شماره کتابشناسی ملی:3340706
سرشناسه:مامقانی ، عبدالله ، 1290؟ - 1351ق.
عنوان و نام پديدآور:مرآه الکمال لمن رام درک مصالح الاعمال /مامقانی
وضعيت نشر: دارالامیره - بیروت - لبنان
مشخصات ظاهری:3ج
عنوانهاي گونه گون ديگر:مرآت الکمال
موضوع:اخلاق اسلامی -- متون قدیمی تا قرن 14
احادیث اخلاقی -- متون قدیمی تا قرن 14 .
به زبان عربى است. اين اثر مشتمل بر بيان آداب در اعمال و مستحبات دينى است كه در سال 1335ق تأليف گرديده است.
مؤلف، انگيزه تأليف كتاب را اين گونه بيان مى كند: «فقهاء اهتمام به بيان واجبات و محرمات دارند و كمتر به آداب اعمال و مستحبات و مكروهات پرداخته اند به نحوى كه بسيارى از آنها فراموش شده است، پس براى سهولت كسانى كه دوستدار كمال و طالب درك مصالح اعمال هستند كتاب را تأليف نمودم».
ص :1
ص :2
ص :3
مرآه الکمال لمن رام درک مصالح الاعمال
مامقانی
ص :4
شماره کتابشناسی ملی:3340706
سرشناسه:مامقانی ، عبدالله ، 1290؟ - 1351ق.
عنوان و نام پديدآور:مرآه الکمال لمن رام درک مصالح الاعمال [چاپ سنگی]/مامقانی
وضعيت نشر:: نجف اشرف: [بی نا]، 1341ق.(نجف اشرف:مطبعه مرتضویه)
مشخصات ظاهری:3ج
عنوانهاي گونه گون ديگر:مرآت الکمال
موضوع:اخلاق اسلامی -- متون قدیمی تا قرن 14
احادیث اخلاقی -- متون قدیمی تا قرن 14 .
ص :5
بسم الله الرحمن الرحیم
ص :6
فهنا مقامات ستة:
الّذي فضله عظيم، و شرفه جسيم، لأنّه من كلام اللّه الأعظم المنزل على نبيّه الأكرم صلّى اللّه عليه و آله، و قد قال صلوات اللّه عليه و آله و سلّم في حقّه: انّه نبأ من كان قبلكم، و نبأ من كان بعدكم، و حكم ما كان بينكم، و هو الفصل ليس بالهزل، ما تركه جبّار الاّ قصم اللّه ظهره، و من طلب الهداية بغير القرآن ضلّ، و هو الحبل المتين، و الذكر الحكيم، و الصراط المستقيم، و هو الذي لا يبلى (1)على الألسن، و لا يخلق من كثرة القراءة، و لا تشبع منه العلماء، و لا
ص:7
تنقضي عجائبه (1)، و هو الذي لمّا سمعه الجنّ قالوا: إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (2)و هو الّذي إن قال صدق، و إن حكم عدل، و من تمسّك به هداه إلى الصراط المستقيم (3). و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: اعلموا انّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، و الهادي الذي لا يضلّ، و المحدّث الذي لا يكذب، و ما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه (4)بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى، و نقصان من عمى. و اعلموا انّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، و لا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من ادوائكم، [و استعينوا به على لأوائكم]فانّ فيه شفاء من أكبر الداء و هو الكفر و النفاق و الغي و الضلال، فاسألوا اللّه [به]و توجّهوا إليه بحبّه و لا تسألوا به خلقه، انّه ما توجّه العباد إلى اللّه بمثله، و اعلموا انه شافع مشفّع، و قائل مصدّق، و انّه من شفع له القرآن (5)يوم القيامة شفّع فيه، و من محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه، فانّه ينادي مناد يوم القيامة: الا انّ
ص:8
كلّ حارث مبتلى في حرثه و عاقبة عمله غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته و اتباعه، و استدلّوه على ربّكم، و استنصحوه على انفسكم، و اتّهموا عليه آراءكم، و استغشّوا فيه أهواءكم (1).
ثم انّ من السنن المؤكّدة في الشريعة المطهّرة تعلّم القرآن الكريم و تعليمه و قراءته، و قد وردت الأوامر الأكيدة بذلك، و انه ينبغي للمؤمن ان لا يموت حتّى يتعلّم القرآن أو أن يكون في تعليمه (2). و انّه لا يعذّب اللّه قلبا وعى القرآن (3). و انّ خياركم من تعلّم القرآن و علّمه (4). و ان هذا القرآن مأدبة اللّه تعالى فتعلّموا مأدبته ما استطعتم، و انّ هذا القرآن حبل اللّه المتين [و هو النور المبين]، و الشفاء النافع، عصمة لمن تمسّك به، و نجاة لمن تبعه (5). و انّكم إن اردتم عيش السعداء، و موت الشهداء، و النجاة يوم الحشر، و الظلّ يوم الحرور، و الهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنّه كلام الرحمن و حرز من الشيطان، و رجحان في الميزان (6). و انّ معلّم القرآن و متعلّمه يستغفر له كلّ شيء حتّى الحوت في البحر (7). و تقدّم في الفصل الأول إن من حقوق الوالد على ولده ان يعلّمه القرآن، و ورد انّه ما من رجل علّم ولده القرآن إلاّ توج اللّه أبويه يوم القيامه بتاج الملك، و كسيا حلّتين لم ير الناس مثلهما (8). و انّ والدي القاري ليتوّجان بتاج الكرامة، يضىء نوره
ص:9
من مسيرة عشرة آلاف سنة، و يكسيان حلّة لا يقوّم لأقلّ سلك منها مائة ألف ضعف ما في الدنيا بما يشتمل عليه من خيراتها ثم يعطى هذا القاري الملك بيمينه. . إلى أن قال: فإذا نظر والداه الى حليتهما و تاجيهما قالا: ربّنا انّى [لنا]هذا الشرف و لم تبلغه أعمالنا؟ فيقول لهما كرام ملائكة اللّه عن اللّه عزّ و جلّ: هذا لكما بتعليمكما ولدكما القرآن (1). و انّ من علّم ولده القرآن فكأنّما حجّ البيت عشرة آلاف حجّة، و اعتمر عشرة آلاف عمرة، و اعتق عشرة آلاف رقبة من ولد إسماعيل، و غزا عشرة آلاف غزوة، و أطعم عشرة آلاف مسكين مسلم جايع، و كأنّما كسا عشرة آلاف عار مسلم، و يكتب له بكلّ حرف عشر حسنات، و يمحو اللّه عنه عشر سيئات، و يكون معه في قبره حتى يبعث، و يثقل ميزانه، و يجاوز به على الصراط كالبرق الخاطف، و لم يفارقه القرآن حتّى ينزل به من الكرامة أفضل ما يتمنّى (2). و ان العبد المملوك إذا أحسن القرآن فعلى سيّده ان يرفق به، و يحسن صحبته (3)، و انّه إذا قال المعلّم للصبيّ قل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فقاله الصبيّ كتب اللّه براءة للصبيّ و براءة لأبويه، و براءة للمعلّم من النّار (4). و ورد انّ اللّه سبحانه ليهم بعذاب أهل الارض جميعا حتى لا يحاشي منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي و اجترحوا السيئات، فإذا نظر الى الشيّب ناقلي أقدامهم الى الصلوات و الولدان يتعلّمون القرآن رحمهم فأخّر ذلك عنهم (5). و ورد انّ من مات من أولياء أهل البيت عليهم السّلام و شيعتهم و لم
ص:10
يحسن القرآن علّم القرآن في قبره ليرفع اللّه به درجته، فانّ درجات الجنّة على قدر عدد آيات القرآن، فيقال لقاري القرآن: اقرأ و ارق (1).
و ينبغي تعلّم القرآن بعربيته و عدم اللّحن فيه، فان الملحون لا يصعد الى اللّه (2)، نعم ورد عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ الرجل من الاعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته (3). و ورد الأمر الأكيد بقراءة القرآن، و انّها أفضل العبادة (4)، و انّ القرآن يشفع يوم القيامة في قاريه و في من سهر ليله في قراءته، فيشفعه اللّه تعالى فيه، و يدخله الجنّة، و يكسيه حلّة من حلل الجنّة، و يتّوج بتاج (5)، و انّ قاري آية من كتاب اللّه-و هو معتقد- أفضل ممّا دون العرش إلى أسفل التخوم. و انّ اللّه يدفع عن قاري القرآن بلوى الآخرة (6)، و انّ اللّه خلق الجنة بيده لبنة من ذهب و لبنة من فضّة جعل ملاطها المسك، و ترابها الزعفران، و حصياتها اللؤّلؤ، و جعل درجاتها على قدر آيات القرآن، فمن قرأ القرآن قال له اقرأ و ارق، و من دخل منهم الجنّة لم يكن في
ص:11
الجّنة أعلى درجة منه ما خلا النبيين و الصديقين (1)، و ان قراءته كفّارة الذنوب، و ستر من النّار، و أمان من العذاب، و يكتب لمن قرأ بكل آية ثواب مائة شهيد، و يعطى بكل سورة ثواب نبيّ مرسل، و تنزل على صاحبه الرحّمة، و تستغفر له الملائكة، و اشتاقت إليه الجّنة، و رضى عنه المولى. و ان المؤمن إذا قرأ القرآن نظر اللّه إليه بالرحمة، و أعطى بكلّ آية ألف حور، و أعطاه بكل حرف نورا على الصراط، فإذا ختم القرآن أعطاه اللّه ثواب ثلاثمائة و ثلاثة عشر نبّيا بلّغوا رسالات ربّهم، و كأنّما قرأ كلّ كتاب أنزل على أنبيائه، و حرم اللّه جسده على النّار، و لا يقوم من مقامة حتّى يغفر اللّه له و لأبويه، و أعطاه بكلّ سورة في القرآن مدينة في جنة الفردوس، كلّ مدينة من دّرة خضراء، في جوف كلّ مدينة ألف دار، في كلّ دار مائة ألف حجرة، في كل حجرة مائة ألف بيت من نور، على كلّ بيت مائة ألف باب من الرحمة، على كل باب مائة بواب، بيد كل بواب هدّية من لون آخر، و على رأس كل بوابّ منديل من إستبرق خير من الدّنيا و ما فيها، و في كلّ بيت مائة ألف دكان من العنبر، سعة كل دكان ما بين المشرق و المغرب، و فوق كلّ دكان مائة ألف سرير، و على كل سرير مائة ألف فراش، من الفراش إلى الفراش ألف ذراع، و فوق كل فراش حوراء عيناء استدارة عجيزتها ألف ذراع، و عليها مائة ألف حلّة، يرى مخّ ساقيها من وراء تلك الحلل، و على رأسها تاج من العنبر مكلّل بالدّر و الياقوت، و على رأسها ستون ألف ذوابة من المسك و الغالية، و في أذنيها قرطان و شنفان، و في عنقها ألف قلادة من الجوهر بين كل قلاده ألف ذراع، و بين يدي كلّ حوراء ألف خادم، بيد كلّ خادم كأس من ذهب، في كلّ كأس مائة ألف لون من الشراب لا يشبه بعضه بعضا، و في كل بيت ألف مائدة، و في كلّ مائدة ألف قصعة، و في كلّ قصعة ألف لون من الطعام لا يشبه بعضه بعضا، يجد وليّ اللّه
ص:12
من كلّ لون مائة ألف لذّة. و انّ المؤمن إذا قرأ القرآن فتح اللّه عليه أبواب الرحمة، و خلق اللّه بكل حرف يخرج من فمه ملكا يسبّح له الى يوم القيامة (1). و انّ العبد يؤجر بكلّ حرف منه لا كلمة عشر حسنات، فيؤجر ب أ ل م ثلاثين حسنة (2). و ورد انّ من قرأ القرآن و هو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه و دمه، و جعله اللّه مع السفرة الكرام البررة، و كان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة يقول: يا ربّ انّ كلّ عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي، فبلّغ به اكرم عطائك، فيكسوه اللّه العزيز الجبّار حلّتين من حلل الجنّة، و يوضع على رأسه تاج الكرامة، ثم يقال له: هل أرضيناك؟ فيقول القرآن: يا رب قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا، فيعطى الأمن بيمينه و الخلد بيساره، ثم يدخل الجنّة فيقال له: اقرأ آية فاصعد درجة، ثم يقال له: هل بلغنا به و ارضيناك؟ فيقول: نعم (3).
و يلزم الاخلاص في تعلّمه و قراءته، و ان يعمل بما فيه، و الاّ كان و بالا عليه.
و قد ورد انّ من تعلّم القرآن، و تواضع في العلم، و علّم عباد اللّه، و هو يريد ما عند اللّه، لم يكن في الجنّة أعظم ثوابا منه و لا أعظم منزلة منه، و لم يكن في الجنة منزل و لا درجه رفيعة و لا نفيسة الاّ و كان له فيها أوفر النصيب و أشرف
ص:13
المنازل (1)، و من تعلّم القرآن يريد به رياء و سمعة ليمارى به السفهاء، او (2)يباهي به العلماء، و يطلب به الدنيا، بلى اللّه عظامه يوم القيامة، و لم يكن في النّار اشدّ عذابا منه، و ليس نوع من أنواع العذاب إلاّ يعذب به من شدة غضب اللّه عليه و سخطه (3)، و من قرأ القرآن ابتغاء وجه اللّه و تفقّها في الدين كان له من الثواب مثل جميع ما أعطي الملائكه و الأنبياء و المرسلون 4. و من قرأ القرآن يريد به السمعة و التماس شيء [الدنيا]لقي اللّه يوم القيامة و وجهه عظم ليس عليه لحم، و زجّ (4)القرآن في قفاه حتّى يدخله النّار، و يهوي فيها مع من هوى (5). و من تعلم القرآن فلم يعمل به، و آثر عليه حبّ الدنيا و زينتها استوجب سخط اللّه، و كان في الدرجة مع اليهود و النصارى الذين ينبذون كتاب اللّه وراء ظهورهم (6)، و من دخل على إمام جائر فقرأ عليه القرآن يريد بذلك عرضا من عرض الدنيا لعن القارىء بكل حرف عشر لعنات، و لعن المستمع بكل حرف لعنة (7). و من قرأ القرآن و لم يعمل به حشره اللّه يوم القيامة أعمى، فيقول: رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ اَلْيَوْمَ تُنْسى (8)، فيؤمر به الى النار (9). و انّه يمثل القرآن يوم القيامة برجل، و يؤتى بالرجل
ص:14
قد كان يضيّع فرائضه و يتعدّى حدوده، و يخالف طاعته، و يركب معصيته، قال: فيستنيل له خصما فيقول: أي ربّ حمل إيّاي شرّ حامل، تعدّى حدودي، و ضيّع فرائضي، و ترك طاعتي، و ركب معصيتي، فما زال يقذف بالحجج حتّى يقال: فشأنك و إيّاه، فيأخذ بيده و لا يفارقه حتى يكبّه على منخره في النّار. و يؤتى بالرجل كان يحفظ حدوده، و يعمل بفرائضه، و يأخذه بطاعته، و يجتنب معاصيه، فيستنيل حباله، فيقول: أي ربّ حمل إيّاي خير حامل، اتّقى حدودي، و عمل بفرائضي و اتّبع طاعتي، و ترك معصيتي فما زال يقذف [له]بالحجج حتّى يقال: فشأنك و إيّاه، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكسوه حلّة الإستبرق، و يعقد على رأسه تاج الملك، و يسقيه بكأس الخلد (1).
و يستحبّ الإكثار من قراءة القرآن، فقد جعل في الأخبار كثرة قراءته من علائم شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام (2). و يتأكد في شهر رمضان للأمر بإكثاره فيه (3)، و يستحب قراءته على كلّ حال (4)، و يتأكد في المساجد و الصلوات، فقد ورد انّ من قرأ القرآن قائما في صلاته كتب اللّه له بكل حرف مائة حسنة، و محا عنه مائة سيّئة، و رفع له مائة درجة (5). و من قرأ في صلاته جالسا كتب اللّه له بكل حرف خمسين حسنة، و محا عنه خمسين سيّئة، و رفع له خمسين درجة. و من قرأ في غير صلاة كتب اللّه له بكلّ حرف عشر حسنات، و من ختمه كلّه كانت له دعوة مستجابة مؤخّرة أو معجّلة 6.
و يستحب قراءة شيء من القرآن في كلّ ليلة، لما ورد من انّ من قرأ
ص:15
عشر آيات في كلّ ليلة لم يكتب من الغافلين، و من قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، و من قرأ مائة آية كتب من القانتين، و من قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، و من قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، و من قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين، و من قرأ ألف آية كتب له قنطار [من تبر]، و القنطار خمسة عشر [خمسون]ألف مثقال من الذهب، المثقال أربعة و عشرون قيراطا أصغرها مثل جبل احد، و أكبرها ما بين السماء و الأرض (1).
و يستحب قراءة خمسين آية فصاعدا منه في كلّ يوم بعد التعقيب، لما ورد من انّه عهد اللّه الى خلقه، فينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، و يقرأ منه في كل يوم إذا أصبح خمسين آية (2). و يستحب ختمه في كلّ ليلة مرّة، أو في كلّ ثلاث مرّة، او في كلّ خمس مرة، لو رود الأمر بكل من ذلك (3)، لكن المستفاد من الأخبار كون الفضل في الأخير، بل ورد عن مولانا الصادق عليه السّلام انّه قال: لا يعجبني ان يقرأ القرآن في اقلّ من شهر (4). و ورد: انّ من كان قبلكم من اصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ القرآن في شهر و أقل، انّ القرآن لا يقرأ هذرمة، و لكن يرتل ترتيلا (5). و يقل رجحان قراءة القرآن في
ص:16
سبعة مواضع: في الركوع، و السجود، و في الكنيف، و في الحمّام، و في حال الجنابة، و الحيض، و النفاس، و يحرم قراءة العزائم في الثلاثة الأخيرة (1).
فمنها: ان يكون على طهارة، فقد ورد انّ: لقارى القرآن بكلّ حرف متطهّرا في غير صلاة خمس و عشرون حسنة، و غير متطهر عشر حسنات (2). بل ورد النهي المحمول على الكراهة عن قراءته بغير طهارة (3).
و منها: الدعاء عند أخذ القرآن باليمين لقراءته قبل نشره بالمأثور، و الأدعية المأثورة عديدة ذكرها في نوادر أبواب القرآن من المستدركات، و نتيمنّ بواحدة منها، و هو «بسم اللّه، اللّهم انّي أشهد انّ هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كتابك الناطق على لسان رسولك، فيه حكمك و شرايع دينك، أنزلته على نبيّك، و جعلته عهدا هاديا منك الى خلقك، و حبلا متّصلا فيما بينك و بين عبادك، اللّهم انّي نشرت عهدك و كتابك، اللّهم فاجعل نظري فيه عبادة، و قراءتي تفكّرا، و فكري اعتبارا، و اجعلني ممّن اتّعظ ببيان مواعظك فيه، و اجتنب معاصيك، و لا تطبع عند قراءتي كتابك على قلبي و على سمعي، و لا تجعل على بصري غشاوة، و لا تجعل قراءتي قراءة لا تدبّر فيها، بل اجعلني أتدبّر آياته و أحكامه، آخذا بشرايع دينك، و لا تجعل نظري فيه غفلة، و لا قراءتي هذرمة، إنك أنت الرؤوف الرحيم» (4).
و منها: الإخلاص في قراءته، كما عرفت آنفا.
ص:17
و منها: الاستعاذة قبل الشروع في قراءته، للأمر بذلك فيه بنص قوله سبحانه فَإِذا قَرَأْتَ اَلْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ اَلشَّيْطانِ اَلرَّجِيمِ (1)، و ورد في تفسيره ان من تأدّب بأدب اللّه أدّاه الى الفلاح الدائم (2)، و انّ الرجيم أخبث الشياطين (3). و الأفضل الاستعاذة في افتتاح كلّ سورة ايضا، لو روده بالخصوص (4).
و منها: البسملة قبل الشروع في قراءته، لما نطق من الأخبار بفضل ابتداء كل أمر بها، و لعظم فضلها، فقد ورد انّ من اراد ان ينجيه اللّه من الزبانية فليقرأ: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم تسعة عشر حرفا، ليجعل اللّه بكلّ حرف منها جنّة من واحد منهم (5). و انّ من قرأ: بسم اللّه الرحمن الرحيم كتب اللّه له بكلّ حرف أربعة آلاف حسنة، و محا عنه أربعة آلاف سيّئة، و رفع له أربعة آلاف درجة (6)، و تحفظه الملائكة الى الجنّة (7). و هو شفاء من كلّ داء (8). و ان من قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم بنى اللّه له في الجنّة سبعين ألف قصر من ياقوتة حمراء، في كلّ قصر الف (9)بيت من لؤلؤة بيضاء، في كلّ بيت سبعون ألف سرير من زبرجدة خضراء، فوق كلّ سرير سبعون ألف فراش من سندس و إستبرق، و عليه زوجة من الحور العين، و لها سبعون ألف ذوابة مكلّلة بالدرّ و الياقوت،
ص:18
مكتوب على خدّها الأيمن: محمّد رسول اللّه، و على خدّها الأيسر: عليّ وليّ اللّه، و على جبينها الحسن، و على ذقنها: الحسين، و على شفتيها: بسم اللّه الرحمن الرحيم، و هي لمن يقول بالحرمة و التعظيم: بسم اللّه الرحمن الرحيم (1)، و انّ من كان في صحيفته قبضة: بسم اللّه أعتقه اللّه من النّار، و القبضة مائة مرّة (2).
و منها: ترتيله، لقوله سبحانه: وَ رَتِّلِ اَلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (3)و فسّره أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله عليه السّلام: بيّنه تبيانا و لا تهذّه هذّ الشعر، و لا تنثره نثر الرمل، و لكن افزعوا به قلوبكم القاسية، و لا يكن همّ أحدكم آخر السورة (4). و ورد انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله كان يقطع قراءته آية آية (5). و قال الصادق عليه السّلام: يكره ان يقرأ: قل هو اللّه أحد في نفس واحد (6).
و منها: التفكّر في معانيه عند قراءته، لما ورد من انّ هذا القرآن فيه منار الهدى، و مصابيح الدجى، فليجل جال بصره، و يفتح للضياء نظره، فان التفكّر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور (7). و ورد ان هذا القرآن خزائن العلم، فكلّما فتحت خزائنه فينبغي لك ان تنظر فيها (8).
و منها: قراءته بالحزن كأنه يخاطب إنسانا، لما ورد من انه: نزل بالحزن،
ص:19
فاقرأوه بالحزن (1). و روى عن حفص انه قال: ما رأيت أحدا أشد خوفا على نفسه من موسى بن جعفر عليهما السّلام، و لا أرجى الناس منه، و كانت قراءته حزنا و كأنّه يخاطب إنسانا (2). و قال الصادق عليه السّلام: من قرأ القرآن و لم يخضع للّه، و لم يرقّ قلبه، و لا يكتسى حزنا و وجلا في سرّه، فقد استهان بعظم شأن اللّه تعالى، و خسر خسرانا مبينا (3).
و منها: ما تضمنه قول الصادق عليه السّلام متّصلا بكلامه المذكور: فقارىء القرآن يحتاج الى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، و بدن فارغ، و موضع خال، فاذا خشع للّه قلبه فرّ منه الشيطان الرجيم، قال اللّه تعالى فَإِذا قَرَأْتَ اَلْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ اَلشَّيْطانِ اَلرَّجِيمِ و إذا تفرغ قلبه من الأسباب تجرّد قلبه للقراءة، فلا يعرضه عارض فيحرم بركة نور القرآن و فوائده، و اذا اتخذ مجلسا خاليا، و اعتزل من الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الأوليين استأنس روحه و سرّه، و وجد حلاوة مخاطبة اللّه [عزّ و جلّ]عباده الصالحين، و علم لطفه بهم، و مقام اختصاصه بهم، بفنون كراماته و بدايع إشاراته، فإذا شرب كأسا من هذا الشراب حينئذ لا يختار على ذلك الحال حالا، و لا على ذلك الوقت وقتا، بل يؤثره على كلّ طاعة و عبادة، لأن فيه المناجاة مع الربّ بلا واسطة (4).
و منها: استشعار الرقّة و الخوف و الوجل، و كراهة اظهار الغشية و نحوها، لما ورد عن جابر قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إنّ قوما إذا ذكروا شيئا
ص:20
من القرآن أو حدّثوا به صعق أحدهم حتى ترى أن أحدهم لو قطعت يداه و رجلاه لم يشعر بذلك، فقال: سبحان اللّه ذلك من الشيطان، ما بهذا نعتوا، إنما هو اللّين و الرقّة و الدمعة و الوجل (1).
و منها: الوقوف عند آية فيها ذكر النار، و التعوّذ باللّه من النّار، و الوقوف على آية فيها ذكر الجنة و سؤال الجنّة 2، للأمر بذلك في آداب قراءة القرآن، و ورد مع الوقوف في الموضعين البكاء أيضا.
و منها: الدعاء-بعد الفراغ من قراءة بعض القرآن-بالمأثور، و الأدعية المأثورة عديدة مذكورة في نوادر أبواب القرآن من المستدركات نتيمّن منها بواحدة و هو «اللّهم انّي قد قرأت ما قضيت لي من كتابك الذي أنزلته على نبيّك محمّد صلواتك عليه و آله و رحمتك، فلك الحمد ربّنا، و لك الشكر و المنّة على ما قدّرت و وفّقت، اللهمّ اجعلني ممّن يحلّ حلالك، و يحرّم حرامك، و يجتنب معاصيك، و يؤمن بمحكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه، و اجعله لي شفاء و رحمة و حرزا و ذخرا، اللهمّ اجعله لي أنسا في قبري، و أنسا في حشري، و أنسا في نشري، و اجعل لي بركة بكل آية قراتها، و ارفع لي بكل حرف درسته درجة في أعلى عليّين، آمين يا ربّ العالمين. اللّهم صلّ على محمّد نبيّك و صفيّك و نجيّك و دليلك، و الداعي الى سبيلك، و على أمير المؤمنين وليّك، و خليفتك من بعد رسولك، و على أوصيائهما المستحفظين دينك، المستودعين حقّك، المسترعين خلقك، و عليهم أجمعين السّلام و رحمة اللّه و بركاته» 3.
ص:21
و منها: الدعاء عند ختم القرآن بالمأثور، و قد سطر جملة من الأدعية المأثورة في الموضع المذكور من المستدركات، و نقتصر هنا على أخصرها الذّي كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقرأه عند ختم القرآن، و هو: «اللهمّ اشرح بالقرآن صدري، و استعمل بالقرآن بدني، و نوّر بالقرآن بصري، و أطلق بالقرآن لساني، و أعنّي عليه ما أبقيتني، فإنّه لا حول و لا قوة إلاّ بك» (1).
و منها: اجتناب القاري من المعاصي، لما ورد من ان في جهنّم رحى من حديد تطحن بها رؤوس العلماء الفجرة و القراء الفسقة. الخبر (2).
و انّ في جهنّم لواديا يستغيث منه أهل النّار كلّ يوم سبعين ألف مرّة، و في ذلك الوادي بيت من نار، و في البيت جبّ من النّار، و في الجبّ تابوت من النّار، و في التابوت حيّة لها ألف رأس في كل رأس الف فم، في كلّ فم عشرة آلاف ناب، و كلّ ناب ألف ذراع، يكون هذا العذاب لشارب الخمر من حملة القرآن (3).
و يجوز القراءة سرّا و جهرا، و قد ورد أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله أبا ذر بخفض الصوت عند قراءة القرآن (4). و ورد انّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان يرفع صوته حتّى يسمعه أهل الدار. و انّ أبا جعفر عليه السّلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان إذا قام من
ص:22
الليل قرأ و رفع صوته، فيمرّ به مارّ الطريق من المنافقين و غيرهم، فيقومون و يستمعون الى قراءته (1). و ورد انّ من قرأ: «إنّا أنزلناه» يجهر بها صوته كان كالشاهر سيفه في سبيل اللّه، و من قرأها سرّا كان كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه (2).
و الأقوى حرمة الغناء في القرآن (3). نعم، يستحب تحسين الصوت به، للأمر به معلّلا بانّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا (4). و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: اقرأوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إيّاكم و لحون أهل الفسوق و أهل الكبائر (5).
و ينبغي الإنصات لقراءة من قرأ جهرا، لقوله سبحانه وَ إِذا قُرِئَ اَلْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (6). و يستحب الاستماع لقراءة القرآن. و قد ورد: ان من استمع القرآن كتب اللّه له بكلّ حرف حسنة، و محا عنه سيّئة، و رفع له درجة (7). و انّ اللّه يدفع عن مستمع القرآن بلوى الدنيا (8)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: من استمع آية من القرآن خير له من تبير ذهبا. و تبير اسم
ص:23
جبل عظيم بمكة [كما جاء في لسان العرب (1)]. و قوله صلّى اللّه عليه و آله: يدفع عن مستمع القرآن شرّ الدنيا، و يدفع عن تالي القرآن بلوى الآخرة، و المستمع آية من كتاب اللّه خير من بثير ذهبا (2). و ورد أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال لسامع آية من كتاب اللّه و هو معتقد: و الذّي نفس محمد صلّى اللّه عليه و آله بيده أعظم أجرا من ثبير ذهبا يتصدّق به (3). و انّ من قرأها معتقدا لموالاة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آله اعطاه اللّه بكلّ حرف منها حسنة، كلّ واحدة منها أفضل من الدنيا و ما فيها من أصناف أموالها و خيراتها، و من استمع الى قارىء يقرأها كان له قدر ما للقارىء، و انّ القارىء و المستمع في الأجر سواء، فليستكثر أحدكم من هذا الخير (4).
و يستحب البكاء أو التباكي عند الاستماع، لما ورد من انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتى شبابا من الأنصار فقال: إنّي أريد أن أقرأ عليكم، فمن بكى فله الجنّة، فقرأ آخر الزمر وَ سِيقَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً. . . إلى آخر السورة، فبكى القوم جميعا إلاّ شابا فقال: يا رسول اللّه قد تباكيت فما قطرت عيني، قال: انّي معيدها عليكم فمن تباكى فله الجنّة، فأعاد عليهم فبكى القوم و تباكى الفتى فدخلوا الجنّة جميعا (5).
و يستحبّ حفظ القرآن على ظهر الخواطر و تحمّل المشقّة في ذلك؛ و قد ورد انّ الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة (6). و انّ من استظهر
ص:24
القرآن و حفظه و أحلّ حلاله و حرّم حرامه أدخله اللّه به الجنّة، و شفّعه في عشرة من أهل بيته، كلّهم قد وجب له النّار (1). و انّ من يعالج القرآن و يحفظه بمشقّة منه و قلّة حفظه له أجران (2). و قد مثّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله القلب الذّي فيه إيمان و ليس فيه قرآن بالثمرة الطيب طعمها التّى لا ريح لها، و القلب الذّي فيه قرآن و إيمان بجراب المسك، ان فتح فتح طيبا و ان دعي دعي طيبا، و القلب الذي فيه قرآن و لا إيمان فيه بالاشنه طيّب ريحها و خبيث طعمها، و الذي لا إيمان فيه و لا قرآن بالحنظلة خبيث ريحها و طعمها (3). و ورد انّ اللّه لا يعذب قلبا أسكنه القرآن (4). و انّ من قرأ القرآن عن حفظه ثم ظنّ انّ اللّه تعالى لا يغفره فهو ممّن استهزأ بآيات اللّه (5). و ورد المنع عن تركه تركا يؤدّي الى النسيان، و انّ المنسيّ يجيء يوم القيامة و يسلّم على الناسي و يقول له: لو لم تنسني لرفعتك (6)الى مكاني (7). و ورد انّ من تعلّم القرآن ثم نسيه لقى اللّه يوم القيامه مغلولا، يسلط اللّه عليه بكل آية منها حيّة تكون قرينة الى النّار الاّ ان يغفر له (8). و ينبغي حمله على النسيان إعراضا و رغبة عنه، لا لطرو الموانع من تكراره و بقائه في قالب الحفظ و الحوادث المشغلة للفكر، بقرينة ما ورد من نفي الحرج و البأس عن نسيان القرآن (9).
ص:25
و وردت أدعية و صلوات لمن أراد حفظ القرآن و عدم نسيانه أوردوها في باب نوادر أبواب القرآن من المستدركات، طوينا نقلها لقلّة الراغبين فيها، من أرادها راجع الكتاب المذكور.
و يستحب القراءة في المصحف و ان كان حافظا للقرآن، لما ورد من أنّ من قرأ القرآن في المصحف متّع ببصره و خفّف العذاب على والديه (1)و ان كانا كافرين (2). و انّ به يعالج الرمد (3). و انّ النظر في المصحف عبادة (4). و انّه ليس شيء أشّد على الشيطان من القراءة في المصحف نظرا (5). و من هنا استحب لمن لا يقدر على قراءة القرآن ان يفتحه و ينظر فيه، لأنّ النظر إليه من غير قراءة عبادة.
و يستحب اتخّاذ مصحف في البيت يطرد اللّه عزّ و جلّ به الشياطين (6)، و يكره ترك القراءة فيه، لما ورد من انّ ثلاثة يشكون إلى اللّه عزّ و جلّ: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، و عالم بين جهّال، و مصحف معلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه (7).
و يستحب تبريك البيت و المنزل بقراءة القرآن فيه، و يكره اخلاؤه
ص:26
و تعطيله منه و من الصلاّة و الذكر و الدعاء، كما اخلى اليهود و النصارى بيوتهم عن العبادة و حصروها بالبيع و الكنايس (1). و قد ورد انّ البيت الذّي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللّه عزّ و جلّ فيه تكثر بركته و خيره، و يسر على أهله، و يكون سكانّه في زيادة، و تحضره الملائكة، و تهجره الشياطين، و يضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الارض (2). و ان البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر اللّه عزّ و جلّ فيه تقلّ بركته و خيره، و يضيق على أهله، و يكون سكاّنه في نقصان، و تهجره الملائكة، و تحضره الشياطين (3).
و يستحب إهداء ثواب قراءة القرآن إلى النبّي صلّى اللّه عليه و آله و الأئّمة عليهم السّلام و المؤمنين من الأحياء و الأموات. و ورد انّ علي بن المغيرة قال لأبي الحسن عليه السّلام-في حديث ما حاصله-: إنّي أختم في شهر رمضان أربعين ختمة أو أقلّ أو أكثر، فإذا كان يوم الفطر جعلت لرسول اللّه ختمة، و لعليّ عليه السلاّم ختمة أخرى، و لفاطمة ختمة أخرى، ثم للأئمة عليهم السّلام حتى انتهيت إليك فصيّرت لك واحدة منذ صرت في هذه الحال، فأيّ شيء لي بذلك؟
قال: لك بذلك ان تكون معهم يوم القيامة، قلت: اللّه أكبر فلي بذلك؟ ! قال: نعم. . ثلاث مرات (4).
و لا بأس بكتابة القرآن و غسله و شربه و الاستشفاء به، كما لا بأس
ص:27
بالرقية و العوذة و النشرة إذا كانت من القرآن أو الذكر، كما نصّ بذلك مولانا الصادق عليه السّلام معلّلا بأنّ من لم يشفه القرآن فلا شفاه اللّه (1). و انّه هل شيء أبلغ في هذه الأشياء من القرآن؟ أ و ليس اللّه يقول: وَ نُنَزِّلُ مِنَ اَلْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (2)؟ أ ليس يقول اللّه جلّ شأنه لَوْ أَنْزَلْنا هذَا اَلْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اَللّهِ (3)؟ .
و قد أورد جملة من الروايات الواردة في كتابة جملة من الآيات و السور و غسله و شربه لجملة من الأمراض في الباب الثالث و الثلاثين من أبواب القراءة في غير الصلاة من المستدركات، و في المجلد التاسع عشر من البحار و غيرهما، فلاحظ.
و ورد النهي عن التّعوذ بشيء من الرقى غير القرآن و الذكر، لأنّ كثيرا من الرقى و التمائم شرك (4).
و يكره محو شيء من كتاب اللّه بالبزاق، و كذا كتابته بالبزاق (5).
و لا بأس بالاستخارة بالمصحف، لما ورد من أمره عليه السّلام بفتحه و النظر إلى أوّل ما يرى منه و الأخذ به (6). و يأتي شرحه في ذيل آداب السفر في الاستخارات إن شاء اللّه تعالى.
و يجب إكرام القرآن و تعظيمه، و يحرم إهانته و تحقيره، و قد ورد انّ القرآن أفضل كلّ شيء دون اللّه، فمن وقّر القرآن فقد وقّر اللّه، و من لم يوقّر القرآن
ص:28
فقد استخّف بحرمة القرآن، و ان حرمة القرآن على اللّه كحرمة الوالد على ولده (1). و انّ اللّه عزّ و جلّ اذا جمع الأولين و الآخرين اذا هم بشخص قد أقبل لم ير قطّ أحسن صورة منه، فإذا نظر إليه المؤمنون-و هو القرآن-قالوا: هذا منّا، هذا أحسن شيء رأينا، فإذا انتهى إليهم جازهم. . إلى ان قال: حتّى يقف عن يمين العرش فيقول الجبّار عزّ و جلّ: و عزّتي و جلالي و ارتفاع مكاني لأكرمّن اليوم من أكرمك، و لأهينّن من أهانك (2). و انّ من قرأ القرآن فظّن أنّ أحدا أعطى أفضل ممّا أعطى، فقد حقّر ما عظّم اللّه، و عظّم ما حقّر اللّه (3). و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نادى بأعلى صوته: يا حامل القرآن تواضع به يرفعك اللّه، و لا تعزّز (4)به فيذلّك اللّه (5). و ورد النهي عن التعبير عن المصحف بالمصيحف (6)، و لعلّه لما في التصغير من الإشعار بالاستصغار.
و يجب إكرام أهل القرآن، و يحرم إهانتهم و استضعافهم، لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميّين ما خلا النبيّين و المرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم فانّ لهم من اللّه العزيز الجبّار لمكانا (7). و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أشراف (8)أمتّي حملة القرآن، و أصحاب الليّل (9). و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: حملة القرآن عرفاء أهل
ص:29
الجّنة (1). و قوله صلّى اللّه عليه و آله: حملة القرآن المخصوصون برحمة اللّه، الملبسون نور اللّه، المعلّمون كلام اللّه، المقربّون عند اللّه، من والاهم فقد والى اللّه، و من عاداهم فقد عادى اللّه 2. و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا ينبغي لحامل القرآن أن يظن انّ أحدا أعطي أفضل ممّا أعطي، لأنّه لو ملك الدنيّا بأسرها لكان القرآن أفضل ممّا ملكه 3. و قال صلّى اللّه عليه و آله: إن أكرم العباد إلى اللّه عزّ و جلّ بعد الأنبياء العلماء ثم حملة القرآن، يخرجون من الدنيا كما يخرج الأنبياء، و يحشرون من قبورهم مع الأنبياء، و يمّرون على الصراط مع الأنبياء، و يأخذون ثواب الأنبياء، فطوبى لطالب العلم، و حامل القرآن ممّا لهم عند اللّه من الكرامة و الشرف 4. و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يوضع يوم القيامة منابر من نور، و عند كلّ منبر نجيب من نجب الجّنة، ثم ينادي مناد من قبل ربّ العزّة: أين حملة كتاب اللّه اجلسوا على هذه المنابر، فلا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون حتى يفرغ اللّه من حساب الخلائق، ثم اركبوا على هذه النجب و اذهبوا إلى الجنّة 5. و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: العبد المملوك إذا أحسن القرآن فعلى سيّده أن يرفق به و يحسن صحبته.
و قد ورد من طرقنا ذكر فوائد لجملة من السور و الآيات القرآنيّة، و لا يمكن استقصاؤها هنا، و قد مرّ في الفصل الخامس ذكر ما يستحب قراءته من السور و الآيات عند النوم و ذكر فوائدها، كما مرّ في المقام الثالث من الفصل
ص:30
السادس ذكر ما يستحب قراءته من السور في نافلة الليل، و في المقام الثامن منه ما ينبغي ان يقرأ منها في ساير الصلوات. و ورد التأكيد في قراءة جملة من السور على الإطلاق (1)، و لا بأس بالإشارة إلى عدة منها:
و تسمّى سورة فاتحة الكتاب أيضا، و قد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: و الذّي نفسي بيده، ما أنزل اللّه في التوراة و الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان مثلها، هي أمّ الكتاب، و أمّ القرآن، و هي السبع المثاني، و هي مقسومة بين اللّه و بين عبده، و لعبده ما سأل (2). و ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله: انّ أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كأنّما قرأ ثلثي القرآن، و أعطي من الأجر كأنّما تصدّق على كلّ مؤمن و مؤمنة. و انّه لو انّ فاتحة الكتاب وضعت في كفّة الميزان و وضع القرآن في كفّة لرجحت فاتحة الكتاب سبع مرّات (3). و انّ فضل سورة الحمد كفضل حملة العرش، من قرأها أعطاه اللّه ثواب حملة العرش (4). و ان: اسم اللّه الأعظم مقطّع في هذه السورة (5). و ان من قرأها فتح اللّه له خير الدنّيا و الآخرة (6)، و أعطاه بعدد كلّ آية نزلت من السماء، فيجزي
ص:31
بها ثوابها (1). و ورد انّها أفضل ما في كنوز العرش (2)، و قد خصّ بها محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و شرّفه و لم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه، ما خلا سليمان، فانه أعطاه منها بسم اللّه الرحمن الرحيم، أ لا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ* إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ (3)، الا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد و آله الطيّبين صلوات اللّه عليهم أجمعين، منقادا لأمرهم، مؤمنا بظاهرهم و باطنهم أعطاه اللّه عزّ و جلّ بكل حرف منها حسنة، كلّ حسنة منها أفضل له من الدّنيا بما فيها من أصناف أموالها و خيراتها، و من استمع إلى قاري يقرأها كان له قدر ثلث ما للقاري، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض له فإنه غنيمته، لا يذهبن أوانه فتبقى في قلوبكم الحسرة (4).
و ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: فاتحة الكتاب أعطاها اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمّته، بدأ فيها بالحمد و الثناء عليه، ثم ثنى بالدعاء للّه عزّ و جلّ، و لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: قال اللّه: قسمت الفاتحة بيني و بين عبدي، فنصفها لي، و نصفها لعبدي، و لعبدي ما سأل، إذا قال العبد: بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ قال اللّه عزّ و جلّ: بدأ عبدي باسمي، و حقّ علّي ان أتمّم [له]أموره و أبارك له في أحواله، فإذا قال: اَلْحَمْدُ
ص:32
لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ قال اللّه جلّ جلاله: حمدني عبدي، و علم انّ النعم الّتي له من عندي و انّ البلايا دفعت عنه فبتطّولي، أشهدكم انّي أضيف له نعم الدنيا إلى نعم الآخرة، و أدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال: اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ قال اللّه عزّ و جلّ: شهد لي بأنّي الرحّمن الرّحيم، أشهدكم لأوفّرن من رحمتي حظّه و لا جزلّن من عطائي نصيبه، فإذا قال: مالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ قال اللّه جلّ جلاله: أشهدكم كما اعترف بأنّي أنا المالك ليوم الدّين لأسهلّن يوم الحساب حسابه، و لأقبلّن حسناته، و لأتجاوّزن عن سيّئاته، فإذا قال العبد: إِيّاكَ نَعْبُدُ قال عزّ و جلّ: صدق عبدي ايّاي يعبد، لاثيبّنه عن عبادته ثوابا يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي، فإذا قال: وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ قال اللّه عزّ و جلّ: استعان بي و اليّ التجأ، أشهدكم لأعيننه على أمره، و لا غيثنه في شدائده، و لآخذن بيده يوم القيامة عند نوائبه، فإذا قال: اِهْدِنَا اَلصِّراطَ اَلْمُسْتَقِيمَ. . إلى آخر السورة قال اللّه عزّ و جلّ: هذا لعبدي، و لعبدي ما سأل، فقد استجبت لعبدي، و أعطيته ما أمّل، و أمنّته ممّا منه و جل (1). و قد مرّ في الفصل الخامس استحباب قراءتها عند النوم، و يأتي في آداب المرض من الفصل اللاحق انّ في قراءة سورة الحمد شفاء من كلّ داء إن شاء اللّه تعالى.
و منها: سورة التوحيد (2):
و تسمى: سورة الإخلاص أيضا، و قد ورد انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: كنت أخشى العذاب بالليل و النهار حتى جاءني جبرئيل بسورة: قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ فعلمت انّ اللّه لا يعّذب أمتّي بعد نزولها، فإنّها نسبة اللّه
ص:33
عزّ و جلّ (1). و انّ الملائكة ما مرّت بها إلاّ خرّوا سجّدا. و انّه ما من أحد يقرأها إلاّ و كلّ اللّه عزّ و جلّ به مائة ألف ملك يحفظونه من بين يديه و من خلفه، و يستغفرون له، و يكتبون له الحسنات إلى يوم يموت، و يغرس له بكل حرف نخلة، و على كلّ نخلة مائة ألف شمراخ، و على كل شمراخ عدد رمل عالج بسر، و كلّ بسرة مثل قلة من قلال الهجر، يضيء نورها ما بين السماء و الأرض، و النخله من ذهب أحمر، و البسر من درّة حمراء، و و كلّ اللّه تعالى ألف ملك يبنون له المداين و القصور، و يمشي على الأرض و هي تفرح به، و يموت مغفورا له، و اذا قام بين يدي اللّه عزّ و جلّ قال له: ابشر قرير العين بمالك عندي من الكرامة، فتعجب الملائكة لقربه من اللّه عزّ و جلّ. و انّ قراءة هذه السورة براءة من النّار، و من قرأها شهد له سبعون ألف ألف ملك، و يقول اللّه عزّ و جلّ: ملائكتي انظروا ما ذا يريد عبدي-و هو أعلم بحاجته-و من أحبّ قراءتها كتبه اللّه من الفائزين القانتين، فاذا كان يوم القيامة قالت الملائكة: يا ربّنا عبدك هذا كان يحبّ نسبتك، فيقول: لا يبقى منكم ملك الا شيّعه الى الجنة، فيزفّونه كما تزف العروس الى بيت زوجها، فإذا دخل الجنّة و نظرت الملائكة الى درجاته و قصوره يقولون: ما لهذا العبد أرفع منزلا من الذّين كانوا معه؟ فيقول اللّه تعالى: أرسلت الانبياء و أنزلت معهم كتبي و بيّنت لهم ما أنا صانع لمن آمن بي من الكرامة، و أنا معذّب من كذّبني، و كلّ من أطاعني يصل الى جنّتي، و ليس كل من دخل الى جنّتي يصل الى هذه الكرامة، أنا اجازي كلا على قدر أعمالهم من الثواب، إلاّ أصحاب سورة الإخلاص، فإنّهم كانوا يحبّون قراءتها آناء الليل و النّهار، فلذلك فضّلتهم على ساير أهل الجنّة، فمن مات على حبّها يقول اللّه عزّ و جلّ: من يقدر على أن يجازي عبدي، أنا الملىء، أنا أجازيه، فيقول: عبدي أدخل
ص:34
جنّتي، فاذا دخلها يقول: الحمد للّه الذي صدقنا وعده (1). و ورد انّ من قرأها أعطاه اللّه بعدد آياته نورا في الآخرة تضيء له الجنّة، و قيل له: هلمّ الى الجنة بغير حساب، و نفت عنه الفقر، و اشتدّت اساس دوره، و نفعت جيرانه، و برىء من النفاق، و هي رحمة بالثبات على الإخلاص، و أعاذه اللّه من الشيطان، و حرّمه على النار، و هي المانعة تمنع من عذاب القبر و نفخات النّار. و ورد انّ من قرأها لم يفتقر أبدا (2). و انّ من قرأها مرّة بورك عليه، و زوجه اللّه بكلّ حرف منها سبعمائة حوراء، و من قرأها مرّتين بورك عليه و على أهله، و غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، و كأنّما أعتق ألفي ألف رقبة من ولد إسماعيل، و كأنّما رابط في سبيل اللّه ألفي ألف عام، و كأنّما حجّ البيت سبعمائة مرّة، و إن مات من يومه و ليلته مات شهيدا، و من قرأها ثلاث مرّات بورك عليه و على جيرانه، و كأنّما قرأ جميع الكتب المنزلة على أنبيائه، و كتب له صيام الدهر و قيامه، و من قرأها اثنتي عشرة مرّة بنى اللّه له اثنى عشر قصرا في الجنة، فتقول الحفظة: اذهبوا بنا الى قصور فلان أخينا فننظر إليها، و من قرأها مائة مرّة غفرت له ذنوب خمس و عشرين سنة ما خلا الدماء و الأموال، و رأى منزله في الجنّة قبل ان يخرج من الدنيا، و كتب له عمل خمسين نبيّا، و كتب له براءة من النّار، و من قرأها أربعمائة مرّة جعلها اللّه كفّارة اربعمائة سنة من ذنوبه إلاّ الدّماء و المظالم، و كان له أجر أربعمائة شهيد كلّهم قد عقر جواده، و أريق دمه، و من قرأها الف مرّة في يوم و ليلته لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة، أو يرى له (3). و ورد انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله صلّى على سعد بن معاذ و قال: و قد وافى من الملائكة سبعون ألفا منهم جبرئيل يصلّون عليه، فقلت له: يا جبرئيل بم يستحق صلاتكم عليه؟ فقال
ص:35
بقراءة « قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ » قائما و قاعدا و راكبا و ماشيا و ذاهبا و جائيا (1).
و ورد انّ « قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ » ثلث القرآن (2). و انّ من قرأها مرّة واحدة فكأنّما قرأ ثلث القرآن و ثلث التوراة و ثلث الإنجيل و ثلث الزبور (3). و انّ من قرأها مرّة فقد قرأ ثلث القرآن، و من قرأها مرّتين فقد قرأ ثلثي القرآن، و من قرأها ثلاثا فقد ختم القرآن (4). و أمر الصادق عليه السّلام المفضّل بن عمر بان يحتجز من الناس كلّهم بالبسملة و التوحيد، يقرأها عن يمينه، و عن شماله، و من بين يديه، و من خلفه، و من فوقه، و من تحته، و ان يقرأها إذا دخل على سلطان حين ينظر اليه ثلاث مرات، و يعقد بيده اليسرى، ثم لا يفارق المعقود حتى يخرج من عنده (5). و قال أبو الحسن موسى عليه السّلام: من قدم « قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ » بينه و بين جبّار منعه اللّه عزّ و جلّ منه، يقرأها من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و شماله، فإذا فعل ذلك رزقه اللّه عزّ و جلّ خيره و منعه من شرّه (6). و ورد انّ من مضت له جمعة و لم يقرأ فيها ب « قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ » ثم مات مات على دين أبي لهب (7). و حمل بعضهم ذلك على الترك استخفافا و جحودا لفضلها. و كذا الحال فيما ورد من انّ من أصابه مرض أو شدّة لم يقرأ في مرضه أو شدته « قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ » ثم مات في مرضه او في تلك الشدّة التّي نزلت به فهو من
ص:36
أهل النّار (1). و كذا فيما ورد من ان من مضت عليه ثلاثة أيّام و لم يقرأ فيها ب « قُلْ هُوَ اَللّهُ أَحَدٌ » فقد خذل و نزع ربقة الإيمان من عنقه، و إن مات في هذه الثلاثة كان كافرا باللّه العظيم (2).
فقد ورد ان من قرأهما جاءتا يوم القيامة تظلاّنه على رأسه مثل الغمامتين، أو مثل العباءتين (3). و من قرأ أربع آيات من أوّل البقرة و آية الكرسي و آيتين بعدها و ثلاث آيات من آخرها لم ير في نفسه و ماله شيئا يكرهه، و لا يقربه الشيطان، و لا ينسى [القرآن] (4). و انّ لكلّ شىء سناما و سنام القرآن سورة البقرة. و انّ من قرأها في داره، فان قرأها في اليوم لا يحوم (5)حوله الشياطين ثلاثة أيّام، و ان من قرأها في الليل لا يحومن حوله ثلاث ليال (6). و انّ أخذها بركة، و تركها حسرة، و لا سبيل للسحرة عليها (7). و انّ من قرأها كانت صلوات اللّه و رحمته عليه، و أعطي من الثواب ما يعطى المرابط في سبيل اللّه الّذي لا تسكن روعته (8)، و ان أصفر البيوت بيت لا يقرأ فيه سورة البقرة، و انّها فسطاط
ص:37
القرآن (1)، و ان من قرأ منها عشر آيات لم ير في ماله و ولده شيئا يسوؤه حتى يصبح (2). و ان سورة البقرة و آل عمران أخذهما بركة، و تركهما حسرة، و لا يستطيعهما السحرة، و انهما ليجيئان يوم القيامة كأنّهما غمامتان، أو [عبائتان]، أو فرقان من طير، صوافان يحاجّان عن صاحبهما و يحاجهّما ربّ العزّة، يقولان: يا ربّ الأرباب! إنّ عبدك هذا قرأنا و اظمأنا نهاره، و أسهرنا ليله، و أنصبنا بدنه، يقول اللّه تعالى: يا أيها القرآن فكيف كان تسليمه لما أنزلته فيك من تفضيل علي بن ابي طالب (ع) أخي محمّد رسول اللّه (ص) ؟ ! يقولان: يا ربّ الأرباب و إله الآلهة، والاه و والى أولياءه، و عادى أعداءه، إذا قدر جهر، و إذا عجز اتّقى و أسرّ (3)، يقول اللّه عزّ و جلّ: فقد عمل بكما إذ أمرته، و عظّم من حقّكما ما عظّمته، يا علي أما تسمع شهادة القرآن لوليّك هذا؟ فيقول عليه السّلام: بلى يا رب، فيقول اللّه عزّ و جلّ: فاقترح له ما تريد، فيقترح له ما يريد عليه السّلام أماني هذا القارىء بالأضعاف المضاعفة بما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ و جلّ، فيقول اللّه عزّ و جلّ: قد أعطيته ما اقترحت يا عليّ (ع) ، الخبر (4).
و ورد: انّ آية الكرسي أفضل من جميع كتب اللّه (5)، و انّها ما قرئت [هذه الآية]في بيت الاّ هجره إبليس ثلاثين يوما، و لا يدخله ساحر و لا ساحرة
ص:38
أربعين يوما (1)، و ان إبليس فزع عند نزولها. و انّ من قرأها بنى عليه حائط من حديد (2)، و من قرأها يهوّن اللّه عليه سكرات الموت، و ما مرّت الملائكة في السماء بها الاّ صعقوا (3)، و ان من قرأها مرّة محي اسمه من ديوان الاشقياء (4)، و صرف اللّه عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا، و ألف مكروه الآخرة، أيسر مكروه الدّنيا الفقر، و أيسر مكروه الآخرة عذاب القبر (5). و من قرأها ثلاث مرات استغفرت له الملائكة، و من قرأها أربع مرّات شفع له الأنبياء، و من قرأها خمس مرات كتب اللّه اسمه في ديوان الأبرار، و استغفرت له الحيتان في البحار، و وقي شرّ الشيطان، و من قرأها سبع مرّات أغلقت عنه أبواب النيران، و من قرأها ثماني مرّات فتحت له أبواب الجنان، و من قرأها تسع مرّات كفي همّ الدنيا و الآخرة، و من قرأها عشر مرّات نظر اللّه إليه بالرّحمة، و من نظر اللّه إليه بالرّحمة فلا يعذّبه (6)، و انّ سيّد القرآن سورة البقرة و سيد سورة البقرة آية الكرسي، فيها خمسون كلمة، في كلّ كلمة بركة (7)، و انّ من قرأها مرّة واحدة حرم اللّه ثلث جسده على النّار،
ص:39
و من قرأها مرّتين حرّم اللّه ثلثي جسده على النّار، و من قرأها ثلاث مرات حرّم اللّه جميع جسده على النّار (1).
فقد ورد انّ من قرأها فكأنّما تصدّق على كلّ مؤمن و مؤمنة، ورث ميراثا، و أعطي من الأجر كمن اشترى محررا، و برىء من الشرك، و كان في مشيّة اللّه من الذين يتجاوز عنهم (2).
فقد ورد انّ من قرأها في كل [يوم]خميس لم يلبس إيمانه بظلم، و لم يشرك أبدا (3).
فقد ورد انها نزلت جملة شيعها سبعون ألف ملك حتى نزلت على محمد صلّى اللّه عليه و آله، فعظموها و بجلّوها، فانّ اسم اللّه الأعظم عزّ و جلّ فيها في سبعين موضعا، و لو يعلم الناس ما في قراءتها [من الفضل]ما تركوها (4)، و انّ من قرأها سبّح له إلى يوم القيامة سبعون ألف ملك المشيّعون لها (5)، و صلّوا عليه بعدد كلّ آية فيها يوما و ليلة (6). و ان من قرأها كان له بوزن جميع الأنعام التي خلقها
ص:40
اللّه في دار الدنيا درّا، بعدد كلّ درّ مائة ألف حسنة، و مائة ألف درجة، و من قرأ ثلاث آيات من أوّلها إلى قوله «ما يكسبون» و كلّ اللّه عليه أربعين ألف ملك يكتبون له مثل ثواب عبادتهم إلى يوم القيامة، و ينزل عليه من السماء السابعة ملكا معه عمود من حديد، يكون موكّلا عليه حتّى إذا أراد الشيطان ان يوسوسه أو يلقي في قلبه شيئا يضربه بهذا العمود ضربة تطرده عنه، حتى يكون بينه و بين الشيطان سبعون حجابا، و يقول اللّه تعالى له يوم القيامة: عبدي أذهب إلى ظلّي، و كل من جنّتي، و أشرب من الكوثر، و اغتسل من السلسبيل فإنّك عبدي و أنا ربّك (1).
فقد ورد انّ من قرأها جعل اللّه بينه و بين إبليس سترا يحترس منه، و يكون [آدم]شفيعه يوم القيامة (2)، و يكون ممّن يزوره في الجنّة آدم عليه السّلام، و يكون له بعدد كلّ يهوديّ و نصرانيّ درجة في الجنّة (3).
و هي سورة التوبة، فقد ورد ان من قرأهما في كلّ شهر لم يدخله نفاق أبدا، و كان من شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام [حقّا] (4)، و يشفّع في أهل الكبائر (5). و أكل يوم القيامة من موائد الجنّة مع شيعته حتّى يفرغ الناس من الحساب (6). و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله: انّ من قرأهما فأنا شفيع له و شاهد
ص:41
له يوم القيامة انّه بريء من الشرك و النفاق، و أعطى من الأجر بعدد كلّ منافق و منافقة في دار الدنيا [منازل في الجنة، و أعطى بعددهم أيضا] (1)عشر حسنات، و محي عنه عشر سيّئات، و رفع له عشر درجات، و كان العرش و حملته يصلّون عليه أيّام حياته في الدّنيا (2)، و كان له مثل تسبيح العرش و حملته الى يوم الدّين (3).
فقد ورد انّ من قرأها في كلّ شهرين أو ثلاثة لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين، و كان يوم القيامه من المقرّبين (4). و ورد ان من قرأها أعطي من الأجر بعدد من صدّق بيونس عليه السّلام و من كذّب به، و بعدد من غرق مع فرعون (5).
فقد ورد انّ من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح و كذّب به و هود و صالح و شعيب و لوط و إبراهيم و موسى عليهم السّلام، و كان يوم القيامة من السعداء (6).
فقد ورد انّ من قرأها في كلّ يوم أو في كلّ ليلة بعثه اللّه يوم القيامة و جماله مثل جمال يوسف عليه السّلام، و لا يصيبه فزع يوم القيامة، و كان من خيار عباد
ص:42
اللّه الصالحين (1). و انّ أيّما مسلم تلاها و علّمها أهله و ما ملكت يمينه هوّن اللّه عليه سكرات الموت، و أعطاه القوة ان لا يحسد مسلما (2).
فقد ورد انّ من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ سحاب مضى و كل سحاب يكون الى يوم القيامة، و كان يوم القيامة من الموفين بعهد اللّه تعالى (3)، و من اكثر قراءتها لم يصبه اللّه بصاعقة ابدا و ان كان ناصبيّا، فانّه لا يكون أشر من الناصب، و إذا كان مؤمنا أدخله اللّه الجنّة بلا حساب، و شفّع في جميع من يعرفه من أهل بيته و إخوانه من المؤمنين (4).
فقد ورد انّ من قرأها لم يحاسبه اللّه بالنعم التّي أنعمها عليه في دار الدّنيا، و أعطي من الأجر كالّذي مات فأحسن الوصيّة (5). و من قرأها في كلّ شهر كفى المغرم في الدّنيا، و سبعين نوعا من انواع البلايا، أهونها الجنون و الجذام و البرص، و كان مسكنه في جنّة عدن و هي وسط الجنان (6).
فانّ من قرأها أعطي بعدد من صدّق كلّ نبيّ و رسول ذكر في هذه السورة، و بعدد من كذّبهم منها حسنات (7)، [و بعدد من دعى للّه ولدا، و من لم يدع للّه ولدا، حسنات و درجات]، كلّ درجة كما بين السماء و الأرض
ص:43
ألف ألف مرّة، و يزوّج بعددها في الفردوس، و حشر يوم القيامة مع المتقين في أوّل زمرة السابقين (1)، و من أدمن قراءتها لم يمت [في الدنيا]حتى يصيب منها ما يغنيه في نفسه و ماله و ولده، و كان في الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم عليه السّلام، و أعطي في الآخرة مثل ملك سليمان بن داود عليه السّلام في الدّنيا (2).
فقد ورد النهى عن ترك قراءتها، لانّ اللّه يحبّها و يحبّ من قرأها (3). و انّها أكثر ما يتلو أهل الجنّة هذه السورة (4). و انّ من قرأها أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين و الأنصار (5). و من أدمن قراءتها أعطاه اللّه يوم القيامة كتابا بيمينه، و لم يحاسبه بما عمل في الإسلام، و أعطي في الآخرة من الأجر حتّى يرضى (6).
فانّ من قرأها حبّا لها كان ممّن يرافق النبيّين أجمعين في جنّات النعيم، و كان مهيبا في أعين الناس في الحياة الدنيا، و حاسبه اللّه حسابا يسيرا، و صافحه و سلّم عليه كلّ نبيّ ذكر اسمه في القرآن (7).
فقد ورد انّ من قرأها أعطي من الأجر كحجة حجّها، و عمرة اعتمرها
ص:44
بعدد من حجّ و اعتمر فيما مضى و فيما بقي (1). و من قرأها في كلّ ثلاثة أيام لم تخرج سنته حتّى يخرج الى بيت اللّه الحرام، و انّ مات في سفره دخل الجنّة (2).
فقد ورد الأمر بتحصين الأموال و الفروج بتلاوتها، و تحصين النساء بها فإن من أدمن قراءتها في كل يوم أو في كلّ ليلة لم يزن أحد من أهل بيته أبدا حتى يموت، فإذا مات شيّعه إلى قبره سبعون ألف ملك، كلّهم يدعون و يستغفرون اللّه له حتّى يدخل إلى قبره (3). و من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمن و مؤمنة فيما مضى و فيما بقي (4).
فقد ورد انّ من قرأها بعث يوم القيامة آمنا من هولها، و هو يؤمن انّ الساعة لآتية لا ريب فيها و انّ اللّه يبعث من في القبور، و يدخل الجنّة بغير حساب (5)، و من قرأها في كلّ ليلة لم يعذّبه اللّه أبدا و لم يحاسبه، و كان منزله في الفردوس الأعلى (6).
فقد ورد انّ من قرأها كان لقمان له رفيقا يوم القيامة، و أعطي من
ص:45
الحسنات عشرا بعدد من عمل بالمعروف و عمل بالمنكر (1). و من قرأها في كلّ ليلة و كلّ اللّه به في ليلته ثلاثين ملكا يحفظونه من إبليس و جنوده حتّى يصبح، فإذا قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من إبليس و جنوده حتى يمسي (2).
فقد ورد انّ من قرأها و علمّها أهله و ما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر (3). و من كان كثير القراءة لها كان يوم القيامة في جوار محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أزواجه (4).
فقد ورد ان من قرأ حمد سبأ لم يبق نبّي و لا رسول إلاّ كان له يوم القيامة رفيقا و مصافحا (5). و من قرأ سورة حمد فاطر-و تسمى سورة الملائكة أيضا-دعته يوم القيامة [ثلاثة من]ابواب الجنة ان ادخل من أيّ الابواب شئت (6). و في خبر آخر دعته ثماني أبواب الجنّة إلى انفسها، و يقول كلّ باب: أدخل منّي (7). و من قرأ السورتين جميعا في ليلة واحدة لم يزل في ليلته في حفظ اللّه و كلاءته، و من قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه، و أعطي من خير الدنيا و خير الآخرة ما لم يخطر على قلبه و لم يبلغ مناه (8).
ص:46
فقد ورد انّ لكلّ شيء قلبا و انّ قلب القرآن يس (1)، و انّها ريحانة القرآن (2)، و ان في كتاب اللّه سورة تسمى العزيز (3)، و يدعى صاحبها الشريف عند اللّه تعالى، يشفع صاحبها يوم القيامة في مثل ربيعة و مضر (4). و من قرأها في نهاره قبل أن يمسي كان في نهاره من المحفوظين و المرزوقين حتى يمسي، و من قرأ في ليلته قبل ان ينام و كلّ به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم و من كلّ آفة، و ان مات في يومه أدخله اللّه الجنّة، و حضر غسله ثلاثون ألف ملك كلّهم يستغفرون له و يشيعونه إلى قبره بالاستغفار له، فإذا أدخل (5)لحده كانوا في جوف قبره يعبدون اللّه و ثواب عبادتهم له، و فسح له في قبره مدّ بصره، و أمن من ضغطة القبر، و لم يزل له في قبره نور ساطع إلى أعناق السماء إلى ان يخرجه اللّه من قبره، فإذا أخرجه لم تزل ملائكة اللّه معه يشيّعونه و يحدّثونه و يضحكون في وجهه و يبشرونه بكل خير حتى يجوزوا به الصراط و الميزان، و يوقفوه من اللّه موقفا لا يكون عند اللّه خلق أقرب منه إلاّ ملائكة اللّه المقرّبون و أنبياؤه المرسلون، و هو (6)مع النبيين واقف بين يدي اللّه لا يحزن مع من يحزن، و لا يهّتم مع من يهّتم، و لا يجزع مع من يجزع، ثم يقول له الرّب تعالى: اشفع عبدي أشفّعك في جميع ما تشفع، و سلني عبدي أعطك جميع ما تسأل، فيسأل فيعطى (7)، و يشفع
ص:47
فيشّفع، و لا يحاسب في من يحاسب، و لا يذّل مع من يذّل، و لا يكبت بخطيئة و لا بشيء من سوء عمله، و يعطى كتابا منشورا فيقول الناس بأجمعهم: سبحان اللّه ما كان لهذا العبد خطيئة واحدة، و يكون من رفقاء محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).
و ورد انّ من قرأها امام حاجته قضيت له (2)، و انّها تقرأ للدنيا و الآخرة و للحفظ من كل آفة و بلّية في النفس و الأهل و المال (3)، و من قرأها في عمره مرّة واحدة كتب اللّه له بكل خلق في الدنيا و كل خلق في الآخرة و في السماء بكلّ واحد ألفي ألف حسنه، و محى عنه مثل ذلك، و لم يصبه فقر، و لا غرم، و لا هدم، و لا نصب، و لا جنون، و لا جذام، و لا وسواس، و لا داء يضّره، و خفّف اللّه عنه سكرات الموت و أهواله، [و ولى قبض روحه]و كان ممّن يضمن اللّه له السعة في معيشته، و الفرج عند لقائه، و الرضا بالثواب في آخرته، و قال اللّه تعالى لملائكته أجمعين من في السماوات و من في الأرض: قد رضيت عن فلان فاستغفروا له (4).
و ارسل القطب الراوندي رضي اللّه عنه و غيره عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يا علّي (ع) ! اقرأ يس فان في قراءة يس عشر بركات، ما قرأها جايع إلاّ شبع، و لا ظام إلاّ روي، و لا عار إلاّ كسي، و لا عزب إلاّ تزوج، و لا خائف إلاّ أمن، و لا مريض إلاّ برئ، و لا محبوس إلاّ خرج، و لا مسافر إلاّ أعين على سفره، و لا قرأها رجل ضلّت له ضالّة إلاّ ردّها اللّه عليه، و لا مدين
ص:48
إلاّ أدى دينه، و لا قرئت عند ميّت إلاّ خفّف اللّه عنه تلك الساعة (1).
فقد ورد انّ من قرأها في كلّ جمعة لم يزل محفوظا من كلّ آفة، مدفوعا (2)عنه كلّ بليّة في الحيّاة الدنيا، مرزوقا في الدّنيا بأوسع (3)ما يكون من الرّزق، و لم يصبه في ماله و لا ولده و لا بدنه بسوء من شيطان رجيم، و لا من جبّار عنيد، و ان مات في يومه أو ليلته بعثه اللّه شهيدا، و أماته شهيدا، و أدخله الجنّة مع الشهداء في درجة من الجّنة (4).
فقد ورد انّ من قرأها لم يقطع اللّه رجاءه (5)، و أعطاه اللّه [ثواب الخائفين الذين خافوا اللّه تعالى] (6)و اعطاه اللّه شرف الدنيا و الآخرة، و أعزّه بلا مال و لا عشيرة، حتى يهابه من يراه، و حرّم جسده على النّار، و بنى اللّه له في الجنة ألف مدينة (7).
و تسمى سورة الغافر أيضا، فقد ورد انّ من قرأها لم يبق روح نبّي و لا صدّيق و لا مؤمن إلاّ صلّوا عليه و استغفروا له (8). و من قرأها في كلّ ليلة غفر اللّه
ص:49
له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، و الزمه كلمة التقوى، و جعل الآخرة خيرا له من الدّنيا (1).
و هي حمّ فصلت، فقد ورد انّ من قرأها كانت له نورا يوم القيامة مدّ بصره، و سرورا، و عاش في الدّنيا محمودا مغبوطا، و أعطي بكلّ [بعدد كل]حرف منها عشر حسنات (2).
و هي: حمعسق، فقد ورد انّ من قرأها كان ممّن تصلّي عليه الملائكة، و يستغفرون له، و يسترحمون [و يترحمون خ ل]اللّه (3)، و بعثه اللّه يوم القيامة و وجهه كالثلج أو كالشمس، حتى يقف بين يدي اللّه فيقول: عبدي ادمنت قراءة حمعسق. . إلى ان قال: أدخلوه الجنة (4).
فقد ورد انّ من قرأها كان ممّن يقال له يوم القيامة: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اَلْيَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (5)، و من ادمن قراءتها آمنه اللّه في قبره من هواّم الأرض، و من ضمّة القبر حتى يقف بين يدي اللّه، ثم جاءت [حتى تكون] هي التي تكون تدخله الجنّة بامر اللّه عزّ و جلّ (6).
ص:50
فقد ورد انّ من قرأها ستر اللّه عورته و سكّن روعته عند الحساب، و كان ثوابها ان لا يرى النار ابدا، و لا يسمع زفير جهنّم و لا شهيقها و هو رفيق محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1).
فقد ورد انّ من قرأها أعطي من الأجر بعدد كلّ رمل [رجل]في الدنيا عشر حسنات، و محي عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات (2).
و تسمّى: سورة القتال ايضا، و هي سورة «الذين كفروا. .» ، فقد ورد انّ من قرأها لم يرتب ابدا، و لم يدخله شكّ في دينه ابدا، و لم يبتله اللّه بفقر ابدا، و لا خوف من سلطان ابدا، و كان حقا على اللّه ان يسقيه من انهار الجنّة (3).
فقد ورد انّ من قرأها فكأنّما شهد مع محمّد صلّى اللّه عليه و آله فتح مكّة، و في رواية اخرى: فكأنّما كان مع من بايع محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تحت الشجرة (4)، و انّ قراءتها تحصّن الاموال و النساء و ما ملكت [ايمانكم]من التلف، و من ادمن قراءتها نادى مناد يوم القيامة حتى يسمع الخلائق: انت من عبادي المخلصين، ألحقوه بالصالحين (5).
ص:51
فقد ورد انّ من قرأها في كلّ ليلة أو في كلّ يوم كان من زواّر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أعطي من الأجر بعدد من أطاع اللّه و من عصاه (1).
فقد ورد انّ من قرأها هونّ اللّه عليه تارات الموت و سكراته (2).
فقد ورد انّ من قرأها في يومه أو في ليلته اصلح اللّه له معيشته، و اتاه برزق واسع، و نوّر له في قبره بسراج يزهر إلى يوم القيامة، و أعطي من الأجر عشر حسنات. بعدد كلّ ريح هبتّ و جرت في الدّنيا (3).
فقد ورد انّ من قرأها جمع اللّه له خير الدّنيا و الآخرة (4).
فقد ورد انّ من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من جحد به، و من قرأها في كلّ يوم أو في كلّ ليلة و أدمن قراءتها عاش محمودا [بين يدي الناس]و كان مغفورا له، و كان محبّبا بين الناس (5).
فقد ورد انّ من قرأها اخرجه اللّه من قبره على ناقة من نوق الجّنة. و من
ص:52
قرأها في كلّ غب بعث يوم القيامة و وجهه على صورة القمر ليلة البدر، و من قرأها كلّ ليلة كان أفضل، و جاء يوم القيامة و وجهه مسفر على وجوه الخلائق (1).
فقد ورد انّ من قرأها رحم اللّه ضعفه، و أدّى شكر ما أنعم اللّه عليه، و ورد أنّها عروس القرآن (2).
و استغفروا له، و ان مات في يومه أو ليلته مات شهيدا (1).
فقد ورد انّ من قرأها كان المؤمنون و المؤمنات شفعاء له إلى يوم القيامة (2).
فقد ورد انّ من قرأها اعطاه اللّه توبة نصوحا (1).
و هي سورة تبارك، و تسمّى: الواقية، و المنجية ايضا، فقد ورد انّ من قرأها فكأنّما أحيا ليلة القدر. و يستحب قراءتها في كلّ يوم و ليلة تأسّيا بسيد العابدين عليه السّلام (2). و ورد انّها هي المانعة من عذاب القبر، و هي مكتوبة في التوراة: سورة الملك، و من قرأها في ليلته فقد أكثر و اطاب و لم يكتب من الغافلين، و من قرأها في كل يوم و ليلة قالت رجلاه عند دخول منكر و نكير عليه من قبلهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان العبد يقوم عليّ فيقرأ سورة الملك في كلّ يوم و ليلة، و إذا أتياه من قبل جوفه قال لهما: ليس لكما الى ما قبلي سبيل، قد كان العبد أوعاني سورة الملك، و اذا اتياه من قبل لسانه قال لهما: ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد يقرأ بي في كلّ يوم و ليلة سورة الملك (3).
و هي سورة سأل سائل. فقد ورد انّ من قرأها اعطاه اللّه تعالى ثواب اَلَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ (1)، وَ اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (2). و من أكثر قراءتها لم يسأله اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة عن ذنب عمله، و أسكنه اللّه الجنّة مع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (3).
فقد ورد انّ من قرأها كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح عليه السّلام (4).
فقد ورد انّ من قرأها أعطي بعدد كلّ جنّي و شيطان-صدّق بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذّب-عتق رقبة، و لم يصبه في الحياة الدّنيا بشيء من أعين الجنّ، و لا نفثهم و لا سحرهم و لا كيدهم، و كان مع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فيقول: يا رب لم أتّخذ [لا اريد بهم]به بدلا، و لا ابغي [و لا اريد بدرجتي حولا]به حولا (5).
فقد ورد انّ من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذبّ به بمكّة (1).
فقد ورد انّ من أدمن قراءتها و كان يعمل بها بعثها اللّه عزّ و جلّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم [يوم القيامة معه]من قبره في أحسن صورة، و تبشره و تضحك في وجهه حتى يجوز على الصراط و الميزان، و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: من قرأها شهدت أنا و جبرئيل عليه السّلام له يوم القيامة انّه كان مؤمنا بيوم القيامة، و جاء و وجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة (2).
و تسمّى: سورة الانسان أيضا، و هي سورة هل أتى، و قد ورد انّ من قرأها كان جزاؤه على اللّه الجنّة و حريرا (3).
فقد ورد انّ من قرأها عرّف اللّه بينه و بين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كتب انّه ليس من المشركين (4).
فقد ورد انّ من قرأها سقاه اللّه برد الشراب يوم القيامة، و انّ من ادمن قراءتها كلّ يوم لم تخرج سنته حتى يزور بيت اللّه الحرام ان شاء اللّه تعالى (5).
ص:57
فقد ورد انّ من قرأها لم يمت إلاّ ريّانا، و لم يبعثه اللّه إلاّ ريّانا، و لم يدخل الجنة إلاّ ريّانا، و روي انّ من قرأها لم يكن حبسه و حسابه يوم القيامة إلاّ كقدر صلاة مكتوبة حتى يدخل الجنّة، و في رواية ثالثة: انّه كان مستأنسا في القبر و في القيامة حتّى يدخل الجنة (1).
فقد ورد ان من قرأهما كان تحت جناح اللّه من الجنان، و في ظل اللّه و كرامته في جنانه (2)، و لا يعظم ذلك على ربّه عزّ و جلّ (3). و انّ من قرأ سورة الاعمى جاء يوم القيامة و وجهه ضاحك مستبشر (4)، و من قرأ سورة التكوير اعاذه اللّه ان يفضحه حين تنشر صحيفته (5)، و انّ من احّب ان ينظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فليقرأها. (6)
فقد ورد انّ من قرأها اعطاه اللّه من الأجر بعدد كل قبر حسنة و كل قطرة مائة حسنة، و اصلح اللّه شأنه يوم القيامة (7).
ص:58
فقد ورد انّ من قرأها سقاه اللّه من الرحيق المختوم يوم القيامة (1).
فقد ورد انّ من قرأها اعاذه اللّه ان يعطيه كتابه وراء ظهره (2).
فقد ورد إن من قرأها في ليال عشر غفر له، و من قرأها سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة (1).
فقد ورد انّ من قرأها اعطاه اللّه الأمن من غضبه يوم القيامة (2).
الانشراح:
فقد ورد انّ من قرأها في يومه و ليلته لم يبق شيء بحضرته إلاّ شهد له يوم القيامة حتّى شعره و بشره و لحمه و دمه و عروقه و عصبه و عظامه و جميع ما اقلّت الأرض منه، و يقول الرّب تبارك و تعالى: قبلت شهادتكم لعبدي و اجزتها له، انطلقوا به إلى جناني حتى يتخيّر منها حيث احّب فاعطوه [ايّاها]من غير منّ منّي و لكن رحمة و فضلا منّي عليه فهنيئا هنيئا لعبدي (3).
و ورد ان من قرأ «و الشمس» فكأنّما تصدّق بكلّ شيء طلعت عليه الشمس و القمر (4)، و من قرأ «و الليل» اعطاه اللّه حتى يرضى، و عافاه من العسر، و يسّر له العسر (5)، و من قرأ «و الضحى» كان ممّن يرضاه اللّه، و لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان يشفع له، و له عشر حسنات بعدد كل يتيم وسائل (6)، و من قرأ «ألم نشرح» أعطي من الأجر كمن لقي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
ص:60
مغتّما ففرج عنه (1).
فقد ورد انّ من قرأها اعطاه اللّه خصلتين: العافية و اليقين ما دام في دار الدّنيا، فإذا مات اعطاه اللّه من الأجر بعدد من قرأ هذه السورة صيام يوم (2).
فقد ورد انّ من قرأها ثم مات في يومه أو ليلته مات شهيدا، و بعثه اللّه شهيدا و أحياه شهيدا، و كان كمن ضرب بسيفه في سبيل اللّه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (3).
فقد ورد انّها ثمرة القرآن و كنزه، و عون الضعفاء، و يسر المعسرين، و عصمة المؤمنين، و هدى الصالحين، و سيد العلم، و فسطاط المتعبدين، و بشرى البرايا، و الحجة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4). و انّ من قرأها أعطي من الأجر كمن صام شهر رمضان، و أحيا ليلة القدر (5). و من قرأها في كلّ ليلة نادى مناد: استأنف العمل فقد غفر لك (6). و من جهر بقراءتها صوته كان كالشاهر سيفه في سبيل اللّه، و من قرأها سرا كان كالمتشّحط بدمه في سبيل اللّه، و من قرأها عشر مرات محا اللّه عنه ألف ذنب من ذنوبه (7). و انّ النور الذي يسعى
ص:61
بين يدي المؤمن يوم القيامة نور «انا انزلناه (1)» ، و انّ من قرأها حبّب إلى الناس، فلو طلب من رجل ان يخرج من ماله بعد قراءتها حين يقابله لفعل، و من خاف سلطانا فقرأها حين نظر إلى وجهه غلبه (2)، و من قرأها حين يريد الخصومة أعطي الظفر، و من يشفع بها إلى اللّه شفعه و أعطاه سؤله، قال عليه السّلام: و لو قلت لصدقت انّ قاريها لا يفرغ من قراءتها حتى يكتب له براءة من النّار، و من قرأها في ليلة مائة مرّة رأى الجّنة قبل ان يصبح (3)، و من قرأها ألف مرّة يوم الاثنين و ألف مرّة يوم الخميس خلق اللّه تعالى منها ملكا يدعى القويّ راحته أكبر من سبع سموات و سبع ارضين، و خلق في جسده ألف ألف شعرة، و خلق في كلّ شعرة ألف لسان ينطق بكل لسان بقوة الثقلين يستغفرون لقائلها، و يضاعف اللّه استغفارهم الفي ألف مرّة (4). و ورد انّها نعم رفيق المرء، بها يقضي دينه، و يعظم دينه، و يظهر فلجه (5)، و يطول عمره، و يحسن حاله، و من كانت أكثر كلامه لقى اللّه تعالى صدّيقا شهيدا (6)، و انّ لقاربها في موضع كل ذرة منه حسنة (7). و ابى اللّه تعالى ان يأتي على قاربها ساعة لم يذكره باسمه و يصلّي عليه، و لن تطرف عين قاربها إلاّ نظر اللّه إليه و ترحّم عليه (8)، ابى اللّه ان يكون أحد بعد الانبياء و الاوصياء اكرم عليه من رعاة «إنّا انزلناه» ، و رعايتها التلاوة لها، ابى اللّه ان يكون عرشه و كرسّيه اثقل في الميزان من اجر قاربها، ابى اللّه تعالى
ص:62
ان يكون ما احاط به الكرسي اكثر من (1)ثوابه، ابى اللّه ان يكون لاحد من العباد عنده سبحانه منزلة افضل من منزلته، ابى اللّه ان يسخط على قاربها و يسخطه [قيل: فما معنى يسخطه، قال: لا يسخطه]بمنعه حاجته، ابى اللّه ان يكتب ثواب قاربها غيره، او يقبض روحه سواه، ابى اللّه ان يذكره جميع الملائكة إلاّ بتعظيمه حتى يستغفروا لقاربها، ابى اللّه ان ينام على قاربها حتى يحّفه بالف ملك يحفظونه حتى يصبح، و بالف ملك حتى يمسي، ابى اللّه ان يكون شيء من النوافل اوحى اللّه إليه افضل من قراءتها، ابى اللّه ان يرفع اعمال اهل القرآن إلاّ و لقاربها مثل اجرهم (2)، و انّه ما فرغ عبد من قراءتها إلاّ صلّت عليه الملائكة سبعة ايام (3)، و انّ لها لسانين و شفتين، و لقد نفخ اللّه فيها من روحه كما نفخ في آدم عليه السّلام، و انّها لفي البيت المعمور و يطوف بها كل ملك معظم حتى يمسوا، و انها لفي قوائم العرش يطوف بها عند كل قائمة مائة ألف ملك بعلّمونها إلى يوم القيامة، و انّها لفي خزائن الرحمة (4)، و انّ من حفظها فكأنّما حفظ جملة العلم، و انه شغل الشياطين عن قاربها حين يدخل بيته و يخرج (5).
فقد ورد انّ من قرأها كان بريئا من الشرك و ادخل في دين محمد صلّى
ص:63
اللّه عليه و آله و سلّم، و بعثه اللّه عزّ و جلّ مؤمنا و حاسبه حسابا يسيرا (1). و كان يوم القيامة مع خير البريّة مسافرا و مقيما (2). و انّه لا يقرأها منافق ابدا، و لا عبد في قلبه شكّ في اللّه عزّ و جلّ، و ما من عبد يقرأها بليل إلاّ بعث اللّه ملائكة يحفظونه في دينه و دنياه، و يدعون له بالمغفرة و الرحمة، فان قرأها نهارا اعطي عليها من الثواب مثل ما اضاء عليه النهار و اظلم عليه الليل (3).
فقد ورد انّ من قرأها ثقّل اللّه [بها]ميزانه يوم القيامة (1)، و من أكثر من قراءتها آمنه اللّه من فتنة الدجّال ان يؤمن به، و من قيح جهنم يوم القيامة ان شاء اللّه تعالى (2)، و من قرأها عند النوم كفي (3).
فقد ورد انّ من قرأها لم يحاسبه اللّه بالنعيم الذي أنعم عليه في دار الدنيا، و أعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية (4).
فقد ورد ان من قرأها ختم اللّه له بالصبر، و كان مع اصحاب الحق يوم القيامة (5).
فقد ورد انّ من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أصحابه (6).
فقد ورد انّ من قرأها عافاه اللّه ايّام حياته في الدّنيا من المسخ
ص:65
و القذف (1).
فقد ورد انّ من قرأها فله شفاء من الكفر و رحمة بالثبات على الايمان (1).
و انّ من تعوّذ بالقلاقل الأربع الكافرون و التوحيد و المعوذتين لم يصب بولد و لا مال، و لا مرض، و لا افتقر (1).
و يجب السجود عند قراءة احدى آيات السجود الأربع الواجبة أو استماع واحدة منها.
و يستحب عند قراءة كلّ آية فيها سجدة أو استماعها تأسّيا بسيد الساجدين عليه السّلام، و يطلب فروع ذلك من مناهج المتّقين (2).
و يكره السفر بالقرآن إلى ارض العدو للنهي عنه مخافه ان يناله العدّو (3).
ص:68
قال اللّه سبحانه: اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اَللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ. . إلى ان قال تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى (1)و قال جلّ ذكره: وَ لَذِكْرُ اَللّهِ أَكْبَرُ (2).
و ورد انّ ذكر اللّه عزّ و جلّ عبادة، و ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبادة، و ذكر عليّ عليه السّلام عبادة، و ذكر الأئمة من ولده عبادة (3)، و انّ ذكر اللّه سيد الاعمال (4)، و خيرها و أقربها إلى اللّه تعالى (5)، و انّه منجي الأمّة من الشياطين (6). و انّه حصن لهم منه، و حرز من النّار، و انّه علم الإيمان و برء [برائة]
ص:69
من النفاق (1)، و ان ذكر الناس داء و ذكر اللّه دواء و شفاء (2)، و ورد انّه مكتوب في التوراة التّي لم تغيّر انّ موسى عليه السّلام سأل ربّه فقال: يا ربّ! أ قريب انت منّي فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه: يا موسى! انا جليس من ذكرني، فقال موسى عليه السّلام: فمن في سترك يوم لا ستر إلاّ سترك؟ قال: الذيّن يذكرونني فأذكرهم و يتحابّون فيّ فأحبّهم، فأولئك الّذين إن أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم (3).
و ينبغي الاجتماع لأجل ذكر اللّه سبحانه، لما ورد عنهم عليهم السّلام من انّه ما جلس قوم يذكرون اللّه تعالى إلاّ اعتزل الشيطان عنهم و الدنيا، فيقول الشيطان للدنيا: إلاّ ترين ما يصنعون؟ فتقول الدنيا: دعهم فلو قد تفرّقوا أخذت باعناقهم (4)، و انه ما جلس قوم يذكرون اللّه عزّ و جلّ إلاّ ناداهم ملك من السماء: قوموا فقد بدّلت سيئاتكم حسنات و غفرت لكم جميعا، و ما قعد عدّة من أهل الأرض يذكرون اللّه عزّ و جلّ إلاّ قعد معهم عدّة من الملائكة (5)، و لا يختص استحباب الذكر بحال دون حال، و لذا ورد الأمر به حتى في حال الجماع و الخلاء (6)، و قد سأل موسى بن عمران عليه السّلام ربّه فقال: إلهي انّه يأتي عليّ مجالس أعزكّ و أجلكّ ان أذكرك فيها. فقال: يا موسى! انّ ذكري حسن
ص:70
علي كل حال (1). و ورد انّه لا يزال المؤمن في صلاة ما ذكر اللّه عزّ و جلّ قائما كان، أو جالسا، أو مضطجعا (2).
بل يكره ترك الذكّر للنهي عنه، و قد اوحى اللّه إلى موسى عليه السّلام: لا تفرح بكثرة المال، و لا تدع ذكري على كلّ حال، فانّ كثرة المال تنسي الذنوب، و انّ ترك ذكري يقسي القلوب (3).
و ورد انّ ابعد النّاس من اللّه القاسي القلب. (4)
و ورد انّه لا يمّر على المؤمن ساعة لا يذكر اللّه فيها إلاّ كانت عليه حسرة (5)، و انّ أهل الجنّة لا يتحسّرون على شيء فاتهم من الدنيا كتحسّرهم على ساعة مرّت من غير ذكر اللّه (6).
و ورد عن النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّ اكسل الناس عبد صحيح فارغ لا يذكر اللّه بشفة و لا بلسان (7). و ورد عنهم عليهم السّلام: انّ في الجنة قيعانا فاذا اخذا الذاكر في الذكر اخذت الملائكة في غرس الاشجار فربّما وقف بعض الملائكة فيقال له: لم وقفت؟ فيقول: انّ صاحبي قد فتر، يعني عن الذكر (8). و انه ما من مجلس يجتمع فيه ابرار و فجّار فيقومون على غير ذكر اللّه
ص:71
عزّ و جلّ إلاّ كانت عليهم حسرة يوم القيامة (1). و انّه ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم اللّه عزّ و جلّ و لم يصلّوا على نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ كان ذلك المجلس حسرة و وبالا عليهم (2). و انّ الملائكة يمرّون على حلق الذكر فيقومون على رؤوسهم و يبكون لبكائهم، و يؤمنّون على دعائهم، فإذا صعدوا إلى السماء يقول اللّه: يا ملائكتي! اين كنتم؟ و هو اعلم، فيقولون يا ربّنا إنّا حضرنا مجلسا من مجالس الذكر فرأينا اقواما يسبّحونك و يمجّدونك و يقدّسونك، يخافون نارك، فيقول اللّه سبحانه: يا ملائكتي ازودها عنهم، و أشهدكم أنّي قد غفرت لهم، و امنتهم ممّا يخافون، فيقولون: ربّنا انّ فيهم فلانا و انّه لم يذكرك، فيقول اللّه سبحانه: قد غفرت له بمجالسته لهم، فانّ الذاكرين من لا يشقى جليسهم (3)، و انّه قال لقمان لابنه: يا بنّي! اختر المجالس على عينيك، فان رأيت قوما يذكرون اللّه عزّ و جلّ فاجلس معهم فانك ان تك عالما يزيدوك علما و ان كنت جاهلا علمّوك (4).
و ينبغي الاكثار من ذكر اللّه تعالى باللّيل و النهار، لما ورد عنهم عليهم السّلام من انّ: من أكثر ذكر اللّه احبّه اللّه و اظلّه في جنّته. و من ذكر اللّه كثيرا كتبت له براءتان: براءة من النّار و براءة من النفاق (5)، و انّه ما من شيء إلاّ و له حدّ ينتهي إليه إلاّ الذكر فإنّه ليس له حدّ ينتهي إليه، و قد قال اللّه سبحانه:
يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا اَللّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً (6)و لم
ص:72
يجعل له حّدا ينتهي إليه، و قد جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خير أهل المسجد أكثرهم للّه عزّ و جلّ ذكرا، و جعل ذكر اللّه كثيرا خير الأعمال، و ارفعها في الدرجات، و ازكاها عند المليك، و خيرا من الدينار و الدرهم، و خيرا ممّا طلعت عليه الشمس (1). و جعل الصادق عليه السّلام اكرم الخلق على اللّه أكثرهم ذكرا للّه و اعملهم بطاعته (2)، و انّ من أكثر ذكر اللّه احبّه اللّه، و من لم يذكر اللّه ابغضه (3). و ورد عنهم عليهم السّلام الأمر باكثار ذكر اللّه عزّ و جلّ ما استطيع في كلّ ساعة من ساعات الليل و النهار، لأنّ اللّه تعالى امر بكثرة الذكر، و ان اللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، و لم يذكره احد من عباده المؤمنين إلاّ ذكره بخير (4). و ورد في حّد كثرة الذكر انّه اذا ذكر العبد ربّه في اليوم مائة مرّة كان ذلك كثيرا (5). و يظهر من جملة من الأخبار انّ المراد باكثار الذكر المتأكّد عليه هو الذكر القلبي، فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ: من اشدّ ما فرض اللّه على خلقه ذكر اللّه كثيرا [كثيرا]، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اما لا اعني «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله إلاّ اللّه و اللّه اكبر» و ان كان منه، و لكن ذكر اللّه عند ما احلّ و حرّم، فان كان طاعة عمل بها، و ان كان معصية تركها (6).
و ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ: من اطاع اللّه فقد ذكر اللّه و ان
ص:73
قلّت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن، و من عصى اللّه فقد نسي اللّه و ان كثرت صلاته و صيامه و تلاوته القرآن (1)، و قد ذكرنا بعض ما يتعلّق بالذكر القلبي في الفصل الثالث من مراة الرشاد، فراجع.
ثم انّه لا فرق في استحباب اكثار الذكر بين الخلاء و الملأ، و السّر و العلن، فقد ورد عنهم عليهم السّلام: انّ شيعتنا الذين اذا خلوا ذكروا اللّه كثيرا (2)، و انه قال اللّه سبحانه لعيسى عليه السّلام: يا عيسى! ألن لي قلبك، و أكثر ذكري في الخلوات، و اعلم انّ سروري ان تبصبص إلّي (3). و انّه قال اللّه عزّ و جلّ: يا بن آدم! اذكرني في ملأ اذكرك في ملأ خير من ملأ [الآدميين]، و من ذكّرني في ملأ من الناس ذكرته في ملأ من الملائكة (4). و ورد انّ اللّه لمّا انزل في بعض كتبه المنزلة: انا عند ظنّ عبدي، فليظّن بي ما شاء، و انا مع عبدي اذا ذكرني، فمن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، و من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، و من تقّرب إلّي شبرا تقرّبت إليه ذراعا، و من تقرب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا، و من اتاني مشيا اتيته هرولة، و من أتاني بقرب الأرض خطيئة اتيته بمثلها مغفرة ما لم يشرك بي شيئا (5).
نعم الذكر في السّر أفضل لأنّه ابعد من الرياء، و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اُذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً (6)، فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس
ص:74
الرجل غير اللّه لعظمته (1)، و انّه قال سبحانه: من ذكرني سّرا ذكرته علانية (2)، و انّ من ذكر اللّه عزّ و جلّ في السّر فقد ذكر اللّه كثيرا. و انّ المنافقين كانوا يذكرون اللّه علانية و لا يذكرونه في السّر 3، فقال اللّه عزّ و جلّ: يُراؤُنَ اَلنّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اَللّهَ إِلاّ قَلِيلاً (3).
نعم يتأكّد حسن الذكر في العلن عند الغافلين، لما ورد عنهم عليهم السّلام من انّ الذاكر للّه عزّ و جلّ في الغافلين كالمقاتل في الفّارين و المقاتل في الفارين له الجنّة (4)، و انّ من ذكر اللّه في السوق مخلصا عند غفلة النّاس و شغلهم بما هم فيه كتب اللّه له ألف حسنة و غفر اللّه له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر (5).
و ينبغي الخشوع في الذكر لامره سبحانه موسى عليه السّلام بذلك بقوله: و كن عند ذكري خاشعا (6). و لا يتأكد المبالغة في رفع الصوت بالذكر لما ورد من انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان في غزاة فاشرفوا على واد فجعل الناس يهللون و يكبّرون و يرفعون اصواتهم فقال: ايّها الناس! اربعوا على انفسكم اما إنّكم لا تدعون اصّم و لا غائبا، و إنّما تدعون سميعا قريبا معكم (7).
و يتأكّد استحباب الذكر في موارد:
ص:75
فمنها: المنزل، لما ورد من انّ البيت الذّي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللّه فيه تكثر بركته، و تحضره الملائكة، و تهجره الشياطين، و يضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدرّي لأهل الأرض، و البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر اللّه فيه تقلّ بركته، و تهجره الملائكة، و تحضره الشياطين (1).
و منها: ما ذكر من محلّ غفلة الناس عن الذكر من سوق و نحوه (2).
و منها: السوق، فعن أمير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: اكثروا ذكر اللّه اذا دخلتم الاسواق و عند اشتغال الناس، فإنّه كفّارة للذنوب، و زيادة في الحسنات، و لا تكتبون في الغافلين (3).
و منها: عند غفلة القلب و سهوه بحيث لا يذكر به خير و لا شر، و لا يدري اين هو، لورود الامر بذكر اللّه عزّ و جلّ حينئذ (4).
و منها: عند الوسوسة و حديث النفس، لما ورد من انّ رجلا اتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم! إنّي نافقت، فقال: و اللّه ما نافقت، و لو نافقت ما اتيتني، فعلمني ما الذي رابك؟ اظنّ العدّو الحاضر اتاك، فقال لك! من خلقك؟ فقلت: اللّه خلقني، فقال: من خلق اللّه؟ فقال: أي و الذي بعثك بالحقّ لكان كذا، فقال: انّ الشيطان اتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم فاتاكم من هذا الوجه لكي يستزّلكم، فإذا كان كذلك فليذكر احدكم اللّه وحده (5).
ص:76
و ورد الأمر بالتهليل لازالة وسوسة الشيطان (1).
و ورد غير ذلك، فقد ورد عنهم عليهم السّلام انه شكا قوم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما يعرض لهم لأن تهوى بهم الريح أو يقطّعوا احبّ إليهم من ان يتكلمّوا به. . إلى ان قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و الذي نفسي بيده انّ ذلك لصريح الإيمان، فإذا وجدتموه فقولو: «آمنّا باللّه و رسوله و لا حول و لا قّوة إلاّ باللّه» (2).
و منها: عند سلوك الوادي، لما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّه: ما من عبد سلك واديا فيبسط كفّه فيذكر اللّه و يدعو إلاّ ملأ اللّه ذلك الوادي حسنات (3).
و منها: عند خوف الصاعقة، لما ورد عنهم عليهم السّلام من انّ الصاعقة لا تصيب ذاكرا للّه عزّ و جلّ (4)، و انّ المؤمن يموت بكل ميتة يموت غرقا و يموت بالهدم و يموت بالصاعقة، و لا تصيب ذاكرا للّه عزّ و جلّ (5).
و منها: عند حاجة إلى اللّه عزّ و جلّ، لما ورد عنهم عليهم السّلام من ان اللّه عزّ و جلّ يقول: من شغل بذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما أعطي من يسألني (6)، و ورد انّ العبد لتكون له الحاجة إلى اللّه عزّ و جلّ فيبدأ بالثناء على اللّه و الصلاّة على محمّد و آله حتى ينسى حاجته فيقضيها اللّه له من غير ان يسأله
ص:77
اياهّا (1). و من هنا أفتى بعضهم بافضلّية الذكر من الدعاء، و يدلّ عليه ايضا قول الصادق عليه السّلام: انّ اللّه يقول: من شغل بذكري عن مسألتي اعطيته أفضل ما اعطي من سألني (2).
و منها: عند الصباح و المساء و بعد الصبح و العصر، لما ورد من قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ارتعوا في رياض الجنة، فقيل له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و ما رياض الجنّة؟ فقال: الذكّر غدّوا و رواحا، فاذكروا (3).
و ورد انّ ذكر اللّه بالغدوّ و الآصال خير من حطم السيوف في سبيل اللّه (4).
ثم انّ كلّما يعدّ ذكرا للّه عزّ و جلّ حسن جميل، لكن ورد التأكيد في جملة من الأذكار.
و قد ورد الأمر بالابتداء بها مخلصا للّه سبحانه مقبلا بالقلب إليه في كلّ فعل صغيرا كان أو كبيرا، و كلّ ما يحزن صاحبه، فعن أمير المؤمنين عليه السّلام: انّ اللّه يقول: انا احّق من سئل و اولى من تضّرع إليه، فقولوا عند افتتاح كلّ امر صغير أو عظيم بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ، أي استعين على هذا الأمر باللّه الذي لا تحقّ العبادة لغيره المغيث اذا استغيث. . إلى ان قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من حزنه أمر يتعاطاه فقال: «بسم اللّه الرّحمن الرحّيم» و هو مخلص للّه يقبل بقلبه إليه لم ينفك من احدى اثنتين: اما بلوغ حاجته في الدنيا، و امّا يعدّ له عند ربّه و يدخّر له لديه، و ما عند اللّه
ص:78
خير و أبقى للمؤمنين (1).
و ورد انّ كلّ امر من وضوء أو أكل أو شرب أو غير ذلك لم يسّم عليه كان للشيطان فيه شرك (2)، و انّ الشيعي لا يترك البسملة عند أفتتاح أمر من أموره إلاّ و يمتحنه اللّه بمكروه لينبّهه على شكر اللّه و الثناء عليه، و يمحو و صمة تقصيره عند تركه البسملة (3).
و ورد انّ اسم اللّه فاتق للرتوق، و خائط للخروق، و مسّهل للوعود، و جنّة من الشرور، و حصن من محن الدهور، و شفاء لما في الصدور، و امان يوم النشور (4).
و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بغلق ابواب المعصية بالاستعاذة، و فتح ابواب الطاعة بالتسمية (5).
فقد ورد عنهم عليهم السّلام انّه احّب الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ (6). و انّ من قال أربع مرّات اذا أصبح: «الحمد للّه ربّ العالمين» فقد أدّى شكر يومه، و من قالها: اذا أمسى فقد أدّى شكره ليلته (7). و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحمد اللّه في كل يوم ثلاثمائة و ستين مرّة عدد عروق الجسد (8)، يقول:
ص:79
«الحمد للّه ربّ العالمين كثيرا على كل حال» (1). و انّ من قال: «الحمد للّه كما هو أهله» شغل كتّاب السماء لأنّهم يقولون: اللّهم انّا لا نعلم الغيب (2)، فيقال: اكتبوها كما قالها عبدي و علّي ثوابها (3).
و يستحب الاكثار من الحمد للّه عند تظاهر النعم، للأمر بذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4)، و لما ورد عنهم عليهم السّلام من انّه: ما انعم اللّه على عبد بنعمة بالغة ما بلغت فحمد اللّه عليها إلاّ كان حمده للّه أفضل من تلك النعمة و أعظم و اوزن (5)، و ان الحمد للّه ارجح في ميزانه من سبع سموات و سبع أرضين (6)، و ان أوّل من يدعى إلى الجنّة يوم القيامة الذين يحمدون اللّه في السرّاء و الضراء (7). و ان شكر كلّ نعمة-و ان عظمت-ان تحمد اللّه عزّ و جلّ (8). و انه ما أنعم اللّه على عبد نعمة فعرفها بقلبه و جهر بحمد اللّه عليها ففرغ منها حتى يؤمر له بالمزيد (9).
ص:80
و يستحّب حمد اللّه عند النظر في المرآة (1). كما مرّ في المقام الثاني من الفصل السابع.
فقد ورد انّه خير الدعاء، و خير العبادة (2). و انّه الممحاة للذنوب (3)، و انّه اذا أكثر العبد من الاستغفار رفعت صحيفته و هي تتلألأ (4)، و انّ من كثرت همومه فعليه بالاستغفار (5). و انّ للقلوب صدى كصداء النحاس فاجلوها بالاستغفار (6). و انّ من أكثر الاستغفار جعل اللّه له من كلّ همّ فرجا، و من كلّ ضيق مخرجا، و رزقه من حيث لا يحتسب (7)، و ان مثل الاستغفار مثل ورق على شجرة تحرّك فتناثر (8). . إلى غير ذلك من فوائده، و قد تقدّم بعض آخر في آخر الفصل السابق في فروع التوبة.
و روي انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان لا يقوم من مجلس-و انّ خف-حتّى يستغفر اللّه خمسا و عشرين مرّة (9)، و قد مرّ انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يستغفر كلّ يوم سبعين مرّة (10)أو مائة مرّة.
ص:81
و يتأكد استحباب الاستغفار بالاسحار، و في الوتر، كما مرّ في آخر الفصل السابق و في الفصل السادس، و يستحب الاستغفار للأبوين إلاّ اذا كانا كافرين (1).
فقد ورد انّه ليس شيء أحّب إلى اللّه سبحانه من التهليل و التكبير (2). و يكره قول: اللّه أكبر من كلّ شيء (3)، لا بهامه بالتحديد له تعالى، فانّه لا شيء ثمّة حتى يكون أكبر منه، بل يطلق أو يقال «اللّه أكبر من ان يوصف» . نعم قال عليه السّلام في دعاء الحجر الاسود: «اللّه اكبر من خلقه، اللّه أكبر ممّن أخشى و احذر» (4).
فقد ورد انّ ثمن الجنّة لا اله إلاّ اللّه (5). و انّ خير العبادة قول: لا اله إلاّ اللّه (6)، و انّه ما من الكلام كلمة احّب إلى اللّه من قول: لا اله إلاّ اللّه (7)، و انّ من قال: لا اله إلاّ اللّه غرست له شجرة في الجنة من ياقوتة حمراء، منبتها في مسك أبيض، احلى من العسل، و أشّد بياضا من الثلج، و أطيب ريحا من المسك، فيها أمثال ثدي الابكار، تعلو عن سبعين حلّة (8). و انّه ليس على اصحاب:
ص:82
لا إله إلاّ اللّه وحشة في قبورهم (1). و انّ اللّه سبحانه قال لموسى عليه السّلام: لو انّ السموات السبع و عامريهن عندي و الأرضين السبع في كفّة و لا إله إلاّ اللّه في كفّة مالت بهّن لا إله إلاّ اللّه (2). و انّه ليس شيء إلاّ و له شيء يعدله و لا إله إلاّ اللّه لا يعدلها شيء (3). و انّه ما من عبد مسلم يقول: لا إله إلاّ اللّه إلاّ صعدت تخرق كلّ سقف، لا تمّر بشيء من سيئّاته إلاّ طلبتها حتى تنتهي إلى مثلها من الحسنات فتقف (4)، و انّ من قال: لا اله إلاّ اللّه-من غير تعجّب-خلق اللّه منها طائرا يرفرف على رأس صاحبها إلى ان تقوم الساعة، و تذكّر لقائلها (5)، و انّ للّه عزّ و جلّ عمودا من ياقوتة حمراء رأسه تحت العرش و اسفله على ظهر الحوت في الأرض السابعة السفلى، فإذا قال العبد: لا إله إلاّ اللّه اهتّز العرش، فيقول اللّه تعالى له: اسكن يا عرشي فيقول: كيف اسكن و أنت لم تغفر لقائلها؟ ! فيقول تبارك و تعالى: اشهدوا سكانّ سماواتي أنّي قد غفرت لقائلها (6).
و يستحب قول «لا اله إلاّ اللّه وحده وحده وحده» (7)، و قول: «لا اله إلاّ اللّه وحده مخلصا» (8).
ص:83
و يستحب رفع الصوت بالتهليل، فإنه ما من مسلم يقول: لا اله الا اللّه يرفع بها صوته فيفرغ حتّى تناثر ذنوبه تحت قدميه كما يتناثر ورق الشجر تحتها (1).
و يستحب قول: «لا اله إلاّ اللّه» عند الوسوسة و حديث النفس (2).
فقد ورد انّ من قال «سبحان اللّه» من غير تعجّب خلّق اللّه منها طائرا أخضر يستّظل بظل العرش يسبّح فيكتب له ثوابه إلى يوم القيامة (3)، و انّ من قال «سبحان اللّه» فقد أنف للّه و حقّ على اللّه ان ينصره (4)، و انّ من قال: «سبحان اللّه و بحمده، سبحان اللّه العظيم و بحمده» كتب اللّه له ثلاثة آلاف حسنة، [و محا عنه ثلاثة آلاف سيّئة]، و رفع له ثلاثة آلاف درجة، و خلق منها طائرا في الجنّة يطير و يسبح إلى يوم القيامة، و كان أجر تسبيحه له (5).
و في خبر آخر: عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ من قال: «سبحان اللّه و بحمده» كتب اللّه له ألف ألف حسنة و محا عنه ألف ألف سيّئة، و رفع له ألف ألف درجة، و من زادزاده اللّه، و من استغفر غفر اللّه له (6).
و يستحب التسبيح بالتسبيحات الثلاث أو الأربع، و قد ورد ان التسبيح نصف الميزان، و الحمد للّه يملأ الميزان، و اللّه أكبر يملأ ما بين السماء و الأرض (7).
ص:84
و انّه اذا قالّ العبد: «سبحان اللّه» سبّح معه ما دون العرش فيعطى قائلها عشر أمثالها، و اذا قال: «الحمد للّه» انعم اللّه عليه بنعم الدّنيا موصولة بنعم الآخرة، و هي الكلمة التّي يقولها أهل الجنّة إذا دخلوها و ينقطع الكلام الذي يقولونه في الدنيا ما خلا الحمد للّه، و ذلك من قوله تعالى: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اَللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ (1). و اما قوله: «لا اله إلاّ اللّه» فالجنّة جزاؤه، و ذلك قول اللّه تعالى: هَلْ جَزاءُ اَلْإِحْسانِ إِلاَّ اَلْإِحْسانُ (2). يقول هل جزاء «لا اله إلاّ اللّه» إلاّ الجنّة (3). و ورد ان التسبيحات الأربع هي الكلمات اللاّتي أختارهن اللّه لابراهيم عليه السّلام حيث بنى البيت (4)، و ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لرجل: اذا أصبحت و امسيت فقّل «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر» ، فإنّ لك ان قلته بكلّ تسبيحة عشر شجرات في الجنّة من انواع الفاكهة، و هنّ الباقيات الصالحات (5)، و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر بالاكثار من التسبيحات الأربع لأنهّن يأتين يوم القيامة و لهّن مقدّمات و مؤخرّات و معقّبات، و هن الباقيات الصالحات (6). و انّها جنّة من النّار (7). و انّ اللّه يغرس بكل منها
ص:85
شجرة في الجنّة (1). و ان من نطق بالتسبيحات الأربع خلق اللّه منها أربعة أطيار تسبّحه و تقدّسه و تهلّله إلى يوم القيامة (2). و عن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنّة فرأيت فيها قيعانا، و رايت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب و لبنة من فضّة و ربّما امسكوا، فقلت لهم: ما لكم قد امسكتم؟ قالوا: حتى تجيئنا النفقة، فقلت: و ما نفقتكم؟ فقالوا: قول المؤمن: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر» ، فإذا قال بنينا و إذا امسك امسكنا (3).
و يستحبّ ورد كل من التسبيحات الأربع في كلّ يوم مائة مرّة، لما ورد: من سبّح اللّه مائة مرّة كلّ يوم كان أفضل ممّن ساق مائة بدنة إلى بيت اللّه الحرام، و من حمد اللّه مائة تحميدة كان أفضل ممّن أعتق مائة رقبة، و من كبّر اللّه مائة تكبيرة كان أفضل ممّن حمل على مائة فرس في سبيل اللّه بسرجها و لجمها، و من هلّل اللّه مائة تهليلة كان أفضل الناس عملا يوم القيامة، إلاّ من قال أفضل من هذا (4)، و قريب منه في خبر آخر (5).
فقد ورد انّه ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة ان لا اله إلاّ اللّه، انّ اللّه عزّ و جلّ لا يعدل شيء و لا يشركه في الأمور احد (6)، و انّ «اشهد ان لا اله إلاّ اللّه» كلمة عظيمة كريمة على اللّه عزّ و جلّ من قالها مخلصا استوجب الجنّة،
ص:86
و من قالها كاذبا عصمت ماله و دمه، و كان مصيره إلى النار (1). و ان من قال: «اشهد أن لا اله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد انّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله» كتب اللّه له ألف حسنة (2)، و انّ من شهد ان لا إله إلاّ اللّه و لم يشهد انّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رسول اللّه كتب اللّه له عشر حسنات، فإن شهد انّ محمّدا رسول اللّه كتب اللّه له (3)ألف حسنة (4)، و في الحديث القدسي: انّ اللّه نادى يا امّة محمّد! من لقيني منكم يشهد ان لا اله إلاّ انا وحدي، و انّ محمدا عبدي و رسولي ادخلته الجنة برحمتي (5).
أعني قول: لا حول و لا قّوة إلاّ باللّه، المفسر في كلام مولانا الصادق عليه السّلام بأنّه لا يحول بيننا و بين المعاصي إلاّ اللّه، و لا يقوّينا على اداء الطاعة و الفرائض إلاّ اللّه (7).
و قد ورد في فضله انّه اذا قال العبد ذلك قال اللّه عزّ و جلّ للملائكة: استسلم عبدي اقضوا حاجته (8)، و انّ من الّح عليه الفقر فليكثر من قوله، فإنّه
ص:87
ينفى عنه الفقر (1). و انّه اذا قاله العبد فقد فوّض امره إلى اللّه، و حقّ على اللّه ان يكفيه (2). و ان حملة العرش لمّا ذهبوا ينهضون بالعرش لم يستقلوه، فالهمهم اللّه هذا القول فنهضوا به (3). و انّ آدم شكا إلى اللّه من حديث النفس و الحزن فامره جبرئيل عليه السّلام بامر اللّه الجليل بالحوقلة، فحوقل فذهب عنه الوسوسة و الحزن (4). و ان من قال: «لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلّي العظيم» رفع اللّه عزّ و جلّ بها عنه تسعين نوعا من بلاء الدنيا ايسرها الخنق (5). و في نسخه: تسعة و تسعين، و ان من قال سبعين مرّة: «ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه» صرف اللّه عنه سبعين نوعا من انواع البلاء. و من قال كلّ يوم مائة مرّة: «لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه» دفع اللّه بها عنه سبعين نوعا من البلاء ايسرها الهمّ (6).
فإنّه من الاذكار الشريفة، و له خصوصّية عند المصائب، فقد قال اللّه تعالى: اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ اَلْمُهْتَدُونَ (7)و يأتي في أواخر الفصل الأخير أجر الاسترجاع عند المصيبة ان شاء اللّه تعالى.
ص:88
عدّه جمع في الأذكار، و فيه تأمّل، لأنّ الذكر اصطلاح لما لا طلب فيه، و الصلوات طلب، فهي دعاء لا ذكر، و حيث انّا استوفينا ما ورد فيها في ذيل ما حرّرناه في السّلام من التحيّات في المقام الثاني من الفصل السابق لم نعد ذلك هنا، لكون ذكرها هناك انسب.
و منها: جملة من الأذكار المنصوص على استحباب ان يقال في كل يوم أو ليلة:
فقد ورد انّ من قال كلّ يوم عشر مراّت «اشهد ان لا اله إلاّ اللّه وحده لا شريك له إلها واحدا احدا صمدا لم يتخّذ صاحبة و لا ولدا» كتب اللّه له خمسة و أربعين ألف حسنة، و محا عنه خمسة و أربعين ألف سيّئة، و رفع له خمسة و أربعين ألف درجة (1)، و كان كمن قرأ القرآن اثنتي عشرة مرّة (2)، و بنى اللّه له بيتا في الجنّة (3)، و كان له حرزا في يومه من الشيطان و السلطان، و لم تحط به كبيرة من الذنوب (4).
