معالى السبطين المجلد 1

هوية الكتاب

الکتاب / معالى السبطين.

المؤلف / الشيخ محمد مهدى الحائري المازندرانی

الناشر / انتشارات الشريف الرضی.

عدد الصفحات / (804)

الجزء الاول (468)

الجزء الثاني (336)

المجموع (3000)

سنه الطبع / 1409 / 1367.

المطبعه / امير - قم.

الطبعه / الأولى في قم.

قیمت مقطوع:

السعر / قیمت مقطوع

محرر الرقمي: زهراء شريفيان

ص: 1

اشارة

معالی السبطین

ص: 2

معالی السبطين

فى أَحَوَالِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُه عَلَيْهِما

تَألِيْف الشَّيخ مُحمَّد مَهْدِي الْحَائِري الطبعة الثانية

الجُزءُ الأوّل

ص: 1

هذا كتاب معالي السبطين في احوال الهمامين الحسن والحسين (علیهما السلام)

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ذي النعمة العظمى والمنحة الكبرى الداعي الى الطريقة المثلى الهادي الى الخليقة الحسنى الذي خلق فسوى وقدّر فهدى واخرج المرعى فجعله غثاء احوى و بعث محمداً صلى الله عليه وآله من منصب مجتبى واصل منتمى ارسله والناس سدى يترددون بين الضلالة والعمى فنبه على خير الآخرة والأولى لم يلتمس اجراً إلا المودة في القربي شد ازره باخيه المرتضى وسيفه المنتضى ومن احله محل هارون من موسى واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغ بها الرضا واشهد ان محمداً عبده خير من ارسل ودعا وافضل من انتمل واحتفى صلى الله عليه وآله شموس الضحى واقمار الدجى وشجرة طوبى وسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق في طوفان العمى ذرية اذهب الله عنهم الرجس والأذى وطهرها من كل دنس وقذى صلى الله عليهم عدد الرمل والحصى والنجوم في السماء.

و بعد فيقول العبد المعترف بذنبه المفتقر الى رحمة ربه محمد مهدي بن المرحوم شيخ العلماء والمجتهدين حجة الأسلام والمسلمين الشيخ عبدالهادي المازندراني الحایري

ص: 2

طاب ثراه اني لما فرغت بحمد الله من طبع كتابي المسمى بالكوكب الدري في احوال النبي والبتول والوصي بعد ما فرغت بحمد الله من طبع كتابي المسمى بشجرة طوبى سمح لي ان اصنف كتابا فى احوال الامامين الهمامين السيدين السندين الطاهرين الزكيين سيدي شباب اهل الجنة الحسن والحسين عليهما سلام ملاك الخافقين واجعله ذخيرة فى الدارين فشرعت فيه بطرز مطلوب واسلوب مرغوب يسهل تناوله لطالبه ويسهل المطالب الجالبه وسميته معالي السبطين في احوال الحسن والحسين عليهما السلام واسأل الله ان ينفعني بها وجميع المؤمنين من اخواني الصالحين بحرمة سيد الاولين و الاخرين واهل بيته الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم اجمعين وارجو من فضل الله عليّ وقديم احسانه اليّ ان يوفقني لا تمام بقية اربعة عشر من المعصومين وهم القسمة من ذرية الحسين الأئمة الهادون المهديون المنتجبون عليهم سلام الله وبركاته وآلائه وتحياته واسأله عنه وجوده ان يسهل لي طبع صائر مؤلفاتي وتصنيفاتي التي قد افنيت عمري فيها انشاء الله وها نحن نشرع في احوال السبط الاكبر والنور الازهر وهو الامام المؤمن محيي الفرائض والسنن قالع الصم والوثن الصابر في الشدائد والمحن أبو محمد الحسن معدن السخاء شجرة الصفاء ثمرة الوفاء ابن خير الرجال وخير النساء كلمة التقوى والعروة الوثقى سليل المدى رضيع التقى غيث الندى غياث الورى ضياء العلى قرة عين الزهراء وولى عهد المرتضى اشبه الحاق بالمصعافى الحسن المجتبى قبلة العارفين وعلم المهتدين وثاني الخمسة الميامين الذين افتخر بهم الروح الامين و باهل بهم الله المباهالين الحسن بن امير المؤمنين منبع الحكمة معدن العصمة كاشف الغمة مفزع الامة ولي النعمة عالي الهمة الحسن الذي هو هم الأئمة جوهر الهداية طيب البداية والنهاية صاحب اللواء والراية اصل العلم والدراية والفضل والكناية واهل الامامة والولاية والخلافة والرواية سيدنا ومولانا المسموم من بد الجانية الطاغية الحسن بن

ص: 3

فاطمة الطاهرة الراضية السبط المبجل والامام المفضل اجل الخلائق في زمانه وافضلهم واعلاهم حسباً ونسبا وعلما واجل واكمل سيد شباب اهل الجنة خدمته فرض على العالمين ومنة وجبه المسلمين من النيران جنة ومتابعته على الموحدين واجب لا سنة عنصر الشريعة والاسلام وقطب العلوم و الاحكام وذلك شرايع الحلال والحرام شمس أولاد الرسول وفرة عين البتول قامع اهل الضلال ومن اصطفاه الله الكبير المتعال ثمرة قلب الذي وقرة عين الوصي ومن مدحه الله العلي الحسن بن علي السبط الاول و الامام الثاني والمقتدى الثالث والذكر الرابع والمباهل الخامس شرف آل ابی طالب الحسن بن علي بن ابيطالب ونذكر ما يتعلق بهذا الامام من مناقبه ومحامده ومعالي ما اموره وولادته ومعاجزه و ماجرى بينه و بين اعاديه واحبائه وكيفية شهادته في ضمن هذه المجالس.

المجلس الاول في بعض مناقبه وولادته (علیه لسلام)

بسم الله الرحمن الرحیم

فى المناقب قال واصل بن عطاء كان الحسن بن علي عليهما السلام عليه سيماه الانبياء وبهاء الملوك قيل له ان فيك عظمة قال (علیه السلام) بل فىّ عزة قال الله تعالى والله العزة ولرسوله وللمؤمنين وفيه عن محمد بن اسحق فى كتابه قال ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ما بلغ الحسن (علیه السلام) كان يبسط له على باب داره فاذا خرج وجلس انقطع الطريق فما مر احد من خلق الله اجلالا له فاذا علم (علیه السلام) قام ودخل بيته قمر الناس ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق الله احد راه الانزل ومشى

ص: 4

حتى رأيت سعد بن ابي وقاص يمشي والله در القائل:

هو علة الدنيا ومن خلقت له *** لو لم يكن ما كانت الأشياء

من صفو ماء الوحي وهو مجاجة *** من حوضة الينبوع وهو شفاء

من ايكة الفردوس حيث تفتقت *** ثمراتها وتفيا الافياء

من شعلة القبس التي عرضت على *** موسى وقد حارت به الظلماء

من معدن التقديس وهو سلالة *** من جوهر الملكوت وهو ضياء

هذا الذي عطفت عليه مكة *** وشعابها والركن والبطحاء

فعليه من سيما النبي دلالة *** وعليه من نور الآله بهاء

كان (علیه السلام) جميل الوجه حسن الصورة أبيض مشربا بحمرة ادعج العينين سهل الخدين رقيق المسربة كث اللحية ذا وفرة وكأن عنقه ابريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربع القامة لا بالطويل ولا بالقصير مليحاً من أحسن الناس وجهاً وكان يخضب بالسواد و كان جعد الشعر حسن البدن قال في المناقب روى الحاكم في اماليه قال الحسن (علیه السلام) من كان يباء بجد فجدي الرسول أو كان يباء بام فان امي البتول أو كان يباء بزور فيرورنا جبرئيل في المناقب وطاف الحسن (علیه السلام) بالبيت فسمع رجلا يقول هذا ابن فاطمة الزهراء فالتفت (علیها السلام) اليه فقال قل ابن علي بن ابيطالب فابي خير من امي.

اليكم كل مكرمة تؤل *** اذا ما قيل جدكم الرسول

كفاكم من مديح الناس طراً *** اذا ما قيل امكم البتول

وانكم لآل الله حقاً *** ومنكم ذو الامانة جبرئيل

فلا يبقى لمادحكم كلام *** اذا تم الكلام فما يقول

و كان روحي له الفداء وجهه اقمر وجبينه از هر ولفظه اعذب من الشهد واخير

ص: 5

واحلى من السكر اذا مشى كأنه البدر اذا بدر والوبل اذا مطر وله جمال ما هو غير معهود للبشر ومن النور والضياء ما تكسب عنه الشمس والقمر ومن صباحة وجهه ونضارة خده ان عشقته المرأة البدوية وروى فى المناقب انه دخلت عليه امرأة جميلة وهو في صلوته فاوجز في صلوته ثم قال لها ألك حاجة قالت نعم قال وما هي قالت قم فاصب مني فاني وفدت ولا بعل لي قال (علیه السلام) اليك لا تحرقيني بالنار ونفسك فجعلت تراوده عن نفسه وهو (علیه السلام) يبكي ويقول ويحك اليك عني واشتد بكائه فلما رأت ذلك بكت لبكائه فدخل الحسين (علیه السلام) ورآها يبكيان فجلس يبكي وجعل اصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتى كثر البكاء وعلت الاصوات فخرجت الاعرابية وقام القوم وترحلوا ولبث الحسين (علیه السلام) بعد ذلك دهراً لا يسأل أخاه عن ذلك اجلالا فينما الحسن عليه السلام ذات ليلة كان نائماً اذ استيقظ وهو يبكي فقال له الحسين عليه السلام ما شأنك وما يبكيك قال (علیه السلام) رؤيا رايتها الليلة قال (علیه السلام) وما هي قال (علیه السلام) لا تخبر احداً ما دمت حيا قال نعم قال (علیه السلام) رأيت يوسف الصديق فجئت انظر اليه فيمن نظر فلما رأيت حسنه وجماله بكيت فنظر اليّ وقال يا اخي بابي انت واي ما يبكيك فقلت رأيت حسنك وجمالك فذكرت امرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها وما لقيت من السجن وحرفة الشيخ يعقوب فبكيت من ذلك وكنت ا تعجب منه فقال يوسف فهلا تعجبت مما فيه المرأة البدوية بالا بواء (الابواء بالموحدة والفتح منزل بين مكه والمدينة) وكان الحسن (علیه السلام) يشبه رسول الله فى الخلق والخاق وكان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول يا حسن انت اشبهت خلقي وخلقي والمشهور انه (علیه السلام) اشبه رسول الله صلى عليه وآله من الرأس الى الصدر والحسين (علیه السلام) من الصدر الى القدم ولم يكن بينهما إلا الحمل وكان النبي صلى الله عليه وآله يحبهما حبًا شديداً ويقول الولد ريحانة وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسين و يقول (علیه السلام) الحسن والحسين اسمان

