه قال: كلّم علیه السّلام طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة و قد عتبا عليه من ترك مشورتهما، و الاستعانة في الأمور بهما؛
لقد نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا، ألا تخبراني أي شيء كان لكما فيه حق دفعتكما عنه؟ أم أي قسم استأثرت عليكما به أم أي حق رفعه إلي أحد من المسلمين ضعفت عنه ؟ أم جهلته أم أخطأت بابه؟
و الله ما كانت لي في الخلافة رغبة و لا في الولاية إربة و لكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها، فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله و ما وضع لنا و أمرنا بالحكم به فاتبعته و ما استن النبي صلّی الله علیه و آله فاقتديته.
فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما و لا رأي غيركما و لا وقع حكم جهلته
ص: 107
فأستشيركما و إخواني من المسلمين و لو كان ذلك لم أرغب عنكما و لا عن غيركما. و أما ما ذكر تما من أمر الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي و لا وليته هوى مني.
بل وجدت أنا و أنتما ما جاء به رسول الله صلّی الله علیه و آله قد فرغ منه فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قسمه و أمضى فيه حكمه فليس لكما و الله عندي ولا لغيركما في هذا عتبي. أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق و ألهمنا و إياكم الصبر.
ثم قال علیه السّلام: رحم الله امرأ رأى حقا فأعان عليه أو رأى جورا فرده و كان عونا بالحق على صاحبه.
55- عنه قال علیه السّلام: في ذكر السائرين إلى البصرة الحربه علیه السّلام :
فقدموا على عمالي و خزان بيت المسلمين الذي في يدي و على أهل مصر كلهم في طاعتي و على بيعتي فشتتوا كلمتهم و أفسدوا علي جماعتهم و وثبوا على شيعتي ، فقتلوا طائفة منهم غدرا و طائفة منهم عضوا على أسيافهم فضار بوا بها حتى لقوا الله صادقين.
56 - عنه قال علیه السّلام : لما مر بطلحة و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و هما قتيلان يوم الجمل:
لقد أصبح أبو محمد بهذا المكان غريبا أما والله لقد كنت أكره أن تكون قريش قتلى تحت بطون الكواكب، أدركت وتري من بني عبد مناف و أفلتتني أعيان بني جمع لقد أتلعوا أعناقهم إلى أمر لم يكونوا أهله فوقصوا دونه.
57 - عنه قال: كتب علیه السّلام إلى طلحة والزبير مع عمران بن الحصين الخزاعي ذكره أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات في مناقب أمير
ص: 108
المؤمنين علیه السّلام .
1
أما بعد فقد علمتها و إن كتمتها أني لم أرد الناس حتى أرادوني و لم أبايعهم حتى بايعوني و إنكما ممن أرادني وبايعني و إن العامة لم تبايعني السلطان غالب و لا لعرض حاضر فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا و توبا إلى الله من قريب و إن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتها لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية و لعمري ما كنتما بأحق المهاجرين بالتقية و الكتمان و إن دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به.
و قد زعمتما أني قتلت عثمان فبيني و بينكما من تخلف عني وعنكما من أهل المدينة ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يتجمع العار و النار و السلام.
58 - عنه قال كتب علیه السّلام: إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة:
أما بعد فإني خرجت من حيى هذا إما ظالما و إما مظلوما و إما باغيا و إما مبغيا عليه و إني أذكر الله من بلغه كتابي هذا لما نفر إلي فإن كنت محسنا أعانني و إن كنت مسيئا استعتبني.
59 - عنه كتب علیه السّلام : إلى أبي موسى الأشعري و هو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل.
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد؛ فقد بلغني عنك قول هو لك وعليك فإذا قدم رسولي عليك فارفع ذيلك و اشدد
ص: 109
مئزرك و اخرج من جحرك و اندب من معك فإن حققت فانفذ و إن تفشلت فابعد و ايم الله لتؤتين من حيث أنت و لا تترك حتى يخلط زبدك بخاثرك و ذائبك بجامدك و حتى تعجل عن قعدتك و تحذر من أمامك كحذرك من خلفك و ما هي بالهوينى التي ترجو و لكنها الداهية الكبرى يركب جملها و يذلل صعبها و يسهل جبلها.
فاعقل عقلك و املك أمرك وخذ نصيبك و حظك فإن كرهت فتنح إلى غير رحب و لا في نجاة فبالحري لتكفين و أنت نائم حتى لا يقال أين فلان و الله إنه لحق مع محق و ما أبالي ما صنع الملحدون و السلام.
60 - أبو جعفر الطوسي: أخبرنا محمد بن محمد، قال أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب قال أخبرني الحسن بن علي بن عبد الكريم، قال حدثنا أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد الثقفي، قال أخبرني أبو نعيم الفضل ابن دكين، قال حدثنا أبو عاصم، عن قيس بن مسلم، قال سمعت طارق بن شهاب يقول:
لما نزل علي علیه السّلام بالربذة سألت عن قدومه إليها، فقيل خالف عليه طلحة والزبير وعائشة، وصاروا إلى البصرة، فخرج يريدهم، فصرت إليه، فجلست حتى صلى الظهر والعصر، فلما فرغ من صلاته قام إليه ابنه الحسن بن علي علیهماالسّلام فجلس بين يديه، ثم بكى، و قال:
يا أمير المؤمنين، إني لا أستطيع أن أكلمك، وبكى. فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام لا تبك يا بني، وتكلم، ولا تحن حنين الجارية. فقال يا أمير المؤمنين، إن القوم حصروا عثمان يطلبونه، بما يطلبونه، إما ظالمون أو مظلمون ، فسألتك أن تعتزل الناس و تلحق بمكة حتى تئوب العرب وتعود إليها أحلامها، وتأتيك وفودها،
ص: 110
فو الله لو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى تستخرجك منه، ثم خالفك طلحة و الزبير فسألتك أن لا تتبعهما و تدعهما، فإن اجتمعت الأمة فذاك، و إن اختلفت رضيت بما قضى الله ، و أنا اليوم أسألك ألا تقدم العراق و أذكرك بالله أن لا تقتل بمضيعة.
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام أما قولك إن عثمان حصر، فما ذاك و ما علي منه و قد كنت بمعزل عن حصره و أما قولك انت مكة، فو الله ما كنت لأكون الرجل الذي تستحل به مكة، و أما قولك اعتزل العراق ودع طلحة و الزبير،
فو الله ما كنت لأكون كالضبع تنتظر حتى يدخل عليها طالبها، فيضع الحبل في رجلها حتى يقطع عرقوبها ، ثم يخرجها فيمزقها إربا إربا، و لكن أباك يا بني يضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه، و بالسامع المطيع العاصي المخالف أبدا حتى يأتي علي يومي،
فو الله ما زال أبوك مدفوعا عن حقه مستأثرا عليه منذ قبض الله نبيه صلّی الله علیه و آله حتى يوم الناس هذا. فكان طارق بن شهاب أي وقت حدث بهذا الحديث بكي.
61 - الشيخ المفيد أبو على الحسن بن محمد الطوسي رحمه الله قال: حدثنا الشيخ السعيد الوالد رحمه الله قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن محمد، قال أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال حدثنا الحسن بن علي الزعفراني، قال حدثنا أبو إسحاق الثقفي، قال حدثنا العباس بن بكار الضبي، قال حدثنا أبو بكر الهذلي، قال:
حدثنا محمد بن سيرين، قال سمعت غير واحد من مشيخة أهل البصرة يقول: لما فرغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام من حرب
ص: 111
أصحاب الجمل لحقه مرض و حضرت الجمعة، فقال لابنه الحسن علیه السّلام انطلق يا بني فجمع بالناس.
فأقبل الحسن علیه السّلام إلى المسجد، فلما استقل على المنبر حمد الله و أثنى عليه و تشهد و صلى على رسول الله صلّی الله علیه و آله، ثم قال أيها الناس، إن الله اختارنا لنبوته، و اصطفانا على خلقه و بريته، و أنزل علينا كتابه و وحيه، و ايم الله لا ينتقصنا أحد من حقنا شيئا إلا انتقصه الله في عاجل دنياه و آجل آخرته، و لا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة «وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ».
ثم جمع بالناس، و بلغ أباه كلامه، فلما انصرف إلى أبيه علیه السّلام نظر إليه فما ملك عبرته أن سالت على خديه، ثم استدناه فقبل بين عينيه، و قال بأبي أنت وأمى «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».
62 - عنه أخبرنا محمد بن محمد، قال أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال أخبرني الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني، قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي، قال حدثنا محمد بن عثمان، عن أبي عبد الله الأسلمي، عن موسى بن عبد الله الأسدي، قال لما انهزم أهل البصرة أمر علي بن أبي طالب علیه السّلام أن تنزل عائشة قصر أبي خلف
فلما نزلت جاءها عمار بن ياسر (رضي الله عنه) فقال لها يا أمة كيف رأيت ضرب بنيك دون دينهم بالسيف فقالت استبصرت يا عمار من أجل أنك غلبت قال أنا أشد استبصارا من ذلك، أما والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنكم على الباطل.
فقالت له عائشة هكذا يخيل إليك، اتق الله يا عمار، فإن سنك قد كبرت، و دق عظمك، و و فني أجلك، و أذهبت دينك لابن أبي طالب. فقال
ص: 112
عمار (رحمه الله إني والله اخترت لنفسي في أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله،
فرأيت عليا أقرأهم لكتاب الله (عز وجل)، و أعلمهم بتأويله، و أشدهم تعظيما لحرمته ، و أعرفهم بالسنة، مع قرابته من رسول الله صلّى الله عليه و آۀه و عظم عنائه و بلائه في الإسلام، فسكتت.
63 - أبو على الحسن بن محمد بن الحسن بن علي الطوسي رضى الله عنه، قال: أخبرنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب، قال حدثنا الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني،
قال حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، قال حدثنا عبيد الله بن إسحاق الضبي، عن حمزة بن نصر، عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي، قال لما رجعت رسل أمير المؤمنين علیه السّلام من عند طلحة والزبير و عائشة، يؤذنونه بالحرب، قام فحمد الله و أثنى عليه، وصلى على محمد و آله ثم قال:
يا أيها الناس، إني قد راقبت هؤلاء القوم كيما يرعووا أو يرجعوا، و قد وبختهم بنكثهم و عرفتهم بغيهم، فليسوا يستجيبون، ألا و قد بعثوا إلي أن ابرز للطعان، و اصبر للجلاد، فإنما منتك نفسك من أبنائنا الأباطيل، هبلتهم الهبول، قد كنت و ما أهدد بالحرب و لا أرهب بالضرب، و أنا على ما وعدني ربي من النصر و التأييد و الظفر، و إني لعلى يقين من ربي، و في غير شبهة من أمري.
أيها الناس، إن الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيص، من لم يمت يقتل، إن أفضل الموت القتل، و الذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من موت على فراش.
يا عجبا لطلحة، ألب على ابن عفان حتى إذا قتل أعطاني صفقة يمينه
ص: 113
طائعا، ثم نكث بيعتي وطفق ينعى ابن عفان ظالما، و جاء يطلبني يزعم بدمه، و الله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث لئن كان ابن عفان ظالما، كما كان يزعم حين حصره و ألب عليه، إنه لينبغي أن يؤازر قاتليه و أن ينابذ ناصريه،
و إن كان في تلك الحال مظلوما، إنه لينبغي أن يكون معه، و إن كان في شك من الخصلتين، لقد كان ينبغي أن يعتزله و يلزم بيته و يدع الناس جانبا، فما فعل من هذه الخصال واحدة، وها هو ذا قد أعطاني صفقة يمينه غير مرة ثم نكث بيعته، اللهم فخذه و لا تمهله.
ألا و إن الزبير قطع رحمي و قرابتي، و نكث بيعتي، و نصب لي الحرب، و هو يعلم أنه ظالم لي اللهم فاكفنيه بما شئت.
64 - عنه قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد الصيرفي، قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن القاسم بن محمد بن عبيد الله، قال حدثنا جعفر بن عبيد بن جعفر المحمدي، قال حدثنا يحيى بن الحسن بن فرات التميمي، قال حدثنا المسعودي، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي محمد العنزي، قال حدثني ابن عمي أبو عبد الله العنزي،
قال: إنا الجلوس مع علي بن أبي طالب علیه السّلام يوم الجمل إذ جاءه الناس يهتفون به يا أمير المؤمنين، لقد نالنا النبل و النشاب، فسكت ثم جاء آخرون فذكروا مثل ذلك فقالوا قد جرحنا، فقال علي علیه السّلام يا قوم، من يعذرني من قوم يأمروني بالقتال ولم تنزل بعد الملائكة.
فقال: إنا لجلوس ما نرى ريحا و لا نحسها إذ هبت ريح طيبة من خلفنا، و الله لوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع و الثياب، قال فلما هبت صب أمير المؤمنين علیه السّلام درعه، ثم قام إلى القوم، فما رأيت فتحا كان
ص: 114
أسرع منه.
65- عنه أخبرنا ،جماعة، عن أبي المفضل، قال حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي الأشنان،ي قال حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال أخبرنا علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه، عن عبد الله بن مخارق، عن هاشم بن مساحق، عن أبيه أنه شهد يوم الجمل، و أن الناس لما انهزموا اجتمع هو و نفر من قريش فيهم مروان، فقال بعضهم لبعض؛
و الله لقد ظلمنا هذا الرجل و نكتنا بيعته على غير حدث كان منه، ثم لقد ظهر علينا فما رأينا رجلا كان أكرم سيرة و لا أحسن عفوا بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله منه، فتعالوا فندخل عليه و لنعتذرن مما صنعنا. قال فدخلنا عليه، فلما ذهب متكلمنا يتكلم قال أنصتوا أكفكم، إنما أنا رجل منكم،
فإن قلت حقا فصدقوني، و إن قلت غير ذلك فردوه ،علي، أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلّی الله علیه و آله قبض و أنا أولى الناس به و بالناس قالوا اللهم نعم. قال فبايعتم أبا بكر و عدلتم عني، فبايعت أبا بكر كما بايعتموه، و كرهت أن أشق عصا المسلمين، و أن أفرق بين جماعتهم،
ثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعده، و أنتم تعلمون أني أولى الناس برسول الله صلّی الله علیه و آله و بالناس من بعده، فبايعت عمر كما بايعتموه، فوفيت له ببيعته حتى لما قتل جعلني سادس ستة، فدخلت حيث أدخلني و كرهت أن أفرق جماعة المسلمين و أشق عصاهم، فبايعتم عثمان فبايعته، ثم طعنتم على عثمان فقتلتموه، و أنا جالس في بيتي،
ثم أتيتموني غير داع لكم و لا مستكره لأحد منكم، فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر و عمر و عثمان، فما جعلكم أحق أن تفوا لأبي بكر و عمر و عثمان ببيعتهم منكم ببيعتي قالوا يا أمير المؤمنين، كن كما قال العبد الصالح
ص: 115
«لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».
فقال: كذلك أقول يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين مع أن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته، يعني مروان.
66 - عنه بإسناده عن عبد الله بن أبي بكر، قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي عليهماالسّلام، قال حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال سماني رسول الله صلّی الله علیه و آله عبد الرحمن .قال لما بلغ عليها علیه السّلام مسير طلحة و الزبير خطب الناس، فحمد الله و أثنى عليه، وصلى على النبي صلّی الله علیه و آله ثم قال:
أما بعد، فقد بلغني مسير هذين الرجلين، و استخفافهما حبيس رسول الله صلّی الله علیه و آله، و استفزازهما أبناء الطلقاء، وتلبيسهما على الناس بدم عثمان، و هما ألبا عليه، و فعلا به الأفاعيل، و خرجا ليضربا الناس بعضهم ببعض، اللهم فاكف المسلمين مئونتهما، و اجزهما الجوازي، و حض الناس على الخروج في طلبهما، فقام إليه أبو مسعود عقبة بن عمرو، و قال:
يا أمير المؤمنين، إن الذي يفوتك من الصلاة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و مجلسك فيما بين قبره و منبره، أعظم مما ترجو من الشام والعراق، فإن كنت إنما تسير لحرب فقد أقام عمر و كفاه سعد زحف القادسية، و كفاه حذيفة بن اليمان زحف نهاوند و كفاه أبو موسى زحف تستر، و كفاه خالد بن الوليد زحف الشام، فإن كنت سائرا فخلف عندنا شقة منك نرعاه فيك و نذكرك به. ثم قال أبو مسعود:
بكت الأرض و السماء على الشا *** خص منا يريد أهل العراق
يا وزير النبي قد عظم الخطب *** و طعم الفراق مر المذاق
و إذا القوم خاصموك فقوم *** ناكسو الطرف خاضعو الأعناق
لا يقولون إذ تقول و إن *** قلت فقول المبرز السباق
ص: 116
فعيون الحجاز تذرف بالدمع *** و تلك القلوب عند التراقي
فعليك السلام ما ذرت الشمس *** و لاح السراب بالرقراق
و قال قيس بن سعد: يا أمير المؤمنين، ما على الأرض أحد أحب إلينا أن يقيم فينا منك، لأنك نجمنا الذي نهتدي به، و مفزعنا الذي نصير إليه، و إن فقدناك لتظلمن أرضنا و سماؤنا، و لكن و الله لو خليت معاوية للمكر، ليرومن مصر ، و ليفسدن اليمن، و ليطمعن في العراق، و معه قوم يمانيون قد أشربوا قتل عثمان، و قد اكتفوا بالظن عن العلم، و بالشك عن اليقين، و بالهوى عن الخير فسر بأهل الحجاز و أهل العراق، ثم ارمه بأمر يضيق فيه خناقه، و يقصر له من نفسه. فقال أحسنت و الله يا قيس، و أجملت.
67 - عنه قال: كتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي علیه السّلام تخبره بمسير عائشة و طلحة والزبير، فازمع المسير، فبلغه تثاقل سعد و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة، فقال سعد لا أشهر سيفا حتى يعرف المؤمن من الكافر، و قال أسامة لا أقاتل رجلا يقول:
لا إله إلا الله، و لو كنت في فم الأسد لدخلت فيه معك، و قال محمد بن مسلمة أعطاني رسول الله صلّی الله علیه و آله سيفا، و قال إذا اختلف المسلمون فاضرب به عرض أحد، و الزم بيتك، و تخلف عنه عبد الله بن عمر.
فقال عمار بن ياسر: دع القوم، أما عبد الله فضعيف، و أما سعد فحسود، و أما محمد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت قاتل أخيه مرحبا. ثم قال عمار لمحمد بن مسلمة أما تقاتل المحاربين فو الله لو مال علي جانبا لملت مع علي.
و قال كعب بن مالك يا أمير المؤمنين، إنه بلغك عنا معشر الأنصار، ما لو كان فقال قيس بن سعد يا أمير المؤمنين، ما على الأرض أحد أحب
ص: 117
إلينا أن يقيم فينا منك، لأنك نجمنا الذي نهتدي به، و مفزعنا الذي نصير إليه، و إن فقدناك لتظلمن أرضنا و سماؤنا، و لكن و الله لو خليت معاوية للمكر،
ليرومن مصر، و ليفسدن اليمن، و ليطمعن في العراق، ومعه قوم يمانيون قد أشربوا قتل عثمان، وقد اكتفوا بالظن عن العلم، و بالشك عن اليقين، و بالهوى عن الخير، فسر بأهل الحجاز و أهل العراق، ثم ارمه بأمر يضيق فيه خناقه، و يقصر له من نفسه. فقال أحسنت و الله يا قيس، و أجملت.
68- عنه قال : كتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي علیه السّلام تخبره بمسير عائشة و طلحة والزبير، فازمع المسير، فبلغه تناقل سعد و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة، فقال سعد لا أشهر سيفا حتى يعرف المؤمن من الكافر، و قال أسامة لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلا الله و لو كنت في فم الأسد لدخلت فيه معك، و قال محمد بن مسلمة أعطاني رسول الله صلّی الله علیه و آله سيفا، و قال إذا اختلف المسلمون فاضرب به عرض أحد، والزم بيتك، و تخلف عنه عبد الله بن عمر.
فقال عمار بن ياسر دع القوم، أما عبد الله فضعيف، و أما سعد فحسود، و أما محمد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت قاتل أخيه مرحبا. ثم قال عمار لمحمد بن مسلمة أما تقاتل المحاربين فو الله لو مال على جانبا لملت مع علي.
و قال كعب بن مالك يا أمير المؤمنين، إنه بلغك عنا معشر الأنصار، ما لو كان غيرنا لم يقم معك، و الله ما كل ما رأينا حلالا حلال، و لا كل ما رأينا حراما حرام، و في الناس من هو أعلم بعذر عثمان من قتله، و أنت
ص: 118
أعلم بحالنا منا، فإن كان قتل ظالما قبلنا، وإن كان قتل مظلوما فاقبل قولنا،
فإن وكلتنا فيه إلى شبهة فعجب ليقيننا و شكك، و قد قلت لنا عندي نقض ما اجتمعوا عليه و فصل ما اختلفوا فيه. وقال:
كان أولى أهل المدينة *** بالنصر عليا و آل عبد مناف
للذي في يديه من حرم الله *** و قرب الولاء بعد التصافي
و كان كعب بن مالك شيعة لعثمان.
و قام الأشتر إلى على علیه السّلام ، فكلمه بكلام يحضه على أهل الوقوف، فكره ذلك على علیه السّلام حتى شكاه، و كان من رأي على علیه السّلام ألا يذكرهم بشيء. فقال الأشتر يا أمير المؤمنين، إنا و إن لم نكن من المهاجرين و الأنصار، فإنا فيهم، و هذه بيعة عامة، و الخارج منها عاص، و المبطى عنها مقصر، فإن أدبهم اليوم باللسان و غدا بالسيف، و ما من ثقل عنك كمن خف معك، وإنما أرادك القوم لأنفسهم فأردهم لنفسك.
فقال علي علیه السّلام يا مالك دعني. و أقبل على علیه السّلام عليهم ، فقال أرأيتم لو أن من بايع أبا بكر أو عمر أو عثمان ثم نكث بيعته، أكنتم تستحلون قتالهم قالوا نعم. قال فكيف تحرجون م من القتال و قد بايعتموني؟ قالوا:
معي إنا لا نزعم أنك مخطى، و أنه لا يحل لك قتال من بايعك ثم نكث بيعتك، و لكن نشك في قتال أهل الصلاة. فقال الأشتر دعني يا أمير المؤمنين، أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك. فقال له علي علیه السّلام كف عني، فانصرف الأشتر و هو مغضب.
ثم إن قيس بن سعد لقي مالكا الأشتر في نفر من المهاجرين و الأنصار، فقال قيس للأشتر يا مالك، كلما ضاق صدرك بشيء أخرجته، و كلما استبطأت أمرا استعجلته، إن أدب الصبر التسليم، و أدب العجلة الأناة،
ص: 119
و إن شر القول ما ضاهى العيب، و شر الرأي ما ضاهى التهمة،
و إذا ابتليت فاسأل، و إذا أمرت فأطع، و لا تسأل قبل البلاء، ولا تكلف قبل أن ينزل الأمر، فإن في أنفسنا ما في نفسك، فلا تشق على صاحبك، فغضب الأشتر، ثم إن الأنصار مشوا إلى الأشتر في ذلك فرضوه عن غضبه فرضي.
فلما هم علي علیه السّلام بالنهوض، قام إليه أبو أيوب خالد بن زيد صاحب منزل رسول الله صلّی الله علیه و آله، فقال يا أمير المؤمنين، لو أقمت بهذه البلدة، فإنها مهاجر رسول الله صلّی الله علیه و آله، و بها قبره و منبره، فإن استقامت لك العرب كنت كمن كان قبلك، و إن وكلت إلى المسير فقد أعذرت.
فأجابه على علیه السّلام بعذره في المسير . ثم خرج لما سمع توجه طلحة و الزبير إلى البصرة و تمكث حتى عظم جيشه، و أغذ السير في طلبهم، فجعلوا لا يرتحلون من منزل إلا نزله حتى نزل بذي قار، فقال و الله إنه ليحزنني أن أدخل على هؤلاء في قلة من معي فأرسل إلى الكوفة الحسن بن علي علیه السّلام و عمار بن ياسر و قیس بن سعد، وكتب إليهم كتابا،
فقدموا الكوفة، فخطب الناس الحسن بن على علیهماالسّلام ، فحمد الله و أثنى عليه، و ذكر عليا علیه السّلام و سابقته في الإسلام، و بيعة الناس له، و خلاف من خالفه، ثم أمر بكتاب علي علیه السّلام فقرئ عليهم.
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه عيانه، إن الناس طعنوا عليه، و كنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه، و أقل عيبه، و كان هذان الرجلان أهون سيرهما فيه الوجيف، و قد كان من أمر عائشة فلتة على غضب، فأتيح له قوم فقتلوه،
ثم إن الناس بايعوني غير مستكرهين و كان هذان الرجلان أول من
ص: 120
فعل على ما بويع عليه من كان قبلي، ثم إنهما استأذناني في العمرة، و ليسا يريدانها، فنقضا العهد، و آذنا بحرب، و أخرجا عائشة من بيتها، ليتخذانها فئة، و قد سارا إلى البصرة اختيارا لها،
و قد سرت إليكم اختيارا لكم، و لعمري ما إياي تجيبون، ما تجيبون إلا الله و رسوله، و لن أقاتلهم و في نفسي منهم حاجة، و قد بعثت إليكم بالحسن بن علي و عمار بن ياسر و قيس بن سعد مستنفرين فكونوا عند ظني بكم، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
فلما قرئ الكتاب على الناس قام خطباء الكوفة، شريح بن هاني و غيره، فقالوا و الله لقد أردنا أن نركب إلى المدينة حتى نعلم علم عثمان، فقد أنبأنا الله به في بيوتنا، ثم بذلوا السمع والطاعة، و قالوا رضينا بأمير المؤمنين، ونطيع أمره، و لا نتخلف عن دعوته، و الله لو لم يستنصرنا لنصرناه سمعا وطاعة.
فلما سمع الحسن بن علي علیهماالسّلام ذلك قام خطيبا فقال أيها الناس، إنه قد كان من أمير المؤمنين علي ما تكفيكم جملته، و قد أتيناكم مستنفرين لكم، لأنكم جبهة الأمصار، و رؤساء العرب، وقد كان من نقض طلحة والزبير بيعتهما و خروجهما بعائشة ما قد بلغكم، و هو ضعف النساء، وضعف رأيهن، وقد قال الله (تعالى).
«الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» وايم الله لو لم ينصره أحد لرجوت أن يكون له فيمن أقبل معه من المهاجرين والأنصار، و من يبعث الله له من نجباء الناس كفاية، فانصروا الله ينصركم.
ثم جلس. و قام عمار بن ياسر، فقال يا أهل الكوفة، إن كانت غابت عنكم أبداننا فقد انتهت إليكم أمورنا، إن قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى الناس،
ص: 121
و قد جعلوا كتاب الله بينهم و بين محاجيهم، أحيى الله من أحيى، و قتل من قتل، و إن طلحة والزبير أول من طعن، و آخر من أمر، ثم بايعا أول من بايع، فلما أخطأهما ما أملا نكثا بيعتهما على غير حدث كان، و هذا ابن رسول الله صلّی الله علیه و آله يستنفركم ، وقد أظلكم في المهاجرين والأنصار، فانصروه ينصركم الله.
و قام قيس بن سعد، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال أيها الناس، إن هذا الأمر لو استقبلنا به الشورى لكان علي أحق الناس به في سابقته و هجرته و علمه، و كان قتال من أبى ذلك حلالا، فكيف و الحجة قامت على طلحة و الزبير، و قد بايعاه و خلعاه حسدا فقام خطباؤهم فأسرع الرد بالإجابة، فقال النجاشي في ذلك:
رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا *** علي و أبناء النبي محمد
و قلنا له أهلا و سهلا و مرحبا *** نقبل يدينا من هوی و تودد
فمرنا بما ترضى نجبك إلى الرضا *** بصم العوالي و الصفيح المهند
و تسويد من سودت غير مدافع *** و إن كان من سودت غير مسود
فإن نلت ما تهوى فذاك نريده *** و إن تخط ما تهوى فغير تعمد
و قال قيس بن سعد حين أجاب أهل الكوفة:
جزى الله أهل الكوفة اليوم نصرة *** أجابوا و لم يأتوا بخذلان من خذل
و قالوا على خير حاف و ناعل *** رضينا به من ناقض العهد من بدل
هما أبرزا زوج النبي تعمدا *** يسوق بها الحادي المنيخ على جمل
فما هكذا كانت وصاة نبيكم *** وما هكذا الإنصاف أعظم بذا المثل
فهل بعد هذا من مقال لقائل *** ألا قبح الله الأماني و العلل
قال فلما فرغ الخطباء و أجاب الناس، قام أبو موسى فخطب الناس،
ص: 122
و أمرهم بوضع السلاح والكف عن القتال، ثم قال أما بعد فإن الله حرم علينا دماءنا و أموالنا فقال «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ... وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِياً» و قال «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فيها» يا أهل الكوفة...
69 - روى الكشي عن جعفر بن معروف، قال حدثني الحسن بن علي ابن نعمان، عن أبيه، عن معاذ بن مطر، قال سمعت إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال حدثني بعض أشياخي، قال لما هزم علي بن أبي طالب علیه السّلام أصحاب الجمل، بعث أمير المؤمنين علیه السّلام عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة.
قال ابن عباس فأتيتها و هي في قصر بني خلف في جانب البصرة قال فطلبت الإذن عليها فلم تأذن فدخلت عليها من غير إذنها، فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس فإذا هي من وراء سترين، قال فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رحل عليه طنفسة، قال فمددت الطنفسة فجلست عليها، فقالت من وراء الستر يا ابن عباس أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على متاعنا بغير إذننا،
فقال لها ابن عباس: نحن أولى بالسنة منك و نحن علمنا السنة، و إنما بيتك الذي خلفك فيه رسول الله صلّی الله علیه و آله فخرجت منه ظالمة لنفسك غاشية رسول لدينك عاتية على ربك عاصية الرسول الله صلّی الله علیه و آله فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله إلا بإذنك و لم نجلس على متاعك إلا بأمرك، إن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب علیه السّلام بعث إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة و قلة العرجة.
فقالت: رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر بن الخطاب، فقال ابن عباس هذا والله أمير المؤمنين و إن تزبدت فيه وجوه و رغمت فيه معاطس، أما و
ص: 123
الله لهو أمير المؤمنين و أمس برسول الله رحما و أقرب قرابة و أقدم سبقا و أكثر علما و أعلى منارا و أكثر آثارا من أبيك و من عمر، فقالت أبيت ذلك.
فقال: أما والله إن كان إباؤك فيه لقصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بين النكد، وما كان إباؤك فيه إلا حلب شاة حتى صرت لا تامرين و لا تنهين و لا ترفعين و لا تضعين، و ما كان مثلك إلا كمثل ابن الحضرمي بن نجمان أخي بني أسد، حيث يقول:
ما زال إهداء القصائد بيننا *** شتم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركتهم كان قلوبهم *** في كل مجمعة طنين ذباب
قال، فأراقت دمعتها و أبدت عويلها و تبدي نشيجها، ثم قالت أخرج و الله عنكم فما في الأرض بلد أبغض إلي من بلد تكونون فيه فقال ابن عباس رحمه الله فو الله فو الله ما ذا بلاؤنا عندك و لا بضيعتنا إليك، إنا جعلناك للمؤمنين أما و أنت بنت أم رومان و جعلنا أباك صديقا و هو ابن أبي قحافة، فقالت يا ابن عباس تمنون علي برسول الله ؟
فقال: و لم لا نمن عليك بمن لو كان منك قلامة منه مننتنا به و نحن لحمه و دمه و منه و إليه، و ما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده لست بأبيضهن لونا و لا بأحسنهن وجها و لا بأرشحهن عرقا ولا بأنضر هن ورقا و لا بأطرأهن أصلا، فصرت تامرين فتطاعين و تدعين فتجابين، و ما مثلك إلا كما قال: أخو بني فهر:
مننت على قومي فأبدوا عداوة *** فقلت لهم كفوا العداوة والشكرا
ففيه رضا من مثلكم لصديقه *** وأحجى بكم أن تجمعوا البغي والكفرا
قال ثم نهضت وأتيت أمير المؤمنين علیه السّلام فأخبرته بمقالتها و ما رددت عليها، فقال أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك.
ص: 124
70 - أبو جعفر الطبري الامامي: حدثنا عمرو بن قيس عن ميسرة ابن حبيب عن المنهال بن عمرو قال أخبرني رجل من تميم قال كنا مع علي ابن أبي طالب علیه السّلام ذي قار و نحن نرى أنا سنختطف في يومنا هذا فسمعته يقول والله لنظهرن على هذين الفرقة و لنقتلن هذين الرجلين يعني طلحة و الزبير و لنستبيحن عسكرهما.
قال التميمي فأتيت عبد الله بن العباس فقلت أما ترى إلى ابن عمك و ما يقول فقال لا تعجل حتى ننظر ما يكون فلما كان من أمر البصرة ما كان أتيته فقلت لا أرى ابن عمك إلا صادقا في مقاله فقال ويحك إنا كنا نتحدث أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله أن النبي عهد إليه ثمانين عهدا لم يعهد شيئا منها إلى له أحد غيره فلعل هذا مما عهد إليه.
71- عنه قال أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الكاتب قال أخبرني الحسن بن علي الزعفراني قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي قال حدثنا إبراهيم بن عمر قال حدثني أبي عن أخيه عن بكر بن عيسى قال لما اصطف الناس للحرب بالبصرة خرج طلحة و الزبير في صف من أصحابها فنادى أمير المؤمنين على بن أبي طالب علیه السّلام الزبير بن العوام فقال له :
يا أبا عبد الله ادن مني لأفضي إليك بسر عندي مني لأفضي إليك بسر عندي فدنا منه حتى اختلف أعناق فرسيهما فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام أنشدتك الله إن ذكرتك شيئا فذكرته أما تعترق به فقال نعم فقال أما تذكر يوما كنت مقبلا علي بالمدينة تحدثني إذ خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه و آله فرآك و أنت تبسم إلي فقال لك يا زبير أتحب عليا فقلت وكيف لا أحبه و بيني و بينه من النسب و المودة في الله ما ليس لغيره فقال إنك ستقاتله و أنت ظالم له فقلت أعوذ بالله من ذلك
ص: 125
فنكس الزبير رأسه ثم قال إني أنسيت هذا المقام.
فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام: دع هذا فلست بايعتني طوعا قال بلى قال فوجدت مني حدثا يوجب مفارقتي فسكت ثم قال لا جرم و الله لا قاتلتك و رجع متوجها نحو البصرة.
فقال طلحة: ما لك يا زبير تنصرف عنا سحرك ابن أبي طالب فقال لا و لكن ذكرني ما كان أنسانيه الدهر و احتج علي ببيعتي له فقال طلحة لا و لكن جبنت و انتفخ سحرك فقال الزبير لم أجبن لكن أذكرت فذكرت فقال له عبد الله يا أبة جئت بهذين العسكرين العظيمين حتى إذا اصطفا للحرب.
قلت أتركهما وأنصرف فما تقول قريش غدا بالمدينة الله الله يا أبة لا تشمت بنا الأعداء و لا تشمتن نفسك بالهزيمة قبل القتال قال يا بني ما أصنع و قد حلفت له بالله ألا أقاتله قال فكفر عن يمينك و لا تفسد أمرنا فقال الزبير عبدي مكحول حر لوجه الله كفارة ليميني ثم عاد عاد معهم للقتال فقال همام الثقفي في فعل الزبير ما فعل و عتقه عبده في قتال علی علیه السّلام.
أيعتق مكحولا و يعصي نبيه *** لقد تاه عن قصد الهدى ثم عوق
أينوي بهذا الصدق و البر و التقى *** سيعلم يوما من يبر و يصدق
لشتان ما بين الضلالة والهدى *** وشتان من يعص النبي و يعتق
ومن هو في ذات الإله مشمر *** یکبر برا ربه و يصدق
أفي الحق أن يعصى النبي سفاهة *** و يعتق عن عصيانه و يطلق
كدافق ماء للسراب يؤمه *** ألا في ضلال ما ضلال ما يصب و يدفق
72- عنه قال حدثنا محمد بن سيرين قال سمعت غير واحد من
مشيخة أهل البصرة لما فرغ علي بن أبي طالب علیه السّلام من الجمل عرض له
ص: 126
مرض و حضرت الجمعة فتأخر عنها قال لابنه الحسن علیه السّلام انطلق يا بني فجمع بالناس فأقبل الحسن إلى المسجد فلما استقل على المنبر حمد الله و أثنى عليه و تشهد و صلى على رسول الله صلّی الله علیه و آله .
ثم قال أيها الناس إن الله اختارنا بالنبوة واصطفانا على خلقه و أنزل علينا كتابه و وحیه و ايم الله لا ينقصنا أحد من حقنا شيئا إلا ينقصه عاجل دنیاه و آجل آخرته ولا تكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة و لتعلمن نبأه بعد حين ثم جمع بالناس و بلغ أباه علیه السّلام كلامه.
فلما انصرف إلى أبيه نظر إليه فما ملك عبرته أن سالت على خديه ثم استدناه إليه فقبل بين عينيه وقال بأبي أنت و أمي ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم.
73 - عنه حدثنا علي بن هاشم عن أبيه عن بكير بن عبد الله الطويل و عمار بن أبي معاوية قالا حدثنا أبو عثمان البجلي مؤذن بني أقصى ق-ال بكير أذن لنا أربعين سنة قال سمعت عليا يقول يوم الجمل «وَ إِنْ نَكَتُوا أَمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَعْمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ».
ثم حلف حين قرأها أنه ما قوتل أهلها منذ نزلت حتى اليوم قال بكير فسألت عنها أبا جعفر علیه السّلام فقال صدق الشيخ هكذا قال علي علیه السّلام هكذا كان.
74- عنه حدثنا محمد بن عثمان عن أبي عبد الله الأسلمي عن موسى ابن عبد الله الأسدي قال لما انهزم أهل البصرة أمر علي بن أبي طالب علیه السّلام أن تنزل عائشة قصر ابن أبي خلف فلما نزلت جاءها عمار بن ياسر فقال لها يا أم كيف رأيت ضرب بنيك دون دينهم بالسيف فقالت استبصرت يا
ص: 127
عمار من أجل أنك غلبت.
قال أنا أشد استبصارا من ذلك أم والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنكم على الباطل فقالت له عائشة هكذا نحيل إليك اتق الله يا عمار فإن سنك قد كبر و دق عظمك و فنى أجلك و أذهبت دينك لابن أبي طالب.
فقال عمار إني والله اخترت لنفسي في أصحاب رسول الله فرأيت عليا أقرأهم بكتاب الله عز و جل و أعلمهم بتأويله وأشدهم تعظيما لحرمته و أعرفهم بالسنة قرابته من رسول الله وعظم عنائه و بلائه في الإسلام فسكتت.
75- قال أبو منصور الطبرسي: احتجاجه علیه السّلام على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها.
فقال إن الله ذا الجلال و الإكرام لما خلق الخلق اختار خيرة من خلقه و اصطفى صفوة من عباده و أرسل رسولا منهم و أنزل عليه كتابه و شرع له دینه و فرض فرائضه فكانت الجملة قول الله عز و جل ذكره حيث أمر فقال «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم» فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا.
فانقلبتم على أعقابكم وارتددتم و نقضتم الأمر ونكثتم العهد و لم تضروا الله شيئا و قد أمركم الله أن تردوا الأمر إلى الله و إلى رسوله و إلى أولى الأمر منكم المستنبطين للعلم فأقررتم ثم جحدتم و قد قال الله لكم «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ» إن أهل الكتاب و الحكمة و الإيمان آل إبراهيم اللا بينه الله لهم فحسدوا.
فأنزل الله جل ذكره: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ
ص: 128
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً» فنحن آل إبراهيم فقد حسدنا كما حسد آباؤنا و أول من حسد آدم الذي خلقه الله عز و جل بيده و نفخ فيه من روحه و أسجد له ملائكته و علمه الأسماء كلها و اصطفاه على العالمين.
فحسده الشيطان فكان من الغاوين ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين و نوح حسده قومه فقالوا «ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِما تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إذاً لَخَاسِرُونَ» و الله الخيرة يختار من يشاء و يختص برحمته من يشاء و يؤتي الحكمة و العلم من يشاء ثم حسدوا نبينا محمدا صلّی الله علیه و آله.
ألا و نحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و نحن المحسودون كما حسد آباؤنا قال الله عز و جل «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هَذَا النَّبِيُّ» و قال: «وَ أُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ» فنحن أولى الناس بإبراهيم و نحن ورثناه و نحن أولو الأرحام الذين ورثنا الكعبة و نحن آل إبراهيم أفترغبون عن ملة إبراهيم و قد قال الله تعالى:
«فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» يا قوم أدعوكم إلى الله و إلى رسوله و إلى كتابه و إلى ولي أمره و إلى وصيه و وارثه من بعده فاستجيبوا لنا و اتبعوا آل إبراهيم واقتدوا بنا فإن ذلك لنا آل إبراهيم فرضا واجبا و الأفئدة من الناس تهوي إلينا و ذلك دعوة إبراهيم علیه السّلام حيث قال:
«فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم» فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله و ما أنزل علينا و لا تتفرقوا فتضلوا والله شهيد عليكم قد أنذرتكم و
ص: 129
دعوتكم وأرشدتكم ثم أنتم وما تختارون.
76 - عنه روي عن ابن عباس رحمه الله أنه قال كنت قاعدا عند علي علیه السّلام حين دخل عليه طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما و قال قد اعتمرتما فأعادا عليه الكلام فأذن لهما ثم التفت إلى فقال والله ما يريدان العمرة و إنما يريدان الغدرة قلت له فلا تأذن لها فردهما ثم قال لهما،
و الله ما تريدان العمرة و ما تريدان إلا نكثا لبيعتكما وفرقة لأمتكما، فحلفا له فأذن لهما ثم التفت إلي فقال والله ما يريدان العمرة قلت فلم أذنت لهما قال حلفا لي بالله قال فخرجا إلى مكة فدخلا على عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها.
77 - عنه روي أنه علیه السّلام عند توجههما إلى مكة للاجتماع مع عائشة للتأليب عليه بعد أن حمد الله تعالى و أثنى عليه:
أما بعد فإن الله عز و جل بعث محمدا صلّی الله علیه و آله للناس كافة و جعله رحمة للعالمين فصدع بما أمر به و بلغ رسالات ربه فلم به الصدع و رتق به الفتق و أمن به السبل و حقن به الدماء و ألف بين ذوي الإحن و العداوة و الوغر في الصدور و الضغائن الراسخة في القلوب.
ثم قبضه الله إليه حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها أدى الرسالة و لا بلغ شيئا كان في التقصير عنه عند الفقد و كان من بعده ما كان من التنازع في الإمرة و تولى أبو بكر و بعده عمر ثم عثمان فلما كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لا أفعل فقلتم بلى فقلت لا و قبضت يدي فبسطتموها و نازعتكم فجذبتموها و تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها.
ص: 130
حتى ظننت أنكم قاتلي و أن بعضكم قاتل بعض فبسطت يدي فبايعتموني مختارين و بايعني في أولكم طلحة و الزبير طائعين غير مكرهين ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة والله يعلم أنهما أرادا الغدرة فجددت عليهما العهد في الطاعة و أن لا يبغيا للأمة الغوائل فعاهداني
ثم لم يفيا لي و نكتا بيعتي و نقضا عهدي فعجبا من انقيادهما لأبي بكر و عمر و خلافهما لي و لست بدون أحد الرجلين و لو شئت أن أقول لقلت اللهم اغضب عليها بما صنعا و ظفرني بهما.
78 - عنه قال علیه السّلام في أثناء كلام آخر وهذا طلحة و الزبير ليسا من أهل النبوة و لا من ذرية الرسول حين رأيا أن قد رد علينا حقنا بعد أعصر فلم يصبرا حولا كاملا و لا شهرا كاملا حتى وثبا على دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي و يفرقا جماعة المسلمين عني ثم دعا عليهما.
79- عنه عن سليم بن قيس الهلالي قال لما التقى أمير المؤمنين علیه السّلام بأهل البصرة يوم الجمل نادى الزبير يا أبا عبد الله اخرج إلي فخرج الزبير و معه طلحة فقال لهما و الله إنكما لتعلمان و أولو العلم من آل محمد و عائشة بنت أبي بكر أن كل أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد صلّی الله علیه و آله و قد خاب من افترى قالا: كيف نكون ملعونين و نحن أصحاب بدر و أهل الجنة.
فقال علیه السّلام: لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم فقال له الزبير أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل و هو يروي أنه سمع من رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول عشرة من قريش في الجنة قال علي علیه السّلام سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته.
فقال الزبير أفترى كذب على رسول الله صلّی الله علیه و آله فقال له على علیه السّلام لست
ص: 131
أخبرك بشيء حتى تسميهم قال الزبير أبو بكر و عمر و عثمان و طلحة الزبير و عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص و أبو عبيدة بن الجراح و سعيد بن عمرو بن نفيل.
فقال له علي علیه السّلام: عددت تسعة فمن العاشر ؟ قال له: أنت قال علي علیه السّلام: قد أقررت أني من أهل الجنة و أما ما ادعيت لنفسك و أصحابك فأنا به من الجاحدين الكافرين قال له أفتراه كذب على رسول الله صلّی الله علیه و آله قال علیه السّلام ما أراه كذب و لكنه و الله اليقين فقال علي علیه السّلام.
و الله إن بعض من سميته لفي تابوت في شعب في جب في أسفل درك من جهنم على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة سمعت ذلك من رسول الله صلّی الله علیه و آله و إلا أظفرك الله بي و سفك دمي على يديك و إلا أظفرني الله عليك و على أصحابك و سفك دماءكم على يدي و عجل أرواحكم إلى النار فرجع الزبير إلى أصحابه و هو يبكي.
80- عنه روى نصر بن مزاحم أن أمير المؤمنين علیه السّلام حين وقع القتال و قتل طلحة تقدم على بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله الشهباء بين الصفين فدعا الزبير فدنا إليه حتى اختلف أعناق دابتيهما فقال يا زبير أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول إنك ستقاتل عليا و أنت له ظالم قال نعم قال فلم جئت قال جئت لأصلح بين الناس فأدبر الزبير و هو يقول:
ترك الأمور التي تخشى عواقبها *** لله أجمل في الدنيا و في الدين
أتى علي بأمر كنت أعرفه *** قد كان عمر أبيك الخير مذحين
فقلت حسبك من عدل أبا حسن *** بعض الذي قلت هذا اليوم يكفيني
فاخترت عارا على نار مؤججة *** أنى يقوم لها خلق من الطين
نبئت طلحة وسط النقع منجد *** لا مأوى الضيوف ومأوى كل مسكين
ص: 132
قد كنت أنصر أحيانا وينصرني *** في النائبات و يرمي من يراميني
حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره *** فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني
قال: و أقبل الزبير على عائشة فقال يا أمه ما لي في هذا بصيرة و إني منصرف فقالت عائشة يا أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب فقال إنها و الله طوال حداد تحملها فتية أنجاد ثم خرج راجعا فمر بوادي السباع و فيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم فأخبر الأحنف بانصرافه.
فقال: ما أصنع به إن كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين و قتل أحدهما بالآخر ثم هو يريد اللحاق بأهله فسمعه ابن جرموز فخرج هو و رجلان معه وقد كان لحق بالزبير رجل من كليب و معه غلامه فلما أشرف ابن رموز و صاحباه على الزبير فحرك الرجلان رواحلها و خلفا الزبير وحده فقال لهما الزبير ما لكما هم ثلاثة و نحن ثلاثة؟
فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير إليك عنى فقال ابن جرموز يا أبا عبد الله إني جئتك لأسألك عن أمور الناس قال: تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسيف قال ابن جرموز أخبرني عن أشياء أسألك عنها قال هات قال أخبرني عن خذلك عثمان و عن بيعتك عليا و ع-ن نقضك بيعته و عن إخراجك عائشة و عن صلاتك خلف ابنك و عن هذا الحرب التي جنيتها و عن لحوقك بأهلك؟
فقال أما خذلي عثمان فأمر قدم الله فيه الخطية و أخر فيه التوبة و أما بيعتي عليا فلم أجد منها بدا إذ بايعه المهاجرون والأنصار و أما نقضي بيعته فإنما بايعته بيدي دون قلبي و أما إخراجي أم المؤمنين فأردنا أمرا و أراد الله أمرا غيره و أما صلاتي خلف ابني فإن خالته قدمته فتنحى ابن جرموز عنه و قال قتلني الله إن لم أقتلك.
ص: 133
81 - عنه روي أنه جيء إلى أمير المؤمنين برأس الزبير و سيفه فتناول سيفه و قال طالما و الله جلا به الكرب عن وجه رسول الله صلّی الله علیه و آله و لكن الحين و مصارع السوء.
82- عنه روي أنه علیه السّلام لما مر على طلحة من بين القتلى قال أقعدوه فأقعد فقال إنه كانت لك سابقة من رسول الله لكن الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار.
83 - عنه روي أنه علیه السّلام مر عليه فقال هذا ناكت بيعتي و المنشى للفتنة في الأمة و المجلب علي الداعي إلى قتلي و قتل عترتي أجلسوا طلحة فأجلس فقال أمير المؤمنين يا طلحة بن عبيد الله قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟
ثم قال أضجعوا طلحة وسار فقال له بعض من كان معه ي--ا أم-ير المؤمنين أتكلم طلحة بعد قتله ؟ فقال أما و الله سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم بدر. و هكذا فعل علیه السّلام بكعب بن شور القاضي لما مر به قتيلا و قال هذا الذي خرج علينا في عنقه مصحف يزعم أنه ناصر أمه يدعو الناس إلى ما فيه و هو لا يعلم ما فيه ثم استفتح و خاب كل جبار عنيد أما إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله.
84 - عنه روي أن مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة بسهم رماه به.
85- عنه روي أيضا أن مروان بن الحكم يوم الجمل كان يرمي بسهامه في العسكرين معا و يقول من أصبت منها فهو فتح لقلة دينه و تهمته للجميع وقيل إن اسم الجمل الذي ركبته يوم الجمل عائشة عسكر من ولد إبليس اللعين و رئي منه ذلك اليوم كل عجيب لأنه كلما بتر منه
ص: 134
قائمة من قوائمه ثبت على أخرى حتى نادى أمير المؤمنين علیه السّلام اقتلوا الجمل فإنه شيطان و تولى محمد بن أبي بكر و عمار بن ياسر رحمة الله عليهما عقره بعد طول دمائه.
86 - عنه روى الواقدي أن عمار بن ياسر رحمة الله عليه لما دخل على عائشة فقال كيف رأيت ضرب بنيك على الحق ؟ فقالت: استبصرت من أجل أنك غلبت فقال عمار أنا أشد استبصارا من ذلك و الله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعيفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنكم على الباطل فقالت عائشة هكذا يخيل إليك يا عمار أذهبت دينك لابن أبي طالب
87- عنه روي عن الباقر علیه السّلام أنه قال: لما كان يوم الجمل و قد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين علیه السّلام والله ما أرانى إلا مطلقها فأنشد الله رجلا سمع من رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول يا على أمر نسائي بيدك من بعدي لما قام فشهد فقال فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريان فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلّى الله عليه و آله يقول لعلي بن أبي طالب علیه السّلام :
يا علي أمر نسائي بيدك من بعدي قال فبكت عائشة عند ذلك حتى سمعوا بكاءها فقال علي علیه السّلام لقد أنبأني رسول الله صلّی الله علیه و آله بنبا فقال إن الله تعالى يمدك يا علي يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.
88- عنه روي عن ابن عباس انه قال لأمير المؤمنين علیه السّلام حين أبت عائشة الرجوع دعها في البصرة و لا ترحلها. فقال علي علیه السّلام : إنها لا تألوا شرا و لكني أردها إلى بيتها.
89- عنه روى محمد بن إسحاق أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على أمير المؤمنين و كتبت إلى معاوية و أهل الشام مع الأسود بن البختري تحرضهم عليه علیه السّلام .
ص: 135
90- عنه روي أن عمرو بن العاص قال لعائشة لوددت أنك قتلت يوم الجمل فقالت ولم لا أبا لك قال كنت تموتين بأجلك و تدخلين الجنة و نجعلك أكثر للتشنيع علي علي علیه السّلام.
91 - عنه روى يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عبد الله بن الحسن قال كان أمير المؤمنين علیه السّلام يخطب بالبصرة بعد دخوله بأيام فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة و من أهل الفرقة و من أهل البدعة و من أهل السنة؟
فقال: ويحك أما إذا سألتني فافهم عني و لا عليك أن تسأل عنها أحدا بعدي أما أهل الجماعة فأنا و من تبعني و إن قلوا و ذلك الحق عن أمر الله تعالى و عن أمر رسوله و أهل الفرقة المخالفون لي و لمن اتبعني و إن كثروا و أما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله لهم و رسوله و إن قلوا و أما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله و لكتابه ولرسوله،
العاملون برأيهم وأهوائهم و إن كثروا و قد مضى منهم الفوج الأول و بقيت أفواج و على الله قبضها و استيصالها عن جدد الأرض.
فقام إليه عمار فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيء و يزعمون أن من قاتلنا فهو و ماله وولده فيء لنا فقام إليه رجل من بكر بن وائل و يدعى عباد بن قيس و كان ذا عارضة و لسان شديد فقال يا أمير المؤمنين و الله ما قسمت بالسوية و لا عدلت بالرعية فقال: و لم ويحك. قال: لأنك قسمت ما في العسكر و تركت الأموال و النساء و الذرية، فقال: أيها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسمن.
فقال عباد: جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى يدركك غلام ثقيف قيل و
ص: 136
من غلام ثقيف؟ فقال رجل لا يدع الله حرمة إلا انتهكها فقيل أفيموت أو يقتل؟ فقال: يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه يا أخا بكر أنت امرؤ ضعيف الرأي.
أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير و أن الأموال كانت لهم قبل الفرقة و تزوجوا على رشدة و ولدوا على فطرة و إنما لكم ما حوى عسكركم و ما كان في دورهم فهو ميراث فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه و إن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله صلّی الله علیه و آله فى أهل مكة فقسم ما حوى العسكر و لم يتعرض لما سوى الله الله ذلك و إنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل.
يا أخا بكر أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها و أن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بالحق فمهلا مهلا رحمكم الله فإن لم تصدقوني و أكثرتم علي و ذلك أنه تكلم في هذا غير واحد فأيكم يأخذ عائشة بسهمه فقالوا يا أمير المؤمنين أصبت و أخطأنا و علمت و جهلنا فنحن نستغفر الله تعالى و نادی الناس من كل جانب أصبت يا أمير المؤمنين أصاب الله بك الرشاد والسداد فقام عباد فقال:
أيها الناس إنكم والله لو اتبعتموه و أطعتموه لن يضل بكم عن منهل نبيكم حتى قيد شعرة وكيف لا يكون ذلك وقد استودعه رسول الله صلّی الله علیه و آله علم المنايا و القضايا و فصل الخطاب على منهاج هارون و قال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فضلا خصه الله به و إكراما منه لنبيه صلّی الله علیه و آله حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه.
ثم قال أمير المؤمنين علیه السّلام: انظروا رحمكم الله ما تؤمرون فامضوا له فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس فإني حاملكم إن
ص: 137
شاء الله إن أطعتموني على سبيل النجاة و إن كان فيه مشقة شديدة و مرارة عديدة و الدنيا حلوة الحلاوة لن أغتر بها من الشقاوة و الندامة عما قليل ثم إني أخبركم أن جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر.
فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلا قليل منهم فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم و لم يعصوا ربهم و أما عائشة فأدركها رأي النساء و لها بعد ذلك حرمتها الأولى و الحساب على الله يعفو عمن يشاء و يعذب من يشاء.
92 - عنه عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت واقفا مع أمير المؤمنين علیه السّلام يوم الجمل فجاء رجل حتى وقف بين يديه فقال يا أمير المؤمنين كبر القوم و كبرنا و هلل القوم و هللنا وصلى القوم وصلينا فعلى ما تقاتلهم فقال أمير المؤمنين علیه السّلام على ما أنزل الله جل ذكره في كتابه فقال يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في كتابه أعلمه فعلمنيه.
فقال علي الا الله ما أنزل الله في سورة البقرة فقال يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلمنيه فقال علي علیه السّلام هذه الآیة «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَ آتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَ أَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ».
فنحن الذين آمنا و هم الذين كفروا فقال الرجل كفر القوم و رب الكعبة ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه حمه الله.
93 - عنه عن المبارك بن فضالة عن رجل ذكره قال أتى رجل أمير المؤمنين علیه السّلام بعد الجمل فقال يا أمير المؤمنين رأيت في هذه الواقعة أمرا
ص: 138
هالني من روح قد بانت و جثة قد زالت و نفس قد فاتت لا أعرف فيهم مشركا بالله تعالى فالله الله ما يجللني من هذا إن يك شرا فهذا نتلقى بالتوبة و إن يك خيرا ازددنا منه أخبرني عن أمرك هذا الذي أنت عليه أفتنة عرضت لك فأنت تنفح الناس بسيفك أم شيء خصك به رسول الله ؟
فقال علیه السّلام: إذن أخبرك إذن أنبئك إذن أحدثك إن ناسا من المشركين أتوا رسول الله صلّی الله علیه و آله و أسلموا ثم قالوا لأبي بكر استأذن لنا على رسول الله صلّی الله علیه و آله حتى نأتي قومنا فنأخذ أموالنا ثم نرجع فدخل أبو بكر على رسول الله صلّى الله عليه و آله فاستأذن لهم فقال عمر يا رسول الله أنرجع من الإسلام إلى الكفر ؟ فقال: و ما علمك يا عمر أن ينطلقوا فيأتوا بمثلهم معهم من قومهم.
ثم إنهم أتوا أبا بكر في العام المقبل فسألوه أن يستأذن لهم على النبي فاستأذن لهم و عنده عمر فقال مثل قوله فغضب رسول الله صلّی الله علیه و آله ثم قال و الله ما أراكم تنتهون حتى يبعث الله عليكم رجلا من قريش يدعوكم إلى الله فتختلفون عنه اختلاف الغنم الشرود فقال له أبو بكر فداك أبي و أمي يا رسول الله أنا هو؟ قال: لا.
قال عمر: فمن هو يا رسول الله فأومى إلي و أنا أخصف نعل رسول الله صلّی الله علیه و آله و قال هو خاصف النعل عندكما ابن عمي و أخي وصاحبي و مبرئ ذمتي و المؤدي عني ديني و عداتي و المبلغ عني رسالاتي و معلم الناس من بعدي و مبينهم من تأويل القرآن ما لا يعلمون فقال الرجل أكتفي منك بهذا يا أمير المؤمنين ما بقيت فكان ذلك الرجل أشد أصحاب على علیه السّلام فيما بعد على من خالفه.
94 - عنه عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما فرغ علي علیه السّلام من قتال
ص: 139
أهل البصرة وضع قتبا على قتب ثم صعد عليه فخطب فحمد الله و أثنى عليه فقال يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة يا أهل الداء العضال أتباع البهيمة يا جند المرأة رغا فأجبتم و عقر فهربتم ماؤكم زعاق و دینکم نفاق و أخلاقكم دقاق ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري و هو يتوضأ فقال يا حسن أسبغ الوضوء.
فقال يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله يصلون الخمس و يسبغون الوضوء فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام فقد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا فقال والله لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت و تحنطت و صببت علي سلاحي و أنا لا أشك في أن اتخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد يا حسن إلى أين ارجع فإن القاتل والمقتول في النار فرجعت ذعرا و جلست في بيتي فلما كان في اليوم الثاني لم أشك أن اتخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فتحنطت و صببت علي سلاحي و خرجت أريد القتال حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي يا حسن إلى أين ارجع مرة بعد أخرى فإن القاتل والمقتول في النار.
قال علي علیه السّلام صدق كل أفتدري من ذلك المنادي قال لا قال علیه السّلام ذاك أخوك إبليس و صدقك إن القاتل والمقتول منهم في النار فقال الحسن البصري الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكي.
95 - عنه عن أبي يحيى الواسطي قال لما افتتح أمير المؤمنين علیه السّلام اجتمع الناس عليه و فيهم الحسن البصري و معه الألواح فكان كلما لفظ أمير المؤمنين علیه السّلام بكلمة كتبها فقال أمير المؤمنين علیه السّلام بأعلى صوته ما تصنع
ص: 140
فقال نكتب آثاركم لتحدث بها بعدكم فقال أمير المؤمنين علیه السّلام أما إن لكل قوم سامري و هذا سامري هذه الأمة أما إنه لا يقول لا مساس و لكن يقول لا قتال.
96- روى ابن شهر آشوب عن السدي نزل قوله تعالى «وَ اتَّقُوا فِتْنَةً» في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا.
97 - عنه عن الصادق علیه السّلام في قوله تعالى «وَ إِذَا قِيلَ هَمْ لا تُفْسِدُوا فِي الا الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ» قال ما قوتل أهل هذه يعني البصرة وقرأ أمير المؤمنين الله يوم البصرة «وَ إِنْ نَكَتُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَنةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ».
ثم قال لقد عهد إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله و قال يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة و الفئة الباغية و الفرقة المارقة إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون.
98 - عنه عن الأعمش عن شقيق و زر بن حبيش عن حذيفة و ذكر السمعاني في الفضائل والديلمي في الفردوس عن جابر الأنصاري، روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله علیهماالسّلام و اللفظ لهما في قوله تعالى «فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ» يا محمد من مكة إلى المدينة فإنا رادوك منها و منتقمون منهم تفسير الكلبي يعني حرب الجمل.
99 - عنه عن عمار و حذيفة و ابن عباس و الباقر و الصادق علیهماالسّلام أنه نزلت في علي «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ» الآية.
100 - عنه روي عن علي علیه السّلام يوم البصرة والله ما قوتل على هذه علي الآية حتى اليوم و تلا هذه الآية.
101 - عنه عن ابن عباس لما علم الله أنه ستجري حرب الجمل قال
ص: 141
لأزواج النبي «وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولى وقال تعالى يا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيَّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ» في حربها مع علي علیه السّلام.
102- عنه عن شعبة و الشعبي و الأعثم و ابن مردويه و خطيب خوارزم في كتبهم بالأسانيد عن ابن عباس و مسعود و حذيفة و قتادة و قيس بن أبي حازم و أم سلمة و ميمونة و سالم بن أبي الجعد و اللفظ له أنه ذكر النبي صلّی الله علیه و آله خروج بعض نسائه فضحكت عائشة فقال انظري يا حميراء لا تكونين هي ثم التفت إلى علي فقال يا أبا الحسن إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها.
103 - عنه قال: بلغ عائشة قتل عثمان و بيعة علي بسرف فانصرفت إلى مكة تنتظر الأمر فتوجه طلحة والزبير و عبد الله بن عامر بن كزبر فعزموا على قتال علي علیه السّلام و اختاروا عبد الله بن عمر للإمامة فقال أتلقونني بين مخالب علي و أنيابه ثم أدركهم يعلى بن منبة من اليمن و أقرضهم ستين ألف دينار و التمست عائشة من أم سلمة الخروج فأبت وسألت حفصة فأجابت ثم خرجت عائشة في أول نفر. فكتب الوليد بن عتبة.
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم *** ولا تهبوه لا تحل مواهبه
و أنشأ لما ظفر أمير المؤمنين علیه السّلام :
ألا يا أيها الناس عندي الخبر *** بأن الزبير أخاكم غدر
و طلحة أيضا حذا فعله *** و يعلى بن منبه فيمن نفر
فأنشأ أمير المؤمنين علیه السّلام أبياتا منها:
فتن تحل بهم و هن شوارع *** يسق أواخرها بكأس الأول
فتن إذا نزلت بساحة أمة *** أذنت بعدل بينهم متنفل
ص: 142
104 - عنه فتقدمت عائشة إلى الحوأب و هو ماء نسب إلى الحوأب بنت كليب ابن وبرة فصاحت كلابها فقالت إنا لله و إنا إليه راجعون ردوني.
105 - عنه ذكر الأعثم في الفتوح والماوردي في أعلام النبوة و شيرويه في الفردوس و أبو يعلى في المسند و ابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين و الموفق في الأربعين وشعبة و الشعبي و سالم بن أبي الجعد في أحاديثهم و البلاذري و الطبري في تاريخها أن عائشة لما سمعت نباح الكلاب قالت أي ماء هذا فقالوا الحوأب قالت إنا لله و إنا إليه راجعون إني لهيئة قد سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله و عنده نساؤه يقول ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب.
106 - عنه في رواية الماوردي أيتكن صاحبة الجمل الأديب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يقتل من يمينها و يسارها قتلى كثير و تنجو بعد ما كاد تقتل.
107- عنه قال: فلما نزلت الخريبة قصدهم عثمان بن حنيف و حاربهم فتداعوا إلى الصلح فكتبوا بينهم كتابا أن لعثمان دار الإمارة و بيت المال و المسجد إلى أن يصل إليهم علي فقال طلحة لأصحابه في السر و الله لئن قدم علي البصرة لنؤخذن بأعناقنا فأتوا على عثمان بيانا في ليلة ظلماء و هو يصلي بالناس العشاء الآخرة وقتلوا منهم خمسين رجلا و استأسروه و نتفوا شعره و حلقوا رأسه و حبسوه.
فبلغ ذلك سهل بن حنيف فكتب إليهما أعطى الله عهدا لئن لم تخلوا سبيله لأبلغن من أقرب الناس إليكما فأطلقوه ثم بعثا عبد الله بن الزبير في جماعة إلى بيت المال فقتل أبا سالمة الزطي في خمسين رجلا و بعثت عائشة إلى الأحنف تدعوه فأبى و اعتزل بالجلحاء من البصرة في فرسخين و هو
ص: 143
في ستة آلاف.
فأمر علي علیه السّلام سهل بن حنيف على المدينة و قثم ابن العباس على مكة و خرج في ستة آلاف إلى الربذة و منها إلى ذي قار و أرسل الحسن و عمار إلى الكوفة وكتب من عبد الله و وليه علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب ثم ذكر فيه قتل عثمان و فعل طلحة الزبير و عائشة.
ثم قال إن دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب فأسرعوا إلى أميركم و بادروا عدوكم.
فلما بلغا الكوفة قال أبو موسى الأشعري يا أهل الكوفة اتقوا الله و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً» الآية. فسكته عمار فقال أبو موسى هذا كتاب عائشة تأمرني أن تكف أهل الكوفة فلا تكونن لنا و لا علينا ليصل إليهم صلاحهم.
فقال عمار إن الله تعالى أمرها بالجلوس فقامت و أمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس فقام زيد بن صوحان ومالك الأشتر في أصحابها و تهددوه فلما أصبحوا قام زيد بن صوحان و قرأ: «الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» الآية.
ثم قال أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين و انفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق راشدين ثم قال عمار هذا ابن عم رسول الله يستنفركم فأطيعوه في كلام له و قال الحسن بن علي علیهماالسّلام أجيبوا دعوتنا و أعينونا على ما بلينا به في كلام له فخرج قعقاع بن عمر و هند بن عمر و هیثم بن شهاب و زید بن صوحان و المسيب بن نجية و يزيد بن قيس و حجر بن عدي و ابن مخدوج و الأشتر يوم الثالث في تسعة آلاف فاستقبلهم علي على فرسخ و قال
ص: 144
مرحبا بكم أهل الكوفة و فئة الإسلام ومركز الدين في كلام له:
و خرج إلى علي علیه السّلام من شيعته من أهل البصرة من ربيعة ثلاثة آلاف رجل و بعث الأحنف إليه إن شئت أتيتك في مائتي فارس فكنت معك و إن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة آلاف سيف فاختار علي اعتزاله
108 - عنه عن الأعثم في الفتوح أنه كتب أمير المؤمنين علیه السّلام إليهما أما بعد فإني لم أرد الناس حتى أرادوني و لم أبايعهم حتى أكرهوني و أنتما ممن أراد بيعتي ثم قال علیه السّلام بعد كلام و رفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما.
109 - عنه عن البلاذري لما بلغ عليا قولهما ما بايعناه إلا مكرهين تحت السيف قال أبعدهما الله أقصى دارا و أخر نارا.
110 - عنه عن الأعثم و كتاب علیه السّلام إلى عائشة أما بعد فإنك خرجت من بيتك عاصية الله تعالی و لرسوله محمد صلّی الله علیه و آله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين فخبريني ما للنساء وقود العساكر و الإصلاح بين الناس و طلبت كما زعمت بدم عثمان و عثمان رجل من بني أمية و أنت امرأة من بني تيم بن مرة و لعمري
إن الذي عرضك للبلاء و حملك على العصبية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان و ما غضبت حتى أغضبت و لا هجت حتى هيجت فاتقي الله يا عائشة و ارجعي إلى منزلك و أسبلي عليك سترك و قالت عائشة قد جل الأمر عن الخطاب احكم كما تريد فلن يدخل في طاعتك فأنشأ حبيب بن يساف الأنصاري:
أبا حسن أيقظت من كان نائما *** وماكان من يدعى إلى الحق يتبع
ص: 145
127
مسند الامام أمير المؤمنين علي بن ابيطالب اللا - ج 4
وإن رجالا با يعوك وخالفوا *** هواك وأجروا في الضلال وضيعوا
وطلحة فيها و الزبير قرينه *** وليس لما لا يدفع الله مدفع
وذكرهم قتل ابن عفان خدعة *** هم قتلوه والمخادع يخدع
111 - عنه سأل ابن الكواء و قيس بن عباد أمير المؤمنين علیه السّلام عن قتال طلحة والزبير فقال إنهما بايعاني بالحجاز و خلعاني بالعراق فاستحللت قتالهما لنكثهما بيعتي.
112 - عنه عن تاريخ الطبري و البلاذري أنه ذكر مجيء طلحة والزبير إلى البصرة قبل الحسن فقال يا سبحان الله ما كان للقوم عقول أن يقولوا و الله ما قتله غيركم.
113 - عنه عن تاريخ الطبري قال يونس النحوي فكرت في أمر علي و طلحة والزبير إن كانا صادقين أن عليا علیه السّلام قتل عثمان فعثمان هالك و إن كذبا عليه فهما هالكان.
114 - عنه عن تاريخ الطبري قال رجل من بني سعد:
صنتم حلائلكم وقدمكم أمكم *** هذا لعمرك قلة الإنصاف
أمرت بحر ذيولها في بيتها *** فهوت تشق البيد بالإيجاف
عرضا يقاتل دونها أبناؤها *** بالنبل و الخطى والأسياف
115 - عنه قال: أنفذ أمير المؤمنين علیه السّلام زيد بن صوحان و عبد الله بن عباس فوعطاها و خوفاها. و في رامش افزاي أنها قالت لا طاقة لي بحجج علي فقال ابن عباس لا طاقة لك بحجج المخلوق فكيف طاقتك بحجج الخالق.
جمل أنساب الأشراف أنه زحف علي بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين و على ميمنته الأشتر و
ص: 146
سعيد بن قيس و على ميسرته عمار و شريح بن هاني و على القلب محمد بن أبي بكر و عدي بن حاتم و على الجناح زياد بن كعب و حجر بن عدي و على الكمين عمرو بن الحمق و جندب بن زهير و على الرجالة أبو قتادة الأنصاري و أعطى رايته محمد بن الحنفية ثم أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر يدعوهم و يناشدهم و يقول لعائشة.
إن الله أمرك أن تقري في بيتك فاتق الله و ارجعي و يقول لطلحة و الزبير خبأتما نساءكما و أبرزتما زوجة رسول الله و استفززتماها فيقولان إنما جئنا للطلب بدم عثمان و أن يرد الأمر شورى و ألبست عائشة درعا و ضربت على هودجها صفائح الحديد و ألبس الهودج درعا و كان الهودج لواء أهل البصرة و هو على جمل يدعى عسكرا.
116 - عنه عن ابن مردويه في كتاب الفضائل من ثمانية طرق أن أمير المؤمنين علیه السّلام قال للزبير أما تذكر يوما كنت مقبلا بالمدينة تحدثني إذ خرج رسول الله فرآك معي و أنت تبسم إلي فقال لك يا زبير أتحب عليا فقلت و كيف لا أحبه و بيني و بينه من النسب والمودة في الله ما ليس لغيره فقال إنك ستقاتله و أنت ظالم عليه فقلت أعوذ بالله ذلك.
117- عنه ثم قال أمير المؤمنين علیه السّلام دع هذا بايعتني طائعا ثم جنت محاربا فما عدا مما بدا فقال لا جرم و الله لا قاتلتك.
118 - عنه عن حلية الأولياء قال عبد الرحمن بن أبي ليلى فلقيه عبد الله ابنه فقال جبنا جبنا فقال يا بني قد علم الناس أني لست بجبان و لكني ذكرني علي شيئا سمعته من رسول الله فحلفت أن لا أقاتله فقال دونك غلامك فلان أعتقه كفارة ليمينك.
119 - عنه في رواية قالت عائشة لا و الله بل خفت سيوف ابن أبي
ص: 147
طالب أما إنها طوال حداد تحملها سواعد أنجاد و لئن خفتها فلقد خافها الرجال من قبلك فرجع إلى القتال فقيل لأمير المؤمنين علیه السّلام إنه قد رجع فقال دعوه فإن الشيخ محمول عليه.
120 - عنه ثم قال أيها الناس غضوا أبصاركم و عضوا على نواجذكم و أكثروا من ذكر ربكم و إياكم وكثرة الكلام فإنه فشل.
و نظرت عائشة إليه و هو يجول بين الصفين فقالت انظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله يوم بدر أما والله ما ينتظر بك إلا زوال الشمس.
فقال علي علیه السّلام يا عائشة عما قليل لتصبحن نادمين فجد الناس في القتال فنهاهم أمير المؤمنين علیه السّلام و قال:
اللهم إني أعذرت و أنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين ثم أخذ المصحف و طلب من يقرأ عليهم «وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما» الآية. فقال مسلم المجاشعيها أنا ذا فخوفه بقطع يمينه و شماله و قتله فقال لا عليك يا أمير المؤمنين فهذا قليل في ذات الله فأخذه و دعاهم إلى الله فقطعت يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فقطعت فأخذه بأسنانه فقتل.
121 - عنه قال لمحمد بن الحنفية و الراية في يده يا بني تزول الجبال و لا تزل عض ناجذك أعر الله جمجمتك تد في الأرض قدميك ارم ببصرك أقصى القوم و غض بصرك واعلم أن النصر من الله ثم صبر سويعة فصاح الناس من كل جانب من وقع النبال فقال علیه السّلام تقدم يا بني فتقدم و طعن طعنا منكرا و قال علیه السّلام :
اطعن بها طعن أبيك تحمد *** لا خير في حرب إذا لم توقد
بالمشرفي و القنا المسدد *** و الضرب بالخطي و المهند
ص: 148
فأمر الأشتر أن يحمل فحمل و قتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل و كان زيد يرتجز و يقول ديني ديني و بيعي بيعي.
و جعل مخنف بن مسلم يقول:
قد عشت يانفس وقد غنیت *** دهرا و قبل اليوم ما عييت
و بعد ذا لا شك قد فنيت *** أما مللت طول ما حييت
فخرج عبد الله بن اليثربي قائلا :
يا رب إني طالب أبا الحسن *** ذاك الذي يعرف حقا بالفتن
فبرز إليه علي علیه السّلام قائلا:
إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن *** فاليوم تلقاه ملبا فاعلمن
و ضربه ضربة محرفة فخرج بنو ضبة و جعل يقول بعضهم:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل *** والموت أحلى عندنا من العسل
ردوا علينا شيخنا بمرتحل *** إن عليا بعد من شر النذل
و قال آخر:
نحن بنو ضبة أعداء علي *** ذاك الذي يعرف فيهم بالوصي
و كان عمرو بن اليثربي يقول:
إن تنكروني فأنا ابن اليثربي *** قاتل عليا يوم هند الجمل
ثم ابن صوحان على دين على فبرز إليه عمار قائلا:
لا تبرح العرصة يا ابن اليثربي *** اثبت أقاتلك على دين علي
و أرداه عن فرسه و جر برجله إلى علي علیه السّلام فقتله بيده فخرج أخوه قائلا:
أضربكم و لا أرى عليا *** ممته أبيض مشرفيا
ص: 149
و أسمر عنطنطا خطيا *** أبكي عليه الولد و الوليا
فخرج علي متنكرا و هو يقول:
يا طالبا في حربه عليا *** یمنعه أبيض مشرفيا
اثبت ستلقاه بها مليا *** مهذبا سميدعا كميا
فضر به فرمى نصف رأسه فناداه عبد الله بن خلف الخزاعي صاحب منزل عائشة بالبصرة أتبارزني فقال علیه السّلام ما أكره ذلك و لكن ويحك يا ابن خلف ما راحتك في القتل و قد علمت من أنا فقال ذرني من بذخك يا ابن أبي طالب ثم قال:
إن تدن مني يا علي فترا *** فإنني دان إليك شبرا
بصارم يسقيك كأسا مرها *** إن في صدري عليك وترا
فبرز إليه علي علیه السّلام قائلا:
يا ذا الذي يطلب مني الوترا *** إن كنت تبغي أن تزور القبرا
حقا وتصلى بعد ذاك جمرا *** فادن تجدني أسدا هزبرا
أصعطك اليوم ذعافا صبرا
فضربه فطير جمجمته فخرج مازن الضبي قائلا:
لا تطمعوا في جمعنا المكلل *** الموت دون الجمل المجلل
فبرز إليه عبد الله بن نهشل قائلا:
إن تنكروني فأنا ابن نهشل *** فارس هيجاء و خطب فيصل
فقتله و كان طلحة يحث الناس ويقول عباد الله الصبر الصبر في كلام البلاذري أن مروان بن الحكم قال والله ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبدا فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته و التفت إلى أبان بن عثمان و قال لقد كفيتك أحد قتلة أبيك.
ص: 150
122 - عنه عن معارف القتيبي أن مروان قتل طلحة يوم الجمل بسهم فأصاب ساقه.
123 - عنه يا عائشة قتل طلحة والزبير و جرح عبد الله بن عامر من يدي علي فصالحي عليا فقالت كبر عمرو عن الطوق و جل أمر عن العتاب ثم تقدمت فحزن علي علیه السّلام . وقال إنا لله و إنا إليه راجعون فجعل يخرج واحد بعد واحد و يأخذ الزمام حتى قطع ثمان و تسعين رجلا ثم تقدمهم كعب بن سون الأزدي و هو يقول:
يا معشر الناس عليكم أمكم *** فإنها صلاتكم وصومكم
و الحرمة العظمى التي تعمكم *** لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
فقتله الأشتر فخرج ابن جفير الأزدي يقول:
قد وقع الأمر بمالم يحذر *** و النبل يأخذن وراء العسكر
و أمنا في خدرها المشهر
فبرز إليه الأشتر قائلا:
اسمع و لا تعجل جواب الأشتر *** و اقرب تلاقي كأس موت أحمر
ينسيك ذكر الجمل المشهر
فقتله ثم قتل عمير الغنوي و عبد الله بن عتاب بن أسيد ثم جال في الميدان جولا و هو يقول:
نحن بنو الموت به غذينا
فخرج إليه عبد الله بن الزبير فطعنه الأشتر و أرداه و جلس على صدره ليقتله فصاح عبد الله اقتلوني و مالكا و اقتلوا مالکا فقصد إليه من كل جانب فخلاه و ركب فرسه فلما رأوه راكبا تفرقوا عنه و شد رجل من الأزد على محمد بن الحنفية و هو يقول يا معشر الأزد كروا فضربه ابن
ص: 151
الحنفية فقطع يده و قال يا معشر الأزد فروا فخرج الأسود بن البختري السلمي قائلا:
ارحم إلهي الكل من سليم *** و انظر إليه نظرة الرحيم
فقتله عمرو بن الحمق فخرج جابر الأزدي قائلا:
يا ليت أهلي من عمار حاضري *** من سادة الأزد و كانوا ناصري
فقتله محمد بن أبي بكر و خرج عوف القيني قائلا:
يا أم يا أم خلا مني الوطن *** لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن
فقتله محمد بن الحنفية فخرج بشر الضبي قائلا:
ضبة أبدي للعراق عمعمة *** وأضر مى الحرب العوان المضرمة
فقتله عمار وكانت عائشة تنادي بأرفع صوت أيها الناس عليكم بالصبر فإنما يصبر الأحرار فأجابها كوفي:
يا أم يا أم عققت فاعلموا *** و الأم تغذو ولدها و ترحم
أما تراكم من شجاع يكلم *** وتجتلي هامته و المعصم
و قال آخر:
قلت لها و هي على مهوات *** إن لنا سواك أمهات
في مسجد الرسول ثاويات
فقال الحجاج بن عمر الأنصاري:
يا معشر الأنصار قد جاء الأجل *** إني أرى الموت عيانا قد نزل
فبادروه نحو أصحاب الجمل *** ما كان في الأنصار جبن و فشل
فكل شيء ما خلا الله جلل
و قال خزيمة بن ثابت:
لم يغضبوا الله إلا للجمل *** والموت خير من مقام في خمل
ص: 152
والموت أحرى من فرار و فشل
و قال شريح بن هاني:
لاعيش إلا ضرب أصحاب الجمل *** والقول لا ينفع إلا بالعمل
ما أن لنا بعد علي من بدل
و قال هاني بن عروة المذحجي:
يا لك حرب حثها جمالها *** قائدة ينقصها ضلالها
هذا علي حوله أقيالها
و قال سعد بن قيس الهمداني:
قل للوصي اجتمعت قحطانها *** إن يك حرب أضرمت نيرانها
و قال عمار:
أني لعمار و شيخي ياسر *** صاح كلانا مؤمن مهاجر
طلحة فيها و الزبير غادر *** والحق في كف علي ظاهر
و قال الأشتر :
هذا علي في الدجى مصباح *** نحن بذا في فضله فصاح
و قال عدي بن حاتم:
أنا عدي و نماني حاتم *** هذا على بالكتاب عالم
لم يعصه في الناس إلا ظالم
و قال عمرو بن الحمق:
هذا علي قائد نرضى به *** أخو رسول الله في أصحابه
من عوده النامي و من نصابه
و قال رفاعة بن شداد البجلي:
إن الذين قطعوا الوسيلة *** و نازعوا على علي الفضيلة
ص: 153
في حربه كالنعجة الأكيلة
و شكت السهام الهودج حتى كأنه جناح نسر أو شوك قنفذ.
124 - عنه قال أمير المؤمنين علیه السّلام ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج اعقروا الجمل.
125 - عنه في رواية عرقبوه فإنه شيطان و قال لمحمد بن أبي بكر انظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها فعرقب رجل منه فدخل تحته رجل ضبي ثم عرقب أخرى عبد الرحمن فوقع على جنبه فقطع عمار نسعه فأتاه علي علیه السّلام و دق رمحه على الهودج و قال يا عائشة أهكذا أمرك رسول الله أن تفعلي.
فقال: يا أبا الحسن ظفرت فأحسن و ملكت فأسجح فقال لمحمد بن أبي بكر شأنك وأختك فلا يدن منها أحد سواك فقال لها ما فعلت بنفسك عصيت ربك و هتكت سترك ثم أبحت حرمتك و تعرضت للقتل فذهب بها إلى دار عبد الله بن خلف الخزاعي.
فقالت أقسمت عليك أن تطلب عبد الله بن الزبير جريحا كان أو قتيلا فقال إنه كان هدفا للأشتر فانصرف محمد إلى العسكر فوجده فقال اجلس يا مشئوم أهل بيته فأتاها به فصاحت و بكت ثم قالت يا أخي استأمن له من علي فأتى أمير المؤمنين علیه السّلام فاستأمن له منه فقال علیه السّلام أمنته و أمنت جميع الناس.
و كانت وقعة الجمل بالخريبة ووقع القتال بعد الظهر و انقضى عند المساء فكان مع أمير المؤمنين علیه السّلام عشرون ألف رجل منهم البدريون ثمانون رجلا و ممن بايع تحت الشجرة مائتان و خمسون و من الصحابة ألف و خمسمائة رجل و كانت عائشة فى ثلاثين ألفا أو يزيدون منها المكيون ستمائة
ص: 154
رجل. قال قتادة قتل يوم الجمل عشرون ألفا.
126 - عنه قال الكلبي قتل من أصحاب علي ألف راجل و سبعون فارسا منهم زيد بن صوحان و هند الجملي و أبو عبد الله العبدي و عبد الله ابن رقبة.
127 - عنه قال أبو مخنف و الكلبي قتل من أصحاب الجمل من الأزد خاصة أربعة آلاف رجل و من بني عدي و مواليهم تسعون رجلا و من بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل و من بني حنظلة تسعمائة رجل و من بني ناجية أربعمائة رجل و الباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف إلا تسعين رجلا.
و القرشيون منهم طلحة والزبير و عبد الله بن عتاب بن أسيد و عبد الله بن حكيم بن حزام و عبد الله بن شافع بن طلحة و محمد بن طلحة و عبد الله بن أبي خلف الجمحي و عبد الرحمن بن معد و عبدالله بن معد. و عرقب الجمل أولا أمير المؤمنين علیه السّلام و يقال مسلم بن عدنان و يقال رجل من الأنصار و يقال رجل ذهلي و قيل لعبد الرحمن بن صرد التنوخي لم عرقبت الجمل.
عقرت و لم أعقربها لهوانها *** علي و لكني رأيت المهالكا
و ما زالت الحرب العوان تحشهاه *** بنوهاتها حتى هوى القود باركا
فأضجعته بعد البروك لجنبه *** فخر صريعا كالثنية حالكا
فكانت شرارا إذ أطيقت بوقعة *** فيا ليتني عرقبته قبل ذالكا
و قال عثمان بن حنيف:
شهدت الحروب فشيبتني *** فلم أر يوما كيوم الجمل
أشد على مؤمن فتنة *** و أقتل منهم لحرق بطل
ص: 155
فليت الظعينة في بيتها *** وياليت عسكر لم يرتحل
128 - ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقى بن مخلد قال حدثنا أبو بكر، قال حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنى العلاء بن المنال قال حدثنا عاصم بن كليب الجرمي، قال: حدثني أبي، قال: حاصرنا توج و علينا رجل من بني سليم يقال له: مجاشع بن مسعود، قال: فلما أن افتحناها – قال: و على قميص خلق - إنطلقت إلى قتيل من القتلى الذين قتلنا من العجم،
قال: فأخذت من قميص بعض أولئك القتلى، قال: و عيله الدماء، فغسلته بين أحجار، و دلكته حتى أنقيته و لبسته و أدخلته القرية، فأخذت إبرة و خيوطا، فخطت قمیصی فقام مجاشع فقال: يا أيها الناس لا تغلوا شيئاً من ل شيئاً جاا به يوم القيامة و لو كان مخيطا، فانطلقت إلى ذلك القميص فنزعته و انطلقت إلى قميصى.
فجعلت أفتقه حتى والله يا بني جعلت أخرق قميصى توقيا على الخيط أن ينقطع؛ فانطلقت و الابرة و القميص الذي كنت أخذته من المقاسم فالقيته فيها ثم ما ذهبت من الدنيا حتى رايتهم يغلون الأوساق، فاذا قلت: أى شيء هذا؟ قالوا نصيبا من الفيء أكثر من هذا قال عاصم و رأى أبى رؤیا و هم محاصرو توج في خلافة عثمان، و كان أبى إذا رأى رؤيا كأنما ينظر إليها زهارا، و كان أبى قد أدرك النبي صلّی الله علیه و آله.
:قال فرأى كأن رجلا مريضاً و كأن قوماً يتنازعون عنده، اختلفت أيديهم و ارتفعت أصواتهم و كان امرأة عليها ثياب خضر جالسة كأنها لو تشاء أصلحت بينهم، إذ قام رجل منهم فقلب بطانة جبة عليه ثم قال: أى معاشر المسلمين أيخلق الاسلام فيكم وهذا سربال نبي الله فيكم لم يخلق.
ص: 156
إذ قام آخر من القوم فأخذ بأحد لوحى المصحف فنفضه حتى اضطرب ورقه، قال: فأصبح أبى يعرضها و لا يجد من يعبرها، قال: كأنهم هابوا تعبيرها، قال: قال أبى: فلما أن قدمت البصرة فاذا الناس قد عسكروا، قال: قلت ما شأنهم؟ قال: فقالوا: بلغهم أن قوما قد ساروا إلى عثمان فعسكروا ليدركوه فينصروه.
فقام ابن عامر فقال: إن أمير المؤمنين صالح، و قد انصرف عنه القوم إلى، فرجعوا منازلهم فلم يفجأهم إلا قتله، قال: فقال أبي: فما رأيت يوما قط كان أكثر شيخا باكيا تخلل الدموع لحيته من ذلك اليوم؛ فما لبث إلا قليلا حتى إذا الزبير و طلحة قد قدما البصرة، قال: فما لبثت بعد ذلك إلا يسيرا حتى إذا على أيضاً قد قدم، فنزل بذى قار.
قال: فقال لى شيخان من الحى: اذهب بنا إلى هذا الرجل، فلننظر إلى ما يدعو، و أى شيء جاء به، فخرجنا حتى إذا دنونا من القوم و تبينا فساطيطهم إذا شاب جلد غليظ خارج من العسكر، قال العلاء: رئيت أنه قال: على بغل، فلما أن نظرت إليه شبهته المرأة التي رأيتها عند رأس المريض فى النوم.
فقلت لصاحبي: لئن كان للمرأة، التي رأيت في المنام عند رأس المريض أخ إن ذا الأخوهاه، قال: فقال لى أحد الشيخين الذين معي: ما تريد إلى هذا؟ قال: و غمزني بمرفقه قال الشاب: أي شيء قلت؟ قال: فقال أحد الشيخين: لم يقل شيئاً، فانصرف، قال لتخبرني ما قلت.
قال: فقصصت عليه الرؤيا، قال: لقد رأيت؟ قال: و ارتاع ثم لم يزل يقول: لقد رأيت لقد رأيت، حتى انقطع عنا صوته، قال: فقلت لبعض من لقيت من الرجال الذي رأينا آنفاً، قال محمد بن أبي بكر، قال: فعرفنا أن
ص: 157
المرأة عائشة، قال؛ فلما أن قدمت العسكر قدمت على أدهى العرب – يعنى علياً قال:
والله لدخل على في نسب قومي حتى جعلت أقول: والله لهو أعلم بهم منى حتى قال: أما إن بني راسب بالبصرة أكثر من بني قدامة، قال: قلت أجل قال: فقال: أسيد قومك أنت؟ قلت لا و إني فيه لمطاع، و لغيرى أسود، و أطوع فيهم منى.