و ان من قال كل يوم: «لا اله إلاّ اللّه حقّا حقّا، لا اله إلاّ اللّه عبوديّة و رقا، لا اله إلاّ اللّه ايمانا و صدقا» أقبل اللّه عليه بوجهه، و لم يصرف عنه وجهه حتى يدخل الجنّة (5). و ان من قال: «اللهم إنّي اشهدك و أشهد ملائكتك المقربّين، و حملة عرشك المصطفين، انّك أنت اللّه لا اله إلاّ أنت الرحمّن الرحيم، و انّ
ص:89
محمّدا عبدك و رسولك، و ان. . فلان بن فلان (1)، امامي و وليّي، و انّ اباه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و علّيا و الحسن و الحسين. . و فلانا و فلانا حتى ينتهي إليه [يعني الى امام عصره عجلّ اللّه تعالى فرجه]أئمّتي و اوليائي على ذلك أحيا و عليه اموت، و عليه أبعث يوم القيامة، و ابرأ من. .» فلان و فلان و فلان، فإن مات في ليلته دخل الجنّة (2).
و إن من سبّح اللّه في كلّ يوم ثلاثين مرّة دفع اللّه عنه سبعين نوعا من البلاء ادناها الفقر (3).
و انّه ما من عبد يقول كل يوم سبع مراّت: «أسأل اللّه الجنّة و اعوذ باللّه من النار» إلاّ قالت النّار: يا ربّ اعذه منّي (4).
[و ان من قال في كلّ يوم ثلاثين مرّة: «لا اله إلاّ اللّه الملك الحقّ المبين» استقبل الغنى، و استدبر الفقر، و قرع باب الجنّة] (5).
و ان من قال: مائة مرّة: «لا اله إلاّ اللّه الملك الحق المبين» اعاذه اللّه. العزيز الجبار من الفقر، و آنس وحشة قبره، و استجلب الغناء، و استقرع باب الجنّة (6)، و من قال: «لا اله إلاّ اللّه» مائة مرّة كان أفضل الناس ذلك اليوم
ص:90
عملا إلاّ من زاد (1)، و من قال: «سبحان اللّه» مائة مرّة كان ممّن ذكر اللّه كثيرا (2). و من قال في كلّ يوم سبع مرّات «الحمد للّه على كلّ نعمة كانت أو هي كائنة» فقد أدّى شكر ما مضى و شكر ما بقى (3). و من قال: «لا اله إلاّ اللّه وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيّ و يميت بيده الخير و هو على كلّ شيء قدير» مائة مرّة في كلّ يوم فهو يومئذ أفضل الناس عملا إلاّ من قال مثل قوله أو زاد قول: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العلّي العظيم» (4).
و من قال كلّ يوم اربعمائة مرّة مدّة شهرين متتابعين: «استغفر اللّه الذي لا اله إلاّ هو الحي القيّوم [الرحمن الرحيم]بديع السموات و الأرض من جميع ظلمي و جرمي (5)، و اسرافي على نفسي و اتوب إليه» رزق كنزا من علم، أو كنزا من مال (6). . إلى غير ذلك من الأذكار.
و منها: ما ورد التنصيص على رجحان الذكر به في كلّ صباح و مساء.
فقد ورد انّ من قال حين يمسي ثلاث مرّات «سبحان اللّه حين تمسون و حين تصبحون و له الحمد في السموات و الأرض و عشّيا و حين تظهرون» لم يفته خير يكون في تلك الليلة، و صرف عنه جميع شرّها (7)، و من قال مثل ذلك حين
ص:91
يصبح لم يفته خير يكون في ذلك اليوم و صرف عنه جميع شره (1)، و انّ من كبّر اللّه مائة تكبيرة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها كتب اللّه له من الأجر كاجر من أعتق مائة رقبة (2)، و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان في كلّ يوم اذا أصبح و طلعت الشمس يقول: «الحمد للّه رب العالمين كثيرا طيّبا على كل حال» يقولها ثلاثمائة و ستين مرّة شكرا (3). و انّ من قال اذا أصبح عشرا و اذا امسى عشرا «اللهّم إنّي أشهدك انّه ما اصبح و امسى بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد، و لك الشكر بها عليّ يا ربّ حتى ترضى و بعد الرضى» سمّي بذلك عبدا شكورا (4). و كان قد ادّى شكر ما انعم عليه في ذلك اليوم، و في تلك الليلة، و انّ من قال اذا اصبح «اصبحت و ربّي محمودا، اصبحت لا اشرك باللّه شيئا، و لا ادعو مع اللّه الها آخر، و لا أتخّذ من دونه وليّا» و اذا أمسى قال مثل ذلك مبدلا «اصبحت» «بامسيت» سمّي عبدا شكورا (5).
و انّه فريضة على كلّ مسلم ان يقول عشر مرّات قبل طلوع الشمس، و عشر مرّات قبل غروبها «لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك، و له الحمد، يحي و يميت و هو حيّ لا يموت بيده الخير و هو على كلّ شيء قدير» قال الراوي: فقلت مثل ذلك و زدت و يميت و يحيى بعد يحي و يميت فقال: يا
ص:92
هذا، لا شكّ في انّ اللّه يحيي و يميت و يميت و يحيي، و لكن قلّ كما أقول (1).
و ورد في خبر آخر قول عشر مرّات حين تطلع الشمس، و عشر مرات حين تغرب «لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و يميت و يحيي و هو على كل شيء قدير» فزاد الراوي-بيده الخير-فقال عليه السّلام: انّ بيده الخير و لكن قل كما أقول لك (2).
في الخبرين دلالة على لزوم عدم التعدّي في الاذكار و الأدعية الواردة عن الوجه المأثور، و ان لتراكيبها خصوّصية تزول حتّى بالزيادة الغير المخلّة، بل الزيادة المؤكّدة أيضا كما هنا، و أما اختلاف الدعاءين فلعلّه لاختلاف وقتيهما، فإنّ وقت الأوّل قبل الطلوع و الغروب، و وقت الثاني حينهما، فتدبّر جيّدا.
و ورد-أيضا-قول عشر مرّات قبل طلوع الشمس و عشرا قبل الغروب «أعوذ باللّه السميع العليم من همزات الشياطين، و أعوذ بك ربي ان يحضرون، انّ اللّه هو السميع العليم» (3). و ورد الأمر بقضاء ذلك و ما قبله من قول عشر مرّات «لا اله إلاّ اللّه. .» إلى آخره لمن نسي في وقته، كما يقضي الصلاة (4).
ص:93
و ورد انّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول اذا أصبح «سبحان اللّه الملك القدوس» ثلاثا «اللهّم أني اعوذ بك من زوال نعمتك، و من تحويل عافيتك، و من فجأة نقمتك، و من درك الشقاء، و من شرّ ما سبق في الليل، اللّهم إنّي اسألك بعزة ملكك، و شدّة قوتّك، و بعظيم سلطانك، و بقدرتك على خلقك» قال عليه السّلام: ثم سل حاجتك (1).
و ورد الأمر بإن يقال بعد الصبح «الحمد لرّب الصباح، الحمد لفالق الإصباح» ثلاث مرّات «اللّهم أفتح لي باب الأمر الّذي فيه اليسر و العافية، اللّهم هيّىء لي سبيله و بصرّني مخرجه، اللّهم ان كنت قضيت لأحد من خلقك مقدرة علّي بالشّر فخذه من بين يديه، و من خلفه، و عن يمينه، و عن شماله، و من تحت قدميه، و من فوق رأسه، و أكفنيه بما شئت، و من حيث شئت، و كيف شئت» (2).
و ورد الأمر بأن يقال عند الصباح و المساء «الحمد لرّب الصباح الحمد لفالق الإصباح» مرتين «الحمد للّه الذي أذهب (3)بالليل بقدرته و جاء بالنهار برحمته و نحن في عافية» ثم يقرأ آية الكرسي و عشر آيات من الصافّات و «سبحان ربك ربّ العزّة عمّا يصفون، و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين فسبحان اللّه حين تمسون و حين تصبحون و له الحمد في السموات و الأرض و عشّيا و حين تظهرون، يخرج الحيّ من الميت و يخرج الميت من الحيّ، و يحيي الارض بعد موتها و كذلك تخرجون، سبوح قدّوس ربّ الملائكة و الروح، سبقت رحمتك غضبك لا اله إلاّ أنت سبحانك انّي عملت سوء و ظلمت نفسي فاغفر لي و أرحمني
ص:94
و تب علّي إنك أنت التواّب الرحيم» (1). و ورد انّ من قال حين يطلع الفجر: «لا إله إلاّ أنت وحده لا شريك له، له الملك، و له الحمد، يحيي و يميت، و هو حّي لا يموت بيده الخير و هو على كل شيء قدير» عشر مرّات، و صلّى على محمّد و آله عشر مرّات، و سبّح خمسا و ثلاثين مرّة، و هلّل خمسا و ثلاثين مرّة، و حمد اللّه خمسا و ثلاثين مرّة، لم يكتب في ذلك الصباح من الغافلين، و إذا قال في المساء كذلك لم يكتب في تلك الليلة من الغافلين (2).
ص:95
يستحب الدعاء في جميع الأوقات، و قد ورد انّ أعجز الناسّ من عجز عن الدعاء (1)، و انّ أفضل العبادة الدعاء (2)، و انّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ في الأرض الدعاء (3)، و انّه اذا أذن اللّه لعبده في الدعاء فتح له ابواب الرحّمة، و انّه لن يهلك مع الدعاء أحد (4)، و انّ الدعاء مخّ العبادة (5)، و أنّه ما من شيء أفضل عند اللّه عزّ و جلّ من ان يسأله العبد و يطلب ما عنده (6)، و انّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربّهم بإفضل من الدعاء، و الرغبة إليه، و التضّرع إليه، و المسألة منه (7).
و يستحبّ الأكثار من الدعاء، لما ورد من انّه ليس من باب يقرع إلاّ يوشك ان يفتح لصاحبه (8). و ان الدعاء ترس المؤمن، و متى تكثر قرع الباب
ص:96
يفتح لك (1). و ان الدعاء كهف الإجابة كما انّ السحاب كهف المطر (2). و وردت الأوامر الأكيدة بإكثار الدعاء لأنه مفتاح كلّ رحمة، و نجاح كل حاجة، و لا ينال ما عند اللّه إلاّ به (3)، و انّ اللّه يحب من عباده المؤمنين ان يدعوه و وعدهم الإجابة، و انّه سبحانه مصيّر (4)دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم في الجنّة (5)، و إنّ الدعاء يرّد القضاء بعد ما أبرم إبراما (6)، و انّه ما من مسلم دعا اللّه سبحانه دعوة ليس فيها قطيعة رحم و لا إثم إلاّ أعطاه اللّه أحدى خصال ثلاث: امّا ان يعجّعل دعوته، و امّا ان يدخّر له، و امّا ان يدفع عنه من السوء مثلها (7).
و يحرم ترك الدعاء استكبارا عنه، لما ورد من تفسير العبادة في قوله سبحانه: إِنَّ اَلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (8)بالدعاء (9). و ورد انّه ما من أحد ابغض إلى اللّه عزّ و جلّ ممّن يستكبر عن عبادته، و لا يسأل ما عنده (10). و ان من لم يسأل اللّه تعالى من فضله أفتقر (11). و انه يدخل الجنّة رجلان كانا يعملان عملا واحدا فيرى أحدهما صاحبه فوقه، فيقول: يا رب! بما أعطيته و كان عملنا واحدا؟ ! فيقول اللّه تعالى: سألني و لم تسألني.
ص:97
و يكره ترك طلب الحاجة الصغيرة استصغارا لها، للنهي عن ترك ذلك، معلّلا بإنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار (1). و قال عليه السّلام: ليس شيء أحّب إلى اللّه عزّ و جلّ من ان يسأل، فلا يستحي أحدكم ان يسأل اللّه من فضله و لو شسع نعل (2). و قد قال اللّه سبحانه لموسى عليه السّلام: سلني كلّما تحتاج حتى علف شاتك، و ملح عجينك (3).
و ينبغي بثّ الحوائج و تسميتها فردا فردا عند الدعاء، لما ورد من انّ اللّه يحب ان يبث إليه الحوائج، فإن دعوت فسمّ حاجتك (4).
و يكره ترك الدّعاء اتكّالا على القضاء و القدر، فإنّ عند اللّه منزلة لا تنال إلاّ بمسألته، و الذي قضى و قدّر هو الذّي أمر بالدعاء و وعد الإجابة، و حذّر على الترك.
و قد ورد ان الدعاء يرّد البلاء و قد قدّر و قضي، و لم يبق إلاّ أمضاؤه، فإذا دعا اللّه عزّ و جلّ و سأل صرف البلاء صرفه (5)، و انّ الدعاء و البلاء ليترافعان إلى يوم القيامة، ان الدعاء ليّرد البلاء و ينقض القضاء، و قد نزل من السماء و ابرم ابراما (6).
و يستحب التقّدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء، و يكره تأخيره، لما ورد من انّ من تقدم في الدعاء استجيب له اذا نزل به البلاء، و قيل صوت معروف و لم يحجب من السماء، و من لم يتقدم في الدعاء لم يستجب له اذا نزل به
ص:98
البلاء. و قالت الملائكة: انّ ذا الصوت لا نعرفه (1)، و انّ الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء (2). و ان من تخوف بلاء يصيبه فتقدم فيه بالدعاء لم يره اللّه ذلك البلاء ابدا (3). و انّ ما من أحد أبتلي و ان عظمت بلواه باحّق بالدعاء من المعافى الذّي لا يأمن البلاء (4). و لذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تعرّف إلى اللّه في الرخاء يعرفك في الشّدة (5)، و ورد انّ الدعاء بعد ما ينزل البلاء لا ينتفع به (6)، و المراد به عدم الانتفاع به مثل الانتفاع به قبل نزوله، فإنه قبل نزوله يمنع من نزوله، و اما بعده فلا يزيل ما قد وقع، و انّما ينفع في قطع استمراره فيما يستقبل، فليس المراد بعدم الانتفاع به عدم فائدة له في رفعه بوجه، و سقوط استحباب الدعاء بعد نزول البلاء، كما يوضح ما قلناه. و ورد الأمر بالدعاء في خصوص أوقات و احوال:
منها: عند نزول البلاء و الكرب و بعده.
و ورد انّه ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه اللّه عزّ و جلّ الدعاء إلاّ كان كشف ذلك البلاء وشيكا، و ما من بلاء ينزل على مؤمن فيمسك عن الدعاء إلاّ كان ذلك البلاء طويلا، فإذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء و التضرّع إلى اللّه عزّ و جلّ (7). و قال الصادق عليه السّلام لجماعة-منهم هشام بن سالم-: هل تعرفون طول البلاء من قصره؟ قالوا: لا، قال: اذا ألهم أحدكم الدعاء عند
ص:99
البلاء فاعلموا انّ البلاء قصير (1).
و يتأكّد الدعاء في احوال و أوقات اخر:
فمن الأحوال، ما اذا خاف من الأعداء و توقّع البلاء، لما ورد من قول النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أ لا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم و يدّر أرزاقكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربّكم بالليل و النهار، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء (2). و ورد انّ الدعاء انظر من السنان الحديد و انفذ منه (3)، و انه ترس المؤمن (4)، و عمود الدين، و نور السموات و الأرضين (5)، و انه مفاتيح النجاح، و مقاليد الفلاح (6)، و انه جنّة منجية تردّ البلاء و قد أبرم إبراما (7).
و منها: عند نزول المرض و السقم، لما ورد من انّ الدعاء شفاء من كلّ داء (8).
و منها: عند هبوب الرياح، لما ورد من الأمر بطلب الدعاء في أربع ساعات، احداها: ساعة هبوب الريح، معللا بان أبواب السماء تفتح عند
ص:100
تلك الأشياء (1).
و منها: عند نزول الغيث، لعدّه عليه السّلام ذلك ثالث الأربعة المذكورة.
و منها: عند اول قطرة من دم القتيل المؤمن، لعدّه عليه السّلام ذلك رابع الأمور المذكورة (2).
و منها: عند الأذان، للامر باغتنام الدعاء عند خمسة مواطن هذا أحدها (3).
و منها: عند قراءة القرآن، لعدّه عليه السّلام ذلك من جملة المواطن الخمسة.
و منها: عند التقاء الصفّين للشهادة و الزحف، لجعله عليه السّلام ذلك من جملة الخمسة مواطن.
و منها: عند المظلوميّة، عدّه عليه السلام من الخمسة، و علّل بإنّه ليس لدعوة المظلوم حجاب دون العرش (4).
و منها: عند ظهور آية معجزة للّه سبحانه في خلقه، لما ورد من انّه لا يحجب حينئذ الدعاء عن اللّه عزّ و جلّ (5).
و منها: عند رقة القلب و حصول الاخلاص و الخوف من اللّه، لما ورد من انّه إذا رّق أحدكم فليدع فإنّ القلب لا يرّق حتّى يخلص (6). و بالاخلاص
ص:101
يكون الخلاص، فإذا أشتد الفزع فالى اللّه المفزع 1.
و منها: عند ادماع العين و عروض البكاء، للامر بالدعاء حينئذ. و قال عليه السّلام: اذا اقشعرّ جلدك و دمعت عيناك [و وجل قلبك]فدونك دونك فقد قصد قصدك 2.
و منها: عقيب الصلوات، لورود الأمر الأكيد بالدعاء حينئذ لأنّه مستجاب 3، و انّ من أدّى فريضة فله في أثرها دعوة مستجابة 4. و انّ الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفّلا 5، و انّ فضل الدعاء بعد الفريضة على الدعاء بعد النافلة كفضل الفريضة على النافلة 6.
و أما الأوقات التي يتأكد فيها استحباب الدعاء:
فمنها: ما قبل طلوع الشمس و غروبها و حينهما، لما ورد من أنّهما ساعة اجابة 7، و انّ ابليس لعنه اللّه يبّث جنود الليل من حين تغيب الشمس و تطلع، فأكثروا ذكر اللّه في هاتين الساعتين و تعوّذوا باللّه من شرّ ابليس و جنوده، و عوذّوا
ص:102
صغاركم في هاتين الساعتّين، فإنّهما ساعتا غفلة (1)، و ورد انّ الدعاء مع طلوع الشمس و غروبها واجب (2)، و ورد الأمر بان يدعى في كلّ صباح و مساء ثلاث مرات بقول: «اللّهم أجعلني في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد» (3)، و قد سمّاه الصادق عليه السّلام بالدعاء المخزون (4).
و منها: الليل، لما ورد من انه كان فيما ناجى اللّه به موسى بن عمران عليه السّلام: يا بن عمران! كذب من زعم انه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عنّي، أ ليس كل محّب يحّب خلوة حبيبه؟ ! ها انا ذا يا بن عمران مطلع على قلوب أوليائي اذا جنّهم الليل حولت ابصارهم في قلوبهم، و مثلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبوني عن المشاهدة و يكلّموني عن الحضور. يا بن عمران! هبّ لي من قلبك الخشوع، و من بدنك الخضوع، و من عينيك الدموع، و أدعني في ظلم الليالي فإنّك تجدني قريبا مجيبا (5). و يتأكّد ذلك ليلة الجمعة، لما ورد عن الباقر عليه السّلام من انّ اللّه تعالى ينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أوّل الليل إلى آخره: الاّ عبد مؤمن يدعوني لدينه و دنياه قبل طلوع الفجر فاجيبه، الاّ عبد مؤمن يتوب إليّ قبل طلوع الفجر فاتوب عليه، الاّ عبد مؤمن قد قتّرت عليه رزقه يسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فازيده و اوسّع عليه، الاّ عبد مؤمن سقيم يسألني ان أشفيه قبل طلوع الشمس فاعافيه، الاّ عبد مؤمن
ص:103
محبوس مغموم يسألني ان اطلقه من سجنه و أخلّي من سربه، الاّ عبد مؤمن مظلوم يسألني ان آخذ بظلامته قبل طلوع السحر فانتصر له بظلامته. قال: فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر (1).
و منها: الثلث الأوّل من النصف الثاني من الليل، لما ورد عن الصادق عليه السّلام من: انّ في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم يصلّي و يدعو اللّه عزّ و جلّ فيها إلاّ استجاب له في كلّ ليلة، فسئل عليه السّلام عن تلك الساعة؟ فقال: اذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي، و في خبر آخر: هي السدس الأوّل من أوّل النصف الباقي، و مقتضى الجمع بينهما كون السدس الأول من النصف الأخير أرجح من السدس الثاني منه (2).
و منها: آخر الليل، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّه: اذا كان آخر الليل يقول اللّه عزّ و جلّ: هل من داع فأجيبه؟ و هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه (3)؟
و منها: وقت السحر، لما ورد عنه عليه السّلام من انّ خير وقت دعوتم اللّه فيه الاسحار (4).
ص:104
و منها: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس: سيّما الدعاء للرزق، لما ورد من الأمر بطلب الرزق حينئذ لأنه اسرع في طلب الرزق من الضرب في الأرض، و هي الساعة التّي تفتح فيها ابواب السماء، و تقضى فيها الحوائج العظام، و يقسم اللّه فيها الرزق بين عباده (1).
و منها: اوقات الصلوات، لما ورد من انّ ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة، و ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة، و أفضل ساعات الليل و النهار أوقات الصلوات (2).
و منها: وقت زوال الشمس، لما ورد من ان زين العابدين عليه السّلام كان اذا كانت له حاجة إلى اللّه طلبها عند زوال الشمس (3)، و ان ابواب السماء تفتح حينئذ، و ينظر اللّه إلى خلقه (4).
و يستحب للداعّي مراعاة امور لها مدخل في كمال الدعاء و بلوغه درجة الإجابة:
فمنها: الاقبال بالقلب حالة الدعاء.
لما ورد من انّ اللّه سبحانه لا يقبل دعاء قلب ساه لاه، فاذا دعوت فاقبل
ص:105
بقلبك ثم استيقن الاجابة (1).
و منها: حسن النيّة، و حسن الظنّ بالاجابة.
للامر بالدعاء موقنا للاجابة، و قال الصادق عليه السّلام: اذا دعوت فاقبل بقلبك و ظنّ ان حاجتك بالباب (2).
و منها: اليأس عمّا في ايدي الناس و الانقطاع الى اللّه سبحانه.
و هو من عمد شرائط الاجابة على ما قضت به التجربة القطعيّة، و هدى اليه الفهم السليم. و وردت به الاخبار عن الأئمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين، فعن مولانا الصادق عليه السّلام انّه: اذا اراد احدكم ان لا يسأل ربّه شيئا الاّ اعطاه فلييأس من الناس كلّهم، و لا يكون له رجاء الاّ من عند اللّه، فاذا علم اللّه ذلك من قلبه لم يسأل اللّه شيئا الاّ أعطاه (3)، و ان اللّه اوحى الى عيسى عليه السّلام: ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث (4).
و منها: اختيار السرّ مهما امكن.
لما ورد من انّ دعوة المؤمن سرّا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية (5)، و ان دعوة تخفيها افضل عند اللّه من سبعين دعوة تظهرها (6).
و منها: ترك الذنوب و اجتناب اكل المحرّمات.
لما ورد من انّ العبد يسأل اللّه الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها الى أجل قريب أو الى أجل بطيء فيذنب العبد ذنبا فيقول اللّه للملك لا تقض حاجته،
ص:106
و احرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي و استوجب الحرمان منّي (1)، و في الحديث القدسيّ: لا يحجب عنّي دعوة إلاّ دعوة أكل الحرام (2). و قال رجل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أحبّ أن يستجاب دعائي. فقال: طهّر مأكلك، و لا يدخل بطنك الحرام (3). [و]أوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السّلام في حقّ ساجد انّه لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما استجيب له حتى يتحوّل (4)عمّا أكره الى ما أحبّ (5). بل الأولى لمرتكب الكبائر ترك الدعاء حتى يتوب، لما ورد من انّ اللّه تعالى أوحى الى عيسى عليه السّلام: قلّ لظلمة بني اسرائيل لا تدعوني و السحت تحت أقدامكم، و الأصنام في بيوتكم، فإنّي آليت أن أجيب من دعاني و إنّ أجابتي إيّاهم لعنا (6)عليهم حتى يتفرّقوا. (7)و ورد انّ من سرّه أن تستجاب له دعوته فليطيّب مكسبه (8).
و منها: ترك الظلم و ردّ المظالم الى اهلها.
لما ورد من انّ اللّه تعالى اوحى الى عيسى عليه السّلام: قلّ لظلمة بني اسرائيل اني لا استجيب لاحد منهم دعوة و لاحد من خلقي عندهم مظلمة (9). و قال الصادق عليه السّلام: قال اللّه عزّ و جلّ: و عزّتي و جلالي لا اجيب دعوة
ص:107
مظلوم (1)دعاني في مظلمة ظلمها و لاحد عنده مثل تلك المظلمة (2).
و منها: ملازمة العمل الصالح و البرّ و التقوى.
لما ورد من قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وصيّته لأبي ذر: يا أبا ذر! يكفي من الدعاء مع البرّ ما يكفي الطعام من الملح، يا أبا ذر! مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر، يا أبا ذر! انّ اللّه يصلح بصلاح العبد ولده و ولد ولده و يحفظه في دويرته و الدور حوله ما دام فيهم (3).
و منها: مراعاة الاعراب و تجنّب اللحن فيه.
لما ورد عن ابي جعفر الجواد عليه السّلام، من انّ الدعاء الملحون لا يصعد الى اللّه عزّ و جل (4).
و منها: الخضوع عنده.
لما ورد من انّ المراد بالاستكانة في قوله عزّ و جلّ: فَمَا اِسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ هو الخضوع (5).
و منها: رفع اليدين به.
لما ورد من تفسير التضرّع في الآية برفع اليدين، و ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يرفع يديه اذا ابتهل و دعا، كما يستطعم المسكين (6). و اوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السّلام: الق كفيك ذلا بين يديّ كفعل العبد
ص:108
المستصرخ الى سيّده، فاذا فعلت ذلك رحمت و انا اكرم القادرين (1).
و منها: بسط اليدين عند الرفع.
لقول الرضا عليه السّلام في جواب أبي قرّة حيث سأله عن سبب رفع اليدين [إلى]السماء عند الدعاء و استعبدهم-يعني اللّه عز و جل-عند الدعاء و الطلب و التضرّع ببسط الايدي و رفعهما الى السماء لحال الاستكانة و اخلاص العبوديّة و التذلّل له (2). و ورد في عدّة أخبار التفرقة بين دعاء الرغبة، و الرهبة، و التضرّع، و التبتل، و الابتهال، و الاستعاذة، و البصبصة، و طلب الرزق، و المسألة.
فالرغبة؛ ان تبسط يديك و تظهر باطنهما الى السماء و تستقبل بهما وجهك.
و الرهبة؛ ان تظر ظهرها الى السماء.
و التضرّع؛ ان تحرّك السبابة اليمنى يمينا و شمالا ممّا يلي وجهك و تشير بهما، و هو دعاء الخيفة، و في خبر آخر: انّ التضرّع ان تضع يديك على المنكبين و تجمعهما.
و التبتّل؛ ان تحرّك السبابة اليسرى ترفعهما [الى]السماء رسلا و تضعها و تشير بها، او تقلب كفّيك في الدعاء اذا دعوت.
و الابتهال؛ ان تبسط يديك و ذراعيك جميعا و ترفعهما الى السماء و تجاوز بهما راسك.
و الاستعاذة؛ ان تستقبل القبلة بباطن كفيك.
و البصبصة؛ ان ترفع سبّابتيك الى السماء و تحرّكهما و تدعوا.
و امّا الدعاء بالرزق؛ فتبسط فيه كفيك و تفضي بباطنهما الى السماء.
ص:109
و المسألة؛ تبسط كفّيك.
و ورد انّ الابتهال حين ترى اسباب البكاء، بل ورد النهي عن الابتهال حتى تجري الدمعة (1).
و منها: لبس خاتم فيروزج و كذا خاتم عقيق.
لما مرّ في ذيل الفصل الثاني من أنّه قد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّ اللّه عزّ و جلّ قال: إنّي لأستحيي من عبدي يرفع يده و فيها خاتم فيروزج أن أردّها خائبة (2)، و انّ من تختّم بالعقيق قضيت حوائجه (3). و ورد أنّه ما رفعت كفّ إلى اللّه أحبّ إليه من كفّ فيها عقيق (4).
و منها: الالحاج في الدعاء:
لما ورد من قول الباقر عليه السّلام: و اللّه لا يلحّ عبد مؤمن على اللّه في حاجته الاّ استجاب له، و قضاها له (5).
و قول الصادق عليه السلام: انّ اللّه عزّ و جلّ كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة و أحبّ ذلك لنفسه، إنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ أن يسأل و يطلب ما عنده (6).
و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه عزّ و جلّ يحبّ السائل اللحّوح (7).
ص:110
و قال الصادق عليه السّلام: عليكم بالدعاء و الالحاح على اللّه في الساعة التي لا يخيّب [اللّه]فيها برا و لا فاجرا. . الى ان قال عليه السّلام: أنا ضامن أن لا يخيّب اللّه في ذلك الوقت برّا و لا فاجرا، البرّ يستجاب له في نفسه [و غيره]، و الفاجر يستجاب له في غيره، و يصرف اللّه إجابته الى وليّ من أوليائه، فاغتنموا الدعاء في ذلك الوقت (1). و سأله الراوي عن تعيين تلك الساعة فأجابه بما لم يفد التعيين، حيث قال عليه السّلام: هي الساعة الّتي دعا فيها أيوب ربّه، و شكا الى اللّه بليتّه، فكشف اللّه عزّ و جلّ ما به من ضرّ، و دعا فيها يعقوب فردّ اللّه عليه يوسف و كشف اللّه كربته، و دعا فيها محمدا صلّى اللّه عليه و آله فكشف اللّه عزّ و جلّ كربته و مكّنه من أكتاف المشركين [بعد اليأس] (2).
و ظنّي-و اللّه العالم-انه عليه السّلام إنما أهمل التعيين ليشتغل المؤمنون بالدعاء في كلّ وقت طمعا في درك تلك الساعة لينالوا لذلك ثواب الاكثار من الدعاء المطلوب عند اللّه عزّ و جلّ، نظير ما وجّه به إخفاء ليلة القدر.
و منها: البكاء أو التباكي عنده:
لما ورد من: أنّ أقرب ما يكون العبد من الربّ عزّ و جلّ و هو ساجد باكي (3).
و ورد انّه ما من قطرة أحبّ الى اللّه من قطرتين: قطرة دم في سبيل اللّه، و قطرة دمعة في سواد الليل لا يريد به عبد إلاّ اللّه عزّ و جلّ (4).
و انّ اللّه إذا أحبّ عبدا جعل في قلبه نائحة من الحزن، فإنّ اللّه يحبّ كلّ قلب حزين، و انّه لا يدخل النار من بكى من خشية اللّه حتى يعود اللبن إلى
ص:111
الضرع (1).
بل ورد الأمر عند إرادة الدعاء و عدم مجىء البكاء بتذكر من مات من الأهل و تحصيل الرقة و البكاء ثم الدعاء (2). و استفاض الأمر بالتباكي عند الدعاء و عدم مجيء البكاء (3). و قال عليه السّلام في بعضها: فان خرج مثل جناح الذباب فبخ بخ (4).
و منها: تقديم تمجيد اللّه سبحانه، و الثناء عليه، و الاقرار بالذنب، و الاستغفار منه، و تذكّر نعمه، و الشكر عليها، قبل الدعاء:
لما ورد عنهم عليهم السّلام من أنّه إذا أراد أحدكم أن يسأل ربّه شيئا من حوائج الدنيا و الآخرة فلا يدعو حتّى يبدأ بالثناء على اللّه سبحانه و المدح له، و الصّلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم ليسأل اللّه حوائجه (5). فإنّ الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيّأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجّدوا اللّه العزيز الجبّار و امدحوه و اثنوا عليه، تقول: يا أجود من أعطى، و يا خير من سئل، يا أرحم من استرحم، يا أحد يا صمد، يا من لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، يا من لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا، يا من يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد، و يقضي ما أحبّ، يا من يحول بين المرء و قلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى، يا من ليس كمثله شىء، يا سميع يا بصير. . و أكثر من أسماء اللّه فإنّها كثيرة، و صلّ على محمد و آل محمد، و قل: «اللهم اوسع عليّ من رزقك الحلال ما اكفّ به وجهي، و أؤدّي به عن أمانتي، و أصل به رحمي، و يكون
ص:112
عونا لي على الحجّ و العمرة» (1).
و قال الصادق عليه السّلام: إذا أردت أن تدعو اللّه فمجّده و احمده و سبّحه و هلّله و اثن عليه و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثم سل تعط.
و قال عليه السّلام: إنما هي المدحة ثم الثناء ثم الإقرار بالذنب ثم المسألة، انّه و اللّه ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالاقرار (2).
و قد عدّ عليه السّلام تذكّر نعم اللّه و الشكر عليها قبل المسألة من جهات الدعاء التي ينبغي مراعاتها (3). كما أن منها أن لا يطلب ما لا يكون أو لا يحلّ، لما ورد من أنها دعوة ضالّة (4).
و منها: التوسّل بالنبيّ و آله صلوات اللّه عليهم:
لما ورد من أنّ اللّه حتم على نفسه أن لا يسأله عبد بمحمّد و أهل بيته إلاّ غفر له (5)، و يأتي إن شاء اللّه تعالى في أول المقام الرابع ما يوضح ذلك.
ص:113
و منها: الصلاة على محمد و آله قبل الدعاء:
لما مرّ آنفا من الأمر به (1)، مضافا الى ما ورد من أنّ كل دعاء يدعى به محجوب من السماء حتى يصلّى على محمّد و آل محمّد (2). و انّ من قدّم الصلاة عليه و آله بين يدي كلّ حاجة فلا يسأل اللّه عزّ و جلّ شيئا حتى يبدأ بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيصلّي عليه ثم يسأل اللّه حوائجه كفاه اللّه عزّ و جلّ ما أهمّه من أمر دنياه و آخرته (3).
و أنّ من دعا و لم يذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله رفرف الدعاء على رأسه، فاذا ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رفع الدعاء (4). و ورد الامر بالصلاة على محمد و آل محمد في أوّل الدعاء و آخره، لأنّ اللّه عزّ و جلّ أكرم من أن يقبل الطرفين و يدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمد و آله لا تحجب عنه (5).
و انّ الصّلاة عليه مقبولة، و لم يكن اللّه ليقبل بعض الدعاء و يردّ بعضا. بل ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: اجعلوني في اوّل الدعاء و في آخره و في وسطه (6).
و منها: أن يقال قبل تسمية الحاجة: «يا اللّه» عشرا (7)، أو «يا ربّ» عشرا (8)، أو «يا رب، يا اللّه» حتّى ينقطع النفس (9)، أو عشرا، أو «يا اللّه يا
ص:114
ربّاه يا سيّداه» ثلاثا (1). أو «أي ربّ» ثلاثا (2)أو «يا أرحم الراحمين» سبعا (3)، أو «يا ربّاه» عشرا، أو «يا سيّداه» عشرا (4)للأمر بكلّ من ذلك.
و ورد في كل من هذه الفقرات أن من قالها قبل الدعاء قيل له أو قال له الربّ أو ناده ملك من السماء: «لبيك سل حاجتك تعط» أو «ما حاجتك؟» على اختلاف الأخبار و ان للّه ملكا يقال له: اسمعيل ساكن في السماء الدنيا، إذا قال العبد: «يا أرحم الراحمين» سبع مرات قال اسمعيل: قد سمع اللّه أرحم الراحمين [سل حاجتك] (5).
و عن مولانا علي بن الحسين عليهما السّلام انّه قال: كنت أدعوا اللّه سنة عقيب كل صلاة أن يعلّمني اللّه الاسم الاعظم، فصلّيت الفجر ذات يوم فغلبتني عيناي و أنا قاعد، إذا أنا برجل قائم بين يديّ يقول لي: سألت اللّه ان يعلّمك الأسم الاعظم؟ قلت: نعم، قال: قل «اللهم انّي أسألك باسمك اللّه اللّه اللّه اللّه الذي لا اله إلاّ هو ربّ العرش العظيم» . قال: فو اللّه ما دعوت بها لشيء إلاّ رأيت نجحه (6).
و يستحب لمن أراد أن يسأل الحور أن يكبّر اللّه و يسبّحه و يحمده و يهلّله و يصلّي على النبيّ و آله مائة مرّة، لما ورد من أنّ مهر السنّة إنّما صار خمسمائة درهم لأنّ اللّه أوجب على نفسه أن لا يكبّره مؤمن مائة تكبيرة، و يسبّحه مائة تسبيحة، و يحمده مائة تحميدة و يهلّله مائة تهليلة، و يصلّي على محمد و آل محمد مائة مرة ثم
ص:115
يقول: «اللهمّ زوجني من الحور العين» إلاّ زوجه اللّه حوراء و جعل ذلك مهرها (1).
و منها: مراعاة عدد الأربعين في الدعاء:
لما ورد من أنّه ما من رهط أربعين رجلا اجتمعوا فدعوا اللّه في أمر إلاّ استجاب لهم، فان لم يكونوا فأربعة يدعون اللّه عزّ و جلّ عشر مرات إلاّ استجاب اللّه لهم، فان لم يكونوا أربعة فواحد يدعو اللّه عزّ و جلّ أربعين مرّة فيستجيب اللّه العزيز الجبّار له (2).
و منها: تعميم الدعاء و عدم تخصيص نفسه به.
لما ورد من الأمر به معلّلا بانّه أوجب للدعاء (3).
و منها: الدعاء لأربعين مؤمنا قبل الدعاء لنفسه:
لما استفاض عنهم عليهم السّلام من أن من قدم أربعين رجلا من إخوانه فدعا لهم ثم دعا لنفسه استجيب له فيهم و في نفسه (4).
و منها: قول «ما شاء اللّه لا حول و لا قوة الاّ باللّه» :
لما ورد مستفيضا من أنّه ما من رجل دعا و ختم دعاءه بقول: «ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة الاّ باللّه» إلاّ قال اللّه عز و جل: استبسل (5)عبدي و استسلم لأمري، أعينوه و اقضوا حاجته (6).
و ورد أنّ من قال: «ما شاء اللّه» ألف مرّة في دفعة واحدة رزقه اللّه الحجّ
ص:116
من عامه، فان لم يرزق أخّره اللّه حتّى يرزقه (1).
و منها: مسح الوجه و الرأس أو الصدر باليدين عند الفراغ من الدعاء في غير الفريضة:
لما ورد من أنّه ما أبرز عبد يده الى اللّه العزيز الجبّار إلاّ استحيا اللّه عزّ و جلّ أن يردّها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فاذا دعا أحدكم فلا يردّ يده حتى يمسح بهما وجهه و رأسه (2).
و في خبر آخر: وجهه و صدره.
و ورد عن الحجّة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه التنصيص على اختصاص ذلك بغير الفريضة من النافلة و غير الصلاة (3).
و منها: الابطاء في الدعاء، و عدم الانصراف عاجلا:
لما ورد من أنّ العبد إذا دعا لم يزل اللّه تبارك و تعالى في حاجته ما لم يستعجل (4).
و انّه لا يزال المؤمن بخير و رجاء رحمة من اللّه عزّ و جلّ ما لم يستعجل فيقنط و يترك الدعاء، فسأله الراوي: كيف يستعجل؟ فقال: يقول: قد دعوت منذ كذا بكذا و ما أرى الاجابة (5).
قلت: بل القنوط محرّم، و قد قال الرّضا عليه السّلام-في جواب قول البزنطي-: انّي قد سألت اللّه حاجة منذ كذا و كذا سنة و قد دخل قلبي من
ص:117
ابطائها شىء-: يا أحمد! إيّاك و الشيطان ان يكون له عليك سبيل حتى يقنطك . . إلى أن قال: انّك على موعد من اللّه عزّ و جلّ، أ ليس اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ اَلدّاعِ إِذا دَعانِ (1). و قال تعالى: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اَللّهِ (2). و قال: وَ اَللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً (3). فكن باللّه أوثق من غيره، و لا تجعلوا في أنفسكم إلاّ خيرا، فإنّه مغفور لكم (4).
و ورد أنّ المؤمن ليدعو فيؤخّر اللّه اجابته الى يوم الجمعة (5). و انه يستجاب للرجل الدعاء ثمّ يؤخر عشرين سنة (6). و ان بين قول اللّه عزّ و جلّ «قد أجيبت دعوتكما» . و بين أخذ فرعون أربعين عاما (7).
و يستحب معاودة الدعاء و كثره تكراره عند تأخّر الاجابة، بل معها أيضا، فقد ورد أنّ المؤمن ليسأل اللّه عزّ و جلّ فيؤخّر عنه تعجيل إجابته حبّا لصوته و استماع نحيبه (8). و ان ما أخر اللّه عزّ و جلّ عن المؤمنين ممّا يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجل لهم فيها. و ان العبد ليدعو فيقول اللّه عزّ و جلّ للملكين: قد استجيبت له، و لكن احبسوه بحاجته، فاني أحب أن أسمع صوته، فاذا كان يوم القيامة قال اللّه عزّ و جلّ: عبدي دعوتني فأخرت إجابتك،
ص:118
و ثوابك. . كذا و كذا، و دعوتني في. . كذا و كذا فأخّرت اجابتك، و ثوابك. . كذا و كذا، فيتمنّى المؤمن انه لم يستجب له دعوة في الدنيا ممّا يرى من حسن الثواب (1). و ان العبد ليدعو فيقول اللّه تبارك و تعالى: عجلوا له حاجته فاني ابغض صوته، فيقول الناس: ما أعطي هذا إلا لكرامته، و لا منع هذا إلا لهوانه (2). و ليس على ما يزعمون، بل على العكس.
و يستحب التأمين على دعاء المؤمن، و يتأكّد مع التماسه.
لما ورد من انّ الدّاعي و المؤمّن في الاجر شريكان (3). و دعا موسى عليه السّلام و أمّن هارون عليه السّلام و أمّنت الملائكة، فقال اللّه تعالى: «قد أجيبت دعوتكما» (4). و كان الباقر عليه السّلام إذا حزنه أمر دعا النساء و الصبيان ثم دعا و أمّنوا (5).
و سئل باب الحوائج عليه السّلام عن الرجل و حوله إخوانه يجب عليهم أن يؤمّنوا؟ قال: ان شاءوا فعلوا و إن شاءوا سكتوا، فان دعا و قال لهم: أمّنوا وجب عليهم ان يفعلوا (6).
و يستحب التماس الدعاء من المؤمن، لما ورد من أن اللّه عز و جل قال لموسى عليه السّلام: ادعني على لسان لم تعص به، قال: يا رب أنّى بذلك؟ قال: ادعني على لسان غيرك (7).
ص:119
و يستحب الدعاء للمؤمن بظهر الغيب، و قد ورد ان دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب مستجاب. و انه يدرّ الرزق و يدفع المكروه و البلاء (1). و انه أوشك دعوة، و أسرع اجابة (2). و ان من دعا للمؤمنين و المؤمنات و لأهل مودة أهل البيت عليهم السّلام ردّ اللّه عليه من آدم إلى أن تقوم الساعة لكل مؤمن حسنة (3). و انّ المؤمن إذا بدأ بالدعاء لأخيه يقول له ملك موكل به: آمين، و لك مثلاه (4). و أن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك تدعو له بالخير و هو غائب عنك، و تذكره بخير، قد أعطاك اللّه عزّ و جلّ مثلي ما سألت له، و أثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه، و لك الفضل عليه (5).
بل في عدّة أخبار أنّ الدّاعي لأخيه المؤمن بظهر الغيب ينادى من العرش و أعناق السماء: لك بكل واحدة مائة ألف ضعف (6).
بل في خبر ثالث: انه ناداه ملك من السماء الدنيا: يا عبد اللّه و لك مائة
ص:120
ألف ضعف مما دعوت، و ناداه ملك من السماء الثانية: يا عبد اللّه و لك مائتا ألف ضعف مما دعوت، و ناداه ملك من السماء الثالثة: يا عبد اللّه و لك ثلاثمائة ألف ضعف ممّا دعوت، و ناداه ملك من السماء الرابعة: يا عبد اللّه و لك أربعمائة ألف ضعف ممّا دعوت، و ناداه ملك من السماء الخامسة: يا عبد اللّه و لك خمسمائة ألف ضعف ممّا دعوت، و ناداه ملك من السماء السادسة: يا عبد اللّه و لك ستمائة ألف ضعف ممّا دعوت، و ناداه ملك من السماء السابعة: يا عبد اللّه و لك سبعمائة ألف ضعف ممّا دعوت، ثم ينادي به اللّه تعالى: أنا الغنيّ الذي لا أفتقر، لك يا عبد اللّه ألف ألف ضعف ممّا دعوت (1).
و ورد أنّ سيّدتنا الحوراء [فاطمة]سلام اللّه عليها كانت إذا دعت تدعو للمؤمنين و المؤمنات و لا تدعو لنفسها، فسئلت عن ذلك فقالت: الجار ثم الدار (2).
و المستفاد من جملة من الأخبار تأكّد استحباب الدعاء للمؤمنين و المؤمنات، بل استجاب اختيار الدعاء لهم على الدعاء للنفس. و استفاض عنهم عليهم السّلام انّه: ما من مؤمن دعا للمؤمنين و المؤمنات بظهر الغيب إلاّ ردّ اللّه عليه مثل الّذي دعا به من كلّ مؤمن و مؤمنة مضى من اوّل الدهر أو هو آت الى يوم القيامة، و انّ العبد ليؤمر به الى النّار يوم القيامة فيسحب، فيقول المؤمنون و المؤمنات: يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فشفّعنا فيه، فيشفّعهم اللّه عزّ و جلّ فيه فينجو (3).
و ورد ان من قال كل يوم عشرين مرة (4): «اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات» كتب اللّه له بعدد كلّ مؤمن مضى [منذ بعث
ص:121
اللّه آدم]و بعدد كل مؤمن و مؤمنة بقي الى يوم القيامة حسنة، و محا عنه سيئة، و رفع له درجة (1).
و يستحب دعاء الولد الصالح لوالديه و بالعكس، و دعاء المعتمر حين [خ. ل: حتى]يرجع، و دعاء الصائم حين يفطر، و دعاء المظلوم على من ظلمه، لما ورد من أن أبواب السماء تفتح لهذه الأدعية و تصير الى العرش. و ان الأولين و الأخير و دعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب أربع دعوات لا تحجب عن الرب تبارك و تعالى (2).
و يستحب الدعاء للرزق حتّى في الصلاة المكتوبة، للامر بذلك، فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّ الرزق لينزل من السماء الى الارض على عدد قطر المطر الى كل نفس بما قدّر لها، و لكن للّه فضول فاسأل اللّه من فضله (3).
و قال الباقر عليه السّلام: ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد و قل: «يا خير المسؤولين و أوسع المعطين ارزقني و ارزق عيالي من فضلك فانّك ذو الفضل العظيم» (4).
و ينبغي عدم تقييد الرزق بالحلال للمنع منه، معللا بانّه قوت المصطفين و النبيّين، بل يقول: «اللهمّ انّي اسألك رزقا واسعا طيّبا من رزقك» (5).
و ينبغي لمن أفسد ماله أو انفقه في غير حق، أو أدانه بغير بيّنة فتلف، أو ترك السعي ان لا يدعو بطلب الرزق، لما ورد من أنّه لا يستجاب له دعاؤه، بل يقال للاوّل: ألم آمرك بالاقتصاد؟ ألم آمرك بالاصلاح؟ أ فلا اقتصدت و لم تسرف؟ و انّي لا أحبّ المسرفين، و يقال للثاني: ألم أرزقك؟ و يقال للثالث: ألم
ص:122
آمرك بأن تشهد و تستوثق فلم تفعل؟ و للرابع: ألم أجعل لك السبيل الى طلب الرزق (1).
كما ينبغي للرجل ان لا يدعو على زوجته أن يريحه منها، لانه لا يستجاب، بل يقال له: ألم اجعل أمرها بيدك (2).
و كذا ينبغي أن لا يدعو الانسان على جاره مع امكان استبدال الدار، لانه لا يستجاب، بعد أن جعل اللّه عزّ و جلّ له السبيل الى أن يتحوّل من داره و يبيع داره (3). نعم، لا بأس بالدعاء عليه عند إيذائه و عدم تيسّر استبدال الدار، و عليه يحمل أمر الصادق عليه السّلام اسحاق بن عمّار بالدعاء على جار له كان يؤذيه إذا أدبر و استدبر، لا ما اذا اقبل (4).
و كذا ينبغي ترك الدعاء على ذي الرحم، للنهى عنه (5).
و ينبغي توقّي دعاء ثلاثة بترك أذاهم، و هم: الحاج، و الغازي، و المريض، لما ورد من ان ثلاثة دعوتهم مستجابة: الحاج، فانظروا كيف تخلفونه، و الغازي في سبيل اللّه، فانظروا كيف تخلفونه، و المريض فلا تغيظوه و لا تضجروه (6).
و يلزم توقّي دعوة المظلوم بترك الظلم، و دعوة الوالدين بترك العقوق، لما ورد من التحذير من دعوة المظلوم، لانها ترفع فوق السحاب حتى ينظر اللّه اليها فيقول: ارفعوها فقد استجيب له، و من دعوة الوالد، لانها أحدّ من
ص:123
السيف (1).
و ورد انّ أربعة لا تردّ لهم دعوة: إمام عدل، و والد لولده إذا برّه، و عليه إذا عقّه، و دعاء المظلوم على من ظلمه، و دعاؤه لمن انتصره، و دعاء الرجل لاخيه بظهر الغيب (2).
بل ينبغي توقي دعوة كل أحد، لقول أبي الحسن عليه السّلام: لا تحقروا دعوة أحد، فانه يستجاب لليهودي و النصراني فيكم، و لا يستجاب لهم في انفسهم (3).
و يلزم ترك الدعاء على المؤمن بغير حق، لما ورد من أنّ الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بسوء و يدعو عليه قالوا له: بئس الاخ أنت لاخيك، كفّ أيّها المتستر (4)على ذنوبه و عورته، و اربع على نفسك، و احمد اللّه ستر (5)عليك، و اعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ أعلم بعبده منك (6).
و يكره الاكثار من الدعاء على الملوك و الظلمة إلاّ لأمر ديني، لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قال اللّه عزّ و جلّ: أنا اللّه لا إله إلاّ أنا، خلقت الملوك و قلوبهم بيدي، فأيّما قوم اطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة، و ايّما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة، ألا لا تشغلوا أنفسكم بسبّ الملوك، توبوا إليّ اعطف بقلوبهم عليكم (7).
ص:124
و لا بأس بالدعاء على العدوّ بقول: «اللّهم انّك تكفي من كل شيء و لا يكفى منك شيء، فاكفني أمر. . فلان بما شئت، و كيف شئت، و من حيث شئت، و أنىّ شئت» (1).
و يستحب الدعاء على عدوّ الدين و المذهب المؤذي في السجدة الاخيرة من الركعتين الأوليين من نافلة الليل، لما ورد من امر الصادق عليه السّلام يونس بن عمّار بالدعاء على جار ناصبي له كان يؤذيه و يشهره و يعلن برفضه، بان يحمد اللّه عزّ و جلّ و يمجّده ثم يقول: «اللهمّ إن. . . فلان بن فلان شهرني و نوّه بي و غافلني و عرّضني للمكاره، اللهمّ اضربه بسهم عاجل تشغله به عنّي، اللهمّ و قرب اجله، و اقطع أثره، و عجّل ذلك يا ربّ الساعة الساعة» ففعل ذلك يونس، فهلك ذلك الناصب (2).
و يستحب الدعاء بالاسماء الحسنى و غيرها من أسماء اللّه سبحانه (3).
و يستحب الدعاء بما جرى على اللسان، لما ورد من أن أفضل الدعاء ما جرى على لسانك (4). نعم، اختيار المأثور أولى، بل افتى الشيخ الحر قدس اللّه سرّه و غيره بكراهة اختراع الدعاء، استنادا الى رواية عبد الرحيم القصير قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت: جعلت فداك انّي اخترعت دعاء، قال: دعني من اختراعك، اذا نزل بك أمر فافزع الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. . الحديث (5)، و هو قاصر عن اثبات مقصد المستدل، لانه من
ص:125
قضايا الاحوال، و الكراهة لا دليل عليها ما لم يعرض في الاختراع ما يوجب المنع منه تنزيها أو تحريما.
و ينبغي في الدعاء و الذكر اجتناب تعبيرات ورد المنع منها:
فمنها: قول: الحمد للّه منتهى علمه، للنهي عنه، لانه ليس لعلمه تعالى منتهى، بل يقال: الحمد للّه منتهى رضاه (1).
و منها: قول: اللّهم انّي اعوذ بك من الفتنه، للنهي عنه، لان الاموال و الاولاد فتنة بنص الآية الشريفة، بل يقال: اللّهم انّي اعوذ بك من مضلاّت الفتن (2).
و منها: قول: اللهم اجعلني ممّن تنتصر به لدينك، للنهي عنه، لانّ اللّه تعالى ينتصر لدينه بشّر خلقه، بل يقيّده بما يزيل الاحتمال كقول: اللهم اجعلني من الاتقياء الذين تنتصر بهم لدينك، و ما يؤدي ذلك، و اذا وجد ذلك في الدعاء الماثور لم يغيره، بل قصد المعنى الصحيح (3).
و منها: قول: اللّهم اغنني عن خلقك، لما ورد من انّ اللّه قسّم رزق من شاء على يدي من شاء، و لكن سل اللّه ان يغنيك عن الحاجة التي تضطرك الى لئام خلقه (4).
و يستحب الدعاء للحامل بجعل اللّه الحمل مسلما ذكرا سويّا (5). و نحو ذلك على الترتيب المزبور في الفصل الاول.
هذا ما يسعه هذا المختصر من آداب الدعاء، و تطلب الادعيه المفصّلة
ص:126
المأثورة من المعصومين صلوات اللّه عليهم اجمعين من الكتب التّي ألّفها أصحابنا شكر اللّه تعالى مساعيهم الجميلة في ذلك إن شاء اللّه تعالى.
ينبغي لمن أراد أن يدعو بالدعاء المأثور أو يذكر اللّه تعالى بالذكر المأثور أو يزور معصوما بزيارة مأثورة أن يتطلّب النسخة المصحّحة لذلك الدعاء و الذكر و الزيارة، و يقرأ على النسخ عند تعدّدها، و لا يغيّر الترتيب المأثور، و لا يزيد عليه و لا ينقص، لان المستفاد من الأخبار الواردة عن أئمتنا عليهم السّلام أن لتراكيب الالفاظ في الأذكار و الادعية و الزيارات مدخليّة كتراكيب المعاجين الطبّية، فكما أن تراكيب المعاجين ينبغي ان تتلقّى من أطبّائها و لا يغيّر تراكيبها و لا تزاد و لا تنقص، و الاّ لكان المركّب قليل النفع، أو عديمه، أو مضرّا على اختلاف التغيرات، فكذا تراكيب الكلام في الاذكار و الادعية و الزيارات ينبغي ان تتلقّى من اطبائها المتلقّين لها من اللّه تعالى بوحي اليهم يوحى، و لا تغيّر و لا تزاد فيها و لا ينقص شيء منها. و يكفيك في الارشاد الى ما قلناه ما مرّ عند الاشارة الى ما ورد التنصيص على رجحان الذكر به في كلّ صباح و مساء من المقام السابق، مضافا الى أخبار اخر قريبة منها. نعم، من شاء انشاء دعاء أو ذكر أو زيارة لا بعنوان التشريع و النسبة الى المأثور لم يكن به بأس و لا منه مانع، و القول بكراهة اختراع الدعاء كما صدر من الشيخ الحر قدس اللّه سرّه قد بيّنا آنفا عدم الدليل عليه.
ص:127
إعلم أن أعظم التوسلات، و أنجح الاستشفاعات إلى اللّه سبحانه في حوائج الدّنيا و الآخرة هو التوسّل و الاستشفاع بمحمد و آل محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين، لأنهم بلغوا من نهاية الإطاعة في القرب عنده الى أعلى المراتب، و وصلوا لديه إلى اسنى الدرجات، و قد استقصيت الاخبار و الآثار فوجدت أنّه ما تاب اللّه تعالى على نبيّ من أنبيائه و لا ملك من ملائكته ممّا صدر منهم من الزلاّت إلاّ بالتوسّل و الاستشفاع بهم عليهم السّلام.
و قد ورد أنّ اللّه سبحانه لمّا خلق آدم عليه السّلام نقل أشباح محمّد و آله المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين من ذروة العرش إلى ظهره، و كان أمره الملائكة بالسجود لآدم إذ كان وعاء لتلك الاشباح، فكان سجودهم عبوديّة له سبحانه، و تعظيما لمحمد صلّى اللّه عليه و آله، و طاعة لآدم عليه السّلام، و انّه تعالى قال لآدم عليه السّلام لمّا سأله عنهم: إنّ هؤلاء الأخيار خليقتي و كرام بريّتي، بهم آخذ، و بهم أعطي، و بهم أعاقب، و بهم أثيب، فتوسل بهم يا آدم، و إذا دهتك داهية فاجعلهم لي شفعاءك، فإنّي آليت على نفسي قسما حقا ألاّ أخيّب بهم آملا، و لا أردّ بهم سائلا. فلذلك حين زلّت منه الخطيئة دعا اللّه عزّ و جلّ بهم فتاب اللّه سبحانه عليه و غفر له (1).
ص:128
و ورد أنّ الكلمات التّي تلقّاها آدم من ربّه فتاب اللّه عليه هو أنّه سأله بحقّ محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم الصلاة و السّلام (1).
و انّ الكلمات الّتي ابتلى ابراهيم عليه السّلام ربّه بها حين ألقي في النار هي الكلمات [التي]تلقاها آدم عليه السّلام (2). و انّ موسى عليه السّلام لما أوجس في نفسه خيفة توسل بمحمد و آل محمّد فآمنه اللّه تعالى. و انّ عيسى عليه السّلام لما أراد اليهود قتله دعا اللّه بحقّ أهل البيت عليهم السّلام فنجا من القتل و رفعه اللّه إليه (3). و انّ نوحا عليه السّلام لم تستو سفينته على الجودي و لم ينج من الغرق إلاّ بالتوسّل بهم. و لم ينل يعقوب عليه السّلام مقصده من لقاء يوسف و أخيه و ردّ بصره إلاّ بالتوسّل بهم. و لم ينج يوسف عليه السّلام من الجبّ و السجن إلاّ بالاستشفاع بهم (4). و لم تبلغ زليخا مرادها من لقاء يوسف و عود شبابها إليها إلاّ لما أحبّت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عند سماعها اسمه الشريف (5)، و نجا فطرس الملك من العذاب ببركة الحسين عليه السّلام (6). . الى غير ذلك مما يقف عليه من راجع الاخبار في أحوال الانبياء و الملائكة.
و ورد انّ اللّه عزّ و جلّ قال في الحديث القدسيّ: يا عبادي أو ليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلاّ أن يتحمّل عليكم بأحب الخلق إليكم
ص:129
تقضونها كرامة لشفيعهم؟ ألا فاعلموا انّ أكرم الخلق عليّ و أفضلهم لديّ محمّد (ص) و أخوه علي (ع) و من بعده الأئمّة الذين هم الوسائل إلى اللّه، ألا فليدعني من اهمّته حاجة يريد نجحها (1)، أو دهمته داهية يريد كشف ضرّها بمحمد و آله الطيّبين الطاهرين اقضها له أحسن ما يقضيها من تستشفعون له بأحبّ [خ. ل: اعزّ]الخلق إليه (2).
و في خبر آخر قريب منه: فمن كانت له إليّ حاجة فليتوسّل إليّ بهم، فإنّي لا أردّ سؤال سائل يسألني بهما و بالطيّبين من عترتهما، فمن سألني بهم فانّي لا أردّ دعاءه، و كيف أردّ دعاء من سألني بحبيبي و صفوتي، و وليّي، و حجّتي، و روحي، و نوري، و آيتي، و بابي، و رحمتي، و وجهي، و نعمتي؟ ! ألا و إنّي خلقتهم من نور عظمتي، و جعلتهم أهل كرامتي و ولايتي، فمن سألني بهم عارفا بحقّهم و مقامهم أوجبت له منّي الاجابة، و كان ذلك حقّا عليّ.
و ورد أنّ عبدا مكث في النّار سبعين خريفا-و الخريف سبعون سنة-في جبّ من سجّين، معقولا على وجهه، فسأل اللّه عزّ و جلّ بحقّ محمد و أهل بيته ان يرحمه فأمر اللّه سبحانه جبرئيل عليه السّلام فأخرجه منها، فقال عزّ و جلّ: يا عبدي كم لبثت تناشدني في النار؟ قال: ما احصي، قال: أما و عزّتي لو لا ما سألتني به اطلت هوانك في النّار، و لكنّه حتم على نفسي أن لا يسألني عبد بحق محمد و اهل بيته صلوات اللّه عليهم أجمعين إلاّ غفرت له ما كان بيني و بينه، و قد غفرت لك اليوم (3).
و القضايا العجيبة الحاكية لا يراث التوسّل بهم دفع البلاء و اجابة الدعاء
ص:130
كثيرة مذكورة في باب الاستشفاع بهم عليهم السّلام في أواسط الجلد التاسع عشر من بحار الأنوار (1)و غيره.
و قد روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: كان قضاء الحوائج و اجابة الدعاء اذا سئل اللّه تعالى بمحمد و عليّ و آلهما مشهورا في الزمر السالف، حتى أن من أطال به البلاء قيل: هذا طال بلاؤه لنسيانه الدعاء للّه تعالى بمحمّد و آله الطيبين.
و لقد نقل في البحار قضية وقوع الصخرة على باب الغار و سدّها الباب، و توسّلهم بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله و زوال الصخرة، و هي قضية عجيبة ينبغي ملاحظتها (2).
ثم انّ التوسّل و الاستشفاع بهم على أقسام: فتارة بزيارتهم عليهم السّلام بقصد الحاجة و طلبها من المزور و الاستشفاع به عند اللّه في نجاحها.
و أخرى: بإقامة عزائهم عليهم السّلام بقصد قضاء الحاجة أو دفع البلاء، و الاستشفاع بذلك الى اللّه جلّ شأنه، كما تعارف التوسّل بذلك في الامراض العامة و نحوها، حتى انّ كفّار بلاد قفقاس-على نقل الثقات-يدفعون الى المسلمين دراهم ليقيموا العزاى فيندفع البلاء.
و ثالثة: بنذر شيء لهم أو لمراقدهم المطهرة صلوات اللّه عليهم و التوسّل بذلك الى الباري سبحانه في قضاء الحاجة و دفع البلاء، كما تعارف ذلك بين الشيعة و المحبّين بالنسبة إليهم سلام اللّه عليهم، بل و بعض كفار قفقاس و بعض سنة القسطنطينية بالنسبة الى أبي الفضل العباس عليه السّلام، و قامت التجربة القطعيّة بانتاجه ما يراد من الحوائج المشروعة و دفع البلايا العظام.
ص:131
و رابعة: باتيان صلاة التوسل بهم، مثل صلاة التوسّل بالنبي صلّى اللّه عليه و آله، و صلاة التوسل بالصديقة الكبرى سلام اللّه عليها، و صلاة التوسّل بالحجّة المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه و غيرها ممّا مرّت في صلوات الحاجة.
و خامسة: بالتوسل بهم عليهم السّلام بالدعاء اللساني، و التوجّه الى اللّه سبحانه و تعقيبه بطلب الحاجة. و الأدعيه الواردة في ذلك كثيرة مذكورة في الباب المتقدم إليه الاشارة من البحار و غيره.
و من جملتها؛ ما دعا به موسى عليه السّلام فضرب الارض بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، و هو قوله: «إلهي بحقّ محمد سيّد الأنبياء، و بحقّ عليّ سيد الاوصياء، و بحقّ فاطمة سيّدة النساء، و بحقّ الحسن سيد الاولياء، و بحقّ الحسين أفضل الشهداء، و بحقّ عترتهم و خلفائهم سادة الازكياء لما سقيت عبادك هؤلاء. .» و تذكر حاجتك بدل «سقيت» (1).
و منها: ما دعا به يوسف عليه السّلام فنجّاه اللّه سبحانه من السجن، و هو «اللهمّ إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي، فلن ترفع لي إليك صوتا، و لن تستجيب لي دعوة، فإني أتوجّه إليك بنبيّك نبيّ الرحمة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السّلام إلاّ ما فرّجت عني» . . و تذكر حاجتك بدل «عنّي» أو عطفت عليه حاجتك (2).
ص:132
و منها: «اللّهم إنّي اتوجّه اليك بمحمد و آل محمد، و أتقرّب بهم اليك، و أقدمّهم بين يدي حوائجي، اللّهم انّي أبرأ إليك من أعداء آل محمد، و أتقرّب إليك باللعنة عليهم، اللّهم انّ كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك و حجبت دعائي عنك فصلّ على محمد و آل محمد و استجب لي يا رب بهم دعائي» . . ثم تذكر حاجتك (1).
و منها: «اللهم اني اسألك بحقّ محمد و عليّ، فانّ لهما عندك شأنا من الشأن، و قدرا من القدر، فبحقّ ذلك الشأن و بحق ذلك القدر أن تصلّي على محمد و آل محمد و ان تفعل بي. . كذا و كذا» (2). . الى غير ذلك من أدعية التوسّل المذكورة في المجلّد المذكور من البحار و غيره، و أخصرها: «اللهمّ بجاه محمّد و آله الطيّبين صلواتك عليهم أجمعين افعل بي. . كذا و كذا» .
و سادسة: بالتوسل بهم الى اللّه سبحانه بكتابة الرقعة الى اللّه عزّ شأنه، و لها طرق واردة:
فمنها: ما عن الصّادق عليه السّلام من أنّ من قلّ عليه رزقه، أو ضاقت عليه معيشته، او كانت له حاجة مهمّة من أمر وارد به فليكتب في رقعة بيضاء و يطرحها في الماء الجاري عند طلوع الشمس، و تكون الاسماء في سطر واحد: بسم اللّه الرحمن الرحيم الملك الحق المبين من العبد الذليل الى المولى الجليل سلام على محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي و محمد و جعفر و موسى و علي و محمد و علي و الحسن و القائم سيدنا و مولانا صلوات اللّه عليهم أجمعين، ربّ إنّي
ص:133
مسّني الضرّ و الخوف فاكشف ضري و آمن خوفي بحق محمد و آل محمد، و اسألك بكل نبيّ و وصيّ و صدّيق و شهيد أن تصلي على محمد و آل محمد يا أرحم الراحمين، اشفعوا لي (1)يا ساداتي بالشأن الذي لكم عند اللّه، فان لكم عند اللّه لشأنا من الشأن فقد مسّني الضرّ يا ساداتي و اللّه أرحم الراحمين و افعل بي يا ربّ. . كذا و كذا (2).
و منها: الرقعة الكشمردية: و طريقتها أن يكتب بعد صلاة الليل بعد النصف في صفحة: بسم اللّه الرحمن الرحيم. ثم يكتب فاتحة الكتاب و آية الكرسي و العرش، و هو قوله سبحانه «انّ ربكم اللّه الّذي خلق السموات و الارض في ستة أيّام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا و الشمس و القمر و النجوم مسخّرات بأمره ألا له الخلق و الامر تبارك اللّه ربّ العالمين» (3)ثم يكتب: «من العبد الذليل فلان بن فلان الى المولى الجليل الذّي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم و سلام على آل يس محمد و علي و الحسن و الحسين و علي و محمد و جعفر و موسى و علي و محمد و علي و الحسن و حجتك ربي على خلقك، اللهمّ إنّي أسألك بأني (4)أشهد أنّك اللّه إلهي و إله الأولين و الآخرين لا إله غيرك أتوجّه إليك بحق هذه الأسماء التي اذا دعيت بها اجبت، و اذا سئلت بها أعطيت لما صلّيت عليهم و هوّنت عليّ خروج روحي، و كنت لي قبل ذلك غياثا و مجيرا لمن أراد أن يفرط عليّ و يطغى» ثم يكتب حاجته ثم يطوي الرقعة و يجعلها في طين حرّ و يقرأ سورة يس، و يرمي بها في البحر، فان كان البحر بعيدا ففي البئر
ص:134
أو فيما دنا منه من منابع الماء (1).
و منها: أن يكتب رقعة الى اللّه سبحانه بان يكتب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى اللّه سبحانه و تقدّست اسماؤه، رب الارباب، و قاصم الجبابرة العظام، عالم الغيب، و كاشف الضرّ، الذّي سبق في علمه ما كان و ما يكون، من عبده الذليل المسكين الذي انقطعت به الأسباب، و طال عليه العذاب، و هجره الاهل (2)، و باينه الصديق الحميم، فبقي مرتهنا بذنبه، قد أوبقه جرمه، و طلب النجا فلم يجد ملجأ و لا ملتجأ [غير القادر على حلّ العقد، و مؤبّد الابد، ففزعي اليه، و اعتمادي عليه، و لا ملجأ و لا ملتجأ]إلاّ اليه، اللهمّ انّي أسألك بعلمك الماضي، و بنورك العظيم، و بوجهك الكريم، و بحجّتك البالغة، ان تصلي على محمد و على آل محمد و ان تأخذ بيدي، و تجعلني ممن تقبل دعوته، و تقيل عثرته، و تكشف كربته، و تزيل ترحته، و تجعل له من أمره فرجا و مخرجا، و تردّ عنّي بأس هذا الظالم الغاشم، و بأس النّاس، يا ربّ الملائكة و الناس، حسبي أنت و كفى من أنت حسبه، يا كاشف الامور العظام فانه لا حول و لا قوّة إلاّ بك» . و ان كان له مهمّ آخر وضعه مكان: هذا الظالم الغاشم، فان كان همّه الدّين كتب بأس الدّين، و. . . هكذا غيره من المقاصد (3).
ثم يكتب رقعة الى صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه هكذا: «بسم اللّه الرحمن الرحيم توسّلت بحجة اللّه الخلف الصالح محمد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام النبأ العظيم و الصراط المستقيم و الحبل المتين عصمة الملجأ
ص:135
و قسيم الجنّة و النار، اتوسل إليك بآبائك الطاهرين الخيّرين المنتجبين و أمّهاتك الطاهرات الباقيات الصالحات الذّين ذكرهم اللّه في كتابه، فقال عزّ من قائل: «الباقيات الصالحات» (1)و بجدّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خليله و حبيبه، و خيرته من خلقه أن تكون وسيلتي الى اللّه عزّ و جلّ في كشف ضرّي، و حلّ عقدي، و فرج حسرتي، و كشف بليّتي، و تنفيس ترحتي، و بكهيعص و بيس و القرآن الحكيم، و بالكلمة الطيّبة، و بمجاري القرآن و بمستقرّ الرّحمة، و بجبروت العظمة، و باللّوح المحفوظ، و بحقيقة الايمان، و قوام البرهان، و بنور النور، و بمعدن النور، و الحجاب المستور، و البيت المعمور، و بالسبع المثاني و القرآن العظيم، و فرائض الأحكام، و المكلم بالعبراني، و المترجم باليوناني، و المناجى بالسرياني، و ما دار في الخطرات، و ما لم يحط به الظنون من علمك المخزون، و بسرّك المصون، و التوراة و الانجيل و الزبور، يا ذا الجلال و الاكرام صلّ على محمد و آله و خذ بيدي، و فرّج عنّي بأنوارك و أقسامك و كلماتك البالغة إنّك جواد كريم، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوّة الا باللّه العلّي العظيم، و صلواته و سلامه على صفوته من بريّته محمد و ذريته» . و يطيب الرقعتين و يجعل رقعة الباري تعالى في رقعة الامام عليه السّلام و يطرحهما في ماء جار أو بئر ماء بعد ان يجعلهما في طين حرّ، و يصلّي ركعتين، و يتوجه الى اللّه تعالى بمحمد و آله صلّى اللّه عليه و آله و يطرحهما ليلة الجمعة، و يستشعر فيها الاجابة لا على سبيل التجربة، و لا يكون إلاّ عند الشدائد و الأمور الصعبة، و لا يكتبها لغير أهلها فانّها لا تنفعه، و هي امانة في عنق من اطلع عليها و سوف يسأل عنها، و اذا رماها فليدع بهذا الدعاء: «اللهم انّي أسألك بالقدرة التّي لحظت بها البحر العجاج فازبد و هاج و ماج، و كان كالليل الداج، طوعا لأمرك، و خوفا من
ص:136
سطوتك، فافتق اجاجه، و ائتلق منهاجه، و سبحت جزائره، و قدّست جواهره، تناديك حيتانه باختلاف لغاتها: إلهنا و سيدنا ما الذي نزل بنا، و ما الذي حلّ ببحرنا؟ فقلت لها: اسكني، سأسكنك مليّا و أجاور بك عبدا زكيا فسكن، و سبّح و وعد بضمائر المنح فلمّا نزل به ابن متّى بما ألمّ به الظنون فلما صار في فيها سبّح في امعائها فبكت الجبال عليه تلهّفا، و اشفقت عليه الارض تأسّفا، فيونس في حوته كموسى عليه السّلام في تابوته لأمرك طائع، و لوجهك ساجد خاضع، فلمّا أحببت أن تقيه، ألقيته بشاطيء البحر شلوا لا تنظر عيناه، و لا تبطش يداه، و لا تركض رجلاه، و انبت منّة منك عليه شجرة من يقطين، و اجريت له فراتا من معين، فلمّا استغفر و أناب، خرقت له الى الجنة بابا، إنّك أنت الوهاب» و يذكر الأئمّة عليهم السّلام واحدا بعد واحد (1).
و منها: ما روي من أنه إذا كانت لك حاجة إلى اللّه عزّ و جلّ فاكتب رقعة على بركة اللّه، و اطرحها على قبر من قبور الأئمة عليهم السّلام إن شئت، أو فشدّها و اختمها، و اعجن طينا نظيفا، و اجعلها فيه، و اطرحها في نهر جار، أو بئر عميقة، أو غدير ماء، فإنّها تصل الى السيد عليه السّلام-يعني صاحب العصر عجّل اللّه تعالى فرجه و جعلنا من المكاره فداه-و هو يتولّى قضاء حاجتك بنفسه، و اللّه بكرمه لا يخبت أملك. تكتب:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، كتبت يا مولاي صلوات اللّه عليك مستغيثا، و شكوت ما نزل بي مستجيرا باللّه عزّ و جلّ ثم بك من أمر قد دهمني و أشغل قلبي، و اطال فكري، و سلبني بعض لبّي، و غيّر خطير نعمة اللّه عندي، اسلمني عند تخيل وروده الخليل، و تبرّأ منّي عند ترائي اقباله لي الحميم، و عجزت عن دفاعه
ص:137
حيلتي، و خانني في تحمّله صبري و قوّتي، فلجأت فيه إليك، و توكّلت في مسألة اللّه عزّ و جلّ ثناؤه عليه و عليك في دفاعه عني علما بمكانك من اللّه ربّ العالمين، وليّ التدبير، و مالك الامور، واثقا بالمسارعة في الشفاعة اليه جلّ ثناؤه في أمري، متيقّنا لاجابته تبارك و تعالى ايّاك بإعطائي سؤلي، و انت يا مولاي جدير بتحقيق ظنّي، و تصديق أملي فيك في أمر. . كذا و كذا» و يكتب بدل كذا و كذا حاجته، ثم يكتب «ممّا لا طاقة لي بحمله، و لا صبر لي عليه، و ان كنت مستحقا له و أضعافه بقبيح أفعالي، و تفريطي في الواجبات التي للّه عزّ و جلّ، فأغثني يا مولاي صلوات اللّه عليك عند اللهف، و قدّم المسألة للّه عزّ و جلّ في أمري قبل حلول التلف، و شماتة الاعداء، فبك بسطت النعمة عليّ، و اسأل اللّه جلّ جلاله لي نصرا عزيزا، و فتحا قريبا، فيه بلوغ الآمال، و خير المبادي، و خواتيم الاعمال، و الامن من المخاوف كلّها في كل حال، انّه جلّ ثناؤه لما يشاء فعّال، و هو حسبي و نعم الوكيل في المبدأ و المآل» ثم تصعد النهر أو الغدير و تعتمد به بعض الابواب: اما عثمان بن سعيد العمري أو ولده محمد بن عثمان، او الحسين بن روح، او علي بن محمد السيمري [كذا]، فهؤلاء كانوا أبواب الامام عليه السّلام، فتنادي باحدهم و تقول: يا فلان بن فلان سلام عليك أشهد أنّ وفاتك في سبيل اللّه، و انت حيّ عند اللّه مرزوق، و قد خاطبتك في حياتك التي لك عند اللّه جلّ و عزّ، و هذه رقعتي و حاجتي الى مولانا عليه السّلام، فسلمها اليه و انت الثقة الامين. [ثم ارم بها في النهر و كأنك يخيّل اليك انّك تسلمها إليه، فانّها تصل و تقضى الحاجة ان شاء اللّه تعالى] (1).
يقول مصنف هذا الكتاب عبد اللّه المامقاني عفا اللّه عن جرائمه: إنّي منذ عشر سنين إلى اليوم قد كتبت الرقعة مرارا عديدة لرفع الحاجة و الشدة و أداء
ص:138
الدين الغزير ليالي الجمعة بعد الغسل و نافلة الليل جامعا بين الطرق الثلاثة المذكورة بكتابة الرقعتين المزبورتين الى اللّه سبحانه في صفحة واحدة و كتابة الرقعتين إلى الامام عليه السّلام في صفحة أخرى و تطريق الرقعة الاولى و وضعها في جوف رقعة الامام عجّل اللّه تعالى فرجه و تطييبهما و جعلهما في طين حرّ نظيف، و قراءة سورة يس ثم الدعاء المزبور ثم نداء أحد السفراء و خطابه بما مرّ و القائها في البئر، ثم صلاة التوسل بالحجة المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه المزبورة في طيّ صلوات الحاجة، فوجدت من ذلك آثارا غريبة و نتائج عجيبة، و لم أر منها تخلّفا أبدا. و لقد نقل لي من أثق به منها قضية تبهر العقول طويت نقلها لعدم تحمل بعض العقول لها (1).
الأول: إن أئمتنا عليهم السّلام و ان كانوا جميعا أحياء عند ربّهم مرزوقين، و لا فرق بين موتهم و حياتهم، و نسبة الرعيّة إليهم جميعا نسبة واحدة، إلاّ أنّ لكلّ عصر إماما، و لكلّ أوان سلطانا، فيلزم اخواننا اليوم التمسك بذيل ألطاف الحجّة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه و جعلنا فداه، و الالتجاء إليه في الشدائد و الملّمات، و الحوائج و المهمّات، لأنّه سلطان الوقت، و امام العصر، و ان كان غائبا فانه يرانا و لا نراه، أو نراه و لا نعرفه، و يشرق علينا شمس عنايته، و يقضي حاجة من توسّل به منّا، بنفسي من مغيّب لم يخل منّا.
الثاني: إنّه لا فرق في التوسل بأهل البيت عليهم السّلام بين الحاجات،
ص:139
فإنّ جاههم عند اللّه سبحانه يقضي بقبوله شفاعتهم في جميع المباحات المشروعة، ثم هم نور واحد فيتساوون في ذلك. نعم، يروى عن أبي الوفاء الشيرازي قال: كنت مأسورا بكرمان في يد ابن الياس مقيّدا مغلولا، فأخبرت انّه قد همّ بصلبي، فاستشفعت الى اللّه عزّ و جلّ بزين العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام فحملتني عيني فرأيت في المنام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يقول: لا تتوسّل بي و لا بابنتي و لا ببنيّ في شيء من عروض الدنيا بل للآخرة و ما تؤمّل من فضل اللّه عزّ و جلّ فيها، فأمّا اخي أبو الحسن عليه السّلام فإنّه ينتقم لك ممّن يظلمك، فقلت: يا رسول اللّه أ ليس قد ظلمت فاطمة عليها السّلام فصبر، و غصب هو على ارثك فصبر، فكيف ينتقم لي ممّن ظلمني؟ ! فقال صلّى اللّه عليه و آله: ذلك عهد عهدته إليه و أمرته به و لم يجد بدا من القيام به، و قد أدّى الحقّ فيه، و الآن فالوليل لمن يتعرض لمواليه، و امّا علي بن الحسين فللنجاة من السلاطين، و من مفسدة الشياطين، و أما محمد بن علي و جعفر بن محمد فللآخرة، و أما موسى بن جعفر عليه السّلام فالتمس فيه العافية، و اما علي بن موسى فللنجاة في الأسفار في البر و البحر، و اما محمد بن علي فاستنزل به الرزق من اللّه تعالى، و أمّا عليّ بن محمد فلقضاء النوافل و برّ الاخوان، و أمّا الحسن بن علي فللآخرة، و أمّا الحجّة فاذا بلغ السيف منك المذبح-و اومى بيده الى حلقه-فاستغث به، فهو يغيثك، و هو كهف و غياث لمن استغاث به. فقلت: يا مولاي يا صاحب الزمان أنا مستغيث بك، فإذا أنا بشخص قد نزل من السماء تحته فرس و بيده حربة من حديد (1)فقلت: يا مولاي اكفني شرّ من يؤذيني، فقال: قد كفيتك فانّني سألت اللّه عزّ و جلّ فيك و قد استجاب دعوتي. فأصبحت فاستدعاني ابن الياس و حلّ قيدي و خلع عليّ، فقال: بمن استغثت؟
ص:140
فقلت: استغثت بمن هو غياث المستغيثين حتى سأل ربّه عزّ و جلّ، و الحمد للّه ربّ العالمين (1).
الثالث: انه قد روي في التوسّل بالمعصومين عليهم الصلاة و السّلام و اهداء الصلاة إليهم ترتيب على عدد أيّام الاسبوع، فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره في محكي المصباح عنهم عليهم السّلام انه يستحب للمؤمن ان يصلّي في يوم الجمعة ثماني ركعات بأربعة تسليمات، يهدي أربعا منها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أربعا الى الصدّيقة الكبرى سلام اللّه عليها، و يوم السبت و ما بعده كلّ يوم أربعا يهديها إلى إمام على الترتيب، الى أن يهدي أربعا [يوم] الخميس الى الصادق عليه السّلام، و يصلّي يوم الجمعة ثماني ركعات يهدي الى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أربعا (2)أخرى إلى الزهراء سلام اللّه عليها، و يوم السبت و ما بعده كلّ يوم أربعا يهديها إلى باب الحوائج عليه السّلام و من بعده على الترتيب الى ان يهدي أربع الخميس الى الحجة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه فيستقصي في اسبوعين الأئمّة عليهم السّلام على الترتيب، ثم يعود من السبت الثالث إلى أمير المؤمنين عليه السّلام. . و هكذا. و يقرأ بين كل ركعتين من الصلوات المزبورة بهذا الدعاء: «اللّهم أنت السّلام و منك السّلام و اليك يعود السّلام حينا، ربّنا منك السّلام، اللهمّ انّ هذه الركعات هديّة منّي إلى وليّك. . فلان فصل على محمد و آله و بلغه إيّاها، و أعطني أفضل أملي و رجائي فيك و في رسولك صلواتك عليه و آله و فيه» و يذكر بدل فلان اسم المعصوم المهدى إليه، و بدل وليّك في هدية سيدة النساء: وليّتك (3).
ص:141
و ورد التوسّل و الزيارة و السّلام و الثناء يوم السبت بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله، و يوم الأحد بأمير المؤمنين عليه السّلام، و يوم الاثنين بالحسنين عليهما السّلام، و يوم الثلاثاء بالسجاد و الباقر و الصادق عليهم السّلام، و يوم الاربعاء بالكاظم و الرضا و الجواد و الهادي عليهم السّلام، و يوم الخميس بالعسكري عليه السّلام، و يوم الجمعة بوليّ العصر عجل اللّه تعالى فرجه، و هو اليوم الّذي يظهر فيه (1).
و قد ذكر السيد ابن طاووس في محكي جمال الاسبوع (2)للكل من هذه الايام زيارة متضمّنة الإشارة إلى تعلق ذلك اليوم بالمزور و كون الزائر ضيفه لائذا به طالبا منه الضيافة و الاجارة، من شاءها فليراجع الكتاب المذكور.
الرابع: ان من التوسلات الصلوات و الأدعية الواردة للحاجات عموما و خصوصا، كدعاء «يا من تحل به عقد المكاره. .» (3)من أدعية الصحيفة السجادية و غيره ممّا هو مذكور في الكتب المعدّة لذلك كمهج الدعوات و البحار و غيرهما، و نتيمّن بإيراد دعاء واحد.
روي عن سيد الساجدين عليه السّلام علّمه إيّاه ابوه سيد الشهداء عليه السّلام صبح يوم عاشوراء و علّمته إياه أمّه فاطمة سلام اللّه عليها، و علّمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و علّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جبرئيل، لكلّ حاجة و مهمّ و همّ و بلاء نازل و كلّ أمر عظيم صعب، تقول: «بحقّ يس و القرآن الحكيم، و بحقّ طه و القرآن العظيم، يا من يقدر على حوائج السائلين، يا من يعلم ما في الضمير، يا منفّس عن المكروبين، يا مفرّج عن المغمومين،
ص:142
يا راحم الشيخ الكبير، يا رازق الطفل الصغير، صلّى على محمّد و آل محمّد و افعل بي. . كذا و كذا» و يذكر حاجته مكان كذا و كذا (1).
و جملة من التوسّلات التي لم نر فيها خطأ عمل أمّ داود الوارد في نصف رجب و المرخص اتيانه في منتصف ساير الأشهر، و طريقه مذكور في اقبال السيد ابن طاووس (2)و زاد المعاد و غيرهما.
و منها: التزام زيارة عاشوراء اربعين يوما، فإنه أيضا من المجربات.
و منها: قراءة قوله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ اَلْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ اَلسُّوءَ (3)اثنتي عشر ألف مرة، فانّي لم أجد فيها خطأ حتى مع تعاون جمع من الاخيار على قراءتها.
و منها: عمل المربّعة المعروفة بطرق. . .
ص:143
و الكلام هنا في جهات:
: إنّ الزيارة من العبادات المطلوبة شرعا، و السنن المؤكدة نقلا و عملا، بل ورد أن الوالي يجبر الناس على بعض الزيارات إن تركوها رأسا، كزيارة النّبي صلّى اللّه عليه و آله.
و حقيقتها: الحضور لدى المزور اكراما له و استيناسا به. و صرّح جمع من أجلاء أهل اللغة بأنّ الزيارة لغة: القصد، يقال زاره يزوره زيارة: قصده، و منه زار أخاه أي قصده ابتغاء وجه اللّه، و حقيق على اللّه أن يكرم زوّاره أي قاصديه، و اللهمّ اجعلني من زوارك أي من القاصدين لك الملتجئين إليك. و في النهاية الأثيرية (1)و مجمع البحرين (2)و غيرهما (3). ان الزيارة في العرف: قصد المزور اكراما له و تعظيما له و استيناسا به. و لازم كون الزيارة بمعنى القصد صدق الزيارة مع تحقق قصد المزور و تحقق مانع من اللقاء كفقد المزور أو حدوث مانع من الوصول إليه و نحو ذلك. و لي فيه تأمل، فإن المعنى الحقيقي للزور-بالفتح-في اللغة هو وسط الصدر أو ما ارتفع منه إلى الكتفين، أو ملتقى أطراف عظام الصدر حيث اجتمعت، و الزيارة بالمعنى المبحوث عنها مأخوذة من ذلك، فهي بمعنى
ص:144
مقابلة الصدر بالصدر، و لذا فسرّناها بالحضور لفقد ذلك المعنى بمجرد القصد من دون تحقّق الحضور، و هذا الذي ذكرته من كون الزيارة بالمعنى المبحوث عنه مأخوذة من الزّور بمعنى وسط الصدر قد خطر بالبال و كنت منه على ريبة، إلى أن عثرت على تصريح أبي طاهر محمد بن يعقوب في الاقيانوس بذلك فحصل لي الاطمئنان به، قال-بعد عدّ جملة من معاني الزور: المضى الى شخص للقائه إكراما له، ما ترجمته-: (يقال زاره يزوره زوارا و زيارة و زورا و مزارا إذا أتاه بقصد اللّقاء، و الزور بهذا المعنى مأخوذ من الزور بمعنى الصدر، فكأنّ الزائر يتلقى بصدره، أو يقصد لقاء صدر المزور، و ذلك من لوازم المواجهة) . انتهى مترجما (1). و يمكن استشمام هذا الذي ذكرناه من قوله في تاج العروس: (و الزور مصدر زاره يزوره زورا أي لقيه بزوره أو قصد زورا أي وجهته كما في البصائر (2)) . بناء على كون بزوره في قوله لقيه بزوره-بالباء الموحدة الجارة- فيكون معناه أي لقيه بصدره، فتدبر جيدا.
و الحاصل، فالأظهر أن الزيارة لا تحصل بدون ملاقاة المزور و الحضور عنده، و اعطاء الثواب له عند عدم الملاقاة لنيّة الخير التي هي خير من العمل، و قولهم: خير الزيارة فقدان المزور مجاز.
ثم إنّ الزيارة و زان كتابة مصدر زاره يزوره بمعنى قصده، و مصدره الآخر المزار فانه-بالفتح-يكون مصدرا بمعنى الزيارة و موضع الزيارة كما صرح به في النهاية الأثيرية (3)، و مصدره الثالث: الزّور بفتح الزاي و سكون الواو المخففة كما صرّح به جمع من أهل اللغة (4)، ففي التاج: الزور: الزائر و هو الذي يزورك يقال:
ص:145
رجل زور (1)، و في الحديث: إن لزورك عليك حقا (2)، و هو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم و نوم بمعنى صائم و نائم، و للزور بمعنى القصد استعمالات أخر.
و منها: استعماله اسما للجمع كالزائرين.
و منها: استعماله جمعا لزائر كصحب و صاحب و سفر و سافر، يقال: رجل زور و امرأة زور يكون للواحد و الجمع المذكر و المؤنث بلفظ واحد لانه مصدر، كما صرّح به في التاج (3)و غيره.
و منها: بضم أوله و فتح ثانيه مشدّدا جمعا لزائر مثل ركّع جمع راكع، و يستعمل في المذكر و كذا في المؤنث، كما صرّح به الجوهري بقوله: (و نسوة زور و زوّر مثل نوم و نوح و زائرات) (4).
فتحصّل أنّ للزائر جموعا أربعة: الزائرون و الزّور-كصحب-و الزّوّار- ككتّاب جمع الكاتب-و الزّور-كركّع-. و للزائرة جموع ثلاثة: الزائرات، و زور- كنوح-و زور-بالتخفيف-.
في بيان ما ورد في فضل زيارة قبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله بالمدينة المشرفة و فضل قصدها:
فورد في الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام: أن لمن زار رسول اللّه صلّى
ص:146
اللّه عليه و آله قاصدا الجنّة (1).
و انّ من زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كمن زار اللّه فوق عرشه (2).
و انّ زيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تعدل حجّة مع رسول اللّه مبرورة (3).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة (4).
و من زارني في حياتي و بعد موتي كان في جواري يوم القيامة (5).
و ان من أتاني زائرا لا يريد إلاّ زيارتي فله الجنّة (6).
و انّ من أتى مكّة حاجّا و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، و من جاءني زائرا وجبت له شفاعتي، و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، و من مات في أحد الحرمين مكة و المدينة لم يعرض و لم يحاسب، و من مات مهاجرا إلى اللّه عزّ و جلّ حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر (7).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحسين سيد الشهداء عليه السّلام: من زارني حيا أو ميتا أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقا عليّ أن أزوره يوم القيامة و أخلصه من ذنوبه (8).
و قال صلّى اللّه عليه و آله: من زارني أو زار أحدا من ذرّيتي زرته يوم
ص:147
القيامة فأنقذته من أهوالها (1).
و ورد ما نطق بأفضلية زيارته صلّى اللّه عليه و آله من الحج المندوب (2).
و في أفضلية ابتداء الحاج بمكة ثم بالمدينة أو العكس روايتان (3)، و هناك ثالثة تنفي الأفضلية من الطرفين، لقوله عليه السّلام في جواب السؤال عن أفضلية الممرّ بالمدينة في البدأة أو في الرجعة: لا بأس بذلك أيّة كان (4).
و يستحب التسليم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كلّما دخل الانسان المسجد أو خرج منه، و الاكثار من السّلام عليه، للأمر بذلك (5). و يكره المرور فيه بغير تسليم عليه أو دنوّ منه، للمنع من ذلك (6). و يستحب بعد التسليم عليه صلّى اللّه عليه و آله القيام عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاويته مستقبل القبلة و وضع المنكب الأيسر إلى جانب القبر و المنكب الأيمن ممّا يلي المنبر و تشهد الشهادات و الدعاء على الطرق المأثورة، فإنه موضع رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ان كانت لك حاجة فاجعل قبره صلّى اللّه عليه و آله خلف كتفيك و استقبل القبلة و ارفع يديك و سل حاجتك فإنها تقضى إن شاء اللّه تعالى (7).
و يستحبّ بعد الفراغ من الدعاء عند قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله
ص:148
الاتيان إلى المنبر و مسحه باليد و الأخذ برمانتيه و هما السفلاوان و مسح العينين و الوجه به فانه شفاء للعينين، ثم القيام عنده و حمد اللّه و الثناء عليه و سؤال الحاجة لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما بين منبري و بيتي (1)روضة من رياض الجنّة، و منبري على ترعة من ترع الجنة، و الترعة هي الباب الصغيرة، ثم يأتي مقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يصلي فيه ما بدا له (2). و حدّ الروضة أربع أساطين من المنبر إلى الظلال لا شيء من الصحن فيها. و يستحب إتيان مقام جبرئيل عليه السّلام الذي كان مقامه إذا استأذن على رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو تحت الميزاب و الدعاء فيه بما أحبّ خصوصا دعاء الحائض للطهر (3).
و يستحب لمن كان له إقامة ثلاثة أيام بالمدينة الأربعاء و الخميس و الجمعة أن يصومها و يعتكف عند الاساطين في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يصلّي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة، و هي اسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء، و يقعد عندها يوم الاربعاء ثم يأتي ليلة الخميس التي تليها ممّا تلي مقام النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يقيم تلك الليلة و يومها هناك، ثم يأتي الاسطوانة التي فيها مقام النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلة الجمعة و يصلي عندها و يقيم عندها تلك الليلة و يومها و لا يتكلّم مهما أمكن في الايام الثلاثة بشيء إلاّ ما لا بدّ له منه، و لا يخرج من المسجد إلاّ لحاجة، و لا ينام في ليل و نهار مهما أمكن إلاّ بقدر الضرورة، ثم يحمد اللّه يوم الجمعة و يثني عليه و يصلّي على النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يسأل حاجته، و ليكن ممّا يقول: «اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت في طلبها و التماسها أو لم
ص:149
أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجّه إليك بنبيكّ محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيّ الرحمة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها» فإن من فعل ذلك حريّ ان تقضى حاجته إن شاء اللّه تعالى (1)، و يدعو بغير ذلك من الأدعية المأثورة.
في بقية ما يستحب في المدينة المشرفة:
و هي أمور:
فمنها: زيارة سيّدة النساء فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها، فقد ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ من زار فاطمة فكأنّما زارني. و انّ من سلّم عليها ثلاثة أيام أوجب اللّه له الجنّة (2).
و اختلفت الاخبار في موضع قبرها، فروي أنّها دفنت في البقيع (3)، و روي أنّها دفنت بين القبر و المنبر (4)، و ان ما مرّ من قول النّبي صلّى اللّه عليه و آله: ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة إشارة إلى ذلك، بل ورد في بعض رواياتنا تعليل الصادق عليه السّلام قوله صلّى اللّه عليه و آله ذلك بأنّ قبر فاطمة عليها السّلام بين قبره و منبره، و قبرها روضة من رياض الجنة (5)، و روي انّها دفنت في بيتها، فلمّا زادت بنو أميّة في المسجد صارت في المسجد (6)، و هذا هو
ص:150
الصحيح عند الصدوق و الشيخين رحمهم اللّه، و هو الذي حصل لي الاطمئنان به عند تشرّفي إلى تلك العتبة المقدّسة، رزقني اللّه العود إليها مرةّ بعد أخرى، و ما قبله هو المعتمد عند الشيخ الحرّ رحمه اللّه و غيره حملا للأوّل و الثالث على التقيّة لموافقتها لأقوال العامّة، و الأولى أن تزار سلام اللّه عليها في الأمكنة الثلاثة، و من جملة ما ينبغي أن يقال عند قبرها: (يا ممتحنة امتحنك [اللّه]الذي خلقك قبل أن يخلقك، فوجدك لما امتحنك صابرة، و زعمنا أنّا لك أولياء و مصدقون و صابرون لكل ما أتانا به أبوك، و أتى به وصيه عليه السّلام، فإنا نسألك إن كنّا صدقناك إلاّ ألحقتينا بتصديقنا لهما بالبشرى لنبشر انفسنا بأنّا قد طهرنا بولايتك) (1).
و منها: زيارة أئمة البقيع، و هم: أبو محمد الحسن الزكي، و أبو محمد سيد الساجدين، و أبو جعفر الباقر، و أبو عبد اللّه الصادق عليهم السّلام، فقد استفاضت الأخبار-بل تواترت-بفضل زيارة جميع الأئمة عليهم السّلام و تأكّدها.
فعن الصادق عليه السّلام: انّه إذا حج أحدكم فليختم بزيارتنا، لأنّ ذلك من تمام الحجّ (2).
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: اتّموا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا خرجتم إلى بيت اللّه الحرام، فإنّ تركه جفاء، و بذلك أمرتم، و أتمّوا بالقبور التي ألزمكم اللّه حق زيارتها، و اطلبوا الرزق عندها (3).
و عن الباقر عليه السّلام انّ من زار قبور شهداء آل محمد صلّى اللّه عليه
ص:151
و آله يريد بذلك صلة نبيّة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه (1).
و عن الصادق عليه السّلام انّ من زار أحد الأئمة عليهم السّلام فهو كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (2)، و له مثل ما لمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و عن الرضا عليه السّلام: انّ لكل إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته، و ان من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم عليهم السّلام شفعاءهم يوم القيامة (3).
و قد مرّ قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من زارني أو زار أحدا من ذرّيتي زرته يوم القيامة فانقذته من أهوالها (4).
و عن الصادق عليه السّلام: انّ من زار إماما مفترض الطاعة و صلّى عنده أربع ركعات كتب اللّه له حجّة و عمرة (5).
و ورد في زيارة الحسن عليه السّلام قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للحسين عليه السّلام: من زارني أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقا عليّ أن أزوره يوم القيامة و أخلّصه من ذنوبه (6).
و قوله صلّى اللّه عليه و آله في حقّ زائر كلّ منه عليه السّلام و من الحسين عليه السّلام و أبيه و أخيه لا يريد إلاّ الزيارة: انّ له الجنة (7).
ص:152
و قوله صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: يا عليّ من زارني في حياتي أو بعد موتي، أو زارك في حياتك أو بعد موتك، أو زار ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلصّه من أهوالها و شدائدها، أصيره معي في درجتي (1).
و ورد عن مولانا العسكري عليه السّلام: انّ من زار جعفرا أو أباه لم يشتك عينه، و لم يصبه سقم و لم يمت مبتلى (2).
و عن الصادق عليه السّلام: ان من زارني غفرت له ذنوبه و لم يمت فقيرا (3).
و منها: إتيان قبور الشهداء و زيارتها سيّما قبر حمزة سيد الشهداء، لما ورد من أن زيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و زيارة قبور الشهداء و زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل حجّة مبرورة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4). و تتأكّد زيارة قبور الشهداء في كل اثنين و خميس تأسّيا بسيدة النساء سلام اللّه عليها (5).
و منها: اتيان المساجد و المشاهد التّي بالمدينة و حواليها و الصّلاة و الدعاء فيها، كمسجد قباء الذّي أسّس على التقوى من أول يوم، و هو أول مسجد صلّى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في تلك العرصة، و من أتاه و صلى فيه ركعتين رجع بعمرة (6)، و مشربة أم إبراهيم فإنها مسكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:153
و آله، و مسجد الفضيخ الذي ردّ فيه الشمس على أمير المؤمنين عليه السّلام، و مسجد الأحزاب و هو مسجد الفتح، و المسجد الذي دون الحرّة في جانب أحد، و المسجد الذي في المكان الواسع الى جنب الجبل من طرف اليمين (1).
و يستحبّ الإقامة بالمدينة و كثرة العبادة فيها و اختيارها على الإقامة بمكة، لأنّ الاقامة بها أفضل من الاقامة بمكّة، كما نصّ على ذلك الصادق عليه السّلام، و الكاظم عليه السّلام (2). و ورد أن من مات في المدينة بعثه اللّه في الآمنين يوم القيامة (3).
و حدّ حرم المدينة من عاير إلى وعير، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قوله صلّى اللّه عليه و آله: مكّة حرم اللّه حرمها إبراهيم عليه السّلام، و ان المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يعضد شجرها، و هو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير، ليس صيدها كصيد مكّة، يؤكل هذا و لا يؤكل ذاك، و هو بريد (4).
و عنه صلّى اللّه عليه و آله: انّ من أحدث بالمدينة حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّه، قيل له: و ما الحدث؟ فقال: القتل (5).
و يكره الاشراف على قبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله من فوق، لورود التحذير عنه (6).
ص:154
و يستحب النزول بمعرس النبي صلّى اللّه عليه و آله بذي الحليفة، و الصّلاة فيه، و الاضطجاع به ليلا كان أو نهارا، لمن رجع إلى المدينة من مكّة (1)، و ان تجاوز المعرس استحب له الرجوع للتعريس فيه لتأكيد أبي الحسن عليه السّلام في ذلك بقوله للجمع الذي تجاوزوه: لا بد أن ترجعوا إليه (2).
و يستحب الصّلاة في مسجد غدير خمّ بالنهار للمسافر، للأمر بذلك معلّلا بأنّ فيه فضلا (3).
قد ورد أنّ كل يوم تأتي إلى قبره عليه السّلام سبعون ألف ملك فيسلّمون عليه (4)، و يدلّ على فضل زيارته عليه السّلام ما مرّ في الجهة الثالثة من فضل زيارة الأئمّة عليهم السّلام عموما و زيارته خصوصا، مضافا إلى ما ورد من أن من زار قبره فله الجنّة، و أنّ من زاره عارفا بحقّه غير متجبّر و لا متكبّر كتب اللّه له أجر مائة ألف شهيد، و غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، و بعث من الآمنين، و هوّن عليه الحساب، و استقبلته الملائكة، فإذا انصرف شيّعته إلى منزله، فإن مرض عادوه، و ان مات شيّعوه بالاستغفار إلى قبره (5)، و انّ من زاره عارفا بحقه كتب اللّه له بكلّ خطوة حجّة مقبولة و عمرة مقبولة، و ما تطعم النار قدما
ص:155
تغبّرت (1)في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام ماشيا كان أو راكبا (2).
و ورد: أنّ من زاره كتب اللّه له بكلّ خطوة مائة ألف حسنة، و محيت عنه مائة ألف سيئة، و ترفع له مائة ألف درجة، و تقضى له مائة ألف حاجة، و يكتب له ثواب كلّ صدّيق و شهيد مات أو قتل (3)، و انّه لا يلوذ بقبره ذو عاهة إلاّ شفاه اللّه (4)، و انّ من أتاه و صلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات نفّس اللّه كربه، و قضى حاجته (5)، و انّ من ترك زيارته لم ينظر اللّه إليه (6).
و ورد: أنّ زيارته عليه السّلام أفضل من الحجّ و العمرة و من زيارة سيد الشهداء عليه السّلام، لأن زيارته تعدل حجّتين و عمرتين، و زيارة الحسين تعدل حجّة و عمرة (7)، و انّ الحسين عليه السّلام قتل مكروبا فحقيق على اللّه عزّ و جلّ أن لا يأتيه مكروب إلا فرّج اللّه كربه، و لكن فضل زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام على زيارة الحسين عليه السّلام كفضل أمير المؤمنين عليه السّلام على الحسين عليه السّلام (8).
و الأفضل زيارته ماشيا و ذاهبا و عودا (9)، لما ورد من أنّ من زاره ماشيا كتب اللّه له بكلّ خطوة حجّة و عمرة، فإن رجع ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة
ص:156
حجّتين و عمرتين (1).
قلت: و بذلك أيضا و ذا ها (2)تمتاز عن زيارة سيد الشهداء عليه السّلام لعدم العثور على ورود المشي في العود من زيارته عليه السّلام، و العلم عند اللّه سبحانه.
و الافضل أن يزار بالزيارات المأثورة، و المتكفّل لها كتب المزارات المعتبرة التي آخرها كتاب تحية الزائر للمحدّث النوري المعاصر أعلى اللّه درجته. و يتأكّد استحباب زيارته عليه السّلام في أيام و ليالي:
فمنها: يوم عيد الغدير:
و هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّه الذي فضله عظيم، و قدره جليل جسيم. و قد ورد الأمر بزيارته عليه السّلام فيه (3)، و وردت له عليه السّلام فيه زيارة مخصوصة نقلها في مزار البحار (4)و ساير كتب المزارات كما نقل في آخر المجلد العشرين منه فضل هذا اليوم و أعماله (5)، فمن شاء راجعه.
و منها: يوم عيد مولد النّبي صلّى اللّه عليه و آله:
و هو سابع عشر ربيع الاوّل، فإنّه من الايام المتبرّكة، و الاعياد الشريفة، و قد ورد الامر بزيارة أمير المؤمنين عليه السّلام فيه، و هو كسابقه في ورود زيارة مخصوصة له عليه السّلام فيه مذكورة في البحار (6)و غيره، كما أنّ الاعمال الواردة
ص:157
فيه مذكورة في آخر المجلد العشرين منه (1).
و منها: يوم مبعث النّبي صلّى اللّه عليه و آله:
و هو السابع و العشرون من رجب على المشهور بين الشيعة، بل المتفق عليه بينهم، و هو كسابقيه في الشرف و الفضل، و ورد زيارة مخصوصة مذكورة في مزار البحار (2)، و أعمال خاصة مسطورة في آخر المجلد العشرين (3)منه.
و منها: يوم وفاته عليه السّلام:
و هو اليوم الحادي و العشرون من شهر رمضان الذي هو من الأيام العظيمة عند اللّه سبحانه، و ينبغي زيارته عليه السّلام فيه بما زاره به الخضر عليه السّلام في ذلك اليوم، و هو قوله: رحمك اللّه يا أبا الحسن. . الى آخره. و اعمال هذا اليوم و ليلته كأعمال ساير الايام المتبركة و لياليها، يطلب من المجلد العشرين من البحار (4).
و يستحب زيارة آدم و نوح على نبينا و آله و عليهما الصلاة و السّلام، لقول الصادق عليه السّلام للمفضل بن عمر: اعلم انّك زائر عظام آدم، و بدن نوح، و جسم عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، فقال له المفضل: يا بن رسول اللّه انّ آدم [هبط]بسرانديب في مطلع الشمس، و زعموا انّ عظامه في بيت اللّه الحرام، فكيف صارت عظامه في الكوفة؟ ! فقال: انّ اللّه أوحى إلى نوح عليه السّلام و هو في السفينة [ان يطوف بالبيت اسبوعا فطاف بالبيت كما أوحى اللّه تعالى اليه، ثم نزل في الماء الى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم عليه السّلام
ص:158
فحمله في جوف السفينة]حتى طاف ما شاء اللّه ان يطوف، ثم ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها، ففيها قال اللّه للأرض: ابلعي ماءك، فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء منه، و تفرّق الجمع الذي كان مع نوح عليه السّلام في السفينة، فأخذ نوح عليه السّلام التابوت و دفنه في الغريّ، و هو قطعة من الجبل الذي كلّم اللّه عليه موسى عليه السّلام تكليما، و قدّس عليه عيسى (ع) تقديسا، و اتخذ عليه إبراهيم عليه السّلام خليلا، و اتّخذ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله حبيبا، و جعل للنبيّين مسكنا (1). . إلى أن قال عليه السّلام: انّ زائر أمير المؤمنين عليه السّلام تفتح له أبواب السماء عند دعوته، فلا تكن عن الخير (2)نوّاما (3).
و يأتي بيان الجانب الذي ينبغي زيارة آدم و نوح عليهما السّلام فيه إن شاء اللّه تعالى (4). و لهما زيارة مأثورة رواها الشيخ المفيد (5). و ورد لكل منهما ركعتان صلاة الزيارة (6).
و ينبغي السّلام على هود عليه السّلام، و صالح عليه السّلام عند قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، لما ورد من وصيّته عليه السّلام الى الحسنين عليهما السّلام بدفنه في قبر أخويه هود و صالح (7).
و ينبغي في الغري زيارة رأس الحسين عليه السّلام، و موضع منبر القائم
ص:159
عجل اللّه تعالى فرجه أو منزله، و صلاة ركعتين في كلّ منهما (1)، لما ورد من صلاة الصادق عليه السّلام في الموضعين، فقيل له: أ ليس قد ذهب برأسه إلى الشام؟ ! فقال: بلى، و لكن فلان مولانا سرقه فجاء به فدفنه في الغري بجنب أمير المؤمنين عليه السّلام (2).
قلت: و لم يعلم إلى الآن موضع منبر القائم عجّل اللّه تعالى فرجه، و أمّا موضع رأس الحسين عليه السّلام ففي بعض الأخبار أنه دفن بجنب أمير المؤمنين عليه السّلام، و ظاهره عدم الفصل المعتدّ به بينه و بين القبر الشريف، و يوافقه ما ورد في كيفيّة زيارة الصادق عليه السّلام لأمير المؤمنين عليه السّلام من قوله: ثم تقدّم قليلا فصلّى ركعتين، فسألته عنه فقال: هو موضع رأس الحسين عليه السّلام (3). و ما ورد من أنّ في الغري قبرين كبير و صغير، فالكبير قبر أمير المؤمنين، و الصغير رأس الحسين عليهما السّلام (4). و في البعض الآخر من الأخبار ما يظهر منه وجود الفصل المعتد به بينهما، لأنه تضمن نقل أنّ الصادق عليه السّلام لمّا وصل إلى الغريّ نزل عليه السّلام فصلى ركعتين ثم سار عليه السّلام قليلا، فنزل عليه السّلام فصلّى ركعتين، ثمّ تقدّم قليلا آخر فصلّى ركعتين، ثم قال عليه السّلام: انّ الأول قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، و الثاني موضع رأس الحسين عليه السّلام، و الثالث موضع منبر [خ. ل: منزل]القائم عليه السّلام و عجّل اللّه تعالى فرجه (5). فإن قوله: فنزل، ظاهر في أنّه عليه السّلام قد ركب بين قبر أمير المؤمنين عليه السّلام و موضع رأس الحسين عليه السّلام، و ركوبه لا
ص:160
يكون إلاّ لفصل بينهما.
و الذي أحتمل من غير مستند قويم انّ موضع رأس الحسين عليه السّلام المكان الذي الآن في منتهى إليه غربي البلدة المباركة المعروف بمقام زين العابدين عليه السّلام، و انّ موضع منبر القائم عجّل اللّه تعالى فرجه هذا المقام الذي في وادي السّلام معروف بمقامه عجّل اللّه فرجه، و الأولى هو السّلام في مواضع الاحتمال جميعا دركا للواقع. و احتمال انّ موضع الرأس الشريف مسجد حنانة و موضع المنبر مسجد السهلة يبعدّه أن المسجدين كانا معروفين يومئذ.
و لا يخفى عليك أنّ ما ذكر من الأخبار لا ينافي ما رواه رضي الدين علي ابن طاووس قدس سرّه من أنّ رأس الحسين عليه السّلام أعيد فدفن مع بدنه بكربلا، و ذكر أن عمل الصحابة على ذلك، لإمكان أنّ مولى لهم سرقة فلم يجد له مكان أحسن من جنب قبر أمير المؤمنين عليه السّلام ثم عند دفن الجسد الشريف أو بعده أخرج من الغري و ألحق بالجسد المطهّر، و اللّه العالم (1).
و يستحبّ لمن زار الغريّ أن يخرج إلى مسجد الكوفة و السهلة لاتيان ما بهما من الأعمال (2)و زيارة مسلم بن عقيل أوّل الشهداء في جنب مسجد الكوفة، و ينبغي له في الطريق زيارة الحسين عليه السّلام في مسجد الحنّانة، لأنّ الرأس الشريف وضع فيه عدة ساعات على رواية.
ص:161
و يكفي في فضلها ما مرّ في الجهة الثالثة في زيارة الحسن عليه السّلام من الاخبار الواردة في زيارة جميع الأئمّة عليهم السّلام، و زيارة النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و الوصّي، و السبطين خصوصا، فلاحظ.
و ورد أن موضع قبره عليه السّلام منذ دفن فيه روضة من رياض الجنّة (1)، و ترعة من ترعها (2). و مختلف الملائكة (3). و انّ زيارته أفضل ما يكون من الأعمال، و أحبّ الأعمال (4).
و عن الصادق عليه السّلام انّه: و كلّ اللّه بقبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، رئيسهم ملك يقال له: منصور، فلا يزوره زائر عارفا بحقّه إلاّ استقبلوه، و لا يودّعه مودّع إلاّ شيّعوه حتى يبلغوه مأمنه، و ان مرض عادوه غدوة و عشيّة، و ان مات شهدوا جنازته، و أتوا له بحنوط و كسوة من الجنّة، و صلّوا عليه، و استغفروا له إلى يوم القيامة (5)، و انّ أوّل ما يصيب زائر الحسين عليه السّلام أن يغفر له ما مضى من ذنوبه و يقال له: استأنف العمل (6). و انّ من أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقّه، عالما
ص:162
بأنّه إمام من قبل اللّه مفترض الطّاعة كتبه اللّه في أعلى علّيّين، و غفر له ما تقدّم من ذنوبه و ما تأخّر، و قبل شفاعته في خمسين [خ. ل: سبعين]مذنبا، و لم يسأل اللّه عزّ و جلّ حاجة عند قبره إلاّ قضاها له (1). و انّ من زاره كان كمن زار اللّه فوقه عرشه (2)، و إنّ زيارته تعدل عمرة مقبولة مبرورة (3)، و زاد في بعض الأخبار: و حجّة مبرورة (4)، و زاد في ثالث: و اعتكاف شهرين في المسجد الحرام و صيامها و خير منها (5). و ورد ازيد من حجة و عمرة إلى الألف (6). و يأتى عند بيان افضلّيته من الحج المندوب إن شاء اللّه تعالى.
و ورد أنّ من اغتسل و مشى إلى زيارته عليه السّلام كان له بكل قدم يرفعها و يضعها حجّة متقبّلة بمناسكها (7). و ورد أن بكل رفع و وضع للقدم مائة حجة (8)كما يأتي إن شاء اللّه تعالى. و ان فضل زوّاره يوم القيامة انّهم يدخلون الجنة قبل الناس بأربعين عاما، و ساير الناس في الحساب (9). و انّه و كلّ بالحسين عليه السّلام سبعون ألف ملك شعثا غبرا يصلّون منذ يوم قتل إلى ما شاء اللّه-
ص:163
يعني قيام القائم عجّل اللّه تعالى فرجه-و يدعون لمن زاره (1)، و انّ للّه ملائكة موكّلين بقبر الحسين عليه السّلام فإذا همّ الرجل بزيارته فاغتسل ناداه محمّد صلّى اللّه عليه و آله: يا وفد اللّه ابشروا بمرافقتي في الجنة، و ناداه أمير المؤمنين عليه السّلام: أنا ضامن لقضاء حوائجكم و دفع البلاء عنكم في الدنيا و الآخرة، ثم اكتنفهم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام عن أيمانهم و عن شمائلهم حتّى ينصرفوا إلى أهاليهم (2).