ص: 6

من اسامي اهل الجنة ولم يكونا في الدنيا وان الله تعالى حجب هذين الاسمين عن الخلق حتى يسمى بها ابني فاطمة (علیها السلام) والحين مصغر الحسن وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول اني سميت ابني هذين باسم ابني هرون شير وشبير في البحار قال ابو هريرة قدم راهب على ناقة له فقال دلوني على منزل فاطمة (علیها السلام) فدلوه عليها فقال لها يا بنت رسول الله اخرجي الي ابنيك فاخرجت اليه الحسن والحسين (علیهما السلام) فجعل يقبلهما ويبكي ويقول اسمهما في التوراة شبر وشبير وفي الانجيل طلاب وطيب ثم سئل عن صفة النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» فلما ذكروه قال اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمداً رسول الله وفيه لما ولدت فاطمة الحسن جاءت به الى رسول الله فسماه حسنا فلما ولدت الحسين «علیه السلام» جاءت به اليه فقالت يارسول الله هذا أحسن من هذا فسماه حسينا وفيه روى عن ام الفضل زوجة العباس انها قالت قلت يارسول الله رأيت في المنام كأن عضواً من اعضائك سقط في حجري فقال «صلی الله علیه وآله وسلم» تلد فاطمة «علیها السلام» غلاما فتكفلينه فوضعت فاطمة الحسن «علیها السلام» فدفعه اليها النبي «علیه السلام» فرضعته بلبن قثم بن ابن العباس وفيه لما ولدت فاطمة الحسن «علیه السلام» قالت لعلي «علیه السلام» سمه فقال «علیه السلام» ما كنت لا سبق باسمه رسول الله فجاء رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وقال يا اسماء هاني ابني قالت فدفعته اليه في خرقة صفراء فقال «صلی الله علیه وآله وسلم» يا اسماء ألم أنهكم ان تلفوا المولود في خرقه صفراء ثم رمى بها واخذ خرقة بيضاء فلفه فيها واذن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى ثم قال لعلي «علیه السلام» هل سميته فقال «علیه السلام» ما كنت لاسبقك باسمه فقال «ص» وما كنت لاسبق باسمه ربي عز وجل فاوحى الله الى جبرئيل انه قد ولد لمحمد «صلی الله علیه وآله وسلم» ابن فاهبط فاقرئه السلام وهنه وقل له ان علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون قال فهبط جبرئيل فهناه من الله تبارك وتعالى ثم قال ان الله يامرك ان تسميه باسم ابن هرون قال وما كان اسمه قال شير قال لسان عربي قال سمه الحسن

ص: 7

فسماه الحسن فلما كان يوم سابعه عق النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» عنه بكبشين املحين واعطى القابلة فخذا وديناراً وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا وطلى رأسه بالخلوق وقال يا اسماء الدم من فعل الجاهلية وفي رواية هبط جبرئيل على النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» يوم السابع بالتهنية وامره ان يسميه ويكنيه ويلقبه ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب اذنه ففعل ذلك جميع وعق عنة بيده وقال بسم الله الرحمن الرحيم عقيقة عن الحسن بن علي وقال اللهم عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها بشعره اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله و ثقب اذنه في الاذن اليمنى في شحمة الاذن وفي اليسرى فى اعلى الاذن فالقرط في اليمنى والشنف في اليسرى وترك له ذوا بتين في وسط الراس سماه وكناه ولقبه اسمه الحسن وكنيته أبو محمد لا غير والقابه كثيرة التقي والطيب والمجتبى والزكي والسيد والسبط والولي والوزير والقائم والحجة و لكن اعلاها رتبة واولاها به ما لقبه رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وهو السيد لأنه قال ان ابني هذا سيد وقال «صلی الله علیه وآله وسلم» من اراد ان ينظر الى سيد شباب اهل الجنة فلينظر الى الحسن بن علي «علیه السلام» وكان نقش خانم الحسن «علیه السلام» العزة لله وروى ابن بابويه فى العيون عن ابي الحسن الرضا «علیه السلام» قال كان نقش خاتم الحسن «علیه السلام» العزة الله و كان نقش خانم الحسين «علیه السلام» ان الله بالغ امره وكان علي ابن الحسين بن علي عليهما السلام يتختم مخاتم ابيه الحسين «علیه السلام» وفي البحار كان للحسين عليه السلام خاتمان نقش احدهما لا اله إلا الله عدة للقاء الله و نقش الآخر ان الله بالغ امره و نقش خاتم علي بن الحسين «علیه السلام» خزي وشقي قاتل الحسين بن علي «علیه السلام» بن مسلم قال سألت عن الصادق (علیه السلام) عن خاتم الحسين بن علي (علیه السلام) عن محمد بن مسلم قال سألت عن الصادق (علیه السلام) عن خاتم الحسين بن علي (علیه السلام) الى من صار وذكرت له اني سمعت انه اخذ من اصبعه فيما اخذ قال «علیه السلام» ليس كما قالوا ان الحسين «علیه السلام» اوصى الى ابنه علي بن الحسين «علیه السلام» وجعل خاتمه في اصبعه

ص: 8

وفعله الحسن «علیه السلام» بالحسين «علیه السلام» ثم صار ذلك الخاتم الى ابي بعد ابيه ومنه صار اليّ فهو عندى واني لألبسه كل جمعه واصلي فيه قال محمد بن مسلم فدخلت عليه يوم الجمعة وهو يصلي فلما فرغ من الصلوة مدّ اليّ يده فرأيت في اصبعه خاتما نقشه لا اله إلا الله عدة للقاء الله فقال «علیه السلام» هذا خاتم جدي ابي عبدالله الحسين بن علي «علیه السلام» (ومن هذا الخبر) يظهر ان هذا الخاتم من ودائع الامامة وهو محفوظ يداً بيدالى ان يتختم به خانم الاوصياء صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وهذا لا ينافي ما روي من انه اخذ خاتم من اصبع الحسين «علیه السلام» يوم عاشوراء لأنه غير هذا الخاتم الذي كان من ودائع الامامة بابي وامي من شهيد مظلوم قال السيد بن طاوس «ره» واخذ خانه مجدل بن سلیم لعنه الله وقطع اصبع الحسين عليه السلام.

المجلس الثاني فى حب النبي اياه

في البحار كان الحسن بن علي عليهما السلام اشبه برسول الله صلى عليه وآله ما بين الصدر الى الرأس والحسين عليه السلام اشبه فيما كان اسفل من ذلك وفيه عن انس بن مالك قال لم يكن احد اشبه برسول الله صلى الله عليه وآله من الحسن ابن علي (علیه السلام) وفيه ايضاً عن أبي جحيفه قال رأيت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وكان الحسن ابن عليّ يشبه وفيه صلى ابو بكر صلوة العصر ثم خرج يمشي ومعه علي عليه السلام فرأى الحسن (علیه السلام) يلعب بين الصبيان فحمله ابو بكر علي عانقه وقال بابي شبيهاً بالنبي ليس شبيهاً بعلي وعلي (علیه السلام) يضحك وفيه عن ابي هريرة قال ما رأيت الحسن بن عليّ إلا وفاضت عيناى دموعا وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج يوما فوجدني فاخذ بيدي فاتكى علي وطاف حتى رجع الى المسجد فجلس فاحتبى فانى الحسن بن علي عليهما السلام وهو صغير يشتد حتى وقع في حجره فجعل بدخل يده في لحية رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

ص: 9

وجعل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يفتح فيه ويدخل فيه في فمه ويقول اللهم اني احبه واحب من يحبه ثلاثا وفيه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الجنة تشتاق الى اربعة من اهلي قد احبهم الله وأمرني بحبهم علي بن ابيطالب والحسن والحسين والمهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) صلوات الله عليهم الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم وفيه قال جار دخلت على النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» وهو يمشي على اربع والحسن والحسين «علیهما السلام» على ظهره ويقول نعم الجمل جملكما ونعم الحملان انتها وفيه قال ابو هريرة كان النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» يصلي فسجد فجاء الحسن «علیه السلام» فركب ظهره وهو ساجد ثم جاء الحسين «علیه السلام» فركب ظهره مع اخيه وهو ساجد فثقلا على ظهره فجئت فاخذتهما عن ظهره فلما سلم اخذها ومسح على رؤسهها وقال من احبني فليحبهما ثلاثا (في الدمعة) قال نقل ابو داود والترمذي والنسائي في صحاحهم كل منهم بسنده يرفعه الى بريده قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب فجاء الحسن والحسين «علیهما السلام» وعليهما قميصان احمران يمشيان ويمتران فنزل رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» عن المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله تعالى انما اموالكم واولادكم فتنة نظرت الى هذين الصبين يمشيان ويمتران فلم اصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما وفيه ايضاً قال روى الامام الترمذي بسنده في صحيحه عن ابن عباس كان رسول الله «صلی اله علیه وآله وسلم» حامل الحسن بن علي «علیه السلام» على عاتقه فقال رجل نعم المركب ركبت يا غلام فقال النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» و نعم الراكب هو وفيه ايضاً قال اتفقت الصحاح على هذا الخبر قال الراوي رأيت رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» والحسن بن علي «علیه السلام» الى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به فئتين من المسلمين عظيمتين وفي مسند احمد بن حنبل وفي البحار عن ابي هريرة ان النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» اتی بتمر من الصدقة فجعل يقسمه والحسن «علیه السلام» بين يديه يتعفر فاخذ الصبي تمرة فجعلها فى فمه فلما فرغ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من القسمة حمل الصبي وقام فاذا

ص: 10

في فيه تمرة يلوكها فسال لعابه عليه فرفع رأسه ينظر اليه فادخل اصبعه في فمه وقال كخ كخ اي بني قال الراوي وكأني انظر لعاب فيه على اصبعه فانتزع التمرة ثم قذف أما بها وقال انا آل محمد لا نأكل الصدقة وفي خبر خاطب الحسن (علیه السلام) وقال يابني شعرت ان آل محمد لا يا كاون الصدقة (اقول) واهل الكوفة لعنهم الله ينا ولون ذراري رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز فصاحت بهم ام كلثوم ويلكم يا اهل الكوفة ان الصدقة علينا حرام وروى البخاري قال الراوي خرجنا مع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) دعينا الى طعام فاذا الحسن (علیه السلام) يلعب في الطريق فاسرع النبي امام القوم ثم بسط يده فجعل يمر غير مرة هيهنا ومرة هيهنا يضاحكه حتى اخذه فجعل احدى يديه فى ذقنه والاخرى بين رأسه ثم اعتنقه فقبله وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) الحسن مني وانا منه احب الله من احبه الحسن والحسين سباطان من الاسبط في البحار قال مسهر مولى الزبير تذاكرنا من اشبه النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من اهله؟ فدخل علينا عبدالله بن الزبير فقال انا احدثكم باشبه اهله اليه الحسن بن علي رأيته يجي. وهو ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ورأيته يجي. وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر ويقول فيه هو ريحانتي من الدنيا اني احبه واحب من يحبه ويقول للحسن «علیه السلام» يا حسن اشبهت خلقي وخلقي نظم