قال: فقال: من سيد بني راسب؟ قلت: فلان، قال: فسيد بني قدامة؟ قال: قلت: فلان - لآخر؛ قال: هل أنت مبلغهما كتابين منى؟ قلت: نعم، قال: ألا تبايعون؟ قال: فبايع الشيخان اللذان معي، قال: و أضب قوم كانوا عنده، قال: وقال أبى بيده كان فيهم خفة، قال: فجعلوا يقولون: بايع بايع، قال: وقد أكل السجود وجوههم،
قال: فقال إلى القوم: دعو الرجل، قال: فقال أبي: انما بعثني قومى رائدا و سأنهى إليهم ما رأيت فان بايعوك بايعتك، و إن اعتزلوك اعتزلتك؛ قال: فقال على: أرأيت لو أن قومك بعثوك رائداً فرأيت روضة و غديراً فقلت: يا قوم النجعة النجعة، فأبوا ما أنت منتجع بنفسك؟ قال: فأخذت بأصبع من أصابعة.
ثم قلت: نبايعك على أن نطيعك ما أطعت الله، فاذا عصيته فلا طاعة لك علينا، فقال: نعم، و طول بها صوته، قال: فضربت على يده، قال: ثم التفت إلى محمد بن حاطب وكان في ناحية القوم، قال: فقال: أما انطلقت إلى قومك بالبصرة فأبلغهم كتبى و قولى.
قال: فتحول إليه محمد فقال: إن قومى إذا أتيتهم يقولون: ما قول صاحبك في عثمان؟ قال: فسبه الذين حوله، قال: فرأيت جبين على يرشح
ص: 158
كراهية لما يجيئون به قال: فقال محمد أيها الناس! كفوا فوالله ما إياكم أسئل، و لا عنكم أسئل، قال: فقال على: أخبرهم أن قولى في عثمان أحسن القول.
إن عثمان كان من الذين آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا ثم اتقوا و أحسنوا و الله يحب المحسنين. قال: قال أبى: فلم أبرح حتى قدم على أهل الكوفة، جعلوا يلقونى فيقولون: أترى اخواننا من أهل البصرة يقاتلوننا، قال: ويضحكون و يعجبون، ثم قالوا:
والله لو قد التقينا تعاطينا الحق، قال: فكأنهم يرون أنهم لا يقتتلون، قال: و خرجت بكتاب على، فأما أحد الرجلين اللذين كتب إليهما فقبل الكتاب و أجابه، و دللت على الآخر فتواری، و فاو أنهم قالوا كليب، فأذن لى فدفعت إليه الكتاب، فقلت: هذا كتاب على و أخبرته إلى أخبرته أنك سيد قومك، قال: فأبى أن يقبل الكتاب، و قال:
لا حاجة لى إلى السؤدد اليوم، إنما ساداتكم اليوم شبيه بالأوساخ أو السفلة أو الأدعياء، وقال: كلمه، لا حاجة لى اليوم في ذلك، فأبى أن يجيبه، قال فو الله ما رجعت إلى على حتى إذا العسكر أن قد تداينا فاستتب عبدانهم، فركب القراء الذين مع على حين أطعن القوم، وما وصلت إلى على حتى فرغ القوم من قتالهم.
دخلت على الأشتر فاصابه جراح - قال عاصم: و كان بيننا و بينه قرابة من قبل النساء - فلما أن نظر إلى أبى قال و البيت مملوء من اصحابه، قال: يا كليب إنك أعلم بالبصرة منا، فاذهب فاشتر لى إفرة جمل نجدة فيها فاشتريت من عريف المهرة جمله بخمسمأته، قال: اذهب به إلى عائشة و قل: يقرئك ابنك مالك السلام، ويقول:
ص: 159
خذى هذا الجمل فتبلغى عليه مكان جملك، فقالت: لا سلم الله عليه، إنه ليس يا بنى، قال: و أبت ان تقبله، قال فرجعت إليه فأخبرته بقولها، قال: فاستوى جالسا ثم حسر عن ساعده، قال: ثم قال: إن عائشة لتلومني على الموت المميت، إنى أقبلت في رجرجة من مذحج.
فاذا ابن عتاب قد نزل فعانقني، قال: فقال: اقتلونی و مالکا، قال: فضربته فسقط سقوطا، قال ثم و ثبت إلى ابن الزبير فقال: اقتلوني و مالكا، و ما أحب أنه قال: اقتلوني و الأشتر، و لا أن كل مذحجية ولدت غلاماً، فقال أبى: إنى اعتمرتها في غفلة، فقلت: ما ينفعك أنت إذا قلت أن تلد كل مذحجية غلاما.
قال: ثم دنا منه أبى فقال: أوص بي صاحب البصرة؛ فان لى مقاماً بعدكم، فقال: لو قد رآك صاحب البصرة لقد أكرمك، قال: كأنه يرى أنه الأمير قال: فخرج أبى من عنده فلقيه رجل، قال: فقال:
قد قام أمير المؤمنين قبل خطيباً، فاستعمل ابن عباس على أهل البصرة، و زعم أنه سائر إلى الشام يوم كذا و كذا، قال: فرجع أبى فأخبر الأشتر، قال: فقال لأبي، أنت سمعته؟ قال: فقال أبى: لا، قال: فنهره، وقال: اجلس، إن هذا هو الباطل؛ قال: فلم أبرح أن جاء رجل فاخبره مثل خبری؛ قال: فقال:
أنت سمعت ذاك؟ قال: فقال: لا، فنهره نهرة دون التي نهرني؛ قال: لحظ إلى وأنا فى جانب القوم، أى إن هذا قد جاء بمثل خبرك، قال: فلم ألبث أن جاء عتاب التغلبي و السيف يخطر – أو يضطرب - في عنقه.
فقال: هذا أمير مؤمنيكم قد استولى ابن عمه على البصرة، و زعم انه سائر إلى الشام يوم كذا و كذا و قال: قال له الأشتر: أنت سمعته يا أعور؟
ص: 160
قال: أي والله يا أشتر لأنا سمعته بأذنى هاتين، فتبسم تبسماً فيه كشور،
قال: فقال: فلا ندرى إذا علام قتلنا الشيخ بالمدينة؟ قال: ثم قال: المذحجية توقوا فاركبوا، فركب، قال: و ما أراه يريد يومئذ إلا معاوية، قال: فهم على أن يبعث خيلا تقاتله، قال: ثم كتب إليه أنه لم يمنعني من تأميرك أن لا تكون لذلك أهلا، و لكنى أردت لقاء اهل الشام و هم قومك، فأردت أن استظهر بك عليهم.
قال: و نادى فى الناس بالرحيل، قال: فاقام الأشتر حتى أدركه أوائل الناس. قال: وكان قد وقت لهم يوم الاثنين، فما ريت، فلما صنع الأشتر ما صنع نادى فى الناس قبل ذلك بالرحيل.
129 - عنه حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن رجل قد سماء قال: شهدت يوم الجمل فما دخلت دار الوليد إلا ذكرت يوم الجمل: و وضع السيوف على الميض قال: كنت أرى علياً يحمل فيضرب بسيفه حتى ينثنى ثم يرجع فيقول: لا تلومني، و لوموا هذا، ثم يعود فيقومه.
130 - عنه حدثنا ابن إدريس عن حصين عن ميسرة أبي جميلة قال: إن أوّل يوم تكلمت الخوارج يوم الجمل قالوا: ما أحل لنا دماءهم و حرم علينا ذراريهم وأموالهم، قال: فقال على: إن العيال مني على الصدر و النحر، و لكم فى خمسمائه خمسمائة، جعلتها لكم ما يغنيكم عن العيال.
131 - عنه حدثنا محمد بن أبى عدى عن التيمي عن حريث بن مخش، قال: كانت رأية على سوداء يعنى يوم الجمل، و رأية أولئك.
132 - حدثنا وكيع عن سفيان عن الزبير بن عدى عن حذيفة أنه قال لرجل: ما فعلت آمك ؟ قال: قد ماتت، قال: أما إنك ستقاتلها، قال: فعجب الرجل من ذلك حتى خرجت عائشة.
ص: 161
133 - عنه حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: قسم على مواريث من قبل يوم الجمل على فرائض المسلمين: للمرأة تمنها، و للابنة نصيبها، للابن فريضته، وللام سمهما.
134 - عنه عن يزيد بن هارون عن شريك عن أبى العنبس عن أبى البختري قال: سئل على عن أهل الجمل قال: قيل: أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا، قيل: أمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا: قيل: فما هم؟ قال اخواننا بغوا علينا.
135 - عنه حدثنا عباد بن العوام عن الصلت بن بهرام عن شقيق ابن سلمة أن علياً لم يسب يوم الجمل ولم يقتل جريحا.
136 - عنه حدثنا عباد بن العوام عن الصلت بن بهرام، عن عبد الملك ابن سلع، عن عبد خير أن علياً علیه السّلام لم يسب يوم الجمل و لم يخمس، قالوا: يا أمير المؤمنين، ألا تخمس أموالهم؟ قال: فقال: هذه عائشة تستأمرها، قال: قالوا: ما هو إلا هذا ما هو إلا هذا.
137 - عنه حدثنا أبن إدريس عن هارون بن إبراهيم عن عبدالله ابن عبيد بن عمير أن الأشتر و ابن الزبير التقيا، فقال ابن الزبير: فما ضربته ضربة حتى ضربنى خمسا أو ستا، قال: ثم قال: و ألقاني برجل ثم قال: والله لو لا قرابتك من رسول الله صلّی الله علیه و آله ما تركت منك عضوا مع صاحبه، قال: و قالت عائشة: و الكل أسماء، قال: فلما كان بعد أعطت الذي بشرها به أنه حي عشرة آلاف.
138 - عنه حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبد الله بن محمد قال: أخبرنى أبى أن علياً علیه السّلام قال يوم الجمل: نمن عليهم بشهادة أن لا إله الا الله نورث الآباء من الأنباء.
ص: 162
139- عنه حدثنا أبو أسامة قال حدثنا مسعر عن ثابت بن عبيد قال: سمعت أبا جعفر يقول: لم يكفر أهل الجمل.
140 - عنه حدثنا غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت سويد ابن الحارث قال: لقد رأيتنا يوم الجمل و إن رماحنا و رماحهم لمتشاجرة، و لو شاءت الرجال لمشت، عليهم؛ يقولون الله اكبر، و يقولون: سبحان الله الله اكبر، و يقولون: ليس فيها شك؛ و ليتنى لم أشهد، و يقول عبدالله بن سلمة: و لكنى ما سرني أنى لم أشهد، و لو ددت أن كل شهد شهده على شهدته.
14 - حدثنا أبو أسامة، قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: أخبرنا قيس قال: رمی مروان بن الحكم يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته؛ قال: فجعل الدم يغدو يسيل، قال: فاذا أمسكوه استمسك، و إذا تركوه سال، قال: فقال: دعوه، قال: وجعلوا إذا أمسكوا فم الجرح انتفخت ركبته، فقال: دعوه فانما هو سهم أرسله الله، قال: فمات؛ قال:
فدفناه على شاطى الكلاء، فرأى بعض أهله أنه قال: ألا تريحونني من الماء؟ فانى قد غرقت - ثلاث مرار يقولها، قال: فنبشوء فاذا هو أخضر كالسلق فنزفوا عنه الماء ثم استخرجوا فاذا ما يلى الأرض من لحيته و وجهه قد أكلته الأرض، فاشتر وا له دارا من دور آل أبي بكرة بعشرة آلاف فدفنوه فيها.
142 - عنه حدثنا أبو أسامة قال حدثنا إسماعيل عن قيس قال: لما بلغت عائشة بعض مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب عليها، فقالت: أى ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، فوقفت فقالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال لها طلحة والزبير: مهلا رحمك الله ، بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله
ص: 163
ذات بينهم قالت ما أظنني إلا راجعة إنى سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله قال لنا ذات يوم: كيف باحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب.
143 - عنه حدثنا أبو أسامة قال حدثنا إسماعيل عن قيس قال: قالت عائشة لما حضرتها الوفاة: ادفنوني مع أزواج النبي صلّی الله علیه و آله فاني كنت أحدثت بعد حدثاه.
144 - عنه حدثنا غندر عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبى قال: بلغ - على بن أبى طالب علیه السّلام أن طلحة يقول : إنما بايعت و اللج على قفاي، قال: فأرسل ابن عباس فسألهم قال: فقال أسامة بن زيد أما و اللج على قفاء و لكن قد بايع و هو كاره، قال: فوثب الناس إليه حتى كادوا أن يقتلوه، قال: فخرج صهيب و أنا الى جنبه فالتفت إلى فقال: قد ظننت أن أم عوف حانقة.
145 - عنه حدثنا أبو أسامة عن خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر قال: جلس على علیه السّلام وأصحابه يوم يبكون على طلحة والزبير.
146 - عنه حدثنا أبو أسامة قال حدثنا معتمر بن سلمان عن أبيه قال: حدثنا أبو نضرة أن ربيعة كلمت طلحة في مسجد نبي مسلمة فقالوا: كنا في نحر العدو حتى جاء تنا بيعتك هذا الرجل، ثم أنت الآن تقاتله أو كما قالوا، قال: فقال: إنى أدخلت الحش و وضع على عنق اللج، وقيل: بايع و إلا قاتلناك.
قال: فبایعت و عرفت أنها بيعة ضلالة، قال التيمي: قال الوليد بن عبدالملك: إن منافقا من منافقي أهل العراق جبلة ابن حكيم قال للزبير: فانك قد بايعت؟ فقال الزبير: إن السيف وضع على قفى فقيل لى: بايع وإلا قتلناك قال: فبايعت.
ص: 164
147 - عنه حدثنا محمد بن بشر قال سمعت أحمد بن عبد الله بن الأصم يذكر عن أم راشد جدته قالت كنت عند أم هاني فأتاها على علیه السّلام، فدعت له بطعام: فقال: مالى لا أرى عندكم بركة - يعنى الشاة، قالت: فقالت: سبحان الله، بلى و الله إن عندنا لبركة، قال: إنما أعنى الشاة، قالت: و نزلت فلقيت رجلين في الدرجة.
فسمعت أحدهما يقول لصاحبه: بايعته أيدينا و لم تبايعه قلوبنا، قالت: فقلت: من هذان الرجلان؟ فقالوا: طلحة والزبير، قالت: فاني قد سمعت أحدهما يقول لصاحبه: بايعته أيدينا و لم يبايعه قلوبنا، فقال على: «فَمَنْ نَكَتَ فَإِنما يَنْكُتُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظیمًا»
148 - عنه حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو الأحوص عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: ضرب فسطاط بين العسكرين يوم الجمل ثلاثة أيام فكان على و الزبير و طلحة يأتونه، فيذكرون فيه ما شاء الله، حتى إذا كان يوم الثالث عند زوال الشمس رفع على جانب الفسطاط.
ثم أمر بالقتال فمشى بعضنا إلى بعض، و شجرنا بالرماح حتى لو شاء الرجل أن يمشى عليها لمشى ، ثم أخذتنا السيوف فما شبهتها إلا دار الوليد.
149 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا شريك عن السدى عن عبد خير عن على علیه السّلام أنه قال يوم الجمل: لا تتبعوا مدبرا، و لا تجهزوا على جریح و من ألق سلاحه فهو آمن.
150 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن مسلم البطين و سلمة بن كهيل عن حجر بن غلس أن عليا أعطى أصحابه بالبصرة خمسمائة، خمسمائة.
ص: 165
151 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا مسعود بن سعد الجعفى عن عطاء بن السائب عن أبي البختري. قال: لما انهزم أهل الجمل قال على علیه السّلام: لا يطلين عبد خارجا من العسكر، و ما كان من دابة أو سلاح فهو لكم؛ وليس لكم أم ولد؛ و المواريث على فرائض الله، وأى امراة قتل زوجها فلتعتد اربعة أشهر وعشراً، قالوا: يا أمير المؤمنين.
تحل لنا دماؤهم و لا تحل لنا نساؤهم، قال: فخاصموا فقال: كذلك السيرة فى أهل القبلة، قال: فهاتوا سهامكم و اقرعوا على عائشة في رأس الأمر وقائدهم، قال: ففرقوا و قالوا: نستغفر الله، قال: فخصمهم على.
152 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا ابن عينة عن إسماعيل ابن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: سمعت طلحة بن عبيد الله يوم الجمل يقول : إنا كنا داهنا فى أمر عثمان فلا نجد بدا من المبايعة.
153- عنه حدثنا ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي، قال: لم يشهد الجمل من أصحاب النبي صلّی الله علیه وآله من المهاجرين والأنصار إلا على و عمار و طلحة والزبير فان جاؤا بخامس فأنا كذاب.
154 - عنه حدثنا عبدة بن سليمان عن الأعمش عن شهر بن عطية عن عبدالله بن زياد قال: قال عمار بن ياسر: إن أمنا سارت مسيرنا هذا، و إنها والله زوجة محمد صلّی الله علیه وآله فى الدنيا و الآخرة ، و لكن الله ابتلانا بهذا ليعلم اياه نطيع أم إياها.
155 - عنه حدثنا ابن إدريس عن حسن بن فرات عن أبيه عن عمير بن سعد قال: لما رجع على من الجمل و تهياً لصفين اجتمعت النخع حتى دخلوا على الأشتر، فقال: هل فى البيت إلا نخعى؟ فقالوا: لا، فقال: إن هذه الأمة عمدت إلى خيرها فقتلته و سرنا إلى أهل البصرة قوم لنا عليهم بيعة
ص: 166
فتصرنا عليهم بنكتهم وإنكم تسيرون غدا إلى أهل الشام قوم ليس لكم عليهم بيعة، فلينظر امرؤ، منكم أين يضع سيفه.
156 - عنه حدثنا وكيع عن عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّی الله علیه وآله: أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت.
157 - عنه حدثنا الفضيل بن دكين عن عبد الجبار بن عباس عن عطاء بن السائب عن عمرو بن الهجنع عن أبى بكرة قال: قيل له: ما منعك أن تكون قاتلت على بصيرتك يوم الجمل؟ قال: سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله يقول: يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة؛ قال: هم فى الجنة.
158 - عنه حدثنا أبو داود عن عيينة بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: سمعت النبي صلّی الله علیه و آله يقول : لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة.
159 - عنه حدثنا عبدة بن سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة عن الحارث بن جمهان الجعفى قال: لقد رأيتنا يوم الجمل و إن رماحنا و رماحهم متشاجرة و لو شاء الرجل أن يمشى عليها لمشي، قال: و هؤلاء :يقولون: لا إله إلّا الله والله اكبر، و هؤلاء يقولون: لا إله إلّا الله والله اكبر.
160 - عنه حدثنا عبدة بن سليمان عن جويبر عن الضحاك أن علياً علیه السّلام لما هزم طلحة و أصحابه أمر مناديه أن لا يقتل مقبل و لا مدبر، و لا يفتح باب، و لا يستحل فرج و لا مال.
161 - عنه حدثنا عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن سلع عن عبد خير عبدالملك قال: امر على منادياً فنادى يوم الجمل: ألا لا يجهزن على جريح و لا يتبع مدبر.
162 - عنه حدثنا وكيع عن فطر عن منذر عن ابن الحنفية قال: حملت
ص: 167
على رجل يوم الجمل فلما ذهبت أطعنه قال: أنا على دين على بن أبي طالب فعرفت الذي يريد، فتركته.
163 - عنه حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي جعفر عن أبيه عن على بن حسين علیه السّلام قال: حدثنا ابن عباس قال: أرسلني على إلى طلحة والزبير يوم الجمل، قال: فقلت لهما: إن أخا كما يقرئكما السلام و يقول لكما: هل وجدتما على حيفا في حكم أو استشارا بفيء أو بكذا أو بكذا، قال: فقال الزبير: لا في واحدة منها، و لكن مع الخوف شدة المطامع.
164 - عنه حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا أبو مالك الاشجعي عن سالم بن أبي الجعد عن محمد ابن الحنفية قال: كنا في الشعب فكنا ننتقص عثمان، فلما كان ذات يوم أفرطنا، فالتفت إلى عبد الله بن عباس فقلت له: يا أبا عباس، تذكر عشية الجمل؟ أنا عن يمين على عن يمين على و أنت عن شماله، إذ سمعنا الصيحة من قبل المدينة؟ قال: فقال ابن عباس نعم التي بعث بها فلان بن فلان.
فأخبره أنه وجد أم المؤمنين عائشة واقفة في المريد تلعن قتلة عثمان، فقال على: لعن الله قتلة عثمان فى السهل و الجبل و البر و البحر، أنا عن يمين على، هذا عن شماله، فسمعته من فيه إلى فى و ابن عباس فوالله ما عبت عثمان إلى يومي هذا.
165- عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو ضرار زيد بن عصر الضبي إمام مسجد بني هلال قال حدثنا حالد بن مجاهد بن حيان الضبي من بنى مبذول عن ابن عم له يقال له: تميم بن ذهل الضبي قال إنى يوم الجمل آخذ بركاب على أجهد معه و أنا أرى أنا في الجنة، و هو يتصفح القتلى فمر برجل أعجبته هيئته و هو مقتول.
ص: 168
فقال: من يعرف هذا؟ قلت: هذا فلان الضبي، و هذا ابنه حتى عددت سبعة صرعى مقتلين حوله، قال: فقال على علیه السّلام : لوددت أنه ليس في الأرض ضى إلا تحت هذا الشيخ.
166 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا عبد الله بن ادريس عن حصين بن عبد الرحمن عن يوسف بن يعقوب عن الصلت بن عبد الله ابن الحارث عن أبيه قال: قدمت على على حين فرغ من الجمل، فانطلق إلى بیته و هو آخذ بيدى، فاذا امرأته و ابنتاه يبكين، و قد أجلس وليدة بالباب تؤذنهن به إذا جاء، فالهى الوليدة ماترى النسوة يفعلن حتى دخل عليهن، و تخلفت فقمت بالباب، فأستكتن.
فقال: ما لكن؟ فانتهرهن مرة أو مرتين، فقالت امرأة منهن: قلنا ما سمعت ذكرنا عثمان و قرابته و الزبير و قرابته، فقال: إني لأرجو أن نكون كالذين قال الله «وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ من غِلّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» و من هم ان لم نكن، و من هم، يردد ذلك حتى وددت أنه سكت.
167- عنه حدثنا ابن إدريس عن ليث عن طلحة بن مصرف أن علياً أجلس طلحة يوم الجمل و مسح عن وجهه التراب، ثم التفت إلى حسن فقال: إنى وددت أني مت قبل هذا.
168 - عنه حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن حمير ابن مالك قال: قال عمار لعلى علیه السّلام يوم الجمل ماترى فى سبي الذرية ؟ قال فقال: إنما قاتلنا من قاتلنا، قال: لو قلت غير هذا خالفناك.
169 - عنه حدثنا ابن إدريس عن حصين بن عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال: قدمنا المدينة و نحن نريد الحج، فانا لمنازلنا نضع رحالنا إذ أتانا ،آت فقال: إن الناس قد فزعوا و اجتمعوا في المسجد،
ص: 169
فانطلقت فاذا الناس مجتمعون في المسجد، فاذا على و الزبير و طلحة وسعد ابن أبي وقاص.
قال: فانا لكذلك إذ جاءنا عثمان، فقيل : هذا عثمان، فدخل عليه ملية له صفراء، قد قنع بها رأسه، قال: هاهنا على؟ قالوا: نعم، قال: هاهنا الزبير؟ قالوا: نعم قال: هاهنا طلحة؟ قالوا: نعم؛ قال هاهنا سعد؟ قالوا: نعم، قال: أنشدكم بالله الذى لا إله إلّا هو هل تعلمون ان رسول الله صلّى الله عليه و آله قال: من يبتاع مربد بنى فلان غفر الله له، فابتعته بعشرين ألفا أو بخمسة و عشرين ألفا.
فأتيت رسول الله صلّی الله علیه و آله فقلت له : ابتعته، قال: اجعله في مسجدنا و لك أجره، فقالوا: اللهم نعم، قال: فقال: أنشدكم بالله الذى لا إله إلّا هو، أتعلمون أن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال : من ابتاع بئر رومة غفر الله له فابتعتها بكذا وبكذا، ثم أتيته فقلت: قد ابتعتها.
قال: اجعلها سقاية للمسلمين و أجرها لك، قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله الذى لا إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلّی الله علیه و آله نظر في وجوه القوم فقال: من جهز هؤلاء غفر الله له، يعنى جيش العسرة، فجهزتهم حتى لم يفقدوا خطاما و لا عقالا، قال: قالوا اللهم نعم، قال:
الله اشهد ثلاثا، قال الأحنف: فانطلقت فأتيت طلحة والزبير فقلت: ما تأمرانی به و من ترضيانه لى، فانى لا أرى هذا إلا مقتولا، قالا: نأمرك بعلى، قال: قلت: تأمرانی به و ترضیانه لی؟ قال: نعم، قال: ثم انطلقت حاجا حتى قدمت مكة فبينا نحن بها اذ أتانا قتل عثمان و بها عائشة أم المؤمنين، فلقيتها فقلت لها: من تأمريني به أن أبايع؟
فقالت: عليا، فقلت أتأمريننى به و ترضينه لي؟ قالت: نعم، فمررت
ص: 170
على على بالمدينة فبايعته، ثم رجعت إلى البصرة، و لا أرى إلا أن الأمر قد استقام؛ قال: فبينا أنا كذلك إذ أتاني آت؛ فقال: هذه عائشة أم المؤمنين و طلحة والزبير قد نزلوا حانب الخريبة، قال:
قلت: ما جاء بهم ؟ قال: أرسلوا إليك ليستنصروك على دم عثمان، قتل مظلوماً، قال: فأتاتى أفظع أمر اتانى قط فقلت: إن خذلانى هؤلاء و معهم أم المؤمنين و حواری رسول الله صلّی الله علیه و آله لشدید، و قتالی ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله بعد أن أمرونى ببيعته لشديد.
فلما أتيتهم قالوا: جئنا نستنصر على دم عثمان، قتل مظلوماً، قال: فقلت: يا أم المؤمنين، أنشدك بالله هل قلت لك: من تأمريني به؟ فقلت: عليا فقلت: تأمرینی به و ترضینه لی؟ فقلت: نعم، قالت: نعم و لكنه بدل، قلت: یا زبیر یا حواری رسول الله صلّی الله علیه وآله يا طلحة نشد تكما بالله أقلت لكما: من تأمرانى به؟ فقلتما: علياً.
فقلت: تأمرانی به و ترضیانه لی؟ فقلتما: نعم؟ قالا: بلى، و لكنه بدل، قال: فقلت: لا، والله لا أقاتلكم و معكم أم المؤمنين و حواري رسول الله صلّی الله علیه و آله، أمرتمونى بيعته؛ اختاروا منى بين إحدى ثلاث خصال: إما أن تفتحوا لى باب الجسر فالحق بأرض الأعاجم، حتى يقضى الله من امره ما قضى، أو الحق بمكة فأكون بها حتى يقضى الله من أمره ما قضى، أو اعتزل فأكون قريبا.
قالوا: نأتمر، ثم نرسل إليك، فائتمروا فقالوا نفتح له باب الجسر فيلحق به المنافق و الخاذل، و يلحق بمكة فيتعجسكم فى قريش و يخبرهم بأخباركم، ليس ذلك بأمر، اجعلوه هاهنا قريباً حيث تطئون على صماخه، و تنظرون إليه، فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين، و اعتزل معه
ص: 171
زهاء ستة آلاف.
ثم التقى القوم فكان أول قتيل طلحة و كعب ابن سبور معه المصحف، يذكر هؤلاء وهؤلاء حتى قتل منهم من قتل، و بلغ الزبير سفوان من البصرة كمكان القادسية منلم؛ فلقيه النعر رجل من بنى مجاشع، قال: أين تذهب يا حواری رسول الله إلى فأنت فى ذمتي، لا بوصل إليك، فأقبل معه، قال:
فأتى إنسان الأحنف قال: هذا الزبير قد لق بسفوان قال: فما يأمن؟ جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف، ثم لحق ببيته و أهله، فسمعه عمير بن جوموز و غواة من غواة بني تميم و فضالة بن حابس و نفيع، فركبوا فى طلبه، فلقوا معه النعر.
فأتاه عمير بن جرموز و هو على فرس له ضعيفه، فطعنه طعنة خفيفة، و حمل عليه الزبير و هو على فرس له يقال له ذو الخمار حتى إذا ظن أنه قاتله نادی صاحبيه: يا نفيع يا فضالة، فحملوا عليه حتى قتلوه.
170 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا جعفر بن زياد عن أبي الصيرفى عن صفوا بن قبيصة عن طارق بن شهاب قال: لما قتل عثمان قلت: ما يقيمني بالعراق، و إنما الجماعة بالمدينة عن المهاجرين و الانصار: قال: فخرجت فأخبرت أن الناس قد بايعوا علياً. قال:
فانتهيت إلى الربذة و إذا على بها، فوضع له رحل فقعد عليه، فكان كقيام الرجل، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أن طلحة والزبير بايعا طائعين غير مكرهين، ثم أرادا أن يفسدا الأمر و شقا عصا المسلمين، و حرض على قتالهم قال: فقام الحسن بن على علیهماالسّلام .
فقال: ألم أقل لك ان العرب ستكون لهم جولة عند قتل هذا الرجل؛
ص: 172
فلو أقمت بدارك التي أنت بها - يعنى المدينة - فاني أخاف أن تقتل بحال مضيعة لا ناصر لك، قال: فقال على: اجلس فانما نحن الجارية؛ و إن لك حنينا كحنين الجارية، أجلس بالمدينة كالضبع تستمع اللدم، لقد ضربت هذا الأمر ظهره و بطنه أو رأسه و عينيه، فما وجدت إلا السيف أو الكفر.
171 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا عبدالله بن المبارك عن معمر، قال: حدثني سيف بن فلان بن معاوية العنزى؛ قال: حدثنی خالی عن جدى قال: لما كان يوم الجمل و اضطرب الناس، قام الناس إلى على علیه السّلام يدعون أشياء، فأكثروا الكلام، فلم يفهم عنهم، فقال: ألا رجل يجمع لى كلامه في خمس كلمات أو ست.
فاحتفزت على إحدى رجلى، فقلت: إن أعجبه كلامى و إلا لجلست من قريب، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الكلام ليس بخمس و لا بست، و لكنهما كلمتان هضم أو قصاص، قال: فنظر إلى فقعد بيده ثلاثين، ثم قال: أرأيتم ما عددتم فهو تحت قدمي هذه.
172 - عنه حدثنا ابن علية عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة قال: ذكروا علياً و عثمان و طلحة والزبير عند أبى سعيد فقال: أقوام سبقت لهم سوابق، وأصابتهم فتنة. فردوا أمرهم إلى الله.
173 - عنه حدثنا المحاربي عن ليث قال حدثني حبيب بن أبي ثابت أن علياً قال يوم الجمل: اللهم ليس هذا أردت، اللهم ليس هذا أردت.
174 - عنه حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس قال: كان مروان مع طلحة يوم الجمل، قال: فلما اشتبكت الحرب قال مروان: لا أطلب بثارى بعد اليوم، قال: ثم رماء بسهم فاصاب ركبته، فما رقا الدم حتى مات، قال: و قال طلحة: دعوه فانما هو سهم أرسله الله.
ص: 173
175 - حدثنا عباد بن العوام عن أشعث بن سوار عن أبيه قال: أرسل إلى موسى بن طلحة فى حاجة فأتيته، قال: فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ناس من أهل المسجد، فقالوا: يا أبا عيسى، حدثنا في الأسارى ليلتنا، فسمعتهم يقولون: أما موسى بن طلحة فانه مقتول بكرة، فلما صليت الغداة جاء رجل يسعى الأسارى الأسارى.
قال: ثم جاء آخر في أثره يقول: موسى بن طلحة، قال: فانطلقت، فدخلت على أمير المؤمنين فسلمت فقال: أتبايع؟ تدخل فيما دخل فيه الناس؟ قلت نعم قال: هكذا و مدیده فبسطتهما، قال: فبايعته ثم قال: ارجع إلى أهلك و مالك، قال: فلما رأى الناس قد خرجت، قال: جعلوا يدخلون فيبايعون.
176 - عنه حدثنا وكيع عن إسماعيل عن السدى، «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً». وقال أصحاب الجمل.
177 - عنه حدثنا هشيم عن عوف قال: لا أعلمه إلا عن الحسن في قوله: أصحاب الجمل فلان و فلان.
178 - عنه حدثنا وكيع عن سفيان عن جعفر عن أبيه أن رجلا ذكر عند على أصحاب الجمل حتى ذكر الكفر، فنهاه على.
179 - عنه حدثنا محمد بن أبى عدى عن التيمي عن حريث بن مخش قال: ما شهدت يوم أشد من يوم ابن عليس إلا يوم الجمل.
180 - عنه حدثنا وكيع عن على بن أبي صالح عن أبيه عن أبي بكر ابن عمرو بن عتبة قال: كان بين صفين و الجمل شهران أو ثلاثة.
181 - عنه حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبى الضحى عن أبي حفص قال: سمع على علیه السّلام يوم الجمل صوتاً تلقاء أم
ص: 174
المؤمنين، فقال: انظروا ما يقولون، فرجعوا فقالوا: يهتفون بقتله عثمان، فقال: اللهم احلل بقتلة عثمان خزيا.
182 - عنه حدثنا يعلى بن عبيد قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن على بن عمرو الثقفى قال: قالت عائشة: لأن أكون جلست عن مسيرى كان أحب إلى من أن يكون لى عشرة من رسول الله مثل ولد الحارث ابن هشام.
183 - عنه حدثنا عفان قال: حدثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عبيد بن نضلة عن سليمان بن صرد قال: أتيت علياً يوم الجمل و عنده الحسن و بعض اصحابه فقال على علیه السّلام حين رآني: يا ابن صرد، تنأنأت وتر جرجت و تربصت، كيف ترى الله صنع، قد أغنى الله عنك، قلت: يا أمير المؤمنين إن السوط يطين و قد بقى من الأمور ما تعرف فيها عدوك من صديقك.
قال: فلما قام الحسن لقيته فقلت: ما أراك اغنيت عني شيئاً و لا عذرتني عند الرجل، وقد كنت حريصا على أن تشهد معه، قال: هذا يلومك على ما يلومك و قد قال لى يوم الجمل: مشى الناس بعضهم إلى بعض، يا حسن ثكلتك أمك - أو هبلتك أمك – ما طنك بأمرى، جمع بين هذين الغارين، و الله ما أرى بعد هذا خيراً، قال: فقلت: اسكت، لا يسمعك أصحابك؛ فيقولوا: شككت فيقتلونك.
184 - عنه حدثنا أبو أسامة عن عوف عن الحسن قال: جاء رجل إلى الزبير يوم الجمل فقال: أقتل لك علياً ؟ قال وكيف قال آتيه فأخبره أنى معه، ثم أفتك به، فقال الزبير: سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: الايمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن.
ص: 175
185 - حدثنا أبو أسامة قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: انه لا يقتل إلا ظالم أو مظلوم، و إنى لأرانى سأقتل اليوم مظلوما، و إن أكبر همى لديني، أفترى ديننا يبقى من مالنا شيئاً؟ ثم قال:
يا بنى بع مالنا واقض ديننا، و أوصيك بالثلث و ثلثيه لبنيه، فان فضل شيء من مالنا بعد قضاء الدين فثلثه لولدك، قال عبد الله بن الزبير: فجعل يوصيني بدينه و يقول: يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولای، قال: فوالله مادريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله، قال والله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير، إقض عنه دينه، فيقضيه.
قال: وقتل الزبير فلم يدع ديناراً ولا درهما إلا أرضين منها الغابة و إحدى عشرة دارا بالمدينة، و دارين بالبصرة، و دارا بالكوفة، و دارا بمصر، قال: و إنما كان دينه الذى كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه.
فيقول الزبير : لا ولكنه سلف، إنى أخشى عليه ضيعة، و ما ولى ولاية قط و لا جباية و لا خراجاً ولا شيئاً إلا أن يكون في غزو مع رسول الله صلّى الله عليه و آله أو مع أبي بكر و عمر و عثمان.
186 - عنه حدثنا عفان قال حدثنا حماد سلمة عن داود بن أبي بن هند عن أبي حرب بن الأسود عن أبيه أن الزبير بن العوام لما قدم البصرة دخل بيت المال، فاذا هو بصفراء و بيضاء، فقال: «وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لكم هذه و اخرى لم تقدروا عليها قد احاط الله بها» فقال: هذا لنا.
ص: 176
187 - حدثنا حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه قال: أمر علىّ عیله السّلام مناديه فنادى يوم البصرة: لا يتبع مدبر و لا يذفف على جريح، و لا يقتل اسير، و من اغلق بابا فهو آمن، و من ألق سلاحه فهو آمن، و لم يأخذ من متاعهم شيئاً.
188 - عنه حدثنا عبد الأعلى عن الجريري عن أبى العلاء قال: لما أصيب زيد بن صوحان يوم الجمل قال: هذا الذي حدثني خليلي سلمان الفارسي: إنما يهلك هذه الأمه نقضها عهودها.
189 - عنه حدثنا وكيع عن جرير بن حازم عن عبدالله بن عبيد ابن عمير قال: قالت عائشة: وددت أنى كنت غصنا رطبا و لم أسر مسيرى هذا.
190 - عنه حدثنا وكيع عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن عبيد بن سعد عن عائشة أنها سئلت عن مسيرها فقالت: كان قدرا.
191 - عنه حدثنا وكيع عن فطر عن منذر عن ابن الحنفية أن علياً قسم يوم الجمل في العسكر ما أجابوا عليه من سلاح أو كراع.
192 - عنه حدثنا وكيع عن أبان بن عبدالله اليجلى عن نعيم بن أبى هند عن ربعي بن حراش قال: قال على: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة و الزبير ممن قال الله: «وَ نَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ من غِلّ».
193 - حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا عبد الله بن عمرو ابن مرة عن أبيه عن عبد الله بن سلمة قال: و شهد مع على الجمل و صفين و قال: ما يسرنى بهما ما على الأرض.
194 - عنه حدثنا المحاربي عن ليث عن مجاهد أن محمد بن أبي بكر أو محمد بن طلحة قال لعائشة يوم الجمل: يا أم المؤمنين ما تأمريني؟ قالت: يا
ص: 177
بنى إن استطعت أن تكون كالخير من ابنى آدم فافعل.
195 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبوبكر عن عاصم عن أبي صالح قال: قال على علیه السّلام يوم الجمل: وددت أني كنت مت قبل هذا بعشرين سنة.
196 - عنه عن ابن آدم قال حدثنا شريك عن سليمان بن المغيرة عن يزيد بن ضبيعة العبسى عن على أنه قال يوم الجمل: لا يتبع مدبر و لا يذفف على جريح.
197 - عنه عن محمد بن الحسن قال حدثنا جرير بن حازم عن أبى سلمة عن أبى نضرة عن رجل من بني ضبيعة قال: لما قدم طلحة والزبير نزلا في بني طاحية، فركبت فرسى فأتيتهما فدخلت عليهما المسجد، فقلت: إنكما رجلان من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله ... أم رأى رأيتما، فأما طلحة فنكس رأسه فلم يتكلم، و أما الزبير فقال: حدثنا أن ههنا دراهم كثيرة فجئنا نأخذ منهم.
198 - عنه عن يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد السلام رجل من بنى حية قال خلا على بالزبير يوم الجمل فقال: أنشدك بالله كيف سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول و انت لاوى يدى في سقيفة بني فلان: لتقاتلنه و أنت ظالم له، ثم لينصرن عليك، قال: قد سمعت لاجرم، لا أقاتلك.
199 - عنه حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا شريك عن الأسود بن قيس قال: حدثنى من رأى الزبير يقعص الخيل بالرمح قعصا، فثوب به على: يا عبدالله يا عبد الله قال : فاقبل حتى التقت أعناق دوابهما، قال: فقال له على: أنشدك بالله، أتذكر يوم أتانا النبي صلّی الله علیه و آله و أنا أناجيك فقال: أتناجيه،
ص: 178
فو الله ليقاتلنك يوما و هو لك ظالم، قال: فضرب الزبير وجه دابته فانصرف.
20 - عنه حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا شريك عن إسحاق عن عبد الله بن محمد قال: مر على علیه السّلام على قتلى من أهل البصرة، فقال: اللهم إغفر لهم، و معه محمد بن أبي بكر و عمار بن ياسر ، فقال أحدهما للآخر: ما نستمع ما يقول؟ فقال له الآخر: اسكت، لا يزيديك.
201 - عنه حدثنا يحيى بن آدم قال حدثني أبوبكر عن جحش بن زياد الضى قال سمعت الأحنف بن قيس يقول: لما ظهر على على أهل البصرة أرسل إلى عائشة: ارجعى الى المدينة و إلى بيتك، قال: فأبت، قال: فأعاد إليها الرسول: والله لترجعن أو لأ بعثن إليك نسوة من بكر بن وائل دمهن شفار حداد يأخذنك بها، فلما رأت ذلك خرجت.
202 - عنه حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا يعقوب عن جعفر ابن أبى المغيرة عن أبن أبزى، قال: انتهى عبدالله بن بديل إلى عائشة و هي في الهودج يوم الجمل، فقال: يا أم المؤمنين أنشدك بالله، أتعلمين أنى أتيتك يوم قتل عثمان فقلت: إن عثمان قد قتل فما تأمريني، فقلت لى: ألزم علياً ، فوالله ما غير و لا بدل فسكتت ثم أعاد عليها ثلاث مرات.
فسكتت فقال: اعقروا الجمل، فعقروه، قال: فنزلت أنا و أخوها محمد بن أبي بكر و احتملنا الهودج حتى وضعنا بين يدى على، فأمر به على فأدخل فى منزل عبد الله بن بديل؛ قال جعفر بن أبي المغيرة: وكانت عمتى عند عبدالله بن بديل، فحدثتني عمتى أن عائشة قالت لها : أدخلينى.
قالت: فأدخلتها وأتيتها بطشت وإبريق و أجفت عليها الباب، قالت: فاطلعت عليها من خلل الباب و هي تعالج شيئاً في رأسها ما أدرى
ص: 179
شجة أو رمية.
203 - عنه حدثنا إسحاق بن سليمان قال حدثنا أبو سنان عن عمرو ابن مرة قال: جاء سليمان بن صرد إلى على بن أبي طالب علیه السّلام بعد ما فرغ من قتال يوم الجمل، و كانت له صحبة مع النبي صلّی الله علیه و آله، فقال له على: خذلتنا و جلست عنا و فعلت على رؤس الناس؟ فلق سليمان الحسن ابن على فقال: ما لقيت من أمير المؤمنين؟
قال: قال لى كذا و كذا على رؤس الناس، فقال: لا يهولنك هذا منه فانه محارب فلقد رأيته يوم الجمل حين أخذت السيوف مأخذها يقول: لو ددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة.
204 - عنه حدثنا أحمد بن عبدالله قال حدثنا زائدة عن عمرو ابن قيس عن زيد بن وهب قال: أقبل طلحة والزبير حتى نزلا البصرة و طرحوا سهل بن حنيف، فبلغ ذلك عليا، و على كان بعثه عليها، فأقبل حتى نزل بذى قار، فأرسل عبد الله بن عباس إلى الكوفة فأبطؤا عليه، ثم أتاهم عمار فخرجوا.
قال زيد: فكنت فيمن خرج معه، قال: فكف عن طلحة والزبير و أصحابهما، و دعاهم حتى بدأوه فقاتلهم بعد صلاة الظهر، فما غربت الشمس و حول الجمل عين تطوق ممن كان يذب، عنه، فقال على: لا تتموا جريحا ولا تقتلوا مدبرا و من اغلق بابه و ألق سلاحه فهو آمن؛ فلم يكن قتالهم إلا تلك العشية وحدها.
فجاؤا بالغد يكلمون علياً في الغنيمة فقول على هذه الآية، فقال: أما إن الله يقول: «وَ اعْلَمُوا أَنَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ».
أيكم لعائشة ؟ فقالوا: سبحان الله، أمنا، فقال: أحرام هي؟ قالوا: نعم،
ص: 180
قال على؛ فانه يحرم من بناتها ما يحرم منها؛ قال: أفليس عليهم أن يعتددن من القتلى أربعة أشهر وعشراً، قالوا: بلى.
قال: أفليس لهن الربع و الثمن من ازواجهن، قالوا: بلى، قال: ثم قال: ما بال اليتامى لا يأخذون أموالهم، ثم قال: يا قنبر، من عرف شيئاً فليأخذه، قال زيد: فرد ما كان فى العسكر و غیره، قال: و قال على علیه السّلام : لطلحة والزبير: الم تبايعانی، فقالا نطلب دم عثمان، فقال على ليس عندى دم عثمان.
قال: قال عمرو بن قيس: فحدثنا رجل من حضر موت يقال له أبو قيس، قال: لما نادى قنبر، من عرف شيئاً فليأخذه، مر رجل على قدر لنا و نحن نطبخ فيها فأخذها، فقلنا: دعها حتى ينضج ما فيها، قال: فضربها برجله ثم أخذها.
205 - عنه حدثنا غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل، قال: دخل أبو موسى و أبو مسعود على عمار و هو يستنفر الناس، فقالا: ما رأينا منك منذ أسلمت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا، الأمر، فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندى من إبطائكما عن هذا الأمر، قال: فكساهما حلة حلة، وخرجوا إلى الصلاة جميعاً.
206 - عنه حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن ابن عون عن أبى الضحى، قال: قال سليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن على علیهماالسّلام : اعذرني عند أمير المؤمنين، فانما منعني من يوم الجمل كذا وكذا، قال: فقال الحسن: لقد رأيته حين اشتد القتال يلوذ بى و يقول: يا حسن لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة.
207- عنه حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا حماد بن زيد عن
ص: 181
إسحاق ابن سويد العدوى قال: قتل منا يوم الجمل خمسون رجلا حول الجمل قد قرؤا القرآن.
208 - قال ابن سعد: لما قتل عثمان. يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وبويع لعلي بن أبي طالب علیه السّلام. بالمدينة. الغد من يوم قتل عثمان. بالخلافة بايعه طلحة. والزبير. و سعد بن أبي وقاص. و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفیل. و عمار بن ياسر. و أسامة بن زید. و سهل بن حنيف. و أبو أيوب الأنصاري. و محمد بن مسلمة. و زيد بن ثابت. و خزيمة بن ثابت. و جميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله. وغيرهم.
ثم ذكر طلحة والزبير أنهما بايعا كارهين غير طائعين و خرجا إلى مكة و بها عائشة. ثم خرجا من مكة و معهما عائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان. و بلغ عليا . علیه السّلام. ذلك فخرج من المدينة إلى العراق. و خلف على المدينة سهل بن حنيف. ثم كتب إليه أن يقدم عليه. و ولي المدينة أبا الحسن المازني. فنزل ذا قار و بعث عمار بن ياسر و الحسن بن علي علیهماالسّلام إلى أهل الكوفة يستنفرهم للمسير معه.
فقدموا عليه فسار بهم إلى البصرة. فلقي طلحة والزبير و عائشة و من كان معهم من أهل البصرة وغيرهم يوم الجمل في جمادى الآخرة سنة ست و ثلاثين. و ظفر بهم وقتل يومئذ طلحة والزبير و غيرهما. و بلغت القتلى ثلاثة عشر ألف قتيل. و أقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة ثم انصرف إلى الكوفة.
209 - قال الواقدي: قالوا: لمّا كان يوم الجمل وقتل علىّ علیه السّلام من قتل من الناس و دخل البصرة، جاءه رجل من العرب فتكلّم بين يديه، و نال
ص: 182
من طلحة فزبره علىّ وقال: إنّك لم تشهد يوم أحد وعظم غنائه فى الإسلام مكانه من رسول الله صلّی الله علیه و آله. فانكسر الرجل و سكت، فقال رجل من القوم: و ما كان غناؤه و بلاؤه يوم أحد يرحمه الله ؟
فقال علىّ: نعم، يرحمه الله فلقد رأيته و إنه ليترّس بنفسه دون رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و إنّ السيوف لتغشاه و النّبل من كلّ ناحية، و إن هو إلّا جنّة بنفسه لرسول الله صلّی الله علیه و آله .
210- قال ابن قتيبة و ذكروا أن الزبير و طلحة أتيا عليا بعد فراغ البيعة، فقالا: هل تدري على ما بايعناك يا أمير المؤمنين؟ قال عليّ: نعم، على السمع والطاعة، و على ما بايعتم عليه أبا بكر و عمر و عثمان،
فقالا : لا، و لكنا بايعناك على أنا شريكاك في الأمر، قال علي: لا ، و لكنكما شريكان في القول والاستقامة و العون على العجز والأولاد، قال: و كان الزبير لا يشك في ولاية العراق، وطلحة في اليمن،
فلما استبان لهما أن عليا غير موليهما شيئا، أظهرا الشكاة، فتكلم الزبير في ملأ من قريش، فقال: هذا جزاؤنا من علي، قمنا له في أمر عثمان، حتى أثبتنا عليه الذنب، و سببنا له القتل، و هو جالس في بيته وكفي الأمر. فلما نال بنا ما أراد، جعل دوننا غيرنا، فقال طلحة: ما اللوم إلا أنا كنا ثلاثة من أهل الشورى، كرهه أحدنا و بايعناه، و أعطيناه ما في أيدينا، و منعنا ما في يده فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا. قال: فانتهى قولهما إلى علي علیه السّلام .
فدعا عبد الله بن عباس و كان استوزره، فقال له: بلغك قول هذين الرجلين؟ قال: نعم، بلغني قولهما. قال: فما ترى؟ قال: أرى أنهما أحبا الولاية. قول البصرة الزبير و ول طلحة الكوفة، فإنّهما ليسا بأقرب إليك من الوليد و ابن عامر من عثمان، فضحك علي، ثم قال: ويحك،
ص: 183
إن العراقين بهما الرجال و الأموال، و متى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القويّ بالسلطان، و لو كنت مستعملا أحدا لضره و نفعه لاستعملت معاوية على الشام، و لو لا ما ظهر لي من حرصها على الولاية، لكان لي فيهما رأي.
قال: ثم أتى طلحة والزبير إلى علي، فقالا: يا أمير المؤمنين، ائذن لنا في العمرة، فإن تقم إلى انقضائها رجعنا إليك، و إن تسر نتبعك. فنظر إليهما علي، و قال: نعم، و الله ما العمرة تريدان، وإنما تريدان أن تمضيا إلى شأنكما، فمضيا.
211 - عنه قال: وذكروا أن عائشة لما أتاها أنه بويع لعلي. وكانت خارجة عن المدينة، فقيل لها: قتل عثمان. و بايع الناس عليا. فقالت: ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض، قتل و الله مظلوما، و أنا طالبة بدمه، فقال لها عبيد إن أول من طعن عليه و أطمع الناس فيه لأنت، و لقد قلت: اقتلوا نعثلا فقد فجر فقالت عائشة: قد و الله قلت وقال الناس، و آخر قولي خير من أوله فقال عبيد : عذر و الله ضعيف يا أم المؤمنين. ثم قال:
منك البداء و منك الغير *** و منك الرياح ومنك المطر
و أنت أمرت بقتل الإمام *** و قلت لنا إنه قد فجر
فهبنا أطعناك في قتله *** و قاتله عندنا من أمر
قال: فلما أتى عائشة خبر أهل الشام أنهم ردوا بيعة علي، و أبوا أن يبايعوه، أمرت فعمل لها هودج من حديد، و جعل فيه موضع عينيها، ثم خرجت و معها الزبير و طلحة و عبد الله بن الزبير و محمد طلحة.
212 - عنه و ذكروا أن عمار بن ياسر قام إلى علي علیه السّلام، فقال: يا أمير المؤمنين، ائذن لي آتي عبد الله بن عمر فأكلمه، لعله يخف معنا في هذا الأمر،
ص: 184
فقال علي: نعم، فأتاه فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إنه قد بايع عليا المهاجرون و الأنصار، و من إن فضلناه عليك لم يسخطك، و إن فضلناك عليه لم يرضك، وقد أنكرت السيف في أهل الصلاة، وقد علمت أن على القاتل القتل، و على المحصن الرجم، و هذا يقتل بالسيف، و هذا يقتل بالحجارة، و أن عليا لم يقتل أحدا من أهل الصلاة، فيلزمه حكم القاتل.
فقال ابن عمر: يا أبا اليقظان، إن أبي جمع أهل الشورى، الذين قبض رسول الله صلّی الله علیه و آله و هو عنهم راض ، فكان أحقهم بها علي، غير أنه جاء أمر فيه السيف و لا أعرفه، و لكن و الله ما أحب أن لي الدنيا وما عليها و أني أظهرت أو أضمرت عداوة علي؟ قال:
فانصرف عنه، فأخبر عليا بقوله فقال علي: لو أتيت محمد بن مسلمة الأنصاري، فأتاه عمار،
فقال له محمد: مرحبا بك يا أبا اليقظان على فرقة ما بيني و بينك، و الله لو لا ما في يدي من رسول الله صلّی الله علیه و آله لبايعت عليا، و لو أن الناس كلهم عليه لكنت معه، و لكنه يا عمار كان من النبي لكنه يا عمار كان من النبي أمر ذهب فيه الرأي، فقال عمار: كيف؟ قال رسول الله صلّی الله علیه و آله : إذا رأيت المسلمين يقتتلون أو إذا رأيت أهل الصلاة. فقال عمار: فإن كان قال لك: إذا رأيت المسلمين،
فو الله لا ترى مسلمين يقتتلان بسيفيهما أبدا، و إن كان قال لك: أهل الصلاة، فمن سمع هذا معك، إنما أنت أحد الشاهدين، فتريد من رسول الله قولا بعد قوله يوم حجة الوداع: دماؤكم وأموالكم عليكم حرام إلا بحدث، فتقول: يا محمد، لا نقاتل المحدثين. قال:
حسبك يا أبا اليقظان. قال: ثم أتى سعد بن أبي وقاص فكلمه، فأظهر الكلام القبيح،
ص: 185
فانصرف عمار إلى علي، فقال له علي: دع هؤلاء الرهط، أما ابن عمر فضعيف، و أما سعد فحسود، و ذنبي إلى محمد بن مسلمة أني قتلت أخاه يوم خيبر، مرحب اليهودي.
213 - عنه قال: وذكروا أن مروان بن الحكم لما بويع علي هرب من المدينة، فلحق بعائشة بمكة. فقالت له عائشة: ما وراءك ؟ فقال مروان: غلبنا على أنفسنا. فقال له رجل من أهل مكة إياك و عليا فقد طلبك، ففرّ من بين يديه. فقال مروان: لم ؟ فو الله ما يجد إليّ سبيلا. أما فقد علمت أنه لا يأخذني بظن، و لا ينصب إلا على اليقين، و ايم الله ما أبالي إذا قصر عليّ سيفه ما طال علىّ من لسانه. فقال الرجل: إذا أطال الله عليك لسانه طال سيفه. قال مروان: كلا إن اللسان أدب، و السيف حكم.
214 - عنه قال: وذكروا أن عليا تردد بالمدينة أربعة أشهر، ينتظر جواب معاوية، وقد كان كتب إليه كتابا بعد كتاب يمنيه و يعده أولا، ثم كتابا يخوفه و يتواعده فحبس معاوية جواب كتابه ثلاثة أشهر، ثم أتاه جوابه على غير ما يحب، فلما أتاه ذلك شخص من المدينة في تسعمائة راكب من وجوه المهاجرين والأنصار من أهل السوابق مع رسول الله صلّی الله علیه و آله، و معهم بشر كثير من أخلاط الناس،
و استخلف على المدينة قثم بن عباس، و كان له فضل و عقل، و أمره أن يشخص إليه من أحب الشخوص، و لا يحمل أحدا على ما يكره، فخف الناس إلى علي بعده، و مضى معه من ولده الحسن و الحسين و محمد، فلما كان في بعض الطريق، أتاه كتاب أخيه عقيل بن أبي طالب، و فيه:
بسم الله الرّحمن الرّحيم: أما بعد يا أخي، كلاك الله، و الله جائرك من كل سوء، وعاصمك من كل مكروه على كل حال، و إني خرجت معتمرا،
ص: 186
فلقيت عائشة معها طلحة والزبير و ذووهما، و هم متوجهون إلى البصرة، قد أظهروا الخلاف، و نكثوا البيعة، و ركبوا عليك قتل عثمان، وتبعهم على ذلك كثير من الناس، من طغاتهم و أوباشهم،
ثم مر عبد الله بن أبي سرح، في نحو من أربعين راكبا، من أبناء الطلقاء، من بني أمية، فقلت لهم و عرفت المنكر في وجوههم: أبمعاوية تلحقون؟ عداوة و الله إنها منكم ظاهرة غير مستنكرة، تريدون بها إطفاء نور الله، و تغيير أمر الله. فأسمعني القوم و أسمعتهم ثم قدمت مكة، فسمعت أهلها يتحدثون أن الضحاك بن قيس أغار على الحيرة واليمامة، فأصاب ما شاء من أموالهما.
ثم انكفأ راجعا إلى الشام، فأف لحياة في زهو جرأ عليك الضحاك، و ما الضحاك إلا فقع بقرقره فظننت حين بلغني ذلك أن أنصارك خذلوك، فاكتب إليّ يا بن أمي برأيك و أمرك، فإن كنت الموت تريد، تحملت إليك ببني أخيك، و ولد أبيك، فعشنا ما عشت و متنا معك إذا مت، فو الله ما أحب أن أبقى بعدك، فو الله الأعز الأجل إن عيشا أعيشه بعدك في الدنيا لغير هنيء، ولا مريء، و لا نجيع، و السلام.
فكتب إليه علي كرم الله وجهه: أما بعد يا أخي، فكلأك الله كلاءة من يخشاه، إنه حميد مجيد. قدم عليّ عبد الرحمن الأزدي بكتابك تذكر فيه أنك لقيت ابن أبي سرح، في أربعين من أبناء الطلقاء من بني أمية، متوجهين إلى المغرب، و ابن أبي سرح يا أخي طال ما كاد رسول الله صلّی الله علیه وآله، و صد عن کتابه و سنته و بغاها عوجا، فدع ابن أبي سرح و قريشا و تركاضهم في الضلال،
فإن قريشا قد اجتمعت على حرب أخيك، اجتماعها على رسول الله
ص: 187
صلّى الله عليه و آله و سلّم قبل اليوم، و جهلوا حقي، وجحدوا فضلي، ونصبوا لي الحرب، وجدوا في إطفاء نور الله،
اللهمّ فأجز قريشا عني بفعالها، فقد قطعت رحمي، و ظاهرت عليّ، و سلبتني سلطان ابن عمي و سلمت ذلك لمن ليس في قرابتي، و حقي في الإسلام، وسابقتي التي لا يدعي مثلها مدع، إلا أن يدعى ما لا أعرف، ولا أظن الله يعرفه، و الحمد الله على ذلك كثيرا. و أما ما ذكرت من غارة الضحاك على الحيرة و اليمامة،
فهو أذل و ألأم من أن يكون مرّ بها، فضلا عن الغارة، و لكن جاء في خيل جريدة فسرحت إليه جندا من المسلمين، فلما بلغه ذلك ولى هاربا، فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق، حين همت الشمس للإياب، فاقتتلوا، وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلا، و نجا هاربا بعد أن أخذ منه بالمخنق،
فلو لا الليل ما نجا. و أما ما سألت أن أكتب إليك فيه برأيي، فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله ، لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة، ولا تفرقهم عني وحشة لأني محق، و الله مع المحق، و ما أكره الموت على الحق لأن الخير كله بعد الموت لمن عقل و دعا إلى الحق. و أما ما عرّضت به من مسيرك إليّ ببنيك و بني أبيك، فلا حاجة لي في ذلك، فذرهم راشدا مهديا، فو الله ما أحب أن تهلكوا معي إن هلكت، و أنا كما قال أخو بني سليم:
فإن تسأليني كيف صبري فإنني *** صبور على ريب الزمان صليب
عزيز على أن أرى بك آبة *** فيشمت واش أو يساء حبيب
215 - عنه قال: ذكروا أنه لما تحدث الناس بالمدينة بمسير عائشة مع طلحة و الزبير، و نصبهم الحرب لعلي، و تألفهم الناس كتبت أم سلمة إلى عائشة أما بعد: فإنك سدّة بين رسول الله و بين أمته، و حجابك مضروب
ص: 188
على حرمته، قد جمع القرآن الكريم ذيلك، فلا تندحيه ، و سكن عقيرتك، فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة، قد علم رسول الله مكانك، لو أراد أن يعهد إليك، و قد علمت أن عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن إن انصدع، حماديات النساء.
غض الأبصار وضم الذيول، ما كنت قائلة لرسول الله صلّی الله علیه و آله لو عارضك بأطراف الجبال والفلوات، على قعود من الإبل، من منهل إلى منهل، إن بعين الله مهواك، و على رسول الله صلّی الله علیه و آله تردین، و قد هتکت حجابه الّذي ضرب الله عليك، و تركت عهيداه. و لو أتيت الّذي تريدين،
ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحييت أن ألقى الله هاتكة حجابا قد ضربه علي فاجعلي حجابك الّذي ضرب عليك حصنك، فابغيه منزلا لك حتى تلقيه، فإن أطوع ما تكونين إذا ما لزمته، و أنصح ما تكونين إذا ما قعدت فيه، و لو ذكرتك كلاما قاله رسول الله صلّی الله علیه و آله لنهشتني نهش الحية، و السلام.
فكتبت إليها عائشة: ما أقبلني لوعظك، و أعلمني بنصحك ، و ليس مسيري على ما تظنين، و لنعم المطلع مطلع فزعت فيه إلىّ فئتان متناجزتان، فإن أقدر ففي غير حرج، و إن أحرج مالي ما لا غنى بي عن الازدياد منه، والسلام.
216- عنه قال: وذكروا أن ابن حاتم قام إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين، لو تقدمت إلى قومي أخبرهم بمسيرك و أستنفرهم، فإن لك من طيِّئ مثل الّذي معك. فقال علي: نعم، فافعل، فتقدم عدي إلى قومه، فاجتمعت إليه رؤساء طیِّئ، فقال لهم: يا معشر طیِّئ، إنكم أمسكتم عن حرب رسول الله صلّی الله علیه و آله في الشرك، و نصرتم الله ورسوله في الإسلام على
ص: 189
الردة، و علي علیه السّلام قادم عليكم، و قد ضمنت له مثل عدّة من معه منكم،
فخفوا معه، و قد كنتم تقاتلون في الجاهلية على الدنيا، فقاتلوا في الإسلام على الآخرة، فإن أردتم الدنيا فعند الله مغانم كثيرة، و أنا أدعوكم إلى الدنيا والآخرة، وقد ضمنت عنكم الوفاء، و باهيت بكم الناس، فأجيبوا قولي، فإنكم أعز العرب دارا، لكم فضل معاشكم و خيلكم، فاجعلوا أفضل المعاش للعيال و فضول الخيل للجهاد، وقد أظلكم عليّ و الناس معه، من المهاجرين و البدريين و الأنصار،
فكونوا أكثرهم عددا، فإن هذا سبيل للحي فيه الغنى و السرور، و للقتيل فيه الحياة و الرزق، فصاحت طيِّئ: نعم نعم، حتى كاد أن يصم من صياحهم. فلما قدم على طيِّئ أقبل شيخ من طيِّئ قد هرم من الكبر، فرفع له من حاجبيه، فنظر إلى عليّ علیه السّلام ، فقال له: أنت ابن أبي طالب؟ قال: نعم. قال: مرحبا بك و أهلا،
قد جعلناك بيننا وبين الله، و عديا بيننا وبينك، و نحن بينه و بين الناس، لو أتيتنا غير مبايعين لك لنصرناك، لقرابتك من رسول الله صلّی اللهعلیه و آله، و أيامك الصالحة، و لئن كان ما يقال فيك من الخير حقا إن في أمرك و أمر قريش لعجبا، إذ أخرجوك و قدموا غيرك. سر، فو الله لا يتخلف عنك من طيِّئ إلا عبد أو دعي إلا بإذنك. فشخص معه من طيِّئ ثلاثة عشر آلاف راكب.
217 - عنه قال: و ذكروا أن زفر بن زيد بن حذيفة الأسدي، كان من سادة بني أسد قام إلى علي علیه السّلام فقال : يا أمير المؤمنين، إن طيِّئا إخواننا و جيراننا قد أجابوا عديا.
ولي في قومي طاعة، فأذن لي فآتهم. قال: نعم، فأتاهم فجمعهم و
ص: 190
قال: يا بني أسد، إن عدي بن حاتم ضمن لعلي قومه فأجابوه، وقضوا عنه ذمامه، فلم يعتل الغني بالغنى و لا الفقير بالفقر، و واسى بعضهم بعضا، حتى كأنهم المهاجرون في الهجرة، و الأنصار في الأثرة، و هم جيرانكم في الديار، و خلطاؤكم في الأموال،
فأنشدكم الله لا يقول الناس غدا: نصرت طيِّئ و خذلت بنو أسد، و إن الجار يقاس بالجار، كالنعل بالنعل، فإن خفتم فتوسعوا في بلادهم، و انضموا إلى جبلهم، و هذه دعوة لها ثواب من الله في الدنيا و الآخرة. فقام إليه رجل منهم، فقال له: يا زفر، إنك لست كعدي، و لا أسد كطيء، ارتدّت العرب، فثبتت طيِّئ على الإسلام، وجاد عدي بالصدقة، و قاتل بقومه قومك،
فو الله لو نفرت طيِّئ بأجمعها لمنعت رعاؤها دارها، و لو أن معنا أضعافنا لخفنا على دارنا، فإن كان لا يرضيك منا إلا ما أرضى عديا من طیِّئ، فليس ذلك عندنا، وإن كان يرضيك قدر ما يرد عنا عذر الخذلان، و إثم المعصية، فلك ذلك منا.
فسار معه من أسد جماعة ليست كجماعة طيِّئ، حتى قدم بها على عليّ علیه السّلام.
218- عنه قال: ذكروا أنه لما اجتمع طلحة و الزبير و ذووهما مع عائشة، وأجمعوا على المسير من مكة، و أتاهم عبد الله بن عامر ، فدعاهم إلى البصرة، و وعدهم الرجال و الأموال، فقال سعيد بن العاص لطلحة و الزبير: إن عبد الله بن عامر كلمه إلى البصرة، وقد فر من أهلها فرار العبد الآبق و هم في طاعة عثمان، و يريد أن يقاتل بهم عليا، و هم في طاعة علي، و خرج من عندهم أميرا و يعود إليهم طريدا، و قد وعدكم الرجال و
ص: 191
الأموال،
فأما الأموال فعنده، و أما الرجال فلا رجل. فقال مروان بن الحكم: أيها الشيخان، ما يمنعكما أن تدعوا الناس إلى بيعة مثل بيعة علي، فإن أجابوا كما عارضتماه ببيعة كبيعته، و إن لم يجيبوكما عرفتها ما لكما في أنفس الناس. فقال طلحة: يمنعنا أن الناس بايعوا عليا بيعة عامة، فبم ننقضها؟ و قال الزبير: و يمنعنا أيضا من ذلك تثاقلنا عن نصرة عثمان، و خفتنا إلى بيعة علي.
فقال الوليد بن عقبة: إن كنتما أسأتما فقد أحسنتما، و إن كنتما أخطأتما فقد أصبتما، و أنتما اليوم خير منكما أمس. فقال مروان: أما أنا فهواي الشام، و هواكما البصرة، و أنا معكم و إن كانت الهلكة. فقال سعيد بن العاص : أما أنا فراجع إلى منزلي. فلما استقام أمرهم، و اجتمعت كلمتهم على المسير، قال طلحة للزبير : إنه ليس شيء أنفع و لا أبلغ في استمالة أهواء الناس من أن نشخص لعبد الله بن عمر،
فأتياه فقالا: يا أبا عبد الرحمن، إن أمنا عائشة خفت لهذا الأمر، رجاء الإصلاح بين الناس، فاشخص معنا، فإن لك بها أسوة، فإن بايعنا الناس فأنت أحق بها. فقال ابن عمر: أيها الشيخان، أتريدان أن تخرجاني من بيتي ، ثم تلقياني بين مخالب ابن أبي طالب؟ إن الناس إنما يخدعون بالدينار و الدرهم. و إني قد تركت هذا الأمر عيانا في عافية أنالها.
فانصرفا عنه، و قدم يعلى بن منبه عليهم من اليمن، و كان عاملا لعثمان، فأخرج أربع مائة بعير ، و دعا إلى الحملان، فقال الزبير: دعنا من إبلك هذه، و أقرضنا من هذا المال، فأقرض الزبير ستين ألفا، و أقرض طلحة أربعين ألفا، ثم سار القوم، فقال الزبير: الشام بها الرجال و الأموال، و عليها معاوية، و هو ابن عمّ الرجل، و متى نجتمع يولنا عليه، و قال عبد الله
ص: 192
ابن عامر البصرة، فإن غلبتم عليا فلكم الشام، و إن غلبكم علي كان معاوية لكم جنة، وهذه كتب أهل البصرة إليّ.
فقال يعلى بن منبه، و كان داهيا: أيها الشيخان، قدرا قبل أن ترحلا أن معاوية قد سبقكم إلى الشام و فيها الجماعة، و أنتم تقدمون عليه غدا في فرقة و هو ابن عم عثمان دونكم، أرأيتم إن دفعكم عن الشام، أو قال: اجعلها شورى، ما أنتم صانعون؟ أتقاتلونه أم تجعلونها شورى فتخرجا منها؟ و أقبح من ذلك أن تأتيا رجلا في يديه أمر قد سبقكما إليه، و تريدا أن تخرجاه منه،
فقال القوم: فإلى أين؟ قال: إلى البصرة، فقال الزبير لعبد الله بن عامر: من رجال البصرة؟ قال: ثلاثة كلهم سيد مطاع، كعب بن سور في اليمن، و المنذر بن ربيعة في ربيعة، و الأحنف بن قيس في مضر. فكتب طلحة و الزبير إلى كعب بن سور:
أما بعد، فإنك قاضي عمر بن الخطاب، و شيخ أهل البصرة، وسيد أهل اليمن، و قد كنت غضبت لعثمان من الأذى، فاغضب له من القتل، و السلام.
و كتب إلى الأحنف بن قيس: أما بعد، فإنك وافد عمر و سيد مضر، و حليم أهل العراق، و قد بلغك مصاب عثمان، و نحن قادمون عليك، و العيان أشفي لك من الخبر، و السلام.
و كتب إلى المنذر: أما بعد، فإن أباك كان رئيسا في الجاهلية، وسيدا في الإسلام، و إنك من أبيك بمنزلة المصلي من السابق. يقال: كاد أو لحق، و قد قتل عثمان من أنت خير منه، و غضب له من هو خير منك، و السلام.
فلما وصلت كتبهما إلى القوم، قام زياد بن مضر، و النعمان بن شوّال و
ص: 193
غزوان، فقالوا: ما لنا و لهذا الحي من قريش؟ أيريدون أن يخرجونا من الإسلام بعد أن دخلنا فيه؟ و يدخلونا في الشرك بعد ما خرجنا منه؟ قتلوا عثمان، و بايعوا عليا، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم.
و كتب كعب بن سور إلى طلحة والزبير: أما بعد، فإنا غضبنا لعثمان من الأذى و الغير باللسان، فجاء أمر الغير فيه بالسيف، فإن يك عثمان قتل ظالما، فما لكما و له؟ و إن كان قتل مظلوما فغير كما أولى به، و إن كان أمره أشكل على من شهده، فهو على من غاب عنه غاب عنه أشكل.
و كتب الأحنف إليهما: أما بعد، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمر لا نشك فيه إلا قتل عثمان، و أنتم قادمون علينا، فإن يكن في العيان فضل، نظرنا فيه و نظرتم، و إلا يكن فيه فضل فليس في أيدينا و لا في أيديكم ثقة، و السلام.
و كتب المنذر: أما بعد، فإنه لم يلحقني بأهل الخير إلا أن أكون خيرا من أهل الشر، و إنما أوجب حق عثمان اليوم حقه أمس، و قد كان بين أظهركم فخذلتموه، فمتى استنبطتم هذا العلم، و بدا لكم هذا الرأي؟ فلما قرؤا كتب القوم ساءهما ذلك و غضبا. ثم غدا مروان إلى طلحة والزبير، فقال لهما: عاودا ابن عمر، فلعله ينيب، فعاوداه، فتكلم طلحة، فقال:
يا أبا عبد الرحمن، إنه والله لربّ حق ضيعناه و تركناه، فلما حضر العذر قضينا بالحق، و أخذنا بالحظ، إن عليا يرى إنفاذ بيعته، وإن معاوية لا يرى أن يبايع له، و إنا نرى أن نردها شوري، فإن سرت معنا و المؤمنين صلحت الأمور، و إلا فهي الهلكة. فقال ابن عمر: إن يكن قولكما حقا ففضلا ضيعت، و إن يكن باطلا فشر منه نجوت، و اعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها، و أنتما المدينة خير أنتما المدينة خير لكما من البصرة، والذل خير لكما من السيف، و لن يقاتل عليا إلا من كان خيرا منه،
ص: 194
و أما الشورى فقد و الله كانت، فقدم و أخرتما، و لن يردها إلا أولئك الذين حكموا فيها، فاكفياني أنفسكما، فانصرفا. فقال مروان: استعينا عليه بحفصة، فأتيا حفصة، فقالت لو أطاعني أطاع عائشة، دعاه، فاتركاه و توجها إلى البصرة. و أتاهما عبد الله بن خلف، فقال لهما: إنه ليس أحد من أهل الحجاز كان منه في عثمان شيء إلا وقد بلغ أهل العراق،
و قد كان منكما في عثمان من التحليب و التأليب ما لا يدفعه جحود، و لا ينفعكما فيه عذر ، و أحسن الناس فيكما قولا من أزال عنكما القتل و ألزمكما الخذل، و قد بايع الناس عليا بيعة عامة، و الناس لاقوكها غدا، فما تقولان؟ فقال طلحة: ننكر القتل، و نقر بالخذل، و لا ينفع الإقرار بالذنب إلا مع الندم عليه، و لقد ندمنا على ما كان منا.
و قال الزبير: بايعنا عليا و السيف على أعناقنا، حيث توائب الناس بالبيعة إليه دون مشورتنا، و لم نصب لعثمان خطأ فتجب علينا الدية، ولا عمدا فيجب علينا القصاص. فقال عبد الله بن خلف: عذركما أشد من ذنبكما ، قال : فتهيأ القوم للمسير، فقال طلحة والزبير: أسرعوا السير، لعلنا نسبق عليا من خلاف طريقه إلى البصرة.
219 - عنه قال: وكتب قثم بن عباس إلى علي يخبره أن طلحة والزبير و عائشة قد خرجوا من مكة، يريدون البصرة، وقد استنفروا الناس، فلم يخف معهم إلا من إلا من لا يعتد بمسيره، و من خلفت بعدك فعلى ما تحب. فلما قدم على عليّ كتابه غمه ذلك، و أعظمه الناس، و سقط في أيديهم، فقام قيس بن سعد بن عبادة، فقال: يا أمير المؤمنين.
إنه والله ما غمنا بهذين الرجلين كغمنا بعائشة، لأن هذين الرجلين حلالا الدم عندنا لبيعتهما و نكتهما، و لأن عائشة من علمت مقامها في
ص: 195
الإسلام، و مكانها من رسول الله، مع فضلها و دينها و أمومتها منا و منك، و لكنهما يقدمان البصرة، و ليس كل أهلها لهما، وتقدم الكوفة، وكل أهلها لك، و تسير بحقك إلى باطلهم،
و لقد كنا نخاف أن يسيرا إلى الشام، فيقال: صاحبا رسول الله و أم المؤمنين، فيشتد البلاء، و تعظم الفتنة، فأما إذا أتيا البصرة و قد سبقت إلى طاعتك، وسبقوا إلى بيعتك، وحكم عليهم عاملك، و لا والله ما معهما، مثل ما معك، ولا يقدمان على مثل ما تقدم عليه، فسر فإن الله معك، و تتابعت الأنصار فقالوا و أحسنوا.
220 - عنه قال: ولما نزل طلحة والزبير و عائشة بأوطاس، من أرض خيبر، أقبل عليهم سعيد بن العاص على نجيب له، فأشرف على الناس، و معه المغيرة بن شعبة، فنزل و توكأ على قوس له سوداء، فأتى عائشة، فقال لها: أين تريدين يا أم المؤمنين؟ قالت: أريد البصرة، قال: و ما تصنعين بالبصرة؟ قالت: أطلب بدم عثمان. قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك. ثم أقبل على مروان فقال له: و أنت أين تريد أيضا ؟ قال : البصرة. قال: و ما تصنع بها؟
قال: أطلب قتلة عثمان، قال: فهؤلاء قتلة عثمان معك، إن هذين الرجلين قتلا عثمان «طلحة والزبير»، و هما يريدان الأمر لأنفسهما، فلما غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم، و الحوبة بالتوبة. ثم قال المغيرة بن شعبة: أيها الناس، إن كنتم إنما خرجتم مع أمكم، فارجعوا بها خيرا لكم، و إن كنتم غضبتم لعثمان، فرؤساؤكم قتلوا عثمان، و إن كنتم نقمتم على عليّ شيئا، فبينوا ما نقمتم عليه،
أنشدكم الله فتنتين في عام واحد فأبوا إلا أن يمضوا بالناس، فلحق سعيد بن العاص باليمن، و الحق المغيرة بالطائف، فلم يشهدا شيئا من حروب
ص: 196
الجمل ولا صفين.
221 - عنه قال فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة، نبحها كلاب الحوأب، فقالت لمحمد بن طلحة: أي ماء هذا؟ قال: هذا ماء الحوأب،
فقالت: ما أراني إلا راجعة، قال: و لم؟ قالت: سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله يقول لنسائه: كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء. فقال لها محمد بن طلحة: تقدمي رحمك الله، ودعي هذا القول.
و أتى عبد الله بن الزبير، فحلف لها بالله لقد خلفته أول الليل، و أتاها ببينة زور من الأعراب ، فشهدوا بذلك، فزعموا أنها أول شهادة زور شهد بها في الإسلام،
فلما انتهى إقبالهم على أهل البصرة، و دنوا منها، قام عثمان بن حنيف عامل البصرة لعلي بن أبي طالب فقال: يا أيها الناس إنما بايعتم الله «يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِما يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ، وَ مِن أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً».
و الله لو علم على علیه السّلام أن أحدا أحق بهذا الأمر منه ما قبله، و لو بايع الناس غيره لبايع من بايعوا، و أطاع من ولوا، و ما به إلى أحد من صحابة رسول الله حاجة، و ما بأحد عنه غنى، و لقد شاركهم في محاسنهم، و ما شاركوه في محاسنه، و لقد بايعه هذان الرجلان و ما يريدان الله، فاستعجلا الفطام قبل الرضاع، و الرضاع قبل الولادة، و الولادة قبل الحمل، وطلبا ثواب الله من العباد، و قد زعما أنهما بايعا مستكرهين.
فإن كانا استكرها قبل بيعتهما كانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا و لا يأمرا، ألا و إن الهدي ما كانت عليه العامة، و العامة على بيعة
ص: 197
علي علیه السّلام، فما ترون أيها الناس؟ فقام حكم بن جبل العبديّ، فقال: نرى إن دخلا علينا قاتلناهما، و إن وقفا تلقيناهما.
و الله ما أبالي أن أقاتلهما وحدي، و إن كنت أحب الحياة، و ما أخشى في طريق الحق وحشة، ولا غيرة و لا غشا ولا سوء منقلب إلى بعث، و ولا إنها لدعوة قتيلها شهيد، و حيها فائز، و التعجيل إلى الله قبل الأجر خير من التأخير فى الدنيا، و هذه ربيعة معك.
222 - عنه قال: و ذكروا أن طلحة والزبير لما نزلا البصرة ، قال عثمان بن حنيف: تعذر إليهما برجلين، فدعا عمران بن الحصين صاحب رسول الله، و أبا الأسود الدؤلي، فقال: يا أبا محمد، فذهبا إليهما فناديا: يا طلحة فأجابهما، فتكلم أبو الأسود الدؤلي، فقال: يا أبا محمد، إنكم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله و بايعتم عليا غير مؤامرين في بيعته، فلم نغضب لعثمان إذ قتل، و لم نغضب لعلي إذ بويع،
ثم بدا لكم، فأردتم خلع علي، و نحن على الأمر الأول، فعليكم المخرج مما دخلتم فيه. ثم تكلم عمران، فقال: يا طلحة، إنكم قتلتم عثمان و لم نغضب له إذا لم تغضبوا، ثم بايعتم عليا و بايعنا من بايعتم، فإن كان قتل عثمان صوابا فمسيركم لماذا؟ و إن كان خطأ فحظكم منه الأوفر، ونصيبكم منه الأوفى.
فقال طلحة: يا هذان إن صاحبكما لا يرى أن معه في هذا الأمر غيره، و ليس على هذا بايعناه، وايم الله ليسفكنّ دمه. فقال أبو الأسود: يا عمران، أما هذا فقد صرح أنه إنما غضب للملك. ثم أتيا الزبير فقالا: يا أبا عبد الله، إنا أتينا طلحة،
قال الزبير: إن طلحة و إياي كروح في جسدين، و إنه والله يا هذان،
ص: 198
قد كانت منا في عثمان فلتات، احتجنا فيها إلى المعاذير، و لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا نصرناه، ثم أتيا فدخلا على عائشة، فقالا: يا أم المؤمنين، ما هذا المسير؟ أمعك من رسول الله به عهد ؟ قالت: قتل عثمان مظلوما ،غضبنا لكم من السوط و العصا، و لا نغضب لعثمان من القتل ؟ فقال أبو الأسود: و ما أنت من عصانا و سيفنا و سوطنا؟
فقالت: يا أبا الأسود، بلغني أن عثمان بن حنيف يريد قتالي. فقال أبو الأسود: نعم و الله قتالا أهونه تندر منه الرءوس، و أقبل غلام من جهينة إلى محمد بن طلحة، فقال له: حدثني عن قتلة عثمان، قال: نعم، دم عثمان على ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبة الهودج، و ثلث على صاحب الجمل الأحمر، و ثلث على عليّ بن أبي طالب.
فضحك الجهنيّ، ولحق بعلي بن أبي طالب، و بلغ طلحة قول ابنه محمد، و كان محمد من عباد الناس، فقال له: يا محمد، أتزعم عنا قولك إني قاتل عثمان، كذلك تشهد على أبيك ؟
كن كعبد الله بن الزبير، فو الله ما أنت بخير منه، و لا أبوك بدون أبيه، كفّ عن قولك، و إلا فارجع فإن نصرتك نصرة رجل واحد، و فسادك فساد عامة. فقال محمد: ما قلت إلا حقا، و لن أعود.
223 - عنه قال: وذكروا أن عليا لما نزل قريبا من الكوفة بعث عمار بن یاسر، و محمد بن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري، و كان أبو موسى عاملا لعثمان على الكوفة، فبعثهما علي علیه السّلام إليه وإلى أهل الكوفة يستنفرهم، فلما قدما عليه قام عمار بن ياسر، و محمد بن أبي بكر ، فدعوا الناس إلى النصرة لعلي.
فلما أمسوا دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى، فقالوا: ما
ص: 199
ترى؟ أتخرج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما، أم لا؟
فقال أبو موسى: أما سبيل الآخرة ففي أن تلزموا بيوتكم، و أما سبيل الدنيا فالخروج مع من أتاكم، فأطاعوه، فتباطاً الناس على عليّ، وبلغ عمارا و محمدا ما أشار به أبو موسى على أولئك الرهط، فأتياه فأغلظا له في القول، قال أبو موسى: إن بيعة عثمان في عنقي و عنق صاحبكم، و لئن أردنا القتال ما لنا إلى قتال أحد من سبيل، حتى نفرغ من قتلة عثمان.
ثم خرج أبو موسى فصعد المنبر، ثم قال: أيها الناس: إن أصحاب رسول الله الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله و رسوله ممن لم يصحبه، و إن لكم حقا عليّ أؤديه إليكم، إن هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان، و القاعد خير من القائم، و القائم خير من الساعي، و الساعي خير من الراكب، فأغمدوا سيوفكم حتى تنجلي هذه الفتنة.
فقام عمار بن ياسر ، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن أبا موسى ينهاكم عن الشخوص إلى هاتين الجماعتين، ولعمري ما صدق فيما قال، و ما رضي الله من عباده بما ذكر. قال عز و جل:
«وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِن الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا» و قال: «وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ».
فلم يرض من عباده بما ذكر أبو موسى من أن يجلسوا في بيوتهم و يخلوا بين الناس، فيسفك بعضهم دماء بعض، فسيروا معنا إلى هاتين الجماعتين و اسمعوا من حججهم و انظروا من أولى بالنصرة فاتبعوه، فإن أصلح الله أمرهم رجعتم مأجورين و قد قضيتم حق الله، و إن بغى بعضهم
ص: 200
على بعض نظرتم إلى الفئة الباغية،
فقاتلتموها حتى تفيء إلى أمر الله، كما أمركم الله، و افترض عليكم ثم قعد. فلما انصرفا إلى علي من عند أبي موسى و أخبراه بما قال أبو موسى، بعث إليه الحسن بن علي، و عبد الله بن عباس، و عمار بن یاسر، و قيس بن سعد، و كتب معهم إلى أهل الكوفة.
أما بعد، فإنّي أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سامعه كمن عاينه، إن الناس طعنوا على عثمان، فكنت رجلا من المهاجرين أقل عيبه و أكثر استعتابه ، وكان هذان الرجلان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه اللهجة و الوجيف ، و كان من عائشة فيه قول على غضب، فانتحى له قوم فقتلوه، و با يعني الناس غير مستكرهين، و هما أول من بايعني على ما بويع عليه من كان قبلي،
ثم استأذنا إلى العمرة، فأذنت لهما، فنقضا العهد، و نصبا الحرب، و أخرجا أم المؤمنين من بيتها، ليتخذاها فتنة، و قد سارا إلى البصرة، اختيارا لأهلها، و لعمري ما إياي تجيبون، ما تجيبون إلا الله. و قد بعثت ابني الحسن، و ابن عمي عبد الله بن عباس، و عمار بن ياسر، و قيس بن سعد، فكونوا عند ظننا بكم، والله المستعان.
فسار الحسن و من معه، حتى قدموا الكوفة على أبي موسى، فدعاه إلى نصرة علي، فبايعهم، ثم صعد أبو موسى المنبر، وقام الحسن أسفل منه، فدعاهم إلى نصرة علي، و أخبرهم بقرابته من رسول الله، و سابقته، و بيعة طلحة و الزبير إياه، و نكثهما عهده، و أقرأهم كتاب علي، فقام شريح بن هانئ فقال:
لقد أردنا أن نركب إلى المدينة، حتى نعلم قتل عثمان، فقد أتانا الله به في
ص: 201
بيوتنا، فلا تخالفوا عن دعوته، و الله لو لم يستنصر بنا لنصرناه سمعا و طاعة، ثم قام الحسن بن علي، فقال: أيها الناس، إنه قد كان من مسير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ما قد بلغكم، وقد أتيناكم ،مستنفرين، لأنكم جبهة الأنصار و رءوس العرب،
و قد كان من نقض طلحة والزبير بعد بيعتهما وخروجهما بعائشة ما بلغكم، و تعلمون أن وهن النساء و ضعف رأيهن إلى التلاشي، و من أجل ذلك جعل الله الرجال قوامين على النساء، و ايم الله لو لم ينصره منكم أحد لرجوت أن يكون فيمن أقبل معه من المهاجرين والأنصار كفاية، فانصروا الله ينصركم.
ثم قام عمار بن ياسر فقال: يا أهل الكوفة ، إن كان غاب عنكم أنبئونا فقد انتهت إليكم أمورنا، إن قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس، و لا ينكرون ذلك، و قد جعلوا كتاب الله بينهم و بين محاجيهم، فبه أحيا الله من أحيا، و أمات من أمات. و إن طلحة والزبير كانا أول من طعن، و آخر من أمر، و كانا أول من بايع عليا،
فلما أخطأهما ما أملاه نكثا بيعتهما، من غير حدث. و هذا ابن بنت رسول الله الحسن قد عرفتموه. و قد جاء يستنفركم، وقد أظلكم علي في المهاجرين والبدريين والأنصار الذين تبوءوا الدار و الإيمان. فانصروا الله ينصركم.
ثم قام قيس بن سعد، فقال: أيها الناس، إن الأمر لو استقبل به أهل الشورى كان علي أحق بها، و كان قتال من أبى ذلك حلالا، فكيف و الحجة على طلحة والزبير، و قد بايعاه رغبة، و خالفاه حسدا، و قد جاءكم المهاجرون والأنصار.
ص: 202
224 - عنه قال: وذكروا أنه لما نزل طلحة والزبير و عائشة البصرة، اصطف لها الناس في الطريق، يقولون: يا أم المؤمنين، ما الّذي أخرجك من بيتك؟
فلما أكثروا عليها تكلمت بلسان طلق، و كانت من أبلغ الناس، فحمدت الله، و أثنت عليه، ثم قالت: أيها الناس، و الله ما بلغ من ذنب عثمان أن يستحل دمه، و لقد قتل مظلوما، غضبنا لكم من السوط و العصا، و لا نغضب لعثمان من القتل، و إن من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان، فيقتلوا به، ثم يرد هذا الأمر شوری، على ما جعله عمر بن الخطاب.
فمن قائل يقول: صدقت، و آخر يقول: كذبت، فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب بعضهم وجوه بعض، فبينما هم كذلك أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة فى التأليب على قتل عثمان، فقال لطلحة: هل تعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم. قال: فما ردك على ما كنت عليه ؟ و كنت أمس تكتب إلينا تؤلبنا على قتل عثمان، و أنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه، و قد زعمتها أن عليا دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله،
إذ كنتها أسن منه، فأبيتما إلا أن تقدماه لقرابته و سابقته، فبايعتماه، فكيف تنكثان بيعتكما بعد الّذي عرض عليكما؟ قال طلحة: دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها و بايعه الناس، فعلمنا حين عرض علينا أنه غير فاعل، و لو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار، و خفنا أن نرد بيعته فنقتل، فبايعناه كارهين.
قال: فما بدا لكما في عثمان؟ قالا: ذكرنا ما كان من طعننا عليه، خذلاننا إياه، فلم نجد من ذلك مخرجا إلا الطلب بدمه. قال: ما تأمرانني به؟ قالا: بايعنا على قتال علي، و نقض بيعته، قال:
ص: 203
أ رأيتما إن أتانا بعد كما من يدعونا إلى ما تدعوان إليه ما نصنع؟ قالا: لا تبايعه.