و قال الرضا عليه السّلام: يا ابن شبيب إن سرّك أن تلقى اللّه و لا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام، يا ابن شبيب إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبي صلّى اللّه عليه و آله فالعن قتلة الحسين عليه السّلام، يا بن شبيب إن سرّك أن يكون لك مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السّلام فقل متى ذكرتهم: يا ليتني كنتم معهم فأفوز فوزا عظيما (3). و انّ الحسين بن علي عليه السّلام عند ربّه عزّ و جلّ ينظر إلى موضع معسكره و من حلّه من الشهداء معه و ينظر الى زواره، و هو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و درجاتهم و منزلتهم عند اللّه من أحدكم بولده، و انّه ليرى من سكنه فيستغفر له و يسأل آباءه عليهم السّلام ان يستغفروا له، و يقول: لو يعلم زائري ما أعدّ اللّه له لكان فرحه اكثر من غمّه. و انّ زائره لينقلب و ما عليه ذنب (4).
و عن الحسين عليه السّلام انه قال: أنا قتيل العبرة، قتلت مكروبا، و حقيق على اللّه أن لا يأتيني مكروب إلاّ ردّه إلى أهله و قلبه مسرور (5).
ص:164
و ورد أنّ من قام عنده أيّاما كان كلّ يوم بألف شهر (1).
و ورد أن زيارته عليه السّلام مفترضة واجبة على كلّ مؤمن يقرّ له بالإمامة من اللّه (2)، و أنّها تزيد في الرزق، و تمدّ في العمر، و تدفع مدافع السوء (3)، و انّ ايّام زائري الحسين عليه السّلام ذهابا و رجوعا لا تعدّ من آجالهم (4)، و انّ أدنى ما لزائره عليه السّلام أن يحفظ في نفسه و ماله حتى يرد إلى أهله، فاذا كان يوم القيامة كان اللّه أحفظ له (5). و انّ من زاره كان اللّه من وراء حوائجه، و كفي ما أهمّه من أمر دنياه. و انّ زيارته تجلب الرزق على العبد، و تخلف عليه ما ينفق، و يغفر له ذنوب خمسين سنة، و يرجع الى أهله و ليس عليه وزر و لا خطيئة إلاّ و محيت من صحيفته، فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسّلته، و فتح له باب الجنّة فيدخل عليه روحها حتى ينشر، و ان سلم فتح له الباب الذي ينزل منه رزقه و يجعل له بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم، و ادّخر ذلك له، و اذا حشر قيل له: لك بكل درهم عشرة آلاف درهم ان اللّه نظر لك فذخرها لك عنده (6).
و قد دعا الصادق عليه السّلام في حقّ زوّار الحسين عليه السّلام بأدعية لا يفوّتها عاقل على نفسه بترك زيارته عليه السّلام. قال عليه السّلام: يا من خصّنا بالكرامة، و خصّنا بالوصية، و وعدنا الشفاعة، و أعطانا علم ما مضى و ما بقي، و جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي و لإخواني و لزوّار قبر أبي
ص:165
الحسين عليه السّلام، الذين أنفقوا أموالهم، و أشخصوا أبدانهم، رغبة في برّنا، و رجاء لما عندك في صلتنا، و سرورا أدخلوه على نبيّك صلواتك عليه و آله، و اجابة منهم لأمرنا، و غيظا أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضاك، فكافهم عنّا بالرضوان، و أكلأهم بالليل و النهار، و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذي خلّفوا بأحسن الخلف، و اصحبهم و اكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، و كلّ ضعيف من خلقك أو شديد، و شرّ شياطين الانس و الجن (1)، و أعطهم أفضل ما أملّوا منك في غربتهم عن (2)أوطانهم، و ما آثرونا به على أبنائهم و أهاليهم و قراباتهم، اللهم إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، و خلافا منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي قد غيّرتها الشمس، و ارحم تلك الخدود التي تقلّبت على حفرة أبي عبد اللّه عليه السّلام، و ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، و ارحم تلك القلوب التّي جزعت و احترقت لنا، و ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهمّ انّي أستودعك تلك الأنفس و تلك الأبدان حتى نوافيهم على الحوض يوم العطش. . إلى أن قال عليه السّلام: يا معاوية من يدعو لزوّاره في السماء أكثر ممّن يدعو لهم في الارض، يا معاوية لا تدعه [لخوف من احد]فمن تركه [لخوف]رأى من الحسرة ما يتمنّى أن قبره كان عنده (3)، اما تحبّ أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الأئمّة عليه و عليهم الصلاة و السّلام؟ أما تحبّ أن تكون غدا ممّن ينقلب بالمغفرة لما مضى و يغفر له ذنوب سبعين سنة؟ أما تحبّ أن تكون غدا ممّن تصافحه الملائكة؟ أما تحبّ أن تكون غدا فيمن يخرج و ليس له ذنب فيتبع به؟ أما تحب أن تكون غدا ممّن يصافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه
ص:166
و آله (1).
بل في الأخبار ما نطق بوجوب زيارة الحسين عليه السّلام، مثل قول الصادق عليه السّلام: لو أن أحدكم حجّ دهره-و في خبر ألف حجة-ثم لم يزر الحسين بن علي عليهما السّلام لكان تاركا حقّا من حقوق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّ حقّ الحسين عليه السّلام فريضة من اللّه واجبة على كلّ مسلم (2).
و ورد أنّ من ترك زيارة الحسين عليه السّلام و هو يقدر عليها قد عقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عقّ أهل البيت عليهم السّلام و استخفّ بأمر هو له (3)، و أنّ من أتى عليه حول لم يأت قبر الحسين عليه السّلام نقص اللّه من عمره حولا، قال عليه السّلام: و لو قلت إن أحدكم يموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقا، و ذلك أنكم تتركون زيارته، فلا تدعوها يمدّ اللّه في أعماركم و يزيد في أرزاقكم، فإذا تركتم زيارته نقص اللّه من اعماركم و ارزاقكم فتنافسوا في زيارته و لا تدعو ذلك، فانّ الحسين بن علي عليهما السّلام شاهد لكم عند اللّه تعالى و عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عند عليّ عليه السّلام و عند فاطمة سلام اللّه عليها (4).
و ورد أنّ من لم يزر قبر الحسين عليه السّلام فقد حرم خيرا كثيرا و نقص من عمره سنة (5)، و من لم يأته حتّى يموت كان منتقص الايمان منتقص الدين،
ص:167
إن أدخل الجنّة كان دون المؤمنين فيها (1). و ان من لم يأته و هو يزعم أنه لنا شيعة حتى يموت فليس هو لنا بشيعة، و ان من كان من أهل الجنّة فهو ضيفان أهل الجنّة (2).
بل ورد فيمن ترك زيارة الحسين عليه السّلام من غير علّة انّه من أهل النّار (3)، و هو محمول على الترك نصبا (4).
و ورد أنّ من ترك زيارته رغبة عنه فله الحسرة يوم الحسرة، و ان ترك زيارته جفاء (5).
و لا فرق في استحباب زيارة الحسين عليه السّلام بين الرجال و النساء، لأمر الصادق عليه السّلام أم سعيد الأحمسيّة بزيارته، معلّلا بأنّ زيارة الحسين عليه السّلام واجبة على الرجال و النساء (6). و في رواية أخرى لما اعتذرت أم سعيد عن ترك الزيارة بأنّها امرأة قال عليه السّلام: لا بأس لمن كانت مثلك أن تذهب إليه و تزور. . الحديث (7).
ص:168
و هذا مجمل إذا لم يعلم في أي شيء أراد المماثلة لها (1).
و يستحب تكرار زيارته عليه السّلام في كل اسبوع مرة (2)، فإن لم يمكن ففي كل شهر مرة، فإن لمن زاره في كل شهر ثواب مائة ألف شهيد مثل شهداء بدر (3)، فإن لم يمكن ففي كل سنة ثلاث مرات، فإن من أتى قبر الحسين عليه السّلام في السنة ثلاث مرات أمن من الفقر (4)، فإن لم يمكن ففي السنة مرّتين إن كان غنّيا، و مرّة إن كان فقيرا، لأن الصادق عليه السّلام عدّ ذلك عليهما من الحق (5). و في خبر آخر انّه حقّ على الفقير أن يأتي قبر الحسين عليه السّلام في السنة مرتّين، و في خبر عن أبي الحسن عليه السّلام انه قال: لا تجفوه، يأتيه الموسر في كلّ أربعة أشهر و المعسر لا يكلف اللّه نفسا إلاّ وسعها (6).
و ورد أن حدّ الاهمال فيها لمن كان بعيد الدار هو ثلاث سنين، فإذا جاز ثلاث سنين فلم يأته فقد عقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قطع حرمته إلاّ عن علّة (7)، و في خبر آخر: انه لا ينبغي التخلّف عنه أكثر من أربع سنين (8).
و يستحب كثرة الانفاق في زيارة الحسين عليه السّلام و ساير الأئمّة عليهم السّلام، لما ورد من أنّ بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف [مدينة]له في كتاب
ص:169
محفوظ (1)، و انّ بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم تدّخر له (2)، و انّ اللّه يعطيه بكلّ درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات، و يخلف عليه أضعاف ما أنفق، و يصرف عنه من البلاء ما قد نزل فيدفع فيحفظه في ماله (3). و قال ابن سنان لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ أباك كان يقول في الحجّ يحسب له بكل درهم أنفقه ألف، فما لمن ينفق في المسير إلى أبيك الحسين عليه السلام؟ قال: يا بن سنان يحسب له بالدرهم ألف و ألف-حتى عدّ عشرة-، و يرفع له من الدرجات مثلها، و رضاء اللّه خير له، و دعاء محمد صلّى اللّه عليه و آله و دعاء أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمة عليهم السّلام خير له (4).
نعم، ينبغي عدم إجادة الزاد لما يأتي في طيّ الآداب المخصوصة في الجهة الثامنة إن شاء اللّه تعالى.
و يعتبر في زيارته عليه السّلام كساير الزيارات أو غيرها من العبادات أن يراد بها وجه اللّه عزّ و جلّ و الدار الآخرة، و ان تكون حبا لرسول اللّه، و أمير المؤمنين، و سيّدة النساء صلوات اللّه عليهم أجمعين، فقد ورد عن الصادق عليه السّلام: انّه إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين زوّار الحسين عليه السّلام؟ فيقوم عنق من الناس فيقول لهم: ما أردتم في زيارة الحسين عليه السّلام؟ فيقولون: أتيناه حبّا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حبّا لعليّ عليه السّلام و فاطمة و رحمة له ممّا ارتكب منه، فيقول لهم: هذا محمد صلّى اللّه عليه و آله و عليّ
ص:170
عليه السّلام و الحسن و الحسين و فاطمة صلوات اللّه عليهم. فالحقوا بهم فأنتم معهم في درجتهم، الحقوا بلواء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فيكونون في ظلّه، و هو في يد علي عليه السّلام حتّى يدخلوا الجنّة جميعا (1). و ان من أتى الحسين عليه السّلام شوقا إليه و حبّا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حبّا لفاطمة عليها السّلام و حبّا لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم أجمعين أقعده اللّه على موائد الجنة يأكل معهم و الناس في الحساب (2). و أن من أتى قبر الحسين عليه السّلام شوقا (3)إليه كتبه اللّه من الآمنين يوم القيامة، و أعطي كتابه بيمينه، و كان من عباد اللّه المكرمين، و كان تحت لواء الحسين بن علي عليهما السّلام حتّى يدخل الجنّة فيسكنه في درجته، إنّ اللّه سميع عليم [خ. ل: عزيز حكيم] (4).
و ورد انّ اللّه يباهي بزائر الحسين عليه السّلام و الوافد إليه الملائكة المقربين و حملة عرشه فيقول لهم: أ لا ترون زوار قبر الحسين عليه السّلام أتوه شوقا إليه و إلى فاطمة عليها السّلام؟ و عزتي و جلالي و عظمتي لأوجبنّ لهم كرامتي [و لأدخلنّهم جنّتي التي اعددتها لأوليائي و لأنبيائي و رسلي. . .] (5). و انّ من زار الحسين عليه السّلام للّه و في اللّه أعتقه اللّه من النار، و آمنه يوم الفزع الأكبر، و لم يسأل اللّه حاجة من حوائج الدّنيا و الآخرة إلاّ أعطاه (6). و ان من زار الحسين عليه السّلام احتسابا لا أشرا و لا بطرا و لا رياء و لا سمعة محصت عنه ذنوبه كما يمحص الثوب في الماء، فلا يبقى عليه دنس، و يكتب له بكل خطوة حجة،
ص:171
و كلّما رفع قدما عمرة (1). و ان ركب سفينة فكفت به السفينة نادى مناد من السماء: طبتم و طابت لكم الجنّة (2).
و يستحب اختيار المشي في زيارة الحسين عليه السّلام على الركوب، لما ورد من أنّ من زاره ماشيا كتب اللّه له بكلّ خطوة حسنة و محا عنه سيئة، حتّى إذا صار في الحائر كتبه اللّه من الصالحين (3)، و اذا قضى مناسكه كتبه اللّه من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال له: أنا رسول اللّه إليك، ربّك يقرئك السّلام و يقول لك: استأنف (4)فقد غفر لك ما مضى (5). لكن هذا الخبر كما تضمّن كتابة حسنة و محو سيئة بكلّ خطوة فكذا تضمّن انّ كان راكبا بكل حافر كتابة حسنة و محو سيّئة. نعم، ورد في خبر آخر في فضل المشي ما لم يرد مثله في الركوب، و هو أنّ من أتى قبر الحسين عليه السّلام ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة و بكل قدم يرفعها و يضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل (6)، و في ثالث: إن من أتى قبر الحسين عليه السّلام ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة ألف حسنة، و محا عنه ألف سيّئة، و رفع له ألف درجة (7).
و يستحب اختيار زيارة الحسين عليه السّلام على الحجّ و العمرة المندوبين، فإنّ مقتضى الأخبار الناطقة بأنّ زيارته تعدل حجّة مقبولة، و الناطقة بأنها تعدل عمرة مبرورة، و الناطقة بانها تعدل حجة و عمرة مقبولة، و ان كان مساواتها للحجّ
ص:172
و العمرة المندوبة إلاّ أنّ الأخبار الناطقة بانّ زيارته عليه السّلام تعدل أزيد من حجّة و عمرة متواترة معنى، ففي عدّة منها أنّها تعدل حجّتين و عمرتين، و في عدّة اخرى أنّها تعدل ثلاث حجج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و في ثالثة: انها بكل خطوة حجة، و بكل رفع قدم عمرة (1)، و في رواية: إنّ من أتاه فتوضأ و اغتسل بالفرات لم يرفع قدما و لم يضع قدما إلاّ كتب اللّه له بذلك حجّة و عمرة (2)، بل في رواية بشير انّه يعطيه اللّه بكل قدم يرفعها أو يضعها مائة حجّة مقبولة و مائة عمرة و مائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل (3). و في رابعة مستفيضه انّها: تعدل عشر حجج (4)، و في خامسة إنّها: تعدل عشرين حجة مبرورة، و افضل من عشرين عمرة مقبولات مبرورات (5). و في سادسة انّها: تعدل إحدى و عشرين حجّة (6). و في سابعة انّها: تعدل اثنتين و عشرين عمرة (7). و في ثامنة انّها: تعدل خمسة و عشرين حجّة (8). و في رواية: يكتب اللّه
ص:173
له عتق خمس و عشرين رقبة يعتقها (1). و في تاسعة: إنّها تعدل ثلاثين حجّة مبرورة متقبّلة زاكية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2). و في عاشرة: إنّها تعدل سبعين حجّة من حجج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هي ما عن الصادق عليه السّلام انه قال: كان الحسين عليه السّلام ذات يوم في حجر النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يلاعبه و يضاحكه، فقالت عايشة: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما أشد إعجابك بهذا الصّبي؟ ! قال: و كيف لا أحبّه و اعجب به و هو ثمرة فؤادي و قرّة عيني، أما ان امتّي ستقتله، فمن زاره بعد وفاته كتب اللّه له حجّة من حججي، قالت: يا رسول اللّه حجّة من حججك؟ ! قال: نعم، و حجّتين، قالت: و حجّتين؟ ! قال: نعم (3)، و أربعا. فلم تزل تزداد-أي تعجبا- و هو يزيد حتى بلغ سبعين حجّة من حجج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأعمارها (4).
قلت: لا يخفى عليك ان ثواب سبعين حجة من حجج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلّه لا ينقص عمّا يأتى من ثواب ألف و ألفي حجّه مقبولة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و في حادية عشرة: إنّها تعدل ثمانين حجّة مبرورة (5).
و في ثانية عشرة: إنّها تعدل مائة حجّة (6).
و في ثالثة عشرة: انّ من زاره عارفا بحقّه كتب اللّه له ثواب ألف حجة
ص:174
و ألف عمرة (1)، و هي رواية ابن عباس عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و فيها: انّ من زاره فقد زارني، و من زارني فكأنّما زار اللّه، و حقّ على اللّه أن لا يعذّبه بالنّار (2).
و في رابعة عشرة: أزيد من ذلك، و هي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه السّلام من الفضل لماتوا شوقا و تقطّعت أنفسهم عليه حسرات، قلت: و ما فيه؟ قال: من زاره تشوقا إليه كتب اللّه له ألف حجّة متقبّلة، و ألف عمرة مبرورة، و أجر ألف شهيد من شهداء بدر، و أجر ألف صائم، و ثواب ألف صدقة مقبولة، و ثواب ألف نسمة أريد بها وجه اللّه، و لم يزل محفوظا. الحديث (3). و زاد في خبر آخر: و كان كمن حمل (4)ألف فرس مسرجة ملجمة في سبيل اللّه (5). و زاد في ثالثة: انّه و ان كان شقيا كتب سعيدا، و لم يزل يخوض في رحمة اللّه (6). و ستسمع إن شاء اللّه تعالى انّ زيارته عليه السّلام يوم العاشر من المحرم تعدل ألفي حجّة، و لا عجب من هذا الأجر الخطير الذي لا يتحمّله عقول أواسط البشر بعد ما صدر منه عليه السّلام من الإطاعة التي لا يتحمّلها أيضا عقول البشر، فمثل تلك الاطاعة تستعقب ألف مثل هذه الأجور، و اللّه يضاعف لمن يشاء، و اللّه ذو الفضل العظيم. و اختلاف مراتب الفضل المزبورة لعلّه لاختلاف الزيارات على اختلاف مراتب الزائرين معرفة بحقّهم و انقيادا لهم و شوقا إليهم و إطاعة للّه
ص:175
سبحانه.
ثم إنّ زيارته عليه السّلام تتأكد في أوقات خاصّة وردت في أغلبها زيارات مخصوصة مذكورة في أغلب المزارات كالبحار و غيره، و آخرها تحيّة الزائر مزار الفاضل المحدّث النوري المعاصر قدس سره، فليراجع.
فمنها: يوم عاشوراء:
فقد ورد في زيارته فيه نظير ما مرّ في مطلق زيارته عليه السّلام، مضافا إلى أجور اخر مثل أن من أراد أن يقضي حقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حقّ أمير المؤمنين عليه السلام و حقّ فاطمة عليها السّلام [و الحسن و الحسين عليهما السّلام]، فليزره يوم عاشوراء (1). و انّ من زاره فيه يلقى اللّه يوم القيامة متلطخا بدمه كأنما قتل معه في عرصة كربلاء (2). و انّ من زاره في يوم عاشوراء من المحرم حتّى يظلّ عنده باكيا لقي اللّه عزّ و جلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة و ألفي عمرة، و ألفي غزوة (3)، و ثواب كلّ حجّة و عمرة و غزوة كثواب من حجّ و اعتمر و غزا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (4).
و منها: اليوم العشرون من شهر صفر:
فقد ورد فيه مضافا إلى ما مرّ من ثواب مطلق زيارته عليه السّلام أنّ زيارته يوم الأربعين أحد علائم المؤمن الخمس (5)، و ورد تفسير يوم الأربعين
ص:176
بيوم العشرين من صفر (1)، فلا مجال لاشكال أنّ يوم قتله عليه السّلام داخل في الأربعين حتى يكون اليوم التاسع عشر، أو خارج حتى يكون يوم العشرين، و كذا لا يفرق بين كون محرّم تامّا أو ناقصا.
و منها: أوّل شهر رجب و النصف منه:
فقد ورد أنّ من زاره عليه السّلام أول يوم من رجب غفر اللّه له ألبتّة (2). و انّ أفضل الأوقات لزيارته عليه السّلام النصف من رجب و النصف من شعبان (3).
و منها: ليلة النصف من شعبان:
فقد عرفت جعل الرضا عليه السّلام له و للنصف من رجب أفضل الأوقات لزيارته، و ورد أنّ من أحبّ أن يصافحه مائة ألف نبيّ، و (4)عشرون ألف نبيّ، فليزر قبر الحسين عليه السّلام في النصف من شعبان، فإن الملائكة و أرواح النبيين تستأذن اللّه في زيارته فيؤذن لهم، فطوبى لمن صافحهم و صافحوه (5). و انّه إذا كان ليلة النصف من شعبان نادى مناد من الأفق الأعلى زائري الحسين عليه السّلام: ارجعوا مغفورا لكم ثوابكم على ربّكم و محمّد صلّى اللّه عليه و آله نبيّكم (6). و انّ من زاره في ثلاث سنين متواليات لا يفصل بينهن في النصف من شعبان غفرت له ذنوبه ألبتة (7). و انّ من زار قبره في النصف من
ص:177
شعبان-و في خبر: ليلة النصف من شعبان-غفرت له ذنوبه، و لم تكتب عليه سيّئة في سنته حتى يحول عليه الحول، فإن زاره في السنة الثانية غفرت له ذنوبه (1).
بيان:
ذيل الخبر يدل على أنّ المراد بعدم الكتابة الانتظار، فإن زار في السنة الثانية غفرت له و لم يكتب من الغافلين.
و ورد أن من زاره عليه السّلام ليلة النصف من شعبان، غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر (2).
و ان من زاره في النصف من شعبان يريد به اللّه عزّ و جلّ لا ما عند الناس غفر اللّه له في تلك الليلة ذنوبه و لو أنها بعدد شعر معزى كلب (3)، و هو في حد من زار اللّه في عرشه (4)و ان من زاره في النصف من شعبان كتب اللّه عزّ و جلّ له ألف حجة (5). و انه لو اخبر الناس بما في زيارته في النصف من شعبان لقامت ذكور الرجال على خشب (6).
و قد اختلفت الأنظار في تفسير هذا الخبر الأخير، فصدر منهم له تفسيرات:
أحداها: ما سنح بالبال القاصر سابقا قبل العثور على بقية التفسيرات من أنّه لو علم الناس ثواب زيارته عليه السّلام ليلة النصف من شعبان لقام الفحول الكاملون في الرجوليّة، و أهل الهمم العالية في تحصيل الأجور الأخرويّة
ص:178
في تحصيل زيارته على صولجان لو كانوا عاجزين عن المشي.
ثانيها: ما أفاده السيد الجزائري رحمه اللّه في الأنوار النعمانية (1)من انه لو علم الناس ذلك الثواب لقام الكاملون في الرجولية على أرجل من خشب لو لم يكن لهم أرجل يقدرون بها على التوصّل، و هذا المعنى قريب ممّا ذكرناه.
ثالثها: ما حكاه في البحار (2)عن السيد ابن طاووس قدّس سرّه (3)و ارتضاه من أنّه لعلّ معنى قوله: لقامت ذكور الرجال على خشب أي كانوا يصلبون على الأخشاب لعظيم ما كانوا ينقلونه و يرونه (4)في فضل زيارة الحسين عليه السّلام في النصف من شعبان من عظيم فضل سلطان الحساب و عظيم نعيم دار الثواب الذي لا يقوم بتصديقه ضعفاء أولي الالباب. و هذا لا بأس به، و كان الأولى تبديل قوله: لعظيم ما كانوا ينقلونه، بقوله: لكثرة اهتمامهم به، المغيظ لبني أميّة، الموجب صلبهم كما فعل كذلك في الأنوار (5)حيث حكى عن العلامة المجلسي في مجلس المذاكرة نقلا عن السيد انه لو أنّ الناس علموا لتركوا التقيّة في زيارته عليه السّلام حتى انّ حكام الجور يصلبونهم على الخشب فيقومون مصلبين على الاخشاب (6).
رابعها: ما ربّما خطر بالبال في بعض الأزمنة السابقة من أنهم لشوقهم إلى ذلك الأجر ركبوا الأخشاب كالاطفال و تسابقوا إليها.
خامسها: ما خطر بالبال أيضا احتماله سابقا من أنّهم لاستعظامهم
ص:179
أجرها يتحمّلوا ما كان سابقا متعارفا من ذلّ ركوب الأخشاب و المحامل لا جلاء الرجال و فحولهم و اختصاص ركوبها عندهم بالنساء و بعض عجزة الرجال (1).
فائدتان:
الأولى: انه قد ورد عن الصادق عليه السّلام أنّ من بات ليلة النصف من شعبان بأرض كربلا فقرأ ألف مرة «قل هو اللّه أحد» و يستغفر ألف مرة و يحمد اللّه ألف مرة، ثم يقوم فيصلّى أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة ألف مرة آية الكرسي وكّل اللّه به ملكين يحفظانه من كلّ سوء و من كلّ شيطان و من كلّ سلطان و يكتبان له حسناته و لا تكتب له سيّئة و يستغفرون له ما داما معه [خ. ل: ما شاء اللّه] (2).
الثانية: انّه ينغبي زيارة الحسين عليه السّلام في يوم ولادته الذي هو ثالث شعبان أو خامسه على ما يأتي شرحه في الجهة الثانية عشرة إن شاء اللّه تعالى.
و منها: شهر رمضان سيما ليلة أوله و وسطه و آخره، و ليلة القدر:
فقد ورد أنّ من زار الحسين عليه السّلام في شهر رمضان و مات في الطريق لم يعرض و لم يحاسب و قيل له: ادخل الجنّه آمنا (3). و ان من جاءه خاشعا محتسبا مستقيلا مستغفرا فشهد قبره في احدى ثلاث ليال من شهر رمضان: أوّل ليلة من الشهر، و ليلة النصف، و آخر ليلة منه، تساقطت ذنوبه و خطاياه (4).
ص:180
و روى في الاقبال عن الرضا عليه السّلام انّه قال عليه السّلام: من زار الحسين عليه السّلام عند العشر الأواخر من شهر رمضان فكأنّما اعتكف عند قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله (1). و قال عليه السّلام: و ليحرص من زار الحسين عليه السّلام في شهر رمضان الا تفوته ليلة الجهني عنده، و هي ليلة ثلاث و عشرين فإنّها الليلة المرجوّة، قال: و ان الاعتكاف ساعة بين العشاءين، فمن اعتكفها فقد أدرك حظّه-أو قال: نصيبه-من ليلة القدر (2).
و ورد أنّه إذا كان ليلة القدر فيها يفرق كلّ أمر حكيم نادى مناد تلك الليلة من بطنان العرش: إنّ اللّه قد غفر لمن أتى قبر الحسين عليه السّلام في هذه الليلة (3). و انّ من زاره ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان-و هي الليلة التي ترجى أن تكون ليلة القدر و فيها يفرق كلّ أمر حكيم-صافحه روح أربعة و عشرون ألف ملك و نبيّ، كلّهم يستأذن اللّه في زيارة الحسين عليه السّلام في تلك الليلة (4).
و منها: ليلة الفطر:
فقد ورد أنّ من زار الحسين عليه السّلام ليلة من ثلاث ليال غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر، قيل له: أي الليالي؟ فقال: ليلة الفطر، و ليلة الأضحى، و ليلة النصف من شعبان (5).
و ورد أنّ من زاره ليلة النصف من شعبان و ليلة الفطر و ليلة عرفة في سنة واحدة كتب اللّه له ألف حجّة مبرورة، و ألف عمرة متقبّلة، و قضيت له ألف
ص:181
حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة (1).
و منها: يوم عرفة و يوم عيد الاضحى:
فقد ورد أنّ الصادق عليه السّلام قال لبشير الدهّان: يا بشير أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقّه في غير يوم عيد كتب اللّه له عشرين حجّة، و عشرين عمرة مبرورات مقبولات (2)، و عشرين حجة و عشرين عمرة (3)مع نبي مرسل أو إمام عادل (4)، و من أتاه في يوم عيد كتب اللّه له مائة حجة و مائة عمرة و مائة غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عادل 5، و من اتاه يوم عرفة (5)كتب اللّه له ألف حجّة، و ألف عمرة مبرورات متقبّلات، و ألف غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عادل (6)، قال: قلت له: و كيف لي بمثل الموقف؟ يعني موقف عرفات. قال: فنظر إليّ شبه المغضب ثم قال: يا بشير إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السّلام يوم عرفة و اغتسل من الفرات ثم توجّه إليه كتب اللّه له بكلّ خطوة حجّة بمناسكها (7)، و لا أعلمه إلاّ قال: [خ. ل: عمرة]و غزوة (8).
و عن رفاعة قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: يا رفاعة ما حججت العام؟ قلت: ما كان عندي ما أحجّ به، و لكنّي عرّفت عند قبر الحسين عليه السّلام، فقال لي: يا رفاعة ما قصرت عمّا كان فيه أهل منى لو لا
ص:182
اني أكره أن يدع الناس الحجّ لحدّثتك بحديث لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السّلام أبدا، ثم قال: أخبرني أبي أنّ من خرج إلى قبر الحسين عليه السّلام عارفا بحقه غير مستكبر صحبه ألف ملك عن يمينه و ألف ملك عن يساره، و كتب [اللّه]له ألف حجّه، و ألف عمرة مع نبيّ أو وصيّ نبيّ (1).
و ورد في يوم عيد عرفه أيضا (2)أنه يكتب اللّه له ألف حجة و ألف عمرة مبرورات متقبلات و ألف غزوة (3)، كما أنّ في خبر يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ: من زاره يوم عرفة كتب اللّه له ألف ألف حجّة مع القائم عجّل اللّه تعالى فرجه، و ألف ألف عمرة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و عتق ألف [ألف]نسمة، و حملان ألف [ألف]فرس في سبيل اللّه، و سمّاه اللّه عزّ و جلّ: عبدي الصديق آمن بوعدي، و قالت الملائكة: فلان صدّيق زكّاه اللّه من فوق عرشه و سمّي في الارض كروبيا (4).
و ورد: أنّ اللّه يبدأ بالنظر إلى زوار الحسين عليه السّلام عشيّة عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف، لأنّ في أولئك أولاد زنا و ليس في هؤلاء أولاد زنا (5).
و ورد أنّه تبارك و تعالى يتجلّى لزوار قبر الحسين عليه السّلام قبل أهل عرفات فيفعل ذلك بهم، و يقضي حوائجهم، و يغفر ذنوبهم، و يشفّعهم في مسائلهم، ثم يثني بأهل عرفات يفعل ذلك بهم (6). و انّه إذا كان يوم عرفة نظر اللّه تعالى الى زوّار قبر الحسين عليه السّلام فقال: ارجعوا مغفورا لكم ما مضى
ص:183
و لا يكتب على أحد منكم ذنب (1)سبعين يوما من يوم ينصرف (2). و انّ من أتى قبر الحسين عليه السّلام بعرفة بعثه اللّه يوم القيامة ثلج الفؤاد (3). و ان من زار ليلة عرفة أرض كربلا و أقام بها حتى يعيّد (4)، ثم ينصرف، وقاه اللّه شرّ سنته (5).
و روى بشار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: من كان معسرا فلم يتهيأ له حجة الاسلام فليعرّف عنده-يعني عند قبر الحسين عليه السّلام-فذلك يجزيه عن حجة الاسلام، أما إني لا أقول: يجزي ذلك عن حجة الاسلام إلاّ لمعسر، فأما الموسر إذا كان قد حج حجة الاسلام فأراد أن يتنفل بالحج و العمرة فمنعه عن ذلك شغل دنياه أو عائق فأتى الحسين عليه السّلام في يوم عرفة أجزأه ذلك عن أداء حجته و ضاعف اللّه له بذلك أضافعا مضاعفة، قلت: كم تعدل حجة؟ و كم تعدل عمرة؟ قال: لا يحصى ذلك، قلت: مائة؟ قال: و من يحصى ذلك؟ قلت: ألف؟ قال: و أكثر، ثم قال: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اَللّهِ لا تُحْصُوها (6)(7).
فوائد:
الاولى: إنه كان بعض الأساطين قدس سره يزعم أن زيارة يوم عاشوراء افضل زيارة الايام المخصوصة، و كان يستند في ذلك إلى أن فضل العمل بكثرة
ص:184
أجره، و لم يرد في شيء منها ما ورد في زيارة عاشوراء من ألفي ألف حجة و ألفي الف عمرة و ألفي ألف غزوة. و لكن لا يخفى أن الفتوى بالأفضلية بمثل ذلك مشكل، مع أنه لا نتيجة لذلك، و الأولى السعي في درك جميع الوقفات لدرك جميع المثوبات.
الثانية: إنّ غاية ما ورد أن زوار عرفة ليس فيهم أولاد زنا، و هو إنّ دلّ على عدم توفّق ابن الزنا لدرك زيارة عرفة فلا يدلّ على كون كل من حرم منها [هو]ابن زنا، فما انغرس في أذهان العوام من أن من رعف يوم عرفة في الحرم الشريف أو الصحن المقدّس فخرج لذلك ابن زنا غلط في غلط، و عليه ترتبت مفسدة عظيمة، و نار لا تطفى إلى ظهور الحجّة عجّل اللّه تعالى فرجه لا يسعني شرحها هنا.
الثالثة: إنّه قد ورد في رواية طويلة رواها الصدوق و الشيخ و العلامة قدس سرهم بأسانيد عن يزيد بن قعنب (1)و عباس و عايشة في ولادة أمير المؤمنين عليه السّلام: انّ هذا اليوم إنّما سمّي بيوم عرفة لأنه عرف فيه أمير المؤمنين عليه السّلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن خمسة أيام فسمّي هذا اليوم يوم عرفة أي يوم عرف فيه عليّ عليه السّلام محمّدا صلّى اللّه عليه و آله، لكن لازم هذه الرواية أن يكون ولادته عليه السّلام في خامس ذي الحجة، لصراحتها في أنّه ولد في الكعبة، و خرجت أمّه به في اليوم الرابع و أعطاه النّبي صلّى اللّه عليه و آله لسانه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، فلما أتاه النّبي صلّى اللّه عليه و آله في اليوم الثاني-و هو خامس ولادته-و أخذه و وضعه في حجره سلّم على النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و تبسّم في وجهه، و أبدى السرور، و أشار إليه بإعطائه ما أعطاه في اليوم السابق، فسرّت أمّه فاطمة لذلك، و قالت: و حقّ ربّ الكعبة إنّه عرف
ص:185
اللّه و رسوله، فسمّي ذلك اليوم بسببه بيوم عرفة، و مقتضى ذلك أن يكون ولادته عليه السّلام في خامس ذي الحجة، و هو مناف لباقي الأخبار في ولادته عليه السّلام، فإنّ الرواية المشهورة بين المحدّثين و المؤرّخين من العامّة و الخاصّة أنّه ولد في ثالث عشر رجب (1)، و في رواية أنه ولد في سابع شهر رمضان (2)، و قيل في الثالث و العشرين من شعبان (3)و شيء من ذلك لا يوافق هذه الرواية.
و احتمل العلاّمة المجلسي رحمه اللّه حمل ذلك على النسىء و أن قريشا قد حجّوا عام ولادته عليه السّلام في شعبان فسمّوه ذا الحجة الحرام، و هو بعيد جدا، على أنّ خامس شعبان أيضا لا قائل به و لا رواية في تاريخ ولادته عليه السّلام (4)، فلا تذهل.
و منها: كل ليلة جمعة و يومها:
فقد ورد أنّ من زار الحسين عليه السّلام في كل جمعة غفر اللّه له ألبتة، و لم يخرج من الدنيا و في نفسه حسرة، و كان مسكنه مع الحسين بن علي عليهما السّلام و جاره في الجنة (5).
و ورد الأمر بزيارته في كلّ ليلة جمعة (6).
ص:186
و ينبغي لمن زار سيد الشهداء عليه السّلام الإتيان بأمور اخر:
فمنها: زيارة ولده علي المقتول بالطف الشهير بعليّ الأكبر عند رجليه، ثم زيارة الشهداء عليهم السّلام، لورود الأمر بذلك عن الأئمة الأطهار عليهم السّلام و عملهم الكاشف عن الرجحان 1، و من الشهداء حبيب بن مظاهر فلا ينبغي ترك زيارته لجلالة قدره عند اللّه سبحانه و عند الحسين عليه السّلام. و ينبغي عند زيارته التأخر عن الزاوية الشرقيّة من خلف قبره بمقدار ذراعين لما هو المنقول عن ألسن متبحري المشايخ قدّس سرهم من كونه مدفونا متصلا بحائط الحرم الشريف و ان ضريحه قدم عن قبره حتى يتوسط الرواق المطهر، فمن وقف متّصلا بضريحه يكون متقدّما عن قبره الشريف.
و ينبغي زيارة الحرّ بن يزيد لجلالة قدره، بل ورد أنّه أوّل الشهداء.
و منها: الإكثار من الصّلاة عند قبره فرضا و نفلا عند رأسه و خلفه ما لم يزاحم الزائرين، فقد ورد أنّ للمصلّي بكلّ ركعه يركعها عنده كثواب من حجّ ألف حجّة، و اعتمر ألف عمرة، و أعتق ألف رقبة، و كأنما وقف في سبيل اللّه تعالى ألف مرّة مع نبيّ مرسل 2. و انّ الصلاة المفروضة عنده تعدل حجة، و الصلاة النافلة عنده تعدل عمرة 3، و يستثنى قبره عليه السّلام من كراهة جعل القبر قبلة للأمر بالقيام خلفه و عند كتفيه و الاشتغال بالصلاة.
و في إلحاق قبور سائر المعصومين عليهم السّلام به في الاستثناء المذكور
ص:187
وجه غير بعيد. و ما ورد من النهي من جعل قبورهم قبلة إنّما يراد به استقبالها بدل الكعبة، أو لدفع توهّم القاصرين إجزاء استقبالها عن استقبال الكعبة، كما شوهد ذلك من العوام غير مرّة.
و منها: الاكثار من الدعاء و طلب الحوائج عند قبره عليه السّلام، لما ورد من أنّ اللّه عوض الحسين عن قتله أربع خصال: جعل الشفاء في تربته، و اجابة الدعاء تحت قبّته، و الأئمّة من ذريته (1)، و ان لا تعد ايام زائريه من أعمارهم (2). و انّه ما صلى عند قبره أحد و دعا دعوة إلاّ استجيب عاجلة او (3)آجلة (4). و انّ الصادق عليه السّلام مرض فأمر من عنده أن يستأجروا له أجيرا يدعو له عند قبر الحسين عليه السّلام، فوجدوا رجلا فقالوا له ذلك فقال: أنا أمضي، و لكنّ الحسين عليه السّلام إمام مفترض الطاعة، و هو إمام مفترض الطاعة، فرجعوا إلى الصادق عليه السّلام فأخبروه فقال: هو كما قال، و لكن ما عرف انّ للّه بقاعا يستجاب فيها الدعاء، فتلك البقعة من تلك البقاع (5).
و منها: زيارة مولانا أبي الفضل العباس عليه السّلام، لورود الأمر بذلك (6)، مضافا إلى جلالة قدره، و عظم شأنه، و سمّوا نسبه، و وفور علمه، حتّى عدّ من فقهاء أولاد الأئمة عليهم السّلام، و هو حامل لواء الحسين عليه السّلام، و ظهره، و سقّاء عطاشى كربلاء، و غير ذلك من فضائله التي لا تحصى، و له زيارات مأثورة مطلقات و مخصوصة مذكورة في الكتب المعدّة لذلك، و في كيفيّة
ص:188
استقبال قبره الشريف كلام يأتي في طيّ الكلام على الآداب إن شاء اللّه تعالى.
بمقابر قريش في غربي بغداد، و العسكريّين عليهما السّلام بسرّ من رأى.
و يدلّ على فضل زيارتهم عليهم السّلام مضافا إلى الأخبار المزبورة في الجهة الثالثة عند بيان فضل زيارة أئمة البقيع عليهم السّلام ما ورد من أنّ زيارة باب الحوائج عليه السّلام مثل زيارة قبر الحسين عليه السّلام (1). و ان لمن زار قبره عليه السّلام مثل ما لمن زار قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام (2). و ان من زار قبره ببغداد كان كمن زار قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فله مثل ما لمن زار قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، إلاّ أنّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام فضلهما (3). و انّ من زار قبره عليه السّلام فله الجنّة (4). و روى ابراهيم بن عقبة قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام أسأله عن زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و زيارة أبي الحسن عليه السّلام و أبي جعفر و الأئمة عليهم السّلام، فكتب إليّ: أبو عبد اللّه عليه السّلام هو المقدم، و هذا أجمع و أعظم أجرا (5). و ورد عن مولانا
ص:189
العسكري عليه السّلام انه قال: قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين (1).
الأول: انّه ينبغي في حرم العسكريين عليهم السّلام زيارة السيدتين الجليلتين إحداهما نرجس خاتون والدة وليّ العصر عجّل اللّه تعالى فرجه، و الأولى زيارتها بما رواه الشيخ المفيد و الشهيد رحمهما اللّه و غيرهما و هي مذكورة في مظانّها. و الأخرى: حكيمة-بالكاف على ما هو التحقيق دون اللام كما اشتهر في ألس العوام-أخت مولانا الهادي عليه السّلام و سفيرة الحجة عجّل اللّه تعالى فرجه في زمان حياتها، و قبرها تحت رجل العسكريين عليهما السّلام. و قد صرّح العلماء رضوان اللّه عليهم باستحباب زيارتها، و لم ينقل لها زيارة خاصّة، فتزار بما يزار به ساير أولاد الأئمة عليهم السّلام مع مراعاة الضماير بتبديل المذكّر بالمؤنّث، كما هو ظاهر.
الثاني: أنّ بعضهم استشكل في دخول حرم العسكريين عليهما السّلام، لما علم من أنّهم دفنا في دارهما، فيكون حرمهما مال الغير، فلا يجوز التصرّف فيه، و جعل الشيخ الطوسي رحمه اللّه الاجتناب أولى حيث قال: المنع من دخول الدار هو الأحوط و الاولى، لأنّ الدار قد ثبت أنّها ملك الغير، و لا يجوز لنا أن نتصرّف فيها بالدخول و لا غيره إلاّ باذن صاحبها ثم قال: و لو أنّ أحدا يدخلها لم يكن مأثوما، خاصّة إذا تأوّل في ذلك ما روي عنهم عليهم السّلام من أنهم جعلوا شيعتهم في حل من مالهم، و ذلك على عمومه، و قد روي في ذلك أكثر من أن يحصى (2).
قلت: مضافا إلى أن إذن شاهد الحال كاف في حلّ التصرّف، و لا يرتاب
ص:190
أحد في رضا الإمام المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه بدخول الدار لزيارة أبيه و جدّه. و دعوى اشتراكها بينه و بين ساير أولاد الهادي و العسكري عليهما السّلام مدفوعة، بأن سكناه عجّل اللّه تعالى فرجه فيها يكشف عن انتقالها إليه بطريق من النواقل الشرعية، مضافا الى أنّ أرض سامراء من أرض العراق، و هي المفتوحه عنوة، و الملك فيها تابع للآثار، و لم يبق إلى الآن من دار الامام عليه السّلام أثر بوجه، و انما صار بمرور الزمان من مشاعر العبادة، و اللّه العالم (1).
الثالث: انه ينبغي التشرف بعد زيارة العسكريين عليهما السّلام إلى السرداب المقدس المعروف بسرداب الغيبة، و زيارة وليّ العصر عجّل اللّه تعالى فرجه، و جعلنا من كلّ مكروه فداه، فيه بالمأثور و غيره، و ذلك لشرافة ذلك المكان لكونه من دارهم عليهم السّلام و توجّهه الخاصّ إليه، و عباداته الكثيرة فيه، و ظهور الآيات و المعجزات الباهرات هناك، و تشرّف جمع بحضرته المقدّسة فيه، و إلاّ فغيبة الامام عجّل اللّه تعالى فرجه فيه و في البئر التي فيه غير ثابت، بل صرّح المحقّق الباهر و المدقّق الماهر الفاضل النوري المعاصر قدّس سرّه في رسالة كشف الاستار و غيرها بعدم وجدان مستند بعد الفحص الأكيد لذلك من كتبنا، و انّه من افتراءات العامّة علينا، و ان غاية ما عثر عليه ان المعتضد العباسي لمّا أرسل أناسا بعد وفاة مولانا العسكري عليه السّلام لدخول داره و قبض ولي العصر ارواحنا فداه، فلمّا دخلوا لم يرو أحدا و سمعوا من ذلك السرداب صوت قراءة القرآن فمضوا إليه فوجدوا بحيرة عليها حصير عليه شخص مشغول بالصلاة، فكلّ من دخل منهم في تلك البحيرة غرق فنجاه
ص:191
أصحابه، فرجعوا خائبين، و اخبروا المعتضد بذلك، فأخذ منهم العهد على إخفاء ذلك و عدم إفشائه، و هذا لا يدل على أنه عليه السّلام غاب في ذلك السرداب في تلك البئر، بل أنكر المحدّث المذكور وجود بئر هناك و ان الحفيرة الموجودة من صنع الخدّام لتحصيل أموال جهال الزوّار، و من أراد العثور على ما ينبغي ان يعمل في السرداب المقدّس من الزيارة و الدعاء فليراجع تحية الزائر و بلغة المجاور للمحدث المعاصر المعظم له و غيرها من المزارات المعتبرة، فإنا في مجنب عن نقلها لوجود ما به الكفاية للبصير في ذلك الباب.
ثم لا يخفى عليك أنه عجل اللّه تعالى فرجه سلطان الوقت، و امام العصر، فينبغي للشيعيّ التوسّل به كما مرّ التنبيه عليه في أواخر المقام الرابع، كما ينبغي له أن لا يترك قراءة دعاء العهد كل صباح، و دعاء الندبة عصر كل جمعة، فإن الدعاءين قد تضمّنا زيارته عليه السّلام و دعاء الفرج له، و مضامين عالية، و أدعية نافعة في الدّين و الدّنيا.
في فضل زيارة الامام علي بن موسى الرضا عليه و على آبائه و أولاده أفضل الصلاة و السّلام
و يدلّ عليه ما مرّ في فضل زيارة أئمّة البقيع من العمومات مضافا إلى ما ورد في فضل زيارته عليه السّلام بالخصوص من أن من زار قبره عليه السّلام بطوس غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر، و لو كانت مثل عدد النجوم، و قطر الأمطار، و ورق الأشجار، و بنى اللّه له منبرا حذاء منبر محمد صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السّلام حتى يفرغ اللّه من حساب الخلائق (1). و انّ من زاره
ص:192
عارفا بحقّه فله الجنّة على اللّه عزّ و جلّ 1، و كان آمنا يوم القيامة من النّار 2، و حرّم جسده عليها 3. و انّ من زاره في غربته و هو يعلم أنّه إمام بعد أبيه مفترض الطّاعة من اللّه عزّ و جلّ كان كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 4. و أعطاه اللّه عزّ و جلّ أجر من أنفق من قبل الفتح و قاتل 5، و انّ قبره لبقعة من بقاع الجنة لا يزورها مؤمن إلاّ أعتقه اللّه من النار و أدخله دار القرار 6. و انّ من زاره عارفا بحقّه و أنه إمام مفترض الطّاعة غريب شهيد أعطاه اللّه عز و جل أجر سبعين شهيدا ممّن استشهد بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حقيقة 7. و ان زيارته عند اللّه بسبعين حجة 8، بل و ألف حجة 9، بل و سبعين ألف حجة 10بل و ألف ألف حجة 11على اختلاف الروايات المحمولة على اختلاف الزائرين و الزيارات.
و عن الرضا عليه السّلام نفسه أنه قال: من زارني على بعد داري و مزاري
ص:193
أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى أخلّصه من اهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا و شمالا، و عند الصراط، و عند الميزان (1). و انه ما زارني من أوليائي عارفا بحقّي إلاّ تشفّعت فيه (2)يوم القيامة (3). و ان من زارني و هو يعرف ما أوجب اللّه تعالى من حقّي و طاعتي فأنا و آبائي شفعاؤه يوم القيامة، و من كنا شفعاؤه نجى و لو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن و الانس (4). و زاد في خبر آخر: أنه كان كمن زار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كتب اللّه له ثواب ألف حجة مبرورة و ألف عمرة مقبولة (5). و انه لا تنقضي الايام و الليالي حتّى تصير طوس مختلف شيعتي و زوّاري، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له (6)و وجبت له زيارتي يوم القيامة، و الذي أكرم محمدا صلّى اللّه عليه و آله بالنبوّة، و اصطفاه على جميع الخليقة لا يصلّي أحد منكم عند قبري إلاّ استحق المغفرة من اللّه عزّ و جلّ يوم يلقاه، و الذي أكرمنا بعد محمد صلّى اللّه عليه و آله بالإمامة و خصّنا بالوصيّة انّ زوّار قبري أكرم الوفود على اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة، و ما من مؤمن يزورني فتصيب وجهه قطرة من الماء إلاّ حرّم اللّه جسده على النّار (7). و عنه عليه السّلام أيضا انّه قال: شرّ خلق اللّه في زماني يقتلني بالسمّ ثم يدفنني في دار مضيقه [خ. ل: مضيعة]و بلاد غربة، ألا فمن زارني في غربتي
ص:194
كتب اللّه عزّ و جلّ له أجر مائة ألف شهيد، و مائة ألف صدّيق، و مائة ألف حاج و معتمر، و مائة ألف مجاهد، و حشر في زمرتنا، و جعل في الدرجات العلى من الجنة رفيقنا (1).
و قال عليه السّلام مشيرا إلى القبّة التي فيها هارون لعنة اللّه: هذه تربتي و فيها أدفن، و سيجعل اللّه هذا المكان مختلف شيعتي و اهل محبّتي، و اللّه لا يزورني منهم زائر و لا يسلّم عليّ منهم مسلّم إلا وجب له غفران اللّه و رحمته بشفاعتنا أهل البيت عليهم السّلام (2).
و ورد أن زيارة الرضا عليه السّلام أفضل من زيارة سيد الشهداء عليه السّلام، لأنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام يزوره كلّ الناس، و الرضا عليه السّلام لا يزوره إلاّ الخواصّ من الشيعة (3).
بل ورد ما يفيد كون زيارته عليه السّلام أفضل من زيارة كلّ واحد من الأئمة عليهم السّلام و هو قول أبيه عليه السّلام: من زار قبر ولدي عليّ و بات عنده ليلة كان كمن زار اللّه في عرشه، قلت: كمن زار اللّه في عرشه؟ ! فقال: نعم، إذا كان يوم القيامة كان على عرش الرحمن أربعة من الأوليين، و أربعة من الآخرين، فأمّا الأربعة من الأوليين: فنوح عليه السّلام، و إبراهيم عليه السّلام، و موسى عليه السّلام، و عيسى عليه السّلام، و أما الأربعة من الآخرين: محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و عليّ عليه السّلام، و الحسن عليه السّلام، و الحسين عليه السّلام، ثم يمدّ الطعام فيقعد معنا زوار قبور الأئمّة عليهم السّلام، ألا إنّ أعلاهم درجة و أقربهم حبوة زوار قبر ولدي (4).
ص:195
ثمّ انّ ظاهر ما نطق بأن زيارته عليه السّلام تعدل سبعين حجة أو أزيد (1)هو أنّها أفضل من الحجّ المندوب، و انّ الاولى اختيار زيارته عليه السّلام على الحجّ المندوب، و قد نطق بالأفضليّة صريحا خبر محمد بن سليمان، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل حجّ حجّة الاسلام فدخل متمتعا بالعمرة إلى الحجّ، فأعانه اللّه على عمرته و حجّه، ثم أتى المدينة فسلّم على النّبي صلّى اللّه عليه و آله، ثم أتاك عارفا بحقك يعلم أنك حجّة اللّه على خلقه، و بابه الذي يؤتي منه، فسلّم عليك، ثم أتى أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام فسلم عليه، ثم أتى بغداد فسلّم على أبي الحسن موسى عليه السّلام، ثم انصرف إلى بلاده، فلمّا كان وقت الحج رزقه اللّه الحج، فأيّهما أفضل، هذا الذي قد حجّ حجة الاسلام يرجع أيضا فيحجّ أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام فيسلّم عليه؟ قال: بل يأتي خراسان فيسلّم على أبي أفضل، و ليكن ذلك في رجب و لا ينبغي أن يفعلوا ذلك هذا اليوم، فإن علينا و عليكم من السلطان شنعة (2).
ص:196
في آداب زيارة النبي و الأئمة عليه و عليهم أفضل الصّلاة و السّلام و التحية
و هي قسمان: عامة للجميع و خاصة ببعضهم دون بعض.
فإنّه لا شبهة في كونها من الآداب، و انّما الكلام في وجوبها، و حرمة المكث في الحضرات بغير طهارة من الحدث الأكبر، لأنّ بيوتهم مساجد، و حرمة المؤمن ميتا كحرمته و هو حيّ (1).
جميعا، لتقييد الزيارة بالغسل قبلها في كثير من الأخبار، و ما تضمّن منها نفي الغسل في زيارة قبر الحسين عليه السّلام محمول على نفي الوجوب و الشرطيّة بعد كون المتضمن لاثبات الغسل مستفيضا، بل متواترا معنى، بل يستحب الغسل لزيارة كلّ إمام و ان كان قد اغتسل للآخر و لم ينقضه، و قد قال الصادق عليه السّلام: الغسل عند لقاء كلّ إمام (1).
و يستحب الدعاء عند الغسل بالمأثور و هو: «اللهم اجعله لي نورا، و طهورا، و حرزا، و كافيا من كل داء و سقم، و من كلّ آفة و عاهة، و طهّر به قلبي و جوارحي، و عظامي، و لحمي، و دمي، و شعري، و مخّي، و عصبي، و ما أقلّت الأرض منّي، و اجعل لي شاهدا يوم حاجتي و فقري و فاقتي» (2).
و ورد أيضا الدعاء عند غسل الزيارة بقول: «اللّهم طهّرني من كلّ ذنب، و نجنّي من كلّ كرب، و ذلّل لي كل صعب، إنّك نعم المولى و نعم الربّ، ربّ كل يابس و رطب» (3).
و روي أيضا في غسل الزيارة قول: «بسم اللّه و باللّه اللّهم اجعله لي نورا و طهورا و حرزا و شفاء من كلّ داء [و سقم]و آفة و عاهة، اللّهم طهّر به قلبي، و اشرح به صدري، و سهّل به أمري» (4).
و يستحبّ أن يكون الغسل بماء الفرات حيثما تيسّر، لورود التقييد للغسل به في جملة من الأخبار، ففي خبر هشام عن الصادق عليه السّلام أنّه إذا اغتسل من ماء الفرات و هو يريد الحسين عليه السّلام تساقطت خطاياه كيوم
ص:198
ولدته أمّه (1)، مضافا إلى استفاضة الأخبار بمدحه كما مرّت الاشارة إلى مضامينها في المقام الثاني من الفصل الرابع، و حيثما لا يتيسر يغتسل بغيره، و كذا لو تيسر [ماء]الفرات و لكن اضرّ لبرد الهواء و عدم تيسر الاحماء.
و يستحب مع الغسل الوضوء أيضا قبله للأمر به في بعض ما ورد في آداب زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام (2)، و كذا ورد في زيارة الحسين عليه السّلام، قال عليه السّلام: من أتاه-يعني الحسين عليه السّلام-فتوضأ و اغتسل من الفرات لم يرفع قدما و لم يضع قدما إلا كتب اللّه له بذلك حجّة و عمرة (3). و هو على وفق القاعدة حتى على المختار من اغناء غير غسل الجنابة أيضا عن الوضوء، لأن استحباب الوضوء قبله مسلّم، و تأكّد الطهر بالطهر في مثل المقام بديهي الفضل، و من لم يتمكن من الغسل تعيّن الوضوء عليه، لأنه طهارة صغرى.
و لا ينبغي حضور مثل هذه الأمكنة المطهّرة محدّثا، و لذا قال الصادق عليه السّلام ليونس بن عمار: إذا كنت منه قريبا-يعني الحسين عليه السّلام- فإن أصبت غسلا فاغتسل و إلاّ فتوضأ (4)و أته.
و قال عليه السّلام في وداع قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله: و لا تودّع القبر إلاّ و أنت قد اغتسلت، أو أنت متوضّي إن لم يمكنك الغسل، و الغسل أفضل (5).
ص:199
ثيابه-كما في آخر .
و قد ورد الأمر بذلك في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام، و سيد الشهداء عليه السّلام، و الظاهر عدم اختصاصه بهما، بل لعلّ المتتبّع يقف على التنصيص به في زيارة غيرهما أيضا، و لا فرق في الثوبين الطاهرين بين كونهما غسيلين أو جديدين كما ورد التنصيص به (3). و جعل بعضهم من الآداب بياض لونهما، و لم أقف على مستنده، و ان كان احتمال الرجحان كافيا في أولويّة الالتزام به.
ورد الأمر به في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام (4). و الظاهر جريانه في زيارة غير سيد الشهداء عليه السّلام من الأئمّة عليهم السّلام، لكون استعمال الطيب محبوبا شرعا، فيناسب حال الزيارة، و أما في زيارة الحسين عليه السّلام فقد نهى الصادق عليه السّلام أبا بصير عنه و عن الادّهان و الاكتحال لمن أراد زيارته عليه السّلام (5)، و الترك هو المناسب للحزن و الكرب المحبوب إظهاره في
ص:200
زيارته عليه السّلام (1).
و التحفّظ من أن يشوبه شيء من أعراض الدنيا، لأنّ كل عبادة بغير قصد القربة فاسدة، و شوب قصد آخر يزيل القربة، و الى ذلك أشار في الاخبار بالتقييد بقوله عليه السّلام: احتسابا لا أشرا و لا بطرا و لا رياء و لا سمعة (2)كما مرّ، و قوله عليه السّلام في جملة أخرى منها: يريد به وجه اللّه و الدار الآخرة 3. . و نحو ذلك ممّا يقف عليه من لاحظ الأخبار المزبورة و غيرها.
و انه نبيّ، أو ابن بنت نبيّ، أو إمام، و أنّه معصوم مفترض الطاعة، مظلوم مقتول بالسم، أو السيف و نحو ذلك 4، و هذا الأدب كسابقه في حكم الشرط لا تقبل الزيارة بغير كلّ منهما، و لعلّ الأخبار المتضمنة لتقييد جميع
ص:201
الزيارات المزبورة بالمعرفة بالحق متواترة معنى (1).
ورد الأمر به في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام (2)، و سيد الشهداء عليه السّلام (3)، و الرضا عليه السّلام (4). و الظاهر عدم اختصاصه بإمام دون إمام سيما مع تضمن خبر يونس بن ظبيان تعليل مولانا الصادق عليه السّلام الأمر بالمشي حافيا في زيارة الحسين عليه السّلام بأنّك في حرم من حرم اللّه، و حرم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (5). فإن هذه العلّة تعم الحكم لجميع الأئمة، لكون مرقد كل منهم من حرم اللّه و حرم رسوله صلّى اللّه عليه و آله. و لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن هناك جهة مرجّحة للبس الجورب و المسح نحو تنجس الأرض و خوف تنجس الرجل بمباشرته بسبب العرق و نحوه. و يحتمل أن يكون المراد بالتحفّي مقابل لبس الخفّ لا مقابل لبس الجورب، فإنّ خلع الخف أيضا من الآداب، لما روي من أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان ينزع خفّه في خمسة
ص:202
مواطن و يأخذه بيده اليسرى و يقول: انها مواطن مخصوصة باللّه أحب أن أكون فيها حافيا. فإن عموم العلّة يشمل الأعتاب المقدّسة.
و كيف كان فنزع الخف و نحوه من أهم الآداب، بل دخول الحرم به هتك عظيم و إهانة خطيرة يلزم التحرز منها (1).
فقد ورد الامر بالمقاربة بين الخطى في زيارة كلّ واحد من الأئمّة عليهم السّلام و بتقصير الخطى في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام، و المراد بهما واحد، و هو المراد بقول الصادق عليه السّلام ليونس في بيان آداب زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام: و امش على هنيئتك (2).
ورد الأمر به في زيارة كلّ واحد منهم عليهم السّلام عموما و في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام خصوصا بقول الصادق لمحمد بن مسلم في زيارة الأمير عليه السّلام: و عليك السكينة و الوقار. و ليوسف الكناسي في زيارة الحسين عليه السّلام: و عليك بالسكينة و الوقار (3).
ص:203
حال المشي إليه بعد الغسل و نحوه بذكر اللّه من التكبير و التهليل و التسبيح و التحميد و التمجيد و التعظيم للّه كثيرا و الصلاة على محمد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم أجمعين حتى يصل إلى باب الحرم الشريف. ورد الأمر بذلك في زيارة أمير المؤمنين و سيد الشهداء عليهما السّلام. و الظاهر عدم اختصاصه بهما، بل في خبر محمد بن مسلم الآتي: و يلزمك كثرة ذكر اللّه تعالى (1).
جعله الصادق عليه السّلام ممّا يلزم في زيارة الحسين عليه السّلام. و الظاهر عدم اختصاصه به عليه السّلام (2).
و ينبغي لنا نقل خبر محمد بن مسلم المتكفل لجملة من الآداب حتى نحيل عند ذكر كل أدب إلى هنا. روى الشيخ الجليل جعفر بن محمد بن قولويه مسندا عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إذا خرجنا إلى أبيك أ فلسنا في حجّ؟ قال: بلى، قلت: فيلزمنا ما يلزم الحاج؟ قال: ما ذا؟ قلت: من الأشياء التي تلزم الحاج؟ قال: يلزمك حسن الصحابة لمن صحبك، و يلزمك قلّة الكلام إلاّ بخير، و يلزمك كثرة ذكر اللّه، و يلزمك نظافة الثياب، و يلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر، و يلزمك الخشوع و كثرة الصلاة على محمد و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله، و يلزمك التوقير لأخذ ما ليس لك، و يلزمك أن تغضّ (3)بصرك، و يلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعا، و يلزمك المواساة، و يلزمك التقية التي هي قوام دينك بها، و الورع عما نهيت، و الخصومة، و كثرة الأيمان و الجدال الذي فيه الأيمان، فإذا فعلت ذلك
ص:204
تمّ حجّك و عمرتك و استوجبت من الذي طلبت ما عنده بنفقتك قبل أن تنصرف بالمغفرة و الرحمة و الرضوان (1).
أشار إليه بقوله في خبر ابن مسلم المذكور (2): و يلزمك أن تغضّ (3)بصرك، فإن الغضّ 4القطع، و ليس المراد بقطعه التغميض بالمرّة، بل قطعه عن النظر الى اليمين و الشمال، و هو مرادنا من شغل العين بالأرض، و كذا هو المراد بإلقاء الذقن إلى الارض الذي أمر به الصادق عليه السّلام في طيّ آداب زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام (4).
و الاستيذان للدخول بالمأثور، و تشهّد الشهادتين و ان اشتمل الاستيذان بالمأثور عليهما كفى ما في المأثور، و قد ورد الأمر بالوقوف على الباب و تشهد الشهادتين في زيارة كل واحد من الأئمة عليهم السّلام.
و الانكسار و الدمعة قبل الدخول، فإن الذي يطمئن به السابر لأخبار الزيارات أن ذلك من علائم الإذن للزائر في الدخول، و حينئذ فينبغي الاهتمام في تحصيل الدمعة و لو بقدر جناح بعوضة حتى يترتب الدخول على ما يكشف عن الإذن فيه، و لقد أجاد من قال: إنّ الرقّة و الانكسار تحصل تارة: بتصور عظمة صاحب المرقد عند اللّه سبحانه، و انّه يرى مقامه و يسمع كلامه، و يرد سلامه، و أخرى: بالتدبّر في لطفهم، و عنايتهم بشيعتهم و زوّارهم، و ثالثة:
ص:205
بالتفكّر فيما هو عليه من الذنوب و الخطايا و المخالفة لصاحب المرقد في جملة من أوامره و نواهيه مبلغا عن اللّه سبحانه، فإن حصلت له الرقّة و الدمعة الكاشفة من الإذن في الدخول بهذه التفكرات، و إلاّ فليتحرّ زمان حصوله كما صرح بذلك الشهيد رحمه اللّه في الدروس (1)حيث قال: فإن وجد خشوعا ورقة دخل، و الاّ فالأفضل أن يتحرّى زمان الرقّة، لأنّ الغرض الأعظم حضور القلب لتلقّي الرحمة النازلة من الرب. انتهى كلامه علا مقامه.
فإنه من الآداب المطلوبة الجاري عليها عمل الصلحاء و العلماء و المتّقين، و الاستشكال في ذلك في هذه الأعصار المشومة من بعض المعاصرين-تجاوز اللّه عنّا و عنه-و استنادا إلى وجهين أو وجوه واهيه، نشأ التمسك بها من فقد سليقة الفقه، و لعل الذي أوقعه في ذلك سوء حظّ الناس حتى يحرموا لأجل إشكاله عن هذا الخير العظيم و الثواب الجسيم، و عمدة مبناه كون ذلك سجودا، و هو واضح الفساد جدا، ضرورة أنّ الاعمال بالنيّات، و هو بانحنائه لم يقصد السجدة لصاحب المرقد المطهّر، فهو كالمنحني لقتل الحية، كما أوضحنا الحال في ذلك في رسالة: إزاحة الوسوسة عن تقبيل الأعتاب المقدّسة (2).
ص:206
شكرا على نيل تلك النعمة العظمى و الموهبة الكبرى، لما مرّ في الأمر الرابع من الامور الملحقة بالمقام الثامن من الفصل السادس من رجحان السجود شكرا، و فضله عند كل نعمة.
عند الخروج كما في المساجد:
صرح بكونه من الآداب جمع منهم الشهيد رحمه اللّه في الدروس (1)، و لعله لاشتراك المشاهد مع المساجد في كونها مشاعر العبادة فيلحقها احتراماتها.
على وجه يمكنه إلصاق بدنه به، فإنه من الآداب المنصوص عليها، قال في الدروس (2): و توهم أن البعد أدب و هم، فقد نصّ على الاتكاء و تقبيله. و يستثنى من هذا الادب حرم العسكريّين عليهما السّلام، فإن مقتضى الأدب فيه التأخر عن الضريح المقدس بمقدار كما نصّ على ذلك الشيخ الجليل الشيخ خضر شلال في مزاره بقوله: لا ريب في أرجحيّة التأخر عن ضريح الهادي عليه السّلام بمقدار ذراع أو أزيد عند زيارته عليه السّلام، لما بلغنا أنه مقدّم على الشبّاك المنصوب في عصرنا، و يرشد إليه أنّي قد تشرّفت بزيارته مع جماعة من العلماء و الصلحاء و فيهم من يحمل العلم من العلويين فأخبرني بما يقضي
ص:207
بتشويشه و اضطرابه من أنّه وقف قريبا من الضريح الشريف مستدبرا للقبلة و إذا بصوت من الضريح يأمره بالتنحّي عن موقفه، و ما ذاك إلاّ لذلك انتهى كلامه رفع مقامه.
و المنقول عن بعض العلماء الأجلة أنّ مراده بمن يحمل العلم من العلويّين هو صاحب المقامات و الكرامات الباهرة بحر العلوم أنار اللّه برهانه و اعلى مقامه، و عليه فيلزم التأخّر في زيارة الهادي عليه السّلام عن مقدّم الضريح المقدّس بمقدار فرارا من احتمال الوقوف على قبر الامام عليه السّلام الذي هو هتك عظيم.
للأمر به في أغلب الزيارات الواردة، و كذا وضع الخدّين عليه تبرّكا و تشرّفا، بل و شمّه بدل التربة، قال الشهيد رحمه اللّه في الدروس: إنّه يضع عليه خدّه الأيمن عند الفراغ من الزيارة و يدعوه تضرّعا ثم يضع خدّه الأيسر و يدعو سائلا من اللّه تعالى بحقّه و حقّ صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته، و يبالغ في الدعاء و الالحاح، ثم ينصرف إلى ما يلي الرأس، ثم يستقبل القبلة و يدعو (1). و العامّة ترى تقبيل الضريح و القبر بدعة، و هو منهم جهل و قلّة فهم (2)، فإن تقبيل متعلقات مسكن المحبوب حيّا و ميّتا أمر عادي، و لذا لما
ص:208
اعترض بعضهم على بعض الشيعة بتقبيل الأحجار، و الأخشاب، و الفضّة، أفحمه الشيعي بانشاد قول المجنون:
أمرّ على الديار ديار سلمى أقبّل ذا الجدار و ذا الجدارا
و ما حبّ الديار شغفن قلبي و لكن حبّ من سكن الديارا
في جميع أحواله من إذن الدخول و الزيارة و الصلاة و الدعاء و نحوها ما استطاع، عدّه في الدروس (1)من الآداب، و الظاهر أنه روح العبادات.
عدهما في الدروس 2من الآداب، و الظاهر انهما شرط قبول العبادات و الأجر عليها.
قدّام الوجه مستدبر القبلة في زيارة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين و خلف القبر مستقبل القبلة في زيارة غير المعصومين، و قد ذكروا ذلك في الآداب مستفيدين ذلك من الأخبار، و هو موجّه متين، و لم تتخلّف هذه الكلّية إلاّ في زيارة أبي الفضل العباس عليه السّلام و زيارة آدم و نوح على نبيّنا و آله و عليهما الصلاة و السّلام. أمّا الأول: فانّه يزار مستدبر القبلة مع عدم كونه معصوما، و أمّا الآخران فقد تعارف زيارتهما مستقبل القبلة خلف ضريح أمير المؤمنين عليه
ص:209
السّلام، مع أنهما نبيّان معصومان، و قد خطّأ الأمرين جميعا مستوفيا المحدّث المحقّق الباهر و الفاضل النوري المعاصر قدّس سرّه في نخبة الزائر و بلغة المجاور، و حقّق لزوم زيارة أبي الفضل مستقبلة القبلة، و لزوم زيارة آدم و نوح عليهما السّلام عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام في المكان الذي يزار فيه سيّد الشهداء عليه السّلام، و نقل عبارة مزار المفيد و المصباح للسيد و مزار الشهيد قدس سرهم الصريحة في نقل زيارتهما عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام عن الصادق عليه السّلام، و لكن فاتت المعاصر قدّس سرّه نكتة تقضي بلزوم الوقوف عند رأس الأمير عليه السّلام في مكان يزار فيه سيّد الشهداء عليه السّلام لكن مستدبرا الزاوية الغربية، و النكتة انّ كلّ أحد يدفن إلى قبلة زمانه، و قد كانت القبلة في زمان دفن آدم عليه السّلام و نوح عليه السّلام بيت المقدس، فمقتضى مراعاة الأدب المزبور بعد وضوح عصمتهما هو استدبار بيت المقدس في زيارتهما، و من البين عند كلّ مطّلع على طول البلاد و عرضها أن بيت المقدس محاذ للزاوية الجنوبيّة الغربيّة، فمن استدبر تلك الزاوية فقد استدبر بيت المقدس و استقبل آدم عليه السّلام و نوحا عليه السّلام و راعى في زيارتهما الأدب المزبور، و اللّه العالم.
إن لم يضطر إلى الجلوس، و قد نفى الشبهة عن كونه من الآداب الفاضل المعاصر المعظّم له قدّس سرّه مستدلا له تارة بذكر العلماء له في طيّ الآداب، و أخرى بالتصريح بالوقوف في أغلب الزيارات المعتبرة، و ثالثة بتصريح مولانا الصادق عليه السّلام عند بيان كيفيّة زيارة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين، و فاطمة، و الحسنين، و ساير الأئمة سلام اللّه عليهم أجمعين من بعيد بالوقوف حالها، و إذا ثبت ذلك في حقّ البعيد ففي حقّ القريب أولى بالإذعان، و رابعة بأن المستفاد من مطاوي الأخبار أنّ استئذان صاحب الدار في الدخول
ص:210
لا يغني عن استئذانه في الجلوس، بل يلزم الداخل بإذن أن يستأذن بعد ذلك في الجلوس، فإنّ أذن جلس و إلاّ فلا، و من لاحظ الأخبار المتكفّلة لبيان دخول أصحاب الأئمّة عليهم السّلام و أقاربهم و الأجانب عليهم، و أنهم ما كانوا يجلسون إلاّ بعد إذنهم عليهم السّلام لهم في ذلك بان له ما ذكر. ثم نقل أنموذجا لذلك عن الصدوق رحمه اللّه في علل الشرايع، و حاصله أنّ الصادق عليه السّلام كان أيام الموسم في بعض السنين بمنى و كان عنده جمع من اصحابه مشغولين بالسؤال منه فورد أبو حنيفة و ما استأذن في الجلوس، فأعرض عنه الصادق عليه السّلام، فلمّا تعب من الوقوف جلس من غير إذن، و قال للصادق عليه السّلام: امنع أصحابك بالكوفة من النطق ببعض الكلمات، فقال عليه السّلام له: كم بيني و بينهم، فقال: فراسخ كثيرة، فقال عليه السّلام: ما بيني و بينك؟ فقال: أذرع يسيرة، فقال عليه السّلام له: أنت بفصل يسير عصيتني و جلست بغير إذني، فكيف هؤلاء مع بعد المسافة يطيعوني؟ ! . . الحديث ملخّصا (1).
فينبغي للزائر أن لا يجلس قدّام الإمام المزور عليه السّلام إلاّ للضرورة. و ببالي أنّي رأيت في كلام بعض علماء الحديث الذي ألّف في الزيارات أنه رجّح لمن أراد الجلوس لضعف أو وجع ظهر أو رجل و نحو ذلك من الأعذار أن يقرأ دعاء إذن الدخول مبدلا قوله: أدخل، بقوله: اجلس، ثم يجلس بعد الفراغ
ص:211
منه، و هو اعتبار حسن بشرط عدم قصد الورود.
قبل الشروع في الزيارة بالمأثور في تلك الزيارة من الثلاث مرات، و عشر، و ثلاثين، و أربعين، و مائة على اختلاف الزيارات، و ان كانت الرواية خالية عن ذكر التكبير قبل تلك الزيارة التي يريد أن يزور بها، فالاولى أن يكبر ثلاثا أو عشرا فما زاد بقصد القربة المطلقة لما يقضي به استقراء الزيارات المطلقة و المخصوصة للأئمة عليهم السّلام من الاطمئنان بكون التكبير من آداب زيارة الإمام عليه السّلام، مضافا إلى أن التكبير و التهليل من آداب لقاء الامام عليه السّلام في حياته، و لازم عدم الفرق بين أمواتهم و أحيائهم عليهم السّلام هو كون ذلك من آداب زيارة قبورهم أيضا.
و قد روى الصفار في محكي بصائر الدرجات (1)بسند معتبر عن مولانا الباقر عليه السّلام في حديث تضمّن ثواب التشرف إلى محضر الامام عليه السّلام ما حاصه أنه إذا رأى الإمام عليه السّلام فليكبّر فإنّه يكون يوم القيامة في ميزانه صخرة أثقل من السموات السبع و الأرضين و ما فيهن، و من كبّر عند الامام عليه السّلام و قال: «لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له» كتب اللّه له رضوانه الأكبر، و من كتب له رضوان اللّه الأكبر وجب أن يجمع بينه و بين إبراهيم و محمد صلّى اللّه عليه و آله و النبيّين صلوات اللّه عليهم في دار الجلال.
لكونه تعظيما و تشريفا، صدر من الرعية بالنسبة إلى الأئمة عليهم السّلام و لم ينكروه، و مقتضى استواء حال حياتهم و وفاتهم-لأنهم أحياء عند ربّهم يرزقون-هو جريان هذا الأدب و التعظيم عند مراقدهم، أما الكبرى
ص:212
فواضحة، و أمّا الصغرى-و هو وقوع التقبيل للأرض قدام المعصوم عليه السّلام- فلما رواه في الباب التاسع و العشرين و المائة من أبواب العشرة من كتاب الحج من وسائل الشيعة (1)عن الصدوق رحمه اللّه في العيون (2)مسندا عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة صاحب الجاثليق أن أوصله إلى الرضا عليه السّلام، فاستأذنته في ذلك فقال: أدخله عليّ، فلمّا دخل عليه قبّل بساطه و قال: هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف زماننا. الحديث. و ليس فيه إنكار لذلك، و لو لم يكن هذا الأدب ممضيا في شرعنا لمنعه الامام عليه السّلام عن ذلك، لأن الكفار مكلّفون بالفروع، و السكوت عن المنكر لا يصدر من المعصوم عليه السّلام.
و ما رواه الصدوق رحمه اللّه في محكي إكمال الصدوق (3)و رواه في البحار في باب وقايع ما بعد وفاة العسكري عليه السّلام (4)من الخبر المتضمّن لوصول قافلة من قم و رواحهم إلى جعفر و إرسال وليّ العصر عجّل اللّه تعالى فرجه غلامه و جلبه إيّاهم، و إخباره بأوصاف ما عندهم من الأموال، فوقعوا للّه شكرا على أن وفّقهم لمعرفة إمام زمانهم، ثم قبّلوا الارض قدّام الامام عليه السّلام تكريما، ثم سألوا ما كانوا يحتاجون إليه من المسائل.
و يؤيّد الخبرين قصّة الوزير الناصبي لحاكم البحرين المنقولة في البحار (5)
ص:213
عند تعداد من رأى القائم عجّل اللّه تعالى فرجه، المتضمنة لتقبيل محمد بن عيسى الارض قدام الامام عجل اللّه تعالى فرجه و عدم منعه إيّاه، فلاحظ.
التي دوّنت فيها رسائل و كتب معتبرة على وجه لم يبق عذر لمسامح.
فإنها من الآداب المؤكدة المنصوصة، و أقلّها ركعتان، و أفضل منها أربع ركعات، و أفضل منها ست، و أفضل منها ثمان، كما صرح بذلك في الرواية، و لم نقف على الأمر بأزيد من ثمان بعنوان صلاة الزيارة، بل ظاهر قول الصادق عليه السّلام في خبر سدير (1): انّ صلاة الزيارة ثمانية أو ستة أو أربعة أو ركعتان، و أفضلها ثمان. هو عدم ثبوت أزيد منها بهذا العنوان، فمن أراد أن يزيد فلينو الهديّة و القربة المطلقة. نعم، قد مرّ في خبر ابن محمد المزبور (2)في أوائل الآداب الأمر بإكثار الصلاة عند قبر الحسين عليه السّلام، و ذلك أعمّ من صلاة الزيارة، و قد مرّت الأخبار الناطقة بفضله في آخر الجهة الخامسة، و الظاهر عدم اختصاصه به عليه السّلام، و جريانه في ساير المراقد المطهرة غير بعيد.
و بالجملة، فصلاة الزيارة واردة لكل إمام عليه السّلام، و قد ورد عن الصادق عليه السّلام أن: من أتى الحسين عليه السّلام و صلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات كتبت له حجّة و عمرة (3)، و كذلك كل من زار إماما مفترض الطاعة. و ورد عنه عليه السّلام أيضا أن: من زار إماما مفترض الطاعة بعد وفاته و صلّى
ص:214
عنده أربع ركعات كتبت له حجّة و عمرة (1).
ثم إن ورد في الزيارة التي يأتي بها كيفية خاصة لصلاة الزيارة التزم بها، و إلاّ فالمسنون في مطلق صلاة الزيارة قراءة سورة يس بعد الحمد في الركعة الأولى، و سورة الرحمن بعد الحمد في الثانية (2)، و أما مكان صلاة الزيارة فالأولى أن يختار لها سمت الرأس للأمر بذلك في جملة من الروايات، و للفرار من جعل القبر قبلة المنهي عنه عموما، و ان كان قد تقدم عدم كون المراد بجعل قبورهم قبلة المنهي عنه هو الصلاة خلف قبورهم، فلا تذهل.
بالدعاء الوارد في تلك الزيارة خصوصا إن كان هناك ورود، و الاّ فبالدعاء الوارد قراءته في جميع الحضرات المقدسة، و يطلب من اللّه ما شاء من الحاجات له و لاخوانه المؤمنين بأيّ لسان كان، و ان كان بالعربي لمن عرفه و عرف لسانا آخر أولى.
و هديّة مقدار منه إلى روح صاحب المرقد المقدّس، كما صرح به الشهيد رحمه اللّه في الدروس (3).
لما أرسل من أنّ من زار الرضا عليه السّلام أو واحدا من الأئمّة عليهم السّلام فصلّى عنده صلاة جعفر فإنّه يكتب له بكل ركعة ثواب ألف حجة و [كمن]اعتمر ألف عمرة، و أعتق ألف رقبة، و وقف ألف وقفة في سبيل اللّه مع
ص:215
نبيّ مرسل، و له بكلّ خطوة ثواب مائة حجّة، و مائة عمرة، و عتق مائة رقبة في سبيل اللّه، و كتب له مائة حسنة، و حطّ عنه مائة سيئة (1).
لأنّ حقّ اللّه أحقّ أن يقضى، و لو قدّم صلاة الزيارة لم يكن آثما، و صحّت صلاته على المختار من جواز التنفّل في وقت الفريضة، بل و على القول بالمنع أيضا لتخصيص المانع ذلك بغير ذوات الأسباب كصلاة الزيارة و نحوها و غير الرواتب، و ان كان لنا في هذا التخصيص تأمّل ذكرنا وجهه في منتهى المقاصد (2).
واجبة كانت أو مندوبة، راتبة كانت او مبتدأة، أو ذات سبب، و كذا أجزاء الصلاة المنسيّة على الأحوط، و يطلب شرحه من مبحث المكان من صلاة المناهج (3).
بل و جميع أهل بلده.
لقول أبي الحسن موسى بن جعفر روحى فداهما لابراهيم الحضرمي:
اذا أتيت قبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله فقضيت ما يجب عليك فصلّ ركعتين ثم قف عند رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم قلّ: «السّلام عليك يا نبيّ اللّه عن أبي و أمي و ولدي و خاصتي و جميع أهل بلدي حرّهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم» فلا تشاء أن تقول للرجل قد اقرأت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنك السّلام إلاّ كنت صادقا (4).
ص:216
و من المعلوم عدم اختصاص ذلك بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله و جريانه في ساير الزيارات، كما لا خصوصية لمن ذكرهم، فله أن يعطف عليهم طوائف أخر كتلامذتي، و زوار قبر أبي، و أصدقائي، و نحو ذلك، و يؤيد المطلوب ورود مثل ذلك في مكّة المشرفة، قال ابراهيم الحضرمي لأبي الحسن موسى عليه السّلام: إني إذا خرجت إلى مكة ربما قال لي الرجل: طف عنّى أسبوعا، و صلّ عنّي ركعتين، فربما شغلت عن ذلك، فإذا رجعت لم أدر ما أقول له؟ قال: إذا أتيت مكّة فقضيت نسكك فطف أسبوعا و صلّ ركعتين و قل: «اللهم إن هذا الطواف و هاتين الركعتين عن أبي، و أمّي، و عن زوجتي، و عن ولدي، و عن خاصّتي، و عن جميع أهل بلدي، حرّهم و عبدهم، و أبيضهم و أسودهم» فلا بأس أن تقول للرجل: قد طفت عنك، و صلّيت عنك ركعتين إلاّ كنت صادقا. الحديث (1).
فإنه من آداب زيارة المعصومين سلام اللّه عليهم اجمعين، صرّح بذلك بعض الأساطين، و المستند في ذلك عدّة من الأخبار:
أحدها: ما رواه الكليني رحمه اللّه (2)عن يحيى بن أكثم في حديث قال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرأيت محمد بن علي الرضا عليهما السّلام يطوف به، فناظرته في مسائل. . الحديث (3).
فإن فعل الجواد عليه السّلام كاف في الدّلالة على الرجحان، و ما رجح في حرم النّبي صلّى اللّه عليه و آله رجح في مراقدهم الأطهار عليهم السّلام للاتّحاد في تلك الأحكام.
ص:217
ثانيها: ورود طواف قبر الحسين عليه السّلام و تقبيل أركانه الأربعة في بعض روايات مخصوصة أول رجب (1)و نصفه و نصف شعبان، و قد ذكر هذه الرواية الشيخ المفيد (2)، و السيد علي بن طاوس (3)، و الشهيد 4و غيرهم قدس اللّه أسرارهم، و اذا رجح هذا الأدب في زيارة بقعة في وقت رجح في ساير الأوقات و ساير البقاع المطهّرة.
ثالثها: ما رواه القمي رحمه اللّه في تفسيره (4)و الطبرسي في الاحتجاج (5)بسند معتبر عن الصادق عليه السّلام من حديث طويل في قصة فدك تضمن أنّ الصدّيقة الكبرى سلام اللّه عليها دخلت المسجد و طافت بقبر أبيها صلّى اللّه عليه و آله و هي تبكي و تقول: إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها. . . الى آخره، و فعلها لعصمتها حجّة، و المشروعيّة تستلزم الرجحان، و يجري ذلك في ساير المراقد المطهرة باتحاد الطريق.
رابعها: ما في الزيارة الجامعة الكبيرة التي رواها الشيخ المشهدي (6)و ابن طاوس في مزارهما (7)من الأمر بتقبيل القبر و قول: «بأبي و أمّي آل المصطفى إنّا لا نملك إلاّ أن نطوف حول مشاهدكم و نعزّي فيها أرواحكم» فلولا انّه من
ص:218
الآداب العامّة لكلّ وقت، و لكلّ مرقد من مراقدهم المطهّرة لما اطلق عليه السّلام ذلك في الزيارة، فرجحان طواف قبورهم ممّا لا ينبغي الشبهة فيه، ما لم يكن بعنوان الطواف سبعا المخصوص بالكعبة.
و أما ما ورد من النهي عن طواف القبر في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تشرب و أنت قائم، و لا تطف بقبر، و لا تبل في ماء نقيع، فإنّه من فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومنّ إلاّ نفسه. الحديث (1).
و خبر ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام انه قال: لا تشرب و أنت قائم، و لا تبل في ماء نقيع، و لا تطف بقبر، الحديث (2)، فيلزم حمله إمّا على الطواف سبعا بخصوصيّاته الكثيرة المخصوص بالكعبة المطهرة الغير المشروع في غيرها، فيكون إشارة إلى ردّ الصوفيّة من العامّة حيث يطوفون سبعا بقبر مشايخهم، أو حمله على الكراهة بقرينة السياق و التعليل، و تخصيصه بغير قبور الأئمة عليهم السّلام بحكم ما مرّ من الأخبار، أو حمله على إرادة التغوّط على القبر من الطواف به كما فسّره بذلك في مجمع البحرين حيث قال: و الطوف: الغائط، و منه الخبر: لا يصلي أحدكم و هو يدافع الطوف، و منه الحديث: لا تبل في مستنقع و لا تطف بقبر (3)، و يشهد به اقترانه بالبول في الماء و غيره من المكروهات، مضافا إلى صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من تخلى على قبر، أو بال في ماء قائما، أو مشى في حذاء واحد، أو شرب قائما، أو خلا في بيت وحده، أو بات على غمر فأصابه شيء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء اللّه، و أسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان و هو على بعض هذه
ص:219
الحالات (1). فيكون هذا الصحيح قرينة على إرادة التخلّي بالطوف في خبره المزبور، لأنّ الظاهر اتحادهما و ان أحدهما نقل بالمعنى الآخر. نعم، ربما يأبى عمّا ذكرناه تعدية كلمة لا تطف بالباء فإنها قرينة إرادة الشوط منه، و إلا لكان يقتضي تعديته بعلى، و لكنّ ذلك ليس من القوّة بدرجة شهادة السياق و صحيح محمد بن مسلم.
و العجب من الشيخ الحرّ قدس اللّه سرّه (2)حيث عنون الباب بعدم جواز الطواف على القبر، و ذكر صحيح الحلبي و خبر محمّد بن مسلم المزبورين و أبقاهما على الاطلاق مع أن التقييد بغير قبور المعصومين عليهم السّلام-بعد حمله على الكراهة بقرينة السياق-كان أوجه.
ثم لا يخفى عليك أنّ ما ذكرناه من الأدب جار في حرم العسكريّين، و الجوادين، و مشهد الرضا عليهم السّلام، و أمّا في حرم أمير المؤمنين عليه السّلام، و حرم سيد الشهداء عليه السّلام فلا مانع من تقبيل الأركان الأربعة، و أمّا الطواف فيمنع منه هنا استفاضة الأخبار بكون رأس الحسين عليه السّلام مدفونا عند رأس أمير المؤمنين عليه السّلام و خروجه عن الضريح المقدّس لو كان معلوما كان المرور عليه محرّما، لكونه إهانة واضحة، و لكن لما لم يعلم محلّه و احتمل كونه في الضريح أو خارجه قريبا منه رجح هذا الاحتمال الاحتياط بترك العبور على طرف رأس أمير المؤمنين عليه السّلام فرارا من احتمال أن يداس قبر الرأس. و أمّا حرم أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام فلأن قبور الشهداء-و ان كانت قبل وضع الضريح المقدّس منفصلة عن قبر علي الأكبر الذي هو تحت رجل سيد الشهداء عليه السّلام و كان بين قبرهما و قبورهم على
ص:220
النقل المعتبر مقدار يمكن العبور منه في الطواف، بل ظاهر قوله عليه السّلام في مخصوصة عرفة: ثم اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين عليهما السّلام فتوجّه هناك الى الشهداء و زرهم، انه كان بينهما باب-الاّ انه لما وضع الضريح و تغير البناء وقع ذلك الفاصل في الضريح و استلزم الطواف أن يداس قبور الشهداء رضوان اللّه عليهم، و ذلك هتك لهم و إهانة (1)، فيلزم التحرّز منه، و أمّا الضريح المعدّ اليوم للشهداء و تعارف عند العوام المضيّ إليه و زيارة الشهداء هنالك فمن المنكرات المتعارفة، لأن الضريح المذكور خارج عن قبور الشهداء، و المضيّ إليه مستلزم لأن يداس قبورهم و يهتك احترامهم.
و اللّغوا الخالي عن الثمر، و الكلام الدنيوي المذموم في جميع الأوقات و الامكنة، المانع من الرزق و الجالب لقساوة القلب، فإن هذه البقاع المطهّرة أولى بتجنيبها من ذلك، لأنها بيوت أخبر اللّه الجليل عزّ شأنه بجلالتها بقوله عزّ من قائل: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ اَلْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللّهِ وَ إِقامِ اَلصَّلاةِ وَ إِيتاءِ اَلزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ اَلْقُلُوبُ وَ اَلْأَبْصارُ لِيَجْزِيَهُمُ اَللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (2)فإنّ البيوت في الآية مفسرة ببيوتهم المباركة عليهم السّلام في الحياة و مشاهدهم الشريفة بعد الممات، فيلزم من زارهم التأسي بهم فيها و الاشتغال بذكر اللّه تعالى
ص:221
و تقديسه، و الصلاة و ساير العبادات، فالاشتغال فيها بغير ذلك من الكلام الدنيوي و نحوه مخالفة لقرار اللّه سبحانه، و خروج عن زمرة الرجال الذين لا تلهيهم عن ذكر اللّه التجارة و نحوها من الأمور الدنيوية، و حرمان من الجزاء الموفور الذي وعد به اللّه سبحانه بقوله: لِيَجْزِيَهُمُ اَللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا (1)، هذا مضافا إلى أن هذه المراقد لكونها معابد لاحقة بالمساجد التي وردت النواهي الأكيدة عن اللغو و العبث و الكلام الدنيوي فيها، حتّى قال صلّى اللّه عليه و آله-على ما روي-: انه يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقا ذكرهم الدنيا و حبّ الدنيا، لا تجالسوهم فليس للّه فيهم حاجة (2). هذا كله مضافا إلى قوله عليه السّلام في خبر محمد بن مسلم المزبور في الأدب الحادي عشر: و يلزمك قلّة الكلام إلاّ بخير (3).
فإنه من أهمّ الآداب-كما صرّح بذلك العلاّمة المجلسي قدس اللّه سرّه (4)و غيره-لقوله سبحانه: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اَلنَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إِنَّ اَلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اَللّهِ أُولئِكَ اَلَّذِينَ اِمْتَحَنَ اَللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ (5)بضميمة ما دلّ على أنّهم أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (6)، و انّ الأئمّة عليهم السّلام يساوون رسول اللّه
ص:222
صلّى اللّه عليه و آله في هذه الأحكام و الاحترامات.
و توهّم اختصاص ذلك بما إذا كان للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و من في حكمه صوت فلا يشمل ما بعد الموت مدفوع، بأن تمسّك سيد الشهداء عليه السّلام بالآية في ردّ عايشة يكشف عن شمول الحكم لما بعد الموت، و ذلك أنّ الكليني رحمه اللّه روى في الكافي (1)في قضيّة وفاة الحسن المجتبى عليه السّلام و توديتهم الجنازة لأن يطاف بها قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و منع عايشة من دفنه عنده حديثا طويلا بسند معتبر، و محلّ الحاجة منه: أنّ أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام قال فيما قال لعايشة: -ما حاصله-إنّ اخي الحسن عليه السّلام أمرني أن أحمله إلى قبر أبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليجدّد به عهدا، و كان أدرى بحرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بمعنى الكتاب، و انت يا عايشة هتكت حرمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإدخالك أناسا في داره بغير إذنه، و قد قال اللّه سبحانه: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ اَلنَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (2)و أنت و عمر ضربتما معاول لدفن أبيك أبي بكر عند قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اللّه سبحانه يقول: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اَلنَّبِيِّ صلّى اللّه عليه و آله، و قد أدخلت أنت و عمر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أذايا و لم ترعيا حقّه الذي أمر اللّه به على لسان نبيّه، فإن اللّه حرّم من المؤمنين في مماتهم ما حرّمه في حياتهم.
قلت: استدلاله عليه السّلام بالآية نصّ فيما اردناه، و لقد أجاد العلامة المجلسي قدّس سرّه حيث استفاد من هذه الرواية كون رفع الصوت في حرم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و بقيّة مشاهد أهل البيت عليهم السّلام المشرفة منهيا
ص:223
عنه و مذموما في الزيارة و غيرها (1)، فهذا احترام و تعظيم للرسول و ذرّيته الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين ينبغي مراعاته، فمن رفع صوته فيها و لو في عبادة يرجح رفع الصوت فيها كالأذان فقد أتى بما ينافي احترامهم و هتك حرمتهم، فظهر فساد ما تعارف من رفع الخدمة المزوّرين لغيرهم أصواتهم زايدا عن قدر الضرورة، و أشد منه فسادا ما تعارف من اشتغال جمع كثير في أوقات الصلوات بالأذان بأصوات عالية في الحضرات المقدّسة، و اشتغال قاري التعزية بصوت عال خارج عن قدر الضرورة بقراءة التعزية في الحضرات المقدّسة، فانّ كلّ ذلك رفع صوت منهي عنه، مع أنّ في رفع الصوت في الحضرات المقدسة مضافا الى النهي المذكور ما لا يخفى من استلزامه منع الزائرين من التوجه في زيارتهم و صلواتهم و دعائهم، فيكون رافع الصوت بذلك ممّن صدّ عن سبيل اللّه، فأطاع صورة، و عصى باطنا، فعصى بصورة الإطاعة جهلا منه و تقصيرا، أعاذنا اللّه تعالى من العمى في العمل و فساد النيّة فيه و في العلم.
بما لا يندرج في الزّيارة و متعلقاتها، فإنّ كلّ معبد من مسجد أو مزار أو مشعر إنّما يسوغ فيه كل ما يسمّى عبادة اذا لم يزاحم العمل الموضوع له المكان، و الحضرات المقدّسة إنّما وضعت للزيارة و مقدّماتها و هي إذن الدخول و التكبير و نحو ذلك و متعلقاتها من صلاة الزيارة، و الدعاء، و إبلاغ سلام الغير، و الوداع، و نحو ذلك، فما تعارف في هذه الأزمنة المشؤومة التّي الطاعات فيها قشر صرف من الاشتغال في الحضرات بصلاة الجماعة، و قراءة القرآن، و الدعاء حول الضرايح المقدّسة مع كثرة الزائرين و ضيق المكان بحيث لا يجد الزائر-و إن أتعب نفسه-مكان صلاة ركعتي الزيارة أو لا يجد مكان الاتيان بالزيارة على الترتيب
ص:224
المأثور، بل قد لا يجد مكان للمرور و الطواف و التقبيل للقبر الشريف، [فهو] خلاف الاحتياط، بل خلاف الشرع الشريف، لأنّ المكان لم يوضع إلاّ للزيارة و متعلقاتها، فلا يشرع غيرها من العبادات فيها الاّ عند عدم المزاحمة للزائرين، و لقد اجاد الشيخ الأجل الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدّس اللّه سرّه حيث قال في مبحث مكان المصلّي ما لفظه: و المصلّون في المطاف الضارّون بالطائفين حول الكعبة و الضرايح المقدّسة الضارّون للزائرين غصّاب (1). انتهى كلامه رفع مقامه.
بعد قضاء الوطر قهقرى إلى أن يخفى عليه القبر، و هو من الآداب، و حسنه ظاهر (2)، و قد ورد الأمر به و النهي عن تحويل الظهر إلى القبر إلى أن يغيب عن العين في بعض الأوقات و الحضرات، فيلحق بها الباقي باتحاد المناط قطعا، و في خبر آخر: فلا تحوّل وجهك عن القبر حتّى تخرج (3).
في ذلك الوقت و المكان خصوصا، و إلاّ فبالمأثور في وداع ذلك المرقد عموما، و الاّ فبما تيسر، و وقته عند العزم على العود من المزار الى الوطن، و ذلك من الآداب كما صرّح به جمع، و المستند في ذلك هو الاخبار المتكفّلة لوداع زيارات الأئمّة عليهم السّلام.
و يستحبّ الغسل للوداع للأمر به من مولانا الصادق عليه السّلام (4).
ص:225
كلّما خرج من الحرم المطهّر ما دام في تلك العتبة، و القصد إلى العود و طلبه من اللّه سبحانه عند الخروج من البلد للعود إلى الوطن، عدّه جمع منهم الشهيد رحمه اللّه في الدروس (1)من الآداب، و هو في محلّه، لأنّ المستفاد من أدعية الوداع المرويّة في مكّة و المدينة و بقيّة المراقد المطهّرة ان قصد العود بل و طلبه من لوازم كمال الزيارة و آثار كمال الاسلام و التشيع، إذ ما من وداع إلا و قد قرن بدعاء العود. و روى الحسين بن شريك في محكي كتابه عن الباقر عليه السّلام انّه قال: من خرج من مكّة و لم ينو العود إليها فقد دنا أجله و عذابه.
و ينبغي مع كثرة الزائرين ان يخفف السابقون إلى الضريح الزيارة و ينصرفوا ليحضر من بعدهم فيفوزوا من القرب إلى الضريح بما فاز أولئك (2). و ما ذكره موجّه، لأنّه مقتضى الانصاف و المروّة و المواساة للإخوان، بل جعل في الدروس من جملة الآداب تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة مطلقا لتعظيم الحرمة و لإيراثه اشتداد الشوق (3).
و اكرامهم و اعظامهم، عدّه الشهيد رحمه اللّه في الدروس (1)من الآداب نظرا إلى أنّ فيه إكرام صاحب المشهد عليه الصلاة و السّلام، قال رحمه اللّه: و ينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل الخير، و الصلاح، و الدين، و المروة، و الاحتمال، و الصبر و كظم الغيظ، خالين من الغلظة على الزائرين، قاضين لحوائج المحتاجين، مرشدي ضالّ الغرباء، و ليتعهّد أحوالهم الناظر فيه، فإن وجد من أحد منهم تقصيرا نبّهه عليه، فإن أصرّ زجره، و ان كان-يعني فعله-من المحرّم جاز ردعه بالضرب إن لم يجد التعنيف من باب النهي عن المنكر (2).
مرارة الغربة و الفقر لأجل درك أجر مجاورة تلك العتبة المقدّسة (3)، سيّما إذا كانوا مشغولين بطلب العلم و تعظيم شعائر اللّه سبحانه، فإنّ الاحسان إليهم نور على نور.
إلى أخرى،
نصّ على ذلك في خبر محمد بن مسلم المزبور في الأدب الحادي عشر (4).
الصادق عليه السّلام في خبر ابن مسلم المزبور بقوله عليه السّلام:
و يلزمك ان تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعا، و يلزمك المواساة (5).
ص:227
صرّح به في الخبر المزبور بقوله عليه السّلام: و يلزمك التقيّة التي هي قيام قوام دينك بها (1).
و عن الخصومة و كثرة الأيمان و الجدال الذي فيه الأيمان، كما صرح بذلك الخبر المتقدم (2).
أخلاقا، و عبادة، و مراقبة، فإنّ الزّيارة تحطّ الأوزار إذا صادفت القبول، فينبغي المراقبة حتى لا يرد الحمل و الوزر.
و اقول: إن تبدل حال الزائر الى الأحسن-و إن عدّ من الآداب-إلاّ أنّه من علائم القبول، كما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أنّ: علامة قبول الحجّ ترك العبد للذنوب التّي كان يرتكبها قبله (3)، فمن بقي بعد الزيارة على ذنبه الذّي كان عليه فزيارته غير مقبولة. و من هنا بان حال هولاء الّذين يأتون إلى الأعتاب المقدّسة و لا يغيّرون أفعالهم و أطوارهم، حتى أنّهم قبل الخروج منها يحلقون لحاهم على عادتهم و يضعون الشعر المتبرّك بالتقلّب على قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام و غيره في المزبلة، و لا يلاحظون ذهاب مالهم و تعبهم بذلك هدرا.
لما رواه الشيخ رحمه اللّه (4)مسندا عن حفص بن البختري عن أبي
ص:228
عبد اللّه عليه السّلام قال: من خرج من مكة أو المدينة أو مسجد الكوفة أو حائر الحسين عليه السّلام قبل أن ينتظر الجمعة نادته الملائكة: أين تذهب؟ لا ردّك اللّه. و قد حمله جمع على صلاة الجمعة. قال في الدروس (1): و إذا أدرك الجمعة فلا يخرج قبل الصلاة، و آخرون على يوم الجمعة، و على الاوّل فلا مانع من الخروج يوم الخميس، بل في زمان فقد صلاة الجمعة حتى يوم الجمعة، و على الثاني فالخروج يوم الخميس مكروه، و مقتضى اطلاق الرّواية هو الثاني، و التجربة توافقه، و عليه فلا بأس بالخروج يوم الجمعة قبل الزوال، لصدق دركه بدرك ليلته و جزء من يومه، و اللّه العالم.
هذا هو الكلام في الآداب العامّة مضافا إلى ما يأتي إن شاء اللّه تعالى من آداب السفر و أمّا الآداب التّي اختصّ بها حرم الحسين عليه السّلام عن ساير الحضرات المقدّسة فأمور:
أحدها: صوم الأربعاء و الخميس و الجمعة لمن أراد الخروج إلى زيارته عليه السّلام، لخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-في حديث-قال: إذا أردت الخروج إلى أبي عبد اللّه عليه السلام فصم قبل أن تخرج ثلاثة أيام: يوم الأربعاء و يوم الخميس و يوم الجمعة، فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصلّ صلاة الليل ثم قم فانظر في نواحي السماء، و اغتسل تلك الليلة قبل المغرب ثم تنام على طهر (2).
ثانيها: ترك الطيب و الكحل و الدهن لمن أراد الخروج إلى زيارته، لقوله عليه السّلام-عقيب ما ذكر من خبر أبي بصير-: فإذا أردت المشي إليه فاغتسل و لا تطيّب و لا تدهن و لا تكتحل حتى تأتي القبر (3).
ص:229
ثالثها: أن يزار حزينا، كئيبا، مغبرا، جايعا، عطشانا، لقول الصادق عليه السّلام فيما روي: إذا زرت الحسين عليه السّلام فزره و أنت حزين مكروب أشعث مغبر، جايع عطشان، و اسأله الحوائج و انصرف منه و لا تتخّذه وطنا (1).
و انّما خصصنا هذا الأدب بزيارة سيد الشهداء عليه السّلام لاختصاص النصّ بزيارته، و احتمال الخصوصيّة فيها من حيث أن مصيبته عليه السّلام أعظم المصائب، و الأمر بالتطيّب في ساير الزيارات و تركه في زيارته عليه السّلام يرشد إلى كون هذا من خاصة زيارته عليه السّلام. و قال الصادق عليه السّلام-أيضا- في بيان آداب زيارته: و سر خاشعا قلبك، باكية عينك. الحديث (2).
رابعها: الصلاة و السّلام على الحسين عليه السّلام و لعن قاتله، و البراءة ممّن اسس ذلك عليه، ذكره مولانا الصادق عليه السّلام (3)في آداب زيارته.
خامسها: ترك ما يستحب في ساير الأسفار من إجادة السفرة (4)و اطابتها، فإنّ المستحب في زيارته عليه السّلام الاقتصار على الخبز و اللبن و نحوهما، لما روي عن مولانا الصادق عليه السّلام من انّه قال: يأتون قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام فيتّخذون سفرا، أما أنّهم لو أتوا قبور آبائهم و أمهاتهم لم يفعلوا ذلك، قلت: أيّ شيء يؤكل؟ قال: الخبز و اللبن (5).
ص:230
و عنه عليه السّلام أنّه قال: إنّ قوما إذا زاروا الحسين بن علي عليهما السّلام حملوا معهم السفر فيها الحلاوة [خ. ل: الجدى]، و الأخبصة، و أشباهها (1)، لو أرادوا قبور أحبّائهم ما حملوا ذلك (2).
و عنه عليه السّلام انّه قال: تزورون خير من أن لا تزورون، و لا تزورون خير من أن تزورون، قلت: قطعت ظهري، قال عليه السّلام: تاللّه إنّ أحدكم يخرج إلى قبر أبيه كئيبا حزينا و تأتونه أنتم بالسفر، كلاّ حتى تأتونه شعثا غبرا (3). . إلى غير ذلك من الأخبار.
يتضمن مطالب:
الأول: إنّ مقتضى القواعد المتداولة على ألسن الفقهاء رضوان اللّه عليهم من حرمة ما كان فيه خوف الضرر على النفس و إن كان هو لزوم ترك الزيارة عند الخوف من الظالم أو من مرض او نحو ذلك، و لذا ترك أغلب الناس زيارة سيّدنا المظلوم أرواحنا فداه منذ سنة و نصف خوفا من الأمراض التي كانت حادثة في كربلا المشرفة، إلاّ أنّ الأخبار قد استفاضت على الأمر بزيارته عليه السّلام حتّى مع الخوف، فروى زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول فيمن زار أباك على خوف؟ قال عليه السّلام: يؤمنه اللّه يوم الفزع الأكبر، و تلقاه الملائكة بالبشارة، و يقال له: لا تخف و لا تحزن، هذا يومك الذي فيه فوزك (4).
ص:231
و روى ابن أبي بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: إن قلبي ينازعني إلى زيارة قبر أبيك عليه السّلام، و اذا خرجت فقلبي و جل مشفق حتى أرجع خوفا من السلطان، و السعاة، و أصحاب المسالح (1)، فقال: يا بن بكير! أما تحبّ أن يراك اللّه فينا خائفا؟ ! أما تعلم أنّه من خاف لخوفنا أظلّه اللّه في ظلّ عرشه، و كأن يحدّثه الحسين عليه السّلام تحت العرش، و آمنه اللّه من افزاع يوم القيامة، يفزع الناس و لا يفزع، فإن فزع وقرته الملائكة و سكنت قلبه بالبشارة (2).
و روى محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل قال: قال عليه السّلام لي: هل تأتي قبر الحسين عليه السّلام؟ قلت: نعم على خوف و وجل، فقال: ما كان من هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف، و من خاف في اتيانه آمن اللّه تعالى روعته يوم يقوم الناس لربّ العالمين، و انصرف بالمغفرة، و سلّمت عليه الملائكة، و زاره النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و انقلب بنعمة من اللّه و فضل لم يمسسهم سوء، و اتبع رضوان اللّه. . الحديث (3).
و الأخبار الآمرة بالزيارة في حال التقيّة كثيرة، فيلزم رفع اليد بها عن القاعدة، كما رفعنا اليد عنها في الجهاد و نحوه بالدليل الخاصّ، و كيف يمكن البناء على كون المتشرفين لزيارته عليه السّلام في زمان المتوكل و نحوه عاصين في سفرهم و كان يلزمهم الصلاة تماما؟ ! حاشا و كلاّ لا يتفوّه به ذو مسكة و دين، كيف، و لو كانوا عاصين لردعهم الأئمّة عليهم السّلام عن ذلك، و لم يصدر منهم ردع، بل صدر منهم البعث الأكيد على ذلك و الامر الشديد به كما عرفت، فينبغي للشيعي أن لا يترك الزيارة خوفا و يحتسب ما يصيبه في سفر الزيارة عند اللّه،
ص:232
فإنّ الخوف إن كان على المال فهو مخلوف عليه بحكم الأخبار المعتبرة، و ان كان على النفس فقد قال اللّه سبحانه: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اَللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ اَلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اَللّهِ (1)و الائمة عليهم السّلام في حكم الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و لقد كان لي صديق ملازما للعبادات مكثرا من الغيبة و لم يكن ينفعه الوعظ و النصحية في ترك الغيبة، فزار الحسين عليه السّلام منذ سنين و توفّى هناك بمرض الوباء، فرأيته في المنام فرحا مسرورا عليه لباس فاخر حسن، صورته في نهاية البهاء، فسلّم عليّ فقرأت له الآية الشريفة و قلت له: انّ سيد الشهداء عليه السّلام رسول حكمي و انت بموتك في سفر الزيارة غسلت ذنوبك، فتبسّم و استبشر، فقال: نعم و الحمد للّه الذي وفّقني في هذه السنة و ما قبلها للزياره في كلّ شهر مرّة مع وجود الأمراض الشديدة بكربلا و السلب في الطريق، و لم يمنعني الخوف من هذه النعمة العظمى، و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء.
و لقد اعترض عليّ بعض القاصرين من المعاصرين في ذلك و زعم أنّ
ص:233
سفري غير مشروع، و ما ذلك إلاّ لقلّة فهمه، و ضعف ديانته، و وهن محبّته لأهل البيت عليهم السّلام، و ذهوله عن أخبارهم، عصمنا اللّه تعالى و ايّاه من سوء العاقبة، و ضعف العقيدة (1).
الثاني: إنّ الزّيارة تحصل بالحضور و التسليم على المعصوم عليه السّلام بأيّ لسان و أيّ تقرير كان، و لكنّ الفضل في قراءة الزيارات المأثورة الكثيرة المذكورة في الكتب المعدّة لذلك، لأنّ الذي يفهم من الأخبار أن حكم الالفاظ في الأدعية و الأذكار و الزيارات المأثورة حكم معاجين الاطباء لكّم أجزائها و كيفياتها مدخلية في الآثار، و قد مرّ في باب الأذكار بعض ما يفيد ذلك من الأخبار و نبّهنا على مفاده، فلا ينبغي للعاقل تفويت الآثار الخاصة التي في المأثورات بقراءة كلّما وجده في كل كتاب زيارة و لو غير معتبرة مثل مفتاح الجنان (2)المتداول الآن كمال التداول بين العوام كالأنعام و جملة من الخواص الذين هم كالعوام مع وجود تحفة الزائر للفاضل المجلسي رحمه اللّه، و الاقبال للسيد ابن طاوس قدس اللّه سرّه، و نخبة الزائر للفاضل المحقق النوري المعاصر قدّس اللّه سرّه و غيرها من المزارات المعتبرة، مضافا إلى مزارات أخرى قديمة كمزار المفيد، و السيد، و الشهيد، و الشيخ المشهدي، و الشيخ خضر شلال، و غيرها. و ممّا ذكرنا بان لك لزوم التجنّب عن النقص و الزيادة في الزيارات
ص:234
المأثورة، إلاّ أن لا يقصد الورود و يقرأ الزايد و المزيد عليه جميعا بقصد الانشاء، ضرورة أنّ زيادة شىء في الأثناء يخرجه عمّا هو عليه من الورود.
الثالث: إنه روى صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام-في حديث طويل-انّ من جهّز إلى زيارة الحسين عليه السّلام و لم يخرج لعلّة قال: يعطيه اللّه بكل درهم أنفقه مثل أحد من الحسنات، و يخلف (1)عليه أضعاف ما أنفق، و يصرف عنه من البلاء ممّا قد نزل فيدفع و يحفظ في ماله (2).
الرابع: إنّ من الأمور المهمة للزائر تحصيل شيء من تربة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام للاستشفاء بها إن تيسر له، و كذا أخذ مسبحة يسبح بها و طينة يسجد عليها، و لا بأس بالإشارة إلى فضلها و كيفية أخذها و الاستشفاء بها.
أمّا فضلها: فهو أنّه مع أنّ اللّه سبحانه حرم على لسان المبلّغين لأحكامه أكل الطين على عباده، و ورد أنّ من أكله فقد شرك في دم نفسه (3)، و أنّه من مصائد الشيطان الكبار، و أبوابه العظام (4)، و أنّ أكله يورث الحكّة في الجسد، و البواسير، و يهيّج السوداء، و يذهب بالقوة من الساقين و القدمين (5)، و ما نقص من عمل الاكل فيما بينه و بين صحته من قبل أن يأكله حوسب عليه و عذّب عليه [به] (6)، بل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله لعن آكل الطين (7)(8)، قد أجاز أكل
ص:235
هذه الطينة المقدّسة للاستشفاء خاصة و جعلها شفاء من كلّ داء، و أمنا من كلّ خوف (1)، و قد استفاضت الأخبار بأنّ اللّه سبحانه جعل الشفاء في تربته، و ورد أنّه سبحانه عوض شهادته عليه السّلام بأربع خصال: جعل الشفاء في تربته، و إجابة الدعاء تحت قبّته، و الأئمة من ذريّته، و أن لا تعدّ أيّام زائريه من أعمارهم (2). و قال الرضا عليه السّلام: كل طين حرام كالميتة و الدم، و ما أهلّ لغير اللّه به، ما خلا طين قبر الحسين عليه السّلام، فإنّه شفاء من كل داء (3). و قال الصادق عليه السّلام: لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق أبي عبد اللّه عليه السّلام و حرمته و ولايته و أخذ من طين قبره مثل رأس انملة كان له دواء (4).
و أمّا كيفية أخذها و آدابه: فهو الاغتسال في أواخر الليل بالماء القراح و لبس أطهر الثياب و التطيب بسعد و نحوه و الدخول و الوقوف عند الرأس و صلاة أربع ركعات يقرأ في الأولى الحمد مرّة واحدى عشرة مرة الإخلاص كما في رواية، و الكافرون كما في رواية أخرى، و في الثانية: الحمد مرّة واحدى عشرة مرّة القدر، و يقنت و يقول: «لا إله إلاّ اللّه حقّا حقّا، لا إله إلاّ اللّه عبوديّة و رقّا، لا إله إلاّ اللّه وحده وحده، أنجز وعده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده، سبحان اللّه مالك السموات السبع و الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن، سبحان اللّه ربّ العرش العظيم، و صلّى اللّه على محمّد و آله و سلام على المرسلين و الحمد
ص:236
للّه ربّ العالمين» ثم يركع و يسجد و يتمّ الصلاة، ثم يبدأ بالثانية و يقرأ في أولاهما الحمد مرة و الاخلاص إحدى عشرة مرة. و في الثانية الحمد مرّة و «اذا جاء نصر اللّه» إحدى عشرة مرة، و يقنت كما قنت في الاولى، ثم يتمّ الصلاة و يسجد سجدة الشكر و يقول فيها ألف مرّة: شكرا شكرا، ثم يرفع رأسه و يتعلّق بالتربة الشريفة و يقول: «يا مولاي يا ابن رسول اللّه إنّي آخذ من ترتبك بإذنك، اللهّم فاجعلها شفاء من كل داء، و عزّا من كلّ ذلّ، و أمنا من كلّ خوف، و غنى من كلّ فقر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات» . و يأخذ بثلاث أصابعه ثلاث مرات و يجعلها في خرقة نظيفة أو قارورة زجاج و يختمها بخاتم فضّة، فصّه عقيق أصفر، نقشه: ما شاء اللّه لا قوة إلاّ باللّه أستغفر اللّه، فاذا علم اللّه من نيّته الصدق لم يصعد معه في الثلاث قبضات إلاّ سبعة مثاقيل لا تزيد و لا تنقص (1).