وشبيه النبي خلقاً وخلقا *** ونسيب التي جداً فجدا

في المناقب عن جابر بن عبد الله الانصاري قال قال رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» من سره ان ينظر الى سيد شباب اهل الجنة فلينظر الى الحسن بن علي «علیه السلام» وفيه عن ابن عباس قال انطلقنا مع النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» فنادى على باب فاطمة ثلاثاً فلم يجبه احد فمال الى الحايط فقعد فيه فقعدت الى جانبه فبينما هو كذلك اذ خرج الحسن عليه السلام وقد غسل وجهه وعلقت عليه سبحة قال فبسط النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» بده ومدها ثم ضم الحسن «علیه السلام»

ص: 11

الى صدره وقبله وقبل في فيه وقال ان ابني هذا سيد لعل الله ان يصلح به بين فئتين من المسلمين في البحار عن أمير المؤمنين عليه السلام قال رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله قد ادخل رجله اللحاف او فى الشعار فاستقى الحسن «علیه السلام» فوثب النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» الى نعجة لنا فمص من ضرعها فجعله في قدح ثم وضه في يد الحسن «علیه السلام» فجعل الحسين «علیه السلام» يثب عليه ورسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» يمنعه فقالت فاطمة عليها السلام ابتاه ابتاه كأن الحسن احبهما اليك قال «صلی الله علیه وآله وسلم» ما هو احبهما اليّ ولكنه استقى اول مرة واني واياك وهذين وهذا المنجدل يوم القيمة في مكان واحد «اقول» هذا يوم شرب الحسن اللبن في قدح من يد جده رسول الله و يوم آخر شرب لبناً في قدح من يد زوجته جعده بنت الاشعث وفيه سم قتال شرب وخرج كبده قطعة قطعة.

لم انس يوم عميد الدين دس به *** لجعدة السم سراً عابد الوثن

کیما تهد من العليا دعامتها *** فجرعته الردى في جرعة اللبن

فقطعت كبداً ممن غدا كبدا *** لفاطم وحشى من واحد الزمن

المجلس الثالث في علمه وعبادته (علیه السلام)

في المناقب لان شهر اشوب روي ان الحسن بن علي عليهما السلام كان يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي امه فياقي اليها ما حفظه فلما دخل علي «علیه السلام» وجد عندها علماً فيسألها عن ذلك فقالت من ولدك الحسن «علیه السلام» فتخفى علي «علیه السلام» يوما في الدار وقد دخل الحسن «علیه السلام» وقد سمع الوحي فاراد ان يلقي اليها فارنج عليه فعجبت امه من ذلك فقال «علیه السلام» لا تعجبي يا اماه فان كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني تخرج على «علیه السلام» فقبله وفي رواية قال يا اماه قلّ بياني وكل لساني لعل سيداً برعاني وفي كتاب من لا يحضر عن الرضا «علیه السلام»

ص: 12

انه اتي عمر برجل وجد على رأس قتيل وفي يده سكين مملوة دماً فقال الرجل لا والله ما قتلته ولا اعرفه والمادخلت بهذه السكين اطلب شاة لي عدمت من بين يدي فوجدت هذا القتيل فامر عمر بقتل هذا الرجل وكان القاتل يسمع الكلام ويرى القصة فلما امر عمر بقتل هذا الرجل قال القاتل انا لله وانا اليه راجعون قد قتلت رجلا وهذا رجل آخر يقتل بسبي فشهد على نفسه بالقتل فعلم امير المؤمنين «علیه السلام» القضية سئل ولده الحسن (علیه السلام) فتوى ذلك وقال له ولدي ابا محمد بين حكم هذه الفضية فقال الحسن ابتاه يطلق كلاهما والدية من بيت المال قال (علیه السلام) ولم؟ قال لقوله تعالى ومن احياها فكانما احي الناس جميعاً فادركهم امير المؤمنين (علیه السلام) وقال لا يجب القود عليه(1) ان كان قتل نفساً فقد احي نفساً ومن احبي نفسا فلا يجب عليه قود فقال عمر مسمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول اقضاكم علي بن ابيطالب واعطى ديته من بيت المال روى الكليني في الكافي عن ابي عبدالله (صلی الله علیه وآله وسلم) انه سثل الحسن بن علي (علیه السلام) عن امرأة جامعها زوجها فقامت بحرارة جماعة فساحقت جارية بكراً والقت النطفة اليها فحملت فقال (علیه السلام) اما في العاجل فتوخذ المرأة بصداق هذه البكر لأن الولد لا يخرج منها حتى يذهب عذرتها ثم ينتظر بها حتى تلد فيقام عليها الحد ويؤخذ الولد فيرد الى صاحب النطفة وتؤخذ المرأة ذات الزوج فترجم قال فاطلع امير المؤمنين (علیه السلام) وهم يضحكون فقصوا عليه القصة فقال (علیه السلام) ما احكم إلا ما حكم به الحسن (علیه السلام) لو ان ابا الحسن لقيهم ما كان عنده إلا ما قال الحسن (علیه السلام) فى كتاب من لا يحضره الفقيه ان الحسن (علیه السلام) استفتي عن جارية زفت الى بيت رجل فوثبت عليها ضرتها وضبطتها بنات عم لها فاقتضتها باصبعها فقال (علیه السلام) التي افتضتها زانية عليها صداقها وجلدت مأة واللواتي ضبطتها مفتريات عليهن جلد ثمانين في المناقب سثل اعرابي ابا بكر فقال اني اصبت بيض نعام فشويته واكلته وانا محرم فما يجب علي فقال له يا اعرابي اشكلت علي في قضيتك فدله على عمر فلم يعرف فدله

ص: 13


1- القود: بالفتح القصاص

عمر الى عبد الرحمن فلم يعرف فلما عجزوا قالوا عليك بالاصلاح فقال امير المؤمنين (علیه السلام) سل اي الغلامين شئت فتحول الاعرابي الى الحسن (علیه السلام) فقال الحسن (علیه السلام) يا اعرابي الك ابل؟ قال نعم قال فاعمد الى عدد ما اكات من البيض نوقا فاضر بهن بالفحول فما فضل منهما فاهده الى بيت الله العتيق الذي حججت اليه فقال امير المؤمنين (علیه السلام) ان من النوق السلوب ومنها ما يزاق فقال (علیه السلام) ان يكن من النوق السلوب ومنها ما يزاق فان من البيض ما يمرق قال فسمع صوت معاشر الناس ان الذي فهم هذا الغلام هو الذي فهم سليمان بن داود في البحار روى ان الحسن بن علي (علیه السلام) وعبد الله بن عباس كانا على مائدة فجاءت جرادة ووقعت على المائدة فقال عبد الله الحسن (علیه السلام) أي شيء مكتوب على جناح الجرادة فقال (علیه السلام) مكتوب انا الله لا إله إلا انا ربما ا بعث الجراد لقوم جياع ليأكلوه وربما ابعثها نقمة على قوم فيا كل الطعمتهم فقام عبدالله وقبل رأسه وقال هذا من مكنون العلم في البحار وكتب ملك الروم الى معاويه يسأله عن مسائل فلم يعلم معاوية واستغاث بالحسن بن علي (علیه السلام) فاجاب وهي هذه عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن اول قطرة دم وقعت على الارض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة، عن ما لا قبلة له، وعما لا قرابة له فقال (علیه السلام) اكتب وسط السماء الكعبة. واول قطرة دم وقعت على الارض دم حوا، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرة ارض البحر حين ضربه موسى وما لا قبلة له، فهي الكعبة، وما لا قرابة له، فهو الرب تعالى وسأل شامي عن الحسن (علیه السلام) كم بين الحق والباطل فقال اربع اصابع فما رأيت بعينك هو الحق وقد تسمع باذنيك بالطلا كثيراً وقال كم بين الايمان واليقين فقال أربع اصابع الايمان ما سمعناه واليقين ما رأيناه وقال كم بين السماء والارض قال دعوة المظلوم ومد البصر قال كم بين المشرق والمغرب قال مسيرة يوم للشمس وفي البخار روى ان علياً «علیه السلام» كان في الرحبة فقام اليه رجل فقال يا امير المؤمنين انا من

ص: 14

رعيتك واهل بلادك قال «علیه السلام» لست من رعيتي ولا من اهل بلادي وان ابن الاصفر بعث الى معاوية بمسائل فاقلفته وارسلك الي لاجلها قال صدقت يا امير المؤمنين ان معاوية ارسلني اليك في خفية وانت قد اطلعت على ذلك ولا يعلمها غير الله فقال «علیه السلام» سل احد ابني هذين قال اسأل ذا الوفرة يعني الحسن «علیه السلام» فاتاه فقال له جئت تسأل كم بين الحق والباطل وكم بين السماء والارض وكم بين المشرق والمغرب وما قوس قزح وما المخنث وما عشرة اشياء بعضها اشد من بعض قال الرجل نعم قال الحسن (علیه السلام) بين الحق والباطل اربع اصابع ما رأيت بعينك فهو الحق وقد تسمع باذنيك باطلا و بين السماء والارض دعوة المظلوم ومد البصر وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس و قزح اسم الشيطان وهو قوس الله وعلامة الخصب وامان لأهل الارض من الغرق واما المحث فهو الذي لا يدري اذكر ام انثى فانه ينتظر به فان كان ذكراً احتلم وان كان انتي حاضت و بدا ثديها والا قيل له بُل فان اصاب بوله الحايط فهو ذكر وان انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير فهواني واما عشرة اشياء بعضها اشد من بعض فاشد شيء خلق الله الحجر واشد منه الحديد يقطع به الحجر واشد من الحديد النار تذيب الحديد واشد من النار الماء واشد من الماء السحاب واشد من السحاب الربح تحمل السحاب واشد من الريح الملك الذي يردها واشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك واشد من ملك الموت الذى بميت الموت واشد من الموت ام الله الذي يدفع الموت فقام علي (علیه السلام) وقبل بين عينيه ولعله قد قبل بين شفتيه اللتان قد اخضر تا من السم الذي سفته جعدة بنت الاشعث وخرج كبده قطعة قطعة الخ وفيه قال (علیه السلام) ان الله تبارك وتعالى مدينتين احداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب عليهما سور من حديد وعلي كل واحد منهما الف الف مصراع وفيها الف الف لغة يتكلم كل امة بخلاف صاحبها وانا اعرف جميع تلك اللغات وما فيها وما بينها وما