قال: ما أنصفتما، أتأمرانني أن أقاتل عليا و أنقض بيعته و هي في أعناقكما، و تنهياني عن بيعة من لا بيعة له عليكما؟
أما إننا قد بايعنا عليا، فإن شئتها بايعناكما بيسار أيدينا. قال: ثم تفرق الناس، فصارت فرقة مع عثمان بن حنيف، وفرقة مع طلحة والزبير. ثم جاء جارية بن قدامة، فقال: يا أم المؤمنين، لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون،
إنه كانت لك من الله تعالى حرمة و ستر فهتكت سترك، و أبحت حرمتك إنه من رأى قتالك فقد رأى قتلك، فإن كنت يا أم المؤمنين أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، و إن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعتبي الله.
225 - عنه قال: وذكروا أنه لما اختلف القوم اصطلحوا على أن لعثمان ابن حنيف دار الإمارة و مسجدها و بيت المال، و أن ينزل أصحابه حيث شاءوا من البصرة، و أن ينزل طلحة والزبير و أصحابهما حيث شاءوا حتى يقدم علي علیه السّلام، فإن اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس، و إن يتفرقوا يلحق كل قوم بأهوائهم، عليهم بذلك عهد الله و ميثاقه، و ذمة نبيه، و أشهدوا شهودا من الفريقين جميعا.
فانصرف عثمان، فدخل دار الإمارة، و أمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم، و يضعوا سلاحهم و افترق الناس، و كتموا ما في أنفسهم، غير بني عبد القيس، فإنّهم أظهروا نصرة علي، و كان حكيم بن جبل رئيسهم، فاجتمعوا إليه، فقال لهم: يا معشر عبد القيس: إن عثمان بن حنيف دمه مضمون، و أمانته مؤداة، وايم الله لو لم يكن علي أميرا لمنعناه، لمكانته من
ص: 204
رسول الله صلّی الله علیه و آله،
فكيف و له الولاية و الجوار، فاشخصوا بأنصاركم، وجاهدوا العدو، فإما أن تموتوا كراما و إما أن تعيشوا أحرارا. فمكث عثمان بن حنيف في الدار أياما ، ثم إن طلحة والزبير و مروان بن الحكم أتوه نصف الليل في جماعة معهم، في ليلة مظلمة سوداء مطيرة و عثمان نائم،
فقتلوا أربعين رجلا من الحرس، فخرج عثمان بن حنيف، فشد عليه مروان فأسره، وقتل أصحابه، فأخذه مروان، فنتف لحيته و رأسه و حاجبيه، فنظر عثمان ابن حنيف إلى مروان فقال: أما إنك إن تفتني بها في الدنيا، لم تفتني بها في الآخرة.
226 - عنه ذكروا أنه لما تعبأ القوم للقتال، فكانت الحرب للزبير، و على الخيل طلحة، و على الرّجالة عبد الله بن الزبير، و على القلب محمد بن طلحة، و على المقدمة مروان، و على رجال الميمنة عبد الرحمن بن عبادة ، و على الميسرة هلال بن وكيع ، فلما فرغ الزبير من التعبئة قال: أيها الناس، وطنوا أنفسكم على الصبر، فإن يلقاكم غدا رجل لا مثل له في الحرب ولا شبیه، و معه شجعان الناس.
227 - عنه فلما بلغ عليا تعبئة القوم عبأ الناس للقتال ، فاستعمل على المقدمة عبد الله بن عباس، و على الساقة هندا المرادي، و على جميع الخيل عمار بن ياسر، و على جميع الرجالة محمد بن أبي بكر.
ثم كتب إلى طلحة والزبير: أما بعد، فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني، و لم أبايعهم حتى بايعوني، وإنكما لممن أراد و بايع، و إن العامة لم تبايعني لسلطان خاص، فإن كنتما بايعتماني كارهين، فقد جعلتما لي عليكما السبيل، بإظهاركما الطاعة، و إسراركها المعصية، و إن كنتما بايعتماني طائعين،
ص: 205
فارجعا إلى الله من قريب.
إنك يا زبير لفارس رسول الله صلّی الله علیه و آله و حواريه، و إنك يا طلحة لشيخ المهاجرين، و إن دفاعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه، كان أوسع عليكما من خروجكما منه إقراركها به، و قد زعمتما أني قتلت عثمان فبيني و بينكما فيه بعض من تخلف عني و عنكما من أهل المدينة،
و زعمتما أني آويت قتلة عثمان، فهؤلاء بنو عثمان، فليدخلوا في طاعتي، ثم يخاصموا إلىّ قتلة أبيهم ، و ما أنتما و عثمان إن كان قتل ظالما أو مظلوما؟ و قد بايعتماني و أنتما بين خصلتين قبيحتين نكث بيعتكما، وإخراجكما أمكما.
و كتب إلى عائشة: أما بعد، فإنك خرجت غاضبة الله ولرسوله، تطلبين أمرا كان عنك موضوعا، ما بال النساء و الحرب و الإصلاح بين الناس؟ تطالبين بدم عثمان، و لعمري لمن عرّضك للبلاء، و حملك على المعصية، أعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان و ما غضبت حتى أغضبت، و ما هجت حتى هيجت،
فاتقي الله، و ارجعي إلى بيتك. فأجابه طلحة و الزبير: إنك سرت مسيرا له ما بعده، و لست راجعا و في نفسك منه حاجة، فامض لأمرك، أما أنت فلست راضيا دون دخولنا في طاعتك، و لسنا بداخلين فيها أبدا، فاقض ما أنت قاض.
و كتبت عائشة: جل الأمر عن العتاب، و السلام.
228 - عنه قال: و رجعت رسل علي من البصرة. فمنهم من أجابه و أتاه، و منهم من لحق بعائشة و طلحة والزبير، و بعث الأحنف بن قيس إلى علي: إن شئت أتيتك في مائتي رجل من أهل بيتي، و إن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف، فأرسل إليه علي: بل كف عني أربعة آلاف سيف، و كفى
ص: 206
بذلك ناصرا. فجمع الأحنف بني تميم، فقال: يا معشر بني تميم، إن ظهر أهل البصرة فهم إخوانكم و إن ظهر علي فلن يهيجكم، و كنتم قد سلمتم فكف بنو تميم، و لم يخرجوا إلى أحد الفريقين.
229 - عنه قال: ولما كتب علي إلى طلحة والزبير أتى زمعة بن الأسود إلى طلحة والزبير. فقال لهما : إن عليا قد أكثر إليكما الرسل، كأنه طمع فيكما، وأطمعتماه في أنفسكما، فاتقيا الله إن كنتما بايعتماه طائعين، و اتقيا الله علينا وعلى أنفسكما، فإن اللبن في الضرع، ومتى يحلب لا يرجع، و إن كنتها بايعتماه مكرهين فاخرقا هذا الوطب، و ادفعا هذا اللبن، فما أغنانا أغنانا عن هذه الكتب والرسل.
230 - عنه قال: فخرج طلحة والزبير وعائشة، و هي على جمل عليه هودج، قد ضرب عليه صفائح الحديد، فبرزوا حتى خرجوا من الدور و من أفنية البصرة، فلما تواقفوا للقتال، أمر علي مناديا ينادي من أصحابه لا يرمين أحد سهما و لا حجرا، و لا يطعن برح حتى أعذر إلى القوم، فأتخذ عليهم الحجة.
قال: فكلم علي طلحة والزبير قبل القتال، فقال لهما: استحلفا عائشة بحق الله و بحق رسوله على أربع خصال أن تصدق فيها: هل تعلم رجلا من قريش أولى مني بالله و رسوله و إسلامي قبل كافة الناس أجمعين و كفايتي رسول الله كفار العرب بسيفي و رمحي، و على براءتي من دم عثمان، و على أني لم أستكره أحدا على أني لم أكن أحسن قولا في عثمان منكما.
فأجابه طلحة جوابا غليظا، و رق له الزبير، ثم رجع علي إلى أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين، بم كلمت الرجلين؟ فقال علي: إن شأنهما لمختلف أما الزبير فقاده اللجاج، و لن يقاتلكم، و أما طلحة فسألته عن الحق فأجابني
ص: 207
بالباطل، و لقيته باليقين، و لقيني بالشك، فو الله ما نفعه حقي، و لا ضرني باطله، و هو مقتول غدا في الرعيل الأول.
231 - عنه قال : ثم خرج علي على بغلة رسول الله الشهباء بين الصفين، و هو حاصر، فقال: أين الزبير ؟ فخرج إليه، حتى إذا كانا بين الصفين اعتنق كل واحد منهما صاحبه و بكيا، ثم قال علي: يا عبد الله ما جاء بك هاهنا؟ قال: جئت أطلب دم عثمان. قال علي: تطلب دم عثمان، قتل الله من قتل عثمان، أنشدك الله يا زبير، هل تعلم أنك مررت بي و أنت مع رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و هو متكئ على يدك فسلّم عليّ رسول الله صلّی الله علیه و آله ، وضحك إليّ.
ثم التفت إليك، فقال لك: يا زبير، إنك تقاتل عليا و أنت له ظالم؟ قال: اللّهمّ نعم. قال علي: فعلام تقاتلني؟ قال الزبير: نسيتها و الله، و لو ذكرتها ما خرجت إليك، و لا قاتلتك فانصرف علي إلى أصحابه، فقالوا: يا أمير المؤمنين مررت إلى رجل في سلاحه و أنت حاسر، قال علي:
أتدرون من الرجل؟ قالوا: لا. قال: ذلك الزبير ابن صفية عمة رسول الله صلّی الله علیه و آله. أما إنه قد أعطى الله عهدا أنه لا يقاتلكم، إني ذكرت له حديثا قاله رسول الله صلّی الله علیه و آله، فقال : لو ذكرته ما أتيتك. فقالوا:
الحمد لله يا أمير المؤمنين، ما كنا نخشى في هذا الحرب غيره. و لا نتقي سواه. إنه لفارس رسول الله صلّی الله علیه و آله و حواريه، و من عرفت شجاعته و بأسه و معرفته بالحرب، فإذا قد كفاناه الله فلا نعد من سواه إلا صرعى حول الهودج.
232 - عنه قال: و ذكروا أن الزبير دخل على عائشة ، فقال: يا أماه، ما شهدت موطنا قط في الشرك و لا في الإسلام إلا ولي فيه رأي وبصيرة غير هذا الموطن، فإنه لا رأي لي فيه، و لا بصيرة، و إني لعلى باطل. قالت
ص: 208
عائشة: يا أبا يا أبا عبد الله، خفت سيوف سيوف بني عبد المطلب؟ فقال: أما والله إن سيوف بني عبد المطلب طوال حداد يحملها فتية أنجاد.
ثم قال لابنه عبد الله: عليك بحزبك، أما أنا فراجع إلى بيتي. فقال له ابنه عبد الله: الآن حين التقت حلقتا البطان ، واجتمعت الفئتان؟ و الله لا نغسل رءوسنا منها، فقال الزبير لابنه: لا تعد هذا مني جبنا، فو الله ما فارقت أحدا في جاهلية و لا إسلام، قال: فما يردك؟ قال:
يردني ما إن علمته كسرك . فقام بأمر الناس عبد الله بن الزبير.
233 - عنه قال: وذكروا أن الزبير لما انصرف راجعا إلى المدينة أتاه ابن جرموز، فنزل به ، فقال: يا أبا عبد الله، أحييت حربا ظالما أو مظلوما ثم تنصرف؟
أ تائب أنت أم عاجز ؟ فسكت عنه، ثم عاود، فقال له: يا أبا عبد الله، حدثني عن خصال خمس أسألك عنها. فقال: هات. قال: خذلك عثمان، و بيعتك عليا، وإخراجك أم المؤمنين. وصلاتك خلف ابنك، و رجوعك عن الحرب.
فقال الزبير: نعم أخبرك، أما خذلي عثمان فأمر قدر الله فيه الخطيئة و أخر التوبة. و أما بيعتي عليا فو الله ما وجدت من ذلك بدا، حيث بايعه المهاجرون و الأنصار و خشيت القتل، و أما إخراجنا أمنا عائشة فأردنا أمرا و أراد الله غيره، و أما صلاتي خلف ابني.
فإنما قدمته عائشة أم المؤمنين و لم يكن لي دون صاحبي أمر، و أما رجوعي عن هذه الحرب فظن بي ما شئت غير الجبن. فقال ابن جرموز: وا لهفاه على ابن صفية، أضرمها نارا ثم أراد أن يلحق بأهله، قتلني الله إن لم أقتله، ثم أتاه فقال له:
ص: 209
يا أبا عبد الله كالمستنصح له، إن دون أهلك فيافي، فخذ نجيبي نجيبي هذا، و خل فرسك و درعك، فإنّهما شاهدتان عليك بما تكره. فقال الزبير: انظر في ذلك ليلتي، ليلتي، ثم ألح عليه في فرسه و درعه فلم يزل حتى أخذهما منه، و إنما أراد ابن جرموز أن يلقاه حاسرا، لما علم بأسه، ثم أتى ابن جرموز الأحنف بن قيس، فسارّه بمكان الزبير عنده و بقوله، فقال له الأحنف: اقتله قتله الله مخادعا، و أتى الزبير رجل من كلب،
فقال له: يا أبا عبد الله، أنت لي صهر، و ابن جرموز لم يعتزل هذه الحرب مخافة الله، و لكنه كره أن يخالف الأحنف، و قد ندم الأحنف على خذله عليا، و لعله أن يتقرب بك إليه، و قد أخذ منك درعك و فرسك، و هذا تصديق ما قلت لك، فبت عندي الليلة ثم اخرج بعد نومه، فإنك أن فتهم لم يطلبوك. فتهاون بقوله، ثم بدا له فقال له: فما ترى يا أخا كلب؟
قال: أرى أن ترجع إلى فرسك و درعك فتأخذهما، فإن أحدا من الناس لا يقدم عليك و أنت فارس أبدا، فأصبح الزبير غاديا، وسار معه ابن جرموز و قد كفر على الدرع فلما انتهى إلى وادي السباع استغفله فطعنه، ثم رجع برأسه و سلبه إلى قومه، فقال له رجل من قومه: يا بن جرموز، فضحت و الله اليمن بأسرها، قتلت الزبير رأس المهاجرين، و رأس رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و حواریه و ابن عمته،
و الله لو قتلته في حرب لعز ذلك علينا، و لمسنا عارك، فكيف في جوارك و ذمتك ؟ و الله ليزيدنك على أن يبشرك بالنار. فغضب ابن جرموز وقال: والله ما قتلته إلا له، و و الله ما أخاف فيه قصاصا، و لا أرهب فيه قرشيا، وإن قتله عليّ لهين.
234 - عنه قال : وذكروا أن عليا نادى طلحة بعد انصراف الزبير، فقال
ص: 210
له: يا أبا محمد ما جاء بك ؟ قال: أطلب دم عثمان. قال علي: قتل الله من قتله، قال طلحة: فحل بيننا و بين من قتل عثمان، أما تعلم أن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال: إنما يحل دم المؤمن في أربع خصال، زان فيرجم، أو محارب الله، أو مرتد عن الإسلام، أو مؤمن يقتل مؤمنا عمدا. فهل تعلم أن عثمان أتى شيئا من ذلك؟
فقال علي: لا. قال طلحة: فأنت أمرت بقتله. قال علي: اللّهمّ لا. قال طلحة: فاعتزل هذا الأمر، و نجعله شورى بين المسلمين، فإن رضوا بك دخلت فيما دخل فيه الناس، و إن رضوا غيرك كنت رجلا من المسلمين. قال علي: أو لم تبايعني يا أبا محمد طائعا غير مكره؟ فما كنت لأترك بيعتي. قال طلحة: بايعتك و السيف في عنقي.
قال: ألم تعلم أني ما أكرهت أحدا على البيعة، و لو كنت مكرها أحدا لأكرهت سعدا و ابن عمر و محمد بن مسلمة، أبو البيعة، واعتزلوا، فتركتهم. قال طلحة: كنا في الشورى ستة، فمات اثنان و قد كرهناك، و نحن ثلاثة،
قال علي: إنما كان لكما ألا ترضيا قبل الرضى و قبل البيعة. و أما الآن فليس لكما غير ما رضيتما به، إلا أن تخرجا مما بويعت عليه بحدث، فإن كنت أحدثت حدثا فسموه لي. و أخرجتم أمكم عائشة، وتركتم نساءكم، فهذا أعظم الحدث منكم أرضى هذا لرسول الله أن تهتكوا سترا ضربه عليها، وتخرجوها منه؟
فقال طلحة: إنما جاءت للإصلاح. قال علي: هي لعمر الله إلى من يصلح لها أمرها أحوج، أيها الشيخ أقبل النصح و ارض بالتوبة مع العار. قبل أن يكون العار و النار.
ص: 211
235- عنه قال: وذكروا أنه بينما الناس وقوف إذ رمي رجل من أصحاب علي، فجيء به إلى علي، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذا أخونا قد قتل. فقال علي: أعذروا إلى القوم 1. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: إلى متى؟ قد و الله أعذرنا و أعذرت إن كنت تريد الإعذار،
و الله لتأذنن لنا في لقاء القوم أو لتنصرفن إلى متى تستهدف نحورنا للقتال والسلاح، يقتلوننا رجلا رجلا ؟ فقال علي: قد و الله أرانا أعذرنا. أين محمد ابني؟ فقال: ها أنا ذا. فقال: أي بني، خذ الراية، فابتدر الحسن و الحسين ليأخذاها، فأخرهما عنها، و كان علي يؤخرهما شفقة عليهما، فأخذ محمد الراية،
ثم قام علي، فركب بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله ، ثم دعا بدرع رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم، فلبسها، ثم قال:
احزموني، فحزم بعمامة أسفل من سرته، ثم خرج و كان عظيم البطن، فقال لابنه: تقدم و تضعضع الناس حين سمعوا به قد تحرك، فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتا، فقال علي: ما هذا؟ فقيل: عائشة تلعن قتلة عثمان. فقال علي و رفع بصره إلى السماء:
لعن الله قتلة عثمان في السهل و الجبل، و قد كان علي عبأ الناس أثلاثا، فجعل مصر قلب العسكر، و اليمن ميمنته، و ربيعة میسرته، و عباأ أهل البصرة مثل ذلك، فاقتتل القوم قتالا شديدا، فهزمت يمن البصرة يمن علي، و هزمت ربيعة البصرة ربيعة علي، قال حية بن جهين:
نظرت إلى علي و هو يخفق نعاسا فقلت له: تالله ما رأيت كاليوم قط، إن بإزائنا لمائة ألف سيف، و قد هزمت ميمنتك و ميسرتك، و أنت تخفق نعاسا، فانتبه و رفع یدیه، و قال:
ص: 212
اللّهمّ إنك تعلم أني ما كتبت في عثمان سوادا في بياض، و أن الزبير و طلحة ألبا و أجلبا علىّ الناس، اللّهمّ أولانا بدم عثمان فخذه اليوم.
ثم تقدم علي فنظر إلى أصحابه يهزمون و يقتلون فلما نظر إلى ذلك صاح بابنه محمد و معه الراية، أن اقتحم، فأبطأ و ثبت، فأتى علي من خلفه، فضربه بين كتفيه، و أخذ الراية من يده، ثم حمل، فدخل عسكرهم و إن الميمنتين و الميسرتين تضطربان، في إحداهما عمار، و في الأخرى عبد الله بن عباس، و محمد بن أبي بكر، قال:
فشق علي في عسكر القوم يطعن و يقتل، ثم خرج و هو يقول: الماء الماء، فأتاه رجل بإداوة فيها عسل فقال له: يا أمير المؤمنين، أما الماء فإنه لا يصلح لك في هذا المقام، و لكن أذوقك هذا العسل فقال: هات، فحسا منه حسوة، ثم قال: إن عسلك لطائفي، قال الرجل: لعجبا منك.
و الله يا أمير المؤمنين، لمعرفتك الطائفى من غيره في هذا اليوم، وقد بلغت القلوب الحناجر . فقال له على: إنه والله يا بن أخى ما ملأ صدر عمك شيء قط، و لا ها به شيء ثم أعطى الراية لابنه، و قال: هكذا فاصنع، فتقدم محمد بالراية و معه الأنصار حتى انتهى إلى الجمل و الهودج و هزم ما يليه، فاقتتل الناس ذلك اليوم قتالا شديدا حتى كانت الواقعة و الضرب على الركب و حمل الأشتر النخعي و هو يريد عائشة،
فلقيه عبد الله بن الزبير ، فضربه، و اعتنقه عبد الله فصرعه، و قعد على صدره، ثم نادى عبد الله: اقتلوني و مالكا. فلم يدر الناس من مالك فانفلت الأشتر منه، فلما رأى كعب بن سور الهزيمة، أخذ بخطام البعير، و نادي: أيها الناس، الله الله، فقاتل و قاتل الناس معه، و عطفت الأزد على الهودج، و أقبل علي و عمار و الأشتر و الأنصار معهم يريدون الجمل فاقتتل
ص: 213
القوم حوله، حتى حال بينهم الليل وكانوا كذلك يروحون و يغدون على القتال سبعة أيام، و إن عليا خرج إليهم بعد سبعة أيام فهزمهم، فلما رأى طلحة ذلك رفع يديه إلى السماء. وقال:
اللّهمّ إن كنا قد داهنا في أمر عثمان و ظلمناه فخذ له اليوم منا حتى ترضى، قال: فما مضى كلامه حتی ضربه مروان ضربة أتى منها على نفسه، فخر و ثبتت عائشة، وحماها مروان في عصابة من قيس و من كنانة و بني أسد،
فأحدق بهم علي بن أبي طالب، و مال الناس إلى علي، و كلما وثب رجل يريد الجمل ضربه مروان بالسیف، و قطع يده، حتى قطع نحو عشرين يدا من أهل المدينة و الحجاز و الكوفة، حتى أتي مروان من خلفه، فضرب ضربة فوقع، و عرقب الجمل الّذي عليه عائشة. و انهزم الناس، و أسرت عائشة، و أسر مروان بن الحكم و عمرو بن عثمان، و موسى بن طلحة، و عمرو بن سعيد بن العاص،
فقال عمار لعلي: يا أمير المؤمنين، اقتل هؤلاء الأسرى. فقال علي: لا أقتل أسير أهل القبلة إذا رجع و نزع. فدعا علي بموسى بن طلحة، فقال الناس: هذا أول قتيل يقتل، فلما أتى به علي قال: تبايع و تدخل فيما دخل فيه الناس؟ قال: نعم. فبايع و بايع الجميع و خلى سبيلهم، و سأل الناس عليا ما كان عرض عليهم قبل ذلك فأعطاه،
ثم أمر المنادي فنادى: لا يقتلن مدبر، ولا يجهز على جريح، و لكم ما في عسكرهم و على نسائهم العدة، و ما كان لهم من مال في أهليهم فهو ميراث على فرائض الله، فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، كيف تحل لنا أموالهم، و لا تحل لنا نساؤهم و لا أبناؤهم؟ فقال: لا يحل ذلك لكم.
ص: 214
فلما أكثروا عليه في ذلك. قال: اقترعوا، هاتوا بسهامكم ثم قال: أيكم يأخذ أمكم عائشة في سهمه؟
فقالوا: نستغفر الله. فقال: و أنا أستغفر الله. قال: ثم إن عليا مر بالقتلى، فنظر إلى محمد طلحة و هو صريع في القتلى، و كان يسمى السجاد، لما بن بين عينيه من أثر السجود.
فقال: رحمك الله يا محمد ، لقد كنت في العبادة مجتهدا آناء الليل قواما، و في الحرور صواما، ثم التفت إلى من حوله فقال: هذا رجل قتله بر أبيه فاختلفوا في طلحة و ابنه محمد أيهما قتل قبل؟ فشهدت عائشة لمحمد أنها رأته بعد قتل أبيه، فورثوا ولده في مال طلحة. قال: و أتى محمد بن أبي بكر، فدخل على أخته عائشة، قال لها:
أما سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول : علي مع الحق، و الحق مع علي؟ ثم خرجت تقاتلينه بدم عثمان، ثم دخل عليهما علي فسلّم وقال: يا صاحبة الهودج، قد أمرك الله أن تقعدي في بيتك، ثم خرجت تقاتلين. أتر تحلين؟ قالت: أرتحل.
فبعث معها على علیه السّلام أربعين امرأة، و أمرهن أن يلبسن العمائم، و يتقلدن السيوف، و أن يكن من الذين يلينها، و لا تطلع على أنهن نساء، فجعلت عائشة تقول في الطريق فعل الله في ابن أبي طالب و فعل، بعث معي الرجال، فلما قدمن المدينة وضعن العمائم والسيوف، و دخلن عليها. فقالت: جزى الله ابن أبي طالب الجنة.
236 - عنه قال: و دفن طلحة في ساحة البصرة ، فأتى عائشة في المنام. فقال: حوليني من مكاني، فإن البرد قد آذاني فحولته. و قال عبد الله بن الزبير: أمسيت يوم الجمل و بي بضع و ثلاثون بين ضربة و طعنة، و ما
ص: 215
رأيت مثل يوم الجمل قط، ما ينهزم منا أحد ولا يأخذ أحد منا بخطام الجمل إلا قتل أو قطعت يده، حتى ضاع الخطام من يد بني ضبة، فعقر الجمل.
237- عنه دخل موسى بن طلحة على علي علیه السّلام، فقال له علي: إني لأرجو أن أكون أنا و أبوك ممن قال الله فيهم: «وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ من غِلّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» و أمسى علي بالبصرة ذلك اليوم الّذي أتاه فيه موسى بن طلحة،
فقال ابن الكواء: أمسيت بالبصرة يا أمير المؤمنين؟ فقال: كان عندي ابن أخي. قال: و من هو ؟ قال موسى بن طلحة. فقال ابن الكواء: لقد شقينا إن كان ابن أخيك.
فقال علي: ويحكم، إن الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ثم قال ابن الكواء: يا أمير المؤمنين، من أخبرك بمسيرك هذا الّذي سرت فيه، تضرب الناس بعضهم ببعض، و تستولي بالأمر عليهم؟ أرأي رأيته حين تفرقت الأمة، و اختلفت الدعوة،
فرأيت أنك أحق بهذا الأمر منهم لقرابتك؟ فإن كان رأيا رأيته أجبناك فيه، و إن كان عهدا عهده إليك رسول الله فأنت الموثوق به، المأمون على رسول الله فيما حدثت عنه.
فقال علي: أنا أول من صدقه فلا أكون أول من كذب عليه. أما أن يكون عندي عهد من رسول الله صلّی الله علیه و آله فلا و الله ، و لكن لما قتل الناس عثمان نظرت في أمري،
فإذا الخليفتان اللذان أخذاها من رسول الله قد هلكا و لا عهد لهما، و إذا الخليفة الّذي أخذها بمشورة المسلمين قد قتل، و خرجت ربقته من
ص: 216
عنقي، لأنه قتل و لا عهد له، قال ابن الكواء: صدقت و بررت، و لكن ما بال طلحة والزبير ؟ و لم استحللت قتالهما و قد شاركاك في الهجرة مع رسول الله صلّی الله علیه و آله ، و في الشورى مع عمر بن الخطاب؟ قال علي علیه السّلام: بايعاني بالحجاز، ثم خالفاني بالعراق، فقاتلتهما على خلافهما، و لو فعلا ذلك بكر و عمر لقاتلاهما.
238 - قال الدينوري: قالوا: ولما قضى الزبير و طلحه و عائشة حجهم تأمروا في مقتل عثمان، فقال الزبير و طلحه لعائشة : ان اطعتنا طلبنا بدم عثمان، قالت: و ممن تطلبون دمه؟. قالا: أنهم قوم معروفون، و انهم بطانه علی و رؤساء اصحابه، فاخرجى معنا حتى ناتى البصرة فيمن تبعنا من اهل الحجاز، و ان اهل البصرة لو قد رأوك لكانوا جميعا يدا واحده معك. فاجابتهم الى الخروج ، فسارت و الناس حولها يمينا وشمالا.
و لما فصل على علیه السّلام من المدينة نحو الكوفه بلغه خبر الزبير و طلحه و عائشة، فقال لأصحابه : ان هؤلاء القوم قد خرجوا يؤمون البصرة، لما دبروه بينهم، فسيروا بنا على أثرهم، لعلنا نلحقهم قبل موافاتهم، فإنهم لو قد وافوها لمال معهم جميع أهلها، قالوا: سر بنا يا امير المؤمنين. فسار حتى وافى ذا قار ، فأتاه الخبر بموافاه القوم البصرة، ومبايعة اهل البصرة لهم الا بنی سعد،
فإنهم لم يدخلوا فيما دخل فيه الناس، وقالوا لأهل البصرة: لا نكون معكم ولا عليكم، و قعد أيضا كعب بن سور في اهل بيته، حتى اتته عائشة في منزله، فأجابها، و قال: اكره الا اجيب أمي، و كان كعب على قضاء البصرة.
و لما انتهى الخبر الى على وجه هاشم بن عتبة بن ابي وقاص
ص: 217
ليستنهض اهل الكوفه، ثم اردفه بابنه الحسن و بعمار بن ياسر، فساروا حتى دخلوا الكوفه، و ابو موسى يومئذ بالكوفه، و هو جالس في المسجد، و الناس محتوشوه و هو يقول: يا اهل الكوفه، أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب، يأوي إليكم المظلوم، و يامن فيكم الخائف،
ايها الناس، ان الفتنة إذا اقبلت شبهت، و إذا ادبرت تبينت، و ان هذه الفتنة الباقره لا يدرى من اين تأتي، و لا من این توتی، شیموا سيوفكم، و انزعوا اسنة رماحكم، و اقطعوا اوتار قسيكم، و الزموا قعور البيوت، ايها الناس، ان النائم في الفتنة خير من القائم، و القائم خير من الساعي.
فانتهى الحسن بن على علیه السّلام و عمار رضی الله عنهما الى المسجد الأعظم و قد اجتمع عالم من الناس على ابى موسى، و هو يقول لهم هذا و أشباهه، فقال له الحسن: اخرج عن مسجدنا، و امض حيث شئت. ثم صعد الحسن المنبر، و عمار صعد معه، فاستنفرا الناس، فقام حجر بن عدى الكندي، وكان من افاضل اهل الكوفه فقال: انفروا خفافا و ثقالا، رحمكم الله فأجابه الناس من كل وجه: سمعا وطاعه لأمير المؤمنين، نحن خارجون على اليسر والعسر و الشده و الرخاء.
فلما أصبحوا من الغد خرجوا مستعدين، فاحصاهم الحسن، فكانوا تسعه آلاف و ستمائه و خمسين رجلا، فوافوا عليا بذي قار قبل ان يرتحل. فلما هم بالمسير غلس الصبح، ثم أمر مناديا، فنادى في الناس بالرحيل، فدنا منه الحسن، فقال: يا أبت اشرت عليك حين قتل عثمان و راح الناس إليك و غدوا، و سالوك ان تقوم بهذا الأمر الا تقبله حتى تأتيك طاعة جميع الناس في الآفاق،
و اشرت عليك حين بلغك خروج الزبير و طلحه بعائشة الى البصرة
ص: 218
ان ترجع الى المدينة، فتقيم في بيتك، و اشرت عليك حين حوصر عثمان ان تخرج من المدينة، فان قتل قتل و أنت غائب، فلم تقبل رأيي في شيء من ذلك.
فقال له على: اما انتظاري طاعة جميع الناس من جميع الآفاق،
فان البيعه لا تكون الا لمن حضر الحرمين من المهاجرين والانصار، فإذا رضوا و سلموا وجب على جميع الناس الرضا و التسليم، و اما رجوعى الى بيتي و الجلوس فيه، فان رجوعى لو رجعت كان غدرا بالأمة، و لم آمن ان تقع الفرقة، و تتصدع عصا هذه الامه، و اما خروجي حين حوصر عثمان فكيف أمكنني ذلك؟! وقد كان الناس أحاطوا بي كما أحاطوا بعثمان، فاكفف يا بني عما انا اعلم به منك.
ثم سار بالناس، فلما دنا من البصرة كتب الكتائب، و عقد الالويه و الرايات، و جعلها سبع رايات، عقد لحمير و همدان راية، و ولى عليهم سعيد بن قيس الهمداني، وعقد لمذحج و الأشعريين راية، و ولى عليهم زياد ابن النضر الحارثي، ثم عقد لطيئ راية، و ولى عليهم عدی بن حاتم، و عقد لقيس و عبس و ذبيان راية،
و ولى عليهم سعد بن مسعود الثقفى عم المختار بن أبي عبيد، و عقد لكندة وحضرموت و قضاعة و مهره راية، و ولى عليهم حجر ابن عدى الكندى، وعقد للازد و بجيله و خثعم و خزاعة راية، و ولى عليهم مخنف بن سليم الأزدي، و عقد لبكر و تغلب و افناء ربيعه راية، و ولى عليهم محدوج الذهلي، و عقد لسائر قريش و الانصار و غيرهم من اهل الحجاز راية، و ولى عليهم عبد الله بن عباس، فشهد هؤلاء الجمل وصفين و النهر، و هم اسباع كذلك، وكان على الرجالة جندب بن زهير الأزدي.
ص: 219
و لما بلغ طلحه و الزبير ورود علي علیه السّلام بالجيوش، و قد اقبل حتى نزل الخريبة فعباهم طلحه و الزبير و كتباهم كتائب، و عقدا الالويه، فجعلا على الخيل محمد بن طلحه، و على الرجالة عبد الله بن الزبير، و دفعا اللواء الأعظم الى عبد الله بن حرام بن خویلد، و دفعا لواء الأزد الى كعب بن سور و ولياه الميمنه،
و وليا قريشا و كنانة عبد الرحمن بن عتاب بن اسید، و وليا امر الميسره عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، و هو الذي قالت عائشة فيه: وددت لو قعدت في بيتى و لم اخرج في هذا الوجه لكان ذلك أحب الى من عشرة اولاد، لو رزقتهن من رسول الله صلّی الله علیه و آله على فضل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و عقله و زهده.
و وليا على قيس مجاشع بن مسعود، و على تيم الرباب عمرو بن يثربى، و على قيس و الانصار و ثقيف عبد الله بن عامر بن كريز، و على خزاعة عبد الله بن خلف الخزاعي، و على قضاعه عبد الرحمن بن جابر الراسبي، و على مذحج الربيع بن زياد الحارثي، و على ربيعه عبد الله بن مالك.
239 - عنه قالوا: اقام علي علیه السّلام ثلاثة ايام يبعث رسله الى اهل البصرة، فيدعوهم الى الرجوع الى الطاعة و الدخول في الجماعة، فلم يجد عند القوم اجابة، فزحف نحوهم يوم الخميس لعشر مضين من جمادى الآخرة، وعلى ميمنته الاشتر، و على ميسرته عمار بن ياسر، و الراية العظمى في يد ابنه محمد بن الحنفية، ثم سار نحو القوم حتى دنا بصفوفه من صفوفهم، فواقفهم من صلاه الغداة الى صلاه الظهر، يدعوهم و يناشدهم، و اهل البصرة وقوف تحت رايتهم، وعائشة في هودجها امام القوم.
ص: 220
240 - عنه قالوا: و ان الزبير لما علم ان عمارا مع علي علیه السّلام ارتاب بما كان فيه، لقول رسول الله صلّی الله علیه و آله الحق: مع عمار، و تقتلك الفئة الباغيه.
241 - عنه قالوا: ثم ان عليا دنا من صفوف اهل البصرة، وارسل الى الزبير يسأله، ليدنو، فيكلمه بما يريد، و اقبل الزبير حتى دنا من ، فوقفا جميعا بين الصفين حتى اختلفت اعناق فرسيهما، فقال له على: ناشدتك الله يا أبا عبد الله، هل تذكر يوما مررنا انا و أنت برسول الله صلّى الله عليه و آله و يدي في يدك، فقال لك رسول الله صلّى الله عليه و آله: أتحبه ؟. قلت: نعم، يا رسول الله ، فقال لك: اما انك تقاتله، و أنت له ظالم...؟، فقال الزبير: نعم، انا ذاكر له.
ثم انصرف على الى قومه، و قال لأصحابه: احملوا على القوم، فقد أعذرنا اليهم، فحمل بعضهم على بعض، فاقتتلوا. بالقنا و السيوف. و اقبل الزبير حتى دنا من ابنه عبد الله و بيده الراية العظمی، فقال: یا بنی، انا منصرف، قال: و كيف يا أبت؟، قال: ما لي في هذا الأمر من بصيره، و قد اذكرني على امراء،
قد كنت غفلت عنه، فانصرف يا بنى معى، فقال عبد الله: و الله لا ارجع او يحكم الله بيننا. فتركه الزبير، و مضى نحو البصرة ليتحمل منها، و يمضى نحو الحجاز. و يقال: ان طلحه لما علم بانصراف الزبير هم ان ينصرف، فعلم مروان بن الحكم ما يريده، فرماه بسهم، فوقع في ركبته، فنزف حتى مات.
و اقبل الزبير حتى دخل البصرة، و امر غلمانه ان يتحملوا، فيلحقوا به، و خرج من ناحيه الخريبة، فمر بالأحنف بن قيس، و هو جالس بفناء داره، و حوله قومه، و قد كانوا اعتزلوا الحرب، فقال الأحنف: هذا الزبير، و لقد انصرف لامر ، فهل فيكم من يأتينا بخبره؟، فقال له عمرو بن جرموز:
ص: 221
انا آتيك بخبره.
فركب فرسه، و تقلد سيفه، و مضى في اثره، وذلك قبل صلاه الظهر، فلحقه، و قد خرج من دور البصرة، فقال له: يا أبا عبد الله ما الذي تركت عليه القوم ؟، قال الزبير: تركتهم وبعضهم يضرب وجوه بعض بالسيف، قال: فأين تريد؟، قال: انصرف لحال بالي، فما لي في هذا الأمر من بصيرة. قال عمرو بن جرموز: و أنا أيضا اريد الخريبة، فسر بنا. فسارا حتى دنا وقت الصلاة،
فقال الزبير: ان هذا وقت الصلاة، و انا اريد ان أقضيها، قال عمرو: و انا اريد ان أقضيها، قال الزبير: أنت مني في الامان، فهل انا منك كذلك، قال: نعم. فنزلا جميعا، وقام الزبير في الصلاة، فلما سجد حمل عليه عمرو بالسيف، فضربه حتى قتله، و أخذ درعه و سیفه و فرسه، و اقبل حتى اتى عليا، و هو واقف، و الناس، يجتلدون بالسيوف،
فالقي السلاح بين يديه، فلما نظر علي علیه السّلام الى السيف، قال: ان هذا السيف طالما فرج به صاحبه الكرب عن وجه رسول الله صلّى الله عليه و آله ، ابشر يا قاتل ابن صفيه بالنار، فقال عمرو: نقتل أعداءكم، و تبشروننا بالنار؟!.
242 - عنه قالوا: ثم ان عليا امر ابنه محمد بن الحنفية، فقال: تقدم برايتك. و كان معه الراية العظمى، فتقدم بها وقد لاث اهل البصرة بعبد الله ابن الزبير، و قلدوه الأمر، فتقدم محمد بالراية، فاستقبله اهل البصرة بالقنا و السيوف، فوقف بالراية، فتناولها منه ، و حمل و حمل معه الناس، ثم ناولها ابنه محمدا، و اشتد القتال و حمیت الحرب، و انكشف الناس عن الجمل، و قتل كعب بن سور، و ثبتت الأزد و ضبة، فقاتلوا قتالا شديدا.
فلما رای علی شده صبر اهل البصرة جمع اليه حماة اصحابه، فقال: أن
ص: 222
هؤلاء القوم قد محكوا فاصدقوهم القتال، فخرج الاشتر و عدی بن حاتم و عمرو بن الحمق و عمار بن ياسر في عددهم من اصحابهم، فقال عمرو ابن يتربى لقومه، و كانوا في ميمنه اهل البصرة
ان هؤلاء القوم الذين قد برزوا إليكم من اهل العراق هم قتله عثمان، فعليكم بهم، و تقدم امام قومه بنى ضبة، فقاتل قتالا شديدا، و كثرت النبل في الهودج، حتى صار كالقنفذ، و كان الجمل مجففا و الهودج مطبق بصفائح الحديد.
و صبر الفريقان بعضهم لبعض حتى كثرت القتلى و ثار القتام، و طلت الالويه و الرايات، و حمل على بنفسه، و قاتل حتى انثني سيفه، و خرج فارس اهل البصرة عمرو بن الأشرف، لا يخرج اليه احد من اصحاب على الا قتله، و هو يرتجز، و يقول:
يا أمنا يا خير أم *** و الام تغذو ولدها و ترحم
الا ترین کم جواد يكلم *** و تختلى هامته و المعصم
فخرج اليه من اهل الكوفه الحارث بن زهير الأزدي، و كان من فرسان على، فاختلفا ضربتين، فاوهط كل منهما صاحبه، فخرا جميعا صريعين، يفحصان بأرجلهما حتى ماتا.
243 - عنه قالوا: وانكشف اهل البصرة انكشافه، و انتهى الاشتر الى الجمل، و عبد الله بن الزبير آخذ بخطامه، فرمى الاشتر بنفسه على عبد الله بن الزبير، فصار تحته، فصاح عبد الله بن الزبير: اقتلوني و مالكا، فئاب الى ابن الزبير أصحابه.
فلما خاف الاشتر على نفسه قام عن عبد الله بن الزبير، و قاتل حتى خلص الى اصحابه، و قد عار فرسه، فقال لهم: ما أنجاني الا قول ابن الزبير :
ص: 223
اقتلوني و مالكا، فلم يدر القوم من مالك، و لو قال اقتلوني و الاشتر لقتلوني.
و قاتل عدي بن حاتم حتى فقئت احدى عينيه، و قاتل عمرو بن الحمق، و كان من عباد اهل الكوفه، و معه النساك قتالا شديدا، فضرب بسيفه حتى انثنى، ثم انصرف الى أخيه رياح، فقال له رياح: يا أخي، ما احسن ما نصنع اليوم، ان كانت الغلبه لنا.
244 - عنه قالوا: و لما راى على لوث اهل البصرة بالجمل، وانهم كلما كشفوا عنه عادوا، فلاثوا به، قال لعمار و سعيد بن قيس و قیس بن سعد بن عباده و الاشتر و ابن بديل و محمد بن ابى بكر و أشباههم من حماة اصحابه: ان هؤلاء لا يزالون يقاتلون ما دام هذا الجمل نصب أعينهم، و لو قد عقر فسقط لم تثبت له ثابته، فقصدوا بذوي الجد من اصحابه قصد الجمل.
حتى كشفوا اهل البصرة عنه، و افضى اليه رجل من مراد الكوفه، يقال له اعين بن ضبيعة، فكشف عرقوبه بالسيف، فسقط و له رغاء، فغرق في القتلى، و مال الهودج بعائشة، فقال على لمحمد بن ابى بكر: تقدم الى أختك، فدنا محمد، فادخل يده في الهودج، فنالت يده ثياب عائشة، فقالت: انا لله، من أنت، ثكلتك أمك، فقال انا اخوك محمد.
و نادى عليّ علیه السّلام في اصحابه: لا تتبعوا موليا، و لا تجهزوا على جريح، و لا تنتهبوا مالا، و من القی سلاحه فهو آمن، و من اغلق بابه فهو آمن.
قال: فجعلوا يمرون بالذهب و الفضه في معسكرهم و المتاع، فلا يعرض له احد الا ما كان من السلاح الذى قاتلوا به، و الدواب التي حاربوا عليها، فقال له بعض اصحابه: يا امير المؤمنين، كيف حل لنا قتالهم، و لم
ص: 224
يحل لنا سبيهم وأموالهم فقال: ليس على الموحدين سبى، و لا يغنم من أموالهم الا ما قاتلوا به و علیه، فدعوا ما لا تعرفون، و الزموا ما تؤمرون.
قال: و امر على محمد بن ابى بكر ان ينزل عائشة فانزلها دار عبد الله ابن خلف الخزاعي، وكان عبد الله فيمن قتل ذلك اليوم، فنزلت عند امراتة صفية. و قال علي علیه السّلام لمحمد : انظر هل وصل الى أختك شيء؟ قال: أصاب ساعدها خدش سهم، دخل بين صفائح الحديد. و دخل البصرة، فاتي مسجدها الأعظم، و اجتمع الناس اليه،
فصعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلّی الله علیه و آله، ثم قال: اما بعد، فان الله ذو رحمة واسعة و عقاب اليم، فما ظنكم بي يا اهل البصرة جند المرأة و اتباع البهيمة؟ رغا، فقاتلتم، و عقر، فانهزمتم، اخلاقكم دقاق، و عهدكم شقاق، و ماؤكم زعاق أرضكم قريبة من الماء، بعيدة من السماء،
و ايم الله ليأتين عليها زمان لا يرى منها الا شرفات مسجدها في البحر، مثل جؤجؤ السفينة، انصرفوا الى منازلكم. ثم نزل، وانصرف الى معسكره، و قال لمحمد بن ابي بكر: سر مع أختك حتى توصلها الى المدينة، و عجل اللحوق بى بالكوفه، فقال: اعفنى من ذلك يا امير المؤمنين، فقال على : لا أعفيك منه، و مالك بد. فسار بها حتى أوردها المدينة.
245 - قال الطبري: كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا استأذن طلحة والزبير عليا فى العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة وأحب أهل المدينة أن يعلموا ما رأي على في معاوية وانتقاضه ليعرفوا بذلك راية في قتال أهل القبلة أيجسر عليه أو ينكل عنه وقد بلغهم أن الحسن بن علي علیه السّلام دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس.
فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي وكان منقطعا إلى علي فدخل عليه
ص: 225
فجلس إليه ساعة ثم قال له علي يا زياد تيسر فقال لأي شيء فقال تغزو الشأم فقال زياد الأناة والرفق أمثل فقال:
ومن لا يصانع في أمور كثيرة *** يضرس بأنياب ويوطا بمنسم
فتمثل علي وكأنه لا يريده:
متى تجمع القلب الذكي و صارما *** و أنفا حميا تجتنبك المظالم
فخرج زياد على الناس والناس ينتظرونه فقالوا ما وراءك فقال السيف يا قوم فعرفوا ما هو فاعل ودعا علي محمد بن الحنفية فدفع إليه اللواء وولى عبد الله بن عباس ميمنته وعمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ولاه ميسرته ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح فجعله على مقدمته.
واستخلف على المدينة قثم بن عباس ولم يول ممن خرج على عثمان أحدا وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى مثل ذلك وأقبل على التهيؤ والتجهز وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة وقال إن الله عز وجل بعث رسولا هاديا مهديا بكتاب ناطق وأمر قائم واضح.
لا يهلك عنه إلا هالك وإن المبتدعات والشبهات من المهلكات إلا من حفظ الله وإن في سلطان الله عصمة أمركم فأعطوه طاعتكم غير ملوية ولا مستكره بها والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الأمر إليها انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرقون جماعتكم.
لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم فبينا
ص: 226
هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وتمام على خلاف فقام فيهم بذلك فقال إن الله عز وجل جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة فمن لم يسعه الحق أخذ بالباطل.
ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي ودعوا الناس إلى الإصلاح وسأصبر مالم أخف على جماعتكم وأكف إن كفوا وأقتصر على ما بلغني عنهم.
ثم أتاه إنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح فتعبى للخروج إليهم وقال إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين وما كان عليهم في المقام فينا مؤونة ولا إكراه فاشتد على أهل المدينة الأمر فتثاقلوا فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي فجاء به فقال إنهض معي فقال أنا مع أهل المدينة.
إنما أنا رجل منهم وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم لا أفارقهم فإن يخرجوا أخرج وإن يقعدوا أقعد قال فأعطني زعيما بألا تخرج قال ولا أعطيك زعيما قال لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيرا وكبيرا لأنكرتنى دعوه فأنا به زعيم.
فرجع عبدالله بن عمر إلى المدينة وهم يقولون لا والله ما ندري كيف نصنع فإن هذا الأمر لمشتبه علينا ونحن مقيمون حتى يضيء لنا ويسفر.
فخرج من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة وأنه يخرج معتمرا مقيما على طاعة علي ما خلا النهوض وكان صدوقا فاستقر عندها وأصبح علي فقيل له حدث البارحة حدث هو أشد عليك من طلحة والزبير وأم المؤمنين ومعاوية قال وما ذلك قال خرج ابن عمر إلى الشام.
ص: 227
فأتى علي السوق ودعا بالظهر فحمل الرجال وأعد لكل طريق طلابا وماج أهل المدينة وسمعت أم كلثوم بالذي هو فيه فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثم أتت عليا وهو واقف في السوق يفرق الرجال في طلبه فقالت مالك لا تزند من هذا الرجل إن الأمر على خلاف ما بلغته وحدثته قالت أنا ضامنة له فطابت نفسه وقال انصرفوا لا والله ما كذبت ولا كذب وإنه عندي ثقة فانصرفوا.
246 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما رأى علي من أهل المدينة ما رأى لم يرض طاعتهم حتى يكون معها نصرته قام فيهم وجمع إليه وجوه أهل المدينة وقال إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح أوله فقد رأيتم عواقب قضاء الله عز وجل على م-ن مضى منكم فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم فأجابه رجلان من أعلام الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وهو بدري وخزيمة بن ثابت وليس بذي الشهادتين مات ذو الشهادتين في زمان عثمان.
247 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن عبيد الله عن الحكم قال قيل له أشهد خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الجمل فقال ليس به ولكنه غيره من الأنصار مات ذو الشهادتين في زمان عثمان بن عفان.
248 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن مجالد عن الشعبي قال بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين مالهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن.
249 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض فى ذلك الأمر إلا ستة
ص: 228
بدريين ما لهم سابع فقلت اختلفتها قال لم نختلف إن الشعبي شك في أبي أيوب أخرج حيث أرسلته أم سلمة إلى علي بعد صفين أم لم يخرج إلا أنه قدم عليه فمضى إليه وعلي يومئذ بالنهروان.
250 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد بن ثابت عن رجل عن سعيد بن زيد قال ما اجتمع اربعة من أصحاب النبي صلّی الله علیه و آله فازوا على الناس بخير يحوزونه إلا وعلي بن أبي طالب أحدهم.
ثم إن زياد بن حنظلة لما رأى تثاقل الناس عن علي ابتدر إليه وقال من تثاقل عنك فإنا نخف معك ونقاتل دونك وبينما علي يمشي في المدينة إذ سمع زينب ابنة أبي سفيان وهي تقول ظلامتنا عند مدمم وعند مكحلة فقال إنها لتعلم ما هما لها بتأر.
251 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة أن عثمان قتل في ذي الحجة لثمان عشرة خلت منه وكان على مكة عبد الله بن عامر الحضرمي وعلى الموسم يومئذ عبدالله بن عباس بعثه عثمان وهو محصور فتعجل أناس في يومين فأدركوا مع ابن عباس.
فقدموا المدينة بعد ما قتل وقبل أن يبايع علي وهرب بنو أمية فلحقوا بمكة وبويع علي الخمس بقين من ذي الحجة يوم الجمعة وتساقط اليها الهراب إلى مكة وعائشة مقيمة بمكة تريد عمرة المحرم فلما تساقط إليها الهراب استخبرتهم فأخبروها أن قد قتل عثمان ولم يجبهم إلى التأمير أحد.
فقالت عائشة ولكن أكياس هذا غب ما كان يدور بينكم من عتاب الاستصلاح حتى إذا قضت عمرتها وخرجت فانتهت إلى سرف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث وكانت واصلة لهم رفيقة عليهم يقال له عبيد بن
ص: 229
أبي سلمة يعرف بأمه أم كلاب.
فقالت مهيم فأصم ودمدم فقالت ويحك علينا أو لنا فقال لا تدري قتل عثمان وبقوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ماذا فقال أخذوا أهل المدينة بالاجتماع على علي والقوم الغالبون على المدينة فرجعت إلى مكة وهي لا تقول شيئا ولا يخرج منها شيء حتى نزلت على باب المسجد وقصدت للحجر فسترت فيه واجتمع الناس إليها.
فقالت يا أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد اهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنه وقد استعمل أسنانهم قبله ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحا لهم.
فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا خلجوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام واستحلوا الشهر الحرام والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم.
ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء فقال عبدالله بن عامر الحضرمي ها أنذ لها أول طالب وكان أول مجيب ومنتدب.
252 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن المدائني قال حدثنا سحيم مولى وبرة التميمي عن عبيد بن عمرو القرشي قال خرجت عائشة وعثمان محصور فقدم عليها مكة رجل يقال له أخضر فقالت ما صنع الناس فقال قتل عثمان المصريين.
ص: 230
قالت إنا الله وإنا إليه راجعون أيقتل قوما جاؤوا يطلبون الحق وينكرون الظلم والله لا نرضى بهذا ثم قدم آخر فقالت ما صنع الناس قال قتل المصريون عثمان قالت العجب لأخضر زعم أن المقتول هو القاتل فكان يضرب به المثل أكذب من أخضر
253 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال خرجت عائشة نحو المدينة من مكة بعد مقتل عثمان فلقيها رجل من أخوالها فقالت ما وراءك قال قتل عثمان واجتمع الناس على علي والأمر أمر الغوغاء فقالت ما أظن ذلك تاما ردوني.
فانصرفت راجعة إلى مكة حتى إذ دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي وكان أمير عثمان عليها فقال ما ردك يا أم المؤمنين قالت ردني أن عثمان قتل مظلوما وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام.
فكان أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي وذلك أول ما تكلمت بنو أمية بالحجاز ورفعوا رؤوسهم وقام معهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية وقد قدم عليهم عبدالله بن عامر من البصرة ويعلى بن أمية من اليمن وطلحة والزبير من المدينة واجتمع ملؤهم بعد نظر طويل في أمرهم على البصرة.
وقالت أيها الناس إن هذا حدث عظيم وأمر منكر فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم لعل الله عز وجل يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم.
254 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان أول من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أمية وقد كانوا
ص: 231
سقطوا إليها بعد مقتل عثمان ثم قدم عبد الله بن عامر ثم قدم يعلى بن أمية فاتفقا بمكة ومع يعلى ستمائة بعير وستمائة ألف فأناخ بالأبطح معسكرا وقدم معهما طلحة والزبير.
فلقيا عائشة فقالت ما وراءكما فقالا وراءنا أنا تحملنا بقليتنا هرابا من المدينة من غوغاء وأعراب وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ولا يمنعون أنفسهم قالت فائتمروا أمرا ثم انهضوا إلى هذه الغوغاء وتمثلت:
ولو أن قومي طاوعتني سراتهم *** لأنقذتهم من الحبال أو الخبل
وقال القوم فيها ائتمروا به الشام فقال عبدالله بن عامر قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته فقال له طلحة والزبير فأين ؟ قال البصرة فإن لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى قالوا قبحك الله فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب فهلا أقت كما أقام معاوية فنكتفي بك ونأتي الكوفة فنسد على هؤلاء القوم المذاهب.
فلم يجدوا عنده جوابا مقبولا حتى إذا استقام لهم الرأي على البصرة قالوا يا أم المؤمنين دعي المدينة فإن من معنا لا يقرنون لتلك الغوغاء التي بها واشخصي معنا إلى البصرة فإنا نأتي بلدا مضيعا وسيحتجون علينا فيه ببيعة علي بن أبي طالب فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة ثم تقعدين فإن أصلح الله الأمر كان الذي تريدين وإلا احتسبنا ودفعنا عن هذا الأمر بمهدنا حتى يقضي الله ما أراده
فلما قالوا ذلك لها ولم يكن ذلك مستقيما إلا بها قالت نعم وقد كان أزواج النبي صلّی الله علیه و آله معها على قصد المدينة فلما تحول رأيها إلى البصرة تركن ذلك وانطلق القوم بعدها إلى حفصة ففالت رأيي تبع لرأي عائشة حتى إذا
ص: 232
لم يبق إلا الخروج قالوا كيف نستقل وليس معنا مال نجهز به الناس.
فقال يعلى بن أمية ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها وقال ابن عامر معي كذا وكذا فتجهزوا به فنادى المنادي إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ومن لم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة
فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب وكانوا جميعا ألفا وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل واستقلوا ذاهبين وأرادت حفصة الخروج فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت وبعثت إلى عائشة أن عبد الله حال بيني وبين الخروج.
فقالت يغفر الله لعبد الله وبعثت أم الفضل بنت الحارث رجلا من جهينة يدعى ظفرا فاستأجرته على أن يطوي ويأتي عليا بكتابها فقدم على علي بكتاب أم الفضل بالخبر.
255- عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي عن أبي مخنف قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبيه قال قال أبو قتادة لعلي يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلّی الله علیه و آله قلدني هذا السيف وقد شمته فطال شيمه وقد أنى تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأمة غشا فإن أحببت أن تقدمني فقدمني وقامت أم سلمة.
فقالت يا أمير المؤمنين لولا أن أعصى الله عز وجل وأنك لا تقبله مني لخرجت معك وهذا ابني عمر والله لهو أعز علي من نفسي يخرج معك فيشهد مشاهدك فخرج فلم يزل معه واستعمله على البحرين ثم عزله واستعمل النعمان بن عجلان الزرقي.
ص: 233
256 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا مسلمة عن عوف قال أعان يعلى بن أمية الزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلا من قريش وحمل عائشة على جمل يقال له عسكر أخذه بثمانين دينارا وخرجوا فنظر عبد الله بن الزبير إلى البيت فقال ما رأيت مثلك بركة طالب خير ولا هارب من شر.
257 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا خرج المغيرة وسعيد بن العاص معهم مرحلة من مكة فقال سعيد للمغيرة ما الرأي قال الرأي والله الاعتزال فإنهم ما يفلح أمرهم فإن أظفره الله أتيناه فقلنا كان هوانا وصغونا معك فاعتزلا فجلسا فجاء سعيد مكة فأقام بها ورجع معهما عبد الله بن خالد بن أسيد.
258 - عنه حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال ثم ظهرا يعني طلحة والزبير إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر وابن عامر بها يجر الدنيا وقدم يعلى بن أمية معه بمال كثير وزيادة على أربعمائة بعير فاجتمعوا في بيت عائشة فأرادوا الراي.
فقالوا: نسير إلى علي فنقاتله فقال بعضهم ليس لك-م ط-اقة بأهل المدينة ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى وللزبير بالبصرة هوى ومعونة فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة وإلى الكوفة فأعطاهم عبد الله بن عامر مالا كثيرا وإبلا.
فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل فبلغ عليا مسيرهم فأمر على المدينة سهل بن حنيف الأنصاري وخرج فسار حتى نزل ذاقار وكان مسيره إليها ثمان ليال
ص: 234
ومعه جماعة من أهل المدينة.
259 - عنه حدثني أحمد بن منصور قال حدثني يحيى بن معين قال حدثنا هشام بن يوسف قاضي صنعاء عن عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن موسى بن عقبة عن علقمة بن وقاص الليثي قال لما خرج طلحة والزبير وعائشة عرضوا الناس بذات عرق واستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام فردوهما.
260 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال أخبرنا أبو عمرو عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال أين تذهبون وتأركم على أعجاز الإبل اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم قالوا بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا فخلا سعيد بطلحة والزبير.
فقال إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر أصدقاني قالا لأحدنا أينا اختاره الناس قال بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه قالا ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم قال أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد فقال المغيرة بن شعبة الرأي ما رأى سعيد من كان ها هنا من ثقيف فليرجع.
فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان فاختلفوا في الطريق فقالوا من ندعو لهذا الأمر فخلا الزبير بابنه عبد الله وخلا طلحة بعلقمة بن وقاص الليثي وكان يؤثره على ولده فقال أحدهما انت الشام وقال الآخر أنت العراق وحاور كل واحد منهما صاحبه ثم اتفقا على البصرة.
261 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس
ص: 235
عن الأغر قال لما اجتمع إلى مكة بنو أمية ويعلى بن منية وطلحة والزبير ائتمروا أمرهم وأجمع ملؤهم على الطلب بدم عثمان وقتال السبئية حتى يثأروا وينتقموا فأمرتهم عائشة بالخروج إلى المدينة.
و اجتمع القوم على البصرة وردوها عن رأيها وقال لها طلحة والزبير إنا نأتي أرضا قد أضيعت وصارت إلى علي وقد أجبرنا علي على بيعته وهم محتجون علينا بذلك وتاركو أمرنا إلا أن تخرجي فتأمري بمثل ما أمرت بمكة ثم ترجعي فنادى المنادي إن عائشة تريد البصرة وليس في ستمائة بعير ما تغنون.
به غوغاء وجلبة الأعراب وعبيدا قد انتشروا وافترشوا أذرعهم مسعدين لأول واعية وبعثت إلى حفصة فأرادت الخروج فعزم عليها ابن فأقامت فخرجت عائشة ومعها طلحة والزبير وأمرت على الصلاة عمر عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد.
فكان يصلي بهم في الطريق وبالبصرة حتى قتل وخرج معها مروان وسائر بني أمية إلا من خشع وتيامنت عن أوطاس وهم ستمائة راكب سوى من كانت له مطية فتركت الطريق ليلة وتيامنت عنها كأنهم سيارة ونجعة مساحلين لم يدن من المنكدر ولا واسط ولا فلج منهم أحد حتى أتوا البصرة في عام خصيب وتمثلت:
دعى بلاد جموع الظلم إذ صلحت *** فيها المياه وسيري سير مذعور
تخيري النبت فارعي ثم ظاهرة *** وبطن واد من الضمار ممطور
262 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن عمر بن راشد اليمامي عن أبي كثير السحيمي عن ابن عباس قال خرج أصحاب الجمل في ستمائة معهم عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي بكرة وعبد الله بن صفوان الجمحي فلما
ص: 236
جاوزا بئر ميمون إذا هم بجزور قد نحرت ونحرها ينثعب فتطيروا وأذن مروان حين فصل من مكة ثم جاء حتى وقف عليهما.
فقال أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي عبد الله وقال محمد بن طلحة على أبي محمد فأرسلت عائشة إلى مروان فقالت مالك أتريد أن تفرق أمرنا ليصل ابن أختي فكان يصلي بهم عبدالله بن الزبير حتى قدم البصرة فكان معاذ بن عبيد الله يقول والله لو ظفرنا لافتتنا ما خلى الزبير بين طلحة والأمر ولا خلى طلحة بين الزبيرو والأمر.
263 - عنه كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال جاء عليا الخبر عن طلحة والزبير وأم المؤمنين فأمر على المدينة تمام بن العباس وبعث إلى مكة قثم بن العباس وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق وأراد أن يعترضهم فاستبان له بالربذة أن قد فاتوه وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن.
264 - عنه كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا بلغ عليا الخبر وهو بالمدينة باجتماعهم على الخروج إلى البصرة وبالذي اجتمع عليه ملؤهم طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم وبلغه قول عائشة وخرج علي يبادرهم في تعبيته التي كان تعبى بها إلى الشام وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخفيين في سبعمائة رجل وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج.
فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال يا أمير المؤمنين لا تخرج منها فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا فسبوه فقال دعوا الرجل فنعم الرجل من أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله وسار حتى انتهى إلى الربذة فبلغه ممرهم فأقام حين فاتوه يأتمر بالربذة.
ص: 237
265 - عنه حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا علي بن عابس الأزرق قال حدثنا أبو الخطاب الهجري عن صفوان بن قبيصة الأحمسي قال حدثني العرني صاحب الجمل قال بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال.
يا صاحب الجمل تبيع جملك؟ قلت نعم قال بكم قلت بألف درهم قال مجنون أنت جمل يباع بألف درهم قال قلت نعم جملي هذا قال ومم ذلك قلت ما طلبت عليه أحدا قط إلا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد إلا فته قال لو تعلم لمن نريده لأحسنت بيعنا قال قلت ولمن تريده قال لأمك.
قلت: لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا قال إنما أريده لأم المؤمنين عائشة قلت فهو لك فخذه بغير ثمن قال لا ولكن ارجع معنا إلى الرحل فلنعطك ناقة مهرية ونزيدك دراهم قال فرجعت فأعطوني ناقة لها مهرية وزادوني أربعمائة أو ستمائة درهم فقال لي.
يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق قال قلت نعم أنا من أدرك الناس قال فسر معنا فسرت معهم فلا أمر على واد ولا ماء إلا سألوني عنه حتى طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا كلابها قالوا أي ماء هذا قلت ماء الحواب قال فصرخت عائشة بأعلى صوتها.
ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته ثم قالت أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقا ردوني تقول ذلك ثلاثا فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك وهي تأبى حتى كانت الساعة التى أناخوا فيها من الغد قال فجاءها ابن الزبير فقال النجاء النجاء فقد أدرككم والله علي بن أبي طالب قال فارتحلوا وشتموني فانصرفت.
فما سرت إلا قليلا وإذا أنا بعلي وركب معه نحو من ثلثمائة فقال لي
ص: 238
علي يا أيها الراكب فأتيته فقال أين أتيت الظعينة قلت في مكان كذا وكذا وهذه ناقتها وبعتهم جملي قال وقد ركبته قلت نعم وسرت معهم حتى أتينا ماء الحوأب فنبحت عليها كلابها.
فقالت كذا وكذا فلما رأيت اختلاط أمرهم انفتلت وارتحلوا فقال علي هل لك دلالة بذي قار قلت لعلي أدل الناس قال فسر معنا فسرنا حتى نزلنا ذا قار فأمر علي بن أبي طالب بجوالقين فضم أحدهما إلى صاحبه ثم جيء برحل فوضع عليهما ثم جاء يمشي حتى صعد عليه وسدل رجليه من جانب واحد.
ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلّی الله علیه و آله ثم قال قد رأيتم ما صنع هؤلاء القوم وهذه المرأة فقام إليه الحسن فبكى فقال له علي قد جئت تخن خنين الجارية فقال أجل أمرتك فعصيتني فأنت اليوم تقتل بمضيعة لا ناصر لك قال حدث القوم بما أمرتني به.
قال أمرتك حين سار الناس إلى عثمان الآ تبسط يدك ببيعة حتى تجول جائلة العرب فإنهم لن يقطعوا أمرا دونك فأبيت علي وأمرتك حين سارت هذه المرأة وصنع هؤلاء القوم ما صنعوا أن تلزم المدينة وترسل إلى من استجاب لك من شيعتك قال علي.
صدق والله ولكن والله يا بني ما كنت لأكون كالضبع تستمع اللدم إن النبي صلّی الله علیه و آله قبض وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فبايع الناس أبا بكر فبايعت كما بايعوا.
ثم إن أبا بكر هلك وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فبايع الناس عمر بن الخطاب فبايعت كما بايعوا ثم إن عمر هلك وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فجعلني سهما من ستة أسهم فبايع الناس عثمان فبايعت كما
ص: 239
بايعوا ثم سار الناس إلى عثمان، فقتلوه ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين فأنا مقاتل من خالفني بمن اتبعني حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خبر الحاكمين.
266 - عنه كتب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي أن الحسين بن نصر العطار قال حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار قال حدثنا سيف بن عمر عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلم الحنفي قال وحدثنا عمر بن سعد عن أسد بن عبد الله عمن أدرك من أهل العلم أن عائشة لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه.
فقالت له قال قتلوا عثمان فمكثوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ماذا قال أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول:
قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها ابن ام كلاب ولم فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن ام كلام:
فمنك البداء ومنك الغير *** ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام *** وقلت لنا إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله *** وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا *** ولم تنكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرإ *** يزيل الشبا ويقيم الصعر
ص: 240
ويلبس للحرب أثوابها *** وما من وفى مثل من قد غدر
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه.
267 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان على في هم من توجه القوم لا يدري إلى أين يأخذون وكان أن يأتوا البصرة أحب إليه فلما تيقن أن القوم يعارضون طريق البصرة سر بذلك وقال الكوفة فيها رجال العرب وبيوتاتهم فقال له ابن عباس إن الذي يسرك من ذلك ليسوؤني.
إن الكوفة فسطاط فيه أعلام من أعلام العرب ولا يحملهم عدة القوم ولا يزال فيهم من يسمو إلى ألأمر لا يناله فإذا كان كذلك شغب على الذي قد نال حتى يفثأه فيفسد بعضهم على بعض فقال علي إن الأمر ليشبه ما تقول ولكن الأثرة لأهل الطاعة وألحق بأحسنهم سابقة وقدمة.
فإن استووا أعفيناهم واجتبرناهم فإن أقنعهم ذلك كان خيرا لهم وإن لم يقنعهم كلفونا إقامتهم وكان شرا على من هو شر له فقال ابن عباس إن ذلك الأمر لا يدرك إلا بالقنوع.
268 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما اجتمع الرأي من طلحة والزبير وأم المؤمنين ومن بمكة من المسلمين على السير إلى البصرة والانتصار من قتلة عثمان خرج الزبير وطلحة حتى لقيا ابن عمر ودعواه إلى الخفوف فقال إني امرؤ من أهل المدينة فإن يجتمعوا على النهوض أنهض وإن يجتمعوا على القعود أقعد فتركاه ورجعا.
269 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن سعيد بن عبدالله
ص: 241
عن ابن أبي مليكة قال جمع الزبير بنيه حين أراد الرحيل فودع بعضهم وأخرج بعضهم وأخرج ابني أسماء جميعا فقال يا فلان أقم يا عمرو أقم فلما رأى ذلك عبد الله بن الزبير قال يا عروة أقم ويا منذر أقم فقال الزبير ويحك أستصحب ابني وأستمتع منهما.
فقال إن خرجت بهم جميعا فاخرج وإن خلفت منهم أحدا فخلفهما ولا تعرض أسماء للثكل من بين نسائك فبكى وتركها حتى إذا انتهوا إلى جبال أوطاس تيامنوا وسلكوا طريقا نحو البصرة وتركوا طريقها يسارا حتى إذا دنوا منها فدخلوها ركبو المنكدر.
270 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن ابن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال خرج الزبير وطلحة ففصلا ثم خرجت عائشة فتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فلم ير يوم كان أكثر باكيا على الإسلام أو باكيا له من ذلك اليوم كان ذلك اليوم كان يسمى النحيب وأمرت عبدالرحمن بن عتاب فكان يصلي بالناس وكان عدلا بينهم
271 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن يزيد بن معن السلمي قال لما تيامن عسكرها عن أوطاس أتوا على مليح بن عوف السلمي وهو مطلع ماله فسلم على الزبير وقال يا أبا عبد الله ما هذا قال عدي على أمير المؤمنين علیه السّلام فقتل بلا ترة ولا عذر قال: ومن قال الغوغاء من الأمصار ونزاع القبائل وظاهرهم الأعراب والعبيد.
قال: فتريدون ماذا قال ننهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يبطل فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدا إذا لم يفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب قال والله إن ترك هذا الشديد ولا تدرون إلى أين ذلك يسير فودع كل واحد منهما صاحبه وافترقا ومضى الناس.
ص: 242
272 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ومضى الناس حتى إذا عاجوا عن الطريق وكانوا بفناء البصرة لقيهم عمير بن عبد الله التميمي فقال يا أم المؤمنين أنشدك بالله أن تقدمي اليوم على قوم تراسلي منهم أحدا فيكفيكهم فقالت جئتني بالرأي امرؤ صالح قال فعجلي ابن عامر فليدخل.
فإن له صنائع فليذهب إلى صنائعه فليلقوا الناس حتى تقدمي ويسمعوا ما جئتم فيه فأرسلته فاندس إلى البصرة قأتى القوم وكتبت عائشة إلى رجال من أهل البصرة وكتبت إلى الأحنف بن قيس وصبرة بن شيمان وأمثالهم من الوجوه ومضت حتى إذا كانت بالحفير انتظرت الجواب بالخبر ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وكان رجل عامة وألزه بأبي الأسود الدولي وكان رجل خاصة.
فقال انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها فخرجا فانتهيا إليها وإلى الناس وهم بالحفير فاستأذنا فأذنت لهما فسلما وقالا إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا فقالت والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطى لبنيه الخبر.
إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلّی الله علیه و آله وأحدثوا فيه الأحداث واووا فيه المحدثين واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلاترة ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ومزقوا الأعراض والجلود.
وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون فخرجت في المسلمين أعلمهم
ص: 243
ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا وقرأت « لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس».
ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله صلّی الله علیه و آله الصغير والكبير والذكر والأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحتكم على تغييره.
273 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا فخرج أبو الأسود وعمران من عندها فأتيا طلحة فقالا ما أقدمك؟ :قال الطلب بدم عثمان قالا ألم تبايع عليا قال بلى واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان ثم أتيا الزبير فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان قالا ألم تبايع عليا قال بلى واللج على عنقي وما أستقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان.
فرجعا إلى أم المؤمنين فودعاها فودعت عمران وقالت يا أبا الأسود إياك أن يقودك الهوى إلى النار « كونوا قوامين الله شهداء بالقسط » الآية فسرحتهما ونادى مناديها بالرحيل ومضى الرجلان حتى دخلا على عثمان بن حنيف فبدر أبو الأسود عمران فقال:
يابن حنيف قد أتيت فانفر *** وطاعن القوم وجالد واصبر
ابرز لهم مستلئما وشمر
فقال عثمان إنا لله وإنا إليه راجعون دارت رحا الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان تزيف فقال عمران أي والله لتعركنكم عركا طويلا ثم لا يساوي ما بقي منكم كثير شيء قال فأشر علي يا عمران قال إني قاعد فاقعد فقال عثمان بل امنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي قال عمران بل
ص: 244
يحكم الله ما يريد
فانصرف إلى بيته وقام عثمان في أمره فأتاه هشام بن عامر فقال يا عثمان إن هذا الأمر الذي تروم يسلم إلى شر مما تكره إن هذا فتق لا يرتق وصدع لا يجبر فسامحهم حتى يأتي أمر علي ولا تحادهم فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بالتهيؤ ولبسوا السلاح واجتمعوا إلى المسجد الجامع.
وأقبل عثمان على الكيد فكاد الناس لينظر ما عندهم وأمرهم بالتهيؤ وأمر رجلا ودسه إلى الناس خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال يا أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي إن هؤلاء القوم الذين جاؤوكم إن كانوا جاؤوكم خائفين فقد جاؤوا من المكان الذي يأمن فيه الطير وإن كانوا جاؤوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان.
أطيعوني في هؤلاء القوم فردوهم من حيث جاؤوا فقام الأسود بن سريع السعدي فقال أوزعموا أنا قتلة عثمان فإنما فزعوا إلينا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا فإن كان القوم أخرجوا من ديارهم كما زعمت فمن يمنعهم من إخراجهم الرجال أو البلدان فحصبه الناس.
فعرف عثمان أن لهم بالبصرة ناصرا ممن يقوم معهم فكسره ذلك وأقبلت عائشة فيمن معها حتى إذا انتهوا إلى المربد ودخلوا من أعلاه أمسكوا ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يخرج إليها ويكون معها فاجتمعوا بالمربد وجعلوا يتوبون حتى غص بالناس.
فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد ومعه الزبير وعثمان في ميسرته فأنصتوا له فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان وفضله والبلد وما استحل منه وعظم ما أتي إليه ودعا إلى الطلب بدمه وقال إن في ذلك إعزاز دين الله عز
ص: 245
وجل وسلطانه وأما الطلب بدم الخليفة المظلوم فإنه حد من حدود الله وإنكم إن فعلتم أصبتم وعاد أمركم إليكم وإن تركتم لم يقم لكم سلطان ولم يكن لكم نظام.
فتكلم الزبير بمثل ذلك فقال من في ميمنة المربد صدقا وبرا وقالا الحق وأمرا بالحق وقال من في ميسرته فجرا وغدرا وقالا الباطل وأمرا به قد بايعا ثم جاءا يقولان ما يقولان وتحائى الناس وتحاصبوا وأرهجوا.
فتكلمت عائشة وكانت جهورية يعلو صوتها كثرة كأنه صوت امرأة جليلة فحمدت الله جل وعز وأثنت عليه وقالت كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم ويرون حسنا من كلامنا في صلاح بينهم.
فننظر في ذلك فنجده بريا تقيا وفيا ونجدهم فجرة كذبة يحاولون غير ما يظهرون فلما قووا على المكاثرة كاثروه فاقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والمال الحرام والبلد الحرام بلاترة ولا عذر ألا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله عز وجل «ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم»
فافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين فقالت فرقة صدقت والله وبرت وجاءت والله بالمعروف وقال الآخرون كذبتم والله ما نعرف ما تقولون فتحاتوا وتحاصبوا وأرهجوا فلما رأت ذلك عائشة انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان حتى وقفوا في المربد في موضع الدباغين.
وبقي أصحاب عثمان على حالهم يتدافعون حتى تحاجزوا ومال بعضهم إلى عائشة وبقي بعضهم مع عثمان على فم السكة وأتى عثمان بن حنيف فيمن معه حتى إذا كانوا على فم السكة سكة المسجد عن يمين الدباغين استقبلوا
ص: 246
الناس فأخذوا عليهم بفمها.
274 - عنه وفيما ذكر نصر بن مزاحم عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال وأقبل جارية بن قدامة السعدي فقال يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك وإن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس.
قال فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال أما أنت يا زبير فحواري رسول الله صلّی الله علیه و آله وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله ال بيدك وأرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما قالا لا قال فما أنا منكما في شيء واعتزل وقال السعدي في ذلك
صنتم حلائلكم وقدتم أمكم *** هذا لعمرك قلة الإنصاف
أمرت بحر ذيولها في بيتها *** فهوت تشق البيد بالإيجاف
غرضا يقاتل دونها أبناؤها *** بالنبل والخطى والأسياف
هتكت بطلحة والزبير ستورها *** هذا المخبر عنهم والكافي
وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة وكان محمد رجلا عابدا فقال أخبرني عن قتلة عثمان فقال نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة وثلث على علي بن أبي طالب وضحك الغلام وقال ألا أراني على ضلال ولحق بعلي وقال في ذلك شعرا:
سألت ابن طلحة عن هالك *** بجوف المدينة لم يقبر
فقال ثلاثة رهط هم *** أماتوا ابن عفان واستعبر
ص: 247
فثلث على تلك في خدرها *** وثلث على راكب الأحمر
وثلث على ابن أبي طالب *** ونحن بدوية قرقر
فقلت صدقت على الأولين *** وأخطأت في الثالث الأزهر
275 - عنه رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة قال فخرج أبو الأسود وعمران وأقبل حكيم بن جبلة وقد خرج وهو على الخيل فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة رماحهم وأمسكوا ليمسكوا فلم ينته ولم يثن فقاتلهم وأصحاب عائشة كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها ويقول:
إنها قريش ليردينها جبنها والطيش واقتتلوا على فم السكة وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من الفريقين هوى فرموا باقي الآخرين بالحجارة وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن فوقفوا بها مليا وثار إليهم الناس فحجز الليل بينهم.
فرجع عثمان إلى القصر ورجع الناس إلى قبائلهم وجاء أبو الجرباء أحد بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم إلى عائشة وطلحة والزبير فأشار عليهم بأمثل من مكانهم فاستنصحوه وتابعوا رأيه فساروا من مقبرة بني مازن فأخذوا على مسناة البصرة من قبل الجبانة حتى انتهوا إلى الزابوقة. ثم أتوا مقبرة بني حصن وهي متنحية إلى دار الرزق فباتوا يتأهبون وبات الناس يسيرون إليهم وأصبحوا وهم على رجل في ساحة دار الرق وأصبح عثمان بن حنيف فغاداهم وغدا حكيم بن جبلة وهو يبربر وفي يده الرمح فقال له رجل من عبد القيس من هذا الذي تسب وتقول له ما أسمع قال عائشة.
قال: يابن الخبيثة الأم المؤمنين تقول هذا فوضع حكيم السنان بين
ص: 248
ثدييه فقتله ثم مر بامرأة وهو يسبها يعني عائشة فقالت من هذا الذي ألجأك إلى هذا قال عائشة قالت يابن الخبيثة ألأم المؤمنين تقول هذا فطعنها بين ثدييها فقتلها.
ثم سار فلما اجتمعوا واقفوهم فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا من حين بزغت الشمس إلى أن زال النهار وقد كثر القتلى في أصحاب ابن حنيف وفشت الجراحة في الفريقين ومنادي عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكف.
فيأبون حتى إذا مسهم الشر وعضهم نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح والمتات فأجابوهم وتواعدوا وكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة وحتى يرجع الرسول من المدينة فإن كانا أكرها خرج عثمان عنهما وأخلى لها البصرة وإن لم يكونا أكرها خرج طلحة والزبير.
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير ومن معهما من المؤمنين والمسلمين وعثمان بن حنيف ومن معه من المؤمنين والمسلمين إن عثمان يقيم حيث أدركه الصلح على ما في يده وإن طلحة والزبير يقيمان حيث أدركهما الصلح على ما في أيديهما حتى يرجع أمين الفريقين ورسولهم كعب بن سور من المدينة.
ولا يضار واحد من الفريقين الآخر في مسجد ولا سوق ولا طريق ولا فرضة بينهم عيبة مفتوحة حتى يرجع كعب بالخبر فإن رجع بأن القوم أكرهوا طلحة والزبير فالأمر أمرهما وإن شاء عثمان خرج حتى يلحق بطيته وإن شاء دخل معهما وإن رجع بأنهما لم يكرها فالأمر أمر عثمان فإن شاء طلحة والزبير أقاما على طاعة علي وإن شاءا خرجا حتى يلحقا بطيتهما والمؤمنون أعوان الفالح منهما.
ص: 249
فخرج كعب حتى يقدم المدينة فاجتمع الناس لقدومه وكان قدومه يوم جمعة فقام كعب فقال يا أهل المدينة إني رسول أهل البصرة إليكم أأكره هؤلاء القوم هذين الرجلين على بيعة علي أم أتياها طائعين فلم يجبه أحد من القوم إلا ما كان من أسامة بن زيد فإنه قام فقال:
اللهم إنهما لم يبايعا إلا وهما كارهان فأمر به تمام فواثبه سهل بن حنيف والناس وثار صهيب بن سنان وأبو أيوب بن زيد في عدة من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله لا فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا أن يقتل أسامة فقال اللهم نعم.
فانفرجوا عن الرجل فانفرجوا عنه وأخذ صهيب بيده حتى أخرجه فأدخله منزله وقال قد علمت أن أم عامر حامقة أما وسعك ما وسعنا من السكوت قال لا والله ما كنت أرى أن الأمر يترامى إلى ما رأيت وقد أبسلنا لعظيم فرجع كعب وقد اعتد طلحة والزبير فيما بين ذلك بأشياء كلها كانت مما يعتد به.
منها أن محمد بن طلحة وكان صاحب صلاة قام مقاما قريبا من عثمان بن حنيف فخشي بعض الزط والسيابجة أن يكون جاء لغير ما جاء له فنحياه فبعثا إلى عثمان هذه واحدة وبلغ عليا الخبر الذي كان بالمدينة من ذلك فبادر بالكتاب إلى عثمان يعجزه ويقول والله ما أكرها إلا كرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل.
فإن كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظرا فقدم الكتاب على عثمان بن حنيف وقدم كعب فأرسلوا إلى عثمان أن اخرج عنا فاحتج عثمان بالكتاب وقال هذا أمر آخر غير ما كنا فيه فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة باردة ذات رياح وندى.
ص: 250
ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان بن حنيف فقدما عبد الرحمن بن عتاب فشهر الزط والسيابجة السلاح ثم وضعوه فيهم فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد وصبروا لهم فأناموهم وهم أربعون وأدخلوا الرجال على عثمان ليخرجوه إليهما.
فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في وجهه شعرة فاستعظما ذلك وأرسلا إلى عائشة بالذي كان واستطلعا رأيها فأرسلت إليهما أن خلوا سبيله فليذهب حيث شاء ولا تحبسوه فأخرجوا الحرس الذين كانوا مع عثمان في القصر ودخلوه وقد كانوا يعتقبون حرس عثمان في كل يوم وفي كل ليلة أربعون.
فصلى عبدالرحمن بن عتاب بالناس العشاء والفجر وكان الرسول فيما بين عائشة وطلحة والزبير هو أتاها بالخبر وهو رجع إليهما بالجواب فكان رسول القوم
276 - عنه حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف عن يوسف بن يزيد عن سهل بن سعد قال لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره قالت اقتلوه فقالت لها امرأة نشدتك بالله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله صلّی الله علیه و آله
قالت ردوا أبانا فردوه فقالت احبسوه ولا تقتلوه قال لو علمت أنك تدعيننيي لهذا لم أرجع فقال لهم مجاشع بن مسعود اضربوه وانتفوا شعر لحيته فضربوه أربعين سوطا ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه.
277 - عنه حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثني وهب بن جریر بن حازم قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال بلغني أنه
ص: 251
لما بلغ طلحة والزبير منزل علي بذي قار انصرفوا إلى البصرة فأخذوا على المنكدر فسمعت عائشة نباح الكلاب فقالت أي ماء هذا فقالوا الحوأب.
فقالت إنا لله وإنا إليه راجعون إني لهيه قد سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول وعنده نساؤه ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب فأرادت الرجوع فأتاها عبدالله بن الزبير فزعم أنه قال كذب من قال إن هذا الحوأب ولم يزل حتى مضت فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف.
فقال لهم عثمان ما نقمتم على صاحبكم فقالو لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع قال فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له على أن أصلي بالناس حتى يأتينا كتابه فوقفوا عليه وكتب فلم يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق فظهروا وأخذوا عثمان فأرادوا قتله.
ثم خشوا غضب الأنصار فنالوه في شعره وجسده فقام طلحة والزبير خطيبين فقالا يا أهل البصرة توبة بحوبة إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ولم نرد قتله فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه فقال الناس لطلحة يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا فقال الزبير.
فهل جاءكم مني كتاب في شأنه ثم ذكر قتل عثمان وما أتى إليه وأظهر عيب علي فقام إليه رجل من عبد القيس فقال أيها الرجل أنصت حتى نتكلم فقال عبدالله بن الزبير ومالك وللكلام فقال العبدي يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله صلّی الله علیه و آله فكان لكم بذلك فضل.
ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم فلما توفي رسول الله صلّى الله عليه و آله با يعتم رجلا منكم والله ما استأمرتمونا في شيء من ذلك فرضينا واتبعناكم فجعل الله عز وجل للمسلمين في إمارته بركة ثم مات واستخلف عليكم
ص: 252
رجلا منكم فلم تشاورونا في ذلك فرضينا وسلمنا فلما توفي الأمير جعل الأمر إلى ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورة منا.
ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليا عن غير مشورة منا فما الذي نقمتم عليه فنقاتله هل استأثر بنيء أو عمل بغير الحق أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه وإلا فما هذا فهموا بقتل ذلك الرجل فقام من دونه عشرتيه فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه فقتلوا سبعين رجلا.
278 - عنه الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة قالا فأصبح طلحة والزبير وبيت المال والحرس في أيديهما والناس معهما ومن لم يكن معهما مغمور مستسر وبعثا حين أصبحا بأن حكيما في الجمع فبعثت لا تحبسا عثمان ودعاه ففعلا فخرج عثمان فمضى لطلبته وأصبح حكيم بن جبلة في خيله على رجل فيمن تبعه من عبد القيس ومن نزع إليهم من أفناء ربيعة ثم وجهوا نحو دار الرزق وهو يقول:
لست بأخيه إن لم أنصره وجعل يشتم عائشة فسمعته امرأة من قومه فقالت يابن الخبيئة أنت أولى بذلك فطعنها فقتلها فغضبت عبد القيس إلا من كان اغتمر منهم فقالوا فعلت بالأمس وعدت لمثل ذلك اليوم والله لندعنك حتى يقيدك الله.
فرجعوا وتركوه ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان بن عفان وحصره من نزاع القبائل كلها وعرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة فاجتمعوا إليه فانتهى بهم إلى الزابوقة عند دار الرزق وقالت عائشة لا تقتلوا إلا من قاتلكم ونادوا من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان ولا نبدأ أحدا فأنشب حكيم القتال ولم يرع للمنادى فقال طلحة
ص: 253
والزبير.
الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة اللهم لا تبق منهم أحدا وأقد منهم اليوم فاقتلهم فجادوهم القتال فاقتتلوا أشد قتال ومعه أربعة قواد فكان حكيم بحيال طلحة وذريج بحيال الزبير وابن المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلثمائة رجل وجعل حكيم يضرب بالسيف ويقول
اضر بهم باليابس *** ضرب غلام عابس
من الحياة آيس *** في الغرفات نافس
فضرب رجل رجله فقطعها فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه فأصاب جسده فصرعه فأتاه حتى قتله ثم اتكأ عليه وقال
يا فخذ لن تراعي *** إن معي ذراعي
أحمي بها كراعي
و قال وهو يرتجز:
ليس علي أن أموت عار *** والعار في الناس هو الفرار
والمجد لا يفضحه الدمار
فأتى عليه رجل وهو رئيث رأسه على الآخر فقال مالك يا حكيم قال قتلت قال من قتلك قال وسادتي فاحتمله فضمه في سبعين من أصحابه فتكلم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رجل وإن السيوف لتأخذهم فما يتمتع ويقول إنا خلفنا هذين وقد بايعا عليا وأعطياه الطاعة.
ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا بيننا ونحن أهل دار وجوار اللهم إنهما لم يريدا عثمان فنادى مناد يا خبيث جزعت حين
ص: 254
عضك نكال الله عز وجل إلى كلام من نصبك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم وفرقتم من الجماعة وأصبتم من الدماء ونلتم من الدنيا فذق وبال الله عز وجل وانتقامه وأقيموا فيمن أنتم.
وقتل ذريح ومن معه وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجؤوا إلى قومهم ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم فجيء بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعا إلا حرقوص بن زهير فإن بني سعد منعوه وكان من بني سعد.
فسهم في ذلك أمر شديد وضربوا لهم فيه أجلا وخشنوا صدور بني سعد وإنهم لعثمانية حتى قالوا نعتزل وغضبت عبد القيس حين غضبت سعد لمن قتل منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعة علي فأمرا للناس بأعطياتهم وأرزاقهم وحقوقهم وفضلا بالفضل أهل السمع والطاعة فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين زووا عنهم الفضول.
فبادروا إلى بيت المال وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم وخرج القوم حتى نزلوا على طريق علي وأقام طلحة والزبير ليس معهما بالبصرة ثأر إلا حرقوص وكتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا أو صاروا إليه إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله عز وجل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل.
حتى يكون الله عز وجل هو الذي يردنا عن ذلك فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم وخالفنا شرارهم ونزاعهم فردونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحق وحثتهم عليه فأعطاهم الله
ص: 255
عز وجل سنة المسلمين مرة بعد مرة حتى إذا لم يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين فخرجوا إلى مضاجعهم فلم يفلت منهم مخبر إلا حرقوص بن زهير.