و في خبر الثمالي عن الصادق عليه السّلام انّه قال: إذا أردت حمل الطين طين قبر الحسين عليه السّلام فاقرأ فاتحة الكتاب و المعوذّتين و «قل هو اللّه احد» و «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» ، و يس، و آية الكرسي، و تقول: «اللهمّ بحقّ محمد عبدك و حبيبك و نبيّك و رسولك و أمينك صلّى اللّه عليه و آله، و بحقّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عبدك و أخي رسولك عليه السّلام، و بحق فاطمة بنت نبيّك و زوجة وليّك عليهما السّلام، و بحق الحسن و الحسين عليهما السّلام، و بحق الأئمّة الراشدين عليهم السّلام، و بحقّ هذه التربة، و بحق الملك الموكّل بها، و بحقّ الوصيّ الذّي حلّ فيها (2)، و بحقّ الجسد التي تضمّنت، و بحقّ السبط الذي ضمنت، و بحقّ جميع ملائكتك و رسلك، صلّ على محمد و آله و اجعل لي
ص:237
هذا الطين شفاء من كل داء و لمن (1)يستشفي به من كلّ داء و سقم و مرض، و أمانا من كلّ خوف، اللهم بحق محمّد و أهل بيته اجعله علما نافعا، و رزقا واسعا، و شفاء من كلّ داء و سقم و آفة و عاهة، و جميع الأوجاع كلّها، إنّك على كلّ شيء قدير» و يقول: «اللهمّ ربّ هذه التربة المباركة الميمونة و الملك الذي هبط بها و الوصيّ الذي هو فيها صلّ على محمد و آل محمد و سلم، و انفعني بها، إنك على كل شيء قدير» (2).
و في مرفوع محمد بن علي أن عند الختم (3)على طين قبر الحسين عليه السّلام أن يقرأ: «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» (4).
و أما الاستشفاء بها فكيفيته و أدبه: أن يأخذ منها و هو على طهر قدرا يسيرا أقلّ من الحمصة، و يقول عند وضعها في فيه: «اللّهمّ إنّي أسألك بحق هذه التربة، و بحق الملك الذي قبضها، و النّبي الذّي حصنّها، و الامام الذي حلّ فيها، أن تصلّي على محمد و آل محمد و أن تجعل لي فيها شفاء نافعا، و رزقا واسعا، و أمانا من كل خوف و داء» فإنّه إذا قال ذلك وهب اللّه له العافية و شفاه (5). و لا يختصّ الاستشفاء بها بمرض خاص، بل يعمّ جميع الأمراض و الأورام و الآلام و الأوجاع و غيرها، مخوفا كان المرض أو لا، سهل العلاج كان أو عسره، أو غير ممكن العلاج، أمكن مراجعة الطبيب أو لم يمكن، و الهمّ و الغم و التعب و الكسل و نحوها من الآلام النفسانية بحكم المرض إذا بلغت إلى حدّ صدق معها
ص:238
المرض، و طريق العلاج حتى في الأمراض الخارجية هو الاستشفاء بالأكل دون اللطخ، و ان كان اللطخ على العين و نحوه لا أظن به بأسا، و الاظهر اختصاص جواز أكله بصورة الاستشفاء، فلا يجوز للصحيح أكله، سواء كان بشهوة أو بقصد سلامة من المرض، و قد ورد عن الصادق عليه السّلام أنّه قال: من أكل من طين قبر الحسين عليه السّلام غير مستشف به فكأنّما اكل لحومنا (1). الحديث. نعم، خوف عروض المرض لعلّه مجوّز للأكل لصدق الأكل استشفاء، و لا بأس باستصحابها للحفظ و الحرز.
و المتيقن ممّا يجوز أكله ما يؤخذ من القبر الشريف و ما يليه الى عشرين ذراعا من كل جانب (2).
و في جواز الاستشفاء بما يؤخذ ممّا بعد ذلك أخبار لا مانع من العمل بها، و هي مختلفة، ففي بعضها التقدير بخمسة و عشرين ذراعا من كل جانب (3)، و في بعضها التقدير بسبعين ذراعا (4)، و في بعضها بفرسخ في فرسخ من أربعة جوانب القبر الشريف (5)، و في بعضها بأربعة أميال من كلّ جانب (6)، و في بعضها بعشرة
ص:239
أميال من كلّ جانب (1)، و في بعضها بخمسة فراسخ من الجوانب الأربعة (2)، و هذا الاختلاف محمول على بيان مراتب الفضل مع الاشتراك في أصل جواز الاستشفاء، و ان كان الاقتصار على خمسة و عشرين ذراعا أحوط، و أحوط منه العشرون ذراعا.
و لو أتى بطين من خارج الحدّ من أرض كربلا المشرفّة فوضع على القبر الشريف ثم أخذه لم يتبدّل حكمه بالوضع المذكور. و الأحوط ترك بيع التربة المقدّسة، لانه خلاف الاحترام، و جوّزه الشهيد رحمه اللّه في الدروس (3)كيلا و وزنا، و مشاهدة مجرّدة و مشتملة على هيئات الانتفاع، و فيه تأمّل.
و يثبت كون الطين طين قبره الشريف بالبيّنة الشرعيّة، و هل يثبت بقول ذي اليد الشيعي؟ وجهان، أظهرهما ذلك، و في جواز الاستشفاء بأكل المطبوخ منه وجهان، أشبههما الجواز، و لا يمنع من الاستشفاء به إخبار الطبيب الحاذق بعدم برئه من ذلك المرض، و لا فرق في كيفية الاستشفاء بين أكله وحده و بين خلطه بماء و نحوه، و قد ورد خلطه بعسل و زعفران و ماء مطر و تفريقه على الشيعة ليستشفوا به (4)، و لا يجوز لغير الشيعي أكله، و هل يعتبر في الاستشفاء به الدعاء
ص:240
المزبور أم لا؟ وجهان أظهرهما العدم.
و يجوز التبرك بتربة قبر غيره عليه السّلام من المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين بغير الاكل من الاستصحاب للحفظ و اللطخ على العين و الرأس و نحوهما، و أما الاستشفاء بالأكل فلا يجوز بتربة قبر غيره من الأئمة و الانبياء صلوات اللّه عليهم على الاظهر، لما ورد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام من أنه قال: لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبرّكوا به، فانّ كلّ تربة لنا محرّمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي عليهما السّلام، فإن اللّه عزّ و جلّ جعلها شفاء لشيعتنا و أوليائنا (1).
و يحرم التجاوز في الأكل في كلّ مرّة عن قدر الحمّصة، و الأحوط مراعاة قدر العدسة، فلا يتجاوزها 2، و لا تقدير في طرف القلّة، بل يجزي بمقدار رأس الإبرة، و المدار على قدر الحمّصة صورة لا وزنا، فلا يفرق بين اليابسة و المنقوعة.
و اما أخذ المسبحة منها و التسبيح بها فيدلّ على شرعيّته و فضله ما عن الحجّة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه من قوله: تسبح به؟ فما من شيء من التسبيح أفضل منه، و من فضله أن المسبّح ينسى التسبيح فيكتب له ذلك التسبيح 3. و قول الامام موسى بن جعفر عليهما السّلام: لا يستغني شيعتنا عن أربعة: خمرة يصلي عليها، و خاتم يتختم به، و سواك يستاك به، و سبحة من طين قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام فيها ثلاث و ثلاثون حبة، متى قلبها ذاكرا للّه
ص:241
كتب (1)له بكلّ حبّة أربعين حسنة، و اذا قلبها ساهيا يعبث بها كتب له عشرين حسنة أيضا (2).
و ورد أنّ من أدار سبحة من تربة الحسين عليه السّلام مرّة واحدة بالاستغفار أو غيره كتب اللّه له سبعين مرّة (3)، و انّ السبحة التي من طين قبر الحسين عليه السّلام تسبح بيد الرجل من غير أن يسبّح (4).
و قيل: يستحب أن يكون خيط السبحة ازرق، و يستأنس له بقول الصادق: السبح الزرق في أيدي شيعتنا مثل الخيوط الزرق في أكسية بني اسرائيل، بناء على إرادة زرقة خيطها لانفس حباتها (5).
و أما اتّخاذ التربة للسجود عليها فقد روى معاوية بن عمّار أنه كان لأبي عبد اللّه عليه السّلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد اللّه عليه السّلام، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته و سجد عليه ثم قال: انّ السجود على تربة أبي عبد اللّه عليه السّلام يخرق الحجب السبعة (6).
و ورد أنه عليه السّلام كان لا يسجد إلاّ على تربة الحسين عليه السّلام تذلّلا للّه و استكانة إليه (7).
و عنه عليه السّلام: انّ السجود على طين قبر الحسين عليه السّلام ينوّر
ص:242
إلى الارضين السبع (1).
حكى في مزار البحار عن كتاب دعوات الراوندي انّه روى أنه لما حمل علي بن الحسين عليهما السّلام إلى يزيد لعنه اللّه همّ بضرب عنقه، فوقفه بين يديه و هو يكلمه ليستنطقه بكلمة يوجب بها قتله، و عليّ عليه السّلام يجيبه حسب ما يكلّمه، و في يده سبحة صغيرة يديرها باصابعه و هو يتكلم، فقال له يزيد: أكلمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك، فكيف يجوز ذلك؟ ! فقال: حدثني أبي عليه السّلام عن جدي عليه السّلام انه كان إذا صلّى الغداة و انفتل لا يتكلّم حتى يأخذ سبحة بين يديه فيقول: «اللهم إني اصبحت أسبّحك و أمجدّك و أحمدك و أهلّلك بعدد ما أدير به سبحتي» و يأخذ السبحة و يديرها و هو يتكلّم بما يريد من غير أن يتكلم بالتسبيح، و ذكر أن ذلك محتسب له، و هو حرز إلى ان يأوى إلى فراشه، فإذا اوى إلى فراشه قال مثل ذلك القول و وضع سبحته تحت رأسه، و هي محسوبة له من الوقت إلى الوقت، ففعلت هذا اقتداء بجدي عليه السّلام، فقال له يزيد: لست أكلم أحدا منكم إلاّ و يجيبني بما يعود به، و عفا عنه و وصله و أمر بإطلاقه (2).
اقول: الظاهر ان مسبحته عليه السّلام كانت من غير تربة الحسين عليه السّلام لعدم مهلته لصنعها منها بعد وقعة الطف، و الرواية مطلقة، فيجري ذلك في كل سبحة، و اللّه العالم.
ص:243
في زيارة النبي و الأئمة عليهم السّلام من بعيد
قد استفاضت الأخبار برجحان زيارتهم عليهم السّلام من خارج حرمهم المطهّر لمن لم يتيسّر له في حاله تلك الحضور و لو لعذر مختصر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-فيما روي عنه-: من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر [إليّ]في حياتي، فان لم تستطيعوا فابعثوا إليّ السّلام، فإنّه يبلغني (1)، و ان للّه ملائكة سيّاحين في الارض يبلّغوني عن امّتي السّلام (2)، و انّ من سلّم عليّ في شيء من الارض ابلغته، و من سلّم عليّ عند القبر سمعته (3).
و ورد عن الصادق عليه السّلام: انّ صلاة المؤمنين و سلامهم تبلغه من بعيد اينما كانوا (4).
و قال يونس بن ظبيان للصادق عليه السّلام: انّي كثيرا ما اذكر الحسين عليه السّلام فايّ شىء اقول؟ قال: قل «صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه» ، ثلاثا فإنّ السّلام يصل إليه من قريب و من بعيد (5).
و سأل هو عليه السّلام سديرا عن زيارته للحسين عليه السّلام كلّ يوم؟ فقال: لا، جعلت فداك، فقال: فما أجفاكم؟ . . الى ان قال عليه السّلام: و ما
ص:244
عليك يا سدير ان تزور قبر الحسين عليه السّلام في كلّ جمعة خمس مرّات، و في كلّ يوم مرّة؟ قلت: جعلت فداك إن بيننا و بينه فراسخ كثيرة، فقال لي: اصعد فوق سطحك ثم التفت يمنة و يسرة، ثم ترفع رأسك الى السماء، ثم تنحو نحو القبر فتقول: السّلام عليك يا أبا عبد اللّه السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته، تكتب لك زوره، و الزورة حجّة و عمرة (1).
و قريب من ذلك ما ورد في شرح زيارة عاشوراء من الامر بزيارته عليه السّلام من بعيد لمن لم يمكنه الحضور يوم العاشر (2)، بل كلّ يوم بالصعود على السطح و الايماء اليه بالسلام على الوجه المذكور في الرواية (3)، و في صحيح هشام تعميم ذلك لقبور جميع الأئمّة عليهم السّلام، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام اذا تعذّرت لأحدكم و نأت به الدار فليصعد على منزله فليصلّ ركعتين و ليوم بالسلام الى قبورنا، فانّ ذلك يصل الينا (4)و زاد عليه السّلام-في مرسل ابن أبي عمير- بعد ما يقرب من ذلك، قوله عليه السّلام: و تسلّم على الأئمّة عليهم السّلام من بعيد كما تسلّم عليهم عليهم السّلام من قريب، غير انّك لا يصلح ان تقول: اتيتك زائرا، بل تقول موضعه: قصدتك بقلبي زائرا اذ عجزت عن حضور مشهدك، و وجهت اليك سلامي لعلمي بانه يبلغك صلّى اللّه عليك فاشفع لي عند ربّك عزّ و جلّ، و تدعو بما أحببت (5)، و في خبر آخر عنه عليه السّلام انّه قال: من أراد ان يزور قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قبر أمير المؤمنين عليه السّلام، و قبر فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام، و قبور الحجج عليهم السّلام،
ص:245
و هو في بلده فليغتسل. . الحديث (1)، بل ظاهر خبر حنان بن سدير الصيرفي استحباب زيارة غير المعصوم أيضا من بعيد لأمره بعد زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام من بعيد بتحويل الوجه يسيرا الى قبر علي بن الحسين عليهما السّلام عند رجل والده و التسليم عليه (2).
ثمّ انّ المذكور في الاخبار للزيارة من بعيد آداب.
فمنها: الغسل أو الوضوء.
و منها: لبس ثوبين نظيفين من أنظف ثيابه.
و منها: الصعود الى اعلى الدار، أو الى الصحراء، أو الى فلاة من الارض.
ص:246
و منها: صلاة أربع ركعات اوّلا يقرأ فيهن ما تيسّر من القرآن.
و منها: التوجّه بعدهما الى الجهة التي يعلم بكون قبر من يريد التسليم عليه فيها.
الأولى: انّ الزيارة من بعيد لا تختصّ بأمواتهم عليهم السّلام بل يستحب زيارة الحجّة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه أيضا من بعيد، و حيث انّ مكانه عليه السّلام غير معلوم فينبغي لمن زاره استقبال القبلة، لما ورد من انّ خير المجالس ما استقبل به القبلة، و قد نقل المحقّق الماهر المحدث النوري المعاصر قدّس سرّه كون استقبال القبلة في زيارته ارواحنا فداه مركوزا في اذهان الشيعة كافّة و استمرار سيرتهم عملا عليه، ثمّ قال: انّه لا مستند له صريحا. ثمّ احتمل استفادة ذلك من انّ ظاهر ابن طاووس رحمه اللّه في مزاره انّ استقبال القبلة من الآداب العامّة في مطلق زيارته عليه السّلام و وداعه، و انّ ظاهر ما ورد في آداب التوسّل به تضمّن اغلبه الامر بالاستقبال.
قلت: لعلّ الوجه في ذلك كلّه ما قلناه من عدم تعيّن مكانه في حال من الأحوال فيترّجح الاستقبال لأنّه خير المجالس.
الثانية: انّه يستفاد باستقراء اخبار الزيارات انّ وظيفة صلاة الزيارة من بعيد هو تقديمها على السّلام، و وظيفة صلاة الزيارة من قرب هو تاخيرها عن السّلام، و يمكن المناقشة في تقديم صلاة الزيارة عند الزيارة من بعد بعدم تعقّل تقدم المسبّب عن السبب، و كيف يؤمر بصلاة الزّيارة و لمّا يزر بعد، و لكنّها مناقشة ساقطة لا لكونها اجتهادا في قبال النصّ، بل لعدم التصريح في الاخبار بكون الصلاة المقدّمة صلاة زيارة، و لعلّها صلاة هدية فلا يلزم تقدم المسبّب عن السبب، كما لا يخفى.
ص:247
في الاستنابة للزيارة و النيابة فيها
لا شبهة في جواز الاستنابة في الزيارة.
و قد سأل علي بن ميمون الصائغ ابا عبد اللّه عليه السّلام انّه ان أخرج عنه رجلا فيجوز ذلك؟ قال: نعم، و خروجه بنفسه اعظم اجرا، و خيرا له عند ربّه يراه ربه ساهر الليل، له تعب النهار، ينظر اللّه اليه نظرة توجب له الفردوس الاعلى مع محمّد صلّى اللّه عليه و آله و اهل بيته عليهم السّلام، فتنافسوا في ذلك و كونوا مع اهله (1).
و عن داود الصرمي انّه قال للهادي عليه السّلام: اني ازور اباك و اجعل ثوابه لك. فقال عليه السّلام: لك من اللّه الاجر و الثواب العظيم، و منّا المحمدة (2).
و روي ان الامام عليا الهادي عليه السّلام ارسل رجلا الى مشهد أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام ليزور عنه و قال: انّ للّه سبحانه بقاعا يحبّ ان يدعى فيها فيجيب، و حائر الحسين عليه السّلام من تلك الأمكنة (3).
و ورد عنهم عليهم السّلام: انّ من صلى ركعتين أو صام يوما أو حجّ أو اعتمر أو زار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أحد الأئمّة عليهم السّلام و يجعل ثواب ما يفعل منها لوالديه أو أخيه المؤمن كان مثل ثواب ذلك العمل لمن جعل
ص:248
العمل له من دون ان ينقص من ثوابه و اجره شيء (1)، و ظاهر ثبوت أجر واحد للنائب، و هو ظاهر أو صريح كثير من الأخبار مثل خبر صفوان الجمال قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه الحارث بن المغيرة فقال: بأبي أنت و أمّي لي أبنة قيّمة لي على كلّ شيء، و هي عاتق فاجعل لها حجّتي، فقال: اما انّه يكون لها أجرها و يكون لك مثل ذلك و لا ينقص من أجرها شيء (2).
و ظاهر بعض آخر من الأخبار انّه يضاف للنائب إلى أجر الحج و الزيارة أجر الصّلة، مثل خبر عمرو بن الياس قال: قال أبي لأبي عبد اللّه عليه السّلام و انا اسمع: انّ ابني هذا صرورة و قد ماتت امّه فاحّب ان يجعل حجّه لها، أ فيجوز ذلك له؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يكتب ذلك له، و لها، و يكتب له أجر البرّ (3).
و خبر اسحاق بن عمّار عن أبي ابراهيم عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يحج فيجعل حجّته و عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله و هو عنه غائب ببلد آخر، قال: فقلت: فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا، هي له و لصاحبه، و له اجر ما سوى ذلك بما وصل، قلت: و هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتّى يكون مسخوطا عليه فيغفر له، أو يكون مضيّقا عليه فيوسّع عليه، فقلت: فيعلم هو في مكانه انّ عمل ذلك لحقه؟ قال: نعم (4). بل ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما نطق بانّ لمن وصل قريبا بحجّة أو عمرة
ص:249
كتب اللّه له حجّتين و عمرتين، و كذلك من حمل عن حميم (1)يضاعف اللّه له الاجر ضعفين (2)بل ظاهر ما ورد من استيجار الصادق عليه السّلام من يحج عن اسماعيل انّ للنائب تسعة اجور و للمنوب عنه و أحد، لانه عليه السّلام قال للنائب: و لك تسع و له واحدة (3). و اصرح منه قوله عليه السّلام في رواية اخرى: يا هذا اذا انت فعلت هذا كان لاسماعيل حجة بما انفق من ماله، و كانت لك تسع بما اتعبت من بدنك (4). بل ورد ما يثبت ازيد من ذلك، فعن الصادق عليه السّلام انه قال للّذي يحجّ عن رجل اجر و ثواب عشر حجج، و يغفر له و لابيه و لامّه و ابنه و لابنته و لاخيه و لاخته و لعمّه و لعمّته و لخاله و لخالته، انّ اللّه واسع كريم (5)، و لعلّ التفاوت بالتبرّع و عدمه فيثبت للمتبرّع عشرة و للاجير تسعة، و قد مرّ في طىّ اداب الزيارة ما نطق باستحباب النيابة عن عموم الارحام و الاقارب و اهل البلدة، و نقلنا الرواية الناطقة بذلك، و يدلّ عليه ايضا ما رواه الشيخ محمد بن المشهدي في محكي مزاره عن بعض العلماء عن الصادقين عليهم السّلام انّه سأل عن الرجل يصلي ركعتين، او يصوم يوما، او يحجّ، او يعتمر، او يزور رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم او احد الأئمة عليهم السّلام و يجعل ثواب ذلك لوالديه، او لأخ له في الدين، أو يكون له على ذلك ثواب؟ فقال: ان ثواب ذلك يصل الى من جعل له من غير ان ينقص من أجره شيء.
و عن الشيخ رحمه اللّه في التهذيب: انّ من زار بالنيابة عن اخيه المؤمن
ص:250
باجرة فاذا فرغ من الغسل و الزيارة فليقل «اللهم ما اصابني من تعب او نصب او شعث او لغوب فاجر فلان بن فلان [فيه، و اجرني في قضائي عنه» فاذا سلم على الامام فليقل في آخر التسليم: «السّلام عليك يا مولاي من فلان بن فلان]-و يسمّى المنوب عنه و اباه-اتيتك زائرا عنه فاشفع له عند ربّك» ثم يدعو له بما احبّ (1).
و هل للاجير في الزيارة عن شخص ان يزور عن نفسه أو عن الغير بعد الفراغ من الزيارة ام لا؟ وجهان، و الاقوى تبعيّة ذلك لمقدار ما اشترط، فان اشترط كون جميع ما ياتي به من الزيارة في سفره ذلك أو يومه ذلك أو دخوله ذلك الى الحرم الشريف للمنوب عنه لم يجز ان يزور عن نفسه و غير المنوب، و ان كان شرطه ان يزور عنه مرّة أو في كلّ يوم مرّة مثلا جاز له صرف ما زاد عن المقدار المشروط إلى نفسه أو ثالث كما لا يخفى وجهه، و يطلب جملة من فروع النيابة من نيابة حجّ مناهج المتيقّن (2)فانّ الحج و الزيارة من واد واحد، و لذا اوردنا روايات حج النيابة هنا.
ص:251
فقد ورد انّ الدجّال لا يبقى منهل الاّ وطئه الاّ مكّة و المدينة، فانّ على كلّ ثقب [نقب من انقابها خ ل]من اثقابها ملكا يحفظها من الطاعون و الدجّال (1).
و ان مكّة اوّل ارض سبقت الى قبول ولاية امير المؤمنين عليه السّلام- حيث عرضها اللّه عزّ اسمه على الارضين-فزيّنها بالكعبة (2).
و انّ مكّة حرم اللّه و حرم رسوله، الصلاة فيها بمائة ألف صلاة (3)، و الدرهم بمائة ألف درهم (4)، و روي بعشرة آلاف (5). و انّ الطاعم بمكّة كالصائم فيما سواها، و الماشي بمكّة في عبادة اللّه عزّ و جلّ (6).
و لكن قد نطقت الاخبار بالمنع من سكناها و مجاورتها، فعن الصادق عليه السّلام انّه قال: لا احبّ للرجل ان يقيم بمكّة سنة، و كره المجاورة بها (7). و قال
ص:252
عليه السّلام: اذا قضى احدكم نسكه فليركب راحلته و ليلحق اهله فان المقام بمكة يقسي القلب (1). و قال عليه السّلام: اذا فرغت من نسكك فارجع فانّه اشوق لك الى الرجوع (2). و قال الباقر عليه السّلام: لا ينبغي للرجل ان يقيم بمكّة سنة. قلت كيف يصنع؟ قال: يتحوّل عنها (3). و سئل ابو عبد اللّه الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (4)قال عليه السّلام: كلّ الظلم فيه إلحاد حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت ان يكون إلحادا. فلذلك كان الفقهاء رضوان اللّه عليهم يكرهون سكنى مكّة (5). و تضمّن خبر عن ابي جعفر عليه السّلام مدح سكناها، و لكنه مع ذلك جعل الانصراف افضل، قال عليه السّلام: من جاور بمكة سنة غفر له ذنوبه و لاهل بيته، و لكلّ من استغفر له، و لعشيرته و لجيرانه ذنوب تسع سنين و قد مضت و عصموا من كل سوء اربعين و مائة سنه، و الانصراف و الرجوع افضل من المجاورة، و النائم في مكّة كالمتهجّد في البلدان، و الساجد بمكّة كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه (6).
و لا شبهة في رجحان مجاورتها، و قد ورد انّها حرم فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و النّاس اجمعين، و لا يقبل اللّه منه صرفا و لا
ص:253
عدلا (1)، و الحدث القتل (2)، و انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: اللهمّ انّهم اخرجوني من احبّ البقاع اليّ فاسكني احبّ البقاع اليك، فاسكنه المدينة (3).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حقّها انّه: لا يصبر على لأوائها و شدّتها احد الاّ كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة.
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان الايمان نازل على المدينة كما تنزل الحيّة على حجرها (4).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد (5).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: طينتنا من المدينة و طينة شيعتنا من الكوفة، و طينة اعداءنا من البصرة، الخبر (6).
و جعل الصادق عليه السّلام سكناها افضل من سكنى مكّة (7).
و ورد انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا دخلها قال: اللهمّ حبّب الينا المدينة كما حبّبت الينا مكّة و أشدّ، و بارك في صاعها و مدّها، و انقل حماها و وباها الى الجحفة.
ص:254
فقد ورد عن الصادق عليه السّلام: انّ مكّة حرم اللّه، و المدينة حرم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الكوفة حرم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. انّ عليا عليه السّلام حرّم من الكوفة ما حرّم ابراهيم عليه السّلام من مكّة و ما حرّم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المدينة (1).
و عن أمير المؤمنين انه قال: مكّة حرم اللّه تعالى، و المدينة حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الكوفة حرمي، و لا يريدها جبار بحادثة الاّ قصمه اللّه (2).
و قال عليه السّلام في نهج البلاغه: كأنّي بك يا كوفة تمدين مدّ الأديم العكاظي تعركين بالنوازل، و تركبين الزلازل، و اني لأعلم انه ما اراد بك جبار بسوء (3)إلاّ ابتلاه اللّه بشاغل، أو رماه بقاتل (4).
و ذكر عنده عليه السّلام الكوفة فقال عليه السّلام: يدفع البلاء عنها كما يدفع عن أخبية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (5).
و عنه عليه السّلام انّه قال: يا كوفة ما اطيبك و اطيب ريحك و أخبث كثير من اهلك، الخارج منك بذنب، و الداخل فيك برحمة. الحديث (6).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان الكوفه جمجمة العرب
ص:255
و رمح اللّه و كنز الايمان (1).
و عن الباقر عليه السّلام: انّ الكوفة بعد حرم اللّه و حرم رسوله افضل البقاع، هي الزكيّة الطاهرة، فيها قبور النبيين و المرسلين، و الاوصياء الصادقين. الحديث (2).
و عن امير المؤمنين عليه السّلام: انّ اوّل بقعة عبد اللّه عليها ظهر الكوفة، لما امر اللّه الملائكه ان يسجدوا لآدم عليه السّلام سجدوا على ظهر الكوفة (3).
و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ اللّه اختار من البلدان أربعة فقال عزّ و جلّ وَ اَلتِّينِ وَ اَلزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هذَا اَلْبَلَدِ اَلْأَمِينِ (4)التين: المدينة، و الزيتون: بيت المقدس، و طور سينين الكوفة، و هذا البلد الامين مكّة (5).
و عن الصادق عليه السّلام: انّ اللّه احتجّ بالكوفه على ساير البلاد و بالمؤمنين من اهلها على غيرهم (6)، و انّ اللّه اختار من جميع البلاد الكوفة و قم و تفليس (7). و انه اذا عمّت البلايا فالامن في الكوفة و نواحيها من السواد (8). و انّه اذا فقد امن البلاد و ركب الناس الخيول، و اعتزلوا النساء و الطيب، فالهرب الهرب الى الكوفة و نواحيها (9).
ص:256
و روى اسحاق بن داود قال: اتى رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام فقال: انّي قد ضربت على كلّ شىء لي من فضه و ذهب و بعت ضياعى فقلت: انزل مكّة؟ فقال: لا تفعل انّ اهل مكّة يكفرون باللّه جهرة، فقلت: ففي حرم رسول اللّه؟ قال: هم شرّ منهم، قلت: فاين انزل؟ قال: عليك بالعراق الكوفة، فانّ البركة منها على اثني عشر ميلا هكذا و هكذا، و الى جانبها قبر ما اتاه مكروب قطّ و لا ملهوف الاّ فرّج اللّه عنه (1).
و عن الحسن بن علي عليهما السّلام انه قال: لموضع الرجل في الكوفة احبّ الىّ من دار بالمدينة (2).
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: انّ من كان له دار بالكوفة فليتمسّك بها (3).
و استفاضت الاخبار بفضل عمارة مشهد امير المؤمنين و مشاهد الأئمة عليه و عليهم السّلام و تعاهدها، و كثرة زيارتها، فقد روى أئمّتنا عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال لامير المؤمنين عليه السّلام: و اللّه لتقتلن بارض العراق، و تدفن بها، قال: قلت يا رسول اللّه (ص) : ما لمن زار قبورنا و عمّرها و تعاهدها؟ قال لي: يا أبا الحسن (ع) انّ اللّه جعل قبرك و قبر ولدك بقاعا من بقاع الجنّة و عرصة من عرصاتها، و انّ اللّه جعل قلوب نجباء من خلقه و صفوة من عباده تحنّ اليكم و تحتمل الاذى و المذلّة فيكم، فيعمّرون قبوركم و يكثرون زيارتها، تقرّبا منهم الى اللّه، و مودّة منهم لرسوله، أولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي، و الواردون حوضي، و هم زوّاري غدا في الجنّة، يا
ص:257
على من عمّر قبوركم، و تعاهدها، فكأنّما اعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، و من زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الاسلام، و خرج من ذنوبه حتّى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته امّه، فابشر و بشّر أولياءك و محبّيك من النعيم و قرّة العين، بما لا عين رأت، و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و لكن حثالة من الناس يعيّرون قبوركم كما تعيّر الزانية بزناها، أولئك شرار أمّتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي، و لا يردون حوضي (1).
فقد ورد عن الصادق عليه السّلام في حديث ثواب زيارة الحسين عليه السّلام، قال عليه السّلام: و اللّه لو انّي حدّثتكم في فضل زيارته عليه السّلام لتركتم الحجّ رأسا، و ما حج احد، ويحك! اما علمت انّ اللّه اتّخذ كربلا [حرما] امنا مباركا قبل ان يتّخذ مكّة حرما (2).
و ورد عنه عليه السّلام انّه قال: انّ ارض الكعبة قالت: من مثلي و قد بني بيت اللّه على ظهرى يأتيني الناس من كلّ فجّ عميق، و جعلت حرم اللّه و أمنه، فاوحى اللّه إليها: كفّي و قرّي ما فضلت به، ما أعطيت ارض كربلا الاّ بمنزلة الإبرة غمست في بحر و حملت من ماء البحر، و لو لا تربة كربلا ما فضّلتك، و لو لا من ضمّته كربلا ما خلقتك، و لا خلقت الذي افتخرت به، فقرّي و استقرّي و كوني ذنبا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف و لا مستكبر لارض كربلا، و الاّ مسختك و هويت بك في نار جهنّم (3).
ص:258
و ورد انّ اللّه اتّخذ كربلا حرما قبل ان يتّخذ مكّة حرما بأربعة و عشرين الف عام، و انّها لتزهر لاهل الجنّة كالكوكب الدرّي (1). و انّ اللّه خلق كربلا قبل ان يخلق الكعبة باربعة و عشرين الف عام و قدّسها و بارك عليها، فما زالت قبل ان يخلق اللّه الخلق مقدّسة مباركة، و لا تزال كذلك، حتى جعلها اللّه افضل الارض في الجنّة (2)[و افضل منزل و مسكن يسكن اللّه فيه أولياءه في الجنة]. و انّ اللّه فضّل الارضين و المياه بعضها على بعض فمنها ما تفاخرت و منها ما بغت، فما من ارض و لا ماء الاّ و عوقبت لترك التواضع للّه حتّى سلط اللّه على الكعبة المشركين، و ارسل الى زمزم ماء مالحا فاسد طعمه، و إنّ كربلاء و ماء الفرات اوّل ارض و اوّل ماء قدّس اللّه و بارك اللّه عليه، فقال لها تكلّمي ما فضلك اللّه؟ فقالت: أنا ارض اللّه المقدّسة المباركة، الشفاء في تربتي و مائي و لا فخر، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، و لا فخر على من دوني، بل شكرا للّه، فاكرمها و زادها بتواضعها و شكرها للّه بالحسين و اصحابه، [ثم قال ابو عبد اللّه عليه السّلام]من تواضع للّه رفعه اللّه و من تكبّر وضعه اللّه (3). . الى غير ذلك من الاخبار الواردة في فضل كربلا، و لكن مع ذلك فقد ورد النهى عن اتخاذها وطنا، فعن مولانا الصادق عليه السّلام انّه قال: اذا زرت الحسين فزره و انت [كئيب]حزين مكروب، اشعث، مغبّر، جايع، عطشان، [فان الحسين قتل حزينا مكروبا شعثا مغبرا جائعا عطشانا]و اسأله الحوائج و انصرف عنه و لا تتخّذه وطنا (4).
و التجربة تشهد بايراث سكنى كربلا قساوة القلب، و لعلّ ما يظهر منه فضل السكنى بها مختصّ بمن لسكناه مدخل في عمارة القبر، و كان سكناه له
ص:259
للزيارة، و كان من اهل التقوى و العبادة دون من اتّخذه وطنا يرتكب فيها ما يرتكب في ساير البلاد من المحرّمات و المكروهات، اعاذنا اللّه تعالى من ذلك، فانّ الذنب في الامكنة الشريفة أشدّ خطرا، و أعظم عقوبة منه في ساير الأمكنة، فاللّه اللّه في ذلك.
و أمّا ما ورد في أجر القيام عنده-و هو ما رواه ابن قولويه مسندا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل، قال: فما لمن أقام عنده؟ قال: كل يوم بألف شهر (1)-فلا ينافي ما قلناه، لأنّ الاقامة غير السكنى و المجاورة، و المكروه هو السكنى و المجاورة دون الاقامة.
فقد ورد عن الصادق عليه السّلام: انّ اربع بقاع ضجّت الى اللّه من الغرق ايّام الطوفان، البيت المعمور فرفعه اللّه اليه، و الغريّ، و كربلا، و طوس (2).
و قد اختلفت الاخبار في وجه تسميته [كذا]بذلك، فعن الهادي عليه السّلام: انّه انّما سمّى [كذا]بقم لانه لمّا وصلت السفينة اليه في طوفان نوح عليه السّلام قامت-و هي قطعة من بيت المقدس- (3). و في رواية: انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أسرى به رأى إبليس باركا بهذه البقعة، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أسرى به رأى إبليس باركا بهذه البقعة، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له: قم يا ملعون، فسميت بذلك (4).
ص:260
و عن أبي الحسن الاول انه: إنّما سمّى قم لانّ اهله يجتمعون مع قائم آل محمّد (ص) عجّل اللّه فرجه و يقومون معه، و يستقيمون عليه، و ينصرونه (1).
و الاخبار في فضله كثيرة جدا يكفيك منها ما في البحار عن تاريخ قم مسندا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام-في حديث طويل-: ثم سبقت-يعني الى ولاية عليّ عليه السّلام-قم فزيّنها بالعرب، و فتح اليها باب من ابواب الجنّة. . . الى ان قال عليه السّلام: انّ اللّه احتجّ ببلدة قم على سائر البلاد، و باهلها على جميع اهل المشرق و المغرب و الجن و الإنس، و لم يدع اللّه قم و اهله مستضعفا بل وفقهم و ايّدهم، و انّ الملائكة لتدفع البلايا عن قم و اهله، و ما قصده جبّار بسوء الاّ قصمه قاصم الجبّارين، و شغله عنهم بداهية او مصيبة أو عدو، و ينسى اللّه الجبارين في دولتهم ذكر قم و اهله كما نسوا ذكر اللّه، و ان تربة قم مقدّسة و اهلها منّا و نحن منهم، لا يريدها جبار بسوء الاّ عجلت عقوبته نار جهنم. و انّ قم بلدنا و بلد شيعتنا، مطهّرة، مقدّسة، قبلت ولايتنا اهل البيت عليهم السّلام لا يريدهم أحد بسوء الاّ عجّلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم، فاذا فعلوا ذلك سلّط اللّه عليهم جبابرة سوء، اما انّهم انصار قائمنا و دعاة حقّنا، و انّه سيأتي زمان تكون بلدة قم و اهلها حجة على الخلايق، و ذلك في زمان غيبة قائمنا عجّل اللّه تعالى فرجه الى ظهوره، و انّه اذا عمّت البلدان الفتن فعليكم بقم و حواليها و نواحيها، فانّ البلاء مرفوع عنها، و انّه ما اراد احد بقم سوء الاّ اذلّه اللّه، و ابعده من رحمته، و انّ لعلى قم ملكا يرفرف عليها بجناحيه لا يريدها جبّار بسوء الاّ أذابه اللّه كذوب الملح في الماء. . ثم اشار الى عيسى بن عبد اللّه فقال: سلام اللّه على اهل قم يسقى اللّه بلادهم الغيث، و ينزل اللّه عليهم البركات، و يبدّل اللّه سيئاتهم حسنات، هم اهل ركوع و سجود و قيام و قعود، هم الفقهاء العلماء
ص:261
الفهماء، هم اهل الدراية و الرواية و حسن العبادة، و انّ بها موضع اقدام جبرئيل عليه السّلام، و هو الموضع الذي نبع منه الماء الذي من شرب منه أمن من البلاء، و من ذلك الماء عجن الطين الذي عمل منه كهيئة الطير، و من ذلك الموضع يخرج كبش ابراهيم عليه السّلام، و عصى موسى عليه السّلام، و خاتم سليمان. . الى غير ذلك من الاخبار (1).
و سرّ من رأى لما مرّ من النبويّ الوارد في عمارة مشهد امير المؤمنين عليه السّلام و مشاهد الأئمة عليهم السّلام، و عن علي بن محمد العسكري عليهما السّلام انّه قال: انّ تربتنا كانت واحدة فلما كان ايام الطوفان افترقت التربة فصارت قبورنا شتّى، و التربة واحدة (2).
ص:262
في بيان ايّام مواليد النبيّ و اهل بيته صلوات اللّه عليه و عليهم أجمعين، و ايّام وفياتهم، لمناسبة زيارتهم في تلك الأيّام، و اقامة تهنيتهم و عزائهم عليهم الصلاة و السّلام.
فقد اتّفقت الاماميّة الاّ من شذّ منهم على انّ ولادته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سابع عشر ربيع الاوّل من عام الفيل (1)، و ذهب اكثر المخالفين الى انّها كانت في الثاني عشر منه (2)، و ذكره الكليني رحمه اللّه اختيارا او تقيّة (3). و ذهب شرذمة منهم الى أنّها كانت في الثامن منه (4)، و ذهب شاذّ منهم الى انها كانت في الثامن من شهر رمضان (5).
و أمّا بعثته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ففي السابع و العشرين من رجب باتفاق الاماميّة (6)، و قد كان عمره الشريف عنده اربعون سنة (7)، و قيل: في سابع عشر شهر رمضان (8)، و قيل: لثمان خلون منه (9)، و قيل: للثاني عشر من
ص:263
ربيع الاول (1).
و مكث صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مكّة ثلاث عشرة سنة ثم هاجر الى المدينة في شهر محرّم الحرام، و قيل: في اول ليلة من شهر ربيع الاول (2).
و أمّا وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فذهب اكثر الامامية الى انّه يوم الثامن و العشرين من شهر صفر، سنة عشر من الهجرة، و كان عمره الشريف ثلاثا و ستين سنة (3)، و ذهب جمهور العامّة الى انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم توفّى في ثاني عشر ربيع الاول، و هو المشهور بينهم (4)، و اختاره من اصحابنا تقيّة أو اختيارا الكليني رحمه اللّه في الكافي (5)، و ابن شهرآشوب في مناقبه (6)، و لهم في ذلك اقوال اخر، فالخوارزمي على انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم توفّي في أول ربيع الأوّل (7)، و الثعلبي و القاضي أبو بكر، على انّه في ثاني ربيع الأول، و حكاه الطبري (8)عن ابن الكلبي و ابي مخنف، و قيل لثمان عشرة ليله منه (9)، و قيل:
ص:264
لعشر خلون منه (1)، و قيل: لثمان بقين منه، و قيل: لثمان خلون منه (2)، و قيل: في الثالث عشر منه (3)، و قيل: في الرابع عشر منه (4)، و قيل: في الخامس عشر منه (5).
و امّه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف، و هو اوّل هاشميّ ولده هاشم مرّتين، فالمشهور بين الاصحاب و اشهر الروايات عندهم أنّه ولد في ثالث عشر رجب قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة بمكة في بيت اللّه الحرام (6)، و روى صفوان الجمّال عن مولانا الصادق عليه السّلام انه ولد في سبع (7)خلون من شعبان (8)، و قيل: ولد قبل النبوّة بعشر سنين (9)، و قيل: بعد عام الفيل بثلاثين سنة (10)، و قيل: بخمس و عشرين سنة، و قيل: بثلاث و عشرين سنة.
و ضربه ابن ملجم بالسيف في محراب مسجد الكوفة صبيحة ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة مضين من شهر رمضان (11)، و توفّي سلام اللّه عليه ليلة إحدى
ص:265
و عشرين منه (1)، و قد مضى حينئذ من عمره الشريف خمس و ستون سنة (2)، فيكون بعد الهجرة بأربعين سنة. و قالت العامّة و بعض الخاصّة انّه توفّي و عمره ثلاث و ستون سنة (3).
(4)، فقد ولدت بمكّة بعد النبوّة بخمس سنين في العشرين من جمادى الاخرى يوم الجمعة (5)، و قيل ولدت بعد البعثة بسنتين (6). و روت العامّة انّ مولدها قبل البعثة بخمس سنين (7)، و الأوّل أظهر، لتسالمهم على أنّها كانت عند الهجرة بنت ثمان سنين، و انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هاجر بعد النبوة بثلاث عشرة سنة، فلو كانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين للزم ان تكون عند الهجرة بنت ثمان عشرة سنة، و هو مقطوع البطلان، و لو كانت ولادتها بعد النبّوة بسنتين للزم كونها عند الهجرة بنت احدى عشرة سنة، و هو أيضا مبيّن العدم، فتعيّن الأوّل.
و قد زوّجها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أمير المؤمنين عليه السّلام
ص:266
أوّل يوم من ذي الحجة (1)، و زفافها يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة بعد غزوة بدر، و هي قد دخلت حينئذ في السنة العاشرة من ولادتها، و الرواية الناطقة بإنّ تزويجها يوم السادس من ذي الحجة يراد بها الزفاف، فتجتمع الأخبار.
و أما وفاتها سلام اللّه عليها فالاقوال و الاخبار فيها مختلفة جّدا في أنفسها و لا تلايم أخبار الولادة، و لا أخبار مدّة عمرها، و لا أخبار مدّة مكثها بعد أبيها. أما ولادتها فقد سمعت ما ورد فيها، و اما وفاتها ففي المناقب لابن شهر اشوب (2)انّها لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة احدى عشرة من الهجرة، فيكون وفاتها على رواية الخاصة في وفاة أبيها بخمس و أربعين يوما ان كانت كلمة خلت بمعنى مضت، و بواحد و خمسين يوما ان كانت بمعنى بقيت، و عن دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري الامّامي (3)مسندا بسند قويّ عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّها قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء، لثلاث خلون منه، سنة احدى عشرة من الهجرة، و يوافقه ما عن مصباح الكفعمي (4)بل المصباحين (5)من انها توفيت في ثالث جمادى الآخرة، بل في البحار انّه المشهور، و عن ابن عباس أنها قبضت في الحادي و العشرين من رجب (6)، و عن العاصمي بإسناده عن محمد بن عمر انّها توفيت لثلاث ليال خلون من شهر رمضان (7).
ص:267
و أمّا مدّة عمرها، ففي موضع من الكافي انه ثمان عشرة سنة (1)، و في كشف الغمّة (2)عن الذارع انه ثمان عشرة سنة و شهر و عشرة أيام. و عن السيد المرتضى رحمه اللّه في عيون المعجزات انه ثمان عشرة سنة و شهران، و عن موضع آخر من الكافي (3)انه ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعون يوما (4)، و عن محمد بن اسحاق انه ثمان و عشرون سنة (5)قال: و قيل سبع و عشرون سنة، و في رواية ثلاث و عشرون سنة (6). ثم قال: و الأكثر على أنها بنت تسع و عشرين أو ثلاثين (7). و عن العاصمي بإسناده عن ابن عمر أنّها بنت تسع و عشرين سنة أو نحوها (8).
و أمّا مدّة مكثها بعد أبيها ففي كشف الغمّة انّها اربعون يوما (9). و رواها في محكي روضة الواعظين (10)و جعله القرماني اصح (11)، و رواه وهب بن منبه عن ابن عبّاس و عن الكافي (12)انّها اثنان و سبعون يوما. و عن كشف
ص:268
الغمّة (1)، و دلائل الامامة للطبري (2)، و عيون المعجزات للسيّد المرتضى انّها خمسة و سبعون يوما، و يوافق ذلك ما رواه في الكافي (3)صحيحا عن هشام بن سالم عن مولانا الصادق عليه السّلام، و في رواية أبي الفرج عن الباقر عليه السّلام انّها ثلاثة اشهر 4، و في قول-كما في المناقب 5-انّها اربعة اشهر، و في رواية عاميّة انّها ستة اشهر 6، و عن أبي الفرج في مقاتل الطالبيين 7انّها ثمانية اشهر.
انظر ايّها النيقد البصير إلى اختلاف هذه الاقوال و الاخبار في كلّ مرتبة، و اختلاف بعضها مع بعض.
و أمّا اخبار مدّة عمرها فلا تكاد تلتئم مع اخبار وفاتها بوجه، لانّه اذا كانت ولادتها في العشرين من جمادى الآخرة لزم ان يكون وفاتها على رواية الكافي المزبورة في مدة عمرها في العشرين من جمادى الآخرة و لا قائل به، و على رواية كشف الغمة عن الذارع في آخر رجب و لا قائل به أيضا، و على رواية علم الهدى في العشرين من شعبان و لا قائل به ايضا، و على رواية موضع آخر من
ص:269
الكافي في خامس شهر رمضان و لا قائل به أيضا، . . إلى غير ذلك من الاقوال.
و امّا اخبار مدّة مكثها بعد ابيها صلّى اللّه عليه و آله فعلى رواية الاربعين يلزم ان يكون وفاتها على رواية الخاصة في وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في سابع أو ثامن من ربيع الثاني، و على رواية الجمهور في الثاني و العشرين منه، و على هذا الحساب باقي رواياتهم في وفاته صلّى اللّه عليه و آله، و على رواية مكثها اثنين و سبعين يوما بعده، فعلى رواية الخاصّة في وفاته صلّى اللّه عليه و آله، يصادف وفاتها عاشر جمادى الأولى، و على رواية مكثها خمسة و سبعين بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلم يصادف وفاتها ثالث عشر جمادى الاولى، و على رواية أبي الفرج في مدّة المكث يصادف وفاتها الثامن و العشرين من جمادى الاولى، و على القول المحكي في المناقب يصادف الثامن و العشرين من جمادى الاخرى، و على الرواية العاميّة يصادف الثامن و العشرين من شعبان، و يوافق ذلك ما مرّ من رواية العاصمي في تاريخ وفاتها ان كانت الشهور كلّها ناقصة، و يقرب منها ان كان بعضها ناقصا، و على رواية اخرى لابي الفرج في مدّة المكث يصادف وفاتها الثامن و العشرين من شوال. . إلى غير ذلك من الاختلافات بين الاقوال و الاخبار و الاضطراب فيها، بل قد وقع الاضطراب في كلام شخص واحد بين صدره و ذيله، مثل قول ابن شهر اشوب في محكي المناقب (1)قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لها يومئذ ثمان عشرة سنة و سبعة أشهر، و عاشت بعده اثنين و سبعين يوما، و يقال: خمسة و سبعين يوما. . ، إلى أن قال: و توفيت ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة. فإن لازم كونها عند وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنت ثمان عشرة سنة و سبعة أشهر هو كون ولادتها في أواخر رجب أو أوائل شعبان و لا
ص:270
قائل به، و أيضا لازم مكثها عليها السّلام بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اثنين أو خمسة و سبعين يوما على رواية الخاصّة في وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو كون وفاتها عليها السّلام في عاشر ربيع الثاني، أو ثالث عشرة، و على رواية الجمهور في الرابع و العشرين من جمادى الأولى، أو السابع و العشرين منه، و كلاهما مناف لما ذكره من كون وفاتها عليها السّلام في ثالث عشر ربيع الآخر إلاّ انّ يكون قد اشتبه قلمه الشريف فاثبت ربيع الآخر بدل جمادى الأولى، و هو كما ترى.
و الذّي يترجّح في النظر القاصر انّ وفاتها سلاّم اللّه عليها في الثالث من جمادى الآخرة لرواية أبي بصير المتقدّمة الناصّة بيوم الوفاة من دون إبهام و لا تعليق على مدّة مكثها بعد أبيها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و خلّو باقي الأقوال عن مستند معتمد، و عدم صحّة باقي الأخبار لكونها عاميّة إلاّ صحيحي هشام و أبي عبيدة، و لا ينبغي التأمّل في انّ قوي أبي بصير أرجح منهما لاعتضاده بالشهرة التي حكاها في البحار، و رواية مصباح الكفعمي، و المصباحين، و نصوصيّته و ابهامهما من جهة عدم التعرّض لنقص الشهور الثلاثة كلا أو بعضا أو تمامهما مع احتمالهما كون السبعين محرّف التسعين لتقارب الكلمتين كتبا، سيّما في الخط الكوفي المرسوم سابقا، و عليه فتوافق الصحيحتان القّوي، و اللّه العالم.
و في مدفنها احتمالات:
أحدها: انّه البقيع.
الثاني: انّه بين القبر الشريف و المنبر.
الثالث: انّه دارها خلف قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و الذّي جزمت به عند تشرّفي لزيارتها هو الثالث، و اللّه العالم.
فقد ولد في يوم الثلاثاء في منتصف شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة
ص:271
على ما أفاده الكليني رحمه اللّه في الكافي (1)، و الشيخ رحمه اللّه في التهذيب (2)، و الشهيد رحمه اللّه في الدروس (3)، أو سنة ثلاث من الهجرة على ما أفاده المفيد في الأرشاد (4)، و الكفعمي في مصباحه (5)، و ابن شهرآشوب في محكى المناقب (6)، و هو المحكي عن كشف الغمة (7).
و توفي مسموما يوم الخميس من شهر صفر سنة تسع و أربعين من الهجرة (8)، و مضى و هو ابن سبع و أربعين سنة كما في الكافي (9)، و التهذيب (10)، و كذا ارشاد المفيد (11)، مع زيادة: أو سنة خمسين من الهجرة عن سبع و أربعين أو ثمان. و أقتصر الكفعمي على ذكر سنة الخمسين.
و في يوم وفاته من شهر صفر قولان: ففي ارشاد المفيد و عن الكفعمي (12)انه سابع صفر و في الكافي (13)، و محكي كشف الغمّة (14)انه آخره، و زاد في الثاني
ص:272
انّه يوم الخميس، و عن المناقب انه لليلتين بقيتا من شهر صفر (1).
و قاتلته زوجته جعدة بنت محمد بن الأشعث لعنها اللّه تعالى، سمّته بسمّ دفعه إليها معاوية مع عشرة آلاف دينار، و أقطاع عشر ضياع من سقي سور أو سواد الكوفة ففعلت، لعنة اللّه عليه و عليها (2).
فالأشهر انّه ولد يوم الخميس، و قيل: يوم الثلاثاء، و عليهما فعن اعلام الورى (3)، و مصباح الكفعمي (4)، و غيرهما انّه ثالث شعبان، بل في البحار (5)انه الأشهر، و وردت به روايتان احداهما عن الصادق عليه السّلام. و عن ارشاد المفيد (6)، و المناقب، و كشف الغّمة (7)و مصباح الشيخ (8)، انه خامس شعبان، و هو المحكي عن ابن نما رحمه اللّه (9)، و عن التهذيب (10)، و الدروس، انّه آخر ربيع الأوّل، و مستند هذا القول ما ثبت و أشتهر بين الفريقين من كون ولادة
ص:273
الحسن عليه السّلام في منتصف شهر رمضان، بضميمة ما ورد صحيحا من ان بين ولادتيهما لم يكن إلاّ ستة أشهر و عشرة أيام، لكن ذلك معارض بما ورد من ان بين ولادتيهما عشرة أشهر و عشرون يوما.
ثمّ انّ في سنة ولادته أيضا خلافا، فعن المناقب (1)و اعلام الورى (2)و كشف الغمة (3)و الارشاد (4)و الشيخ رحمه اللّه في المصباح (5)و ابن نما (6)انّه سنة اربع من الهجرة. و عن التهذيب (7)و الكافي (8)و الدروس انّه سنة ثلاث من الهجرة، و نقل ابن نما رحمه اللّه (9)قولا بان مولده عليه السّلام لخمس خلون من جمادى الاولى سنة اربع من الهجرة.
و مضى قتيلا يوم عاشوراء عاشر محرم، و هو يوم الجمعة (10)، أو السبت (11)،
ص:274
أو الاثنين (1)بعد صلاة الظهر بطف كربلا سنة ستّين من الهجرة (2)، و يقال سنة احدى و ستين (3)، و على هذا فعمره الشريف سته و خمسون سنة و خمسة أشهر كما هو أحد الاقوال (4)، و قيل ثمان و خمسون (5)، و قيل: سبع و خمسون و خمسة أشهر (6)، و قيل: خمسون كملا (7)، و مدّة امامته احدى عشرة سنة (8).
و امّه شهربانو شاه زنان بنت يزدجر شهريار كسرى، فقد ولد في خلافة جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام بالمدينة يوم الخميس كما عن كشف الغمّة (9)، و المناقب (10)و الفصول المهمّة (11)أو يوم الجمعة كما عن روضة الواعظين (12)و اعلام الورى (13)، أو يوم الأحد كما عن الدروس (14)خامس شعبان كما عن
ص:275
كشف الغمّة (1)و الفصول (2)و الدروس (3)، أو تاسعه كما عن الروضة (4)و المناقب (5)، أو سابعه على قول، أو ثامنه على قول آخر، و عن اعلام الورى (6)انّه في منتصف جمادى الآخرة (7)، و عن المصباحين (8)و مصباح الكفعمي (9)و اقبال الاعمال (10)انّه في منتصف جمادى الاولى، و سنته سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة كما عن ارشاد المفيد (11)و الكافي (12)و كشف الغمّة (13)و المناقب (14)و مصباح الكفعمي (15)و روضة الواعظين (16)و التذكرة (17)
ص:276
و الدروس (1)و الفصول المهمّة (2)و الدرر و الذخيرة (3)و غيرها قبل وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام بسنتين كما عن الارشاد (4)، و كشف الغمّة (5)و المناقب (6)و غيرها، و في رواية انّ وفاته في سنة سبع و ثلاثين (7). و عن المصباحين (8)انّها سنة ست و ثلاثين.
و بقى سلام اللّه عليه بعد ابيه ثلاثا و ثلاثين سنة على ما عن كشف الغمّة (9)، أو أربعا و ثلاثين سنة على ما عن الارشاد (10)، و المناقب (11)، أو خمسا و ثلاثين سنة على ما عن الكافي (12)و اعلام الورى (13).
و قضى سلام اللّه عليه مسموما يوم السبت كما عن المناقب (14)و روضة
ص:277
الواعظين (1)و الدروس (2)و اعلام الورى (3)ثامن عشر محرّم الحرام كما عن كشف الغمّة (4)و كفاية الطالب (5). و يوافقه ما عن المناقب (6)من انّه لاحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم أو لاثنتي عشرة ليلة. و عن الدروس انّه قبض في ثاني عشر محرّم (7)، و عن مصباح الشيخ رحمه اللّه (8)و تاريخ المفيد (9)و الكفعمي (10)انّه في الخامس و العشرين من المحرم، و عن الجدول انّه في الثاني عشر منه (11).
و دفن بالبقيع عند عمّه الحسن، و كان عمره الشريف سبعا و خمسين سنة كما عن الكافي (12)و الارشاد (13)و الكشف (14)و اعلام الورى (15)و روضة الواعظين (16)
ص:278
و الدروس (1)، و قيل: تسع و خمسون سنة و اربعة اشهر و ايام (2).
و مدّة امامته ثلاث و ثلاثون سنة كما عن الكشف (3)، أو أربع و ثلاثون كما عن الارشاد (4)و المناقب (5)، أو خمس و ثلاثون كما عن الكافي (6)و اعلام الورى (7).
و امّه ام عبد اللّه فاطمة بنت الحسن، و قيل ام عبدة (8)، فهو علويّ بين علويّين، ولد عليه السّلام بالمدينة يوم الجمعة كما عن اعلام الورى (9)و المصباحين (10)و شواهد النبوة و تاريخ الغفاري، و نطقت به رواية جابر الجعفي (11)، بل هو الاشهر، أو يوم الثلاثاء كما عن المناقب (12)و روضة
ص:279
الواعظين (1)، أو يوم الاثنين كما عن الكفعمي (2)و الشهيد في الدروس (3)، ثالث صفر كما عن الكفعمي (4)و الفصول المهمّة (5)، و شواهد النبوّة، سنة سبع و خمسين كما عن اعلام الورى (6)و المصباحين (7)و الارشاد (8)و الكافي (9)و روضة الواعظين (10)و المناقب (11)و كشف الغمّة (12)و الفصول المهمّة (13)و شواهد النبوّة، و به نطقت رواية جابر، و عن الكفعمي انّه ولد سنة تسع و خمسين.
و قبض سلام اللّه عليه مسموما يوم الاثنين كما عن الكفعمي (14)و الدروس (15)في ذي الحجة كما عن المناقب (16)و اعلام الورى (17)و روضة
ص:280
الواعظين (1)، في السابع منه كما عن الكفعمي و الدروس (2)، و قيل: في ربيع الأوّل، و قيل: في ربيع الثاني (3)، سنة مائة و اربع عشرة كما عن الارشاد (4)و الكافي (5)و المناقب (6)و اعلام الورى (7)و روضة الواعظين (8). و سنة مائة و ست عشرة كما عن الكفعمي (9)، أو سنة مائة و سبع عشرة كما عن كشف الغمّة (10)و الفصول المهمّة (11). و عمره الشريف سبع و خمسون كما عن الكافي (12)و اعلام الورى (13)و المناقب (14)و روضة الواعظين (15)و الكفعمي (16)، أو ثمان و خمسون كما عن الفصول المهمّة (17). و قيل ستون (18). و قيل: ثمان
ص:281
و ستون.
و مدّة امامته عليه السّلام ثمان عشرة سنة كما عن المناقب (1)و اعلام الورى (2)، و في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام انّ مدّة امامته تسع عشرة سنة و شهران (3).
و قد سمّه هشام عليه لعائن اللّه، و دفن عليه السّلام بالبقيع.
و امّه فاطمة امّ فروة ابنة القاسم بن محمد، فقد ولد بالمدينة يوم الاثنين كما عن الكفعمي (4)و الدروس (5)، أو يوم الجمعة عند طلوع الفجر كما عن المناقب (6)، و روضة الواعظين (7)سابع عشر ربيع الأول كما عن كشف الغمّة (8)و روضة الواعظين (9)المناقب (10)و اعلام الورى (11)، و الدروس (12)، أو في غرّة رجب كما عن
ص:282
الكفعمي (1)في موضع آخر، سنة ثلاث و ثمانين كما عن الكافي (2)، و الارشاد (3)، و المناقب (4)، و روضة الواعظين (5)و اعلام الورى (6)، و الدروس (7)، و الكفعمي (8)و ابن الخشاب (9)، و قيل: سنة ست و ثمانين (10)، و عن محمد بن طلحة، و الحافظ عبد العزيز (11)سنة الثمانين.
و قبض مسموما يوم الاثنين كما عن الكفعمي (12)و الشهيد في الدروس (13)، منتصف رجب كما عن اعلام الورى (14)و الكفعمي (15)، أو في شهر شوال كما
ص:283
عن الكافي (1)و الارشاد (2)، و المناقب (3)، و روضة الواعظين (4)، سنة مائة و ثمان و أربعين كما عن الكافي (5)، و الارشاد (6)، و روضة الواعظين (7)و المناقب (8)و اعلام الورى (9)و الدروس (10)، و الكفعمي (11)و ابن الخشاب (12). و دفن بالبقيع و عمره الشريف خمس و ستون سنة كما عن الارشاد (13)، و المناقب (14)، و اعلام الورى (15)و الدروس (16). و ابن الخشاب (17). و قيل: ثمان و ستون حكي ذلك عن الفصول
ص:284
المهمة (1)و محمد بن طلحة. و قيل: خمسون سنة (2).
و مدّة امامته عليه السّلام أربع و ثلاثون كما عن الارشاد (3)و المناقب (4)و قد سمّه المنصور عليه اللعنة و العذاب.
و امّه حميدة البربريّة المصفّاة، فالمشهور انّه ولد بالأبواء منزل بين مكّة و المدينة (5)، و قال الحافظ عبد العزيز انّه ولد بالمدينة (6)، و الأوّل أصحّ، و قد ولد يوم الأحد كما عن الكافي (7)و المناقب (8)و الدروس (9)، سابع عشر شهر صفر كما عن الكافي (10)و الدروس (11)، سنة مائة و ثمان و عشرين كما عن الكافي (12)
ص:285
و كشف الغّمة (1)و المناقب (2)و اعلام الورى (3)و الدروس (4)، و قيل سنة مائة و تسع و عشرين (5).
و قبض مسموما يوم الجمعة كما عن روضة الواعظين (6)، الخامس و العشرين من رجب كما هو ظاهر ما في العيون (7)من رواية سليمان بن حفص الناصّة بأنّه عليه السّلام قبض لخمس ليال بقين من رجب، و ما عن كشف الغمّة (8)، و اعلام الورى (9)و الحافظ عبد العزيز (10)، من انه قبض لخمس بقين من رجب بناء على إرادة الليالي، و إليه يرجع ما في المناقب (11)و الدروس (12)و الروضة (13)من انّه لست بقين من رجب بناء على احتساب الأيّام. و يمكن ارجاع ما في الكافي و الارشاد من انّه لست خلون من رجب إليه، بناء على كون خلون بمعنى
ص:286
بقين و إلاّ كان سادس رجب، كما انّه بناء عليه يكون على ما في العيون (1)أيضا من انه لخمس خلون من رجب في خامس رجب، سنة مائة و ثلاث و ثمانين كما عن الكافي (2)، و روضة الواعظين (3)، و الدروس (4)و المناقب (5)و كشف الغمة (6)و اعلام الورى (7)، و الحافظ عبد العزيز (8)، و قيل: سنة مائة و ست و ثمانين (9). و عن اقبال الاعمال (10): سنة تسع و ثمانين و مائة، و قد سمّه الرشيد لعنه اللّه على يد السندي بن شاهك في حبسه، و دفن بمقابر قريش في جنب بغداد، و عمره الشريف خمس و خمسون سنة كما عن اعلام الورى (11)و كشف الغمة (12)، و عن الكافي (13)و المناقب (14)أربع و خمسون سنة، و مدّة امامته خمس و ثلاثون سنة كما
ص:287
و امّه أمّ البنين، و اسمها: الخيزران المرسية، أو سكينة أو سكنة أو نجمة أو شقراء النوبية، فقد ولد عليه السّلام بالمدينة يوم الجمعة كما عن المناقب (3)، و اعلام الورى (4)، و روضة الواعظين (5)و الحافظ عبد العزيز (6)، أو يوم الخميس كما عن الكفعمي (7)، و العيون (8)نقلا عن جمع من أهل المدينة، حادي عشر ذي القعدة الحرام كما عن الكفعمي (9)و روضة الواعظين (10)و اعلام الورى (11)و الحافظ عبد العزيز (12)، أو حادي عشر ذي الحجة كما عن كشف الغّمة (13)، أو حادي عشر ربيع الأول كما عن المناقب (14)، سنة مائة و ثمان
ص:288
و أربعين كما عن الكافي (1)و الارشاد (2)و اعلام الورى (3)و روضة الواعظين (4)و الدروس (5)و الكفعمي (6)، أو سنة مائة و ثلاث و خمسين كما عن كشف الغمّة (7)و المناقب (8)و الحافظ عبد العزيز (9)، أو سنة مائة واحدى و خمسين على قول (10).
و قبض عليه السّلام مسموما يوم الجمعة كما عن روضة الواعظين (11)و المناقب (12)و الذخيرة (13)، أو يوم الثلاثاء كما عن الكفعمي (14)، أو يوم الاثنين كما قيل في شهر صفر كما عن الكافي (15)و الارشاد (16)و الدروس (17)، في السابع
ص:289
عشر منه كما عن الكفعمي (1)و المناقب (2)و الذخيرة (3)، أو لسبع بقين من شهر رمضان كما عن بعضهم (4)أو لتسع بقين منه كما حكاه في العيون (5)عن جمع من أهل المدينة، أو غرتّه كما عن المناقب و الذخيرة سنة ثلاث و مائتين كما عن الكافي (6)، و الارشاد (7)، و روضة الواعظين (8)، و الدروس (9)، و الكفعمي (10)، و الطبرسي (11)، أو سنه مائتين و ست كما عن كشف الغّمة (12)و الحافظ عبد العزيز (13)، أو سنة اثنتين بعد المائتين كما عن كتاب مواليد الأئمة (14)، و المناقب (15)، و الذخيرة (16). و كان عمره الشريف خمسا و خمسين سنة كما عن الكافي (17)،
ص:290
و الارشاد (1)، و روضة الواعظين (2)، و الطبرسي (3)، او احد و خمسين سنة كما عن الكفعمي (4)، أو تسعا و أربعين سنة و أشهرا كما عن كشف الغمّة (5)، و موضع آخر من الكافي (6)، و مدّة امامته عشرون سنة كما عن المناقب (7).
و قد سمّه المأمون عليه لعائن اللّه تعالى، و دفن بطوس و خراسان في القّبة التي فيها هارون إلى جانبه ممّا يلي القبلة و هي دار حميد بن قحطبه الطائيّ في قرية يقال لها: سناباد من رستاق نوقان.
و امّه أمّ ولد يقال لها: سبيكة النوّبية أو درّه، و كانت مريسيه، و كانت من أهل بيت مارية القبطيّة.
ولد بالمدينة ليلة الجمعة كما عن المناقب (8)، و كشف الغّمة (9)، و روضة الواعظين (10)، و تاريخ الغفاري، و ابن عياش (11)، في شهر رمضان كما عن
ص:291
الكافي (1)، و اعلام الورى (2)، و الدروس (3)، في التاسع عشر منه كما عن الارشاد (4)و كشف الغّمة (5)و المناقب (6). و عن تاريخ الغفاري في النصف منه، أو في السابع عشر منه كما عن اعلام الورى (7)، أو لعشر خلون من رجب كما عن ابن عياش (8)، أو عاشر رجب كما قيل (9)، سنة مائة و خمس و تسعين كما عن الكافي (10)، و الارشاد (11)، و المناقب (12)، و كشف الغمة (13)، و روضة الواعظين (14)و الدروس (15)و اعلام الورى (16).
ص:292
و قبض مسموما يوم السبت على قول (1)، أو يوم الثلاثاء كما عن دلائل الحميري (2)، و محمد بن سعيد (3)، و ابن الخشّاب (4)، في ذي القعدة كما عن الارشاد (5)، أو في آخره كما عن الكافي (6)، و المناقب (7)، و الروضة (8)و اعلام الورى (9)، و الدروس (10)، أو حادي عشر على قول، أو خامسه على قول آخر (11)، أو في ذي الحجة كما عن كشف الغّمة (12)، و ابن الخشاب (13)، أو لست خلون من ذي الحجة كما عن دلائل الحميري (14)، سنة مأتين و عشرين
ص:293
كما عن الكافي (1)، و الارشاد (2)، و المناقب (3)، و كشف الغّمة (4)، و اعلام الورى (5)، و روضة الواعظين (6)، و الدروس (7)و دلائل الحميري (8)، أو سنة مائتين و ست.
و كان عمره الشريف خمسا و عشرين سنة، كما عن الارشاد (9)، و المناقب (10)، و كشف الغّمة (11)، و اعلام الورى (12)، أو خمسا و عشرين سنة و شهرين و ثمانية عشر يوما كما عن الكافي (13)، أو خمسا و عشرين سنة و ثلاثة أشهر و أثنى عشر يوما كما عن دلائل الحميري (14)، و ابن الخشاب (15).
ص:294
و مدّة امامته سبع عشرة سنة كما عن الارشاد (1)و المناقب (2)، و اعلام الورى (3)، و قيل تسع عشرة سنة إلاّ خمسا و عشرين يوما (4).
و قد سمّه المعتصم أو الواثق لعنهما اللّه تعالى، و دفن بمقابر قريش عند جدّه باب الحوائج عليهما السّلام.
صلوات اللّه عليهما.
و امّه أم ولد يقال لها: سمانة المغربيّة، و لقبها: السيّدة، و كنيتها: أمّ الفضل، و يسمى هو و ولده عليه السّلام بالعسكريّ، لأنّ المحلة التي كانا يسكناها من سرّ من رأى كانت تسمى عسكرا، و ألقابه: الهادي، و المتوكّل، و الناصح، و المفتاح، و النقيّ، و المرتضى.
ولد عليه السّلام بصريا (5)، من المدينة المشّرفة (6)، يوم الثلاثاء كما عن روضة الواعظين (7)، و إبراهيم بن هاشم القمي، و ابن عياش (8)، أو يوم
ص:295
الجمعة كما عن كشف الغّمة (1)، منتصف ذي الحجة كما عن الكافي (2)، و الارشاد (3)، و روضة الواعظين (4)، و الدروس (5)، و المناقب (6)، و اعلام الورى (7)، أو في السابع و العشرين منه كما عن مصباح الشيخ روايته (8)، أو ثاني رجب كما عن كشف الغّمة (9)، أو خامسه كما عن موضع آخر منه (10)، أو لثلاث عشرة خلون من رجب كما عن إبراهيم بن هاشم روايته، سنة مائتين و اثنتي عشرة كما عن الكافي (11)، و الارشاد (12)، و المناقب (13)، و اعلام الورى (14)، و روضة
ص:296
الواعظين (1)، و كشف الغمة (2)، و الدروس (3)، أو سنة مائتين و أربع عشرة كما عن كشف الغمة (4)و ابن عياش (5)، و الحافظ عبد العزيز (6)، و عن ابراهيم بن هاشم، روايته (7).
و قبض عليه السّلام مسموما يوم الاثنين كما عن المصباح (8)و الدروس (9)و مروج الذهب (10)، ثالث رجب كما عن كشف الغمّة (11)و المصباح (12)و الدروس (13)، أو لخمس ليال بقين من جمادى الآخرة كما عن موضع آخر منه (14)، أو لثلاث ليال بقين منه نصف النهار (15)على ما في روضة
ص:297
الواعظين (1)، أو لأربع بقين منه كما في الكافي (2)و مروج الذهب (3)سنة مائتين و أربع و خمسين كما عن الارشاد (4)و روضة الواعظين (5)و الدروس (6)و كشف الغمّة (7)، و اعلام الورى (8)، و مروج الذهب (9)، و مدّة عمره الشريف اربعون سنة كما عن كشف الغمّة (10)، و مروج الذهب (11)، و ابن عياش (12)، و الحافظ عبد العزيز (13)، أو احدى و أربعون سنة على رواية إبراهيم بن هاشم (14)، أو بزيادة ستة أشهر كما عن الارشاد (15)أو سبعة أشهر كما عن روضة الواعظين (16)، أو
ص:298
اثنتان و أربعون سنة كما قيل (1)، و مدّة امامته ثلاث و ثلاثون سنة كما عن الارشاد (2)، و روضة الواعظين (3)، أو مع زيادة أشهر كما عن كشف الغمة (4)، و اعلام الورى (5)، و كان سنّي امامته عليه السّلام بقيّة ملك المعتصم، ثمّ الواثق، و المنتصر، و المستعين، و المعتز.
و قد سمّه المعتمد أو المعتز لعنهما اللّه تعالى و دفن بسر من رأى في داره.
و أمّه أمّ ولد يقال لها: حديثة كما عن الارشاد (6)، أو حديث كما عن المناقب (7)، و اعلام الورى (8)و الدروس (9)، أو سليل كما عن عيون المعجزات (10)، أو سوسن كما قيل (11)، أو حريبة على قول آخر (12).
و لقبه عليه السّلام الصامت، و الهادي، و الرفيق، و الزكي، و النقي،
ص:299
و الخالص، و السراج، و العسكري.
ولد بالمدينة على ما صرّح به جمع (1)، و بسر من رأى على قول (2)، يوم الجمعة كما عن المناقب (3)و اعلام الورى (4)، أو يوم الاثنين كما عن الكفعمي (5)في شهر ربيع الآخر (6)كما عن الارشاد (7)، في الثامن منه كما عن الكشف (8)، عن محمّد بن طلحة، أو في ربيع الثاني كما عن الكافي (9)و دلائل الحميري (10)، و اقبال الاعمال (11)و الدروس (12)، في العاشر منه كما عن المصباحين (13)، أو في الرابع منه كما عن الكفعمي (14)، أو في الثامن منه كما عن
ص:300
المناقب (1)، و أعلام الورى (2)، و الحافظ عبد العزيز (3)، سنة مائتين [و اثنتين] و ثلاثين كما عن الارشاد (4)، أو سنة احدى و ثلاثين و مائتين كما عن الكشف (5)عن محمّد بن طلحة (6)، و عيون المعجزات (7)، و ابن الخشاب (8)، و الحافظ عبد العزيز (9)، أو سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين، كما عن الكافي (10)، و دلائل الحميري (11)، و اعلام الورى (12)، و الكفعمي (13).
و قبض عليه السّلام مسموما يوم الجمعة كما عن الارشاد (14)، و روضة
ص:301
الواعظين (1)، و دلائل الحميري (2)و اكمال الدين (3)و الكفعمي (4)و ابن الخشاب (5)، أو يوم الأحد كما عن الدروس (6)، أو يوم الأربعاء، على قول (7)لثمان خلون من ربيع الأول كما عن الارشاد (8)، و إكمال الدين (9)، و دلائل الحميري (10)، و الدروس (11)، و الكفعمي (12)، و ابن الخشاب (13)، بل في البحار انّه المشهور، أو أوّل يوم منه كما عن المصباحين (14)، و الكفعمي (15)، أو في ربيع الثاني كما عن عيون المعجزات (16)، سنة ستين و مائتين كما عن الارشاد (17)، و اكمال
ص:302
الدين (1)، و مروج الذهب (2)، و عيون المعجزات (3)، و ابن الخشاب (4)، و الحافظ عبد العزيز (5)، و الكفعمي (6). نقلا عن محمّد بن طلحة (7).
و عمره الشريف تسع و عشرون كما عن إكمال الدين (8)، و المناقب (9)، و مروج الذهب (10)، و عيون المعجزات (11)، و ابن الخشاب (12)، و الكفعمي (13)، عن محمّد بن طلحة (14)، أو ثمان و عشرون سنة كما عن الارشاد (15)، و دلائل المعجزات، و الدروس (16)، و الحافظ عبد العزيز (17).
و مدّة امامته ست سنين كما عن اعلام الورى (18)، أو خمس سنين و أشهر
ص:303
كما عن روضة الواعظين (1)، و الكفعمي (2)، عن محمّد بن طلحة (3).
و كان سنّي امامته في بقيّة ملك المعتزّ، ثمّ المهتدي، و المعتمد.
و قد سمّه المعتمد أو المعتضد عليهما اللعنة و العذاب، و دفن بسر من رأى عند أبيه عليهما السّلام.
و امّا الامام المنتظر، و المهدي المظفّر، صاحب العصر و الزمان، و سلطان الوقت و الأوان، و خليفة الرّحمن، القائم أبو القاسم الحجّة بن الحسن عليه أفضل الصلاة و السّلام.
و أمّه نرجس خاتون و لها اسماء أخر: ريحانه، و صقيل، و سوسن، و خمط.
و قد ولد عليه السّلام يوم الجمعة منتصف شهر شعبان على أشهر الأقوال و الروايات (4)، و قيل: لثمان ليال خلون منه (5)، كما هو نصّ خبر المفضل، و في الارشاد: في الثالث و العشرين من شهر رمضان (6)، سنة مائتين و خمس و خمسين على ما نقل عن الكافي (7)، و الارشاد (8)، و جملة من الروايات، أو سنة ست
ص:304
و خمسين و مائتين كما عن اكمال الدين (1)و بعض الروايات (2)، أو سنة سبع و خمسين و مائتين كما في خبر المفضل الطويل (3).
و عمره الشريف عند فوت ابيه خمس سنين، آتاه اللّه سبحانه فيه الحكمة و فصل الخطاب، و جعله امام أولى الألباب، و جعله آية للعالمين كما اوتي الحكمة يحيى صبيّا، و جعل عيسى بن مريم في المهد نبيّا، و له غيبتان:
إحداهما: من ايام وفاة أبيه عليه السّلام، و هي الصغرى، الّتي مدّتها ثمان أو تسع و ستون سنة إلاّ شهرا لانّ وفاة مولانا العسكري على أصحّ الروايات و أشهرها في شهر ربيع الأوّل سنة مائتين و ستين كما عرفت، و موت السمري الذي هو آخر السفراء و بموته وقعت الغيبة الكبرى التي هي أعظم البلايا و المحن، و أشدّ المصائب و الفتن منتصف شعبان سنة ثلاثمائة و ثمان أو تسع و عشرين على ما صرّح به جمع، و بين التاريخين ثمان أو تسع و ستون سنة، فما قيل من انّ الغيبة الصغرى أربع و سبعون سنة اشتباه بلا شبهة إلاّ ان يحسبها من سنة الولادة فإنّه يتمّ على أحد التاريخين في وفاة السمري و ينقص سنة على الآخر، و كذا اشتبه من قال انّه عجّل اللّه تعالى فرجه كان عند الغيبة الكبرى ابن عشرين سنة، فإنّ لازمه كون الغيبة الصغرى خمس عشرة سنة، و هو كما ترى.
و أمّا الغيبة الكبرى، فلا يعلم مدّتها الاّ اللّه سبحانه و تعالى، و يلزمنا ان نسأل اللّه الكريم المنّان ان يعجّل فرجه، و يسهّل مخرجه، و يجعلنا من خدمه و اعوانه، و يميتنا على ولايته و ولاية آبائه الطّاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين و لعنته على أعدائهم الى يوم الدّين.
ص:305
روى في العلل (1)خبرا عن [ابن ]أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي يتضمن السؤال عن اشياء من مولانا الباقر عليه السّلام من جملتها وجه تسميته عليه السّلام بالقائم. قال: قلت: يا بن رسول اللّه فلستم كلّكم قائمين بالحق؟ قال: بلى، قلت: [فلم]سمّي القائم قائما، قال: لمّا قتل جدّي الحسين عليه السّلام ضجّت الملائكة الى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و النحيب، و قالوا: إلهنا و سيدنا اتغفل عمّن قتل صفوتك و ابن صفوتك و خيرتك من خلقك؟ ! فاوحى اللّه عزّ و جلّ اليهم: قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لانتقمن منهم و لو بعد حين، ثم كشف اللّه عزّ و جلّ عن الأئمّة من ولد الحسين عليهم السّلام للملائكة فسّرت الملائكة بذلك، فاذا أحدهم قائم يصلّي، فقال اللّه عزّ و جلّ: بذلك القائم أنتقم منهم.
يتضمّن امورا:
الأول: انّه يستحب عند سماع ذكر الحجّة المنتظر ارواحنا فداه وضع اليد على الرأس و القيام و الدعاء له بالفرج تأسّيا بالرضا عليه السّلام حيث انّه فعل ذلك، و أقلّ ما يدلّ عليه مثل هذا الفعل منه هو الاستحباب، اما الكبرى فواضحة، و امّا الصغرى فلما حكاه في اواخر جلد احوال الحجة المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه من الدمعة الساكبة في ذيل خبر المفضل الطويل عن الشيخ محمد بن عبد الجبار في كتاب مشكاة الانوار من انه قال: لما قرأ دعبل قصيدته المعروفه على الرضا عليه السّلام و ذكره عجّل اللّه تعالى فرجه، وضع الرضا عليه السّلام يده على رأسه و تواضع قائما و دعا له بالفرج.
و هل المسنون الاتيان بذلك عند مطلق ذكره عجّل اللّه تعالى فرجه او
ص:306
يختصّ بما عبّر عنه بالقائم عليه السّلام؟ المتعارف الآن هو الثاني و لكن الاظهر الاوّل، لخلوّ القصيدة عن تلك الكلمة، و انما الموجود فيها في اواخر القصيدة بعد تعداد مصائبهم.
فلو لا الذي ارجوه في اليوم أو غد تقطّع نفسي اثرهم حسرات
خروج امام لا محالة خارج يقوم على اسم اللّه و البركات
يميّز فينا كلّ حقّ و باطل و يجزى على النعماء و النقمات
الاّ ان يحتج بكلمة يقوم و هو كما ترى، و الاعتبار ايضا يساعد الاطلاق، و اللّه العالم.
الثاني: انه قد وقع الخلاف بين اصحابنا رضوان اللّه عليهم في تسميته عجّل اللّه تعالى فرجه في زمان الغيبة باسمه الذي هو اسم جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فعن الشيخ المفيد و الطبرسي و جمع التحريم، و عن المحقّق الخواجة نصير الدين الطوسي و كاشف الغمة و الشيخ البهائي و آخرين التجويز، و منشأ هذا الاختلاف اختلاف الاخبار، فوردت طائفة بالمنع من ذلك و اطلقت، مثل قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن رئاب: صاحب هذا الامر لا يسميه باسمه الاّ كافر (1).
و قوله عليه السّلام في خبر صفوان بن مهران حين قيل له: من المهدي من ولدك؟ ما لفظه عليه السّلام: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه و لا يحلّ لكم تسميته (2).
و قول الباقر عليه السّلام في خبر داود بن قسم الجعفري في حديث الخضر عليه السّلام: و اشهد على رجل من ولد الحسين لا يسمى و لا يكنّى حتى
ص:307
يظهر امره فيملأها عدلا كما ملئت جورا (1).
و قول الرضا عليه السّلام في خبر الريّان بن الصلت حيث سئل عليه السّلام عن القائم فقال: لا يرى جسمه و لا يسمى اسمه (2).
و قول الكاظم عليه السّلام في خبر محمد بن زياد الازدي في حديث في اوصاف الامام الثاني عشر: تخفى عن الناس ولادته و لا تحل لهم تسميته حتى يظهره اللّه فيملأ الارض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما (3).
و قول العسكرى عليه السّلام في خبر داود بن القاسم الجعفري: لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه قال: قلت: كيف نذكره؟ قال: قولوا الحجة من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله (4).
و قريب منه قول الهادي عليه السّلام في خبر عبد العظيم (5)، و قول الحجة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه في بعض توقيعاته: ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس (6)، و في آخر: من سمّاني في مجمع من الناس فعليه لعنة اللّه (7). . . الى غير ذلك من الاخبار المؤيّدة بتعبيرهم عليهم السّلام عنه في جملة من الاخبار بالحروف المقطّعة تارة، و بان اسمه اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخرى، و بالقائم في ثالثة، و بالمنتظر في رابعة، و نحو ذلك من الكنايات.
و قد حمل المانعون على ظاهر هذه الاخبار فاطلقوا القول بالتحريم.
ص:308
و اما من جوّز تسميته عليه السّلام في مثل هذا الزمان عند عدم التقيّة فقد حمل تلك الاخبار كلّها على التقية، و يشهد له أمور:
أحدها: ان التسمية لو كانت محرّمة حرمة ذاتيّة لما صدرت منهم عليهم السّلام، و قد استفاض ذلك منهم، فعن محمد بن ابراهيم الكوفي: انّ ابا محمد الحسن بن علي العسكري عليهم السّلام بعث الى بعض من سمّاه شاة مذبوحة و قال: هذه من عقيقة ولدي محمد (ع) (1).
و عن ابي غانم الخادم قال: ولد لابي محمد مولود فسمّاه محمّدا، و عرضه على اصحابه يوم الثالث، و قال: هذا صاحبكم من بعدي، و خليفتي عليكم، و هو القائم من بعدي (2).
و عن علاّن الرازى عن بعض اصحابنا انه لمّا حملت جارية ابي محمد عليه السّلام قال: ستحملين ولدا اسمه محمد، و هو القائم من بعدي (3).
و عن جابر انّه دخل على فاطمة سلام اللّه عليها و بين يديها لوح فيه اسماء الاوصياء من ولدها، فعدد اثنى عشر آخرهم القائم، ثلاثه منهم محمد و اربعة منهم عليّ (4).
و روى الباقر عليه السّلام في خبر ابي نصرة، عن جابر بن عبد اللّه، عن فاطمة عليها السّلام انه وجد معها صحيفة من درّة فيها أسماء الأئمّة من ولدها فقرأها. . الى ان قال: ابو القاسم محمد بن الحسن حجة اللّه على خلقه القائم، امّه جارية اسمها نرجس (5).
ص:309
و عن العسكرى عليه السّلام حين سئل عن الحجّة و الامام من بعده، قال عليه السّلام: ابني محمد هو الامام و الحجّة بعدي فمن مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية (1). . الى غير ذلك.
و توهّم ان تسميتهم عليه السّلام قبل غيبته لا ينافي مدّعى المانع من حرمة التسمية بعد غيبته مدفوع، بان تسميتهم عليهم السّلام له يكشف عن عدم حرمة تسميته ذاتا.
ثانيها: انّ جريان الاحكام الواردة في الاخبار في حقّنا انّما هو بمعونة قاعدة الاشتراك في التكليف، و هي انّما تجرى مع الاتّحاد في الصنف و الجهات، و من البيّن انّ المدركين زمان الأئمّة عليهم السّلام و زمانه قبل غيبته الكبرى قد كان فيهم ما فقد الآن-و هو خوف ايراث تسميته عليه السّلام لاطلاع العدو، و فحصه عنه، و الاهتمام في اتلافه كما اتلف اجداده-كما نصّ على التعليل بذلك محمد بن عثمان العمرى السفير حيث قيل له: انت رأيت الخلف؟ قال: اي و اللّه. . الى ان قيل له: فالاسم؟ قال: يحرم عليكم ان تسألوا عن ذلك، و لا اقول هذا من عندي، فليس لي ان احلّل و لا أحرّم، و لكن عنه عليه السّلام، فان الامر عند السلطان انّ ابا محمّد مضى و لم يخلّف ولدا. . الى ان قال: و اذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتّقوا اللّه و امسكوا عن ذلك (2)، بل هو عجّل اللّه تعالى فرجه لوّح الى هذا المعنى بتقييده المنع في الخبرين المزبورين عنه بمجمع من الناس و محفل من الناس، فمثل اخبار المنع المزبورة مثل قول الصادق عليه السّلام في خبر القاسم شريك المفضل خلق في المسجد يشهرونا و يشهرون انفسهم، اولئك ليسوا منّا و لا نحن منهم، انطلق فاواري و استتر فيهتكون
ص:310
ستري، هتك اللّه ستورهم، يقولون امام، و اللّه ما أنا بامام الاّ لمن أطاعني، فأمّا من عصاني فلست لهم بامام، لم يتعلّقون باسمى؟ الا يكفّون اسمي من افواههم، فو اللّه لا يجمعني اللّه و ايّاهم في دار (1).
و مثله ما ورد من المنع من تسمية عليّ و فاطمة عليهما السّلام عند من يتّقى منه، فروى عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: ايّاكم و ذكر عليّ و فاطمة، فانّ الناس ليس شىء ابغض اليهم من ذكر علي و فاطمة عليهما السّلام.
ثالثها: ان تلك الاخبار معارضة بالاحاديث الكثيرة المتضمّنة للتصريح باسم المهدي محمد بن الحسن، و الامر بتسميته عموما و خصوصا تصريحا و تلويحا، فعلا و تقريرا في النصوص و الزيارات و الدعوات و التعقيبات و التلقين و غير ذلك، فتحمل الاخبار المانعة على صورة الخوف عليه من التسمية كما في زمان ما قبل غيبته الكبرى، فيبقى مثل زماننا تحت الاصل المؤيّد بتلك الاخبار، فالقول حينئذ بالجواز هو الاظهر، و اللّه العالم.
بقي هنا شىء و هو انّ محلّ النزاع التسمية باسم (م ح م د) و ظاهر رواية ابي الجارود خلاف ذلك، حيث روى عن ابي جعفر عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام على المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان. . و ذكر صفة القائم و احواله. . الى ان قال: له اسمان اسم يخفى و اسم يعلن، فاما الذي يخفى فاحمد، و اما الذي يعلن فمحمّد، الحديث (2).
الثالث: انه روى الفريقان عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: لو لم يبق من الدنيا الاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث اللّه رجلا من
ص:311
اهل بيتي يواطي اسمه اسمى و اسمه ابيه اسم ابي يملأ الارض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما (1).
و قد اورد المخالفون الشبهة بهذا الخبر لان اسم ابي الحجه المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه هو الحسن عليه السّلام و اسم ابي النبي صلّى اللّه عليه و آله: عبد اللّه، فلا يكون المهدى هو ابن الحسن العسكرى بل يكون غيره.
و اجاب عن ذلك المحقق الاردبيلي رحمه اللّه بما حاصله على ما حكي: انّه قد ورد في الكلام الفصيح اطلاق لفظ الاب على الجد الاعلى قال اللّه سبحانه مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ (2)عليه السّلام، و قال سبحانه حكاية عن يوسف وَ اِتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ (3)الآية، و في حديث المعراج قلت: من هذا؟ قال: أبوك ابراهيم عليه السّلام (4). . إلى غير ذلك ممّا لا يعدّ و لا يحصى، و كذا ورد إطلاق الاسم على الكنية و الصفة، فروى الساعدي عن عليّ عليه السّلام انّه قال: و اللّه إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمّاني بأبي تراب و لم يكن إسم أحبّ إليه منه (5)، فأطلق الاسم على الكنية.
و اذ قد عرفت المقدمتين، و انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان له سبطان: أبو محمد الحسن، و أبو عبد اللّه الحسين عليهما السّلام، و كان الحجة عليه السّلام من ولد الثاني، ظهر لك معنى الخبر، و ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اطلق الاسم على الكنية لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه، و اطلق على الجد لفظ الأب، فكأنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: يواطي اسمه أسمي و هو ظاهر، و كنية
ص:312
جده اسم أبي إذ هو أبو عبد اللّه و أبي: عبد اللّه، فيكون في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم ايماء إلى انه عجل اللّه تعالى فرجه من ولد الحسين عليه السّلام لا الحسن عليه السّلام، فيكون من الكلام الموجز الجامع، و اللّه العالم.
في زيارة غير المعصومين من المؤمنين يستحب زيارة المؤمنين و الصلحاء-كما مرّ في الجهة الثالثة من المقام الخامس من مقامات الفصل العاشر في العشرة-و يستحب زيارة قبر كلّ مؤمن، و قد ورد انّ الميت يفرح بذلك (1)، و انه يدخل على الميت بوقوف قريبه على قبره نحو ما يدخل الانسان بوصول الهديّة اليه من الفرح (2)، و تتأكد زيارة قبور المؤمنين يوم الخميس و الاثنين و السبت (3).
و سنن الزيارة امور:
فمنها: طلب الحوائج عند قبر الوالدين (4).
و منها: السّلام على اهل القبور و الترحّم عليهم بالمأثور و غيره، فقد ورد انّ من ترحّم على اهل المقابر نجا من النار، و دخل الجنة و هو يضحك (5)، و من السّلام المأثور (بسم اللّه الرحمن الرحيم السّلام [عليكم يا]اهل لا اله الاّ اللّه، من [أهل]لا إله إلاّ اللّه، يا [أهل]لا إله إلاّ اللّه، بحقّ لا إله إلاّ اللّه، كيف
ص:313
وجدتم قول لا إله إلاّ اللّه، من لا إله إلاّ اللّه، يا لا إله إلاّ اللّه، بحقّ لا إله إلاّ اللّه، اغفر لمن قال لا إله إلاّ اللّه، و حشرنا في زمرة من قال لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه، عليّ وليّ اللّه) .
و قد ورد عن امير المؤمنين عليه السّلام: انّ من قال ذلك عند دخول المقابر كتب اللّه له عبادة خمسين سنة، و محى عنه و عن ابيه و عن امّه ذنوب خمسين سنة (1).
و منه ايضا: (السّلام على اهل الديار من المؤمنين و المسلمين انتم لنا فرط، و إنّا ان شاء اللّه بكم لاحقون) (2).
و منه ايضا: (السّلام عليكم اهل الديار من قوم مؤمنين و رحمة اللّه و بركاته، انتم لنا سلف، و نحن لكم تبع، رحم اللّه المتقدّمين منكم و المتأخّرين، و إنّا للّه و انّا اليه راجعون) (3).
و منها الدعاء لهم بالماثور و هو: (اللهمّ جاف الارض من جنوبهم، و صاعد اليك ارواحهم، و لقّهم منك رضوانا، و اسكن اليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم، و تونس به وحشتهم، انّك على كلّ شىء قدير) (4).
و ورد انّ احسن ما يقال عند المرور على المقابر: (اللهمّ ولّهم ما تولّوا و احشرهم مع من أحبّوا) (5).
و منها: عند قصد قبر خاص الوقوف خلفه مستقبل القبلة، و وضع اليد عليه، و الدعاء بالمأثور و هو «اللّهم ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته،
ص:314
و آمن روعته، و اسكن اليه من رحمتك رحمه يستغني بها عن رحمة من سواك، و ألحقه بمن كان يتولاّه» (1).
و منها: قراءة شىء من القرآن و اهداء ثوابه اليهم، فقد ورد انّ من قرأ آية من كتاب اللّه في مقبرة من مقابر المسلمين اعطاه اللّه ثواب سبعين نبيّا (2)، و انّ من كان بين القبور و قرأ «قل هو اللّه أحد» إحدى عشرة مرّة و اهدى ذلك لهم أثابه اللّه على عدد الاموات (3)، و انّه اذا قرأ المؤمن آية الكرسى و جعل ثواب قراءته لاهل القبور ادخله [اللّه تعالى]قبر كل ميت و يرفع اللّه للقارى درجة ستّين نبيّا (4)، و خلق اللّه من كلّ حرف ملكا يسبح له الى يوم القيامه (5)، و انّ من دخل المقابر و قرأ سورة يس خفّف اللّه عنهم يومئذ، و كان له بعدد من فيها حسنات (6)، و ان من قرأ سورة القدر سبعا على قبر المؤمن، أمن من الفزع الاكبر (7)، و يغفر اللّه له و لصاحب القبر، و يبعث اللّه تعالى اليه ملكا يعبد اللّه عند قبره، و يكتب للميت ثواب ما يعمل ذلك الملك، فاذا بعثه اللّه من قبره لم يمرّ على هول إلاّ صرفه اللّه عنه بذلك الملك حتّى يدخل به الجنة (8).
و ورد انّه يقرأ الحمد و المعوذّتين و التوحيد و آية الكرسى كلّ سورة ثلاث
ص:315
مرّات «و انّا انزلناه» سبعا (1).
و ورد انّ قراءة «تبارك الذي بيده الملك» هي المنجية من عذاب القبر (2)و انّ من زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده يس غفر اللّه له بعدد كلّ حرف منها.
و ظنّي-و اللّه العالم-انّ منشأ ما تعارف الآن من قراءة الفاتحة و الاخلاص للميت ما مرّ في المقام الأول ممّا نطق بأنّ ثواب قراءة الفاتحة ثواب ثلثي القرآن (3)، و ثواب قراءة الاخلاص ثواب ثلث القرآن (4)، فيكون قراءة حمد و اخلاص بمنزلة قراءة قرآن تامّ.
و يكره زيارة قبور المؤمنين بالليل لنهي النّبي صلّى اللّه عليه و آله أبا ذر عن ذلك، و لا يكره ذلك في زيارة قبور المعصومين عليهم السّلام لورود الاوامر بزيارتهم بالليل (5)، و الفرق انّهم ليسوا بأموات حقيقة بل هم أحياء عند ربّهم يرزقون، و يمكن الحاق الفقهاء العدول و نحوهم بهم في ذلك في وجه.
و يكره الضحك بين القبور، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: انّ اللّه تبارك و تعالى كره لأمّتي الضحك بين القبور، و التطلّع في الدور (6).
و قيل يكره وطء القبور، و يردّه ما عن الامام موسى بن جعفر عليهم
ص:316
السّلام من قوله: اذا دخلت المقابر فطأ القبور، فمن كان مؤمنا استراح الى ذلك، و من كان منافقا وجد المه (1).
و يتأكد استحباب زيارة قبر المؤمن فيمن كان من اهل القبور صاحب عزّ و شرف ديني كالانبياء و الاوصياء و العلماء و الصلحاء و الاخيار و ذرّية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خيار اصحابه و اصحاب الأئمة عليهم السّلام كسلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار و حذيفة و جابر و قنبر و ميثم و كميل و زرارة و نحوهم.
و قد ورد التاكيد في زيارة قبور عدّة من اولاد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2).
فمنهم: السيد الجليل عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، المدفون بالريّ، و قبره معروف الآن في بلدة قرب طهران تسمّى باسمه عليه السّلام، و نسبه يتّصل الى الامام المجتبى عليه السّلام بأربع وسائط، و علوّ مقامه و جلالة شأنه مصرح به في كتب الرجال (3)، و هو من اكابر المحدثين، و اعاظم العلماء، و الزهّاد، و العبّاد، و اهل الورع و التقوى، و من اصحاب الجواد و الهادي عليهما السّلام، و روى عنهما احاديث كثيرة، و قد امر الهادي عليه السّلام ابا حمّاد الرازي بالرجوع اليه فيما أشكل علمه من مسائل الحلال و الحرام.
و روى محمد بن يحيى عمّن دخل على أبى الحسن على بن محمد الهادي عليه السّلام قال: دخلت على أبي الحسن العسكرى عليه السّلام فقال لي: أين كنت؟ فقلت: زرت الحسين عليه السّلام فقال: اما انّك لو كنت زرت قبر عبد العظيم
ص:317
عندكم لكنت كمن زار الحسين بن على عليهما السّلام (1).
و عن على بن موسى الرضا عليه السّلام ان: من زار قبره وجبت له الجنّة (2).
و منهم: السيد الجليل حمزة بن الامام موسى عليه السّلام، المدفون قرب قبر السيد عبد العظيم.
و منهم: السيدة الجليلة المعظّمة فاطمة بنت الامام موسى عليه السّلام المدفونة بقم، و لها مزار معروف معظّم. و قد ورد عن الرضا عليه السّلام ان: من زارها عارفا بحقّها وجبت له الجنّة (3).
و ورد عن الهادى عليه السّلام: انّ من زار عمّتي بقم فله الجنة (4).
و عن الصادق عليه السّلام انّه قال-قبل ولادة الكاظم عليه السّلام لجمع من اهل الرّي-: انّ للّه تعالى حرما و هو مكّة، و ان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرما و هو المدينة، و انّ لامير المؤمنين عليه السّلام حرما و هو الكوفة، و ان لنا حرما و هو بلدة قم، و ستدفن فيه امرأة من أولادي تسمّى: فاطمة: فمن زارها وجبت له الجنة (5).
و قد ورد عن الرضا عليه السّلام لها زيارة مذكورة في بحار الأنوار و بعض
ص:318
كتب المزارات (1).
و قد دفنت مع فاطمة اخواتها زينب و ام محمد و عدّة اخرى من الهاشميات من بنات الجواد عليه السّلام و غيرهن (2).
و دفن ايضا بقم موسى المبرقع بن الجواد عليه السّلام، و قد وقع الاختلاف في حاله، و الاقرب كونه حسن الحال (3).
و منهم: السيد الجليل علي بن جعفر الصادق عليه السّلام الذّي هو من فقهاء الذرّية الطاهرة، و محدثيهم، و ثقاتهم، و حاله مشروح في كتب الرجال، و قد نسب اليه قبور في اماكن مختلفه.
أحدها: في قرية عريض على فرسخ من المدينة المنورّة.
ثانيها: مزار معظم في بلدة قم.
ثالثها: مزار آخر قرب قلعة سمنان.
و حقّق الفاضل الماهر المحدّث النورى المعاصر قدس اللّه سرّه في خاتمة مستدرك الوسائل (4)تعيّن الاول قبرا له، و انّه لم يسافر الى بلاد العجم اصلا، و احتمل كون القبرين الآخرين لبعض اولاده، أو اولاد جعفر بن على النقى عليهم السّلام المسمّين بعليّ المعروفين، و اللّه العالم.
و منهم: اسماعيل بن الامام الصادق عليه السّلام المدفون بالبقيع.
و منهم: القاسم بن موسى بن جعفر عليهما السّلام المدفون على فراسخ من الحلّة الذى اخبر مولانا الكاظم عليه السّلام بحبّه له، و رأفته عليه، و قد رغّب ابن طاووس في زيارته. و امّا ما ارسل على الالسن عن الرضا عليه السّلام
ص:319
من ان من لم يقدر على زيارتي فليزر اخي قاسما، فقد انكر اهل الحديث و الدراية بهذه الامور العثور عليه، و وجدان أثر له.
و منها: أحمد بن موسى الكاظم عليه السّلام المعروف بشاه جراغ المدفون بشيراز، و أخوه: السيد مير محمد المدفون قريبا من مقبرته، و أبو مزة أمير علي بن أبي حمزة بن موسى الكاظم عليه السّلام المدفون في خارج شيراز (1).
و منها: السيد الجليل حمزة المدفون في جنوب الحلة بين دجلة و الفرات، و قبره معروف الى الآن، و كانوا يزعمون انّه ابن الكاظم عليه السّلام، و لكن حقّق اهل الدراية بهذا الفن انه أبو يعلى حمزة بن قاسم بن على بن حمزة بن حسن بن عبد اللّه بن أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليه السّلام، و هو ثقة جليل القدر. و عمدة من بيّن ذلك علامة عصره و نادرة أوانه السيد مهدى القزويني قدّس اللّه سرّه لقضية طويلة حاصلها بيان وليّ العصر أرواحنا فداه نسبه، و الثناء عليه، و الأمر بزيارته. . الى غيرهم من أولاد الأئمّة عليهم السّلام المدفونين بالأقطار، فينبغي زيارتهم، فانّ زيارتهم حقّ لهم على الشيعة الأطهار، و يشملهم عموم بعض الاخبار الواردة في الحثّ على زيارة ذرية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
و قد ذكر السيد الجليل على بن طاووس رحمه اللّه في محكى مصباح الزائر للقاسم بن الامام الكاظم عليه السّلام و من يجرى مجراه زيارة، و لجميع أولاد الأئمة عليهم السّلام زيارة أخرى، اوردهما المحدث الماهر الفاضل النورى المعاصر قدس اللّه سره في نخبة الزائر، فليراجعه من شاء.
ص:320
الأول: ان مقتضى القاعدة بعد ثبوت رجحان الزيارة هو رجحان مقدّمته أيضا، و لازم ذلك هو رجحان السفر لكلّ زيارة فيها رجحان شرعيّ، كزيارة اولاد الأئمّة عليهم السّلام، و خيار اصحابهم، و علماء الفرقة المحقّة، و الزهاد و العبّاد، بل و عموم المؤمنين، و لكن روى الصدوق في محكّى الخصال مسندا عن ياسر الخادم قال: قال على بن موسى الرضا عليه السّلام: لا تشدّ الرحال الى شيء من القبور الاّ الى قبورنا، الا و انّى مقتول بالسم ظلما، و مدفون في موضع غربة، فمن شدّ رحله الى زيارتي استجيب دعاؤه، و غفر له ذنوبه (1). و حيث ان ما تضمّنه مناف للقاعدة المتقنة لزم حمله على نفى تأكد الاستحباب، و الاّ فكيف يعقل حرمة أو كراهة شدّ الرحال الى زيارة قبور غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السّلام من قبور الأنبياء و قبور الأصحاب الأطياب، و الفقهاء العاملين، و اخوان الدّين المبين، و اولاد الأئمّة الطاهرين.
و العجب من الشيخ الحرّ قدس اللّه سرّه (2)حيث عقد الباب الذي ذكر فيه هذه الرواية بباب عدم استحباب السفر الى شىء من القبور غير قبور الانبياء و الأئمّة عليهم السّلام. فانّ فيه:
اوّلا: انّه إن عمل بالرواية لزم القول بالكراهة أقلا، لأنّها أقلّ مفاد النهي، و الجملة الخبريّة المستعملة في مقام الانشاء.
و ثانيها: انّه بناء على العمل بها فما الوجه في استثناء قبور غير نبينا صلّى اللّه عليه و آله من الانبياء عن ذلك؟ مع عدم كونها من قبورهم عليهم السّلام،
ص:321
و لو توهّم لحوقها بقبورهم، للزم لحوق قبور اولاد الأئمّة و الفقهاء و الاصحاب و الاتقياء ايضا، و بالجملة فالمتعيّن ما قلناه من الحمل على نفي تأكّد الاستحباب أو على الاخبار عن عدم وقوع ذلك في الخارج، و الاول اقرب، و اللّه العالم.
الثاني: انّا قد حقّقنا في منتهى المقاصد و ذكرنا في المناهج (1)انّ القول بالمنع من السفر في شهر رمضان لداعى الافطار متروك، و انّ الاظهر جوازه حتى مع عدم الضرورة الداعية اليه، بل لمجرّد داعي الافطار من غير فرق بين ما قبل الثالث و العشرين و ما بعده، نعم لا شبهة في كراهة ذلك قبل مضى اثنين و عشرين يوما منه (2)، و تزول الكراهة في الثالث و العشرون فما بعده، كما انّه لا كراهة قبل الثالث و العشرين اذا كان السفر لامر راجح يفوت بتاخيره الى انقضاء الشهر من حجّ، او زيارة، او صلة رحم، او استقبال اخ مؤمن، او مشايعته، او حفظ مال يخاف هلاكه، بل الافضل حينئذ السفر و الافطار، و منه زيارة سيد الشهداء عليه السّلام ليلة اوّل شهر رمضان، أو وسطه، أو آخره، أو ليلة الثالث و العشرين، أو ليلة عيد الفطر، بل الاظهر عدم كراهة السفر لزيارة سيد المظلومين ارواحنا فداه في ايّ يوم كان من اوّل شهر رمضان الى آخره، بل كون السفر لزيارته عليه السّلام افضل من الاقامة للصوم، كما لا يخفى على من امعن النظر في ما مرّ من اجر زيارته عليه السّلام، و تأكّد استحبابها، و امّا ما نطق بخلاف ذلك مثل خبر محمد بن الفضل البغدادي قال: كتبت الى
ص:322
أبي الحسن العسكرى عليه السّلام: جعلت فداك، يدخل شهر رمضان على الرجل فيقع بقلبه زيارة الحسين عليه السّلام و زيارة أبيك ببغداد فيقيم بمنزله حتى يخرج عنه شهر رمضان ثم يزورهم، أو يخرج في شهر رمضان و يفطر؟ . فكتب عليه السّلام: لشهر رمضان من الفضل و الاجر ما ليس لغيره من الشهور، فاذا دخل فهو الماثور (1). و ما رواه الحلّى رحمه اللّه في آخر السرائر، نقلا من كتاب مسائل الرجال و مكاتباتهم الى مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليهما السّلام من مسائل داود الصرمى قال: و سألته عن زيارة الحسين عليه السّلام و زيارة آبائه، في شهر رمضان نزورهم؟ فقال: لرمضان من الفضل و عظيم الاجر ما ليس لغيره، فاذا دخل فهو المأثور و الصيام فيه افضل من قضائه، و اذا حضر فهو مأثور ينبغى ان يكون مأثورا (2)، فحملها على التقية متعيّن (3)، سيما مع كونهما من المكاتبة التي فيها احتمال التقية أقوى، و الاّ فكيف تزول الكراهة و يثبت الرجحان في السفر لاستقبال مؤمن، أو مشايعته، أو صلة رحم، أو نحو ذلك، و لا تزول الكراهة و لا يثبت الرجحان في السفر لزيارة الارحام الحقيقيّة و الآباء الروحانية؟ ! بل كيف تزول الكراهة و يثبت الرجحان في السفر للحج و لو ندبا، و لا تزول الكراهة و لا يثبت الرجحان في السفر لما هو أفضل من الحج بمراتب، بل كلّ خطوة منه حجّ و عمرة، أو حجج و عمرات؟ ! و أيضا لو كان السفر
ص:323
لزيارته عليه السّلام مكروها لما ورد في زيارته عليه السّلام في شهر رمضان سيما اوّله، و وسطه، و آخره، و ليلة الثالث و العشرين، و ليلة الفطر ما مرّ من الامر الأكيد بها مع شمول اطلاق لمن توقّف زيارته على السفر، بل يمكن دعوى كون موردها من كانت زيارته موقوفة على السفر من حيث عدم مجاورين لقبره عليه السّلام يومئذ حتى يختصّ بهم، فاذا عارض الخبران المذكوران تلك الاخبار الكثيرة لزم حمل هذين على التقيّة (1)التي هي منشا كلّ بليّة، فما صدر من بعض الأواخر من الفتوى بكراهة السفر في شهر رمضان لزيارة الحسين المظلوم عليه السّلام، و غيره من الأئمّة الأطهار، سلام اللّه عليهم أجمعين اشتباه ناشىء عن الغفلة عن فضل زيارتهم عليهم أفضل السّلام.
ص:324
في السفر و آدابه
لا يجوز السفر الاّ في الطاعات و المباحات، و يستحبّ السفر في الطّاعات، و قد ورد عنهم عليهم السّلام النهي عن سفر يخاف فيه على الدّين و الصلاة (1)، و في وصية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام: يا عليّ لا ينبغي للرجل العاقل ان يكون ظاعنا الاّ في ثلاث: مرّمة لمعاش، او تزوّد لمعاد، أو لذّة في غير محرم. . الى ان قال: يا على سر سنتين برّ والديك، سر سنة صل رحمك، سر ميلا عد مريضا، سر ميلين شيّع جنازة، سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخا في اللّه، سر خمسة أميال أجب الملهوف، سر ستة أميال انصر المظلوم، و عليك بالاستغفار (2).
و قد مرّت الأخبار الواردة في فضل السفر لزيارة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام، و ورد في فضل ساير الأسفار المسنونة قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من مشى الى ذي قرابة بنفسه و ماله ليصل رحمه أعطاه اللّه أجر مائة شهيد، و له بكلّ خطوة أربعون الف حسنة، و محي عنه اربعون الف سيّئة، و رفع له من الدرجات مثل ذلك، و كان كأنّما عبد اللّه مائة سنة صابرا محتسبا (3).
ص:325
و عن امير المؤمنين عليه السّلام انه قال: ضمنت لستة الجنّة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنّة، و رجل خرج [يعود]مريضا فمات فله الجنة، و رجل خرج مجاهدا في سبيل اللّه فمات فله الجنة، و رجل خرج حاجّا فمات فله الجنة، و رجل خرج الى الجمعة فمات فله الجنة، و رجل خرج في جنازة [رجل مسلم]فمات فله الجنّة (1).
و ورد: انّ الغريب اذا حضره الموت التفت يمنة و يسرة و لم ير أحدا رفع راسه، فيقول اللّه جلّ جلاله: الى من تلفت؟ الى من هو خير لك منّي، و عزّتي و جلالي لئن اطلقتك من عقدتك لاصيرنّك الى طاعتي، و ان قبضتك لاصيرنّك الى كرامتي (2).
و ورد: انّ موت الغريب شهادة (3)، و انّه ما من مؤمن [يموت]في أرض غربة يغيب عنه فيها بواكيه إلاّ بكته بقاع الأرض التي كان يعبد اللّه عزّ و جلّ و بكته أثوابه، و بكته أبواب السماء التي كان يصعد فيها عمله، و بكاه الملكان الموكّلان به (4).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما من مؤمن يموت في غربته الاّ بكت الملائكة رحمة له حيث قلّت بواكيه، و الا فسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن الى مسقط رأسه (5).
و يستّحب السفر لمن أعسر، لقول النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اذا أعسر أحدكم فليخرج و لا يغم نفسه و أهله (6).
ص:326
و ورد النهي عن السفر للسياحة و الترهّب، فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال: ليس في أمتي رهبانية، و لا سياحة، و لا زمّ-يعني سكوت (1)-. و قال النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعثمان بن مظعون حين عزم على السفر للسياحة في الأرض: لا تسح فيها، فانّ سياحة أمتّي في المساجد (2).
و قد يجب السفر لوجوب غايته من حجّ عن استطاعة، أو نذر، أو زيارة منذورة، أو حفظ نفس محترمة، أو نفقة عيال اذا انحصر طريقها في السفر.
1-فمنها: الاستخارة بشيء من طرقها الآتية إن شاء اللّه سيّما على تعيين طريقه اذا تعدّد.
2-و منها: اختيار السبت أو الثلاثاء أو صبح الخميس، لو رود الأمر بالسفر في كلّ منها (3)، و ورد انه بورك لهذه الأمّة في سبتها و خميسها (4)، و ان السبت للأئمّة عليهم السلاّم (5)، و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يسافر يوم الخميس (6)، و ان يوم الخميس يحبّه اللّه و ملائكته و رسوله (7)، و انّ الثلاثاء يوم سهل لين (8)، و ان اللّه سبحانه قد ألان الحديد لداود فيه (9)، و ورد
ص:327
انه ألانه له يوم الخميس (1)، و يمكن ان يكون ألانه له في يومين. و أجود الأيام الثلاثة للسفر يوم السبت للأمر به معلّلا بإنّ حجرا لو أزيل من جبل في يوم السبت لردّه اللّه إلى مكانه (2).
و يستحب لمن أراد الحاجة أن يبكّر في طلبها يوم الخميس، و يقرأ اذا خرج من بيته الآيات من آخر سورة آل عمران، و آية الكرسي، و سورة القدر، فانّ فيها قضاء الحوائج للدنّيا و الآخرة (3).