ص: 15

عليها حجة غيري وغير الحسين اخي وفيه قيل من اقوام من اهل الكوفة في الحسن ابن علي فقالوا انه عي اللسان لا يقوم بحجة وبلغ ذلك علياً (علیه السلام) فدعا الحسن (علیه السلام) وقال يا بن رسول الله ان اهل الكوفة قد قالوا فيك كلمة ومقلة اكرهها قال وما يقولون يا امير المؤمنين قال يقولون ان الحسن بن علي عي اللسان لا يقوم بحجة وان المنبر حاضر فاصعد عليه فاخبر الناس فقال يا امير المؤمنين لا استطيع الكلام وانا انظر اليك فقال امير المؤمنين اني متخف عنك فنادى الصلوة جامعة فاجتمع المسلمون فصعد المنبر فخطب خطبة بليغة وجيزة فضح المسلمون بالبكاء ثم قال ايها الماس اعقلوا عن ربكم ان الله عز وجل اصطفى آدم و نوحاً وآل ابراهيم و آل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم فنحن الذرية من آدم والاسرة من نوح والصفوة من إبراهيم والسلالة من اسماعيل وآل محمد نحن فيكم كالسماء المرفوعة والارض المدحوة والشمس الضاحية وكالشجرة الزيتونة لا شرقية ولا غربية التي بورك زيتها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) اصلها وعلي فرعها ونحن والله ثمرة تلك الشجرة فمن تعلق بغصن من اغعمانها نجى ومن تخلف عنها فالى النار هوى فقام امير المؤمنين (علیه السلام) من اقصى الناس يسحب ردائه من خلفه حتى علا المنبر وضم الحسن (علیه السلام) فقبل بين عينيه ثم قال اثبت على القوم حجتك واوجبت عليهم طاعتك فويل لمن خالفك (اقول) سود الله وجوه قوم خالفوه وضيعوه وخذلوه وتركوه مظلوماً مقهوراً حتى فعل ما فعل مع معاوية من الصلح ووادع الأمر اليه وجلس قمر بيته حزبناً كثيباً حتى سقى ذلك السم و بقي يجود الخ (واما فضله) و شرفه وعبادته وخوفه من ربه فهو فوق ان تحصى ونحن نشير الى شيء منها بقدر ما يليق بهذا المختصر قال الصادق «علیه السلام» حدثي ابي عن ابيه ان الحسن بن علي بن ابيطالب كان أعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم و كان اذا حج حج ماشياً وربما مشي حافيا وكان اذا ذكر الموت بكى واذا ذكر لقبر بكى وإذا ذكر البعث والنشور بكي

ص: 16

واذا ذكر الممر على الصراط كى واذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها و كان اذا قام في صلوته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل وكان اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار و كان (علیه السلام) لا يقرأ من كتاب الله عز وجل يا ايها الذين امنوا إلا قال لبيك اللهم لبيك ولم ير فى شيء من احواله إلا ذاكراً لله سبحانه وكان (علیه السلام) اذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه فقيل له في ذلك فقال (علیه السلام) حق على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله و كان اذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول الهي ضيفك ببابك يامحسن قد اتاك المسي، فتجاوز يارب عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك ياكريم. في البحار عن الفائق ان الحسن (علیه السلام) اذا كان فرغ من الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس وقال الصادق (علیه السلام) ان الحسن (علیه السلام) حج خمساً وعشرين حجة ماشيا وان النجائب لنقاد معه وقاسم الله تعالى ماله مرتين، وفي خسبر قاسم ربه ثلاث مرات حتى كان ليعطى النعل ويمسك الخف. وكان روحي له الفداء اصدق الناس لهجة وافصحهم منطقاً ولقد قيل لمعاوية ذات يوم لو امرت الحسن بن علي بن ابيطالب (علیه السلام) فصعد المنبر فخطب للناس ليبين الناس نقصه فدعاه فقال له اصعد المنبر وتكلم بكلمات تعظنا بها فقام فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا الحسن بن علي بن ابيطالب وابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله انا ابن خير خلق الله انا ابن رسول الله انا این صاحب الفضايل انا ابن صاحب المعجزات والدلائل انا ابن امير المؤمنين انا المدفوع عن حتي انا واخي الحسين سيدا شباب اهل الجنة انا ابن الركن والمقام انا ابن مكة ومنى انا ابن المشعر و عرفات فقال له معاوية خذ في نعت الرماب ودع هذا فقال (علیه السلام) الريح تنفخه والحرور تنضجه والبرود يطيبه ثم عاد في كلامه (علیه السلام) فقال

ص: 17

انا امام خلق الله و ابن محمد رسول الله فخشى معاوية ان يتكلم بعد ذلك بما يفتتن به الناس فقال يا ابا محمد انزل فقد كفى ما جرى فنزل، ومما قال في كلامه (علیه السلام) هذه الكلمة انا المدفوع عن حقي أمن الله من فعه عن مقامه وغصبه حقه وهو معاوية الذي صنع به ما صنع حتى آل الامر بان وادع اليه الامر وعزل نفسه الخ.

المجلس الرابع في جوده وسخائه

من كان خالق هذا الخلق مادحه *** فان ذلك شيء منه مفروغ

فان اطل واقصر في مدائحه *** فليس بعد بلاغ الله تبليغ

كان الحسن بن علي عليهما السلام احد الاجواد وهو أسخى اهل زمانه نقل انه كتب اعرابى الى الحسن عليه السلام

لم يبق لي شيء يباع بدرهم *** يكفيك رؤية منظري عن مخبري

إلا بقايا ماء وجه صنته *** ان لا يباع وقد وجدتك مشتري

فاجابه عليه السلام:

عاجلتنا فاتاك وابل برنا *** طلا ولو أمهلتنا لم نقصر

فخذ القليل وكن كانك لم تبع *** ما صنته وكاننا لم نشتري

فاعطاه معروفاً كثيراً واعتذر اليه في كتاب المحاسن والمأوى اناه رجل يوماً فقال يا بن رسول الله اني عصيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (علیه السلام) بنس ما صنعت فبماذا عصيته قال سيدي قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) شاور وهن وخالفوهن واني اطعت صاحبتي فاشتريت غلاماً فابق قال (علیه السلام) اختر واحدة من ثلاث ان شئت ثمن الغلام قال بابي انت واميقف على هذه ولا تجاوزها قال (علیه السلام) اعرض عليك الثلاث قال حسبي هذه فامر بثمن الغلام وفي البحار والمناقب مثله وفيه ايضاً كان

ص: 18

مولانا الحسن (علیه السلام) اسخی اهل زمانه وذكروا انه اتاه رجل في حاجة فقال (علیه السلام) اذهب فاكتب حاجتك في رقعة وارفعها الينا نقضها لك قال فرفع اليه حاجته فاضعفها له فقال بعض جلسائه ما اعظم بركة الرقعة عليه يا ابن رسول الله فقال (علیه السلام) بركتها علينا اعظم حين جعلنا للمعروف اهلا اما علمت ان المعروف ما كان ابتداء مسئلة فاما من اعطيته بعد مسألة فانما اعطيته بما بذل لك من ماء وجهه وعسى يكون بات ليله متململا ارقا يميل بين اليأس والرجاء لا يعلم لما يتوجه من حاجته ابكأ بة الردام بسرور النجح فيأتيك وفرائصه ترتعد وقلبه خائف يخفق قان قضيت له حاجة فيما بذل لك من ماء وجهه فان ذلك اعظم مما نال من معروفك في البحار عن ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال ان رجلا مر بعثمان بن عفان وهو قاعد على باب المسجد فسأله فأمر له بخمسة دراهم فقال له الرجل ارشدني فقال له عثمان دونك الفنية الذين تراهم واوى بيده الى ناحية من المسجد فيها الحسن والحسين (علیهما السلام) وعبدالله ابن جعفر فمضى الرجل نحوهم حتى سلم عليهم وسألهم فقال له الحسن (علیه السلام) ياهذا ان المسألة لا تحل إلا في احدى ثلاث دم مضجع او دين مقرح او فقر مدقع ففي ايها تسأل فقال في وجه واحدة من هذا الثلاث فمر له الحسن (علیه السلام) بخمسين ديناراً وامر له الحسين (علیه السلام) بتسمة واربعين ديناراً وامر له عبدالله بثمانية واربعين ديناراً فانصرف الرجل فمر بعثمان فقال له ما صنعت فقال مررت بك وسئلت فامرت لي بما امرت ولم تسئلني فيما اسئل وان صاحب الوفرة لما سألته قال ياهذا فيما تسأل فان المسألة لا تحل إلا في احدى ثلاث فاخبرته بالوجه الذي اسأله من الثلاثة فاعطاني خمسين ديناراً واعطاني الثاني تسمة واربعين ديناراً واعطاني الثالث ثمانية واربعين ديناراً فقال عثمان ومن لك بمثل هؤلاء الفتية اولئك فطموا العلم فلما وحازوا الخير والحكمة ومن سخاله ما روى انه سأل الحسن بن علي (علیه السلام)

ص: 19

رجل فاعطاه خمسين الف درهم وخمس مائة دينار وقال (علیه السلام) انت بجمال مجمل لك فاتي بجمال فاعطى (علیه السلام) طيلسانه فقال هذا كرى الحمال وجائه بعض الاعراب فقال (علیه السلام) اعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون الف ديناراً ودرهم فدفعها الى الاعرابي فقال الاعرابى يامولاي ألا تركتني ابوح بحاجتي وانشر مدحتي فانشأ:

نحن اناس نوالنا خضل *** يرتع فيه الرجاء والامل

تجود قبل السؤال انفسنا *** خوفا على ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا *** لفاض من بعد فيضه خجل

في المناقب خرج الحسن والحسين (علیه السلام) وعبد الله بن جعفر حجاجا ففاتهم اثقالهم فجاعوا وعطشوا فرأوا في بعض الشعوب خباء رثا وعجوزاً فاستسقوها فقالت الطلبوا من هذه النعجة ففعلوا واستطعموها فقالت ليس إلا هي فليقم احدكم فليذبحها حتى اصنع لكم طعاماً فذبحها احدهم ثم شوت لهم من لحمها فاكاوا فلما نهضوا قالوا لها نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فاذا انصرفنا وعدنا اقبلي الينا فانا صانعون بك خيراً ثم رحلوا فلما جاء زوجها وعرف الحال اوجعها ضربا ثم مضت الايام فاضرت بها الحال فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فبصر بها الحسن (علیه السلام) قامر لها بالف شاة واعطاها الف دينار وبعث معها رسولا الى الحسين (علیه السلام) فاعطاها مثل ذلك ثم بعثها الى عبد الله ابن جعفر فاعطاها مثل ذلك وسأل رجل الحسن بن علي (علیه السلام) شيئاً فامر له باربع ماءة در هم فكتب له الكاتب أربع ماءة دينار فلما جيء اليه بالكتاب ليختمه قال هذا سخاؤه وعطائه وكتب عليه باربعة آلاف رحم وسمع رجلا الى جنبه في مسجد الحرام يسئل الله ان يرزقه عشرة آلاف درهم فانصرف الى بيته و بعث اليه بعشرة آلاف درهم في البحار حيث جارية الحسن بن علي (علیه السلام) طاقة ريحان فقال لها انت حرة لوجه الله فقيل له في ذلك فقال هكذا ادبنا الله تعالى وقال اذا حبيتم بتحية فحيوا باحسن منها

ص: 20

و كان احسن منها اعتاقها في البحار قال هذه الابيات للحسن عليه السلام.