والله سبحانه مقيده إن شاء الله وكانوا كما وصف الله عز وجل وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهتم بمثل ما نهضنا به فنلق الله عز وجل وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا.
وبعثوا به مع سيار العجلي وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله مع رجل من بني عمرو بن أسد يدعى مظفر بن معرض وكتبوا إلى اهل اليمامة وعليها سبرة بن عمر والعنبري مع الحارث السدوسي وكتبوا إلى أهل المدينة مع ابن قدامة القشيري فدسه إلى أهل المدينة.
وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة مع رسولهم أما بعد فإني أذكركم الله عز وجل والإسلام أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه اتقوا الله واعتصموا بحبله وكونوا مع كتابه فإنا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده فأجابنا الصالحون إلى ذلك واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح وقالوا لنتبعنكم عثمان ليزيدوا الحدود تعطيلا.
فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا المنكر فقرأنا عليهم « ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم» فأذعن لي بعضهم واختلفوا بينهم فتركناهم وذلك فلم يمنع ذلك من كان منهم على رأيه الأول من وضع السلاح في أصحابي وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل بالصالحين.
فرد كيدهم في نحورهم فمكثنا ستا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده وهو حقن الدماء أن تهراق دون من قد حل دمه فأبوا
ص: 256
واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها فخافوا وغدروا وخانوا فجمع الله عز وجل لعثمان ثأرهم فأقادهم فلم يفلت منهم إلا رجل وأردأنا الله ومنعنا منهم بعمير بن مرئد ومرثد بن قيس ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد.
فالزموا الرضا إلا عن قتلة عثمان بن عفان حتى يأخذ الله حقه ولا تخاصموا الخائنين ولا تمنعوهم ولا ترضوا بذوي حدود الله فتكونوا من الظالمين فكتبت إلى رجال بأسمائهم فتبطوا الناس عن منع هؤلاء القوم ونصرتهم واجلسوا في بيوتكم فإن هؤلاء القوم لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان وفرقوا بين جماعة الأمة وخالفوا الكتاب والسنة.
حتى شهدوا علينا فيا أمرناهم به وحتثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده بالكفر وقالوا لنا المنكر فأنكر ذلك الصالحون وعظموا ما قالوا وقالوا ما رضيتم أن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكم صلّی الله علیه و آله أن أمرتكم بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله وأئمة المسلمين.
فعزموا وعثمان بن حنيف معهم على من أطاعهم من جهال الناس وغوغائهم على زطهم وسيا بجهم فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق وألا يحولوا بيننا وبين الحق فغدروا وخانوا فلم نقايسهم واحتجوا ببيعة طلحة والزبير فأبردوا بريدا فجاءه بالحجة.
فلم يعرفوا الحق ولم يصبروا عليه فغادوني في الغلس ليقتلوني والذي يحاربهم غيري فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي ومعهم هاد يهديهم إلي فوجدوا نفرا على باب بيتي منهم عمير بن مرثد ومرثد بن قيس ويزيد بن عبدالله بن مرثد ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد.
ص: 257
فدارت عليهم الرحا فأطاف بهم المسلمون فقتلوهم وجمع الله عز وجل كلمة أهل البصرة على ما أجمع عليه الزبير وطلحة فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا العذر وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وكتب عبيد بن كعب في جمادي.
279 - عنه حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن عامر بن حفص عن أشياخه قال ضرب عنق حكيم بن جبلة رجل من الحدان يقال له ضخيم فمال رأسه فتعلق بجلده فصار وجهه في قفاه قال ابن المثني الحداني الذي قتل حكيما يزيد بن الأسحم الحداني وجد حكيم قتيلا بين يزيد بن الأسحم وكعب بن الأسحم وهما مقتولان.
280 - عنه حدثني عمر قال حدثني أبو الحسن قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن أبي المليح قال لما قتل حكيم بن جبلة أرادوا أن يقتلوا عثمان بن حنيف فقال ما شئتم أما إن سهل بن حنيف وال على المدينة وإن قتلتموني انتصر فخلوا سبيله واختلفوا في الصلاة فأمرت عائشة عبدالله بن الزبير فصلي بالناس.
وأراد الزبير أن يعطي الناس أرزاقهم ويقسم ما في بيت المال فقال عبدالله ابنه إن ارتزق الناس تفرقوا واصطلحوا على عبدالرحمن بن أبي بكر فصيروه على بيت المال.
281 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن علي عن أبي بكر الهذلي عن الجارود بن أبي سبرة قال لما كانت الليلة التي أخذ فيها عثمان بن حنيف وفي رحبة مدينة الرزق طاعم يرتزقه الناس فأراد عبدالله أن يرزقه أصحابه وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان فقال لست أخاف الله إن لم أنصره فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل وأكثرهم عبد القيس.
ص: 258
فأتى ابن الزبير مدينة الرزق فقال مالك يا حكيم قال نريد أن نرتزق من هذا الطعام وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي والله لو أجد أعوانا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا أما تخافون الله عز وجل بم تستحلون سفك الدماء.
قال بدم عثمان بن عفان قال فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان أما تخافون مقت الله فقال له عبد الله بن الزبير لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا قال حكيم اللهم إنك حكم عدل فاشهد وقال لأصحابه إني لست في شك من قتال هؤلاء فمن كان في شك فلينصرف وقاتلهم.
فاقتتلوا قتالا شديدا وضرب رجل ساق حكيم فأخذ حكيم ساقه فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه ووقذه ثم حبا إليه فقتله واتكأ عليه فمر به رجل فقال من قتلك قال وسادتي وقتل سبعون رجلا من عبد القيس قال الهذلي قال حكيم حين قطعت رجله
أقول لما جد بي زماعي *** للرجل يا رجلي لن تراعي
إن معي من نجدة ذراعي
قال عامر ومسلمة قتل مع حكيم ابنة الأشرف وأخوه الرعل بن جبلة.
282 - عنه حدثني عمر قال حدثنا ابو الحسن قال حدثنا المثنى بن عبدالله عن عوف الأعرابي قال جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال نشد تكما بالله في مسيركما أعهد إليكما فيه رسول الله فقام طلحة ولم يجبه فناشد الزبير فقال لا ولكن بلغنا أن عندكم دراهم
ص: 259
فجئنا نشارككم فيها.
283 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا سليمان بن أرقم عن قتادة عن أبي عمرة مولى الزبير قال لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي فإما بيته وإما صبحته لعلي أقتله قبل أن يصل إلينا فلم يجبه أحد.
فقال إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها فقال له مولاه أتسميها فتنة وتقاتل فيها قال ويحك إنا نبصر ولا نبصر ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر.
284 - عنه حدثني أحمد أحمد بن منصور قال حدثني يحيى بن معين قال حدثنا هشام بن يوسف قاضي صنعاء صنعاء عن عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير عن موسى بن عقبة عن علقمة بن وقاص الليثي قال لما طلحة والزبير وعائشة رأيت خرج طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على زوره.
فقلت يا أبا محمد أرى أحب المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك على زورك إن كرهت شيئا فاجلس قال فقال لي يا علقمة بن وقاص بينا نحن يد واحدة على من سوانا إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضا إنه كان مني في عثمان شيء ليس توبتي إلا يسفك دمي في طلب دمه قال:
قلت فرد محمد بن طلحة فإن لك ضيعة وعيالا فإن يك شيء يخلفك فقال ما أحب أن أرى أحدا يخف في هذا الأمر فأمنعه قال فأتيت محمد بن طلحة فقلت له لو أقمت فإن حدث به حدث كنت تخلفه في عياله وضيعته قال ما أحب أن أسأل الرجال عن أمره.
ص: 260
285 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن مجالد بن سعيد قال لما قدمت عائشة البصرة كتبت إلى زيد بن صوحان من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلّی الله علیه و آله إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا فإن لم تفعل فخذل الناس عن علي.
فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر حبيبة رسول الله صلّى الله عليه و آله أما بعد فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ورجعت إلى بيتك وإلا أول من نابذك قال زيد بن صوحان رحم الله أم المؤمنين أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فتركت ما أمرت به وأمرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه.
286 - عنه مما كتب به إلي السري أن شعيبا حدثه قال حدثنا سيف عن عبيدة بن معتب عن يزيد الضخم قال لما أتى عليا الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزبير أنهم قد توجهوا نحو العراق خرج يبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردهم. فلما انتهى إلى الربذه أتاه عنهم أنهم قد أمعنوا فأقام بالربذة أياما وأتاه عن القوم أنهم يريدون البصرة فسري بذلك عنه وقال إن أهل الكوفة أشد إلي حبا وفيهم رؤوس العرب وأعلامهم فكتب إليهم إني قد اخترتكم على الأمصار وإنى بالأثرة.
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال كتب علي إلى أهل الكوفة بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اخترتكم والنزول بين أظهركم لما أعرف من مودتكم وحبكم الله عز وجل ولرسوله صلّی الله علیه و آله فمن جاءني ونصرني فقد
ص: 261
أجاب الحق وقضى الذي عليه.
287 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا حبان بن موسى عن طلحة بن الأعلم وبشر بن عاصم عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال بعث محمد بن أبي بكر إلى الكوفة ومحمد بن عون فجاء الناس إلى أبي موسى يستشيرونه في الخروج.
فقال أبو موسى أما سبيل الآخرة فأن تقيموا وأما سبيل الدنيا فأن تخرجوا وأنتم أعلم وبلغ المحمدین قول أبي موسى فبايناه وأغلظا له فقال أما والله إن بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما الذي أرسلكما إن أردنا أن نقاتل لا نقاتل حتى لا يبقى أحد قتلة عثمان إلا قتل حيث كان.
وخرج علي من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين فقالت أخت علي بن عدي من بني عبد العزى ابن عبد شمس:
لا هم فاعقر بعلي جمله *** ولا تبارك في بعير حمله
ألا علي بن عدي ليس له
288 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف عن نمير بن وعلة عن الشعبي قال لما نزل علي بالربذه أتته جماعة من طيء فقيل لعلي هذه جماعة من طيء قد أتتك منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك قال جزى الله كلا خيرا وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما.
ثم دخلوا عليه فقال علي ما شهدتمونا به قالوا شهدناك بكل ما تحب قال جزاكم الله خيرا فقد أسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين وواف-ي-تم بصدقاتكم المسلمين فنهض سعيد بن عبيد الطائي فقال يا أمير المؤمنين إن من الناس من يعبر لسانه عما في قلبه وإني والله ما كل ما أجد في قلبي يعبر
ص: 262
عنه لساني وسأجهد وبالله التوفيق.
أما أنا فسأنصح لك في السر والعلانية وأقاتل عدوك في كل موطن وأرى لك من الحق مالا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك قال رحمك الله قد أدى لسانك عما يجن ضميرك فقتل معه بصفين رحمه الله.
289 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما قدم علي الربذة أقام بها وسرح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وكتب إليهم إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وأيدونا وانهضوا إلينا فالإصلاح ما نريد لتعود الأمة إخوانا ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه.
فمضى الرجلان وبقي علي بالربذه يتهيأ وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة وسلاح وأمر أمره وقام في الناس فخطبهم وقال إن الله ع--ز وجل أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد فجرى الناس على ذلك ما شاء الله الإسلام دينهم والحق فيهم والكتاب إمامهم.
حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان هذه الأمة ألا إن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال إنه لا بد مما هو كائن أن يكون ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي.
فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدي نبيكم صلّی الله علیه و آله واتبعوا سنته واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه القرآن فالزموه وما
ص: 263
أنكره فردوه وارضوا بالله جل وعز ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلّی الله علیه و آله نبيا وبالقرآن حكما وإماما.
290 - عنه كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما أراد علي الخروج من الربذة إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال يا أمير المؤمنين أي شيء تريد وإلى أين تذهب بنا فقال أما الذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه قال فإن لم يجيبوا إليه؟
قال: ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونصبر قال فإن لم يرضوا قال ندعهم ما تركونا قال فإن لم يتركونا قال امتنعنا منهم قال فنعم إذا وقام الحجاج بن غزية الأنصاري فقال لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول وقال:
دراکها دراكها قبل الفوت *** وانفر بنا واسم بنا نحو الصوت
لا وألت نفسي إن هبت الموت
والله لأنصرن الله عز وجل كما سمانا أنصارا فخرج أمير المؤمنين وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح والراية مع محمد بن الحنفية وعلى الميمنة عبدالله بن عباس وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد وحرج علي وهو في سبعمائة وستين وراجز علي يرجز به
سيروا أبابيل وحثوا السيرا *** إذ عزم السير وقولوا خيرا
حتى يلاقوا وتلاقوا خيرا *** نغزو بها طلحة والزبيرا
وهو أمام أمير المؤمنين وأمير المؤمنين علي على ناقة له حمراء يقود فرسا كميتا فتلقاهم بفيد غلام من بني سعد بن ثعلبة بن عامر يدعى مرة فقال من هؤلاء فقيل أمير المؤمنين فقال سفرة فانية فيها دماء من نفوس فانية فسمعها علي فدعاه فقال ما اسمك قال مرة قال أمر الله عيشك كاهن
ص: 264
سائر اليوم؟
قال: بل عائف فلما نزل بفيد أنته أسد وطيء فعرضوا عليه أنفسهم فقال الزموا قراركم في المهاجرين كفاية وقدم رجل من أهل الكوفة فيد قبل خروج علي فقال من الرجل قال عامر بن مطر قال الليثي قال الشيباني قال أخبرنى عما وراءك قال فأخبره حتى سأله عن أبي موسى فقال إن أردت الصلح فأبو موسى صاحب ذلك وإن أردت القتال فأبو موسى ليس بصاحب ذلك.
قال والله ما أريد إلا الإصلاح حتى يرد علينا قال قد أخبرتك الخبر وسكت وسكت علي.
291 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي محمد عن عبدالله بن عمير عن محمد بن الحنفية قال قدم عثمان بن حنيف على علي بالربذة وقد نتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه.
فقال يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وجئتك أمرد قال أصبت أجرا وخيرا إن الناس وليهم قبلي رجلان فعملا بالكتاب ثم وليهم ثالث فقالوا وفعلوا ثم بايعوني وبايعني طلحة والزبير ثم نكتا بيعتي وألبا الناس علي ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي.
والله إنهما ليعلمان أني لست بدون رجل ممن قد مضى اللهم فاحلل ما عقدا ولا تبرم ما قد أحكما في أنفسهما وأرهما المساءة فيما قد عملا.
292 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما نزل علي الثعلبية أتاه الذي لقي عثمان بن حنيف وحرسه فقام و فقام وأخبر القوم الخبر وقال اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين وسلمنا منهم أجمعين ولما انتهى إليالإساد أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة
ص: 265
عثمان بن عفان فقال الله أكبر ما ينجيني من طلحة والزبير إذا أصاب ثأرهما أو ينجيهما وقرأ: «ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها» وقال:
دعا حكيم دعوة الزماع *** حل بها منزلة النزاع
ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعر فلما رآه علي نظر إلى أصحابه فقال انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو شاب فلم يزل بذي قار يتلوم محمد ومحمدا وأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس ونزولهم بالطريق فقال عبد القيس خير ربيعة في كل ربيعة خير. وقال:
يا لهف نفسي على ربيعة *** ربيعة السامعة المطيعة
قد سبقتني فيهم الوقيعة *** دعا علي دعوة سميعة
حلوا بها المنزلة الرفيعة
قال: وعرضت عليه بكر بن وائل فقال لهم مثل ما قال لطيء وأسد. ولما قدم محمد ومحمد على الكوفة وأتيا أبا موسى بكتاب أمير المؤمنين وقاما في الناس بأمره لم يجابا إلى شيء فلما أمسوا دخل ناس من أهل الحجى على أبي موسى فقالوا ما ترى في الخروج؟ فقال: كان الرأي بالأمس ليس باليوم إن الذي تهاونتم به فيما مضى هو الذي جر عليكم ما ترون وما بقي إنما هما أمران القعود سبيل الآخرة والخروج سبيل الدنيا فاختاروا فلم ينفر إليه أحد فغضب الرجلان وأغلظا لأبي فقال أبو موسى:
والله إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما فإن لم يكن بد من قتال لا نقاتل أحدا حتى يفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا فانطلقا إلى علي فوافياه
ص: 266
بذي قار وأخبراه الخبر وقد خرج مع الأشتر وقد كان يعجل إلى الكوفة فقال على يا أشتر أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كل شيء اذهب أنت وعبدالله بن عباس فأصلح ما أفسدت.
فخرج عبد الله بن عباس ومعه الأشتر فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بأناس من الكوفة فقال للكوفيين: أنا صاحبكم يوم الجرعة وأنا صاحبكم اليوم فجمع الناس فخطبهم وقال: يا أيها الناس إن أصحاب النبي صلّی الله علیه و آله مال الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله جل وعز وبرسوله ممن لم يصحبه.
وإن لكم علينا حقا فإنا مؤديه إليكم كان الرأي ألا تستخفوا بسلطان الله عز وجل ولا تجترئوا على الله عز وجل وكان الرأي الثاني أن تأخذوا من قدم عليكم من المدينة فتردوهم إليها حتى يجتمعوا وهم أعلم بمن تصلح له الإمامة منكم ولا تكلفوا الدخول فى هذا فأما إذا كان ما كان فإنها فتنة صماء.
النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القاعد والقاعد خير من القائم والقائم خير من الراكب فكونوا جرثومة من جراثيم العرب فاغمدوا السيوف وأنصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار واووا المظلوم والمضطهد حتى يلتئم هذا الأمر وتنجلي هذه الفتنة.
293 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما رجع ابن عباس إلى على بالخبر دعا الحسن بن على فأرسله فأرسل معه عمار بن ياسر فقال له انطلق فأصلح ما أفسدت فأقبلا حتى دخلا المسجد فكان أول من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلم عليهما وأقبل على عمار.
ص: 267
فقال: يا أبا اليقظان علام قتلتم عثمان قال على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا فقال والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لكان خيرا للصابرين فخرج أبو موسى فلق الحسن فضمه إليه وأقبل على عمار فقال يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار فقال: لم أفعل ولم تسؤني وقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى فقال يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء فقال صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب.
قد جعلنا الله عز وجل إخوانا و . وجل إخوانا وحرم علينا أموالنا ودماءنا وقال «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل»، «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما» وقال جل وعز: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم» فغضب عمار وساءه وقام وقال يا أيها الناس إنما قال له خاصة أنت فيها قاعدا خير منك قائما وقال رجل من بني تميم.
فقال لعمار اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا وثار زيد بن صوحان وطبقته وثار الناس وجعل أبو موسى يكفكف الناس ثم انطلق حتى أتى المنبر وسكن الناس.
وأقبل زيد على حمار حتى وقف باب المسجد ومعه الكتابان من عائشةا إليه وإلى أهل الكوفة وقد كان طلب كتاب العامة فضمه إلى كتابه فأقبل بهما ومعه كتاب الخاصة وكتاب العامة أما بعد فتبطوا أيها الناس واجلسوا في بيوتكم إلا عن قتلة عثمان بن عفان.
فلما فرغ من الكتاب قال أمرت بأمر وأمرنا بأمر أمرت أن تقر في
ص: 268
بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة فأمرتنا بما أمرت به وركبت ما أمرنا به فقام إليه شبث بن ربعي فقال يا عماني وزيد من عبد القيس عمان وليس من أهل البحرين سرقت بجلولاء فقطعك الله وعصيت أم المؤمنين.
فقتلك الله ما أمرت إلا بما أمر الله عز وجل به بالإصلاح بين الناس فقلت ورب الكعبة وتهاوى الناس وقام أبو موسى فقال أيها الناس أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المظلوم ويأمن فيكم الخائف إنا أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله أعلم بما سمعنا إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت بيئت.
وإن هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجري بها الشمال والجنوب والصبا والدبور فتسكن أحيانا فلا يدرى من أين نؤتى تذر الحليم كابن أمس شيموا سيوفكم وقصدوا رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم خلوا قريشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة.
ترتق فتقها وتشعب صدعها فإن فعلت فلأنفسها سعت وإن أبت فعلى أنفسها منت سمنها تهريق في أديمها استنصحوني ولا تستغشوني وأطيعوني يسلم لكم دينكم ودنياكم ويشق بحر هذه الفتنة من جناها.
فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال يا عبدالله بن قيس رد الفرات عن دراجه اردده من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ «الم أحسب الناس أن يتركوا إلى آخر الآيتين. سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق.
فقام القعقاع بن عمرو فقال إني لكم ناصح وعليكم شفيق أحب أن
ص: 269
ترشدوا ولأقولن لكم قولا هو الحق أما ما قال الأمير فى هو الأمر لو أن إليه سبيلا وأما ما قال زيد فزيد في الأمر فلا تستنصحوه فإنه لا ينتزع أحد من الفتنة.
طعن فيها وجرى إليها والقول الذي هو القول إنه لا بد من إمارة تنظم الناس وتزع الظالم وتعز المظلوم وهذا علي يلي بما ولى وقد أنصف في الدعاء وإنما يدعو إلى الإصلاح فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأى ومسمع. وقال سيحان أيها الناس إنه لا بد لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعز المظلوم ويجمع الناس وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيها بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة الفقيه في الدين فمن نهض إليه فإنا سائرون معه ولان عمار بعد نزوته الأولى فلما فرغ سيحان من خطبته تكلم عمار فقال:
هذا ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله يستنفركم إلى زوجة رسول الله صلّی الله علیه و آله وإلى طلحة والزبير وإني أشهد أنها زوجته في الدنيا والآخرة فانظروا ثم انظروا في الحق فقاتلوا معه فقال رجل يا أبا اليقظان لهو مع من شهدت له بالجنة على من لم تشهد له فقال الحسن اكفف عنا يا عمار فإن للاصلاح أهلا.
وقام الحسن بن علي فقال يا أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر؟ من ينفر إليه والله لأن يليه أولو النهى أمثل في العاجلة وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم فسامح الناس وأجابوا ورضوا به وأتى قوم من طيء عديا فقالوا ماذا ترى وماذا تأمر؟
فقال: ننتظر ما يصنع الناس فأخبر بقيام الحسن وكلام من تكلم
ص: 270
فقال قد بايعنا هذا الرجل وقد دعانا إلى جميل وإلى هذا الحدث العظيم الننظر فيه ونحن سائرون و ناظرون.
وقام هند بن عمرو فقال إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله حتى جاءنا ابنه فاسمعوا إلى قوله وانتهوا إلى أمره وانفروا إلى أميركم فانظروا معه في هذا الأمر وأعينوه برأيكم.
وقام حجر بن عدي فقال أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالا مروا أنا أولكم وقام الأشتر فذكر الجاهلية وشدتها والأسلام ورخاءه وذكر عثمان فقام إليه المقطع بن الهيثم بن فجيع العامري ثم البكائي فقال اسكت قبحك الله كلب خلي والنباح فثار الناس فأجلسوه.
وقام المقطع فقال إنا والله لا نحتمل بعدها أن يبوء أحد بذكر أحد من أئمتنا وإن عليا عندنا لمقنع والله لئن يكن هذا الضرب لا يرضى بعلي فعض امرؤ على لسانه في مشاهدنا فأقبلوا على ما أحثاكم.
فقال الحسن: صدق الشيخ، وقال الحسن: أيها الناس إني غاد فمن شاء منك أن يخرج معي على الظهر ومن شاء فليخرج في الماء فنفر معه تسعة آلاف فأخذ بعضهم البر وأخذ بعضهم الماء وعلى كل سبع رجل أخذ البرستة آلاف ومائتان وأخذ الماء ألفان وثمانمائة.
294 - عنه وفيا ذكر نصر بن مزاحم العطار عن عمر بن سعيد عن أسد بن عبد الله عمن أدرك من أهل العلم أن عبد خير الخيواني قام إلى ابي موسى فقال يا أبا موسى هل كان هذان الرجلان يعني طلحة والزبير ممن بايع عليا قال نعم قال هل أحدث حدثا يحل به نقض بيعته قال لا أدري،
قال لا دريت فإنا تاركوك حتى تدري يا أبا موسى هل تعلم أحدا خارجا من الفتنة التي تزعم أنها هي فتنة إنما بقي أربع فرق علي بظهر
ص: 271
الكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة أخرى بالحجاز لا يجبى بها فيء ولا يقاتل بها عدو فقال له أبو موسى أولئك خير الناس وهي فتنة فقال له عبد خير يا أبا موسى غلب عليك غشك.
قال وقد كان الأشتر قام إلى علي فقال يا أمير المؤمنين إني قد بعثت إلى أهل الكوفة رجلا قبل هذين فلم أره أحكم شيئا ولا قدر عليه وهذان أخلق من بعث من بعثت أن ينشب بهم الأمر على ما تحب ولست أدري ما يكون فإن رأيت أكرمك الله يا أمير المؤمنين أن تبعثني في أثرهم فإن أهل المصر أحسن شيء لي طاعة وإن قدمت عليهم رجوت ألا يخالفني منهم أحد.
فقال له على الحق بهم فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم ويقول اتبعوني إلى القصر فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ويثبطهم ويقول:
أيها الناس إن هذه فتنة عمياء صماء تطأ خطامها النائم فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي والساعي فيها خير من الراكب إنها فتنة باقرة كداء البطن أتتكم من قبل مأمنكم تدع الحليم فيها حيران كابن أمس.
انا معاشر أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله أعلم بالفتنة إنها إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت وعمار يخاطبه والحسن يقول له اعتزل عملنا لا أم لك وتنح عن منبرنا وقال له عمار أنت سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه و آله فقال أبو موسى هذه يدي بما قلت.
فقال له عمار إنما قال لك رسول الله صلّی الله علیه و آله هذا خاصة فقال أنت فيها
ص: 272
قاعدا خير منك قائما ثم قال عمار غلب الله من غالبه وجاحده.
295 - عنه قال نصر بن مزاحم حدثنا عمر بن سعيد قال حدثني رجل عن نعيم عن أبي مريم الثقفي قال والله إني لفي المسجد يومئذ وعمار يخاطب أبا موسى ويقول له ذلك القول إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى يشتدون ينادون يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر.
اخرج من قصرنا لا أم لك أخرج الله نفسك فوالله إنك لمن المنافقين قديما قال أجلني هذه العشية فقال هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر وقال إني قد أخرجته فكف الناس عنه
296 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو عن العشبي قال لما التقوا بذي قار تلقاهم علي في أناس فيهم ابن عباس فرحب بهم وقال يا أهل الكوفة أنتم وليتم شوكة العجم وملوكهم وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فأغنيتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوهم وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة.
فإن يرجعوا فذاك ما نريد وإن يلجوا داويناهم بالرفق وبايناهم حتى يبدأونا بظلم ولن ندع أمرا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله ولا قوة إلا بالله.
فاجتمع بذي قار سبعة آلاف ومائتان وعبد القيس بأسرها في الطريق بين علي وأهل البصرة ينتظرون مرور علي بهم وهم آلاف وفي الماء ألفان وأربعمائة.
297 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
ص: 273
بإسنادهما قالا لما نزل علي ذا قار أرسل ابن عباس والأشتر بعد محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وأرسل الحسن بن علي وعمارا بعد ابن عباس والأشتر فخف في ذلك الأمر جميع من كان نفر فيه ولم يقدم فيه الوجوه أتباعهم فكانوا خمسة آلاف.
أخذ نصفهم في البر ونصفهم في البحر وخف من لم ينفر فيها ولم يعمل لها وكان على طاعته ملازما للجماعة فكانوا أربعة آلاف فكان رؤساء الجماعة القعقاع بن عمرو وسعر بن مالك وهند بن عمرو والهيثم بن شهاب وكان رؤساء النفار.
زيد بن صوحان والأشتر مالك بن الحارث وعدي بن حاتم والمسيب بن نجبة ويزيد بن قيس ومعهم أتباعهم وأمثال لهم ليسوا دونهم إلا أنهم لم يؤمروا منهم حجر بن عدي وابن محدوج البكري وأشباه لهما لم يكن في أهل الكوفة أحد على ذلك الرأي غيرهم.
فبادروا في الوقعة إلا قليلا فلما نزلوا على ذي قار دعا القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال له الق هذين الرجلين بابن الحنظلية وكان القعقاع من أصحاب النبي صلّی الله علیه و آله فادعهما إلى الألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة وقال له كيف أنت صانع فيما جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة مني؟
فقال نلقاهم بالذي أمرت به فإذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا الرأي وكلمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي قال أنت لها فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة، فسلم عليها وقال أي أمه ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة قالت أي بني إصلاح بين الناس. قال فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت
ص: 274
إليهما فجاءا فقال إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هده البلاد فقالت إصلاح بين الناس فما تقولان أنتما أمتابعان أم مخالفان قالا متابعان قال فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح فوالله لئن عرفنا لنصلحن ولئن أنكرناه لا نصلح.
قالا: قتلة عثمان فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن وإن عمل به كان إحياء للقرآن فقال قد قتلتها قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم قتلتم ستمائة إلا رجلا فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم وطلبتم ذلك الذي أفلت يعني حرقوص بن زهير.
فمنعه ستة آلاف وهم على رجل فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولون وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكم فالذي حذرتم وقربتم به هذا الأم- أمر أعظم مما أراكم تكرهون وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير.
فقالت أم المؤمنين فتقول أنت ماذا قال أقول هذا الأمر دواؤه التسكين وإذا سكن اختلجوا فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة وردك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة لهذا الأمة وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر وبعثه الله في هذه الأمة هزاهزها.
فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا له فيصرعنا وإياكم وأيم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله عز وجل حاجته من هذه
ص: 275
الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل فإن هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدر وليس كالأمور ولا كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة الرجل.
فقالوا نعم إذا قد أحسنت وأصبت المقالة فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر فرجع إلى علي فأخبره فاعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه.
وأقبلت وفود البصرة نحو علي حين نزل بذي قار فجاءت وفود تميم وبكر قبل رجوع القعقاع لينظروا ما رأى إخوانهم من أهل الكوفة وعلى أي حال نهضوا إليهم وليعلموهم أن الذي عليه رأيهم الأصلاح ولا يخطر لهم قتال على بال.
فلما لقوا عشائرهم من أهل الكوفة بالذي بعثهم فيه عشائرهم من أهل البصرة وقال لهم الكوفيون مثل مقالتهم وأدخلوهم على علي فأخبروه خبرهم سأل على جرير بن شرس عن طلحة والزبير فأخبره عن دقيق أمرهما وجليله حتى تمثل له:
ألا أبلغ بني بكر رسولا *** فليس إلى بني كعب سبيل
سيرجع ظلمكم منكم عليكم *** طويل الساعدين له فضول
وتمثل علي عندها:
ألم تعلم أبا سمعان أنا *** نرد الشيخ مثلك ذا الصداع
ويذهل عقله بالحرب حتى *** يقوم فيستجيب لغير داع
فدافع عن خزاعة جمع بكر *** وما بك يا سراقة من دفاع
298 - عنه قال أبو جعفر أخرج إلي زياد بن أيوب كتابا فيه أحاديث عن شيوخ ذكر أنه سمعها منهم قرأ علي بعضها ولم يقرأ علي بعضها فمما لم يقرأ
ص: 276
علي من ذلك فكتبته منه قال حدثنا مصعب بن سلام التميمي قال حدثنا محمد بن سوقة عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال:
رأيت فيما يرى النائم في زمان عثمان بن عفان أن رجلا يلي أمور الناس مريضا على فراشه وعند رأسه امرأة والناس يريدونه ويبهشون إليه فلو نهتهم المرأة لانتهوا ولكنها لم تفعل فأخذوه فقتلوه فكنت أقص رؤياي على الناس في الحضر والسفر فيعجبون ولا يدرون ما تأويلها ف-ل-ا ق-ت-ل عثمان أتانا الخبر ونحن راجعون من غزاتنا فقال أصحابنا رؤياك يا كليب.
فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلا قليلا حتى قيل هذا طلحة والزبير معهما أم المؤمنين فراغ ذلك الناس وتعجبوا فإذا هم يزعمون للناس أنهم إنما خرجوا غضبا لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه وإن أم المؤمنين تقول غضبنا لكم على عثمان في ثلاث إمارة الفتي وموقع الغمامة وضربة السوط والعصا فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه حرمة الشهر والبلد والدم.
فقال الناس أفلم تبايعوا عليا وتدخلوا في أمره فقالوا دخلنا واللج على أعناقنا وقيل هذا على قد أظلكم فقال قومنا لي ولرجلين معي انطلقوا حتى تأتوا عليا وأصحابه فسلوهم عن هذا الأمر الذي قد اختلط علينا فخرجنا حتى إذا دنونا من العسكر طلع علينا رجل جميل على بغلة.
فقلت لصاحبي أرأيتم المرأة التي كنت أحدثكم عنها أنها كانت عند رأس الوالي فإنها أشبه الناس بهذا ففطن أنا نخوض فيه فلما انتهى إلينا قال قفوا ما الذي قلتم حين رأيتموني فأبينا عليه فصاح بنا وقال والله لا تبرحون حتى تخبرونى فدخلتنا منه هيبة فأخبرناه فجاوزنا وهو يقول والله لقد رأيت عجبا.
ص: 277
فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا من هذا فقال محمد بن أبي بكر فعرفنا أن تلك المرأة عائشة فازددنا لأمرها كراهية وانتهينا إلى علي فسلمنا عليه تم سألناه عن هذا الأمر فقال عدا الناس على هذا الرجل وأنا معتزل فقتلوه ثم ولوني وأنا كاره ولولا خشية على الدين لم أجبهم.
ثم طفق هذان فى النكث وأخذت عليهما وأخذت عهودهما عند ذلك وأذنت لهما في العمرة فقدما على أمهما حليلة رسول الله صلّی الله علیه و آله فرضيا لها ما رغبا لنسائهما عنه وعرضاها لما لا يحل لهما ولا يصلح فاتبعتهما لكيلا يفتقوا في الإسلام فتقا ولا يخرقوا جماعة.
ثم قال أصحابه والله ما نريد قتالهم إلا أن يقاتلوا وما خرجنا إلا لإصلاح فصاح بنا أصحاب علي بايعوا بايعوا فبايع صاحبي وأما أنا فأمسكت وقلت بعثني قومي لأمر فلا أحدث شيئا حتى أرجع إليهم فقال على فإن لم يفعلوا فقلت لم أفعل فقال أرأيت لو أنهم بعثوك رائدا فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ والماء فحالوا إلى المعاطش والجدوبة ما كنت صانعا ؟
قال: قلت: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلا والماء قال فمد يدك فوالله ما استطعت أن أمتنع فبسطت يدي فبايعته وكان يقول علي من أدهى العرب وقال ما سمعت من طلحة والزبير فقلت أما الزبير فإنه يقول بايعنا کرها وأما طلحة فمقبل على أن يتمثل الأشعار ويقول:
ألا أبلغ بني بكر رسولا *** فليس إلى بني كعب سبيل
سيرجع ظلمكم منكم عليكم *** طويل الساعدين له فضول
فقال ليس كذلك ولكن:
ألم تعلم أبا سمعان أنا *** نصم الشيخ مثلك ذا الصداع
ص: 278
ويذهل عقله بالحرب حتى *** يقوم فيستجيب لغير داع
ثم سار حتى نزل إلى جانب البصرة وقد خندق طلحة والزبير فقال لنا أصحابنا من أهل البصرة ما سمعتم إخواننا من أهل الكوفة يريدون ويقولون فقلنا يقولون خرجنا للصلح وما نريد قتالا فبينا هم على ذلك لا يحدثون أنفسهم بغيره.
إذ خرج صبيان العسكرين فتسابوا ثم تراموا ثم تتابع عبيد العسكرين ثم ثلث السفهاء ونشبت الحرب وألجأتهم إلى الخندق فاقتتلوا عليه حتى أجلوا إلى موضع القتال فدخل منه أصحاب علي وخرج الآخرون.
ونادى علي ألا لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا الدور ونهى الناس ثم بعث إليهم أن أخرجوا للبيعة فبايعهم على الرايات وقال من عرف شيئا فليأخذه حتى ما بقي في العسكرين شيء إلا قبض فانتهى إليه قوم من قيس شباب فخطب خطيبهم فقال أين أمراؤكم ؟ فقال الخطيب أصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبته.
فقال علي أما إن هذا لهو الخطيب السحسح وفرغ من البيعة واستعمل عبدالله بن عباس وهو يريد أن يقيم حتى يحكم أمرها فأمرني الأشتر أن أشتري له أثمن بعير بالبصرة ففعلت فقال ائت به عائشة وأقرئها مني السلام ففعلت فدعت عليه وقالت اردده عليه فأبلغته فقال: تلومني عائشة أن أفلت ابن أختها.
وأتاه الخبر باستعمال علي ابن عباس فغضب وقال علام قتلنا الشيخ إذ اليمن لعبيد الله والحجاز لقثم والبصرة لعبد الله والكوفة لعلي ثم دعا بدابته فركب راجعا وبلغ ذلك عليا فنادى الرحيل ثم أجد السير فلحق به فلم يره
ص: 279
أنه قد بلغه عنه وقال ما هذا السير سبقتنا وخشي إن ترك والخروج أن يوقع في أنفس الناس شرا.
299 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما جاءت وفود أهل البصرة إلى أهل الكوفة ورجع القعقاع من عند أم المؤمنين وطلحة والزبير بمثل رأيهم جمع علي الناس ثم قام على الغرائر عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلّی الله علیه و آله وذكر الجاهلية وشقاءها والإسلام والسعادة وإنعام الله على الأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله صلّی الله علیه و آله
ثم الذي يليه ثم حدث هذا الحدث الذي جره على هذه الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا حسدوا من أفاءها الله عليه على الفضيلة وأرادوا رد الأشياء على أدبارها والله بالغ أمره ومصيب ما أراد ألا وإني راحل غدا فارتحلوا ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس وليغن السفهاء عني أنفسهم.
فاجتمع نفر منهم علباء بن الهيثم وعدي بن حاتم وسالم بن ثعلبة العبسي وشريح بن أوفى بن ضبيعة والأشتر في عدة ممن سار إلى عثمان ورضي بسير من سار وجاء معهم المصريون ابن السوداء وخالد بن ملحم وتشاوروا فقالوا ما الرأي وهذا والله علي وهو أبصر الناس بكتاب الله وأقرب ممن يطلب قتلة عثمان وأقربهم إلى العمل بذلك وهو يقول ما يقول ولم ينفر إليه إلا هم والقليل من غيرهم.
فكيف به إذا شام القوم وشاموه وإذا رأوا قلتنا في كثرتهم أنتم والله ترادون وما أنتم بأنجى من شيء فقال الأشتر أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهما وأما علي فلم نعرف أمره حتى كان اليوم ورأي الناس فينا والله
ص: 280
واحد وإن يصطلحوا وعلي فعلى دمائنا فهلموا فلنتواثب على علي فنلحقه بعثمان فتعود فتنة يرضى منا فيها بالسكون.
فقال عبدالله بن السوداء بئس الرأي رأيت أنتم يا قتلة عثمان من أهل الكوفة بذي قار ألفان وخمسمائة أو نحو من ستمائة وهذا ابن الحنظلية وأصحابه في خمسة آلاف بالأشواق إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلا فارقاً على ظلعك.
وقال علباء بن الهيثم انصرفوا بنا عنهم ودعوهم فإن قلوا كان أقوى لعدوهم عليهم وإن كثروا كان أحرى أن يصطلحوا عليكم دعوهم وارجعوا فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتقون به وامتنعوا من الناس فقال ابن السوداء بئس ما رأيت ود والله الناس أنكم على جديلة ولم تكونوا مع قوام براء ولو كان ذلك الذي تقول لتخطفكم كل شيء.
فقال عدي بن حاتم والله ما رضيت ولا كرهت ولقد عجبت من تردد من تردد عن قتله في خوض الحديث فأما إذ وقع ما وقع ونزل من الناس بهذه المنزلة فإن لنا عتادا من خيول وسلاح محمودا فإن أقدمتم أقدمنا وإن أمسكتم أحجمنا فقال ابن السوداء أحسنت.
وقال سالم بن ثعلبة من كان أراد بما أتى الدنيا فإني لم أرد ذلك والله لئن لقيتهم غدا لا أرجع إلى بيتي ولئن طال بقائي إذا أنا لاقيتهم لا يزد على جزر جزور وأحلف بالله إنكم لتفرقون السيوف فرق قوم لا تصير أمورهم إلا إلى السيف فقال ابن السوداء قد قال قولا.
وقال شريح بن أو فى أبرموا أموركم قبل أن تخرجوا ولا تؤخروا أمرا ينبغي لكم تعجيله ولا تعجلوا أمرا ينبغي لكم تأخيره فإنا عند الناس بشر المنازل فلا أدري ما الناس صانعون غدا إذا ما هم التقوا.
ص: 281
تكلم ابن السوداء فقال: يا قوم إن عزكم في خلطة الناس فصانعوهم وإذا التق الناس غدا فأنشبوا القتال ولا تفرغوهم للنظر فإذا من أنتم معه لا يجد بدا من أن يمتنع ويشغل الله عليا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عما تكرهون فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه والناس لا يشعرون.
وأصبح علي على ظهر فمضى ومضى الناس حتى إذا انتهى إلى عبد القيس نزل بهم وبمن خرج من أهل الكوفة وهم أمام ذلك ثم ارتحل حتى نزل على أهل الكوفة وهو أمام ذلك والناس متلاحقون به وقد قطعهم ولما بلغ أهل البصرة رأيهم ونزل علي بحيث نزل قام أبو الجرباء إلى الزبير بن العوام فقال إن الرأي أن تبعث الآن ألف فارس فيمسوا هذا الرجل ويصبحوه قبل أن يوافى أصحابه.
فقال الزبير: يا أبا الجرباء إنا لنعرف أمور الحرب ولكنهم أهل دعوتنا وهذا أمر حدث في أشياء لم تكن قبل اليوم هذا أمر من لم يلق الله عز وجل فيه بعذر انقطع عذره يوم القيامة ومع ذلك إنه قد فارقنا وافدهم على أم وأنا أرجو أن يتم لنا الصلح فأبشروا واصبروا وأقبل صبرة بن شيمان.
فقال: يا طلحة يا زبير انتهزا بنا هذا الرجل فإن الرأي في الحرب خير من الشدة فقالا يا صبرة إنا وهم مسلمون وهذا أمر لم يكن قبل اليوم فينزل فيه قرآن أو يكون فيه من رسول الله صلّی الله علیه و آله سنة إنما هو حدث وقد زعم قوم أنه لا ينبغي تحريكه اليوم وهم علي ومن معه.
فقلنا نحن لا ينبغي لنا أن نتركه اليوم ولا نؤخره فقال علي هذا الذي ندعوكم إليه من إقرار هؤلاء القوم شر وهو خير من شر منه وهو كأمر لا يدرك وقد كاد أن يبين لنا وقد جاءت الأحكام بين المسلمين بإيثار أعمها منفعة وأحوطها وأقبل كعب بن سور فقال ما تنتظرون يا قوم بعد توردكم
ص: 282
أوائلهم.
اقطعوا هذا العنق من هؤلاء فقالوا يا كعب إن هذا أمر بيننا وبين إخواننا وهو تأمر ملتبس لا والله ما أخذ أصحاب محمد صلّی الله علیه و آله مذ بعث الله عز وجل نبيه طريقا إلا علموا أين مواقع أقدامهم حتى حدث هذا فإنهم لا يدرون أمقبلون هم أم مدبرون إن الشيء يحسن عندنا اليوم ويقبح عند إخواننا.
فإذا كان من قبح عندنا وحسن وحسن عندهم وإنا لنحتج عليهم بالحجة فلا يرونها حجة ثم يحتجون بها على أمثالها ونحن نرجو الصلح إن أجابوا إليه وتموا وإلا فإن آخر الدواء الكي.
وقام إلى علي بن أبي طالب أقوام من أهل الكوفة يسألونه عن إقدامهم على القوم فقام إليه فيمن قام الأعور بن بنان المنقري فقال له علي على الإصلاح وإطفاء النائرة لعل الله يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم وقد أجابوني قال فإن لم يجيبونا قال تركناهم ما تركونا قال فإن لم يتركونا؟ قال دفعناهم عن أنفسنا قال فهل لهم مثل ما عليهم من هذا قال نعم.
وقام إليه أبو سلامة الدألاني فقال أترى لهؤلاء القوم حجة فيها طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله عز وجل بذلك قال نعم قال فترى لك حجة بتأخيرك ذلك قال نعم إن الشيء إذا كان لا يدرك فالحكم فيه أحوطه وأعمه نفعا قال فما حالنا وحالكم إن ابتلينا غدا قال إني لأرجو ألا يقتل أحد نق قلبه الله منا ومنهم إلا أدخله الله الجنة.
وقام إليه مالك بن حبيب فقال ما أنت صانع إذا لقيت هؤلاء القوم ؟ قال قد بان لنا ولهم أن الإصلاح الكف عن هذا الأمر فإن بايعونا فذلك فإن أبوا وأبينا إلا القتال فصدع لا يلتئم قال فإن ابتلينا فما بال قتلانا قال من
ص: 283
أراد الله عز وجل نفعه ذلك وكان نجاءه.
وقام علي فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس املكوا أنفسكم كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم فإنهم إخوانكم واصبروا على ما يأتيكم وإياكم أن تسبقونا فإن المخصوم غدا من خصم اليوم.
ثم ارتحل وأقدم ودفع تعبيته التي قدم فيها حتى إذا أطل على القوم بعث إليهم حكيم بن سلامة ومالك بن حبيب إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا وأقرونا ننزل وتنظر في هذا الأمر.
فخرج إليه الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمرين قد منعوا حرقوص بن زهير ولا يرون القتال مع علي بن أبي طالب فقال يا علي إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم غدا أنك تقتل رجالهم وتسبي نساءهم فقال ما مثلي يخاف هذا منه وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر ألم تسمع إلى قول الله عز وجل:
«لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر» وهم قوم مسلمون هل أنت مغن عني قومك؟ قال: نعم، واختر مني واحدة من ثنتين إما أن أكون آتيك فأكون معك بنفسي وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وقد بدأ فقال يال خندف.
فأجابه ناس ثم نادى يال تميم فأجابه ناس ثم نادى يال سعد فلم يبق سعدي إلا أجابه فاعتزل بهم ثم نظر ما يصنع الناس فلما وقع القتال وظفر علي جاءوا وافرين فدخلوا فيها دخل فيه الناس.
300- عنه قال: أما الذي يرويه المحدثون من أمر الأحنف فغير ما رواه سيف عمن ذكر من شيوخه والذي يرويه المحدثون من ذلك ما حدثني
ص: 284
يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت حصينا يذكر عن عمرو بن جأوان عن الأحنف بن قيس قال قدمنا المدينة ونحن نريد الحج فإنا لبمنازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت.
فقال: قد فزعوا وقد اجتمعوا في المسجد فانطلقنا فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد وإذا علي والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وإنا لكذلك إذ جاء عثمان بن عفان فقيل هذا عثمان قد جاء وعليه مليئة له صفراء قد قنع بها رأسه فقال أها هنا علي قالوا: نعم، قال أها هنا الزبير قالوا: نعم.
قال أها هنا طلحة قالوا: نعم، قال أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال من يبتع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته بعشرين أو بخمس وعشرين ألفا فأتيت النبي صلّى الله عليه و آله فقلت يا رسول الله قد ابتعته قال اجعله في مسجدنا وأجره لك قالوا:
اللهم نعم وذكر أشياء من هذا النوع قال الأحنف فلقيت طلحة والزبير فقلت من تأمراني به وترضيانه لي فإني لا أرى هذا الرجل إلا مقتولا قالا علي قلت أتأمراني به وترضيانه لي قالا نعم فانطلقت حتى قدمت مكة فبينا نحن بها إذ أتانا قتل عثمان وبها عائشة أم المؤمنين، فلقيتها.
فقلت: من تأمرين أن أبايع؟ قالت: علي قلت تأمرينني به وترضينه لي قالت نعم فمررت على علي بالمدينة فبايعته ثم رجعت إلى أهلي بالبصرة ولا أرى الأمر إلا قد استقام قال فبينا أنا كذلك إذ أتاني آت فقال هذه عائشة وطلحة والزبير قد نزلوا جانب الخريبة فقلت ما جاء بهم؟ قالوا: أرسلوا إليك يدعونك يستنصرون بك على دم عثمان.
فأتاني أفظع أمر أتاني قط فقلت إن خذلاني هؤلاء ومعهم أم المؤمنين
ص: 285
وحواري رسول الله صلّی الله علیه و آله الشديد وإن قتالي رجلا ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله قد أمروني ببيعته لشديد فلما أتيتهم قالوا جئنا لنستنصر على دم عثمان قتل مظلوما فقلت يا أم المؤمنين أنشدك بالله أقلت لك من تأمريني به؟
فقلت: علي فقلت: تأمرينني به وترضينه لي؟ قلت: نعم. قالت: نعم. ولكنه بدل فقلت: يا زبير يا حواري رسول الله صلّی الله علیه و آله يا طلحة أنشدكما الله أقلت لكما: ما تأمراني فقلتهما علي ؟ فقلت: أتأمراني به وترضيانه لي؟ فقلتهما: نعم. قالا: نعم، ولكنه بدل.
فقلت والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلّی الله علیه و آله ولا أقاتل رجلا ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله أمر تموني ببيعته اختاروا مني واحدة من ثلاث خصال إما أن تفتحوا لي الجسر فألحق بأرض الأعاجم حتى يقضي الله عز وجل من أمره ما قضى أو ألحق بمكة فأكون فيها حتى يقضي الله عز وجل من أمره ما قضى أو أعتزل فأكون قريبا.
قالوا: إنا نأتمر ثم نرسل إليك فائتمروا فقالوا: نفتح له الجسر ويخبرهم بأخباركم ليس ذاكم برأي اجعلوه ها هنا قريبا حيث تطئون على صماخه وتنظرون إليه فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين فاعتزل معه زهاء على ستة آلاف.
ثم التقى القوم فكان أول قتيل طلحة وكعب بن سور معه المصحف يذكر هؤلاء وهؤلاء حتى قتل من قتل منهم ولحق الزبير بسفوان من البصرة كمكان القادسية منكم فلقيه النعر رجل من مجاشع فقال أين تذهب يا حواري رسول الله صلّی الله علیه و آله إلي فأنت في ذمتي لا يوصل إليك فأقبل معه فأتى الأحنف خبره فقيل ذاك الزبير قد لقي بسفوان فما تأمر ؟
ص: 286
قال: جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف ثم يلحق ببيته فسمعه عمير بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع فركبوا في طلبه فلقوه مع النعر فأتاه عمير بن جرموز من خلفه وهو على فرس له ضعيفة فطعنه طعنة خفيفة وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له ذو الخمار حتى إذا ظن أنه قاتله نادى عمير بن جرموز يا ناقع يا فضالة فحملوا عليه فقتلوه.
301- عنه حدثني يعقوب بن إبراهيم قال معتمر بن سليمان قال نبأني أبي عن حصين قال حدثنا عمرو بن جأوان رجل من بني تميم وذاك أني قلت له أرأيت اعتزال الأحنف ما كان فقال سمعت الأحنف يقول أتيت المدينة وأنا حاج فذكر نحوه الحمد الله على ما قضى وحكم.
302 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا بشير بن عاصم عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال خرج هاشم بن عتبة إلى علي بالربذة فأخبره بقدوم محمد بن أبي بكر وقول أبي فقال لقد أردت موسى عزله وسألني الأشتر أن أقره فرد علي هاشما إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى
إني وجهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من المسلمين إلي فأشخص الناس فإني لم أولك الذي أنت به إلا لتكون من أعواني على الحق فدعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال له ما ترى قال أرى أن تتبع ما كتب به إليك قال لكني لا أرى ذلك.
فكتب هاشم إلى علي: إني قد قدمت على رجل غال مشاق ظاهر الغل والشنآن وبعث بالكتاب مع المحل بن خليفة الطائي فبعث علي الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران له الناس وبعث قرظة بن كعب الأنصاري
ص: 287
أميرا على الكوفة وكتب معه إلى أبي موسى.
أما بعد فقد كنت أرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعل الله عز وجل لك منه نصيبا سيمنعك من رد أمري وقد بعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس وبعثت قرظة بن كعب واليا على المصر فاعتزل عملنا مذموما مدحورا فإن لم تفعل فإني قد أمرته أن ينابذك فإن نابذته بك أن يقطعك آرابا.
فلما قدم الكتاب على أبي موسى اعتزل ودخل الحسن وعمار المسجد فقالا أيها الناس إن أمير المؤمنين يقول إني خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما وإني أذكر الله عز وجل رجلا رعى الله حقا إلا نفر فإن كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما أخذ مني والله إن طلحة والزبير لأول مر من با يعني وأول من غدر فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما فانفروا فروا بمعروف وانهوا عن منكر.
303 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن جابر عن الشعبي عن أبي الطفيل قال قال علي يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل فقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا.
304 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال خرج إلى علي اثنا عشر ألف رجل وهم أسباع على قريش وكنانة وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار الرياحي وسبع قيس عليهم سعد بن مسعود الثقفي وسبع بكر بن وائل وتغلب عليهم وعلة بن مخدوج الذهلي وسبع مذحج والأشعرين عليهم حجر بن عدي وسبع بجيلة وأنمار وخثعم والأزد عليهم مخنف بن سليم الأزدي
ص: 288
305 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن مسلمة بن محارب عن قتادة قال نزل علي الزاوية وأقام أياما فأرسل إليه الأحنف إن شئت أتيتك وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف فأرسل إليه علي كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال قال إن من الوفاء الله عز وجل قتالهم فأرسل إليه كف من قدرت على كفه.
ثم سار علي من الزاوية وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله أو عبد الله بن زياد فلما نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرحوم العبدي أن اخرج فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر علي فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل فعدلوا إلى عسكر أمير المؤمنين.
فقال الناس من كان هؤلاء معه غلب ودفع شقيق بن ثور رايتهم إلى مولى له يقال له رشراشة فأرسل إليه وعلة بن مح-دوج الذهلي ضاعت الأحساب دفعت مكرمة قومك إلى رشراشة فأرسل شقيق أن أغن شأنك فإنا نغني شأننا فأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال يرسل إليهم علي ويكلمهم ويردعهم.
306 - عنه حدثنا عمر قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن قتادة قال سار علي من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة وساروا من الفرضة يريدون عليا فالتقوا عند موضع قصر عبیدالله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين يوم الخميس فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح فقيل لعلي هذا الزبير.
قال أما إنه أحرى الرجلين إن ذكر بالله أن يذكره وخرج طلحة فخرج إليهما علي فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال علي لعمري
ص: 289
لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله سبحانه ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماء كما فهل من حدث أحل لكما دمي؟
قال طلحة ألبت الناس على عثمان قال علي «يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين» يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلّى الله عليه و آله في بني غنم فنظر إلى فضحك وضحكت إليه فقلت لا يدع ابن أبي طالب زهوه.
فقال لك رسول الله صلّى الله عليه و آله إنه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم فقال اللهم نعم ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا والله لا أقاتلك أبدا.
فانصرف علي إلى أصحابه فقال أما الزبير فقد أعطى الله عهدا ألا يقاتلكم ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا قالت فما تريد أن تصنع قال أريد أن أدعهم وأذهب فقال له ابنه عبدالله:
جمعت بين هدين الغارين حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب أحسست رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد قال إني قد حلفت ألا أقاتله وأحفظه ما قال له فقال كفر عن يمينك وقاتله فدعا بغلام له يقال له مكحول فأعتقه فقال عبدالرحمن بن سليمان التيمي:
لم أر كاليوم أخا إخوان *** أعجب من مكفر الأيمان
بالعتق في معصية الرحمن
وقال رجل من شعرائهم:
يعتق مكحولا لصون دينه *** كفارة الله عن يمينه
ص: 290
والنكث قد لاح على جبينه
الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة فأرسل عمران بن رجع حصين في الناس يخذل من الفريقين جميعا كما صنع الأحنف وأرسل إلى بني عدي فيمن أرسل فأقبل رسوله حتى نادى على باب مسجدهم ألا إن أبا نجيد عمران بن الحصين يقرئكم السلام ويقول لكم والله لأن أكون في جبل حضن مع أعنز خضر وضأن أجز أصوافها وأشرب ألبانها أحب إلي من أن أرمي في شيء من هذين الصفين بسهم فقالت بنو عدي جميعا بصوت واحد إنا والله لا ندع نقل رسول الله صلّى الله عليه و آله لشيء يعنون أم المؤمنين.
307- عنه حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا أبو نعامة العدوي عن حجير بن الربيع قال قال لي عمران بن حصين سر إلى قومك أجمع ما يكونون فقم فيهم قائما فقل أرسلني إليكم عمران بن حصين صاحب رسول الله صلّی الله علیه و آله.
يقرأ عليكم السلام ورحمة الله ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو لأن يكون عبدا حبشيا مجدعا يرعى أعنزا حضنيات في رأس جبل حتى يدركه الموت أحب إلي من أن يرمي بسهم واحد بين الفريقين قال فرفع شيوخ الحي رؤوسهم إليه فقالوا إنا لا ندع ثقل رسول الله صلّی الله علیه و آله لشيء أبدا.
308- عنه رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة وأهل البصرة فرق فرقة مع طلحة والزبير وفرقة مع علي وفرقة لا ترى القتال مع أحد من الفريقين وجاءت عائشة من منزلها الذي كانت فيه حتى نزلت في مسجد الحدان في الأزد وكان القتال في ساحتهم ورأس الأزد يومئذ صبرة بن شيمان.
فقال له كعب بن سور إن الجموع إذا تراء وا لم تستطع وإنما هي بحور
ص: 291
تدفق فأطعني ولا تشهدهم واعتزل بقومك فإني أخاف ألا يكون صلح وكن وراء هذه النطفة ودع هذين الغارين من مضر وربيعة فهما أخوان فإن اصطلحا فالصلح ما أردنا وإن اقتتلا كنا حكاما عليهم غدا وكان كعب في الجاهلية نصرانيا.
فقال صبرة أخشى أن يكون فيك شيء من النصرانية أتأمرني أن أغيب عن إصلاح بين الناس وأن أخذل أم المؤمنين وطلحة والزبير إن ردوا عليهم الصلح وأدع الطلب بدم عثمان لا والله لا أفعل ذلك أبدا فأطبق أهل اليمن على الحضور.
309 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الضريس البجلي عن ابن يعمر قال لما رجع الأحنف بن قيس من عند علي لقيه هلال بن وكيع بن مالك بن عمرو فقال ما رأيك قال الاعتزال فما رأيك قال مكانفة أم المؤمنين أفتدعنا وأنت سيدنا قال إنما أكون سيدكم غدا إذا قتلت وبقيت.
فقال هلال هذا وأنت شيخنا فقال أنا الشيخ المعصي وأنت الشاب المطاع فاتبعت بنو سعد الأحنف فاعتزل بهم إلى وادي السباع واتبعت بنو حنظلة هلالا وتابعت بنو عمرو أبا الجرباء فقاتلوا.
310 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان قال لما أقبل الأحنف نادى يالأد اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه فقام المنجاب بن راشد فقال يال الرباب لا تعتزلوا واشهدوا هذا الأمر وتولوا كيسه ففارقوا فلما قال يال تميم اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه.
قام أبو الجرباء وهو من بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم فقال
ص: 292
يال عمرو لا تعتزلوا هذا الأمر وتولوا كيسه فكان أبو الجرباء على بني عمرو بن تميم والمنجاب بن راشد على بني ضبة فلما قال يال زيد مناة اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه
قال هلال بن وكيع لا تعتزلوا هذا الأمر ونادى يال حنظلة تولوا كيسه فكان هلال على حنظلة وطاوعت سعد الأحنف واعتزلوا إلى وادي السباع.
311- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان على هوازن وعلى بني سليم والأعجاز مجاشع بن مسعود السلمي وعلى عامر زفر بن الحارث وعلى غطفان أعصر بن النعمان الباهلي وعلى بكر بن وائل مالك بن مسمع واعتزلت عبد القيس إلى على إلا رجلا فإنه أقام ومن بكر بن وائل قيام.
واعتزل منهم مثل من بقي منهم عليهم سنان وكانت الأزد على ثلاثة رؤساء صبرة بن شيمان ومسعود وزياد بن عمرو والشواذب عليهم رجلان على مضر الخريت بن راشد وعلى قضاعة والتوابع الرعبي الجرمي وهو لقب وعلى سائر اليمن ذو الآجرة الحميري.
فخرج طلحة والزبير فنزلا بالناس من الزابوقة في موضع قرية الأرزاق فنزلت مضر جميعا وهم لا يشكون في الصلح ونزلت ربيعة فوقهم جميعا وهم لا يشكون في الصلح ونزلت اليمن جميعا أسفل منهم وهم لا يشكون في الصلح وعائشة في الحدان والناس في الزابوقة على رؤسائهم هؤلاء وهم ثلاثون ألفا.
وردوا حكيما ومالكا إلى علي بأنا على ما فارقنا عليه القعقاع فاقدم فخرجا حتى قدما عليه بذلك فارتحل حتى نزل عليهم بحيالهم فنزلت
ص: 293
القبائل إلى قبائلهم مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة واليمن إلى اليمن وهم لا يشكون في الصلح فكان بعضهم بحيال بعض وبعضهم يخرج إلى بعض ولا يذكرون ولا ينوون إلا الصلح.
وخرج أمير المؤمنين فيمن معه وهم عشرون ألفا وأهل الكوفة على رؤسائهم الذين قدموا معهم ذا قار وعبد القيس على ثلاثة رؤساء جذيمة وبكر على ابن الجارود والعمور على عبدالله بن السوداء وأهل هجر على ابن الأشج وبكر بن وائل من أهل البصرة على ابن الحارث بن نهار وعلى دنور بن علي الزط والسيابجة وقدم علي ذا قار في عشرة آلاف وانضم إليه عشرة آلاف.
312 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن فطر بن خليفة عن منذر الثوري عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية قال أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل وخرج إلينا من الكوفة سبعة آلاف وانضم إلينا من حولنا ألفان أكثرهم بكر بن وائل ويقال ستة آلاف.
313- عنه رجع الحديث إلى حديث محمد وطلحة قالا فلما نزل الناس واطمأنوا خرج علي وخرج طلحة والزبير فتواقفوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه فلم يجدوا أمرا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع وأنه لا يدرك فافترقوا عن موقفهم على ذلك ورجع علي إلى عسكره وطلحة والزبير إلى عسكرهما.
314- عنه وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وبعث علي من العشي عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير وبعثاهما من العشي محمد بن طلحة إلى علي وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه فقالوا نعم فلها أمسوا وذلك في جمادى الآخرة أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء
ص: 294
أصحابهما وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه.
ما خلا أولئك الذين هضوا عثمان فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط قد أشرفوا على الهكلة وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها.
حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر واستسروا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم جيرانهم انسلوا إلى ذلك الأمر انسلالا وعليهم ظلمة فخرج مضريهم إلى مضريهم وربعيهم إلى ربعيهم ويمانيهم إلى يمانيهم فوضعوا فيهم السلاح فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم.
وخرج الزبير وطلحة في وجوه الناس من مضر فبعثا إلى الميمنة وهم ربيعة يعبئها عبدالرحمن بن الحارث بن هشام وإلى الميسرة عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وثبتا في القلب فقال ما هذا قالوا طرقنا أهل الكوفة ليلا فقالا قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء ويستحل الحرمة وأنه لن يطاوعنا ثم رجعا بأهل البصرة وقصف أهل البصرة أولئك حتى ردوهم إلى عسكرهم.
فسمع علي وأهل الكوفة الصوت وقد وضعوا رجلا قريبا من علي ليخبره بما يريدون فلما قال ما هذا قال ذاك الرجل ما فاجأنا إلا وقوم منهم بيتونا فرددناهم من حيث جاؤوا فوجدنا القوم على رجل فركبونا وثار الناس وقال علي لصاحب ميمنته.
ائت الميمنة وقال لصاحب ميسرته ائت الميسرة ولقد علمت أن طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء ويستحلا الحرمة وأنهما لن
ص: 295
يطاوعانا والسبئية لا تفتر إنشابا ونادى علي في الناس أيها الناس كفوا فلا شيء.
فكان من رأيهم جميعا في تلك الفتنة ألا يقتتلوا حتى يبدؤوا يطلبون بذلك الحجة ويستحقون على الآخرين ولا يقتلوا مديرا ولا يجهزوا على جريح ولا يتبعوا فكان مما اجتمع عليه الفريقان ونادوا فيما بينهما.
315- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة - وأبي عمرو قالوا وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال أدركي فقد أبى القوم إلا القتال لعل الله يصلح بك فركبت وألبسوا هودجها الأدراع ثم بعثوا جملها وكان جملها يدعى عسكرا حملها عليه يعلى بن أمية اشتراه بمائتي دينار.
فلما برزت من البيوت وكانت بحيث تسمع الغوغاء وقفت فلم تلبث أن سمعت غوغاء شديدة فقالت ما هذا قالوا ضجة العسكر قالت بخير أو بشر قالوا بشر قالت فأي الفريقين كانت منهم هذه الضجة فهم المهزومون وهي واقفة.
فوالله ما فجئها إلا الهزيمة فمضى الزبير من سننه في وجهه فسلك وادي السباع وجاء طلحة سهم غرب يخل ركبته بصفحة الفرس فلما امتلاً موزجه دما وثقل قال لغلامه أردفني وأمسكني وابغني مكانا أنزل فيه فدخل البصرة وهو يتمثل مثله ومثل الزبير:
فإن تكن الحوادث أقصدتني *** وأخطأهن سهمي حين أرمي
فقد ضيعت حين تبعت سهما *** سفاها ما سفهت وضل حلمي
ندمت ندامة الكسعي لما *** شریت رضا بنى سهم برغمي
أطعتهم بفرقة آل لأي *** فألقوا للسباع دمي ولحمي
ص: 296
316 - عنه قال أبو جعفر وأما غير سيف فإنه ذكر من خبر هذه الوقعة وأمر الزبير وانصرافه عن الموقف الذي كان فيه ذلك اليوم غير الذي ذكر سيف عن صاحبيه والذي ذكر من ذلك بعضهم ما حدثنيه أحمد بن زهير قال حدثنا أبي أبو خيثمة قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم.
قال سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري في قصة ذكرها من خبر علي وطلحة والزبير وعائشة في مسيرهم الذي نحن في ذكره في هذا الموضع قال وبلغ الخبر عليا يعني خبر السبعين الذين قتلوا مع العبدي بالبصرة فأقبل يعني عليا في اثني عشر ألفا فقدم البصرة وجعل يقول:
يا لهف نفسي على ربيعة *** ربيعة السامعة المطيعه
سنتها كانت بها الوقيعه
فلما تواقفوا خرج علي على فرسه فدعا الزبير فتواقفا فقال علي للزبير ما جاء بك قال أنت ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا فقال علي لست له أهلا بعد عثمان قد كنا نعدك بعد عثمان قد كنا نعدك من بني عبدالمطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك وعظم عليه أشياء فذكر أن النبي صلّی الله علیه و آله مر عليهما فقال لعلي.
ما يقول ابن عمتك ليقاتلنك وهو لك ظالم فانصرف عنه الزبير وقال فإني لا أقاتلك فرجع إلى ابنه عبدالله فقال مالي في هذه الحرب بصيرة فقال له ابنه إنك قد خرجت على بصيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أن تحتها الموت فجبنت فأحفظه حتى أرعد وغضب وقال ويحك إني قد حلفت له ألا أقاتله.
فقال له ابنه كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس فأعتقه وقام في
ص: 297
الصف معهم وكان علي قال للزبير أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره وقال علي يا طلحة جئت بعرس رسول الله صلّی الله علیه و آله تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت أما بايعتني قال:
بايعتك وعلى عنقي اللج فقال علي لأصحابه أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى وإن قطعت أخذه بأسنانه قال فتى شاب أنا فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم فلم يقبله إلا ذلك الفتى فقال له على:
اعرض عليهم هذا وقل: هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره والله في دمائنا ودمائكم فحمل على الفتى وفي يده المصحف فقطعت يداه فأخذه بأسنانه حتى قتل فقال علي قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم فقتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل فلما عقر الجمل وهزم الناس.
أصابت طلحة رمية فقتلته فيزعمون أن مروان بن الحكم رماه وقد كان ابن الزبير أخذ بخطام جمل عائشة فقالت هذا فأخبرها فقالت من وائكل أسماء فجرح فألقى نفسه في الجرحى فاستخرج فبرأ من جراحته واحتمل محمد بن أبي بكر عائشة.
فضرب عليها فسطاط فوقف علي عليها فقال استفززت الناس وقد فزوا فألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا في كلام كثير فقالت عائشة يابن أبي طالب ملكت فأسجح نعم ما أبليت قومك اليوم فسرحها علي وأرسل معها جماعة من رجال ونساء وجهزها وأمر لها باثني عشر ألفا من المال.
فاستقل ذلك عبد الله بن جعفر فأخرج لها مالا عظيما وقال إن لم يجزه أمير المؤمنين فهو علي وقتل الزبير فزعموا أن ابن جرموز لهو الذي قتله وأنه وقف بباب أمير المؤمنين فقال لحاجبه استأذن لقاتل الزبير فقال علي
ص: 298
ائذن له وبشره بالنار.
317- عنه حدثني محمد بن عمارة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا فضيل عن سفيان بن عقبة عن قرة بن الحارث عن جون بن قتادة قال قرة بن الحارث كنت مع الأحنف بن قيس وكان جون بن قتادة ابن عمي مع الزبير بن العوام فحدثني جون بن قتادة قال كنت قتادة قال كنت مع الزبير فجاء فارس يسير وكانوا يسلمون على الزبير بالإمرة فقال السلام عليك أيها الأمير
قال وعليك السلام قال هؤلاء القوم قد أتوا مكان كذا وكذا فلم أر قوما أرث سلاحا ولا أقل عددا ولا أرعب قلوبا من قوم أتوك ثم انصرف عنه قال ثم جاء فارس فقال السلام عليك أيها الأمير فقال وعليك السلام قال جاء القوم حتى أتوا مكان كذا وكذا فسمعوا بما جمع الله عز وجل لكم من العدد والعدة والحد.
فقذف الله في قلوبهم الرعب فولوا مدبرين قال الزبير إيها عنك الآن فوالله لو لم يجد ابن أبي طالب إلا العرفج لدب إلينا فيه ثم انصرف ثم جاء فارس وقد كادت الخيول أن تخرج من الرهج فقال السلام عليك أيها الأمير قال وعليك السلام قال هؤلاء القوم قد أتوك فلقيت عمارا فقلت له وقال لي.
فقال الزبير إنه ليس فيهم فقال بلى والله إنه لفيهم قال والله ما جعله الله فيهم فقال والله لقد جعله الله فيهم قال والله ما جعله الله فيهم فلما رأى الرجل يخالفه قال لبعض أهله اركب فانظر أحق ما يقول فركب معه فانطلقا وأنا أنظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلا ثم رجعا إلينا.
فقال الزبير لصاحبه ما عندك قال صدق الرجل قال الزبير يا جدع
ص: 299
أنفاه أو يا قطع ظهراه قال محمد بن عمارة قال عبيدالله قال فضيل لا أدري أيهما قال ثم أخذه أفكل فجعل السلاح ينتفض فقال جون ثكلتني أمي هذا الذي كنت أريد أن أموت معه أو أعيش معه.
والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلا لشيء قد سمعه أو رآه من رسول الله صلّی الله علیه وآله فلما تشاغل الناس انصرف فجلس على دابته ثم ذهب فانصرف جون فجلس على دابته فلحق بالأحنف ثم جاء فارسان حتى أتيا الأحنف وأصحابه فنزلا.
فأتيا فأكبا عليه فناجياه ساعة ثم انصرفا ثم جاء عمرو بن جرموز إلى الأحنف فقال أدركته في وادي السباع فقتلته فكان يقول والذي نفسي بيده إن صاحب الزبير الأحنف.
318 - عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا بشير بن عاصم عن الحجاج بن أرطاة عن عمار بن معاوية الدهني حي من أحمس بجيلة قال أخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو.
فقال أنا فأعرض عنه ثم قال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقال الفتى أنا فأعرض عنه ثم قال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقال الفتى أنا فدفعه إليه.
فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا يده اليسرى فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه فقتل فقال علي الآن حل قتالهم فقالت أم الفتى بعد ذلك فيما ترثي
لا هم إن مسلما دعاهم *** يتلو كتاب الله لا يخشاهم
ص: 300
وأمهم قائمة تراهم *** يأتمرون الغي لا تنهاهم
قد خضبت من علق لحاهم
319 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو عن جابر عن الشعبي قال حملت ميمنة أمير المؤمنين على ميسرة أهل البصرة فاقتتلوا ولاذ الناس بعائشة أكثرهم ضبة والأزد وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر ويقال إلى أن زالت الشمس ثم انهزموا.
فنادى رجل من الأزد كروا فضربه محمد بن علي فقطع يده فنادى يا معشر الأزد فروا واستحر القتل بالأزد فنادوا نحن على دين علي بن أبي طالب فقال رجل من بني ليث بعد ذلك
سائل بنا يوم لقينا الأزدا *** والخيل تعدو أشقرا ووردا
لما قطعنا كبدهم والزندا *** سحقا لهم في رأيهم وبعدا
320- عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال حمل عمار على الزبير يوم الجمل فجعل يحوزه بالرمح فقال أتريد أن تقتلني قال لا انصرف وقال عامر ب-ن حفص أقبل عمار حتى حاز الزبير يوم الجمل بالرمح فقال أتقتلني ي-ا أب-ا اليقظان قال لا يا أبا عبدالله.
321 - عنه رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة قالا لما انهزم الناس في صدر النهار نادى الزبير أنا الزبير هلموا إلي أيها الناس ومعه مولى له ينادي أعن حواري رسول الله صلّی الله علیه و آله تنهزمون وانصرف الزبير نحو وادي السباع واتبعه فرسان وتشاغل الناس عنه بالناس فلما رأى الفرسان تتبعه عطف عليهم ففرق بينهم فكروا عليه.
فلما عرفوه قالوا الزبير فدعوه فلما نفر فيهم علباء بن الهيثم ومر
ص: 301
القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول إلى عباد الله الصبر الصبر قال له يا أبا محمد إنك الجريح وإنك عما تريد لعليل فادخل الأبيات فقال يا غلام أدخلني وابغني مكانا فأدخل البصرة ومعه غلام ورجلان فاقتتل الناس بعده.
فأقبل الناس في هزيمتهم تلك وهم يريدون البصرة فلما رأوا الجمل أطافت به مضر عادوا قلبا كما كانوا حيث التقوا وعادوا إلى أمر جديد ووقفت ربيعة البصرة منهم ميمنة ومنهم ميسرة وقالت عائشة خل يا كعب عن البعير وتقدم بكتاب الله عز وجل فادعهم إليه ودفعت إليه مصحفا.
وأقبل القوم وأمامهم السبئية يخافون أن يجري الصلح فاستقبلهم كعب بالمصحف وعلي من خلفهم يزعهم ويأبون إلا إقداما فلما دعاهم كعب رشقوه رشقا واحدا فقتلوه ورموا عائشة في هودجها فجعلت تنادي يا بني البقية البقية ويعلو صوتها كثرة الله الله اذكروا الله عز وجل والحساب فيأبون إلا إقداما فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم وأقبلت تدعو.
وضج أهل البصرة بالدعاء وسمع علي بن أبي طالب الدعاء فقال ما هذه الضجة فقالوا عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم فأقبل يدعو ويقول اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم وأرسلت إلى عبدالرحمن بن عتاب وعبد الرحمن بن الحارث اثبتا مكانكما وذمرت الناس حين رأت أن القوم لا يريدون غيرها ولا يكفون عن الناس فازدلفت مضر البصرة.
فقصفت مضر الكوفة حتى زوحم علي فنخس علي قفا محمد وقال احمل فنكل فأهوى علي إلى الراية فيأخذها منه فحمل فترك الراية في يده وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا قدام الجمل حتى ضرسوا والمجنبات على
ص: 302
حالها لا تصنع شيئا ومع علي أقوام غير مضر فمنهم زيد بن صوحان.
فقال له رجل من قومه تنح إلى قومك مالك ولهذا الموقف ألست تعلم أن مضر بحيالك وأن الجمل بين يديك وأن الموت دونه فقال الموت خير من الحياة الموت ما أريد فأصيب وأخوه سيحان وارتث صعصعة واشتدت الحرب فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة أن اجتمعوا على من يليكم فقام رجل من عبد القيس.
فقال ندعوكم إلى كتاب الله عز وجل قالوا وكيف يدعونا إلى كتاب الله من لا لا يقيم حدود الله سبحانه ومن قتل داعي الله كعب بن سور فرمته ربيعة رشقا واحدا فقتلوه وقام مسلم بن عبدالله العجلي مقامه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم.
322- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان القتال الأول يستحر إلى انتصاف النهار وأصيب فيه طلحة وذهب فيه الزبير فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل الكوفة إلا القتال ولم يريدوا إلا عائشة ذمرتهم عائشة فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا.
فرجعوا بعد الظهر فاقتتلوا وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة فاقتتلوا صدر النهار مع طلحة والزبير وفي وسطه مع عائشة وتزاحف الناس فهزمت يمن البصرة يمن الكوفة وربيعة البصرة ربيعة الكوفة ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة وقال إن الموت ليس منه فوت يدرك الهارب ولا يترك المقيم.
323- عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو عبدالله القرشي عن يونس بن أرقم عن علي بن عمر و الكندي عن زيد بن حساس قال سمعت محمد بن الحنفية يقول دفع إلي أبي الراية يوم الجمل وقال تقدم.
ص: 303
فتقدمت حتى لم أجد متقدما إلا على رح قال تقدم لا أم لك فتكاكات وقلت لا أجد متقدما إلا على سنان ربح فتناول الراية من يدي متناول لا أدري من هو فنظرت فإذا أبي بين يدي و هو يقول:
أنت التي غرك مني الحسنى *** يا عيش إن القوم قوم أعدا
الخفض خير من قتال الأبنا
324 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة 324 قالا اقتتلت المجنبتان حين تزاحفتا قتالا شديدا يشبه ما فيه القلبان واقتتل أهل اليمن فقتل على راية أمير المؤمنين من أهل الكوفة عشرة كلما أخذها رجل قتل خمسة من همدان وخمسة من سائر اليمن فلما رأى ذلك يزيد بن قيس أخذها فثبتت في يده وهو يقول
قد عشت يا نفس وقد غنيت *** دهرا فقطك اليوم ما بقيت
أطلب طول العمر ما حييت
وإنما تمثلها وهو قول الشاعر قبله وقال نمران بن أبي نمران الهمداني
جردت سيفي في رجال الأزد *** أضرب في كهولهم والمرد
كل طويل الساعدين نهد
وأقبلت ربيعة فقتل على راية الميسرة من أهل الكوفة زيد وصرع
صعصعة ثم سيحان ثم عبد الله بن رقبة بن المغيرة ثم أبو عبيدة بن راشد بن
سلمى وهو يقول: اللهم أنت هديتنا
هديتنا من الضلالة واستنقذتنا من الجهالة وابتليتنا بالفتنة فكنا في شبهة وعلى ريبة حتى قتل ثم الحصين بن معبد بن النعمان فأعطاها ابنه معبدا وجعل يقول يا معبد قرب لها بوها تحدب فثبتت في يده.
325- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
ص: 304
قالا لما رأت الكماة من مضر الكوفة ومضر البصرة لاصبر تنادوا في عسكر عائشة وعسكر على يا أيها الناس طرفوا إذا فرغ الصبر ونزع النصر فجعلوا يتوجؤون الأطراف الأيدي والأرجل فما رئيت وقعة قط قبلها ولا بعدها ولا يسمع بها أكثر يدا مقطوعة ورجلا مقطوعة منها لا يدرى من صاحبها وأصيبت يد عبدالرحمن بن عتاب يومئذ قبل قتله وكان الرجل من هؤلاء وهؤلاء إذا أصيب شيء من أطرافه استقتل إلى أن يقتل.
326 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية بن بلال عن أبيه قال اشتد الأمر حتى أرزت ميمنة الكوفة إلى القلب حتى لزقت به ولزقت ميسرة البصرة بقلبهم ومنعوا ميمنة أهل الكوفة أن يختلطوا بقلبهم وإن كانوا إلى جنبهم وفعل مثل ذلك ميسرة الكوفة وميمنة البصرة.
فقالت عائشة لمن عن يسارها من القوم قال صبرة بن شيمان بنوك الأزد قالت يا آل غسان حافظوا اليوم جلادكم الذي كنا نسمع به وتمثلت:
وجالد من غسان أهل حفاظها وهنب وأوس جالدت وشبيب وقالت لمن عن يمينها من القوم قالوا بكر بن وائل قالت لكم يقول القائل:
وجاؤوا إلينا في الحديد كأنهم *** من العزة القعساء بكر بن وائل
إنما بإزائكم عبد القيس فاقتتلوا أشد القتال من قتالهم قبل ذلك وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت من القوم قالوا بنو ناجية قالت بخ بخ سيوف أبطحية وسيوف قرشية فجالدوا جلادا يتفادى منه ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت ويها جمرة الجمرات حتى إذا رقوا خالطهم بنو عدي وكثروا حولها.
ص: 305
فقالت من أنتم قالوا بنو عدي خالطنا إخواننا فقالت ما زالت رأس الجمل معتدلا حتى قتلت بنو ضبة حولي فأقاموا رأس الجمل ثم ضربوا ضربا ليس بالتعذير ولا يعدلون بالتطريف حتى إذا كثر ذلك وظهر في العسكرين جميعا راموا الجمل وقالوا لا يزال القوم أو يصرع وأرزت مجنبتا علي فصارتا في القلب.
وفعل ذلك أهل البصرة وكره القوم بعضهم بعضا وتلاقوا جميعا بقلبيهم وأخذ ابن يثربي برأس الجمل وهو يرتجز وادعى قتل ع-لباء ب-ن الهيثم وزيد بن صوحان وهند بن عمرو فقال:
أنا لمن ينكرني ابن يثربي *** قاتل علباء وهند الجملي
وابن لصوحان على دين علي
فناداه عمار لقد لعمري لذت بحريز وما إليك سبيل فإن كنت صادقا فاخرج من هذه الكتيبة إلى فترك الزمام في يد رجل من بني عدي حتى كان بين أصحاب عائشة وأصحاب على فرحم الناس عمارا حتى أقبل إليه فاتقاه عمار بدرقته فضربه فانتشب سيفه فيها فعالجه فلم يخرج.
فخرج عمار إليه لا يملك من نفسه شيئا فأسف عمار لرجليه فقطعها فوقع على أسته وحمله أصحابه فارتث بعد فأتي به علي فأمر بضرب عنقه ولما أصيب ابن يثربي ترك ذلك العدوي الزمام ثم خرج فنادى من يبارز فخنس عمار وبرز إليه ربيعة العقيلي والعدوي يدعى عمرة بن بجرة أشد الناس صوتا وهو يقول:
يا أمنا أعق أم نعلم *** والأم تغدو ولدا وترحم
ألا ترين كم شجاع يكلم *** وتختلى منه يد ومعصم
ثم اضطربا فأتخن كل واحد منهما صاحبه فماتا.
ص: 306
وقال عطية بن بلال ولحق بنا من آخر النهار رجل يدعى الحارث من بني ضبة فقام مقام العدوي فما رأينا رجلا قط أشد منه وجعل يقول:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل *** ننعى ابن عفان بأطراف الأسل
الموت أحلى عندنا من العسل *** ردوا علينا شيخنا ثم بجل
327- عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن المفضل بن محمد عن عدي بن أبي عدي عن أبي رجاء العطاردي قال إني لأنظر إلى رجل يوم الجمل وهو يقلب سيفا بيده كأنه مخراق وهو يقول:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل *** ننازل الموت إذا الموت نزل
والموت أشهى عندنا من العسل *** ننعی این عفان باطراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثم بجل
328 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن المفضل الضبي قال كان الرجل وسيم بن عمرو بن ضرار الضبي.
329 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن الهذلي قال كان عمرو بن يثربي يحضض قومه يوم الجمل وقد تعاوروا الخطام يرتجزون
نحن بني ضبة لا نفر *** حتى نرى جماجما تخر
يخر منها العلق المحمر
يا أمنا يا عيش لن تراعي *** كل بنيك بطل شجاع
يا أمنا يا زوجة النبي *** يا زوجة المبارك المهدي
حتى قتل على الخطام أربعون رجلا وقالت عائشة ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة وقتل يومئذ عمرو بن يتربي علباء بن الهيثم السدوسي وهند بن عمرو الجملي وزيد بن صوحان وهو يرتجز ويقول
ص: 307
أضربهم ولا أرى أبا حسن *** كف بهذا حزنا من الحزن
إنا غمر الأمر إمرار الرسن
فزعم الهذلي أن هذا الشعر تمثل به يوم صفين وعرض عمار لعمرو بن يثربي وعمار يومئذ ابن تسعين سنة عليه فرو قد شد وسطه بحبل من ليف فبدره عمرو بن يثربي فنحى له درقته فنشب سيفه فيها ورماه الناس حتى صرع وهو يقول:
إن تقتلوني فأنا ابن يثربي *** قاتل علباء وهند الجملي
ثم ابن صوحان على دين علي
وأخذ أسيرا حتى انتهي به إلى علي فقال استبقني فقال أبعد ثلاثة تقبل عليهم بسيفك تضرب به وجوههم فأمر به فقتل.
330- عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن إسحاق بن راشد عن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال مشيت يوم الجمل وبي سبع وثلاثون جراحة من ضربة وطعنة وما رأيت مثل يوم الجمل قط ما ينهزم منا أحد وما نحن إلا كالجبل الأسود وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلا قتل.
فأخذه عبدالرحمن بن عتاب فقتل فأخذه الأسود بن أبي البختري فصرع وجئت فأخذت بالخطام فقالت عائشة من أنت قلت عبدالله بن الزبير قالت والكل أسماء ومر بي الأشتر فعرفته فعانقته فسقطنا جميعا وناديت اقتلوني ومالكا فجاء ناس منا ومنهم.
فقاتلوا عنا حتى تحاجزنا وضاع الخطام ونادى علي اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا فضربه رجل فسقط فما سمعت صوتا قط أشد من عجيج الجمل
ص: 308
وأمر علي محمد بن أبي بكر فضرب عليها قبة وقال انظر هل وصل إليها شيء فأدخل رأسه فقالت من أنت ويلك فقال أبغض أهلك إليك قالت ابن الختعمية قال نعم قالت بأبي أنت وأمي الحمد لله الذي عافاك.
331 - عنه حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول قال علقمة قلت للأشتر قد كنت كارها لقتل عثمان فما أخرجك بالبصرة.
قال إن هؤلاء بايعوه ثم نكثوا وكان ابن الزبير هو الذي أكره عائشة على الخروج فكنت أدعو الله عز وجل أن يلقينيه فلقيني كفة لكفة فما رضيت بشدة ساعدي أن قمت في الركاب فضربته على رأسه فصرعته.
قلنا فهو القائل اقتلوني ومالكا قال لا ما تركته وفي نفسي منه شيء ذاك عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد لقيني فاختلفنا ضربتين فصر عني وصرعته فجعل يقول اقتلوني ومالكا ولا يعلمون من مالك فلو يعلمون لقتلوني. ثم قال أبو بكر بن عياش هذا كتابك شاهده.
332 - عنه حدثني به المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال قلت للأشتر حدثني عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله عن طلحة بن النضر عن عثمان بن سليمان عن عبدالله بن الزبير قال وقف علينا شاب.
فقال: احذروا هذين الرجلين فذكره وعلامة الأشتر أن إحدى قدميه بادية من شيء يجد بها قال لما التقينا قال الأشتر لما قصد لي سوى رمحه لرجلي قلت هذا أحمق وما عسى أن يدرك مني لو قطعها ألست قاتله.
فلما دنا مني جمع يديه في الرمح ثم التمس به وجهي قلت أحد الأقران.
333- عنه حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف
ص: 309
عن ابن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه عن جده قال كان عمرو بن الأشرف أخذ بخطام الجمل لا يدنو منه أحد إلا خبطه بسيفه إذ أقبل الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول:
يا أمنا يا خير أم نعلم *** أما ترين كم شجاع يكلم
وتختلى هامته والمعصم
فاختلفا ضربتين فرأيتهما يفحصان الأرض بأرجلها حتى ماتا فدخلت على عائشة بالمدينة فقالت من أنت قلت رجل من الأزد أسكن الكوفة قالت أشهدتنا يوم الجمل قلت نعم قالت ألنا أم علينا قلت عليكم قالت أفتعرف الذي يقول:
يا أمنا يا خير أم نعلم.
قلت: نعم، ذاك ابن عمي فبكت حتى ظننت أنها لا تسكت.
334 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي ليلى عن دينار بن العيزار قال سمعت الأشتر يقول لقيت عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فلقيت أشد الناس وأروغه فعانقته فسقطنا إلى الأرض جميعا فنادى اقتلوني ومالكا.
335- عنه حدثني عمر قال: حدثنا أبو الحسن عن ابن أبي ليلى ليلى عن دينار بن العيزار قال سمعت الأشتر يقول رأيت عبدالله بن حكيم بن حزام معه راية قريش وعدي بن حاتم الطائي وهما يتصاولان كالفحلين فتعاورناه فقتلناه يعني عبدالله فطعن عبدالله عديا ففقأ عينه.
336- عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف عن عمه محمد بن مختف قال حدثني عدة من أشياخ الحي كلهم شهد الجمل قالوا كانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مخنف بن سليم فقتل يومئذ فتناول
ص: 310
الراية من أهل بيته الصقعب وأخوه عبدالله بن سليم فقتلوه فأخذها العلاء بن عروة.
فكان الفتح وهي في يده وكانت راية عبدالقيس من أهل الكوفة مع القاسم بن مسلم فقتل وقتل معه زيد بن صوحان وسيحان بن صوحان وأخذ الراية عدة منهم فقتلوا منهم عبد الله بن رقبة وراشد ثم أخذها منقذ ابن النعمان.