و يكره السفر بل مطلق طلب الحاجه يوم الاحد للنهى عنه معلّلا بأنّه يوم بنى أمية (4)، و يوم الاثنين للنهي عنه معلّلا بانّه اعظم الأيام شؤما لفقد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و انقطاع الوحى فيه (5). و ورد الظلم على اهل البيت عليهم السّلام بغصب حقّهم (6)، نعم لا بأس بالسفر فيه اذا قرأ في اوّل ركعة من صلاة الغداة هَلْ أَتى عَلَى اَلْإِنْسانِ لما تضمّنه من قوله فَوَقاهُمُ اَللّهُ شَرَّ
ص:328
ذلِكَ اَلْيَوْمِ وَ لَقّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً (1)كما أفاد ذلك مولانا العسكري عليه السّلام.
و يكره السفر و طلب الحوائج يوم الأربعاء، لما ورد من أن يوم الاربعاء يوم نحس (2)مستمرّ (3)، و اشدّ نحوسة آخر أربعاء في الشهر، و هو المحاق، لما ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام من انّ فيه قتل قابيل أخاه هابيل، و وضع إبراهيم عليه السّلام في المنجنيق و ألقي في النّار، و أغرق اللّه فرعون، و جعل اللّه قرية لوط عاليها سافلها، و أرسل اللّه الريح على قوم عاد فأصبحت كالصريم، و سلّط اللّه على نمرود البقة، و طلب فرعون موسى ليقتله، و خرّ عليهم السقف من فوقهم، و أمر فرعون بذبح الغلمان، و خرب بيت المقدس، و أحرق مسجد سليمان بن داود باصطخر من كورة فارس، و قتل يحيى بن زكريّا، و اظلّ قوم فرعون اول العذاب، و خسف اللّه بقارون، و ابتلي أيوب بذهاب ماله و ولده، و أدخل يوسف السجن، و دمّر اللّه فيه قوم صالح فقال أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (4)و اخذتهم الصيحة و عقروا الناقة، و أمطر أصحاب الفيل بحجارة من سجّيل، و شجّ النبي صلّى اللّه عليه و آله، و كسرت رباعيته، و أخذت العمالقة التابوت، الحديث (5).
و ورد عن أبي جعفر عليه السّلام انّه قال: عادانا من كلّ شىء حتى من
ص:329
الطيور: الفاخته، و من الأيام: الأربعاء (1).
و لكن ينافى ذلك كلّه ما عن أبي الحسن الثاني عليه السّلام من: انّ من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة وقي من كلّ آفة، و عوفي من كلّ عاهة، و قضى اللّه له حاجة (2). و اراد عليه بالذي لا يدور-و اللّه العالم- أربعاء آخر الشهر الذّي قد مرّ انّ كراهة السفر فيه أشدّ.
و يكره السفر يوم الجمعة؛ لما ورد من انّه: ليس فيه سفر حتّى قال عليه السّلام قال اللّه تعالى فَإِذا قُضِيَتِ اَلصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي اَلْأَرْضِ (3)يعنى يوم السبت (4).
و ورد عن أمير المؤمنين انه سئل عن الأيام و ما يجوز فيها العمل؟ فقال عليه السّلام: يوم السبت يوم مكر و خديعة، و يوم الأحد يوم غرس و بناء، و يوم الاثنين يوم سفر و طلب، و يوم الثلاثاء يوم حرب و دم، و يوم الأربعاء يوم شؤم يتطيّر فيه الناس، و يوم الخميس يوم الدخول على الأمراء و قضاء الحوائج، و يوم الجمعة يوم خطبة و نكاح (5). قلت: ما تضمّنه من ان يوم الاثنين يوم سفر محمول على التقية او على الجواز.
و قال الصدوق رحمه اللّه-بعد نقل الرواية-: انّ يوم الاثنين يوم السفر الى موضع الاستسقاء و لطلب المطر (6)، فحمل الرواية على ذلك، و قيل: انّه ينبغي ترك السفر يوم الخميس من عند معصوم الى معصوم آخر، و لم يتبيّن وجه
ص:330
الاستثناء، و أمّا وجه المستثنى منه فهو ما مرّ في المقام السابق ممّا نطلق بكراهة عدم انتظار الجمعة عند المعصوم عليه السّلام أو مطلقا.
و يكره السفر و القمر في برج العقرب، لما ورد من ان: من سافر او تزوج و القمر في برج العقرب لم ير الحسنى (1). و طريق معرفة انّ القمر في برج العقرب ملاحظة عدد الأيام الماضية من الشهر و اضافة مثلها و خمسة أعداد اليها، و تقسيم المجتمع منها على البروج الاثنى عشر و هى الحمل و الثور و الجوزاء أشهر الربيع، و السرطان و الأسد و السنبلة أشهر الصيف، و الميزان و العقرب و القوس أشهر الخريف، و الجدى و الدلو و الحوت أشهر الشتاء، خمسا خمسا على كلّ برج خمسة أعداد مبتدئا من البرج الذي في ذلك الوقت الشمس فيه، فان انتهى الى برج العقرب علم انّ القمر فيه، و ان انتهى الى برج آخر علم انّ القمر في ذلك البرج.
و ينبغي ترك السفر و الابتداء في الامور المهمّة في الايّام المعروفة بالكوامل، و هى الثالث، و الخامس، و الثالث عشر، و السادس عشر، و الحادى و العشرون، و الرابع و العشرون، و الخامس و العشرون، فانّه قد ورد النص بكراهة السفر في هذه الأيام (2)، و في الرابع و الثامن و الرابع عشر و السادس و العشرين من أيام الشهر العربي الهلالي، بل ينبغى اجتناب السفر في ايام كوامل السنة، و هي بعد الجمع بين الروايتين: الثالث، و الحادى عشر، و الرابع عشر، و العشرون من المحرم، و الاوّل، و العاشر، و العشرون من صفر، و الرابع، و العاشر، و العشرون من ربيع الاوّل، و الاوّل و الحادى عشر، و الثاني و العشرون من ربيع الثاني، و العاشر، و الحادى عشر، و الثاني و العشرون من
ص:331
جمادى الاولى، و الاوّل، و الحادي عشر، و الثاني عشر من جمادى الثانية، و الحادي عشر، و الثاني عشر، و الثالث عشر من رجب، و الرابع و العشرون و السادس و العشرون من شعبان، و الثالث و العشرون، و الرابع و العشرون من شهر رمضان، و الثاني، و السادس، و الثامن من شوال، و السادس، و العاشر، و الثامن و العشرون من ذي القعدة، و الثامن، و الثالث و العشرون من ذي الحجّة (1).
و ان اضطرّ الى السفر في يوم من الايّام المنحوسة من الاسبوع، أو الشهر المزبور، دفع النحوسة بالصدقة مضافا الى صدقة السفر، لورود الامر بالتصدّق و السفر في اىّ يوم شاء، و دفع كراهة السفر في الايّام المكروهة بالصدقة، لأنّ اللّه يدفع النحوسة بها (2).
و ورد انّ: من تصدّق بصدقة اذا اصبح دفع اللّه عنه نحس ذلك اليوم (3)، و حيث انّ وضع الكتاب على استيفاء الآداب، و وردت اخبار في بيان ما ينبغى اختياره من ايّام اشهر للسفر و قضاء الحوائج و ما لا ينبغى اختياره لذلك، و كان باب السفر انسب به، و كان التعرّض له هنا موجبا للفصل الكثير بين آداب السفر، نؤخّر التعرّض لذلك الى آخر هذا الباب نذيله به ان شاء اللّه تعالى.
و ينبغي لمن يريد السفر ان يلاحظ ما ورد شرعا، و لا يعتنى في تعيين وقته بقول المنجم للنهى عنه في الاخبار.
3-و منها: استحباب الوصيّة بما يلزم الوصيّة به من اموره، فإنّها تتأكّد اذا أراد السفر (4)، لانّه محلّ خطر، و يأتي بيان كيفيّة الوصيّة في الفصل الثانى
ص:332
عشر ان شاء اللّه تعالى.
4-و منها: إعلام اخوانه بارادة السفر، لقول النّبي صلّى اللّه عليه و آله: حقّ المسلم على المسلم اذا اراد سفرا ان يعلم اخوانه، و حقّ على اخوانه اذا قدم ان يأتوه (1).
5-و منها: استحباب الغسل عند ارادة السفر، و يستحبّ ان يقول عند الغسل: «بسم اللّه و باللّه و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه» (2)و الافضل ضمّ نيّة غسل التوبة و الحاجة. . و نحوهما من الأغسال المسنونة الممكنة في حقّه الى نيّة غسل السفر (3).
6-و منها: استحباب ان يصلّي عند شدّ ثياب سفره أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب، و التوحيد، و يقول بعد الفراغ منها: «اللهمّ انّي اتقرّب اليك بهنّ فاجعلهن خليفة في اهلي و مالى» فانّه قد ورد: ما استخلف العبد في
ص:333
أهله من خليفة خيرا من ذلك.
7-و منها استحباب ان يصلّى ركعتين عند الخروج يعقبهما بقوله: «اللهمّ اني استودعك نفسى، و أهلى، و مالى، و ذرّيتى، و دنياى، و آخرتى، و أمانتى، و خاتمة عملي» فقد ورد: انّه ما قال ذلك احد الاّ اعطاه اللّه عزّ و جلّ ما سأل (1).
8-و منها: استحباب جمع العيال عند ارادة السفر و الدعاء بقول: «اللهمّ انّي استودعك الغداة نفسي، و مالي، و اهلي، و ولدي، الشاهد منّا و الغائب [اللهمّ احفظنا و احفظ علينا]، اللهمّ اجعلنا في جوارك، اللهمّ لا تسلبنا نعمتك، و لا تغيّر ما بنا من عافيتك و فضلك» (2).
و عن الكفعمي في جنّته انّه قال: ثم قل بعد ذلك: «مولاى انقطع الرجاء الاّ منك، و خابت الآمال الاّ فيك، اسألك إلهى بحق من حقّه واجب عليك ممّن جعلت له الحقّ عندك، ان تصلّي على محمّد و آل محمّد و ان تقضي حاجتي» ثم ادع بدعاء السفر فتقول: «محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله امامى، و عليّ عليه السّلام ورائى، و فاطمة عليها السّلام فوق رأسي، و الحسن عليه السّلام عن يمينى، و الحسين عليه السّلام عن يسارى، و على، و محمد، و جعفر، و موسى، و علي، و محمد، و علي، و الحسن، و الحجّة عليهم السّلام حولى، إلهي ما خلقت خلقا خيرا منهم فاجعل صلواتي بهم مقبولة، و دعواتي بهم مستجابة، و حوائجي بهم مقضيّة، و ذنوبي بهم مغفورة، و آفاتي بهم مدفوعة، و اعدائي بهم مقهورة، و رزقي بهم مبسوطا (3)، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» تقول ثلاثا (4). ثم تدعو بكلمات
ص:334
الفرج (1).
9-و منها: استحباب ان يقول عند ارادة الخروج من المنزل ما مرّ في الفصل الثالث ممّا ورد قراءته عند مطلق الخروج من المنزل من دون تقييده بما إذّا أراد سفرا، فليراجع ما ذكرناه هناك و ليعمل به.
10-و منها: استحباب ان يدعو عند الخروج للسفر بالادعية المأثورة لخصوص الخروج من المنزل للسفر، مثل قول: «اللهمّ خلّ سبيلنا، و احسن تسييرنا، و اعظم عافيتنا» (2)و ان يقول حين الخروج من داره: «اعوذ باللّه ممّا عاذت به (3)ملائكته من شرّ هذا اليوم الجديد الذي اذا غابت شمسه لم تعد (4)، و من شرّ نفسي، و من شرّ غيري، و من شرّ الشياطين، و من شرّ من نصب لأولياء اللّه، و من شرّ الجنّ و الإنس، و من شرّ السباع و الهوام، و شرّ ركوب المحارم كلّها، أجير نفسي باللّه من كلّ شرّ» (5)و يقول ايضا: «بسم اللّه توكّلت على اللّه، لا حول و لا قوّة الاّ باللّه، اللهمّ انّي اسألك خير ما خرجت له، و أعوذ بك من شر ما خرجت له، اللهمّ أوسع علىّ من فضلك، و أتمّ علىّ نعمتك، و استعملني في طاعتك، و اجعل رغبتي فيما عندك، و توفّني على ملّتك و ملّة رسولك» (6). و يقول مريد الحجّ اذا خرج من بيته: «لا اله الاّ اللّه الحليم الكريم، لا اله الاّ اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ربّ السموات السبع، و ربّ الأرضين السبع، و ربّ العرش العظيم،
ص:335
و الحمد للّه ربّ العالمين» ، ثم يقول: «اللهمّ كن لى جارا من كلّ جبّار عنيد، و من كلّ شيطان رجيم» ثم يقول: «بسم اللّه دخلت و بسم اللّه خرجت، و في سبيل اللّه، اللهمّ انّي اقدم بين يدى نسيانى و عجلتي بسم اللّه ما شاء اللّه في سفرى هذا، ذكرته أو نسيته، اللهمّ انت المستعان على الامور كلّها، و انت الصاحب في السفر، و الخليفة في الاهل، اللهمّ هوّن علينا سفرنا، و اطو لنا الارض، و سيّرنا بطاعتك و طاعة رسولك، اللهمّ اصلح لنا ظهرنا، و بارك لنا فيما رزقتنا، و قنا عذاب النّار، اللهمّ انّي اعوذ بك من وعثاء (1)السفر و كآبة المنقلب، و سوء المنظر في الاهل و المال و الولد، اللهمّ انت عضدي و ناصري، بك أحلّ، و بك أسير، اللهمّ انّي اسألك في سفرى هذا السرور، و العمل لما يرضيك عنّي، اللهمّ اقطع عنّي بعده و مشقّته، و اصحبني فيه و اخلفني في أهلي بخير، و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العليّ العظيم [اللهمّ انّي عبدك]و هذا حملانك و الوجه وجهك، و السفر اليك، و قد اطلعت على ما لم يطلّع عليه أحد غيرك فاجعل سفرى هذا كفارة لما قبله من ذنوبي، و كن عونا عليه، و اكفنى و عثه و مشقّته، و لقّني من القول و العمل رضاك، فانّما انا عبدك و بك و لك» (2).
11-و منها: استحباب ان يقف بعد الخروج من داره على الباب تلقاء وجهه الذي يتوجه له، و يقرأ الحمد امامه و عن يمينه و عن شماله، و كذلك المعوذّتين و التوحيد و آية الكرسى ثم يقول «اللهمّ احفظني و احفظ ما معي، و سلّمني و سلم ما معي، و بلّغني و بلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» (3). . الى غير ذلك من
ص:336
الأدعية الكثيرة.
و يستحب تشييع المسافر و توديعه و الدعاء له عند وداعه، تأسّيا بالنّبي صلّى اللّه عليه و آله حيث كان يدعو للمؤمنين عند وداعهم بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «[رحمكم اللّه]زوّدكم اللّه التقوى، و وجّهكم الى كلّ خير، و قضى لكم كلّ حاجة، و سلّم لكم دينكم و دنياكم، و ردكم سالمين الى سالمين» (1). و في خبر انّه صلّى اللّه عليه و آله كان اذا ودّع مسافرا أخذ بيده ثم قال: «أحسن اللّه لك الصحابة، و اكمل لك المعونة، و سهّل لك الحزونة، و قرّب لك البعيد، و كفاك المهمّ، و حفظ لك دينك و أمانتك و خواتيم عملك، و وجّهك لكلّ خير، عليك بتقوى اللّه، استودعك اللّه (2)، سر على بركة اللّه عزّ و جلّ» (3). . الى غير ذلك من الأدعية المنقولة عنه صلّى اللّه عليه و آله، و اخصرها: «سلّمك اللّه [و غنّمك] و الميعاد اللّه» (4).
و قد تعارف قبله قوله سبحانه إِنَّ اَلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ (5)فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ اَلرّاحِمِينَ (6)في اذنه اليمني ثم
ص:337
اليسرى عند المفارقة، و الاذان و الاقامة خلفه بعد اخذه في السير، و اقف على نصّ خاص في قرأة الآية في اذنه، نعم يساعد على ذلك الاعتبار (1).
12-و منها: استحباب التصدّق بما تيسّر سيّما عند الاخذ في الركوب قائلا «اللهمّ انّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي و سلامة [سفري]ما معي (2)و في خبر آخر: اذا خرج احدكم من منزله فليتصدّق بصدقة، و ليقل: «اللهمّ اظلّني تحت كنفك، و هبّ لي السلامة في وجهى هذا ابتغاء السلامة و العافية و المغفرة و صرف انواع البلاء، اللهمّ فاجعله لي امانا في وجهى هذا، و حجابا و سترا و مانعا، و حاجزا من كل مكروه و محذور، و جميع انواع البلاء انك وهاب جواد كريم» . قال عليه السّلام: فانك اذا فعلت ذلك و قلته لم تزل في ظلّ صدقتك، ما نزل بلاء من السماء الاّ و دفعته عنك، و لا استقبلك بلاء في وجهك الاّ و صدّه عنك، و لا ارادك من هوامّ الارض شىء من تحتك و لا عن يمينك و لا. عن يسارك الاّ و قمعته الصدقة (3).
13-و منها: استحباب ان يسمي اللّه عند الركوب، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من انّ الرجل اذا ركب الدابّة فسمّى ردفه ملك يحفظه حتّى ينزل، و ان ركب و لم يسمّ ردفه شيطان فيقول له: تغنّ، فان قال له: لا
ص:338
احسن، قال له: تمنّ، فلا يزال يتمنّى حتى ينزل (1).
14-و منها: استحباب ان يقرأ عند الركوب سورة القدر، و يقول اذا وضع رجله في الركاب «بسم اللّه الرحمن الرحيم بسم اللّه و اللّه أكبر» و اذا استوى على الراحلة: «الحمد للّه الذي [هدانا للاسلام، و علّمنا القرآن، و منّ علينا بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله، سبحان اللّه سبحان اللّه الذّي]سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين، و إنّا الى ربّنا لمنقلبون، و الحمد للّه ربّ العالمين، اللهم انت الحامل على الظهر، و المستعان على الامر، اللهمّ بلّغنا بلاغا يبلغ الى خير، بلاغا يبلغ الى مغفرتك و رضوانك، اللهمّ لا طير الاّ طيرك، و لا خير الاّ خيرك، و لا حافظ غيرك» (2). و ان يقول: «الحمد للّه الذّي اكرمنا و حملنا في البرّ و البحر، و رزقنا من الطيّبات، و فضّلنا على كثير ممّن خلق تفضيلا» (3). و ان يقرأ آية السخرة و هو قوله سبحانه إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى اَلْعَرْشِ يُغْشِي اَللَّيْلَ اَلنَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ وَ اَلنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ تَبارَكَ اَللّهُ رَبُّ اَلْعالَمِينَ* اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ اَلْمُعْتَدِينَ* وَ لا تُفْسِدُوا فِي اَلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَ اُدْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اَللّهِ قَرِيبٌ مِنَ اَلْمُحْسِنِينَ (4)ثم يقول: «استغفر اللّه الّذي لا اله الاّ هو الحيّ القيوم و أتوب اليه، اللهمّ
ص:339
اغفر لي ذنوبي انّه لا يغفر الذنوب الاّ انت» (1).
و يستحب امساك الركاب للراكب، و يستحب للراكب تذكر نعمة اللّه بالدواب (2).
15-و منها: استحباب ان يذكر اللّه في السفر، و يسبّحه و يهلّله في السير، و يسبح عند الهبوط، و يكبّر عند الصعود، و يهلّل و يكبّر على كلّ شرف من الاشراف (3).
16-و منها: استحباب ان يستعيذ بالذكر و التسمية و الدعاء في المخاوف، و ان يقول عند دخول مدخل يخافه: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اِجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (4)(5)و ان يقدّم رجله اليمنى عند الدخول الى المكان المخوف و يبسمل، و يقدّم رجله اليسرى عند الخروج و يبسمل، فانّه لا يرى مكروها.
و ان يقرأ آية الكرسى عند النظر الى ما يخافه (6).
و ان يقرء ثلاثا (7)عند رؤية الاسد «اعوذ بربّ دانيال و الجب، من شرّ
ص:340
هذا الاسد» (1).
و ان يسبح اذا وضع جنبه الى فراشه بعد الصلاة تسبيح الزهراء سلام اللّه عليها، ثم يقرأ آية الكرسى، فإنّه يكون محفوظا من كلّ شىء حتّى يصبح (2).
و قد ورد عن الصادق عليه السّلام: انّ من قرأ آية الكرسى مرّة صرف اللّه عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا، و ألف مكروه من مكاره الآخرة، أيسر مكروه الدنيا الفقر، و أيسر مكروه الآخرة عذاب القبر. قال عليه السّلام: و انّي لاستعين بها على صعود الدرجة (3).
17-و منها: استحباب قراءة إنّا أنزلناه حال المشي و عند الركوب، لما عن سيّد العابدين عليه السّلام من انّه: لو حجّ رجل ماشيا فقرأ «إنّا أنزلناه» ما وجد ألم المشي، و انه ما قرأ احد «إنّا أنزلناه» حين يركب الاّ نزل منها سالما مغفورا له، و لقاريها اثقل على الدواب من الحديد (4).
و قال ابو جعفر عليه السّلام: لو كان شيء يسبق القدر لقلت قارى «إنّا انزلناه» حين يسافر او يخرج من منزله سيرجع (5).
18-و منها: استحباب التسمية و الاستعاذة من الشيطان الرجيم عند الوصول الى الجسر، لأنّ على ذروة كلّ جسر شيطانا يرحل بالتسمية (6).
19-و منها: استحباب حمل العصا من لوز مرّ، فقد ورد أنّه ينفي الفقر،
ص:341
و لا يجاوره شيطان، و تطوى لحاملها الارض، و تذهب منه الوحشة (1).
و ورد: انّ من حملها و تلا قوله سبحانه في سورة القصص وَ لَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ الى قوله تعالى وَ اَللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (2)آمنه اللّه من كلّ سبع ضار، و كلّ لصّ عاد، و كلّ ذات حمة حتى يرجع الى اهله و منزله، و كان معه سبعة و سبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع و يضعها (3).
و الاولى ان يكتب في رقّ غزال هذه الاحرف: سلمحلس وه به لهوه باه ابيه ه باوبه صاف ه بصابه هي، و في نسخة اخرى هكذا: سلخص وه به بهو با ابنه باويه صاغ تصابه هى (4)، و يحفر رأس العصا و يضع الرقّ فيه (5).
و يستحبّ حمل العصا مطلقا في السفر و الحضر، و الصغر و الكبر، لامر النّبي صلّى اللّه عليه و آله به معلّلا بأنّها من سنن اخواني النبيّين (6).
و ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله انّ حمل العصا ينفى الفقر، و لا يجاور حاملها شيطان، و انّ بنى اسرائيل الصغار و الكبار كانوا يمشون على العصا حتّى لا يختالوا في مشيهم (7)، و انّ من مشى مع العصا في السفر و الحضر للتواضع
ص:342
يكتب له بكل خطوة الف حسنة، و يمحى (1)عنه الف سيئة، و رفع له الف درجة (2)، و يتأكّد استحبابها بعد بلوغ الاربعين: لأنّ من بلغ الاربعين و لم يتعصّ فقد عصى (3).
20-و منها: استحباب استصحاب خاتم فضة و عقيق أصفر، منقوش عليه: «ما شاء اللّه لا قوة الاّ باللّه، استغفر اللّه» و على الجانب الآخر «محمد و على» فانه امان من القطع، و اتمّ للسلامة، و اصون للدين، و خاتم آخر فيروزج منقوش عليه «اللّه الملك» ، و على الجانب الآخر «الملك للّه الواحد القهار» فانه أمان من السباع خاصة و ظفر في الحروب.
21-و منها: استحباب استصحاب شىء من التربة الحسينية عليه السّلام، و الأفضل اتّخاذ سبحة منها، و الدعاء بدعاء المبيت على الفراش، ثم تقبيلها (4)، و وضعها على العينين، و قول: «اللهمّ انّي اسالك بحق هذه التربة و بحق صاحبها و بحق جدّه و [بحق]ابيه و بحقّ امّه و [بحق]اخيه و بحقّ ولده الطاهرين اجعلها شفاء من كلّ داء، و امانا من كلّ خوف. و حفظا من كلّ سوء» ثم وضعها في الجيب لتكون حرزا (5).
22-و منها: استحباب التحنّك، سيّما اذا ادار الحنك ثلاثا، فان الامام موسى بن جعفر عليهما السّلام قد ضمن ان لا يصيب فاعله السرق و الغرق
ص:343
و الحرق (1).
23-و منها: كراهة ان يسافر وحده، فانّ الشيطان يكون معه، و قد لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من سافر وحده (2)، بل يرافق و لو واحدا، و أفضل منه اثنان، و أفضل من ذلك ثلاثة، حتى يكونوا أربعة (3).
و لا ينبغى ان يكون أزيد من سبعة، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أحبّ الصحابة الى اللّه عزّ و جلّ أربعة، و ما زاد قوم على سبعة الاّ كثر لغطهم (4).
و انّ اضطر الى المسافرة وحده أو المبيت وحده فليبسمل و ليقل «ما شاء اللّه و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه، اللهمّ آنس وحشتي، و أعنّي على وحدتي، وادّ غيبتي» (5).
و يستحبّ مرافقة من يتزيّن به، و من يرفق به، و من يعرف حقّه، للامر بذلك، و قال امير المؤمنين عليه السّلام: لا تصحبنّ في سفر من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك (6). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما اصطحب اثنان الاّ كان أعظمهما أجرا و أحبّهما الى اللّه أرفقهما (7)بصاحبه (8).
ص:344
و يستحب مرافقة من يكون نظيره في الانفاق، بل يكره مصاحبة من دونه أو فوقه في الانفاق للنهي عن ذلك، لانّ خروجه مع من فوقه مذلّة له ان امسك و لم يطابقهم في البذل، و ضرر عليه ان بسط كبسطهم، و ينعكس في خروجه مع من دونه (1)، و لذا ورد الامر بمرافقة النظير في اليسار و الاعسار، قال حسين بن أبي العلا: خرجنا الى مكّة نيفا و عشرين رجلا فكنت اذبح لهم في كل منزل شاة، فلمّا اردت ان ادخل على أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يا حسين، و تذلّ المؤمنين؟ ! قلت: أعوذ باللّه من ذلك، فقال: بلغني انّك كنت تذبح لهم في كل منزل شاة، فقلت: ما أردت الاّ اللّه، قال: أما علمت ان منهم من يحب ان يفعل مثل فعالك فلا تبلغ مقدرته فتقاصر اليه نفسه؟ قلت: أستغفر اللّه و لا أعود (2).
24-و منها: استحباب ان يقول عند التطير او ظهور امارات الشوم له «اعتصمت بك يا ربّ من شرّ ما اجد في نفسى فاعصمني من ذلك» (3). و الشوم للمسافر في طريقه-على ما ورد عن الامام موسى بن جعفر عليهما السّلام في خمسة و لكنه عليه السّلام عدّ سبعة-: الغراب الناعق عن يمينه، و الكلب الناشز لذنبه، و الذئب العاوى الذى يعوي في وجه الرجل و هو مقع على ذنبه ثم يعود ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا، و الظبى السانح من يمين الى شمال، و البومة
ص:345
الصارخة، و المرأة الشمطاء تلقي فرجها (1)، و الاتان العضباء يعنى الجدعاء. قال عليه السّلام: فمن اوجس في نفسه منهن شيئا فليقل: «اعتصمت» . . الى آخر الدعاء المذكور فيعصم من ذلك (2).
و ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه: لا طيرة، و انّ كفّارة الطيرة التوكّل، و انّك اذا تطيّرت فامض (3)، و عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انّ الطيرة على ما تجعلها ان هوّنتها تهوّنت، و ان شددّتها تشدّدت، و ان لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا (4).
25-و منها: استحباب اتّخاذ سفرة و التنوق فيها باطيب الزاد كاللوز و السكّر و السويق المحمّص المخيض المحلى و نحوهما (5)، حتّى ورد انّ اللّه يبغض الاسراف الاّ في نفقة الحجّ و العمرة (6).
و يكره حمل الزاد الطيّب في طريق زيارة سيد الشهداء عليه السّلام، كما مرّ (7).
و ينبغي ان تكون حلقة السفرة في السفر من حديد، فانه لا يقرب شيئا ممّا فيه الهوامّ.
ص:346
26-و منها: استحباب اعتنائه بنفقته و حفظها و لو بشدّها في حقويه و ان كان محرما (1).
27-و منها: حمله معه جميع ما يحتاج اليه من سلاح و آلات و أدوية، و قد ورد انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يسافر بستة أشياء: قارورة الدهن، و المكحلة، و المقراض، و المرآة، و السواك، و المشط (2).
و في وصيّة لقمان لابنه التّي امضاها الصادق عليه السّلام بنقله لها: يا بنىّ سافر بسيفك، و خفّك، و عمامتك، و حبالك، و سقائك، و سوطك، و خيولك، و مخرزك، و تزوّد معك من الادوية ما تنتفع به انت و من معك، و كن لاصحابك موافقا الاّ في معصية اللّه عزّ و جلّ (3).
28-و منها: استحباب ان يكون السير ليلا، أو في الغداة و العشى، لما ورد من الامر بالسير في الليل، معلّلا بان الارض تطوى بالليل، و الافضل آخر الليل (4)، بل يكره السير اوّل الليل لنهى لقمان ابنه عن السير في أوّل الليل، و أمره بالسير في آخره، على ما نقله الصادق عليه السّلام في مقام بيان الحكم و الامضاء (5)، و نهى امير المؤمنين عليه السّلام معقل بن قيس عن السير في اوّل الليل معللا بانّ اللّه جعله سكنا، و قدّره مقاما لا ظعنا، قال عليه السّلام: فارح فيه بدنك، و روّح ظهرك. فاذا وقفت حين ينبطح السحر أو حين يفجر الفجر،
ص:347
فسر على بركة اللّه (1).
و قال عليه السّلام: اتّقوا اللّه، و اتّقوا الخروج بعد نومه، فان للّه دوارا [بينها]يفعلون ما يؤمرون (2)، و امر الصادق عليه السّلام: بسير البردين (3)يعني الغداة و العشى (4).
29-و منها: استحباب خدمة الرفيق، و حسن الخلق معه، و موافقته على كلّ ما يريد الاّ في المعصية، و اعانته على حوائجه ما لم تكن محرّمة، فقد ورد: ان من أعان مؤمنا مسافرا فرّج اللّه عنه ثلاثا و سبعين كربة، و اجاره في الدنيا و الآخرة من الغمّ و الهمّ و نفّس كربه العظيم يوم يعض الناس بانفاسهم (5).
30-و منها: كراهة النزول على ظهر الطريق، و بطون الاوديه، لنهى النّبى صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك، معلّلا بانّها مراح (6)السباع و مأوى الحيّات (7).
31-و منها: انّه ان نزل منزلا يتخوّف فيه السبع استحب له ان يقول: «اشهد ان لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك، و له الحمد، بيده الخير و هو على كلّ شىء قدير، اللهمّ اني اعوذ بك من شر كلّ سبع» فانّه ان قال ذلك أمن من شرّ السبع حتّى يرحل من ذلك المنزل ان شاء اللّه تعالى (8).
ص:348
و يستحب لمن لقى السبع ان يقرأ آية الكرسي في وجهه ثم يقول: «عزمت عليك بعزيمة اللّه و عزيمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و عزيمة سليمان بن داود عليه السّلام، و عزيمة علي أمير المؤمنين عليه السّلام، و الأئمة عليهم السّلام من بعده الاّ تنحّيت عن طريقنا و لم تؤذنا فانّنا لا نؤذيك» فقد ورد ان من فعل ذلك انصرف عنه السبع (1).
32-و منها: استحباب التعلّق بشيء عند النزول من الراحلة و ترك السقوط من غير التعلّق بشيء، فان فعل ذلك فمات دخل النّار، لأنّه قاتل نفسه، كما نصّ عليه السّلام بذلك (2).
33-و منها: استحباب ان يقول عند الاشراف على المنزل ناظرا اليه قبل اختيار مكان معيّن للمنزل: «اللّهمّ إنّي أسألك خيرها، و أعوذ بك من شرّها، اللهمّ حببّنا الى اهلها، و حبّب صالحى اهلها الينا» (3). و ان يقول عند النزول: «اللهمّ أنزلني منزلا مباركا و انت خير المنزلين» فانّه ان قال ذلك رزق خيره و دفع عنه شرّه (4).
و وردت أدعية مأثورة في النزول يجمعها الصّلاة على محمّد و آل محمّد و سؤال خير ذلك المنزل، و الاستعاذة من شرّه (5).
34-و منها: استحباب الاستعانة على السفر بالحداء و الشعر دون الغناء و ما فيه خنا (6)لما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من انّ زاد المسافر الحداء
ص:349
و الشعر، و ما كان منه ليس فيه خنا (1).
و قد امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-في سفر الهجرة-الطرمّاح بالحداء.
و يحرم الغناء بل هو خلاف الحياء كما قال الصادق عليه السّلام: اما يستحى أحدكم ان يغنّى على ظهر دابته و هي تسبّح (2).
35-و منها: استحباب ان يتيامن من ضلّ عن الطريق، و يقول في طريق البرّ: يا صالح أو يا ابا صالح ارشدونا الى الطريق يرحمكم اللّه تعالى، و في طريق البحر: يا حمزة ارشدنا الى الطريق يرحمك اللّه تعالى (3).
و قد ورد انّ في اخوانكم من الجنّ لجنّيا يسمى: صالحا يسيح في البلاد لمكانكم محتسبا نفسه لكم، فاذا سمع الصوت اجاب و ارشد الضالّ منكم (4).
و يستحب صلاة ركعتين و الدعاء بالمأثور لمن ضلّت له ضالّة، و الأولى قراءة «يس» بعد الفاتحة في كلّ ركعة و رفع اليد الى السماء بعد الفراغ (5).
و من الأدعية المأثورة: «اللهمّ رادّ الضالّة، و الهادى من الضلالة، صلّ على محمّد و آل محمّد و احفظ علىّ ضالّتي، و ارددها الىّ سالمة يا ارحم الراحمين فانّها من فضلك و عطائك، يا عباد اللّه في الارض، و يا سيارة اللّه في الارض ردّوا عليّ ضالّتي فانّها من فضل اللّه و عطائه» (6).
ص:350
36-و منها: كراهة ركوب البحر عند هيجانه (1)، و يستحب ان يقول عند ركوب البحر: بِسْمِ اَللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، و ان يتّكي على الأيمن اذا اضطرب، و يقول: «بسم اللّه أسكن بسكينة اللّه تعالى، و قرّ بقرار اللّه، و اهدأ بإذن اللّه، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه» (2)
37-و منها: استحباب الاقامة اذا مرض احد من اصحابه ثلاثة ايام (3)الاّ اذا استلزم الاقامة فوت الواجب أو تلف نفس او مال لا يتحمّل (4).
38-و منها: استحباب العود من غير طريق الذهاب سيّما من عرفات الى منى (5).
39-و منها: كراهة ان يقول الراكب للماشي اذا كان قدامه: الطريق مريدا عدوله عن الطريق ليمض هو، بل هو يعدل، و قد قال الصادق عليه السّلام: من الجور قول الراكب للماشي الطريق (6).
40-و منها: استحباب ملازمة المروّة و الفتوّة، و قد جعل مولانا الصادق عليه السّلام من المروّة في السفر كثرة الزاد و طيبه و بذله لمن كان معه، و كتمان ما يرى ممّن معه بعد مفارقته إيّاهم، و حسن الخلق، و كثرة المزاح في غير ما يسخط اللّه، و قلّة الخلاف على من صحبه، و كثرة ذكر اللّه في كلّ مصعد و مهبط و نزول و قيام و قعود (7).
ص:351
41-و منها: كراهة الافراط في سرعة المشي، فانّها تذهب ببهاء المؤمن (1).
و يكره مدّ اليدين في المشى و تحريكها الى القدّام، و التبختر في المشى، و قد ورد انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان اذا مشى مشى مشيا يعرف انّه ليس بمشى عاجز و لا كسلان (2). و انّه كان يتكّفأ كأنّما يتقلع (3)من صبب (4)، و ان علىّ بن الحسين عليهما السّلام كان يمشى كأنّما على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله (5).
و ورد: ان من مشى يخطوا بيديه و يتبختر في مشيه و يحرك منكبيه في موكبه فهو مجنون (6)، و ان من مشى على الارض اختيالا لعنته الارض من تحته (7).
42-و منها: استحباب النسل في المشي لمن اضرّ به المشى، لما ورد من امر من أعياه المشى بالنسل و امتثاله و ذهاب اعيائه به (8)، و ورد انّ النسل في المشي يذهب بالاعياء و يقطع الطريق (9).
43-و منها: مراعاة حال الأضعف في السير فان كانوا مشاة مشوا على
ص:352
حسب حال أضعفهم، و ان كان راكبين ساروا سيرا يتحمّله ضعيفهم، كلّ ذلك لقول النّبي صلّى اللّه عليه و آله: سيروا سير أضعفكم (1).
44-و منها: استحباب سرعة العود مع اوّل قافلة و كراهة جعل المنزلين منزلا إلاّ عند كون الأرض مجدبة (2).
45-و منها: استحباب استصحاب المسافر هديّة لأهله اذا رجع، لقول الصادق عليه السّلام: اذا سافر احدكم فقدم من سفره فليأت اهله بما تيسّر و لو بحجر، فان إبراهيم عليه السّلام كان اذا ضاق اتى قومه، و انه ضاق ضيقة فاتى قومه فوافق منهم ازمة فرجع كما ذهب فلما قرب من منزله نزل عن حماره فملأ خرجه رملا ارادة أن يسكن من زوجته سارة، فلمّا دخل منزله اخذ الخرج من الحمار و افتتح الصلاة فجاءت سارة ففتحت الخرج فوجدته مملوّا دقيقا، فاعتجنت منه و اختبزت، ثم قالت لابراهيم عليه السّلام: انفتل من صلاتك فكل، فقال لها: انّى لك هذا؟ قالت: من الدقيق الذي في الخرج، فرفع رأسه الى السماء فقال: اشهدك انّك الخليل (3).
46-و منها: كراهة ان يطرق المسافر اهله ليلا اذا جاء من السفر حتّى يؤذنهم، و الاّ يوشك ان يرى ما يكره (4).
47-و منها: استحباب الوليمة بعد الرجوع كما مرّ بيانه في المقام السابع من الفصل الرابع.
و يستحبّ لمن يرى الحاج و المعتمر و كذا زائر قبور الأئمة عليهم السّلام
ص:353
ان يبادر بالسلام و يصافحه و يعانقه و يعظّمه و يقول له: قبل اللّه منك، و أخلف عليك نفقتك، و غفر ذنبك، فانّه يشاركه في الأجر (1).
و ورد ان: من عانق حاجّا بغباره كان كأنّما استلم الحجر الاسود (2)، و من لقى حاجّا فصافحه كان كمن استلم الحجر (3).
و عن امير المؤمنين عليه السّلام انّه قال: اذا قدم اخوك من مكّة فقبّل بين عينيه و فاه الذي قبل الحجر الاسود الذي قبله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و العين التي نظر بها الى بيت اللّه، و قبّل موضع سجوده و وجهه، و اذا هنّيتموه فقولوا له: قبل اللّه نسكك، و رحم سعيك، و أخلف عليك نفقتك، و لا جعلك آخر عهده ببيته الحرام (4). و جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من حقّ المسلم على اخوانه اذا قدم من سفر ان يأتوه (5).
هذا، و قد بقيت جملة اخرى من آداب السفر أحببت ايراد الروايات المتضمّنة لها باعيانها.
فقال مولانا الباقر عليه السّلام في وصيّته لبعض شيعته المريد للسفر: لا تسيرنّ شبرا و انت حاف، و لا تنزلنّ عن دابّتك ليلا الاّ و رجلاك في خفّ، و لا تبولنّ في نفق، و لا تذوقن بقلة و لا تشمّها حتى تعلم ما هي، و لا تشرب من سقاء حتى تعلم ما فيه، و لا تسيرنّ الاّ مع من تعرف و احذر من تعرف (6).
ص:354
و قال الصادق عليه السّلام في جملة كلام له في آداب السفر: . . فاذا رايت الشخص الواحد فلا تسترشده، و ان ارشدكم فخالفوه، و اذا رأيته في خراب و قد خرج عليك او في فلاة من الارض فاذّن في وجهه، و ارفع صوتك و قل: «سبحان اللّه الذّى جعل في السماء نجوما رجوما للشياطين، عزمت عليك يا خبيث بعزيمة اللّه التي عزم بها امير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه و رميت بسهم اللّه المصيب الذي لا يخطى، و جعلت سمع اللّه على سمعك و بصرك و ذلّلتك بعزة اللّه، و قهرت سلطانك بسلطان اللّه يا خبيث لا سبيل لك» فانك تقهره ان شاء اللّه تعالى، و تصرفه عنك الخبر (1).
و نقل مولانا الصادق عليه السّلام على سبيل الامضاء قول لقمان لابنه في وصيته له: اذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في امرك و امورهم، و أكثر التبسم في وجوههم، و كن كريما على زادك بينهم، و اذا دعوك فأجبهم، و ان استعانوا بك فأعنهم، و استعمل طول الصمت، و كثرة الصلاة، و سخاء النفس بما معك من دابّة أو مال أو زاد، و اذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم، و اجهد رأيك لهم اذا استشاروك، ثم لا تعزم حتى تثبت و تنظر، و لا تجب في مشورة حتى تقوم فيها و تقعد، و تنام و تاكل، و تصلّى، و انت مستعمل فكرك و حكمتك في مشورتك، فانّ من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه اللّه رأيه و نزع عنه (2)الأمانة، و اذا رأيت اصحابك يمشون فامش معهم، و إذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، و اذا تصدّقوا و أعطوا قرضا فأعط معهم، و اسمع لمن هو أكبر منك سنّا، و اذا أمروك بأمر و سألوك فتبرع لهم و قل (3): نعم، و لا تقل: لا فانّ: لا عيّ و لؤم،
ص:355
و اذا تحيرتم في طريقكم فانزلوا، و اذا شككتم [في القصد]فقفوا و توامروا، و اذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه (1)عن طريقكم و لا تسترشدوه، فانّ الشخص الواحد في الفلاة مريب، لعلّه [ان]يكون عينا للصّوص، أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم، و أحذروا الشخصين أيضا إلاّ ان تروا ما لا ارى، فإنّ العاقل اذا أبصر بعينيه شيئا عرف الحق منه، و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
يا بني! [و]اذا جاء وقت الصّلاة فلا تؤخّرها لشيء، صلّها و استرح منها، فانّها دين، و صلّ في جماعة و لو على رأس زج (2)، و لا تنامّن على دابّتك فانّ ذلك سريع في دبرها، و ليس ذلك من فعل الحكماء، الاّ ان يكون في محمل يمكنك التمدّد لاسترخاء المفاصل، و اذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك [فانّها تعينك]و ابدأ بعلفها قبل نفسك فانّها نفسك، و اذا اردتم النزول فعليكم من بقاع الارضين باحسنها لونا، و الينها تربة، و اكثرها عشبا، و اذا نزلت فصلّ ركعتين قبل ان تجلس، و اذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الارض، و اذا ارتحلت فصلّ ركعتين و ودّع الارض اليّ حللت بها، و سلّم عليها و على اهلها، فانّ لكل بقعة اهلا من الملائكة، فان استطعت ان لا تاكل طعاما حتى تبدأ فتصدّق منه فافعل، و عليك بقراءة كتاب اللّه عزّ و جلّ ما دمت راكبا، و عليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا، و عليك بالدعاء ما دمت خاليا و ايّاك و السير من اوّل الليل، و عليك بالتعريس و الدلجة من لدن نصف الليل إلى آخره، و ايّاك و رفع الصوت في مسيرك (3).
و ورد عن أئمّتنا عليهم السّلام انّ من أصابه عطش في الطريق حتّى
ص:356
أشرف على الهلاك فليقل مخاطبا ربّه: «ادم ملكك على ملكك بلطفك الخفي» فانّ اللّه عزّ و جلّ ينجيه من تلك الشدّة (1). و من لقيه لصّ فاراد اخذه فليستمهله و يصلّى اربع ركعات و يسجد بعدها و يقول ثلاث مرات: «يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعّالا لما يريد، اسألك بعزّتك التي لا ترام، و ملكك الذي لا يضام، و بنورك الذي ملأ اركان عرشك ان تكفيني شرّ هذا اللّص يا مغيث اغثني» فإنّه اذا فعل ذلك أرسل اللّه من يدفعه عنه ان شاء اللّه تعالى (2).
و ورد في الحديث القدسى: «يا محمّد من كان غائبا و احبّ ان اؤدّيه سالما مع قضائي له الحاجة فليقل في غربته: «يا جامعا بين اهل الجنة على تألّف من القلوب، و شدّة تواصل منهم في المحبّة، و يا جامعا بين اهل طاعته و بين من خلقه لها، و يا مفرّجا عن كل محزون، و يا مؤمّل كل غريب، و يا راحمي في غربتي بحسن الحفظ و الكلاءة و المعونة اليّ، و يا مفرّج ما بي من الضيق و الحزن، اجمع بيني و ببين احبّتي، يا مؤلّفا بين الاحبّة، صلّ على محمّد و آل محمد و لا تفجعني بانقطاع رؤية أهلي و ولدى عنّي، و لا تفجع أهلى بانقطاع رؤيتي عنهم بكلّ مسائلك ادعوك فاستجب لي بذلك دعائي اياك يا ارحم الراحمين» فإنّه اذا قال ذلك آنسته في غربته، و حفظته في الاهل، و ادّيته سالما مع قضائي له الحاجة (3).
و عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله انّه: اذا كان في سفر فاقبل اللّيل قال: يا (4)ارض ربّي و ربّك اللّه، اعوذ باللّه من شرّك و شرّ ما فيك، و سوء ما يدبّ عليك، و اعوذ باللّه من اسد و اسود، و من [شرّ]الحيّة و العقرب، و من [شر]ساكن
ص:357
البلد و [من شر]والد و ما ولد (1).
و ورد انّ المسافر ان قرأ سورة و الذّاريات امن و حرس في طريقه (2). و ان قرأ سورة الممتحنة أمن حوادثه حتى يرجع الى مأمنه (3)، و ان قرأ و المرسلات حفظ بقراءتها من كلّ طارق (4). و ان قرأ الجحد و الفتح و التوحيد و المعوذّتين في سفره بعد البسملة صار من امثل اصحابه هيبة، و اكثرهم زادا، حتى يرجع من سفره (5). . الى غير ذلك من الآداب التي لا يمكن استقصاؤها بالمرّة، و في ما ذكرناه للعامل كفاية.
يتضمن مطالب:
الأول: انّه حيث جرى ذكر الاستخارة و انّها من آداب السفر، و ورد الامر بها بالخصوص، اهمنا التعرض هنا لحقيقتها و طرقها.
فنقول: انّ الاستخارة من اقسام الدعاء، و هي من الامور الراجحة في مذهبنا و من خصائصنا، و وردت بها تأكيدات كثيرة، حتى ورد انّه: ما استخار
ص:358
اللّه مسلم الاّ خار اللّه له ألبتّة (1)، و انّ من استخار اللّه راضيا بما صنع اللّه له خار اللّه له حتما (2)، و انّه ما حار من استخار، و لا ندم من استشار (3). حتى قال عليه السّلام: ما ابالى اذا استخرت على ايّ جنبيّ وقعت (4).
بل ظاهر جملة من الاخبار كراهة الاقدام على عمل بغير خيرة، مثل قول الصادق عليه السّلام: من دخل في امر بغير استخارة ثم ابتلي لم يؤجر (5). و قوله عليه السّلام: قال اللّه عز و جل: من شقاء عبدي ان يعمل الاعمال فلا يستخيرني (6).
ثم ان للاستخارة اطلاقين:
احدهما: الدعاء بطلب العبد من ربّه سبحانه الخير فيما يريد فعله او تركه، بان يجعله اللّه تعالى خيرا له، و هذا هو المراد بما نطق بكراهة الإقدام على عمل بغير خيرة، و شقاء من عمل بغير استخارة.
ثانيهما: الدعاء بطلبه من ربّه عزّ و جلّ ان يبين له ما فيه الخيرة من افعاله المشتبهة عليه منافعها و مضارّها، المجهول لديه صلاحها و فسادها، أو يبيّن له الأصلح منها بعد احراز أصل الصلاح.
و هي بكلا القسمين من مقولة طلب العبد من الربّ تعالى الذى هو الدعاء فيترتب على كل منهما أجره و مثوبته، و الاطلاق الاول هو الظاهر من اللفظ، و الثاني ما استقر عليه الاصطلاح الآن، و هي بكلا قسميها مشروعة
ص:359
مندوبة راجحة.
اما القسم الاول: فطريقه-على ما ورد-ان يصلى ركعتين و يقول في آخر سجدة منها: استخير اللّه برحمته. . و يكرّر ذلك في آخر سجدة من صلاة الليل، أو ركعتي الفجر (1). و ورد التكرار مائة مرّة [و مرّة] (2). و ورد تكراره من غير صلاة في الشىء اليسير سبع مرات، و في الامر الجسيم مائة مرّة و واحدة (3). و ورد انّه ما استخار اللّه عبدا سبعين مرّة بهذه الاستخارة الاّ رماه اللّه بالخير، يقول: «يا أبصر الناظرين، و يا أسمع السامعين، و يا أسرع الحاسبين، و يا أرحم الراحمين، و يا أحكم الحاكمين، صلّ على محمّد و أهل بيته و خر لي في. . كذا و كذا» (4).
و ورد صلاة ركعتين بسورة الحشر و الرحمن، ثم قراءة المعوذتين و التوحيد، ثم بعدها و هو جالس يقول: «اللهمّ ان كان. . كذا و كذا (5)-و يسمي مقصده- خيرا لي في ديني و دنياي (6)و عاجل امري و آجله، فصل على محمد و آله و يسّره لي على احسن الوجوه و أجملها، اللهمّ و ان كان. . كذا و كذا شرّا لي في ديني و دنياي [و آخرتي]و عاجل امري و آجله فصل على محمد و آله (7)[و اصرفه عنّي، ربّ صلّ على محمد و آله]و اعزم لي على رشدي و ان كرهت ذلك أو أبته
ص:360
نفسى» (1).
و ورد ان يصوم الثلاثاء و الاربعاء و الخميس و يصلّى يوم الجمعة في مكان نظيف ركعتين بتشهد و تسليم، ثم يقول مائة مرّة و هو ناظر الى السماء: «اللهم إنّي اسألك بأنّك عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم ان كان هذا الامر خيرا فيما احاط به علمك فيسرّه لي، و بارك لي فيه، و افتح لي به، و ان كان ذلك لي شرّا فيما أحاط به علمك فاصرف عني بما تعلم و لا أعلم، و تقدر و لا أقدر، و تقضي و لا أقضي، و أنت علام الغيوب» (2).
و ورد غير ذلك، و من اراد استقصاءها راجع ابواب صلاة الاستخارة من مستدركات الوسائل.
و اما القسم الثاني: فهو مورد ما ورد عنهم عليهم السّلام من انّه: ما حار من استخار، و لا ندم من استشار (3)، و ان من دخل على امر بغير استخارة ثم ابتلى لم يؤجر (4). و ان من شقاء العبد ان يعمل الاعمال فلا يستخير اللّه تعالى. و ان كان يحتمل اندراج القسم الأول في هذا الخبر الأخير.
ثم ان هذا القسم لمّا كان دعاء بطلب التمييز و التشخيص من الربّ الجليل احتيج الى مميّز و مشخّص حتّى يجعل علامة لصلاح الامر و فساده، و امارة لامر اللّه سبحانه و نهيه ليستدل المستخبر بها على ما يطلبه من التمييز و الامارات المنصوصة في اخبار اهل البيت عليهم السّلام امور، و بحسبها تنقسم الاستخارة الى اقسام خمسة:
ص:361
أحدها: ما سبق الى قلب المستخير من الطرفين بعد الاستخارة، و هذا القسم قد ورد في عدّة اخبار، و طريقه على ما يستفاد منها ان يصلّي ركعتين في غير وقت الفريضة ثم يستخير اللّه مائة مرّة، ثم ينظر [الى]ايّ شيء يقع في قلبه، و اجزم الامرين له في قلبه، فيعمل به فان الخير فيه ان شاء اللّه تعالى (1).
و في خبر: ليكن استخارتك في عافية، فانه ربما خير للرجل في قطع يده، و موت ولده، و ذهاب ماله (2)، و غرضه عليه السّلام بذلك ان لا يقتصر المستخير على قول مائة مرة استخير اللّه تعالى، بل يقول مائة مرة: استخير اللّه تعالى خيرة في عافية، و ورد اتيان هذه الاستخارة عقيب المكتوبة، فقال الصادق عليه السّلام: اذا عرضت لاحدكم حاجة فليستشر اللّه ربّه، فان اشار عليه اتّبع، و ان لم يشر عليه توقّف، قال الراوي: يا سيدى كيف اعلم ذلك؟ فقال: تسجد عقيب المكتوبة و تقول مائة مرّة: اللّهمّ خر لي، ثم تتوسّل بنا، و تصلّى علينا و تستشفع بنا، ثم تنظر ما يلهمك تفعله فهو الذي اشار عليك به (3).
و ورد اتيان هذه الاستخارة من غير تقييد بصلاة ركعتين و لا عقيب مكتوبة (4).
و ورد الاتيان بها سبع مرات من غير تقييد بصلاة، و لا اعتبار مائة مرّة، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال لأنس: اذا هممت بامر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر الى الذي يسبق الى قلبك فان الخيرة فيه (5).
ثانيها: ما اجرى اللّه على لسان من يشاوره من الامر بالفعل او النهي
ص:362
عنه، لرواية هارون بن خارجة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا اراد احدكم امرا فلا يشاور فيه احدا من الناس حتى يبدأ فيشاور اللّه تبارك و تعالى. قال: قلت: جعلت فداك. و ما مشاورة اللّه؟ قال: تبتدىء فتستخير اللّه فيه اوّلا، ثم تشاور فيه، فإنّه اذا بدىء باللّه اجرى اللّه له الخيرة على لسان من يشاء من الخلق (1).
ثالثها: الاستخارة بالمصحف الشريف، و له طرق:
فمنها: ما في خبر أبي علي اليسع القمى قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اريد الشيء فاستخير اللّه فيه فلا يوفق فيه الرأي، أفعله أو أدعه؟ فقال: انظر اذا قمت الى الصلاة-فان الشيطان ابعد ما يكون من الانسان اذا قام الى الصّلاة-ايّ شىء يقع في قلبك فخذ به، و افتح المصحف فانظر الى اوّل ما ترى فيه فخذ به ان شاء اللّه تعالى (2).
بيان: اراد عليه السّلام بقوله: ايّ شىء يقع في قلبك فخذ به، بقرينة ما بعده. . أي انوه، ثم انّ في قوله عليه السّلام: فانظر الى اوّل ما ترى فيه فخذ به، اشارة الى ان المدار على ما يستفيده من مجموع اول آية راها بلحاظ سياقها و خصوصياتها المقامية، و ان المراد بالنظر التدبّر في جميع ماله مدخل في تشخيص المراد، ضروره انّ اول ما يراه من الكلمة لا يعيّن له الصلاح الاّ نادرا، و انّ اول ما يراه يصدق على مجموع الآية و ان كان بعضها في الصفحة السابقة، فلا وجه لما وسوس به بعضهم في هذا الطريق، كما لا وجه لما صدر من آخر من الوسوسة في اصل الاستخارة بالمصحف بأنّها من التفاؤل بالقرآن المنهى عنه بقوله عليه السّلام: لا تتفاءل بالقرآن، فان فيه:
ص:363
اوّلا: وضوح الفرق بين الاستخارة و التفاؤل، فانّ التفاؤل عبارة عن استكشاف ما جهل حاله ممّا كان او ما يكون، ككون الجنين ذكرا أو أنثى، و شفاء المريض و موته، و وجدان الضالّة و عدمه، و سلامة المسافر و عدمها، و رخص السعر و غلائه، و كشف البلاء الوارد و عدمه، و نحو ذلك ممّا هو تعرض لتعرف ما في علم الغيب، و هذا بخلاف الاستخارة، فانّها طلب خير من اللّه الجليل، و استشارة و تفويض امر الى اللّه الخبير البصير في تمييز ما فيه الرشد و الصلاح و الفلاح عمّا فيه الغيّ و الحرمان، و الاوّل قابل للمنع منه نظرا الى انّه ان تخلّف أوجب اساءة الظن، و نسبة الجهل و العياذ باللّه تعالى اليه، و هذا بخلاف الثانية فانها ان تخلّفت تكون من قبيل ما لا يستجاب من الدعاء لفقد شرط من شرائط الاستجابة، أو وجود مانع من موانعها، بل لا يعلم تخلفها اصلا لأنّه لا يحيط علما بجهات الصلاح و الفساد احد الاّ اللّه سبحانه وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ (1). و قد نرى بالوجدان منع الخيره ايّانا عن فعل نراه صلاحا و يتبين بعد حين انّه لم يكن صلاحا.
و ثانيا: انّ حرمة التفاؤل بالقرآن الشريف ايضا غير ثابتة حتى تكون سببا للاستشكال في الاستخارة به، ضرورة انّ النهى في الخبر لم يثبت كونه للتحريم بعد عدم وضوح سنده، و عدم العثور على قائل به سيّما بعد صدور التفاؤل من سيد العابدين عليه السّلام في قصة تسمية ابنه زيد، حيث انه عليه السّلام لمّا اخبر بولادته التفت الى اصحابه و استشارهم في اسمه، فعيّن كلّ منهم اسما، فطلب المصحف و وضعه على حجره، ثم فتحه فنظر الى اول حرف من
ص:364
الورقة فاذا فيه وَ فَضَّلَ اَللّهُ اَلْمُجاهِدِينَ (1)الآية، ثم فتحه ثانية فاذا في اوّل الورقه إِنَّ اَللّهَ اِشْتَرى مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ (2)الآية، فقال عليه السّلام: هو و اللّه، هو و اللّه زيد، فسماه: زيدا، فتفاءل بالقرآن المجيد، و علم بشهادة آيتي الجهاد انّه ولده الذّي اخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بانه يقتل في الجهاد و اسمه زيد، فسماه زيدا، و ليس ذلك من باب الاستخارة بل التفاؤل. ففعله عليه السّلام يدلّ على عدم الحرمة، بل و لا الكراهة، بل امر عليه السّلام في الطريق الآتى بالتفأل اوّلا ثم الاستخارة، و لعله لذا و نحوه قد صدر التفاؤل بالقرآن المجيد من غير واحد من العلماء الاعلام في موارد ليس هنا محلّ شرحها.
و منها: ما في خبر المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: من انّه يصلّى صلاة جعفر عليه السّلام و يدعو بدعائها، فاذا فرغ من ذلك فليأخذ المصحف ثم ينوى فرج آل محمد صلّى اللّه عليه و آله بدوا و عودا، ثم يقول: «اللهمّ ان كان في قضائك و قدرك ان تفرّج عن وليّك و حجّتك في خلقك في عامنا هذا، و [في]شهرنا هذا، فاخرج لنا آية من كتابك نستدل بها على ذلك» ثم يعدّ سبع ورقات، و يعدّ عشرة اسطر من خلف الورقة السابعة، و ينظر ما يأتيه في الاحد عشر من السطور، فانه يبين له حاجته، ثم يعيد الفعل ثانيا لنفسه (3).
و منها: ما في رواية العلاّمة الحلّي قدّس اللّه سرّه عن الصادق عليه السّلام ممّا يقرب من سابقه من دون صلاة جعفر و النظر في السطر السادس من الورقة السابعة (4).
ص:365
و منها: ما في مرسل الشيخ جعفر البحراني عن الصادق عليه السّلام من تناول المصحف باليد ناويا مقصده و قراءة فاتحة الكتاب ثلاثا، و آية الكرسي ثلاثا، و عنده مفاتح الغيب ثلاثا، و القدر ثلاثا، و الجحد ثلاثا، و المعوذّتين ثلاثا، ثم التوجّه بالقرآن قائلا: «اللهمّ انّي اتوجه اليك بالقرآن العظيم من فاتحته الى خاتمته، و فيه اسمك الاكبر، و كلماتك التامّات يا سامع كلّ صوت، و يا جامع كلّ فوت، و يا بارىء النفوس بعد الموت، يا من لا تغشاه الظلمات، و لا تشتبه عليه الاصوات اسألك ان تخير لي بما أشكل عليّ به فانّك عالم بكل معلوم غير معلّم، بحق محمد، و علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و علىّ بن الحسين، و محمد الباقر، و جعفر الصادق، و موسى الكاظم، و على بن موسى الرضا، و محمد الجواد، و علي الهادى، و الحسن العسكري، و الخلف الحجة من آل محمد عليه و عليهم السّلام» ثم افتح المصحف و عدّ الجلالات التي في الصفحة اليمنى، ثم عدّ اوراقا بعدد الجلالات ثم أسطرا بعددها من الصفحه اليسرى ثم انظر في آخر الصفحه الذي يصل اليه العدد، فانه يكون كالوحى فيما تريد ان شاء اللّه تعالى (1).
رابعها: الاستخارة بالرقاع و البنادق، و لا شبهة في شرعيّتها، لاستفاضة النصوص بها، فمناقشة ابن ادريس رحمه اللّه فيها مقابلة بردّ العلاّمة في المختلف له.
ثمّ انّ لهذه الاستخارة طرقا كثيرة واردة.
فمنها: ان ياخذ ست رقاع و يكتب في ثلاث منها: (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم. . لفلان بن فلانة افعل) و في ثلاث منها كذلك (لا تفعل) ، ثم يضعها تحت مصلاّة، و يصلّى ركعتين و يسجد بعد الصلاة سجدة يقول فيها مائة مرّة: استخير اللّه برحمته خيرة في عافية، ثم يجلس
ص:366
و يقول: «اللهم خر لي و اختر لي في جميع امورى في يسر منك و عافيه» ثم يمدّ يده و يشوّش الرقاع و ينوى مقصده و يخرج واحدة واحدة، فان خرجت ثلاث متواليات افعل، فعل ذلك الامر الذي يريده، و ان خرجت ثلاث متواليات لا تفعل تركه، و ان خرجت واحدة افعل و اخرى لا تفعل اخرج من الرقاع الى خمس و ترك السادسة لا حاجة اليها، ثم نظر الى اكثر الخمس و عمل به و ترك الآخر (1).
و منها: ان ينوى حاجته في نفسه، و يكتب رقعتين في واحدة (لا) و في واحدة (نعم) و يجعلهما في بندقتين من طين، ثم يصلّي ركعتين و يجعلهما تحت ذيله، و يقول: «يا اللّه انّي اشاورك في امري هذا و انت خير مستشار و مشير، فاشر عليّ بما فيه صلاح و حسن عاقبة» ثم يدخل يده و يخرج احدى البندقتين، فان كان فيها (نعم) فعل، و ان كان فيها (لا) لم يفعل (2).
و منها: الاستخارة بالقرعة و المساهمة من غير صلاة، بان ياخذ رقاعا بعدد اطراف حيرته و يكتب في كلّ منها بعد البسملة «اللهم انّه لا اله الاّ انت عالم الغيب و الشهادة، و انت العالم و انا المعلم فانظر في اي الامرين خيرتي حتى اتوكّل عليك فيه و اعمل به» ثم يكتب تحت الدعاء في كل واحدة احد اطراف حيرته ثم يجمعها و يدفعها الى من يسترها عنه، ثم يدخل و ياخذ رقعة و يتوكل على اللّه و يعمل (3).
خامسها: الاستخارة بالسبحة، و الحصى، و المستفاد من مجموع الأخبار جريان ذلك في كل معدود يمكن الاستكشاف به عن الجودة و الرداءة، كما افتى
ص:367
بذلك كاشف الغطاء (1)، و الكاشاني و غيرهما، و انّ ذكر البندقة، و السبحة، و الحصى تعليم و ارشاد الى كلّ كاشف عن الجودة و الرداءة، و لكن الاقتصار على الطرق الواردة احوط، سيّما بعد المنع من الاستخارة بالخواتيم (2)، كما ان الاقتصار على السبحة الحسينية و الرضوية افضل.
و لا يعتبر العدد المخصوص في السبحة كالمائة، و لا الثلاث أو الاربع و الثلاثين، فتشرع الاستخارة بالسبحة الناقصة عن العددين على الاظهر (3).
ثم ان المستفاد من مجموع الاخبار هو ذكر اللّه سبحانه و الاستخارة منه، و قبض قبضة من الحصى او السبحة و نحوهما و عدّها، و تمييز الجيّد من الرديء بالشفع و الوتر على النحو الذى قصده المستخير و جعله امارة فيما بينه و بين ربّه، و لكن الاولى ايقاع ذلك على احد الوجوه الخاصة الواردة، و لا بأس بالاشارة الى عدّة منها.
فمنها: ان يقرأ الحمد عشرا، و دونه ثلاثا، و دونه مرة، ثم يقرأ القدر كذلك، ثم يقول ثلاث مرّات «اللّهم انّي استخيرك لعلمك بعاقبة الامور، و استشيرك لحسن ظّني بك في المأمول و المحذور، اللّهم ان كان الذي قد عزمت عليه ممّا قد
ص:368
نيطت بالبركة اعجازه و بواديه، و حفّت بالكرامة ايّامه و لياليه، فخر لي اللّهم [فيه]خيرة ترد شموسه (1)ذلولا، و تقعض (2)ايّامه سرورا، اللهمّ امّا امرا فائتمر، و امّا نهيا فانتهى، اللهمّ انّي استخيرك برحمتك خيرة في عافية» ثم يقبض على قطعة من السبحة و يضمر حاجته، و يخرج، فان كان عدد المقبوض وترا كان امرا، و ان كان زوجا كان نهيا (3).
و منها: ان يقرأ الحمد مرّة، و الاخلاص ثلاثا، و يصلّى على النبي محمد و آله خمسة عشر مرّة، ثم يقول: «اللهمّ انّى اسألك بحق الحسين عليه السّلام و جده و أبيه و امّه و اخيه، و الأئمة التسعة من ذرّيته ان تصلّى على محمد و آل محمد، و ان تجعل لي الخيرة في هذه السبحة، و ان تريني ما هو اصلح في الدين و الدنيا، اللهّم ان كان الاصلح في ديني و دنياي و عاجل أمري و آجله فعل ما انا عازم عليه فمرني و إلاّ فانهني انّك على كلّ شيء قدير» ثم يقبض قبضة من السبحة و يعدّها: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه، فان كان الأخير سبحان اللّه فهو مخيّر بين الفعل و الترك، و ان كان الحمد للّه فهو أمر، و ان كان لا إله إلاّ اللّه فهو نهي (4).
و منها: ما عن مولانا الحجة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه و جعل روحي و ارواح العالمين له الفداء من اخذ السبحة و الصلاة على محمد و آله ثلاث مرّات، و القبض على السبحة قبضة و عدّها اثنتين اثنتين، فان بقيت واحدة فهو أفعل،
ص:369
و ان بقيت اثنتان فهو لا تفعل (1). . الى غير ذلك من الطرق.
و قال الشيخ الاعظم في الجواهر: استخارة مستعملة عند بعض اهل زماننا و ربّما نسبت الى مولانا القائم عجّل اللّه تعالى فرجه، و هي ان تقبض على السبحة بعد قراءة دعاء و تسقط ثمانى ثمانى فان بقيت واحدة فحسنة في الجملة، و ان بقيت اثنتان فنهى واحد، و ان بقي ثلاثة فصاحبها بالخيار لتساوى الأمرين، و ان بقيت أربع فنهيان، و ان بقي خمسة فعند بعض أنه يكون فيها تعب، و عند بعض أنّ فيها ملامة، و ان بقي ستة فهي الحسنة الكاملة التي تجب العجلة فيها، و ان بقيت سبع فالحال فيها كما ذكر في الخمس من اختلاف الرأيين أو الروايتين، و ان بقي ثمانيه فقد نهى عن ذلك اربع مرّات. . الى ان قال: و يخطر بالبال انّي عثرت في غير واحد من المجاميع على فال لمعرفة قضاء الحاجة و عدمها ينسب الى امير المؤمنين عليه السّلام، يقبض قبضة من حنطة أو غيرها ثم يسقط ثمانى ثمانى، و يحتمل انه على التفصيل المزبور، و لعلّه هو المستند في ذلك. . الى آخر ما قال (2).
الأول: انه حيث كانت الاستخارة عبارة عن استعلام ما فيه الخير و الصلاح و تمييزه عن غيره، كان ما علم نفعه و صلاحه كفعل الواجبات، و كذا ما علم ضرّه و فساده كشرب السموم و فعل المحرمات خارجا عن موضع الاستخارة، و لذا قال الشيخ المفيد رحمه اللّه في المحكى من العزيّة انّه: لا ينبغي للانسان ان يستخير اللّه تعالى في شيء نهاه عنه و لا في اداء فرض، و انّ الاستخارة في المباح
ص:370
و ترك نفل الى نفل لا يمكنه الجمع بينهما كالحج و الجهاد تطوعا، و كزيارة مشهد دون آخر، و صلة اخ دون آخر (1).
الثاني: انه لمّا كانت الاستخارة من سنخ الدعاء فينبغي للمستخير مراعاة ماله دخل في استجابتة من الاوقات و الازمنة و الامكنة و الاحوال، بان يكون على غسل، او وضوء، مستغفرا من ذنوبه، متوجّها الى القبلة، مقبلا بوجهه الى اللّه سبحانه. . و غير ذلك ممّا مرّ في المقام الثالث في آداب الدعاء، و من هذا القبيل ما ورد عن الصادق عليه السّلام من انّه: ما استخار اللّه عبد قطّ في امر مائة مرّة عند قبر الحسين عليه السّلام فيحمد اللّه و يثنى عليه الاّ رماه اللّه بخير الامرين (2). و كذا ما ورد في بعض الطرق من قوله عليه السّلام: انظر اذا قمت الى الصلاة فانّ الشيطان أبعد ما يكون [من]الانسان اذا قام الى صلاة اى شيء يقع في قلبك (3). . الحديث (4)، فان مقتضى عموم العلّة كون اقتران طرق الاستخارة الخالية عن الصّلاة بصلاة فريضة أو نافلة اولى.
الثالث: انّه ينبغي عدم التكلم في اثناء الاستخارة، لخبر شهاب بن عبد ربّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كان أبي اذا اراد الاستخارة في امر توضّأ، و صلّى ركعتين، و ان كانت الخادمة تكلّمه (5)فيقول: سبحان اللّه، و لا يتكلّم حتى يفرغ (6).
الرابع: انه ينبغي تقييد الاستخارة في جميع طرقها بالخيرة في عافية،
ص:371
لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في آخر خبر اسحاق بن عمّار: و لتكن استخارتك في عافية، فانه ربّما خير للرجل في قطع يده، و موت ولده، و ذهاب ماله (1). فما اشتهر في الالسن من انّ الاستخارة بعد استشارة المخلوق لا وجه له، كما لا وجه لما اشتهر من ان الخيرة عند الحيرة، فإنّا لم نقف له على مستند، و كون مورد بعض الاخبار صورة الحيرة لا يقيد ما لا تقييد فيه، سيما بالنسبه الى القسم الاول من الاستخارة.
الخامس: ان الاستخارة لمّا كانت من خصائص مذهب اهل البيت عليهم السّلام و من جملة حقوقهم العظام علينا، كان من الراجح التوسّل فيها بالنبي و اهل بيته صلّى اللّه عليه و آله، و الصلاة عليهم، و الاستشفاع بهم، و يرشدك الى ذلك الامر بذلك فيما مرّ في القسم الأوّل من الاقسام الخمسة المزبورة للاستخارة، مضافا الى انّ التوسّل بهم من اسباب استجابة الدعاء، و قد مرّ ترجّح طلب تلك الاسباب عند الخيرة لكونها من اقسام الدعاء (2).
السادس: انّه ينبغي طيب النفس بما تقضي به الخيرة، لانها بيان مصلحة من اللّه العالم بالعواقب و المحيط بما وراء الاستار من المفاسد و المصالح، فالسخط و عدم الرضا بما تقضي به الخيرة جهل و قلّة فهم، و قد قال مولانا الصادق عليه السّلام ما روي: انّ ابغض الخلق الى اللّه من يتّهم اللّه، قال الراوي: و احد يتّهم اللّه؟ ! قال: نعم، من استخار اللّه فجاءته الخيرة بما يكره
ص:372
فسخط، فذلك الذى يتّهم اللّه (1). و عن امير المؤمنين عليه السّلام انّه [قال]: قال اللّه عزّ و جلّ: ان عبدى ليستخيرني فاخير له فيغضب (2). و يندرج في عدم الرضا، و طيب النفس بما تقضى به الخيرة اعادتها ثانيه على عين ما استخار له اوّلا كمّا و كيفا، و زمانا و مكانا. . و غير ذلك من المشخّصات، و من هنا نقول: انّ اعادة الاستخارة من دون تغيير شيء من مشخّصاته غلط لا ينبغي ارتكابه، كما انّ مخالفة الاستخارة، و ترك العمل بها من دون استخارة ثانية سفه، و تفويت للنفع المحرز بالطريق الشرعى الواصل من اهل بيت الوحى عليهم السّلام، بل عن الفاضل الكلباسي قدّس سرّه تحريم المخالفة لمن ظنّ اصابتها بالتجربة، قال رحمه اللّه في محكى منهاجه: و لا يجب متابعة الاستخارة مطلقا، و لا يحرم مخالفتها، الاّ ان يظن بالتجربة فيحرم مخالفتها، و قد ظهر لي من غرائبها ما لا يسع المقام ذكرها بحيث صار الضرر بمخالفتها و النفع بموافقتها من العلميات.
ثم انّه لا يخفى عليك انّه ليس من اعادة الاستخارة ما تعارف من الاستخارة على الترك، ضرورة انّ الاستخارة على الفعل مثبت للرجحان في الفعل، فايّ مانع من استعلام كون هذا الرجحان الزامّيا موجبا لمفسدة في الترك بالاستخارة على الترك؟ و من تامّل في ذلك غفل عن حقيقة الحال.
السابع: انّ مورد اخبار الاستخارة انما هو صورة المباشرة لها، و قد تعارف الآن تكليف الغير بالاستخارة تارة من الجاهل بطريقها، و اخرى من المطّلع على طرقها، بزعم كون استخارة الغير اولى، لوجود بعض اسباب الاستجابه فيه، كحالة الخضوع، او القرب عند اللّه، او نحو ذلك، و تامّل بعضهم في مشروعيّة ذلك نظرا الى خلّو الاخبار عن الاذن في ذلك، و هو كما
ص:373
ترى ناشىء من فقد القوّة الراسخة، ضرورة انّه بعد تحقّق انّ الاستخارة من اقسام الدعاء فايّ مانع من اندراج تكليف الغير بالاستخارة تحت ادلّة رجحان التماس المؤمن الدعاء؟ و ربّما جعل بعضهم تكليف الغير بالاستخارة من باب الاستنابة، و ناقش فيه بانها من باب العبادة، و الاصل عدم مشروعية النيابة فيها.
و اقول: قد عرفت انّها دعاء، و التماس المؤمن الدعاء قد ورد الاذن فيه بل رجحانه.
و لو تنزّلنا عن ذلك نقول انّها و ان كانت من العبادات إلاّ انّ فيها جهة اخرى و هي جهة الاستشارة التي اشير إليها في جملة من الأخبار المزبورة و غيرها، و لا مانع من كون من يستخير للغير في الاتيان بالذكر و الصّلاة و الدعاء اصيلا و في الاستشارة الخارجة عن جهة العبادة نائبا، و لذا ان المستخير لا يأتي بالصلاة و الدعاء عن المستخار له بل يأتي بها لنفسه، ثم يستشير من ربّه في خصوص حاجة الغير، و الاستنابة في الاستشارة قاعدة مطرّدة بين العقلاء الموكول إليهم طريق الاطاعة.
الثامن: انّه قال المحدث الكاشاني قدّس اللّه سرّه في تقويم المحسنين (1): اذا اردت ان تستخير بكلام اللّه فاختر ساعة تصلح لذلك ليكون على حسب المرام على ما هو المشهور و ان لم نجد على ذلك حديثا عن اهل البيت عليهم السّلام، يوم الاحد جيّد الى الظهر، ثم من العصر الى المغرب، و يوم الاثنين جيّد الى طلوع الشمس، ثم من الضحى الى الظهر، و من العصر الى العشاء الآخرة، و يوم الثلاثاء جيّد من الضحى الى الظهر، ثم من العصر الى العشاء الآخرة، و يوم الاربعاء جيّد الى الظهر، ثم من العصر الى العشاء الآخرة،
ص:374
و يوم الخميس جيّد الى طلوع الشمس ثم من الظهر الى العشاء الآخرة، و يوم الجمعة جيد الى طلوع الشمس ثم من الزوال الى العصر، و يوم السبت جيد الى الضحى ثم من الزوال إلى العصر.
و قال الفاضل المتبحّر المحّدث النوري المعاصر قدس اللّه سرّه في المستدركات بعد نقله: ان في غير موضع من المجاميع بل المؤلفات نسبته الى الصادق عليه السّلام.
انّه لما كان من آداب السفر المؤكدة الصدقة كما عرفت و جرى ذكرها، ناسب ان نشير الى فضلها و آدابها الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام، فنقول:
انّ الصدقة-و هي التطوع بإعطاء مال و تمليكه من غير عوض للّه سبحانه-فضلها كثير، فقد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ الصدقة تدفع ميتة السوء (1)، و انّ صدقة المؤمن تظلّه يوم القيامة (2)، و انّها تزيد في المال كثرة (3)، و انّه خير مال المرء و ذخائره (4)، و انها دواء المرضى (5)، و عن أمير
ص:375
المؤمنين عليه السّلام انها جنّة من النار (1)، و عن سائر الائمة عليهم السّلام انّ البرّ و الصدقة ينفيان الفقر، و يزيدان في العمر، و يدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة السوء (2)، و انها تدفع سبعين بابا من السوء، منها الداء، و الدبيلة (3)، و الحرق، و الغرق، و الهدم، و الجنون (4)، و ان اللّه عز و جل يعطي بصدقة واحدة عشرة الى مائة الف فما زاد (5)، و انها مفتاح الرزق (6)، و انها تزيد في المال كثرة (7)، و انها تقضي الدين، و تخلف بالبركة (8)، و ان صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى
ص:376
يفك عنها من لحى سبعين شيطانا كلهم يأمره بان لا يفعل، و ما تقع في يد السائل حتى تقع في يد الرّب جلّ جلاله (1)، و ان خير مال المرء و ذخائره الصدقة (2)، و الصدقة المندوبة سرّا أفضل من الجهر (3). و ورد عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: انّ صدقة السّر تطفي غضب الرب تبارك و تعالى (4)، و معنى السّر ان لا يعلم بها ثالث، و أفضل منها ان لا يعرف المتصدق عليه المتصدّق، و اما الواجبة فاظهارها أفضل بل الأقرب افضلية الاعلان بالمندوبة أيضا عند اداء الاسرار بها إلى تهمة عدم المواساة للفقراء (5).
و يستحب ان يعول الانسان اهل بيت من المسلمين بل يختاره على الحج و العتق، و قد ورد انّ الحجّ احبّ من عتق سبعين رقبة، و انّ الاعالة لاهل بيت من المسلمين باشباع جوعتهم، و اكساء عورتهم، و كفّ وجوههم من الناس احبّ من سبعين حجة (6).
و يستحب المبادرة بالصدقة في الصحّة قبل المرض (7)، و مداواة المريض بالصدقة (8)، و الافضل ان يعطى المريض الفقير بيده، و يامره بان يدعو له (9)،
ص:377
و كذا الطفل (1)و لا فرق في فضل الصدقة المندوبة بين ان يكون المتصدق به كثيرا أو قليل، و المتصدّق عليه فقيرا أو غنيّا (2)، و ان كان التصدق بالكثير افضل، و على الفقير افضل. و يستحب التصدق كلّ بكرة و عشيّة بشيء ليوقي اللّه تعالى شرّ ما ينزل من السماء الى الارض في ذلك اليوم و تلك العشيّة (3)، و يستحبّ التصدق بشيء من المال الذي يخاف عليه لحفظ الباقي (4)، و مع عدم المستحقّ يعزل المقدار و يقصد به الصدقة (5).
و ينبغي ان يكون المتصدّق عليه قنوعا، و ان يحمد اللّه اذا اخذ و يدعو لمن اعطاه.
و ينبغي ردّ غير القانع، و إلا زادة للقانع (6).
ص:378
و يتاكد استحباب الصدقة في الاوقات الشريفة كيوم الجمعة، و يوم عرفة (1)، و شهر رمضان (2)، و الاعياد، و نحوها.
و يستحب التصدّق على الحيوانات ايضا 3.
و التصدّق على الارحام افضل من التصدّق على الاجانب 4.
و يكره ردّ السائل و لو ظنّ غناه، بل يعطيه شيئا و لو يسيرا، أو يعده به، فإن لم يجد ردّه ردّا جميلا 5.
و لا يكره ردّ السائل الرابع اذا تصدّق على ثلاثة 6.
و يستحب التماس السائل الدعاء، فقد ورد انّه يستجاب دعاؤه فيكم
ص:379
و ان لم يستجب في نفسه لكذبه (1).
و يستحب المساعدة على ايصال الصدقة إلى المستحق، فقد ورد انّه لو تداولها أربعون ألف إنسان ثم وصلت إلى المسكين كان لهم اجر كامل (2). بمعنى انّه يؤجر كلّهم من غير ان ينقص من أجر صاحبه شيء.
و يكره المنّ بعد الصدقة، و قد ورد انّ اللّه تعالى حرّم الجنّة على جمع منهم المنّان بفعل الخير اذا عمله (3).
و يستحب تقبيل المتصدّق يد نفسه بعد الاعطاء لأن اللّه تعالى يأخذ الصدقة قبل ان تقع في يد المتصدّق عليه (4).
و يكره لوم المتصدق في كثرة التصدّق (5).
و يستحب الابتداء بالعطاء قبل السؤال (6). و الاستتار من الأخذ بحجاب أو ظلمة لئلاّ يتعرّض للذّل (7).
و يستّحب الصدقة بأحّب الاشياء إليه (8)، و يحرم التصدّق بالمال
ص:380
الحرام (1)إلاّ بقصد التصدّق عن صاحبه المجهول (2).
و يستحب اطعام الطعام (3). و سقي الماء و لو عند الماء فإنه يعدل عتق رقبة، و أمّا السقي فيما لا يوجد الماء فكاحياء النفس 4.
و يستحب البرّ بالاخوان و السعي في حوائجهم 5. وصلة فقراء الشيعة 6.
ص:381
و يستحب الصدقة في حال الركوع (1).
و يكره التصدّق بجميع المال فيبقى لا مال له (2)، لقوله تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (3).
إنّا قد واعدناك في اوائل آداب السفر بيان اختيارات ايّام الشهر على طبق الأخبار الواردة في ذلك عن الصادق عليه السّلام-غير ما مرّ هناك من حكم ايام الاسبوع، و ايام كوامل الشهر-و الأخبار في اختيارات ايام الشهر مختلفة، نشير في كل يوم بجميع ما ورد فيه ان شاء اللّه تعالى، و نبتدئ في كل يوم بما ذكره مولانا الصادق عليه السّلام لمعلّى بن خنيس حين سأله عن ذلك، فبين في كل يوم اسمه بالفارّسية و ما تقول الفرس فيه، و ما يقول هو عليه السّلام فيه، و نضيف إليه ما ورد في أخبار أخر كلها عنه عليه السّلام إلاّ رواية في ايام النصف الأخير عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و نشير إلى ذلك أيضا ان شاء اللّه تعالى.
فاليوم الأول: هرمز روز، اسم من اسماء اللّه تعالى، خلق اللّه عز و جل فيه آدم عليه السّلام، تقول الفرس انّه يوم جيّد صالح للشرب و الفرح، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم سعيد مبارك، يوم سرور، فكلمّوا فيه الامراء و الكبراء، و اطلبوا فيه الحوائج، فإنّها تنجح بإذن اللّه تعالى، و اشتروا و بيعوا، و ازرعوا، و اغرسوا، و ابنوا، و سافروا فإنه مختار يصلح لجميع الامور، و للتزويج،
ص:382
و من ولد فيه يكون مباركا، محبوبا، مقبولا، مرزوقا، و من مرض فيه يبرأ سريعا بإذن اللّه تعالى، و من ضلّت له ضالة وجدها ان شاء اللّه، و في بقية الأخبار انه سعيد محمود لابتداء الاعمال، و الأخذ و العطاء، و الدخول على السلطان، و طلب الحوائج، و لطلب العلم، و اتخاذ الماشية، و العبيد، و البناء، و اللّبس، و صحبة الملوك، و التجارة، و لا يصلح للحمّام و الفصد و القرض و الحرب و المناظرة. لكن في خبر آخر انّه يصلح لمناظرة الامراء، و انّ من خرج فيه هاربا أو ضالا قدر عليه إلى ثمان ليال.
الثاني: بهمن روز، يوم صالح خلق اللّه فيه حواء-و هي ضلع من اضلاع آدم عليه السّلام-و هو اسم الملك الموكّل بحجب القدس و الكرامة، تقول الفرس انّه يوم صالح مختار، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم مبارك محمود سعيد جميعه، تزوجّوا فيه، و اتوا اهاليكم من اسفاركم، و سافروا فيه، و اشتروا و بيعوا، و اطلبوا الحوائج من كلّ نوع، فانّها تقضى، و هو يوم مختار، و من مرض فيه أوّل النّهار يكون مرضه خفيفا، و من مرض في آخره اشتدّ مرضه، و خيف من موته في ذلك المرض، و زاد في بقية الأخبار انه يوم يصلح للتحويل و التزويج و الدخول بالأهل، و كتابة العهد، و الشركة، و التجارة، و قطع الجديد و لبسه، و البناء، و الزرع، و الغرس، و السلف، و القرض، و المعاملة، و لقاء السلطان، و لا يصلح للفصد، و الحجامة، و الحمام، و من ولد فيه كان مباركا ميمونا.
الثالث: اردي بهشت روز، اسم الملك الموكّل بالشفاء و السقم، تقول الفرس انّه يوم ثقيل، و يقول الصادق عليه السّلام: انه يوم نحس مستمر ثقيل، فاتقّوا فيه الحوائج، و جميع الاعمال، و لا تدخلوا فيه على السلطان، و لا تبيعوا، و لا تشتروا، و لا تزوجّوا، و لا تسألوا فيه حاجة، و لا تكلّفوها احدا، و احفظوا انفسكم، و اتقّوا اعمال السلطان، و تصدّقوا ما امكنكم، و هو اليوم الذي اخرج اللّه فيه آدم و حواء من الجنّة، و سلبا فيه لباسهما، و قتل هابيل-قتله أخوه قابيل
ص:383
عليه اللعّنة و العذاب الشديد-و من سافر فيه ذهب ماله و قطع عليه لا بد. و في بقية الأخبار: لا تشارك فيه احدا، و لا تلق فيه احدا، و اجعل شغلك في علاج امر منزلك، و ان امكنك ان لا تخرج من دارك فافعل، و استعذ باللّه من شرّه بعوذة أمير المؤمنين عليه السّلام، و من مرض فيه أو في ليلته خيف عليه إلاّ ان يشاء اللّه تعالى. و من ولد فيه كان منحوسا، و لكن في رواية اخرى ان من ولد فيه كان مرزوقا طويل العمر، و الهارب فيه يوجد، و المريض فيه يجهد، و في ثالث: انه يصلح للصيد و شراء الدواب.
الرابع: شهريور روز، اسم الملك الذي خلقت منه الجواهر، و وكّل بها، و هو موكّل ببحر الروم، و تقول الفرس انّه يوم مختار، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم مبارك ولد فيه هابيل بن آدم، و في رواية اخرى انّه ولد فيه هبة اللّه شيث بن آدم عليه السّلام، و هو يوم صالح جيّد للتزويج، و طلب الصيد في البرّ و البحر، و قضاء الحوائج، و الصلح، و التجارة، و الصيد.
و يستحبّ فيه العمارة و البناء، و اتّخاذ الماشية، و من ولد فيه يكون رجلا صالحا، مباركا، و محبّبا الى الناس، الاّ انّه لا يصلح فيه النقل و التحويل، و الحلق و السفر، لانّ من سافر فيه خيف القطع و السلب و القتل و بلاء و غم يصيبه. و في رواية: انّه يسلب كما سلب آدم و حواء لباسهما، و من مرض فيه يبرأ سريعا ليلته ان شاء اللّه تعالى، و من هرب فيه عسر طلبه و لجأ [و لحماء]الى من يمنع منه.
الخامس: اسفندار روز، اسم الملك الموكّل بالارضين، تقول الفرس انّه يوم ثقيل، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم ملعون نحس رديء، ولد فيه قابيل بن آدم عليه السّلام، و كان ملعونا كافرا، و هو الذي قتل أخاه هابيل فيه و دعى بالويل و الثبور على اهله، و ادخل عليهم الغم و البكاء، و فيه لعن ابليس هاروت و ماروت و فرعون و [كل]جبار فيه لعن و عذب، فاجتنبوه، فانّه يوم شؤم نحس مستمر مذموم، نكد، عسر، لا خير فيه، فاستعذ باللّه من شرّه، و لا
ص:384
تبتدىء فيه بعمل، و لا تطلب فيه حاجة، و لا تدخل فيه على السلطان، و ادخل منزلك و تعاهده، و احذر فيه كل الحذر من السباع، و الحديد، و الاسواء، و اتّق فيه الاّ من العمارة، و شرب الدواء، و حلق الشعر، و احذر فيه المناظرة، و من كذب فيه عجل اللّه له الجزاء، و من ولد فيه كان مشؤما ثقيلا، نكد الحياة، عسير الرزق، و من مرض فيه أو في ليلته ثقل مرضه و خيف عليه.
السادس: خرداد روز، اسم الملك الموكّل بالجبال، تقول الفرس انه يوم خفيف، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم ولد فيه نوح عليه السّلام مبارك، جيّد، صالح للتزويج، و شراء الماشية، و لقاء السلطان في كل حاجة، و السفر، و البيع و الشراء، و الصلح، و الديون، و القضاء، و الاخذ و العطاء، و النزهة، و لبس الجديد، و طلب الحوائج، و لكلّ ما يسعى فيه من الامر في البرّ و البحر و الصيد فيهما، و طلب المعاش، و لبس الجديد، و المناظرة، و الحجامة، و كلّ حاجة، و الاحلام فيه تصحّ، و يظهر تأويلها بعد يوم أو يومين، و احذر فيه الفصد، و الحرب، و التعليم على ما في خبر، و في آخر انّه: يصلح للتعليم، و من ولد فيه كان مباركا ميمونا موسّعا عليه في حياته، و من سافر فيه رجع الى اهله سريعا بكل ما يحبّه و يريده. و بكل غنيمة، فجدّوا في كل حاجة تريدونها فيه، فانها مقضيّة إن شاء اللّه تعالى. و من مرض فيه أو في ليلته لم يجاوز مرضه اسبوعا ثم يبرأ باذن اللّه تعالى.
السابع: مرداد روز، اسم الملك الموكّل بالنّاس و أرزاقهم، تقول الفرس انّه يوم جيد، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم سعيد، مختار مبارك، عظيم البركة، محمود لطلب الحوائج، و السعي فيها، فاعملوا فيه جميع ما شئتم من السعى في حوائجكم من البناء و الغرس و الذر و الزرع، و طلب المعاش و الصيد و المناظرة، و ابتداء كل امر، و لقاء القضاة و غيرهم، و الدخول على السلطان، و عمل الكتابة، و لقاء العدوّ، و السفر، و قد ركب فيه نوح عليه السّلام السفينة
ص:385
فاركب البحر، و سافر في البر، و عالج ما تريد، و اقض كل حاجة، و من بدأ فيه بالعمارة و غرس الاشجار و النخل حمد امره في ذلك، و من ولد فيه كان مباركا ميمونا على نفسه و ابويه خفيف النجم، موسّعا عيشه، و من مرض فيه أو في ليلته برىء باذن اللّه تعالى.
الثامن: ديبان روز [خ. ل: ديبا]، اسم من اسماء اللّه تعالى، تقول الفرس انّه يوم جيّد، و يقول الصادق عليه السّلام: انه يوم مبارك سعيد صالح لكلّ حاجة يسعى فيها، و للشراء و للبيع، و الاخذ و العطاء، و الضيافة، و الفصد، و طلب الحوائج، و لقاء القضاة و غيرهم، و الخصومة، و كلّ ابتداء، و الدخول على السلطان و غيره فإنّه يقضى فيه الحوائج، و لا يصلح للحمام، و لا للصيد، و المناظرة على رواية و يصلح لهما على رواية اخرى.
و يكره فيه سفر البر و البحر، و ركوب السفن فاتّقوه فيه، و يكره فيه ايضا الخروج الى الحرب، و كتب العهود، و من ولد فيه كان متوسّط الحال، طويل العمر، و من مرض فيه أو في ليلته برىء باذن اللّه تعالى، و في رواية: هلك، و من هرب فيه لم يقدر عليه الاّ بتعب، و من ضلّ فيه لم يرشد الاّ بجهد.
التاسع: آذر روز، اسم الملك الموكّل بالنيران يوم القيامة، تقول الفرس انّه يوم خفيف، و يقول الصادق عليه السلام: انّه يوم جيّد في اوّله، ردىء في آخره، و ليس هذا التفصيل في باقى الروايات، بل في خبر المعلّى بن خنيس، عنه عليه السّلام: انّه يوم صالح محمود خفيف سعيد مبارك من اوّل النهار الى آخر النهار، يصلح للسفر و لكلّ ما تريد، ولد فيه سام بن نوح عليه السّلام، يصلح لطلب الحوائج، و الصيد، و شرب الدواء، و الدخول على السلطان، و لقاء الملوك، و جميع الاعمال، و الدين، و القرض، و الاخذ و العطاء، فاطلبوا الحوائج فيه فانها تقضى لكم بمشية اللّه و توفيقه، و ابدأ فيه بالعمل و اقترض فيه، و ازرع فيه، و اغرس فيه، و لا يشترى فيه الملك لانه يخرب سريعا، و من ولد فيه كان محبوبا
ص:386
مقبولا عند الناس، يطلب العلم، و يعمل اعمال الصالحين، و من سافر فيه رزق مالا كثيرا و يرى في سفره كل خير، و من مرض فيه أو في ليلته برىء سريعا باذن اللّه تعالى، و لا يناله في علّته مكروه ان شاء اللّه تعالى، و في خبر: من مرض فيه ثقل، و من حارب فيه غلب، و من هرب فيه لجأ الى سلطان يمنع منه، و الاحلام فيه تصح من يومها.
العاشر: آبان روز، اسم الملك الموكّل بالبحار و المياه و الأودية، تقول الفرس انّه يوم ثقيل، و يقول الصادق عليه السّلام: انه يوم محمود خفيف صالح جيّد لكلّ شىء ما خلا الدخول على السلطان، و هو اليوم الذّي ولد فيه نوح عليه السّلام، و رفع فيه إدريس عليه السّلام مكانا علّيا، و فيه اخذ موسى عليه السّلام التوراة، يصلح للشراء و البيع، و كتب الكتب، و ارسال الرسل، و الشروط، و العهود، و اعمال الدواوين، و الحساب، و السفر على خبر، و في خبر آخر انّه ليحذر فيه من السفر، و الصيد، و المعالجة، و الصعود على مرتفع فانه يخاف عليه السقوط، و من ولد فيه يكون مباركا حليما صالحا عفيفا مرزوقا في معاشه، و لا يصيبه ضيق ابدا، و لا يموت حتى يهرم، و لا يبتلى بفقر، و من فرّ فيه من السلطان أو غيره ظفر به و اخذ و حبس و سجن، و من ضلّت له ضالّة وجدها، و من مرض فيه برىء ان شاء اللّه تعالى، و في خبر ابن طاوس: انّ من مرض فيه او في ليله يخاف عليه، و في خبر ثالث: انّه يستحب لمن مرض فيه ان يوصي و يكتب العهود.
الحادي عشر: خور روز، اسم الملك الموكّل بالشمس، تقول الفرس انّه يوم ثقيل مثل امسه، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه اليوم الذي ولد فيه شيث بن آدم، و موسى عليه السّلام و النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و هو يوم صالح للشراء و البيع و المعاملة، و القرض، و الزرع، و المناظرة، و الصيد، و البناء، و شراء الدواب، و ابتداء العمل، و لجميع الاحوال و الحوائج، و السفر، و هو جيد للقاء
ص:387
الملوك، و لا يصلح للدخول على السلطان و معاملته، و التصرّف فيه، فانّه مكروه، و التوارى عنه فيه اصلح من الدخول عليه، فاجتنبوا فيه ذلك، و هو رديء للفصد و الحمام، و النكاح، و لبس الجديد، و شراء المماليك، و من ولد فيه يكون مباركا مرزوقا في معاشه، طويل العمر، و لا يفتقر ابدا، فاطلبوا فيه حوائجكم ما خلا السلطان، و من مرض فيه أو في ليلته برىء باذن اللّه تعالى، و من ضلّ فيه سلم، و في رواية اخرى: انه يموت فقيرا، أو يهرب من السلطان، و من هرب فيه رجع طايعا.
الثاني عشر: ماه روز، اسم الملك الموكّل بالقمر، و في رواية انّه اسم الملك الموكل بالأرزاق، تقول الفرس انّه يوم خفيف يسمى: روز به، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم صالح جيد مبارك مختار، فيه قضى موسى الأجل، يقال له: مخزن الاسرار، يصلح للتزويج، و البيع و الشراء، و الاخذ و العطاء، و الشركة، و ركوب الماء، و فتح الحوانيت، و عمارة المنازل، و شرب الدواء، و الصيد، و الحمام، و الزرع، و التحويل، و السفر، و كلّ ما يراد-مثل اليوم الحادى عشر-فاطلبوا فيه حوائجكم، و ادخلوا فيه على السلطان، و لا تدخلوا عليه في آخره، و استعينوا باللّه عزّ و جلّ فيها، فانها تقضى لكم بمشية اللّه.
و يستحب فيه ركوب الماء و يتجنب فيه الوساطة بين الناس، و من ولد فيه يكون طويل العمر عفيفا، ناسكا، صالحا، و من مرض فيه أو في ليلته من حمّى خيف عليه الاّ ان يشاء اللّه عزّ و جلّ، و ليحذر فيه من الهرب فانه يظفر به.
الثالث عشر: تير روز، اسم الملك الموكّل بالنجوم، تقول الفرس انه يوم ثقيل شوم جدا، و يقول الصادق عليه السّلام: انه يوم مذموم ردىء نحس مستمر، هلك فيه ابن نوح عليه السّلام، و امرأة لوط، فاتّقوه في جميع الاعمال [ما استطعتم]سيما لقاء الاكابر، و استعيذوا باللّه من شرّه، و لا تقصدوا و لا تطلبوا فيه الحاجة اصلا، و لا تدخلوا فيه على السلطان و غيره جهدكم.
ص:388
و يكره فيه كل امر و يتّقى فيه المنازعات و الحكومة، و يحذر فيه الرمي فانه مشوم، و لا يدهن فيه الرأس و لا يحلق الشعر، و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلىّ العظيم.
نعم يصلح هذا اليوم لمجالسة اهل الصلاح، و الاشتغال بالدعاء، و من ولد فيه كان مشوما، عسير الرزق، كثير الحقد، نكد الخلق و ان ولد [فيه] ذكر لم يعش، و من مرض فيه او في ليلته يخاف عليه، و من ضلّ او هرب فيه سلم، و الاحلام فيه تصحّ من بعد تسعة ايام.
الرابع عشر: جوش روز، اسم الملك الموكّل بالبشر و الانعام و المواشي و عن سلمان الفارسى انّه اسم الملك الموكّل بالانفاس و الالسن و الريح، تقول الفرس انه يوم خفيف، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم ولد فيه إبراهيم عليه السّلام جيّد، صالح لكلّ عمل و امر يراد، يصلح للبيع و الشراء، و التجارة، و الشركة، و القرض، و الاستقراض، و اعمال الديوان، و المناظرة و الركوب في البحر، و الفصد، و طلب العلم، و طلب الحوائج، و لقاء الاشراف و العلماء و الملوك و السلطان، و ليحذر فيه الاعمال السيئة، و من ولد فيه كان حسن الكمال مشغوفا بطلب العلم كاتبا، اديبا، سليما، سعيدا، و كان في اموره مسدّدا محمودا مرزوقا و يعمر طويلا و يكثر ماله في آخر عمره و يكون غنيا، و من مرض فيه برئ بمشية اللّه عزّ و جلّ من مرضه و لم يطل.
و في رواية اخرى: طال مرضه و خيف عليه الهلاك، و من هرب فيه يؤخذ، و الاحلام فيه تصح بعد ستة عشر يوما، و اللّه اعلم.
الخامس عشر: دي مهر روز، اسم من اسماء اللّه تعالى، و في خبر انه اسم الملك الموكّل بالعرش، ولد فيه عيسى عليه السّلام، و نجى ابراهيم عليه السّلام من النّار، تقول الفرس انّه يوم خفيف، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم صالح مبارك لكلّ عمل و كلّ حاجة تريدها، فاطلبوا الحوائج فانّها تقضى
ص:389
ان شاء اللّه تعالى، و هو صالح للتجارة، و النكاح، و السفر، و الصيد، و لبس الجديد، و قطعه، و لقاء الاشراف، و العظماء، و الرؤساء، و القضاة، و السلطان، و العلماء، و التعليم، و طلب ما عند الرؤساء و الكتّاب، فاعمل فيه ما بدا لك فانّه يوم سعيد، و احذر فيه الفصد، و من ولد فيه يكون ألثغ أو أخرس، و سيّىء الخلق و من مرض فيه أو في ليلته خيف عليه الاّ ان يشاء اللّه عزّ و جلّ، و الاحلام تصحّ فيه بعد ثلاثة ايّام، و اللّه اعلم.
و ربّما ينافي ما ذكر في هذا اليوم من مفاد الاخبار ما في خبر يونس بن ظبيان عن الصادق عليه السّلام من انّه: يوم محظور في كلّ الامور الاّ من اراد ان يستقرض، او يقرض، او يشاهد ما يشترى، و من هرب فيه يظفر به في مكان قريب [خ. ل: غريب]و من مرض فيه برىء عاجلا باذن اللّه سبحانه.
و في خبر آخر: مات، و انّه ولد فيه قابيل، و كان ملعونا فاحذروا فيه كلّ الحذر، و فيه خلق الغضب، و يوافق هذه الرواية ما في خبر محمد بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام من انّه يوم نحس من سافر فيه هلك و يناله المكروه، و من ولد فيه كان مجنونا لا محاله، و ظنّي انّه اشتباه باليوم الآتي، و اللّه العالم.
السادس عشر: مهر روز، اسم الملك الموكّل بالرحمة-كما في خبر معلّى بن خنيس عن الصادق عليه السّلام-و في خبر آخر عن سلمان الفارسى انّه اسم ملك موكّل بالجحيم، تقول الفرس انه يوم خفيف جيد جدا، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم نحس مستمر ردّي مذموم يصلح لدخول الحمام، و حلق الرأس، و عمل الخير و لا يصلح لسائر الاعمال و الحوائج فلا تطلبوها سيّما السفر فان من سافر فيه هلك و يناله مكروه، فاجتنبوا فيه الحركات، و اتّقوا فيه طلب الحوائج ما استطعتم فانها ان قضيت تقضى بمشقّة و ربّما لم تتمّ فاتّقوا ما استطعتم، و تصدّقوا فيه، و تعوذّوا من شرّه، و يكره فيه لقاء السلطان، و في رواية: انّه يصلح للتجاره، و البيع، و المشاركة، و الخروج الى البحر، و يصلح للابنية،
ص:390
و وضع الاساسات، و يصلح لعمل الخير، و في خبر: انّه خلقت فيه المحبّة و الشهوة، و هو يوم السفر فيه جيّد في البرّ و البحر، استاجر [فيه]من شئت، و ارفع فيه الى من شئت، و هو مناف لما في بقيه الاخبار من التحذير فيه من السفر، و اوضح منه منافاة و اعمّ منه مناقضة ما في خبر آخر من: انّه يوم جيد لكلّ ما يراد من الاعمال و النيّات و التصرفات، و المولود فيه يكون عاملا و هو يوم لجميع ما يطلب فيه من الأمور الجيدة، و من ولد فيه يكون مشوما، عسر التربية، منحوسا في عيشه، و يكون لا بدّ مجنونا.
و فصّل في خبر آخر بانه ان ولد صبحا الى الزوال يكون مجنونا [خ. ل: بخيلا]، و ان ولد بعد الزوال صحت حاله و تكون اعماله صالحة، و من مرض فيه لا يكاد ينجو.
و في خبر آخر: انه خيف عليه الهلاك و يطول مرضه.
و في ثالث: انه برىء عاجلا، و بينهما تناف، و الذي يهرب فيه يرجع، و الضالّ فيه يسلم و يوجد، و الاحلام تصحّ فيه بعد يومين.
السابع عشر: نمروش روز، و قيل: سروس، و قيل: شروس، و قيل: شروش روز، اسم الملك الموكل بحراسة العالم، و هو جبرائيل، و في رواية انّه اسم الملك الموكل بخراب العالم، و اظنّه من غلط الناسخ، لأنّ جبرئيل ليس موكّلا بخراب العالم بل بحراسته، تقول الفرس انّه يوم مختار خفيف متوسط، و يقول الصادق عليه السّلام انّه يوم محمود صالح لكلّ ما يراد، جيّد موافق، صاف، مختار لجميع الحوائج، فاطلبوا فيه ما شئتم، و تزوّجوا، و بيعوا و اشتروا، و ازرعوا و ابنوا، و ادخلوا على السلطان و غيره، فانّ حوائجكم تقضى بمشية اللّه سبحانه، و اطلبوا فيه ما تريدون فانه جيّد خلقت فيه القوّة، و خلق فيه ملك الموت، و هو الذي بارك فيه الحق على يعقوب عليه السّلام، جيّد صالح للعمارة، و فتق الانهار، و غرس الاشجار، و التزويج، و الختانه، و الشركة، و التجارة، و لقاء الاخوان،
ص:391
و المضاربة للاموال، و في خبر آخر انّه متوسط الحال يحذر فيه المنازعة، و القرض، و الاقتراض، و من اقرض فيه شيئا لم يردّ اليه، و ان ردّ فبجهد، و من استقرض فيه شيئا لم يردّه. و هذا الخبر لا ينافى سابقه، و انّما ينافي ما في خبر معمّر من انه يوم ثقيل لا يصلح لطلب الحوائج و احذر فيه، و احسن الى ولدك و عبدك. و كيف كان، فمن ولد في هذا اليوم يكون مباركا سعيدا في كلّ امره، و عاش طويلا طيّبا لا يرى فيه فقرا، و صلحت حاله و تربيته، و من مرض فيه خلص و برىء باذن اللّه تعالى.
الثامن عشر: رش روز-على نسخة-و روش روز-على نسخة أخرى و روشا روز، على ثالثة، و روشن-على رابعة-، و وشن-على خامسة-، و رش رس- على سادسة، اسم الملك الموكّل بالنيران، تقول الفرس انّه يوم خفيف، و يقول الصادق عليه السّلام: يوم مختار جيّد، مبارك، صالح للسفر، و البيع و الشراء، و الزرع، و الشركة، و التجارة، و قطع الثياب، و الفصد و العمارة و البناء، و شراء البيوت و المنازل، و التزويج، و طلب الحوائج و المهمات، و كلّ أمر يراد، فاسع فيها فانها تقضى، و اطلب فيه ما شئت فانك تظفر، و يصلح للدخول على السلطان، و القضاة و العمال، و ليحذر فيه الفسق، و الفجور، و الاعمال السيّئة، و من تزوّج فيه يرى خيرا، و من اقترض فيه قرضا ردّه إلى من اقترض منه، و من خاصم فيه عدّوه خصمه و غلب عليه و قهره و ظفر به بقدرة اللّه تعالى، و من سافر فيه قضيت حاجته، و من ولد فيه كان حسن التربية، محمود العيش، حسن الحال، و لا يرى فقرا، و لا يموت إلاّ عن توبة، و من مرض فيه أو في ليلته برئ و نجى بإذن اللّه تعالى.
التاسع عشر: فروردين روز، اسم الملك الموكّل بارواح الخلائق و قبضها، سمّي باسمه لولادته فيه، تقول الفرس انه يوم ثقيل، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم مختار مبارك جيّد، خفيف، صالح لكلّ شيء من التزويج، و طلب
ص:392
المعاش، و الحوائج، و تعلّم العلم، و شراء الرقيق و الماشية: و لقاء السلطان و كتابة الكتب، و اعمل الاعمال، و ارسال الرسل، و الصيد، و الحمّام، و التحويل، و لقاء الاشراف، و السفر، فانّ من سافر فيه تقضى حوائجه و اموره، و كلّ ما يصل اليه، و هو اليوم الذي ولد فيه اسحاق بن ابراهيم عليه السّلام، و ليحذر فيه من اخراج الدماء، و حلق الشعر، و من ولد فيه يكون مباركا، كاتبا، مرزوقا ان شاء اللّه، صالح الحال، متوقّعا لكل خير، و من ضلّ فيه او هرب قدر عليه بعد نصف شهر، و من مرض فيه أو في ليلته يخلص باذن اللّه تعالى، و يعارض ما ذكر ما روي عنه عليه السّلام-ايضا-من انه يوم شديد، كثير شرّه، لا تعمل فيه عملا من اعمال الدنيا، و الزم فيه بيتك، و اكثر فيه ذكر اللّه عزّ و جلّ و ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و لا تسافر فيه، و لا تدفع الى احد شيئا، و لا تدخل على سلطان، و من ولد فيه يكن سيّىء الخلق، و من مرض فيه خيف عليه، و في رواية اخرى: انّه يحمد فيه لقاء الملوك و السلاطين لطلب الحوائج و طلب ما عندهم و في ايديهم.
العشرون: بهرام روز، اسم الملك الموكّل بالنصر و الخذلان في الحرب، و في رواية اخرى: انّه اسم الملك الموكل بالسحاب، و في ثالثة: انه اسم الملك الموكل بالارواح، تقول الفرس انّه يوم خفيف، و يقول الصادق عليه السّلام: انه يوم خفيف مبارك، محمود، مسعود، صالح، جيّد، مختار لما تحبّ، يصلح لطلب الحوائج و البناء و وضع الاساس، و التزويج، و الغرس، و الدخول على السلطان و غيره، و الشّراء و البيع، و حصاد الزرع، و غرس الشجر، و الكرم، و اتخاذ الماشية، و طلب المعاش، و التوجّه بالانتقال و الاشغال، و الفصد، و حلق الشعر، و المعالجة و الاعمال الرضيه، و الابتداءات للامور، و السفر بالخصوص فان من سافر فيه رجع سالما غانما، و قضى اللّه حوائجه، و حصّنه من جميع المكاره على ما روي عن امير المؤمنين عليه السّلام، و ورد الامر بالحذر فيه عن الخصومة، و الصيد،
ص:393
و التقاضي للعرفاء، و في شراء العبد فيه خبران: احدهما ينهى عنه، و الآخر يوجبه، و من ولد فيه ففي خبر انه يكون في صعوبة من العيش و يكون ضعيفا، و في آخر: انه يكون طويل العمر ملكا يملك بلدا أو ناحية منه، و يكون حليما فاضلا، و من مرض فيه او في ليلته ففى خبر انه صعب مرضه، و في آخر انه مات، و في ثالث انه يخلص باذن اللّه تعالى، و من هرب فيه كان بعيد الدرك، و من ضل فيه خفي امره.
الحادي و العشرون: رام روز، اسم الملك الموكّل بالفرح و السرور، تقول الفرس انّه يوم جيّد يتبرك به، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم نحس مستمر مذموم، اكل فيه آدم عليه السّلام من الشجرة، و عصى ربّه، و هو يوم اهراق الدماء، يصلح له، فاتّقوا فيه ما استطعتم من الاذى، و لا تطلبوا فيه حاجة، و لا تنازعوا فيه خصما، و لا تلق فيه سلطانا تتّقيه، فهو يوم رديء منحوس مذموم لساير الامور، و لا تخرج من بيتك، و توقّ ما استطعت و تجنّب فيه اليمين الصادقة، و تجنّب فيه الهوام، فان من فيه لسع مات، و لا تواصل فيه احدا، و لا تعمل فيه عملا، و لا تشارك فيه احدا، و اقعد في منزلك، و استعذ من شرّه، و صم، و تصدّق، و تب، و استغفر، و اعتصم من المكاره، و احذر الاعمال، فانه اوّل يوم اريق فيه الدم، و حاضت فيه حواء، و من سافر فيه لم يربح، و في نسخة لم يرجع و خيف عليه، و من مرض فيه تشتد علته و لم يبرأ، و من ولد فيه يكون ضيق الامور نكد الحياة محتاجا فقيرا في اكثر أمره (1)و دهره، و في خبر آخر: ان من ولد فيه يكون صالحا، و يتّقى فيه من السلطان و السفر، و يكره فيه ساير الاعمال، و الفصد، و الحجامة، و لقاء الاجناد و القوّاد، و الساسة.
و يعارض ما ذكر ما في خبر آخر من انّه اسم ملك موكّل بالسحاب يوم مبارك جيّد للنكاح، و المناظرة، و البيع و الشراء، و العمارة، رديء للصيد، و المعالجة،
ص:394
و دخول الحمام.
الثاني و العشرون: باد روز، اسم الملك الموكل بالرياح، و قيل اسم الموكل بالسحاب، و قيل اسم من اسماء اللّه سبحانه، تقول الفرس انّه يوم ثقيل، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم سعيد مبارك مختار جيّد صاف حسن، ما فيه مكروه، يصلح لكل حاجة تريدها، فاطلبوا فيه الحوائج فانّه يوم جيّد، خاصة للشراء و البيع، و كذا يصلح فيه الصيد و النكاح و المناظرة و العمارة و الحمام و الحلق و السفر و غيرها و طلب الحوائج و المهمات و ساير الاعمال و الصدقة فيه مقبولة، و لها ثواب جزيل جليل عظيم. و الرؤيا فيه مقصوصة، و التجارة فيه مباركة، و الآبق فيه يوجد، و التزويج فيه جيّد، و ان خاصمت فيه كانت الغلبة لك، و يجد فيه كل حاجة، و الاعمال السلطانيّة و ساير التصاريف في الاعمال المرضية، و من ولد فيه يكون مباركا محبوبا ميمونا، سعيدا طيب العيش، و من مرض فيه أو في ليلته لا يخاف عليه و يخلص و يبرأ سريعا، و من سافر فيه ربح و خصب و رجع معافى الى اهله سالما ان شاء اللّه تعالى، و من دخل الى السلطان بلغ محابه، و وجد عنده نجاحا لما قصده له، و ليحذر فيه من الفسق و الفجور.