ان السخاء على العباد فريضة *** لله يقره في كتاب محكم

وعد العباد الاسخياء جنانه *** وأعدّ للبخلاء نار جهنم

من كان لا يندى بداه بنائل *** للراغبين فليس ذاك بمسلم

وله (علیه السلام) ايضاً:

خلقت الخلائق من قدرة *** فمنهم سخي ومنهم بخيل

واما السخي ففي راحة *** واما البخيل فحزن طويل

في المناقب و من علو همته (علیه السلام) قدم معاوية المدينة فجلس في اول يوم يجيز من دخل عليه من خمسة آلاف الى مأة الف فدخل عليه الحسن بن علي (علیه السلام) في آخر الناس فقال ابطأت يا ابا محمد فلعلك اردت ان تبخلي عند قريش فانتظرت يمني ما عندنا باغلام اعط الحسن مثل جميع ما اعطينا في يومنا هذا يا ابا محمد وانا ابن هند فقال الحسن «علیه السلام» لا حاجة لي فيها يا ابا عبد الرحمن ورددتها وانا ابن فاطمة بنت محمد «صلی الله علیه وآله وسلم» رسول الله وفيه عن المبرد في الكامل قال مروان بن الحكم انى مشغوف ببغلة الحسن بن علي (علیه السلام) فقال له ابن عتيق ان دفعتها اليك تقض لي ثلثين حاج-ة قال نعم قال اذا اجتمع الناس فاني آخذ في مآثر قريش وامسك عن مآثر الحسن (علیه السلام) فلمني على ذلك فلما حضر القوم اخذ فى اولية قريش فقال مروان ألا تذكر اولية ابي محمد وله في هذا ما ليس لأحد قال انما كنا في ذكر الاشراف ولو كنا في ذكر الاولياء والانبياء لقدمنا ذكره فلما خر الحسن (علیه السلام) ليركب تبعه ابن ابي عتيق فقال له الحسن (علیه السلام) وتبسم في وجهه ألك حاجة قال نعم ركوب البغلة فنزل (علیه السلام) ودفعها اليه (ان الكريم اذا خادعته انخدعا) قيل هذه البغلة هي التي ركبها مروان يوم وفات الحسن (علیه السلام) واقبل الى عايشة وقال لها انت جالسة والحسين يريد ان يدفن

ص: 21

اخاه الحسن (علیه السلام) عند جده فانه ان فن ليذهبن فخر ابيك وصاحبه قوي والحقيه وامنعيه قالت فكيف الحقه قال اللعين اركي بغلتي هذه فنزل عن البغلة وركبتها الى آخر القصة وفي سفينة البحار قال روى المدائني عن جزيرة ابن اسماء قال لما مات الحسن (علیه السلام) واخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم عليهما لعائن الله سريره فقال له الحسين (علیه السلام) تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرعه الغيظ قال مروان نعم كنت افعل ذلك بمن يوازن حمله الجبال.

المجلس الخامس فى معجزاته

في مدينة المعاجز عن محمد بن اسحق قال كان الحسن والحسين (علیهما السلام) طفلين يلعبان فرأيت الحسن (علیه السلام) وقد صاح بنخلة فاجابته بالتلبية وسعت اليه كما يسعى الولد الى والده وفيه عن كثير بن سلمه قال رأيت الحسن (علیه السلام) في حياة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اخرج من صخرة عسلا مأذيا فاتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبرته قال اتنكرون لابني هذا انه سيد وسيصلح الله به بين الفئتين وتطيعه اهل السماء في سمائه واهل الارض في ارضه وفيه عن ابي سعيد الخدري قال رأيت الحسن ابن علي (علیه السلام) وهو طفل والطير تظله ورأيته يدعو الطير فتجيبه في المناقب جاء ابو سفيان الى علي (علیه السلام) فقال يا ابا الحسن جئتك في حاجة قال وفيم جئتني قال تمشي معي الى ابن عمك فتسأله ان يعقد لنا عقداً ويكتب لنا كتابا فقال يا اباسفيان لقد عقد لك رسول الله عقداً لا يرجع عنه ابداً وكانت فاطمة «علیها السلام» من وراء الستر والحسن بدرج بين يديها وهو طفل من ابناء اربعة عشر شهراً فقال لها يابنت محمد قولي لهذا الطفل يكلم لي جده فيسود بكلامه العرب والعجم فاقبل حسن «علیه السلام» الى ابي سفيان وضرب احدى يديه على انفه والاخرى على لحيته ثم انطقه الله عز وجل قال يا أبا سفيان قل لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى اكون شفيعاً لك فقال علي «علیه السلام»

ص: 22

الحمد لله الذي جعل في آل محمد من ذرية محمد المصطفى نظير يحيى بن زكريا اذ قال فيه واتيناه الحكم اسبيا وفيه ايضا عن الصادق «علیه السلام» قال بعضهم الحسن ابن علي «علیه السلام» في احتماله الشدائد عن معاوية فقال «علیه السلام» كلاماً معناه لو دعوت الله تعالى لجعل العراق شاماً والشام عرافا وجعل المرأة رجلا والرجل امرأة فقال رجل شامي ومن يقدر على ذلك فقال «علیه السلام» انهضي الا تستحين ان تقعدي بين الرجال فوجد الرجل نفسه امرأة ثم قال (علیه السلام) وصارت عيالك رجلا وتقاربك وتحمل عنها و تلد ولداً خنثى فكان كما قال (علیه السلام) ثم انهما تابا وجاءا اليه فدعا الله تعالى فعادا الى الحالة الأولى.

يابن النبي المصطفى *** وابن الوصي المرتضى

يابن البتول فاطم *** الزهراء سيدة النساء

يا بن الحطيم وزمزم *** وابن المشاعر والصفا

يا بن السماحة والندى *** و ابن المكارم والهدى

في مدينة المعاجز عن جابر قال رأيت الحسن بن علي (علیه السلام) وقد علا في الهواء وغاب في السماء فاقام بها ثلاثاً ثم نزل بعد ثلاث وعليه السكينة والوقار فقال بروح اباني نلت ما نلت وفيه عن منصور قال رأيت الحسن بن علي (علیه السلام) وقد خرج مع قوم يستسقمون فقال للناس ايما احب اليكم المطر أم البرد ام اللؤلؤ فقالوا يا بن رسول الله ما احبت فقال (علیه السلام) على ان لا يأخذ احد منكم لدنياه شيئاً فاتاهم بالثلاث ورأيناه ياخذ الكواكب من السماء ثم يشتتها فتطير كالعصافير الى مواضعها وفيه عن قبيصة بن ابن ایاس قال كنت مع الحسن بن علي (علیه السلام) وهو صائم ونحن نسير معه الى الشام وليس معه زاد ولا ماء ولا شيء إلا ما هو عليه راكب فلما غاب الشفق وصلى العشاء فتحت ابواب السماء وعلق فيه القناديل ونزلت الملائكه ومعهم الموائد والفواكه

ص: 23

وطسوس و اباريق وموائد تنصب ونحن سبعون رجلا فنقل من كل حار وبارد حتى امتلينا وامتلى ثم رفعت على هيئنها لم تنتقص وفيه عن الاشعث بن قيس قال كنت مع الحسن بن علي (علیه السلام) حين حوصر عثمان في الدار فارسله ابوه ليدخل اليه الماء فقال با اشعث الساعة الساعة يدخل عليه من يقتله وانه لا يمسى فكان كذلك ما امسى بومه ذلك وفيه قال الراوي مسمعت الحسن بن علي (علیه السلام) وهو يقول في يوم الدار انا اعلم من يقتل عثمان فسماه قبل ان يقتله باربعة ايام فكان اهل الدار يسمونه الكاهن وفيه عن جابر قال قلت للحسن بن علي (علیه السلام) احب ان تريني معجزة نتحدث عنك ونحن في مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فضرب برجله حتى اراني البحور وما يجري فيها من السفن ثم اخرج من سمكها فاعطانيه فقلت لا نبي محمد احمل الى المنزل فحمل فاكلنا منه ثلا ثلاثا وفيه عن زيد بن ارقم قال كنت بمكة والحسن بن علي (علیه السلام) بها فسألناه ان يرينا معجزة تتحدث بها عندنا بالكوفة فرأيته وقد تكلم ورفع البيت حتى علا به في الهواء واه-ل مكة يومئذ غافلون يكبرون فمن قائل يقول ساحر ومن قائل يقول اعجوبة فجاء خلق كثير تحت البيت والبيت في الهواء ثم رده وفيه قال ابراهيم بن كثير بن محمد جبرئيل رأيت الحسن بن على (علیه السلام) وقد استقى ماء فابطا عليه السؤال فاستخرج من سارية المسجد ماء فشرب وسقى اصحابه ثم قال لو شئت سقيتكم لبنا وعسلار فقلنا فاسقنا لبنا وعسلا فسقانا لبنا وعملا من سارية المسجد مقابل الروضة التي فيها قبر فاطمة (علیها السلام) وة وفيه عن عبد الله بن عباس قال مرت بالحسن بن علي «علیه السلام» بقرة فقال حبلى بمجلة انثى لها غرة في جبهتها ورأس ذنبها ابيض فانطلقنا مع القصاب حتى ذبحها فوجدنا المجلة كما وصف على صورتها فقلنا او ليس قال الله عز وجل يعلم ما في الارحام فكيف علمت قال انا نعلم المكنون المحزون المكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا ني مرسل غير محمد وذريته عليهم السلام وفيه عن الصادق «علیه السلام» قال خرج الحسن بن