فدفعها إلى ابنه مرة بن منقذ فانقضى الأمر وهي في يده وكانت راية بكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذهل كانت مع الحارث بن حسان بن خوط الذهلي فقال أبو العرفاء الرقاشي أبق على نفسك وقومك فأقدم وقال:
يا معشر بكر بن وائل إنه لم يكن أحد له من رسول الله صلّى الله عليه و آله مثل منزلة صاحبكم فانصروه فأقدم فقتل وقتل ابنه وقتل خمسة إخوة له فقال له يومئذ بشر بن خوط وهو يقاتل:
أنا ابن حسان بن خوط وأبي *** رسول بكر كلها إلى النبي
وقال ابنه:
أنعى الرئيس الحارث بن حسان *** لآل ذهل ولآل شيبان
وقال رجل من ذهل
تنعى لنا خير امرئ من عدنان *** عند الطعان ونزال الأقران
وقتل رجال من بني محدوج وكانت الرئاسة لهم من أهل الكوفة وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلا فقال رجل لأخيه وهو يقاتل يا أخى ما أحسن قتالنا إن كنا على حق قال فإنا على الحق إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنما تمسكنا بأهل بيت نبينا فقاتلا حتى قتلا وكانت رياسة عبد القيس من أهل البصرة. وكانوا مع علي لعمرو بن مرحوم ورياسة بكر بن
ص: 311
وائل لشقيق بن ثور.
والراية مع رشراشة مولاه ورياسة الأزد من أهل البصرة وكانوا مع عائشة لعبدالرحمن بن جشم بن أبي حنين الحمامي فيما حدثني عامر بن حفص ويقال لصبرة بن شيمان الحداني والراية مع عمرو بن الأشرف العتكي فقتل وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته.
337 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو ليلى عن أبي عكاشة الهمداني عن رفاعة البجلي عن أبي البختري الطائي قال أطافت ضبة والأزد بعائشة يوم الجمل وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتونه ويشمونه ويقولون بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك ورجل من أصحاب علي يقاتل ويقول:
جردت سيفي في رجال الأزد *** أضرب في كهولهم والمرد
كل طويل الساعدين نهد
وماج الناس بعضهم في بعض فصرخ صارح اعقروا الجمل فضربه بجير بن دلجة الضبي من أهل الكوفة فقيل له لم عقرته فقال رأيت قومي يقتلون فخفت أن يفنوا ورجوت إن عقرته أن يبقى لهم بقية.
338- عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا الصلت بن دینار :قال انتهى رجل من بني عقيل إلى كعب بن سور و هو مقتول و فوضع زج رمحه في عينيه، ثم خضخضه و قال: ما رأيت مالاً قط أحكم نقداً منك.
339 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا عوانة، قال: اقتتلوا يوم الجمل يوماً إلى الليل، فقال بعضهم:
شفى السيف من زيد و هند نفوسنا *** شفاء و من عينى عدي بن حاتم
ص: 312
صبرنا لهم يوماً إلى الليل كلّه *** بصم القنا و المرهفات الصوارم
و قال ابن صامت:
يا ضب سيرى فإن الأرض واسعة *** على شمالك إن الموت بالقاع
كتيبة كشعاع الشمس إذ طلعت *** لها أتى إذا ما سال دفاع
إذا نقيم لكم في كل معترك *** بالمشرفيه ضرباً غير إبداع
340- عنه حدثنا العباس بن محمد، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا روح، عن أبى رجاء، قال: رأيت رجلاً قد اصطلمت أذنه، قلت: أخلقة، أم شيء أصابك؟ قال: أحدثك؛ بينا أنا أمشى بين القتلى يوم الجمل، فإذا رجل يفحص برجله، و هو يقول:
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا *** فلم ننصرف إلا ونحن رواء
أطعنا قريشا ضلة من حلومنا *** ونصرتنا أهل الحجاز عناء
قلت یا عبدالله قل لا إله إلّا الله، قال: ادن منى، و لقنى فإنّ في أذنى وقراً، فدنوت منه، فقال لى ممن أنت؟ قلت: رجل من الكوفة؛ فوثب علىّ، فاصطلم أذنى كماترى، ثم قال: إذا لقيت أمك فأخبرها أن عمير بن الأهلب الضبيّ فعل بك هذا.
341 - عنه حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا المفضل الرواية وعامر بن حفص و عبدالمجيد الأسدى، قالوا: جرح يوم الجمل عمير بن الأهلب الضبي، فمرّ به رجل من أصحاب علي و هو في الجرحى، فقال له عمير: ادن منی، فدنا منه، فدنا منه، فقطع فقطع أذنه، و قال عمير بن الأهلب:
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا *** فلم ننصرف إلا ونحن رواء
لقد كان عن نصر ابن ضبة أمه *** وشيعتها مندوحة وغناء
أطعنا بني تيم بن مرة شقوة *** وهل تيم إلا أعبد وإماء
ص: 313
342 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن المقدام الحارثي قال كان منا رجل يدعى هانى بن خطاب وكان ممن غزا عثمان ولم يشهد الجمل فلما سمع بهذا الرجز يعني رجز القائل:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل
في حديث الناس نقض عليه وهو بالكوفة:
أبت شيوخ مذجح وهمدان *** ألا ردوا نعثلا كما كان
خلقا جديدا بعد خلق الرحمن
343- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال جعل أبو الجرباء يومئذ يرتجز ويقول:
اسامع أنت مطيع لعلي *** من قبل أن تذوق حد المشرفي
وخاذل في الحق أزواج النبي *** أعرف قوما لست فيه بعني
344- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كانت أم المؤمنين في حلقة من أهل النجدات والبصائر من أفناء مضر فكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا كان يحمل الراية واللواء لا يحسن تركها وكان لا يأخذه إلا معروف عند المطيفين بالجمل فينتسب لها أنا فلان بن فلان.
فوالله إن كانوا ليقاتلون عليه وإنه للموت لا يوصل إليه إلا بطلبة وعنت وما رامه أحد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت ثم لم يعد ولما اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه ففقئت عينه ونكل فجاء الأشتر فحامله عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وإنه لأقطع منزوف فاعتنقه ثم جلد به الأرض عن دابته فاضطرب تحته فأفلت وهو جريض.
345 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن هشام بن عروة
ص: 314
عن أبيه قال كان لا يجيء رجل فيأخذ بالزمام حتى يقول أنا فلان بن فلان يا أم المؤمنين فجاء عبد الله بن الزبير فقالت حين لم يتكلم من أنت فقال أنا عبدالله أنا ابن أختك قالت والكل أسماء تعني أختها وانتهى إلى الجمل الأشتر وعدي بن حاتم فخرج عبدالله بن حكيم بن حزام إلى الأشتر فمشى إليه الأشتر.
فاختلفا ضربتين فقتله الأشتر ومشى إليه عبدالله بن الزبير فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضرب عبدالله الأشتر ضربة خفيفة واعتنق كل واحد منهما صاحبه وخرا إلى الأرض يعتركان فقال عبدالله بن الزبير اقتلوني ومالكا.
وكان مالك يقول ما أحب أن يكون قال والأشتر وأن لى حمر النعم وشد أناس من أصحاب علي وأصحاب عائشة فافترقا وتنقذ كل واحد من الفريقين صاحبه.
346- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال وجاء محمد بن طلحة فأخذ بزمام الجمل فقال يا أمتاه مريني بأمرك قالت آمرك أن تكون كخير بني آدم إن تركت قال:
فحمل فجعل لا يحمل عليه أحد إلا حمل عليه ويقول: «حم لا ينصرون» واجتمع عليه نفر فكلهم ادعى قتله المكعبر الأسدي والمكعبر الضبي ومعاوية بن شداد العبسي وعفان بن الأشقر النصري فأنفذه بعضهم بالرمح ففي ذلك يقول قاتله منهم:
وأشعث قوام بآيات ربه *** قليل الأذى فيا ترى العين مسلم
هتكت له بالرح جيب قميصه *** فخر صريعا لليدين وللفم
يذكرني حم والرح شاجر *** فهلا تلاحم قبل التقدم
ص: 315
على غير شيء غير أن ليس تابعا *** عليا ومن لا يتبع الحق يندم
347- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال قال القعقاع بن عمرو للأشتر يؤلبه يومئذ هل لك في العود؟ فلم يجبه فقال يا أشتر بعضنا أعلم بقتال بعض منك فحمل القعقاع، وإن الزمام مع زفر بن الحارث.
وكان آخر من أعقب في الزمام فلا والله ما بقي من بني عامر يومئذ شيخ إلا أصيب قدام الجمل فقتل فيمن قتل يومئذ ربيعة جد إسحاق بن مسلم وزفر يرتجز ويقول:
يا أمنا يا عيش لن تراعي *** كل بنيك بطل شجاع
ليس بوهام ولا براعي
وقام القعقاع يرتجز ويقول:
إذا وردنا آجنا جهرناه *** ولا يطاق ورد ما منعناه
تمثلها مثلا.
348 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان من آخر من قاتل ذلك اليوم زفر بن الحارث فزحف إليه القعقاع فلم يبق حول الجمل عامري مكتهل إلا أصيب يتسرعون إلى الموت وقال القعقاع يا بحير بن دلجة صح بقومك فليعقوا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين فقال يال ضبة يا عمرو بن دلجة ادع بي إليك فدعا به فقال:
أنا آمن حتى أرجع قال نعم قال فاجتث ساق البعير فرمى بنفسه على شقه وجرجر البعير وقال القعقاع لمن يليه أنتم آمنون واجتمع هو وزفر على قطع بطان البعير وحملا الهودح فوضعاه ثم أطافا به وتفار من وراء ذلك من الناس.
ص: 316
349 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال لما أمسى الناس وتقدم على وأحيط بالجمل ومن حوله وعقره بجير بن دلجة وقال إنكم آمنون كف بعض الناس عن بعض وقال على في ذلك حين أمسى وانخنس عنهم القتال:
إليك أشكو عجري وبجري *** ومعشرا غشوا علي بصري
قتلت منهم مضرا بمضري *** شفیت نفسي وقتلت معشري
350 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال قال طلحة يومئذ اللهم أعط عثمان مني حتى يرضى فجاء سهم غرب وهو واقف فخل ركبته بالسرج وثبت حتى امتلأ موزجه دما فلما ثقل قال لمولاه أردفني وابغني مكانا لا أعرف فيه فلم أر كاليوم شيخا أضيع دما مني فركب مولاه وأمسكه وجعل يقول قد لحقنا القوم حتى انتهى به إلى دار من دور البصرة خربة وأنزله في فيئها فمات في تلك الخربة ودفن في بني سعد.
351- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن البختري العبدي عن أبيه قال كانت ربيعة مع علي يوم الجمل ثلث أهل الكوفة ونصف الناس يوم الوقعة وكانت تعبيتهم مضر ومضر وربيعة وربيعة واليمن واليمن فقال بنو صوحان يا أمير المؤمنين ائذن لنا نقف عن مضر ففعل فأتى زيد فقيل له ما يوقفك حيال الجمل وبحيال مضر الموت معك وبإزائك فاعتزل إلينا فقال الموت نريد فأصيبوا يومئذ وأفلت صعصعة من بينهم.
352- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية قال كان رجل منا يدعى الحارث فقال يومئذ يال مضر علام يقتل بعضكم بعضا تبادرون لا ندري إلا أنا إلى قضاء وما تكفون في ذلك.
ص: 317
353 - عنه حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي حدثني سليمان قال حدثني عبدالله بن المبارك عن جرير قال حدثني الزبير بن الخريت قال شيخ من الحرامين يقال له أبو جبير قال مررت بكعب بن سور وهو آخذ بخطام جمل عائشة يوم الجمل فقال يا أبا جبير أنا والله كما قالت القائلة:
بني لا تين ولا تقاتل
354 - عنه فحدثني الزبير بن الخريت قال مر به علي وهو قتيل فقام ال عليه فقال والله إنك ما علمت كنت لصليبا في الحق قاضيا بالعدل وكيت وكيت فأثنى عليه.
355- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن ابن صعصعة المزني أو عن صعصعة عن عمرو بن جأوان عن جرير بن أشرس قال كان القتال يومئذ في صدر النهار مع طلحة والزبير فانهزم الناس وعائشة توقع الصلح فلم يفجأها إلا الناس فأحاطت بها مضر ووقف الناس للقتال فكان القتال نصف النهار مع عائشة وكعب بن سور أخذ مصحف عائشة فبدر و علی.
فبدر بين الصفين يناشدهم الله عز وجل في دمائهم وأعطي درعيه فرمى بها تحته وأتى بترسه فتنكبه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه ولم يمهلوهم أن شدوا عليهم والتحم القتال فكان أول مقتول بين يدي عائشة من أهل الكوفة.
356- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مخلد بن كثير عن أبيه قال أرسلنا مسلم بن عبدالله يدعو بني أبينا فرشقوه كما صنع القلب بكعب رشقا واحدا فقتلوه فكان أول من قتل بين يدي أمير المؤمنين وعائشة فقالت أم مسلم ترثيه
ص: 318
لا هم إن مسلما أتاهم *** مستسلما للموت إذ دعاهم
إلى كتاب الله لا يخشاهم *** فرملوه من دم إذ جاهم
وأمهم قائمة تراهم *** يأتمرون الغي لا تنهاهم
357- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن حكيم بن شريك عن أبيه عن جده قال لما انهزمت مجنبتا الكوفة عشية الجمل صاروا إلى القلب وكان ابن يثربي قاضي البصرة قبل كعب بن سور فشهدهم هو وأخوه يوم الجمل وهما عبدالله وعمرو فكان واقفا أمام الجمل على فرس.
فقال علي من رجل يحمل على الجمل فانتدب له هند بن عمرو المرادي فاعترضه ابن يثربي فاختلفا ضربتين فقتله ابن يثربي.
ثم حمل علباء بن الهيثم فاعترضه ابن يتربي فقتله ثم حمل صعصعة فضربه فقتل ثلاثة أجهز عليهم في المعركة علباء وهند وسيحان وارتث صعصعة وزيد فمات أحدهما وبقي الآخر.
358- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال أخذ الخطام يوم الجمل سبعون رجلا من قريش كلهم يقتل وهو آخذ بالخطام وحمل الأشتر فاعترضه عبدالله بن الزبير فاختلفا ضربتين ضربه الأشتر فأمه وواثبه عبدالله فاعتنقه فخر به وجعل يقول:
اقتلوني ومالكا وكان الناس لا يعرفونه بمالك ولو قال والأشتر وكانت له ألف نفس ما نجا منها شيء وما زال يضطرب في يدي عبدالله حتى أفلت وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد وجرح يومئذ مروان وعبد الله بن الزبير.
359 - عنه حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني عمر قال حدثني سليمان
ص: 319
حدثني عبدالله عن جرير بن حازم قال حدثني محمد بن أبي يعقوب وابن عون عن أبي رجاء قال قال يومئذ عمرو بن يثربي الضبي وهو أخو عميرة القاضي
نحن بني ضبة أصحاب الجمل *** ننزل بالموت إذا الموت نزل
وزاد ابن عون وليس في حديث ابن أبي يعقوب:
القتل أحلى عندنا من العسل *** ننعى ابن عفان بأطراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثم بجل
360 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن داود بن أبي هند عن شيخ من بني ضبة قال ارتجز يومئذ ابن يثربي:
أنا لمن انكرني ابن يثربي *** قاتل علياء وهند الجملي
وابن صوحان على دين علي
وقال من يبارز؟ فبرز له رجل فقتله ثم برز آخر فقتله وارتجز وقال:
أقتلهم وقد أرى عليا *** ولو أشأ أوجرته عمريا
فبرز له عمار بن ياسر وإنه لأضعف من بارزه وإن الناس ليسترجعون حين قام عمار وأنا أقول لعمار من ضعفه هذا والله لاحق بأصحابه وكان قضيفا حمش الساقين وعليه سيف حمائله تشف عنه قريب من إبطه فيضر به ابن يثربي بسيفه فنشب في حجفته وضربه عمار وأوهطه ورمي أصحاب علي بن يثربي بالحجارة حتى أثخنوه وارتئوه.
361 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن حماد البرجمي عن خارجة بن الصلت قال لما قال الضبي يوم الجمل:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل *** ننعى ابن عفان بأطراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثم بجل
ص: 320
قال عمير بن أبي الحارث:
کیف نرد شيخكم وقد قحل *** نحن ضربنا صدره حتى انجفل
362- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن حكيم عن أبيه عن جده قال عقر الحمل رجل من بني ضبة يقال له ابن دلجة عمرو أو بجير وقال في ذلك الحارث بن قيس وكان من أصحاب عائشة:
نحن ضربنا ساقه فانجدلا *** من ضربة بالنفر كانت فيصلا
لو لم نكون للرسول ثقلا *** وحرمة لاقتسمونا عجلا
وقد نحل ذلك المثنى بن مخرمة من أصحاب علي.
363 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن نويرة عن أبي عثمان قال قال القعقاع ما رايت شيئا أشبه بشيء من قتال القلب يوم الجمل بقتال صفين لقد رأيتنا ندافعهم بأسنتنا ونتكئ على أزجتنا وهم مثل ذلك حتى لو أن الرجال مشت عليها لاستقلت بهم.
364 - عنه حدثني عيسى بن عبدالرحمن المروزي قال حدثنا الحسن بن الحسين العرني قال حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن سليمان بن قرم عن الأعمش عن عبدالله بن سنان الكاهلي قال لما كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتى فنيت وتطاعنا بالرماح حتى تشبكت في صدورنا وصدورهم حتى لو سيرت عليها الخيل لسارت ثم قال علي السيوف يا أبناء المهاجرين قال الشيخ فما دخلت دار الوليد إلا ذكرت ذلك اليوم.
365 - عنه حدثني عبد الأعلى بن واصل قال حدثنا أبو فقيم قال حدثنا فطر قال سمعت ابا بشير قال كنت مع مولاى زمن الجمل فما مررت بدار الوليد قط فسمعت أصوات القصارين يضربون إلا ذكرت قتالهم.
ص: 321
366 - عنه حدثني عيسى بن عبدالرحمن المروزي قال حدثنا الحسن بن الحسين قال حدثنا يحيى بن يعلى عن عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان قال حاص الناس حيصة ثم رجعنا وعائشة على جمل أحمر في هودج أحمر ما شبهته إلا بالقنفذ من النبل.
367- عنه حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبدالله قال حدثني ابن عون عن أبي رجاء قال ذكروا يوم الجمل فقلت كأني أنظر إلى خدر عائشة كأنه قنفذ مما رمي فيه من النبل فقلت لأبي رجاء أقاتلت يومئذ قال والله لقد رميت بأسهم فما أدري ما صنعن.
368 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن راشد السلمي عن ميسرة أبي جميلة أن محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أت-ي-ا عائشة وقد عقر الجمل فقطعا غرضة الرحل واحتملا الهودح فنحياه حتى أمرهما علي فيه أمره بعد قال أدخلاها البصرة فأدخلاها دار عبدالله بن خلف الخزاعي
369- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا أمر علي بحمل الهودج من بين القتلى وقد كان القعقاع وزفر بن الحارث أنزلاه عن ظهر البعير فوضعاه إلى جنب البعير فأقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه نفر فأدخل يده فيه فقالت من هذا قال أخوك البر قالت عقوق قال عمار بن ياسر.
كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمه قالت من أنت قال أنا ابنك البار عمار قالت لست لك بأم قال بلى وإن كرهت قالت فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل ما نقمتم هيهات والله لن يظفر من كان هذا دأبه وأبرزوها بهودجها من
ص: 322
القتلى ووضعوها ليس قربها أحد وكأن هودجها فرخ مقصب مما فيه من النبل وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي حتى اطلع في الهودج.
فقالت إليك لعنك الله فقال والله ما أرى إلا حميراء قالت هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمي به عريانا في خربة من خربات الأزد فانتهى إليها علي فقال أي أمه يغفر الله لنا ولكم قالت غفر الله لنا ولكم.
370- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن حكيم بن شريك عن أبيه عن جده قال انتهى محمد بن أبي بكر ومعه عمار فقطع الأنساع عن الهودج واحتملاه فلما وضعاه أدخل محمد يده وقال أخوك محمد فقالت مذمم قال:
يا أخية هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذاك؟ قال: فمن إذا الضلال قالت بل الهداة وانتهى إليها علي فقال كيف أنت يا أمه قالت بخير قال يغفر الله لك قالت ولك.
371- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما كان من آخر الليل خرج محمد بعائشة حتى أدخلها البصرة فأنزلها في دار عبدالله بن خلف الخزاعي على صفية ابنة الحارث بن طلحة بن أبي طلحة بن عبدالعزى بن عبدالدار وهي أم طلحة الطلحات بن عبدالله بن خلف.
وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين في قول الواقدي.
372 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الوليد بن عبدالله عن أبيه قال لما انهزم الناس يوم الجمل عن طلحة والزبير ومضى الزبير
ص: 323
حتى مر بعسكر الأحنف فلما رآه وأخبر به قال: والله ما هذا بخيار وقال للناس من يأتينا بخبره فقال عمرو بن جرموز لأصحابه أنا فأتبعه.
فلما لحقه نظر إليه الزبير وكان شديد الغضب قال ما وراءك قال إنما أردت أن أسألك فقال غلام للزبير يدعى عطية كان معه إنه معد فقال ما يهولك من رجل وحضرت الصلاة فقال ابن جرموز الصلاة فقال الزبير الصلاة فنزلا واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه في جربان درعه فقتله وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وخلى عن الغلام.
فدفنه بوادي السباع ورجع إلى الناس بالخبر فأما الأحنف فقال والله ما أدري أحسنت أم أسأت ثم انحدر إلى علي وابن جرموز معه فدخل عليه فأخبره فدعا بالسيف فقال سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله صلّی الله علیه و آله وبعث بذلك إلى عائشة ثم أقبل على الأحنف فقال:
تربصت فقال ما كنت أراني إلا قد أحسنت وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين فارفق فإن طريقك الذي سلكت بعيد وأنت إلي غدا أحوج منك أمس فاعرف إحساني واستصف مودتي لغد ولا تقولن مثل هذا فإني لم أزل لك ناصحا
373- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ومضى الزبير في صدر يوم الهزيمة راجلا نحو المدينة فقتله ابن جرموز قالا وخرج عتبة بن أبي سفيان وعبدالرحمن ويحيى ابنا الحكم يوم الهزيمة قد شججوا في البلاد فلقوا عصمة بن أبير التيمي فقال هل لكم في الجوار قالوا من أنت قال عصمة بن أبير.
:قالوا: نعم، قال: فأنتم في جواري إلى الحول فضى بهم ثم حماهم وأقام عليهم حتى برأوا ثم قال اختاروا أحب بلد إليكم أبلغكموه قالوا الشام
ص: 324
فخرج بهم في أربعمائة راكب من تيم الرباب حتى إذا وغلوا في بلاد كلب بدومة قالوا قد وفيت ذمتك وذممهم وقضيت الذي عليك فارجع فرجع وفي ذلك يقول الشاعر:
وفى ابن أبير والرماح شوارع *** بآل أبي العاصي وفاء مذكرا
وأما ابن عامر فإنه خرج أيضا مشججا فتلقاه رجل من بني حرقوص يدعى مريا فدعاه للجوار فقال نعم فأجاره وأقام عليه وقال أي البلدان أحب إليك قال دمشق فخرج به في ركب من بني حرقوص حتى بلغوا به دمشق وقال حارثة بن بدر وكان مع عائشة وأصيب في الوقعة ابنه أو أخوه زراع
أتاني من الأنباء أن ابن عامر *** أناخ وألقى في دمشق المراسيا
وأوى مروان بن الحكم إلى أهل بيت من عنزة يوم الهزيمة فقال لهم أعلموا مالك بن مسمع بمكاني فأتوا مالكا فأخبروه بمكانه فقال لأخيه مقاتل كيف نصنع بهذا الرجل الذي قد بعث إلينا يعلمنا بمكانه قال ابعث ابن أخي فأجره والتمسوا له الأمان من علي.
فإن آمنه فذاك الذي نحب وإن لم يؤمنه خرجنا ب-ه وب-أسيافنا فإن عرض له جالدنا دونه بأسيافنا فإما إن نسلم وإما أن نهلك ك-رام-ا وق-د استشار غيره من أهله من قبل في الذي استشار فيه مقاتلا فنهاه فأخذ برأي أخيه وترك رأيهم فأرسل إليه فأنزله داره وعزم على منعه إن اضطر إلى ذلك وقال:
الموت دون الجوار وفاء وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد وانتفعوا به عندهم وشرفوهم بذلك وأوى عبدالله بن الزبير إلى دار رجل من الأزد يدعى وزيرا وقال انت أم المؤمنين فأعلمها بمكاني وإياك أن يطلع على هذا
ص: 325
محمد بن أبي بكر.
فأتى عائشة فأخبرها فقالت علي بمحمد فقال يا أم المؤمنين إنه قد نهاني أن يعلم به محمد فأرسلت إليه فقالت اذهب مع هذا الرجل حتى تجيئني بابن أختك فانطلق معه فدخل بالأزدي على ابن الزبير قال جئتك والله بما كرهت وأبت أم المؤمنين إلا ذلك فخرج عبدالله ومحمد وهما يتشاتمان.
فذكر محمد عثمان فشتمه وشتم عبدالله محمدا حتى انتهى إلى عائشة في دار عبدالله بن خلف وكان عبدالله بن خلف قبل يوم الجمل مع عائشة وقتل عثمان أخوه مع علي وأرسلت عائشة في طلب من كان جريحا فضمت منهم ناسا وضمت مروان فيمن ضمت فكانوا في بيوت الدار.
374- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وغشي الوجوه عائشة وعلي في عسكره ودخل القعقاع بن عمرو على عائشة في أول من دخل فسلم عليها فقالت إني رأيت رجلين بالأمس اجتلدا بين يدي وارتجزا بكذا فهل تعرف كوفيك منها.
قال نعم ذاك الذي قال أعق أم نعلم وكذب والله إنك لأبر أم نعلم ولكن لم تطاعي فقالت والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وخرج فأتى عليا فأخبره أن عائشة سألته فقال ويحك من الرجلان قال ذلك أبو هالة الذي يقول:
كيما أرى صاحبه عليا
فقال والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة فكان قولهما واحدا.
375- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
ص: 326
قالا وتسلل الجرحى فى جوف الليل ودخل البصرة من كان يطيق الانبعاث منهم وسألت عائشة يومئذ عن عدة من الناس منهم من كان معها ومنهم من كان عليها وقد غشيها الناس وهي في دار عبدالله بن خلف فكلما نعي لها منهم واحد.
قالت: يرحمه الله فقال لها رجل من أصحابها كيف ذلك قالت كذلك قال رسول الله صلّی الله علیه و آله فلان في الجنة وفلان في الجنة وقال علي بن أبي طالب يومئذ إني لأرجوا ألا يكون أحد من هؤلاء نقی قلبه إلا أدخله الله الجنة.
376 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن أبي أيوب عن علي قال ما نزل على النبي صلّی الله علیه و آله آية أفرح له من قول الله عز وجل: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير» فقال صلّی الله علیه و آله : ما أصاب المسلم في الدنيا من مصيبة في نفسه فبذنب وما يعفو الله عز وجل عنه أكثر وما أصابه في الدنيا فهو كفارة له وعفو منه لا یعتد عليه فيه عقوية يوم القيامة وما عفا الله عز وجل عنه في الدنيا فقد عفا عنه والله أعظم من أن يعود في عفوه.
377- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وأقام علي بن أبي طالب في عسكره ثلاثة ايام لا يدخل البصرة وندب الناس إلى موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم فطاف علي معهم في القتلى فلما أتي بكعب بن سور قال زعمتم أنما خرج معهم السفهاء وهذا الحبر قد ترون وأتى على عبدالرحمن بن عتاب فقال:
هذا يعسوب القوم يقول الذي كانوا يطيفون به يعني أنهم قد كانوا اجتمعوا عليه ورضوا به لصلاتهم وجعل علي كلما مر برجل فيه خير قال
ص: 327
زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء هذا العابد المجتهد وصلى على قتلاهم من أهل البصرة وعلى قتلاهم من أهل الكوفة وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء.
فكانوا مدنيين ومكيين ودفن علي الأطراف في قبر عظيم وجمع ما كان في العسكر من شيء ثم بعث به إلى مسجد البصرة أن من عرف شيءا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان فإنه لما بقي لم يعرف خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال الله عز وجل لا يحل لمسلم من مال المسلم المتوفى شيء وإنما كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفيل من السلطان.
378 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة من الأزد ألفان ومن سائر اليمن خمسمائة ومن مضر ألفان وخمسمائة من قيس وخمسمائة من تميم وألف من بني ضبة
وخمسمائة من بكر بن وائل وقيل:
قتل من أهل البصرة في المعركة الأولى خمسة آلاف وقتل من أهل البصرة في المعركة الثانية خمسة آلاف فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل البصرة ومن أهل الكوفة خمسة آلاف قالا وقتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخا كلهم قد قرأ القرآن سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن.
وقالت عائشة ما زلت أرجو النصر حتى خفيت أصوات بني عدي.
379- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ودخل علي البصرة يوم الاثنين فانتهى إلى المسجد فصلى فيه ثم دخل البصرة فأتاه الناس ثم راح إلى عائشة على بغلته فلما انتهى إلى دار عبدالله
ص: 328
بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة وجد النساء يبكين على عبدالله وعثمان ابني خلف مع عائشة وصفية ابنة الحارث مختمرة تبكي فلما رأته قالت:
يا علي يا قاتل الأحبة يا مفرق الجمع أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه فلم يرد عليها شيئا ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها وقال لها جبهتنا صفية أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم فلما خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام فكف بغلته وقال:
أما لهممت وأشار إلى الأبواب من الدار أن أفتح هذا الباب وأقتل من فيه ثم هذا فأقتل من فيه ثم هذا فأقتل من فيه وكان أناس من الجرحى قد لجؤوا إلى عائشة فأخبر على بمكانهم عندها فتغافل عنهم فسكتت.
فخرج علي فقال رجل من الأزد والله لا تفلتنا هذه المرأة فغضب وقال صه لا تهتكن سترا ولا تدخلن دارا ولا تهيجن امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسفهن أمراءكم وصلحاءكم فإنهم ضعاف ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن المشركات وإن الرجل ليكافى المرأة ويتناولها بالضرب فيعير بها عقبه من بعده.
فلا يبلغني عن أحد عرض لامرأة فأنكل به شرار الناس ومضى علي فلحق به رجل فقال يا أمير المؤمنين قام رجلان ممن لقيت على الباب فتناولا من هو أمض لك شتيمة من صفية قال ويحك لعلها عائشة قال نعم قام رجلان منهم على باب الدار فقال أحدهما:
جزيت عنا أما عقوقا
وقال الآخر:
يا أمنا توبي فقد خطيت
ص: 329
فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على رجلين فقال أضرب أعناقهما ثم قال لأنهكنهما عقوبة فضربهما مائة مائة وأخرجهما من ثيابهما.
380- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الحارث بن حصيرة عن أبي الكنود قال هما رجلان من أزد الكوفة يقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله.
381 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا بايع الأحنف من العشي لأنه كان خارجا هو وبنو سعد ثم دخلوا جميعا البصرة فبايع أهل البصرة على راياتهم وبايع علي أهل البصرة حتى الجرحى والمستأمنة فلما رجع مروان لحق بمعاوية وقال قائلون لم يبرح المدينة حتى فرغ من صفين.
قالا: ولما فرغ علي من بيعة أهل البصرة نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة فقسمها على من شهد معه الوقعة فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة وقال لكم أن أظفركم الله عز وجل بالشام مثلها إلى أعطياتكم وخاض في ذلك السبئية وطعنوا على علي من وراء وراء.
382 - عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن راشد عن أبيه قال كان من سيرة علي ألا يقتل مدبرا ولا يذفف على جريح ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا فقال قوم يومئذ ما يحل لنا دماءهم ويحرم علينا أموالهم؟
فقال علي القوم أمثالكم من صفح عنا فهو منا ونحن منه ومن لج حتى يصاب فقتاله مني على الصدر والنحر وإن لكم في خمسه لغنى فيومئذ تكلمت الخوارج بجمل اشتراه لها وخروجها من البصرة إلى مكة.
ص: 330
383- عنه حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بن كليب عن أبيه قال لما فرغوا يوم الجمل أمرني الأشتر فانطلقت فاشتريت له جملا بسبعمائة درهم من رجل من مهرة فقال انطلق به إلى عائشة فقل لها بعث به إليك الأشتر مالك بن الحارث وقال هذا عوض من بعيرك.
فانطلقت به إليها فقلت مالك يقرئك السلام ويقول إن هذا البعير مكان بعيرك قالت لا سلم الله عليه إذ قتل يعسوب العرب تعني ابن طلحة وصنع بابن أختي ما صنع قال فردنه الأشتر وأعلمته قال فأخرج ذراعين شعراوين وقال أرادوا قتلي فما أصنع.
384 - عنه كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا قصدت عائشة مكة فكان وجهها من البصرة وانصرف مروان والأسود بن أبي البختري إلى المدينة من الطريق وأقامت عائشة بمكة إلى الحج ثم رجعت إلى المدينة.
385- عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وكتب علي بالفتح إلى عامله بالكوفة حين كتب في أمرها وهو يومئذ بمكة من عبد الله علي أمير المؤمنين أما بعد فإنا التقينا في النصف من جمادى الآخرة بالخريبة فناء من أفنية البصرة فأعطاهم الله عز وجل سنة السملمين وقتل منا ومنهم قتلى كثيرة وأصيب ممن أصيب منا ثمامة بن المثنى وهند بن عمرو وعلباء بن الهيثم وسيحان وزيد ابنا صوحان ومحدوج.
و كتب عبيد الله بن رافع و كان الرسول زفر بن قيس إلى الكوفة بالبشارة في جمادى الآخرة.
386- قال المسعودى و كان مسير علي الى البصرة في سنة ست و
ص: 331
ثلاثين، وفيها كانت وقعة الجمل، و ذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى منها وقتل فيها من أصحاب الجمل من أهل البصرة و غيرهم ثلاثة عشر الفاً، وقتل من أصحاب علي خمسة آلاف و قد تنازع الناس في مقدار من قتل من الفريقين فمن مقلل و مكثر، فالمقلل يقول: قتل منهم سبعة آلاف و المكثر يقول عشرة آلاف.
على حسب ميل الناس و أهوائهم الى كل فريق منهم، وكانت وقعة واحدة فى يوم واحد.
و قيل: إنه كان بين خلافة علي الى وقعة الجمل خمسة أشهر و أحد و عشرون يوماً، و بين وقعة الجمل و أول الهجرة خمس وثلاثون سنة و خمسة أشهر وعشرة أيام، و بين ذلك وبين دخول علي الى الكوفة شهر، و بين ذلك و بين أول الهجرة خمس وثلاثون سنة و ستة أشهر وعشرة أيام.
387- روى أبو نعيم حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر قال: كتب إلى محمد بن عبدان بن أحمد ثنا الاحوص بن المفضل بن غسان بن خاليد بن معاوية بن عمرو بن خالد بن غلاب، حدثني محمد بن غسان حدثني خالد ابن عمرو عن أبيه عمرو بن معاوية، عن أبيه معاوية بن عمرو بن خالد قال:
لما حصر الناس عثمان بن عفان خرج أبي يزيد نصره و كان يتولى اصفهان و خرج من اصبهان فاتصل به قتله فانصر الى منزله بالطائف و قدمت ثقل ابى فصادفت وقعة الجمل فسعمت قوما من أهل الكوفة يقولون أن أمير المؤمنين يقسم فينا نسائهم، فاتيت الأحنف بن قيس فقلت یا اعرابی سمعت كذا وكذا، فقال امض بنا إلى أمير المؤمنين فدخلنا على علي بن أبي طالب علیه السّلام.
ص: 332
فقال: ان ابن أخى اخبرنى بكذا وكذا، فقال معاذ الله يا احنف، ثم قال: من هذا قال عمرو بن خالد قال ابن غلاب، قالا نعم، قال: أشهد لرأيت أباه بين يدى رسول الله صلّی الله علیه و آله و ذكر الفتن، فقال: يا رسول الله ادع الله ان يكفيتي الفتن، فقال: اللهم اكفه الفتن ما ظهر منها وما بطن.
388 – البلاذرى: حدثني أحمد بن إبراهيم و خلف بن سالم، قالا حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن يونس، عن يزيد الايلى عن الزهري قال: صار طلحة والزبير إلى مكة و ابن عامر بها بحرّ الدنيا قد قدم من البصرة، و بها يعلى بن منية - و هي أمّه وأبوه أميّة تميمي - و معه مال كثير قدم به من اليمن، و زيادة على أربعمائة بعير، فاجتمعوا عند عائشة فأداروا الرأى.
فقالوا: نسير إلى المدينة فنقاتل عليا. فقال بعضهم: ليست لكم بأهل المدينة طاقة. قالوا: فنسير إلى الشام فيه الرجال و الأموال و أهل الشام شيعة لعثمان، فنطلب بدمه و نجد على ذلك أعوانا و أنصارا و مشايعين. فقال قائل منهم: هناك معاوية و هو والي الشام و المطاع به، و لن تنالوا ما تريدون، و هو أولى منكم بما تحاولون لأنه ابن عم الرجل.
فقال بعضهم: نسير إلى العراق، فلطلحة بالكوفة شيعة، و للزبير بالبصرة من يهواه و يميل إليه، فاجتمعوا على المسير إلى البصرة، و أشار عبد الله بن عامر عليهم بذلك وأعطاهم مالا كثيرا قوّاهم به، و أعطاهم يعلى بن منية التميمي مالا كثيرا و إبلا، فخرجوا في تسعمائة. رجل من أهل المدينة و مكة و لحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل.
فبلغ عليا مسيرهم، ويقال: إن أم الفضل بنت الحرث بن حزن كتبت به إلى عليّ، فأمر عليّ سهل بن حنيف الأنصاري على المدينة و شخص حتى نزل ذاقار.
ص: 333
389 - عنه حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف: ان طلحة و الزبير استأذنا عليا في العمرة، فقال: لعلكما تريدان الشام أو العراق؟ فقالا: اللهم غفرا إنما نوينا العمرة. فأذن لهما فخرجا مسرعين و جعلا يقولان: لا و الله ما لعليّ في أعناقنا بيعة، و ما بايعناه إلا مكرهين تحت السيف. فبلغ ذلك عليّا فقال : أخذهما الله أبعدهما لله إلى أقصى دار و أحرّ نار.
و ولّى علي عثمان بن حنيف الأنصاري البصرة، فوجد بها خليفة عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن عبد شمس و هو ابن عامر الحضرمي حليف بني عبد شمس فحبسه و ضبط البصرة.
390 - عنه حدثني خلف بن سالم، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا ابن جعدبه، عن صالح بن كيسان قال: قدم طلحة والزبير على عائشة فأجمعوا على الخروج إلى البصرة للطلب بدم عثمان، و كان يعلى بن منية قد قدم من اليمن فحملهم على أربعمائة بعير، فيها عسكر جمل عائشة الذي ركبته.
391 - عنه حدثني روح بن عبد المؤمن، عن وهب بن جرير، عن أبن جعدبة، عن صالح بن كيسان و حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف في اسناده - فسقت حديثهما و رددت من بعضه على بعض -: قالوا: قدم طلحة والزبير على عائشة فدعواها إلى الخروج فقالت:
أتأمراني أن أقاتل؟ فقالا: لا و لكن تعلمين الناس أن عثمان قتل مظلوما، و تدعيهم إلى أن يجعلوا الأمر شورى بين المسلمين فيكونوا على الحالة التي تركهم عليها عمر بن الخطاب و تصلحين بينهم.
و كان بمكة سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، و مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، و عبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد ابن أبي العاص ابن أمية، و المغيرة بن شعبة الثقفي قد شخصوا من المدينة فأجمعوا
ص: 334
على فراق علي و الطلب بدم عثمان و المغيرة يحرض الناس و يدعوهم إلى الطلب بدمه ثم صار إلي الطائف معتزلا للفريقين جميعا.
فجعلت عائشة تقول: إن عثمان قتل مظلوما و أنا أدعوكم إلى الطلب بدمه و إعادة الأمر شورى. و كانت أم سلمة بنت أبي أمية بمكة، فكانت تقول: أيها الناس آمركم بتقوى الله ، و إن كنتم تابعتم عليا فارضوا به فو الله ما أعرف في زمانكم خيرا منه.
و سار طلحة والزبير و عائشة فيمن اجتمع إليهم من الناس فخرجوا في ثلاثة الاف منهم من أهل المدينة و مكة تسعمائة.
و سمعت عائشة في طريقها نباح كلاب فقالت: ما يقال لهذا الماء الذي نحن به؟ قالوا: الحوأب. فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون ردّوني ردّوني فإني سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: و عنده نساؤه: «أيتّكن ينبحها كلاب الحوأب» و عزمت على الرجوع فأتاها عبد الله بن الزبير فقال: كذب من زعم أن هذا الماء الحوأب، و جاء بخمسين من بني عامر فشهدوا و حلفوا على صدق عبد الله.
و كان مروان بن الحكم مؤذِّنهم فقال: من أدعو للصلاة؟ فقال عبد الله ابن الزبير: ادع أبا عبد الله. و قال محمد بن طلحة: ادع أبا محمد. فقالت عائشة: ما لنا ولك يا مروان أتريد أن تغري بين القوم و تحمل بعضهم على بعض ؟ ليصلّ أكبرهما فصلّى الزبير.
و لمّا قربت عائشة و من معها من البصرة بعث إليهم عثمان بن حنيف عمران بن الحصين الخزاعي أبا نجيد، و أبا الأسود الدئلي فلقياهم بحفر أبي موسى فقالا لهم: فيها قدمتم ؟ فقالوا: نطلب بدم عثمان و أن نجعل الأمر شورى فإنا غضبنا لكم من سوطه و عصاه أفلا نغضب له من السيف؟.
ص: 335
و قالا لعائشة: أمرك الله أن تقرّي في بيتك فإنك حبيس رسول الله صلّى الله عليه و آله و حليلته و حرمته. فقالت لأبي الأسود: قد بلغني عنك يا أبا الأسود ما تقول في.
فانصرف عمران و أبو الأسود *** إلى ابن حنيف و جعل أبو الأسود
يقول:
يا بن حنيف قد أتيت فانفر *** و طاعن القوم و ضارب و اصبر
و ابرز لهم مستلئها و شمّر
فقال عثمان بن حنيف: إي و رب الحرمين لأفعلن.
و نادى عثمان بن حنيف في الناس فتسلّحوا، و أقبل طلحة والزبير و عائشة حتى دخلوا المربد مما يلي بني سليم، و جاء أهل البصرة مع عثمان ركبانا و مشاة، و خطب طلحة فقال: إن عثمان بن عفان كان من أهل السابقة و الفضيلة من المهاجرين الأولين، و أحدث أحداثا نقمناها عليه فبایناه و نافرناه،
ثم اعتب حين استعتبناه، فعدا عليه امرؤ ابتزّ هذه الأمة أمرها بغير رضا و لا مشورة فقتله، و ساعده على ذلك رجال غير أبرار و لا أتقياء، فقتلوه بريئا تائبا مسلما فنحن ندعوكم إلى الطلب بدمه فإنّه الخليفة المظلوم.
و تكلم الزبير بنحو من هذا الكلام، فاختلف الناس فقال قائلون: نطقا بالحقّ، وقال آخرون: كذبا و هما كانا أشدّ الناس على عثمان و ارتفعت الأصوات.
و أتي بعائشة على جملها في هودجها فقالت: صه صه فخطبت بلسان ذلق و صوت جهوريّ فأسكت لها الناس فقالت: إن عثمان خليفتكم قتل
ص: 336
مظلوما بعد أن تاب إلى ربّه و خرج من ذنبه، و الله ما بلغ من فعله ما يستحلّ به بدمه، فينبغي في الحق أن يؤخذ قتلته فيقتلوا به و يجعل الأمر شورى.
فقال قائلون: صدقت. و قال آخرون: کذبت حتى تضاربوا بالنعال و تمايزوا فصاروا فرقتين: فرقة مع عائشة و أصحابها، وفرقة مع ابن حنيف، و كان على خيل ابن حنيف حكيم بن جبلة فجعل يحمل ويقول:
خيلي إلي أنها قريش *** ليردينها نعيمها و الطيش
و تأهبوا للقتال فانتهوا إلى الزابوقة، و أصبحوا عثمان بن حنيف فزحف إليهم فقاتلهم أشدّ قتال، فكثرت منهم القتلى و فشت فيهم الجراح. ثم إن الناس تداعوا إلى الصلح فكتبوا بينهم كتابا بالموادعة إلى قدوم علي على أن لا يعرض بعضهم لبعض في سوق ولا مشرعة، و ان لعثمان بن حنيف دار الامارة و بيت المال و المسجد ، و أن طلحة والزبير ينزلان و من معهما حيث شاءوا، ثم انصرف الناس و ألقوا السلاح.
و تناظر طلحة والزبير فقال طلحة: و الله لئن قدم على البصرة ليأخذن بأعناقنا. فعزما على تبييت ابن حنيف وهو لا يشعر، و واطأ أصحابهما على ذلك، حتى إذا كانت ليلة ريح و ظلمة جاؤا إلى ابن حنيف و هو يصلي بالناس العشاء الآخرة فأخذوه و أمروا به فوطئ وطئا شديدا، و نتفوا لحيته و شاربيه فقال لهما: إن أخى سهلا حيّ بالمدينة و الله لئن شاكني شوكة ليضعنّ السيف في بني أبيكما. يخاطب بذلك طلحة و الزبير فكفّا عنه و حبساه.
و بعثا عبد الله بن الزبير في جماعة إلى بيت المال و عليه قوم من السبايحة يكونون أربعين و يقال أربعمائة فامتنعوا من تسليمه دون قدوم
ص: 337
علي فقتلوهم و رئيسهم أبا سلمة الزطي و كان عبدا صالحا.
و أصبح الناس و عثمان بن حنيف محبوس، فتدافع طلحة و الزبير الصلاة و كانا بويعا أميرين غير خليفتين، و كان الزبير مقدما، ثم اتفقا على أن يصلّي هذا يوما و هذا يوما.
و ركب حكيم بن جبلة العبدي حتى انتهي إلى الزابوقة، و هو في ثلاثمأة، منهم من قومه سبعون، وقال إخوة له و هم الأشرف و الحكيم و الزعل، فسار إليهم طلحة والزبير فقالا: يا حكيم ما تريد؟ قال: أريد أن تحلّوا عثمان بن حنيف و تقرّوه في دار الإمارة و تسلموا إليه بيت المال، و أن ترجعا إلى قدوم علي. فأبوا ذلك و اقتتلوا فجعل حكيم يقول:
أضربهم باليابس *** ضرب غلام عابس
من الحياة آيس
فضربت رجله فقطعت فحبا و أخذها فرمی بها ضاربه فصرعه و جعل يقول:
يا نفس لا تراعي *** إن قطعوا كراعي
إن معي ذراعي.
و جعل يقول أيضا:
ليس عليّ في الممات عار *** و العار في الحرب هو الفرار
و المجد أن لا يفضح الذمار
فقتل حكيم في سبعين من قومه و قتل إخوته الثلاثة.
392 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن الزبير بن الخرّيت:
عن أبي لبيد قال: قال حكيم لامرأة من الأزد: لأعملنّ بقومك اليوم
ص: 338
عملا يكونون به حديثا. فقالت: أظن قومي سيجعلونك حديثا.
فضربه رجل من الحدار يقال له: سحيم ضربة فبقي رأسه متعلقا و صار وجهه مقبلا على دبره
393- عنه حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثنا أبو عامر العقدي، عن الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير، قال: قالت: عائشة: لا تبايعوا الزبير على الخلافة و لكن على الإمرة في القتال، فإن ظفرتم رأيتم رأيكم.
394 - عنه قال أبو مخنف: خطب طلحة بن عبيد الله الناس بالزّابوقة فقال: يا أهل البصرة توبة بحوبة، إنما أردنا أن نستعتب عثمان و لم نرد قتله فغلب السفهاء الحكماء حتى قتلوه. فقال ناس لطلحة: يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا من ذمّه و التحريض على قتله؟.
395- عنه حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن النعمان بن راشد: عن الزهري قال: لما قدم طلحة والزّبير البصرة، أتاهما عبد الله بن حكيم التميمي بكتب كتبها طلحة إليهم يؤلّبهم فيها على عثمان، فقال له: يا طلحة أتعرف هذه الكتب؟ قال: نعم. قال: فما حملك على التأليب عليه أمس و الطلب بدمه اليوم؟ فقال: لم أجد في أمر عثمان شيئا إلا التوبة و الطلب بدمه.
قال الزهري: و بلغ عليا خبر حكيم بن جبلة، و عثمان بن حنيف، فأقبل في اثنا عشر ألفا حتى قدم البصرة وجعل يقول:
و الهفتياه على ربيعة *** ربيعة السامعة المطيعة
نبّئتها كانت بها الوقيعة
396- عنه حدثني أبو خيثمة، وخلف بن سالم المخزومي، و أحمد بن إبراهيم، قالوا: حدثنا وهب بن جرير، عن ابن جعدبة عن صالح بن
ص: 339
کیسان، قال بلغ سهل بن حنيف - و هو وال على المدينة من قبل علي - ما كان من طلحة والزبير إلى أخيه عثمان و حبسهما إيّاه فكتب إليهما: «أعطي الله عهدا لئن ضررتموه بشيء و لم تخلّوا سبيله لأبلغن من أقرب الناس منكما مثل الذي صنعتم و تصنعون به». فخلوا سبيله حتى أتى عليا.
قال صالح: و وجّه عليّ من ذي قار إلى أهل الكوفة - لينهضوا إليه - عبد الله بن عباس و عمار بن ياسر، و كان عليها من قبل عليّ أبو موسى، و قد كان عليها قبل ذلك من قبل عثمان، فتكلّم الأشتر فيه عليا فأقرّه، فلما دعا ابن عباس و عمار النّاس إلى عليّ و استنفراهم لنصرته قام أبو موسي خطيبا فقال:
أيها الناس إنكم قد سلمتم من الفتنة إلى يومكم هذا فتخلّفوا عنها و أقيموا إلى أن يكون الناس جماعة فتدخلوا فيها. و جعل يثبّط الناس، فرجع عبد الله بن عباس و عمار إلى علي فأخبراه بذلك، فكتب إليه: «يا ابن الحائك» و بعث الحسن بن على ليندب الناس إليه، و أمر بعزل أبي موسى فعزله، و ولّى الكوفة قرظة بن كعب الأنصاري فانتدب معه عشرة آلاف أو نحوهم فخرج بهم إلي أبيه.
ثم سار علي علیه السّلام حتى نزل البصرة فقال ما تقول الناس؟ قالوا: يقولون: يا لثارات عثمان. فرفع يده ثم قال: اللهم عليك بقتلة عثمان.
397- عنه حدثني عمرو بن محمد، حدثنا عبد الله بن إدريس بن حصين، عن عمر بن جاوان
عن الأحنف ان طلحة والزبير دعواه إلى الطلب بدم عثمان، فقال: لا أقاتل ابن عم رسول الله و من أمر تماني ببيعته، و لا أقاتل أيضا طائفة فيها أم المؤمنين و حواري رسول الله ، و لكن اختاروا مني إحدى
ص: 340
ثلاث:
إما أن تفتحوا لي الجسر فألحق بأرض الأعاجم، أو بمكة، أو أعبر فأكون قريبا. فأتمروا فرأوا أن يكون بالقرب و قالوا: نطأ صماخه. فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين، و اعتزل معه ستة آلاف.
ثم التقى القوم فكان أول من قتل طلحة و كعب بن سور، ولحق الزبير بسفوان فلقيه النعر المجاشعي فقال له: إليّ فأنت في ذمّتي لا يوصل إليك. قال: فأقبل معه، فأتي الأحنف فقيل له: ذاك الزبير بسفوان فما تأمر؟ قال: جمع بين غارّين من المسلمين حتى ضرب بعضهم وجوه بعض بالسيوف ثم يلحق ببيته بالمدينة. فسمعه ابن جرموز، و فضالة و نفيع - أو نفيل - فركبوا في طلبه فقتلوه.
398- عنه قال أبو مخنف في اسناه لما بلغ عليا - و هو بالمدينة - شخوص طلحة والزبير و عائشة إلى البصرة، استنفر الناس بالمدينة، و دعاهم إلى نصره فخفّت معه الأنصار و جعل حجّاج بن غزية يقول:
سيروا أبابيل و حثّوا السيرا *** كي تلحقوا التيمي و الزبيرا
فخرج علي من المدينة في سبعمائة من الأنصار و ورد الربذة، فقدم عليه المثنى بن محربة العبدي فأخبره بأمر طلحة والزبير، و بقتل حكيم بن جبلة العبدي فيمن قتل من عبد القيس و غيرهم من ربيعة، فقال علي علیه السّلام :
يا لهف أمّاه على الربيعة *** ربيعة السامعة المطيعة
قد سبقتني بهم الوقيعة *** دعا حكيم دعوة سميعة
نال بها المنزلة الرفيعة
و قال أبو اليقظان: هو المثنى بن بشير بن محربة و اسم محربة مدرك ابن حوط و إنما حربته السلاح لكثرة لبسه إياه وقد وفد إلى النبي صلّی الله علیه و آله.
ص: 341
399- عنه قال أبو مخنف: و بعث عليّ من الربذة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري إلى أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - و كان عامله على الكوفة، بكتاب منه يأمره فيه بدعاء الناس و استنفار هم إليه، فجعل أبو موسى يخذلهم و يأمرهم بالمقام عنه، و يحذّرهم الفتنة،
و لم ينهض معه أحدا و توعّد هاشما بالجيش فلما قدم هاشم على عليّ دعا عبد الله بن عباس و محمد بن أبي بكر، فبعثهما إليه و أمرهما بعزله، و كتب إليه معهما كتابا ينسبه و أباه إلى الحياكة، فعزلاه وصيّرا مكانه قرظة ابن كعب الأنصاري.
و ارتحل علي بن أبي طالب من الربذة حتى نزل بفيد، فأتته جماعة طيّئ، و وجّه ابنه الحسن بن عليّ و عمار بن ياسر إلى الكوفة لاستنفار أهلها، فلما قدما انصرف ابن عباس و محمد بن أبي بكر و يقال: بل أقاما حتى كان انصرافهم جميعا.
و قال قوم: كان قيس بن سعد بن عبادة مع الحسن و عمار. و الثبت أن عليا ولّى قيسا مصر - و هو بالمدينة - حين ولى عبيد الله ابن العباس بن عبد المطلب اليمن، ثم إنه عزله عن مصر، و قدم المدينة و شخص هو و سهل بن حنيف إلى الكوفة، فشهدوا صفين و النهر و ان معه، و انه لم يوجّه مع الحسن إلا عمار بن ياسر.
400 - عنه قال أبو مخنف: و غيره: لما دعا الحسن وعمار أهل الكوفة إلى انجاد علي و النهوض إليه، سارعوا إلى ذلك، فنفر مع الحسن عشرة آلاف على راياتهم، ويقال: اثنى عشر ألفا، - و كانوا يدعون في خلافة عثمان و عليّ أسباعا، حتى كان زياد بن أبي سفيان فصيّرهم أرباعا - فكانت همدان و حمير سبعا عليهم سعيد بن قيس الهمداني - ويقال: بل أقام سعيد
ص: 342
بالكوفة و كان على السبع غيره. و إقامته بالكوفة أثبت-.
و كانت مذحج و الأشعريون سبعا عليهم زياد بن النضر الحارثي، إلا أن عديّ بن حاتم، كان على طيّئ مفردا، دون صاحب سبع مذحج و الأشعرين. وكانت قيس عيلان و عبد القيس سبعا عليهم سعد بن مسعود، عم المختار بن أبي عبيد الثقفي. وكانت كندة وحضرموت و قضاعة و مهرة، سبعا عليهم حجر بن عدي الكندي.
و كانت الأزد و بجيلة و خثعم و الأنصار سبعا عليهم مخنف بن سليم الأزدي.
و كانت بكر بن وائل و تغلب و سائر ربيعة - غير عبد القيس - سبعا عليهم وعلة بن محدوح الذهلي. وكانت قريش و كنانة و أسد، و تميم و ضبّة و الرباب و مزينة سبعا عليهم معقل بن قيس الرياحي. فشهد هؤلاء الجمل وصفين و النهر و هم هكذا.
401 - عنه حدثني عبد الله بن صالح، عن شريك، عن رجل عن أبي قبيصة: عمرو بن طارق بن شهاب قال: قال الحسن بن علي لعليّ بالربذة و قد ركب راحلته و عليها رحل له رثّ إني لأخشى أن تقتل بمضيعة. فقال: إليك عنّى فو الله ما وجدت إلا قتال القوم أو الكفر بما جاء به محمد - أو قال بما أنزل على محمد – صلّی الله علیه و آله.
402 - عنه حدثني أبو قلابة الرقاشي، عن يزيد بن محمد العمي، عن يحي بن عبد الحميد، عن شريك، عن أمي الصيرفي عن أبي قبيصة عمر بن قبيصة، عن طارق بن شهاب بمثله، إلا أنه قال: أو الكفر بما أنزل على محمد.
403 - عنه قال أبو مخنف و غيره: سار الحسن بالناس من الكوفة إلى أبيه و على الكوفة قرظة بن كعب، فوافاه بذيقار، فخرج عليّ بالناس من
ص: 343
ذيقار، حتى نزل بالبصرة، فدعاهم إلى الجماعة ونهاهم عن الفرقة و خرج إليه شيعته من أهل البصرة من ربيعة، و هم ثلاثة آلاف، على بكر بن وائل شقيق بن ثور السدوسي، و على عبد القيس عمرو بن مرحوم العبدي.
و انخزل مالك بن مسمع أحد بني قيس بن ثعلبة بن عكاية عن علي. و بايعت أفناد قيس من سليم، و باهلة و غني أصحاب الجمل، و بايعهم أيضا حنظلة و بنو عمرو ابن تميم، وضبّة و الرباب و عليهم هلال بن وكيع بن بشر بن عمر بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، و قتل يوم الجمل.
و بايعهم الأزد و رئيسها صبرة بن سليمان الحدّاني فقال له كعب بن سور بن بكر أطعني و اعتزل بقومك وراء هذه النطفة، و دع هذين الغارين من مضر، و ربيعة يقتتلان. فأبى وقال: أتأمرني أن أعتزل أم المؤمنين و أدع الطلب بدم عثمان، لا أفعل.
و بعث الأحنف بن قيس إلى علي: إن شئت أتيتك فكنت معك، و إن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة آلاف سيف.- أو قال أربعة آلاف سيف. - فاختار اعتزاله فاعتزل بناحية وادي السباع.
404 - عنه قال و كان علي يقول : منيت بفارس العرب - يعني الزبير - و بأيسر العرب - يعني يعلى بن منية التميمي - و بفيّاض العرب - يعني طلحة - و بأطوع الناس في الناس - يعني عائشة -.
405 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، حدثني الجلد بن أيّوب عن جدّه قال: أتاني كعب بن سور فركبت معه فجعل يطوف في الأزد و يقول: ويحكم أطيعوني و اقطعوا هذه النطفة فكونوا من ورائها وخلوا بين الغارين.
فجعلوا يسبّونه و يقولون: نصراني صاحب عصا- و ذلك لأنه كان
ص: 344
في الجاهلية نصرانيا - فلما أعيوه رجع إلى منزله و أراد الخروج من البصرة، فبلغ عائشة الخبر و هي نازلة في مسجد الحدّان و عنده فجاءت على بعيرها فلم تزل به حتى أخرجته و معه جته و معه راية الأزد.
قال وهب: و كان كعب قاضيا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب ولاه القضاء بعد أبي مريم الحنفي و أقرّه عثمان بعد ذلك. وقال ابن الكلبي: آتاه سهم فقتله و في عنقه مصحف.
406- عنه قال أبو مخنف و غيره أرسل عمران بن الحصين إلى بني عدي يأمرهم بالقعود عن الفريقين، و قال: لأن أرعى غنما عفراء في جبل حضن أحب إليّ من أن أرمي في الفريقين بسهم. فقالوا: أتأمرنا أن نقعد عن نقل رسول الله صلّی الله علیه و آله و حرمته ؟ لا نفعل.
و قال الحرث بن حوط الليثي لعلي: أترى أن طلحة والزبير، و عائشة اجتمعوا على باطل؟ فقال علي: يا حار أنت ملبوس عليك، إن الحق و الباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، و بإعمال الظن، أعرف الحق تعرف أهله، و اعرف الباطل تعرف أهله.
قالوا: و زحف علي بن أبي طالب بالناس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، و على ميمنته مالك بن الحارث الأشتر النخعي، و على ميسرته عمار بن ياسر العنسي و على الرجال أبو قتادة النعمان بن ربعي الأنصاري و أعطى رايته ابنه محمدا - و هو ابن الحنفية -.
ثم واقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظهر، يدعوهم و يناشدهم و يقول لعائشة : إن الله أمرك أن تقري في بيتك فاتقی الله و ارجعي و يقول لطلحة والزبير خبأتما نساء كما و أبرزتما زوجة رسول الله صلّی الله علیه و آله و
ص: 345
استفززتماها؟ فيقولان: إنما جئنا للطلب بدم عثمان، و أن ترد الأمر شورى.
و كان على ميمنة أصحاب الجمل الأزد، و عليهم صبرة بن شيمان، و على ميسرتهم تميم وضبة و الرباب، و عليهم هلال بن وكيع بن بشر بن عمرو ابن عدس. و أتي بالجمل فأبرز و عليه عائشة في هودجها و قد ألبست درعا، و ضربت على هودجها و قد صفائح الحديد. ويقال:
إن الهودج البس دروعا. فخطبت عائشة الناس فقالت: إنا كنا نقمنا على عثمان ضرب السيوط، و إمرة بني أمية و موقع السحابة المحماة، و انكم استعتبتموه فأعتبكم من ذلك كله، فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عليه فركبتم منه الفقر الثلاث سفك الدم الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام، وأيم الله لقد كان من أحصنكم فرجا وأتقاكم الله.
407 - عنه حدثني أحمد بن ابراهيم الدورقي، و الحسين بن علي ابن الأسود، قالا: حدثنا أبو أسامة حماد بن أسامة، حدّثنا مسعر بن كدام، عن عبد الملك بن عمير: عن موسى بن طلحة، قال: خطبت عائشة فقالت:
اسمعوا نحاجّكم عمّا جئنا له: انا عتبنا - أو نقمنا - على عثمان في ثلاث: امرة الفتى و موقع الغمامة، و ضرب السيوط و العصا، حتى إذا مصتموه كما يماصّ الثوب الصابون عدوتم عليه الفقر الثلاث: حرمة البلد، و حرمة الخلافة، و حرمة الشهر الحرام، و ان كان عثمان لمن أحصنهم فرجا و
أوصلهم للرحم.
408- عنه قال أبو مخنف و غيره و أمر علي أصحابه أن لا يقاتلوا حتى يبدءوا، و أن لا يجهزوا على جريح و لا يمثلوا و لا يدخلوا دارا بغير اذن ولا يشتموا أحدا، ولا يهيّجوا امرأة ولا يأخذوا الا ما في عسكرهم.
ثم زحف الناس و دنا بعضهم من بعض. و أمر عليّ رجلا من عبد
ص: 346
القيس أن يرفع مصحفا فرفعه و قام بين الصفين فقال: ادعوكم الى ما فيه، ادعوكم الى ترك التفرق و ذكر نعمة الله عليكم في الألفة و الجماعة. فرمي بالنبل حتى مات، و يقال: بل قطعت، فأخذه بأسنانه فرمي حتى قتل، فقال علي: هذا وقت الضراب.
و قال بعضهم: قطعت يده فأخذ المصحف بأسنانه و هو يقاتل باليد الباقية، فرمي حتى قتل، فقال عليّ: الآن طاب الضراب. و أخذ المصحف بعد قتل هذا الرجل رحمه الله رجل من بني تميم يقال له: مسلم فدعاهم الى ما فيه فقتل فقالت أمه :
يا رب إن مسلما دعاهم *** يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فرمّلوه رمّلت الحاهم
قالوا: و سمع علي أصوات أصحاب الجمل و قد علت فقال: ما يقولون؟ قالوا: يدعون على قتله عثمان و يلعنونهم. قال: نعم فلعن الله قتلة عثمان فو الله ما قتله غيرهم و ما يلعنون الا أنفسهم و لا يدعون الا عليها.
ثم قال عليّ لابن الحنفية - و معه الراية -: أقدم. فزحف برايته نحو الجمل، و أمر علي الأشتر أن يحمل فحمل و حمل الناس، فقتل هلال بن وكيع التميمي و اشتدّ القتال، فضرب مخنف بن سليم على رأسه فسقط و أخذ الراية منه الصقعب بن سليم أخوه فقتل، ثم أخذها عبد الله بن سليم فقتل.
ثم أمر علي محمد بن الحنفية أن يحمل فحمل و حمل الناس فانهزم أهل البصرة، وقتلوا قتلا ذريعا، و ذلك عند المساء، فكانت الحرب من الظهر إلى غروب الشمس.
و كان كعب بن سور ممسكا بزمام الجمل، فأتاه سهم فقتله، و تعاود الناس زمام الجمل فجعل كلما أخذه أحدهم قتل، و اقتتل الناس حوله قتالا
ص: 347
شديدا. و سمعت عبد الأعلى الفرسي يقول: بلغني انه قطعت عليه سبعون يدا.
409 - عنه روي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى انّه كان يقول: قتل ممن أخذ بزمام الجمل سبعون.
410 - عنه قال أبو مخنف و عوانة: أقبل رجل من بني ضبّة و معه سيف و هو يخطر و يقول :
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل *** والموت أحلى عندنا من العسل
ننعي ابن عفان بأطراف الأسل *** ردّوا علينا شيخنا ثم بجل
و جعل هانئ بن خطاب الهمداني يقول:
أبت سيوف مذحج وهمدان *** بأن تردّ نعثلا كما كان
خلقا جديدا بعد خلق الرحمان
411 - عنه حدثني خلف بن سالم، و أحمد بن إبراهيم، قالا: حدثنا وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه عن ابن عون: عن أبي رجاء العطاردي قال: رأيت ابن يثربي يرتجز و يقول:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل *** ننزل بالموت إذا الموت نزل
و القتل أحلى عندنا من العسل *** ننعى ابن عفان بأطراف الأسل
ردّوا علينا شيخنا ثم بجل
و قال أبو مخنف وغيره و اقتتل مالك الأشتر و عبد الله بن الزبير، فاختلفا ضربتين ثم تعانقا حتى خرّا إلى الأرض يعتركان، فحجز بينهما أصحابهما و كان عبد الله بن الزبير يقول حين اعتنقا: اقتلوني و مالكا. و كان الأشتر يقول: اقتلوني و عبد الله. فيقال: إن ابن الزبير لو قال: اقتلوني و الأشتر. و إن الأشتر لو قال: اقتلوني و ابن الزبير. لقتلا جميعا. وكان
ص: 348
الأشتر يقول ما سرّني بإمساكه عن أن يقول الأشتر حمر النعم و سودها.
و قيل لعائشة : هذا الأشتر يعارك عبد الله. فقالت: وا ثكل أسماء و وهبت لمن بشّرها بسلامته مالا
412 - عنه روي عن عاصم بن كليب أن المعانق للأشتر عبد الرحمان بن عتاب ابن أسيد. فجعل يقول: اقتلوني و مالكا، وجعل الأشتر يقول: اقتلوني و ابن عتاب. و الأول أشهر.
413 - عنه حدثت عن أبي بكر بن عياش، عن مغيرة عن إبراهيم بن علقمة انه قال: سألت الأشتر فقلت: أنت عاركت ابن الزبير؟ فقال: والله ما وثقت بقوتي حتى قمت له في الركابين ثم ضربته، وكيف اصارعه؟ أما ذلك عبد الرحمان بن عتاب.
414 - عنه حدثني روح بن عبد المؤمن، عن أبي عبيدة، عن أبي عمرو ابن العلاء قال: أخذ ابن الزبير بزمام الجمل فقالت عائشة: من أنت؟ قال: ابن أختك.
قالت: وا ثكل أسماء، أقسمت عليك لما تنحيّت ففعل فأخذه بعض بني ضبّة فقتل.
415 - عنه قالوا: وجاء محمد طلحة بن بن عبيد الله، وكان يدعى السجّاد فأخذ بزمام الجمل فحمل عليه رجل فقتله، فيقال: انه من أزد الكوفة يقال له: مكيسر. ويقال: بل حمل عليه معاوية بن شداد العبسي. و يقال: إن الذي حمل عليه عصام بن المقشعر النمري حمل عليه بالريح فقال محمد:
أذكرك «حم» فطعنه برمحه فقتله و قال في ذلك:
و أشعث قوّام طويل سهاده *** قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
ص: 349
هتكت له بالرمح جيب قميصه *** فخر صريعا لليدين و للفم
يناشدني حاميم و الربح دونه *** فهلا تلاحم قبل التّقدم
على غير شيء غير أن ليس تابعا *** عليا و من لا يتبع الحق يظلم
قالوا: و جعل بعض بني ضبة يقول:
نحن بنو ضبة لا نفرّ *** حتى نرى جماجما تخرّ
صبرا فما يصبر إلا الحرّ
و قتل عمرو ابن يثربي الضبّي ثلاثة من أصحاب علي: زيد بن صوحان العبدي وكان يكنى أبا عائشة، و علياء بن الهيثم السدوسي من ربيعة، و هند بن عمرو بن جدراة الجملي من مراد، و هو الذي يقول:
إني لمن أنكرني ابن يثربي *** قاتل علباء و هند الجملي
ثم ابن صوحان على دين علي
و كان هند الجملي يقول و هو يقاتل حتى قتل:
أضر بهم جهدي بحد المنصل *** و الموت دون الجمل المجلل
إن تحملوا قدما على احمل
و قتل يومئذ ثمامة بن المثنى بن حازمة الشيباني فقال الأعور الشني:
يا قاتل الله أقواما هم قتلوا *** يوم الخريبة علباء و حسّانا
و ابن المثنى أصاب السيف مقتله *** و خير قرائهم زيد بن صوحانا
و كانت وقعة الجمل بالخريبة، و حسان الذي ذكره هو حسّان بن محدوح بن بشر بن حوط، كان معه لواء بكر بن وائل، فقتل فأخذه أخوه حذيفة بن محدوح فأصيب، ثم أخذه بعده عدة من الحوطيين فقتلوا حتى تحاموه. و بعضهم ينشد: «علباء و سيحانا» يعني سيحان بن صوحان.
416 - عنه حدثني الواقدي، عن هشام بن بهرام، حدثنا وكيع، عن
ص: 350
سفيان عن مخول بن راشد، عن العيزار بن حريث قال:
قال زيد بن صوحان يوم الجمل: لا تغسلوا عني دما و لا تنزعوا عني ثوبا، و انزعوا الخفين و أرمسوني في الأرض رمسا فإني محاج أحاج.
و قاتل طلحة بن عبيد الله يومئذ قتالا شديدا، فشدّ عليه حندب بن عبد الله الأزدي فلما أمكنه أن يطعنه تركه كراهة لأن يقتله. و قال الهيثم بن عدي: جعل جندب بن زهير يرتجز يومئذ و يقول:
یا أمّنا أعق أمّ تعلم *** و الأمّ تغذو ولدها و ترحم
و جعل أيضا يرتجز - أو غيره- ويقول:
قلنا لها: و هي على مهواة *** إن لنا سواك أمهات
في مسجد الرسول ثاويات
شد رجل من الأزد على ابن الحنفية و هو يقول: يا معشر الأزد كروا.
فضربه ابن الحنفية فقطع يده و قال: يا معشر الأزد: فروا.
417 - عنه حدثني عمرو بن محمد الناقد، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا أبو نعامة العدوي عن شيخ منهم قال: أخذ رجل منّا بخطام الجمل و هو يقول:
نحن عدي نبتغي عليا *** نحمل ماديا و مشرفيا
و بيضة و حلقا ملويا *** نقتل من يخالف الوصيا
418 - عنه قالوا: أحيط بطلحة عند المساء و معه مروان بن الحكم يقاتل فيمن يقاتل، فلما رأى مروان الناس منهزمين قال: والله لا أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبدا، فانتحى لطلحة بسهم فأصاب ساقه فأثخنه و التفت إلى أبان ابن عثمان فقال له: قد كفيتك أحد قتلة أبيك. و جاء مولى
ص: 351
لطلحة ببغلة له فركبها و جعل يقول لمولاه: أما من موضع نزول؟
فيقول: لا قد رهقك القوم. فيقول: ما رأيت مصرع شيخ أضيع، ما رأيت مقتل شيخ أضيع، اللهم أعط عثمان مني حتى يرضى. و أدخل دارا من دور بني سعد بالبصرة فمات فيها.
419 - عنه حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن اسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: قال مروان يوم الجمل: لا أطلب بثاري بعد اليوم. فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته فكان الدم يسيل منها فإذا أمسكوا ركبته انتفخت فقال: دعوه فإنما هو سهم أرسله الله، اللهم خذ لعثمان منى اليوم حتى ترضى.
420 - عنه حدثني عمرو بن محمد الناقد، و أحمد بن إبراهيم الدورقي، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل: عن قيس قال رمى مروان طلحة يوم الجمل في ركبته فمات فدفنوه على شاطئ الكلا فراى بعض أهله في منامه أنّه قال: ألا تريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت. فنبشوه فإذا قبره أخضر كأنه السلق فنزفوا عنه الماء ثم استخرجوه و اشتروا له دارا بعشرة آلاف درهم و دفنوه فيها.
421 - عنه حدثني خلف بن هشام البزار، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: عن الحسن قال: أصيبت ثغرة نحر طلحة يوم الجمل بسهم فجعل يقول:
ما رأيت مصرع شيخ أضيع، اللهم خذ لعثمان منى اليوم حتى ترضى.
422 - عنه قال أبو مخنف و عوانة و غيرهما: قتل مجاشع بن مسعود السلمي مع عائشة أصابه سهم.
423- عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا وهب، حدثني أبو
ص: 352
بكر ابن الفضل عن أبيه قال: ان راية العتيك كانت يوم الجمل مع عمرو بن الأشرف فقتل يومئذ و عشرة من بيته.
424 - عنه قال هشام بن الكلبي: التق الحرث بن زهير بن عبد الشارق ابن لعط بن مظة العامدي و هو من أصحاب علي، و عمرو بن الأشرف العتكى فقتل كل واحد منهما صاحبه.
قالوا: فمال الناس بعد مقتل طلحة إلى عائشة فاقتتلوا حول الجمل، فكان أول من أخذ زمامه زفر بن الحرث الكلابي أخذه و جعل يقول:
يا أمنا عائش لا تراعي *** كل بنيك بطل شجاع
و اشتدّ القتال فقتل من الأزد ألفان و خمسمائة و اثنان و خمسون رجلا، و من بكر بن وائل ثمانمأة، و من ضبة خمسمائة، و من بني تميم سبعمائة .
و لما راى عليّ أن القتال حول الجمل قد اشتدّ قال: اعقروا الجمل. فشدّ نحوه عدي بن حاتم الطائي أبو طريف، و مالك الأشتر و عمار بن ياسر و المثنى بن مخرمة العبدي - من شيعة علي بن أبي طالب من أهل البصرة - و عمرو بن دلجة الضبي من أهلها، و أبو حية بن غزية الأنصاري، و قال بعض العبديين:
نحن ضربنا ساقه فانخزلا *** وضربة بالعنق كانت فيصلا
لو لم تكوني للنبي ثقلا *** و حرمة لاقيت أمرا معضلا
425 - عنه قال هشام بن الكلبي عن أبيه: الذي عرقب جمل عائشة المسلم بن معدان من ولد شزن بن نكرة بن لكيز بن أفصي.
426 - عنه حدثني خلف بن سالم و أبو خيثمة، قالا: حدثنا وهب بن جرير ابن حازم، عن أبيه، عن يونس بن يزيد الايلي: عن الزهري قال:
ص: 353
احتمل محمد بن أبي بكر عائشة، فضرب عليها فسطاطا، فوقف عليها عليّ فقال: استفززت الناس و قد أقروا حتى قتل بعضهم بعضا بتأليبك. فقالت: يا بن أبي طالب ملكت فأسجح. فسرحها إلى المدينة في جماعة من رجال و نساء، و جهزها بإثني عشر ألفا.
427 - عنه حدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن خالد بن سعيد عن أبيه: عن محمد بن حاطب الجمحي - و كان قد شهد الجمل مع علىّ قال: قال لي على: يا بن حاطب هل في قومك جراح؟ قلت: إي و الله. قال: مرهم بالسمن فإني لم أر علولا مثل السمن للجرح.
428 - عنه حدثني بكر بن الهيثم، عن عبد الرزاق، عن معمر: عن قتادة قال: رأت امرأة من أهل البصرة عليا فقالت: كأنّه قد كسر ثم جبر، ورأت طلحة فقالت: كأن وجهه دينار هرقلي، و رأت الزبير فقالت: كأنه أرقم يتلمّظ.
فلما تواقفوا قال عليّ لطلحة: خبأت عرسك في خدرها و جئت بعرس رسول الله صلّی الله علیه وآله تقاتل بها، ويحك أما بايعتني؟ قال بايعتك و السيف على عنقي.
ثم قال علي للزبير: يا زبير قف بنا حجرة فتواقفا حتّى اختلفت أعناق فرسيهما فقال: ويحك يا زبير أما سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله يقول لي: أما إن ابن عمتك هذا سيبغي عليك و يريد قتالك ظالما؟ قال: اللهم بلى. فخرج من العسكر متوجها إلى المدينة فقتله ابن جرموز بوادي السباع.
429 - عنه حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا رفاعة بن أياس أبو العلاء الضبي، حدثنا أبي عن أبيه قال: ان عليا دعا الزبير فقال له: أنت أمن ابرز إليّ أكلمك. فبرز له بين الصفّين حتى اختلفت أعناق دابتيهما، فقال: يا
ص: 354
زبير أنشدك الله أخرج نبي الله يمشي و خرجنا معه فقال لك:
يا زبير تقاتله ظالما وضرب كتفك؟ فقال: اللّهم نعم. قال: أفجئت تقاتلني؟ فرجع عن قتاله وسار من البصرة ليلة فنزل ماء لبني مجاشع فلقيه رجل من بني تميم يقال له: ابن جرموز فقتله و جاء بسيفه إلى علي فقال له: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
430 - عنه حدثنا أبو بكر الأعين حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، عن ثابت بن يزيد، عن رجل، عن عكرمة: عن ابن عباس انه أتى الزبير فقال له يا ابن صفية بنت عبد المطلب أتقاتل عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب. فرجع الزبير فقتله ابن جرموز.
431 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عمرو بن عاصم - أنبأنا المبارك بن فضالة: عن الحسن أن رجلا قام إلى الزبير فقال: أأقتل عليا؟ قال: كيف تقتله و معه الجنود والناس؟ قال: أكون معه ثمّ أفتك به. فقال الزبير: لا، سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول : إن الايمان قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن.
432 - عنه قال أبو مخنف و غيره: مضى الزبير حين هزم الناس، يريد المدينة حتى مرّ بالأحنف أو قريبا منه، فقال الأحنف - رافعا صوته- : ما أصنع إن كان الزبير، لف بين غارين من المسلمين فضرب أحدهما بالآخر، م يريد اللحاق بقومه. فأتبعه عمرو بن جرموز، و فضیل بن عابس و نفیل بن حابس من بني تميم.
فركضوا أفراسهم فى أثره، وقد كان النعر ابن زمام المجاشعي لقيه فأجاره، و أجاره أيضا رجل من بنى سعد يكنى أبا المضرحي، فلما لحقه ابن جرموز و صاحباه خرجا هاربين، فقال لهما الزبير: إلى أين؟ إليّ إنما هم
ص: 355
ثلاثة و نحن ثلاثة. فأسلماه و لحقه القوم فعطف عليهم فحمل عليه ابن جرموز، فنصب له الزبير فانصرف عنه، و حمل عليه الإثنان من ورائه فالتفت إليهما و حمل عليه ابن جرموز فطعنه فوقع فاعتوروه فقتلوه.
و احتز ابن جرموز رأسه فجاء به إلى الأحنف، ثم أتاه عليا فقال قولوا لأمير المؤمنين: قاتل الزبير بالباب. فقال: بشروا قاتل ابن صفية بالنار. و أمر عليّ برأسه فحمل إلى وادي السباع فدفن مع بدنه، و جاءه ابن جرموز بسيفه.
فقال عليّ: سيف طال ما جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلم و لكنه الحين و مصارع السوء. ثم أقبل علي و ولده يبكون فقال ابن جرموز: ظننت أني قتلت عدوا له، و لم أظنّ أنّي انما قتلت له وليا و حميما.
433 - عنه عن المدائني في اسناد له: ان مصعب بن الزبير دعا الناس إلى العطاء فقال مناديه: أين ابن جرموز ؟ فقيل: إنه ساح في الأرض فقال: أظنّ أنى قاتله بأبي عبد الله، ليظهر آمنا و ليأخذ عطاءه سالما.
434 - عنه حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن وهب بن جرير بن حازم عن يونس بن يزيد، عن الزهري قال: لما وقف عليّ و أصحاب الجمل، خرج عليّ على فرسه فدعا الزبير فتواقفا فقال له علي: ما جاء بك؟ قال: جاء بي اني لا أراك لهذا الأمر أهلا و لا أولى به منا. فقال علي: لست أهلا لها بعد عثمان؟ قد كنا نعدّك من بني عبد المطلب حتى نشأ ابنك ابن السوء ففرق بيننا و بينك وعظم عليه أشياء و ذكر أن النبي صلّی الله علیه و آله و عليهما.
فقال لعلي ما يقول ابن عمتك ؟ ليقاتلنك و هو لك ظالم. فانصرف
ص: 356
عنه الزبير و قال: فإني لا أقاتلك. و رجع إلى ابنه عبد الله بن الزبير فقال: ما لي في هذا الحرب من بصيرة فقال: لا و لكنك جبنت عن لقاء على حين رأيت راياته فعرفت أن تحتها الموت. قال: فاني قد حلفت أن لا أقاتله قال: فكفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه و قام في الصف معهم.
435 - عنه حدثني عمرو بن محمد ، و الحسين بن علي بن الأسود، قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا فضيل بن مرزوق، عن شقيق بن عقبة، عن قرّة بن الحارث جون بن قتادة قال: قرة بن الحارث: كنت مع الأحنف، و كان جون بن قتادة ابن عمي مع الزبير بن العوام فحدثني جون قال: إني لمع الزبير حتى جاءه فارس وكانوا يسلمون على الزبير بالامرة، فقال: السلام عليك أيها الأمير، هؤلاء القوم قد أتوا إلى مكان كذا فلم أر قوما أرث سلاحا و لا أقل عدّة و لا أرعب قلوبا منهم.
ثم انصرف و جاء فارس آخر فقال: سلام عليك أيها الأمير. قال: و عليك. قال: جاء القوم إلى مكان كذا فسمعوا بما جمع الله لكم من العدد و العدّة، فقذف الله في قلوبهم الرعب فولوا مدبرين. فقال ابن الزبير: ايها عنك الآن فو الله لو لم يجد ابن أبي طالب إلا العرفج لدب إلينا فيه قال: ثم انصرف فجاء فارس فسلم بالإمرة.
ثم قال: هؤلاء القوم قد أتوك و قد لقيت عمارا فقلت له و قال لي. فقال الزبير : أنه ليس فيهم. قال: بلى و الله أنه لفيهم. قال: فلما راى ان الرجل ثابت على قول لا يخالفه قال لبعض أهله: اركب معه فانظر أحقّ ما يقول؟ فانطلقا ثم رجعا، فقال الزبير لصاحبه: ما عندك ؟ قال: صدقك الرجل.
فقال الزبير: يا جدع أنفاه يا قطع ظهراه. ثم أخذه أفكل حتى جعل السلاح ينتقض عليه، فقال جون: ثكلتني أمّي أهذا الذي كنت أريد أن
ص: 357
أموت أو أعيش معه، و الذي نفسي بيده ما هذا إلا لأمر سمعه و هو فارس رسول الله صلّی الله علیه و آله فلما تشاغل الناس انصرف فجلس على دابته ثم ذهب،
قال: ثم انصرف جون فجلس على دابته فلحق بالأحنف، قال: ثم جاء فارسان إلى الأحنف فأكبّا عليه يناجيانه فرفع الأحنف رأسه فقال: يا عمرو بن جرموز يا فلان. فأتياه فأكبّا عليه فناجاهما ساعة ثم انصرفا، ثم جاء عمرو بن جرموز إلى الأحنف فقال: أدركته في وادي السباع فقتلته. فكان قرة بن الحرث يقول: والذي نفسي بيده إن صاحب الزبير إلا الأحنف.
436 - عنه حدثنا خلف بن سالم، حدثنا وهب بن جرير، عن جويرية، عن يحيى بن سعيد قال: كتب معاوية إلى الزبير : أن أقبل إليّ أبايعك و من يحضرني فكتم الزبير ذلك عن طلحة و عائشة، ثم بلغها فكبر ذلك عليها، و أخبرت عائشة به ابن الزبير، فقال لأبيه: أتريد أن تلحق بمعاوية؟ فقال: نعم و لم لا أفعل و ابن الحضرمية ينازعني في الأمر ثم بدا له في ذلك، و أحسبه كان حلف ليفعلنّ فدعا غلاما له فأعتقه وعاد إلى الحرب.
437 - عنه حدثني بكر بن الهيثم حدثنا أبو حكيم الصنعاني، عن معمر عن قتادة، قال: لما اقتتلوا يوم الجمل كانت الدبرة على أصحاب الجمل، فأفضى عليّ إلى الناحية التي فيها الزبير، فلما واجهه قال له: يا أبا عبد الله أتقاتلني بعد بيعتي، و بعد ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه و آله في قتالك لي ظالما؟ فاستحيا الزبير و انسلّ على فرسه منصرفا إلى المدينة فلما صار بسفوان، لقيه رجل من مجاشع يقال له: النعر بن زمام فقال له: أجرني. قال النعر: أنت في جواري يا حواري رسول الله.
فقال الأحنف: واعجبا اللزبير لف بين غارين من المسلمين ثم قد نجا
ص: 358
بنفسه و هو الآن يريد أهله. فاتبعه ابن جرموز و أصحابه و هو يقول: أذكركم الله ان يفوتكم. فشدوا عليه فقتلوه، و أتى ابن جرموز عليا برأسه فأمر ان يدفن مع جسده بوادي السباع.
438 - عنه عن المدائني، عن عامر بن أبي محمد، و سعيد بن عبد الرحمان السّلمي عن ابيه : ان الزبير بن العوام قال حين طعنه ابن جرموز: ما له قاتله الله يذكر بالله و ينساه، ثمّ قال الزبير:
ولقد علمت لوانۀ علمي نافعي *** ان الحيات من الممات قريب
قال: و قال: طلحه يوم الجمل:
صرف الزبير جودا *** اما لتدركه وفاته
439 - عنه حدثني خلف بن سالم، و احمد بن إبراهيم الدورقي، أنبأنا وهب بن جرير: عن جويرية بن أسماء قال: بلغني ان الزبير حيث ولّى و لم يكن بسط يده بسيف اعترضه عمار بن ياسر بالرّمح وقال: إلى اين تريد يا أبا عبد الله، و الله ما أنت بجبان و لكني أحسبك شككت. قال: هو ذلك، و مضى حتى نزل بوادي السباع فقتله ابن جرموز.
440 - عنه حدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن لوط بن يحيى في اسناده قال: لما قتل الزبير، قالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل - وكانت تحت عبد الله ابن أبي بكر فخلف عليها عمر بن الخطاب، ثم الزبير -:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة *** يوم اللقاء و كان غير معرد
یا عمرو لو نبّهته لوجدته *** لا طائشا رعش اللسان ولا اليد
هبلتك أمك أن قتلت لمسلما *** حلت عليك عقوبة المتعمّد
و قال جرير بن عطية بن الخطفي :
ص: 359
إن الرزية من تضمن قبره *** وادي السباع ولكلّ جنب مصرع
لما أتى خبر الزبير تضعضعت *** سور المدينة و الجبال الخشع
و قال سحيم بن وثيل اليربوعي:
لحا الله جيران الزبير مجاشعا *** على سفوان ما أدق وأخورا
و قال جرير:
لو كنت حرّا يابن قين مجاشع *** شيعت ضيفك فرسخا أو ميلا
قتل الزبير و أنتم جيرانه *** غيّا لمن قتل الزبير طويلا
441 - عنه عن المدائني عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن قال: قال خطيبهم يوم الجمل: كان عثمان يلبس خفين ساذجين.
442 - عنه پالمدائني عن رجل عن الحسن قال: باع طلحة أرضا من عثمان بسبع مائة ألف فحملها إليه فقال: إن رجلا تبيت هذه عنده و لا يدري ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله. فبات و رسله تفرقونها و تختلفون في سكك المدينة، حتى أصبح و ما عنده درهم منها، ثم جاء هاهنا يطلب الصفراء و البيضاء.
443 - عنه قال الهيثم بن عدي: كان عدي بن حاتم الطائي يقول: والله لا حبقت في قتل عثمان عناق أبدا فلما كان يوم الجمل قتل ابنه طريف - و به كان يكنى - وفقئت عينه و جرح فقيل له: يا أبا طريف هل حبقت في عثمان عناق؟ قال: إي والله و التيس الأعظم.
444 - عنه حدثني حفص بن عمر عن الهيثم قال: مرّ عليّ على عبدالرحمان بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص - و هو صريع يوم الجمل في جماعة من قريش صرعی – فقال: يا حسن هذا يعسوب قریش، جدعت أنفي و شفيت نفسي و أدركت ثاري و أفلتتني الأغيار من بني جمح.
ص: 360
445 - عنه حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان بن عيينة، أنبأنا عاصم ابن كليب الجرمي، عن أبيه ان عليا لم يخمّس أهل الجمل.
446 - عنه حدثني عمر و بن محمد، و بكر بن الهيثم قالا: حدثنا أبو نعيم حدثنا فطر بن خليفة، عن منذر الثوري. عن ابن الحنفية أنّ عليا لما نزل بذي قار بعث الحسن و عمارا فاستنفرا أهل الكوفة، فنفر معهما بتسعة آلاف و كنّا عشرة آلاف الا مائة، و الحقنا من أهل البصرة من عبد القيس قريب من ألفين فكنّا أثني عشر ألفا إلا مائة،
فراى أمير المؤمنين علیه السّلام منّي نكوصا، فلما دنا بعض الناس من بعض أخذ الراية منّى فقاتل بها، فلما هزموا قال: لا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا، و من أغلق بابه فهو آمن. و قسم بينهم ما قوتل به من سلاح و كراع.