الثالث و العشرون: ديبدين روز، و في بعض الاخبار: ريبدين روز، اسم الملك الموكل بالنوم و اليقظة و حراسة الارواح حتى ترجع الى الابدان، و في خبر: انه اسم من أسماء اللّه تعالى، يقول الفرس انّه خفيف، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم سعيد مختار مبارك، ولد فيه يوسف النّبي الصدّيق عليه السّلام، صالح لكلّ حاجة و لكل ما يراد، و خاصة للتزويج و التجارات كلها، و الدخول على السلطان، و السفر و التماس الحوائج، جيد للقاء الملوك و الاشراف و المهمات، و الفصد و الحمام، و اخذ الشعر، و الاخذ و العطاء، و النقلة و التحويل من مكان الى مكان، و ساير الاعمال، و هو يوم خفيف يصلح للبيع و الشراء، و في روايه شاذة: انّه نحس لا يصلح الا للفصد و نحوه من اراقة الدم حسب، و ليحذر
ص:395
فيه من الطعام الرديء، و من الاعمال و خصوصا السفر، و لا تلق فيه سلطانا، و لا تخرج من بيتك، و لا تطلب فيه حاجة، و من ولد فيه يكون صالحا طيّب النفس، حسنا، محبوبا، حسن التربيه في كل حاله، رخي البال، سعيدا، و عاش عيشا طيّبا. و في خبر: انه ولد فيه ابن يامين اخى يوسف عليه السّلام، و من ولد فيه يكون مرزوقا مباركا هذا على اكثر الاخبار، لكن في خبر انه يوم نحس مشوم من ولد فيه لا يموت الاّ مقتولا، ولد فيه فرعون، و من سافر فيه يغنم و يصيب خيرا بمشية اللّه عزّ و جلّ، و من مرض فيه أو في ليلته ينجو و يبرأ باذن اللّه تعالى، و الآبق فيه يوجد، و الضالّة ترجع، و الرؤيا فيه كاذبة.
الرابع و العشرون: دين روز، اسم الملك الموكّل بالسعي و الحركة، و زاد في خبر: الموكّل بالنوم و اليقظة، و حراسة الارواح حتى ترجع الى الابدان، تقول الفرس انّه يوم خفيف جيّد، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم نحس مستمرّ مذموم مشؤوم ملعون، ولد فيه فرعون ذو الاوتاد لعنه اللّه، و هو يوم عسر نكد مكروه لكلّ حال و عمل، فاحذره، و لا تعمل فيه عملا و لا تلق فيه احدا، و اتّق اللّه ما استطعت، و اقعد في منزلك، و استعذ باللّه من شرّه، لا ينبغي لاحد ان يبتدئ فيه بحاجة.
و يكره فيه جميع الاحوال و الاعمال، نحس لكلّ امر يطلب فيه، غير صالح الاّ للفصد، و ليحذر فيه من الطعام الرديء، و من الاعمال خصوصا السفر، فانّ من سافر فيه مات في سفره، و في نادر من الاخبار انه جيّد للسفر، و من ولد فيه يموت في سفره، أو يقتل، أو يغرق، و يكون مدّة عمره حتى يموت سقيما محزونا مكدورا، نكد العيش، لا يوفّق للخير ابدا و ان حرص عليه جهده و في خبر آخر انه يقتل في آخر عمره اذا حرص في طلب الرزق أو يغرق، لكن عن أمير المؤمنين عليه السّلام: ان من ولد فيه علا أمره إلاّ انّه يكون حزينا حقيرا، و من مرض فيه أو في ليلته طال مرضه و خيف عليه، و لا يكاد ينتفع بمقصده
ص:396
و لو جهد جهده، و الرؤيا فيه كاذبة.
الخامس و العشرون: ارد روز، اسم الملك الموكّل بالجن و الشياطين، تقول الفرس انّه يوم ثقيل، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم مكروه نكد ثقيل نحس رديء مذموم، و هو اليوم الذى اصاب فيه اهل مصر سبعة اضرب من الآفات (1)، و في رواية تسعة اضرب، و هو يوم شديد البلاء فلا تطلب فيه حاجة، و لا تلق فيه احدا، و لا تحلف فيه صادقا و لا كاذبا، و احفظ فيه نفسك و اخل بها، و احترز و اتّق فيه جهدك، فإنّه اليوم الذي ضرب اللّه عزّ و جلّ فيه اهل الآيات مع فرعون، و احذر من جميع الاعمال سيما السفر و التجارة، و النكاح و الحمام و الصيد، نحس لا ينبغي ان يبدأ فيه بشيء، و افزع فيه الى الدعاء و الصلاة و عمل الخير، و اقعد في منزلك و استعذ باللّه تعالى، و من ولد فيه كان ثقيل التربية نكد الحياة، و في خبر آخر انه يكون ملكا مرزوقا نجيبا من الناس، تصيبه علّة شديدة و يسلم منها، و في خبر ثالث: انّه يكون فقيها عالما، و في رابع: انه يكون كذّابا نمّاما لا خير فيه، و هو يوم سوء، و من سافر فيه لا يرجع و لا يربح، و من مرض فيه اجهد و لا يكاد يبرأ و هو الى الموت اقرب من الحياة، و في خبر: لا ينجو، و في ثالث: من لم يفق من مرضه فاتّقه، هذا و في نادر من الاخبار انّ هذا اليوم جيّد للشراء و البيع، و البناء و الزرع و يصلح لقضاء الحوائج، و هو مخالف لبقيّة اخبار الباب.
السادس و العشرون: اسناد روز-كما في خبر-و اشتاد روز-كما في عدّة اخبار-اسم الملك الذى خلق عند ظهور الدين-كما في خبر-و اسم الملك الموكّل بالانس-كما في آخر-تقول الفرس: انّه يوم جيد، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم صالح مبارك للسيف، ضرب فيه موسى البحر فانفلق، يصلح للشراء و البيع، و قضاء الحوائج، و البناء، و الغرس، و الزرع، و شراء
ص:397
الاملاك و لكل حاجة ما خلا التزويج، و السفر، و العمارة، و الفصد، و التحويل، فانّ من تزوّج فيه لم يتم امره، و يفارق اهله، و من سافر فيه لم يصلح له ذلك و لم يربح و لم يرجع، و عليكم بالصدقة فانّ المنفعة بها وافرة، و لمضارّه رافعة بمشية اللّه تعالى و عونه، و اقتصر في غير واحد من الاخبار على استثناء التزويج، و رفع المنع عن غيره حتى عن السفر لانه عليه السّلام قال: هو يوم صالح للسفر و لكل امر يراد الاّ التزويج، فانّ من تزوج فيه فرّق بينهما كما انفرق البحر لموسى عليه السّلام، و يكون عيشهما بغيضا، و لا تدخل اذا وردت من سفرك فيه الى اهلك، بل صرح في خبر بان النقلة فيه جيدة، و انه يوم جيد للسفر فسافر فيه و الق من شئت تغنم، و تقض حوائجك، و من ولد فيه ففي خبر انّه يكون متوسّط الحال، و في آخر انّه يكون قليل الحظّ، و يغرق كما غرق فرعون في اليمّ، و في ثالث: ان من ولد فيه طال عمره، و في رابع: انه يكون مجنونا مخبلا بخيلا، و من مرض فيه أو في ليلته اجهد و برىء بعد مدّة.
السابع و العشرون: آسمان روز-كما في خبر-و اسيمان روز-كما في آخر-، اسم الملك الموكل بالسموات-كما في خبر-، و الموكّل بالطير-كما في آخر- تقول الفرس: انّه يوم مختار، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم صاف، جيّد، سعيد، مبارك، مختار، صالح لطلب الحوائج الى السلطان، و الى الاخوان، و السفر الى البلدان خصوصا في الضحى، و انّه صالح للشراء و البيع، و الدخول على السلطان و النساء، و الزرع، و الغرس، و البناء، و الخصومة، و لقاء القضاة، و الابتداءات و الاسباب و التزويج، و دخول الحمّام، و المناظرة، و هو يوم سعيد جيد، و فيه ليلة القدر، فاطلب فيه ما شئت، خفيف لساير الاحوال، اتّجر فيه و طالب بحقّك، و اطلب عدوّك، و الق فيه من شئت، و اعمل ما شئت واسع في حوائجك، و سافر الى حيث اردت فانّ من سافر فيه يحمد امره، و اتّق فيه الفصد، و اخراج الدم، و الصيد، و شراء الدواب، و في خبر: و ليتّق التزويج، و يردّه التصريح في
ص:398
بقيّة الأخبار بصلاحه للتزويج، و من ولد فيه كان جميلا، حسنا، مليحا، خفيف التربية، طويل العمر، كثير الخير، مرزوقا كثير الرزق، محبوبا عند أهله، قريبا إلى النّاس، محبّبا إليهم، مقبلا، و في خبر: انه يكون غشوما، مرزوقا، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام: انّه ولد فيه يعقوب عليه السّلام، من ولد فيه يكون مرزوقا، محبوبا عند أهله، لكنّه تكثر احزانه، و يفسد بصره، و من مرض فيه أو في ليلته برئ من مرضه كما في خبر، و مات كما في آخر.
الثامن و العشرون: دامياد روز-كما في خبر-و رامياد-كما في آخرين- و امياد-كما في ثالث-، اسم الملك الموكّل بالقضاء بين الخلق-كما في خبر- و بالأرضين-كما في آخر-و بالسموات-كما في ثالث-تقول الفرس: انّه يوم ثقيل منحوس، و يقول الصادق عليه السّلام: انه يوم سعيد مبارك ممزوج ممدوح، ولد فيه يعقوب النّبي عليه السّلام، يصلح للسفر و لجميع الحوائج، و كلّ أمر و العمارة، و البيع، و الشراء و التزويج و البناء و الغرس و المناظرة و شرب الدواء، و الدخول على السلطان، و قضاء الحوائج، و الأمور، و المهّمات، و دفع الضرورات، و لقاء القواد و الحجّاب و الاجناد، و قاتل فيه أعداءك فانكّ تظفر بهم، و اعمل فيه ما شئت، و ألق من شئت، و أحذر فيه الفصد، و اخراج الدم، و الحمّام، و الاحلام فيه تصحّ من يومها، و من مرض فيه أو في ليلته برئ من مرضه كما في خبر، و يموت كما في آخر، و من أبق فيه رجع، و من ولد فيه يكون مباركا مقبلا حسنا جميلا مرزوقا محبوبا محبّبا إلى الناس و إلى اهله، محسنا إليهم مشعوفا، محزونا، يطول عمره، و يصيبه الغموم، و يبتلى في بدنه، و يعافى في آخر عمره و يعمر طويلا، و يبتلي في بصره، و لا يؤمن عليه من ذهابه. و عن أمير المؤمنين عليه السّلام: ان من ولد فيه يكون صبيح الوجه، مسعود الجّد، مباركا ميمونا، و من طلب فيه شيئا تمّ له و كانت عاقبته محموده.
التاسع و العشرون: مهر اسفند روز-كما في خبر-و مار اسفندار-كما في آخر-، و مار اسفند-كما في ثالث-و فار اسفند-كما في رابع-اسم الملك الموكّل
ص:399
بالافنية و الازمان و العقول و الاسماع و الابصار كما في خبر، و بالافئدة و العقول و الاسماع و الابصار كما في آخر، و اسم ميكائيل كما في ثالث، تقول الفرس: انّه يوم جيّد، و يقول الصادق عليه السّلام: انّه يوم مختار جيّد، خفيف مبارك، قريب الامر، يصلح لكلّ حاجة، و اخراج الدم، و هو يوم سعيد لسائر الامور و الحوائج و الاعمال، فيه بارك اللّه تعالى على الارض المقدّسة، و يصلح للنقلة، و شراء العبيد و البهائم، و لقاء الاخوان و الاصدقاء، و الاودّاء، و الاشراف، و الملوك، و فعل البرّ و الخير، و الحركة و النكاح، و تعمير البلاد، و الدخول على السلطان، و النقلة، و اقض فيه كل حاجة، و لا تستخلف فيه أحدا، و لا تأخذ فيه من احد، و لا تضرب فيه حرّا و لا عبدا، و امّا السفر ففي اكثر الاخبار انّه صالح سعيد فيه، و انّ من سافر فيه يصيب مالا كثيرا الاّ من كان كاتبا، فانّه يكره له ذلك، و لا ارى له السعي في حاجة ان قدر عليه، و في خبر: و سافر و الق من شئت، و في آخر: انّه يوم جيد صالح يحمد فيه النقله، و السفر، و الحركة، و في خبر: انّه لا يصلح هذا اليوم للسفر، و طلب العلم، و لبس الجديد و قطعه، و شراء الدّواب، و في خبر: انّه يكره فيه الدين و السلف و الايمان، و من ولد فيه كان مباركا شجاعا صالحا حليما، و من مرض فيه او في ليلته يخاف عليه كما في خبر، و يموت كما في آخر، و يبرأ كما في ثالث، و الآبق فيه يوجد، و من ضلّت له ضالّة وجدها، و الاحلام فيه تصحّ من يومها، و في خبر انّ الرؤيا فيه صادقة، و لا تقصّها الاّ بعد يوم.
اليوم الثلاثون: انيران روز-كما في خبرين-و ايران روز-كما في آخرين-، اسم الملك الموكل بالادوار و الازمان-كما في خبر-و بالدهور و الازمنة-كما في آخر-و بالايام-كما في ثالث-و بالحروب-كما في رابع-تتبرك به الفرس، و تقول انه يوم خفيف يحمد فيه ساير الاعمال و التصرفات. و يقول الصادق عليه السّلام: انه يوم مختار جيد مبارك ميمون مسعود مفلح منجح مفرّح، صالح لكل
ص:400
شيء، و هو اليوم الذي ولد فيه إسماعيل عليه السّلام بن إبراهيم عليه السّلام، و فيه خلق اللّه العقل و اسكنه رؤوس من أحب من عباده، و هو يوم يصلح لكل شيء و لكل حاجة من شراء و بيع و زرع و غرس و تزويج و بناء و اخراج الدم و الفصد و الشركة و الحمام و الحلق و المعالجة و طلب الحوائج، فاعمل فيه ما شئت و الق من أردت، و خذ و اعط و انتقل فانه صالح لكل ما تريد، موافق لكل ما يعمل، و اما السفر ففي أكثر الأخبار انه صالح له، لكن في خبر: لا تسافر فيه و لا تتعرض لغيره إلاّ للمعاملة، و في آخر: انه يكره فيه السفر و ليجتنب فيه الأعمال السيئة و ليعمل الخير، و من ولد فيه-ففي خبر-انه كان مباركا ميمونا مقبلا حسن التربية موسعا عليه، و في آخر: ان المولود فيه يرزق رزقا واسعا يكون لغيره و يمنع من التمتع بشيء منه، و في ثالث: انه يكون حليما مباركا صالحا يرتفع أمره و يعلو شأنه، و تعسر تربيته، و يسوء خلقه و يرزق رزقا يكون لغيره، و يمنع من التمتع بشيء منه، و في رابع: ان من ولد فيه كفي كل أمر يؤذيه و يكون المولود فيه مباركا صالحا يرتفع أمره و يعلو شأنه، و في خامس عن أمير المؤمنين عليه السّلام: ان من ولد فيه يكون حليما مباركا صادقا أمينا يعلو شأنه، و من مرض فيه أو في ليلته لم تطل علته و برئ سريعا و نجى سالما بإذن اللّه تعالى، و من اقترض فيه شيئا ردّه سريعا، و من ابق فيه وجد، و من ضلت له فيه ضالة وجدها ان شاء اللّه تعالى، و من هرب فيه أخذ (1).
الأول: ان المراد بهذه الايام-و ان كان ظاهر شطر من الاخبار هو ايام الشهر الهلالي العربي، الاّ انّ بعض الاخبار فسر ذلك و نص على ان المراد بها-
ص:401
هي ايّام الشهور الفارسيّة دون العربيّة الهلاليّة و التركية، و قد شرح ذلك في الخبر المفصل في الاختيارات الذي رواه معلّى بن خنيس، قال: دخلت على الصادق عليه السّلام يوم النيروز، قال: اتعرف هذا اليوم؟ فقلت: جعلت فداك، هذا يوم تعظمه العجم و تتهادى فيه. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و البيت العتيق الذي بمكة ما هذا الاّ لأمر قديم افسّره لك حتى تفهمه. قلت: يا سيدي ان علم هذا من عندك احب اليّ من ان يعيش امواتى و تموت اعدائي. فقال: يا معلّى انّ يوم النيروز هو اليوم الذي اخذ اللّه فيه مواثيق العباد ان يعبدوه و لا يشركوا به شيئا. . الى ان قال: و هو اوّل يوم من سنة الفرس، قال: فقلت: يا سيدى، أ لا تعرّفني-جعلت فداك-اسماء الايام بالفارسية؟ فقال: يا معلى، هي ايّام قديمة من الشهور القديمة كلّ شهر ثلاثون يوما لا زيادة فيه و لا نقصان، فأوّل يوم من كلّ شهر هرمز روز. . الحديث. فما تعارف من العمل بها على ترتيب الأشهر الهلالية اشتباه، بل من أراد العمل بها يلاحظ كم شهرا مضى من يوم النيروز، و كم يوم ناقص من الأشهر الماضية، فيعيّن بذلك ان كم يوما مضى من النيروز فيحذف ثلاثين ثلاثين فالباقي هو من الشهر الذي هو فيه، فيستعلم حكمه ممّا مرّ.
الثاني: انه لا بأس للشيعي ان لا يراجع احكام الاختيارات المزبورة بل يتوكّل على اللّه سبحانه و تعالى و يتحصّن بالأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين و يمضى في حوائجه في ايّ يوم اراد، لما رواه أبو علي بن الشيخ الطوسي قدس سرهما في محكي أماليه (1)عن أبي نواس سهل بن يعقوب قال: قلت للعسكرى عليه السّلام ذات يوم: يا سيدي! قد وقع إليّ اختيارات الايام عن سيدنا الصادق عليه السّلام. . الى ان قال: فاعرضه عليك؟ فقال عليه السّلام: افعل فلمّا عرضته عليه و صحّحته، قلت له: يا سيدى في اكثر هذه الايام قواطع
ص:402
عن المقاصد لما ذكر فيها من النحس و المخاوف، فتدلّني على الاحتراز من المخاوف فيها، فانّما تدعوني الضرورة الى التوجّه في الحوائج فيها، فقال لي: يا سهل! انّ لشيعتنا بولايتنا لعصمة، لو سلكوا بها في لجّة البحار الغامرة و سباسب (1)البيداء الغابرة بين سباع و ذئاب و اعادي الجن و الانس لأمنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا، فثق باللّه عزّ و جلّ، و اخلص في الولاء لأئمّتك الطاهرين عليهم السّلام، و توجّه حيث شئت، و اقصد ما شئت، اذا اصبحت و قلت ثلاثا: «اصبحت اللهمّ معتصما بذمامك المنيع الذي لا يطاول و لا يحاول من شرّ كلّ طارق و غاشم من ساير ما خلقت و من خلقت من خلقك الصامت و الناطق في جنّة من كل مخوف بلباس سابغة حصينة و هي ولاء اهل بيت نبيّك صلّى اللّه عليه و آله محتجبا من كلّ قاصد [خ. ل: قصد]لي الى اذية بجدار حصين الاخلاص في الاعتراف بحقّهم و التمسك بحبلهم جميعا موقنا انّ الحقّ لهم و معهم و فيهم و بهم أوالي من والوا و أعادي من عادوا، و اجانب من جانبوا، فاعذني اللهم بهم من شر كل ما أتّقيه، يا عظيم حجزت الاعادي عني ببديع السموات و الأرض، وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (2)و قلتها عشيّا حصلت في حصن من مخاوفك و امن من محذورك، فاذا اردت التوجه في يوم قد حذرت فيه فقدم امام توجهك: الحمد للّه ربّ العالمين و المعوذّتين، و آية الكرسى، و سورة القدر، و آخر آية في (3)سورة آل عمران. الحديث (4).
ص:403
انّ السفر لمّا كان غالبا يحتاج الى الراحلة، و كان لاقتناء الدواب و ركوبها آداب واردة عن أئمّتنا عليهم السلام، ناسب تذييل آداب السفر باحكام الدواب في السفر، و التطفّل بذكر آداب غير المركب تتميما للفائدة، فنقول:
انّ من جملة احكام الدواب استحباب اقتنائها، و ارتباطها لنصر الحق، و قضاء الحوائج، و سفر الطاعة و المباح، بل قيل يكره ترك الاقتناء للقادر خوفا من نفقتها، لما ورد من انّ الدابّة زين، و تقضى عليها الحوائج، و رزقها على اللّه (1)، و انّ من سعادة المؤمن دابّة يركبها في حوائجه، و يقضي عليها حقوق اخوانه (2)، و ان تسعة اعشار الرزق مع صاحب الدابّة (3)، و قال أبو الحسن عليه السّلام في حديث: اما علمت انّ من ارتبط دابة متوقّعا بها امرنا، و يغيظ بها (4)عدوّنا، و هو منسوب الينا، ادرّ اللّه رزقه، و شرح صدره، و بلّغه أمله، و كان عونا على حوائجه (5).
و قال يونس بن يعقوب: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: اتّخذ حمارا يحمل رحلك، فانّ رزقه على اللّه. فاتخذت حمارا و كنت انا و يوسف اخي اذا تمّت السّنة حسبنا نفقتنا فنعلم مقدارها، فحسبنا بعد شراء الحمار نفقتنا فاذا هي كما
ص:404
كانت في كل عام لم تزد شيئا (1).
و منها: استحباب اقتناء الخيل و إكرامها، لما ورد من انّ الخير كلّه معقود في نواصي الخيل الى يوم القيامه (2)، و انّ ظهور الخيل عزّ، و بطونها كنز (3)، و انّ من ارتبط فرسا لرهبة عدوّ أو يستعين به على جماله لم يزل معانا [عليه ابدا]ما دام في ملكه، و لا يدخل بيته خصاصة (4).
و ورد: انّ الخيل العراب كانت وحوشا في بلاد العرب فلمّا رفع ابراهيم عليه السّلام و اسماعيل عليه السّلام القواعد من البيت قال اللّه تعالى: انّي اعطيتك كنزا لم اعطه احدا كان قبلك، [قال]فخرج ابراهيم عليه السّلام و اسماعيل عليه السّلام حتى صعدا جيادا. فقال: الا هلاّ. . الا هلّم، فلم يبق في بلاد العرب فرس الاّ اتاه و تذلّل له، و اعطته بنواصيها، و انّما سمّيت جيادا لهذا، فما زالت الخيل بعد تدعو اللّه ان يحبّبها الى اربابها فلم تزل الخيل حتى اتخذها سليمان (5). و الافضل-على ما قيل-ارتباط العتيق و دونه في الفضل الهجين، و دونه البرذون، لما عن أبي الحسن عليه السّلام من انّ من ارتبط فرسا عتيقا محيت عنه (6)عشر سيئات، و كتبت له احدى عشرة حسنة في كلّ يوم، و من ارتبط هجينا محيت عنه في كلّ يوم سيئتان، و كتب له تسع حسنات في كلّ يوم، و من ارتبط برذونا يريد به جمالا، أو قضاء حاجة، أو دفع عدوّ محيت عنه في كل
ص:405
يوم سيئة و كتبت له ست حسنات، الحديث (1).
و لا يختص الفضل بالارتباط للجهاد لجعله عليه السّلام دفع العدوّ احد محال [موارد]استعماله حيث عطفه على التجمّل و قضاء الحاجة.
و افتى الشيخ الحرّ قدّس سرّه في الوسائل (2)باستحباب التوسعة على الخيل في الانفاق لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الخيل معقود بنواصيها الخير الى يوم القيامة، و المنفق عليها في سبيل اللّه كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها (3). و ظاهر قوله: (في سبيل اللّه) هو ما اذا كان الاقتناء للجهاد فلا يدلّ الخبر على الاستحباب على الاطلاق الذى افتى به، و كذا ما ورد في فضل ارتباط الخيل يوشك ان يكون المراد به الارتباط للجهاد كما يكشف عن ذلك ساير الاخبار، مثل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: انّ اللّه و ملائكته يصلّون على اصحاب الخيل من اتخذها و اعدّها لمارق في دينه، او مشرك (4). و قوله صلّى اللّه عليه و آله: صهل فرس في سبيل اللّه و عندى جبرئيل فتبسم، فقلت، لم تبسّمت يا جبرئيل؟ قال: و ما يمنعني ان اتبسم و الكفّار ترتاع قلوبهم و ترعد كلاهم عند صهيل خيول المسلمين (5)، و ما روي من انّه مرّ رجل من المسلمين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو على فرس له فسلّم فقال صلّى اللّه عليه و آله: و عليكما السّلام، فقيل: يا رسول اللّه (ص) أ ليس هو واحدا؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: سلّمت عليه و على فرسه (6).
ص:406
نعم يمكن استفادة رجحان اقتناء الخيل مطلقا من الخبرين الأولين، و من ذيل ما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّه: لما اراد اللّه عزّ و جلّ ان يخلق الخيل قال لريح الجنوب انّي خالق منك خلقا فاجعله عزّا لأوليائي، و مذلّة على اعدائي، و جمالا لأهل طاعتي، فقالت الريح: اخلق فقبض منها قبضة فخلق فرسا، فقال له: خلقتك خلقا غريبا، و جعلت الخير معقودا بناصيتك، و الغنائم مجموعة على ظهرك، و عطفت عليك صاحبك، و جعلتك تطير بلا جناح، فانت للطلب، و انت للهرب، و سأجعل على ظهرك رجالا يسبحّونني و يحمدونني، و يكبروّنني، فتسبحّين اذا سبّحو، و تهلّلين اذا هلّلوا، و تكبّرين اذا كبّروا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ما من تسبيحة و تحميدة و تمجيدة و تكبيرة يكبرها صاحبها فتسمعها إلاّ و تجيب بمثلها، ثم قال: لمّا سمعت الملائكة صفة الفرس، و عاينوا خلقها، قالت: ربّ نحن ملائكتك نسبحّك و نحمدك فما ذا لنا، فخلق اللّه لها خلقا بلقا اعناقها كاعناق البخت، فلمّا أرسل الفرس إلى الأرض و استوت قدماه على الأرض صهل، فقيل: بوركت من داّبة اذلّ بصهيلك المشركين و اذلّ به اعناقهم، و ملأ به آذانهم، و ارعد به (1)قلوبهم: فلمّا عرض اللّه على آدم عليه السّلام من كل شيء قال تعالى له: أختر من خلقي ما شئت فاختار الفرس، فقيل له: اخترت عزّك و عزّ ولدك خالدا ما خلّدوا و باقيا ما بقوا، بركتي عليك و عليهم، ما خلقت خلقا أحّب إلّي منك و منه (2).
و كيف كان، فاقتناء الخيل حتى البرذون أفضل من اقتناء الحمار، لما ورد من ان ابا الحسن عليه السّلام سأل ابن طيفور المتطّبب أيّ شيء تركب؟ فقال: حمارا، قال عليه السّلام: بكم ابتعته؟ فقال: بثلاثة عشر دينارا. قال عليه
ص:407
السّلام: انّ هذا لهو السرف ان تشتري حمارا بثلاثة عشر دينارا و تدع برذونا فقال: يا سيدي انّ مؤونة البرذون أكثر من مؤونة الحمار، فقال عليه السّلام: الذي يموّن الحمار هو يموّن البرذون (1).
نعم المستفاد من فعل باب الحوائج عليه السّلام و قوله: ان ركوب البغل أولى من ركوب الخيل، لأنّه عليه السّلام كان يركب البغل. فقال له الرشيد: مثلك في حسبك و نسبك و تقدّمك تلقاني على بغل، فقال عليه السّلام: تطأطأت عن خيلاء الخيل، و ارتفعت عن ذلة الحمير. و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خيار الأمور أوسطها (2).
لكن المستفاد من اختيار مولانا الباقر عليه السّلام ركوب الحمار، حيث عرض عليه الحمار و البغل جميعا، و قوله عليه السّلام: أحبّ المطايا إلّي الحمير (3). هو كون ركوب الحمار أرجح، لما فيه من التواضع.
و ينبغي لمن يقتني الخيل ان يجّرب ناصيتها (4)، و انها مباركة أو شؤم، و لا يقتني الشؤم، لما ورد عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من: انّ الشؤم في المرأة و الفرس و الدار (5).
و ورد في الوان الخيل ما ينبغي ذكره، فورد انّ شقرها خيارها (6)، و الأشقر هو الفرس الأحمر حمرة صافية يحمر معها العرف و الذنب، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دعا بالبركة فيه، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يمن الخيل في
ص:408
شقرها (1)، و يزيد الأشقر حسنا اذا كان به وضاح، يعني بياضا في جبهتها و يديها و رجليها، سيما اذا كانت له غرّة سائلة، أي بياض من جبهته إلى قريب انفه، لقول أبي الحسن عليه السّلام: من خرج من منزلة، أو منزل غير منزله في أوّل الغداة فلقى فرسا أشقر به أوضاح، بورك له من يومه و إن كانت به غرّة سائلة فهو العيش، و لم يلق في يومه ذلك إلاّ سرورا، و قضى اللّه حاجته (2).
و قوله عليه السّلام: من ربط فرسا أشقر أغر أو أقرح، فان كان اغر سائل الغرة به وضح في قوائمه فهو أحبّ إلّي لم يدخل بيته فقر ما دام ذلك الفرس فيه و ما دام في ملك صاحبه، لا يدخل بيته حيف (3).
بيان: الأقرح من الخيل هو ما في وجهه دون مكان الغرة بياض يسير، و ورد مدح الأقرح و الأرثم محجل الثلاثة مطلقا، فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: اذا اعددت شيئا فاعده اقرح أرثم محجل الثلاثة طلق اليمنى كميتا ثم أغّر تسلم و تغنم (4)، و قد عرفت معنى الأقرح، و اما الأرثم فالذي انفه مع جحفلته-يعني مع شفته العليا-أبيض، و المراد بمحجل الثلاثة طلق اليمنى ان يكون يده اليمنى بلون ساير بدنه، و في يده اليسرى و رجليه بياض قلّ أو كثر بشرط ان يتجاوز الأوساغ و لا يتجاوز الركبتين و العرقوبين، و لا يكون التحجيل باليد و اليدين، ما لم يكن معها رجل أو رجلان، و الكميت الفرس الأحمر الذي عرفه و ذنبه اسود، و ورد: انّ خير الخيل الأدهم الأقرح المحجل ثلاثا طلق اليمنى (5)، و قد عرفت معنى الأقرح و المحجل، و امّا الأدهم
ص:409
فهو الفرس الذي يشتّد سواده، و يفهم من قول أبي الحسن العسكري عليه السّلام: كرهنا البهيم من الدواب كلها إلاّ الحمار و البغل (1).
و كراهة الفرس البهيم، و هو الذي لا يخالط لونه شيء سوى لونه، فكون جميعه على لون واحد في الفرس مذموم، لا في الحمار و البغل، فإنّ كونهما على لونين مذموم، لقوله عليه السّلام: و كرهت شبه الاوضاح في الحمار و البغل الاّ لون، و كرهت القرح في البغل الاّ ان يكون له غرّة سائلة، و لا اشتهيها على حال (2).
نعم يستفاد من خبر طرخان النخّاس محبوبيّة قسم من البغل ذى اللونين، قال: مررت بأبى عبد اللّه عليه السّلام و قد نزل الحيرة فقال لي: ما علاجك؟ فقلت: نخاس، فقال لي: اصب لي بغله فضحاء. فقلت: جعلت فداك، ما الفضحاء؟ قال دهما، بيضاء البطن، بيضاء الافحاج، بيضاء الجحفلة. . الى ان قال: فاشتريتها و اتيته بها، فقال: هذه الصفة الّتي اردتها (3). و قد عرفت ان الدهماء السوداء شديدة السواد، و اما الافحاج فجمع الفحج و هو تباعد ما بين الرجلين في الاعقاب مع تقارب صدور القدمين، فيكون المراد بالافحاج هنا الاقدام، و الجحفلة لذي الحافر كالشفة للانسان.
و منها: استحباب اختيار المركب الهنىء، و كراهة الاقتصار على المركب السوء، لما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من انّ: من سعادة الرجل المسلم المركب الهنىء (4). و من شقاء العيش المركب السوء (5).
ص:410
و منها: استحباب استسمان الدّواب و فراهتها، لما عن أبى الحسن عليه السّلام من انّ: من مروّة الرجل ان يكون دوابه سمانا، و انّ ثلاثا من المروّة: فراهة الدّابة، و حسن وجه المملوك، و الفرش السّري (1).
و منها: كراهة ضرب الدّابة على وجهها، للنهى عن ذلك معللا بأنّها تسبح بحمد اللّه (2). و ورد: انّ لكلّ شىء حرمة و حرمة البهائم في وجوهها (3)، و ورد النهي عن وسمها في وجوهها، و الاذن في وسمها في اذنها. . و غيرها (4). كما ورد الاذن في ضربها عند التقصير في المشى لما روى من انه سأل الصادق عليه السّلام: متى اضرب دابّتى؟ قال: اذا لم تمش تحتك كمشيتها الى مذودها (5)، و ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: اضربوها على النفار، و لا تضربوها على العثار (6)، و اختلفت الرواية عن الصادق عليه السّلام، ففي خبر مثل ما عن النّبى صلّى اللّه عليه و آله، و في آخر: اضربوها على العثار و لا تضربوها على النفار، فانّها ترى ما لا ترون (7)، و هذا اوفق بالاعتبار و التعليل.
و ورد انّ عليا عليه السّلام كان اذا عثرت دابته قال: اللهمّ انّي اعوذ بك من زوال نعمتك، و من تحويل عافيتك، و من فجاءة نقمتك (8)، و ورد انّ الدابّة
ص:411
اذا استصعبت على صاحبها من لجام و نفار فليقرأ في اذنها أو عليها أَ فَغَيْرَ دِينِ اَللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (1)، و ان على كلّ منخر من الدّواب شيطانا فاذا اراد احدكم ان يلجمها فليسمّ (2).
و ورد قراءة آية الكرسى عند نفار الدابة (3)، و ورد عند تمنع الدابه ان يقرأ في أذنه أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ* وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَ مِنْها يَأْكُلُونَ (4)(5).
و منها: كراهة لعن الدابّة، و كذا قول: تعست له عند العثار، لما ورد من انّ الدواب اذا لعنت لزمتها اللعنة، و اذا قيل لها عند العثار: تعست تقول: تعس اعصانا لربّه عزّ و جلّ (6).
و منها: استحباب تأديب الخيل و ساير الدواب و اجرائها لغرض صحيح لا لمجرّد اللّهو (7). و جواز اخذ السابق ما يجعل له بشروطه، لما عن رسول اللّه قال: كلّ لهو المؤمن باطل الاّ في ثلاث: في تأديبه الفرس، و رميه عن قوسه، و ملاعبته امرأته، فإنّهن حقّ (8). و ورد انّه صلّى اللّه عليه و آله اجرى الخيل و جعل سبقها أواقي من فضّة (9).
ص:412
و منها: انّ للدابّة على صاحبها حقوقا: ان يبدأ بعلفها اذا نزل، و يعرض عليها الماء اذا مرّ به، و لا يضرب وجهها، و لا يقف على ظهرها من غير سير حتى بقدر فواق الناقة و هو ما بين الحلبتين من الراحة، بل امّا ان يسير أو ينزل الاّ في سبيل اللّه فلا بأس بالوقوف على ظهرها لداع، و هذا هو المراد بان لا يتّخذ ظهرها مجالس يتحدّث عليها (1)، و ان لا يحملها فوق طاقتها، و لا يكلّفها من المشى الاّ ما تطيق، و لا يشتمها، و لا يضربها على النفار، و لا يضربها الاّ على حقّ (2).
و ورد النهى عن ارتداف ثلاثة على الدابّة لأنّ أحدهم ملعون (3). و لا بأس بارتداف اثنين (4). و لا يبعد عدم الكراهة في ارتداف ثلاثة في البعير سيّما عند الضّرورة، لصدور ذلك من النّبي صلّى اللّه عليه و آله في غزوة بدر، و ورد النهى عن التورك على الدابّة و هو المراد بالنهي عن اتخاذ ظهورها كراسي (5).
و منها: انّ من خاف على دابّته العين و السرقة يكتب بين عينيها لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى (6)، و يقرأ على وجع الدابّة ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها (7)، و اذا امغلت الدّابة فاقرأ في اذنها اليمنى سورة الكوثر ثلاثا، و في اليسرى ثلاثا، و اضربها في جنبها برجلك تقوم ان شاء اللّه تعالى.
و منها: كراهة ركوب النساء السرج لجعله عليه السّلام ذلك من علائم
ص:413
آخر الزمان (1). و لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ايّاهن (2)، و الاسف على انّ اول امرأة خالفته صلّى اللّه عليه و آله و ركبت السرج في الاسلام فلا تسمى.
و منها: كراهة المشي مع الراكب لغير حاجة، و خفق النعال خلف الرجل لغير حاجة، لما ورد من انّ مشى الماشى مع الراكب مفسدة للراكب و مذلّة للماشى، و ان خفق النعال خلف اعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى (3). جمع انوك بمعنى حمق و أحمق.
و منها: كراهة ركوب دابّة عليها جلجل-اى جرس صغير-، الاّ ان يكون اصم لا صوت له، و افتى الشيخ الحر رحمه اللّه بحرمته (4)، و هو كما ترى.
و منها: استحباب التواضع و وضع الرأس على القربوس عند اختيال الدابه، تأسيا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ولده الصادق عليه السّلام.
و منها: كراهة المغالاة في أثمان الإبل و ساير الدواب، لما استفاض عنهم عليهم السّلام من انه: لو يعلم الناس كنّه حملان اللّه على الضعيف ما غالوا ببهيمة (5). و قال الصادق عليه السّلام: أ ترى اللّه أعطى من أعطى من كرامته عليه و منع من منع من هوان به عليه؟ ! كلا! و لكنّ المال مال اللّه يضعه عند الرجل ودايع، و جوّز لهم أن يأكلوا قصدا، و يشربوا قصدا، و يلبسوا قصدا، و يركبوا قصدا، و ينكحوا قصدا، و يعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين، و يرمّوا به
ص:414
شعثهم، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالا، و يشرب حلالا، و يركب حلالا، و ينكح حلالا، و من عدى ذلك كان عليه حراما. ثم قال: لا تسرفوا انّ اللّه لا يحّب المسرفين، أ ترى اللّه ائتمن رجلا على مال يقول له أن يشتري فرسا بعشرة آلاف درهم و تجزيه فرس بعشرين درهما، و يشتري جارية بألف و تجزيه جارية بعشرين دينارا؟ ثم قال: لا تسرفوا انّ اللّه لا يحّب المسرفين (1).
نعم، لا بأس بالقدر الموافق للحاجة و الشأن، فقد ورد انّ علي بن الحسين عليهما السّلام كان يبتاع الراحلة بمائة دينار يكرم بها نفسه (2).
و لا يرجح اقتناء الإبل مثل رجحان الفرس لأنّ النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين سئل عن خير الأموال و عدّد بعضا منها، و قيل له: فأين الإبل؟ قال: فيها الشقاء و الجفاء و العناء و بعد الدار، تغدو مدبرة، و تروح مدبرة، لا يأتي خيرها إلاّ من جانبها إلاّ شام، أما إنّها لن تعدوا الأشقياء الفجرة (3). و من أراد اقتناءها فالأولى أن يختار الإناث منها، لما ورد من انّ اللّه عزّ و جلّ اختار من كلّ شيء شيئا و اختار من الإبل الناقة (4).
و يستحب اختيار السود القباح منها للأمر بذلك، معلّلا بأنّها أطول شيء أعمارا (5). و ورد النهي عن اقتناء الحمر، لأنها أقصر الإبل أعمارا (6).
و ينبغي امتهان الإبل و تذليلها و ذكر اسم اللّه عليها، لما ورد من انّ على ذروة كل بعير شيطانا فامتهنوها لأنفسكم و ذلّلوها، و اذكروا اسم اللّه عليها [فانّما
ص:415
يحمل اللّه عزّ و جلّ (1). و عن عبد اللّه بن يعفور قال: مرّ بي أبو عبد اللّه عليه السّلام -و أنا أمشي عرض ناقتي-، فقال: مالك لا تركب؟ فقلت: ضعفت ناقتي فأردت أن أخففّ عنها، فقال: رحمك اللّه اركب]فانّ اللّه يحمل على الضعيف و القوّي (2).
و يكره إبقاء الإبل معقولة بعد الحمل، لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبصر ناقة معقولة و عليها جهازها فقال: أين صاحبها؟ مروه فليسّتعد غدا للخصومة (3).
و يكره تخطّي القطار، لنهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن ذلك، معلّلا بانّه ليس من قطار إلاّ و ما بين البعير إلى البعير شيطان (4).
و منها: استحباب اعتدال حمل الدابّة و تأخّره، للأمر بهما معلّلا الثاني بان اليدين معلّقة و الرجلين موثقة.
و منها: كراهة التصفير للدابّة حتّى تشرب الماء أو تذهب، لما ورد من ان امرأة لوط كانت عند مجيء رجال إلى لوط تخرج فتصّفر ليعلم القوم بمجيء الرجال، فاذا سمعوا التصفير جاءوا، فلذلك كره التصفير (5).
و منها: كراهة ورود (6)الابل الجرب فوق الصحاح للنهي عنه (7)، و لازمه انّه يعدي، و ينافيه ما نطق بأنّه لا عدوى (8).
ص:416
و منها: رجحان اقتناء الغنم على اقتناء الإبل، لما ورد من الأمر بإتخاذ الغنم، و النهي عن اتخاذ الإبل (1)، و قوله عليه السّلام: في الغنم إذا أقبلت أقبلت، و إذا أدبرت أقبلت، و البقر إذا أقبلت أقبلت، و إذا أدبرت أدبرت، و الإبل إذا أقبلت ادبرت، و إذا أدبرت أدبرت (2). و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نعم المال الشاة (3). و قال الصادق عليه السّلام: ما من أهل بيت يكون عندهم شاة لبون إلاّ قدسّوا كل يوم مرتّين، يقف عليهم ملك في صباح و مساء و يقول لهم: قدّستم و بورك عليكم، و طبّتم و طاب إدامكم (4). و قال عليه السّلام: إذا اتخذ أهل بيت شاة أتاها اللّه برزقها، و زاد في أرزاقهم، و ارتحل عنهم الفقر مرحلة، و إن اتخذوا شاتين ارتحل عنهم الفقر مرحلتين، و إن اتخذوا ثلاثا اتاهم اللّه بأرزاقها، و ارتحل عنهم الفقر رأسا (5). و ما من أهل بيت تروح عليهم ثلاثون شاة إلاّ لم تزل الملائكة تحرسهم حتى يصبحوا (6). و إن من كان في منزله شاة تحلب، أو نعجة أو بقرة فبركات كلّهن (7).
و ورد انّ اللّه اختار من كل شيء شيئا و اختار من الغنم الضّائنة (8).
و يستحب مسح رغام الغنم، و هو ما يخرج من أنوفها، و تنظيف مرابضها،
ص:417
و الصلاة في مراحها للأمر بذلك معلّلا بأنها دابّة من دوابّ الجنّة (1).
و منها: استحباب اقتناء الحمام في المنزل، لما ورد عنهم عليهم السّلام من انّه طير من طيور الأنبياء التي كانوا يمسكون في بيوتهم (2)، و ليس من بيت فيه حمام إلاّ لم يصب البيت آفة من الجنّ، إنّ سفهاء الجنّ يعبثون بالبيت فيعبثون بالحمام و يدعون الإنسان (3). و إن حمام الحرم من نسل حمام إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام التي كانت له (4). و ان حفيف أجنحة الحمام لتطرد الشياطين (5). و ما من انتفاض ينتفض بها إلاّ نفّر اللّه بها من دخل البيت من عزمة أهل الأرض (6)، و اتخذّوها في منازلكم فانها محبوبة، لحقتها دعوة نوح عليه السّلام، و هي آنس شيء في البيوت (7).
و يتأكد استحباب اتخاذ الحمام الراعبي في المنزل للأمر بذلك؛ معللا بانها بتقرقرها تلعن قتلة الحسين عليه السّلام (8). و في خبر انّها بهديرها تدعوا على أهل المعازف و القينات و المزامر و العيدان (9).
ص:418
و يستحبّ فتّ الخبز للحمام تأسّيا بالصادق عليه السّلام (1).
و يستحب اتّخاذ الحمام الأخضر و الأحمر للإمساك في البيت للأمر بذلك (2).
و يستحبّ اتخاذ الحمام المنّمر الذي ليس جميعه على لون واحد، لما ورد من انّ نفضة من حمامة منمرّة أفضل من سبعة ديوك فرق بيض (3).
و يستحب اتخاّذ الورشان؛ لقول الصادق عليه السّلام: من اتخذ في بيته طير فليتّخذ ورشانا، فانّه أكثر شيء لذكر اللّه عزّ و جل و أكثر تسبيحا، و هو طير يحبّنا أهل البيت عليهم السّلام (4)، و انّه يقول: بوركتم بوركتم (5).
و يكره اتخاذ الفاخته في الدار. و يستحب ذبحها أو إخراجها، لأنّها تقول: فقدتكم فقدتكم، فيستحب أن يفقده الانسان بالذبح قبل ان يفقد هو الإنسان (6). و قال عليه السّلام: انّها شومة [مشومة]، تدعو على أربابها تقول: فقدتكم فقدتكم فأخرجوها.
و مثل الفاختة في الكراهة الصلصل، فانّه أهدي إلى اسماعيل فلمّا رآه أبو عبد اللّه عليه السّلام قال: ما هذا الطائر المشوم فانّه يقول: فقدتكم فقدتكم فافقدوه قبل ان يفقدكم (7).
و يستحب لمن ذبح الحمام غضبا ان يتصدّق عن كل واحدة بدينار، للأمر
ص:419
بذلك (1).
و منها: استحباب اتخاذ الديك و الدجّاج في المنزل؛ لأنّ أهل البيت عليهم السّلام كانوا يحبّون أن يكون في البيت الشيء الداجن مثل الحمام و الدجّاج ليعبث به صبيان الجنّ و لا يعبثون بصبيانهم (2). و ورد ان صياح الديك صلاته، و ضربه بجناحه ركوعه و سجوده (3). و انّه إذا صاح الديك في السحر نادى مناد من الجنان: أين الخاشعون الذاكرون الراكعون الساجدون السائحون المستغفرون؟ فأوّل من يسمع ذلك ملك من ملائكة السماوات على صورة الديك، له زغب و ريش أبيض، رأسه تحت العرش، و رجلاه تحت الأرض السفلى، و جناحان منشوران فاذا سمع ذلك النداء من الجنّة ضرب جناحيه ضربة، و قال: يا غافلين أذكروا اللّه (4)، و قال الديك فيما قال لسليمان: يا نبّي اللّه! إنّي لا أصيح صيحة في ليل أو نهار إلاّ أفزعت الجنّ و الشياطين، و أمّا إبليس فإنّه يذوب كما يذوب الرصاص في النّار (5).
و يتأكد استحباب اتّخاذ الديك الأبيض الأفرق؛ لما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال: ديك أفرق أبيض يحرس دويرة أهله، و سبع دويرات حوله (6). و ان إبليس لا يدخل بيتا فيه ديك أفرق (7). و انه أحسن صوتا من
ص:420
الطاوس و أعظم بركة (1). و قال الصادق عليه السّلام: الديك الأبيض صديقي و صديق كل مؤمن، و عدوّ عدّوي (2).
و يكره اتخاّذ الطاوس لأنّه طير مشوم ما نزل بساحة قوم إلاّ آذنهم بالرحيل (3). و انّه يدعو بالويل بخطيئته التي ابتلي بها (4). و ان أحّب الطير إلى إبليس الطاوس و أبغضها إليه الديك (5).
و يجوز تزويج الذكر من الطير و البهائم بابنته و امّه (6). و يستحب لمن مرّ على حيوانات في حال السفّاد ان يعرض بوجهه عفّة و حياء (7). و يجوز اخصاء الديك و الدوابّ على كراهية (8). و يكره التحريش (9)بينها إلاّ الكلاب (10)فما تعارف من التحريش بين الغنم و الديك و الجاموس و نحوها مكروه.
و منها: كراهة اتخاذ الكلب في الدار؛ للنهي عنه (11). و قال الصادق عليه السّلام: ما من أحد يتخّذ كلبا إلاّ نقص كل يوم من عمل صاحبه قيراط (12).
ص:421
و قال عليه السّلام: لا تمسك كلب الصيد في الدار إلاّ أن يكون بينك و بينه باب (1). و قال عليه السّلام: لا خير في الكلاب إلاّ كلب صيد أو كلب ماشية (2). و قد رخصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في اقتناء كلب الصيد و كل كلب فيه منفعة مثل كلب الماشية و الحائط و الزرع و نهى عن اقتناء ما ليس فيه نفع (3). و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ من اقتنى كلبا إلاّ كلب ماشية أو صيد أو زرع، فقد انتقص من أجره كل يوم قيراطا (4). و إنّ الملائكة لا يدخلون بيتا فيه كلب (5). و أشد كراهة الأسود، و قد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لو لا ان الكلاب أمّة لأمرت بقتلها، و لكن اقتلوا منها كلّ أسود بهيم (6). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الأسود شيطان (7).
و يستحّب قتل كلب الهراش؛ لأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علّيا عليه السّلام حين بعثه إلى المدينة بأن لا يدع كلبا إلاّ قتله (8).
و يكره الأكل مع حضور الكلب إلاّ أن يطعم أو يطرد؛ لما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّ الكلاب من ضعفة الجنّ فإذا أكل أحدكم الطعام
ص:422
و شيء منها بين يديه فليطعمه أو ليطرده، فإنّ لها أنفس سوء (1).
و منها: جواز قتل الحيّة و العقرب و النمل و الذرّ (2)و ساير الهوّام المؤذية للإذن في ذلك (3)، بل استفاض الأمر بقتل الحيّة، بل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ من قتل حيّة فكأنّما قتل كافرا، و من تركهن خشية ثارهنّ فقد كفر بما أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من ترك الحيّة مخافة طلبتهّن فليس منّا (5). لكن في وصيّة النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلّي عليه السّلام: إذا رأيت حيّة في رحلك فلا تقتلها حتى تخرج عليها ثلاثا، فإذا رأيتها في الرابعة فاقتلها فإنّها كافرة (6). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: يا علّي! إذا رأيت حيّة في طريق فاقتلها، فإنّي اشترطت على الجن أن لا يظهروا في صورة الحياتّ (7).
نعم يكره قتل حياتّ البيوت مع عدم الخوف من أذاها، لأنّ أبا جعفر عليه السّلام-بعد نفي البأس عن قتل الحيّات و النمّل في الدور إذا آذين و إحراقهّن-قال: و لكن لا تقتلوا من الحيات عوامر البيوت (8)(9).
و ورد عند رؤية حيّات البيوت قول: أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم
ص:423
نوح عليه السّلام، أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان عليه السّلام؛ أن لا تؤذونا، فإن عدن فاقتلوهن (1).
و منها: كراهة إيذاء الهدهد و ذبحه، لمنعه عليه السّلام من ذلك (2). و كذا يكره قتل الهرّة و البهيمة، بل أفتى الشيخ الحرّ رحمه اللّه بعدم جوازه، لما عن الصادق عليه السّلام من أنّ امرأة عذبّت في هرّة ربطتها حتى ماتت عطشا (3). و ان أقذر الذنوب ثلاثة: قتل البهيمة، و حبس مهر المرأة، و منع الأجير أجرته (4). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أكرموا الهرّة، فإنّها من الطوافين عليكم و الطوافات (5).
و يكره قتل العصفور من الطيور المحلّلة عبثا من غير ذبح؛ لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة يعّج إلى اللّه يقول: يا ربّ إن هذا قتلني عبثا لم ينتفع بي و لم يدعني فأكل من حشاوة [الظاهر: حشائش]الأرض (6).
و يكره أن تعرقب الدّابة إن حرنت (7)في أرض العدو، بل تذبح للنهي عن ان يعرقب، و الأمر بالذبح (8). و يكره تمكين إن ينزى حمار على فرس عتيقة.
و يستحب دفن الدّابة الّتي تكرّر عليها الحج خمس مرات أو سبعا فما زاد
ص:424
إذا ماتت لئلا تأكلها السباع، لأمر السجاد عليه السّلام بدفن ناقته التي حجّ عليها عشرين حجّة، معلّلا بانّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: كل بعير توقف عليه موقف عرفات سبع حجج إلاّ جعله اللّه من نعم الجنّة و بارك في نسله (1)، و في رواية: خمس حجج (2).
و يكره المثلة بالحيوان، للعن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مثل بالحيوان (3). و ورد إنّ من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله حسنة، و من قتلها في الضربة الثانية فله سبعون حسنة (4).
ص:425
ص:426
في أسباب حفظ الصحة، و آداب المرض، و ما يتعلّق به،
و آداب الاحتضار، و الموت، و الغسل، و التشييع، و الكفن، و الدفن،
و التعزية
فهاهنا مقامات:
ينبغي للعاقل حفظ صحّة بدنه و أعضائه، لتوقّف استفادة الدنّيا و الآخرة، و الطاعة و العبادة على صحّة البدن و أعضائه، و قد اسبقنا في طيّ الفصول السابقة بيان آداب جملة من أسباب حفظ البدن و الأعضاء، مثل ما مرّ في الفصل الرابع و الخامس من حفظ قلّة الأكل و الشرب و عدم الأكل على التخمّة و نحو ذلك، و قلّة النوم صحة البدن، و ما يحفظ الصحّة من المأكل. و ما مرّ في الفصل السابع من حفظ الكحل صحّة العين، و السواك صحّة الأسنان، و العطر صحّة الدماغ، و نحو ذلك. و ما مرّ في الفصل الثامن من بعض آداب النكاح الراجع إلى حفظ الصحّة. بل تقدم في طيّ كل فصل ماله نوع مدخل في حفظ الصحة.
ص:427
و من جملة أسباب حفظ الصحّة الحمية، فقد ورد انّ المعدة بيت كلّ داء و الحمية رأس كلّ دواء (1)، و ان رأس الحمية الرفق بالبدن (2)، نعم ينبغي الحمية عن محتمل الضرر لا من كلّ شيء، لما روي من انّ اثنين عليلان؛ صحيح محتمي، و عليل مخلّط (3).
و منها: السعوط، فإنّه يحفظ الدماغ و يقويّه، و قد جعله عليه السّلام في نصوص مستفيضة أحد الأدوية الأربعة التي جعلها اللّه تعالى خير ما يتداوى به (4). و ورد الأمر بالسعوط بالبنفسج (5)، و المراد بالسعوط جعل الدواء في الأنف لترطيب الدمّاغ، و دفع الرطوبات الزائدة. و عن ابن حجر: إنّ السعوط ان يستلقي على ظهره، و يجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه، و يقطر في أنفه ماءا أو دهنا فيه دواء، مفردا و مركبّا، ليتمكنّ بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس.
و منها: الحقنة، فإنها حافظة لصحّة من التزم بها في كلّ اسبوع مرّة، على ما ورد عنهم عليهم السّلام. و عن النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: أفضل ما تداويتم به الحقنة، و هي تعظم البطن، و تنفي داء الجوف، و تقوّي البدن (6).
و منها: القىء، فانّه يحفظ صحة البدن بسبب إخراجه البلغم و الصفراء، و الرطوبات اللزجّة الزائدة على قدر الحاجة المفسدة للغذاء. و قال أبو جعفر عليه
ص:428
السّلام: من تقيّأ قبل ان يتقيّأ كان أفضل من سبعين دواء، و يخرج القيء على هذا السبيل كل داء و علّة، و المراد بالقيء قبل ان يتقيأ-و اللّه العالم-القىء قبل ان يسبقه القىء بغير اختياره بسبب زيادة الأخلاط. أو المراد به قبل ان يتقيّأ في تلك العلّة.
و منها: اخراج الدّم عند زيادته و طغيانه، فانّي قد مثلّث الدّم بالولد، فالصالح منه أعظم نعم الباري تعالى، و الفاسد منه بلاء عظيم مهلك لا ينجي منه إلاّ عقوقه و إخراجه من دار البدن، و طريق إخراجه المتعارف الفصد و الحجامة، و فيها يترجّح منهما كلام بين الأطبّاء، فرجّح بعضهم الفصد مطلقا نظرا إلى أنّ الحجامة لرفع مخارج الدم، لا يخرج بها إلاّ الدم اللطيف، بخلاف الفصد فانّه لوسعة المنفذ يخرج الفاسد و الصحيح، و هو كما ترى، و الذّي يقتضيه النظر هو التفصيل بين ما إذا كان إخراج الدم لداعي مرض في الجلد أو اللّحم فالأرجح الحجامة، و بين ما إذا كان لداعي مرض جوفي كخفقان القلب، و فساد الصدر و نحو ذلك فالأرجح الفصد، و ما يأتي من ترجيح الحجامة في الرسالة الذهبيّة لا ينافي ذلك، لأنّ الظاهر كون مراده عليه السّلام بيان حكم الشقّ الأوّل، كما يشهد بذلك وصفهم عليهم السّلام الحجامة في الأمراض الظاهريّة مثل الحكّة و نحوها، و الفصد في الأمراض الداخليّة، فقد شكا رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام وجع الكبد فدعا بالفاصد ففصده من قدمه (1). و شكا بعضهم إلى أبي الحسن عليه السّلام كثرة ما يصيبه من الجرب، فقال عليه السّلام: إنّ الجرب من بخار الكبد فاذهب و افتصد من قدمك اليمنى، و الزمه بأخذ درهمين من دهن اللوّز الحلو و شربه على ماء الكشك، و اجتناب الحيتان و الخلّ (2)، و في
ص:429
خبر آخر أمر من كان به الجرب و الحرارة على جسده بالافتصاد من الأكحل (1).
و ربّما يفصّل بين البلاد الحارة و الباردة بانّ الحجامة في الحارة أنجح من الفصد، و الفصد في الباردة أنجح من الحجم.
و قال الفاضل المجلسي رحمه اللّه: ان علّة تخصيص الحجامة في أكثر الأخبار و عدم التعرّض للفصد فيها، لكون الحجامة في تلك البلاد أنفع و أنجح من الفصد، و إنّما ذكر الفصد في بعض الأخبار عن بعضهم عليهم السّلام بعد تحولّهم عن بلاد الحجاز إلى البلاد التي الفصد فيها أوفق و أليق.
قلت: ينافي ذلك ترجيح الرضا عليه السّلام الحجامة في خراسان التي هي من البلاد الباردة (2).
و قال الموفق البغدادي: الحجامة تنقّي سطح البدن أكثر من الفصد، و الفصد لأعماق البدن، و الحجامة للصبيان، و في البلاد الحارّة أولى من الفصد و آمن غائلة، و قد يغني عن كثير من الأدوية، و لهذا وردت الأحاديث بذكرها دون الفصد، لأنّ العرب غالبا ما كانت تعرف إلاّ الحجامة. و قال صاحب الهداية: التحقيق في أمر الفصد و الحجامة إنهما يختلفان بإختلاف الزمان و المكان و المزاج، فالحجامة في الأزمان الحارة و الأمكنة الحارة، و الأبدان الحارة التّي دم أصحابها في غاية النضج أنفع، و الفصد بالعكس، و لهذا كانت الحجامة أنفع للصبّيان، و لمن لا يقوى على الفصد.
و كيف كان، فقد ورد مدح الحجامة في أخبار أهل البيت عليهم السّلام على وجه الاستفاضة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في قصّة المعراج: ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلاّ قالوا: يا محمّد!
ص:430
احتجم و أمر أمتّك بالحجامة (1). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: نعم العيد (2)الحجامة تجلو البصر، و تذهب بالدّاء (3). و انّ الداء ثلاث، و الدواء ثلاث، فالدّاء المرّة، و البلغم، و الدّم، فدواء الدم الحجامة، و دواء المرّة المشي، و دواء البلغم الحمّام (4).
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: الحجامة تصحّ البدن، و تشدّ العقل (5).
و عن الصادق عليه السّلام إنّ الحجامة تنفع الدّوران، و انّه إن أخذ الرجل الدوّران فليحتجم (6).
و انّ خير ما تداويتم به الحجامة و السعوط (7).
و ان الدّواء أربعة: الحجامة، و الطلي، و القيئ، و الحقنة (8). و عن الباقر عليه السّلام: إن خير ما تداويتم: الحقنة، و السعوط، و الحجامة، و الحمّام (9). و انّه ما اشتكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجعا قطّ إلاّ كان مفزعه إلى الحجامة (10). و انّ الحجامة تزيد العقل، و تزيد الحافظ حفظا (11).
ص:431
و تتأكّد الحجامة في حزيران، لقول أبي الحسن عليه السّلام: لا تدع الحجامة في سبع حزيران، فإن فاتك فالأربع عشرة (1).
و في شهر آذار لقول الصادق عليه السّلام: إنّ أوّل ثلاثاء تدخل في شهر آذار بالروميّة الحجامة، فيه مصحّة سنة بإذن اللّه تعالى (2). و في السابع عشر من الشهر لقول الصادق عليه السّلام: إنّ الحجامة لسبعة عشر من هلال مصحّة سنة (3). و أفضل الأيام لها يوم الأحد و الاثنين، لما ورد عن الصادق عليه السّلام من انّ الحجامة يوم الأحد شفاء من كل داء (4). و ان حجامتنا يوم الأحد و حجامة موالينا يوم الاثنين (5).
و الأفضل في كل من يوم الأحد و الاثنين ما بعد العصر. لما ورد من انّ الصادق عليه السّلام مرّ بقوم يحتجمون فقال: ما كان عليكم لو أخّرتموه إلى عشيّة الأحد فكان يكون أنزل للداء (6). و انّه نقل انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحتجم يوم الاثنين بعد العصر (7)، و انّه قال: إنّ الحجامة يوم الاثنين من آخر النهار تسلّ الداءّ سلا من البدن (8). و قال عليه السّلام: احتجموا يوم الاثنين بعد العصر (9). و كذا تترجح الحجامة يوم الخميس لاحتجام الصادق عليه
ص:432
السّلام فيه، و قوله عليه السّلام: من كان محتجما فليحتجم يوم الخميس، فإنّ عشّية كل جمعة يبتدر الدّم فرقا من القيامة و لا يرجع إلى و كره إلى غداة الخميس (1). و يتأكدّ آخر خميس من الشهر، لما ورد من انّ من احتجم في آخر خميس من الشهر في أوّل النّهار سلّ منه الدّاء سلاّ 2. و انّ الدم يجتمع في موضع الحجامة يوم الخميس فإذا زالت الشمس فخذ حظّك من الحجامة قبل الزوال 3.
و يكره الحجامة يوم الجمعة، لما عن أمير المؤمنين عليه السّلام من: انّ في يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلاّ مات 4. و تشتّد الكراهة عند الزوّال، لقول الصادق عليه السّلام: لا تحتجموا في يوم الجمعة مع الزوّال، فإنّ من احتجم مع الزوال في يوم الجمعة فأصابه شيء فلا يلومّن إلاّ نفسه 5.
و اختلفت الأخبار في الحجامة في يوم السبّت و الثلاثاء و الاربعاء، اما يوم السبت؛ فعن الصادق عليه السّلام: ان الحجامة يوم السبت تضعف 6. و عن النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ من احتجم فيه فأصابه وضح فلا يوّمن إلاّ نفسه 7. و في خبر ثالث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ من كان منكم محتجما فليحتجم يوم السبت 8.
ص:433
و أمّا الثلاثاء؛ فقد ورد فيه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ من احتجم يوم الثلاثاء لسبع عشرة أو تسع عشرة، أو لإحدى و عشرين من الشهر كانت له شفاء من أدواء السنة كلها، و كانت لما سوى ذلك شفاء من وجع الرأس، و الأضراس، و الجنون، و البرص، و الجذام (1).
و ورد فيه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا: انّ من احتجم فيه فأصابه وضح فلا يلومّن إلاّ نفسه (2). و عن الصادق عليه السّلام: ان حجامة يوم الثلاثاء لبني امية (3)، و ان يوم الثلاثاء يوم الدم فأحرى إن لا يهيج في يومه، و انّ في يوم الثلاثاء ساعة من وافقها لم يرقّ دمه حتى يموت أو ما شاء اللّه (4).
و يمكن الجمع بحمل القادح على غير الثلاثاء الذي هو لسبع عشرة، أو لتسع عشرة، أو لإحدى و عشرين، و قصر الإذن و المدح على مورد الخبر هو الأيام الثلاثة.
و أمّا الأربعاء؛ فقد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم النهي عن الحجامة فيه، و انّ من احتجم فيه فأصابه وضح فلا يلوّمن إلاّ نفسه (5). و عن الصادق عليه السّلام الأمر بتوّقي الحجامة فيه معلّلا بأنه يوم نحس مستمرّ، فيه
ص:434
خلقت جهّنم (1)، و لكن ورد انّ الصادق عليه السّلام احتجم يوم الأربعاء (2)، و انّ العسكري عليه السّلام كان يحتجم يوم الأربعاء، فقيل له: إنّ أهل الحرمين يروون عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: من احتجم يوم الأربعاء فأصابه بياض فلا يلوّمن إلاّ نفسه؟ فقال: كذبوا! إنّما يصيب ذلك من حملته امّه في طمث (3). و في خبر ثالث: أن من أحتجم يوم الأربعاء لا يدور (4)خلافا على أهل الطيّرة، وقي من كل آفة، و عوفي من كل عاهة، و لم تخضّر محاجمه (5). و يمكن الجمع بكراهة الحجامة يوم الأربعاء لمن احتمل في حقّه-و لو ضعيفا-انّ أمّه حملت به في الطمث، لأنها تورث له البرص، و عدم كراهتها في أربعاء آخر الشهر إذا حجم بقصد الخلاف على أهل الطيرة، فلا تكره الحجامة يوم الأربعاء لمن يقطع بعدم كونه حمل حيض كالإمام عليه السّلام، و يكره لغيره إلاّ في الأربعاء آخر الشهر بالقصد المذكور.
و كيف كان؛ فمقتضى الجمع بين الأخبار كون أفضل أيام الشّهر للحجامة من الثاني عشر إلى الخامس عشر، و دونه في الفضل اليوم الخامس عشر، و السابع عشر، و التاسع عشر، و الحادي و العشرين للأمر بالحجامة فيها (6).
ثم ان ملاحظة أيام الأسبوع و أيام الشهر للحجامة إنّما هو عند السّعة، و أمّا عند الضرورة و خوف بغي الدم فيسقط مراعات الأيام كما بيّنه سادات الأنام، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تعادوا الأيام فتعاديكم، و إذا
ص:435
تبيغ الدم (1)فليهرقه و لو بمشقص (2). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا تعادوا الأيام فتعاديكم، إذا تبيّغ الدم بأحدكم فليحتجم في أيّ الأيّام، و ليقرء آية الكرسي، و يستخير اللّه، و يصلّي على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (3)، و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: احتجموا إذا تبيّغ بكم الدم (4). و روي أن مولانا الرضا عليه السّلام كان ربما تبيّغ به الدم فاحتجم في جوف الليل (5).
و اما موضع الحجامة، فقد ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه كان يحتجم ثلاثة؛ واحدة منها في الرأس، و يسمّيها، المتقدمة، و واحدة بين الكتفين و يسّميها: الناقصة، و واحدة بين الوركين، و يسميها: المغيثة (6).
و ورد إنّ الحجامة في الرأس شفاء من كل داء إلاّ السام، و إنها المغيثة (7)، و إنّ الحجامة في الرأس شفاء من سبع: من الجنون، و الجذام، و البرص، و النعاس، و وجع الضرس، و ظلمة العين، و الصداع (8)، و عدّ في خبر آخر من جملة ما تدفعه الحجامة في الرأس الآكلة (9).
و عن الصادق عليه السّلام: إن الحجامة على الرأس على شبر من طرف الأنف، و فتر ما بين الحاجبين، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسميها:
ص:436
المنقذة (1). و عنه عليه السّلام أيضا: انه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يحتجم في الأخذ عين فأتاه جبرئيل عن اللّه تبارك و تعالى بحجامة الكاهل (2)، و ان النبّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: احتجم في باطن رجله من وجع أصابه (3)، و شكا رجل إلى الصادق عليه السّلام فقال: احتجم في واحد عقبيك من الرجلين جميعا ثلاث مرات. و شكا آخر إليه الحكّة فقال عليه السّلام: احتجم ثلاث مراّت في الرجلين جميعا بين العرقوب و الكعب، ففعل الرجل ذلك فذهب عنه (4).
و تكره الحجامة في خصوص النقرة (5)، لما ورد من انها تورث النسيان (6)، نعم ورد انه إذا بلغ الصبي أربعة أشهر فاحتجموه في كل شهر مرة في النقرة، فإنه يحفظ لعابه و يهبط بالحرارة من رأسه و جسده (7).
و يستّحب قبل الحجامة أكل شيء يشغل المعدة، لقوله عليه السّلام: إياكّ و الحجامة على الريق (8)، و لا تحتجم حتى تأكل شيئا، فإنه أدّر للعرق، و أسهل لخروجه، و أقوى للبدن (9). و قال عليه السّلام: الحجّامة بعد الأكل، لأنه إذا شبع الرجل ثم احتجم اجتمع الدم و أخرج الداء، و إذا احتجم قبل الأكل خرج
ص:437
و بقي الداء (1). و كذا يستحب بعد الحجامة أكل ثلاث سكّرات، أو الرّمان الحلو، أو الهندباء و الخّل، لما ورد من انّه عليه السّلام: أكل ثلاث سكرات بعد الحجامة. و قال عليه السّلام: انّ السكر بعد الحجامة يورد الدم الصافي و يقطع الحرارة (2). و في رواية أخرى: انه يردّ الدم الصافي و يزيد في القوة (3). و انه عليه السّلام أمر بعد الحجامة بإكل الرمان الحلو معلّلا بأنه يسكن الدم في الجوف، و يطفي المرار، و أكل هو عليه السّلام رمانّة قبل الحجامة و أخرى بعدها. و قال عليه السّلام: إنه يطفي المرارة (4). و قال عليه السّلام إنّه: لا بأس بأكل الهندباء و الخّل بعد الحجامة (5).
و يستحب لمن احتجم أن ينظر إلى أوّل محجمة، لما روي من انّ من نظر إلى أوّل محجمة من دمه امن الواهنة-أي وجع العنق-إلى الحجامة الآخرى كما في خبر (6)، و من الرمد إلى الحجامة الأخرى كما في آخر (7).
و يستحب أن يقرأ قبل ان يفرغ و يقطع الدم: «بسم اللّه الرحّمن الرّحيم أعوذ باللّه الكريم في حجامتي من العين في الدم، و من كلّ سوء و اعلال و أمراض و أسقام و أوجاع، و أسألك العافية و المعافاة و الشفاء من كل داء» . و في خبر انّه إذا استعاذ من السوء فقد طلب كل شيء، لأنّ السوء في موضع من القرآن بمعنى الفقر، و هو قوله سبحانه: وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ اَلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ اَلْخَيْرِ وَ ما
ص:438
مَسَّنِيَ اَلسُّوءُ (1). و في موضع آخر بمعنى الدخول في الزنا، و هو قوله تعالى: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ اَلسُّوءَ وَ اَلْفَحْشاءَ (2). و في ثالث: بمعنى البرص، و هو قوله عزّ شأنه: وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (3)(4).
و قد مرّ في فصل طلب الرزق حال أجرة الحجّام.
و هناك آداب أخر للحجامة تضمنّتها الرسالة الذهّبية التي كتبها مولانا الرضا عليه السّلام بطلب المأمون العبّاسي لعنه اللّه تعالى لحفظ صحتّه. قال عليه السّلام في أثناء الرسالة-ما لفظة-: فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشرة ليلة من الهلال إلى خمس عشرة ليلة فانه أصّح لبدنك، فإذا انقضى الشهر فلا تحتجم إلاّ أن تكون مضطرا إلى ذلك، و هو لأنّ الدّم ينقص في نقصان الهلال، و يزيد في زيادته، و لتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين، ابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوما، و ابن الثلاثين في كل ثلاثين يوما مرّة واحدة، و كذلك من بلغ من العمر اربعين سنة يحتجم في كل أربعين يوما و ما زاد فبحسب ذلك.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -إنّ الحجامة انّما تأخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللّحم، و مصداق ذلك ما أذكره انّها لا تضعف القوّة كما يوجد من الضعف عند الفصد، و حجامة النقرة تنفع من ثقل الرأس، و حجامة الأخدعين تخفّف عن الرأس و الوجه و العينين، و هي نافعة لوجع الأضراس، و ربّما ناب الفصد عن جميع ذلك.
و قد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في الفم، و من فساد اللّثة و غير ذلك من أوجاع الفم، و كذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من
ص:439
الامتلاء و الحرارة، و الذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصا بيّنا، و ينفع من الأوجاع المزّمنة في الكلى و المثانة و الأرحام، و يدرّ الطمث غير انها تنهك الجسد.
و قد يعرض منها الغشي [خ. ل: الغشوة البدنية]الشديد إلاّ انها تنفع ذوي البثور و الدماميل، و الذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المصّ عند أول ما يضع المحاجم ثم يدرج المص قليلا قليلا، و الثواني في المص أزيد من الأوائل، و كذلك الثوالث فصاعدا، و يتوّقف عن الشرط حتى يحمّر الموضع جيدا بتكرير المحاجم عليه، و يلين الشرط على جلود لينة و يمسح الموضع قبل شرطه بالدهن، و كذلك الفصد، و يمسح الموضع الذي يفصد بالدهن، فانّه يقلل الألم، و كذلك يلين المشرط و المبضع بالدهن عند الحجامة، و عند الفراغ منها يليّن الموضع بالدهن و ليقطّر على العروق إذا فصد شيئا من الدهن لئلاّ يحتجب فيضرّ ذلك بالمفصود، و ليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان من المواضع القليلة اللحم، لأنّ قلّة اللحم من فوق العروق قلة الألم، و أكثر العروق ألما إذا فصد حبل الذراع و القيفال لاتصالهما بالعضل و صلابة الجلد. فاما الباسليق و الأكحل فإنهما في الفصد أقل ألما، إذ لم يكن فوقهما لحم، و الواجب تكميد موضع الفصد بالماء الحارّ ليظهر الدم، و خاصة في الشتاء فانه يليّن الجلد، و يقلّل الألم، و يسهل الفصد.
و يجب في كل ما ذكرناه من إخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثني عشر ساعة، و يحتجم في يوم صاح صاف لا غيم فيه و لا ريح شديدة، و يخرج من الدم بقدر ما ترى من تغيّره، و لا تدخل يومك ذلك الحمام، فإنّه يورث الداء، و صبّ على رأسك و جسدك الماء الحارّ و لا تفعل ذلك من ساعتك، و إيّاك و الحمّام إذا احتجمت، فإن الحمى الدائمة تكون منه، فإذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة مرغزيا فألقها على محاجمك، أو ثوبا لينّا من قزّ أو غيره، و خذ قدر حمّصة من الترياق الأكبر و امزجه بالشراب المفرّح المعتدل و تناوله، أو بشراب الفاكهة،
ص:440
و إن تعذر ذلك فشراب الأترج، فإن لم تجد شيئا من ذلك فتناوله بعد عركه (1)ناعما تحت الأسنان، و اشرب عليه جرع ماء فاتر، و إن كان في زمان الشتاء و البرد فاشرب عليه السكنجبين الفصلي العسلي، فإنك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة و البرص و البهق و الجذام بإذن اللّه تعالى، و امتصّ من الرمّان المزّ فإنّه يقوّي النفس، و يحيي الدم، و لا تأكل طعاما مالحا بعد ذلك بثلاث ساعات فانه يخاف أن يعرض بعد ذلك الجرب، و إن كان الشتاء فكل من الطياهيج (2)إذا احتجمت، و اشرب عليه الشراب المذكى الذي ذكرته أوّلا، و ادّهن بدهن الخيري، أو شيء من المسك و ماء ورد، و صبّ منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة، و أمّا في الصيف فإذا احتجمت فكل الصكباج و الهلام و المصوص أيضا و الحامض، و صبّ على هامتك من البنفسج بماء الورد و شيء من الكافور، و أشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك، و إيّاك و كثرة الحركة و الغضب و مجامعة النساء ليومك.
هذا ما يتعلّق بالحجامة و الفصد من عبارة الرسالة الشريفة الذهّبية، و قد مرّ في الاختيارات أيامّ الفصد و الحجامة من الشهر رجحانا و مرجوحية، و حيث انّ وضع الرسالة الشريفة لبيان أسباب حفظ الصّحة أعجبني نقلها برمتّها هنا و الاجتزاء بها في هذا الباب.
قال عليه السّلام: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم اعتصمت باللّه.
امّا بعد، فإنّه وصل الّي كتاب أمير المؤمنين فيما أمرني من توفيقه على ما يحتاج إليه ممّا جرّبته و سمعته في الأطعمة و الأشربة، و أخذ الأدوية، و الفصد،
ص:441
و الحجامة، و النورة، و الباه، و غير ذلك ممّا يدّبر استقامة الجسد، و قد فسرت له ما يحتاج إليه، و شرحت له ما يعمل عليه من تدبير مطعمة، و مشربه، و أخذه الدواء، و فصده، و حجامته، و باهه، و غير ذلك ممّا يحتاج إليه من سياسة جسمه، و باللّه التوفيق.
اعلم انّ اللّه عزّ و جلّ لم يبتل العبد المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به، و لكّل صنف من الداء صنف من الدواء و تدبير و نعت، و ذلك ان الأجسام الإنسانية جعلت على مثال الملك، فملك الجسد هو القلب، و العمال العروق و الأوصال، و الدماغ، و بيت الملك قلبه، و أرضه الجسد، و الأعوان يداه و رجلاه و شفتاه و عيناه و لسانه و أذناه، و خزانته معدته و بطنه، و حجابه صدره، فاليدان عونان يقرّبان و يبعدّان و يعملان على ما يوحي إليهما الملك، و الرجلان تنقلان الملك حيث يشاء، و العينان تدلانه على ما يغيب عنه، لأنّ الملك من وراء الحجاب لا يوصل إليه شيء إلاّ بالإذن، و هما سراجان أيضا، و حصن الجسد و حرزه الأذنان لا يدخلان على الملك إلاّ ما يوافقه، لأنهما لا يقدران أن يدخلا شيئا حتى يوحي الملك إليهما، فإذا أوحى الملك إليهما أطرق الملك منصتا لهما حتى يسمع منهما ثم يجيب بما يريد، فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة، منها ريح الفؤاد، و بخار المعدة، و معونة الشفتين، و ليس للشفتين قوّة إلاّ باللسان (1)، و ليس يستغني بعضها عن بعض، و الكلام لا يحسن إلاّ بترجيعه في الأنف، لأنّ الأنف يزيّن الكلام كما يزّين النافخ (2)في المزمار، و كذلك المنخران، و هما ثقبتا الأنف يدخلان على الملك ما يحبّ من الرياح الطيّبة، فإذا جاءت ريح تسوء إلى الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك و بين تلك الريح، و للملك مع هذا ثواب و عقاب، فعذابه
ص:442
اشد من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا، و ثوابه أفضل من ثوابهم، فأما عذابه فالحزن، و أما ثوابه فالفرح، و أصل الحزن في الطحال، و أصل الفرح في الثرب و الكليتين، و منهما عرقان موصلان إلى الوجه فمن هناك يظهر الفرح و الحزن، فترى علامتهما في الوجه، و هذه العروق كلّها طرق من العمال إلى الملك، و من الملك إلى العمال، و مصداق ذلك إنك اذا تناولت الدواء أدّته العروق إلى موضع الداء بإعانتها.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -انّ الجسد بمنزلة الأرض الطيّبة متى تعوهدت بالعمارة و السقي-من حيث لا يزداد في الماء فتغرق، و لا ينقص منه فتعطش- دامت عمارتها، و كثر ريعها، و زكا زرعها، و ان تغوفل عنها فسدت، و لم ينبت فيها العشب، فالجسد بهذه المنزلة، و بالتدبير في الأغذية و الأشربة يصلح و يصّح، و تزكو العافية فيه، فانظر ما يوافقك و يوافق معدتك، و يقوى عليه بدنك، و يستمرئه من الطعام، فقدم لنفسك و اجعله غذاءك.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -ان كل واحدة من هذه الطبائع تحت ما يشاكلها، فاغتذ ما يشاكل جسدك، و من أخذ من الطعام زيادة ضرّه و لم يغذه ذرة، و من أخذ بقدر لا زيادة عليه و لا نقص في غذائه نفعه، و كذلك الماء، فسبيله أن تأخذ من الطعام كفايتك في أيامه، و أرفع يديك منه و بك إليه بعض القرم، و عندك إليه ميل، فإنه أصلح لمعدتك و لبدنك، و أزكى لعقلك (1)و أخّف لجسمك (2).
يا أمير المؤمنين! كل البارد في الصيف، و الحار في الشتاء، و المعتدل في الفصلين على قدر قوتك و شهوتك، و ابدأ في أوّل الطعام بأخفّ الأغذية التي يغتذى بها بدنك، و بقدر عادتك، و بحسب طاقتك، و نشاطك، و زمانك الذي يجب
ص:443
أن يكون أكلك في كلّ يوم عند ما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة، أو ثلاث أكلات في يومين، تغتذى باكرا في أوّل يوم ثم تتعّشى فإذا كان في يوم الثاني فعند مضّى ثمان ساعات من النهار أكلت أكلة واحدة و لم تحتج إلى العشاء، و كذا أمر محمد جدّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علّيا عليه السّلام في كلّ يوم وجبة، و في كل عدة وجبتين، و ليكن ذلك بقدر لا يزيد و لا ينقص، و أرفع يديك من الطعام و أنت تشتهيه، و ليكن شرابك على أثر طعامك من الشراب الصافي العتيق ممّا يحل شربه، و الذيّ أنا واصفه (1)فيما بعد.
و نذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة و شهورها الرومية الواقعة فيها في كل فصل على حذو ما يستعمل من الأطعمة و الأشربة و ما يجتنب منه، و كيفيّة حفظ الصحة من أقاويل القدماء، و نعود إلى قول الأئمة عليهم السّلام في صفة شراب يحّل شربه، و يستعمل بعد الطعام.
أمّا فصل الربيع؛ فإنّه روح الأزمان، و أوّله آذار، و عدد أيّامه ثلاثون يوما، و فيه يطيب اللّيل و النهار، و تلين الأرض، و يذهب سلطان البّلغم، و يهيج الدم، و يستعمل فيه الغذاء اللطيف، و اللحوم، و البيض النيمبرشت، و يشرب الشراب بعد تعديله بالماء، و يتقّى فيه أكل البصل و الثوم و الحامض، و يحمد فيه شرب المسهل، و يستعمل فيه الفصد و الحجامة.
نيسان: ثلاثون يوما، فيه يطول النهار، و يقوى مزاج الفصل، و يتحركّ الدم، و تهبّ فيه الرياح الشرّقية، و يستعمل فيه من المآكل المشوية و ما يعمل
ص:444
بالخل، و لحوم الصيد، و يعالج الجماع، و التمريخ بالدهن في الحمام، و لا يشرب الماء على الريق، و يشم الرّياحين و الطيب.
أيّار؛ أحد و ثلاثون يوما، و تصفو فيه الرياح، و هو آخر فصل الربيع، و قد نهي فيه عن أكل الملوحات و اللّحوم الغليظة، كالرؤوس و لحم البقر و اللبن، و ينفع فيه دخول الحمام أوّل النهار، و يكره فيه الرياضة قبل الغذاء.
حزيران؛ ثلاثون يوما، يذهب فيه سلطان البلّغم و الدم، و يقبل زمان المرة الصفراويّة، و نهي فيه عن التعب، و أكل اللحم داسما، و الإكثار منه، و شمّ المسك و العنبر، و ينفع فيه أكل البقول الباردة، كالهندباء و بقلة الحمقاء، و أكل الخضر كالخيار و القثاء، و الشيرخشت، و الفاكهة الرطبة، و استعمال المحمصّات، و من اللحوم لحم المعز الثني و الجذع، و من الطيور الدجاج و الطيهوج و الدرّاج، و الألبان، و السمك الطرّي.
تموّز؛ أحد و ثلاثون يوما، فيه شدّة الحرارة، و تغور المياه، و يستعمل فيه شرب الماء البارد على الريق، و يؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة، و يكسر فيه مزاج الشراب، و تؤكل فيه الأغذية اللطيفة السريعة الهضم، كما ذكر في حزيران، و يستعمل فيه من النور و الرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة.
آب؛ أحد و ثلاثون يوما، فيه تشتّد السموم، و يهيج الزكام بالليل، و تهبّ الشمال، و يصلح المزاج بالتبريد و الترطيب، و ينفع فيه شرب اللبن الرائب، و يجتنب فيه الجماع و المسهل، و يقلّ من الرياضة، و يشم من الرياحين الباردة.
أيلول؛ ثلاثون يوما، فيه يطيب الهواء، و يقوى سلطان المرة السوداء، و يصلح شرب المسهل، و ينفع فيه أكل الحلاوات، و اصناف اللحوم المعتدلة كالحداء و الحولي من الضأن، و يجتنب فيه لحم البقر، و الإكثار من الشواء، و دخول الحمام، و يستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج، و يجتنب فيه أكل البطيخ و القثاء.
تشرين الأول؛ أحد و ثلاثون يوما، فيه تهبّ الرياح المختلفة، و يتنفس
ص:445
فيه ريح الصبا، و يجتنب فيه الفصد، و شرب الدواء، و يحمد فيه الجماع، و ينفع فيه أكل اللحّم السمين، و الرمّان المزّ، و الفاكهة بعد الطعام، و يستعمل فيه أكل اللحوم بالتوابل، و يقللّ فيه من شرب الماء، و يحمد فيه الرياضة.
تشرين الآخر؛ ثلاثون يوما، فيه يقطع المطر الوسمي، و ينهى فيه عن شرب الماء بالليل، و يقلّل فيه من دخول الحمّام و الجماع، و يشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حاّر، و يجتنب أكل البقول كالكرفس و النعناع و الجرجير.
كانون الأوّل؛ أحد و ثلاثون يوما، يقوى فيه العواصف، و يشتد فيه البرد، و ينفع فيه كلما ذكرناه في تشرين الآخر، و يحذر فيه من أكل الطعام البارد، و يتقي فيه الحجامة و الفصد، و يستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة و الفعل.
كانون الآخر؛ أحد و ثلاثون يوما، يقوى فيه غلبة البلغم، و ينبغي أن يتجرع فيه الماء الحار على الريق، و يحمد فيه الجماع، و ينفع الأعشاب (1)فيه مثل البقول الحارة كالكرفس و الجرجير و الكرّاث، و ينفع فيه دخول الحمام أوّل النهار، و التمريخ بدهن الخيري و ما ناسبه، و يحذر فيه الحلو (2)و أكل السمك الطري و اللبن.
شباط؛ ثمانية و عشرون يوما، تختلف فيه الرياح، و تكثر الأمطار و يظهر فيه العشب، و يجري فيه الماء في العود، و ينفع فيه أكل الثوم، و لحم الطير و الصيود، و الفاكهة اليابسة، و يقلل من أكل الحلاوة، و يحمد فيه كثرة الجماع، و الحركة، و الرياضة.
صفة الشراب الذّي يحلّ شربه و استعماله بعد الطعام، و قد تقدّم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة و ما يعتمد فيها من حفظ الصّحة.
ص:446
و صفته: ان يؤخذ من الزبيب المنّقى عشرة أرطال فيّغسل و ينقع في ماء صاف و زيادة عليه أربع أصابع (1)، و يترك في إنائه ذلك ثلاثة أيّام في الشتاء و في الصيف يوما و ليلة، ثم يجعل في قدر نظيفة، و ليكن الماء بماء السماء إن قدر عليه، و إلاّ فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحيّة المشرق ماء براقّا أبيض خفيفا، و هو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة و البرودة، و تلك دلالة على صفة [خ. ل: خفة]الماء، و يطبخ حتى ينشف (2)الزبيب و ينضج ثم يعصر و يصّفى ماؤه و يبّرد ثم يردّ إلى القدر ثانيا، و يؤخذ مقداره بعود، و يغلىّ بنار لينّة غليانا لينا رقيقا حتّى يمضي ثلثاه و يبقى ثلثه، ثم يؤخذ من عسل النحل المصفّى رطلا فيلقى عليه و يؤخذ مقداره و مقدار الماء إلى اين كان من القدر، و يغلى حتى يذهب قدر العسل و يعود إلى حدّه، و يؤخذ خرقة صفيقة ليجعل فيها زنجبيل وزن درهم و من القرنفل نصف درهم، و من الدارجيني نصف درهم، و من الزعفران درهم، و من سنبل الطيب نصف درهم، و من الهندباء مثله، و من مصطكى نصف درهم بعد ان يسحق الجميع كل واحدة على حدة، و ينخل و يجعل في الخرقة و يشّد بخيط شّدا جيّدا و تلقى فيه و تمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها، و لا يزال يعاهد بالتحريك على نار ليّنة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل، و يرفع القدر و يبرّد، و يؤخذ لمدة ثلاثة أشهر حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض، و حينئذ يستعمل.
و مقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح، فإذا أكلت مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك، فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن اللّه تعالى يومك و ليلتك من الأوجاع
ص:447
الباردة المزمنة كالنقرس و الرياح و غير ذلك من أوجاع العصب و الدماغ و المعدة و بعض أوجاع الكبد و الطحال و المعاء و الأحشاء. فان صدقت بعد ذلك شهوة الماء فليشرب مقدار النصف ممّا كان يشرب قبله، فانه أصلح لبدن أمير المؤمنين، و أكثر لجماعه، و أشد لضبطه و حفظّه، فان صلاح البدن و قوامه يكون بالطعام و الشراب و فساده يكون بهما، فان أصلحتهما صلح البدن و ان أفسدتهما فسد البدن.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -ان قوّة النفس تابعة لأمزجة الأبدان، و ان الأمزجة تابعة للهواء و تتغير بحسب تغير الهواء في الأمكنة، فإذا برد الهواء مرّة و سخن أخرى تغيرت بسبب أمزجة الأبدان و أثّر ذلك التغّير في الصور، فإذا كان الهواء معتدلا اعتدلت أمزجة الأبدان و صلحت تصرّفات الأمزجة في الحركات الطبيعية كالهضم، و الجماع، و النوم، و الحركة، و ساير الحركات، لأن اللّه تعالى بنى الأجسام على أربع طبايع، و هي المرتان، و الدم، و البلغم.
و بالجملة، حاراّن و باردان قد خولف بينهما فجعل الحارين ليّنا و يابسا و كذلك الباردين رطبا يابسا، ثم فرّق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد على الرأس، و الصدر، و الشراسيف، و أسفل البطن.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -ان الرأس و الأذنين و العينين و المنخرين و الفم و الأنف من الدم، و ان الصدر من البلغم و الريح، و ان الشراسيف من المرة الصفراء، و ان أسفل البطن من المرة (1)السوداء.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -ان النوم سلطان الدماغ، و هو قوام الجسد و قوته، فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعك أوّلا على شقك الأيمن ثم انقلب على الأيسر، و كذلك فقم من مضجعك على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك،
ص:448
و عود نفسك القعود من الليل ساعتين مثل ما تنام، فاذا بقي من الليل ساعتان فادخل الخلاء لحاجة الإنسان، و البث فيه بقدر ما تقضي حاجتك، و لا تطل فيه، فإنّ ذلك يورث داء الفيل.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -ان أجود ما استتكت به ليف الأراك، فانه يجلو الأسنان، و يطيّب النكهة، و يشدّ اللّثة و يسنّنها (1)، و هو نافع من الحفر إذا كان باعتدال، و الإكثار منه يرق الإسنان و يزعزعها، و يضعف أصولها، فمن أراد حفظ الأسنان فليأخذ قرن الأثل محرقا و كز مازجا، و سعدا، و وردا، و سنبل الطيب، و حب الأثل اجزاء سواء، و ملحا اندرانيا ربع جزء، فيدق الجميع ناعما و يستّن به، فإنه يمسك الأسنان و يحفظ أصولها من الآفات العارضية، و من أراد أن يبيض أسنانه فليأخذ جزء من ملح اندراني، و مثله زبد البحر، فيسحقهما ناعما و يستنّ به.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -ان أحوال الإنسان التي بناه اللّه تعالى عليها و جعله متصّرفا بها، فإنها أربعة أحوال.
الحالة الأولى: الخمس عشرة سنة، و فيها شبابه و حسنه و بهاؤه، و سلطان الدم في جسمه.
ثم الحالة الثانية من خمس عشرة سنة إلى خمس و ثلاثين سنة، و فيها سلطان المرة الصفراء، و قوة غلبتها على الشخص، و هي أقوى ما يكون، و لا يزال كذلك حتى يستوفي المدة المذكورة و هي خمس و ثلاثون سنة.
ثم يدخل في الحالة الثالثة إلى ان تتكأب مدة العمر (2)ستين سنة فيكون في سلطان المرّة السوداء، و هي سنّ الحكمة، و المعرفة، و الدراية، و انتظام الأمور،
ص:449
و صحّة النظر في العواقب، و صدق الرأي، و ثبات الجأش في التصّرفات.
ثم يدخل في الحالة الرابعة و هي سلطان البلغم، و هي الحالة التي لا يتحول عنها ما بقي إلاّ الهرم و نكد عيش، و ذبول، و نقص في القّوة، و فساد في كونه، و نكتته ان كل شيء كان لا يعرفه حتّى ينام عند القوة، و يسهر عند النوم، و لا يتذكر ما تقدم، و ينسى ما يحدث في الأوقات، و يذبل عوده، و يتغيّر معهوده، و يجفّ ماء رونقه و بهائه، و يقّل نبت شعره و أظفاره، و لا يزال جسمه في انعكاس و ادبار ما عاش، لأنّه في سلطان المرة البلغم، و هو بارد و جامد، فبجموده و برده يكون فناء كل جسم يستولي عليه في آخر القوة البلغمّية.
و قد ذكرت لأمير المؤمنين جميع ما يحتاج إليه في سياسة المزاج و أحوال جسمه و علاّجه، و أنا أذكر ما يحتاج إلى تناوله من الأغذية و الأدوية و ما يجب ان يفعله في أوقاته.
فإذا أردت الحجامة. . ثم ساق عليه السّلام ما أسبقنا نقله عنه في الحجامة.
ثم قال: و احذر-يا أمير المؤمنين! -أن تجمع بين البيض و السمك في المعدة في وقت واحد، فإنهما متى اجتمعا في جوف الإنسان ولد عليه النقرس، و القولنج، و البواسير، و وجع الأضراس، و اللبن و النبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولد النقرس و البرص، و مداومة أكل البيض يعرض منه الكلف في الوجه، و أكل المملوحة و اللحمان المملوحة و أكل السمك المملوح بعد الفصد و الحجامة يعرض منه البهق و الجرب، و أكل كلية الغنم و أجواف الغنم يغير المثانة. و دخول الحمام على البطنة يولد القولنج، و الاغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج، و أكل الأترج بالليل يقلب العين و يوجب الحول، و إتيان المرأة الحائض يورث الجذام في الولد، و الجماع من غير إهراق الماء على أثره يوجب الحصاة. و الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون، و كثرة أكل البيض و إدمانه يولد الطحال و رياحا في رأس المعدة، و الامتلاء من البيض
ص:450
المسلوق يورث الربو و الأنبهار، و أكل اللحم النّي (1)يولد الدود في البطن، و أكل التين يقمل منه الجسد اذا أدمن عليه، و شرب الماء البارد عقيب الشيء الحار أو الحلاوة يذهب بالأسنان، و الإكثار من أكل لحوم الوحش و البقر يورث تغيير العقل، و تحير الفهم، و تبلّد الذهن، و كثرة النسيان، و إذا أردت دخول الحمام و ان لا تجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ قبل دخولك بخمس جرع من ماء فاتر فانك تسلم إن شاء اللّه تعالى من وجع الرأس، و الشقيقة، و قيل خمس مرّات يصبّ الماء الحار عليه (2)عند دخول الحمام.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -انّ الحمام ركب على تركيب الجسد، للحمام أربعة بيوت مثل أربع طبايع الجسد، البيت الأول: بارد يابس، و الثاني: بارد رطب، و الثالث: حار رطب، و الرابع: حار يابس، و منفعته عظيمة تؤدي إلى الاعتدال، و ينقي الورك، و يلّين العصب و العروق، و يقوي الأعضاء الكبار، و يذيب الفضول، و يذهب العفن، فإذا أردت أن لا يظهر في بدنك بثرة و لا غيرها فابدأ عند دخول الحمام بدهن بدنك بدهن البنفسج. . ثم ذكر عليه السّلام ما يتعلق باطلاء النورة ممّا مرّ نقله عينا في المقام الأول من الفصل السابع.
ثم قال عليه السّلام: و من أراد أن لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول و لو على ظهر دابّة، و من أراد أن لا تؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ، و من فعل ذلك رطب بدنه، و ضعفت معدته، و لم يأخذ العروق قوة الطعام، فإنه يصير في المعدة فجا إذا صب الماء على الطعام أوّلا فأوّلا، و من أراد أن لا يجد الحصاة، و حصر البول، فلا يحبس المني عند نزول الشهوة، و لا يطل المكث على النساء، و من أراد أن يأمن من وجع السفل و لا يظهر به وجع البواسير فليأكل
ص:451
كل ليلة سبع تمرات برني بسمن البقر، و يدهن بين انثييه بدهن زنبق خالص، و من أراد أن يزيد حفظه فليأكل سبعة مثاقيل زبيبا بالغداة على الريق، و من أراد أن يقلّ نسيانه و يكون حافظا فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل مرّبى بالعسل، و يصطبغ بالخردل مع طعامه في كل يوم، و من أراد أن يزيد في عقله يتناول كل يوم ثلاث هليلجات بسكر ابلوج، و من أراد أن لا ينشق ظفره، و لا يميل إلى الصفرة، و لا يفسد حول ظفره فلا يقلم أظفاره إلاّ يوم الخميس، و من أراد أن لا تؤلمه أذنه فيجعل فيها عند النوم قطنة، و من أراد ردع الزكام مدّة أيام الشتاء فليأكل كل يوم ثلاث لقم من الشهد.
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -أن للعسل دلائل يعرف بها نفعه من ضرّه، و ذلك ان منه شيئا إذا أدركه الشمّ عطش، و منه شيء يسكر، و له عند الذوق حراقة شديدة، فهذه الأنواع من العسل قاتلة.
و لا يؤخر شم النرجس فإنه يمنع الزكام في مدّة أيام الشتّاء، و كذلك الحبّة السوداء. و إذا خاف الإنسان الزكام في زمان الصيف فليأكل كلّ يوم خيارة، و ليحذر الجلوس في الشمس، و متى خشي الشقيقة و الشوصة فلا يؤخر أكل السمك الطرّي صيفا و شتاء، و من أراد أن يكون صالحا خفيف الجسم و اللحم فليقللّ من عشائه بالليل، و من أراد أن لا يشتكي سرّته فيدهنها متى دهن رأسه، و من أراد أن لا تنشق شفتاه و لا يخرج فيها باسور فليدهن حاجبه من دهن رأسه، و من أراد ان لا تسقط أذناه و لهاته فلا يأكل حلوا حتى يتغرغر بعده بخلّ، و من أراد أن لا يصيبه اليرقان فلا يدخل بيتا في الصيف أول ما يفتح بابه، و لا يخرج أوّل ما يفتح بابه في الشتاء غدوة، و من أراد أن لا يصيبه ريح في بدنه فليأكل الثوم كلّ سبعة أيام مرّة، و من أراد أن لا تفسد أسنانه فلا يأكل حلوا إلاّ بعد كسرة خبز، و من أراد أن يستمري طعامه فليستلق بعد الأكل على شقه الأيمن ثم ينقلب بعد ذلك على شقّه الأيسر حتى ينام، و من أراد ان يذهب البلغم
ص:452
من بدنه و ينقصه فيأكل كل يوم بكرة شيئا من الجوارش الحريف. و يكثر دخول الحمام و مضاجعة النساء و الجلوس في الشمس، و يجتنب كلّ بارد من الأغذية فانه يذهب البلغم و يحرقه، و من أراد أن يطفي لهب الصفراء فليأكل كل يوم شيئا رطبا باردا، و يروّح بدنه، و يقّل الحركة، و يكثر النظر إلى من يحّب، و من أراد ان يحرق السوداء فعليه بكثرة القيء، و فصد العروق، و مداومة النورة، و من أراد أن يذهب بالريح الباردة فعليه بالحقنة و الأدهان اللّينة على الجسد، و عليه بالتكميد بالماء الحار في الابزن، و يجتنب كل بارد، و يلزم كلّ حار ليّن، و من أراد أن يذهب عنه البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الاطريفل الصغير مثقالا واحدا.
و أعلم-يا أمير المؤمنين! -ان المسافر ينبغي له ان يتحرّز بالحر اذا سافر و هو ممتلئ من الطعام و لا خالي الجوف، و ليكن على حد الاعتدال، و ليتناول من الأغذية الباردة مثل العريض (1)، و الهلام، و الخل، و الزيت، و ماء الحصرم، و نحو ذلك من الأطعمة الباردة.
و اعّلم-يا أمير المؤمنين! -ان السير الشديد في الحار ضاّر بالأبدان المنهوكة إذا كانت خالية عن الطعام، و هو نافع في الأبدان الخصبة، فأمّا صلاح المسافر و دفع الأذى عنه فهو أن لا يشرب من ماء كل منزل يريده إلاّ بعد أن يمزجه بماء المنزل الذي قبله شراب واحد غير مختلف يشوبه بالمياه على الأهواء على اختلافها (2)، و الواجب ان يتزود المسافر من تربة بلده و طينه التي ربّى عليها، و كلّ ما ورد إلى منزل طرح في الإناء الذي يشرب منه الماء شيئا من الطين الذي تزوّده من بلده، و يشوب الماء و الطين في الانية بالتحريك و يؤخّر قبل شربه حتى يصفو صفوا جيّدا، و خير الماء شربا لمن هو مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من
ص:453
الجهة الشرقية من الخفيف الأبيض، و أفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي، و أصحّها و افضلها ما كان بهذا الوصف الذي نبع منه، و كان مجراه في جبال الطين، و ذلك انها تكون في الشتاء باردة، و في الصيف ملينة للبطن، نافعة لأصحاب الحرارات، و أمّا الماء المالح و المياه الثقيلة فإنها تيبس البطن، و مياه الثلوج و الجليد ردّية لسائر الأجساد و كثيرة الضرر جّدا، و أمّا مياه السحب فإنها خفيفه عذبة صافية نافعة للأجسام إذا لم يطل خزنها و حبسها في الأرض، و أمّا مياه الجب فانها عذبة صافية نافعة إن دام جريها و لم يدم حبسها في الأرض، و امّا البطايح و السباخ فإنها حارة غليظة في الصيف لركودها و دوام طلوع الشمس عليها، و قد يتولد من دوام شربها المرّة الصفراوية، و تعظم به أطحلتهم.
و قد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما تقدم من كتابي هذا ما فيه كفاية لمن أخذه.
و إنّما أذكر أمر الجماع؛ فلا تدخل النساء من أوّل الليل صيفا و لا شتاء، و ذلك لأنّ المعدة و العروق تكون ممتلية، و هو غير محمود، و يتوّلد منه القولنج، و الفالج، و اللقوة، و النقرس، و الحصاة، و التقطير، و الفتق، و ضعف البصر و رقّته، فإذا أردت ذلك فليكن في آخر اللّيل فإنه أصلح للبدن، و أرجى للولد، و أزكى للعقل في الولد الذي يقضي اللّه بينهما، و لا يجامع امرأة حتى يلاعبها و يكثر ملاعبتها و تغمز ثدييها، فإنك إذا فعلت ذلك غلبت شهوتها، و اجتمع ماؤها، لأن ماءها يخرج من ثدييها، و الشهوة تظهر من وجهها و عينيها و اشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها، و لا تجامع النساء إلاّ و هي طاهرة، فإذا فعلت ذلك فلا تقم قائما و لا تجلس جالسا، و لكن تميل على يمينك ثم انهض للبول إذا فرغت من ساعتك شيئا فإنك تأمن الحصاة بإذن اللّه تعالى، ثم اغتسل و اشرب من ساعتك شيئا من الموميائي بشراب العسل أو بعسل منزوع الرغوة، فإنّه يردّ من الماء مثل الذي خرج منك.
ص:454
و اعلم-يا أمير المؤمنين! -ان جماعهن و القمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل، و خير من ذلك أن يكون في برج الثور لكونه شرف القمر.
و من عمل فيما وصفت في كتابي هذا و دبّر به جسده أمن بإذن اللّه تعالى من كل داء، و صحّ جسمه بحول اللّه و قوتّه، فإن اللّه تعالى يعطي العافية لمن يشاء، و يمنحه إيّاه، و الحمد للّه أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا.
هذا آخر الرسالة الذهبية التي حررها مولانا الرضا عليه السّلام لحفظ الصحة بإمر اللعين بن اللعين المأمون، و نقتصر على ذلك في هذا المقام مع ما مرّ من الآداب في الفصول المزبورة الراجع شطر منها إلى حفظ الصحة أيضا.
ص:455
الذي أجوره [كذا]و فضائله عظيمة، فقد ورد عنهم عليهم السّلام ان المرض سجن اللّه الذي به يعتق المؤمن من النار، و يكتب له في مرضه أفضل ما كان يعمل من خير في صحّته، و لا تكتب له سيّئة ما دامه في حبس اللّه (1). و ان سهر ليلة من مرض أو وجع أفضل و أعظم أجرا من عبادة سنة (2). و انّ الحمىّ رائد الموت، و سجن اللّه في الأرض، و فورها من جهّنم، و هي حظّ كل مؤمن من النار (3). و ان حمى ليلة كفارة لما قبلها و ما بعدها (4). و انّ المؤمن إذا حمّ حماة واحدة تناثرت ذنوبه كورق الشجر (5)، و انّ حمى ليلة تعدل عبادة سنة، و ذلك انّ ألمها يبقى في الجسد سنة (6)، و انّ حمى ليلتين تعدل عبادة سنتين، و حمّى ثلاث ليال تعدل عبادة سبعين سنة، فان لم يبلغ عمره سبعين سنة فلأبيه و أمّه، فإن لم يبلغ ذلك فلقرابته، فإن لم يبلغ أيضا ذلك فلجيرانه (7). و انّ أنين المؤمن تسبيح، و صياحه
ص:456
تهليل، و نومه على الفراش عبادة، و تقلبّه من جنب إلى آخر جهاد في سبيل اللّه، و ان عوفي مشى في الناس و ما عليه ذنب (1)، و انّ مثل المؤمن إذا عوفي من مرضه مثل البردة البيضاء تنزل من السماء في حسنها و صفائها (2)، و انّ المؤمن إذا أشتكى أخلصه اللّه من الذنوب كما يخلص الكير الخبث من الحديد (3)، و أنّ اللّه تعالى إذا أحّب عبدا نظر إليه، فإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث: إما الصداع، و إما حمّى، و إمّا رمد (4). و انّ صداع ليلة تحّط كلّ خطيئة إلاّ الكبائر (5)، و انّ المرض للمؤمن تطهير و رحمة، و للكافر تعذيب و لعنة، و انّ المرض لا يزال بالمؤمن حتى لا يكون عليه ذنب (6). و قال أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة و السّلام لمّا عاد سلمان: يا سلمان! ما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع إلاّ بذنب قد سبق، و ذلك الوجع تطهير له، قال سلمان: فليس لنا في شيء من ذلك أجر خلا التطهير؟ ! فقال عليه السّلام: يا سلمان! لكم الأجر بالصبر عليه، و التضرع إلى اللّه، و الدعاء له، بهما تكتب لكم الحسنات و ترفع لكم الدرجات، فاما الوجع خاصة فهو تطهير و كفّارة (7).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ للمريض أربع خصال: يرفع عنه القلم، و يأمر اللّه الملك فيكتب له كل فضل كان يعمله في صحته، و يتبع مرضه كلّ عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه، فإن مات مات مغفورا له، و إن عاش
ص:457
عاش مغفورا له (1).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عجبت للمؤمن و جزعه من السقم و لو يعلم ماله في السقم من الثواب لأحبّ أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عزّ و جل (2).
و ورد عنهم عليهم السّلام انّ العبد إذا كثرت ذنوبه و لم يجد ما يكفّرها به ابتلاه اللّه بالحزن في الدنيا ليكفرها به، فإن فعل ذلك به و إلاّ أسقم بدنه ليكفرها به، فإن فعل ذلك به و إلاّ شدّد عليه عند موته ليكفرها به، فإن فعل ذلك به و إلاّ عذّبه في قبره ليلقى اللّه عز و جل يوم يلقاه و ليس شيء يشهد عليه بشيء من ذنوبه (3)، و انّ المؤمن أكرم على اللّه من أن يمّر به أربعون يوما لا يمحصه اللّه فيه من ذنوبه، و ان الخدش و العثرة و انقطاع الشسع و اختلاج العين و أشباه ذلك ليمحّص به و ليّنا، و ان لا يغتّم لا يدري ما وجهه (4). و زاد في خبر قوله عليه السّلام: و اللّه إن أحدكم ليضع الدرهم بين يديه فيزنها فيجدها ناقصة فيغتّم بذلك فيجدها سواء فيكون ذلك حطّا لبعض ذّنوبه (5)بل ورد ذمّ سلامة البدن دائما حتى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ملعون كلّ جسد لا يزكىّ و لو في كل أربعين يوما مرة، ثم جعل صلوات اللّه عليه و آله زكاة الجسد أن يصاب بآفة، و عمّم الآفة لمثل الخدش و النكبة و العثرة و المرض و ما أشبه ذلك حتى نحو اختلاج العين (6). و في خبر آخر عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ملعون ملعون كل بدن لا يصاب في
ص:458
كل أربعين يوما، ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ من البلية الخدش، و اللطمة، و العثرة، و النكبة، و القفزة، و انقطاع الشسع و أشباه ذلك (1)، لكن لا يخفى عليك ان تفضل اللّه سبحانه على عبده بهذه الأجور العظام إذا صبر و احتسب لا ما إذا جزع و فزع، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه: يقول اللّه عزّ و جلّ: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة ان أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا (2). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكتب أنين المريض فإذا كان صابرا كتب حسنات، و ان كان جازعا كتب هلوعا لا أجر له (3). و عنهم عليهم السّلام: ان البدن إذا صحّ أشر و بطر فإذا اعتلّ ذهب ذلك عنه، فان صبر جعل ذلك كفّارة لما قد أذنب، و إن لم يصبر جعله وبالا عليه (4). و عن رسول اللّه انه لا يذهب حبيبتا (5)عبد فيصبر و يحتسب إلاّ أدخل الجنة (6). و عن الصادق عليه السّلام: إنّ أيّما رجل اشتكى فصبر و احتسب كتب اللّه له من الأجر أجر ألف شهيد (7)، و إن العبد يكون له عند ربه درجة لا يبلغها بعمله فيبتلى في جسده، أو يصاب في ماله، أو يصاب في ولده، فإن هو صبر بلّغه اللّه إيّاه (8). و من ذلك كله عدّوا الاحتساب و الصبر من آداب المرض و أفتوا باستحبابه كما أفتوا باستحباب احتساب مرض
ص:459
الطفل. لما عن أمير المؤمنين عليه السّلام في المرض الذي يصيب الطفل قال عليه السّلام: كفّارة لوالديه (1).
ثم انه لا بأس بقول المريض: آه، لما رواه جعفر بن يحيى قال: دخلت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام على بعض مواليه نعوده، فرأيت الرجل يكثر من قول: آه، فقلت: يا أخي! اذكر ربك و استغث به، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: آه اسم من أسماء اللّه تعالى، فمن قال آه استغاث باللّه عز و جل (2).
فمنها: استحباب كتم المرض على العائدين و ترك الشكوى منه، لما عن مولانا الصادق عليه السّلام، قال عليه السّلام: قال اللّه عز و جل: أيّما عبد ابتليته ببلّية فكتم ذلك عواّده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من لحمه، و دما خيرا من دمه، و بشرا خيرا من بشره، فإن أبقيته أبقيته و لا ذنب له، و إن مات مات إلى رحمتي (3). و فسّر عليه السّلام إبدال لحمه و دمه و بشره بخير ممّا كان، بأنّه يبدله لحما و دما و بشرا لم يذنب فيها.
و عنه عليه السّلام: إن من أشتكى ليلة فقبلها بقبولها و ادّى الى اللّه شكرها كانت كعبادة ستين سنة. قال له الراوي: ما قبولها؟ فقال عليه السّلام: يصبر عليها و لا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمد اللّه على ما كان (4).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال: من مرض يوما و ليلة
ص:460
فلم يشك إلى عوّاده بعثه اللّه يوم القيامة مع خليله إبراهيم عليه السّلام خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللاّمع (1).
و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ أربعة من كنوز الجنّة: كتمان الحاجة، و كتمان الصدقة، و كتمان المرض، و كتمان المصيبة (2).
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من كتم وجعا أصابه ثلاثة أيام من الناس و شكا إلى اللّه عز و جل كان حقا على اللّه أن يعافيه منه (3). و عنه عليه السّلام: إن المريض في سجن اللّه ما لم يشك إلى عوّاده تمحى سيئاته (4). بل ورد عنهم عليهم السّلام المنع الأكيد من الشكوى، و ان الأجور العظام المزبورة للمرض إنّما هو ما لو لم يشك، فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان من شكا مصيبة نزلت به فإنّما يشكو ربّه (5). و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انه أوحى اللّه إلى عزير عليه السّلام: يا عزير! إذا وقعت في معصية فلا تنظر إلى صغرها و لكن انظر من عصيت، و إذا أوتيت رزقا فلا تنظر إلى قلّته و لكن انظر من أهداه، و إذا نزلت إليك بلّية فلا تشك إلى خلقي كما لا أشكوك إلى ملائكتي عند صعود مساويك و فضائحك (6).
ثم إن ظاهر جملة من الأخبار المزبورة ان مطلق إخبار الغير بالمرض و البّلية شكوى ممنوع منه، مزيل لأجر المرض، و لكن ورد عنهم عليهم السّلام ما
ص:461
يدلّ على عدم كون مجرّد إخبار المؤمن بالمرض و البّلية شكوى، ففي صحيح جميل ابن صالح و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن حدّ الشكاة للمريض، قال عليه السّلام: إنّ الرجل يقول: حممت اليوم و سهرت البارحة، و قد صدق و ليس هذا شكاة، و إنّما الشكوى أن يقول: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو يقول: لقد أصابني ما لم يصب أحدا، و ليس الشكوى أن يقول سهرت البارحة، و حممت اليوم. . و نحو هذا (1). بل عنه عليه السّلام انّه قال: إذا صعد ملكا العبد المريض إلى السماء عند كل مساء، يقول الربّ تبارك و تعالى: ما ذا كتبتما لعبدي في مرضه؟ فيقولان: الشكاية، فيقول: ما أنصف عبدي ان حبسته (2)في حبس من حبسي ثم أمنعه الشكاية، [فيقول]: اكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له من الخير في صحّته، و لا تكتبا عليه سيئّة حتى أطلقه من حبسي، فإنّه في حبس من حبسي (3).
و أقول: لو لا هذا الخبر الأخير لأمكن الجمع بين الأخبار بكون المراد بالشكاية-التي قال عليه السّلام انه ليس منها قول حممت اليوم و سهرت البارحة- الشكاية المحرمة دون الشكاية المكروهة المانعة من ترتّب الأجور العظام المزبورة على المرض، لكن هذا الخبر الأخير يمنع من الجمع المذكور، إلاّ أن يقال: إن كتابة ما كان يعمله من الخير في صحّته عند الشكاية لا تستلزم ترتّب ساير أجور المرض المزبورة المقيّدة بعدم إخبار أحد بما فيه، حتى ورد في بعض الأخبار تفسير قول الحمى-التي هي كفّارة ستّين سنة-، بأن يحمد اللّه و يشكو إليه تعالى، و لا يشكوه، و إذا سئل عن خبره قال خيرا (4). فالجمع المذكور لا
ص:462
بأس به.