ص: 24

علي (علیه السلام) الى مكة ماشياً فورمت قدماه فقال له بعض مواليه لو ركبت امسكت عنك هذه الورمة فقال كلا اذا اتينا هذا المنزل فانه يستقبلنا اسود ومعه دهن فاشتر منه ولا تماكه فقال له مولاه بابي انت وامي ما قدامنا منزل فيه احد يبيع هذا الدواء فقال بلى انه امامك دون المنزل فسار ميلا فاذا هو بالاسود فقال الحسن (علیه السلام) لمولاه دونك الرجل فخذ منه الدهن واعطه الثمن فلما جاء اليه وطلب منه الدهن فقال الاسود لمن اردت هذا الدهن فقال للحسن بن علي فقال انطلق بي اليه فانطلق به فادخله عليه فقال بابي انت وامي لم اعلم انك تحتاج الى هذا واست اخذ له ثمناً ائما انا مولاك و لكن ادع الله ان يرزقنى ولداً ذكراً سويا بحبكم اهل البيت فاني خلفت اهلي وهي تمخض فقال انطلق الى منزلك فقد وهب الله لك ذكراً سوبا وهو من شيعتنا (اقول) هذا يوم ورمت قدماه في المشي الى بيت الله ويوم آخر ايضاً ورمت قدمه مما اورده عليه ذلك الاعمى الموصلي امنه الله وهو هذا ضربه بعصا من حديد مسموم على قدمه واخرجه من باطن قدمه فصاح الامام و غشى عليه الخ وايضاً في مدينة المعاجز عن ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال خرج الحسن بن علي بن ابي طالب (علیه السلام) في بعض عمره ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بامامته فنزلوا في منهل من ثلاث المناهل نحت نخل يابس قد يبس من العطش ففرش للحسن (علیه السلام) تحت نخلة وفرش للزبيرى محذاه تحت نخلة اخرى فرفع الزبيرى رأسه وقال لو كان في هذا النخل رطب لا كانا منه فقال له الحسن (علیه السلام) وانك لتشتهي الرطب فقال الزبيري نعم فرفع يده الى السماء فدعى (علیه السلام) بكلام لم افهم فاخضرت النخلة ثم صارت الى حالها فار رقت وحملت رطبا فقال الجمال الذي اكثروا منه سحر و الله قال فقال الحسن (علیه السلام) ويلك ليس بسحر ولكن دعوة ابن نبي مستجابة قال فصعدوا الى النخلة فصر موا ما كان فيها فكفاهم (وفيه) عن رشيد الهجري قال دخلت على ابي محمد الحسن (علیه السلام) بعد ان مضى ابوه امير المؤمنين (علیه السلام)

ص: 25

فتذاكرنا شوقنا اليه فقال (علیه السلام) اتحبون ان ترونه قلنا نعم وانى لنا بذلك وقد مضى لسبيله فضرب بيده الى ستر كان معلقاً على باب في صدر المجلس فرفعه وقال انظروا الى هذا البيت فنظرنا فاذا امير المؤمنين عليه السلام جالس كاحسن ما رأيناه في حياته فقال (علیه السلام) هو هو ثم علق الستر عن يده فقال بعضنا هذا الذي رأيناه من الحسن (علیه السلام) كالذي كنا نشاهده من دلائل امير المؤمنين (علیه السلام) ومعجزاته (وفيه) عن ثقيف البكاء قال رأيت الحسن بن علي (علیه السلام) عند منصرفه من عند معاوية وقد دخل عليه حجر بن عدي فقال السلام عليك يامذل المؤمنين فقال مه ما كنت مذلهم بل انا معز المؤمنين وانما اردت الابقاء عليهم ثم ضرب برجله في فسطاطه فاذا انا في ظهر الكوفة وقد خرق الى دمشق ومضى حتى رأينا عمرو بن العاص بمصر ومعاوية بدمشق فقال لو شئت لنزعتهما ولكن هاه هاه ومضى محمد على منهاج وعلي على منهاج وانا اخالفهما لا يكون ذلك منى لا والله ما اخالفهما بل اقتدي بهما واقتفي باثارهما حتى مضى شهيداً مظلوماً مسموماً الخ ومعجزاته كثيرة وقد اكتفينا بما ذكرنا ومن معجزاته اخباره بالمغيبات كما سمعت بعض ذلك منها اخباره بشهادته في المناقب قال الحسن بن علي (علیه السلام) لاهل بيته اني اموت با اسم كمامات رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال له اهل بيته ومن الذي يسمك قال جاريتي او امرأتي فقالوا له اخرجها من ملكك عليها لعنة الله فقال هيهات من اخراجها ومنبتى على يدها مالى منها محيص ولو اخرجتها ما يقتلنى غيرها كان قضاء مقضياً وامراً واجباً من الله فلما ذهبت الايام بعث معاوية الى امرأته جعدة مما و اموالا واشار عليها بقتله فقال الحسن (علیه السلام) يوماً هل عندك من شربة لبن فقالت نعم وجاءت به وفيه ذلك السم وجد من السم في الذي بعث به معاوية فلما شعر جسده فقال ياعدوة الله قتلتني قاتلك الله اما والله لا تصيبين مني خافا ولا تنالين من الفاسق عدو الله اللعين خيراً ابداً.

ص: 26

المجلس السادس فيما جرى بينه وبين معاوية

في المناقب ان معاوية فخر يوماً والحسن عليه السلام كان حاضراً فقال معاوية انا ابن بطحاء مكة انا ابن اغزرها جوداً واكرمها جدوداً انا ابن من ساد قريشاً فضلا ناشئا و كهلا فقال الحسن (علیه السلام) اعلي تفتخر يا معاوية انا ابن عروق الثرى انا ابن ماوى التقى انا ابن من جاء بالهدى انا ابن من ساد اهل الدنيا بالفضل السابق والحسب الفائق انا ابن من طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله فهل لك اب كابي تباهيني به وقديم كقديمي تساميني به تقول نعم اولا قال معاوية بل اقول لا وهي لك تصديق فقال الحسن (علیه السلام):

الحق ابلج ما يحيل سبيله *** والحق يعرفه ذووا الالباب

وقال معاوية يوماً للمحسن (علیه السلام) انا اخير منك ياحسن قال (علیه السلام) وكيف ذلك يا ابن هند قال لأن الناس قد اجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك قال هيهات اشر ما علوت يا ابن اكاة الاكباد المجتمعون عليك رجلان بين مطيع ومكره فالطابع لك عاص الله والمكره معذور بكتاب الله وحاش لله ان اقول انا خير منك فلا خير فيك و لكن الله براني من الرذائل كما براك من الفضائل وتفاخرت قريش الحسن بن علي (علیه السلام) حاضر لا ينطق فقال معاوية يا ابا محمد مالك لا تنطق فوالله ما انت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان فقال الحسن (علیه السلام) ما ذكروا فضيلة الاولى محضها ولبابها. في المناقب أن الحسن ابن علي (علیه السلام) مر في مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بحلقة فيها قوم من بني امية فتغاضوا به وذلك عند ما تغلب معاوية على ظاهر امره فرآهم وتغامز هم به فصلى ركعتين فقال قد رأيت تغامر كمام والله لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين ولا شهراً إلا ملكنا شهر بن ولا سنة إلا ملكنا سنتين وانا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس وتركب وتنكح وانتم لا تركبون في سلطاننا ولا تشربون ولا تأكلون ولا تنكحون فقال له رجل

ص: 27

فكيف يكون ذلك يا ابا محمد وانتم اجود الناس وارأفهم وارحمهم تأمنون في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم فقال (علیه السلام) لانهم عاد نا بكيد الشيطان وهو ضعيف وعاديناهم بكيد الله وكيد الله شديد (وفيه) ان الحسن بن علي (علیه السلام) دخل على معاوية يوما فجلس عند رجليه وهو مضطجع فقال له يا ابا محمد ألا أعجبك من عائشة تزعم اني است الخلافة اهلا فقال الحسن (علیه السلام) و اعجب من هذا جلوسي عند رجليك وانت نائم فاستحى معاوية واستوى قاعداً واستعذره وفيه ان سعيد بن سرح هرب من زياد بن ابيه الى الحسن بن علي (علیه السلام) فكتب الحسن (علیه السلام) الى زياد يشفع فيه فكتب زياد لعنه الله من زياد بن ابي سفيان الى الحسن بن فاطمة أما بعد فقد اتاني كتابك تبدء فيه بنفسك قبلي وانت طالب حاجة وانا سلطان وانت سوقة وذكر نحواً من ذلك فلما قرأ الحسن (علیه السلام) الكتاب تبسم وانفذ بالكتاب الى معاوية فكتب الى زياد يؤنبه ويأمره ان يخلى عن اخي سعيد وولده وامرأته ورد ماله وبناء ما قد هدمه من داره ثم قال واما كتابك الى الحسن (علیه السلام) باسمه واسم امه لا تنسبه الى ابيه وامه بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وذلك الفخر له ان كنت تعقل وفيه ان مروان بن قال للحسن بن علي بين يدي معاوية اسرع الشيب الى شاربك ياحسن ويقال ان ذلك من الخرق فقال (علیه السلام) ليس كما بالفك ولكنا معشر بني هاشم طبيبة أفواهنا عذبة اشفاهنا فنساؤنا يقبلن علينا بانفاسهن وانتم بني امية فيكم بخر شديد فنساؤكم يصرفن افواههن وانفاسهن الى اصداءكم فانما يشيب منكم موضع العذار من اجل ذلك قال مروان اما ان فيكم يا بني هاشم خصلة سوء قال وما هي قال الغلمة قال (علیه السلام) اجل نزعت من نسائنا ووضعت في رجالنا ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم فما قام لاموية إلا هاشمي ثم خرج وفيه جلس الحسن بن علي (علیه السلام) ويزيد بن معاوية يأكلان من الرطب فقال يزيد يا حسن اني منذ كنت ابغضك قال الحسن (علیه السلام) اعلم

ص: 28

يا يزيد ان ابليس شارك ابك في جماعه فاختلط الماكان فاورتك ذلك عداوتي لأن الله تعالي يقول وشاركهم في الاموال والاولاد وشارك الشيطان حربا عند جماعه فولد له صخر فلذلك كان يبغض جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول ابن حماد:

كم بن مولود ابوه وامه *** قد شاركا في حمله الشيطانا

و مطهر لم يجعل الرحمن للشيطان في شرك به سلطانا

(اقول) ولا شك ان هؤلاء اشقى واخبث من ابليس لأن ابليس مع شقاوته لا يبغض عليا واولاده ل بحبهم كما في الخبر الذي ذكره الصدوق (رحمه الله) في الامالي ونحن نقلنا عنه في كتابنا المسمى بشجرة طوبى فى قصة يوم الغدير ونذكر هاهنا موضع الحاجة لما سئلوا ابليس وقالوا له انت من شيعة علي (علیه السلام) قال ما انا من شيعته ولكني احبه وما يبغضه احد إلا وانا شاركته فى المال والولد الخ وهؤلاء يعني معاوية وابو سفيان ويزيد لعنهم الله كانوا في غاية العداوة واشد البغضاء لعلي (علیه السلام) وابنائه (اقول) لقد صنع معاوية مع علي ما صنع لأجل الرياسة والسلطنة فاسألكم بالله وما السبب فيما صنع بالحسن (علیه السلام) وهو روحي له الفداء قد وارع اليه الأمر وعزل نفسه عن الخلافة وجلس قعر بيته مظلوما مهضوما ثم ان معاوية بعد ما صنع بامامنا الحسن (علیه السلام) ما صنع دس مما قتالا الى جعده واشار اليها بقتل الحسن ففعلت الملعونة الخ.