447 - عنه حدثنا أحمد بن إبراهيم، عن أبي نعيم، عن قيس بن عاصم عن زرّ و شقيق قالا: قسم عليّ يوم الجمل ما تقووا عليه به من سلاح و كراع.
448 - عنه عن عباس بن هشام، عن أبيه عن جده عن أبي صالح: عن ابن عباس ان عليا أخذ يوم الجمل مروان بن الحكم و موسى بن طلحة فأرسلهما.
449 - عنه حدثني محمد بن سعد، عن أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده علي بن الحسين علیهماالسّلان ان مروان بن الحكم حدثه - و هو أمير على المدينة - قال: لما تواقفنا يوم الجمل لم يلبث أهل البصرة أن انهزموا فقام صائح لعليّ فقال: لا يقتل مدبر، و لا يدفّف على جريح و من أغلق بابه فهو آمن و من طرح السلاح فهو آمن.
ص: 361
قال مروان: فدخلت دارا ثم أرسلت إلى حسن و حسين و ابن جعفر و ابن عباس فكلموه فقال: هو آمن فليتوجه حيث ما شاء. فقلت: لا تطيب نفسي حتى أبايعه قال فبايعته ثم قال: اذهب حيث شئت.
450 - عنه حدثنا محمد بن سعد، حدثنا روح بن عبادة قال: بلغني أن مروان صار يوم الجمل إلى قوم من ربيعة.
451 - عنه قال أبو مخنف في اسناده: ارتت مروان يوم الجمل فصار إلى قوم من عنزة، و بعث إلى مالك بن مسمع يستجيره فأشار عليه أخوه مقاتل أن يفعل فأجاره و سأل عليا له الأمان فآمنه، و عرض عليه أن يبايعه حين بايعه الناس بالبصرة، فأبى وقال: ألم تؤمني؟ قال: بلى. قال: فإني لا أبايعك حتى تكرهني. قال علي: فإني لا أكرهك، فو الله أن لو با يعتني باستك لغدرت.
ثم إنه مضى إلى معاوية. وضار ابن الزبير إلى دار رجل من الأزد، و بعث بالأزدي إلى عائشة ليعلمها مكانه، فبعثت إليه محمد بن أبي بكر، فجاءها به و قد تغالظا في الطريق. وصار إليها أيضا عتبة بن أبي سفيان بعد أن أجاره عصمة بن الزبير فبلغ عليا مكانهما عند عائشة فسكت و لم يعرض لهما.
452 - عنه قالوا: وقام علي حين ظهر و ظفر على القوم خطيبا فقال: يا أهل البصرة قد عفوت عنكم فإياكم و الفتنة، فإنكم أول الرعية نكث البيعة و شق عصا الأمة. ثم جلس و بايعه الناس و كتب إلى قرظه بن كعب بالفتح، وجزي أهل الكوفة على نصرة آل نبيهم خيرا.
453- عنه حدثنا أبو خيثمة، حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه عن محمد بن أبي يعقوب قال: قتل يوم الجمل ألفان و خمس مائة من أهل
ص: 362
البصرة، منهم من الأزد ألف وثلاثمأة و خمسون، و من بني ضبّة ثمانمأة، و من أفناء الناس ثلاثمأة و خمسون.
454 - عنه قال أبو مخنف و غيره قتل مع عائشة عبد الرحمان ابن عتاب ابن أسيد، و علي بن عدي بن ربيعة بن عبد شمس، و مسلم بن قرظة من بني نوفل بن عبد مناف، و عبد الله بن حكيم بن حزام، و معبد بن المقداد بن الأسود، و أمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، و هو الذي مرّ به علي فقال: لا جزاك الله من ابن أخت خيرا. في آخرين.
455- عنه قال أبو مخنف: قتل يوم الجمل، من بني ناجية أربعمائة، و من الأزد أربعة آلاف، و من بني عدي الرباب سبعون كلهم قد قرءوا القرآن، و من بني عقيل سبعون كلهم له ضربان و كان جميع من قتل من الناس من أهل البصرة عشرين ألفا.
456 - عنه حدثني إبراهيم الدورقي، حدثنا أحمد بن يونس، عن أبي بكر، عن صدقة بن سعيد: عن جميع بن عمير قال: قيل لعائشة: أخرجت على عليّ؟ فقالت والله لوددت اني افتديت ذلك المسير بما عرض من شيء و لكنه قدر.
457 - عنه حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، و أحمد بن إبراهيم قالا: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن النعمان بن راشد، عن الزهري: عن عروة، عن عائشة أنّها قالت: يا ليتنى كنت نسيا منسيا قبل أمر عثمان، فو الله ما أحببت لعثمان شيئا الا أصيب مني مثله، حتى لو أحببت أن يقتل لقتلت.
458 - عنه حدثني بكر بن الهيثم، حدثنا أبو عامر العقدي عن الأسود بن شيبان: عن خالد بن سمين ان عائشة قالت: لا تبايعوا الزبير إلا على الإمارة. فقال عبد الله بن الزبير: إنما تريد هذه أن تجعل حارّ أمر الناس بك،
ص: 363
و بارده لابن عمها. قال: ثم كانت تقول: ما أنا و طلحة و الزبير و بيعة من بويع و حرب من حورب، يا ليتنى قررت في بيتي، و لكنها بلية جاءت بمقدار.
459 - عنه حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا يعلى بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد: عن علي بن عمرو الثقفي قال: قالت عائشة: و الله لأن أكون جلست عن مسيري كان أحب إليّ من أن يكون لي عشرة بنين من رسول الله صلّی الله علیه وآله مثل ولد الحارث بن هشام.
460 - عنه حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون، و روح بن عبد المؤمن، قالا: حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى قال: حدثني من سمع عائشة تقرء: «و قرن في بيوتكنّ» فتبكي حتى تبلّ خمارها.
461 - عنه عن المدائني عن أبي خيران الحماني، عن عوف الأعرابي: عن أبي رجاء العطاردي قال: رأيت رجلا مصطلم الأذن فقلت له: أخلقة أم حادث؟ قال: بل حادث، بينا أنا يوم الجمل أجول في القتلى إذ مررت برجل فيهم صريع و هو ينشد:
لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا *** فما صدرت إلا و نحن رواء
أطعنا قريشا ضلة من حلومنا *** و نصرتنا أهل الحجاز عناء
لقد كان عن نصر ابن ضبّة أمّه *** و شيعتها مندوحة و مباء
أطعنا بني تيم بن مرة شقوة *** و ما التيم إلا أعبد و إماء
فقلت: من أنت؟ قال: أدن مني أخبرك. فدنوت منه فأزمّ أذني فقطعها و قال: إذا أتيت أمك فأخبرها أن عمير بن الأهلب فعل هذا بك. قال هذا و مات.
ص: 364
462 - عنه حدثنا شريح بن يونس، و عمرو بن محمد قالا: حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم، عن منصور بن عبد الرحمان قال: قال الشعبي: لم يشهد الجمل من أصحاب رسول الله صلّیاللهعلیه و آله من المهاجرين والأنصار غير علي و عمار، و طلحة والزبير، فإن جاؤا بخامس فأنا كذاب.
463 - عنه حدثنا عباس بن هشام، عن أبيه، عن عدة حدثوه عن الزبير ابن مسلم الجعفي، عن الحضين بن المنذر الرقاشي أبي ساسان قال: اختصمت بكر بن وائل في الراية يوم الجمل فدعاني علي و أنا يومئذ فتى شاب فقال: يا حضين دونك هذه الراية فو الله ما أخفقت قط فيما مضى و لا يخفق فيما بقي راية هي أهدى منها إلا راية خفقت على رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: و في ذلك يقول الشاعر:
لمن راية سوداء يخفق ظلها*** إذا قيل: قدمها حضين تقدما
يقدمها للموت حتى يزيرها *** حياض المنايا يقطر الموت والدما
جزى الله قوما قاتلوا عن إمامهم *** لدى الموت قدما ما أعف و أكرما
و أطيب أخبارا و أكرم شيمة *** إذا كان أصوات الرجال تغمغما
ربيعة أعني إنهم أهل نجدة *** و بأس إذا لاقوا خميسا عرمرما
و قال الشاعر في يوم الجمل ويقال: هو عثمان بن حنيف:
شهدت الحروب فشيبنني *** فلم أر يوما كيوم الجمل
أشد على مؤمن فتنة *** و أقبل منه لخرق بطل
فليت الظعينة في بيتها *** و يا ليت عسكر لم
ير تحل
464 - عنه حدثني شيبان بن فروخ، حدثنا جرير بن حازم، عن أبي سلمة: عن أبي نضرة قال: قال رجل لطلحة والزبير: إن لكما صحبة و فضلا،
ص: 365
فأخبراني عن مسير كما هذا و قتالكما أشيء أمر كما به رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلم، أم رأي رأيتما؟ فأما طلحة فسكت و أما الزبير فقال: حدثنا ان ها هنا بيضاء و صفراء - يعني دراهم و دنانير - فجئنا لنأخذ منها.
465 - عنه حدثت عن زهير بن حرب، عن وهب بن جرير، عن أبيه في هذا الإسناد بمثله.
466 - عنه قالوا: ولما بايع علي أهل البصرة، أراد الشخوص إلى الكوفة، فاستخلف عبد الله بن العباس على البصرة، وخطب فأمر أهلها بالسمع والطاعة له وضم إليه زياد بن أبي سفيان كاتبا، و كان يقال له يومئذ: زياد بن عبيد و سار مع علي وجوه أهل البصرة فشيعوه إلى موقوع و هو موضع قريب من البصرة، منه يرجع المشيعون - ثم رجعوا، و مضى الأحنف بن قيس و شريك بن الأعور إلى الكوفة، ويقال: إنهما لم يبلغاها.
467- عنه قالوا: و تلقى سليمان بن صرد الخزاعي عليا وراء نجران الكوفة فصرف عليّ وجهه عنه حتى دخل الكوفة، وذلك إنه كان ممن تخلف عنه، فلما دخل الكوفة عاتبه و قال له: كنت من أوثق الناس في نفسي. فاعتذر و قال: يا أمير المؤمنين استبق مودتي تخلص لك نصيحتي.
468 - عنه حدثني أبو زكريا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرحمان بن مهدي، حدثنا أبو عوانة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن عبيد بن نضيلة: عن سليمان بن صرد، قال: أتيت عليا حين فرغ من الجمل فقال: لي: تربصت و تنأنأت فكيف ترى صنع الله ؟ قال: فقلت: الشوط بطين و قد بقي من الأمور ما تعرف به صديقك من عدوك.
469 - عنه حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا أبو عوانة، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه عن عبيد بن نضلة: عن سليمان بن صرد، قال:
ص: 366
أتيت عليا بعد الجمل فقال: يا بن صرد تنأنأت و تربصت و تأخرت فكيف ترى صنع الله ؟ فقد أغنى الله عنك.
قلت: إن الشوط بطين يا أمير المؤمنين و قد بقي من الأمور ما تعرف به صديقك من عدوك، فلما قام قلت للحسن:
ما أراك عذرتني عنده وقد كنت حريصا على أن أشهد معه. فقال يلومك و قد قال يوم الجمل: يا حسن هبلتك أمك، ما ظنك بأمر قد جمع بين هذين الغارين ما أرى أن بعد هذا خيرا. قال: فقلت: أمسك لا يسمعك أصحابك فيقولوا: شككت فيقتلوك.
470 - عنه حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الرحمان بن مهدي، عن شعبة، عن أبي عون، عن أبي الضحى مسلم ابن صبيح قال: قال سليمان بن صرد للحسن بن علي: أعذرني عند أمير المؤمنين فإنما منعني من الجمل كذا و كذا. فقال الحسن: لقد رأيته - يعني أباه حين اشتد القتال - يقول: لوددت أني متّ قبل هذا بعشرين سنة.
471 - عنه حدثني أبو قلابة الرقاشي، عن مسدد بن مسرهد، عن يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة «عن أبي عون، عن أبي الضحى عن سليمان بمثله.
472- عنه عن المدائني عن عوانة، قال: قال علي: سرت في أهل البصرة سيرة رسول الله صلّی الله علیه و آله في أهل مكة.
473 - عنه و قال أبو مخنف: قدم علي من البصرة إلى الكوفة في رجب سنة ست وثلاثين. و قال غيره: في رمضان سنة ست وثلاثين و لما قدمها خطب فقال: إن قوما تخلفوا عنى فأنّبوهم و أسمعوهم المكروه.
و سلم عليه قيس بن سعيد الهمداني فقال وعليك و إن كنت من
ص: 367
المتربصين. فقال: يا أمير المؤمنين لست من أولئك. وقال بعضهم: قد كان سعيد بالبصرة. وليس ذلك بثبت.
474 - عنه حدثني الحرمازي، عن العتبي قال: قام الحرث بن حوط الليثي إلى علي فقال له: أتراني أظنّ طلحة والزبير و عائشة اجتمعوا على باطل؟ فقال له علي علیه السّلام: يا حار إنك ملبوس عليك، إن الحقّ و الباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، أعرف الحق تعرف أهله، و اعرف الباطل تعرف من أتاه.
475 - روي ابن عبد ربه عن أبي اليقظان قال: قَدِم طلحة بن عبيد الله و الزّبير بن العوام و عائشة أم المؤمنين البَصرة. فتلقّاهم الناس بأعلي المِربد، حتي لو رموا بحجر ما وقع ألا علي رأس إنسان، فتكلّم طلحة و تكلّمت عائشة، وكثر اللغط، فجعل طلحة يقول: أيها الناس، أنصتوا. و جعلوا يركبونه و لا ينصتون. فقال: أف أف، فَراش نا، و ذباب طمع. و كان عثمان ابن حنيف الأنصاري عامَل عليّ بن أبي طالب علي البصرة.
فخرج اليهم في رِحاله و من معه. فتواقفوا حتي زالت الشمس، ثم أصطلحوا، و كَتبوا بينهم كتاباً أن يكفّوا عن القتال حتي يقدم علي بن أبي طالب، و لعثمان بن حنيف دار الإمارة و المَسجد الجامع و بيت المال، فكفّوا. و وجه علي بن أبي طالب الحسن أبنه و عمّار بن ياسر إلي أهل الكوفه يَستنفرانهم فنفر معهما سبعة آلاف من أهل الكوفة. فقال لهم عمّار.
أما والله إنّي لأعلم أنها زوجته في الدنيا و الآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها لتتّبِعوه أو تتبعوها. و خَرج عليّ في اربعة آلاف من أهل المدينة، فيهم ثمانمائة من الأنصار، و أربعائة ممن شهد بيعة الرضوان مع النبي صلّی الله علیه و آله. و راية عليّ مع ابنه محمد ابن الحنفّية، و علي مَيمنته الحسن، و علي ميسرته
ص: 368
الحسين، و علي الخيل عمّار بن ياسر، و علي الرّجالة محمد بن أبي بكر، و علي المقدمة عبد الله بن عبّاس.
و لواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حِزام، و علي الخيل طلحة بن عبيدالله، و علي الرّجالة عبد الله بن الزّبير. فالتقوا بموضع قصر عبيدالله بن زياد في النّصف من جمادي الآخرة يوم الخميس. و كانت الوقعة يوم الجمعة.
476 - عنه قالوا: لما قدم عليُّ بن أيّ طالب البصرة قال لابن عباس: ائت الزّبير و لا تأت طلحة، فإنّ الزّبير ألين ، و أنت تجد طلحة كالثّور عاقصاً بقَرنه يركب الصّعوبة، ويقول: هي أسهل، فأقرِئه السلام، و قل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز، وأنكرتني بالعِراق، فما عداما بدا.
قال ابن عباس: فأتيته فأبلغته. فقال: قل له: بيننا و بينك عهد خليفة، و دم خليفة، و اجتماع ثلاثة، و أنفراد واحد، و أم مَبرورة، و مشاورة العشيرة، و نَشر المصاحف، نحل ما أحلّت، و نحرّم ما حرّمت.
و قال علي بن ابي طالب: ما زال الزّبير رجلاً منّا أهل البيت حتي أدركه ابنه عبدالله فلفته عنّا.
و قال طلحة لأهل البصرة وسألوه عن بيعة عليّ فقال: أدخلوني في حش ثم وضَعوا اللّج علي قفي فقالوا: بايع وإلا قَتلناك. قوله: اللج، يريد السيف، و قوله: قفي، لغة طيي، وكانت أمه طائية.
477 - عنه قال: و خطبت عائشة أهل البصرة يوم الجمل فقالت: أيها الناس، صه صه، كأنما قطعت الألسن في الأفواه. ثم قالت: إن لي عليكم حرمة الأمومة، و حقّ الموعظة، لا يتهمني إلا من عصي ربّه. مات رسول الله صلّی الله علیه و آله بين سَحري و نَحري، و أنا إحدي نسائه في الجنة، له ادّخرني ربِّي
ص: 369
و سلّمني من كل بضع و بي ميّز بين منافقكم ومؤمنكم، و بي أرحض لكم في صعيد الأبواء.
ثم أبي ثالث ثلاثة من المؤمنين و ثاني اثنين في الغار، و أول من سمّي صِدّيقاً. مضي رسول الله صلّی الله علیه و آله راضياً عنه، و طوقه طوق الأمامة. ثم اضطرب حبل الدين فمسك أبي بطَرفية، و رتق لكم أثناءه فوقم النّفاق، و أغاض نبع الردّة، و أطفأ ما حشت يهود، و أنتم يومئذ جحظ العيون، تنظرون العدوة، و تسمعون الصيحة.
فَرأب الثأي، و أوذم العَطِلة، و أنتاش من الهوة، و أجتحي دفين الداء، حتي أعطن الوارد، و أورد الصادر، و علّ الناهل، فقبضه الله واطئاً علي هامات النفاق، مذكياً نار الحرب للمشركين. و انتظمت طاعتكم بحبله.
ثم وليّ أمركم رجلا مرعياً إذا ركن إليه. بعيداً ما بين اللابتين. إذا ظل، عَروكة للأذاة بجنبه، يَقظان الليل في نصرة الإسلام، فسلك مسلك السابقين، ففرق شمل الفتنة، وجَمَعَ أعضاد ما جَمع القرآن، و أنا نصب المسألة عن مسيري هذا.
لم ألتمس اثما و لم اورِّث فتنة وطئكموها. أقول قولي هذا صِدقاً و عدلا، وإعذاراً و إنذاراً، و أسأل الله أن يصلي علي محمد و أن يَخلفه فيكم بأفضل خلافة المرسلين.
478 - عنه كتبت أم سَلمة زوج النبي الله صلّی الله علیه و آله إلى عائشة أم المؤمنين إذ عزمت علي الخروج يوم الجمل: من أم سلمة زوج النبي صلّی الله علیه و آله إلى عائشة أم المؤمنين، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد، إنك سدّة بين رسول الله صلّی الله علیه و آله و بين أمته، حجاب مضروب علي حرمته. قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه، و سكّر خَفارتك فلا تبتذليها .
ص: 370
فالله من وراء هذه الأمة. لو علم رسول الله صلّی الله علیه و آله أنّ النساء يحتملن الجهاد عهد اليك. أما علمت أنه قد نهاك عن الفراطة في البلاد، فإن عمود الدين لا يثبت باالنساء إن مال، و لا يرأب بهن إن انصدع؟ جهاد النساء غَضُّ الأطراف ، وضَمُّ الذُّيول، و قصر الموادّة. ما كنت قائلة لرسول الله صلّی الله علیه و آله و لو عارضك ببعض هذه الفلوات ناصّة قَعودا، من منهل إلي مَنهل ؟ و غداً تردين علي رسول الله صلّی الله علیه و آله. و اقسم لو قيل لي.
يا ام سلمة، ادخلي الجنة، لاستحييت أن ألقی رسول الله صلّی الله علیه و آله هاتكة ، حجابا ضَربه عليّ. فاجعليه سترك، و قاعة البيت حِصنك؛ فإنّك أنصح ما تكونين لهذه الأمة ما قعدت عن نصرتهم. و لو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله صلّی الله علیه و آله لنهشتني نهش الحية الرّقشاء المطرقة. والسلام.
فأجابتها عائشة: من عائشة أم المؤمنين إلي سلمة، سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فما أقبلني لوعظك، و أعرفني لحق نَصيحتك، و ما أنا بمعتمرة بعد تعريج. و لَنعِم المطلع مَطلع فَرَقت فيه بين فئتين متشاجرتين من المسلمين، فإن أقعد فعن غير حَرج، و إن أمضِ فإلي ما لا غني بي عن الازدياد منه. والسلام.
479 - عنه كتبت عائشة إلي زيد بن صوحان إذ قدمت البصرة: من عائشة أم المؤمنين إلي ابنها الخالص زيد بن صوحان، سلام عليك. أما بعد، فإن أباك كان رأساً في الجاهلية وسيداً في الإسلام، و إنك من أبيك بمنزلة المصلّي من السابق، يقال كاد أو لَحق، و قد بلغك الذي كان في الإسلام من مصاب عثمان بن عفان، و نحن قادمون عليك، و العِيان أشفي لك من الخبر. فإذا أتاك كتابي هذا فثبط الناسَ عن عليّ بن أبي طالب، و كن مكانَك حتي يأتيك أمري، والسلام.
ص: 371
فكتب إليها: مِن زيد بن صوحان إلي عائشة أم المؤمنين. سلام عليك، أما بعد، فإنك امرتِ بأمر و أمرنا بغيره، أمرتِ أن تقرّي في بيتك، و أمرنا أن نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة. فتركتِ ما أمرت به وكتبت تَنهينا عما أمرنا به والسلام.
480 - عنه و خطب علي علیه السّلام بأهل الكوفة يوم الجمل إذ أقبلوا إليه مع الحسن بن عليّ فقام فيهم خطيباً، فقال: الحمد الله رب العالمين، وصلى الله علي سيدنا محمد خاتم النّبيين و آخر المرسلين، أما بعد. فإن الله بعث محمد صلّی الله علیه و آله إلى الثّقلين كافة، و الناس في اختلاف، و العرب بِشرّ المنازل، مستضعفون لما بهم.
فرأب الله به الثّاي، و لأم به الصّدع، و رَتق به الفَتق، و أَمَّن به السبيل، و حَقَن به الدماء، و قَطَع به العدواة الموغِرة للقلوب، و الضّغائن المشحنة للصدور، ثم قَبضه الله تعالي مشكوراً سعيه، مَرضيا عمله، مغفورا ذنبه كريمًا عند الله نزله. فيالها من مصيبة عمّت المسلمين، وخصَّت الأقربين ووَلِيَ أبوبكر فسار فينا بسيرة رِضا، رَضي بها المسلمون.
ثم وَلي عمر فسار بسيرة أبي بكر. ثم ولي عثمان فنال منكم ونِلتم منه. ثم كان من أمره ما كان، أتيتموه فقتلتموه، ثم أتيتموني فقلتم : لو بايعتنا؟ فقلت: لا أفعل، و قبضت يدي فبسطتموها، و نازعتكم كفّي فجذبتموها، و قلتم : لا نَرضي إلا بك، و لا نَجتمع إلا عليك، و تراكمتم عليّ تراكم الابل الهيم علي حياضها يوم ورودها.
حتي ظننت أنكم قاتلىّ و أنّ بعضكم قاتل بعضاً، فبايعتموني، و بايعني طلحة والزّبير، ثم ما لبثا أن استأذناني إلي العمرة. فسارا إلى البَصرة فقاتلا بها المسلمين، و فعلا بها الأفاعيل، و هما يعلمان والله أني لست بدون من
ص: 372
مضي، و لو أشاء أن أقول لقلت: اللهم إنهما قطعا قَرابتي، ونَكثا بَيعتي؛ و ألبّا عليّ عدوّي. اللهم فلا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيها عملا.
481 - عنه أملي عليّ بن محمد عن مسلمة بن محارب عن داود عن أبي هِند عن أبي حرب عن أبي الأسود عن أبيه قال: خرجت مع عمران بن حصين و عثمان بن حنيف ألي عائشة فقلنا: يا أمّ المؤمنين، أخبرينا عن مسيرك هذا. عهد عهده إليك رسول الله صلّی الله علیه و آله؟ أم رأي رأيتيه؟ قالت: بل رأي رأيته حين قتل عثمان بن عفّان، إنا نقمنا عليه ضربه بالسَّوط، و مَوقع المسحاة المحماة، و إمرة سعيد و الوليد.
فعدوتم عليه فاستحللتم منه الثلاث الحرم: حرمة البلد و حرمة الخلافة و حرمة الشهر الحرام، بعد أن مصتموه كما يماص الإناء فغضبنا لكم من سوط عثمان، و لا نغضب لعثمان من سيفكم؟ قلنا: ما أنت وسيفنا و سوط عثمان، و أنت حبيس. رسول الله صلّی الله علیه و آله! أمرك أن تقرّي في بيتك فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض! قالت: و هل أحد يقاتلني أو يقول غير هذا؟ قلنا: نعم.
قالت: و من يفعل ذلك؟ هل أنت مبلغ عني يا عِمران؟ قال: لست مبلغاً عنك حرفا واحدا قلت لكنّني مبلغ عنك، فهات ما شئت. قالت: اللهم اقتل مذمّما قصاصاً بعثمان، و أرم الأشتر بسهم من سهامك لا يشوي، وأدرك عمّاراً بخَفره بعثمان.
482 - عنه عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا عبد الله بنت أدريس عن حصين عن الأحنف بن قيس قال: قدمنا المدينة و نحن نريد الحج، فانطلقت فأتيت طلحة والزّبير، فقلت: إنّي لا أري هذا إلا مقتولا، فمن تأمراني به كما ترضيانه لي؟ قالا: نأمرك بعليّ. قلت: فتأمراني به و ترضيانه
ص: 373
لي؟ قالا : نعم. قال: ثم انطلقت حتي أتيت مكة.
فبينما نحن بها إذ أتانا قتل عثمان و بها عائشة أم المومنين، فانطلقت إليها فقلت: مَن تأمريني أن أبايع؟ قالت عليّ بن أبي طالب علیه السّلام . قلت: أتأمريني به و ترضينه لي؟ قالت: نعم. قال: فمررت علي عليّ بالمدينة فبايعته، ثم رجعت إلي البصرة، و أنا أري أن الأمر قد استقام؛ فما راعنا إلا قدوم عائشة امّ المؤمنين و طلحة والزّبير قد نزلوا جناب الخربية.
قال: فقلت: ما جاء بهم؟ قالوا: قد أرسلوا إليك يستنصرونك علي دم عثمان، أنه قتل مظلوما.
قال: فأتاني أفظع أمر لم يأتني قطُّ قلت: إنَّ خِذلان هؤلاء و معهم أم المؤمنين وحواريّ رسول الله صلّی الله علیه و آله لشديد و أنّ قتال ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله بعد أن أمروني ببيعته لشديد. قال: فلما أتيتهم قالوا: جئناك نَستصرخك علي دم عثما، قتل مظلوماً.
قال: فقلت: يا أم المؤمنين، أنشدك الله، أقلت لك: مَن تأمريني به و ترضينه لي، فقلت: عليّ؟ قالت: بلي، ولكنه بدّل. قلت: يا زبير، يا حواريّ رسول الله، و يا طلحة، نَشدتكما بالله، قلت لكما: مَن تأمراني به و تَرضيانه لي، فقلتها عليّ؟ قالا: بلي، ولكنه بدّل.
قال: والله لا اقاتلكم و معكم أمّ المؤمنين، و لا أقاتل عليّا ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله ، ولكن اختاروا مني أحدي ثلاث خصال.
إما أن تفتحوا لي باب الجِسر فألحق بأرض الأعاجم حتي يَقضي الله من أمره ما يقضي، و إمّا أن الحق بمكة فأكون بها، أو أَتحول فأكون قريبا ؟ قالوا: نَأتمر ثم نرسل إليك. قال: فأتمروا وقالوا.
نَفتح له باب الجسر فيلحق به المفارق والحاذل، أو يلحق بمكة
ص: 374
فيفحشكم في قسريش و يخبرهم بأخباركم، اجعلوه هاهنا قريباً حيث تَنظرون اليه. فأعتزل بالجلحاء. من البَصرة علي فرسخين، و اعتزل معه زهاء ستة آلاف من بني تميم.
483 - عنه قال أبو الحسن: كانت وقعة الجمل يوم الجمعة في النّصف من جمادي الآخرة، التقوا فكان أوّلَ مَصروع فينا طلحة بن عبيد الله، أتاه سَهم غَرب فأصاب ركبته، فكان إذا أمسكوه فتر الدم، و أذا تَركوه انفجر، فقال لهم: اتركوه، فإنما هو سهم هو سهم أرسله الله .
484 - عنه عن حمّاد بن زيد عن يحيي بن سعيد قال: قال طلحة يوم الجمل:
ندمت ندامة الكسعيّ لما *** طلبت رضا بني حزم بزعمي
اللهم خذ منيّ لعثمان حتى يرضي.
485 - عنه من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: لما رأي مروان بن الحكم يوم الجمل طلحة بن عبيد الله قال: لا أنتظر بعد اليوم بثأري في عثمان، فانتزع له سهماً فقَتله.
486- عنه و من حديث سفيان التّوري قال: لما انقضي يوم الجمل خرج علي ابن أبي طالب في ليلة ذلك اليوم و معه مولاه و بیده شَمعة يتصفّح وجوه القتلي، حتى وَقف علي طلحة بن عبيد الله في بَطن وادٍ متعفّرا، فجعل يمسح الغبار عن وجهه ويقول: أعزز عَليّ يا أبا محمد أن أراك متعفراً تحت نجوم السماء و في بطون الأودية، إنا لله و إنا إليه راجعون.
شقیت نفسي وقتلت معشري إلي الله أشكو عجري و بجري. ثم قال: والله أنى لأرجو أن أكون أنا و عثمان و طلحة والزّبير من الذين قال الله فيهم: «وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ من غِلَّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» و إذا لم
ص: 375
نكن نحن فمن هم ؟
487 - عنه عن أبي إدريس عن لبث بن طلحة عن مطرّف: أن عليّ بن أبي طالب أجلس طلحة يوم الجمل و مَسح الغبار عن وجهه و بَكي عليه.
488 - عنه من حديث سفيان: أنّ عائشة بنت طلحة كانت تري في نومها طلحة، وذلك بعد موته بعشرين يوما؛ فكان يقول لها: يا بنية، أَخرجيني من هذا الماء الذي يوذيني. فلما انتبهت من نَومها جَمعت أعوانها نَهضت فَنبشته، فوجدته صَحيحاً كما دفن لم تَنحَسر له شعرة، و قد أخضر جَنبه كالسّلق من الماء الذي كان يسيل عليه.
فلفّته فى الملاحف و اشترت له عَرصة بالبصرة فدفنته فيها، و بَنت حوله مسجدا. قال: فلقد رأيت المرأة من أهل البَصرة تقبل بالقارورة من البان فتصبّها علي قبره حتى تفرغها، فلم يَزلن يَفعلن ذلك حتى صار تراب قبره مِسكا أدفر.
489 - عنه و من حديث الخشنى قال: قال لما قتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل وجدوا في تَركته ثلثمائة بهار من ذهب وفضّة. و البهار: مِزود من جلد عجل. وقع قوم في طلحة عند عليّ بن ابي طالب فقال: أما والله لئن قلتم فيه إنه لكما قال الشاعر:
فتيً كان يدنيه الغِني من صديقه *** إذا ما هو استغني استغني و يبعده الفَقر
كأن الثريّا علقت في يَمينه ***وفي خَدِّه الشّعري وفي الآخر البدر
490 - عنه عن شريك عن الأسود بن قيس قال: حدّثني مَن رأي الزّبير يوم الجمل يَقعص الخيل بالرّمح قَعصا، فنوّه به عليّ: أبا عبدالله، أتذكر يوماً أتانا النبيُّ صلّی الله علیه و آله و أنا أنا جيك فقال: أتناجيه! والله ليقاتلنّك و هو ظالم لك. قال : فصَرف الزّبير وَجه دابته وانصرف.
ص: 376
491 - عنه قال أبو الحسن: لما انحاز الزّبير يومَ الجمل مرّ بماء لبني تَميم، فقيل للأحنف بن قيس هذا الزّبير قد أقبل. قال: و ما أصنع به أن جَمع بين هذين الغَزِيّين و ترك الناس و أقبل - يريد بالغَزِيّين المعسكرين - و في مجلسه عمرو بن جَرموز المجاشعيّ، فلما سمع كلامَه قام من مجلسه و اتبعه حتي وجده بوادي السّباع نائماً فقتله، و أقبل برأسه إلي عليّ بن أبي طالب. فقال عليّ: أبشر بالنار، سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: بشّروا قاتل الزّبير بالنار. فخرج عمرو بن جرموز و هو يقول:
أتيت عليّاً برأس الزّبير *** وقد كنت أحسبها زلفه
فبشّر بالنار قَبل العِيان فبئس بشارة ذى التّحفه
492 - عنه و من حديث ابن أبي شيبة قال: أقبل رجل بسيف الزّبير إلي الحسن بن عليّ، فقال: لا حاجة لي به، أدخله إلي أمير المؤمنين. فدخل به إلي عليّ، فناوله أياه و قال: هذا سيف الزّبير. فأخذه عليّ، فنظر إليه مليّا ثم قال: رحم الله الزّبير. لطالما فرَّج به الكرب عن وجه رسول الله صلّی الله علیه و آله. و قالت امرأة الزبير ترثيه:
غَدر ابن جرموز بفارس بهمةٍ *** يوم الهِياج و كان غير معَدّد يا یا عمرو لو
نَبّهته لوجدته لاطائشا *** رَعشِ الجَنان ولا اليد
تَكِلتك أمك أن قَتلت لمسلما *** حَلّت عليك عقوبة المتعمّد
493 - عنه وقال جرير ينعي علي بن مجاشع قتل الزبير:
إني تذكِّرني الزبَير حمامة *** تَدعو ببَطن والواديين هَديلا
قالت قريش ما أذلَّ مجاشعاً *** جاراً و أكرم ذا القتيل قَتيلا
لو كنت حرّاً يابن قَين مجاشع *** شيّعت ضيفك فرسخاً أو ميلا
أفبعد قتلكم خليل محمدٍ *** ترجو القيون مع الرسول سبيلا
ص: 377
494 - عنه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن الزبير قال: دعاني أبي يوم الجمل فقمت عن يمينه، فقال: إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، و ما أرانى إلا سأقتل مظلوما، و إنّ أكبر همّي ديني، فبع مالي ثم اقض ديني، فإن فضل شيء فثلثه لولدك، و إن عجزت عن شيء يا بني فاستعن مولاي. قلت: و من مولاك يا أبت؟ قال: الله.
قال عبدالله بن الزبير : فوالله ما بقيت بعد ذلك في كربة من دينه أو عسرة إلا قلت: يا مولي الزبير، اقض عنه دينه، فيقضيه. قال: فقتل الزبير و نظرت في َدينه فإذا هو ألف ألف و مائة ألف. قال: فبعت ضيعة له بالغابة بألف ألف وستمائة ألف، ثم ناديت: مَن كان له قِبل الزّبير شيء فليأتنا نقضه. فلما قضيت دينَه أتاني إخوتي فقالوا: اقسم بيننا ميراثنا.
قلت: والله لا أقسم حتي أنادي أربعَ سنين بالموسم: من كان له علي الزبير شيء فليأتنا نقضه. قال: فلما مَضت الأربع السنين أخذت الثّلث لولدي، ثم قسمت الباقي. فصار لكل أمرأة من نسائه - و كان له أربع نسوة في ربع الثّمن ألف ألف و مائة ألف. فجميع ما ترك مائة ألف ألف وسبعمائة ألف ألف.
495 - عنه من حديث ابن أبي شيبة قال: كان عليّ يخرج مناديه يوم الجمل يقول: لا يسلبن قتيل، و لا يتبع مدبر، ولا يجهز علي جَريح.
496 - عنه قال: و خرج كعب بن ثور من البصرة قد تقلّد المصحف في عنفه، فجعل يَنشره بين الصّفين و يناشد الناس في دِمائهم، إذ أتاه سَهم فَقتله و هو في و هو في تلك الحال لا يدري. مَن قتله.
497 - عنه قال عليّ بن أبي طالب علیه السّلام يوم الجمل للأشتر، و هو ما لك ابن الحارث، و كان علي الميمنة: احمل. فحمل، فكشف من بإزائه. و قال
ص: 378
لهاشم بن عقبة، أحد بني زهرة بن كلاب، و كان علي الميسرة: احمل. فحمل، فكشَف من بإزائه. فقال عليّ لأصحابه : كيف رأيتم مَيسرتي و مَيمنتي
498 - عنه عن الحشني عن أبي حاتم السّبحستاني قال: أنشدني الأصمعي عن رجل شَهد الجمل يقول:
شهدت الحروب وشَيَّبنني *** فلم تر عيني كيوم الجمل
أضرَّ على مومن فتنة *** وأفتك منه لخرق بطل
فليت الظّعينة في بيتها *** وليتك عسكر لم تر تحل
499 - عنه ابن منيه وهب لعائشة و جعل له هَوَدجاً من حديد، و جَهز من ماله خَمسمائة فارس بأسلحتهم وأزودتهم. و كان أكثر أهسل البصرة مالا. و كان علي بن ابيطالب يقول: بليت بأنَضّ الناس: يَعلي بن منية، و كان أكثر الناس ناضَّا؛ و يريد بأنطق الناس: طلحة بن عبيدالله؛ و أطوعِ الناس عائشة أم المؤمنين.
500 - عنه أبي بكر بن أبي شيبة عن مَخلد بن عبيد الله عن التّميمي قال: كانت راية علي يوم الجمل سوداء، و راية أهل البصرة كالجمل.
501 - عنه عن الأعمش عن رجل سماه قال: كنت أري عليّاً يوم الجمل يحمل فيضرب بسيفه حتى يَنثي، ثم يرجع فيقول: لا تلوموني و لوموا هذا، ثم يعود و يقوّمه.
502 - عنه من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: قال عبد الله بن الزبير: التقيت مع الأشتر يوم الجمل، فما ضَربته ضربة حتى ضَربني خمسة أو ستة، ثم جرّ برجلي فألقاني في الخندق، و قال: والله لولا قربك من رسول الله صلّی الله علیه و آله ما أجتمع فيك عضو إلى آخر.
ص: 379
503 - عنه عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: أعطت عائشة الذي بَشرها بحياة ابن الزبير، إذا التقي مع الأشتر يوم الجمل، أربعة آلاف.
504 - عنه عن سعيد عن قتادة قال: قتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفاً، مهم ثمانمائة من بني ضبّة.
505 - عنه وقالت عائشة: ما أنكرت رأس جملي حتى فقدت أصوات بني عديّ. وقتل من أصحاب عليّ خمسائة رجل، لم يعرف منهم إلا عِلباء ابن الهثيم وهِند الجمليّ، قتلها ابن اليَثربيّ، و أنشأ يقول:
إني لمن يجهلني ابن اليثربيّ *** قتلت علباء و هند الجمليّ
506 - عنه عن عبدالله بن عون عن أبي رجاء قال: لقد رأيت الجمل حينئذ و هو كظهر القنفذ من النّبل، و رجل من بني ضبّة آخذ بخطامه و هو یقول:
نحن بنو ضشبّة أصحاب الجمل *** الموت أحلي عندنا من العسل
تعني ابن عفّان بأطراف الأسل
507 - عنه عن عنذر قال: حَدّثنا شعبه عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبدالله بن سَلمة، و كان مع عليّ بن أبي طالب يوم الجمل، و الحارث بن سويد، و كان مع طلحة والزّبير، و تذاكرا وقعة الجمل، فقال الحارث بن سويد: والله ما رأيت مثلَ يوم الجمل، لقد أَشرعوا رِماحَهم في صدورنا و أشرعنا رماحَنا صدورهم، و لو شاءت الرجال أن تَمشي عليها لمشت.
يقول هؤلاء: لا إله إلا الله والله اكبر و يقول هؤلاء : لا إله إلا الله والله أكبر، فوالله لَوددت أني لم أشهد ذلك اليوم، و أني أعمي مقطوع اليدين و الرّجلين. وقال عبدالله بن سلمة: والله ما يسرّني أني غِبت عن ذلك اليوم و لا عن مَشهد شَهِده عليّ بن أبي طالب علیه السّلام بحمر النعم.
ص: 380
508- عنه عن عليّ بن عاصم عن حصين قال: حدبثني أبو جميلة البكاء قال: إني لفي الصّف مع علي بن طالب إذ عقر بأم المؤمنين جملها، فرأيت محمد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر يشتدّان بين الصّفين أيهما يَسبق إليها، فقطعا عارضة الرّحل و احتملاها في هَودجها.
509 - عنه و من حديث الشّعبي قال: مَن زَعم أنه شهد الجمل من أهل بَدر إلا أربعة، فكذّبه، كان عليّ وعمار في ناحية، و طلحة والزّبير في ناحية.
510 - عنه عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدّثني خالد بن مَخلد عن يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أَبزَي قال: انتهي عبدالله بن بديل إلى عائشة و هي في الهَودج فقال: يا أم المؤمنين، أنشدك بالله، أتعلمين أني أتيتك يومَ قتل عثمان فقلت لك: إن عثمان قد قتل فما تأمرينني.
فقلت لي: الزم عليّا ؟ فوالله ما غَيّر و لا بدّل. فسكتت. ثم أعاد عليها. فسكتت. ثلاث مرات. فقال: اعقِروا الجَمل، فعقروه. فنزلت أنا و أخوها محمد أبن أبي بكر فاحتملنا الهودج حتي وضعناه بين يدي عليّ، فسر به، فأدخل في منزل عبدالله بن بديل.
511 - عنه قالوا: لما كان يوم الجمل ما كان، و ظَفِر عليّ ابن أبي طالب دنا من هودج عائشة، فكلّمها بكلام. فأجابته: ملكتَ فأَسجع فجّهزَها عليّ بأحسن الجِهاز و بَعث معها أربعين امرأة وقال بعضهم: سبعين امرأة حتي قدمت المدينة.
512 - عنه عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما انقضي الجمل دعا عليّ ابن ابي طالب بآجرّتين فعلاهما ، فَحمد الله و أنثي عليه، ثم قال: يا أنصار المرأة، وأصحاب البَهيمة، رَغا فجئتم، و عقر فهزمتم، نزلتم شرَّ بلاد، أبعدها من السماء، بها مغيض كلِّ ماء، و لها شرُّ أَسماء، هي البصرة والبصيرة و
ص: 381
المؤتفكة وتَدمر، أين ابن عباس؟ قال: فدعيت له من كل ناحيه، فأقبلت إليه، فقال: ائت هذه المرأة، فَلترجع إلي بيتها الذي أمرها الله أن تقر فيه.
قال: فجئت فاستأذنت عليها، فلم تأذن لي، فدخلت بلا إذن و مَددت يدي إلي وِسادة في البيت فجلست عليها. فقالت: تالله يابن عباس ما رأيت مثلك! تَدخل بيتَنا بلا إذننا، و تجلس علي وسادتنا بغير أمرنا. فقلت:
والله ما هو بيتك، و لا بيتك إلا الذي أمرك الله أن تَقرِّي فيه فلم تَفعلني، إن أمير المؤمنين يأمرك أن تَرجعي إلي بلدك الذي خرجتِ منه. قالت: رحم الله أَمير المؤمنين، ذاك عمر بن الخطاب. قلت: نعم، و هذا أَمير المؤمنين عليُّ بن أَبي طال. قالت: أَبيت أَبيت.
قلت: ما كان إباؤك إلا فوَاقَ ناقة بكيئة، ثم صرتِ ما تحلين ولا تمرِّين و لا تَأمرين و لا تَنهين. قال: فبكت حتي علا نشيجها. ثم قالت: نعم، أرجع، فإن أبغض البلدان إلىّ بلد أنتم فيه. قلت: أما والله ما كان ذلك جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أمّا، وجعلنا أباك لهم صدّيقاً.
قالت: أتمنُّ عليّ برسول الله يابن عباس؟ قلت: نعم، نَمن عليك بمن لو كان منك بمَنزلته منّا لمننت به علينا. قال ابن عباس: فأتيت عليّاً فأخبرته، فقبّل بين عينيَّ، و قال: بأبي ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم.
513- عنه من حديث ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن عطاء بن السائب: أن قاضيا من قضاة أهل الشام أتي عمرَ بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، رأيت رؤيا أفظعتني. قال: و ما رأيت؟ قال: رأيت الشمس و القمر يَقتتلان و النجوم معهما نصفين.
قال: فمع أيّهما كنتَ؟ قال: مع القمر علي الشمس. قال عمر بن الخطاب: «وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ايَتَيْنِ فَتَحَوْنَا آيَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ
ص: 382
مُبْصِرَةً» فانطلق، فوالله لا تعمل لي عملا أبداً. قال: فبلغني أنه قتل مع معاوية بصفّين.
514 - عنه أبي بكر بن أبي شيبة قال: أقبل سليمان بن صرد، و كانت له صحبة مع النبي صلّی الله علیه و آله، إلي عليّ بن أبي طالب بعد وقعة الجمل، فقال له: تنأنات و تَزحزحت و تَرَبّصت، فكيف رأيت الله صَنع؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنّ الشوط بِطين، و قد بقي من الأمور ما تَعرف به عدوّك من صَديقك.
515 - وكتب عليُّ بن أبي طالب إلي الأشعث بن قيس بعد الجَمل، و كان والياً لعثمان علي أذربايجان: سلام عليك، أما بعد. فلولا هنات كنَّ منك لكنت أنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس، و لعلّ أمرك يحمل بعضه بعضاً إن اتقيتَ الله، وقد كان من بيعة الناس إيّاي ما قد بَلَغك، وقد كان طلحة و الزّبير أول من بايعني.
ثم نكتا بيعتي من غير حَدَث و لا سَبب، وأخرجا امّ المؤمنين، فساروا إلى البصرة و سرت إليهم فيمن بايعتي من المهاجرين والأنصار، فالتقينا، فدعوتهم إلي أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه، فأبوا، فأبلغت في الدّعاء و أحسنت فى البقيا، وأمرت ألا يذفّ علي جريح و لا يتبع منهزم و لا يسلب قَتيل، و من ألقی سلاحه و أغلق بابه فهو آمن.
و اعلم أن عملك ليس لك بطعمة، إنما هو أمانة في عنقك، و هو مال من مال الله ، و أنت من خزّاني عليه حتي تؤدية إلّى إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.
فلما بلغ الأشعث كتاب عليّ قام فقال: أيها الناس، إن عثمان بن عفان و لأني أذربيجان فهلك، وقد بقيت في يدي، وقد بايع الناس عليّاً و طاعتنا
ص: 383
له واجبة، وقد كان من أمره و أمر عدوّه ما كان، و هو المأمون علي من غاب من ذلك المَجلس ، ثم جلس.
516 - عنه أبي بكر بن أبي شيبة قال: سئل عليّ عن أصحاب الجمل: أَمشركون هم؟ قال: مِن الشّرك فَرّوا. قال: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يَذكرون الله إلا قليلا. قال: فما هم! قال: إخواننا بَغوا علينا.
517 - عنه قال مرّ عليُّ فقال: اللهم اغفر لنا و لهم، و معه محمد بن أبي بكر و عمّار ابن ياسر ، فقال أحدهما لصاحبه: أما تسمع ما يقول قال: اسكت لا يزيدك.
518 - عنه عن وكيع عن مسعر عن عبد الله بن رياح عن عمّار قال: لا عبدالله تقولوا: كفر أهل الشام، ولكن قولوا: فسقوا و ظلموا.
519 عنه وسئل عمار بن ياسر عن عائشة يوم الجمل فقال: أما والله إنا لنعلم أنها زوجته في الدّنيا والآخرة، ولكنّ الله ابتلاكم بها ليعلم أَتتبعونها.
520 - عنه و قال عليّ ابن أبي طالب يوم الجمل: إن قوماً زَعموا أَنّ البَغي كان منّا علهيم، و زَعمنا أَنه منهم علينا، و إنما اقتتلنا علي البغي و نقتتل علي التكفير.
521 - عنه أبي بكر بن أبي شَيبة قال: أول ما تكلّمت به الخوارج يوم الجَمل قالوا: ما أَحَلَّ لنا دماءَهم و حرّم علينا أموالهم! فقال عليّ: هي السنة في اهل القِبلة.
قالوا: ما نَدري ما هذا؟ قال: فهذه عائشة رأس القوم، أتتساهمون عليها! قالوا: سبحان الله! أمنا. قال: فهى حَرام؟ قالوا: نعم. قال: فإنه يَحرم من أبنائها ما يَحرم منها.
522 - عنه قال: و دخلت أم أو في لعبدية على عائشة بعد وقعة الجمل
ص: 384
فقالت لها: يا أم المؤمنين، ما تقولين في امرأةٍ قَتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت: وجبت لها النار. قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صَعيد واحد؟ قالت: خذوا بيد عدوّة الله.
523 - عنه ماتت عائشة في أيام معاوية، وقد قاربت السبعين. وقيل لها: تدفين مع رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟ قالت: لا، إني أحدثت بعده حَدثاً فادفِنوني مع إخوتي بالبقيع.
و قد كان النبي صلّی الله علیه و آله قال لها يا حميراء كاني بك تنبحك. كلاب الحوّب. تقاتلين و أنت له ظالمة. و الحوب، بضم الحاء و تنقيل الواو، وقد زعموا أن الحوَّب ماء فى طريق البصرة. قال في ذلك بعض الشيعة:
إني أدين بحب آل محمدٍ *** وبني الوصي شهودهم والغيّب
وأنا البريء من الزّبير وطلحة *** و مين التي نَبحت كلاب الحوّب
524 - روي الرافعي عن محمد بن أحمد بن راشد أبوبكر بن أبي الوزير القزويني حدث عنه أبي الحسن القطان في الطوالات فقال: ثنا محمد بن أبي الوزير القزويني ثنا أحمد ثنا أحمد بن محمد بن أبي سلم ثنا محمد بن محمد بن حسان ثنا أسباط و مالك بن إسماعيل عن أبي اسرائيل عن الحكم قال:
شهد مع علي علیه السّلام الثمانون بدریا و مائتان و خمسون ممن بايع تحت الشجرة - و به.
525 - عنه عن محمد بن حسان ثنا نصر عن عبد الله بن مسلم الملائي عن أبيه عن حبة العرني عن علي علیه السّۀام أنه تقدم علي بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله الشهباء بين الصفين.
قال فدعا الزبير فكلمه فدنا حتي اختلف اعناق دابتهما. فقال: الزّبير أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله يقول ستقاتله و أنت ظالم له قال اللهم
ص: 385
نعم قال فلم جئت قال جئت لأصلح بين الناس، قال أدبر الزبير و هو يقول:
ترك الأمور التي نخشي عواقبها *** لله امثل في الدنيا و في الدين
أني علي بأمر كنت أعرفه *** قد كان عمر أبيك الخير مذحين
فقلت حسبك من عذل أبا حسن *** بعض الذي قلت من ذا اليوم يكفيني
فاخترت عارا علي نار مؤججة *** أتي يقوم لها خلقا لها خلقا من الطين
قد كنت أنصره حينا و ينصرني *** في النايبات و يرمي من يراميني
حتي ابتلينا بأمر ضاق مصدره *** فأصبح اليوم ما يعنيه يغني
526 - قال الموفق الخوارزمي: أخبرنا الشيخ الأمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبدالله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب الي من همدان أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد باصبهان فيما اذن لي في الرواية عنه حدثنا الشيخ الأديب أبو يعلي عبدالرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث وسبعين و اربعمائة قال أخبرنا الامام الحافظ طراز المحدثين أبوبكر أحمد بن موسي بن مردويه الأصبهاني.
قال ابو النجيب سعد بن عبدالله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي و أخبرنا بهذا الحديث عاليا الامام الحافظ إبراهيم إبن سليمان الأصبهاني في كتابه الي من أصفهان سنة ثمان وثمانين و أربعمائة عن الحافظ أبي بكر بن أحمد بن موسي بن مردويه حدثنا محمد بن علي بن رحيم حدثنا أحمد بن حازم أخبرنا شهاب بن عباد حدثني جعفر بن سليمان عن أبي هارون عن أبي سعيد.
قال: ذکر رسول الله صلّی الله علیه و آله لعلي علیه السّلام ما يلقي من بعده قال فبكي
ص: 386
علي علیه السّلام و قال اسئلك بحق قرابتي منك و بحق صحبتي الا دعوت الله لي ان يقبضني اليه قال يا علي سألتني أن أدعو الله لأجل مؤجل قال: فقال يا رسول الله صلّی الله علیه و آله علي ما اقاتل القوم قال علي الاحداث في الدين.
527 - عنه بهذا الاسناد عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسي بن مردويه هذا أخبرنا محمد بن علي بن رحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا عثمان بن محمد حدثنا يونس ابن أبي يعقوب حدثنا حماد بن عبدالرحمن الانصاري عم أبي سعيد التميمي عن علي علیه السّلام قال عهد الي رسول الله صلّی الله علیه و آله أن أقاتل الناكثين والقاسطين و المارقين فقيل له يا أمير المؤمنين من الناكثون؟ قال: الناكثون أهل الجمل و المارقون الخوارج، والقاسطون أهل الشام.
528 - عنه بهذا الأسناد عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسي بن مردويه بهذا حدثني محمد بن أحمد البزاز حدثني جدي محمد بن الخطاب حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا عبد الجبار بن العباس عم عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال ذكر النبي صلّی الله علیه و آله خروج بعض ازواجه فضحكت عايشة فقال انظري يا حميرا أن لا تكونيه أنت ثم التفت الي علي بن أبي طالب فقال يا أبا الحسن ان وليت من أمرها شيئاً فارهق بها.
529- عنه أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شیرویه بن شهردار الديلمي فيما كتب الي من همدان أخبرنا أبوالفتح عبدوس ب-ن عبدالله بن عبدوس الهمداني كتابة عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد ابن الطاهر الجعفري باصبهان عن الحافظ أبي بكر أحمد بكر أحمد بن موسي بن مردويه بن فورك الاصبهاني حدثا محمد بن الحسين الدقاق البغدادي حدثنا محمد بن عثمان عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابراهيم بن الحسن التغلبي.
ص: 387
حدثنا يحيي بن يعلي حدثنا عمر بن يزيد حدثني عبدالله ابن حنظلة حدثني شهر بن حوشب قال: كنت عند أم سلمة فسلم رجل فقالت مر أنت؟ قال: أنا أبو ثابت مولي أبي ذر قالت مرحباً بأبي ثابت أدخل فدخل فرحبت به فقالت این طارقلبك حين طارت القلوب مطارها قال مع علي ابي أبي طالب علیه السّلام.
قالت وفقت للهدي والذي نفس أم سلمة بيده سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: علسي مع القرآن و القرآن مع علي لن يفترقا حتي بردأ علي الحوض و لقد بعثت إبني عمر و ابن أخي عبدالله أبي أمية فأمرتهما بأن يقاتلا مع علي الا من قاتله و لو لا عن رسول الله صلّى الله عليه و آله أمرنا أن نقر في محالنا أو في بيوتنا لخرجت حتى أقف في صف علي ابن أبي طالب.
530 - عنه أخبرني أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي هذا فيما كتب الي من همدان أخبرني عبدوس هذا كتابة عن الشريف أبي طالب الفضل ابن محمد بن طاهر الجعفري باصبهان عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسي بن مردويه بن فورك الاصبهاني حدثني محمد بن عبدالله بن الحسين حدثني علي بن الحسين بن اسماعيل حدثني محمد بن الوليد العقيلي.
حدثني قثم بن قتادة الحراني حدثنا وكيع عن خالد النوا عن الاصبغ ابن نباتة قال: لما أن أصيب زيد بن صوحان يوم الجمل أتاه علي علیه السّلام و به رمق فوقف عليه و هو لما به فقال رحمك الله يا زيد فوالله ما عرفناك إلا خفيف المؤنة كثير المعونة قال فرفع اليه رأسه و قال و أنت مولاي يرحمك الله.
فوالله ما عرفتك إلا بالله عالما و بآياته عارفاً والله ما قاتلت معك من
ص: 388
جهل ولكني سمعت حذيفة بن اليمان يقول سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول علي أمير البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله ألا و ان الحق معه و يتبعه ألا فميلوا معه.
531 - عنه و أخبرنا الشيخ الأمام الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي أخبرني الامام القاضي شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ أخبرني شيخ السنة والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ حدثني أبو عبدالله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثني الحسن بن علي بن عفان العامري حدثني عبيد الله بن موسي حدثني ابن ميمونة عن أبي بشير الشيباني.
قال لما قتل عثمان اختلف الناس الي علي علیه السّلام يقولون له نبايعك و معهم طلحة والزّبير و المهاجرون والانصار فقال لا حاجة لي في الإمرة انظروا من تختارون أكون معكم قال فاختلفوا اليه أربعين ليلة فابوا عليه إلا أن يكون يفعل وقالوا نحن منذ أربعين ليلة ليس أحد يأخذ على سفيهنا.
فقال علي علیه السّلام أصلي بكم و تكون مفاتيح بيت المال بيدي و ليس أمري دونكم أترضون بهذا ؟ قالوا نعم قال وليس لي أن أعطى أحداً درهما دونكم؟ قالوا نعم يقول ذلك لهم ثلاثة أيام قالوا نعم فقعد علي المنبر و بايعه الناس قال فنزل واعطي كل ذي حق حقه و سكن الناس وهدوا قال فلم يكن إلا يسيراً حتى دخل عليه طلحة و الزّبير فقالا:
يا أمير المؤمنين ان أرضنا أرض شديدة و عيالنا كثير و نفقتنا قليلة قال: الم أقل لكم أني لا اعطي أحداً دون أحد؟ قالا نعم قال فأتوني باصحابكم فان رضوا بذلك أعطيتكم وإلا لم أعطكم دونهم و لو كان عندي شيء اعطيتكم من الذي لي لو انتظرتم حتي يخرج عطائي أعطيتكم
ص: 389
من عطائي قالا ما نريد من مالك شيئاً و خرجا من عنده فلم يلبثا إلا قليلا حتي دخلا عليه فقالا أتأذن لنا في العمرة؟
قال ما تريدان العمرة ولكن تريدان الغدرة قالا كلا قال قد أذنت لكما اذهبا قال فخرجا حتي أتيا مكة وكانت أم سلمة و عائشة بمكة فدخلا علي أم سلمة فقالا لها و شكيا اليها فوقعت منهما و قالت انتما تريدان الفتنة و نهتهما عن ذلك نهياً شديداً قال فخرجا من عندها حتي أتيا عائشة فقالا لها ذلك و قالا يريد أن تخرجي معنا نقاتل هذا الرجل قالت نعم.
قال فكتب أمير مكة الي علي علیه السّلام أن طلحه و الزّبير جاءاً فاخرجا عائشة ما ندري أين خرجا بها قال فصعد المنبر فدعا الناس فقال انا كنت أعلم بكم فأبيتم قالوا وما ذاك؟ قال ان طلحة والزبير أتياني فذكرا حالها فقلت ليس عندي شيء فاستأذناني في العمرة فقد أخرجا عائشة الي البصرة تقاتلكم قالوا نحن معك فمرنا بامرك.
فقال ان هؤلاء يجتمعون عليكم و أرضكم شديدة سيروا أنتم اليهم و كتب الى أمير الكوفة يستنفر الناس قال فاجتمعوا بالبصرة فقال علیه السّلام من يأخذ المصحف ثم يقول لهم ماذا تنقمون تريقون دماءنا و دمائكم فقال رجل أنا يا أمير المؤمنين أمضي أليهم انك مقتول قال: لا أبالي قال خذ المصحف قال فذهب اليهم فقتلوه، ثم قال من الغد مثل ما قال بالامس.
فقال رجل أنا قال أنك مقتول كما قتل صاحبك بالامس قال: لا أبالي قال فذهب فقتل ثم قتل آخر كل يوم واحد فقال على علیه السّلام قد حل لكم قتالهم الآن قال فبرز هؤلاء وهؤلاء فاقتتلوا قتالا شديداً قال و قتل طلحة في المعركة و أنهزم أصحاب الجمل قال وعائشة واقفة علي بعيرها ليس عندها أحد.
ص: 390
فقال علي علیه السّلام لمحمد بن أبي بكر خذ بزمام بعير اختك فأتاها فقالت من أنت؟ قال أنا أخوك من أبيك قالت كلا قال بلي و لو كرهت قالا كان علي علیه السّلام قال قبل ذلك يسأل عن ابن الزبير قالوا هاهو ذا واقف فأرسل اليه رسولا أن أدن مني حتي أخبرك قال و الزبير في السلاح و علي علیه السّلام عليه قباطاق و برنس و سیف و قلنسوة فقال له الحسن يا أمير المؤمنين ذاك في السلاح و ليس عليك إلا ما أري.
فقال له على علیه السّلام أنته عني قال فدنا كل واحد منهما الي صاحبه حتي اختلف رؤس دابتيهما فقال له علي علیه السّلام تذكر يوم كنت أنا و أنت في مكان كذا و كذا فمر رسول الله صلّی الله علیه وآله فقال لك لتقاتلن هذا و أنت ظالم له فقال له الزّبير نعم جري ذلك ذكرتنى ما قد نسيته فلن أسل عليك سيفا فأدبر فقال له عبدالله ابنه ما هذا الذي ذكرك لك علي؟
فقال: ذكرني شيئاً قد كنت نسيته فقال بعد ما أخرجت القوم تتركهم و تذهب و أخذ يوبخه و قال لعلك رأيت الموت الاحمر تحت رأيات ابن أبي طالب لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤسنا أبداً فغضب الزبير من ذلك فصاح بفرسه و حمل علي أصحاب علي علیه السّلام حملة منكرة.
فقال على علیه السّلام لأصحابه افرجوا له فان الشيخ موبخ فأوسعوا له فشق الصفوف حتى خرج منها ثم رجع فشقها ثانية و لم يطعن أحداً و لم يضرب أحداً ثم رجع الي ابنه فقال هذه حملة جبان؟ فقال له أبنه عبدالله فلم تنصرف عنا الآن وقد التقت حلقتا البطان.
فقال له الزبير يا بني أرجع والله لأخبار كان النبي صلّی الله علیه و آله عهدها الي فانسيتها حتى أذكر فيها علي فعرفتها قال ثم خرج الزبير من عسكرهم تائباً مما كان فيه و هو ينشد و يقول هذه الابيات:
ص: 391
ترك الأمور التي نخشي عواقبها *** لله اجمل في الدنيا و في الدين
نادي على بأمر لست أذكره *** قد كان عمر أبيك الحق مذحين
فاخترت عاراً على نار مؤججة *** أني بقوم لها خلق من الطين
أخال طلحة وسط القوم منجدلا *** ركن الضعيف و مأوي كل مسكين
قد كنت أنصره حيناً و ينصرني *** في النائبات و يرمي من يراميني
حتي ابتلينا بامر ضاق مصدره *** و أصبح اليوم ما يعنيه يعنيني
قال ثم مضي الزبير منفرداً و تبعه خمسة من الفرسان فحمل عليهم و فرقهم حتى اذا صار الي واد السباع فنزل علي قوم من بني تميم فقام اليه عمرو بن جرموز المجاشعي فقال له أبا عبدالله كيف تركت الناس.
فقال الزّبير تركتهم والله وقد عزموا علي القتال و لا شك انهم قد التقوا قال فامر له بطعام و شيء من لبن فاكل الزبير و شرب ثم قام فصلي فاخذ مضجعه فلما علم ابن جرموز أن الزبير قد نام وثب اليه فضربه بسيفه ضربة على أم رأسه فقتله.
قال التقت حلقتا البطان يضرب في تناهي الأمر لأن البطان هو الرحل و انما يلتقي عروتاه و حلقتاه إذا اضطرب حزام الرجل و استأخر حتي التفت عروتاه و هو لا يقدر على النزول فرقا ليشد.
532 - عنه أخبرني الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي أخبرني اسماعيل ابن أحمد الواعظ أخبرني والدي أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو محمد عبدالله ابن يحيي بن عبدالجبار السكري ببغداد أخبرني اسماعيل بن محمد الصفار حدثني سعدان بن نصر حدثني عمرو بن شيب حدثني الحسن بن الحسين بن علي بن ابي طالب علیهم السّلام
قال ان أول شهود شهدوا في الاسلام بالزور واخذوا عليه الرشا
ص: 392
الشهود الذين شهدوا عند عايشة حين مرت بماء الحوأب فقالت عايشة ردوني مرتين فاتوها بسبعين شيخا فشهدوا أنه ليس بماء الحواب.
533 - عنه بهذا الأسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرني أبو عبدالله الحافظ حدثنا أبو اسحاق الميداني و أبو الحسن الحافظ قال أخبرنا محمد بن اسحاق الثقفي حدثنا سليمان بن خالد بن صبيح مولي سهل بن حبيب حدثنا أبو عمر الرقي حدثني أبو علية عن أبي سفيان بن العلاء، عن أبي عيق قال:
قالت عائشة اذا مرّ ابن عمر فأرونيه فلما مر قيل لها هذا ابن عمر قالت يا أبا عبدالرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري فقال قد رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت أن لا تخالفيه قالت أما أنك لونهيتني ما خرجت.
534 - عنه بهذا الاسناد عن أبي سفيان بن العلاء هذا عن أبي عتيق قال: قالت عائشة اذا ذكرت يوم الجمل أخذت مني هاهنا و تشير بيدها الي حلقها.
535- عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرني أبو عبدالله محمد بن أحمد ابن أبي طاهر الدقاق ببغداد أخبرنا أحمد بن عثمان الآدمي حدثنا أبو جعفر محمد بن سويد الطحان حدثني سفيان بن محمد المصيصي حدثنا يوسف بن اسباط حدثنا سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ما ذكرت عائشة مسيرها يوم الجمل إلا بكت حتى تبل خمارها بالبكاء و تقول يا فضيحتاه يا ليتني كنت نسيا منسيا.
536 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرني أبو عبدالله الحافظ أخبرني أبو الوليد الامام و أبو بكر بن قريش قالا حدثنا الحسين بن سفيان حدثنا أحمد بن عبيدة حدثني الحسن بن الحسين حدثني رفاعة بن
ص: 393
أياس الضبي عن أبيه عن جده قال كنا مع علي علیه السّلام يوم الجمل فبعث الي طلحة بن عبيدالله ابن القي فأتاه.
فقال انشدتك الله هل سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و اخذل من خذله و انصر من نصره قال نعم قال فلم تقاتلني قال فانصرف طلحة و لم يرد جواباً.
537 - عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرنا أبو الحسن ابن الفضل القطان أخبرني عبدالله بن جعفر حدثني يعقوب بن سفيان حدثني ابن غير حدثني وكيع حدثني اسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال كان مروان مع طلحة والزبير يوم الجمل فلما نشبت الحرب فقال لأطلب بثاري بعدي اليوم فرماه بسهم فاصاب ركبه فقتله طلحة.
538- عنه بهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا أخبرني أبونصير عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن قباد أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج حدثنا أبو جعفر الحضرمي حدثنا مطير حدثنا جندل بن واثق حدثنا محمد بن عمر المازني عن أبي عامر الانصاري عن بلال بن ثوير بن مجزأة السدوسي عن أبيه عن جده قال مررت بطلحة و هو صريع بآخر رمق فقال من أنت فاني أري وجهك كالقمر ليلة البدر؟
قال قلت رجل من أصحاب أمير المؤمنين علیه السّلام قال مد يدك أبايعك لامير المؤمنين فبسطت يدي فبايعني ثم قضي نحبه فاتيت عليًا علیه السّلام فأخبرته بمقالته فقال الله أكبر صدق رسول الله صلّى الله عليه و آله أبي الله أن يدخل الجنة من نکت بيعتي، و أما الزبير بن العوام فانه أيضا خرج يطلب بدم عثمان تلهف علي ذلك حين أحس الفتنة.
539 - عنه و ذكر بن اعثم في فتوحه ان أمير المؤمنين علي بن أبي
ص: 394
طالب علیه السّلام كتب الي طلحة والزبير قبل قتال الجمل آخذاً للحجة عليهما أما بعد فقد علمتها أني لم أرد الناس حتي أرادوني و لم ابايعهم حتي اكرهوني. و انتها ممن أراد بيعتي و نکنتهما وبايعا و لم تبايعا لسلطان غاصب و لا لعرض حاضر.
فان كنتما بايعتماني طائعين فتوبا الي الله و ارجعا عما أنتما عليه، و ان كنتما بايعتما مكرهين فقد جعلتما لي السبيل عليكما باظهاركما لي الطاعة و و كتمانكما المعصية و أنت يا زبير فارس قريش و أنت يا طلحة شيخ المهاجرين و دفعكما هذا الأمر قبل ان تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما بعد اقراركها و قد عرفتها منزلتي من رسول الله صلّی الله علیه و آله.
540 - عنه كتب علیه السّلام الي عائشة أما بعد فانك قد خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله محمد صلّی الله علیه و آله اتطلبين أمراً كان عنك موضوعا و تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين فخبرينا ما للنساء وقود العساكر و الاصلاح بين الناس؛ و طلبت كما زعمت بدم عثمان و عثمان رجل من بني امية و أنت أمرأة من بني تيم بن مرة و لقد كنت تقولين بالأمس اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا فقد كفر.
و لعمري ان الذي عرضك للبلاء و حملك علي المعصية لأعظم اليك ذنبا من قتلة عثمان و ما غضبت حتى اغضبت ولا هجت حتي تهيجت فاتق الله يا عائشة وارجعي الي منزلك و أسبلي عليك سترك والسلام.
541 - عنه انه علیه السّلام رأسلهم مرة بعد أخري ليكفوا عن الحرب، وحمل زید ابن صوحان و عبدالله بن عباس رسالة اليهم فلما لم يجيبوا الي ذلك جمع من بايعه من الناس فخطبهم فقال يا أيها الناس أنى قد تانيت هؤلاء القوم و راقبتهم وناشدتهم كما يرجعوا و يرتدعوا فلم يفعلوا و لم يستجيبوا و قد
ص: 395
بعثوا اليّ ان أصبر للطعان و اثبت للجلاد.
و قد كنت وما أهدد بالحروب و لا أدعي اليها و قد انصف الغارة من راماها و لعمري لئن ابرقوا و أرعدوا فقد عرفوني و راوا نكايتي أن-ا أب--و الحسن الذي فللت حدهم و فرقت جماعتهم فبذلك القلب التي عدوي و أنا علي بينة من ربي لما وعدني من النصر والظفر و اني لعلي غير شبهة من أمري ألا و ان الموت لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب و من لم يقتل يمت و ان أفضل الموت القتل.
والذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة علي الفراش ثم رفع يده الي السماء و هو يقول: اللهم ان طلحة بن عبيد الله اعطاني صفقة يمينه طائعا ثم نكت بيعتي اللهم فعاجله و لا نمهله اللهم و ان الزبير بن العوام قطع قرابتي و نكث عهدي و ظاهر عداوتي و نصب الحرب لي و هو يعلم انه ظالم لي فاكفنيه كيف شئت و اني شئت.
قال أنصف القاره من راماها و القارة قبيلة و هم غضل و الديش ابنا الهون بن خزيمة سموا قارة لاجتماعهم والتفافهم تشبيهاً بالقارة التي هي الا كمة و قد أراد الشداخ أن يفرقهم في قبائل كنانة فقال رجل منهم:
دعونا قارة لا تنفرونا *** فنجفل مثل اجفال الظليم
اي دعونا مجتمعين و مانو رماة الحدق زعموا ان أربعين منهم احسوا الشي من الليلة فرموه فاصبحوا فرأوا الأربعين سهما في هرة و التقي القاري و الاسدي فقال القاري ان شئت صارعتك و ان شئت راميتك ان شئت سابقتك فاختار الاسدي المراماة فقال القاري:
قد علمت سلمي و ما والاها *** إنا نصد الخيل من هواها
قد انصف القارة من راماها *** إنا اذا ما فتنة نلقاها
ص: 396
نرد أولاها علي أخراها *** نردها رامية كلاها
ثم انتزع القاري له بسهم فشك به فؤاده ضربه أمير المؤمنين علیه السّلام مثلا فيم اختار محاربته و هو ابن بجدتها فقد انصفه.
542 - عنه قال ولما تقابل العسكر ان عسكر أمير المؤمنين علیه السّلام و عسكر أصحاب الجمل جعل اهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتي عقروا منهم جماعة فقال الناس يا أمير المؤمنين أنه قد عقرنا بطلهم فم-ا انتظارك بالقوم فقال علي.
اللهم اني أشهدك اني قد اعذرت و انذرت فكن لي عليهم من الشاهدين و تقلد بسيفه و اعتجر بعمامته و استوي علي بغلة النبي صلّی الله علیه و آله ثم دعا بالمصحف فاخذه بيده و قال أيها الناس من ياخذ هذا المصحف فيدعوا هؤلاء القوم الي ما فيه قال فوثب غلام من مجاشع يقال له مسلم عليه قبا أبيض فقال له انا آخذه يا أمير المؤمنين.
فقال له علي علیه السّلام يا فتي ان يدك اليمني تقطع فتأخذه بيدك اليسري فتقطع اليسري ثم تضرب عليه بالسيف حتي تقتل فقال الفتي لأصبر علي ذلك يا أمير المؤمنين قال فنادي علي علیه السّلام ثانية و المصحف في يده فقام اليه ذلك الفتي و قال أنا آخذه يا أمير المؤمنين.
فهذا قليل في ذات الله ثم اخذ الفتي المصحف و انطلق به اليهم فقال يا هؤلاء هذا كتاب الله بيننا وبينكم قال فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليميني فقطعها فاخذ المصحف بشماله فقطعت شماله فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قتل رحمه الله قال فنظرت اليه أمه فرئته بايعات من الشعر قال ثم رفع علي علیه السّلام رايته الي ابنه محمد ابن الحنيفة و قال تقدم يا بني فتقدم محمد ثم وقف بالراية لا يبرح بها فصاح به علي علیه السّلام اقتحم لا
ص: 397
أم لك فحمل محمد بالراية و طعن بها في أصحاب الجمل طعناً منكراً و علي علیه السّلام ينظر فاعجبه ما رأي من فعاله فجعل علي علیه السّلام يقول.
أطعن بها طعن أبيك تحمد *** لا خير في الحرب اذا لم توقد
543 - عنه قال فقاتل محمد ابن الحنيفة بالراية ساعة ثم رجع و ضرب علي علیه السّلام بيده الي سيفه فسله ثم حمل علي القوم فضرب فيهم يمينا وشمالا ثم رجع و قد انحني سيفه فجعل يسويه بركبته فقال له أصحاب نحن نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحدا حتي سواه.
ثم حمل ثانية حتي اختلط بهم فجعل يضرب فيهم قدما قدما حتي انحني سيفه ثم رجع الي أصحابه و وقف يسوي سيفه بركبته و هو يقول والله ما أريد بذلك إلا وجه الله و لدار الآخرة ثم التفت الي ابنه محمد بن الحنفية و قال هكذا فاصنع يا بني ثم تقدم رجل من أصحاب الجمل يقال له عبدالله بن بري فجعل يرتجز و يقول.
يا رب أني طالب أبا الحسن *** ذاك الذي يعرف حقاً بالفتن
ذاك الذي نطلبه على الاحن *** و نقضه شريعة من السنن
قال فخرج اليه على علیه السّلام و هو يقول:
ان كنت تبغي ان تري أبا الحسن *** و كنت ترميه بايثار الفتن
فاليوم تلقاه عليا فاعلمن *** بالضرب و الطعن عليها بالسنن
قال ثم شد عليه علي علیه السّلام بالسيف فضربه ضربة هتك بها عاتقه فسقط قتيلا يخور في دمه فوقف علي علیه السّلام علي رأسه و قال: قد رأيت أبا الحسن فكيف رأيته ؟ قال و خرج أخوه عبدالله بن بري و هو يرتجز و يقول:
أضربكم و لو أري علياً *** عممته أبيض مشرفياً
ص: 398
و اسمراً عنطنطا خطيا *** ابكي عليه الولد والوليا
قال: فخرج علي علیه السّلام متنكراً و هو يقول:
یا طالبا في حربه عليا *** يمنحه أبيض مشرفيا
أثبت لتلقاه بها عليا *** مهذباً سميدعاً كميا
544 - عنه قال ثم حمل عليه علي علیه السّلام فضربه ضربة علي وجهه فرمي بنصف رأسه و أنصرف علي علیه السّلام الي أصحابه فصاح به صايح من ورائه والتفت فاذا بعبدالله ابن خلف الخزاعي و هو صاحب منزل عايشة بالبصرة فلما رآه علي علیه السّلام عرفه و كان من رؤس البصرة فنادي ما تشاء يابن خلف قال هل لك في المبارزة؟
قال علي علیه السّلام ما اكره ذلك ويحك يابن خلف ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا فقال عبد الله بن خلف زدني من بذخك يابن أبي طالب و ادن مني لتري أينا يقتل صاحبه فثني اليه علي علیه السّلام بحجفته ثم ضربه ضربة رمي بها يمينه ثم ثنا بأخري فاطار قحف رأسه و ترکه قتيلا قال العنطنط: الطويل المضطرب والسميدع السيد الكريم الوطأ الاكتاف.
قال و جاء الأشتر بين الصفين و قتل من شجعان أهل الجمل جماعة واحداً بعد واحد مبارزة وكذلك عمار ابن ياسر و محمد بن أبي بكر و اشتبكت الحرب بين العسكرين واقتلوا قتالا شديداً لم یسمع مثله.
و قطعت علي خطام الجمل ثماني و تسعون يداً وصار الهودج كأنه القنفذ بما قيه من النبل والسهام و أحمرت الارض بالدماء و عقر الجمل من ورائه فعج و رغي فقال علي علیه السّلام عرقبوه فأنه شيطان ثم التفت الي محمد بن أبي بكر و قال له أنظر إذا عرقب الجمل فادرك أختك فوارها و قد عرقب الجمل فوقع بجنبه و ضرب بحرانه الارض و رغا رغاء شديداً و بادر عمار
ص: 399
ابن ياسر.
فقطع انساع الهودج بسيفه فاقبل علي علیه السّلام على بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله فطعن الهودج برمحه ثم قال يا عائشة اهكذا أمرك رسول الله صلّی الله علیه و آله ؟ فقالت عائشة يا أبا الحسن قد ظفرت فأحسن و ملكت فاصفح و قال علي علیه السّلام لمحمد بن ابي بكر شأنك باختك فلا يدنو أحد منها سواك فادخل محمد يده الي عائشة فاحتضنها.
ثم قال: اصابك شيء؟ قالت لا و لكن من أنت ويحك فقد مسست منى ما لا يحل لك فقال محمد اسكنى فانا محمد أخوك فعلت بنفسك ما فعلت و عصيت ربك و هتكت سترك و ابحت حرمتك و تعرضت للقتل، ثم ادخلها البصرة وانزلها في دار عبدالله بن خلف الخزاعي.
545 - عنه من كلام له علیه السّلام في ذم البصرة وأهلها: كنتم جند المرأة و أتباع البهيمة، رغى فأجبتم، و عقر فهربتم، أخلاقكم دقاق، و عهدكم شقاق، و دينكم نفاق، و ماؤكم زعاق، و المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه، و الشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه، كأنى بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها و من تحتها، و غرق من في ضمنها.
546 - قال المقدسي: قالوا و لمّا قدم عثمان بن حنيف البصرة واليا لعلىّ طرد عبد الله بن عامر قدم الى مكة بخير الدنيا و يعلى بن منية بمال كثير فاجتمعوا عند عائشة وأداروا الرأى بينهم أن يسيروا الى البصرة فانّهم شيعة عثمان ويطلبوا بدمه.
و كتب معاوية الى الزبير إنّي بايعتك و لطلحة من بعدك فلا تفوتنكما العراق و أعانهما ابن عامر و ابن منية بالمال و الظهر و الكراع و خرجوا بعائشة حتى قدموا البصرة فلمّا بلغوا بحوأب و هو ماء لبني كلاب سمعت
ص: 400
عائشة نباح الكلب.
فقالت ما هذا قالوا الحوأب قالت إنّا لله وإنّا إليه راجعون ما أرانى إلّا صاحبة الحديث قالوا وما ذاك يا أمّاه قالت سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول ليت شعرى أيّتكنّ تنبح كلاب الحوأب سائرة في كتيبة نحو المشرق.
و همّت بالرجوع فحلفوا لها أنّها ليست بالحوأب فمرّت و مرّ حتّى قدموا البصرة.
فأخذوا عثمان بن حنيف و همّوا بقتله ثم خشوا غضب الأنصار على من خلّفوا بالمدينة فنالوا من شعره و بشرته و نتفوا لحيته و شعر حاجبيه و أشفاره و قتلوا من خزنة بيت المال خمسين رجلا فانتهبوا الأموال و قام طلحة والزبير خطيبين.
فقالا يا أهل البصرة توبة لحوبة إنّما أردنا أن نستعتب أمير المؤمنين و لم نرد قتله و بلغ الخبر عليّا فخرج من المدينة و استعمل عليها سهل بن حنيف و سار في سبع مائة رجل منهم سبعون بدريّا و أربع مائة من المهاجرين حتى نزل بذي قار و كتب الى أهل الكوفة يستنفرهم.
فجاءه منهم ستة آلاف رجل و كانت الوقعة بالخريبة. يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ستّ وثلاثين فبرز القوم للقتال و أقاموا الجمل وعائشة في هودج و اسم ذلك الجمل عسكر فقال عليّ علیه السّلام لا تبدءوهم بالقتال حتّى يقتلوا منكم و إن هزموا فلا تأخذوا من أموالهم شيئا و لا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا و من ألق سلاحه فهو آمن.
فقتلوا من أصحاب علىّ ستة و شبّت الحرب بينهم فخرج عليّ و دعا الزبير فجاء حتّى وقف قال له علىّ ما جاء بك قال ما أراك هذا الأمر أهلا قال له أتذكر قول رسول الله صلّی الله علیه و آله ليقاتلنّك ابن عمّتك و هو لك ظالم
ص: 401
فانصرف الزبير فجاءه ابنه عبد الله بن الزبير و حثّه و احفظه حتى عاد.
فوقف في الصفّ ثم سار عليّ حتّى أتى طلحة فقال جئت بعرس رسول الله صلّی الله علیه و آله و خبأت عرسك في بيتك و استعرت الحرب فقال عليّ أيّكم يعرض هذا المصحف عليهم و يقول هذا بيننا و بينكم فأخذه فتى شابّ و تقدّم فقطعوا يده و أخذه بيده اليسرى ثم تقدّم عليّ فناشدهم الله عز و جلّ في في دمه و دمهم فأبوا إلّا القتال و ارتجزت بنو ضبة.
نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل *** ننزل بالموت إذا الموت نزل
ننعى ابن عفّان بأطراف الأسل *** ردّوا علينا شيخنا ثم بجل
و ارتجزت امرأة منهم
ياربّ فاعقل لعلىّ جمله *** ولا تبارك في بعير حمله
و كان ابن عتّاب يقول:
أنا ابن عتّاب و سيفي ولول *** والموت دون الجمل المجلّل
فحمل عليّ عليهم فانكشفوا و ولّى الزبير فتبعه عمّار بن ياسر و قال يا أبا عبد الله ما أنت بجبان و لكنّى أراك شككت قال هو ذاك قال يغفر الله لك فانطلق حتّى أتى وادي السباع و ولّى طلحة ظهره فرماه مروان بن الحكم بسهم و مروان منهزم فشكّ ساقه بساقه الأخرى فقتله وقال لأبان ابن عثمان قد كفيتك أحد قتلة أبيك وقتل سبعون على زمام الجمل يأخذه واحد بعد واحد و قد شكّت السهام الهودج حتّى صار كأنّه جناح نسر.
فقال علىّ علیه السّلام ما أراكم يقاتلكم غير هذا الهودج فقال عمّار لمحمّد بن ابى بكر عليك مقدمه حتى تكون أنت تلقاها و عطف عمّار على مؤخّر الجمل الناس مكانه حتّى وقف عليه وقال لمحمد بن أبي بكر انظر أحيّة أم لا فأدخل محمّد رأسه في الهودج.
ص: 402
فقالت من هذا الّذي أطلع على حرمة رسول الله صلّى الله عليه و آله فقال محمّد هو أبغض أهلك إليك ثمّ أخرج رأسه وقال ما أصابها إلّا خدش بساعدها فقال عليّ صدق رسول الله صلّى الله عليه و آله ثم قال يا هذه استفززت الناس و البت بينهم في كلام كثير.
فقالت يا ابن ابی طالب إذا ملكت فاسجح و جاء ابن عبّاس فقال إنّما سمّيت أمّ المؤمنين بنا قالت نعم قال أو لسنا أولياء زوجك قالت بلى قال فلم خرجت بغير إذننا قالت قضاء و أمر و امر حذيفة الى المدينة وقد روينا أنّها قالت.
لو علمت أن يكون قتال ما حضرت و انّما أردت أن أصلح بين الناس و بكت حتّى كفّ بصرها و كانت تقول ليتني كنت نسيا منسيّا و لم احضر الجمل و بعث الزبير الى الأحنف بن قيس و كان اعتزل الفريقين يخبره بمكانه.
فسمع به عمرو بن جرموز فأتاه فلما رآه الزبير و قام الى الصلاة فأتاه ابن جرموز من ورائه فضربه بسيفه فقتله و جاء بخاتمه الى عليّ علیه السّلام فقال عليّ بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار وإنّما قال ذلك و الله أعلم لأنّ الزبير كان راجع و تاب و الباغي إذا ولّى حرم دمه و أيضا فانّه غدر به حيث آمنه ثمّ قتله و يروى أبيات لابن جرموز هذا منها:
لسيّان عندي قتل الزبير *** و ضرطة عير بذي الجحفة
و يقال أنّه قتل في وقعة الجمل اثنى عشر ألفا و الله أعلم و دخل علىّ البصرة و خطبهم فقال يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلثا و على الله الرابعة يا جند المرأة واتباع البهيمة رغا فأجبتم و عقر فانهزمتم أخلاقكم رقاق و أعمالكم نفاق و ماؤكم زعاق.
ص: 403
ثمّ ولّاها عبد الله بن العباس بحر الأمّة و ولى مصر قيس بن سعد بن عبادة و ولّى خراجها ماهوی دهقان مرو قاتل يزدجرد و خرج عليّ الى الكوفة و في وقعة الجمل أشعار و قصائد كثيرة فمنها قول بعضهم:
شهدت حروبا وشيبنني *** فلم أر يوما كيوم الجمل
فليت الظعينة في بيتها *** و ليتك عسكر لم ترتحل
547 - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: و من كلام له علیه السّلام لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير و لا يرصد لهما القتال؛
و الله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم حتى يصل إليها طالبها و يختلها راصدها و لكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه و بالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتى يأتي علي يومي فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا على منذ قبض الله نبيه صلّی الله علیه و آله حتى يوم الناس هذا.
و طلحة هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبوه ابن عم أبي بكر و أمه الصعبة بنت الحضرمي و كانت قبل أن تكون عند عبيد الله تحت أبي سفيان صخر بن حرب فطلقها ثم تبعتها نفسه فقال فيها شعرا أوله:
و إني وصعبة فيما أرى *** بعيدان و الود ود قريب
في أبيات مشهورة و طلحة أحد العشرة المشهود لهم بالجنة و أحد أصحاب الشورى و كان له في الدفاع عن رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم أحد أثر عظيم و شلت بعض أصابعه يومئذ وقى رسول الله صلّی الله علیه و آله بيده من سيوف المشركين. و قال رسول الله صلّی الله علیه و آله يومئذ اليوم أوجب طلحة الجنة.
و الزبير هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن العزى بن قصي أمه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عمة
أسد بن عبد
ص: 404
رسول الله صلّی الله علیه و آله و هو أحد العشرة أيضا و أحد الستة و ممن ثبت مع رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم أحد وأبلى بلاء حسنا.
و قال النبي صلّی الله علیه و آله لكل نبي حواري و حواري الزبير و الحواري الخالصة تقول فلان خالصة فلان و خلصانه و حواريه أي شديد الاختصاص به و الاستخلاص له.
548 - عنه خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل علياء علیه السّلام و قد صار بالربذة طالبا عائشة و أصحابها وكان طارق من صحابة علي عیله السّلام و شيعته قال فسألت عنه قبل أن ألقاه ما أقدمه فقيل خالفه طلحة والزبير و عائشة فأتوا البصرة فقلت في نفسي إنها الحرب أأقاتل أم المؤمنين و حواري رسول الله صلّى الله عليه و آله إن هذا لعظيم.
تم قلت أأدع عليا و هو أول المؤمنين إيمانا بالله و ابن عم رسول الله صلّی الله علیه و آله و وصيه هذا أعظم ثم أتيته فسلمت عليه ثم جلست إليه فقص علي قصة القوم و قصته ثم صلى بنا الظهر فلما انفتل جاءه الحسن ابنه علیه السّلام فبكى بين يديه قال ما بالك قال أبكي لقتلك غدا بمضيعة و لا ناصر لك أما إني أمرتك فعصيتني ثم أمرتك فعصيتني.
فقال علیه السّلام لا تزال تخن خنين الأمة ما الذي أمرتني به فعصيتك قال أمرتك حين أحاط الناس بعثمان أن تعتزل فإن الناس إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتى يبايعوك فلم تفعل ثم أمرتك لما قتل عثمان ألا توافقهم على البيعة حتى يجتمع الناس و يأتيك وفود العرب فلم تفعل ثم خالفك هؤلاء القوم فأمرتك ألا تخرج من المدينة و أن تدعهم و شأنهم.
فإن اجتمعت عليك الأمة فذاك و إلا رضيت بقضاء الله فقال علیه السّلام والله لا أكون كالضبع تنام على اللدم حتى يدخل إليها طالبها فيعلق الحبل
ص: 405
برجلها و يقول لها دباب دباب حتى يقطع عرقوبها. وذكر تمام الفصل. فكان طارق بن شهاب يبكي إذا ذكر هذا الحديث.
549 - عنه في شرح قوله علیه السّلام: يزعم أنه قد بايع بيده و لم يبايع بقلبه فقد أقر بالبيعة و ادعى الوليجة فليأت عليها بأمر يعرف و إلا فليدخل فيما خرج منه.
الوليجة البطانة والأمر يسر و يكتم قال الله سبحانه: «وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً». كان الزبير يقول بايعت بيدي لا بقلبي و كان يدعي تارة أنه أكره و يدعي تارة أنه ورى في البيعة تورية و نوى دخيلة و أتى بمعاريض لا تحمل على ظاهرها فقال علیه السّلام هذا الكلام إقرار منه بالبيعة وادعاء أمر آخر لم يقم عليه دليلا و لم ينصب له برهانا فإما أن يقيم دليلا على فساد البيعة الظاهرة وأنها غير لازمة له و إما أن يعاود طاعته.