و هناك أخبار أخر خصّت الشكوى الممنوعة بالشكوى إلى كافر أو مخالف في دينه، ففي مصحّح يونس بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ايّما مؤمن شكا حاجته أو ضرّه إلى كافر أو إلى من يخالفه على دينه فإنّما شكا اللّه عز و جل إلى عدّو من أعداء اللّه، و ايّما رجل شكا حاجته و ضرّه إلى مؤمن مثله كانت شكواه إلى اللّه عزّ و جلّ (1).
و قال عليه السّلام للحسن بن راشد: يا حسن! إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف و لكن أذكرها لبعض إخوانك، فإنّك لن تعدم خصلة من خصال أربع: إمّا كفاية، و إمّا معونة بجاه، أو دعوة تستجاب، أو مشورة برأي (2).
و منها: استحباب ترك المداواة (3)مع إمكان الصبر و عدم الخطر سيما من الزكام، و الدماميل، و الرمد، و السعال، لما ورد عن أبي الحسن عليه السّلام من انّه: ليس من دواء إلاّ و يهيّج داء، و ليس شيء أنفع للبدن من إمساك اليد إلاّ عمّا يحتاج إليه (4).
و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: إن من ظهرت صحّته على سقمه فيعالج نفسه بشيء فمات فأنا إلى اللّه منه برىء (5).
و قال أبو الحسن عليه السّلام: أدفعوا معالجة الأطباء ما اندفع الداء
ص:463
عنكم، فإنّه بمنزلة البناء قليله يجّر إلى كثيره (1).
و قال عليه السّلام: تجنبّ الدواء ما أحتمل بدنك الداء، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء (2).
نعم يجب التداوي مع الضرورة إلى الدواء، و عليه يحمل ما عن الصادق عليه السّلام من أن نبّيا من الأنبيّاء مرض فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو يشفيني، فأوحى اللّه إليه: لا أشفيك حتى تتداوى، فإن الشفاء منّي (3).
و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: لا يتداوى المسلم حتى يغلب مرضه على صحّته (4).
و منها: كراهة مشي المريض إلى حاجته بل يحمل إليها، لما ورد من انّ الباقر عليه السّلام كان إذا اعتلّ جعل في ثوب فحمل لحاجته-يعني الوضوء- و ذاك انّه كان يقول: إن المشي للمريض نكس (5).
و منها: استحباب إيذان المريض إخوانه بمرضه و إذنه لهم فيعودونه فيؤجرون فيه بالعيادة، و يؤجر فيهم باكتسابه لهم الحسنات، فيكتب له بذلك عشر حسنات، و يرفع له عشر درجات، و يمحى بها عنهم عشر سيئات (6)، كما ورد التنصيص بذلك عن مولانا الصادق عليه السّلام.
و قال أبو الحسن عليه السّلام: إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه، فإنه ليس من أحد إلاّ و له دعوة مستجابة، ثم قال: أ تدري من الناس؟
ص:464
قلت: أمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: الناس هم شيعتنا (1).
ثم إنّ فضل عيادة المريض عظيم، و ثوابها جسيم، فقد قال الباقر عليه السّلام: أيّما عبد مؤمن عاد مؤمنا خاض الرحمة خوضا، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف و كلّ اللّه به سبعين ألف ملك يستغفرون له، و يسترحمون عليه، و يقولون له: طبت و طابت لك الجنة إلى تلك الساعة من غد، و كان له خريف في الجنة. ثم فسّر عليه السّلام الخريف: بزاوية في الجنّة يسير الراكب فيها أربعين عاما (2).
و قال الصادق عليه السّلام: أيّ مؤمن عاد مؤمنا في اللّه عزّ و جلّ في مرضه و كلّ اللّه به ملكا من العواد يعوده في قبره، و يستغفر له إلى يوم القيامة (3).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن من عاد مريضا فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله سبعون ألف ألف حسنة، و يمحى عنه سبعون ألف ألف سيئة، و يرفع له سبعون ألف ألف درجة، و و كلّ به سبعون ألف ألف ملك يعودونه في قبره، و يستغفرون له إلى يوم القيامة (4).
و يستحب العيادة في كل صباح و مساء، لما ورد من ان أيّما مؤمن عاد مؤمنا حين يصبح شيّعه سبعون ألف ملك، فإذا قعد غمرته الرحمة، و استغفروا له حتى يمسي، و إن عاده مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح (5)، و زاد في خبر آخر: مع ان له خريفا في الجنة (6).
ص:465
و يتأكد الاستحباب في مرضى بني هاشم، لما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من: ان عيادة بني هاشم فريضة، و زيارتهم سنّة (1). بل عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يدّل على كراهة ترك عيادة المريض، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: يعير اللّه عزّ و جلّ عبدا من عباده يوم القيامة فيقول: عبدي! ما منعك إذا مرضت أن تعودني؟ ! فيقول: سبحانك سبحانك أنت ربّ العباد لا تمرض و لا تألم. فيقول: مرض أخوك المؤمن فلم تعد [كذا]، فوعزتي و جلالي، لو (2)عدته لوجدتني عنده، ثم لتكفّلت بحوائجك فقضيتها لك، و ذلك من كرامة عبدي المؤمن و أنا الرحمن الرحيم (3).
و يستحّب التماس العائد الدعاء من المريض، و توّقي دعائه عليه بترك إغاظته و إضجاره، للامر بذلك عن أئمتّنا عليهم السّلام، معلّلين بانّ دعاء المريض مثل دعاء الملائكة (4).
و قال أبو جعفر عليه السّلام: من عاد مريضا في اللّه لم يسأل المريض شيئا للعائد إلاّ استجاب اللّه له (5). ثم لا يتأكد استحباب العيادة في وجع العين، و في أقلّ من ثلاثة أيام بعد العيادة أو يومين، و عند طول العلّة، لما ورد عنهم عليهم السّلام من: ان ثلاثة لا يعاد: صاحب الدمل، و الضرس، و الرمد، و انه لا عيادة في وجع العين، و لا تكون عيادة في أقل من ثلاثة أيّام. فإذا وجبت فيوم و يوم لا، فإذا طالت العلّة ترك المريض و عياله (6).
ص:466
و منها: استحباب تخفيف الجلوس عند المريض حال العيادة إلاّ ان يحبّ المريض ذلك أو يسأله (1). لما ورد من ان العيادة قدر فواق ناقة أو حلب ناقة (2)، و ان من أعظم العوّاد أجرا عند اللّه لمن إذا عاد أخاه خفّف الجلوس إلاّ أن يكون المريض يحبّ ذلك أو يريده و يسأله ذلك (3)، و انّ تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه و تعجّل القيام من عنده، فان عيادة النوكي أشدّ على المريض من وجعه (4).
و منها: استحباب وضع العائد يده على المريض، و وضع إحدى يديه على الأخرى أو على رأسه أو على جبهته (5). لما ورد من ان تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه، و في خبر آخر: على رأسه، و في ثالث: جبهته أو يده، و يسأله كيف هو، و تمام التحية المصافحة.
و منها: استحباب استصحاب العائد هديّة إلى المريض من فاكهة أو طيب، أو بخور، أو نحوه، ما لم يكن إهداؤه مضّرا بالمريض، للأمر بذلك معلّلا بأنّ المريض يستريح إلى كل ما أدخل به عليه (6).
و منها: استحباب السعي في قضاء حاجة المريض و الضرير سيّما القرابة، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أنّ: من كفى ضريرا حاجة من حوائج الدّنيا، و مشى له فيها حتى يقضي اللّه له حاجته، أعطاه اللّه براءة (7)
ص:467
من النفاق، و براءة من النار، و قضى له سبعين حاجة من حوائج الدنيا، و لا يزال يخوض في رحمة اللّه حتّى يرجع، و من سعى لمريض في حاجة قضاها أو لم يقضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، فقال رجل من الأنصار: بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه فإن كان المريض من أهل بيته أو ليس أعظم أجرا إذا سعى في حاجة أهل بيته؟ . قال: نعم (1).
و ورد انّ من قام على مريض يوما و ليلة بعثه اللّه مع إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام فجاز على الصراط كالبرق اللاّمع (2)، و انّ من أطعم مريضا شهوته أطعمه اللّه من ثمار الجنّة (3).
و منها: استحباب الصدقة للمريض و الصدقة عنه.
لما ورد من الأمر بمداواة المرضى بالصدقة لأنها تدفع ميتة السوء عن صاحبها (4).
و منها: استحباب رفع السقيم صوته بالأذان في منزله، لأنّ رجلا شكا إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام سقمه و انّه لا يولد له ولد، فأمره ان يرفع صوته بالأذان في منزله، ففعل ذلك فأذهب اللّه عنه سقمه و كثر ولده (5).
و منها: استحباب أن يقال عند رؤية المريض: أعيذك باللّه العظيم ربّ العرش العظيم من كلّ عرق نفّار، و من شرّ حرّ النّار (6)، و قد مرّ استحباب أن يقال عند رؤية من مرّ به البلاء إخفاتا بحيث لا يسمعه المبتلى: الحمد للّه الذي
ص:468
عافاني ممّا ابتلاك به، و فضّلني عليك و على كثير ممّن خلق (1).
و منها: كراهة التمارض من غير مرض و علّة، و التشعّث من غير مصيبة، لأمر الصادق عليه السّلام بترك فاعل ذلك (2).
يستّحب كثرة ذكر الموت و ما بعده و الاستعداد لذلك للمريض و الصحيح جميعا، لما ورد من انّه لم يكثر ذكر الموت إنسان إلا زهد في الدنيا (3)، و ان من أكثر ذكر الموت أحبّه اللّه (4). و قال الصادق عليه السّلام لأبي بصير: أذكر تقطّع أوصالك في قبرك و رجوع أحبائك عنك إذا دفنوك في حفرتك، و خروج بنات الماء من منخريك، و أكل الدود لحمك، فإنّ ذلك يسلي عنك ما أنت فيه.
قال أبو بصير: فو اللّه ما ذكرته إلاّ سلى عني ما أنا فيه من همّ الدّنيا (5). و قال عليه السّلام: أذكر الموت و وحدتك في قبرك، و سيلان عينيك على خديك، و تقطع أوصالك، و أكل الدود من لحمك، و بلاك و انقطاعك عن الدنيا، فإنّ ذلك يحثكّ على العمل، و يردعك عن كثير من الحرص على الدنيا (6). و سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أيّ المؤمنين أكيس؟ فقال: أكثرهم ذكرا للموت،
ص:469
و اشدّهم له استعدادا (1). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذّات، حائل بينكم و بين الشهوات (2)، بل يكره طول الأمل، و عدّ غد من الأجل، لما ورد من أنّ طول الأمل ينسي الآخرة (3)، و لقد أجاد من قال:
تؤمّل من الدنيا طويلا و لا تدري إذا جنّ ليل هل تعيش إلى ففجر
فكم من صحيح مات من غير علّة و كم من مريض عاش دهرا إلى دهر
و كم من فتى يمسي و يصبح آمنا و قد نسجت أكفانه و هو لا يدري
و ان الإنسان إذا استحق ولاية اللّه و السعادة جاء الأجل بين العينين، و ذهب الأمل وراء الظهر، و اذا استحقّ ولاية الشيطان و الشقاوة جاء الأمل بين العينين، و ذهب الأجل وراء الظهر (4). و انّه ما أطال عبد الأمل إلاّ أساء العمل (5)، و انّ من عدّ غدا من أجله فقد أساء صحبة الموت (6). و في وصايا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لأبي ذر: يا أبا ذر! إذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء، و اذا أمسيت فلا
ص:470
تحدّث نفسك بالصباح (1). و ورد انّه لو رأى العبد أجله و سرعته إليه لأبغض العمل من طلب الدنيا (2).
نعم يكره تمنّي الإنسان الموت لنفسه و لو لضّر نزل به، لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن ذلك معّللا بأنّك إن تك محسنا تزداد بالبقاء إحسانا، إن كنت مسيئا فتؤخّر تستعتب، و لا تتمنّوا الموت (3). و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يتمنى أحدكم الموت لضرّ نزل به، و ليقل: «اللّهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، و توّفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» (4). و سمع باب الحوائج عليه السّلام رجلا يتمنّى الموت فقال عليه السّلام: هل بينك و بين اللّه قرابة يحاميك لها؟ قال: لا، قال: فهل لك حسنات تزيد على سيئاتك؟ قال: لا، قال: فإذا أنت تتمنّى هلاك الأبد (5).
ثم إنّ كثرة ذكر الموت و قبح طول الأمل لا ينافيان كراهة الإنسان الموت، فإنّ ذلك مقتضى جبلته، و لذا قال اللّه تعالى فيما قال للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أسري به: ما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت و أنا اكره مساءته (6).
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: شيئان يكرههما ابن آدم؛ الموت، و الموت راحة المؤمن من الفتنة، و يكره قلّة المال، و قلة المال أقل
ص:471
للحساب (1). و قيل للصادق عليه السّلام: أصلحك اللّه، من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، و من أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه؟ قال عليه السّلام: نعم، قيل: فو اللّه إنّا لنكره الموت، قال: ليس ذلك حيث تذهب، إنّما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحب، فليس شيء أحب إليه من أن يتقدّم و اللّه تعالى يحبّ لقاءه، و هو يحب لقاء اللّه حينئذ، و أذا رأى ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء اللّه، و اللّه يبغض لقاءه (2).
ثم إنه لا بأس بالفرار من محّل الطاعون و الوباء و نحوهما من الأمراض العامّة المعروف سرايتها، للإذن في ذلك عن أئمّة الهدى عليهم السّلام، و نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الفرار و جعله له كالفرار من الزحف قضّية في واقعة كان لازم تجويز الفرار من هناك خلّو مراكز المسلمين من المجاهدين و المدافعين، و إلاّ فلا مانع من الفرار فرارا من الخوف (3)، بل قد يجب إذا وصل خوف البقاء إلى حدّ يخاف منه الضرر على النفس (4).
بقي هنا من آداب المرض أمران:
أحدهما: انّه يستحب مداواة المريض بأمور:
ص:472
فمنها: الصدقة، كما تقدم آنفا، و تقدّم آداب الصدقة في ذيل باب آداب السفر.
و منها: تربة سيد المظلومين أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام أرواحنا فداه، فإنّها شفاء من كل داء، و قد مرّ في ذيل آداب الزيارات فضلها، و آداب أخذها، و آداب أكلها استشفاء.
و منها: إرسال من يزور عنه و يدعو له إلى زيارة أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام، لفعل الإمام الهادي عليه السّلام و أمره به، كما مرّ في المقام الخامس من الفصل الحادي عشر.
و منها: المداواة بالأدعية، و الرّقى، و العوذ الواردة للأمراض و الأوجاع، و هي كثيرة لا يسعنا إيرادها هنا، فمن شاءها فليراجع مظانّها كطبّ الأئمة، و الثلث الأخير من الجلد التاسع عشر من بحار الأنوار، و غيرهما، و لعلّنا نحّرر في ذلكّ رسالة وافية إن ساعدتنا سواعد التوفيق إن شاء اللّه تعالى، و نقتصر هنا على بيان ما ورد من قراءة سورة الحمد، فإن فيها شفاء من كل داء، كما استفاض بذلك الأخبار (1). نعم استثني في خبر مرسل: السام، و قد ورد انّ فيها شفاء من كل سمّ (2)، و ورد قرائتها سبعا لكل مرض تارة (3)، و أربعين أخرى (4)، و سبعين ثالثة (5)، و مائة رابعة (6)، و في رواية خامسة ان من نالته علّة فليقرأ في جيبه أم الكتاب سبع مرات، فإن سكنت و إلاّ فليقرأ سبعين مرّة، فإنّها تسكن 7، و في سادسة: إنّ في
ص:473
الحمد سبع مراتّ شفاء من كل داء، فإن عوّذ بها صاحبها مائة مرّة، و كان الروح قد خرج من الجسد ردّ اللّه عليه الروح (1).
و قد ورد علاج الحمى بالماء البارد، و لبس الثوب المبلّل بالماء البارد (2)، حتّى ورد عن [أبي]ابراهيم عليه السّلام انه قال: ما وجدنا لها عندنا دواء آكد [من]الدعاء و الماء البارد (3). و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الحمّى من فيح جهنّم كما في رواية (4)، و فورها كما في أخرى، فاطفئوها بالمياه الباردة (5). و روي: انّ الماء البارد يطفي الحرارة، و يسكنّ الصفراء، و يهضم الطعام، و يذهب الفضلة التي على رأس المعدة [و يذهب بالحمى] (6)، و قال الصادق عليه السّلام: ما أختار جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للحمّى إلاّ وزن عشرة دراهم سكّر بماء بارد على الريق (7)، و عن أمير المؤمنين عليه السّلام: انه ليس من داء إلاّ و هو من داخل الجوف إلاّ الجراحة و الحمّى فإنّهما يردان ورودا، اكسروا الحمّى بالبنفسج، و الماء البارد، فانّ حرّها من فيح جهّنم (8)، و ورد المنع من التدّثر للمحموم، و انّه مخالفة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (9).
ص:474
الثاني: انه يستحب للمريض الوصية، بل تجب على (1)من عليه حق، بل وجوبها على من عليه حق لا يختص بحال المرض، بل تجب في الصحة أيضا مقدّمة لأداء حق الغير، بعد إمكان الفجأة و عدم المهلة و فوات حق الغير بإهمال الوصيّة (2).
و قد وردت الأخبار عن أهل بيت الوحي صلوات اللّه عليهم أجمعين في الحثّ عليها، و انها حق على كل مسلم (3)، و انّ من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهّلية (4)، و انّ من لم يحسن وصيّته عند موته كان نقصا في مروّته (5)، و لم يملك الشفاعة، و انه ما ينبغي لامرئ أن يبيت ليلة إلاّ و وصيته تحت رأسه (6)، و يتأكد ذلك في حال المرض، و ورد انّ ما من ميّت تحضره الوفاة إلاّ ردّ اللّه عليه من بصره و سمعه و عقله للوصية، آخذا لوصيته أو تاركا، و هي الراحة التي يقال لها: راحة الموت (7). فهي حق على كل مسلم. . إلى غير ذلك من الأخبار.
فيلزم العاقل الوصيّة في كل وقت بما يتوقف إحقاق الحق على بيانه ممّا للناس عليه و ما له على الناس، و ما للّه تعالى عليه، و بالأعيان التّي عنده للناس حتّى يخلّص نفسه من حقوق اللّه، و مظالم عباده، و يصل كل حق إلى ذويه،
ص:475
و يتأكدّ ذلك عند ظنّ الموت.
و قد ورد في كيفّية رسم الوصية عن مولانا الصادق عليه السّلام ما ينبغي نقله. قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من لم يحسن وصيّته عند الموت كان نقصا في مرّوته و عقله، قيل: يا رسول اللّه (ص) ! و كيف يوصي الميّت؟ ، قال: إذا حضرته وفاته و اجتمع الناس إليه (1)قال: اللّهم فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم، اللّهم إنّي أعهد إليك في دار الدنيا انّي أشهد أن لا اله إلاّ أنت وحدك لا شريك لك، و أنّ محمّدا عبدك و رسولك، و أنّ الجنّة حق، و انّ النّار حقّ، و أن البعث حق، و الحساب حقّ، و القدر (2)[حقّ]و الميزان حقّ، و أنّ الديّن كما وصفت، و أنّ الإسلام كما شرّعت، و أن القول كما حدثّت، و أنّ القرآن كما أنزلت، و أنك أنت اللّه الحقّ المبين، جزى اللّه محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خير الجزاء، و حيّا محمدا و آل محمد بالسلام، اللّهم يا عدّتي عند كربتي، و صاحبي عند شدّتي، و يا ولي نعمتي، إلهي و إله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، فإنّك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشر، و أبعد من الخير، فآنس في القبر وحشتي، و اجعل لي عهدا يوم ألقاك منشورا. . ثم يوصي بحاجته، قال عليه السّلام: و تصديق هذه الوصيّة في القرآن في السورة التّي يذكر فيها مريم عليها السّلام في قوله عزّ و جلّ: لا يَمْلِكُونَ اَلشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اِتَّخَذَ عِنْدَ اَلرَّحْمنِ عَهْداً (3). فهذا عهد الميّت.
و الوصيّة حق كل مسلم أن يحفظ هذه الوصيّة و يعلمها. قال أمير المؤمنين عليه السّلام: علمنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قال رسول اللّه صلّى
ص:476
اللّه عليه و آله و سلّم: علمنيها جبرئيل عليه السّلام (1). و زاد في خبر آخر قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلّي عليه السّلام: تعلمّها أنت و علمها شيعتك (2).
و يستحب الوصيّة بشيء من المال في أبواب البرّ و الخير، و الوقف الصدقة، لما ورد ممّا دلّ على عود منافعها إليه. و ورد ان ستة يلحقن المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، و مصحف يخلفه، و غرس يغرسه، و بئر يحفرها، و صدقة يجريها، و سنّة يؤخذ بها من بعده (3). بل يكره ترك ذلك لما ورد عنهم عليهم السّلام من: انّ اللّه تبارك و تعالى يقول: يا ابن آدم! تطوّلت عليك بثلاث: سترت عليك ما لو لم يعلم به أهلك ما واروك، و أوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا، و جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا (4). بل ينبغي للإنسان الكامل أن لا يكل الأمر الذي بيده إلى يد غيره، بل يفعل في ماله في حياته ما يحبّ أن يفعل به بعد موته، فإنّه يرشد إلى ذلك العقل السليم، و الخبر المروي عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: كنّ وصيّ نفسك فاعمل في مالك ما شئت. و ما تضّمنته وصيّة الصادق عليه السّلام لعائد من قوله عليه السّلام: اعدّ جهازك، و قدّم زادك، و كن وصيّ نفسك، و لا تقّل لغيرك يبعث إليك بما يصلحك (5).
ص:477
اعاننا اللّه تعالى عليه و ثبّتنا بالقول الثابت لديه
فمنها: ما هو عمدتها: و هو حسن الظن باللّه سبحانه.
لما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: لا يموتّن أحدكم حتى يحسن ظنّه باللّه عزّ و جلّ، فإنّ حسن الظنّ باللّه ثمن الجنّة (1). و ورد انّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عاد رجلا من الأنصار فوافقه و هو في الموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: أجدني أرجو رحمة ربّي و أتخوّف من ذنوبي، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلاّ أعطاه اللّه رجاءه، و آمنه مما يخافه (2).
و قد مرّ في المقام الثامن من الفصل العاشر انّ القنوط من رحمة اللّه سبحانه، و اليأس من روحه من الكبائر.
و منها: توجيهه قبل خروج الروح إلى القبلة.
فإنّه واجب مع الإمكان إذا كان مسلما أو بحكمه ليموت عليها، حرّا كان
ص:478
أو عبدا، صغيرا [كان]أو كبيرا (1)، و قيل: يستحب، و الأوّل أحوط (2).
و كيفّيته، أن يلقى على ظهره، و يجعل وجهه و باطن رجليه إلى القبلة، و في وجوب إدارته إلى القبلة لو مات إلى غيرها كوجوب إبقائه عليها لو مات إليها إلى أن يرفع للغسل تامّل (3)، نعم هما أولى و أحوط. و حيثما يجب فهو فرض على المحتضر نفسه مع استشعاره و تمكنه من الاستقبال، و إلاّ فكفاية على كل عالم بالحال متمكن من الامتثال.
و منها: استحباب تلقينه شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وحده لا شريك له، و انّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله، و الإقرار بالأئمّة الأطهار سلام اللّه عليهم أجمعين و تسميتهم واحدا بعد واحد.
للأمر بذلك معلّلا بأنّه ما من أحد يحضره الموت إلاّ و كلّ به إبليس من شياطينه، و يأمره بالكفر و يشكّكه في دينه حتى تخرج نفسه، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه (4). و علل الأمر به في أخبار اخر بأنّ من كان آخر
ص:479
كلامه: «لا إله إلاّ اللّه» عند موته دخل الجنة (1). و قال الصادق عليه السّلام: و اللّه لو ان عابد وثن وصف ما تصفون-يعني ولاية الأئمة عليهم السّلام-عند خروج نفسه ما طعمت النار من جسده شيئا أبدا (2).
و منها: استحباب تلقينه كلمات الفرج.
لما عن الصادق عليه السّلام من أنه: ما يخرج مؤمن من الدنيا إلاّ برضا منه، و ذلك انّ اللّه يكشف له الغطاء حتى ينظر إلى مكانه من الجنة و ما أعدّ اللّه له فيها، و تنصب له الدنيا كأحسن ما كانت ثم يخيّر فيختار ما عند اللّه، و يقول: ما أصنع بالدنيا و بلائها؟ فلقّنوا موتاكم كلمات الفرج (3). و ورد انّه إذا قالها المريض-يعني المحتضر-يقال له: أذهب فليس عليك بأس (4).
و أجمع كلمات الفرج: «لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، لا إله إلاّ اللّه العلّي العظيم، سبحان اللّه ربّ السموات السبع و ربّ الأرضين السبع، و ما فيهن و ما بينهنّ و ما تحتهنّ و ربّ العرش العظيم و الحمد للّه رب العالمين» (5). و لو زاد قبل التحميد قول: «و سلام على المرسلين» بقصد الذكر كان حسنا.
و منها: استحباب تلقينه التوبة، و الاستغفار، و الدعاء بالمأثور، و استرضاء أمّه إن كانت له أمّ و أعتقل لسانه عن قول ما يلقّن (6).
ص:480
و من الأدعية المأثورة قول سبع مرات: «أعوذ باللّه العظيم ربّ العرش الكريم من كل عرق نفار و من شر حرّ النار» . و قول: «اللّهم اغفر لي الكثير من معاصيك و أقبل منّي اليسير من طاعتك» ، و قول: «يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير، أقبل منّي اليسير، و أعف عنّي الكثير، انّك أنت العفّو الغفور» 1.
و منها: استحباب نقله إلى مصلاّه-الذي كان يصلي فيه أو عليه-إذا اشتد به النزع، للأمر بذلك عنهم عليهم السّلام، معلّلا بأنه يخفف عنه، و يسهل أمره بإذن اللّه تعالى 2.
و منها: استحباب الإسراج عنده بمصباح و نحوه ممّا يضئ المحل إن مات ليلا، بل يظهر دوام الإسراج في ذلك البيت ممّا روي من أنه لمّا قضى أبو جعفر عليه السّلام أمر أبو عبد اللّه عليه السّلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد اللّه عليه السّلام، ثم أمر أبو الحسن عليه السّلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه عليه السّلام حتى أخرج به إلى العراق، ثم لا أدري ما كان 3.
ص:481
و منها: استحباب ان يكون عنده من يقرأ القرآن للتبرّك، و استدفاع الكرب و العذاب عنه، سيما آية الكرسي، و آيتين بعدها، ثم آية السخرة، ثم ثلاث آيات من آخر البقرة، ثم سورة الأحزاب (1). و «يس» ، و «ص» ، و الصافّات (2). و قد ورد انّ من قرئت عند سكراته «ص» و «يس» جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فسقاها إيّاه و هو على فراشه، فيشرب فيموت ريّانا، و يبعث ريّانا، و لا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء عليهم السّلام، و نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه، و يصلّون عليه، و يستغفرون له، و يشهدون غسله، و يتبعون جنازته، و يصلّون عليه، و يشهدون دفنه (3)، و انّ «يس» لا تقرأ عند ميت إلاّ خفّف اللّه عنه تلك الساعة (4)، و انّ «و الصافّات» لم تقرأ عند مكروب موت إلاّ عجّل اللّه راحته، و نجى من مردة الشياطين، و يبرأ من الشرك (5).
و منها: استحباب تغميض عينيه بعد الموت قبل البرد، و إطباق فيه تحفّظا من دخول الهوام، و قبح المنظر، و شدّ لحييه حذرا من الاسترخاء و انفتاح الفم، و مدّ يديه إلى جنبيه، و كذا ساقيه ان كانتا منقبضتين، و تغطيته بثوب (6).
و منها: كراهة أن يوضع على بطن الميت حديد كسيف و نحوه (7)، و أن يحضره عند النزع و بعده جنّب، أو حايض، لتأذّي الملائكة بحضور كلّ منهما، من
ص:482
غير فرق في الحائض بين المنقطع دمها و غيرها (1)، و أن يمس في حال النزع فإنه يزداد ضعفا، و أضعف ما يكون في هذا الحال، و من مسّه في هذا الحال أعان عليه (2)، و ان يمنع من تحريكه يديه و رجليه و رأسه، و أن يترك الميّت وحده، فإن الشيطان يعبث في جوفه (3)، و أن ينعى بموت مؤمن إلاّ إذا أمر صاحب المصيبة بذلك (4)، و أن يكتم موت المؤمن عن أهله و زوجته (5)، و أن يقال عند الاخبار عن نزع المؤمن أو موته: استأثر اللّه بفلان، فإنه مكروه، بل يقال: فلان يجود بنفسه، فإنه لا بأس به، لما تراه من أنه يفتح فاه عند موته مرّة أو مرّتين أو ثلاث فذاك حين يجود بها لما يرى من ثواب اللّه عزّ و جلّ، و قد كان بها [ضنينا] (6).
ص:483
و هي أمور:
فمنها: استحباب تعجيل تجهيز الميت بعد تحقق موته، و عدم تأخير دفنه من النهار إلى الليل و لا من الليل إلى النهار مهما أمكن إلاّ لعارض من اشتباه موته، أو عدم إمكان دفنه، للأمر الأكيد بالتعجيل المذكور (1)، و انّ الميت إذا مات في أول النهار فلا يقيل إلاّ في قبره (2)، و إذا مات في آخر النهار فلا يبيت إلاّ في قبره (3). و ان من كرامة الميت تعجيله (4).
نعم يجب تأخير تجهيز المشتبه موته إلى أن يتحقّق، و ما ورد من تأخير دفن الغريق يوما و ليلة و تأخير الغريق و المصعوق و المبطون و المهدوم و المدخن إلاّ أن يتغيروا أو إلى ثلاثة أيام (5)يلزم حمله على إرادة تحقق الموت و إلاّ فلا وجه للتأخير إلى الثلاثة فما دونها بعد تحقق الموت، و لا للدفن بعد الثلاثة قبل تحقق الموت. و يؤخّر المصلوب ثلاثة أيام ثم ينزل و يدفن (6).
ص:484
و منها: استحباب إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليشيعوه فيؤجر و يؤجرون (1).
و منها: استحباب الإسراع إلى الجنازة، لقول النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: إذا دعيتم إلى العرائس فأبطئوا فإنّها تذكر الدنيا، و اذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا فانها تذكر الآخرة (2).
و منها: اتخاذ نعش لحمل الميت، و يتأكّد في المرأة، و صفته أن يكون للخشبة التي تنقل عليها الجنازة حواشي تمنع من رؤية جسد الميّت (3).
و منها: استحباب تشييع الجنازة و الدعاء للميت، لما روي عنهم عليهم السّلام من ان: من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات و لم يقل شيئا إلاّ قال الملك: و لك مثل ذلك (4)، و انه يوكّل اللّه به ملائكة يشيّعونه من قبره إلى المحشر، و يغفر اللّه تعالى [له] (5)، و انّ أوّل ما يتحف المؤمن به في قبره أن يغفر لمن تبع جنازته (6)، و انّه إذا دخل المؤمن قبره نودي: الاّ و انّ أول حبائك الجنة، ألاّ و انّ أوّل حباء من تبعك المغفرة (7)، و إنّ من شيع جنازة فله بكل خطوة حتى يرجع مائة ألف حسنة، و تمحى عنه مائة ألف سيئة، و يرفع له مائة ألف درجة، فإنّ صلّى عليها شيّعه في جنازته مائة ألف ملك كلّهم يستغفرون له حتى يرجع، فإن شهد دفنها و كلّ اللّه به مائة ألف ملك يستغفرون له حتى يبعث
ص:485
من قبره (1)، و من صلّى على ميّت صلّى عليه جبرئيل و سبعون ألف ملك، و غفر له ما تقدّم من ذنبه، و إن اقام عليه حتى يدفنه، و حثا عليه من التراب انقلب من الجنازة و له بكل قدم من حيث تبعها حتى يرجع إلى منزله قيراط من الأجر، و القيراط مثل جبل أحد يلقى في ميزانه من الأجر (2)، و ان من تبع جنازة كتب له أربعة قراريط، قيراط باتباعه، و قيراط للصلاة عليها، و قيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها، و قيراط للتعزية (3). و زاد في رواية قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و الذي نفسي بيده لذلك القيراط يوم القيامة أثقل من أحد (4). و قال الرضا عليه السّلام: من شيع جنازة وليّ من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه لا ذنب عليه (5).
و يستحب للمشيع ترك الرجوع إلى أن يدفن الميت و إن أذن له وليّه في
ص:486
الرجوع (1)، و لكن لا يخفى عليك ان طلب العلم و حضور مجلس العالم أفضل من حضور تشييع الجنازة، لما في المستدركات عن سبط الشيخ الطبرسي في مشكاة الأنوار (2)من انه جاء رجل إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه (ص) ! إذا حضر جنازة و حضر مجلس عالم أيهما أحب إليك أن اشهد؟ فقال: إن كان للجنازة من يتبعها و يدفنها فإن حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة، و من عيادة ألف مريض، الحديث.
و منها: استحباب مشي المشيّع خلف الجنازة أو إلى أحد جانبيها، و ذلك أفضل من المشي أمامها لأنّ الملائكة يمشون أمامها، فينبغي اتباعهم بالمشي خلفها (3)، و من أحّب ان يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير (4)، بل المشي أمامها مكروه في جنازة المخالف، للنهي عنه، معلّلا بانّ ملائكة العذاب يستقبلونه بأنواع العذاب (5)، و هل يكره في جنازة العارف كراهة خفيفة أم لا؟ وجهان، من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اتبعوا الجنازة و لا تتبعكّم، خالفوا أهل الكتاب (6)، و من قول الصادق عليه السّلام ليونس بن ظبيان: امش أمام جنازة المسلم العارف، و لا تمش أمام جنازة الجاحد، فإنّ أمام جنازة المسلم ملائكة يسرعون به إلى الجنة، و أن أمام جنازة الكافر ملائكة يسرعون به إلى
ص:487
النار (1). و مقتضى الجمع بين الأمر و النهي و ان كان الجواز على كراهيّة، إلاّ أن ظاهر خبر يونس رجحان المشي أمام جنازة العارف، فتأمل.
و منها: استحباب المشي مع الجنازة، و كراهة الركوب إلاّ لعذر، لأنّ الملائكة يمشون فيكره الركوب (2)، و قد عاقب عليه السّلام الراكبين بعدم الحياء (3). نعم لا بأس بالركوب عند الرجوع.
و منها: القصد في المشي بالجنازة و السكينة فيه، للأمر بذلك عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4)، فما ارتسخ في الأذهان-من حسن المشي سريعا جدا، و انّه علامة حسن حال الميت و صلاحه-لا وجه له.
و منها: حمل الجنازة، فإنه مستحب آخر علاوة على المشي، و قد كان أئمتّنا عليهم السّلام يحملون بعض الجنائز (5). و ورد عنهم عليهم السّلام: انّ من أخذ بقائمة السرير غفر اللّه له خمسا و عشرين كبيرة (6). و الأفضل الحمل من أربعة جوانبها أوّلا على الترتيب ثم الحمل كيف يشاء. لما ورد عنهم عليهم السّلام من انّ من حمل جنازة من أربعة جوانبها غفر اللّه له أربعين كبيرة (7)و في خبر آخر انه: اذا ربّع خرج من الذنوب كما ولدته امّه (8)، و ما كان بعد ذلك من حمل فتطوع
ص:488
آخر، و الأفضل حصول التربيع بحملها من جوانبها الأربعة على أيّ وجه كان (1)و ان كان الأفضل ان يبدأ عند عدم التقّية باليد اليمنى ثم الرجل اليسرى ثم اليد اليسرى (2)، و عند التقيّة يبدأ باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى، ثم يرجع من طرف رأسه فيحمل يده اليسرى ثم رجله اليسرى و لا يمرّ خلف رجلي الميت عند التقيّة (3).
بقي هنا شيء و هو: ان ابن أبي يعفور روى عن مولانا الصادق عليه السّلام: انّ السنّة انّ تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن و هو ما يلي يسارك، ثم تصير إلى مؤخرّه و تدور عليه حتى ترجع إلى مقدّمه (4). و مثلها رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال سمعته يقول: السنّة في حمل الجنازة ان تستقبل جانب السرير بشقّك الأيمن فتلزم الأيمن بكفك الأيمن ثم تمرّ عليه إلى الجانب الآخر، و تدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير، ثم تمرّ عليه إلى الجانب الرابع ممّا يلي يسارك (5).
و قد يتخيّل ان لازم ما نطق به الخبران هو حمل الميت في الطريق متوجّها إلى المقصد و إرساله برجله، اذ على المتعارف من تقديم رأسه لا يكون يمين الميت إلى يسار الحامل و يساره إلى يمينه، بل يكون يمينه إلى يمينه و يساره إلى يساره، و لكنك خبير بانه ناشىء عن الغفلة عن ان الجنازة-بالكسر-الميت بسريره، و من البيّن ان يمين السرير هو ما عليه يسار الميت لا يمينه. و قد عبّر عليه السّلام بيمين الجنازة دون يمين الميت حتى يتأتى ما ذكر.
ص:489
ثم إن التشيع يتحقّق بمطلق متابعة الجنازة، و يشمل ما تعارف الآن من اتباع جمع الجنازة عند إرادة نقلها من بلدة إلى أخرى و إن لم يكن جميع مشيهم خلفها أو إلى جنبها، و لا يتوّهم تقدّر التشييع بميلين لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلّي عليه السّلام: سرميلين شيع جنازة (1)، و ذلك لعدم تبّين كونه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مقام تقدير النهاية، مع شمول الإطلاقات للمسافة الشرعية فما زاد، مع ان المراد بالخبر: سرميلين. . مقدمة لتشييع الجنازة لا التشييع ميلين.
و لو لم يكن محل الدفن محتاجا إلى النقل-كما لو اتحد مكان الموت و الغسل و الصلاة عليه و الدفن، و لم يكن مقتض آخر لنقله، بأن لم يكن في الأعتاب المقدسة حتى ينقل لأجل أن يطاف بالمزار و يزّور-سقط التشييع.
و في استحباب إخراجه و نقله حينئذ لمحض تحصيل عنوان التشييع؛ بأن يذهب به من طريق و يرجّع من طريق آخر تأمل.
و منها: استحباب أن يتفكر المشيّع في مآل حاله، و يتعّظ بالموت، و يحسب أنه المحمول (2). و يكره له الضحك (3)، و كذا المشي بغير رداء إلاّ لصاحب المصيبة،
ص:490
و الجلوس حتى يوضع الميت في لحده إلاّ لمخالفة اليهود (1).
و منها: استحباب أن يقول حامل الجنازة: «بسم اللّه و باللّه و صلّى اللّه على محمد و آل محمد، اللّهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات» (2).
و منها: استحباب أن يقول المشاهد للجنازة المقبلة: «الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم» (3)و أن يقول: «اللّه أكبر، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله، اللّهم زدنا إيمانا و تسليما، الحمد للّه الذي تعزّز بالقدرة و قهر العباد بالموت» (4).
و منها: استحباب وضع صاحب المصيبة حذاءه و رداءه، لخروج الصادق عليه السّلام في جنازة إسماعيل بغير حذاء و لا رداء (5). و لقوله عليه السّلام: ينبغي لصاحب الجنازة أن لا يلبس رداء، و ان يكون في قميص حتى يعرف (6)، و لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وضع رداءه في جنازة سعد بن معاذ، فسئل عن ذلك، فقال: إني رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها فوضعت ردائي (7)، لكن في
ص:491
الخبر دلالة على عدم الاختصاص بصاحب المصيبة، فتأمل، مع أنها قضيّة في واقعة.
و روي أنّه يستحبّ له أن يمشي حافيا حاسرا مكشوف الرأس (1)، و قيل: يكره وضع الرداء في مصيبة الغير (2)، و لم أقف على وجهه، و فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الملائكة في تشييع سعد يردّه.
و منها: كراهة تزيين النعش بوضع الثوب الأحمر و الأصفر و نحوهما عليه (3)كما هو المتعارف الآن، و أن يقوم القاعد عند مرور الجنازة عليه، إلاّ إذا كانت جنازة كافر فيقوم إن كان جلوسه على وجه لو لم يقم لعلت عليه جنازة الكافر (4). و كذا يكره اتباع النساء الجنازة و صلاتهنّ عليها إلاّ الطاعنة في السن (5)، و ما لو كان الميت أنثى (6).
و كذا يكره اتباع الجنازة بالنار حتى المجمرة (7)، و لا بأس بالمصباح إذا كان ليلا (8).
و كذا يكره أن يرفع صاحب المصيبة الجنازة و أن يحثي التراب (9).
ص:492
الذي علّته-على ما اخبر به الرضا عليه السّلام-انه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الآفة و الأذى، فشرّع الغسل ليكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه و يماسّونهم، فيماسّهم نظيفا متّوجها به إلى اللّه عزّ و جلّ ليطلب وجهه و ليشفع له (1).
و علّته الأخرى: انه يخرج بالموت منه المني الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له مطهّرا (2).
و كيف كان، فهو فرض على الكفاية، و إن كان أحقّ النّاس به أولاهم بميراثه فعلا، و أقربهم إليه من الرحم التي تجرّه إليها فيغسّل هو أو من يأمره، و اذا كان الأولياء رجالا و نساء فالرجال أولى، و الزوج أولى بزوجته من كل أحد في جميع أحكامها، كما يأتي مع جملة من الفروع في الصلاة عليه إن شاء اللّه تعالى.
و في جواز مباشرة كل من الزوجين تغسيل الآخر اقوال، أظهرها الجواز مطلقا، و أحوطها القصر على حال الضرورة من وراء الثوب، و إن لم يكن ساترا لوجهها و كفيها و قدميها و إن كان الستر أولى، و لا فرق في الزوجة بين الحرّة و الأمة، و لا بين الدائم و المنقطع التي لم تنقض مدّتها، و لا بين المدخول بها و غيرها،
ص:493
و بحكمها المطلقة الرجعيّة. و في لحوق المملوكه غير المزوجة و لا المعتدة و لا المكاتبة و لا المبعّضة بالزوجة تأمل، و الأحوط العدم.
و لو مات مسلم و لا مسلم هناك و لا مسلمة ذات رحم، أو ماتت مسلمة و لا مسلمة معها و لا مسلم ذو رحم، فالمشهور تولّي الكتابيّ لغسله بعد ان يغتسل هو و الكتابية بعد الاغتسال، و هو حسن عند عدم سراية نجاسة المغسل إلى الميّت و إمكان قصد القربة منه، أو تولّي المسلم غير المجانس النّية في وجه. و لو وجد بعد تغسيله قبل دفنه من يصحّ تغسيله عند الاختيار، ففي لزوم إعادته للغسل تردّد، و الإعادة أحوط.
و يغسّل الرجل محارمه من النساء إذا لم تكن مسلمة أو لم يمكن إلزامها بذلك، كما تغسّل المرأة محارمها من الرجال إذا لم يكن مسلما، أو لم يمكن إلزامه بذلك، و الأحوط في المقامين كون التغسيل من وراء الثياب.
و لا يغسل الرجل الأنثى التي ليست له بمحرم حتى من وراء الثوب إلاّ إذا كان لها دون ثلاث سنين، فإنه يجوز له ان يغسلها مطلقا، و ان كان الاقتصار على صورة فقد المماثل أحوط و أولى، و كذا الحال في المرأة بالنسبة إلى الذكور.
و في تغسيل الخنثى المشكل لمن كان عمره ثلاث سنين فما زاد ترّدد، و الاحتياط بالاجتناب لا يترك.
و الأحوط إن لم يكن أقوى اعتبار البلوغ في المغسّل و عدم إجزاء تغسيل الممّيز (1).
و يجب تغسيل كل ميّت أظهر الشهادتين في حياته و لم ينكر شيئا من ضروريّات الدين، و لا يجب تغسيل الميت الكافر و من بحكمه كالخوارج و الغلاة
ص:494
و النواصب (1)، بل لا يجوز و ان كان أبا الغاسل (2).
و هل يجب على الشيعي تغسيل جنازة المخالف غير الناصب أم لا؟ وجهان، أحوطهما الوجوب إن لم يكن أقواهما (3).
و حكم الطفل حكم من يلحق به (4)، و السقط إن تمّ له سته أشهر فحاله حال غيره (5)، و إلاّ فإن تمّ له أربعة أشهر فالأحوط تغسيله (6)، و الأحوط-إن لم يكن أظهر-لزوم تغسيل المشتبه حاله ما لم يعلم كفره (7).
و الشهيد الذي قتل بحديد أو غيره في الجهاد و مات في المعركة لا يغسّل، و لا يكفّن، بل يصلّى عليه و يدفن بثيابه بعد نزع الجلود كالفرو و الخفين و نحوهما منه، بل الأحوط-إن لم يكن أقوى-هو لزوم نزع القلنسوة و المنطقة و السراويل إذا لم يصبها الدم، و لا فرق في الحكم بين الكبير العاقل و بين الصغير و المجنون
ص:495
بعد صدق اسم الشهيد عليهما (1)، و لو أدركه المسلمون و به رمق ثم مات فالأحوط -إن لم يكن أقوى-تغسيله (2). و من قطع راسه عصيانا في غير الجهاد يغسل منه الدم و يغسّل، و تربط جراحاته بالقطن و الحنوط، و كذا الرقبة يوصل بها الرأس و يجعل له من القطن شيء كثير و يذر عليه الحنوط و يشّد و يدفن (3). و من وجب قتله بالرجم يؤمر بالاغتسال و الحنوط و لبس الكفن قبل قتله، ثم لا يغسّل بعد ذلك (4)، و ذلك عزيمة على الأظهر لا رخصة، و في تسرية الحكم إلى كل من يجب قتله بسبب لا يخرجه عن الإسلام مثل من أفطر في نهار رمضان عصيانا في الرابعة تأمّل، و العدم أشبه و أحوط (5)، كما ان الأحوط-إن لم يكن أقوى-أن يغتسل ثلاثا على نحو غسل الميت بمزج الخليطين في الأولين، و يترتب عليه ما يترتب على غسل الميّت من عدم ايجاب مسه بعد البرد غسلا، و لو سبق موته أو قتل بسبب آخر لم يسقط الغسل الموظف حينئذ (6).
ص:496
و لو وجد بعض الميت، فإن كان هو الصدر وحده أو مشتملا على الصدر لزم تغسيله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه، و إن كان لحما بلا عظم لزم دفنه، و الأحوط كونه بعد لفّه في خرقة، و إن كان لحما فيه عظم أو عظما بلا لحم فالأولى و الأحوط غسله و كفنه و دفنه، و أحوط منه مع ذلك الصلاة عليه (1).
و السقط إن كان له أربعة أشهر فما زاد فهو بحكم الميّت في وجوب غسله و تكفينه و دفنه (2)، و لو لم تمض عليه أربعة أشهر فالأشبه كفاية دفنه، و الأحوط غسله و لفّه في خرقه.
و في اعتبار كون تكفين الصدر أو ما تضمّنه بالقطع الثلاث تأمّل، نعم هو أحوط.
و الأشبه عدم وجوب الحنوط في شيء من الصدر، نعم هو أحوط.
و القطعة المبانة من حيّ تدفن بغير غسل و لا كفن، و إن كان غسلها و تكفينها مع الاشتمال على العظم أحوط (3).
و إذا لم يحضر الميت الذكر مسلم، و لا ذمّي، و لا محرم من النساء دفن بغير غسل، و لا يقربه الكافر الحربي، و لا الذميّة، و لا المسلمة الأجنبيّة (4)، و روي انه يلفّ في ثيابه و يدفن. و كذا المرأة (5). و روي انّهم يغسلون منها موضع التيّمم،
ص:497
وجهها، و بطن كفيها ثم ظهرهما، و لا تمسّ، و لا يكشف لها شيء من محاسنها التي أمر اللّه بستره (1)، و هي ضعيفة.
و يجب إزالة النجاسة العارضة-لا نجاسة الموت-عن بدن الميّت قبل تغسيله، ثم يغسّل.
و يعتبر في الغسل النيّة على الأحوط و الأقوى، و المباشر للنّية هو المباشر للغسل حقيقة، و لو تعدد المباشر فإن اشتركا في الصبّ و التقليب في الجميع كانت النيّة عليهما، و لا تكفي النيّة من أحدهما. و إن لم يشتركا في الجميع فإن كان عمل واحد منهما مترّتبا على عمل الآخر بأن يغسّل أحدهما بماء السدر، و الآخر بماء الكافور لزم كّلا منهما الأتيان بعمله مقرونا بالنيّة، و إن لم يترتب عملهما و لم يتجانس كأنّ يكون أحدهما مقلّبا و الآخر صابا للماء نوى من يعّد في العرف مغسّلا، و الأحوط نيتّهما جميعا.
و لا يعتبر في غاسل الميت الطهارة من الحدث و لا الخبث، فيجوز للحائض و من بحكمها و الجنب مباشرة تغسيل الميتّ، غايته استحباب ان يغسل يديه و يتوضّأ ثم يمس الميت (2).
و يجوز لمن غسّل الميت ان يؤخر غسل المس إلى أن يجامع (3).
ص:498
و كيفيّة الغسل: ان يغسّل ثلاث غسلات: أوّلها بماء السدر، ثم بماء الكافور، ثم بالماء القراح. و الأظهر وجوب الثلاثة، و لزوم الترتيب المذكور بينها، كما يلزم الترتيب بين الأعضاء بغسل رأسه أوّلا ثم الجانب الأيمن، ثم الأيسر، و يغني غمسه في الماء غمسة واحدة عن الترتيب بين الأعضاء على الأقرب مع عدم فوت الخليط في الأولين، و إلاّ ففي الثالث خاصّة، و يجوز الترتيب في بعض الأغسال، و الغمس في الباقي، و الغمس في الجميع مع مراعاة الخليط و الترتيب في الجميع.
و أقلّ ما يلقى في الماء من السدر و الكافور ما يصدق معه الاسم، و أكثره ما لا يوجب إضافة الماء، و إلاّ لم يصّح الغسل على الأحوط إن لم يكن أقوى. و لو كان السدر ورقا غير مطحون و لا ممروس لم يجز.
و لا يجب وضوء الميت قبل غسله، و في استحبابه وجه، لكنّه لموافقته للعامّة موهون.
و لا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات الثلاث إلاّ عند الضرورة، كما لو لم يوجد إلاّ ماء غسل واحد أو غسلين فإنه يقتصر عليه و يأتي ببدل ما لم يجد له ماء من الأغسال تيمّما على الأحوط، بل الأقوى. و الأظهر مراعاة الترتيب حينئذ فيغسل بماء السدر، ثم بماء الكافور، و يتيمم بدل القراح فيما لو وجد ماء غسلين، و بماء السدر و يتيمم مرتين بدل ماء الكافور و القراح فيما لم يوجد إلاّ ماء غسل واحد. و لو عدم السدر و الكافور أو أحدهما سقط المتعّذر من الخليط، و غسّل بدل المخلوط بالماء القراح بنيته. و لو وجد الخليط بعد الغسل بالقراح الثالث قبل الدفن فالأحوط إن لم يكن أقوى إعادة الغسل بالخليط، و لو وجد الخليط بعد الدفن فلا إعادة على الأشبه.
و يعتبر طهارة الماء و إباحته، و اباحة الخليطين، و مكان الغسل، و هوائه، و ما كان التصرف فيه مقوّما للغسل من آلاته.
ص:499
و يلزم التجنّب من النظر إلى عورته.
و لو خيف من تغسيله تناثر جلده، كالمحترق و المجدور، أو فقد الماء يمّم بالتراب بدل كل غسل مرّة.
و كيفية تيمّمه أن يضرب المباشر يديه على الأرض و يمسح وجه الميت، ثم يضرب و يمسح يديه؛ و الأحوط الجمع بينه و بين ضرب يدي الميت و المسح بهما.
و لو مات الجنب، أو الحائض، أو النفساء، أو ماسّ الميت كفى غسل الميتّ عن تلك الأغسال على الأقوى، نعم تغسيله عمّا عليه من حدث غير الموت قبل غسل الميت أولى.
و لو كثر دم النفساء حشي قبلها كدبرها بالقطن.
و لو خرج من الميت نجاسة بعد الغسل لم يعد الغسل، بل غسل الموضع الذي لاقته النجاسة (1).
فمنها: أن يوضع الميت على ساجة، أو سرير، أو صخرة. و ينبغي أن يكون مكان الرجلين منحدرا عن موضع الرأس.
و منها: أن يوضع مستقبل القبلة على هيئة المحتضر، فيستقبل بباطن قدميه و وجهه القبلة، و قال جمع بوجوب ذلك و لم يثبت. نعم لا ينبغي ترك الاحتياط به مع الإمكان.
و منها: أن يغسل تحت الظلال، سقفا كان أو خيمة أو نحوهما.
و منها: أن يجعل ماء الغسل في حفيرة تختصّ به، و يكره إرساله في
ص:500
الكنيف المعّد لقضاء الحاجة، و لا بأس بالبالوعة و ان لم تكن طاهرة.
و منها: أن ينزع قميصه من تحت، و يفتق بإذن الوارث البالغ الرشيد قميصه إن افتقر النزع من تحت إلييّه. و لو كان في الورثة صغيرا أو قاصرا أو غائبا لا يعلم برضاه لم يجز الفتق.
و منها: أن تستر عورته حيث لا يوجد ما يقتضي الوجوب، كما لو كان المغسل أعمى، أو واثقا من نفسه بعدم النظر، أو كان الميت ممن يجوز النظر إلى عورته لكونه طفلا، أو زوجا، أو زوجة و إلاّ وجب.
و منها: تليين أصابعه و مفاصله برفق، فان تعسّر تركها، و لا يعصره و لا يغمز مفصلا له.
و منها: أن يغسل رأسه برغوة السدر غسلا بليغا أمام الغسل.
و منها: غسل فرجه بماء السدر أو الحرض-و هو الاشنان-قبل الغسل.
و منها: لفّ خرقة باليد حين غسل فرج الميت و تنظيفه حتى لا يمسه ببشرة يده، و ورد الأمر به، و الأحوط عدم تركه.
و منها: أن يغسل يداه ثلاث مراّت قبل الغسل إلى نصف الذراع، و لو كان بماء السدر كان أولى.
و منها: أن يبدأ في الغسل بالشق الأيمن من رأسه و لحيته.
و منها: أن يمسح بطنه برفق في الأولين دون الأخير، إلاّ أن يكون الميت امرأة حاملا فلا يستحب مسح بطنها، بل قيل بحرمته حينئذ، و هو أحوط.
و منها: إمالة رأسه و نفضه حتى يخرج من منخريه ما فيه.
و منها: أن يقف الغاسل له عن يمينه.
و منها: أن يغسل الغاسل يديه بعد كل غسل من المرفقين.
و منها: أن ينشفّ الميت بعد الفراغ من أغساله الثلاثة.
و منها: أن يقول عند غسلة «يا ربّ عفوك عفوك» فإنّ اللّه تعالى يعفو
ص:501
عنه، و يقول عند تقليب المؤمن: «اللّهم هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه، و فرقّت بينهما، فعفوك عفوك عفوك» فإن اللّه تعالى يغفر له ذنوب سنة إلاّ الكبائر.
و منها: كتم ما يرى من الميت ممّا يشينه، فقد ورد أن من غسّل مؤمنا ميّتا فأدى فيه الأمانة غفر اللّه له، قيل: كيف يؤدّي الأمانة فيه؟ قال: لا يخبر بما يرى.
و منها: كثرة ماء الغسل إلى سبع قرب من قرب بئر الغرس.
فمنها: أن يجعل الغاسل الميت بين رجليه عند تغسيله إلاّ إذا خاف سقوطه لوجهه.
و منها: أن يقعده، بل قيل بحرمة ذلك.
و منها: أن يقصّ شيئا من أظفاره، و أن يرجّل شعره، أو يجزّه، أو يحلقه، أو ينتفه، بل قيل: بحرمة قص الظفر، و الشعر، و تسريح رأسه و لحيته، و لا فرق بين طول الأظفار و قصرها، و وجود و سخ عقبها و عدمه. نعم ينظف الوسخ.
و منها: مباشرة المؤمن تغسيل المخالف إلاّ عند فقد المخالف.
و منها: تغسيل الميت بماء أسخن بالنار إلاّ لتقية أو عجز الغاسل عن التغسيل بالماء البارد لشدة البرد (1).
ص:502
و هما كتغسيله في الوجوب على الكفاية، و أولّوية أقرب الناس إليه بهما. و إنّما أمر أن يغسّل الميّت و يكفن ليلقى ربّه عزّ و جلّ طاهر الجسد غير بادي العورة، و لئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه، و لئلاّ ينظر على بعض حاله و قبح منظره، و لئلا يقسوا القلب بالنظر إلى مثل ذلك للعاهة و الفساد، و ليكون أطيب لانفس الأحياء، و لئلا يبغضه حميمه فيلغي ذكره و مودّته، و لا يحفظه فيما خلف و أوصى به و أمره و أحّب، كما قال الرضا عليه السّلام.
و الواجب عند الإمكان أن يكفّن في ثلاث قطع: ميزر يشدّ من وسطه يستر عورتيه، و قميص يشق منه و سطه و يخرج منه رأسه، و لفافة تواري جميع جسده، مراعيا في جنسها اللائق بحاله.
و يستحبّ إجادة الكفن إلاّ إذا أريد إخراجه من أصل المال، و كان في الورثة قاصر و لم يتحمّل الكبير منهم التفاوت، فإنّه يقتصر على ما يليق بحاله.
و يستحب التبرع بكفن الميّت المؤمن، فإن من كفّن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة، و كذا يستحب كون ميزره ساترا لصدره و رجليه و قميصه و اصلا إلى نصف الساق، و إلى القدم أفضل.
و يعتبر في اللفّافة ان تكون عريضة بحيث يرد أحد جانبيها إلى الآخر، و طويلة بحيث تشد من طرفيها.
و لو تعذر شيء من القطع الثلاث اقتصر علّى الممكن منها، و لو وجد بعض
ص:503
قطعة فالأحوط تكفينه به، و لا يجوز التكفين بالحرير رجلا كان الميّت أو امرأة، و لا بالمغصوب، و لا بالنجس ذاتا أو بالعارض، و لا بالجلود و إن كانت مما يؤكل لحمه، و المشهور جواز التكفين بما نسج من صوف الحيوان المأكول أو شعره أو وبره، و قيل: بالمنع منه، و هو عند عدم الانحصار فيه أحوط، و إن كان الأوّل أشبه.
و لو عصى المباشر فكفن بما لا يجزي لم يسقط عن الباقين، و الأحوط اقتران التكفين كالتحنيط بالنيّة و ان كان السقوط عن الباقين عند التكفين بغير نيّة غير بعيد.
و امّا الحنوط: فالواجب منه وضع شيء من الكافور-قبل عقد اللفافة عليه-على مساجده السبعة على وجه المسح ان لم يكن محرما. و يستحبّ مسح رأسه. و لحيته، و صدره، و عنقه، و منكبيه، و مرافقه، و موضع الشراك من رجليه، و ساير مفاصله من اليدين و الرجلين و طرف أنفه به، و لا يوضع شيء منه في منخريه، و لا عينيه، و لا أذنيه، و لا فمه، و لا أنفه، و لا على وجهه (1)، و كذا يستحب تطييب جسده بالذريرة (2)، و تطييب كفنه بها، و بالكافور.
و يكره وضع الحنوط على النعش (3)، كما يكره تطييب الميت بغير الكافور و الذّريرة، بل قيل بحرمته، و الاحتياط بالترك لا يترك (4).
و أقل ما يحنّط به ما يصدق معه تحنيط مساجده السبعة به، و الفضل في
ص:504
مقدار درهم، و أفضل منه أربعه دراهم، و أكمل منه ثلاثة عشر درهما و ثلثا (1).
و لا يجوز تحنيط من مات في الإحرام كما لا يجوز مزج ماء غسله الثاني بالكافور، بل يدفن من دون أن يقرّب إليه شيء من الكافور في الحالين، و كذا الذريرة (2). و يسقط الحنوط عند عدم تيسر الكافور.
و سنن هذا المقام: مضافا إلى ما مرّ أمور:
فمنها: أن يغتسل الغاسل قبل التكفين غسل المسّ إن أراد مباشرته، أو يتوضّأ وضوء الصلاة على قول جمع في الوضوء خال عن المستند، بل ورد غسل اليدين من العاتق ثم التكفين ثم الاغتسال من المس (3).
و منها: أن تكون اللفافة حبرة عبرية غير مطرّزة بالذهب و لا بالحرير، و قيل: باستحباب كون الحبرة غير اللفافة، و أن تكون الحبرة فوق اللفافة، و ليس ببعيد (4).
و منها: أن تزاد في الكفن قطعتان أخريان:
إحداهما: خرقة للفخذين طولها ثلاثة أذرع و نصف بذراع اليد تقريبا على ما قيل، و عرضها شبر أو نصف شبر يشدّ طرفاها على حقويه، و يلفّ بما استرسل منها فخذاه لفّا شديدا و يخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، و يغمر في الموضع الذي لفت الخرقة فيه، و الأولى ان يكون الشدّ المذكور بعد أن يجعل بين اليتيه شيء من القطن، بل لو خشي خروج شيء حشي في
ص:505
دبره أيضا (1).
الثانية: عمامة يعمّم بها الرجل تكون لها ذوابتان من الجانبين تخرجان من تحت الحنك و تلقيان على صدره، و المدار في طولها و عرضها على المسمى (2)، و تزاد للمرأة بدلها قناع (3)، كما انه تزاد لها قطعتان أخريان:
إحداهما: لفافة لثدييها تشّد عليهما تضمّان بها و تشّد إلى ظهرها.
و الأخرى: ثوب فيه خطط معد للزينة يسمى: نمطا (4).
و منها: أن يكون الكفن قطنا أبيضا، و قيل: بوجوب ذلك، و لم يثبت (5). نعم هو أحوط.
و يكره أن يكون الكفن اسودا (6).
و منها: أن ينشر على قطع الكفن شيء من الذريرة.
و منها: أن يكتب على الحبره و القميص و الجريدتين اسمه، و انه يشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و يكتب مع ذلك
ص:506
الإقرار بالأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد (1)، و أن تكون الكتابة بتربة الحسين عليه السّلام، و إن لم توجد فبالماء و طين آخر، و إلاّ فبالأصبع (2)، و قد تعارف كتابة الجريدتين بالحك بسكين و نحوه، و لم نقف على مستنده، نعم هو موافق للاعتبار (3).
و منها: ان يوضع في فيه تبرّكا شيء من تربة الحسين عليه السّلام سيما إذا كان عظيم الذنب، لما روي من ان امرأة كانت تزني و تضع أولادها و تحرقهم بالنّار خوفا من أهلها، و لم يعلم بها غير أمّها، فلمّا ماتت دفنت، فانكشف التراب عنها و لم تقبلها الأرض، فنقلت من ذلك المكان إلى غيره فجرى لها ذلك، فجاء أهلها إلى الصادق عليه السّلام و حكوا له القصّة، فقال لأمهّا: ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟ فاخبرته بباطن أمرها، فقال الصادق عليه السّلام: الأرض لا تقبل هذه لأنها كانت تعذّب خلق اللّه بعذاب اللّه، اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين عليه السّلام، ففعل ذلك بها فسترها اللّه تعالى (4).
و منها: أن يوضع في فيه عقيق محكوك عليه الشهادة باللّه و برسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بالأئمة عليهم السّلام (5)، و أن يوضع معه قرآن تبرّكا (6)،
ص:507
و لا بأس بان يكتب القرآن على عمامته و نحوها تبركّا، و استدفاعا للشر، و أن يكتب الجوشن الكبير في جام بكافور و مسك، ثم يغسل و يرّش على الكفن. فقد ورد أن من فعل ذلك أنزل اللّه تعالى في قبر صاحب الكفن ألف نور، و أمنه من هول منكر و نكير، و رفع عنه عذاب القبر، و دخل كل يوم سبعون ألف ملك إلى قبره و يبشّرونه بالجنّة، و يوسّع عليه قبره مدّ بصره (1)، و تفتح له باب الجنة، و يوسدّونه مثل العروس في حجلتها من حرمة هذا الدعاء و عظمته، و من كتبه على كفنه استحى اللّه ان يعذّبه بالنّار (2).
و ورد أن الحسين عليه السّلام قد كتب هذا الدعّاء على كفن أمير المؤمنين عليه السّلام بامره (3).
و منها: ذرّ شيء من تربة قبر الحسين عليه السّلام على اللحد، لفعل الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام ذلك، و تعليله بأنها تمنع من ضغطة القبر (4).
و منها: ذرّ شيء من الحنوط على القطن، و وضعه في قبله و دبره لئّلا يخرج منه شيء (5).
و منها: أن يخاط الكفن إن لم يكن عرضه كافيا بخيوط منه، من دون بله بالريق (6).
و منها: أن يجعل معه عودان رطبان طول كلّ واحد بقدر عظم الذراع،
ص:508
أو شبر، فإنّه يتجافى عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا، و الظاهر استحبابهما حتى للصبيّ و نحوه ممّن يؤمن عليه من عذاب القبر (1). و الأفضل كونهما من جرايد النخل، و ان لم توجد فمن الرمان أو السدر أو الخلاف (2). و لا يجزي اليابس (3).
و كيفّية وضعهما: أن يجعل أحدهما من جانبه الأيمن مع الترقوة و يلصقها بجلده، و الأخرى مع الترقوة من الجانب الأيسر فوق القميص (4). و عند التقّية يوضعان على الوجه الممكن، و لو بوضعهما في القبر أو على القبر (5).
و منها: كون الكافور مسحوقا (6)، و قد ذكر جمع استحباب سحقه باليد.
و منها: أن يلقى ما يفضل من الكافور على صدره (7).
و منها: طيّ الجانب الأيسر من اللفافة على الأيمن من الميتّ ثم الأيمن منها على الأيسر منه (8).
ص:509
و منها: كون الكفن ثوبي الإحرام إن كان قد حّج أو اعتمر (1).
و منها: إجادة الكفن و المغالاة في ثمنه على الشرط المزبور، فإنه زينة الميّت و يتباهى الميت به (2).
و منها: إعداد الإنسان كفنه و جعله معه في بيته، و تكرار نظره إليه، فانه يؤجر كلّما ينظر إليه، كما نصّ بذلك مولانا الصادق عليه السّلام (3)، و الأحاديث في أنّ الأئمّة عليهم السّلام و أصحابهم كانوا يعدّون أكفانهم كثيرة.
و منها: شراؤه من طهور المال (4).
فمنها: حشو شيء في مسامعه، نعم ان خيف خروج شيء من المنخرين
ص:510
لم يكن بأس بوضع قطن من خارج من دون أن يحشى (1).
و منها: التكفين بالكتان (2).
و منها: ان يجعل للكفن أكمام و أزرار، بل يستحب إذا كفن للضرورة في ثوب له أكمام و أزرار قطعها (3).
و منها: أن يكتب على الكفن بالسواد (4)، بل قيل بحرمة ذلك و لم يثبت.
و منها: المماكسة في شراء الكفن، إلاّ أن يكون للميت صغير و نحوه و أشتري الكفن من أصل التركة (5).
ص:511
الأولى: انه إذا خرجت من الميت نجاسة لم ينتقض بها الغسل على الأقوى كما مرّ، سواء خرجت بعده أو في الأثناء، و سواء كانت مما ينتقض به غسل الأحياء كالبول و الغائط أم لا كدم الرعاف. نعم يجب إزالتها عن جسد الميت بالماء إن اصابته، كما انها إن أصابت الكفن بعد التكفين لزم إزالتها منه بالغسل إن كانت الإصابة قبل الوضع في القبر و أمكن الغسل، و بالقرض ان كان بعده، أو كان قبله و لم يمكن الغسل (1).
الثانية: إن القدر الواجب من كفن الزوجة الدائمه على زوجها الموسر و إن كانت غنيّة (2)، و في المنقطعة وجهان، و العدم أشبه (3). و هل يعّم الحكم الدائمة الناشزة أم لا؟ وجهان، أقربهما الأول. و في حكم الزوجة المطلقة رجعّيا بخلاف البائن (4)، و في المحلّلة وجهان: أقواهما العدم (5). و لا فرق في الزوج بين الصغير و الكبير، و العاقل و المجنون (6)، و في إلحاق ساير مؤن التجهيز بالكفن تردّد، و العدم أشبه (7).
و لا يلحق بالزوجة غيرها من واجب النفقة إلاّ المملوك، فإنّ كفنه على
ص:512
مالكه، و إن كان مدّبرا، أو مكاتبا مشروطا، أو مطلقا لم يتحرّر منه شيء، أو أم ولد، و لو تحّرر منه شيء فبالنسبة، و لو كان الزوج معسرا لا يملك بعد الاستثناء للمستثنيات في الدين أزيد من قوت يوم و ليلة له و لعياله الواجبي النفقة سقط عنه وجوب الكفن.
و يؤخذ الواجب من كفن الرجل و ساير مؤن تجهيزه من أصل تركته مقدّما على الديّن و الوصايا و الإرث و حق غرماء المفلّس، و في تقدّمه على حق المرتهن و المجنّي عليه تردّد (1).
و لو لم يكن للميّت ما يكفّن به و لا من يكون كفنه عليه لزم أن يكفن من الزكاة من سهم سبيل اللّه أو دفع سهم الفقراء إلى وارثه ليكفّنه.
و لو فقدت الزكاة-أيضا-لم يجب على المسلمين بذله، نعم يستحب ذلك، لأنّ من كفّن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة (2)، فإن بذله أحد منهم و إلاّ دفن عاريا، و مثل الكفن هنا ساير ما يحتاج إليه الميت من سدر و كافور و قطن و نحوها.
الثالثة: إذا سقط من الميت قبل دفنه شيء من شعره أو جسمه وجب أن يطرح معه في كفنه ليدفن (3).
ص:513
و البحث فيه في أمور:
و هو كل ميّت مظهر للشهادتين لا يعتقد خلاف ما يعلم من الدين ضرورة (1)، فلا تجب على جنازة الكافر بل لا تجوز. و هل تجب على جنازة المخالف أم لا؟ وجهان: أحوطهما إن لم يكن أقوى هو الوجوب (2).
و في حكم المسلم الطفل الذي له حكم الإسلام بسبب التولّد من مسلم، أو مسلمة، أو سبي المسلم له، أو كونه ملقوطا في دار الإسلام بشرط أن يكون قد مضى عليه من عمره ست سنين، فلا تجب على من دونه من الأطفال و إن استحبت على من ولد حيا و استهل صارخا، و لا تستحب على من ولد ميّتا و إن و لجته الروح قبل التولد (3).
ص:514
تجب الصلاة على الميت كفاية على جميع المكلّفين، و إن كان أحقّ الناس بذلك أولاهم بميراثه، و أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها فيصلّى هو أو يأمر من يحبّ بالصلاة عليه، و لا منافاة بين وجوبها على الجميع؛ بمعنى عقاب الجميع بترك الصلاة مع إذن الولي و امتناعه أو فقده، و بين إناطة خصوص المباشرة لذلك برأي الولّي، و الأب أولى من الابن عند التعارض، و الولد أولى من كل من الجدّ و الأخ و العّم. و لو كان الولد صغيرا لم يبعد كون الولاية للجّد مع وجوده، و لو تعدد الولد اشتركا في الولاية و لم يختصّ أكبرهم بها على الأقوى، و الأخ من الأبوين أولى من الأخ للأب خاصّة، بل و من الأخ للأم خاصة أيضا في وجه، و الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها. و لو تعدّدت إحدى المراتب و كانوا مختلفين في الذكورة و الانوثة فالذكر أولى من الأنثى، كما انّهم لو كانوا مختلفين في الحرّية و الرقيّة فالحّر أولى من الرّق في وجه، و لو تساووا في الذكورة و الحريّة فقيل: يقدّم الأفقه، فالاقرأ، فالأسّن، فالأصبح، و لم يثبت. نعم هو أولى و أحوط (1).
و يجوز للولي أن يصّلي على الميت منفردا، و لو أرادوا الصلاة جماعة فإن كان الولّي جامعا لشرائط الإمامة، و إلاّ أذن لصالح للإمامة انّ يؤمّ بهم، و الأفضل أن يختار أحّق الناس بالإمامة من العدول كالفقيه و الهاشمي. . و نحوهما. و ليس لمن استنابه الولي في الصلاة ان يستنيب آخر بدون إذن الولي (2).
ص:515
و يجوز للولي الرجوع عن الإذن إلى المباشرة، أو الإذن لآخر ما لم يشرع المأذون أوّلا في الصلاة (1)، و أما بعد شروعه فيها ففي جواز رجوعه في الإذن ليقطعها المأذون أو لا وجه غير بعيد، و إن كان ترك الرجوع حينئذ أحوط (2).
و لا يجوز أن يتقدم أحد إلا بإذن الولي سواء كان بشرائط الامامة (3)أو لم يكن، بعد أن يكون الولي أهلا للولاية بالبلوغ و العقل. و لو انحصر الولي في الصغير أو المجنون أو الغائب الذي لا يمكن استيذانه قبل فوت الصلاة فلا ولاية لأحد، بل يتّقدم من شاء من المسلمين (4)، و إن كان استيذان الحاكم أحوط، بل لا يخلو من وجه (5). و لو أوصى الميّت بصلاته إلى غير وليّه ففي نفوذ وصيته و تقدّمه على الولي وجه قوّي (6).
ص:516
و لو مات أحد و لم يوص بالصلاه إلى أحد و لم يكن له وليّ من أقاربه فأولى الناس به الحاكم أو نائبه (1)، فإن فقدا فعدول المسلمين على الأحوط، إن لم يكن أقوى (2).
و هل يختصّ اشتراط إذن الولي بإرادة الإمامة في الصلاة على الميت، أو يعمّها و الصلاة فرادى، أو يعمّها و الايتمام بمن قدّمه الولي، وجوه، أضعفها الأخير، و أحوطها الثاني، و إن كان الأوّل أشبه.
و إذن الولّي فحوى بحيث تعدّ من الظواهر اللفظّة كإذنه صريحا، و في شاهد الحال وجه بالكفاية إلاّ انّ الأحوط عدم الاكتفاء به (3).
و لو تقدّم أحد بغير إذن الولّي فعل حراما، و في بطلان صلاته وجه غير بعيد موافق للاحتياط (4)، و في بطلان صلاة من ائتّم به تأمّل.
و إمام الأصل (5)سلام اللّه عليه أولى بالصلاة على الميت من كلّ أحد حتى الأب، فإذا حضر صلّى بغير استيذان الولّي. و في ثبوت ذلك للفقيه العدل في زمان الغيبة-إن كان ممّن يخالف هواه-وجه (6).
ص:517
و يجوز أن تؤمّ المرأة النساء في صلاة الجنازة مع العدالة. و لا تتقدّم حينئذ على المأمومات، بل تقف في وسط صفّهن. و الأحوط أن لا تؤمّهن مع وجود الرجال، و الأحوط ستر العورة في هذه الصلاة بما تيسر، و يجوز ايتمام بعض العراة من الرجال ببعض فيها، و حينئذ يقف الإمام في وسط الصف و لا يتقدم عليهم. و يتقدم الإمام الساتر لعورته، و لو كان المأموم واحدا، و إذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه، و إن كان وراءه رجال فالأفضل وقوفهّن خلفهم، و لو كانت فيهن حايض انفردت عن صفّهن و وقفت خلفهنّ وجوبا على الأحوط بل الأقرب.
و أفضل الصفوف في صلاة الجنازة آخر صفوف الرجال فيما لو كانت هناك نساء مقتديات خلف الرجال (1).
و هي خمس تكبيرات بينها أدعية، و أفضل الأدعية التشهد بالشهادتين، و الإقرار بالأئمّة عليهم السّلام بعد التكبيرة الأولى، و الصلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ساير الأنبياء عليهم السّلام بعد الثانية، و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات بعد الثالثة، و الدعاء للميت بعد الرابعة، و لا شيء بعد الخامسة، و لو كان الميت غير بالغ دعى بعد الرابعة لوالديه. و الأقوى و الأحوط وجوب الدعاء بين التكبيرات، كما انّ الأقوى عدم أعتبار لفظ مخصوص و لا ترتيب مخصوص في الدعاء، و تبطل هذه الصلاة بنقص شيء من التكبيرات عمدا و سهوا، أو ترك شيء من مسمّى الأدعية الأربعة و لو على سبيل غاية الاختصار بينها عمدا. و في البطلان بالزيادة على التكبيرات سهوا بل و عمدا تردّد، و ان كان ترك تعمّد الزيادة و الإعادة عند الزيادة نسيانا أحوط.
ص:518
و لو شك في عددها بنى على الأقل، و انّما تجب الخمس في الصلاة على المؤمن، و أمّا المنافق فللمصلّي عليه ان ينصرف بعد الرابعة، و له أن يدعو بعدها عليه. و يتأكد ذلك في حقّ الناصب، و الأحوط الإتيان بالخامسة و الدعاء عليه بعد الرابعة.
و قد ورد الأمر بالدعاء على جاحد الحقّ بقول: «اللّهم املأ جوفه نارا، و قبره نارا، و سلّط عليه الحيات و العقارب» (1). و قد دعا سيد الشهداء على جنازة المنافق بقوله: «اللّهم العن عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللّهم اخز عبدك في عبادك و بلادك، اللّهم أصله حرّ نارك، و أذقه أشد عذابك (2)فانه كان يتّولى اعداءك، و يعادي اولياءك، و يبغض أهل بيت نبّيك» (3).
و أمّا المستضعف-و هو الذي لا يعرف الحق، و لا يعاند فيه، و لا يوالي أحدا بعينه-فقد ورد في الصلاة عليه بعد التكبيرة الرابعة قول: «اللّهم اغفر للذين تابوا و اتّبعوا سبيلك و قهم عذاب الجحيم» (4).
و ورد في مجهول الحال قول «اللّهم إن هذه النفس أنت احييتها و أنت أمتّها، تعلم سرّها و علانيتها فولّها ما تولّت، و احشرها مع من أحبّت» (5).
و لا ركوع في هذه الصلاة، و لا سجود، و لا قنوت، و لا تشهد، و لا تسليم، و لا قراءة الحمد و السورة، بل تكره فيها القراءة عندنا، بل تحرم بقصد التشريع. نعم تجب عند التقّية من الشافعيّة (6).
ص:519
و يشترط في هذه الصلاة أمور:
فمنها: النيّة و تعيين الميّت الذي يصلّى عليه مع التعدّد (1)، فلو صلّى على أحدهما لا على التعيين لم يجز، و لا يعتبر تعيين اسمه و نسبه، كما لا يعتبر قصد وجوبها كفاية، و لا الالتفات إلى سقوطها عن الباقين بفعله.
و منها: استقبال القبلة، و لو اشتبهت أتي بها إلى الجهات الأربع (2).
و منها: القيام، فلا تجزي قاعدا مع القدرة على القيام كسائر الفرائض، و لو وجد من يمكنه القيام لم تسقط بصلاة العاجز من جلوس، نعم تجزي صلاته عند فقد القادر على القيام، و لو صلّى العاجز حينئذ قاعدا ثم وجد القادر على القيام قبل الدفن فالأحوط-بل الأقوى-لزوم اتيانه بها قائما، و في شرعيّة إتيان العاجز بها-مع إمكان القادر و إن لم تجز عن غيره-تردّد، و الجواز أشبه (3).
و منها: الاستقرار على الأحوط، فلا تجزي راكبا أو غير راكب مع عدم الاستقرار (4).
و منها: الستر للعورة على الأحوط.
و منها: أن يوضع مستلقيا و رأسه إلى طرف يمين المصلّي-أعني المغرب -و رجلاه إلى المشرق (5).
و منها: أن تكون الجنازة أمام المصلّي من غير تباعد فاحش، فلو كانت غائبة لم تجز الصلاة عليها، و كذا لو كانت بعيدة بعدا فاحشا خارجا عن المتعارف
ص:520
بحيث لا يصدق معه الصلاة عليها، من غير فرق بين الإمام و المأموم و المنفرد. نعم لو كان بعد الجنازة-لكثرة الجنائز المسطرة، أو كثرة المأمومين-لم يقدح. و كذا لا تصّح الصلاة لو كانت خلف المصلّي، أو كانت قدام موقفه و لم يكن المصلّي محاذيا لها و لا لشيء منها، لعدم صدق الصلاة عليها عادة في شيء من ذلك.
و لا يشترط في هذه الصلاة الطهارة من الحدث الأصغر، و لا الأكبر، فتصّح من المحدث بالحدث الأصغر، و الجنب، و الحايض، بل الأظهر عدم اشتراط الطهارة من الخبث أيضا، و ان كانت مراعاتها أحوط (1)، كما ان الأظهر عدم اشتراط ساير شروط الصلاة ككون ثوب المصلي ممّا يؤكل لحمه، و كونه غير حرير و غير ذهب إذا كان المصلي رجلا و إن كان الاعتبار أحوط و أولى (2)، كما أن الأحوط-إن لم يكن أقوى-اعتبار إباحة لباسه و مكانه (3)، و في قدح غصبية المكان الموضوع فيه الميت-مع إباحه مكان المصلّي-تأمّل، و يفسد هذه الصلاة كلّ ما يخلّ بصورتها من سكوت طويل، أو فعل كثير، أو فعل لهو و لعب، و إن قلّ. . أو غير ذلك ممّا يفسد هيئتها و يخرجها عن صدق الاسم لذاته، أو لكثرته.
و لا يشترط في المصلّي على الميت وحده العدالة، و هل يشترط في إمامها شرائط الإمامة من العدالة و غيرها أو لا؟ قولان.
أوّلهما لا يخلو من قرب مع انه أحوط. و كذا الحال في اشتراط قيامه لو أمّ قائمين، و ان كان قعوده للعجز و عدم ارتفاع مقامه بما يعتدّ به على المأمومين.
و في اشتراط طهارته لو أمّ متطهّرين تردّد، و العدم أشبه.
ص:521
و لا يصلّى على الميت إلاّ بعد تغسيله و تكفينه على الأحوط، بل الأقوى، فلو صلّى قبل ذلك لزمت الإعادة. و ما يقوم مقام الغسل من التيّمم و مقام الكفن من ثياب الشهيد بحكمها.
و لو لم يكن للميت كفن و لا ساتر لعورته جعل في القبر و سترت عورته مهما أمكن و لو بالتراب، ثم صلّى عليه قبل طمّ القبر، و في كيفّية الوضع حينئذ تأمّل، و الوضع على المعهود وضعه في لحده غير بعيد (1).
الأول: إن من أدرك الإمام في أثناء صلاة الميت تابعه في التكبيرات، و دعا بما يقتضيه ترتيب تكبيراته، فإذا فرغ الإمام أتّم هو ما بقي عليه قبل الانصراف، و لو خاف الفوات أتّم الباقي من التكبيرات من غير دعاء متوالية. و لو رفعت الجنازة أو دفنت أتمّها و لو على القبر (2).
الثاني: انه لو سبق المأموم الامام بتكبيرة سهوا، أو ظانّا انّه كبّر استحب إعادتها لإدراك فضيلة الجماعة، و لو سبق عمدا ففي إعادته تردّد، و الأحوط قصد الانفراد و إتمام ما بيده (3).
الثالث: انه يجوز-بل يستحب-لمن فاتته الصلاة على ميت أن يصلي عليه بعد دفنه على الأظهر ما لم يتغير، و يجوز تكرار الصلاة على جنازة واحدة جماعة و فرادى لمن لم يصلّ عليها من غير كراهة على الأقوى. و من دفن قبل أن يصلى عليه فالأحوط لزوما الصلاة عليه في قبره (4).
ص:522
الرابع: انّه لا تختصّ صلاة الجنازة بوقت، بل الأوقات كلها صالحة لها، و لا تكره في وقت حتى حين طلوع الشمس و غروبها (1).
و لو اجتمعت مع اليوميّة فان تضيّقت إحداهما قدمّت، فتقدّم الحاضرة لزوما عند ضيق وقتها، و تقدّم صلاه الميت عند الخوف على الجنازة، و لو تضيقّتا جميعا، فالمشهور لزوم الإتيان بالحاضرة (2)و قضاء صلاه الميت على القبر، و قيل: بلزوم الإتيان بصلاة الميت (3)، و الأوّل أقرب.
و لو اتسّع الوقتان فلا تقديم لأحدهما وجوبا. و في أفضّلية تقديم الحاضرة أو الجنازة روايتان، أولاهما أرجح (4).
الخامس: إذا صلّي على جنازة بعض الصلاه ثّم أحضرت أخرى، فالأفضل إتمام الأولى و استيناف الصلاه على الثانية بعدها، و لو خاف على الأخيرة من التأخير قطع الصلاة على الأولى و استأنف الصلاة عليهما أو على الثانية خاصة، و يستأنف بعدها على الأولى (5).
فمنها: وقوف الإمام و المنفرد حيال وسط الرجل و صدر المرأة، و الأولى الحاق الصغير في ذلك بالرجل، و الصغيرة و الخنثى المشكل بالمرأة، و يتخّير في الممسوح، و يسقط ذلك في حقّ المأموم، فله الوقوف في أيّ طرفي الامام شاء (6).
ص:523
و منها: انّه إن اتفّق الرجل و المرأة معا و أريد الصلاة عليهما دفعة يجعل الرجل ممّا يلي الإمام، و المرأة من ورائه، و يجعل صدرها محاذيا لوسطه ليقف الإمام موقف الفضيلة فيها. و روي انه عند تعدّد الموتى يوضع رأس كلّ متأخر إلى إلية السابق منه إلى الامام شبه الدرج، و يقوم المصلّي في الوسط، و لو كانوا ذكورا و إناثا وضع رأس إحدى النساء حذاء إلية الرجل المتأخر ثم توضع بقية النساء على هذا الترتيب شبه الدرج، و وقف المصلّي في وسط الرجال، و فيه إشكال (1).
و يؤخّر العبد عن الحر الذكر، و يقدّم على الحرّة، و تؤخّر الأمة عن الحرّة، و يؤخر الطفل عن النساء، و يوضع الخصيّ و الخنثى بين الرجال و النساء في وجه (2).
و منها: أن يكون المصلّي متطهّرا (3).
و منها: أن ينزع نعليه من دون أن يحتفي. و قيل: باستحباب الحفاء، و لم يثبت. نعم لا بأس بالتسامح به (4).
و منها: أن يرفع يديه في التكبيرات كلّها حتى ما عدا الأولى، على الأظهر (5).
ص:524
و منها: وقوف المصلي بعد الفراغ من الصلاة موقفه حتى ترفع الجنازة (1).
و منها: إيقاع الصلاة عليها في المواضع المعتادة، و يجوز إيقاعها في المساجد على كراهية إلاّ بمكة (2).
و منها: إيقاعها جماعة (3).
و منها: الجهر للإمام في التكبيرات في وجه (4). و لا يستحب فيها دعاء الاستفتاح عندنا، و لا التعوّذ، و لا التكبيرات الست قبلها (5).
ص:525
يجب دفن المسلم و مواراته في الأرض مع الإمكان، وجوبا كفائيا على نحو غسله و الصّلاة عليه.
و كيفيته؛ وضعه في حفيرة و نحوها من الأرض ينستر عن الناس ريحه، و عن السباع بدنه، بحيث لا يبرز إلاّ بنبش عسر (1). و لا يجزي وضعه في صندوق لا منفذ له و نحوه (2)، و لا يعتبر كون الحفر لذلك الميّت بالخصوص، فلو حفر لدفن ميّت آخر ثم أعرض عنه لم يكن إشكال في دفن غيره فيها، و كذا لو اتفّق في موضع من الأرض نحو الحفيرة بحسب أصل الخلقة، أو كان هناك واد أو نهر قد انقطع عنه الماء فوضع في شيء منها و أهيل عليه التراب من فوقه، و من فوق رأسه، و تحت رجليه، بحيث صارت الأرض مستوية، و حصل ستر بدنه و رائحته. و يكفي وضعه في سرداب و بناء بابه و منافذه، و لو وضع في تابوت و دفن جاز على كراهية (3).
و يعتبر إباحة مكان الدفن بإباحة اصليّة، أو ملك للمدفون مع رضا الوارث، أو ملك الدافن، أو رخصته من المالك. و في جواز الدفن في ملك الميت
ص:526
مع عدم رضا الوارث أو كونه قاصرا فيكون من المستثنيات كسائر مؤن التجهير وجه قوي (1).
و ربّما ارتكز في أذهان بعض المتشّرعة كراهة دفن الميت في الدار المسكونة، و لم أقف له على مستند. و لعل منشأ الاشتباه الخبر المتقدم في المقالة الأولى من ملحقات الفصل الثالث الناطق بالمنع تنزيها من اتخاذ البيوت مقابر، مفسرا بترك الصلاه و قراءة القرآن فيها، فلاحظ ما هناك و تدّبر.
و إذا مات راكب البحر فإن أمكن الوصول به إلى البرّ و دفنه قبل فساد الميت-امّا لقرب الساحل، أو بطء الفساد لبرد، أو علاج، و عدم إباء صاحب السفينة من إبقاءه فيها-لزم ذلك على الأحوط إن لم يكن أظهر (2)، و إن تعذّر الوصول به إلى البّر، و دفنه قبل فساده، غسّل و كفّن و ألقي في البحر امّا مثقّلا بشّد حجر أو حديد أو نحوهما، أو مستورا في وعاء كخابية و نحوها (3)، و سّد رأسه، و الأحوط الاستقبال به عند الإلقاء (4). و حكم الوعاء و آلة التثقيل حكم ساير مؤمن التجهيز (5).
و يجب في الدفن إضجاع الميّت على جانبه الأيمن مستقبل القبلة بأن يوضع رأسه إلى المغرب، و رجله إلى المشرق، و وجهه إلى القبلة، إلاّ أن تكون
ص:527
امرأة كافرة ذميّة أو غيرها حاملة من مسلم فيستدبر بها ليكون وضع الجنين إلى القبلة، و لا فرق في الحمل بين أن يكون من نكاح دائم، أو منقطع، أو ملك يمين، أو شبهة، أو من زنا، و لا بين أن يكون الحمل ممّن و لجته الروح أم لا.
و الأحوط-إن لم يكن أقوى-عدم دفن الكافر في مقابر المسلمين إلاّ الكافرة الحاملة من مسلم فإنها تدفن إذا ماتت و هو في بطنها في مقابر المسلمين مراعاة لجنينها.
و لو مات إنسان في بئر فان امكن إخراجه وجب تحصيلا للغسل و سائر واجباته، و إن تعّذر إلاّ بالتمثيل لم يجز، و طمت، و كانت قبره، و استقبل به فيها إن أمكن (1).
فمنها: وضع الجنازة حيث يؤتى بها دون القبر بذراعين أو ثلاثة، و أن يكون الوضع ممّا يلي رجليه إن كان رجلا و مما يلي القبلة أمام القبر إن كانت امرأة، و أن ينقل إلى القبر في ثلاث دفعات (2).
و منها: أن يقف على الجنازة بعد غسله قبل دفنه أربعون رجلا من المؤمنين و يقولوا مشيرين إلى الميّت: «اللّهم إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا و أنت أعلّم به منّا» فإنّهم إن فعلوا ذلك قال اللّه تبارك و تعالى: «قد أجزت شهادتكم، و غفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون» ، و لعلّ الإلحاق به لاتحاد المناط مستند ما تعارف في هذه الاعصار من كتابة أربعين رجلا ذلك في قطعة خام و وضعها مع الميّت.
ص:528
و منها: مباشرة حفر القبر عينا، فإنّه مستحب، لما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من انّ: من احتفر لمسلم قبرا محتسبا حرّمه اللّه على النار، و بوّأه بيتا من الجنة، و أورده حوضا فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، عرضه ما بين ايله و صنعاء (1).
و منها: بذل الأرض المملوكة ليدفن بها الميت تأسّيا بأمير المؤمنين عليه السّلام، حيث انّه عليه السّلام-على ما روى عتبة بن علقمة-قد أشترى ارضا ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة، و اخر ما بين النجف إلى الحيرة إلى الكوفة، من الدهاقين بأربعة آلاف [في فرحة الغري: بأربعين ألف]درهم، و اشهد على شرائه، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين (ع) ! تشتري هذا بهذا المال و ليس ينبت حبّا (2)فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: كوفان. . كوفان، يرد أوّلها على آخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فاشتهيت أن يحشروا في ملكي (3).
و منها: كون عمق القبر قدر قامة أو إلى الترقوة (4).
و منها: أن يجعل له لحد، فإنّه أفضل من الشق مع صلابة الأرض، و لا بأس بالشق مع رخاوة الأرض، و عدم تيّسّر اللحد، و المراد بالشّق أن يحفر في قعر القبر شبه النهر يوضع فيه الميت ثم يسقف عليه (5).
و منها: أن يكون اللحد ممّا يلي القبلة (6).
ص:529
و منها: أن يكون اللحد واسعا عاليا بقدر ما يمكن الجلوس فيه، و قدّر في الخبر بذراعين و شبر (1).
و منها: إرسال الميت إلى القبر سابقا برأسه إن كان رجلا، و أمّا المرأة فترسل عرضا، و يكون أولى الناس بها في مؤخرها (2).
و منها: أن يكون من ينزل لتناوله حافيا، مكشوف الرأس، محلول الازرار منزوع العمامة و الرداء و القلنسوة (3)، بل يكره النزول معها إلاّ عند ضرورة أو تقّية (4)، و قيل: يكره أن يتولّى إنزاله الرجل من اقاربه، و تخفّ أو تزول بالنسبة إلى الولد في إنزال والده القبر (5). و أما المرأة فلا كراهة في تولي زوجها أو أقاربها إنزالها القبر، بل يتعيّن ذلك عند فقد المرأة (6). و مع تعذّر النساء و الأقارب و الزوج يتولّى ذلك الصالح من الأجانب، و إن كان شيخا كان أولى (7).
و منها: تغطية قبر المرأة بثوب بعد إنزالها إليه، و يجوز ذلك في الرجل أيضا (8).
و منها: دعاء المنزل عند إنزاله القبر بالمأثور و هو: «بسم اللّه و باللّه و على
ص:530
ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اللّهم إلى رحمتك لا إلى عذابك، اللّهم أفسح له في قبره، و لقنّه حجّته، و ثبّته بالقول الثابت، و قنا و إيّاه عذاب القبر» (1). و يقول أيضا: «اللّهم إيمانا بك، و تصديقا بكتابك، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، اللّهم زدنا إيمانا و تسليما» (2)و يقول أيضا: «اللّهم جاف الأرض عن جنبيه، و صاعد عمله، و لقّه منك رضوانا» (3)و يقول أيضا: «اللّهم إن كان محسنا فزد في إحسانه و إن كان مسيئا فاغفر له و تجاوز عنه» (4).
و منها: أن تحّل عقد الأكفان من قبل رأسه، و رجليه، و الوسط بعد وضعه في القبر (5).
و منها: أن يجعل له وسادة من التراب، و يكشف وجهه، و يضع بشرة خدّه على التراب، و يضع خلف ظهره سنادا من التراب لئّلا يستلقي (6).
و منها: أن يجعل معه شيء من تربة سيّد الشهداء أرواحنا فداه، و قيل: الأولى وضعها في قبال وجهه، و فوق خدّه، لا تحت خدّه و رأسه (7).
و منها: قراءة آية الكرسي، و الفاتحة، و المعوذّتين، و التوحيد، و التعوّذ باللّه من الشيطان، كل ذلك عند وضعه في القبر (8).
ص:531
و منها: تلقينه بعد وضعه في لحده قبل تشريج اللبن، بأن يدني الملقّن فاه من سمعه، و يضرب بيده على منكبه الأيمن، أو يضع يده اليسرى على عضده الأيسر و يحّركه تحريكا شديدا، و يقول: يا فلان بن فلان! اسمع و افهم. . ثلاث مرات «إذا أتاك منكر و نكير فسألاك عن ربّك فقل اللّه ربّي، و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيّي، و الإسلام ديني، و القرآن كتابي، و علّي عليه السّلام إمامي. .» ثم يسمّي أئمتّه واحدا بعد واحد إلى إمام العصر عجل اللّه تعالى فرجه، ثم يعيد عليه القول و يقول: «فهمت يا فلان» ، ثم يقول: «ثبتّك اللّه بالقول الثابت، هداك اللّه إلى صراط مستقيم، عرّف اللّه بينك و بين أوليائك في مستقرّ رحمته» ، ثم يقول: «اللّهم جاف الأرض عن جنبيه، و اصعد بروحه إليك، و لقنّه منك برهانا، اللّهم عفوك عفوك» ثم يضع اللبن و ينضد به لحده، لئّلا يصل إليه التراب، و يقول ما دامه مشغولا بوضعه. . «اللّهم صل وحدته، و آنس وحشته، و آمن روعته، و أسكنه من رحمتك رحمة تغنيه عن رحمة من سواك فإنّما رحمتك للظالمين» (1)ثم يخرج من القبر قائلا: «إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، اللّهم أرفع درجته في عليّين، و اخلف على عقبه في الغابرين، و عندك نحتسبه يا رب العالمين» (2). ثم يقول عند نفض يده من تراب القبر بعد الخروج منه: «إنّا للّه و إنّا إليه راجعون» ثم يهيل التراب بظهر كفيه ثلاث مراّت أقّلا و يقول: «اللّهم إيمانا بك، و تصديقا بكتابك، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله و صدق اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» ثم يقول إذا سوّى عليه التراب: «اللّهم جاف الأرض عن جنبيه، و صعّد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين، و ألحقه بالصالحين» (3). . إلى غير ذلك من الأدعية المأثورة.
ص:532
و منها: ان يخرج من قبل رجلي الميّت، بل قيل باستحباب كون دخوله أيضا منه (1).
و منها: أن يهيل الحاضرون-غير أولي الأرحام-التراب بظهور الأكف ثلاث مراّت قائلين: «إنا للّه و إنّا إليه راجعون، اللّهم إيمانا بك، و تصديقا بكتابك، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله» فإنّ من فعل ذلك و قال هذه الكلمات كتب اللّه تعالى له بكل ذرة حسنة (2). و روي استحباب أخذ التراب في الكفّ و قول: «إيمانا بك، و تصديقا ببعثك، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله صلوات اللّه عليه، اللّهم زدنا إيمانا و تسليما» ثم طرحه في القبر، يفعل ذلك ثلاث مراّت (3).
و منها: أن يرفع القبر عن الأرض ليعرف فيزار و يحترم، و يترحّم على صاحبه، و لا ينبش، و أن يكون الرفع بقدر أربع أصابع مفرجات أو منضمّات (4).
و منها: تربيع القبر و تسطيحه، و يكره تسنيمه كما هو عادة العامة (5).
و منها: إتقان بناء القبر و سدّ ما بين اللبن تأسيّا بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (6).
ص:533
و منها: أن يصب على القبر الماء، فقد ورد انه يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب، و ان يقف الصابّ مستقبل القبلة و يبدأ من عند الرأس إلى أن يصل إلى طرف الرجل ثم يدور على القبر من الجانب الآخر ثم يرش على وسط القبر، ثم يصب الفاضل على الوسط (1). و روي رشّ القبر أربعين شهرا أو أربعين يوما (2).
و منها: أن يضع كل حاضر-و يتأكد فيمن لم يحضر الصلاه-يده مفرجه الأصابع غامزا بها على القبر عند رأسه بعد نضحه بالماء، بل قيل: باستحباب الوضع لكل من زاره بعد ذلك و لو بعد مضي سنين من دفنه (3).
و منها: ان يترحّم على الميّت، و يدعى له و يستغفر (4).
و منها: تعجيل الانصراف عن القبر بعد الدفن (5).
و منها: ان يلقنّه الولي بعد انصراف الناس عنه بأرفع صوته بالمأثور، و هو: يا فلان بن فلان أو فلانة بنت فلان. . و يذكر اسم الميت و اسم ابيه بدل فلان و فلان «هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، سيد النبيين صلوات اللّه عليه
ص:534
و آله اجمعين، و أنّ عليا أمير المؤمنين عليه السّلام سيد الوصيين، و أنّ الحسن عليه السّلام إمامك. .» و يسمي الأئمّة عليهم السّلام. . إلى آخرهم كذلك «و انّ الموت حقّ، و البعث حقّ، و انّ اللّه يبعث من في القبور» فانه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه: قد كفينا الوصول إليه و مسألتنا إيّاه، قد لقنّ حجّته، فينصرفان عنه، و لا يدخلان عليه (1).
و منها: أن يصلّى عليه صلاة ليلة الدفن المعروفة في هذه الاعصار ب: صلاة الوحشة، و هي ركعتان، أولاهما بالحمد و آية الكرسي مرة، و الثانية بالحمد و القدر عشرا، فإذا سلّم قال: «اللّهم صلّ على محمد و آل محمد و أبعث ثوابها إلى قبر فلان. .» و يسمّي الميت (2)، و لم أقف على ما ارتكز في الأذهان من اعتبار أن يصليها أربعون [رجلا]من مستند.
و روى حذيفة صلاه ليلة الدفن بكيفّية أخرى قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يأتي على الميت ساعة أشدّ من أول ليلة، فارحموا موتاكم بالصدقة، فإن لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب مرّة، و قل هو اللّه أحد مرّتين، و في الثانية فاتحة الكتاب مرّة و «ألهاكم التكاثر» عشر مرات، و يسلّم و يقول: «اللّهم صل على محمد و آل محمد و أبعث ثوابها إلى قبر ذلك الميّت فلان بن فلان» فيبعث اللّه من ساعته ألف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب و حلّة، و يوسع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور، و يعطى المصلي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات، و ترفع له أربعون درجة (3).
و روى ابن طاوس (4)صلاه لساعة الدفن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه
ص:535
عليه و آله و سلّم: إذا دفنتم ميتكّم و فرغتم من دفنه فليقم وارثه، أو قرابته، أو صديقه من جانب القبر و يصلي ركعتين، و يقرأ في الركعة الأولى فاتحة الكتاب و المعوذّتين مرّة، و يقول في سجوده: «سبحان من تعرّف بالقدرة و قهر عباده بالموت» ، ثم يسلّم و يرجع إلى القبر و يقول: «يا فلان بن فلانة هذه لك و لأصحابك» ، فإن اللّه يرفع عنه عذاب القبر و ضيقه، و لو سأل ربّه ان يغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات حيّهم و ميتهم استجاب اللّه دعاءه فيهم، و يقول اللّه لصاحبه: يا فلان بن فلان كنّ قرير العين قد غفر اللّه عزّ و جلّ لك، و يعطى المصلي بكل حرف ألف حسنة و يمحى عنه ألف سيئه، فإذا كان يوم القيامة بعث اللّه له صفّا من الملائكة يشيعونه إلى باب الجنة، فإذا دخل الجنة استقبله سبعون ألف ألف ملك، مع كل ملك طبق من نور مغطّى بمنديل من إستبرق، و في يد كل ملك كوز من نور فيه ماء السلسبيل، فيأكل من الطبق، و يشرب من الماء، و رضوان اللّه أكبر.
فمنها: حمل جنازة الرجل و المرأة على سرير واحد، حتى مع قلّة الناس، فانّه مكروه (1)، بل الأحوط لزوم اجتنابه، بل الأحوط عدم حمل جنازتين على سرير واحد حتّى مع الاتحاد في الذكورة و الأنوثة (2).
و منها: جلوس المشيّع ما لم يوضع الميت في قبره، فإذا وضع فلا بأس بجلوسه، كما لا بأس بالجلوس بقصد مخالفة اليهود (3).
ص:536
و منها: فرش القبر بالساج أو الثوب، و وضع الميّت عليه على قول جماعة، و لم يثبت (1)، نعم يستحب وضعه على التراب. و على الكراهة فإنما هي إذا لم تدع إليه الحاجة لنداوة الأرض أو كونها سبخة (2).
و منها: أن يهيل ذو الرحم على رحمه التراب، لما ورد من أن ذلك يورث القسوة في القلب، و من قسا قلبه بعد عن ربّه (3).
و منها: نزول الوالد في قبر ولده خوفا من أن يدخله من الجزع ما يحبط أجره، و علّل أيضا بأنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يدخل في وفاة ولده إبراهيم حين دفنه إلى قبره، و أمر أمير المؤمنين عليه السّلام بأن يدخل قبره و يضعه في القبر (4). و لا بأس بنزول الولد قبر والده، كما مرّ.
و منها: دفن ميتيّن في قبر واحد إلاّ عند الضرورة (5)، و امّا لو أريد حفر قبر فيه ميت مع العلم ليدفن فيه ميّت آخر فإن صدق عليه النبش حرم، و إلاّ كره.
و منها: نقله قبل الدفن من مكان مات فيه إلى مكان آخر فإنه مكروه (6)، إلاّ إلى أحد الأماكن المشرّفة كحرم مكّة، و المدينة، و ساير الأعتاب المقدّسة، فلا يكره، بل يستحب (7)إلاّ في حق الشهيد فإن دفنه في مصرعه أولى. هذا إذا لم يخش فساده، و لم يستلزم هتكه، و أمّا النقل المستلزم لهتكه لبعد المكان بحيث لا
ص:537
يصل إلاّ متغيرا كمال التغير حتى يكاد لا يستطاع القرب إليه، و ربما تقطعّت أوصاله، و جرى قيحه، فقد أفتى بعض الأواخر بجوازه، و هو موافق للاعتبار فيما اذا نقل إلى الأعتاب المقدّسة التي هي حصن اللّه سبحانه، إلاّ انّه مخالف للاحتياط.
و أمّا النقل بعد الدفن فكالنقل قبله، و حرمة النبش على القول بها في مثله لا يستلزم حرمة النقل بعده، مع أنّ في حرمة النبش لذلك المقصد العظيم الذي هو أعظم بمراتب من غالب ما سوّغ النبش له أو جميعها تأمّلا.
و منها: أن يضاف إلى تراب القبر تراب غيره، لما ورد من أنّ كل ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت (1).
و منها: تجصيص المقابر بعد الاندراس، و قيل: مطلقا، و كذا تجديدها، و فيه تأمّل (2)سيما في قبور الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين و الأئمّة عليهم السّلام، بل تجديدها من أعظم الطاعات، و أجل الشعائر التي تعظيمها من تقوى القلوب. و من هنا قد يسري الاستحباب إلى قبور أولادهم، و الشهداء، و الفقهاء، و الصلحاء، و لا بأس بكتابة اسم الميّت في لوح و وضعه على قبره.
و منها: الاستناد إلى القبر، و الاتكّاء عليه، و الجلوس، و المشي عليه، حتى قال عليه السّلام: لأن يجلس أحدكم إلى جمر فتحترق ثيابه، و تصل النار إلى بدنه أحّب إلّي من أن يجلس على قبر (3)، و لأن أمشي على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحبّ الّي من أن أمشي على قبر مسلم (4). و لا بأس بذلك ظاهرا إذا
ص:538
لم يكن للقبر أثر، كما في القبور التي في صحن الحضرات المقدّسة المطهّرة (1).
الأولى: لا يجوز نبش القبر سواء كان باستخراج الميت إلى الفضاء أو مجرد كشف التراب عنه مع بقائه مستلقيا في القبر على وجه يرى جسده (2). و يستثنى من ذلك موارد:
فمنها: ما لو بلى الميّت حتّى صار رميما، و يختلف بإختلاف الأمكنة و الأشخاص، و يعتبر في الجواز العلم بالبلاء، و مع الشكّ أو الظن فالمرجع الاستصحاب، و لا يكفي قول أهل الخبرة ما لم يفد العلم العادي (3).
و منها: ما لو دفن في مكان مغصوب و لو للاشتراك فيه مع عدم الإذن، فإن المشهور جواز أن ينبش و يستخرج و يدفن في مكان آخر سائغ، من غير فرق بين استلزامه زيادة الهتك من تقطيع و نحوه أم لا، و لا بين قلّة الضرر على المالك و كثرته، و لا بين الوارث و الأرحام و غيرهم، و لكن الاحتياط بترك النبش حينئذ مطلقا، و لو ببذل عوض و نحوه لا يترك، و يكون العوض على الغاصب دون تركة الميت من أصل و لا ثلث (4).
و منها: ما لو كفن في ثوب مغصوب و دفن و لو في مكان مباح، فإنّ المشهور جواز النبش لاستخراج الكفن و دفعه إلى صاحبه، و تكفينه بثوب آخر
ص:539
مباح. و لو قيل هنا بعدم النبش و ثبوت العوض على الغاصب لم يكن بعيدا، بل لعله سديد (1).
و منها: ما لو وقع في القبر ما له قيمة لا عن عمد من صاحبه، فإنّ خيرة جمع جواز النبش لاستخراجه، و هو فيما إذا لم يترتب على تركه ضرر عظيم يوجب الاضطرار إلى إخراجه محل تأمّل، و لو كان الوقوع بفعل صاحبه عمدا لم يجز النبش (2).
و منها: ما لو توقفّت الشهاده على عين الميت، و إثبات الأمور المترتبة على موته-من اعتداد زوجته، و قسمة تركته، و حلول ديونه التّي عليه، و غير ذلك- على النبش، فإنّه حينئذ يجوز مع إمكان معرفته بالنبش، و عدم العلم بتعذّر ذلك لتغيّر صورته و إلاّ لم يجز، و مع الشكّ في التغيّر فالاستصحاب محكّم (3).
و منها: ما لو دفن بغير غسل، فإنّ خيرة جمع جواز النبش لأجل تغسيله ما لم يخش فساد الميّت و المثلة به، و كذا النبش لأجل من دفن بغير كفن، أو إلى غير القبلة، و لي في ذلك تأمّل، و أبعد من ذلك تجويز النبش لأجل تبديل كفن من كفّن بالحرير، و أمّا المدفون بغير صلاه فلا يجوز نبش قبره لذلك بل يصلّى على قبره (4).
و منها: ما لو دفن في أرض ثم بيعت، فإن الشيخ رحمه اللّه جوّز نبش المشتري قبره لنقله، و الأحوط-إن لم يكن أقوى-عدم الجواز إلاّ ان يبلى فلا
ص:540
يصدق النبش (1).
و منها: لو ابتلع جوهرة أو غيرها ممّا له قيمة فدفن، فإن جمعا جوزّوا النبش لشقّ بطنه و إخراج ذلك، سواء كانت له أو لغيره، و هو لا يخلو من وجه سيّما مع الاضطرار إليه أو التضّرر بتركه (2).
و منها: ما لو أريد نقله إلى مكان شريف يرجى فيه حسن حاله كحرم مكة و المدينة و الأعتاب الشريفة، فإنه قد تقدم التأمّل في حرمة النبش حينئذ، و انه على فرض الحرمة فالنقل بعده لا مانع منه (3).
الثانية: انه إذا علم انّه قد مات ولد الحامل في بطنها و هي سالمة، فإن أمكن إخراجه على وجه لا يورث و صمة فيها فهو، و إلاّ فإن خيف على الأمّ مع عدم الإخراج تتوّلى ذلك النساء أو زوجها، فإن تعذّر فالرجال المحارم، فإن تعذر فغيرهم (4). و لو قام احتمال خروجه بنفسه من دون تقطيع و لا خوف على الأمّ لم يجز مباشرة التقطيع و الإخراج (5)، و لو ماتت الأمّ و بقي الحمل حيّا في بطنها و خيف من التأخير تلفه شقّ جوفها و انتزع الفرخ، و الأحوط الشق ممّا يلي جنبها الأيسر، كما انّ الأحوط-بل الأقوى-لزوم خياطة بطنها بعد إخراج الطفل، و لو لم يعلم بحياته فالمرجع استصحاب الحياة على الأظهر، و لو كان الولد و الأمّ
ص:541
معا حيّين و خشي على كل منهما من بقائه في بطنها لزم الصبر إلى أن يقضي اللّه تعالى، و لم يجز إتلاف أحدهما لحفظ الآخر (1).
الثالثة: إنّه لو أوصى بأن يغسلّه أو يصلّي عليه شخص خاصّ، أو يدفن في مكان مخصوص، فالأحوط-إن لم يكن أقوى-لزوم إنفاذ وصيّته، و لو كان محّل الدفن الذي أوصى به ممّا له عوض و كان هناك مباحا لا يحتاج إلى أجرة فالأظهر كون الأجرة و العوض من ثلثه دون أصل تركته (2).
ص:542
أغلبها بما بعد الدفن
فمنها: تعزية المصاب، فإنها سنّة مؤكّدة، و فيها أجر عظيم، و ثواب جسيم، حتى ورد أنّها تورث الجنّة (1)، و انّ من عزّى مصابا فله مثل أجره من دون أن ينقص من أجر المصاب شيء (2)، و من عزّى حزينا كسي يوم الموقف حلّة يحبر بها (3)، و من عزّى حزينا ألبسه اللّه عزّ و جلّ من لباس التقوى، و صلّى اللّه على روحه في الأرواح (4)، و من عزّى الثكلى أظلّه اللّه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، و كسي بردا في الجنة (5).
و روي انّ إبراهيم عليه السّلام سأل ربّه عن جزاء من يصبّر الحزين ابتغاء وجه اللّه، فقال تعالى: اكسوه ثيابا من الإيمان يتبوأ بها الجنة، و يتقي بها النّار (6).
و حقيقتها تختلف بإختلاف العوارض و الأشخاص، و الغرض منها طلب
ص:543
تسلّي المصاب و التصّبر عن الحزن و الاكتئاب، بإسناد الأمر إلى ربّ الأرباب، و نسبته إلى عدله و حكمته، و ذكر لقاء اللّه و وعده على الصبر مع الدعاء للميّت و المصاب لتسليته عن مصيبته، و طلب الخلف له إن كان الميت ممّن يمكن ان يخلف عنه. و لا فرق في شرعيّة التعزية و رجحانها و حسنها بين ما قبل الدفن و ما بعده (1). نعم هي بعد الدفن أفضل (2).
و أقّل التعزية أن يراه صاحب المصيبة (3). و المرجع في امتداد زمانها إلى العرف لأختلاف ذلك بإختلاف الميّت جلالة و ضعة، و لا فرق في استحباب التعزية بين سائر أهل المصاب ذكورهم و إناثهم، صغارهم و كبارهم.
و منها: اتخّاذ الطعام لأهل المصيبة ثلاثة أيام و البعث به إليهم، فإنه سنّة سنيّة وردت به أوامر أكيدة (4)، و يكره الأكل عندهم (5).
و منها: مسح رأس اليتيم ترحّما له، و إسكاته إذا بكى، و تكفلّه، فإنّ في ذلك فضلا واسعا (6)، كما مرّ ذكره، و نقل ما ورد فيه في الثاني من ملحقات الفصل الأول، فلاحظ.
و منها: وضع مأتم للميّت من يوم موته إلى ثلاثة أيام، فإنه مستحب لكل
ص:544
أحد، و ان كان ولي الميت أولى، كاستحباب إن يحضره المسلمون للتعزية و الاسترحام على الميت (1). و يستحب وصية الميت بمال لطعام مأتمه، لما ورد من أنّ أبا جعفر الباقر عليه السّلام أوصى بثمانمائة درهم لمأتمه، و كان يرى ذلك من السنّة، و ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا (2).
و يكفي في فضل حضور مأتم المسلم انّ المرأة-مع تشديد الأخبار في المنع من خروجها-نطقت بجواز خروجها للمأتم لقضاء حقوق الندبة. و ان الصادق عليه السّلام كان يبعث بحرمه إلى قضاء حقوق أهل المدينة في مآتمها (3).
و منها: ترك الخضاب، و الدهن، و الكحل، و ترجيل الشعر للمصاب تاسّيا بأهل البيت عليهم السّلام في مصاب سيّد الشهداء أرواحنا فداه، فإنّ الصادق عليه السّلام، قال: ما اختضبت منّا امرأة، و لا ادهنّت، و لا اكتحلت، و لا ترجّلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه.