المجلس السابع فيما جرى عليه بعد ارتحال امير المؤمنين (علیه السلام)

في البحار خطب الحسن بن علي (علیه السلام) في الناس بعد ما رجع عن دفن ايه امير المؤمنين حمد الله واثنى عليه وصلى على رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ثم قال ايها الناس نقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الاخرون بعمل لقد كان

ص: 29

یجاهد مع رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» فيقيه بنفسه وكان رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» بوجهه برايته فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه ولقد توفى في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم والتي قبض فيها يوشع بن نون وهى موسى وعند الله تحتسب عزانا فيه ولقد اصيب به الشرق والغرب والله ما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعماءة درهم فضات من عطائه اراد ان يبتاع بها خادما لاهله ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس من حوله ثم قال ايها الناس انا ابن النذير انا ابن الداعي الى الله باذنه انا ابن السراج المنير انا من اهل بيت اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً انا من اهل بيت فرض الله مودتهم في كتابه فقال تعالى قل لا اسألكم عليه اجراً إلا المودة في القربى ومن يفترف حسنة نزد له فيها حسنا فالحسنة مودتنا اهل البيت أيها الناس حدثني جدي رسول الله ان هذا الامر يملكه اثنى عشر اماماً من اهل بيته وصفوته ما منا إلا مقتول او مسموم وسمع هذا الكلام منه ايضاً يوم وفاته قال لجنادة ابن ابي امية حين دخل عليه وتكلم بما تكلم واجابه «علیه السلام» بما اجاب قال «علیه السلام» ولقد عهد الينا رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ان هذا الامر يملكه اثنى عشر اماما من ولد علي وفاطمة مامنا إلا مقتول أو مسموم الي آخر القصة وفي خبر آخر ذكره المجلسى في العاشر من البحار لما قبض امير المؤمنين «ع» صعد الحسن بن علي «ع» على المنبر اراد الكلام فخنقته العبرة فقعد ساعة وبكى هر رجميع من في المسجد ثم حمد الله واثنى عليه وذكر النبي وصلى عليه وقال ايها الناس ان الدنيا دار بلاء وفتنة وكل ما فيها فالى زوال واضمحلال وعند الله نحتسب عزانا في خير الاباء رسول الله «علیه السلام» وعنده تحتسب عزانا في امير المؤمنين والحمد لله الذي احسن الخلافة علينا اهل البيت ايها الناس اني ابا يعكم على ان تحاربوا من خاربت وتس الموا من سالمت ثم جلس فقام عبدالله بن عباس بين يديه وقال معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصى امامكم فبايعوه

ص: 30

فاستجاب له الناس وقالوا سمعنا واطعنا وما احبه الينا و اوجب حقه علينا فباروا الى البيعة بالخلافة وقالوا مرنا بامرك يا ابن رسول الله فرتب الحسن «علیه السلام» العمال وامر الامراء ونظر في الامور فلما بلغ معاوية بن ابي سفيان موت علي «علیه السلام» وبيعة الناس لابنه الحسن «علیه السلام» عزم على الاخلال والا فساد ودعا الناس الى الطاعة له والانقياد ودس رجلا من الحمير الى الكوفة ورجلا من بني القين الى البصرة ليكتبا اليه بالاخبار و يفسدا على الحسن الامور ولم يقنع بذلك حتى كتب ودس دسيسا الى رؤساء اهل الكوفة وهم عمرو بن حريث والاشعث بن قيس والحجر بن الحجر وشبث بن ربعي امنهم الله وافرد كل واحد منهم بعين من عيونه وكتب الى كل واحد منهم انك ان قتلت الحسن بن علي (علیه السلام) فلك مأنا الف درهم وجند من اجناد الشام و بنت من بناتي فبلغ ذلك امامنا الحسن (علیه السلام) وكان يحترز من هؤلاء ولبس درعا وكفرها ولا يتقدم للصلوة بهم الا كذلك فرماه احد في الصلوة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من الدرع فقام (علیه السلام) بينهم ووعظهم وقال ياقوم وبلكم والله ان معاوية لا بني لاحد منكم بما ضمنه في قتلي واني اظن ان وضعت يدي في يده فاسالم. لم يتركني ادين لدين جدي واني اقدر ان اعبدالله عز وجل وحدي ولكن كاني انظر الى ابنائكم واقفين على ابواب ابنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعل الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون فبعداً وسحقاً لما كسبته ايديهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم ولم يزل معاوية يسعى فى افساد الامر على الحسن (علیه السلام) وطرح الحيل والمكائد وبذل الاموال بين اهل العراق حتى اخذ منهم دينهم وقلبهم على امامهم واصبح الحسن (علیه السلام) بين اهل العراق غريباً وحيداً بلا ناصر ولا معين فلما رأى ذلك اضطر الى ان فعل ما فعل من الصلح ووادع اليه الامر وعزل نفسه عن الخلافة وخرج روحي فداه من الكوفة الى المدينة واقام بها كاظماً غيظه لازماً بيته منتظراً

ص: 31

لامر الله تعالى وما اكتفى معاوية بما فعل حتى عزم على اخذ البيعة لا بننه يزيد وهم بقتل الحسن (علیه السلام) فما ذهبت الايام والليالي إلا وارسل الى جملة بنت الاشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن (علیه السلام) مالا جسيما وسماً قتالا وضمن لها بان يزوجها لابنه يزيد ويعطيها .أة الف درهم لتقي الحسن (علیه السلام) ذلك السم وكان روحي فداه صائماً في يوم شديد الحر فلما كان عند الافطار اخرجت جعدة له شربة من اللين والقت فيها ذلك السم فشربها فبمجرد ما شرب احس بالسم صاح اه يا عدوة الله قتلتني قتلك الله والله لا تصيبين مني خلفا ولقد غرك وسخر منك والله يخزبه ويخزيك فقى السم في جوفه حتى قطع جميع احشاء وامعاء، فدعا بطشت والقى بنفسه عليه ورمى بكيده في الطشت فملأ الطشت من الدم ومما يخرج من جوفه قال عمرو بن اسحق دخلت عليه انا ورجل في مرضه الذي توفى فيه فقال (علیه السلام) يافلان سلني قال قلت لا والله لا اسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك قال ثم دخل ثم خرج الينا وقال سلني قبل ان لا تسألني قال قلت بل يعافيك الله ثم لنسألك قال (علیه السلام) الآن القيت طائفة من كبدي واني قد سقيت السم مراراً فلم اسق مثل هذه المرة قال فخرجت من عنده ثم رجعت اليه بعد ذلك فرأيته يجود بنفسه والحسين عند رأسه يبكي ويقول اخي كيف تجد نفسك قال اجدها في آخر يوم من ايام الدنيا واول يوم من ايام الآخرة اعلم يا اخي اني مفارقك ولاحق بربي وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطشت واني لعارف بمن سفاني ومن ابن دهيت وأنا اخاصمه الى الله تعالى فقال له الحسين «علیه السلام» ومن سفك قال ما تريد به اتريد ان تقتله ان يكن هو هو فالله اشد نقمة وان لم يكن هو فما احب ان يؤخذ بي برىء وبحقي عليك ان تكلمت في ذلك بشيء وانتظر ما يحدث الله في اخي فاذا قضيت نحي فعمضني وغسلني وكمني واحملني على سريري الى قبر جدي رسول الله لا جدد به عهداً ثم ردني الى قبر جدتي فاطمة فادفنى هناك

ص: 32

وستعلم يا بن ام ان القوم يظنون انكم تريدون دفني عند رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فيجلبون في ذلك ويمنمونكم منه وبالله اقسم عليك ان تهرق محجمة دم في امرى ثم وصى اليه باهله وولده وتركاته فودع عياله وأولاده واخوانه ثم عرق جبينه وسكن انينه وغمض عينيه ومد يديه ورجليه نحو القبلة وقال اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمداً رسول الله وقضى نحبه ومات مسموماً شهيدا مظلوما وسيأتي باقي المصيبة انفا انشاء الله

المجلس الثامن فى احوال أصحابه

ولما قبض امير المؤمنين (علیه السلام) جاء الناس الى الحسن (علیه السلام) وقالوا انت خليفة ابيك ووصيه ونحن السامعون المطيعون لك فمرنا بامرك فقال (علیه السلام) كذبتم ياقوم والله ما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لى وكيف اطمئن بكم فلما بلغ معاوية اجتماع الناس على الحسن «علیه السلام» ومقالتهم اياه قام يدعو الناس الى نفسه وسار قاصداً نحو العراق في عسكر عظيم عازماً على الحرب بل الخبر الى الحسن «علیه السلام» قام في اصحابه وخطبهم ووعظهم واخبرهم يمجيء معاوية ودعاهم الى القتال وذكر لهم عهودهم ومواثيقهم وقال ياقوم ان كنتم صادقين فيما اعطيتموني من انفسكم العهد والميثاق والبيعة فوافو الى معسكري بالمدائن فموعد ما بيني وبينكم هناك فقام وركب وركب معه من اراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير فما وفوا بما قالوه وبما وعدوه وغروه كما غرو المير المؤمين من قبله فقام «علیه السلام» خطيباً وقال غررتموني كما غررتم من كان قبلي مع اي امام تقاتلون بعدي مع الكافر الظالم الذي لا يؤمن بالله وبرسوله قط ولا اظهر الاسلام هو وبنو امية الافرقا من السف ولو لم يبق لبني امية الاعجوز در داء لبغت دين الله عوجا وهكذا قال رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ثم وجه قائدا الى معاوية فى اربعة الاف من اهل العراق وكان القائد من كندة وامره ان يمسكر بانبار حتى باتيه امره فلما توجه الى الانبار ونزل بها وعلم معاوية بذلك بعث الي الكندي