قال علي علیه السّلام للزبير يوم بايعه إني لخائف أن تغدر بي و تنكث بيعتي قال لا تخافن فإن ذلك لا يكون مني أبدا فقال علیه السّلام فلي الله عليك بذلك راع و كفيل قال نعم الله لك علي بذلك راع وكفيل.
550 - عنه لما بويع علي علیه السّلام كتب إلى معاوية أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني و بايعوني عن مشورة منهم و اجتماع فإذا أتاك كتابي فبايع لي و أوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك.
فلما قدم رسوله على معاوية وقرأ كتابه بعث رجلا من بني عميس و كتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام وفيه.
بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا و
ص: 406
استوسقوا كما يستوسق الجلب فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فإنه لا شيء بعد هذين المصرين وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك فأظهرا الطلب بدم عثمان و ادعوا الناس إلى ذلك و ليكن منكما الجد و التشمير أظفركها الله و خذل مناوئكما.
فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به و أعلم به طلحة و أقرأه إياه فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية و أجمعا عند ذلك على خلاف علي علیه السّلام.
551 - عنه جاء الزبير و طلحة إلى علي علیه السّلام بعد البيعة بأيام فقالا له يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة فى ولاية عثمان كلها و علمت رأي عثمان كان في بني أمية و قد ولاك الله الخلافة من بعده فولنا بعض أعمالك فقال لهما ارضيا بقسم الله لكما حتى أرى رأيي و اعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي و من قد عرفت دخيلته. فانصرفا عنه و قد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة.
طلب طلحة والزبير من علي علیه السّلام أن يوليهما المصرين البصرة و الكوفة فقال حتى أنظر ثم استشار المغيرة بن شعبة فقال له أرى أن توليهما إلى أن يستقيم لك أمر الناس فخلا بابن عباس و قال ما ترى قال يا أمير المؤمنين إن الكوفة والبصرة عين الخلافة و بهما كنوز الرجال و مکان طلحة و الزبير من الإسلام ما قد علمت و لست آمنهما إن وليتهما أن يحدثا أمرا.
فأخذ علي علیه السّلام برأي ابن عباس و قد كان استشار المغيرة أيضا في أمر معاوية فقال له أرى إقراره على الشام و أن تبعث إليه بعده إلى أن يسكن شغب الناس و لك بعد رأيك فلم يأخذ برأيه.
ص: 407
فقال المغيرة بعد ذلك و الله ما نصحته قبلها و لا أنصحه بعدها ما بقيت.
552 - عنه دخل الزبير و طلحة على علي علیه السّلام فاستأذناه في العمرة فقال ما العمرة تريدان فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة فقال لهما ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة و نكث البيعة فحلفا بالله ما الخلاف عليه و لا نكث بيعة يريدان و ما رأيهما غير العمرة قال لهما.
فأعيدا البيعة لي ثانية فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق فأذن لهما فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضرا و الله لا ترونها إلا في فتنة يقتتلان فيها قالوا يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك قال ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
553 - عنه لما خرج الزبير و طلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا و قالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة و إنما بايعناه مكرهين فبلغ عليا علیه السّلام قولهما فقال أبعدهما الله و أغرب دارهما أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم و الله ما العمرة يريدان و لقد أتياني بوجهي فاجرين و رجعا بوجهي غادرين ناكثين و الله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما و سحقا
554 - عنه ذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن عليها علیه السّلام خطب لما سار الزبير و طلحة من مكة و معهما عائشة يريدون البصرة فقال أيها الناس إن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير و كل منهما يرى الأمر له دون صاحبه أما طلحة فابن عمها و أما الزبير فختنها و الله لو ظفروا بما أرادوا و لن ينالوا ذلك أبدا ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما
ص: 408
شديد.
و الله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلكة إي و و الله ليقتلن ثلثهم و ليهربن ثلثهم و ليتوبن ثلثهم و إنها التي تنبحها كلاب الحوأب و إنهما ليعلمان أنهما مخطئان و رب عالم قتله جهله و معه علمه لا ينفعه و حسبنا الله ونعم الوكيل.
فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية أين المحتسبون أين المؤمنون ما لي و لقريش أما والله لقد قتلتهم كافرين و لأقتلنهم مفتونين و ما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا والله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته فقل لقريش فلتضج ضجيجها ثم نزل.
555- عنه برز علي علیه السّلام يوم الجمل و نادى بالزبير يا أبا عبد الله مرارا فخرج الزبير فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلها فقال له علي علیه السّلام إنما دعوتك لأذكرك حديثا قاله لي و لك رسول الله صلّی الله علیه وآله أتذكر يوم رآك و أنت معتنقي فقال لك: أتحبه قلت و ما لي لا أحبه و هو أخي و ابن خالي فقال أما إنك ستحاربه و أنت ظالم له فاسترجع الزبير و قال.
أذكرتني ما أنسانيه الدهر و رجع إلى صفوفه فقال له عبد الله ابنه لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به فقال أذكرني علي حديثا أنسانيه الدهر فلا أحاربه أبدا و إني لراجع و تارككم منذ اليوم فقال له عبد الله ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب إنها لسيوف حداد تحملها فتية أنجاد فقال الزبير ويلك أتهيجني على حربه أما إني قد حلفت ألا أحاربه.
قال: كفر عن يمينك لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت و ما كنت جبانا فقال الزبير غلامي مكحول حر كفارة عن يميني ثم أنصل سنان رمحه
ص: 409
وحمل على عسكر علي علیه السّلام برمح لا سنان له فقال علي علیه السّلام أفرجوا له فإنه محرج ثم عاد إلى أصحابه ثم حمل ثانية ثم ثالثة ثم قال لابنه أجبنا ويلك ترى فقال لقد أعذرت لما أذكر علي علیه السّلام الزبير بما أذكره به و رجع الزبير قال:
نادى علي بأمر لست أنكره *** و كان عمر أبيك الخير مذ حين
فقلت حسبك من عذل أبا حسن *** بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني
ترك الأمور التي تخشى مغبتها *** و الله أمثل في الدنيا و في الدين
فاخترت عارا على نار مؤججة *** أنى يقوم لها خلق من الطين
556 - عنه لما خرج علي علیه السّلام لطلب الزبير خرج حاسرا و خرج إليه الزبير دارعا مدججا فقال للزبير يا أبا عبد الله قد لعمري أعددت سلاحا و حبذا فهل أعددت عند الله عذرا فقال الزبير إن مردنا إلى الله قال علي علیه السّلام: «يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ» ثم أذكره الخبر فلما كر الزبير راجعا إلى أصحابه نادما واجما رجع علي علیه السّلام إلى أصحابه جذلا مسرورا.
فقال له أصحابه يا أمير المؤمنين تبرز إلى الزبير حاسرا و هو شاك في السلاح و أنت تعرف شجاعته قال إنه ليس بقاتلي إنما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل النسب غيلة في غير مأقط حرب و لا معركة رجال ويلمه أشقى البشر ليودن أن أمه هبلت به أما إنه و أحمر ثمود لمقرونان في قرن.
557 - عنه لما انصرف الزبير عن حرب علي علیه السّلام مر بوادي السباع و الأحنف بن قيس هناك في جمع من بني تميم قد اعتزل الفريقين فأخبر الأحنف بمرور الزبير فقال رافعا صوته ما أصنع بالزبير لف غارين من
ص: 410
المسلمين حتى أخذت السيوف منها مأخذها انسل و تركهم أما إنه لخليق بالقتل قتله الله فاتبعه عمرو بن جرموز و كان فاتكا.
فلما قرب منه وقف الزبير و قال ما شأنك قال جئت لأسألك عن أمر الناس قال الزبير إني تركتهم قياما في الركب يضرب بعضهم وجه بعض بالسيف فسار ابن جرموز معه و كل واحد منهما يتقي الآخر فلما حضرت الصلاة قال الزبير يا هذا إنا نريد أن نصلي.
فقال ابن جرموز و أنا أريد ذلك فقال الزبير فتؤمني و أؤمك قال نعم فتنى الزبير رجله و أخذ وضوءه فلما قام إلى الصلاة شد ابن جرموز عليه فقتله و أخذ رأسه و خاتمه و سیفه و حثا عليه ترابا يسيرا و رجع إلى الأحنف فأخبره فقال والله ما أدري أسأت أم أحسنت اذهب إلى علي علیه السّلام فأخبره فجاء إلى علي علیه السّلام فقال للآذن.
قل له: عمرو بن جرموز بالباب و معه رأس الزبير و سيفه فأدخله و في كثير من الروايات أنه لم يأت بالرأس بل بالسيف فقال له و أنت قتلته قال نعم قال والله ما كان ابن صفية جبانا و لا لئيما و لكن الحين ومصارع السوء.
ثم قال: ناولني سيفه فناوله فهزه و قال سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلّی الله علیه و آله فقال ابن جرموز الجائزة يا أمير المؤمنين فقال أما إني سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول بشر قاتل ابن صفية بالنار، فخرج ابن جرموز خائبا و قال:
أتيت عليا برأس الزبير *** أبغي غي به عنده الزلفه
فبشر بالنار يوم الحساب *** فبئست بشارة ذي التحفه
فقلت له إن قتل الزبير *** لو لا رضاك من الكلفه
ص: 411
فإن ترض ذاك فمنك الرضا *** و إلا فدونك لي حلفه
و رب المحلين و المحرمين *** و رب الجماعة و الألفه
لسيان عندي قتل الزبير *** و ضرطة عنز بذي الجحفه
ثم خرج ابن جرموز على علي علیه السّلام مع أهل النهر فقتله معهم فيمن قتل.
558 - عنه في شرح النهج قوله علیه السّلام: و قد أرعدوا و أبرقوا و مع هذين الأمرين الفشل و لسنا نرعد حتى نوقع و لا نسيل حتى نمطر.
أرعد الرجل و أبرق إذا أوعد و تهدد و كان الأصمعي ينكره ويزعم أنه لا يقال إلا رعد و برق و لما احتج عليه ببيت الكميت:
أرعد و أبرق يا يزيد *** فما وعيدك لي بضائر
قال: الكميت قروي لا يحتج بقوله: و كلام أمير المؤمنين علیه السّلام حجة دالة على بطلان قول الأصمي و الفشل الجبن و الخور.
و قوله و لا نسيل حتى نمطر كلمة فصيحة يقول إن أصحاب الجمل في وعيدهم وإجلابهم بمنزلة من يدعى أنه يحدث السيل قبل إحداث المطر و هذا محال لأن السيل إنما يكون من المطر فكيف يسبق المطر و أما نحن فإنا لا ندعي ذلك و إنما نجري الأمور على حقائقها فإن كان منا مطر كان منا سيل و إذا أوقعنا بخصمنا أوعدنا حينئذ بالإيقاع به غيره من خصومنا.
559 - عنه قوله علیه السّلام «و مع هذين الأمرين الفشل» معنى حسن لأن الغالب من الجبناء كثرة الضوضاء و الجلبة يوم الحرب كما أن الغالب من الشجعان الصمت و السكون.
560 - عنه قال: و من كلام له علیه السّلام لابنه محمد من كلام له الان لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل:
ص: 412
تزول الجبال و لا تزل عض على ناجذك أعر الله جمجمتك تد في الأرض قدمك ارم ببصرك أقصى القوم و غض بصرك واعلم أن النصر من عند الله سبحانه.
:قوله تزول الجبال و لا تزل خبر فيه معنى الشرط تقديره إن زالت الجبال فلا تزل أنت و المراد المبالغة في أخبار صفين أن بني عكل و كانوا مع أهل الشام حملوا في يوم من أيام صفين خرجوا و عقلوا أنفسهم بعمائمهم و تحالفوا أنا لا نفر حتى يفر هذا الحكر بالكاف قالوا لأن عكلا تبدل الجيم كافا.
و الناجذ أقصى الأضراس و تد أمر من وتد قدمه في الأرض أي أثبتها فيها كالوتد و لا تناقض بين قوله ارم ببصرك و قوله غض بصرك و ذلك لأنه فى الأولى أمره أن يفتح عينه و يرفع طرفه و يحدق إلى أقاصي القوم ببصرة فعل الشجاع المقدام غير المكترث و لا المبالي لأن الجبان تضعف نفسه و يخفق قلبه فيقصر بصره و لا يرتفع طرفه و لا يمتد عنقه و يكون ناكس الرأس غضيض الطرف.
و في الثانية أمره أن يغض بصره عن بريق سيوفهم و لمعان دروعهم لئلا يبرق بصره و يدهش و يستشعر خوفا و تقدير الكلام و احمل و حذف ذلك للعلم به فكأنه قال إذا عزمت على الحملة و صممت فغض حينئذ بصرك و احمل وكن كالعشواء التي تخبط ما أمامها و لا تبالي.
قوله عض على ناجذك قالوا إن العاض على نواجذه ينبو السيف عن دماغه لأن عظام الرأس تشتد و تصلب و قد جاء في كلامه علیه السّلام هذا مشروحا في موضع آخر و هو قوله و عضوا على النواجذ فإنه أنبي للصوارم عن الهام و يحتمل أن يريد به شدة الحنق قالوا فلان يحرق علي
ص: 413
الأرم يريدون شدة الغيظ و الحرق صريف الأسنان وصوتها و الأرم الأضراس.
و قوله أعر الله جمجمتك معناه ابذلها في طاعة الله و يمكن أن يقال إن ذلك إشعار له أنه لا يقتل في تلك الحرب لأن العارية مردودة و لو قال له بع الله جمجمتك لكان ذلك إشعارا له بالشهادة فيها.
دفع أمير المؤمنين علیه السّلام يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه علیه السّلام و قد استوت الصفوف و قال له احمل فتوقف قليلا فقال له احمل فقال يا أمير المؤمنين أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر فدفع في صدره فقال أدركك عرق من أمك ثم أخذ الراية فهزها ثم قال:
اطعن بها طعن أبيك تحمد *** لا خير في الحرب إذا لم توقد
بالمشرفي و القنا المسدد
ثم حمل و حمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة ، قيل لمحمد لم يغرر بك أبوك في الحزب ولا يغرر بالحسن و الحسين علیهماالسّلام فقال إنهما عيناه و أنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه.
561 - عنه لما تقاعس محمد يوم الجمل عن الحملة و حمل علي علیه السّلام بالراية فضعضع أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية و قال امح الأولى بالأخرى و هذه الأنصار معك. وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير منهم من أهل بدر فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم و أبلى بلاء حسنا.
فقال خزيمة بن ثابت لعلي علیه السّلام : أما إنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح و لئن كنت خفت عليه الحين و هو بينك و بين حمزة و جعفر لما خفناه عليه و إن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال.
ص: 414
و قالت الأنصار يا أمير المؤمنين لو لا ما جعل الله تعالى للحسن و الحسين علیهماالسّلام لما قدمنا على محمد أحدا من العرب فقال علی علیه السّلام أين النجم من الشمس و القمر أما إنه قد أغنى و أبلى و له فضله و لا ينقص فضل صاحبيه عليه و حسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه فقالوا يا أمير المؤمنين إنا و الله لا نجعله كالحسن و الحسين و لا نظلمهما له و لا نظلمه لفضلهما عليه حقه فقال علي علیه السّلام أين يقع ابني من ابني بنت رسول الله صلّى الله عليه و آله فقال خزيمة بن ثابت فيه:
محمد ما في عودك اليوم وصمة *** ولاكنت في الحرب الضروس معردا
أبوك الذي لم يركب الخيل مثله *** علي و سماك النبي محمدا
فلو كان حقا من أبيك خليفة *** لكنت و لكن ذاك ما لا يرى بدا
و أنت بحمد الله أطول غالب *** لسانا و أنداها بما ملكت يدا
و أقربها من كل خير تريده *** قريش و أوفاها بما قال موعدا
و أطعنهم صدر الكمي برمحه *** وأكساهم للهام عضبا مهندا
سوى أخويك السيدين كلاهما *** إمام الورى و الداعيان إلى الهدى
أبى الله أن يعطي عدوك مقعدا *** من الأرض أو في الأوج مرقى ومصعدا
562 - عنه قال : و من كلام له علیه السّلام لما أظفره الله بأصحاب الجمل، وقد قال له بعض أصحابه وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك فقال علي علیه السّلام:
أ هوى أخيك معنا فقال نعم قال فقد شهدنا و لقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال و أرحام النساء سيرعف بهم الزمان و يقوى بهم الإيمان.
563 - عنه قال الكلبي قلت لأبي صالح كيف لم يضع علي علیه السّلام السيف
ص: 415
في أهل البصرة يوم الجمل بعد ظفره قال سار فيهم بالصفح و المن الذي سار به رسول الله صلّی الله علیه و آله في أهل مكة يوم الفتح فإنه أراد أن يستعرضهم بالسيف ثم من عليهم وكان يحب أن يهديهم الله.
564 - عنه قال فطر بن خليفة ما دخلت دار الوليد بالكوفة التي فيها القصارون إلا وذكرت بأصواتهم وقع السيوف يوم الجمل.
565 - عنه عن حرب بن جيهان الجعني: لقد رأيت الرماح يوم الجمل قد أشرعها الرجال بعضهم في صدر بعض كأنها آجام القصب لو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت و لقد صدقونا القتال حتى ما ظننت أن ينهزموا و ما رأيت يوما قط أشبه بيوم الجمل من يوم جلولاء الوقيعة.
566 - عنه عن الأصبغ بن نباتة لما انهزم أهل البصرة ركب علي علیه السّلام بغلة رسول الله صلّی الله علیه و آله الشهباء وكانت باقية عنده و سار في القتلى يستعرضهم فمر بكعب بن سور القاضي قاضي البصرة و هو قتيل فقال أجلسوه فأجلس فقال له ويلمك كعب بن سور.
لقد كان لك علم لو نفعك و لكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار أرسلوه ثم مر بطلحة بن عبيد الله قتيلا فقال أجلسوه فأجلس قال أبو مخنف في كتابه فقال ويلمك طلحة لقد كان لك قدم لو نفعك و لكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار.
567 - عنه أما أصحابنا فيروون غير ذلك يروون أنه علیه السّلام قال له لما أجلسوه أعزز علي أبا محمد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء و في بطن هذا الوادي أبعد جهادك في الله و ذبك عن رسول الله صلّى الله عليه و آله فجاء إليه إنسان فقال أشهد يا أمير المؤمنين لقد مررت عليه بعد أن أصابه السهم و هو صريع فصاح بي فقال من أصحاب من أنت فقلت من أصحاب أمير
ص: 416
المؤمنين علیه السّلام فقال امدد يدك لأبايع لأمير المؤمنين علیه السّلام فمددت إليه يدي فبايعني لك، فقال علي علیه السّلام أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا و بيعتي في عنقه.
ثم مر بعبد الله بن خلف الخزاعي و كان علیه السّلام قتله بيده مبارزة و كان رئيس أهل البصرة فقال أجلسوه فأجلس فقال الويل لك يا ابن خلف لقد عانيت أمرا عظيما.
568 - عنه قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ و مر علیه السّلام بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقال أجلسوه فأجلس فقال هذا يعسوب قريش هذا اللباب المحض من بني عبد مناف ثم قال شفيت نفسي وقتلت معشري إلى الله أشكو عجري و بجري قتلت الصناديد من بني عبد مناف و أفلتني الأعيار من بني جمع فقال له قائل لشد ما أطريت هذا الفتى منذ اليوم يا أمير المؤمنين قال إنه قام عني و عنه نسوة لم يقمن عنك.
569 - عنه قال أبو الأسود الدؤلي لما ظهر علي علیه السّلام يوم الجمل دخل بيت المال بالبصرة في ناس من المهاجرين والأنصار و أنا معهم فلما رأى كثرة ما فيه قال غري غيري مرارا ثم نظر إلى المال و صعد فيه بصره و صوب و قال اقسموه بين أصحابي خمسمائة خمسمائة فقسم بينهم فلا و الذي بعث محمدا بالحق ما نقص درهما و لا زاد درهما كأنه كان يعرف مبلغه و مقداره و كان ستة آلاف ألف درهم و الناس اثنا عشر ألفا.
570 - عنه عن حبة العرني قسم علي علیه السّلام بيت مال البصرة على علي أصحابه خمسمائة خمسمائة و أخذ خمسمائة درهم كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال يا أمير المؤمنين كنت شاهدا معك بقلبي و إن غاب عنك جسمي فأعطني من الفيء شيئا فدفع إليه الذي أخذه لنفسه و هو خمسمائة
ص: 417
درهم و لم يصب من الفيء شيئا.
571- عنه قال: اتفقت الرواة كلها على أنه علیه السّلام قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح و دابة و مملوك و متاع و عروض فقسمه بين أصحابه و أنهم قالوا له اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا فقال لا فقالوا فكيف تحل لنا دماءهم و تحرم علينا سبيهم فقال كيف يحل لكم ذرية ضعيفة في دار هجرة و إسلام.
أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم و أما ما وارت الدور و أغلقت عليه الأبواب فهو لأهله و لا نصيب لكم في شيء منه فلما أكثروا عليه قال فأقرعوا على عائشة لأدفعها إلى من تصيبه القرعة فقالوا نستغفر الله يا أمير المؤمنين ثم انصرفوا.
572 - عنه قال: و من كلام له علیه السّلام في ذم أهل البصرة :
كنتم جند المرأة و أتباع البهيمة رغا فأجبتم و عقر فهربتم أخلاقكم دقاق و عهدكم شقاق و دينكم نفاق و ماؤكم زعاق و المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه و الشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها و من تحتها و غرق من في ضمنها.
و في رواية.
و ايم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة.
و في رواية كجؤجؤ طير في لجة بحر.
و في رواية أخرى:
بلادكم أنتن بلاد الله تربة أقربها من الماء و أبعدها من السماء و بها
ص: 418
تسعة أعشار الشر المحتبس فيها بذنبه و الخارج بعفو الله كأني أنظر إلى قريتكم هذه قد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جوجو طير في لجة بحر.
قوله و أتباع البهيمة يعني الجمل و كان جمل عائشة راية عسكر البصرة قتلوا دونه كما تقتل الرجال تحت راياتها.
و قوله أخلاقكم دقاق يصفهم باللژم.
و في الحديث أن رجلا قال له يا رسول الله إني أحب أن أنكح فلانة إلا أن في أخلاق أهلها دقه فقال له إياك و خضراء الدمن إياك و المرأة الحسناء في منبت السوء.
قوله و عهدكم شقاق يصفهم بالغدر يقول عهدكم و ذمتكم لا يوثق بها بل هي و إن كانت في الصورة عهدا أو ذمة فإنها في المعنى خلاف و عداوة. قوله و ماؤكم زعاق أي ملح و هذا و إن لم يكن من أفعالهم إلا أنه مما تذم به المدينة كما قال:
بلاد بها الحمى وأسد عرينة *** وفيها المعلى يعتدي ويجور
فإني لمن قد حل فيها لراحم *** وإني لمن لم يأتها لنذير
و لا ذنب لأهلها في أنها بلاد الحمى و السباع:
ثم وصف المقيم بين أظهرهم بأنه مرتهن بذنبه لأنه إما أن يشاركهم في الذنوب أو يراها فلا ينكرها و مذهب أصحابنا أنه لا تجوز الإقامة في دار الفسق كما لا تجوز الإقامة في دار الكفر.
و الجؤجؤ: عظم الصدر و جؤجؤ السفينة صدرها.
فأما إخباره علیه السّلام أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر
ص: 419
من أرضها فتغرق و يبقى مسجدها.
و الصحيح أن المخبر به قد وقع فإن البصرة غرقت مرتين مرة في أيام القادر بالله ومرة في أيام القائم بأمر الله غرقت بأجمعها و لم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجوجو الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين علیه السّلام .
جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس و من جهة الجبل المعروف بجبل السنام و خربت دورها و غرق کل ما في ضمنها و هلك كثير من أهلها و أخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقلها خلفهم عن سلفهم.
573 - عنه قال أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني و محمد بن عمر الواقدي ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل و أكثره لبني ضبة و الأزد الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه و لقد كانت الرءوس تندر عن الكواهل و الأيدي تطيح من المعاصم و أقتاب البطن تندلق من الأجواف و هم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل و لا تتزلزل.
حتى لقد صرخ علیه السّلام بأعلى صوته ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان ثم قال اعقروه و إلا فنيت العرب لا يزال السيف قائما و راكعا حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض فصمدوا له حتى عقروه فسقط و له رغاء شديد فلها برك كانت الهزيمة.
و من الأراجيز المحفوظة يوم الجمل لعسكر البصرة قول بعضهم:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل *** تنازل الموت إذا الموت نزل
تنعى ابن عفان بأطراف الأسل *** ردوا علينا شيخنا ثم بجل
الموت أحلى عندنا من العسل *** لاعار في الموت إذا حان الأجل
ص: 420
إن عليا هو من شر البدل *** إن تعدلوا بشيخنا لا يعتدل
أين الوهاد و شماريخ القلل
فأجابه رجل من عسكر الكوفة من أصحاب أمير المؤمنين علیه السّلام :
نحن قتلنا نعثلا فيمن قتل *** أكثر من أكثر فيه أو أقل
أنى يرد نعثل و قد قحل *** نحن ضربنا وسطه حتى انجدل
لحكمه حكم الطواغيت الأول *** آثر بالفيء و جافى في العمل
فأبدل الله به خير بدل *** إني امرؤ مستقدم غير وكل
مشمر للحرب معروف بطل
و من أراجيز أهل البصرة:
يا أيها الجند الصليب الإيمان *** قوموا قياما و استغيثوا الرحمن
إني أتاني خبر ذو ألوان *** إن عليا قتل ابن عفان
ردوا إلينا شيخنا كما كان *** یا رب و ابعث ناصرا لعثمان
يقتلهم بقوة و سلطان
فأجابه رجل من عسكر الكوفة:
أبت سيوف مذحج و همدان *** بأن ترد نعثلا كما كان
خلقا سويا بعد خلق الرحمن *** وقد قضى بالحكم حكم الشيطان
و فارق الحق و نور الفرقان *** فذاق كأس الموت شرب الظمآن
و من الرجز المشهور المقول يوم الحمل قاله أهل البصرة:
يا أمنا عائش لا تراعي *** كل بنيك بطل المصاع
ینعی ابن عفان إليك ناع *** كعب بن سور كاشف القناع
فارضي بنصر السيد المطاع *** و الأزد فيها كرم الطباع
و منه قول بعضهم:
ص: 421
يا أمنا يكفيك منا دنوه *** لن يؤخذ الدهر الخطام عنوه
و حولك اليوم رجال شنوه *** حي همدان رجال الهبوه
و المالكيون القليلو الكبوه *** و الأزد حي ليس فيهم نبوه
574 - عنه قالوا و خرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه نبيل عليه جبة وشي يحض الناس على الحرب و يقول:
يا معشر الأزد عليكم أمكم *** فإنها صلاتكم وصومكم
و الحرمة العظمى التي تعمكم *** فأحضروها جدكم و حزمكم
لا يغلبن سم العدو سمكم *** إن العدو إن علاكم زمكم
وخصكم بجوره و عمكم *** لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
575- عنه قال المدائني و الواقدي و هذا الرجز يصدق الرواية أن الزبير و طلحة قاما في الناس فقالا إن عليا إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة فاحموا حقيقتكم فإنه لا يبقى حرمة إلا انتهكها ولا حريما إلا هتكه و لا ذرية إلا قتلها و لا ذوات خدر إلا سباهن فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه و يختار الموت على الفضيحة يراها في أهله.
576 - عنه قال أبو مخنف لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ استقتل الناس عند قوله و ثبتوا حول الجمل و انتدبوا فخرج عوف بن قطن الضبي و هو ينادي ليس لعثمان ثأر إلا علي بن أبي طالب و ولده فأخذ خطام الجمل و قال:
يا أم يا أم خلا مني الوطن *** لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن
من هاهنا محشر عوف بن قطن *** إن فاتنا اليوم علي فالغين
أو فاتنا ابناه حسین و حسن *** إذا أمت بطول همّ وحزن
ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل.
ص: 422
و تناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل و كان كل من أراد الجد في الحرب و قاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه ثم شد على عسكر علي علیه السّلام و قال:
أضربهم و لا أرى أبا حسن *** ها إن هذا حزن من الحزن
فشد عليه علي أمير المؤمنين علیه السّلام بالرمح فطعنه فقتله و قال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته وترك الرمح فيه.
و أخذت عائشة كفا من حصى فحصبت به أصحاب علي علیه السّلام و صاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه كما صنع رسول الله صلّی الله علیه و آله يوم حنين فقال لها قائل و ما رميت إذ رميت و لكن الشيطان رمى و زحف علي علیه السّلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار و حوله بنوه حسن و حسین و محمد علیهم السّلام و دفع الراية إلى محمد و قال أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل و لا تقفن دونه فتقدم محمد فرشقته السهام.
فقال لأصحابه رويدا حتى ت سهامهم فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان فأنفذا إليه علي علیه السّلام إليه يستحثه و يأمره بالمناجزة فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن و قال له أقدم لا أم لك فكان محمد رضي الله عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي و يقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي.
و الله لا أنسى أبدا ثم أدركت عليا علیه السّلام ورقة على ولده فتناول الراية منه بيده اليسرى و ذو الفقار مشهور في يمنى يديه ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه و بنوه و الأشتر و عمار نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحدا منهم و لا رد إليهم بصره وظل ينحط و يزأر زئير الأسد حتى فرق من حوله و تبادروه
ص: 423
و إنه لطامح ببصرة نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله و لا يرد حوارا
ثم دفع الراية إلى ابنه محمد ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضر بهم بالسيف قدما قدما و الرجال تفر من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و يسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فاعصو صب به أصحابه و ناشدوه الله في نفسه و في الإسلام و قالوا: إنك إن تصب يذهب الدين فأمسك و نحن نكفيك فقال والله ما أريد بما ترون إلا وجه الله و الدار الآخرة ثم قال لمحمد ابنه هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين.
577 عنه قال: و من كلماته الفصيحة علیه السّلام في يوم الجمل ما رواه الكلبي عن رجل من الأنصار قال بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل إذ جاء علي علیه السّلام فانحرفت إليه فقال أين مثرى القوم فقلت هاهنا نحو عائشة
قال الكلبي يريد أين عددهم و أين جمهورهم وكثرتهم و المال الثري على فعيل هو الكثير و منه رجل ثروان و امرأة ثروى و تصغيرها ثريا و الصدقة مثراة للمال أي مكثرة له.
578 - عنه قال أبو مخنف و بعث علي علیه السّلام إلى الأشتر أن احمل على ميسرتهم فحمل عليها و فيها هلال بن وكيع فاقتتلوا قتالا شديدا و قتل هلال قتله الأشتر فمالت الميسرة إلى عائشة فلاذوا بها وعظمهم بنو ضبة و بنو عدي ثم عطفت الأزد و ضبة و ناجية و باهلة إلى الجمل.
فأحاطوا به واقتتل الناس حوله قتالا شديدا و قتل كعب بن سور قاضي البصرة جاءه سهم غرب فقتله و خطام الجمل في يده ثم قتل عمرو بن يثربي الضبي و كان فارس أصحاب الجمل و شجاعهم بعد أن قتل كثيرا
ص: 424
من أصحاب علي علیه السّلام .
579 - عنه قالوا: كان عمرو أخذ بخطام الجمل فدفعه إلى ابنه ثم دعا إلى البراز فخرج إليه علباء بن الهيثم السدوسي فقتله عمرو ثم دعا إلى البراز فخرج إليه هند بن عمرو الجملي فقتله عمرو ثم دعا إلى البراز فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي علیه السّلام يا أمير المؤمنين.
إني رأيت يدا أشرفت علي من السماء و هي تقول هلم إلينا و أنا خارج إلى ابن يثربي فإذا قتلني فادفني بدمي و لا تغسلني فإني مخاصم عند ربي ثم خرج فقتله عمر و ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزا يقول:
أرديت علباء و هندا في طلق *** ثم ابن صوحان خضيبا في علق
قد سبق اليوم لنا ما قد سبق *** و الوتر منا في عدي ذي الفرق
والأشتر الغاوي وعمرو بن الحمق **** والفارس المعلم في الحرب الحنق
ذاك الذي في الحادثات لم يطق *** أعني عليا ليته فينا مزق
قال: قوله: و الوتر منا في عدي يعني عدي بن حاتم الطائي وكان من أشد الناس على عثمان و من أشدهم جهادا مع علي علیه السّلام ثم ترك ابن يثربي الخطام و خرج يطلب المبارزة فاختلف في قاتله فقال قوم إن عمار بن ياسر خرج إليه و الناس يسترجعون له لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذ أقصرهم سيفا و أقصفهم رمحا و أحمشهم ساقا.
حمالة سيفه من نسعة الرحل و ذباب سيفه قريب من إبطه فاختلفا ضربتين فنشب سيف ابن يثربي في حجفة عمار فضربه عمار على رأسه فصرعه ثم أخذ برجله يسحبه حتى انتهى به إلى على علیه السّلام فقال يا أمير المؤمنين استبقني أجاهد بين يديك و أقتل منهم مثل ما قتلت منكم.
فقال له على علیه السّلام أبعد زيد و هند و علباء أستبقيك لاها الله إذا قال
ص: 425
فأدنني منك أسارك قال له أنت متمرد و قد أخبرني رسول الله صلّی الله علیه و آله بالمتمردين و ذكرك فيهم فقال أما والله لو وصلت إليك لعضضت أنفك عضة أبنته منك فأمر به علي علیه السّلام فضربت عنقه.
580 - عنه قال قوم إن عمرا لما قتل من قتل و أراد أن يخرج لطلب ا البراز قال للأزد يا معشر الأزد إنكم قوم لكم حياء وبأس و إني قد وترت القوم و هم قاتلي و هذه أمكم نصرها دين و خذلانها عقوق و لست أخشى أن أقتل حتى أصرع فإن صرعت فاستنقذوني فقالت له الأزد ما في هذا الجمع أحد نخافه عليك إلا الأشتر قال فإياه أخاف.
581- عنه قال أبو مخنف فقيضه الله له و قد أعلها جميعا فارتجز الأشتر.
إني إذا ما الحرب أبدت نابها *** وأغلقت يوم الوغى أبوابها
ومزقت من حنق أثوابها *** كنا قداماها و لا أذنابها
ليس العدو دوننا أصحابها *** من هابها اليوم فلن أهابها
لا طعنها أخشى و لا ضرابها
ثم حمل عليه فطعنه فصرعه و حامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب و هو وقيذ ثقيل فلم يستطع أن يدفع عن نفسه و استعرضه عبد الرحمن بن طود البكري فطعنه فصرعه ثانية و وثب عليه رجل من سدوس فأخذه مسحوبا برجله حتى أتى به عليها علیه السّلام فنا شده الله و قال يا أمير المؤمنين اعف عني فإن العرب لم تزل قائلة عنك إنك لم تجهز على جريح قط فأطلقه و قال اذهب حيث شئت فجاء إلى أصحابه و هو لما به حضره الموت فقالوا له دمك عند أي الناس
فقال أما الأشتر فلقيني و أنا كالمهر الأرن فعلا حده حدي و لقيت رجلا يبتغي له عشرة أمثالي و أما البكري فلقيني و أنا لما بي و كان يبتغي
ص: 426
لي عشرة أمثاله و تولى أسري أضعف القوم وصاحبي الأشتر.
582 - عنه قال أبو مخنف فلما انكشفت الحرب شكرت ابنة عمرو بن يتربي الأزد و عابت قومها فقالت:
يا ضب إنك قد فجعت بفارس *** حامي الحقيقة قاتل الأقران
عمرو بن يثرب الذي فجعت به *** كل القبائل من بني عدنان
لم يحمه وسط العجاجة قومه *** وحنت عليه الأزد أزد عمان
فلهم على بذاك حادث نعمة *** و لحبهم أحببت كل يمان
لو كان يدفع عن منية هالك *** طول الأكف بذابل المران
أو معشر وصلوا الخطا بسيوفهم *** وسط العجاجة والحتوف دوانى
ما نيل عمرو و الحوادث جمة *** حتى ينال النجم والقمران
لو غير الأشتر ناله لندبته *** وبكيته ما دام هضب أبان
لكنه من لا يعاب بقتله *** أسد الأسود و فارس الفرسان
583 - عنه قال أبو مخنف: و بلغنا أن عبد الرحمن بن طود البكري قال لقومه أنا و الله قتلت عمرا و إن الأشتر كان بعدي و أنا أمامه في الصعاليك فطعنت عمرا طعنة لم أحسب أنها تجعل للأشتر دونى و إنما الأشتر ذو حظ في الحرب و إنه ليعلم أنه كان خلفي و لكن أبي الناس إلا أنه صاحبه ولا أرى أن أكون خصم العامة و إن الأشتر لأهل ألا ينازع.
فلما بلغ الأشتر قوله قال: أما والله لو لا أني أطفأت جمرته عنه ما دنا منه و ما صاحبه غيري و إن الصيد لمن وقذه فقال عبد الرحمن لا أنازع فيه ما القول إلا ما قاله و أنى لي أن أخالف الناس.
584 - عنه قال و خرج عبد الله بن خلف الخزاعي و هو رئيس البصرة و أكثر أهلها مالا وضياعا فطلب البراز و سأل ألا يخرج إليه إلا
ص: 427
علي علیه السّلام و ارتجز فقال:
أبا تراب ادن مني فترا *** فإنني دان إليك شبرا
و إن في صدري عليك غمرا
فخرج إليه علي علیه السّلام فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته.
585 - عنه قالوا استدار الجمل كما تدور الرحى و تكاثفت الرجال من حوله و اشتد رغاؤه و اشتد زحام الناس عليه و نادى الحتات المجاشعي أيها الناس أمكم أمكم و اختلط الناس فضرب بعضهم بعضا و تقصد أهل الكوفة قصد الجمل و الرجال دونه كالجبال كلما خف قوم جاء أضعافهم فنادى على علیه السّلام ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل اعقروه لعنه الله فرشق بالسهام.
فلم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل وكان مجففا فتعلقت السهام به فصار كالقنفذ و نادت الأزد و ضبة يا لثارات عثمان فاتخذوها شعارا و نادی أصحاب علي علیه السّلام يا محمد فاتخذوها شعارا و اختلط الفريقان و نادی علي علیه السّلام بشعار رسول الله صلّی الله علیه و آله يا منصور أمت و هذا في اليوم الثاني من أيام الجمل فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم و ذلك وقت العصر بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر.
586 - عنه قال الواقدي و قد روي أن شعاره علیه السّلام كان في ذلك اليوم حم لا ينصرون اللهم انصرنا على القوم الناكثين.
ثم تحاجز الفريقان و القتل فاش فيهما إلا أنه في أهل البصرة أكثر و أمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة ثم تواقفوا في اليوم الثالث فبرز أول الناس عبد الله بن الزبير ودعا إلى المبارزة فبرز إليه الأشتر فقالت عائشة من برز إلى عبد الله قالوا الأشتر.
ص: 428
فقالت وا ثكل أسماء فضرب كل منهما صاحبه فجرحه ثم اعتنقا فصرع الأشتر عبد الله و قعد على صدره و اختلط الفريقان هؤلاء لينقذوا عبد الله و هؤلاء ليعينوا الأشتر و كان الأشتر طاويا ثلاثة أيام لم يطعم و هذه عادته في الحرب و كان أيضا شيخا عالي السن فجعل عبد الله ينادي:
اقتلوني و مالكا فلو قال اقتلوني و الأشتر لقتلوهما إلا أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض و أفلت ابن الزبير من تحته و لم يكد فذلك قول الأشتر:
أعائش لو لا أنني كنت طاويا *** ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا
غداة ينادي و الرجال تحوزه *** بأضعف صوت اقتلوني و مالكا
فلم يعرفوه إذ دعاهم و غمه *** خدب عليه في العجاجة باركا
فنجاه مني أكله وشبابه *** و أني شيخ لم أكن متماسكا
587 - عنه روى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة قال دخل عمار بن ياسر و مالك بن الحارث الأشتر على عائشة بعد انقضاء أمر الجمل فقالت عائشة يا عمار من معك قال الأشتر فقالت يا مالك أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت قال نعم و لو لا أني كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه.
:فقالت: أما علمت أن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال لا يحل دم مسلم إلا بأحد أمور ثلاثة كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق ، فقال الأشتر على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين و ايم الله ما خانني سيفي قبلها و لقد أقسمت ألا يصحبني بعدها.
588 - عنه قال أبو مخنف ففي ذلك يقول الأشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه:
ص: 429
وقالت على أي الخصال صرعته *** بقتل أتى أم رده لا أبالكا
أم المحصن الزاني الذي حل قتله *** فقلت لها لا بد من بعض ذلكا
589 - عنه قال أبو مخنف و انتهى الحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي علیه السّلام إلى الجمل و رجل آخذ بخطامه لا يدنو منه أحد إلا قتله فلما رآه الحارث بن زهير مشى إليه بالسيف و ارتجز فقال لعائشة:
يا أمنا أعق أم نعلم *** و الأم تغذو ولدها و ترحم
أ ما ترين كم شجاع يكلم *** وتختلى هامته و المعصم
فاختلف هو و الرجل ضربتين فكلاهما أثخن صاحبه.
590 - عنه قال جندب بن عبد الله الأزدي فجئت حتى وقفت عليهما و هما يفحصان بأرجلهما حتى ماتا قال فأتيت عائشة بعد ذلك أسلم عليها بالمدينة فقالت من أنت قلت رجل من أهل الكوفة قالت هل شهدتنا يوم البصرة قلت نعم قالت مع أي الفريقين قلت مع علي قالت هل سمعت مقالة الذي قال:
يا أمنا أعقّ أمّ نعلم
قلت: نعم، و أعرفه، قالت و من هو؟ قلت ابن عم لي قالت و ما فعل قلت قتل عند الجمل و قتل قاتله قال فبكت حتى ظننت و الله أنها لا تسكت ثم قالت لوددت و الله أنني كنت مت قبل ذلك اليوم بعشرين سنة.
قالوا و خرج رجل من عسكر البصرة يعرف بخباب بن عمرو الراسبي فارتجز فقال:
أضربهم و لو أرى عليا *** عممته أبيض مشرفيا
أريح منه معشرا غويا
فصمد عليه الأشتر فقتله.
ص: 430
ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس و هو من أشراف قريش و كان اسم سيفه ولول فارتجز فقال:
أنا ابن عتاب و سيني ولول *** و الموت دون الجمل المجلل
فحمل عليه الأشتر فقتله ثم خرج عبد الله بن حكيم بن حزام من بنيأسد بن عبد العزى بن قصي من أشراف قريش أيضا فارتجز و طلب المبارزة فخرج إليه الأشتر فضربه على رأسه فصرعه ثم قام فنجا بنفسه.
591 - عنه قالوا و أخذ خطام الجمل سبعون من قريش قتلوا كلهم و لم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلا سالت نفسه أو قطعت يده و جاءت بنو ناجية فأخذوا بخطام الجمل و لم يكن يأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشة من هذا فسألت عنهم فقيل بنو ناجية فقالت عائشة صبرا يا بني ناجية فإني أعرف فيكم شمائل قريش قالوا و بنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش فقتلوا حولها جميعا.
592 عنه قال أبو مخنف وحدثنا إسحاق بن راشد عن عبد الله بن الزبير قال أمسيت يوم الجمل و بي سبعة و ثلاثون جرحا من ضربة و طعنة ورمية و ما رأيت مثل يوم الجمل قط ما كان الفريقان إلا كالجبلين لا يزولان.
593 - عنه قال أبو مخنف وقام رجل إلى علي علیه السّلام فقال يا أمير المؤمنين أي فتنة أعظم من هذه إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف فقال علي علیه السّلام ويحك أتكون فتنة أنا أميرها وقائدها.
و الذي بعث محمدا بالحق و كرم وجهه ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي و لا زللت ولا زل بي و إني لعلى بينة من ربي بينها الله لرسوله و بینها رسوله لي و سأدعى يوم القيامة و لا ذنب لي و لو كان لي
ص: 431
ذنب لكفر عني ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم.
594 - عنه قال أبو مخنف و حدثنا مسلم الأعور عن حبة العرني قال فلما رأى علي علیه السّلام الا أن الموت عند الجمل و أنه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ وضع سيفه على عاتقه و عطف نحوه و أمر أصحابه بذلك و مشى نحوه و الخطام مع بني ضبة فاقتتلوا قتالا شديدا و استحر القتل في بني ضبة.
فقتل منهم مقتلة عظيمة و خلص علي علیه السّلام في جماعة من النخع و همدان إلى الجمل فقال لرجل من النخع اسمه بجير دونك الجمل يا بجير فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه و ضرب بجرانه الأرض و عج عجيجا لم يسمع بأشد منه فما هو إلا أن صرع الجمل حتى فرت الرجال كما
يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب و احتملت عائشة بهودجها.
فحملت إلى دار عبد الله بن خلف و أمر علي علیه السّلام بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح. و قال علیه السّلام لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل ثم قرأ: «وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَتَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً».
595- عنه في شرح كلامه علیه السّلام : لا تلقين طلحة فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه يركب الصعب و يقول هو الذلول و لكن الق الزبير فإنه ألين عريكة فقل له يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق فما عدا مما بدا.
قال الرضي رحمه الله : و هو علیه السّلام أول من سمعت منه هذه الكلمة أعني فما عدا مما بدا.
قوله علیه السّلام: لابن عباس قل له يقول لك ابن خالك لطيف جدا و هو من باب الاستمالة و الإذكار بالنسب والرحم ألا ترى أن له في القلب من
ص: 432
الموقع الداعي إلى الانقياد ما ليس لقوله يقول لك أمير المؤمنين و من هذا الباب قوله تعالى في ذكر موسى و هارون:
«وَ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بي الأعْداءَ»، لما رأى هارون غضب موسی و احتدامه شرع معه في الاستمالة و الملاطفة فقال له ابْنَ أُمَّ و أذكره حق الأخوة و ذلك أدعى إلى عطفه عليه من أن يقول له يا موسى أو يا أيها النبي فأما قوله فما عدا مما بدا فعدا بمعنى صرف قال الشاعر:
و إني عداني أن أزورك محكم *** متى ما أحرك فيه ساقيّ تصخب
596 - عنه روى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده علیهم السّلام قال سألت ابن عباس رضي الله عنه عن ذلك فقال إني قد أتيت الزبير فقلت له فقال قل له إني أريد - ما تريد كأنه يقول الملك - لم يزدني على ذلك فرجعت إلى علي علیه السّلام فأخبرته.
597 - عنه روى محمد بن إسحاق والكلبي عن ابن عباس قال قلت الكلمة للزبير فلم يزدني على أن قال قل له: إنا مع الخوف الشديد لنطمع.
598 - عنه قال و سئل ابن عباس عما يعني بقوله هذا فقال يقول إنا على الخوف لنطمع أن نلي من الأمر ما وليتم. و قد فسره قوم تفسیرا آخر و قالوا أراد إنا مع الخوف من الله لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب.
599 - عنه كان عبد الله بن الزبير هو الذي يصلي بالناس في أيام الجمل لأن طلحة و الزبير تدافعا الصلاة فأمرت عائشة عبد الله أن يصلى قطعا لمنازعتهما فإن ظهروا كان الأمر إلى عائشة تستخلف من شاءت. و كان عبد الله بن الزبير يدعي أنه أحق بالخلافة من أبيه و من طلحة و يزعم أن عثمان يوم الدار أوصى بها إليه.
ص: 433
600 - عنه و اختلفت الرواية في كيفية السلام على الزبير و طلحة فروي أنه كان يسلم على الزبير وحده بالإمرة فيقال السلام عليك أيها الأمير لأن عائشة ولته أمر الحرب و روي أنه كان يسلم على كل واحد منهما بذلك.
601 - عنه لما نزل على علیه السّلام بالبصرة و وقف جيشه بإزاء جيش عائشة قال الزبير و الله ما كان أمر قط إلا عرفت أين أضع قدمي فيه إلا هذا الأمر فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر فقال له ابنه عبد الله كلا و لكنك فرقت سيوف ابن أبي طالب وعرفت أن الموت الناقع تحت راياته فقال الزبير ما لك أخزاك الله من ولد ما أشأمك.
602 - عنه كان أمير المؤمنين علیه السّلام يقول ما زال الزبير منا أهل البيت حتى شبّ ابنه عبد الله برز علي علیه السّلام بين الصفين حاسرا و قال ليبرز إلي الزبير فبرز إليه مدججا فقيل لعائشة قد برز الزبير إلى علي علیه السّلام فصاحت وا زبيراه فقيل لها لا بأس عليه منه إنه حاسر و الزبير دارع فقال له ما حملك يا أبا عبد الله على ما صنعت قال أطلب بدم عثمان قال أنت و طلحة وليتماه و إنما نوبتك من ذلك أن تقيد به نفسك وتسلمها إلى ورثته.
ثم قال نشدتك الله أتذكر يوم مررت بي و رسول الله صلّی الله علیه و آله متکی على يدك و هو جاء من بني عمرو بن عوف فسلم علي وضحك في وجهي فضحكت إليه لم أزده على ذلك فقلت لا يترك ابن أبي طالب يا رسول الله زهوه فقال لك مه إنه ليس بذي زهو أما إنك ستقاتله و أنت له ظالم.
فاسترجع الزبير وقال لقد كان ذلك و لكن الدهر أنسانيه و لأنصرفن عنك فرجع فأعتق عبده سرجس سرجس تحللا س تحللا من يمين لزمته في القتال ثم أتى عائشة فقال لها إني ما وقفت موقفا قط و لا شهدت حربا إلا و لي
ص: 434
فيه رأي وبصيرة إلا هذه الحرب و إني لعلى شك من أمري و ما أكاد أبصر موضع قدمي.
فقالت له يا أبا عبد الله أظنك فرقت سيوف ابن أبي طالب إنها و الله سيوف حداد معدة للجلاد تحملها فئة أنجاد و لئن فرقتها لقد فرقها الرجال قبلك قال كلا و لكنه ما قلت لك ثم انصرف.
603 - عنه روى فروة بن الحارث التميمي قال كنت فيمن اعتزل عن الحرب بوادي السباع مع الأحنف بن قيس و خرج ابن عم لي يقال له الجون مع عسكر البصرة فنهيته فقال لا أرغب بنفسي عن نصرة أم المؤمنين و حواري رسول الله فخرج معهم و إني لجالس مع الأحنف يستنبى الأخبار إذا بالجون بن قتادة ابن عمي قتادة ابن عمي مقبلا فقمت إليه و اعتنقته و سألته عن الخبر.
فقال أخبرك العجب خرجت و أنا لا أريد أن أبرح الحرب حتى يحكم الله بين الفريقين فبينا أنا واقف مع الزبير إذ جاءه رجل فقال أبشر أيها الأمير فإن عليا لما رأى ما أعد الله له من هذا الجمع نكص على عقبيه و تفرق عنه أصحابه و أتاه آخر فقال له مثل ذلك فقال الزبير ويحكم أبوحسن يرجع و الله لو لم يجد إلا العرفج لدب إلينا فيه.
ثم أقبل رجل آخر فقال أيها الأمير إن نفرا من أصحاب علي فارقوه ليدخلوا معنا منهم عمار بن ياسر فقال الزبير كلا و رب الكعبة إن عمارا لا يفارقه أبدا فقال الرجل بلى و الله مرارا.
فلما رأى الزبير أن الرجل ليس براجع عن قوله بعث معه رجلا آخر و قال اذهبا فانظرا فعادا و قالا إن عمارا قد أتاك رسولا من عند صاحبه قال جون فسمعت والله الزبير يقول وا انقطاع ظهراه واجدع أنفاه واسواد
ص: 435
وجهاه و يكرر ذلك مرارا ثم أخذته رعدة شديدة.
فقلت والله إن الزبير ليس بجبان و إنه لمن فرسان قريش المذكورين و إن لهذا الكلام لشأنا و لا أريد أن أشهد مشهدا يقول أميره هذه المقالة فرجعت إليكم فلم يكن إلا قليل حتى مر الزبير بنا متاركا للقوم فاتبعه عمير بن جرموز فقتله.
604 - عنه أكثر الروايات على أن ابن جرموز قتل مع أصحاب النهر و جاء في بعضها أنه عاش إلى أيام ولاية مصعب بن الزبير العراق و أنه لما قدم مصعب البصرة خافه ابن رموز فهرب فقال مصعب ليظهر سالما و ليأخذ عطاءه موفورا أيظن أني أقتله بأبي عبد الله و أجعله فداء له فكان هذا من الكبر المستحسن.
كان ابن جرموز يدعو لدنياه فقيل له هلا دعوت لآخرتك فقال أيست من الجنة. الزبير أول من شهر سيفه في سبيل الله قيل له في أول الدعوة قد قتل رسول الله فخرج و هو غلام يسعى بسيفه مشهورا.
605- عنه روى الزبير بن بكار فى الموفقيات قال لما سار على علیه السّلام إلى البصرة بعث ابن عباس فقال انت الزبير فاقرأ علیه السّلام وقل له يا أبا عبد الله كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة فقال ابن عباس أفلا آتي طلحة قال لا إذا تجده عاقصا قرنه في حزن يقول هذا سهل.
قال فأتيت الزبير فوجدته في بيت يتروح في يوم حار و عبد الله ابنه عنده فقال مرحبا بك يا ابن لبابة أجئت زائرا أم سفيرا قلت كلا إن ابن خالك يقرأ عليك السلام و يقول لك يا أبا عبد الله كيف عرفتنا بالمدينة و أنكرتنا بالبصرة فقال:
علقتهم أني خلقت عصبه *** قتادة تعلقت بنشبه
ص: 436
لن أدعهم حتى أؤلف بينهم قال فأردت منه جوابا غير ذلك فقال لي ابنه عبد الله قل له بيننا و بينك دم خليفة و وصية خليفة و اجتماع اثنين و انفراد واحد و أم مبرورة و مشاورة العشيرة قال فعلمت أنه ليس وراء هذا الكلام إلا الحرب فرجعت إلى علي علیه السّلام فأخبرته.
قال الزبير بن بكار هذا الحديث كان يرويه عمي مصعب ثم تركه و قال إني رأيت جدي أبا عبد الله الزبير بن العوام في المنام و هو يعتذر من يوم الجمل فقلت له كيف تعتذر منه و أنت القائل:
علقتهم أني خلقت عصبه *** قتادة تعلقت بنشبه
لن أدعهم حتى أؤلف بينهم فقال لم أقله.
606 - عنه في شرح كلامه علیه السّلام: معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوظ نواقص العقول فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة و الصيام في أيام حيضهن و أما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين منهن كشهادة الرجل الواحد و أما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال.
فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر و لا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر.
و هذا الفصل كله رمز إلى عائشة و لا يختلف أصحابنا في أنها أخطأت فيما فعلت ثم تابت و ماتت تائبة و إنها من أهل الجنة.
قال كل من صنف فى السير و الأخبار أن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى إنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلّى الله عليه و آله فنصبته في منزلها و كانت تقول للداخلين إليها هذا ثوب رسول الله صلّى الله عليه و آله لم يبل و عثمان قد أبلى سنته.
ص: 437
607 - عنه قالوا أول من سمى عثمان نعثلا عائشة و النعثل الكثير شعر اللحية والجسد و كانت تقول اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.
608- عنه روى المدائني في كتاب الجمل قال لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة و بلغ قتله إليها و هي بشراف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر و قالت بعدا لنعثل و سحقا إيه ذا الإصبع إيه أبا شبل إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى إصبعه و هو يبايع له حثوا الإبل و دعدعوها.
قال و قد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال و أخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثم فسد أمره فدفعها إلى علي بن أبي طالب علیه السّلام.
609 - عنه قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه أن عائشة لما
بلغها قتل عثمان و هي بمكة أقبلت بمكة أقبلت مسرعة و هي تقول إيه ذا الإصبع أبوك أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له ما عندك قال قتل عثمان قالت ثم ما ذا قال ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار بايعوا عليا.
فقالت لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا ويحك انظر ما تقول قال هو ما قلت لك يا أم المؤمنين فولولت فقال لها ما شأنك يا أم المؤمنين
و الله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه و لا أحق و لا أرى له نظيرا في جميع حالاته فلما ذا تكرهين ولايته قال فما ردت عليه جوابا.
610 - عنه قال وقد روي من طرق مختلفة أن عائشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكة قالت أبعده الله ذلك بما قدمت يداه و ما الله بظلام للعبيد.
611 - عنه قال وقد روى قيس بن أبي حازم أنه حج في العام الذي قتل فيه عثمان وكان مع عائشة لما بلغها قتله فتحمل إلى المدينة قال فسمعها
ص: 438
تقول في بعض الطريق إيه ذا الإصبع و إذا ذكرت عثمان قالت أبعده الله حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت لوددت أن هذه وقعت على هذه ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة فردت معها ورأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا قتلوا ابن عفان مظلوما.
فقلت لها يا أم المؤمنين ألم أسمعك آنها تقولين أبعده الله و قد رأيتك قبل أشد الناس عليه و أقبحهم فيه قولا فقالت لقد كان ذلك و لكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه.
612- عنه قال و روي من طرق أخرى أنها قالت لما بلغها قتله أبعده الله قتله ذنبه و أقاده الله بعمله يا معشر قريش لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه أن أحق الناس بهذا الأمر ذو الإصبع فلما جاءت الأخبار ببيعة علي علیه السّلام قالت تعسوا تعسوا لا يردون الأمر في تيم أبدا.
613 - عنه كتب طلحة والزبير إلى عائشة و هي بمكة كتابا أن خذلي الناس عن بيعة علي و أظهري الطلب بدم عثمان و حملا الكتاب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير فلما قرأت الكتاب كاشفت و أظهرت الطلب بدم عثمان و كانت أم سلمة بمكة في ذلك العام فلما رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلك و أظهرت موالاة علي علیه السّلام ونصرته على مقتضي العداوة المركوزة في طباع الضرتين.
614 - عنه قال أبو مخنف جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله صلّی الله علیه و آله و أنت كبيرة أمهات المؤمنين و كان رسول الله صلّی الله علیه و آله يقسم لنا من بيتك وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك فقالت
ص: 439
أم سلمة لأمر ما قلت هذه المقالة فقالت عائشة إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان.
فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام وقد عزمت على الخروج إلى البصرة و معي الزبير و طلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا بنا فقالت أم سلمة إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان و تقولين فيه أخبث القول وما كان اسمه عندك إلا نعثلا و إنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله صلّی الله علیه و آله أفأذكرك .
قالت: نعم قالت أتذكرين يوم أقبل علیه السّلام و نحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال خلا بعلي يناجيه فأطال فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت ما شأنك فقلت إني هجمت عليهما و هما يتناجيان.
فقلت لعلي ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام أفما تدعني يا ابن أبي طالب و يومي فأقبل رسول الله صلّی الله علیه و آله علي و هو غضبان محمر الوجه فقال ارجعي وراءك و الله لا يبغضه أحد من أهل بيتي و لا من غيرهم من الناس إلا و هو خارج من الإيمان فرجعت نادمة ساقطة قالت عائشة نعم أذكر ذلك.
قالت و أذكرك أيضا كنت أنا و أنت مع رسول الله صلّی الله علیه و آله و أنت تغسلين رأسه و أنا أحيس له حيسا و كان الحيس يعجبه فرفع را رأسه و قال يا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأذبب تنبحها كلاب الحوأب فتكون عن الصراط فرفعت يدي من الحيس.
ناكبة عن فقلت أعوذ بالله و برسوله من ذلك ثم ضرب على ظهرك و قال إياك أن تكونيها ثم قال يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها يا حميراء أما أنا فقد
ص: 440
أنذرتك قالت عائشة نعم أذكر هذا.
قالت و أذكرك أيضا كنت أنا و أنت مع رسول الله صلّی الله علیه و آله في سفر له و كان علي يتعاهد نعلي رسول الله صلّى الله عليه و آله فيخصفها و يتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها و قعد في ظل سمرة و جاء أبوك و معه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب و دخلا يحادثانه فيها أراد ثم قالا يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا.
فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا فقال لهما أما إني قد أرى مكانه و لو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران فسكتا ثم خرجا فلما خرجنا إلى رسول الله صلّی الله علیه و آله قلت له و كنت أجرأ عليه منا من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم فقال خاصف النعل فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا.
فقلت یا رسول الله ما أرى إلا عليا فقال هو ذاك فقالت عائشة أذكر ذلك فقالت فأي خروج تخرجين بعد هذا فقالت إنما أخرج للإصلاح بين الناس و أرجو فيه الأجر إن شاء الله فقالت أنت و رأيك فانصرفت عائشة عنها وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى صلّی الله علیه و آله .
فإن قلت فهذا نص صريح في إمامة على علیه السّلام فما تصنع أنت و أصحابك المعتزلة به قلت كلا إنه ليس بنص كما ظننت لأنه صلّی الله علیه و آله لم يقل قد استخلفته و إنما قال لو قد استخلفت أحدا لاستخلفته و ذلك لا يقتضي حصول الاستخلاف ويجوز أن تكون مصلحة المكلفين متعلقة بالنص عليه لو كان النبي صلّی الله علیه و آله مأمورا بأن ينص على إمام بعينه من بعده و أن يكون من مصلحتهم أن يختاروا لأنفسهم من شاءوا إذا تركهم النبي صلّی الله علیه و آله و آراءهم و لم يعين أحدا.
ص: 441
615 - عنه روى هشام بن محمد الكلبي في كتاب الجمل أن أم سلمة كتبت إلى علي علیه السّلام من مكة أما بعد فإن طلحة والزبير و أشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة و معهم عبد الله بن عامر بن كريز و يذكرون أن عثمان قتل مظلوما و أنهم يطلبون بدمه و الله كافيهم بحوله و قوته و لو لا ما نهانا الله عنه من الخروج و أمرنا به من لزوم البيت لم أدع الخروج إليك و النصرة لك و لكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا.
قال فلما قدم عمر على علي علیه السّلام أكرمه و لم يزل مقيما معه حتى شهد مشاهده کلها و وجهه أميرا على البحرين و قال لابن عم له بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إلي من شعره فبعث إليه بأبيات له أولها.
جزتك أمير المؤمنين قرابة *** رفعت بها ذكري جزاء موفرا
فعجب علي علیه السّلام من شعره و استحسنه.
616 - عنه من الكلام المشهور الذي قيل إن أم سلمة رحمها الله كتبت به إلى عائشة إنك جنة بين رسول الله صلّی الله علیه و آله و بين أمته و إن الحجاب دونك لمضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه و سكن عقيراك فلا تصحريها لو أذكرتك قوله من رسول الله لا تعرفينها لنهشت بها نهش الرقشاء المطرقة.
ما كنت قائلة لرسول الله صلّی الله علیه و آله لو لقيك ناصة قلوص قعودك من منهل إلى منهل قد تركت عهيداه و هتكت ستره إن عمود الدين لا يقوم بالنساء وصدعه لا يرأب بهن حماديات النساء خفض الأصوات و خفر الأعراض اجعلي قاعدة البيت قبرك حتى تلقينه و أنت على ذلك.
فقالت عائشة ما أعرفني بنصحك و أقبلني لوعظك و ليس الأمر
ص: 442
حيث تذهبين ما أنا بعمية عن رأيك فإن أقم في غير حرج و إن أخرج ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين.
617 - عنه قد ذكر هذا الحديث أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث في باب أم سلمة على ما أورده عليك قال لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة أتتها أم سلمة فقالت لها إنك سدة بين محمد رسول الله صلّی الله علیه و آله و بين أمته و حجابك مضروب على حرمته قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها الله من وراء هذه الأمة.
لو أراد رسول الله صلّی الله علیه و آله أن يعهد إليك عهدا علت علت بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد إن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء إن مال ولا يرأب بهن إن صدع حماديات النساء غض الأطراف و خفر الأعراض و قصر الوهازة ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلّی الله علیه و آله و عارضك بعد الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلى آخر.
إن بعين الله مهواك و على رسوله تردين و قد وجهت سدافته و یروی سجافته و ترکت عهيداه لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا صلّی الله علیه و آله الهاتكة حجابا و قد ضربه علي اجعلي حصنك بيتك و وقاعة الستر قبرك حتى تلقينه و أنت على تلك أطوع ما تكونين الله بالرقبة و أنصر ما تكون للدين ما حلت عنه لو ذكرتك قولا تعرفينه لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة.
فقالت عائشة ما أقبلني لوعظك و ليس الأمر كما تظنين و لنعم المسير مسير فزعت فيه إلى فئتان متناجزتان أو قالت متناحرتان إن أقعد ففي غير حرج و إن أخرج فإلى ما لا بد لي من الازدياد منه.
ص: 443
618 - عنه لما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن أمية بعيره المسمى عسكرا و كان عظيم الخلق شديدا فلما رأته أعجبها و أنشأ الجمال يحدثها بقوته و شدته و يقول في أثناء كلامه عسكر فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت و قالت ردوه لا حاجة لي فيه.
و ذكرت حيث سئلت أن رسول الله صلّی الله علیه و آله ذكر لها هذا الاسم و نهاها عن ركوبه و أمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غیر جلاله وقيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا و أشد قوة و أتيت به فرضیت
619 - عنه قال أبو مخنف و أرسلت إلى حفصة تسألها الخروج و المسير معها فبلغ ذلك عبدالله بن عمر فأتى أخته فعزم عليها فأقامت و حطت الرحال بعد ما همت. كتب الأشتر من المدينة إلى عائشة و هي بمكة أما بعد فإنك ظعينة رسول الله صلّی الله علیه و آله و قد أمرك أن تقري في بيتك فإن فعلت فهو خير لك فإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك وتلق جلبابك و تبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك و الموضع الذي يرضاه لك ربك.
فكتبت إليه في الجواب أما بعد فإنك أول العرب شب الفتنة و دعا إلى الفرقة و خالف الأئمة و سعى في قتل الخليفة و قد علمت أنك لن تعجز الله حتى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم و قد جاءني كتابك و فهمت ما فيه و سيكفينيك الله و كل من أصبح مماثلا لك في ضلالك و غيك إن شاء الله .
620 - عنه قال أبو مخنف لما انتهت عائشة في مسيرها إلى الحوأب و هو ماء لبني عامر بن صعصعة نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب إبلها فقال
ص: 444
قائل من أصحابها ألا ترون ما أكثر كلاب الحوأب و ما أشد نباحها فأمسكت زمام بعيرها وقالت وإنها لكلاب الحوأب ردوني ردوني فإني سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول و ذكرت الخبر فقال لها قائل
مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب فقالت فهل من شاهد فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب فسارت لوجهها. لما انتهت عائشة و طلحة والزبير إلى حفر أبي موسى قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف و هو يومئذ عامل علي علیه السّلام على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدولي يعلم له علمهم.
فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت صدقت و لكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله أنغضب لكم من سوط عثمان و لا نغضب لعثمان من سيوفكم فقال لها ما أنت من السوط و السيف.
إنما أنت حبيس رسول الله صلّی الله علیه و آله أمرك أن تقري في بيتك و تتلي کتاب ربك و ليس على النساء قتال و لا لهن الطلب بالدماء و إن عليا لأولى بعثمان منك و أمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف فقالت لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت له أفتظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي قال أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد.
ثم قام فأتى الزبير فقال يا أبا عبد الله عهد الناس بك و أنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب و أين هذا المقام من ذاك فذكر له دم عثمان قال أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده سادرا في
ص: 445
غيه مصرا على الحرب و الفتنة فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها.
621 - عنه لما نزل علي علیه السّلام بالبصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي من عائشة بنت أبي بكر زوج النبي صلّی الله علیه و آله إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فأقم في بيتك و خذل الناس عن علي و ليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلى عندي و السلام.
فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر و أمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك و أمرنا أن نجاهد و قد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله فأكون قد صنعت ما أمرك الله به و صنعت ما أمرني الله به فأمرك عندي غير مطاع و كتابك غير مجاب و السلام.
روى هذين الكتابين شيخنا أبو عثمان عمرو بن بحر عن شيخنا أبي سعيد الحسن البصري.
622 - عنه ركبت عائشة يوم الحرب الجمل المسمى عسكرا في هودج قد ألبس الرفرف ثم ألبس جلود النمر ثم ألبس فوق ذلك دروع الحديد.
623 - عنه عن الشعبي عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة قال لما قدم طلحة والزبير البصرة تقلدت سيني و أنا أريد نصرهما فدخلت على عائشة و إذا هي تأمر و تنهى و إذا الأمر أمرها، فذكرت حديثا كنت سمعته عن رسول الله صلّی الله علیه و آله لن يفلح قوم تدبر أمرهم امرأة فانصرفت و اعتزلتهم.
624- عنه قد روي هذا الخبر على صورة أخرى أن قوما يخرجون بعدي في فئة رأسها امرأة لا يفلحون أبدا. كان الجمل لواء عسكر البصرة لم يكن لواء غيره.
ص: 446
625 - عنه خطبت عائشة و الناس قد أخذوا مصافهم للحرب فقالت أما بعد فإنا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط و إمرة الفتيان و مرتع السحابة المحمية ألا وإنكم استعتبتموه فأعتبكم فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما و ايم الله إن كان لأحصنكم فرجا وأتقاكم لله.
626 - عنه خطب علي علیه السّلام لما تواقف الجمعان فقال لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجة وكفكم عنهم حتى يبدءوكم حجة أخرى وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح و إذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا بقتيل و إذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا و لا تأخذوا من أموالهم شيئا.
و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم فإنهن ضعاف القوى و الأنفس والعقول لقد كنا نؤمر بالكف عنهن و إنهن لمشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة و الجريدة فيعير بها و عقبه من بعده.
قتل بنو ضبة حول الجمل فلم يبق فيهم إلا من لا نفع عنده و أخذت الأزد بخطامه فقالت عائشة من أنتم قالوا الأزد قالت صبرا فإنما يصبر الأحرار ما زلت أرى النصر مع بني ضبة فلما فقدتهم أنكرته فحرضت الأزد بذلك فقاتلوا قتالا شديدا و رمي الجمل بالنبل حتى صارت القبة عليه كهيئة القنفذ.
627 - عنه قال علي علیه السّلام لما فني الناس على خطام الجمل و قطعت الأيدي وسالت النفوس ادعوا لي الأشتر و عمارا فجاءا فقال اذهبا فاعقرا هذا الجمل فإن الحرب لا يبوخ ضرامها ما دام حيا إنهم قد اتخذوه قبلة
ص: 447
فذهبا و معهما فتيان من مراد.
يعرف أحدهما بعمر بن عبد الله فما زالا يضربان الناس حتى خلصا إليه فضربه المرادي على عرقوبيه فأقعى و له رغاء ثم وقع لجنبه و فر الناس من حوله فنادى علي علیه السّلام اقطعوا أنساع الهودج ثم قال لمحمد بن أبي بكر اكفني أختك فحملها محمد حتى أنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي.
628 - عنه بعث علي عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة قال فأتيتها فدخلت عليها فلم يوضع لي شيء أجلس عليه فتناولت وسادة كانت في رحلها فقعدت عليها فقالت يا ابن عباس أخطأت السنة قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا فقلت ليس هذا بيتك الذي أمرك الله أن تقري فيه و لو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلا بإذنك.
ثم قلت إن أمير المؤمنين أرسلني إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة فقالت و أين أمير المؤمنين ذاك عمر فقلت عمر و علي قالت أبيت قلت أما و الله ما كان أبوك إلا قصير المدة عظيم المشقة قليل المنفعة ظاهر الشؤم بين النكد و ما عسى أن يكون أبوك و الله ما كان أمرك إلا كحلب شاة حتى صرت لا تأمرين و لا تنهين ولا تأخذين ولا تعطين وما كنت إلا كما قال أخو بني أسد.
ما زال إهداء الصغائر بيننا *** نث الحديث وكثرة الألقاب
حتى نزلت كأن صوتك بينهم *** في كل نائبة طنين ذباب
قال فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب ثم قالت إني معجلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله تعالى و الله ما من بلد أبغض إلي من بلد أنتم فيه قلت و لم ذاك فو الله لقد جعلناك للمؤمنين أما و جعلنا أباك صديقا قالت يا ابن عباس أتمن علي برسول الله قلت ما لي لا أمن عليك بمن لو
ص: 448
كان منك لمننت به علي.
ثم أتيت عليا علیه السّلام فأخبرته بقولها و قولي فسر بذلك وقال لي ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم وفي رواية أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك.
629 - عنه في شرح كلامه علیه السّلام : كل واحد منهما يرجو الأمر له و يعطفه عليه دون صاحبه لا يمتان إلى الله بحبل و لا يمدان إليه بسبب كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه و عما قليل يكشف قناعه به و الله لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعن هذا نفس هذا و ليأتين هذا على هذا.
قد قامت الفئة الباغية فأين المحتسبون قد سنت لهم السنن و قدم لهم الخبر و لكل ضلة علة و لكل ناكث شبهة و الله لا أكون كمستمع اللدم يسمع الناعي و يحضر الباكي ثم لا يعتبر.
630 - عنه روى أبو مخنف قال لما تزاحف الناس يوم الجمل و التقوا قال علي علیه السّلام لأصحابه لا يرمين رجل منكم بسهم و لا يطعن أحدكم فيهم برح حتى أحدث إليكم و حتى يبدءوكم بالقتال و بالقتل.
فرمى أصحاب الجمل عسكر على علیه السّلام بالنبل رميا شديدا متتابعا فضج إليه أصحابه و قالوا عقرتنا سهامهم يا أمير المؤمنين و جيء برجل إليه و إنه لني فسطاط له صغير فقيل له هذا فلان قد قتل فقال اللهم اشهد ثم قال أعذروا إلى القوم فأتي برجل آخر فقيل و هذا قد قتل
فقال اللهم اشهد أعذروا إلى القوم ثم أقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي و هو من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله يحمل أخاه عبد الرحمن بن بديل قد أصابه سهم فقتله فوضعه بين يدي علي علیه السّلام و قال يا أمير المؤمنين.
هذا أخي قد قتل فعند ذلك استرجع علي علیه السّلام و دعا بدرع رسول
ص: 449
الله صلّی الله علیه و آله ذات الفضول فلبسها فتدلت بطنه فرفعها بيده و قال لبعض أهله فحزم وسطه بعمامة وتقلد ذا الفقار و دفع إلى ابنه محمد راية رسول الله صلّی الله علیه و آله السوداء و تعرف بالعقاب و قال لحسن و حسين علیهماالسّلام إنما دفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله صلّی الله علیه و آله.
631 - عنه قال أبو مخنف و طاف على الله على أصحابه و هو يقرأ «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتُهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ»، ثم قال أفرغ الله علينا وعليكم الصبر و أعز لنا و لكم النصر و كان لنا ولكم ظهيرا في كل أمر
ثم رفع مصحفا بيده فقال من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما في و له الجنة فقام غلام شاب اسمه مسلم عليه قباء أبيض فقال أنا آخذه فنظر إليه علي و قال يا فتى إن أخذته فإن يدك اليمنى تقطع فتأخذه بيدك اليسرى فتقطع ثم تضرب بالسيف حتى تقتل فقال لا صبر لي على ذلك فنادى علي ثانية.
فقام الغلام و أعاد عليه القول و أعاد الغلام القول مرارا حتى قال الغلام أنا آخذه و هذا الذي ذكرت في الله قليل فأخذه و انطلق فلما خالطهم ناداهم هذا كتاب الله بيننا و بينكم فضربه رجل فقطع يده اليمنى فتناوله باليسرى فضربه أخرى فقطع اليسرى فاحتضنه فضربوه بأسيافهم حتى قتل فقالت أم ذريح العبدية في ذلك.
يا رب إن مسلما أتاهم *** بمصحف أرسله مولاهم
للعدل والإيمان قد دعاهم *** يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه ظباهم *** و أمهم واقفة تراهم
ص: 450
تأمرهم بالغي لا تنهاهم
632 - عنه قال أبو مخنف فعند ذلك أمر علي علیه السّلام ولده محمدا أن يحمل الراية فحمل و حمل معه الناس و استحر القتل في الفريقين وقامت الحرب على ساق قال فأما طلحة فإن أهل الجمل لما تضعضعوا قال مروان لا أطلب تار عثمان من طلحة بعد اليوم فانتحى له بسهم فأصاب ساقه فقطع أكحله فجعل الدم يبض فاستدعى من مولى له بغلة فركبها و أدبر و قال لمولاه.
ويحك أما من مكان أقدر فيه على النزول فقد قتلني الدم فيقول له مولاه انج و إلا لحقك القوم فقال بالله ما رأيت مصرع شيخ أضيع من مصرعي هذا حتى انتهى إلى دار من دور البصرة فنزلها و مات بها.
633- عنه قد روي أنه أنه رمي قبل أن يرميه مروان و جرح في غير موضع من جسده.
634 - عنه روى أبو الحسن المدائني أن عليا علیه السّلام مر بطلحة و هو يكيد بنفسه فوقف عليه وقال أما والله إن كنت لأبغض أن أراكم مصرعين في البلاد و لكن ما حتم واقع ثم تمثل.
و ما تدري إذا أزمعت أمرا *** بأي الأرض يدركك المقيل
و مايدري الفقير متى غناه *** ولا يدري الغني متى يعيل
وماتدري إذا ألقحت شولا *** أ تنتج بعد ذلك أم تحيل
تنتج و أما الزبير فقتله ابن جرموز غيلة بوادي السباع و هو منصرف عن الحرب نادم على ما فرط منه وتقدم ذكر كيفية قتله فيما سبق.
635 - عنه روى الكلبي قال كان العرق الذي أصابه السهم إذا أمسكه طلحة بيده استمسك و إذا استمسك و إذا رفع يده عنه سال فقال طلحة هذا سهم أرسله
ص: 451
الله تعالى و كان أمر الله قدرا مقدورا ما رأيت كاليوم دم قرشي أضيع. قال و كان الحسن البصري إذا سمع هذا و حكي له يقول ذق عقعق.
636- عنه روى أبو مخنف عن عبد الله بن عون عن نافع قال سمعت مروان بن الحكم يقول أنا قتلت طلحة.
قال أبو مخنف و قد قال عبد الملك بن مروان لو لا أن أبي أخبرني أنه رمی طلحة فقتله ما تركت تيميا إلا قتلته بعثمان قال يعني أن محمد بن أبي بكر وطلحة قتلاه و كانا تيميين.
637 - عنه قال أبو مخنف و حدثنا عبد الرحمن بن جندب عن أبيه جندب بن عبد الله قال مررت بطلحة و إن معه عصابة يقاتل بهم و ق-د فشت فيهم الجراح و كثرهم الناس فرأيته جريحا و السيف في يده و أصحابه يتصدعون عنه رجلا فرجلا و اثنين فاثنين و أنا أسمعه و هو يقول عباد الله الصبر الصبر فإن بعد الصبر النصر و الأجر.
فقلت له النجاء النجاء ثكلتك أمك فو الله ما أجرت و لا نصرت و لكنك وزرت و خسرت ثم صحت بأصحابه فانذعروا عنه و لو شئت أن أطعنه لطعنته فقلت له أما والله لو شئت لجدلتك فى هذا الصعيد فقال والله لهلكت هلاك الدنيا والآخرة إذن فقلت له والله لقد أمسيت و إن دمك لحلال و إنك لمن النادمين فانصرف و معه ثلاثة نفر و ما أدري كيف كان أمره إلا أني أعلم أنه قد هلك.
638 - عنه روي أن طلحة قال ذلك اليوم ما كنت أظن أن هذه الآية نزلت فينا «وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً».
639 - عنه روى المدائني قال لما أدبر طلحة و هو جريح يرتاد مكانا ينزله جعل يقول لمن يمر به من أصحاب علي علیه السّلام أنا طلحة من يجيرني
ص: 452
يكررها قال فكان الحسن البصري إذا ذكر ذلك يقول لقد كان في جوار عريض.
640 - عنه في شرح كلامه علیه السّلام بعد ما بويع له بالخلافة و قد قال له قوم من الصحابة لو عاقبت قوما ممن أجلب على عثمان فقال علیه السّلام :
يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون و لكن كيف لي بقوة و القوم المجلبون على حد شوكتهم يملكوننا و لا نملكهم وها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم و التفت إليهم أعرابكم و هم خلالكم يسومونكم ما شاءوا و هل ترون موضعا لقدرة على شيء تريدونه.
إن هذا الأمر أمر جاهلية و إن لهؤلاء القوم مادة إن الناس من هذا الأمر إذا حرك على أمور فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا ترون و فرقة لا ترى هذا و لا هذا فاصبروا حتى يهدأ الناس و تقع القلوب مواقعها و تؤخذ الحقوق مسمحة.
فاهدء وا عني وانظروا ماذا يأتيكم به أمري و لا تفعلوا فعلة تضعضع قوة و تسقط منة و تورث وهنا و ذلة وسأمسك الأمر ما استمسك و إذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي.
641 - عنه قال اعلم أن هذا الكلام يدل على أنه علیه السّلام كان في نفسه عقاب الذين حصروا عثمان و الاقتصاص ممن قتله إن كان بقي ممن باشر قتله أحد ولهذا قال إني لست أجهل ما تعلمون فاعترف بأنه عالم بوجوب ذلك و اعتذر بعدم التمكن كما ينبغي و صدق علیه السّلام .
فإن أكثر أهل المدينة أجلبوا عليه وكان من أهل مصر و من الكوفة عالم عظيم حضروا من بلادهم و طووا المسالك البعيدة لذلك و انضم إليهم أعراب أجلاف من البادية و كان الأمر أمر جاهلية كما قال علیه السّلام و لو حرك
ص: 453
ساكنا لاختلف الناس و اضطربوا فقوم يقولون أصاب و قوم يقولون أخطأ و قوم لا يحكمون بصواب ولا خطأ
بل يتوقفون ولا يأمن لو شرع في عقوبة الناس و القبض عليهم من تجدد فتنة أخرى كالأولى و أعظم فكان الأصوب في التدبير و الذي يوجبه الشرع والعقل الإمساك إلى حين سكون الفتنة وتفرق تلك الشعوب و عود كل قوم إلى بلادهم و كان علیه السّلام يؤمل أن يطيعه معاوية و غيره و أن يحضر بنو عثمان عنده يطالبون بدم أبيهم و يعينون قوما بأعيانهم بعضهم للقتل وبعضهم للحصار وبعضهم للتسور كما جرت عادة المتظلمين إلى الإمام والقاضي.
فحينئذ يتمكن من العمل بحكم الله تعالى فلم يقع الأمر بموجب ذلك و عصى معاوية و أهل الشام و التجأ ورثة عثمان إليه و فارقوا حوزة أمير المؤمنين علیه السّلام و لم يطلبوا القصاص طلبا شرعيا و إنما طلبوه مغالبة و جعلها معاوية عصبية الجاهلية و لم يأت أحد منهم الأمر من بابه و قبل ذلك ما كان من أمر طلحة والزبير و نقضهما البيعة و نهبها أموال المسلمين بالبصرة و قتلها الصالحين من أهلها.
و جرت أمور كلها تمنع الإمام عن التصدي للقصاص و اعتماد ما يجب اعتماده لو كان الأمر وقع على القاعدة الصحيحة من المطالبة بذلك على وجه السكون والحكومة وقد قال هو علیه السّلام لمعاوية فأما طلبك قتلة عثمان فادخل في الطاعة و حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله وسنة رسوله.
قال أصحابنا المعتزلة رحمهم الله وهذا عين الحق و محض الصواب لأنه يجب دخول الناس في طاعة الإمام ثم تقع المحاكمة إليه فإن حكم بالحق استديمت إمامته و إن حكم بالجور انتقض أمره و تعين خلعه.
ص: 454
فإن قلت فما معنى قوله و سأمسك الأمر ما استمسك فإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي.
قلت ليس معناه و سأصبر عن معاقبة هؤلاء ما أمكن الصبر فإذا لم أجد بدا عاقبتهم و لكنه كلام قاله أول مسير طلحة والزبير إلى البصرة فإنه حينئذ أشار عليه قوم بمعاقبة المجلبين فاعتذر بما قد ذكر.
ثم قال و سأمسك الأمر ما استمسك أي أمسك نفسي عن محاربة هؤلاء الناكثين للبيعة ما أمكنني و أدفع الأيام بمراسلتهم وتخويفهم و إنذارهم و أجتهد في ردهم إلى الطاعة بالترغيب و الترهيب فإذا لم أجد بدا من الحرب فآخر الدواء الكي أي الحرب لأنها الغاية التي ينتهي أمر العصاة إليها.
642 - عنه في شرح كلامه علیه السّلام : منها في ذكر أصحاب الجمل فخرجوا يجرون حرمة رسول الله صلّی الله علیه و آله كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة فحبسا نساءهما في بيوتهما و أبرزا حبيس رسول الله صلّی الله علیه و آله لهما و لغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره.
فقدموا على عاملي بها و خزان بيت مال المسلمين و غيرهم من أهلها فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا فوالله إن لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جره لحل لي قتل ذلك الجيش كله إذ حضروه فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد دع ما إنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا بها عليهم.
643 - عنه روى أبو مخنف قال حدثنا إسماعيل بن خالد عن قيس بن أبي حازم و روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس و روی جرین بن
ص: 455
يزيد عن عامر الشعبي و روى محمد بن إسحاق عن حبيب بن عمير قالوا جميعا لما خرجت عائشة و طلحة والزبير من مكة إلى البصرة طرقت ماء الحوأب و هو ماء لبني عامر بن صعصعة فنبحتهم الكلاب فنفرت صعاب إبلهم.
فقال قائل منهم لعن الله الحوأب فما أكثر كلابها فلما سمعت عائشة ذكر الحوأب قالت أهذا ماء الحوأب قالوا نعم فقالت ردوني ردوني فسألوها ما شأنها ما بدا لها. فقالت إني سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول كأني بكلاب ماء يدعى الحوأب قد نبحت بعض نسائي ثم قال لي إياك يا حميراء أن تكونيها.
فقال لها الزبير مهلا يرحمك الله فإنا قد جزنا ماء الحوأب بفراسخ كثيرة. فقالت أعندك من يشهد بأن هذه الكلاب النابحة ليست على ماء الحوأب فلفق لها الزبير و طلحة خمسين أعرابيا جعلا لهم جعلا فحلفوا لها و شهدوا أن هذا الماء ليس بماء الحوأب فكانت هذه أول شهادة زور في الإسلام فسارت عائشة لوجهها.
644 - عنه قال أبو مخنف و حدثنا عصام بن قدامة عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلّی الله علیه و آله قال يوما لنسائه و من عنده جميعا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار و تنجو بعد ما كادت.
قلت و أصحابنا المعتزلة رحمهم الله يحملون قوله صلّی الله علیه و آله و تنجو على نجاتها من النار و الإمامية يحملون ذلك على نجاتها من القتل و محملنا أرجح لأن لفظة في النار أقرب إليه من لفظة القتلى و القرب معتبر في هذا الباب ألا ترى أن نحاة البصريين أعملوا أقرب العاملين نظرا إلى القرب.
645- عنه قال أبو مخنف و حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن
ص: 456
عباس أن الزبير و طلحة أغذا السير بعائشة حتى انتهوا إلى حفر أبي موسى الأشعري و هو قريب من البصرة و كتبا إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و هو عامل علي علیه السّلام على البصرة أن أخل لنا دار الإمارة.
فلما وصل كتابهما إليه بعث الأحنف بن قيس فقال له إن هؤلاء القوم قدموا علينا و معهم زوجة رسول الله و الناس إليها سراع كما ترى فقال الأحنف إنهم جاءوك بها للطلب بدم عثمان و هم الذين ألب-وا ع-لى عثمان الناس و سفكوا دمه وأراهم والله لا يزايلون حتى يلقوا العداوة بيننا و يسفكوا دماءنا وأظنهم والله سيركبون منك خاصة ما لا قبل لك به.
إن لم تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة فإنك اليوم الوالي عليهم و أنت فيهم مطاع فسر إليهم بالناس و بادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة فيكون الناس لهم أطوع منهم لك.
فقال عثمان بن حنيف الرأي ما رأيت لكنني أكره الشر و أن أبدأهم به و أرجو العافية و السلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين ورأيه فأعمل به ثم أتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة العبدي من بني عمرو بن وديعة فأقرأه كتاب طلحة والزبير فقال له مثل قول الأحنف و أجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف فقال له حكيم فأذن لي حتى أسير إليهم بالناس فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين و إلا نابذتهم على سواء.
فقال عثمان لو كان ذلك رأيي لسرت إليهم بنفسي قال حكيم أما والله إن دخلوا عليك هذا المصر لينتقلن قلوب كثير من الناس إليهم و ليزيلنك عن مجلسك هذا و أنت أعلم فأبى عليه عثمان.
646 - عنه قال وكتب علي إلى عثمان لما بلغه مشارفة القوم البصرة من عبدالله على أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف أما بعد.
ص: 457
فإن البغاة عاهدوا الله ثم نكثوا و توجهوا إلى مصرك و ساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى الله به و الله أشد بأسا و أشد تنكيلا فإذا قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة و الرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه.
فإن أجابوا فأحسن جوارهم ما داموا عندك و إن أبو إلا التمسك بحبل النكت و الخلاف فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك و بينهم و هو خير الحاكمين وكتبت كتابي هذا إليك من الربذة و أنا معجل المسير إليك إن شاء الله وكتبه عبيد الله بن أبي رافع في سنة ست وثلاثين.
قال فلما وصل كتاب علي علیه السّلام إلى عثمان أرسل إلى أبي الأسود الدؤلي و عمران بن الحصين الخزاعي فأمرهما أن يسيرا حتى يأتياه بعلم القوم و ما الذي أقدمهم فانطلقا حتى إذا أتيا حفر أبي موسى و به معسكر القوم فدخلا على عائشة فنالاها و وعظاها و أذكراها و ناشداها الله فقالت لهما القيا طلحة والزبير فقاما من عندها و لقيا الزبير فكلماه فقال لهما.
إنا جئنا للطلب بدم عثمان و ندعو الناس إلى أن يردوا أمر الخلافة شورى ليختار الناس لأنفسهم فقالا له إن عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه فيها و أنت تعلم قتلة عثمان من هم و أين هم و إنك وصاحبك و عائشة كنتم أشد الناس عليه و أعظمهم إغراء بدمه فأقيدوا من أنفسكم و أما إعادة أمر الخلافة شورى.
فكيف و قد بايعتم عليا طائعين غير مكرهين و أنت يا أبا عبد الله لم يبعد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم مات رسول الله صلّی الله علیه و آله و أنت آخذ قائم سيفك تقول ما أحد أحق بالخلافة منه و لا أولى بها منه و امتنعت من بيعة أبي بكر فأين ذلك الفعل من هذا القول.