و منها: البكاء على موت المؤمن سيما إذا كان مقتولا، لما ورد من أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالبكاء على عمّه حمزة. و إمضائه صلوات اللّه عليه و آله بكاء النّاس لأمواتهم (4). و إمضاء أمير المؤمنين عليه السّلام بكاء أحياء
ص:545
اصحابه في غزوة النهروان على المقتولين منهم لتذكر الألفة التي كانوا عليها (1).
و عن أبي الحسن عليه السّلام: انّه إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الأرض التي كان يعبد اللّه عليها، و أبواب السماء التي كان يصعد أعماله فيها، و ثلم ثلمة في الإسلام لا يسدّها شيء، [قال]لأن المؤمنين حصون الإسلام (2)كحصون سور المدينة لها 3. بل يجوز أو يترجّح البكاء على الميت و إن لم يكن البكاء لإيمانه بل لرحّميته و نحوها، لصدور ذلك من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام في موت أولادهم و أحبّائهم، فقد ورد انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكى على فوت ابنه إبراهيم و بنته رقيّه 4، و انه حين جاءه خبر وفاة جعفر بن أبي طالب و زيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدّا، و كان يقول: كانا يحدثاني و يونساني فذهبا عنّي 5. بل قيل: باستحباب البكاء على الميّت عند شدّة الحزن، بل عند كل حزن و إن لم يكن منشأه موت أحد، لما ورد من ان منصور الصيقل شكا إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام من وجده على ابن له هلك حتى خاف على عقله، فقال عليه السّلام: إذا
ص:546
أصابك من هذا شيء فأفض دموعك، فإنه يسكن عنك (1).
و يمكن استفادة رجحان البكاء في مثل ذلك من انه لما مات إبراهيم بكى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى جرت دموعه على لحيته فقيل: يا رسول اللّه! تنهى عن البكاء و أنت تبكي؟ ! فقال: ليس هذا بكاء، و إنما هي رحمة، و من لا يرحم لا يرحم (2). و يمكن الاستيناس لذلك أيضا ببكاء يعقوب على يوسف، و يوسف على يعقوب مع أنهما معصومان لا يفعلان المحرّم، و لا يصرّان على المكروه، و الفراق أقلّ من الموت حرقة، و أمّا ما عن الصادق عليه السّلام ممّا نطق بأن: كل الجزع و البكاء مكروه ما خلا الجزع و البكاء لقتل الحسين عليه السّلام، فلا ينافي ما ذكر، لأن الجزع أمر فوق البكاء، و هو مكروه على غير الحسين عليه السّلام (3).
هذا و حيث آل الأمر إلى هنا لزمنا التعرض إجمالا لما ورد في البكاء على إمام المؤمنين، و سيد شهداء الدين المبين و ساير الأئمة الطاهرين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين و لعنته على أعدائهم إلى يوم الدين.
اعلم انّ البكاء عليهم-أرواحنا فداهم-كزيارتهم من أهّم العبادات، و أتّم القربات، و أفضل المثوبات، و أقرب الطاعات، لأنّ مصائبهم على عظمها، و كونها أعظم المصائب كلها في سبيل ربّ البرايا، فمن بكى على مصائبهم فقد واسى خالق الأرضين و السّموات، و أطاعه بأجمل الإطاعات. و قد ورد عن مولانا الصادق عليه السّلام انه قال: من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم اللّه وجهه على النار (4). و في خبر آخر: ففاضت عيناه و لو مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه
ص:547
و لو كانت مثل زبد البحر (1).
و عن الرضا عليه السّلام: انّ من تذكّر مصابنا فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، و من جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب (2). و عن مولانا الباقر عليه السّلام: ان من دمعت عيناه فينا دمعة لدم سفك (3)لنا، أو حقّ لنا نقضناة أو عرض انتهك لنا، أو لأحد من شيعتنا بوّأه اللّه بها في الجنّة حقبا (4). و عن سيد الساجدين عليه السّلام انّه: من قطرت عيناه [فينا قطرة و]أو دمعت عيناه فينا دمعة بوّأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، أو احقبا (5). و عنه عليه السّلام أيضا: إن ايّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خدّه فيما مسّنا من الأذى من عدوّنا في الدنيا بوأه اللّه مبوأ صدق (6)، بل عنه عليه السّلام عقيب ذلك: و ايّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خدّه من مضاضة ممّا أوذي فينا، صرف اللّه عن وجهه الأذى، و آمنه يوم القيامة من سخطه و النارّ (7). و قال الرضا عليه السّلام في حديث: فعلى مثل الحسين عليه السّلام فليبك الباكون، فان البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام. و قال عليه السّلام في حديث آخر لابن شبيب:
يا بن شبيب! إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي عليهما السّلام، فإنه ذبح كما يذبح الكبش، و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في
ص:548
الأرض شبيهون، و لقد بكت السموات السبع و الأرضون لقتله. . إلى ان قال:
يا بن شبيب! إن بكيت على الحسين عليه السّلام حتى تصير دموعك على خدّيك غفر اللّه لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا، قليلا كان أو كثيرا.
يا بن شبيب! إن سرّك أن تلقى اللّه عزّ و جلّ و لا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام.
يا بن شبيب! إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فالعن قتلة الحسين عليه السّلام.
يا بن شبيب! إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقّل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
يا بن شبيب! إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا و افرح لفرحنا، و عليك بولايتنا، فلو ان رجلا أحّب حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة (1).
و قال الصادق عليه السّلام في حديث: إنّ أبا عبد اللّه الحسين عليه السّلام لمّا مضى بكت السموات السبع، و الأرضون السبع، و ما فيّهن و ما بينهنّ و من يتقّلب في الجنة و النّار من خلق ربّنا و ما يرى و ما لا يرى بكى على أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام إلاّ ثلاثة أشياء، قال ابن ثوير: قلت: و ما هذه الثلاثة؟ قال: لم تبك عليه البصرة و لا دمشق و لا آل عثمان عليهم لعائن اللّه (2).
و عنه عليه السّلام: إن السماء بكت على الحسين عليه السّلام أربعين صباحا بالدم، و إن الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد، و إنّ الشمّس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة، و إنّ الجبال تقطعت و انتثرت، و إن البحار
ص:549
تفجّرت، و إنّ الملائكة بكت أربعين صباحا على الحسين عليه السّلام، و ما اختضبت منّا امرأة، و لا ادّهنت، و لا اكتحلت، و لا ترجّلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه و ما زلنا في عبرة من بعده (1).
و عنه عليه السّلام: إنّ من ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه و لم يرض له بدون الجنة (2).
و قال عليه السّلام لمسمع بن عبد الملك في حديث: أما تذكر ما صنع به- يعني بالحسين عليه السّلام-؟ قال مسمع: بلى، قال عليه السّلام: أ تجزع؟ قال مسمع: إي و اللّه و استعبر بذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي، فقال عليه السّلام: رحم اللّه دمعتك، أما إنّك من الذّين يعدون من أهل الجزع لنا، و الذين يفرحون لفرحنا، و يحزنون لحزننا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك، و وصيّتهم ملك الموت بك، و ما يلقونك من البشارة أفضل، و لملك الموت أرقّ عليك و أشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها. . إلى أن قال عليه السّلام: ما بكى أحد رحمة لنا و لما لقينا إلاّ رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو ان قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرهّا حتى لا يوجد لها حرّ، و ذكر عليه السّلام حديثا طويلا يتضمّن ثوابا جزيلا يقول فيه: و ما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر و سقيت منه مع من أحّبنا (3).
و عنه عليه السّلام-أيضا في حديث طويل يذكر فيه حال الحسين عليه
ص:550
السّلام-قال: و انه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له و يسأل أباه الاستغفار له، و يقول: أيها الباكي! لو علمت ما أعدّ اللّه لك لفرحت أكثر ممّا حزنت، و انّه ليستغفر له من كل ذنب و خطيئة (1).
و عن الباقر عليه السّلام-في حديث زيارة الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء من قرب و بعد-قال عليه السّلام: ثم ليندب الحسين عليه السّلام و يبكيه، و يأمر من في داره ممّن لا يتقّيه بالبكاء عليه، و يقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، و ليعّز بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين عليه السّلام، و انا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه عزّ و جلّ جميع ذلك-يعني ثواب ألفي حجّة، و ألفي عمرة، و ألفي غزوة-. قال الراوي: قلت: أنت الضامن ذلك و الزعيم؟ قال عليه السّلام: أنا الضامن و الزعيم لمن فعل ذلك، قال الراوي: و كيف يعزي بعضنا بعضا؟ قال: يقول: «عظم اللّه أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السّلام و جعلنا و إياكّم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» . و إن استطعت أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، و إن قضيت لم يبارك له فيها، و لا يرى فيها رشدا، و لا يدخرنّ أحدكم لمنزله فيه شيئا، فمن ادخّر في ذلك اليوم شيئا لم يبارك له فيما أدخر، و لم يبارك له في اهله، فإذا فعلوا ذلك كتب اللّه لهم ثواب ألف حجة، و ألف عمرة، و ألف غزوة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2)، و كان له كثواب مصيبة كلّ نبيّ و رسول و صدّيق؛ و شهيد مات، أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة. الحديث (3).
ص:551
و قال الرضا عليه السّلام: من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة، و من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه يجعل اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة يوم فرحه و سروره، و قرّت (1)بنا في الجنان عينه، و من سمّى يوم عاشوراء: يوم بركة، و ادّخر لمنزله فيه شيئا لم يبارك له فيما ادخّر، و حشره يوم القيامة مع يزيد، و عبيد اللّه بن زياد، و عمر بن سعد لعنهم اللّه أجمعين إلى أسفل درك من النار (2).
و وردت عن الصادق عليه السّلام الرواية باجتناب الملاّذ في يوم عاشوراء، و إقامة سنن المصائب، و الإمساك عن الطعام و الشراب إلى أن تزول الشمس، و التغذي بعد ذلك بما يتغذى به أصحاب المصائب كالألبان و ما أشبهها دون اللذيذ من الطعام و الشراب (3). . إلى غير ذلك من الأخبار الشريفة التي لا يمكن استقصاؤها في مثل المقام. و وردت أخبار كثيرة في أن من بكى للحسين عليه السّلام أو أبكى أو تباكى وجبت له الجنّة (4). و إنّ من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فبكى و أبكى به أوجب اللّه له الجنّة و غفر له (5).
و قال علي بن الحسين عليهما السّلام: من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فأبكى خمسين فله الجنة. . إلى أن قال: و من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فأبكى واحدا فله الجنة، و من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فبكى
ص:552
فله الجنة، و من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فتباكى فله الجنة (1).
و قال الرضا عليه السّلام: ما قال فينا مؤمن شعرا يمدحنا به إلاّ بنى اللّه له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرّات يزوره فيها كل ملك مقرب و كل نبيّ مرسل (2).
و قال خلف بن حماد قلت للرضا عليه السّلام: إن أصحابنا يروون عن آبائك ان الشعر ليلة الجمعة و في شهر رمضان و في الليل مكروه، و قد هممت أن أرثي أبا الحسن عليه السّلام و هذا شهر رمضان. فقال لي: أرث أبا الحسن عليه السّلام في ليلة الجمعة و في شهر رمضان و في الليل و في ساير الأيام، فإن اللّه يكافيك على ذلك (3).
و منها: النوح على الميت، فإنّه لا بأس به ما لم يتضمّن جهة للحرمة عرضّية كالكذب و الباطل. و قد روي أن مولانا الصادق عليه السّلام ناح على ابنته سنة، و على ولد له سنة (4). و ان سيدتنا الزهراء سلام اللّه عليها ناحت على أبيها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (5). و ان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر بالنوح على عمّه حمزة (6). و قال الباقر عليه السّلام: إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها و لا ينبغي لها أن تقول هجرا، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة
ص:553
بالنوح (1). و سئل عليه السّلام عن أجر النائح فقال: لا بأس به، قد نيح على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (2).
و منها: استحباب الصلاة، و الصوم، و الحج، و الصدقة، و البرّ، و العتق عن الميّت، و الدعاء له، و الترّحم عليه، لما ورد من الأمر بذلك كلّه. و قوله عليه السّلام: انه ليكون في ضيق فيوّسع اللّه عليه ذلك الضيق ثم يؤتى فيقال: خفّف عليك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك (3).
و قوله عليه السّلام: إنّ الدعاء ينفع الميت حتى انه ليكون في ضيق فيوسع عليه، و يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه، و انه ليعلم من دعا له (4)، و ان اللّه تعالى يرفع العذاب عن الاموات بدعاء الأحياء (5).
و قوله عليه السّلام: ما يمنع أحدكم أن يبرّ والديه حييّن و ميتيّن، يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما، و يصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك فيزيده اللّه ببرّه خيرا كثيرا (6).
و قوله عليه السّلام: يلحق الرجل بعد موته الحج عنه، و الصدقة عنه، و الصوم عنه (7).
و قوله عليه السّلام: إذا تصدّق الرجل بنيّة الميّت أمر اللّه جبرئيل عليه السّلام أن يحمل إلى قبره سبعين ألف ملك، في يد كل ملك طبق، فيحملون إلى
ص:554
قبره و يقولون: السّلام عليك يا وليّ اللّه هذه هدّية فلان بن فلان إليك. . فيتلألأ قبره، و أعطاه اللّه ألف مدينة في الجنة، و زوّجه ألف حوراء، و ألبسه ألف حلّة، و قضى له ألف حاجة (1).
و قوله عليه السّلام: ألا من أعطف الميت بصدقة فله عند اللّه من الأجر مثل أحد، و يكون يوم القيامة في ظل عرش اللّه يوم لا ظل إلاّ ظل العرش، و حيّ و ميت نجيا بهذه الصدقة (2).
و قوله عليه السّلام: يدخل على الميت في قبره الصلاة، و الصوم، و الحج، و الصدقة، و البرّ، و الدعاء، و يكتب أجره للذي يفعله و للميت (3).
و قوله عليه السّلام: يلحق الرجل بعد موته سنّة سنّها يعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، و الصدقة الجارية تجري من بعده، و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما، و يتصّدق و يعتق عنهما، و يصلي و يصوم عنهما (4).
و قوله عليه السّلام: من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف اللّه له أجره، و نفع اللّه به الميّت (5).
و قوله عليه السّلام: إن الميت ليفرح بالترحّم عليه و الاستغفار له كما يفرح الحي بالهديّة تهدى إليه (6).
و روي ان أبا عبد اللّه عليه السّلام كان يصلي عن ولده في كلّ ليلة ركعتين،
ص:555
و عن والديه في كل يوم ركعتين، فقيل له: جعلت فداك كيف صار للولد الليل؟ فقال عليه السّلام، لأن الفراش للولد، و كان يقرأ فيهما إِنّا أَنْزَلْناهُ و إِنّا أَعْطَيْناكَ (1).
و قد سئل عليه السّلام عن التشريك بين رجلين في ركعتين فأذن عليه السّلام في ذلك (2).
و يتأكد ما ذكر من البرّ و الصدقة و الصلاه و نحوها في حق الوالدين، حتّى انه يكره للولد ترك الاستغفار لهما، لما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من انّ الرجل يكون بارّا بوالديه و هما حيّان فإذا لم يستغفر لهما كتب عاقّا لهما، و انّ الرجل يكون عاقّا لهما في حياتهما فإذا ماتا أكثر الاستغفار لهما فكتب بّارا (3).
و ورد: ان الولد إذا لم يقض ديون الوالدين، و لم يوف نذرهما، و استسب لهما-أي فعل ما يوجب سبّ الغير لهما-كان عاقا، و ان كان بّارا في حياتهما (4).
و ورد: ما يفيد استحباب أداء زكاة الفطرة عن الوالد المتوفى في كل سنة ما دام الولد حيّا (5).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان من البرّ بالوالدين بعد موتهما الصلاة عليهما، و الاستغفار لهما، و الوفاء بعهدهما، و إكرام صديقهما، و صلة رحمهما (6).
ص:556
و روى الطبرسي في مكارم الأخلاق صلاة الولد لوالديه و انهما ركعتان: الأولى: بفاتحة الكتاب، و عشر مرات: «ربّ أغفر لي و لوالدّي و للمؤمنين يوم يقوم الحساب» . و الثانية: بفاتحة الكتاب، و عشر مرات: «ربّ أغفر لي و لوالدّي و لمن دخل بيتي مؤمنا و للمؤمنين و المؤمنات» ، فإذا سلم يقول عشر مرات: «ربّ ارحمهما كما ربيانّي صغيرا» (1).
و روى هو رحمه اللّه-أيضا-صلاة الوالد لولده أربع ركعات يقرأ في الأولى: الحمد مرّة و عشر مرّات رَبَّنا وَ اِجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ اَلتَّوّابُ اَلرَّحِيمُ و في الثانية: الحمد مرّة و عشر مرات: رَبِّ اِجْعَلْنِي مُقِيمَ اَلصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ رَبَّنَا اِغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ اَلْحِسابُ و في الثالثة: الحمد مرّة و عشر مرّات: رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اِجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً و في الرابعة: الحمد مرة، و عشر مرّات: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ اَلَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فإذا سلّم قال عشرا: رَبَّنا هَبْ لَنا. . الآية (2).
و منها: زيارة قبر الميت المؤمن.
فإنها من الطاعات المندوب إليها، و قد مرّ شرحها في الجهة الثالثة عشرة من المقام الخامس من الفصل الحادي عشر فلا نعيد.
ثم ان هناك سننا و مكروهات أو محظورات، تختص بالمصاب.
ص:557
الصبر على المصيبة:
لما ورد في الكتاب و السنّة من الأجور العظام للصبر على البلاء و المصيبة، حتى ورد عن الصادق عليه السّلام ان: من أبتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد (1).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان من صبر على المصيبة حتى يردّها بحسن عزائها كتب اللّه له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء و الأرض (2).
و عن الباقر عليه السّلام: ان من صبر على مصيبةزاده اللّه عزّا على عزّه، و أدخله اللّه الجنّة مع محمد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم أجمعين (3). . إلى غير ذلك ممّا مرّ من أخبار فضائل الصبر في المقام الثامن من مكارم الأخلاق من الفصل العاشر في العشرة، فراجع.
و منها: الرضا بالقضاء، فإنّ الصبر ليس إلاّ ذاك، و قد ورد ان الصبر و الرضا عن اللّه رأس طاعة اللّه، و من صبر و رضي عن اللّه فيما قضى عليه فيما أحبّ أو كره لم يقض اللّه عزّ و جلّ له فيما أحبّ أو كره إلاّ ما هو خير له (4).
و قيل للصادق عليه السّلام: بأيّ شيء علم المؤمن بانه مؤمن؟ قال:
ص:558
بالتسليم للّه، و الرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط (1).
و في الحديث القدسي: يا موسى (ع) ! ما خلقت خلقا أحّب إلّي من عبدي المؤمن، و إنّي إنّما أبتليه لما هو خير له، [و اعافيه لما هو خير له]، و أزوي عنه لما هو خير له، و أنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، و ليشكر نعمائي، و ليرض بقضائي، أكتبه في الصدّيقين عندي. إذا عمل برضاي، و أطاع أمري (2).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّ عظيم البلاء يكافى به عظيم الجزاء، فإذا أحبّ اللّه عبدا أبتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند اللّه الرضا، و من سخط فله السخط (3).
ثم إنّ الرضا المطلوب من المؤمن إنّما هو بعد وقوع المصيبة، و أما الجزع و إظهار التأثر قبل وقوع المصيبة فلا بأس به، بل لعلّه حسن لكشفه عن الرّقة و عدم القساوة، و قد نقلت قضايا عند فوت (4)أولاد الأئمة الهداة عليهم السّلام و الصلاة و شدّة حزنهم قبله، و تبدّل الحالة و عروض السكون و الاستقرار بعده، فسئلوا عن ذلك، فقالوا عليهم السّلام: إنّا أهل البيت نحبّ أن نعافى في انفسنا، و أولادنا، و موالينا، و من نحب، و نجزع ما لم تنزل المصيبة، فإذا نزلت المصيبة و وقع أمر اللّه و جرى قضاؤه، رضينا بقضائه، و سلّمنا لأمره، و لم يكن لنا أن نكره ما أحب اللّه لنا (5).
و منها: تذكّر المصاب مصائب النبي و أهل بيته المعصومين صلوات اللّه عليه و عليهم أجمعين، و استصغار مصيبة نفسه بالنسبة إليها. لورود الأوامر بذلك
ص:559
عن أولى الأمر صلوات اللّه عليهم أجمعين (1)، إذ ما من مصيبة إلاّ و فيهم أعظم أفرادها و صورها، و أظهر مصاديقها، و لذا قال الشاعر و للّه درّه.
أنست رزيّتكم رزايانا التي
سلفت و هونّت الرزايا الآتية
و لقد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مرض موته: أيها الناس! أيّما عبد من أمتّي أصيب بمصيبة من بعدي فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التّي تصيبه بعدي، فإنّ أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدّ عليه من مصيبتي (2).
و منها: احتساب البلاء و التأسّي بالأنبياء و الأوصياء و الصلحاء، لما ورد مستفيضا من أن أشدّ الناس بلاء النبيّون ثم الوصيّون ثم الأمثل فالأمثل، و إنّما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صحّ دينه، و حسن عمله، اشتد بلاؤه، و ذلك انّ اللّه عزّ و جلّ لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن، و لا عقابا لكافر، و من سخف دينه، و ضعف عمله، قلّ بلاؤه، و انّ البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض (3)، و انّ اللّه ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة، و يحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض (4)، و انّ للّه عزّ و جلّ عبادا في الأرض من خالص عباده ما تنزل من السماء تحفة إلاّ صرفها عنهم إلى غيرهم، و لا بليّة إلاّ صرفها إليهم (5)، و انّ اللّه إذا أحبّ عبدا غتّه بالبلاء غتّا، و ثجّه بالبلاء ثجّا، فإذا دعاه قال: لبيّك عبدي لئن عجلّت لك ما سألت انّي على ذلك لقادر،
ص:560
و لئن ادخرّت لك [فما ادخرّت لك فهو]خير لك (1).
و منها: استحباب احتساب خصوص موت الأولاد و الصبر عليه.
لما ورد من ان ولدا يقدّمه الرجل أفضل من سبعين ولد يخلّفهم بعده كلهم قد ركب الخيل، و جاهدوا في سبيل اللّه (2)، و انّ اللّه عزّ و جلّ إذا احّب عبدا قبض أحبّ ولده إليه (3). و انّه يقف على باب الجنة و يأخذ بيد والديه فيدخلهما الجنّة أطهرها مكانا و أطيبها، لأنّ اللّه عزّ و جل أعّز و أكرم من أن يسلب عبدا ثمرة فؤاده فيصبر، و يحتسب، و يحمد اللّه عزّ و جلّ ثم يعذبه (4).
و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال لعثمان بن مظعون-حيث توّفي ابنه: -إنّ للجنّة ثمانية أبواب، و للنّار سبعة أبواب أ فلا يسّرك أن لا تأتي بابا منها إلاّ وجدت ابنك إلى جنبك آخذ بحجزتك يشفع لك إلى ربك، قال المسلمون: و لنا يا رسول اللّه في فرطنا ما لعثمان؟ قال: نعم لمن صبر منكم و احتسب (5).
بل ورد في فوت الولد ما لا ينطبق على القاعدة، بل هو محض فضل و كرم، و هو الموثق لابن بكير كالصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة صبر أو لم يصبر (6).
و منها: استحباب التحميد و الاسترجاع و سؤال الخلف عند موت الولد و سائر المصائب.
ص:561
فقد ورد عن الصادق عليه السّلام و ابنه موسى عليه السّلام: ان اللّه ليعجب من رجل يموت ولده و هو يحمد اللّه، فيقول: يا ملائكتي! عبدي أخذت نفسه و هو يحمدني (1).
و التعجب فيه مجاز أريد به الاستعظام و الاستحسان. و يمكن أن يكون المعنى انه يحمل الملائكة على التعجب.
و ورد عنه عليه السّلام إن: من الهم الاسترجاع عند المصيبة وجبت له الجنة (2).
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه: إذا قبض ولد المؤمن و اللّه أعلم بما قال العبد فإن اللّه تبارك و تعالى يقول لملائكته: قبضتم ولد فلان؟ فيقولون: نعم، ربنا، قال: فيقول: و ما قال عبدي؟ قالوا: حمدك و استرجع، فيقول اللّه تبارك و تعالى: أخذتم قرّة عينه، و ثمرة قلبه، فحمدني و استرجع، ابنوا له بيتا في الجنّة و سمّوه: بيت الحمد (3).
و ورد انّ من صبر و استرجع و حمد اللّه عزّ و جلّ فقد رضي بما صنع اللّه، و وقع أجره على اللّه، و من لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء و هو ذميم، و أحبط اللّه تعالى أجره (4).
و انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا ورد عليه أمر يسرّه قال: الحمد للّه على هذه النعمة، و إذا ورد عليه أمر يغتّم به قال: الحمد للّه على كل حال (5).
ص:562
و كان الصادق عليه السّلام يقول عند المصيبة: الحمد للّه الذي لم يجعل مصيبتي في ديني، و الحمد للّه الذي لو شاء أن يجعل مصيبتي أعظم ما كانت، و الحمد للّه على الأمر الذي شاء أن يكون فكان (1).
و منها: استحباب الاسترجاع و الدعاء بالمأثور عند تذكّر المصيبة.
لما ورد من ان الاسترجاع على المصيبة كلما ذكر يوجب غفران ما بين الاسترجاعين من الذنوب عدا الكبائر التيّ أوجب اللّه عليها النار (2).
و ان من ذكر مصيبة و لو بعد حين فقال: «إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و الحمد للّه ربّ العالمين، اللّهم أجرني على مصيبتي، و أخلف عليّ أفضل منها» كان له من الأجر مثل ما كان عنده أوّل صدمة (3).
و منها: استحباب التسّلي أو تناسي المصاب.
أفتى به غير واحد، و استدّلوا على ذلك بما ورد عن أئمتّنا عليهم السّلام من انّ اللّه تبارك و تعالى ألقى على عباده السلوة بعد المصيبة، و لو لا ذلك لانقطع النسل (4). و انّ الميّت إذا مات بعث اللّه ملكا إلى أوجع أهله عليه فمسح على قلبه فأنساه لوعة الحزن و لو لا ذلك لم تعمر الدنيا (5)، و انّ ملكا موكّلا بالمقابر فإذا انصرف أهل الميت من جنازتهم عن ميّتهم أخذ قبضة من تراب فرمى بها في آثارهم فقال: انسوا ما رأيتم، فلولا ذلك ما انتفع أحد بعيش (6).
و أنت خبير بأن هذه الأخبار قاصرة عن إثبات استحباب التسّلي
ص:563
و التناسي، و إنما تدلّ على تفضّل اللّه سبحانه على العباد بالتسلية و الانساء.
الجزع عند المصيبة مع عدم الرضا بالقضاء، فقد أفتى غير واحد بحرمته استنادا إلى ما ورد من قول أمير المؤمنين عليه أفضل السّلام للأشعث في تعزية أخ له: إن جزعت فحق الرحم أدّيت، و إن صبرت فحق اللّه أدّيت، على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء و أنت محمود، و إن جزعت جرى عليك القضاء و أنت مذموم (1).
و قول مولانا الصادق عليه السّلام: إن ملك الموت قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا محمد! إنّي أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله فأقوم في ناحية من دارهم فأقول: ما هذا الجزع فو اللّه ما تعجّلناه قبل أجله، و ما كان لنا في قبضه من ذنب، فإن تحتسبوا و تصبروا تؤجروا، و إن تجزعوا تأثموا و تؤزروا (2).
و قوله عليه السّلام لابن عمّار، يا إسحاق! لا تعدّن مصيبة أعطيت عليها الصبر، و استوجبت عليها من اللّه الثواب، إنّما المصيبة التّي يحرم صاحبها أجرها و ثوابها إذا لم يصبر عند نزولها (3).
و في دلالة هذه الأخبار على الحرمة تأمّل. نعم شدة الكراهة و تسبب الجزع للحرمان من الأجر مسلّمة، و اللّه العالم.
و منها: ضرب المصاب يده على فخذه.
فإنّه مكروه كراهة مؤكدة، لما استفاض عنهم عليهم السّلام من أنّ ضرب
ص:564
المسلم يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره (1).
و منها: الصراخ بالويل و العويل، و الدعاء بالذل و الثكل، و الحزن، و لطم الوجه، و الصدر، و جزّ الشعر، و إقامه النياحة.
أفتى بكراهة ذلك كلّه غير واحد، استنادا إلى قول أبي جعفر عليه السّلام-حين سئل عن حدّ الجزع-: أشدّ الجزع الصراخ بالويل و العويل، و لطم الوجه و الصدر، و جزّ الشعر من النواصي، و من أقام النياحة فقد ترك الصبر و أخذ في غير طريقه (2).
و قول النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: النياحة من عمل الجاهلية (3).
و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة سلام اللّه عليها-حين قتل جعفر بن أبي طالب-: لا تدعي بذلّ، و لا ثكل، و لا حزن، و ما قلت فيه فقد صدقت (4).
و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لها عليها السّلام: إذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجها، و لا ترخي عليّ سترا (5)، و لا تنادي بالويل، و لا تقيمن عليّ نائحة (6).
و اقول: يلزم من حرّم الجزع-مع عدم الرضا بالقضاء-ان يقيّد كراهة الصراخ بالويل و نحوه بما إذا لم يكن معه عدم الرضا بالقضاء، و إلاّ كان لازم جعل الصادق عليه السّلام الصراخ بالويل و نحوه من أشدّ الجزع هو حرمته، بعد فتوى هذا القائل هناك بالحرمة، و أيضا كيف أفتى هذا القائل بكراهة جزّ الشعر على الميت مع أن حرمته و ثبوت الكفّارة على فاعله ممّا لا ينبغي التأمل
ص:565
فيه، و أما كراهة إقامة النائحة فليست على إطلاقها، لما مرّ من جواز النوح على الميت المؤمن ما لم تنضّم إليه جهة محرّمة من كذب و نحوه فتحمل النياحة الممنوعة على ما نافت الصبر (1).
و منها: الصياح على الميت.
فإنه مكروه، لما استفاض عنهم عليهم السّلام من أنّه لا يصلح الصياح على الميت و لا ينبغي، و لكن النّاس لا يعرفونه و الصبر خير (2).
و منها: شق الثوب على الميت.
فإن فيه أقوالا أقربها لزوم الاجتناب مطلقا إذا كان تضييعا للمال و إتلافا له من غير داع عقلائي، و أحوطها الاجتناب حتى في غير صورة التضييع، سيما في غير الأب و الأخ. و قد ورد انّه ما من امرأة تشق جيبها إلاّ صدع لها في جهنم صدع كلّما زادت زيدت (3).
و الأقرب جواز الشق في الأب و الأخ. لما ورد من شقّ الإمام المجتبى عليه السّلام قميصه على أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، و شقّ مولانا العسكري عليه السّلام على أبيه الهادي عليه السّلام قميصه من خلف و قدّام (4)، و شقّ مولانا أبي محمد عليه السّلام في جنازة مولانا أبي الحسن عليه السّلام قميصه، و قوله عليه السّلام-لمن اعترضه في ذلك-: يا أحمق! و ما يدريك ما هذا؟ قد شق موسى على
ص:566
هارون (1)، و شقّت سيدتنا زينب على أخيها الحسين عليه السّلام بمحضر السجاد (2)، بل فعلهم عليهم السّلام يدلّ على رجحان ذلك في الأب و الأخ. و مدخلية امامة المشقوق له و عصمته غير معلومه و لا مظنونة، و الأصل عدم المدخليّة، و وجهه ان الفعل مجمل، و اللّه العالم بحقايق الأحكام.
و منها: إظهار الشماتة بالمؤمن في مصيبة نزلت به.
أفتى بحرمته بعضهم استنادا إلى قول الصادق عليه السّلام: لا تبدي الشماتة لأخيك فيرحمه اللّه و يصيّرها بك (3).
و قوله عليه السّلام: من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن (4).
و في دلالة ذلك على الحرمة تردد، فإن النهي و إن كان ظاهرا في الحرمة إلاّ أنّ التعليل يصرفه عنه إلى الكراهة أو الإرشاد إلى الفرار من الأثر الوضعي.
ص:567
ص:568
في آداب متفرّقة و آثار متشتّة
و فيها مقامات:
انه قد ورد كون أشياء من المكروهات و المحرّمات موجبات للفقر، و أشياء أخر من المباحات و المستحبات و الواجبات موسّعة للرزق و جالبات له و مزيدات له و جالبات للغنى.
فمن القسم الأوّل: ترك نسج العنكبوت في البيت.
و منها: البول في الحمام-أي في داخله دون مكان التخلي منه (1).
و منها: التخلل بالطرفاء (2).
و منها: التخلل بكل خشب (3).
و منها: التمشط من قيام (4).
و منها: ترك القمامة في البيت (5).
و منها: اليمين الفاجرة (6).
ص:569
و منها: الزنا (1).
و منها: إظهار الحرص (2).
و منها: النوم بين العشاءين (3).
و منها: النوم قبل طلوع الشمس (4).
و منها: النوم مضطجعا على الوجه.
و منها: الأكل على الجنابة. و في نسخة: الأكل على الجشاء (5).
و منها: الكذب كما في خبر، و اعتياد الكذب كما في آخر (6).
و منها: كثرة الاستماع إلى الغناء (7).
و منها: ردّ السائل الذكر بالليل (8).
و منها: ترك التقدير في المعيشة (9).
و منها: قطيعة الرحم (10).
و منها: البول عريانا. و في خبر آخر: القيام من الفراش للبول عريانا (11).
ص:570
و منها: كثرة النوم عريانا.
و منها: ترك غسل اليدين عند الأكل (1).
و منها: إهانة الكسرة من الخبز، و إهانة الطعام و وضع الرجل عليهما (2).
و منها: التهاون بسقاط المائدة (3).
و منها: إحراق قشر الثوم و البصل.
و منها: القعود على اسكفة البيت، و هي العتبة التي توطأ عليها، و قد عدّ ذلك من موجبات الغّم أيضا، و المشهور على الألسن انه يورث التهمة، و لم أقف بذلك علّى خبر.
و منها: كنس البيت في الليل و بالثوب و الخرقة.
و منها: غسل الأعضاء في موضع الاستنجاء و الوضوء هناك. و في خبر: الوضوء في المبرز (4).
و منها: مسح الوجه أو مطلق الأعضاء المغسولة بالذيل و الكّم.
و منها: وضع القصاع و الأواني غير مغسولة (5).
و منها: وضع أواني الماء غير مغطّاة الرؤوس (6).
و منها: الاستخفاف بالصلاة و التكاسل بها أو تركها (7).
ص:571
و منها: تعجيل الخروج من المسجد (1).
و منها: تعجيل البكور إلى السوق (2).
و منها: تأخير الرجوع عن السوق مطلقا، كما في خبر، و إلى العشاء، كما في آخر (3).
و منها: شراء الخبز من الفقير، و في خبر آخر: شراء كسرات الخبز من الفقراء و السائلين (4).
و منها: امتناع الخير من الفقراء (5).
و منها: شق الحسن [كذا]من الفقراء (6).
و منها: لعن الاولاد (7).
و منها: دعاء السوء على الوالدين (8).
و منها: خياطة الثوب على البدن، كما في خبر، و على النفس، كما في آخر، و الأول يشمل خياطة الغير، و الثاني ظاهر في خياطة اللابس نفسه، و قد اشتهر على الألسن زوال الكراهة بأخذ شيء من العود بأسنانه أو في فيه حال الخياطة. و لم أقف على سنده.
و منها: إطفاء السراج بالنفخ و النفس.
ص:572
و منها: التقدم على المشايخ و المشي قدامهم (1).
و منها: دعوة الوالدين باسمهما (2).
و منها: تغسيل اليدين بالطين و التراب.
و منها: الأكل نائما.
و منها: قصّ الأظفار بالأسنان (3).
و منها: الاتّكاء على أحد زوجي الباب.
و منها: الكتابة بالقلم المعقود.
و منها: الامتشاط بالمشط المكسور.
و منها: ترك الدعاء للوالدين (4).
و منها: التعمم قاعدا.
و منها: لبس السراويل من قيام.
و منها: البخل (5).
و منها: التقتير (6).
و منها: الفحش [خ. ل: الاسراف] (7).
ص:573
و منها: الكسل و التواني و التهاون في الأمور (1).
و منها: ترك سؤال اللّه من فضله (2).
و منها: الحرمان من صلاة الليل (3).
و ربّما عدّ بعض المحدّثين أمورا أخر أرسل بايراثها للفقر رواية، وقفنا على بعضها بالرواية و لم نقف في البعض الآخر.
فمنها: إحراق القرطاس و القلم و القائهما على الأرض.
و منها: إحراق العظم.
و منها: القعود على فناء الباب، و هو غير ما تقدم من القعود على العتبة.
و منها: الغيبة (4).
و منها: الاستهزاء بعلماء الدين و المؤمنين (5).
و منها: السرقة في المكيال أخذا و عطاء (6).
و منها: التبذير و الإسراف (7).
ص:574
و منها: الغش (1).
و منها: عدم ردّ الخمس و الزكاة و الحقّ الواجب إلى أهله (2).
و منها: حبس حق الأجير (3).
و منها: كتمان الشهادة (4).
و منها: شهادة الكذب (5).
و منها: التغنّي بالفسوق (6).
و منها: ضرب الطنبور (7).
و منها: عقوق الوالدين و إن كانا كافرين (8).
و منها: لبث الجنب في المسجد (9).
و منها: التكبر و الغرور (10).
و منها: طلب عيوب الناس (11).
ص:575
و منها: النظر إلى دور الناس ميلا و لذّة، و للاطلاع على عيوبهم (1).
و منها: عدم الاجتناب عن الحرام (2).
و منها: عمل السحر (3).
و منها: صنع تمثال ذي الظّل (4).
و منها: عقد الرجل عن زوجته (5).
و منها: البول و الغائط و الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها.
و منها: خرج الدرهم و الدينار المغشوشين (6).
و منها: إدخال ملك الوقف و المقبرة في الملك و البيت (7).
و منها: حكاية القصص و النوم الكاذبين (8).
و منها: بيع ما حرّمه اللّه تعالى و أكل ثمنه (9).
و منها: الأكل ماشيا (10).
ص:576
و منها: قلم الاظفار يوم الأحد، فانه يذهب بالبركة.
و منها: شراء الدقيق.
و منها: ترك قضاء الحوائج مع القدرة (1).
و منها: ترك قراءة القرآن.
و منها: الأكل على ظهر الجمل (2).
و منها: إلقاء النخامة و الريق على الخلاء (3).
و منها: البول في الماء (4).
و منها: النوم على غير وضوء (5).
و منها: الطمع في أموال الناس (6).
و منها: النوم في العصر.
و منها: ترك البسملة قبل الأكل و الحمد بعده (7).
و منها: لفّ العمامة جالسا إن لم يرجع إلى ما مر من التعمّم قاعدا، بناء على ظهور التعّمم في اللبس و إلاّ اتحدا.
و منها: التصفيق باليد.
ص:577
و منها: الاجتياز بين النساء و بين قطيع الغنم (1).
و منها: كثرة الضحك و القهقهة خصوصا في المقابر و مجالس العلماء (2).
و منها: العدو عند الجنازة، يعني في تشييعها (3).
و منها: ترك إقراض المحتاج (4).
و منها: أكل ما ينظر إليه الفقير و الجائع مع عدم إعطائه منه (5).
و منها: منع الماعون من الجار (6).
و منها: إلقاء القملة قبل قتلها.
و منها: قتل القملة في المسجد.
و منها: إحراق القملة بل ساير الحيوانات (7).
و منها: إظهار الفقر عند ذي المال، و عدّ في خبر آخر مطلق التفاقر و إظهار الفقر من موجباته (8).
و منها: ترك الاستنجاء من البول و الغائط من غير ضرورة (9).
ص:578
و منها: المزاح باللغّو (1).
و منها: الفحش، في نسخه (2).
و منها: الميل إلى اللهو و اللعب (3).
و منها: أخذ الأجرة على تعليم القرآن و تحريره و بيعه (4).
و منها: ترك تقليم الأظفار (5).
و منها: إلقاء ريق الفم في المسجد (6).
و منها: دخول الجنب في المسجد (7).
و منها: قول. . إنّا. . و نحن: إظهارا للجاه و المال (8).
و منها: التضييق على العيال و الأطفال و العبيد و الإماء (9).
ص:579
و منها: متابعة النفس في اللذاّت و الشهوات (1).
و منها: الكلام في الخلاء، و كذا السّلام فيه إلاّ للضرورة.
و منها: الذهاب إلى الخلاء حافيا و مكشوف الرأس، بل مطلق المشي كذلك.
و منها: حبس الغلة و الحبوبات (2).
و منها: قراءة القرآن على الجنابة إلاّ ما استثني.
و منها: عدم إعطاء الكلب و الهرّة ممّا يأكل اذا نظرا.
و منها: دلك العورة منه و من الزوجة و غيرها.
و منها: جعل الخلق وسيلة للرزق (3).
و منها: الخروج من الزيّ (4).
و منها: غلبة الخرج على الدخل.
و منها: دلك الازار على الوجه و البدن في الحمام من غير ضرورة.
و منها: دلك الكيس و الحجر على الوجه.
و منها: كشف العورتين في المسجد و في الماء (5).
و منها: غسل الرأس بالطين.
ص:580
و منها: الغسل في الماء عريانا من غير ضرورة.
و منها: الأكل من طرفي الفم.
و منها: أكل الفوم و البصل غير المطبوخين ليلة الجمعة.
و منها: شرب الماء من الكوز المكسور، و كذا الأكل من الانية المكسورة.
و منها: الشرب من عند عروة الكوز.
و منها: الاختلاط مع الازرق و اصفر اللحية.
و منها: وضع الرأس على الركبة.
و منها: عقد اليدين على العقب عند المشي (1).
و منها: وضع اليد تحت الذقن.
و منها: صبّ الماء على الكلب.
و منها: التطهير و الوضوء بالماء المشمّس إذا كان مفتوح الرأس.
و منها: الاستنجاء في الحوض و البئر و على قبر المؤمن.
و منها: الذهاب إلى الحج و العتبات و فعل الخير رياءا.
و منها: الهزل مع أكبر منه.
و منها: إظهار السّر للمرأة إلاّ مع الضرورة.
و منها: المشورة مع المرأة إلاّ للمخالفة.
و منها: قطع شعر اللحية و الخبز بالاسنان.
و منها: النوم على المقابر و في الحمامات.
و منها: الجماع في الماء الحار.
و منها: كثرة النوم.
ص:581
و منها: وضع الخبز على الركبة و الأكل منه بالفم.
و منها: وضع اليدين بين الرجلين و النوم.
و منها: النظر إلى تارك الصلاة.
و منها: ترك أمر الأهل بالصلاة (1).
و منها: وضع النعل و السراويل و الثوب تحت الرأس.
و منها: النفخ على المرآة.
و منها: النظر إلى المرآة بالليل.
و منها: وضع الرأس على عتبة الباب عند النوم.
و منها: إلقاء البصاق على وجه المسلم و على الماء.
و منها: الجلوس على الرجلين عند الأكل.
و منها: التمشط في الحمام.
و منها: الاشتغال بالأمور في ساعة نحسة (2).
و منها: عمل الصياغة، و الذباحة، و آلات القمار، و النقش، و النساجة.
و منها: أكل البنج.
و منها: شرب الجرس.
و منها: عمل الموتى.
و منها: بيع الأكفان.
و منها: التفكر في المعمّى و اللّغز.
و منها: النوم على الوجه.
ص:582
و منها: إلقاء قشر البيض تحت الأرجل.
و منها: المشي بين الزرع.
و قيل: إن حلق الرأس يوم الثلاثاء، و قصّ الأظفار يوم الأربعاء، و التنوير يوم الجمعة، يورثن الادبار.
و عدّ بعضهم من موجبات الفقر التعجيل في رفع الرأس عن السجدة، و لعن الناس، و تجفيف البدن و الرأس و الوجه بإزار الحمام، و أكل الخبز على طرف الثوب و ذيله، و البول من قيام، و وضع العمامة تحت الرأس، و التخلل بطين الجدار، و في المرسل: من شرب الماء و هو قائم، أو تسربل و هو قائم، أو تعّمم و هو قاعد، ابتلاه اللّه ببلاء لا دواء له، و من تمشّط بمشط مكسور، أو كتب بقلم معقود فتح اللّه عليه سبعين بابا من الفقر.
الجمع بين الصلاتين.
و منها: التعقيب بعد الغداة إلى ساعة أو إلى أن تطلع الشمس، فانه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض، و كذا التعقيب بعد صلاة العصر ساعة.
و منها: صلة الرحم.
و منها: كسح الفناء-يعني كنس فناء الدار-.
و منها: كنس البيت فانه ينفي الفقر.
و منها: مواساة الأخ في اللّه عزّ و جل.
و منها: البكور في طلب الرزق.
و منها: استعمال الأمانة و أدائها.
و منها: قول الحق.
ص:583
و منها: إجابة المؤذّن-يعني حكاية الأذان-.
و منها: ترك الكلام في الخلاء.
و منها: ترك الحرص.
و منها: شكر المنعم.
و منها: اجتناب اليمين الكاذبة.
و منها: الوضوء قبل الطعام.
و منها: أكل ما يسقط من الخوان.
و منها: التسبيح كل يوم ثلاثين مرّة، فإن من سبح اللّه كل يوم ثلاثين مرة دفع اللّه عنه سبعين نوعا من البلاء أيسرها الفقر.
و منها: الاستغناء.
و منها: قضاء حوائج المؤمنين و تحمّل مؤونتهم على القدر المقدور، و تنفيس كربهم، فانّ كلاّ منها يزيد البركة، و يورث الرزق، و كثرة المال.
و منها: غسل الإناء.
و منها: تقليم الأظفار، فإنه يمنع الداء الأعظم، و يدر الرزق و يورده سيما إذا قلم كل جمعة، و كذا أخذ الشارب، و كذا قلم الأظفار يوم الخميس و إبقاء واحدة ليوم الجمعة.
و منها: الصدقة، فإنها تزيل الفقر، و تزيد في الرزق و العمر.
و منها: طيب الكلام كما في خبر، و حسن الكلام كما في آخر، فإنّه يثري المال، و ينمي الرزق، و ينسي الأجل، و يحبّب إلى الأهل، و يدخل الجنة.
و منها: إقامة الصلاة بالتعظيم و الخشوع.
و منها: قراءة سورة الواقعة سيّما بالليل، و وقت العشاء، فإنّ من قرأها كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا، و من قرأها في كل ليلة جمعة أحّبه اللّه و حبّبه إلى الناس أجمعين، و لم ير في الدنيا بؤسا، و لا فقرا، و لا فاقة، و لا آفة من آفات الدّنيا، و كان
ص:584
من رفقاء أمير المؤمنين عليه السّلام، و هذه السورة لأمير المؤمنين عليه السّلام خاصة لم يشرك فيها أحدا.
و منها: قراءة سورة يس، فإنها توسع المعيشة سيما قراءتها وقت الصبح.
و منها: قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك، وقت الصبح.
و منها: قراءة سورة و الصافات، فإنّ من قرأها كل جمعة لم يزل مرزوقا في الدنيا بأوسع ما يكون من الرزق، و لم يصبه اللّه تعالى في ماله و لا في ولده و لا في بدنه بسوء من الشيطان الرجيم.
و منها: قراءة سورة الهمزة في فريضة من الفرائض الخمس، فإنها تبعد الفقر، و تجلب الرزق، و تدفع ميتة السوء.
و منها: حضور المسجد قبل الأذان.
و منها: المداومة على الطهارة.
و منها: اداء سنة الفجر و الوتر في البيت.
و منها: ترك التكلّم بكلام لغو.
و منها: الاقتصاد في المعيشة، فإنّه يورث سعة الرزق و الغنى، و ضمن أبو عبد اللّه عليه السّلام لمن اقتصد ان لا يفتقر.
و منها: غسل اليدين قبل الأكل و بعده.
و منها: العمل الصالح، فإنه بنصّ الآية يورث الرزق الكريم، المفسر بالرزق بلا منّة و لا تعب بل بلا طلب.
و منها: التقوى، فانها بنص الآية الشريفة تجلب الرزق.
و منها: التوكّل.
و منها: الإسراج قبل غروب الشمس، فإنه ينفي الفقر، و يزيد في الرزق.
ص:585
و منها: التخّتم بالعقيق، فإن الامام عليه السّلام يتعّجب من يد فيها فصّ عقيق كيف تخلو من الدينار و الدرهم.
و منها: التختم بالفيروزج و الياقوت، فان كلاّ منهما ينفي الفقر.
و منها: الصلاة-و خصوصا صلاة الليل-فإنّها تورث سعة الرزق، و بركة المال، و قضاء الحاجة.
و منها: اتخاذ الخل في البيت، فانّ كلّ بيت فيه خل ما أفتقر، كما عن سيد البشر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و منها: التسمية باسم محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو علّي، أو الحسن، أو الحسين، أو طالب، أو جعفر، أو عبد اللّه، أو فاطمة، فإنّ الفقر لا يدخل بيتا فيه أحد الاسماء المذكورة.
و منها: قول مائة مرة «لا إله إلاّ اللّه الملك الحق المبين» كل يوم، فإنه يعيذ من الفقر، و يونس وحشة القبر، و يستجلب الرزق.
و منها: قول: «لا حول و لا قوة إلاّ باللّه» كل يوم ثلاثين مرّة، فان من قاله يستقبل الغنى، و يستدبر الفقر، و قرع باب الجنّة.
و منها: قراءة آية الكرسي، سيّما في دبر كل صلاه، و حين يرجع إلى بيته، و قراءة «قل هو اللّه أحد» إذا دخل البيت بعد التسليم، و التسليم إذا دخل منزله على أهل البيت فإن كّلا منها يزيل الفقر.
و منها: قول: «لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه، توكلت على الحي الذي لا يموت و الحمد للّه الذي لم يتخّذ صاحبة و لا ولدا، و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له وليّ من الذّل و كبّره تكبيرا» فانه يذهب الفقر و السقم.
و منها: الصلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فانها تجلب الرزق.
و منها: كثرة الاستغفار، فإنها تورث الفرج من كل همّ، و المخرج من كل
ص:586
ضيق، و تجلب الرزق، و تنفي الفقر، و تزيد القوّة.
و منها: قول عشر مرّات في دبر الفجر «سبحان اللّه العظيم و بحمده، استغفر اللّه و اسأله من فضله» .
و منها: البرّ بالوالدين، فانه ينفي الفقر، و يخفّف سكرات الموت.
و منها: التزويج، فإنه يورث الغنى و السعة.
و منها: السواك، فإنه يورث الغنى.
و منها: التمشّط، فإنه يجلب الرزق.
و منها: التدلّك بعد التنوير بالحناء، فإنه ينفي الفقر.
و منها: الدعاء للمسلم بظهر الغيب، فإنه يسوق إلى الداعي الرزق.
و منها: لعق القصعة.
و منها: ذرّ الملح على أوّل لقمة.
و منها: الحج و العمرة.
و منها: غسل الرأس بالخطمي.
و منها: غسله بالسدر.
و منها: القيلولة.
و منها: إكثار الصوم في شعبان.
و منها: الصدق.
و منها: حسن الجوار.
و منها: التخلل، فإن كلاّ منها ينفي الفقر، و يجلب الرزق.
و منها: التمسّح بماء الورد، فانه يدفع البؤس و الفقر.
و منها: لبس خاتم منقوش عليه «ما شاء اللّه لا قوة إلاّ باللّه» فإنه يورث الأمن من الفقر، و كذا قول «ما شاء اللّه لا قوة إلاّ باللّه» .
و منها: شراء الحنطة.
ص:587
و منها: طلب القليل من الرزق.
و منها: الدعاء.
و منها: اتخاذ عصا لوز.
و منها: حسن النيّة.
و منها: لبس الثوب الخلق، فإنّ كّلا منهما يجلب الرزق، و ينفي الفقر.
و منها: زيارة الحسين عليه السّلام، فإنها تزيد في الرزق، و تمدّ في العمر.
و منها: ترك السعي في الحوائج يوم عاشوراء، فانه يقضي حوائج الدنيا و الآخرة.
ثم اعلم انّ لجملة ممّا ذكر من جالبات الرزق فوائد أخر، و لجملة ممّا مرّ من موجبات الفقر مضار اخر، تقّدمت جملة منها في طيّ الفصول، و انّما غرضنا هنا ذكر موجبات الفقر، و مورثات الغنى، فلذا اقتصرنا غالبا على ذكر ذلك.
و ورد عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال: شكوت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دينا كان علّي، فقال: يا علّي! قل: «اللّهم أغنني بحلالك عن حرامك، و بفضلك عمّن سوّاك» فلو كان عليك مثل صبير دينا قضاه اللّه عنك. و صبير جبل باليمن ليس باليمن جبل أعظم منه.
و قال الشيخ البهائي رحمه اللّه في الأربعين: انه كثر عليّ الدين في بعض السنين حتى تجاوز ألفا و خمسمائة مثقال ذهبا، و كان أصحابه متشدّدين علّي في تقاضيه غاية التشددّ حتى شغلني الاهتمام به عن أكثر أشغالي، و لم يكن لي في وفائه حيلة، و لا إلى أدائه وسيلة، فواظبت على هذا الدعاء فكنت اكرّره بعد صلاة الصبح، و ربّما كرّرته بعد صلوات أخر أيضا، فيسّر اللّه قضاءه، و عجّل أداءه في مدّة يسيرة، بأسباب غريبة ما كانت تخطر بالبال، و لا تمّر بالخيال.
و نقل انّ أحمد بن محمد القادسي الضرير دخل بغداد فقيرا في حال سيئة، لا يملك شيئا من الدنيا، فبقي على ذلك مدّة، فضاق ذرعا بما هو فيه،
ص:588
فألهم دعاء، و كان يدعو به، و يواظب عليه، فيسر اللّه له الرزق، و سهلت أسبابه، و صار ذا ثروة و تجمّل، و الدعاء: «اللّهم يا سبب من لا سبب له، و يا سبب كلّ ذي سبب، يا مسبّب الأسباب من غير سبب، صلّ على محمد و آله و أغنني بحلالك عن حرامك، و بفضلك عمّن سواك، ياّ حي يا قيوم» .
و روي انّه جاء رجل إلى عيسى بن مريم على نبينا و آله و عليه الصلاة و السّلام يشكو دينا فقال: قلّ: «اللّهم يا فارج الهمّ، و منفّس الغّم، و مذهب الأحزان، و مجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما، أنت رحمتي و رحمن كل شيء فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك، و تقضي بها عنّي الدين» فلو كان ملء الأرض ذهبا لأدّاه اللّه عزّ و جلّ عنك.
و ينبغي لمن يرجو مخلوقا في الرزق أن يقطع نظره عنه، و يدعو بالدعاء الذي علمّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ابنه الإمام المجتبى عليه السّلام في الرؤيا، فان اللّه سبحانه يرزقه أزيد ممّا كان يأمله، و الدعاء هذا: «اللّهم اقذف في قلبي رجاك، و اقطع رجائي عمّن سواك، حتّى لا أرجو أحدا غيرك، اللّهم ما ضعفت من قوتي و قصر عنه أملي، و لم تنته (1)رغبتي، و لم تبلغه مسألتي، و لم يجر على لساني ممّا أعطيت الأوّلين و الآخرين من اليقين فاخصصني به يا ربّ العالمين.
ص:589
إنه قد ورد في الاخبار كون أشياء موجبة للهّم و الغّم، و أشياء أخر دافعة للهّم و مزيلة له. و ورد كون أشياء مورثة للنسيان، و أشياء مورثة للجنون، و أشياء مطيلة للعمر، و أشياء مورثة لقساوة القلب، و أخر مرققات له، و مزيدات للدمعة.
أعني مورثات الهمّ و الغمّ، الجلوس على عتبة الباب.
و منها: شق الغنم و المرور ممّا بينها.
و منها: لبس السراويل من قيام.
و منها: مسح اليد و الوجه بالذيل. و زاد بعضهم تجفيف الوجه بالكّم.
و منها: قصّ شعر اللحّية بالأسنان.
و منها: المشي على قشر البيض.
و منها: الجلوس على ما يبرى من القلم.
و منها: لبس النعل السوداء.
و منها: قطع الثوب يوم الأحد.
و منها: اللعب بالخصية.
و منها: الاستنجاء باليمين.
و منها: الأكل بالشمال.
و منها: المشي فيما بين القبور.
و منها: الضحك بين المقابر. و زاد بعض المحدثين المرور على قشر الفوم و البصل.
ص:590
و قد اشتهر على الألسن ايراث المشي بين المرأتين و الاجتياز بينهما، و خياطة الثوب على البدن، و التعمم قاعدا، و البول في الماء الراكد، و البول في الحمام، و النوم على الوجه أيضا [توجب]الغم و الهم، و لم أقف له على مستند. نعم قد عرفت إيراثها الفقر.
أعنى الأمور المزيلة للهّم و الغم: المشي.
و منها: الركوب.
و منها: الارتماس في الماء.
و منها: النظر في الخضرة.
و منها: الأكل و الشرب.
و منها: النظر إلى المرأة الحسناء.
و منها: الجماع.
و منها: السواك.
و منها: محادثة الرجال.
و منها: غسل الرأس بالخطمّي.
و منها: غسل الثياب و ننظيفها.
و منها: قول: «لا حول و لا قوة إلا باللّه» . و كذا قول: «لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» و قول: «ربي لا أشرك به شيئا، توكلت على الحي الذّي لا يموت» و نقش «لا إله إلاّ اللّه الملك الحق المبين» على الخاتم.
و منها: أكل العنب سيما الأسود.
و منها: ذكر الموت. قال الصادق عليه السّلام لأبي بصير: أما تحزن؟ أما تهتم؟ أما تألم؟ قلت: بلى و اللّه، قال: فإذا كان ذلك منك فاذكر الموت و وحدتك
ص:591
في قبرك، و سيلان عينيك على خديك، و تقّطع أوصالك، و أكل الدود من لحمك، و بلاك، و انقطاعك عن الدنيا، فإن ذلك يحثك على العمل، و يردعك من كثير من الحرص على الدنيا.
أعني الأشياء المورثة للحفظ و المزيدة له: قراءة القرآن، سيما آية الكرسي.
و منها: الصوم.
و منها: السواك.
و منها: أكل العسل.
و منها: تقليل الغذاء.
و منها: صلاة الليل بالخشوع و الخضوع.
و منها: كثرة الصلوات على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و منها: اكل الكندر مع السكر.
و منها: أكل احدى عشرة زبيبة حمراء كل يوم.
و زاد بعض المحدثين أكل الحلو، و العدس، و اللحم، و الخبز البارد، و دوام الوضوء، و الجلوس مستقبل القبلة، و النظر إلى وجه العلماء، و امتثال أمر الوالدين و إطاعتهما، و الايقاظ في الثلث الأخير من الليل، و الاشتغال فيه بطاعة اللّه سبحانه.
و زاد آخر: قلّة النوم، و قلّة الكلام، و المواقعة بالاعتدال، و استعمال العطريات، و الاستنشاق، و الحمام في كل يوم مرّة، و استصحاب الذهب و الفضة.
و ورد ان من أراد حفظ القرآن و العلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف بزعفران و عسل ماذي [كذا]ثم يغسله بماء مطر-أخذ قبل أن ينزل الى الأرض- ثمّ يشربه على الريق يفعل ذلك ثلاثة أيام يحفظ ما يريد حفظه ان شاء اللّه
ص:592
تعالى، و الدعاء هذا «اللّهم إنّي أسألك فأنت مسؤول لم يسأل مثلك، أسألك بحق محمد نبيك و رسولك، و إبراهيم خليلك و صفيّك، و موسى كليمك و نجيك، و عيسى كلمتك و روحك، و أسألك بمصحف إبراهيم عليه السّلام، و توراة موسى عليه السّلام، و إنجيل عيسى عليه السّلام، و زبور داود عليه السّلام، و قرآن محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أسألك بكل وحي أوحيته، و بكل حرف أنزلته، و بكل قضاء قضيته، و بكل سائل أعطيته، و أسألك باسمك الذي إذا دعا به أنبياؤك و أصفياؤك و أحباؤك استجبت لهم، و أسألك بكل اسم أنزلته في كتابك من كتابتك (1)، و أسألك باسمك الذي أثبت به أرزاق العباد، و أسألك بالاسم الذي استقلّ به عرشك، و أسألك بالاسم الذي وضعته على الأرضين فاستقرت، و أسألك بالاسم الذي دعوت به السموات فاستقلت، و أسالك بالاسم الذي وضعته على الجبال فرست، و أسألك باسمك الواحد الفرد الصمد الوتر العزيز الذي ملأ الأركان كلها، الطهر الطاهر المطهر، يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مهيمن يا قدوس يا حيّ يا قيوم، يا ذا الجلال و الإكرام أن تصلي على محمد و آل محمد و ترزقني حفظ القرآن العزيز و الحكمة برحمتك يا أرحم الرّاحمين» .
أعني مورثات النسيان: أكل التفاح الحامض.
و منها: أكل الكزبرة.
و منها: أكل الجبن.
و منها: أكل شيء على الجنابة.
و منها: أكل سؤر الفأر.
ص:593
و منها: قراءة ألواح القبور.
و منها: المشي بين المرأتين.
و منها: الحجامة في النقرة.
و منها: البول في الماء الراكد.
و منها: البول مستقبل القبلة.
و منها: البول على الرماد.
و منها: العيش في الحرام.
و منها: إلقاء القملة حيّة.
و منها: العبث بالذكر.
و منها: أكل ما لم يذكر اسم اللّه تعالى عليه.
و منها: النظر إلى المصلوب.
و منها: أكل الجلجلان، و هو السمسم.
و زاد بعض المحدثين: كثرة المعاصي، و كثرة الهموم و الأحزان في أمور الدنيا، و كثرة الأشغال و العلايق.
و آخر: النظر إلى الأجنبيّة، و مباشرة النساء المسنّات، و فتح الإزار في الحمّام، و كثرة أكل الحامض، و البول تحت الأشجار ذوات الفاكهة، و الافتراء و البهتان، و التمشّط بمشط الغير، و الأكل من القدر، و إلقاء ماء الفم في المسجد، و مجامعة النساء من القفاء في الفرج، و الأكل من غير التسمية، و ذكر اسم اللّه تعالى، و قراءة القرآن في الحمام، و ذكر اسم اللّه تعالى على الجنابة، و الأكل في السوق، و النوم على المقابر، و كثره النوم في الليل، و كثرة شرب الماء.
و ورد ان رجلا شكا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يلقى من الوسوسه في صلاته حتى لا يعقل عدد ما صلّى، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إذا دخلت في صلاتك فاطعن في فخذك اليسرى باصبعك اليمنى
ص:594
المسبحة ثم قل: «بسم اللّه و باللّه توكلت على اللّه أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم» فإنّك تنحره، و تزجره، و تطرده عنك.
و شكا إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آخر من وسوسة الصدر، و الدين، و العيال، و الحاجة، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له: كرر هذه الكلمات: «توكلت على الحي الذي لا يموت، و الحمد للّه الذي لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذّل و كبره تكبيرا» فلم يلبث الرجل أن عاد إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: يا رسول اللّه (ص) ! أذهب اللّه عنّي وسوسه صدري و قضى عنّي ديني، و وسّع رزقي.
و عنهم عليهم السّلام: انّه اذا اردت ان تحدث عنّا بحديث فأنساك الشيطان فضع يدك على جبهتك، و قلّ «صلّى اللّه على محمد و آله اللّهم إنّي اسألك يا مذكر الخير و الامر به ذكرني ما أنسانيه الشيطان» . فإنك تذكره إن شاء اللّه تعالى.
و قد مرّ علاج آخر للوسواس في القسم الأول من المقام العاشر من الفصل العاشر، فلاحظ.
أعني ما يورث الجنون أو يخاف منه الجنون: فأمور تقدّمت متفرقة في طيّ الفصول.
و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال: ثلاث يخاف منها الجنون التّغوط بين القبور، و المشي في خف واحد، و الرجل ينام وحده.
ص:595
و هو ما يزيد العمر:
فمنها: الصدقة.
و منها: كثرة الدعاء.
و منها: إطاعة أمر الوالدين.
و منها: صلة الرحم.
و منها: صلاة الليل.
و منها: الاستغفار قبل الصبح.
و منها: الحضور و التوجه بالصلاة.
و منها: الصلاة جماعة.
و منها: كثرة تلاوة القرآن مع التوجه إلى معانيه.
و منها: ذكر اللّه سبحانه.
و منها: الصلوات على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و منها: زيارة سيد الشهداء صلوات اللّه عليه.
. . إلى غير ذلك ممّا تقدم متفرقا في طيّ الفصول.
أعني ما يورث قساوة القلب:
فمنها: ارتكاب المحرّمات.
و منها: ترك ذكر اللّه سبحانه.
و منها: كثرة الأكل و الشرب.
و منها: أكل لقمة الشبهة.
ص:596
و منها: كثرة أكل اللحم و الإفراط فيه.
و منها: تأخير الصلوات عن أوقاتها.
و منها: الأكل و الشرب بالشمال.
و منها: سرعة الأكل.
و منها: الالتفات بالوجه أو البصر في الصلاة.
و منها: كثرة الكلام الغير النافع.
و منها: كثره النوم.
و منها: النوم على الطعام.
و منها: كثرة الضحك.
و منها: كثرة همّ القوت.
و منها: الهمّ بالدنيا.
و منها: طول الأمل.
و منها: كثرة المال.
و منها: مجالسة الأنذال.
و منها: الحديث مع النساء.
و منها: مجالسة الأغنياء.
و منها: الأخذ برأي النساء.
و منها: مجالسة الضال و الجائر في الحكم و السلطان.
و منها: خفق النعال.
و منها: إتيان باب السلطان.
و منها: طلب الصيد.
و منها: ترك مجالسة العلماء العاملين.
و منها: طرح التراب على ذي الرحم بعد وضعه في القبر.
ص:597
و منها: السكوت من غير فكرة.
أعني مرققات القلب-:
فمنها: ذكر الموت.
و منها: مجالسة العلماء العاملين.
و منها: الصوم.
و منها: كثرة الاستغفار بالأسحار.
و منها: ملاطفة اليتيم و مسح رأسه.
و منها: حفر قبر و الاضطجاع فيه حيّا.
ص:598
في بيان انه قد تقدّمت حقوق الوالدين و الولد في الفصل الأول، و حقوق المؤمن على أخيه، و حقوق خصوص العالم في المقام الأول من الفصل العاشر، و قد تضّمنت جملة من الحقوق رواية ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي عن سيد الساجدين عليه السّلام قال:
حقّ اللّه الأكبر عليك: أن تعبده و لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا و الآخرة.
و حقّ نفسك عليك: أن تستعملها بطاعة اللّه عزّ و جل.
و حق اللسّان: إكرامه عن الخنا و تعويده الخير، و ترك الفضول التي لا فائدة لها، و البرّ بالناس، و حسن القول فيهم.
و حقّ السمع: تنزيهه عن سماع الغيبة، و سماع ما لا يحلّ لك سماعه.
و حقّ البصر: أن تغضّه عمّا لا يحلّ لك و تعتبر بالنظر به.
و حقّ يديك: أن لا تبسطهما إلى ما لا يحلّ لك.
و حقّ رجليك: أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، فبهما تقف على الصراط، فانظر أن لا تزّل بك فتردّى في النار.
و حقّ بطنك: ان لا تجعله وعاء للحرام، و لا تزيد على الشبع.
و حقّ فرجك: عليك أن تحصنه من الزنا، و تحفظه من أن ينظّر إليه.
و حقّ الصلاة: أن تعلم انها وفادة إلى اللّه عزّ و جلّ، و أنت فيها قائم بين يدي اللّه، فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون و الوقار،
ص:599
و تقبل عليها بقلبك، و تقيمها بحدودها و حقوقها.
و حقّ الحجّ: أن تعلم أنّه وفادة إلى ربّك، و فرار إليه من ذنوبك، و فيه قبول توبتك، و قضاء الفرض الذي أوجب اللّه عليك.
و حقّ الصوم: أن تعلم أنه حجاب ضربه اللّه عزّ و جلّ على لسانك و سمعك و بصرك و بطنك و فرجك، يسترك به عن النار، فان تركت الصوم خرقت ستر اللّه.
و حقّ الصدقة: أن تعلم أنها ذخرك عند ربك، و وديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها، و كنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية، و تعلم أنها تدفع عنك البلايا و الأسقام في الدنيا، و تدفع عنك النار في الآخرة.
و حقّ الهدي: ان تريد به اللّه عزّ و جلّ، و لا تريد خلقه، و لا تريد به إلاّ التعرّض لرحمته و نجاة روحك يوم تلقاه.
و حقّ السلطان: أن تعلم إنك جعلت له فتنة، و أنه مبتلى فيك بما جعل اللّه له عليك من السلطان، و أن عليك أن لا تتعرّض لسخطه فتلقي بيدك إلى التهلكة، و تكون شريكا فيما يأتي إليك من سوء.
و حقّ سائسك بالعلم: التعظيم له، و التوقير لمجلسه، و حسن الاستماع إليه، و الإقبال عليه، و أن لا ترفع إليه صوتك، و لا تجيب احدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب، و لا تحدّث في مجلسه أحدا، و لا تغتاب عنده أحدا، و أن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، و أن تستر عيوبه، و تظهر مناقبه، و لا تجالس له عدّوا، و لا تعادي له ولّيا، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة اللّه بأنك قصدته و تعلّمت علمه للّه جلّ اسمه لا للناس.
و أما حقّ سائسك بالملك: فأن تطيعه و لا تعصيه إلاّ فيما يسخط اللّه عزّ و جل، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
و أمّا حق رعيّتك بالسلطان: فان تعلم أنهم صاروا رعيّتك لضعفهم و قوتك فيجب أن تعدل فيهم، و تكون كالوالد الرحيم، و تغفر لهم جهلهم، و لا تعاجلهم
ص:600
بالعقوبة، و تشكر اللّه عز و جل على ما آتاك من القوة عليهم.
و أمّا حقّ رعيتك بالعلم: فأن تعلم أن اللّه عزّ و جل إنّما جعلك لهم قيّما عليهم فيما اتاك من العلم، و فتح لك من خزائنه خزانة الحكمة، فإن أحسنت في تعليم الناس، و لم تخرق بهم، و لم تضجر عليهم زاد اللّه من فضلك، و إن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقّا على اللّه عزّ و جلّ أن يسلبك العلم و بهاءه، و يسقط من القلوب محلك.
و امّا حق الزوجة: فان تعلم أن اللّه عز و جل جعلها لك سكنا و أنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من اللّه عزّ و جل عليك فتكرمها و ترفق بها، و إن كان حقك عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك، و تطعمها و تكسوها، و إذا جهلت عفوت عنها.
و امّا حقّ مملوكك: فان تعلم انه خلق ربك، و ابن أبيك و أمّك، و لحمك و دمك، لم تملكه لأنك صنعته دون اللّه، و لا خلقت شيئا من جوارحه، و لا أخرجت له رزقا، و لكن اللّه عزّ و جل كفاك ذلك، ثم سخّره لك و ائتمنك عليه، و استودعك إيّاه ليحفظ لك ما يأتيه من خير إليه، فأحسن إليه كما أحسن اللّه إليك، و إن كرهته استبدلت به، و لم تعذّب خلق اللّه عزّ و جلّ و لا قوة إلاّ باللّه.
و أمّا حق أمّك: فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، و أعطتك [خ. ل: أطعمتك]من ثمرة قلبها ما لا يعطي [خ. ل: يطعم]أحدا أحدا، و وقتك بجميع جوارحها و لم تبال أن تجوع و تطعمك، و تعطش و تسقيك، و تعرى و تكسيك، و تضحى و تظلّك، و تهجر النوم لأجلك، و وقتك الحرّ و البرد لتكون لها، و انّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون اللّه و توفيقه.
و أما حق أبيك: فأن تعلم أنه أصلك، فإنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك اصل النعمة عليك فيه، فاحمد اللّه و اشكره على قدر ذلك، و لا قوة إلاّ باللّه.
ص:601
و أما حقّ ولدك: فأن تعلم أنّه منك و هو مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره و شرّه، و أنّك مسؤول عمّا وليّته من حسن الأدب و الدلالة على ربّه عزّ و جلّ، و المعونة على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه.
و أما حق أخيك: فأن تعلم أنه يدك و عزّك و قوّتك فلا تتخذه سلاحا على معصية اللّه، و لا عدّة للظلم لخلق اللّه، و لا تدع نصرته على عدوّه، و النصيحة له، فإن أطاع اللّه و إلاّ فليكن اللّه أكرم عليك منه، و لا قوّة إلاّ باللّه.
و أمّا حق مولاك المنعم عليك: فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله و أخرجك من ذلّ الرقّ و وحشته إلى عزّ الحرّية و أنسها، فأطلقك من أسر الملكيّة، و فكّ عنك قيد العبوديّة، و أخرجك من السجن، و ملّكك نفسك، و فرّغك لعبادة ربّك، و تعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك و موتك، و أن نصرته عليك واجبة بنفسك و ما احتاج إليه منك، و لا قوّة إلاّ باللّه.
و امّا حق مولاك الذي أنعمت عليه: فأن تعلم أن اللّه عزّ و جلّ جعل عتقك له وسيلة إليه، و حجابا لك من النار، و أن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم مكافأة لما انفقت من مالك، و في الآجل الجنّة.
و اما حقّ ذي المعروف عليك: فأن تشكره و تذكر معروفه، و تكسبه المقالة الحسنة، و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين اللّه عزّ و جلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّا و علانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافيته.
و أما حقّ المؤذّن: أن تعلم أنه مذكّر لك ربّك عزّ و جلّ، وداع لك إلى حظّك، و عونك على قضاء فرض اللّه عزّ و جلّ عليك، فاشكره على ذلك شكر المحسن إليك.
و امّا حقّ إمامك في صلاتك: أن تعلم أنه تقلّد السفارة فيما بينك و بين ربك عزّ و جلّ، و تكلّم عنك، و لم تتكلم عنه، و دعا لك و لم تدع له، و كفاك هول المقام
ص:602
بين يدي اللّه عزّ و جلّ، فإن كان نقص كان به دونك، و إن كان تماما كنت شريكه، و لم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه، و صلاتك بصلاته، فتشكر له على قدر ذلك.
و أمّا حق جليسك: فأن تلين له جانبك، و تنصفه في مجاراة اللفظ، و لا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه، و من يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك و تنسى زلاّته، و تحفظ خيراته، و لا تسمعه إلاّ خيرا.
و أما حق جارك: فحفظه غائبا، و إكرامه شاهدا، و نصرته إذا كان مظلوما، و لا تتّبع له عورة، فإن علمت عليه سوء سترته عليه، و إن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك و بينه، و لا تسلمه عند شديدة، و تقيل عثرته، و تغفر ذنبه، و تعاشره معاشرة كريمة، و لا قوة إلاّ باللّه.
و اما حق الصاحب: فأن تصحبه بالتفضّل و الإنصاف، و تكرمه كما يكرمك، و لا تدعه يسبق إلى مكرمة، فإن سبق كافيته، و تودّه كما يودّك، و تزجره عمّا يهّم به من معصية اللّه، و كن عليه رحمة، و لا تكن عليه عذابا، و لا قوة إلاّ باللّه.
و أما حقّ الشريك: فإن غاب كافيته، و ان حضر رعيته، و لا تحكم دون حكمه، و لا تعمل برأيك دون مناظرته، و تحفظ عليه ما له، و لا تخنه فيما عزّ أو هان عن أمره، فإن يد اللّه تبارك و تعالى على الشريكين ما لم يتخاونا، و لا قوه إلاّ باللّه.
و أمّا حقّ مالك: فأن لا تأخذه إلاّ من حلّه، و لا تنفقه إلاّ في وجهه، و لا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فأعمل به بطاعة ربك، و لا تبخل به فتبوء بالحسرة و الندامة مع التبعة، و لا قوة إلاّ باللّه.
و أما حق غريمك الذي يطالبك: فإن كنت موسرا أعطيته، و إن كنت معسرا أرضيته بحسن القول، و رددته عن نفسك ردّا لطيفا.
و حقّ الخليط: أن لا تغّره، و لا تغّشه، و لا تخدعه، و تتقّي اللّه في أمره.
و أما حق الخصم المدعي عليك: فإن كان ما يدعيه عليك حقا كنت
ص:603
شاهده على نفسك، و لم تظلمه، و أوفيته حقا، و إن كان ما يدّعي باطلا رفقت به، و لم تأت في أمره غير الرفق، و لم تسخط ربك في أمره، و لا قوّة إلاّ باللّه.
و حق خصمك الذي تدعّي عليه: إن كنت محقّا في دعواك أجملت في مقاولته و لم تجحد حقّه، و إن كنت مبطلا في دعواك اتقيّت اللّه عزّ و جلّ و تبت إليه، و تركت الدعوى.
و حق المستشير: إن علمت له رأيا حسنا أشرت عليه، و إن لم تعلم له أرشدته إلى من يعلم.
و حقّ المشير عليك: أن لا تتهّمه فيما لا يوافقك من رأيه، و إن وافقك حمدت اللّه عزّ و جلّ.
و حق المستنصح: أن تؤدي إليه النصيحة، و ليكن مذهبك الرحمة له و الرفق.
و حق الناصح: أن تلين له جناحك، و تصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت اللّه عزّ و جلّ، و إن لم يوافق رحمته و لم تتهمه و علمت أنه أخطأ، و لم تؤاخذه بذلك إلاّ أن يكون مستحقا للتهمة فلا تعبأ بشيء من أمره على حال، و لا قوّة إلاّ باللّه.
و حق الكبير: توقيره لسّنه، و إجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك، و ترك مقابلته عند الخصام، و لا تسبقه إلى طريق، و لا تتقدّمه، و لا تستجهله، و إن جهل عليك احتملته و أكرمته، لحق الإسلام و حرمته.
و حقّ الصغير: رحمته من نوى تعليمه، و العفو عنه، و الستر عليه، و الرفق به، و المعونة له.
و حقّ السائل: إعطاؤه على قدر حاجته.
و حق المسؤول: إن أعطى فاقبل منه بالشكر و المعرفة بفضله، و إن منع فاقبل عذره.
ص:604
و حق من سرّك للّه: أن تحمد اللّه عزّ و جلّ اوّلا ثم تشكره.
و حق من أساءك: أن تعفو عنه، و إن علمت أنّ العفو يضّر انتصرت، قال اللّه تعالى: وَ لَمَنِ اِنْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (1).
و حق أهل ملّتك: إضمار السلامة و الرحمة لهم، و الرفق بمسيئهم، و تألفّهم، و استصلاحهم، و شكر محسنهم، و كفّ الأذى عن مسيئهم، و تحبّ لهم ما تحبّ لنفسك، و تكره لهم ما تكره لنفسك، و أن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، و شبابهم بمنزلة إخوتك، و عجائزهم بمنزلة أمّك، و الصغار منهم بمنزلة أولادك.
و حق الذمة: ان تقبل منهم ما قبل اللّه عزّ و جلّ منهم، و لا تظلمهم ما وفوا للّه عزّ و جلّ بعهده (2).
أقول: لم يذكر عليه السّلام في هذا الخبر حق القلب، و الوجه، و ما فرضه اللّه تعالى عليهما، و اختصر حقوق الجوارح. و قد بسط مولانا الصادق عليه السّلام الكلام فيها في الخبر الطويل لأبي عمرو الزبيري المروي في الكافي المتضّمن لبيان حقوق الجوارح، قال عليه السّلام: ان اللّه فرض على جوارح ابن آدم، و قسمه عليها، و فرقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلاّ و قد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها. . إلى أن قال: فأما ما فرض على القلب من الإيمان، فالإقرار و المعرفة و العقد و الرضا و التسليم بأن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا، و أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله، و الإقرار بما جاء من عند اللّه من نبّي أو كتاب، فذلك ما فرض اللّه على القلب من الإقرار و المعرفة، و هو عمله، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: إِلاّ مَنْ
ص:605
أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ (1)و قال أَلا بِذِكْرِ اَللّهِ تَطْمَئِنُّ اَلْقُلُوبُ (2)و قال اَلَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ (3)و قال: إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اَللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (4)فذلك ما فرض اللّه على القلب من الإقرار و المعرفة، و هو عمله، و هو رأس الإيمان.
ثم أخذ عليه السّلام في بيان ما فرضه اللّه تعالى على ساير الجوارح مشروحا إلى أن قال: و فرض على الوجه السجود له بالليل و النهار في مواقيت الصلاة فقال: يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِرْكَعُوا وَ اُسْجُدُوا وَ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ اِفْعَلُوا اَلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (5)فهذه فريضة جامعة على الوجه و اليدين و الرجلين، و قال في موضع آخر أَنَّ اَلْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اَللّهِ أَحَداً. . . (6)إلى أن قال: فمن لقي اللّه حافظا لجوارحه، موفيا كل جارحة من جوارحه ما فرض اللّه عليها لقي اللّه عزّ و جلّ مستكملا لإيمانه و هو من أهل الجنة، و من خان في شيء منها أو تعدى ممّا أمر اللّه عزّ و جلّ فيها لقي اللّه ناقص الإيمان. . إلى أن قال: و بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة، و بالنقصان دخل المفرطون النار (7).
و عليك بمراجعة تمام الخبر فإنه خبر شريف.
ص:606
في بيان شطر ممّا ورد في الإسلام و الإيمان و الدين و التشيّع و الخيرورة و العقل الالهي.(1)
قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الاسلام عريان، فلباسه الحياء، و زينته الوفاء، و مروّته العمل الصالح، و عماده الورع، و لكّل شيء أساس، و أساس الإسلام حّبنا أهل البيت عليهم السّلام.
و قوله صلوات اللّه عليه و آله-أيضا-: إن اللّه خلق الإسلام فجعل له عرصة، و جعل له نورا، و جعل له حصنا، و جعل له ناصرا، فأما عرصته: فالقرآن، و أمّا نوره: فالحكمة، و أمّا حصنه: فالمعروف. و أمّا أنصاره: فأنا و أهل بيتي و شيعتنا (2).
و قول أمير المؤمنين عليه السّلام: الإسلام له أركان أربعة: التوكّل على اللّه، و التفويض لأمر اللّه، و الرّضا بقضاء اللّه، و التسليم لأمر اللّه (3).
و قوله عليه السّلام-أيضا-: لأنسبّن الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي و لا ينسبه أحد بعدي إلاّ بمثل ذلك، إن الإسلام هو التسليم، و التسليم هو اليقين، و اليقين هو التصديق، و التصديق هو الاقرار، و الاقرار هو العمل، و العمل هو
ص:607
الأداء، إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه، و لكن أتاه من ربّه فأخذ به (1).
[و ذلك]حين سأل أمير المؤمنين عليه السّلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن صفة المؤمن، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عشرون خصلة في المؤمن فإن لم تكن فيه لم يكمل إيمانه: إن من أخلاق المؤمنين-يا عليّ-الحاضرون الصلاة، المسارعون إلى الزكاة، و الحاجّون إلى بيت اللّه الحرام، و الصائمون في شهر رمضان، و المطعمون المسكين، الماسحون لرأس اليتيم، المطهّرون أطمارهم، المتزرون على أوساطهم، الذين إن حدّثوا لم يكذبوا، و إن وعدوا لم يخلفوا، و إن ائتمنوا لم يخونوا، و ان تكلّموا صدقوا، رهبان الليل، أسد بالنهار، صائمون النهار، قائمون الليل، لا يؤذون جارا، و لا ياتأذّى بهم جار، الذين مشيهم على الأرض هونا، و خطاهم على (2)بيوت الأرامل و على أثر الجنايز، جعلنا اللّه و إيّاكم من المتقين (3).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ثلاث من كنّ فيه استكمل خصال الإيمان: إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، و إذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق، و إذا قدر لم يتعاط ما ليس له (4).
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إن اللّه جعل الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، و اليقين، و العدل، و الجهاد.
فالصبر من ذلك على أربع شعب، على الشوق، و الإشفاق، و الزهد،
ص:608
و الترقب. . إلى أن قال:
و اليقين على أربع شعب: تبصرة للفتنة، و تأويل الحكمة، و معرفة العبرة، و سنّة الأولين.
و العدل على أربع شعب: على غامض الفهم، و غمر العلم، و زهرة الحكم، و روضة الحلم. . إلى أن قال:
و الجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و الصدق في المواطن، و شنآن الفاسقين. . الحديث (1).
و قال زين العابدين عليه السّلام: المؤمن يصمت ليسلم، و ينطق ليغنم، لا يحدث أمانته الاصدقاء، و لا يكتم شهادته من البعداء، و لا يعمل من الخير رياء، و لا يتركه حياء، إن زكّي خاف ما يقولون، و يستغفر اللّه لما لا يعلمون، لا يغره قول من جهله، و يخاف إحصاء ما عمله (2).
و قال عليه السّلام-أيضا-: من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار، و التوّسع على قدر التوسّع، و إنصاف الناس، و ابتداؤه اياهم بالسلام عليهم (3).
و قال الصادق عليه السّلام: المؤمن حسن المعونة، خفيف المؤونة، جيد التدبير لمعيشته، و لا يلسع من جحر مرتين (4).
و قال عليه السّلام-أيضا-: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه اللّه، لا يظلم الأعداء، و لا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في تعب، و الناس منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن، و الحلم وزيره، و العقل أمير جنوده، و الرفق أخوه، و اللّين
ص:609
[و البرّ]والده (1).
و قال عليه السّلام-أيضا-: المؤمن له قوّة في دين، و حزم في لين، و إيمان في يقين، و حرص في فقه، و نشاط في هدى، و برّ في استقامة، و علم في حلم، و كيس في رفق، و سخاء في حق، و قصد في غنى، و تجمل في فاقة، و عفو في قدرة، و طاعة للّه في نصيحة، و انتهاء في شهوة، و ورع في رغبة، و حرص في جهاد، و صلاه في شغل، و صبر في شدة، و في الهزاهز وقور، و في المكاره صبور، و في الرخاء شكور، و لا يغتاب، و لا يتكبّر، و لا يقطع الرحم، و ليس بواهن، و لا فظّ، و لا غليظ، و لا يسبقه بصره، و لا يفضحه بطنه، و لا يغلبه فرجه، و لا يحسد الناس، يعيّر و لا يعيّر، و لا يسرف، ينصر المظلوم، و يرحم المسكين، نفسه منه في عناء، و الناس منه في راحة، لا يرغب في عز الدنيا، و لا يجزع من ذلها، للناس همّ قد أقبلوا عليه، و له همّ قد شغله، لا يرى في حكمه نقص، و لا في رأيه و هن، و لا في دينه ضياع، يرشد من استشاره، و يساعد من ساعده، و يكيع عن الخنا و الجهل (2).
و قال عليه السّلام: المؤمن حليم لا يجهل، و إن جهل عليه يحلم. و لا يظلم، و إن ظلم غفر، و لا يبخل و إن بخل عليه صبر (3).
و قال أيضا: المؤمّن من طاب مكسبه، و حسنت خليقته، و صحّت سريرته، و أنفق الفضل من ماله، و أمسك الفضل من كلامه، و كفى الناس شره، و أنصف الناس من نفسه (4).
و قال الرضا عليه السّلام: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث
ص:610
خصال: كتمان سرّه، و مداراة الناس، و الصبر في البأساء و الضراء (1).
قول علي بن الحسين عليهما السّلام: ان المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، و قلّة مرائه، و حلمه، و صبره، و حسن خلقه (2).
و قول أمير المؤمنين عليه السّلام: إن لأهل الدين علامات يعرفون بها، صدق الحديث، و أداء الأمانة، و وفاء العهد، و صلة الرحم، و رحمة الضعفاء، و قلّة المراقبة للنساء-أو قال: قلّة المؤاتاة للنساء-و بذل المعروف، و حسن الجوار، وسعة الخلق، و اتباع العلم، و ما يقرّب إلى اللّه. . إلى أن قال: إن المؤمن نفسه منه في شغل، و الناس منه في راحة، إذا جنّ عليه الليل افترش وجهه، و سجد للّه بمكارم بدنه، يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته، ألا فهكذا كونوا (3).
قول الصادق عليه السّلام: ان شيعة عليّ كانوا خمص البطون، ذبل الشفاه، أهل رأفة و علم و حلم، يعرفون بالرهبانية، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع و الاجتهاد (4).
و قول أمير المؤمنين عليه السّلام: شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الذين إذا غضبوا لم يظلموا، و إن رضوا لم
ص:611
يسرفوا، بركة على من جادوا، و سلم لمن خالطوا (1).
و قوله عليه السّلام: شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، و لا شحناؤه بدنه، و لا يمتدح بنا معلنا، و لا يجالس لنا عائبا، و لا يخاصم لنا قاليا، و إن لقي مؤمنا أكرمه، و إن لقي جاهلا هجره. . إلى أن قال: شيعتنا من لا يهّر هرير الكلب و لا يطمع طمع الغراب، و لا يسأل عدوّنا و إن مات جوعا. الحديث (2).
و قال الصادق عليه السّلام: ليس من شيعتنا من قال بلسانه و خالفنا في أعمالنا و آثارنا، و لكن شيعتنا من وافقنا بلسانه و قلبه، و اتبّع آثارنا، و عمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا.
و قال الباقر عليه السّلام: يا جابر! أ يكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ ! فو اللّه ما شيعتنا إلاّ من إتقى اللّه و أطاعه، و ما كانوا يعرفون -يا جابر-إلاّ بالتواضع، و التخشّع، و الأمانة، و كثرة ذكر اللّه، و الصوم، و الصلاة، و البرّ بالوالدين، و التعاهد للجيران من الفقراء و أهل المسكنة، و الغارمين، و الأيتام، و صدق الحديث، و تلاوة القرآن، و كفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير، و كانوا أمناء عشايرهم في الأشياء. . إلى أن قال: أحب العباد إلى اللّه عزّ و جلّ أتقاهم، و أعملهم بطاعته. يا جابر! و اللّه ما يتقرّب إلى اللّه تعالى إلاّ بالطاعة، و ما معنا براءة من النّار، و لا على اللّه لأحد من حجّة، من كان للّه مطيعا فهو لنا وليّ، و من كان للّه عاصيا فهو لنا عدوّ، و ما تنال ولايتنا إلاّ بالعمل و الورع (3).
قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وصف خيار العباد: الذين إذا
ص:612
أحسنوا استبشروا، و إذا ساؤا استغفروا، و إذا أعطوا شكروا، و إذا ابتلوا صبروا، و إذا غضبوا غفروا (1).
و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خياركم أولو النهى، و أولو النهى هم أولوا الأخلاق الحسنة، و الأحلام الوزينة، و صلة الأرحام، و البرّ بالأمهات و الآباء، المتعاهدون للجيران و اليتامى، و يطعمون الطعام، و يفشون السّلام في العالم، و يصلّون و الناس نيام غافلون (2).
قول أمير المؤمنين عليه السّلام لهشام: ما عبد اللّه بشي أفضل من العقل، و ما تم عقل امرئ حتى تكون فيه خصال شتّى: الكفر و الشر منه مأمونان، و الرشد و الخير منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، نصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذّل أحب إليه مع اللّه من العز مع غيره، و التواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يرى الناس كلهم خيرا منه و انه شرّهم في نفسه، و هو تمام الأمر. . (3).
. . إلى غير ذلك من الأخبار التي من أراد العثور على القدر المعّتد به منها راجع أصول الكافي كتاب العقل و الجهل، و كتاب الإيمان و الكفر. . و غيرهما منه، و من غيره.
ص:613
فمنها: استحباب السجود عند الريح العاصف، و الدعاء بسكونها، و التكبير، فقد ورد ان ذلك يسكن الريح و يردّها.
و قال عليه السّلام: ما بعث اللّه ريحا إلاّ رحمة أو عذابا، فإذا رايتموها فقولوا: «اللّهم إنّا نسألك خيرها و خير ما أرسلت له، و نعوذ بك من شرها و شر ما أرسلت له» . و كبّروا و ارفعوا أصواتكم بالتكبير فإنه يكسرها.
و منها: عدم جواز سبّ الرياح، و الجبال، و الساعات، و الأيام، و الليالي، و الدنيا، لما ورد من نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن سب الرياح لأنّها مأمورة، و أنها من نفس الرحمن، و أنها بشير، و أنها نذير، و أنها لواقح، و أنّ من لعن شيئا ليس له بأهل ترجع اللعنّة عليه. و أمر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسؤال اللّه من خيرها، و التعوّذ به من شرّها.
و قال صلوات اللّه عليه و آله: لا تسبّوا الجبال، و لا الساعات، و لا الأيام، و لا الليالي، فتأثموا و يرجع إليكم.
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا تسّبوا الدنيا فنعم المطية الدنيا للمؤمن، عليها يبلغ الخير، و بها ينجو من الشر، انه إذا قال العبد: لعن اللّه الدنيا، قالت الدنيا: لعن اللّه أعصانا لرّبه.
و منها: استحباب توّقي البرد في أوّله دون آخره، لقول أمير المؤمنين عليه السّلام: توّقوا البرد في أوّله، و تلقّوه في آخره، فإنه يفعل بالأبدان كما يفعل بالأشجار، أوّله يحرق و اخره يورق.
ص:614
و منها: استحباب ذكر اللّه سبحانه عند الصاعقة، لما عن الصادق عليه السّلام من: أن الصاعقة تصيب المؤمن و الكافر، و لا تصيب ذاكرا.
و منها: استحباب التسبيح عند سماع صوت الرعد بقول: «سبحان من يسبح الرعد بحمده، و الملائكة من خيفته» .
و يستحب عند سماع صوت الرعد و رؤية الصاعقة قول: «اللّهم لا تقتلنا بغضبك، و لا تهلكنا بعذابك، و عافنا قبل ذلك» .
و كذا يستحب قراءة الدعاء السادس و الثلاثين من أدعية الصحيفة السجّادية الذي كان يقرأه عليه السّلام عند النظر إلى السماء، و البرق، و سماع صوت الرعد.
و منها: استحباب قول: «صبّا هنيئا» عند نزول المطر.
و منها: كراهة الإشارة إلى الهلال، و كذا إلى المطر بالأصابع للنهي عن ذلك.
و منها: استحباب القيام في المطر أوّل ما يمطر حتى يبّل رأسه و لحيته و ثيابه، تأسيّا بأمير المؤمنين عليه السّلام، فإنه كان يفعل ذلك و يقول: إن هذا ماء قريب العهد بالعرش.
و منها: كراهة أن يقال للمسلم: رجيل، و للمصحف: مصيحف، و للمسجد: مسيجد للنهي عن ذلك.
و منها: كراهة إحراق شيء من الحيوان بالنار، لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنه (1).
و منها: كراهة تسمية الطريق: سكة، للنهي عنه، معلّلا بأنه لا سكة إلاّ سكك الجنة.
و منها: استحباب التعوذ باللّه من الشيطان الرجيم عند سماع هرير
ص:615
الكلب، و نهيق الحمار، للأمر بذلك معلّلا بأنهم يرون ما لا ترون.
و منها: كراهة أن يرتدف ثلاثة على دابة، للنهي عن ذلك، معللا بأن أحدهم ملعون و هو المقدّم (1).
و منها: كراهة العبث باللحية و اليد و الثياب، لأنه ممّا كرّهه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للشيعة.
و منها: انه روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: أربع من كنّ فيه كان في نور اللّه الأعظم: من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و انّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و من إذا أصابته مصيبة قال: «إنّا للّه و إنّا إليه راجعون» ، و من إذا أصاب خيرا قال: «الحمد للّه رب العالمين» ، و من إذا أصاب خطيئة قال: «أستغفر اللّه و أتوب إليه» (2).
و منها: كراهة القنازع، و القصة، و الجمة، و نقش الخضاب على الراحة للنساء بعد البلوغ، للنهي عن ذلك، لأن نساء بني إسرائيل هلكت من قبل القصص و نقش الخضاب، و لا يحلّ لامرأة حاضت أن تتخذ قصة و لا جمة.
و القنازع-جمع القنزعة-: و هي الخصلة من الشعر تترك على رأس الصبي. و القصة-بضم القاف و فتح الصاد المهملة-شعر الناصية، و الخصلة المجتمعة من الشعر.
و الجمة-بضم الجيم و فتح الميم-ما سقط على المنكبين من شعر الرأس.
قال في الوافي: كأنّ المراد باتخاذ القنزعة و القصّة و الجمة إبداؤها للرجال، و لعلّهن كن يبدين.
قلت: لا يخفى عليك ما في هذا التفسير من النظر، فإنّ الابداء للأجانب غير الاتخاذ المنهي عنه، و الذي أفهمه أن المراد باتخاذها هو حلق الرأس و إبقاء
ص:616
القنزعة أو القصة أو الجمة، لأنه الذي يصدق معه اتخاذ ما ذكر، إذ لو لا حلق بعض الرأس لكان اتخاذ الشعر جميع الرأس لا لخصوص القنزعة و القصة و الجمة، فيكون المنهي عنه للمرأة حلق بعض الرأس و إبقاء بعض، و لا مانع من القول بكراهته، بل قد مرّ في المقام الأول من الفصل السابع بيان كراهة ذلك حتى في الرجال و الصبيان.
و منها: انه روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: من رفع قرطاسا من الأرض مكتوبا عليه «بسم اللّه الرحمن الرحيم» إجلالا له و لا سمه عن أن يداس كان عند اللّه من الصدّيقين، و خفّف عن والديه و إن كانا مشركين.
و منها: كراهة التفل [رمي البصاق]إلى جهة القبلة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يتفل المؤمن في القبلة، فإن فعل ذلك ناسيا فليستغفر اللّه.
و منها: كراهة طلب الحوائج من مستحدث النعمة، لما ورد من أن إدخال اليد في فم الأفعى إلى المرفق لإخراج الدرهم خير من طلب الحوائج إلى من لم يكن فكان.
و منها: استحباب إخفاء النخامة و البصاق عن الناظر، و دفنهما، لما عن مولانا الصادق عليه السّلام من: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا أراد أن يتنخع و بين يديه الناس غطى رأسه ثم دفنه، و إذا أراد أن يبزق فعل مثل ذلك.
ص:617
فمنها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تبع حكيم حكيما سبع مائة فرسخ في سبع كلمات فلمّا لحق به قال: يا هذا! ما أرفع من السماء؟ و أوسع من الأرض؟ و أغنى من البحر؟ و أقسى من الحجر؟ و أشدّ حرارة من النار؟ و أشد بردا من الزمهرير؟ و أثقل من الجبال الراسيات؟ . فقال: يا هذا! الحق أرفع من السماء، و العدل أوسع من الأرض، و غنى النفس أغنى من البحر، و قلب الكافر أقسى من الحجر، و الحريص الجشع أشدّ حرارة من النار، و اليأس من روح اللّه أشد بردا من الزمهرير، و البهتان على البرئ أثقل من الجبال الراسيات (1).
و منها: ما عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: حسبك من كمال المرء تركه ما لا يجمل به، و من حيائه أن لا يلقى أحدا بما يكره، و من عقله حسن رفقه، و من أدبه علمه بما لا بد منه، و من ورعه عفّة بصره و عفّة بطنه، و من حسن خلقه كفه أذاه، و من سخائه برّه لمن يحّب خلقه، و من كرمه إيثاره على نفسه، و من صبره قلّة شكواه، و من عدله إنصافه من نفسه، و تركه الغضبه عند مخالفته، و قبوله الحق إذا بان له، و من نصحه نهيه لك من عيبك، و من حفظ جواره ستره لعيوب جيرانه، و تركه توبيخهم عند إساءتهم إليه، و من رفقه ترك الموافقة على الذنب بين أيدي من يكره الذنب، و من حسن صحبته إسقاطه عن صاحبه مؤونة أداء حقّه، و من صداقته كثرة موافقته، و من صلاحه شدة خوفه من ذنبه، و من شكره معرفته بإحسان من أحسن إليه، و من تواضعه معرفته بقدره، و من حكمته معرفته بذاته،
ص:618
و من مخافته ذكر الآخرة بقلبه و لسانه، و من سلاحه [لعله: صلاحه]قلّة تحفظه لعيوب غيره، و عنايته بإصلاح نفسه من عيوبه (1).
و منها: ما عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: خصلتان من كانتا فيه كتبه اللّه شاكرا صابرا: من نظر في دينه إلى من فوقه فاقتدى به، و نظر في دنياه إلى من هو دونه فشكر اللّه، فإن نظر في دنياه إلى من فوقه تأسّف على ما فاته لم يكتبه اللّه شاكرا و لا صابرا (2).
و منها: ما عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إن اللّه عزّ و جلّ يقول: وضعت خمسة في خمسة و الناس يطلبونها في خمسة فلا يجدونها، وضعت الغنى في القناعة و الناس يطلبونها في كثرة المال فلا يجدونه، و وضعت العزّ في خدمتي و الناس يطلبونه في خدمة السلطان فلا يجدونه، و وضعت الفخر في التقوى و الناس يطلبونه بالأنساب فلا يجدونه، و وضعت الراحة في الجنة و الناس يطلبونها في الدنيا فلا يجدونها (3)(4).
و منها: ما عن مولانا الصادق عليه السّلام قال: طلبت الجنة فوجدتها في السخاء، و طلبت العافية فوجدتها في العزلة، و طلبت ثقل الميزان فوجدته في شهادة: أن لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و طلبت السرعة في الدخول إلى الجنّة فوجدتها في العمل للّه تعالى، و طلبت حب الموت فوجدته في تقديم المال لوجه اللّه، و طلبت حلاوة العبادة فوجدتها في ترك المعصية، و طلبت رقة القلب فوجدتها في الجوع و العطش، و طلبت نور القلب فوجدته في التفكر و البكاء، و طلبت الجواز على الصراط فوجدته في الصدقة، و طلبت نور الوجه فوجدته في صلاة الليل، و طلبت فضل الجهاد فوجدته في الكسب للعيال،
ص:619
و طلبت حبّ اللّه فوجدته في بغض أهل المعاصي، و طلبت الرياسة فوجدتها في النصيحة لعباد اللّه، و طلبت فراغ القلب فوجدته في قلة المال، و طلبت عزائم الأمور فوجدتها في الصبر، و طلبت الشرف فوجدته في العلم، و طلبت العبادة فوجدتها في الورع، و طلبت الراحة فوجدتها في الزهد، و طلبت الرفعة فوجدتها في التواضع، و طلبت العزّ فوجدته في التصدّق، و طلبت الذلة فوجدتها في الصوم، و طلبت الغنى فوجدته في القناعة، و طلبت الأنس فوجدته في قراءة القرآن، و طلبت صحبة الناس فوجدتها في حسن الخلق، و طلبت رضى اللّه فوجدته في برّ الوالدين (1).
و منها: ما عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أول ما عصي اللّه به ستّة: حبّ الدنيا، و حبّ الرياسة، و حبّ الطعام، و حبّ النوم، و حبّ الراحة، و حبّ النساء (2).
و منها: ما عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: ثلاث من كنّ فيه كان منافقا و إن صام و صلّى، و زعم أنّه مسلم: من إذا ائتمن خان، و إذا حدّث كذب، و إذا وعد أخلف، إنّ اللّه عزّ و جلّ قال في كتابه: إِنَّ اَللّهَ لا يُحِبُّ اَلْخائِنِينَ (3)و قال: أَنَّ لَعْنَتَ اَللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ اَلْكاذِبِينَ (4)و قال: وَ اُذْكُرْ فِي اَلْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ اَلْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا (5)(6).
و يوافقه خبر الصايغ قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل على هذا
ص:620
الأمر إن حدّث كذب، و إن وعد أخلف، و إن ائتمن خان، ما منزلته؟ قال: هي أدنى المنازل من الكفر و ليس بكافر (1).
و منها: ما عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: بني الكفر على أربع دعائم: الفسق، و الغلّو، و الشك، و الشبّهة.
و الفسق على أربع شعب: على الجفا، و العمى، و الغفلة، و العتو.
و الغلّو على أربع شعب: على التعمق بالرأي، و التنّازع فيه، و الزيغ، و الشقاق.
و الشك على أربع شعب: على المرية، و الهوى، و التردّد، و الاستسلام.
و الشبهة على أربع شعب: إعجاب بالزينة، و تسويل النفس، و تأول العوج، و لبس الحق بالباطل.
و بني النفاق على أربع دعائم: على الهوى، و الهوينا، و الحفيظة، و الطمع.
و الهوى على أربع شعب: على البغي، و العدوان، و الشهوة، و الطغيان.
و الهوينا على أربع شعب: على الغرّة، و الأمل، و الهينة، و المماطلة.
و الحفيظة على أربع شعب: على الكبر، و الفخر، و الحميّة، و العصبية.
و الطمع على أربع شعب: الفرح، و المرح، و اللجاجة، و التكاثر، الحديث (2).
و منها: أخبار عديدة عن رسول اللّه يجمعها انّ اللّه عزّ و جلّ خلق الجنّة لبنتين: لبنة من ذهب و لبنة من فضة، و يوجد ريحها من مسيرة ألف عام، و لا يدخلها و لا يجد ريحها مدمن خمر، و لا نمّام، و لا ديّوث، و لا شرطي، و لا زقوق-و هو المخنثّ-، و لا حيوف-و هو النبّاش-، و لا عشّار، و لا قاطع رحم، و لا قدري، و لا
ص:621
شيخ زاني، و لا جارّ إزاره خيلاء، و لا فنان، و لا منّان، و لا جراض، و لا جعظري -و هو الذي لا يشبع من الدنيا-.
و قال صلوات اللّه عليه و آله: يا علي! كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة: القتّات، و الساحر، و الديوث، و الناكح المرأة حراما في دبرها، و ناكح البهيمة، و من نكح ذات محرم، و الساعي في الفتنة، و بايع السلاح من أهل الحرب، و مانع الزكاة، و من وجد سعة فمات و لم يحج (1).
و منها: مرسل الصدوق (2)رحمه اللّه عن الصادق عليه السّلام انه قال: من لم يبال ما قال و ما قيل فيه فهو شرك شيطان، و من لم يبال أن يراه الناس مسيئا فهو شرك شيطان، و من اغتاب أخاه المؤمن من غير تره بينهما فهو شرك شيطان، و من شغف بمحبة الحرام و شهوة الزنا فهو شرك شيطان، ثم قال عليه السّلام: إن لولد الزنا علامات: احداها بغضنا أهل البيت عليهم السّلام. و ثانيها: ان يحنّ إلى الحرام الذي خلق منه، و ثالثها: الاستخفاف بالدين. و رابعها: سوء المحضر للناس، و لا يسىء محضر إخوانه إلاّ من ولد على غير فراش أبيه أو حملت به أمّه في حيضها.
و منها: ما عن الصادق عليه السّلام قال: يهلك اللّه ستّا لست: الأمراء بالجور، و العرب بالعصبية، و الدهاقين بالكبر، و التجّار بالخيانة، و أهل الرساتيق بالجهالة، و الفقهاء بالحسد (3).
ص:622
و منها: ما عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: يا علي! آدم سيد البشر، و أنا سيد العرب و لا فخر، و سلمان سيد فارس، و صهيب سيد روم، و بلال سيد حبشة، و طور سيناء سيد الجبال، و السدرة سيد الاشجار، و أشهر الحرم سيد الشهور، و الجمعة سيد الأيام، و القرآن سيد الكلام، و سورة البقرة سيد القرآن، و آية الكرسي سيد سورة البقرة، فيها خمسون كلمة، في كلّ كلمة بركة.
. . إلى هنا فلنختم الكتاب*حامدا للّه المتعال، مصلّيا على النبّي و آله خير آل، شاكرا لأنعمه العظام التّي منها التوفيق للإتمام.
و قد انتهى الحال بي إلى هنا في أوائل الثلث الأخير من ليلة الأحد الخامس و العشرين من ربيع الثاني من شهور سنة ألف و ثلاثمائة و خمس و ثلاثين، و هي-و سنة و نصف قبلها-سنين اشتداد توارد البلايا و المحن، و تواتر المصائب و الفتن، و شيوع نهب الأموال، و هتك الأعراض، و إراقة الدماء، و الحرب العامّة بين الدول و الأمراء، و سلب الأمنيّة و الراحه من عموم بلاد المسلمين و الكفار، و ذلّ الأعزّة، و عزّ الأشرار، سنين ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج المؤمن يده لم يكد يراها، سنين لم يجعل اللّه لها نورا و لا رفاها، سنين ترى الناس فيها و تحسبها سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب اللّه شديد. و لو قال قائل بعدم وقوع مثلها من لدن خلقة آدم إلى اليوم لكان بالتصديق جديرا، و قد انقطعت المكاتبات، و أسقطت المناسبات، و أختل النظام، و عسر العيش على أغلب الأنام، و الحمد للّه تعالى على بروز صدق قول الإمام الهمام أبي الأئمّة الكرام أمير المؤمنين عليه أفضل الصّلاه و السّلام مخاطبا به الكوفة و ظهرها: إذا كان البلاء في ساير الأقطار إلى شحمة الأذن ففيك إلى الخلخال، فاليوم بلدتنا هذه-ببركة من حلّ جسده الشريف بها-أحسن بقاع الأرض طرّا و آمنها كلاّ. و من أمعن النظر في حالها في هذه الثلاث سنين عدّ ذلك من أعظم كرامات أمير المؤمنين عليه السّلام،
ص:623
فترى البلدة محفوظة من التعدّيات، و قد جعل الأمن اليوم باشرارها، و ترى الذئاب يمشي بعضها مع بعض مشي الغنم، و الأعداء يجالس بعضهم بعضا مجالسة الإخوة و الأخلاّء، لكن الغوث إلى اللّه تعالى و ولّي العصر أرواحنا فداه من ضيق أمور المعاش، و أيّ ضيق، و الرجاء أن يجعل اللّه سبحانه هذه الشدّة مقدّمة قريبة للرخّاء الكامل، بظهور الإمام العادل، بقية اللّه سبحانه في الأرض و السماء، عجّل اللّه تعالى فرجه، و سهّل مخرجه، و جعلنا من أعوانه، و من كل مكروه فداه، آمين يا إله طه و ياسين.
25-ربيع الثاني-1335 ه.
ص:624
كتاب مرآة الكمال
الموضوع الصفحة
الفصل الحادي عشر: في آداب قراءة القرآن المجيد و الذكر و الدعاء و التوسّلات و الزيارة و السفر:
المقام الأول: في آداب قراءة القرآن المجيد 7
ما ينبغي لقارئ القرآن 17
فضائل و فوائد جملة من سور القرآن الكريم 30
المقام الثاني: في آداب الذكر 69
موارد تأكّد استحباب الذكر 75
التأكيد على جملة من الأذكار 78
الأذكار المنصوص على استحباب أن تقال كل يوم و ليلة 89
فائدة عامّة:93
المقام الثالث: في الدعاء و آدابه 96
موارد تأكّد الدعاء 100
ما يستحبّ للداعي مراعاته 105
ما ينبغي للداعي تركه 126
تذييل:127
ص:625
المقام الرابع: في التوسّلات 128
آداب كتابة الرقعة و كيفيّتها 133
ما ينبغي التنبيه عليه في التوسّلات 139
المقام الخامس: في الزيارة و آدابها 144
الجهة الاولى: مطلوبية الزيارة شرعا 144
الجهة الثانية: فضل زيارة قبر النبي (ص) و فضل قصده 146
الجهة الثالثة: ما يستحب في المدينة المشرّفة 150
الجهة الرابعة: في زيارة امير المؤمنين عليه السّلام 155
الجهة الخامسة: في زيارة سيّد الشهداء عليه السّلام 162
ما ينبغي إتيانه لمن زار سيّد الشهداء عليه السّلام 187
الجهة السادسة: في زيارة الجوادين و العسكريّين عليهم السّلام 189
ما ينبغي بيانه هنا من امور 190
الجهة السابعة: في زيارة الامام الرضا عليه السّلام 192
الجهة الثامنة: في آداب زيارة النبي (ص) و الأئمة عليهم السّلام 197
الآداب العامة 197
الآداب الخاصة بحرم سيّد الشهداء عليه السّلام 229
تذييل: يتضمّن مطالب 231
فائدة:243
الجهة التاسعة: في زيارة النبي و الأئمة عليه السّلام من بعيد 244
فائدتان:247
الجهة العاشرة: في الاستنابة للزيارة و النيابة فيها 248
الجهة الحادية عشرة: ما ورد في فضل البقاع المطهّرة و مجاورتها و تعميرها 252
منها: المدينة المشرّفة 253
منها: الكوفة 255
منها: كربلاء المشرّفة 258
منها: خراسان 260
ص:626
منها: قم 260
منها: كلّ أرض فيها قبر أحد الأئمة عليهم السّلام 262
الجهة الثانية عشرة: في بيان أيام مواليد النبي و أهل بيته و وفياتهم 263
فائدة:306
تذييل: يتضمّن امور 306
الجهة الثالثة عشرة: في زيارة غير المعصومين من المؤمنين 313
تذييل: يتضمّن أمرين 321
المقام السادس: في السفر و آدابه 325
عدّ آداب السفر 327
تذييل: يتضمّن مطالب 358
المطلب الأول: في الاستخارة 358
تنبيهات:370
المطلب الثاني: الصدقة 375
المطلب الثالث: اختبارات الأيام 382
تنبيهان:401
المطلب الرابع: أحكام الدواب و غيرها 404
الفصل الثاني عشر: في أسباب الصحة و آداب المرض و ما يتعلق به، و آداب الاحتضار و الموت و الغسل و التشييع و الكفن و الدفن و التعزية:
المقام الأول: في أسباب حفظ الصحة 427
الرسالة الذهبية 441
آداب المرض 456
فائدة: ذكر الموت 469
ما يستحب مداواة المريض به 472
الوصيّة 475
المقام الثالث: في آداب الاحتضار و الموت 478
المقام الرابع: في آداب التشييع و التجهيز 484
المقام الخامس: في آداب غسل الميت 493
ص:627
المقام السادس: في تكفين الميت و تحنيطه 503
سنن الكفن 505
مكروهات التكفين 510
المقام السابع: الصلاة على الميت 514
من يصلّي عليه 514
في المصلّي 515
كيفية صلاة الميت 518
فروع 522
سنن الصلاة على الميت 523
المقام الثامن: في دفن الميت 526
مقدّمات الدفن و سننه 528
مكروهات الدفن 536
مسائل:539
المقام التاسع: في جملة من الآداب و الأحكام المتعلّق أغلبها بما بعد الدفن 543
آداب المصاب 558
المكروهات أو المحظورات من المصاب 564
خاتمة: في آداب متفرقة و آثار متشتّتة
المقام الأول: موجبات الفقر 569
موجبات الرزق 583
المقام الثاني: موجبات الهمّ و الغمّ 590
مزييلات الهمّ و الغمّ 591
موجبات الحفظ 592
مورثات النسيان 593
مورثات الجنون 595
موجبات زيادة العمر 596
مورثات قساوة القلب 596
مرقّقات القلب 598
ص:628
المقام الثالث: جملة من الحقوق من رسالة الحقوق 599
المقام الرابع: في بيان ما ورد في الاسلام و الايمان و الدين و التشيّع و الخيرورة و العقل الإلهي 607
ما ورد في الاسلام 607
ما ورد في الايمان و المؤمن 608
ما ورد في الدين 611
ما ورد في التشيّع 611
ما ورد في العقل الإلهي 613
المقام الخامس: في آداب متفرقة نافعة 614
المقام السادس: في عدّة أخبار متفرقة 618
الفهرس 625
ص:629