ص: 458
فقال لهما اذهبا فالقيا طلحة فقاما إلى طلحة فوجداه أخشن الملمس شديد العريكة قوي العزم في إثارة الفتنة و إضرام نار الحرب فانصرفا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه و قال له أبو الأسود.
يا ابن حنيف قد أتيت فانفر *** و طاعن القوم و جالد و اصبر
و ابرزها مستلئها و شمر
فقال ابن حنيف إي والحرمين لأفعلن و أمر مناديه فنادى في الناس السلاح السلاح فاجتمعوا إليه وقال أبو الأسود:
أتينا الزبير فدانى الكلام *** وطلحة كالنجم أو أبعد
و أحسن قوليهما فادح *** يضيق به الخطب مستنكد
و قد أوعدونا بجهد الوعيد *** فأهون علينا بما أوعدوا
فقلنا ركضتم ولم ترملوا *** وأصدرتم قبل أن توردوا
فإن تلقحوا الحرب بين الرجال *** فملقحها حده الأنكد
و إن عليا لكم مصحر *** ألا إنه الأسد الأسود
أما إنه ثالث العابدين *** بمكة والله لا يعبد
فرخوا الخناق و لا تعجلوا *** فإن غدا لكم موعد
قال و أقبل القوم فلما انتهوا إلى المربد قام رجل من بني جشم فقال أيها الناس أنا فلان الجشمي و قد أتاكم هؤلاء القوم فإن كانوا أتوكم خائفين لقد أتوكم من المكان الذي يأمن فيه الطير و الوحش و السباع وإن كانوا إنما أتوكم بطلب دم عثمان فغيرنا ولي قتله فأطيعوني أيها الناس و ردوهم من حيث أقبلوا فإنكم إن لم تفعلوا لم تسلموا من الحرب الضروس و الفتنة الصماء التي لا تبقي ولا تذر.
قال فحصبه ناس من أهل البصرة فأمسك. قال و اجتمع أهل البصرة
ص: 459
إلى المربد حتى ملئوه مشاة و ركبانا فقام طلحة فأشار إلى الناس بالسكون ليخطب فسكتوا بعد جهد فقال أما بعد فإن عثمان بن عفان كان من أهل السابقة و الفضيلة و من المهاجرين الأولين الذي رضي الله عنهم ورضوا عنه و نزل القرآن ناطقا بفضلهم و أحد أئمة المسلمين الوالين عليكم بعد أبي بكر و عمر صاحبي رسول الله صلّی الله علیه و آله و قد كان أحدث أحداثا نقمنا عليه
فأتيناه فاستعتبناه فأعتبنا فعدا عليه امرؤ ابتز هذه الأمة أمرها غصبا بغير رضا منها و لا مشورة فقتله و ساعده على ذلك قوم غير أتقياء و لا أبرار فقتل محرما بريئا تائبا وقد جئناكم أيها الناس نطلب بدم عثمان و ندعوكم إلى الطلب بدمه
فإن نحن أمكننا الله من قتلته قتلناهم به و جعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين وكانت خلافة رحمة للأمة جميعا فإن كل من أخذ الأمر من غير رضا من العامة و لا مشورة منها ابتزازا كان ملكه ملكا عضوضا و حدثا كثيرا.
ثم قام الزبير فتكلم بمثل كلام طلحة.
فقام إليهما ناس من أهل البصرة فقالوا لهما ألم تبايعا عليا فيمن بايعه ففيم بايعتهما ثم نكثتما فقالا ما بايعنا و ما لأحد في أعناقنا بيعة و إنما استكرهنا على بيعة فقال ناس قد صدقا و أحسنا القول وقطعا بالثواب و قال ناس ما صدقا و لا أصابا في القول حتى ارتفعت الأصوات.
قال ثم أقبلت عائشة على جملها فنادت بصوت مرتفع أيها الناس أقلوا الكلام و اسكتوا فأسكت الناس لها فقالت.
إن أمير المؤمنين عثمان قد كان غير و بدل ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا و إنما نقموا عليه ضربه بالسوط و تأميره
ص: 460
الشبان و حمايته موضع الغمامة فقتلوه محرما في حرمة الشهر و حرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل ألا و إن قريشا رمت غرضها بنبالها و أدمت أفواهها بأيديها و ما نالت بقتلها إياه شيئا و لا سلكت به سبيلا قاصدا أما والله ليرونها بلايا عقيمة تنتبه النائم وتقيم الجالس و ليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم و يسومونهم سوء العذاب.
أيها الناس إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل به دمه مصتموه كما يماص الثوب الرحيض ثم عدوتم عليه فقتلتموه بعد توبته و خروجه من ذنبه و بايعتم ابن أبي طالب بغير مشورة من الجماعة ابتزازا و غصبا تراني أغضب لكم من سوط عثمان و لسانه و لا أغضب لعثمان من سيوفكم
ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم ثم اجعلوا الأمر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان.
قال فماج الناس و اختلطوا فمن قائل القول ما قالت و من قائل يقول و ما هي و هذا الأمر إنما هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها و ارتفعت الأصوات و كثر اللغط حتى تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصى.
ثم إن الناس تمايزوا فصاروا فريقين فريق مع عثمان بن حنيف و فريق مع عائشة و أصحابها.
647 - عنه قال وحدثنا الأشعث بن سوار عن محمد بن سيرين عن أبي الخليل قال لما نزل طلحة والزبير المربد أتيتهما فوجدتهما مجتمعين فقلت لهما ناشدتكما الله و صحبة رسول الله صلّی الله علیه و آله ما الذي أقدمكما أرضنا هذه فلم يتكلما فأعدت عليهما فقالا بلغنا أن بأرضكم هذه دنيا فجئنا نطلبها.
648 - عنه قال و قد روی محمد بن سيرين عن الأحنف بن قيس أنه
ص: 461
لقيهما فقالا له مثل مقالتهما الأولى إنما جئنا لطلب الدنيا.
649 - عنه قد روى المدائني أيضا نحوا مما روى أبو مخنف قال بعث علي علیه السّلام ابن عباس يوم الجمل إلى الزبير قبل الحرب فقال له إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لكم ألم تبايعني طائعا غير مكره فما الذي رابك مني فاستحللت به قتالي قال فلم يكن له جواب إلا أنه قال لي إنا مع الخوف الشديد لتطمع لم يقل غير ذلك.
650 - عنه قال أبو إسحاق فسألت محمد بن علي بن الحسين علیهماالسّلام ما تراه يعني بقوله هذا فقال أما والله ما تركت ابن عباس حتى سألته عن هذا فقال يقول إنا مع الخوف الشديد مما نحن عليه نطمع أن نلي مثل الذي وليتم.
651 - عنه قال محمد بن إسحاق حدثني جعفر بن محمد علیهماالسّلام عن أبيه عن ابن عباس قال بعثني علي علیه السّلام يوم الجمل إلى طلحة و الزبير و بعث معي بمصحف منشور و إن الريح لتصفق ورقه فقال لي قل لهما هذا كتاب الله بيننا و بينكم فما تريدان فلم يكن لهما جواب إلا أن قالا نريد ما أراد كأنهما يقولان الملك فرجعت إلى علي فأخبرته.
652 - عنه قد روى قاضي القضاة رحمه الله في كتاب المغني عن وهب بن جرير قال قال رجل من أهل البصرة لطلحة والزبير إن لكما فضلا و صحبة فأخبراني عن مسيركما هذا و قتالكما أشيء أمركما به رسول الله صلّى الله عليه و آله أم رأي رأيتماه فأما طلحة فسكت و جعل ينكت في الأرض و أما الزبير فقال ويحك حدثنا أن هاهنا دراهم كثيرة فجئنا لنأخذ منها.
و جعل قاضي القضاة هذا الخبر حجة في أن طلحة تاب و أن الزبير لم يكن مصرا على الحرب و الاحتجاج بهذا الخبر على هذا المعنى ضعيف و إن صح هو و ما قبله إنه لدليل على حمق شديد و ضعف عظیم و نقص
ص: 462
ظاهر و ليت شعري ما الذي أحوجهما إلى هذا القول و إذا كان هذا في أنفسهما فهلا كتماه.
653 - عنه قال أبو مخنف فلما أقبل طلحة والزبير من المربد يريدان عثمان بن حنيف فوجداه وأصحابه قد أخذوا بأفواه السكك فمضوا حتى انتهوا إلى موضع الدباغين فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف فشجرهم طلحة و الزبير و أصحابها بالرماح فحمل عليهم حكيم بن جبلة
فلم يزل هو و أصحابه يقاتلونهم حتى أخرجوهم من جميع السكك و رماهم النساء من فوق البيوت بالحجارة فأخذوا إلى مقبرة بني مازن فوقفوا بها مليا حتى ثابت إليهم خيلهم ثم أخذوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى الرابوقة ثم أتوا سبخة دار الرزق فنزلوها.
قال و أتاهما عبد الله بن حكيم التميمي لما نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه فقال لطلحة يا أبا محمد أما هذا كتبك إلينا قال بلى قال فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان و قتله حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه فلعمري ما هذا رأيك لا تريد إلا هذه الدنيا مهلا.
إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائعا راضيا ثم نكثت بيعتك ثم جئت لتدخلنا في فتنتك فقال إن عليا دعاني إلى بيعته بعد ما بايع الناس فعلمت لو لم أقبل ما عرضه علي لم يتم لي ثم يغرى بي من معه.
قال ثم أصبحنا من غد فصفا للحرب و خرج عثمان بن حنيف إليهما في أصحابه فنا شدهما الله والإسلام و أذكرهما بيعتهما عليا علیه السّلام فقالا نطلب بدم عثمان فقال لهما و ما أنتما و ذلك أين بنوه أين بنو عمه الذين هم أحق به منكم كلا و الله و لكنكما حسد تماه حيث اجتمع الناس عليه و كنتما ترجوان
ص: 463
هذا الأمر وتعملان له و هل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما.
فشتاه شتما قبيحا و ذكرا أمه فقال للزبير أما والله لو لا صفية و مكانها من رسول الله فإنها أدنتك إلى الظل و أن الأمر بيني و بينك يا ابن الصعبة يعني طلحة أعظم من القول لأعلمتكما من أمركما ما يسوءكما اللهم إني قد أعذرت إلى هذين الرجلين.
ثم حمل عليهم و اقتتل الناس قتالا شديدا ثم تحاجزوا و اصطلحوا على أن يكتب بينهم كتاب صلح فكتب هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصاري و من معه من المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و طلحة والزبير و من معهما من المؤمنين و المسلمين من شيعتهما أن لعثمان بن حنيف دار الإمارة والرحبة و المسجد و بيت المال و المنبر و أن لطلحة والزبير و من معهما أن ينزلوا حيث شاءوا من البصرة.
و لا يضار بعضهم بعضا في طريق و لا فرضة و لا سوق و لا شرعة و لا مرفق حتى يقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فإن أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الأمة و إن أحبوا لحق كل قوم بهواهم و ما أحبوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامة و على الفريقين بما كتبوا عهد الله و ميثاقه و أشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد و ذمة.
و ختم الكتاب و رجع عثمان بن حنيف حتى دخل دار الإمارة وقال لأصحابه ألحقوا رحمكم الله بأهلكم وضعوا سلاحكم و داووا جرحاكم فكتوا كذلك أياما.
654 - عنه ثم إن طلحة والزبير قالا إن قدم علي و نحن على هذه الحال من القلة و ا القلة و الضعف ليأخذن بأعناقنا فأجمعا على مراسلة القبائل و استمالة العرب فأرسلا إلى وجوه الناس و أهل الرئاسة والشرف يدعوانهم
ص: 464
إلى الطلب بدم عثمان و خلع علي و إخراج ابن حنيف من البصرة فبايعهم على ذلك الأزد و ضبة و قيس بن عيلان كلها إلا الرجل والرجلين من القبيلة
كرهوا أمرهم فتواروا عنهم و أرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي فلم يأتهم فجاءه طلحة والزبير إلى داره فتوارى عنهما فقالت له أمه ما رأيت مثلك أتاك شيخا قريش فتواریت عنها فلم تزل به حتى ظهر لهما و بايعها و معه بنو عمرو بن تميم كلهم و بنو حنظلة إلا بني يربوع فإن عامتهم كانوا شيعة علي علیه السّلام و بايعهم بنو دارم كلهم إلا نفرا من بني مجاشع ذوي دين و فضل.
فلما استوسق لطلحة والزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح و مطر و معهما أصحابها قد ألبسوهم الدروع و ظاهروا فوقها بالثياب فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر و قد سبقهم عثمان بن حنيف إليه و أقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره أصحاب طلحة و الزبير، و قدموا الزبير فجاءت السبابجة وهم الشرط حرس بيت المال فأخرجوا الزبير ، و قدموا عثمان فغلبهم أصحاب الزبير.
فقدموا الزبير و أخروا عثمان فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس تطلع و صاح بهم أهل المسجد ألا تتقون أصحاب محمد و قد طلعت الشمس فغلب الزبير فصلى بالناس فلما انصرف من صلاته صاح بأصحابه المستسلحين أن خذوا عثمان بن حنيف فأخذوه بعد أن تضارب هو و مروان بن الحكم بسيفيهما.
فلما أسر ضرب ضرب الموت و نتف حاجباه و أشفار عينيه وكل شعرة في رأسه و وجهه و أخذوا السبابجة و هم سبعون رجلا فانطلقوا بهم
ص: 465
و بعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لأبان بن عثمان اخرج إليه فاضرب عنقه فإن الأنصار قتلت أباك و أعانت على قتله فنادى عثمان يا عائشة و يا طلحة و يا زبير
إن أخي سهل بن حنيف خليفة علي بن أبي طالب على المدينة و أقسم بالله إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم وأهليكم و رهطكم فلا يبقى أحد منكم فكفوا عنه و خافوا أن يقع سهل بن حنيف بعيالاتهم و أهلهم بالمدينة فتركوه.
و أرسلت عائشة إلى الزبير أن اقتل السبابجة فإنه قد بلغني الذي صنعوا بك قال فذبحهم والله الزبير كما يذبح الغنم ولي ذلك منهم عبد عبد الله ابنه و هم سبعون رجلا و بقیت منهم طائفة مستمسكين ببيت المال قالوا لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم و أخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.
655 - عنه قال أبو مخنف فحدثنا الصقعب بن زهير قال كانت السبابجة القتلى يومئذ أربعمائة رجل قال فكان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف أول غدر كان في الإسلام و كان السبابجة أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرا قال وخيروا عثمان بن حنيف بين أن يقيم أو يلحق بعلي فاختار الرحيل فخلوا سبيله فلحق بعلي علیه السّلام فلما رآه بکی و قال له فارقتك شيخا و جئتك أمرد فقال علي إنا لله و إنا إليه راجعون قالها ثلاثا.
قلت السبابجة لفظة معربة قد ذكرها الجوهري في كتاب الصحاح قال هم قوم من السند كانوا بالبصرة جلاوزة وحراس السجن والهاء للعجمة و النسب قال يزيد بن مفرغ الحميري.
و طماطيم من سبابيج خزر *** يلبسوني مع الصباح القيودا
ص: 466
قال فلما بلغ حكيم بن جبلة ما صنع القوم بعثمان بن حنيف خرج في ثلاثمائة من عبد القيس مخالفا لهم و منابذا فخرجوا إليه وحملوا عائشة على جمل فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر و يوم علي يوم الجمل الأكبر.
و تجالد الفريقان بالسيوف فشد رجل من الأزد من عسكر عائشة على حكيم بن جبلة فضرب رجله فقطعها و وقع الأزدي عن فرسه فجثا حكيم فأخذ رجله فرمى بها الأزدي فصرعه ثم دب إليه فقتله متكئا عليه خانقا له حتى زهقت نفسه فمر بحكيم إنسان و هو يجود بنفسه فقال من فعل بك قال وسادي فنظر فإذا الأزدي تحته و كان حكيم شجاعا مذكورا.
قال و قتل مع حكيم إخوة له ثلاثة وقتل أصحابه كلهم و هم ثلاثمائه من عبد القيس و القليل منهم من بكر بن وائل فلما صفت البصرة لطلحة و الزبير بعد قتل حكيم و أصحابه و طرد ابن حنيف عنهما اختلفا في الصلاة و أراد كل منهما أن يؤم بالناس و خاف أن تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له و رضا بتقدمه فأصلحت بينهما عائشة بأن جعلت عبد الله بن الزبير و محمد بن طلحة يصليان بالناس هذا يوما و هذا يوما.
656 - عنه قال أبو مخنف ثم دخلا بيت المال بالبصرة فلما رأوا ما فيه من الأموال قال الزبير «وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ» فنحن أحق بها من أهل البصرة فأخذا ذلك المال كله فلما غلب علي علیه السّلام رد تلك الأموال إلى بيت المال وقسمها في المسلمين.
657 - عنه كان القاسم بن محمد بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي يلقب أبا بعرة ولي شرطة الكوفة لعيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس كلم إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق علیهماالسّلام بكلام خرجا فيه إلى المنافرة فقال القاسم بن محمد لم يزل فضلنا و إحساننا سابغا
ص: 467
عليكم يا بني هاشم و على بني عبد مناف كافة
فقال إسماعيل أي فضل و إحسان أسديتموه إلى بني عبد مناف أغضب أبوك جدي بقوله ليموتن محمد و لنجولن بين خلاخيل نسائه كما جال بين خلاخيل نسائنا فأنزل الله تعالى مراغمة لأبيك «وَ ما كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤُذُوا رَسُولَ اللهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً».
و منع ابن عمك أمي حقها من فدك و غيرها من ميراث أبيها و أجلب أبوك على عثمان و حصره حتى قتل و نكث بيعة علي و شام السيف في وجهه و أفسد قلوب المسلمين عليه فإن كان لبني عبد مناف قوم غير هؤلاء أسديتم إليهم إحسانا فعرفني من هم جعلت فداك.
658 - عنه قال تزوج عبد الله بن الزبير أم عمرو ابنة منظور بن زبان الفزارية فلما دخل بها قال لها تلك الليلة أتدرين من معك في حجلتك قالت نعم عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى.
قال ليس غير هذا قالت فما الذي تريد قال معك من أصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد لا بل بمنزلة العينين من الرأس قالت أما والله لو أن بعض بني عبد مناف حضرك لقال لك خلاف قولك فغضب و قال الطعام و الشراب علي حرام حتى أحضرك الهاشميين و غيرهم من بني عبد مناف فلا يستطيعون لذلك إنكارا قالت إن أطعتني لم تفعل و أنت أعلم و شأنك.
فخرج إلى المسجد فرأى حلقة فيها قوم من قريش منهم عبد الله بن عباس و عبد الله بن الحصين بن الحارث بن عبد المطلب المطلب بن عبد مناف فقال لهم ابن الزبير أحب أن تنطلقوا معى إلى منزلي فقام القوم بأجمعهم حتى وقفوا على باب بيته فقال ابن الزبير يا هذه اطرحى عليك سترك فلما أخذوا مجالسهم دعا بالمائدة فتغذى القوم.
ص: 468
فلما فرغوا قال لهم إنما جمعتكم لحديث ردته علي صاحبة الستر و زعمت أنه لو كان بعض بني عبد مناف حضرني لما أقر لي بما قلت و قد حضرتم جميعا و أنت يا ابن عباس ما تقول إني أخبرتها أن معها في خدرها من أصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد بل بمنزلة العينين من الرأس فردت علي مقالتي.
فقال ابن عباس أراك قصدت قصدي فإن شئت أن أقول قلت و إن شئت أن أكف كففت قال بل قل و ما عسى أن تقول ألست تعلم أني ابن الزبير حواري رسول الله صلّی الله علیه و آله و أن أمي أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين و أن عمتي خديجة سيدة نساء العالمين و أن صفية عمة رسول الله صلّی الله علیه و آله جدتي و أن عائشة أم المؤمنين خالتي فهل تستطيع لهذا إنكارا.
قال ابن عباس لقد ذكرت شرفا شريفا و فخرا فاخرا غير أنك تفاخر من بفخره فخرت و بفضله سموت قال و كيف ذلك قال لأنك لم تذكر فخرا إلا برسول الله صلّی الله علیه و آله و أنا أولى بالفخر به منك قال ابن الزبير لو شئت لفخرت عليك بما كان قبل النبوة قال ابن عباس.
قد أنصف القارة من راماها
نشدتكم الله أيها الحاضرون عبد المطلب أشرف أم خويلد في قريش قالوا عبد المطلب قال أفهاشم كان أشرف فيها أم أسد قالوا بل هاشم قال أفعبد مناف أشرف أم عبد العزى قالوا عبد مناف فقال ابن عباس.
تنافرني يا ابن الزبير و قد قضى *** عليك رسول الله لا قول هازل
و لو غيرنا يا ابن الزبير فخرته *** و لكنما ساميت شمس الأصائل
قضى لنا رسول الله صلّی الله علیه و آله بالفضل في قوله ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما فقد فارقناك من بعد قصي بن كلاب أفنحن في فرقة الخير أم لا
ص: 469
إن قلت نعم خصمت و إن قلت لا كفرت.
فضحك بعض القوم فقال ابن الزبير أما والله لو لا تحرمك بطعامنا يا ابن عباس لأعرقت جبينك قبل أن تقوم من مجلسك قال ابن عباس و لم أبباطل فالباطل لا يغلب الحق أم بحق فالحق لا يخشى من الباطل.
فقالت المرأة من وراء الستر إني والله لقد نهيته عن هذا المجلس فأبى إلا ما ترون.
فقال ابن عباس مه أيتها المرأة اقنعي ببعلك فما أعظم الخطر و ما أكرم الخبر فأخذ القوم بيد ابن عباس و كان قد عمي فقالوا انهض أيها الرجل فقد أفحمته غير مرة فنهض و قال.
ألا يا قومنا ارتحلوا و سيروا *** فلو ترك القطا لغفا و ناما
فقال ابن الزبير يا صاحب القطاة أقبل علي فما كنت لتدعني حتى أقول و ايم الله لقد عرف الأقوام أني سابق غير مسبوق و ابن حواري و صديق متبجح في الشرف الأنيق خير من طليق.
فقال ابن عباس دسعت بجرتك فلم تبق شيئا هذا الكلام مردود من امرئ حسود فإن كنت سابقا فإلى من سبقت و إن كنت فاخرا فيمن فخرت فإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك دون أسرتنا فالفخر لك علينا و إن كنت إنما أدركته بأسرتنا فالفخر لنا عليك و الكثكث في فمك و يديك و أما ما ذكرت من الطليق فو الله لقد ابتلي فصبر و أنعم عليه فشكر و إن كان و الله لوفيا كريما غير ناقض بيعة بعد توكيدها و لا مسلم كتيبة بعد التأمر عليها.
فقال ابن الزبير أتعير الزبير بالجبن و الله إنك لتعلم منه خلاف ذلك. قال ابن عباس و الله إني لا أعلم إلا أنه فر و ماکر و حارب فما صبر و بايع
ص: 470
فما تمم و قطع الرحم و أنكر الفضل و رام ما ليس له بأهل.
و أدرك منها بعض ما كان يرتجي *** و قصر عن جري الكرام وبلدا
و ما كان إلا كالهجين أمامه *** عناق فجاراه العناق فأجهدا
فقال ابن الزبير لم يبق يا بني هاشم غير المشاتمة و المضاربة.
فقال عبد الله بن الحصين بن الحارث أقمناه عنك يا ابن الزبير و تأبى إلا منازعته و الله لو نازعته من ساعتك إلى انقضاء عمرك ما كنت إلا كالسغب الظمآن يفتح فاه يستزيد من الريح فلا يشبع من سغب و لا يروى من عطش فقل إن شئت أو فدع و انصرف القوم.
659 - عنه أنهما قالا ما نراه يستشيرنا في أمر ولا يفاوضنا في رأي و يقطع الأمر دوننا و يستبد بالحكم عنا و كانا يرجوان غير ذلك و أراد طلحة أن يوليه البصرة و أراد الزبير أن يوليه الكوفة فلما شاهدا صلابته في الدين وقوته في العزم و هجره الادهان و المراقبة ورفضه المدالسة و المواربة و سلوكه في جميع مسالكه منهج الكتاب و السنة وقد كانا يعلمان ذلك قديما من طبعه و سجيته.
و كان عمر قال لهما ولغيرهما إن الأجلح إن وليها ليحملنكم على المحجة البيضاء و الصراط المستقيم و كان رسول الله صلّی الله علیه و آله من قبل قال و إن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا.
إلا أنه ليس الخبر كالعيان و لا القول كالفعل و لا الوعد كالإنجاز و حالا عنه و تنكرا له و وقعا فيه و عاباه و غمصاه و تطلبا له العلل و التأويلات و تنقها عليه الاستبداد و ترك المشاورة و انتقلا من ذلك إلى
ص: 471
الوقيعة فيه بمساواة الناس في قسمة المال و أثنيا على عمر و حمدا سيرته و صوبا رأيه و قالا.
إنه كان يفضل أهل السوابق وضللا عليا علیه السّلام فيما رآه و قالا إنه أخطأ و إنه خالف سيرة عمر و هي السيرة المحمودة التي لم تفضحها النبوة مع قرب عهدنا منها و اتصالها بها و استنجدا عليه بالرؤساء من المسلمين كان عمر يفضلهم و ينفلهم في القسم على غيرهم و الناس أبناء الدنيا و يحبون المال حبا جما فتنكرت على أمير المؤمنين علیه السّلام بتنكر هما قلوب كثيرة و نغلت عليه نيات كانت من قبل سليمة.
و لقد كان عمر موفقا حيث منع قريشا والمهاجرين و ذوي السوابق من الخروج من المدينة و نهاهم عن مخالطة الناس و نهى الناس عن مخالطتهم ورأى أن ذلك أس الفساد في الأرض و أن الفتوح و الغنائم قد أبطرت المسلمين و متى بعد الرءوس و الكبراء منهم عن دار الهجرة و انفردوا بأنفسهم و خالطهم الناس في البلاد البعيدة لم يأمن أن يحسنوا لهم الوثوب.
و طلب الإمرة ومفارقة الجماعة و حل نظام الألفة و لكنه نقض هذا الرأي السديد بما فعله بعد طعن أبي لؤلؤة له من أمر الشورى فإن ذلك كان -ب كل فتنة وقعت و تقع إلى أن تنقضي الدنيا و قد قدمنا ذكر ذلك و شرحنا ما أدى إليه أمر الشورى من الفساد بما حصل في نفس كل من الستة من ترشيحه للخلافة.
660 - عنه في شرح قوله علیه السّلام: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه.
ص: 472
إن الناس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه و أقل عتابه و كان طلحة والزبير أهون سيرهما فيه الوجيف و أرفق حدائهما العنيف و كان من عائشة فيه فلتة غضب فأتيح له قوم قتلوه و بايعني الناس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيرين.
و اعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب فأسرعوا إلى أميركم و بادروا جهاد عدوكم إن شاء الله.
661 - عنه روى محمد بن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار القرشي قال لما نزل علي علیه السّلام الربذة متوجها إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمد بن جعفر بن أبي طالب و محمد بن أبي بكر وكتب إليهم هذا الكتاب و زاد في آخره:
فحسبي بكم إخوانا و للدين أنصارا «انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقَالًا وَ جَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
662 - عنه روى أبو مخنف قال حدثني الصقعب قال سمعت عبد الله بن جنادة يحدث أن عليا علیه السّلام لما نزل الربذة بعث هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى أبي موسى الأشعري و هو الأمير يومئذ على الكوفة لينفر إليه الناس و كتب إليه معه.
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد فإني قد بعثت إليك هاشم بن عتبة لتشخص إلي من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي و أحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم فاشخص بالناس إلي معه حين يقدم عليك فإني لم أولك المصر الذي أنت فيه و لم أقرك عليه إلا لتكون من أعواني على الحق و أنصاري على هذا
ص: 473
الأمر و السلام.
663 - عنه فأما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال لما قدم محمد بن جعفر و محمد بن أبي بكر الكوفة استنفرا الناس فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلا فقالوا له أثر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى علي علیه السّلام فقال أما سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم و أما سبيل الدنيا فاشخصوا معهما
فمنع بذلك أهل الكوفة من الخروج و بلغ ذلك المحمدين فأغلظا لأبي، موسى فقال أبو موسى و الله إن بيعة عثمان لفي عنق علي و عنقي و أعناقكما و لو أردنا قتالا ما كنا لنبدأ بأحد قبل قتلة عثمان فخرجا من عنده فلحقا بعلي علیه السّلام فأخبراه الخبر.
664 - عنه أما رواية أبي مخنف فإنه قال إن هاشم بن عتبة لما قدم الكوفة دعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فاستشاره فقال اتبع ما كتب به إليك فأبى ذلك و حبس الكتاب و بعث إلى هاشم يتوعده و يخوفه.
665 - عنه قال السائب فأتيت هاشما فأخبرته برأي أبي موسى فكتب إلی علي علیه السّلام.
لعبد الله علي أمير المؤمنين من هاشم بن عتبة أما بعد يا أمير المؤمنين فإني قدمت بكتابك على امرئ مشاق بعيد الود ظاهر الغل و الشنآن فتهددني بالسجن و خوفني بالقتل و قد كتبت إليك هذا الكتاب مع المحل بن خليفة أخي طيى و هو من شيعتك و أنصارك و عنده علم ما قبلنا فاسأله عما بدا لك و اكتب إلي برأيك و السلام.
قال فلما قدم المحل بكتاب هاشم على علي علیه السّلام سلم عليه ثم قال الحمد لله الذي أدى الحق إلى أهله و وضعه موضعه فكره ذلك قوم قد و الله كرهوا نبوة محمد صلّی الله علیه و آله ثم بارزوه و جاهدوه فرد الله عليهم كيدهم في
ص: 474
نحورهم و جعل دائرة السوء عليهم والله يا أمير المؤمنين لنجاهدنهم معك في كل موطن حفظا لرسول الله صلّی الله علیه وآله في أهل بيته إذ صاروا أعداء لهم بعده.
فرحب به علي علیه السّلام و قال له خيرا ثم أجلسه إلى جانبه وقرأ كتاب هاشم و سأله عن الناس و عن أبي موسى فقال والله يا أمير المؤمنين ما أثق به و لا آمنه على خلافك إن وجد من يساعده على ذلك فقال على علیه السّلام و الله ما كان عندي بمؤتمن و لا ناصح و لقد أردت عزله فأتاني الأشتر فسألني أن أقره و ذكر أن أهل الكوفة به راضون فأقررته.
666 - عنه روى أبو مخنف قال و بعث علي علیه السّلام من الربذة بعد وصول المحل بن خليفة أخي طيى عبد الله بن عباس و محمد بن أبي بكر إلى أبي موسى و كتب معهما من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد يا ابن الحائك يا عاض أير أبيه فو الله إني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا و لا جعل لك فيه نصيبا سيمنعك من رد أمري و الانتزاء علي و قد بعثت إليك ابن عباس و ابن أبي بكر فخلهما و المصر و أهله و اعتزل عملنا مذء وما مدحورا.
فإن فعلت وإلا فإني قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين فإذا ظهرا عليك قطعاك إربا إربا و السلام على من شكر النعمة و وفى بالبيعة و عمل برجاء العاقبة.
667 - عنه قال أبو مخنف فلما أبطأ ابن عباس و ابن أبي بكر عن علي علیه السّلام و لم يدر ما صنعا رحل عن الربذة إلى ذي قار فنزلها فلما نزل ذا قار بعث إلى الكوفة الحسن ابنه علیه السّلام و عمار بن ياسر و زید بن صوحان و قيس بن سعد بن عبادة و معهم كتاب إلى أهل الكوفة فأقبلوا حتى كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرءوا كتاب علي و هو :
ص: 475
من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين ، أما بعد فإني خرجت مخرجي هذا إما ظالما و إما مظلوما و إما باغيا و إما مبغيا علي فأنشد الله رجلا بلغه كتابي هذا إلا نفر إلي فإن كنت مظلوما أعانني و إن كنت ظالما استعتبني و السلام.
668 - عنه قال أبو مخنف فحدثني موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال أقبلنا مع الحسن و عمار بن ياسر من ذي قار حتى نزلنا القادسية فنزل الحسن و عمار و نزلنا معهما فاحتبى عمار بحمائل سيفه ثم جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة و عن حالهم ثم سمعته يقول ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من ألا نكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار.
قال فلما دخل الحسن و عمار الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستنفر الناس فحمد الله وصلى على رسوله ثم قال أيها الناس إنا جئنا ندعوكم إلى الله و إلى كتابه وسنة رسوله و إلى أفقه من تفقه من المسلمين و أعدل من تعدلون تعدلون و أفضل و أفضل من تفضلون و أوفى من تبايعون من لم يعبه القرآن و لم تجهله السنة و لم تقعد به السابقة إلى من قربه الله تعالى إلى رسوله قرابتين.
قرابة الدين و قرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة إلى من كفى الله به رسوله و الناس متخاذلون فقرب منه و هم متباعدون وصلی معه و هم مشرکون و قاتل معه و هم منهزمون و بارز معهم و هم محجمون و صدقه و هم يكذبون إلى من لم ترد له رواية ولا تكافأ له سابقة و هو يسألكم النصر و يدعوكم إلى الحق و يأمركم بالمسير إليه.
لتوازروه و تنصروه على قوم نكثوا بيعته و قتلوا أهل الصلاح من أصحابه و مثلوا بعماله و انتهبوا بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله فمروا
ص: 476
بالمعروف و انهوا عن المنكر و احضروا بما يحضر به الصالحون.
669 - عنه قال أبو مخنف حدثني جابر بن يزيد قال حدثني تميم بن حذيم الناجي قال قدم علينا الحسن بن علي علیهماالسّلام و عمار بن ياسر يستنفران الناس إلى العليا الا الله و معهما كتابه فلما فرغا من قراءة كتابه قام الحسن و هو فتى حدث و الله إني لأرثي له من حداثة سنه و صعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم و هم يقولون.
اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود يتساند إليه و كان عليلا من شکوی به.
فقال الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول و من جهر به و من هو مستخف بالليل و سارب بالنهار
أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و على ما أحببنا وكرهنا من شدة و رخاء و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله امتن علينا بنبوته و اختصه برسالته و أنزل عليه وحيه و اصطفاه على جميع خلقه و أرسله إلى الإنس والجن حين عبدت الأوثان و أطيع الشيطان و جحد الرحمن فصلى الله عليه و على آله و جزاه أفضل ما جزى المسلمين.
أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرشد الله أمره و أعز نصره بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب و إلى العمل بالكتاب و الجهاد في سبيل الله و إن كان في عاجل ذلك ما تكرهون فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله و لقد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله صلّی الله علیه و آله وحده و إنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه.
ثم شهد مع رسول الله صلّی الله علیه و آله جميع مشاهده و كان من اجتهاده في
ص: 477
مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم و لم يزل رسول الله صلّی الله علیه و آله راضيا عنه حتى غمضه بيده و غسله وحده والملائكة أعوانه و الفضل ابن عمه ينقل إليه الماء.
ثم أدخله حفرته وأوصاه بقضاء دينه و عداته و غير ذلك من أموره كل ذلك من من الله عليه ثم والله ما دعا إلى نفسه و لقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها فبايعوه طائعين ثم نكث منهم ناكتون بلا حدث أحدثه ولا خلاف أتاه حسدا له و بغيا عليه فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته و الجد و الصبر و الاستعانة بالله والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين.
عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه و أهل طاعته و ألهمنا و إياكم تقواه وأعاننا وإياكم على جهاد أعدائه و أستغفر الله العظيم لي ولكم.
ثم مضى إلى الرحبة فهياً منزلا لأبيه أمير المؤمنين قال جابر فقلت لتمیم كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه فقال و لما سقط عني من قوله أكثر و لقد حفظت بعض ما سمعت.
670 - عنه قال ولما نزل علي علیه السّلام اذا قار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر أما بعد فإني أخبرك أن عليا قد نزل ذا قار و أقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا و جماعتنا فهو بمنزلة الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخر نحر فدعت حفصة جواري لها يتغنين و يضربن بالدفوف فأمرتهن أن يقلن في غنائهن ما الخبر ما الخبر علي في السفر كالفرس الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخر نحر و جعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة و يجتمعن لسماع ذلك الغناء.
فبلغ أم كلثوم بنت علي علیه السّلام فلبست جلابيبها و دخلت عليهن في
ص: 478
نسوة متنكرات ثم أسفرت عن وجهها فلما عرفتها حفصة خجلت و استرجعت فقالت أم كلثوم لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل الله فيكما ما أنزل فقالت حفصة كفى رحمك الله وأمرت بالكتاب فمزق و استغفرت الله.
قال أبو مخنف: روى هذا جرير بن يزيد عن الحكم و رواه الحسن بن دينار عن الحسن البصرى.
671- عنه ذكر الواقدي مثل ذلك و ذكر المدائني أيضا مثله قال فقال سهل بن حنيف في ذلك هذه الأشعار:
عذرنا الرجال بحرب الرجال *** فما للنساء و ما للسباب
أ ما حسبنا ما أتينا به *** لك الخير من هتك ذاك الحجاب
و مخرجها اليوم من بيتها *** يعرفها الذنب نبح الكلاب
إلى أن أتانا كتاب لها *** مشوم فيا قبح ذاك الكتاب
672 - عنه قال فحدثنا الكلبي عن أبي صالح أن عليا علیه السّلام لما نزل ذا قار في قلة من عسكره صعد الزبير منبر البصرة فقال ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي فأبيته بياتا و أصبحه صباحا قبل أن يأتيه المدد فلم يجبه أحد فنزل واجما و قال هذه و الله الفتنة التي كنا نحدث بها.
فقال له بعض مواليه رحمك الله يا أبا عبد الله تسميها فتنة ثم نقاتل فيها فقال ويحك و الله إنا لنبصر ثم لا نصبر فاسترجع المولى ثم خرج في الليل فارا إلى على علیه السّلام فأخبره فقال اللهم عليك به.
673 - عنه قال أبو مخنف و لما فرغ الحسن بن علي علیهماالسّلام من خطبته قام بعده عمار فحمد الله و أثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال أيها الناس أخو نبيكم و ابن عمه يستنفركم لنصر دين الله و قد بلاكم الله بحق دينكم و
ص: 479
حرمة أمكم فحق دينكم أوجب و حرمته أعظم أيها الناس عليكم بإمام لا يؤدب و فقيه لا يعلم وصاحب بأس لا ينكل و ذي سابقة في الإسلام ليست لأحد وإنكم لو قد حضر تموه بين لكم أمركم إن شاء الله.
قال فلما سمع أبو موسى خطبة الحسن و عمار قام فصعد المنبر و قال الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد فجمعنا بعد الفرقة وجعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة و حرم علينا دماءنا و أموالنا قال الله سبحانه «وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ»، و قال تعالى «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيها» فاتقوا الله عباد الله وضعوا أسلحتكم وكفوا عن قتال إخوانكم.
أما بعد يا أهل الكوفة إن تطيعوا الله باديا و تطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المضطر و يأمن فيكم الخائف إن عليا إنما يستنفركم لجهاد أمكم عائشة و طلحة والزبير حواري رسول الله و من معهم من المسلمين و أنا أعلم بهذه الفتن أنها إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت أسفرت إني أخاف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا
ثم يتركا كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض ثم يبقى رجرجة من الناس لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن منكر إنها قد جاءتكم فتنة كافرة لا يدرى من أين تؤتى تترك الحليم حيران كأني أسمع رسول الله صلّی الله علیه وآله بالأمس يذكر الفتن فيقول أنت فيها نائما خير منك قاعدا و أنت فيها جالسا خير منك قائما و أنت فيها قائما خير منك ساعيا
فتلموا سيوفكم و قصفوا رماحكم و اتصلوا سهامكم و قطعوا أوتاركم و خلوا قريشا ترتق فتقها و ترأب صدعها فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت و إن أبت فعلى أنفسها ما جنت سمنها في أديمها استنصحوني و لا
ص: 480
تستغشوني و أطيعوني و لا تعصوني يتبين لكم رشدكم ويصلى هذه الفتنة من جناها.
فقام إليه عمار بن ياسر فقال أنت سمعت رسول الله صلّی الله علیه وآله يقول ذلك قال نعم هذه يدي بما قلت فقال إن كنت صادقا فإنما عناك بذلك وحدك و اتخذ عليك الحجة فالزم بيتك و لا تدخلن في الفتنة أما إني أشهد أن رسول الله صلّی الله علیه وآله أمر عليا بقتال الناكثين و سمى له فيهم من سمى و أمره بقتال القاسطين و إن شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون أن رسول الله صلّی الله علیه وآله.
إنما نهاك وحدك و حذرك من الدخول في الفتنة ثم قال له أعطني يدك على ما سمعت فمد إليه يده فقال له عمار غلب الله من غالبه و جاهده ثم جذبه فنزل عن المنبر.
674 - قال البكرى: الحَوْءب بزيادة همزة بين الواو والباء، قال ابن الأنبارى: و تخفف الهمزة، فيقال: حَوْب. قال: و هو مشتق من قولهم دار حَوْب، أى واسعة و هو ماء قريب من البصرة، على طريق مكة إليها، و هو الذى جاء فيه الحديث: أنّ النبيّ صلّی الله علیه و آله قال لعائشة: لعلك صاحبة الجمل الادبب تنبحها كلاب الحوءب. و سمى هذا الموضع بالحوءب بنت كلب بن وبرة، قال الجعدي:
و دسكرة صوت أبوابها *** كصوت المواتج بالحوءب
سبقت صباح فراريحها *** و صوت نواقيس لم تضرب
و قال الراجز:
و ماهي إلّا شَربة بالحوءب *** فصعدى من بعدها بعدها أو صوبي
675 - قال الحموي : الحَوْءب: بالفتح ثم السكون، و همزة مفتوحة، و باء موحدة؛ وأصله فى اللغة، يقال: حافر حَوْأب وأب صعب، و الحوأبة:
ص: 481
العلبة الضحمة، و الحوأب: الوادى الوسيع في هذه. و الحوأب: موضع في طريق البصرة محاذى البقرة ماءة أيضاً من مياههم.
فقال أبو زياد: و من مياه أبي بكر بن كلاب الحوأب، و هو من المياء الأعداد و قديم جاهلي، و قال نصر: الحوأب من مياه العرب على طريق البصرة، و الحوأب و العناب و الحزير: جبال سود أظنها في ديار عوف ابن عبد بن أبي بكر بن كلاب أخي قريط بن عبد و قيل:
سمى الحوأب بالحوأب بنت كلب بن وبرة، و هي أم تميم و بكر المعروف بالشعيراء و الغوث و هو الربيط، و هو صوفة و ثعلبة، و هو ظاعنة و غيرهم من ولد مرّ بن أد بن طابخة، و بالحوأب حصن لعبد العزيز بن زرارة الكلبي.
و قال أبو منصور: الحوأب موضع بئر نبحث كلابه على عائشة أم المؤمنين عند مقبلها إلى البصرة؛ ثم أنشد:
و ماهي إلّا شربة بالحوأب *** فصعدي من بعدها بعدها أو صوبي
و في الحديث:
أن عائشة لما أرادت المضي إلى البصرة في وقعة الجمل مرّت بهذا الموضع فسمعت نباح الكلاب، فقالت: ما هذا الموضع ؟ فقيل لها: هذا موضع يقال له الحوأب، فقالت: إنا لله ما أراني إلا صاحبة القصة، فقيل لها: و أيّ قصة؟
قالت: سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول و عنده نساؤه: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة إلى الشرق في كتيبة و همت بالرجوع فغالطوها و حلفوا لها أنه ليس بالحوأب؛
و في كتاب سيف: أن فلال يوم بزاخة الذين كانوا مع طليحة المتنبي
ص: 482
أجمعت إلى ظفر و بها أم زمل سلمى بنت مالك ابن حذيفة بن بدر الفزارية، و كانت عزيزة في أهلها مثل أمها أم قرفة، فنزلوا إليها فذمرتهم وأقرتهم بالحرب و كانت أم زمل قد سبيت أيام أم قرفة فوهيت لعائشة فأعتقتها، فكانت تكون عندها، وقد كان النبي صلّی الله علیه و آله، دخل عليهن.
فقال: إن إحداكن تستنبح كلاب أهل الحوأب، ثم رجعت سلمى إلى قومها وارتدت فيمن ،ارتدّ، فلما رجع إليها الفلال طلبت بذلك الثار فسيرت ما بين ظفر و الحوأب حتى تجمع لها خلق كثير من غطفان و هوازن و سليم و أسد وطيء، فبلغ ذلك خالداً.
فسار إليها واقتتل الفريقان قتالاً شديداً و هي راكبة على جمل أمها حتى اجتمع على الجمل أناس من المسلمين فعقروه و قتلوها و قتلو حولها مائة رجل، فكانوا يروون أنها التي عناها النبي صلّی الله علیه و آله. و الحوأب، في أخبار الردة مخلاف بالطائف و الحوأب أيضاً: جبل أسود.
676 - قال خليفة بن خياط في سنة ست وثلاثين: قدم طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و معهما عائشة أم المؤمنين البصرة و بها عثمان بن حنيف الأنصاري واليا لعلي، فبعث عثمان بن حنيف حكيم بن جبلة العبدي، فلقي طلحة والزبير بالزابوقة و هي مدينة الرزق بحضرة كلاء البصرة، فقتل حكيم بن جبلة، وقتل أيضا مجاشع بن مسعود السلمي من أصحاب رسول الله صلّی الله علیه و آله.
خرج علي من المدينة ولاها سهل بن حنيف الأنصاري، و بعث علي الحسن بن علي بن أبي طالب و عمار بن ياسر إلى الكوفة يستنفران الناس و قدم علي البصرة. و فيها كانت وقعة الجمل بالبصرة بالزاوية ناحية خلف البصرة، يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين.
ص: 483
و فيها قتل طلحة بن عبيد الله في المعركة أصابه سهم غرب فقتله.
677- عنه حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن عن قتادة الجارود بن أبي سبرة قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة بن عبيد الله يوم الجمل فقال: لا أطلب بتأري بعد اليوم فرماه بسهم فقتله.
678 - عنه حدثنا من سمع جويرية بن أسماء عن يحيى بن سعيد عن عمه: أن مروان رمى طلحة طلحة بسهم فقتله و انحدر الزبير منصرفا فقتل بوادي السباع، قتله عمير بن جرموز المجاشعي. و قتل محمد بن طلحة بن عبیدالله و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد.
679 - عنه قال أبو اليقظان: قدم طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و عائشة البصرة فتلقاهم الناس بأعلى المربد، فلما كانوا بالدباغين – و ذلك حضرة قصر زربي في سكة المربد - اجتمع الناس حتى لو رمي بحجر وقع على رأس إنسان، فتكلم طلحة و تكلمت عائشة و كثر اللغط.
680 - عنه حدثنا أبو بكر :قال حدثنا عوف قال حدثنا أبو رجاء العطاردي قال: أتيت طلحة بن عبيد الله و قد غشيه الناس و هو على دابته فجعل يقول: أيها الناس أنصتوا فجعل يركبونه ولا ينصتون، فقال: أف أف فراش نار و ذبان طمع.
681 - عنه قال أبو الحسن عن الهذلي: إفهم انحدروا من موضع الدباغين فرماهم الناس بالحجارة، فأخذوا في بني نهد حتى خرجوا على مقبرة بني مازن ثم مقبرة بني حصن، ثم خرجوا على المثناة حتى نزلوا الجبل.
682 - عنه عن حاتم بن مسلم عن يوسف بن عبدة عن ابن سيرين قال نزل طلحة والزبير في ناحية بني سعد.
ص: 484
683 - عنه قال أبو اليقظان: و ولى علي البصرة يومئذ عثمان بن حنيف الأنصاري قال: و سار طلحة والزبير و من معهما حتى أتوا الزابوقة فخرج إليهم عثمان بن حنيف فواقعوا حتى زالت الشمس، ثم اصطلحوا و كتبوا بينهم كتابا أن يكفوا عن القتال، و لعثمان دار الإمارة و المسجد و بيت المال و الكلاء،
و أن ينزل طلحة والزبير من البصرة حيث شاءا، ولا يعرض بعضهم لبعض حتى يقدم علي علیه السّلام . قال أبو اليقظان: تحولت عائشة و طلحة و الزبير فنزلوا طاحية ابن عبيدة.
684 - عنه قال أبو الحسن عن الهذلي عن الجارود بن أبي سبرة عن سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي: غدا ابن الزبير إلى الزابوقة و هي مدينة الرزق فأراد أن يرزق أصحابه، فجاء حكيم بن جبلة العبدي في سبع مائة من عبد القيس و بكر بن وائل، فاقتتلوا فقتل حكيم بن جبلة و أخوه الرعل بن جبلة و ابنه الأشرف بن حكيم.
685 - عنه عن أبي اليقظان: بعث علي علیه السّلام الحسن بن علي و عمار بن ياسر إلى الكوفة يستنفران الناس.
686 - عنه حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن الحكم قال: سمعت أبا وائل يقول: لما استنفر الحسن وعمار أهل الكوفة قال عمار: أما والله إني لأعلم أنها زوجته زوجته في الدنيا والآخرة و لكن الله ابتلاكم بها لتتبعوه أو إياها.
687 - عنه عن غندر عن شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: حدثني رجل من أسلم قال: كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة.
688 - عنه قال: وحدثنا أبو غسان: قال حدثنا يعقوب القعبي عن حفص أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال كان مع علي يوم الجمل ثمانى
ص: 485
مائة من الأنصار و أربع مائة ممن شهد بيعة الرضوان.
689 - عنه عن أبي بكر عن عبد الملك عن سلمة بن كهيل قال: قدم الحسن بن علي علیهماالسّلام و عمار فاستنفرا الناس، فخرج ما بين الستة آلاف إلى السبعة حتى قدموا على علي علیه السّلام بذي قار، فسار بهم و معه زهاء عشرة آلاف حتى أتى البصرة.
690- عنه قال أبو عبيدة: سار علي علیه السّلام من ذي قار فأمر علي مقدمته عبد الله بن عباس ، ثم أمر الأمراء و عقد الألوية و دفع اللواء إلى ابنه محمد ابن علي.
691 - عنه قال أبو عبيدة: على الخيل عمار بن ياسر، و على الرجالة محمد بن أبي بكر، و على الميمنة - و هم ربيعة البصرة و الكوفة - علباء بن الهيثم السدوسي، ويقال: عبد الله بن جعفر، و على الميسرة - و هم مضر البصرة و مضر الكوفة - الحسن بن علي علیهماالسّلام قال: ويقال: على الميمنة الحسن و على الميسرة الحسين بن علي علیهماالسّلام:
و لواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حزام، و على الخيل طلحة بن عبيدالله، و على الرجالة عبد الله بن الزبير، و على الميمنة و هي مضر عبد الله بن عامر و يقال عبد الله بن الحارث، وعلى الميسرة - و هم أهل اليمن - مروان بن الحكم.
692 - عنه حدثنا أبو الحسن عن الهذلي عن قتادة قال: سار علي علیه السّلام من الزاوية و سار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين يوم الخميس و كانت الوقعة يوم الجمعة.
693 - عنه حدثنا علي بن عاصم قال: اخبرنا حصين قال: حدثني
ص: 486
عمرو بن جاوان قال: سمعت الأحنف بن قيس قال : لما التقوا كان أول قتيل طلحة بن عبيد الله، و خرج كعب بن سور من البصرة معه المصحف ناشرة بين الصفين يناشد الناس في دمائهم فقتل و هو بتلك الحال.
694 - عنه قال أبو اليقظان: خرج كعب بن سور في عنقه مصحف و عليه برنس و بيده عصا، فأخذ بخطام الجمل فأتاه سهم سهم غرب غرب فقتله.
695- عنه حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن عن قتادة عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة بن عبیدالله يوم الجمل فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم فرماه بسهم فقتله.
696 - عنه حدثني أبو عبد الرحمن القرشي عن حماد بن زيد عن قرة بن خالد عن ابن سيرين قال: رمي طلحة بسهم فأصاب ثغر فأصاب ثغرة نحره. قال: فأقر مروان أنه رماه.
697 - عنه قال: وحدثني جويرية بن أسماء عن يحيى بن سعيد عن عمه :قال رمی مروان طلحة بن عبيد الله بسهم ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك.
698 - عنه حدثنا علي بن عاصم عن حصين عن عمرو بن جاوان عن الأحنف قال: لما انحاز الزبير قتله عمرو بن جرموز بوادي السباع.
699 - الحاكم أبو عبد الله النيسابورى ، حدثني أبو بكر بن بالويه، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: توجه الزبير الى المدينة فتبعه عمرو بن جرموز و هو متوجه نحو المدينة قتله غيلة بوادى السباع فبرأ الله عن دمه عليا علیه السّلام وأصحابه.
700- عنه أخبرني عبدالله بن محمد بن زياد العدل ثنا محمد بن إسحاق ثنا أبو الاشعث أحمد بن المقدام ثنا عثام بن علي، ثنا هشام بن
ص: 487
عروة عن أبيه، قال: لما كان يوم الجمل دعا الزبير ابنه عبدالله فاوصى إليه فقال: يا بنى ان هذا يوم ليقتلن فيه ظالم أو مظلوم والله لئن قتلت لا قتلن مظلوماً والله ما فعلت و لا فعلت انظر یا بنی دین لا ادع شيئا اهم الى منه و هو الف الف و مأتا الف.
701 - عنه حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الله بن عبدالحكم ثنا ابن وهب قال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب قال: ولى الزبير يوم الجمل منهزماً فادركه ابن جرموز رجل من بني تيم فقتله.
702 - عنه أخبرني إسماعيل بن الفضل بن محمد الشعراني ثنا جدي ثنا إسحاق بن محمد الفروى ثنا عبد العزير بن عمران قال: ثنا سعيد بن عبد العزير السلمى عن أبيه، قال لما انصرف الزبير يوم الجمل جعل يقول:
و لقد علمت لو أن علمى نافعي *** ان الحياة من الممات قريب
ثم لم ينشب حتى قتله ابن جرموز.
703- عنه أخبرنا أبو عبدالله الأصبهاني، ثنا الحسن بن الجهم، ثنا الحسين بن الفرج، ثنا محمد بن عمر عن شيوخه قالوا خرج الزبير يوم الجمل وذلك يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة بعد الوقعة على فرس يقال له ذو الخمار منطلقا نحو المدينة فقتل بوادي السباع و دفن هناك و ذكر عن عروة بن الزبير، قال قتل أبي يوم الجمل و قد زاد على الستين اربع سنين.
704 - عنه أخبرنا عبد الباقي بن قانع ببغداد حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري، ثنا أبو السكين زكريا يابن يحى الطائي، ثنا عمر بن زحر بن ،حصين، قال حدثنى جدى حميد بن منهب :قال: حججت فى السنة التي قتل فيها عثمان فصادفت طلحة والزبير و عائشة بمكة.
ص: 488
فلما ساروا الى البصرة سرت معهم وسار عليّ بن أبي طالب علیه السّلام اليهم حتى أتى النقرا و ذلك يوم الجمل فاقتتلوا قتالا شديدا و اخذ خطام الجمل يومئذ سبعون رجلا و ذكر الحديث بطوله و قال في آخره و ولی الزبير منهزماً فادركه ابن جرموز و هو رجل من بني تميم فقتله.
705 - عنه أخبرنا عبد الرحمان بن حمدان الجلاب بهمدان، ثنا عثمان بن خرزاد الأنطاكى، ثنا ربيعة بن الحارث، حدثني محمد بن سليمان العابد ثنا إسماعيسل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، قال: قال علىّ علیه السّلام للزبير، اما تذكر يوم كنت أنا و أنت في سقيفة قوم من الانصار، فقال لك رسول الله صلّی الله علیه و آله أتجبه فقلت وما يمنعنى قال: أما انك ستخرج عليه و تقاتله و انت ظالم قال فرجع الزبير.
706 - عنه أخبرني أبو الحسن محمد بن أحمد بن تميم القنطري ببغداد ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ثنا أبو عاصم، ثنا عبد الله بن محمد بن عبدالملك الرقاشي، عن جده عبدالملك، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال: شهدت الزبير خرج يريد عليًّا علیه السّلام فقال له علي علیه السّلام انشدك الله هل سمعت رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول: تقاتله و انت له ظالم، فقال: لم اذكر، ثم مضى الزبير منصرفاً.
هذا حديث صحيح عن أبي حرب بن ابي الاسود، فقد روى عنه يزيد عن صهيب الفقير وفضل بن فضالة في اسناد واحد.
707- عنه حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المدل المأمون من أصل كتابه، ثنا عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي، ثنا منجاب ابن الحارث، ثنا عبد الله بن الاجلح، حدثني أبي عن يزيد الفقير، قال منجاب و سمعت فضل بن فضالة يحدث به جميعاً عن أبي حرب بن الاسود
ص: 489
الديلى قال
شهدت علياً علیه السّلام و الزبير لما رجع الزبير على دابته يشق الصفوف فعرض له ابنه عبدالله فقال مالك، فقال ذكرني علي علیه السّلام حديثاً، سمعته من رسول الله صلّی الله علیه و آله يقول لتقاتلنه وانت ظالم له فلا أقاتله قال: و للقتال جئت؟
انما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر بك قال: قد حلفت أن لا أقاتل قال: فاعتق غلامك جرجس وقف حتى تصلح بين الناس، قال: فاعتق غلامه جرجس و وقف، فاختلف أمر الناس فذهب على فرسه و قد روى إقرار الزبير لعلى الا بذلك من غير هذه الوجوه.
708- عنه أخبرنى أبو طاهر محمد بن أحمد الجويني، ثنا أبوبكر بن رجاء السندي، ثنا أبوبكر بن أبى شيبة، ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ورثت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل الزبير و كانت زوجته فبلغ حصتها من الميراث ثمانين الف درهم و قالت ترثيه:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة *** يوم اللقاء و كان غير معرد
يا عمرو لو نبّهته لوجدته *** لا طائشا رعش البنان و لا اليد
تكلتك امك ان ظفرت بفارس *** فيما مضى مما يروح و يفتدى
كم غمرة قد خاضها لم يثنه *** عنها طرادك يابن فقع القدقد
709 - عنه أخبرنى محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عباد بن الوليد الغنزى ثنا حبان ثنا شريك بن الحباب، حدثني عتبة بن صعصعة بن الاحنف عن عكراش قال كنا نقاتل عليّاَ علیه السّلام مع طلحة و معنا مروان، قال فانهزمنا، قال: فقال مروان لا أدرك بثارى بعد اليوم من طلحة قال فرماه بسهم فقتله.
710 - عنه حدثنا على بن حمشاد العدل، ثنا محمد بن غالب، ثنا يحيى
ص: 490
ابن سليمان الجعفى، ثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة بن عبيد الله يومئذ فوقع فى ركبته فما زال يسيح الى ان مات.
711- عنه حدثني محمد بن ظفر الحافظ، حدثني الحسن بن عياش القطان ثنا الحسين، ثنا يحي بن عياش القطان ثنا الحسين بن يحيى المروزي ثنا غلب بن حليس الكلبي أبو الهيثم، ثنا جويرة بن اسماء، عن يحيى بن سعيد، ثنا عمى قال:
لما كان يوم الجمل نادى علي علیه السّلام فى الناس لا ترموا أحدا بسهم و لا تطعنوا برمح و لا تضربو بسيف و لا تطلبوا القوم فان هذا مقام من افلح فيه فلح يوم القيامة قالوا فتوافقنا، ثم ان القوم قالوا باجمع يا ثارات عثمان.
قال و ابن الحنفية امامنا بربوة معه اللواء، قال فناداه علي علیه السّلام قال فأقبل علينا يعرض وجهه، فقال يا أمير المؤمنين يقولون يالثارات عثمان فمد علىّ علیه السّلام يديه وقال: اللهم اكب قتلة عثمان اليوم وجوههم.
ثم ان الزبير قال للاساورة كانوا معه ارموهم برشق و كانه أرادان ان ينشب القتال، فلما نظر أصحابه إلى الانشاب لم ينتظروا و حملوا فهزمهم الله و رمى مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله بسهم فشك ساقه فقبض به الفرس حتى لحقه فذبحه، فالتفت مروان الى ابان بن عثمان و هو معه، فقال لقد كفيتك أحد قتلة أبيك.
712 - عنه أخبرنى الوليد و أبو بكر بن قريش، ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن عبدة، ثنا الحسن بن الحسين ثنا رفاعة بن أياس الضبي عن أبيه عن جده قال: كنا مع علي علیه السّلام يوم الجمل فبعث إلى طلحة بن عبيد الله
ص: 491
أن القنى فاتاه ،طلحة، فقال نشدتك الله هل سمعت رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلم يقول:
من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، قال نعم، قال فلم تقاتلنى، قال: لم اذكر قال فانصرف طلحة.
713- عنه حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزنى، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا الحسن بن حماد الوراق، ثنا المحاربي، عن ليث بن طلحة بن مصرف قال: أجلس عليّ علیه السّلام طلحة يوم الجمل فمسح التراب عن رأسه، ثم التفت الى الحسن بن عليّ علیه السّلام فقال: وددت انى مت قبل هذا بثلاثين سنة.
714 - عنه قال سمعت على بن عيسى الحميرى يقول: سمعت محمد بن عمرو الجرشي يقول: سمعت يحيى بن يحيى يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سألت عمرو بن دينار قلت يا أبا محمد بايع طلحة والزبير علياً علیه السّلام، قال أخبرنى حسن بن محمد و لم أر أحدا قط أعلم منه انهما صعدا إليه فبايعاه و هو فى علية ثم نزلا.
715 - عنه أخبرنى الحسن بن محمد بن اسحاق الازهرى ثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا العباس بن بكار، ثنا سهيل بن أبي سهيل التميمي عن أبيه قال مر علي بن أبي طالب علیه السّلام بطلحة بن عبيدالله و هو مقتول فوقف عليه و قال هذا والله كما قال الشاعر:
فتي كان يدنيه الغني من صديقه *** إذا ما هو استغني و يبعده الفقر
كأن الثريا علقت في يمينه *** وفي خده الشّعري وفي الآخر البدر
716 - عنه أخبرنا على بن المؤمل بن الحسن بن عيسى ثنا محمد بن يونس ثنا جندل بن والق، ثنا محمد بن عمر المازني عن أبي عامر الانصارى عن ثور بن مجزاة انه قال: مررت بطلحة بن عبيد الله يوم الجمل
ص: 492
و هو صريع في آخر رمق فوقفت عليه فرفع رأسه فقال:
انى أرى وجه رجل كانه القمر ممن أنت فقلت من أصحاب أمير المؤمنين علي علیه السّلام ، فقال : ابسط يدك أبايعك فبسطت يدى و بايعنى فقاضت نفسه فاتیت عليّاً علیه السّلام فاخبر تدته بقول طلحة، فقال الله اكبر الله اكبر صدق رسول الله صلّی الله علیه و آله أبى الله ان يدخل طلحة الجنة الا و بيعتى في عنقه.
717 - قال الرضى: لما اخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل، فاستشفع بالحسن و الحسين إلى أمير المؤمنين علیه السّلام فكلماه فيه فخلى سبيله، فقالا له يبايعك يا أمير المؤمنين قال علیه السّلام:
أو لم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسبته أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه و هو أبو الأكبش الأربعة و ستلقى الأمة منه و من ولده يوما أحمر.
(1) اصل سليم: 310، (2) الكافي: 343/1 و 256/8،
(3) معاني الاخبار : 305 ، (4) الخصال: 377، (5) الارشاد: 117، إلى (123)، (6) امالي المفيد: 58 - 73 - 217 - 295، (7) الاختصاص: 79 - 116، (8) نهج البلاغة: خ 5 - 7 - 8 - 9 - 10 - 12، 13 – 70 – 77 – 133 – 144 – 164 – 165 – 167 – 213 – 214،
(9) الرسائل: 54 - 57 - 63، (10) امالى الطوسي: 51/1 - 101 - 142 - 171 - 172 - 213 و 120/2 - 325،
ص: 493
(11) رجال الكشي: 55، (12) بشارة المصطفي: 305 - 306 - 323، الى 346، (13) الاحتجاج: 233/1 ، الى 251،
(14) مناقب ابن شهر آشوب: 606/1 الى 616، (15) مصنف ابن أبي شيبة : (248/15 ، الى 288 ، (16) طبقات ابن سعد: 20/3،
(17) مغازی الواقدى: 199 ، (18) الامامة و السياسة: 51 ، الى 73، (19) اخبار الطوال : 144 ، (20) تاريخ الطبري: 444/4 الي 542. (21) مروج الذهب 360/2 ، (22) اخبار اصفهان: 69/1، (23) انساب الاشراف: 193/1 ، (24) العقد الفريد: 313/1، الی 330،
(25) البدء و التاريخ: 211/5 216، (26) التدوين: 193/1،
(27) مناقب الخوارزمي: 109، الی 131، (28) شرح نهج البلاغة: 222/1، الى 236، 243 الى 266 و 162/2 ، الى 170 و 215/6، الى 229 و 101/9، الى 125 – 293 – 308، الی 327، و 10/11 و 14، الى 16، (29) معجم مما استعجم: 472/1، (30) معجم البلدان: 314/2 .
(31) تاريخ خليفة بن خياط: 199/1 ، إلى 207 (32) المستدرك للحاكم: 359/3 ، إلى 374.
ص: 494
1- قال المفيد من كلامه علیه السّلام حين قدم الكوفة من البصرة: بعد حمد الله و الثناء عليه اما بعد:
الحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الكاذب المبطل عليكم يا أهل هذا المصر بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولى بطاعتكم من المنتحلين المدعين المقابلين إلينا يتفضلون بفضلنا ويجاحدونا أمرنا و ينازعونا حقنا و يدفعونا عنه و قد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا وقد قعد عن نصرتي منكم رجال و أنا عليهم عاتب زار فاهجروهم و أسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبونا و نرى منهم ما نحب.
2- عنه قال أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال حدثني محمد بن موسى بن حماد قال حدثنا محمد بن سهل قال أخبرنا هشام بن محمد محمد بن السائب عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن عبيد بن الكنود قال قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السّلام من البصرة إلى الكوفة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب.
فأقبل حتى صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فالحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الكاذب المبطل عليكم يا أهل هذا المصر بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت
ص: 495
نبيكم صلّی الله علیه و آله الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المنتحلين المدعين المقابلين إلينا.
يتفضلون بفضلنا ويجاحدوناه و ينازعونا حقنا و يدفعونا عنه و قد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا إنه قد قعد عن نصرتي رجال منكم فأنا عليهم عاتب زار فاهجروهم و أسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا أو نرى منهم ما نرضى.
فقام إليه مالك بن حبيب التميمي اليربوعي و كان صاحب شرطته فقال والله إني لأرى الهجر و إسماع المكروه لهم قليلا و الله لئن أمرتنا لنقتلنهم فقال له أمير المؤمنين علیه السّلام يا مال جزت المدى و عدوت الحد و أغرقت في النزع فقال يا أمير المؤمنين.
لبعض الغشم أبلغ في أمور *** تنوبك من مهادنة الأعادي
فقال أمير المؤمنين علیه السّلام ليس هكذا قضى الله یا مال قال الله تعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» فما بال بعض الغشم و قال الله سبحانه «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً».
فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي و كان عثمانيا تخلف عنه يوم الجمل و حضر معه صفين على ضعف نية في نصرته فقال يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة و طلحة والزبير بم قتلوا فقال أمير المؤمنين علیه السّلام بما قتلوا شيعتي و عمالي و بقتلهم أخا ربيعة العبدي رحمه الله في عصابة من المسلمين قالوا لا ننكث البيعة كما نكثتم و لا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم ظلما وعدوانا.
فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني منهم أقتلهم بهم ثم كتاب الله حكم بيني و بينهم فأبوا علي و قاتلوني و في أعناقهم بيعتي ودماء نحو ألف
ص: 496
من شيعتي فقتلتهم بذلك أفي شك أنت من ذلك فقال قد كنت في شك فأما الآن فقد عرفت و استبان لي خطأ القوم فإنك أنت المهتدي المصيب.
ثم إن عليا علیه السّلام تهيأ لينزل فقام رجال ليتكلموا فلما رأوه قد نزل جلسوا و لم يتكلموا قال أبو الكنود و كان أبو بردة مع حضوره صفين ينافق أمير المؤمنين علیه السّلام و يكاتب معاوية سرا فلما ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلوجة و كان عليه كريما.
3- نصر بن مزاحم: أخبرنا الشيخ الحافظ شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي قال أخبرنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة، و قال أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الوكيل قراءة عليه و أنا أسمع في رجب من سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
قال أخبرنا أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد محمد بن ثابت الصيرفي قراءة عليه و أنا أسمع قال أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد بن همام بن عبد الله بن الحمار بن سلمة بن سمير بن أسعد بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل قراءة عليه فى سنة أربعين وثلاثمائة،
قال أخبرنا أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز قال: أنبأنا نصر بن مزاحم التميمي قال عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي عن الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره قالوا:
لما قدم علي بن أبي طالب علیه السّلام من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين و قد أعز الله نصره و
ص: 497
أظهره على عدوه و معه أشراف الناس و أهل البصرة استقبله أهل الكوفة و فيهم قراؤهم و أشرافهم فدعوا له بالبركة وقالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل أ تنزل القصر فقال لا و لكني أنزل الرحبة فنزلها و أقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين.
ثم صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه وصلى على رسوله و قال أما بعد يا أهل الكوفة فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا و تغيروا دعوتكم إلى الحق فأجبتم و بدأتم بالمنكر فغيرتم ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله في الأحكام والقسم فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه.
ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق و أما طول الأمل فينسي الآخرة ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة و الآخرة ترحلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل.
الحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الناكث المبطل عليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولى بطاعتكم فيها أطاعوا الله فيه من المنتحلين المدعين المقابلين إلينا يتفضلون بفضلنا و يجاحدونا أمرنا و ينازعونا حقنا و يدافعونا عنه.
فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا ألا إنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار فاهجروهم و أسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة.
فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي و كان صاحب شرطته فقال والله إني لأرى الهجر و إسماع المكروه لهم قليلا و الله لئن أمرتنا لنقتلنهم فقال علي سبحان الله يا مال جزت المدى و عدوت الحد و أغرقت في النزع فقال
ص: 498
يا أمير المؤمنين لبعض الغشم أبلغ في أمور تنوبك من مهادنة الأعادي.
فقال علي ليس هكذا قضى الله يا مال قتل النفس بالنفس فما بال الغشم و قال «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً» والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك فقد نهى الله عنه وذلك هو الغشم.
فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي و كان ممن تخلف عنه فقال: يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة و الزبير و طلحة بم قتلوا قال قتلوا شيعتي و عمالي و قتلوا أخا ربيعة العبدي رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين قالوا لا نتكت كما نكشتم و لا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني أقتلهم بهم.
ثم كتاب الله حكم بيني و بينهم فأبوا علي فقاتلوني و في أعناقهم بيعتي و دماء قريب من ألف رجل من شيعتي فقتلتهم بهم أفي شك أنت من ذلك قال قد كنت في شك فأما الآن فقد عرفت و استبان لي خطأ القوم و إنك أنت المهدي المصيب.
و كان أشياخ الحي يذكرون أنه كان عثمانيا و قد شهد مع علي على ذلك صفين و لكنه بعد ما رجع كان يكاتب معاوية فلما ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلوجة و كان عليه كريما. ثم إن عليا تهياً لينزل و قام رجال ليتكلموا فلما رأوه نزل جلسوا و سكتوا.
4 - عنه عن أبي عبد الله سيف بن عمر عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة أن عليا لما دخل الكوفة قيل له أي القصرين ننزلك قال قصر الخبال لا تنزلونيه فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي.
5- نصر عن الفيض بن محمد عن عون بن عبد الله بن عتبة قال لما
ص: 499
قدم علي الكوفة نزل على باب المسجد فدخل وصلى ثم تحول فجلس إليه الناس فسأل عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة فقال قائل استأثر الله به فقال إن الله لا يستأثر بأحد من خلقه و قرأ «وَ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» قال فلما لحق الثقل قالوا أي القصرين تنزل فقال قصر الخيال لا تنزلونيه.
6- نصر عن سيف قال حدثني إسماعيل بن أبي عميرة عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود أن سليمان بن صرد الخزاعي دخل على علي ابن أبي طالب بعد رجعته من البصرة فعاتبه و عذله و قال له ارتبت و تربصت و راوغت و قد كنت من أوثق الناس في نفسي و أسرعهم فيما أظن إلى نصرتي فما قعد بك عن أهل بيت نبيك و ما زهدك في نصرهم.
فقال يا أمير المؤمنين لا تردن الأمور على أعقابها و لا تؤنبني بما مضى منها و استبق مودتي يخلص لك نصيحتي و قد بقيت أمور تعرف فيها وليك من عدوك فسكت عنه و جلس سليمان قليلا ثم نهض فخرج إلى الحسن بن علي علیهماالسّلام و هو قاعد في المسجد فقال ألا أعجبك من أمير المؤمنين و ما لقيت منه من التبكيت و التوبيخ؟
فقال له الحسن إنما يعاتب من ترجى مودته و نصيحته فقال إنه بقيت أمور سيستوسق فيها القنا و ينتضي فيها السيوف و يحتاج فيها إلى أشباهي فلا تستغشوا عتبي و لا تتهموا نصيحتي فقال له الحسن رحمك الله ما أنت عندنا بالظنين.
7- نصر عن عمر يعني ابن سعد عن نير بن وعلة عن الشعبي إن سعيد بن قيس دخل على علي بن أبي طالب علیه السّلام فسلم عليه فقال له علي و عليك و إن كنت من المتربصين فقال حاش لله يا أمير المؤمنين لست من
ص: 500
أولئك قال فعل الله ذلك.
8- نصر عن عمر بن سعد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن مخنف قال دخلت مع أبي على علي علیه السّلام حين قدم من البصرة و هو عام بلغت الحلم فإذا بين يديه رجال يؤنبهم و يقول لهم ما بطأ بكم عني و أنتم أشراف قومكم والله لئن كان من ضعف النية وتقصير البصيرة إنكم لبور و الله لئن كان من شك في فضلي و مظاهرة علي إنكم لعدو.
قالوا: حاش لله يا أمير المؤمنين نحن سلمك و حرب عدوك ثم اعتذر القوم فمنهم من ذكر عذره و منهم من اعتل بمرض و منهم من ذكر غيبة فنظرت إليهم فإذا عبد الله بن المعتم العبسي و إذا حنظلة بن الربيع التميمي و كلاهما كانت له صحبة و إذا أبو بردة بن عوف الأزدي و إذا غريب بن شرحبيل الهمداني.
قال و نظر علي إلى أبي فقال لكن مخنف بن سليم و قومه لم يتخلفوا و لم يكن مثلهم مثل القوم الذين قال الله تعالى «وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَ لَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلُ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً».
ثم إن عليا مكث بالكوفة فقال الشني في ذلك شن بن عبد القيس:
قل لهذا الإمام قد خبت الحر *** ب و تمت بذلك النعماء
و فرغنا من حرب من نقض العه_ *** د و بالشام حية صماء
تنفث السم ما لمن نهشته *** فارمها قبل أن تعض شفاء
إنه و الذي يحج له النا *** س و من دون بيته البيداء
لضعيف النخاع إن رمي اليو *** م بخيل كأنها الأشلاء
ص: 501
جانحات تحت العجاج سخالا *** مجهضات تخالها الأسلاء
تتبارى بكل أصيد كالفح_ *** _ل بكفيه صعدة سمراء
ثم لا ينثني الحديد ولما *** يخضب العاملين منها الدماء
إن تذره فما معاوية الدهر *** بمعطيك ما أراك تشاء
و لنيل السماك أقرب من ذا *** ك و نجم العيوق و العواء
فاضرب الحد و الحديد إليهم *** ليس و الله غير ذاك دواء
9- نصر عن أبي عبد الله سيف بن عمر عن الوليد بن عبد الله عن أبي طيبة عن أبيه قال أتم علي الصلاة يوم دخل الكوفة فلما كانت الجمعة و حضرت الصلاة صلى بهم و خطب خطبة.
10- نصر قال أبو عبد الله عن سليمان بن المغيرة عن علي بن الحسين خطبة علي بن أبي طالب علیه السّلام في الجمعة بالكوفة و المدينة.
إن الحمد لله أحمده و أستعينه و أستهديه و أعوذ بالله من الضلالة من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله انتجبه لأمره و اختصه بالنبوة أكرم خلقه و أحبهم إليه فبلغ رسالة ربه ونصح لأمته و أدى الذي عليه و أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله و أقربه لرضوان الله و خيره في عواقب الأمور عند الله و بتقوى الله أمرتم و للإحسان والطاعة خلقتم.
فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه فإنه حذر بأسا شديدا و اخشوا الله خشية ليست بتعذير و اعملوا في غير رياء ولا سمعة فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل له و من عمل الله مخلصا تولى الله أجره و أشفقوا من عذاب الله فإنه لم يخلقكم عبثا و لم يترك شيئا من أمركم سدى قد سمى
ص: 502
آثاركم و علم أعمالكم و كتب آجالكم.
فلا تغروا بالدنيا فإنها غرارة بأهلها مغرور من اغتر بها و إلى فناء ما هي و إن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون أسأل الله منازل الشهداء و مرافقة الأنبياء و معيشة السعداء فإنما نحن له و به ثم إن عليا علیه السّلام أقام بالكوفة و استعمل العمال.
11 - نصر عن عمر بن سعد قال حدثنا يحيى بن سعيد و الصقعب بن زهير عن يوسف و أبي روق أن علياء علیه السّلام حين قدم من البصرة إلى الكوفة بعث يزيد بن قيس الأرحبي على المدائن و جوخا كلها. و قال أصحابنا و بعث مخنف بن سليم على أصبهان و همدان.
12 - نصر عن محمد بن عبيد الله عن الحكم قال لما هرب مخنف بالمال قال علي علیه السّلام عذرت القردان فما بال الحلم.
13- عنه عن عمر بن سعد قال و بعث قرظة بن كعب على البهقباذات و بعث قدامة بن مظعون الأزدي على كسكر و عدي بن الحارث على مدينة بهرسير و أستانها و بعث أبا حسان البكري على أستان العالي و بعث سعد بن مسعود الثقفي على أستان الزوابي. و استعمل ربعي بن كاس علی سجستان و كاس أمة يعرف بها و هو من بني تميم و بعث خليدا إلى خراسان.
فسار خليد حتى إذا دنا من نيسابور بلغه أن أهل خراسان قد كفروا و نزعوا يدهم من الطاعة وقدم عليهم عمال كسرى من كابل فقاتل أهل نيسابور فهزمهم و حصر أهلها و بعث إلى علي بالفتح و السبي ثم صمد لبنات كسرى فنزلن على أمان فبعث بهن إلى علي علیه السّلام فلما قدمن عليه قال أزوجكن قلن لا إلا أن تزوجنا ابنيك فإنا لا نرى لنا كفوا غيرهما.
ص: 503
فقال علي علیه السّلام اذهبا حيث شئتها فقام نرسا فقال مر لي بهن فإنها منك كرامة فبيني و بينهن قرابة ففعل فأنزلهن نرسا معه و جعل يطعمهن و يسقيهن في الذهب و الفضة و يكسوهن كسوة الملوك و يبسط لهن الديباج.
و بعث علي الأشتر على الموصل و نصيبين و دارا و سنجار و آمد و هیت و عانات و ما غلب عليه من تلك الأرضين من أرض الجزيرة.
و بعث معاوية بن أبي سفيان الضحاك بن قيس على ما في سلطانه من أرض الجزيرة و كان في يديه حران و الرقة و الرها و قرقيسيا و كان من كان بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان معاوية فخرج الأشتر و هو يريد و هو يريد الضحاك بن قيس بحران فلما بلغ ذلك الضحاك بعث إلى أهل الرقة فأمدوه و كان جل أهلها يومئذ عثمانية.
فجاءوا و عليهم سماك بن مخرمة و أقبل الضحاك يستقبل الأشتر فالتقى الضحاك و سماك بن مخرمة بمرج مرينا بين حران و الرقة فرحل الأشتر حتى نزل عليهم فاقتتلوا اقتتالا شديدا حتى كان عند المساء فرجع الضحاك بمن معه فسار ليلته كلها حتى صبح بحران فدخلها وأصبح الأشتر فرأى ما صنعوا.
فتبعهم حتى نزل عليهم بحران فحصرهم و أتى الخبر معاوية فبعث إليهم عبد الرحمن بن خالد في خيل يغيثهم فلما بلغ ذلك الأشتر كتب كتائبه و عبی جنوده و خيله ثم ناداهم الأشتر ألا أن الحي عزيز ألا أن الذمار منيع لا تنزلون أيها الثعالب الرواغة احتجر تم احتجار الضباب فنادوا يا عباد الله أقيموا قليلا علمتم و الله أن قد أتيتم.
فمضى الأشتر حتى مر على أهل الرقة فتحرزوا منه ثم مضى حتى مر على أهل قرقيسيا فتحرزوا منه و بلغ عبد الرحمن بن خالد انصراف الأشتر
ص: 504
فانصرف فلما كان بعد ذلك عاتب أيمن بن خريم الأسدي معاوية و ذكر بلاء قومه بني أسد في مرج مرينا و في ذلك يقول.
أبلغ أمير المؤمنين رسالة *** من عاتبين مساعر أنجاد
منيتهم أن آثروك مثوبة *** فر شدت إذ لم توف بالميعاد
أنسيت إذ في كل عام غارة *** في كل ناحية كرجل جراد
غارات أشتر في الخيول يريدكم *** بمعرة ومضرة و فساد
وضع المسالح مرصدا لهلاككم *** ما بين عانات إلى زيداد
و حوی رساتيق الجزيرة كلها *** غصبا بكل طمرة وجواد
لما رأى نيران قومي أوقدت *** وأبو أنيس فاتر الإيقاد
أمضى إلينا خيله و رجالة *** و أغذ لا يجري لأمر رشاد
ثرنا إليهم عند ذلك بالقنا *** و بكل أبيض كالعقيقة صاد
في مرج مرينا ألم تسمع بنا *** نبغي الإمام به وفيه نعادي
لو لا مقام عشيرتي وطعانهم *** و جلادهم بالمرج أي جلاد
لأتاك أشتر مذحج لا ينثني *** بالجيش ذا حنق عليك و آد
14 - نصر عن عبد الله بن کردم بن مرثد قال لما قدم علي علیه السّلام حشر أهل السواد فلما اجتمعوا أذن لهم فلما رأى كثرتهم قال إني لا أطيق كلامكم و لا أفقه عنكم فأسندوا أمركم إلى أرضاكم في أنفسكم و أعمه نصيحة لكم قالوا نرسا ما رضي فقد رضيناه و ما سخط فقد سخطناه فتقدم فجلس إليه فقال أخبرني عن ملوك فارس كم كانوا قال كانت ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين وثلاثين ملكا.
قال فكيف كانت سيرتهم قال ما زالت سيرتهم في عظم أمرهم واحدة حتى ملكنا كسرى بن هرمز فاستأثر بالمال و الأعمال و خالف
ص: 505
أولينا و أخرب الذي للناس و عمر الذي له و استخف بالناس فأوغر نفوس فارس حتى ثاروا عليه فقتلوه فأرملت نساؤه و يتم أولاده.
فقال يا نرسا إن الله عز و جل خلق الخلق بالحق و لا يرضى من أحد إلا بالحق و في سلطان الله تذكرة مما خول الله و إنها لا تقوم مملكة إلا بتدبير و لا بد من أمارة و لا يزال أمرنا متماسكا ما لم يشتم آخرنا أولنا فإذا خالف آخرنا أولنا و أفسدوا هلكوا و أهلكوا.
ثم أمر عليهم أمراءهم ثم إن عليا علیه السّلام بعث إلى العمال في الآفاق وكان أهم الوجوه إليه الشام.
15- قال أبو حنيفة الدينوري: شخص على عن البصرة، و استعمل عليها عبد الله بن عباس، فلما انتهى الى المريد.
التفت الى البصرة، ثم قال: الحمد لله الذى أخرجني من شر البقاع ترابا، و أسرعها خرابا، و أقربها من الماء، و أبعدها من السماء. ثم سار، فلما اشرف على الكوفة، قال: ويحك يا كوفان، ما اطيب هواءك، و اغذي تربتك،
الخارج منك بذنب، و الداخل إليك برحمة، لا تذهب الأيام والليالي، حتى يجيء إليك كل مؤمن، و يبغض المقام بك كل فاجر، و تعمرين، حتى ان الرجل من اهلك ليبكر الى الجمعة فلا يلحقها من بعد المسافة.
قالوا: و كان مقدمة الكوفة يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين، فقيل له: يا امير المؤمنين، أتنزل القصر ؟، قال: لا حاجة لي في نزوله، لان عمر بن الخطاب كان يبغضة، و لكنى نازل الرحبة، ثم اقبل حتى دخل المسجد الأعظم، فصلى ركعتين، ثم نزل الرحبة، فقال الشنى يحرض عليا على المسير الى الشام:
ص: 506
قل لهذا الامام قد خبت الحر *** ب و تمت بذلك النعماء
وفرغنا من حرب من نكث العه_ *** _د و بالشام حية صماء
تنفث السم، ما لمن نهشتة *** فارمها قبل أن تعض شفاء
16 - عنه قالوا: و ان أول جمعة صلى بالكوفة خطب، فقال: الحمد لله احمده، و استعينة و استهدية، و أومن به و اتوكل عليه، و اعوذ بالله من الضلالة و الردى، من يهد الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، و اشهد ان محمدا عبده و رسوله، انتخبة لرسالته، و اختصة لتبليغ امره،
أكرم خلقه عليه، و احبهم اليه، فبلغ رسالة ربه، و نصح لامته، و ادی الذي عليه صلّی الله علیه و آله، اوصيكم عباد الله بتقوى الله، فان تقوى الله خير ما تواصی به عباد الله، و اقربه لرضوان الله، و افضله في عواقب الأمور عند الله، و بتقوى الله أمرتم، و للإحسان خلقتم، فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه،
فانه حذر بأسا شديدا، و اخشوا الله خشية ليست بتعذير، و اعملوا من غير رياء و لا سمعة، فانه من عمل لغير الله وكلة الله الى ما عمل، و من عمل مخلصا له تولاه الله، و اعطاه افضل نيتة، و أشفقوا من عذاب الله، فانه لم يخلقكم عبثا، و لم يترك شيئا من امركم سدى،
قد سمی آثاركم، و علم اسراركم، و احصى اعمالكم، و كتب آجالكم، فلا تغرنكم الدنيا، فإنها غراره لأهلها، و المغرور من اغتر بها، و الى فناء ما هي، و ان الآخرة هي دار القرار، نسأل الله منازل الشهداء، و مرافقة الأنبياء، و معيشة السعداء، فإنما نحن به و له.
ثم وجه عماله الى البلدان، فاستعمل على المدائن و جوخى كلها يزيد
ص: 507
ابن قيس الارحبى، و على الجبل و أصبهان محمد بن سليم، و على البهقباذات قرط بن كعب، و على كسكر و حيزها قدامة بن عجلان الأزدي، و على بهرسير و استانها عدى ابن الحارث، و على استان العالي حسان بن عبد الله البكرى، و على استان الزوابي سعد بن مسعود الثقفي، و على سجستان و حیزها ربعي بن كاس و على خراسان كلها خليد بن كاس.
فاما خليد بن كاس فانه لما دنا من خراسان بلغه ان اهل نیسابور خلعوا يدا من طاعة، و انه قدمت عليهم بنت لكسرى من كابل، فمالوا معها، فقاتلهم خليد، فهزمهم، و أخذ ابنة كسرى بأمان، و بعث بها الى على. فلما ادخلت عليه، قال لها: أتحبين ان ازوجك من ابنى هذا؟ يعنى الحسن، قالت: لا اتزوج أحدا على راسه احد،
فان أنت أحببت رضيت بك، قال: انى شيخ، و ابني هذا من فضله كذا و كذا، قالت: قد اعطيتك الجملة. فقام رجل من عظماء دهاقين العراق، یسمی نرسی، فقال: يا امير المؤمنين، قد بلغك انى من سنخ المملكة، و انا قرابتها، فزوجنيها فقال: هي املك بنفسها، ثم قال لها: انطلقی حيث شئت، و انكحى من احببت، لا باس عليك.
و استعمل على الموصل، و نصيبين، و دارا، و سنجار، و آمد، و ميافارقين، و هیت، و عانات، و ما غلب عليها من ارض الشام الاشتر، فسار إليها، فلقيه الضحاك بن قيس الفهري، و كان عليها من قبل معاويه ابن ابي سفيان، فاقتتلوا بين حران و الرقة بموضع يقال له المرج الى وقت المساء. وبلغ ذلك معاويه، ف
امد الضحاك بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد في خيل عظيمة، و بلغ
ص: 508
ذلك الاشتر، فانصرف الى الموصل، فأقام بها يقاتل من أتاه من اجناد معاويه، ثم كانت وقعه صفين.
17- قال ابن أبى الحديد: نزل علي علیه السّلام بالكوفة على جعدة بن هبيرة المخزومي. قلت جعدة ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب كانت تحت هبيرة ابن أبي وهب المخزومي فأولدها جعدة و كان شريفا.
قال نصر و لما قدم علي علیه السّلام إلى الكوفة نزل على باب المسجد فدخل فصلى ثم تحول فجلس إليه الناس فسأل عن رجل من الصحابة كان نزل الكوفة فقال قائل استأثر الله به.
فقال علي علیه السّلام إن الله تبارك و تعالى لا يستأثر بأحد من خلقه إنما أراد الله جل ذكره بالموت إعزاز نفسه و إذلال خلقه و قرأ «كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ» قال نصر فلما لحقه علیه السّلام ثقله قالوا أننزل القصر فقال قصر الخبال لا تنزلوا فيه.
قال العطاردى:
قد تم ولله الحمد المجلد الرابع من مسند الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب علیه السّلام و يتلوه انشاء الله المجلد الخامس و اوّله:
باب ماجرى له عليه السلام والقاسطين
(1) الارشاد: 124 ، (2) امالى المفيد: 127،
(3) وقعة صفين: 1، الى 15، (4) الاخبار الطوال: 152 ،
(5) شرح النهج: 104/3 - 105.
ص: 509
العنوان ... الصفحة... عدد الاحاديث
باب خلافته عليه السلام ... 3 ... 102
باب ماجرى بينه عليه السلام و الناكثين ... 76 ... 717
باب نزوله عليه السلام بالكوفة ... 495 ... 17
الجمع ... ... 936
ص: 510