ص: 33

رسالة وكتب اليه معهم انك ان اقبلت الى اولك بعض كور الشام والجزيره وارسل اليه بخمسمائة الف درهم فقبض الكندي المسال وقلب على الحسن وصار الى معاوية في مائتين من خاصة اصحابه فبلغ ذلك الحسن (علیه السلام) فقام خطيبا وقال هذا الكندي توجه الى معاوية وغدر بي وقد اخبرتكم مرة بعد مرة انه لا وفاء لكم انتم عبيد الدنيا وانا موجه رجلا آخر مكانه واني اعلم انه سيفعل بي و بكم كما فعل صاحبه ولا يراقب الله في ولا فيكم فبعث رجلا من مراد في اربعة الاف و تقدم اليه بمشهد من الناس وتوك-د عليه واخبره انه سيغدر كما غدر الكندي فحلف بالايمان المغلظة انه لا يفعل فقال الحسن (علیه السلام) انه سيغدر فلما توجه الى الانبار ارسل معاوية اليه رسلا وكتب اليه بمثل ما كتب الى صاحبه الكندي وبعث اليه مخمسماة الف درهم ومناه اي ولاية احب من كور الشام والجزيره فقلب على الحسن (علیه السلام) واخذ طريقه الى معاوية ولم يحفض ما اخذ عليه من العهود و بالغ الحسن (علیه السلام) ما فعله المرادي فقام خطيباً وقال قد اخبرتكم مرة بعد اخرى انكم لا تفون الله بعهود وهذا صاحبكم المرادي غدر بي وبكم وصار الى معاوية فقالوا أن خانك رجلان وغدرا بك فانا مناصحون لك فقال ان معسكرى بالنخيله فوافوني هناك واني لا علم انكم غادرون بي ورالله لا تفون لي بعهد ولننة ضن الميثاق بيني وبينكم ثم انه اخذ طريق نخيله فمسكر عشرة ايام فلم يحضره الا اربعة الآف وكتب اكثر اهل الكوفة الى معاوية بانا معك وان شئت اخذنا الحسن اسيرا وبعثناه اليك وكتب معاوية كتاباً الى الحسن (علیه السلام) يقول فيه يا ابن العم لا تقطع الرحم الذي بيني و بينك فان الناس غدروا بك وبأبيك من قبل وهذا كتاب اهل الكوفه الي فلما وصل الكتاب الى الحسن (علیه السلام) رجع الى الكوفه وصعد المنبر وقال ياعجبا من قوم لاحياء لهم ولا دين ولو سلمت الامر لمعاوية فايم الله لا ترون فرحاً ابدامع بني امية والله ليسمونكم سوء العذاب حتى تتمنوا ان عليكم جيشاً جيشا ولو وجدت اعوانا ما سلمت له الامر

ص: 34

لأنه محرم على بني امية فاف لكم وترحا يا عبيد الدنيا اقول وهذه كيفية حال اصحابه قبل ان يصالح لمعاوية ويسلم الامر اليه وينزل نفسه عن الخلافه فلما وادع لامر اليه وصالح مع معاويه ولزم بيته وقعد منصوباً حقه فهؤلاء الذين كانوا يعاندونه بالامس وهموا باخذه وتسليمه الى معاوية وكلما يدعوهم الحسن (علیه السلام) فلم يجيبوه و كانوا ان يوادع الحسن الامر لمعاوية ويعزل نفسه عن الخلافه فبعد ما فعل الحسن (علیه السلام) ما فعل وصالح معاوية اخذ اليوم يكلونه بما لا يتحمله أحد فمنهم من يسبه ومنهم من يشتمه ومنهم من يكفره ومنهم من يشتم اباه ولكن العجب من بعض اخر وهم من شيعته ولا احب ان اشير الى اسمائهم وكانه من حرقة قلوبهم يأتون ويقولون له انت مسود الوجوه ومنهم من من يسلم عليه و يقول السلام عليك يامذل المؤمنين ومنهم من يقول وددت انك مت قبل يومك هذا ولم تكن حتى تعزل نفسك عن الخلافه وتصالح معاوية وهو روحي فداء بينهم في المحنة والشدة والاذى وهو يصبر ويتحمل و يقول لئن مسائني دهري عرمت تصبراً وكل بلاء لا يدوم يسير وان سرني لم ابتهج بسروره وكل سرور لا يدوم حقير هذا حاله (علیه السلام) الى ان سقي السم وخرج كبد من جوفه قطعة قطعه آه آه. وبشر به السم النقيع عداوة من كف جعدة قد قضى الحسن السني و لعمري لقد استراح الحسن «علیه السلام» حين سقى ذلك السم وخرج كبده ومات وفارق هؤلاء المنافقين ولحق بجده وابيه وامه كما قال حين سئله الحسين «علیه السلام» خي كيف تجدك قال اجدني في اول ايام من ايام الاخره وآخر يوم من ايام الدنيا واني وارد على جدي وابي وامي على محبة من اللقاء رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وامير المؤمنيين علي بن ابي طالب وامي فاطمة وحمزة وجعفر، وفى الله عز وجل خلف من كل هالك وعزاء من كل مصيبه ودرك من كل مافات اقول ولقد قرت عيونهم بملاقاته لانهم مشتاقون الى لقائه وروثينه ولكن تبا وتعا لقوم قرت عيونهم بموت الحسن «علیه السلام» وفرحوا بقتله وهم معاوية واتباعه من اهل الشام قال المجلسي في

ص: 35

البحار ولما باغ معاوية لعنه الله موت الحسن بن علي (علیه السلام) سجد وسجد من حوله وكبر وكبر من حوله وقال الدميري في حيوة الحيوان لما توفي الحسن (علیه السلام) و بلغ معاوية موته سمع تكبيره من الخضراء فكبر أهل الشام لذلك التكبير فقالت فاختتة ابنة فريضه لمعاوية افر الله عينك ما الذي له كبرت فقال مات الحسن فقالت اعلى موت ابن فاطمة تكبر فقال والله ما كبرت شماتة بموته ولكن استراح قلبي كبروا لموت الحسن (علیه السلام) وكبر و امتل الحسين (علیه السلام) لما قطع الشعر راسه المقدس ورفعه على راس ريح طويل كبر لامين ثلاث وكبر اهل الكوفه لعنهم الله. ويكبرون بان قتلت وانما قتلو ابك التكبير والتهليلا دخل ابن عباس على معاوية بعد وفات الحسن (علیه السلام) فقال له معاوية يابن عباس امات ابو محمد قال نعم وبلغني تكبيرك وسجودك اما والله لا يسد جثمانه حفرتك ولا يزبدا نقضاء اجله في عمرك قال حسبته ترك صبية صغارا ولم يترك عليه كثير معاش فقال ان الذي وكاهم اليه غيرك وكنا صغارا فكبرنا قال فانت سيد القوم قال اما ابو عبد الله الحسين (علیه السلام) ابن علي (علیه السلام) باق الخ

المجلس التاسع في رحلته وشهادته وقصة الحسن مع معاوية

فلما رأى الحسن (علیه السلام) خذلان اصحابه و فساد نياتهم وعدم ثباتهم في عهودهم ومواثيقهم وليس فيهم من يا من غوايله الاخاصة من شيعة ابيه وهم جماعة قليلة ولا فيهم سن يامن ينصره ويحارب مع جنود الشام الا عدد معدود وانفذ معاوية اليه بكتب اهل العراق الذين ضمنوا فيه الفتك بالحسن (علیه السلام) او تسليمه الى معاوية وكتب معاوية اليه في الهدنة والصلح واشتد لا امر بالحسن (علیه السلام) واضطر الى ان يصالح ويسلم الأمر اليه و يعزل نفسه عن الخلافة فاراد ان يعلم اولا لاصحابه ويخبرهم بذلك ويمتحنهم ويستبر احوالهم

ص: 36

فامر ان ينادي في الناس بالصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم وقال في خطبته الحمد عبده لله كلما حمده حامد واشهد ان لا اله الا الله كلما شهد له شاهد واشهد ان محمداً ورسوله أرسله بالحق والتمنه على الوحي اما بعد فاني والله لارجو ان اكون قد اصبحت محمد الله ومنه وانا أنصح خلق الله لخلقه وما اصبحت محتملا علي مسلم صغينة ولا مريدا له بسوء ولا غائلة الاوان ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحون في الفرقة الاواني ناظر لكم خيراً من نظركم لا نفسكم ولا تخالفوا امري ولا تردوا على رأبي غفر الله لي ولكم وارشدني واياكم لما فيه المحبة والرضا قال فنظر الناس بعضهم الى بعض وقالوا ما ترونه يريد بما قال قالوا نظنه والله يريد ان يصالح معاوية ويسلم الامر اليه فقالوا كفر و الله الرجل فقاموا باجمعهم وشدوا على فسطاطه وانتهبوا ما فيه واخذوا مصلاه من تحته ثم حمل عليه لعين و نزع مطرفه عن عاتقه فبقى جالساً بغير رداء ثم دعا ببغلته وركبها واحدق به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من اراده وهم لعنهم الله هموا بقتله فمن كل جانب يمنعوهم قصدوه من جانب آخر فقال «ع» ادعو الى ربيعة و همدان فدعوا له واطافوا حوله و دفعوا الناس عنه وساروا معه فلما مر في مظلم ساباط مدائن بدر اليه رجل يقال له الجراح بن سنان واخذ بلجام بغلته وبيده مغول اي الخنجر وقال الله اكبر اشركت يا حسن كما اشرك ابوك من قبل ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم فخر «علیه السلام» الى الارض فاجتمع اخوانه وخواصه حوله ورأوه مغشياً عليه فحملوه على سريره وجاؤا به الى المدائن وانزلوه في دار سعد بن مسعود الثقفي عم المختار وكان قد ولاه علي (علیه السلام) بالمدائن واقره الحسن «علیه السلام» على ذلك واشتغل بنفسه يعالج جرحه فقال المختار لعمه تعال حتى ناخذ الحسن (علیه السلام) ونسلمه الى معاوية فيجعل لنا العراق فقال له عمه ويلك قبح الله رأيك انا عامل ابيه وقد ائتمنني وشرفني بالامارة على البلد وهبني أنسا بلاء ابيه انسا رسول الله ولا احفظه في ابن ابنته وحبيبه

ص: 37

وقيل ان الظاهر ان المختار لم يطمئن بعمه في نزول الحسن عنده وخاف ان يغدر به ويسلمه الى معاونة اراد ان يمتحنه بذلك ويستبري احواله فلما عرف منه صدق النية رضى ببقاء الحسن (علیه السلام) عنده ولعمري لقد استراح الحسن (علیه السلام) حين سقى ذلك السم وخرج من الدنيا مسموماً مفارق هؤلآء والحاصل رجع (علیه السلام) الى معسكره وعلى رواية الى الكوفة وهو فى غاية الضعف والانكسار من تلك الجراحة وعزم ان يصالح معاوية جمع خاصته وشيعته واصحابه وخطب فيهم بهذه الخطبة أيها الناس أنكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجا برسا رجلا جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ما وجدتموه غيري وغير اخي وان معارية نازعني حقا هو لي فتركته اصلاح الامة وحقنا للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي واهلي والمخلصين من اصحابي وقد بايعتموني على ان تسلموا من سالمت وقد رأيت ان اسالمه وان يكون ما صنعت حجة على من كان يتمنى هذا الأمر وان ادرى امله فتنة لكم ومتاع الى حين وكتب الى معاوية اما بعد فان خطي قد انتهى الى اليأس من حق حيبته وباطل اميته وخطبك خطب من إنتهى الى مراده وانتي اخليه لك وان كان تخليتى اياه شراً لك في معادك ولي شروط اشترطها لا تبهضنك ان وفيت لي بها بعهد ولا تخففك ان غدرت وستندم يا معاوية كما ندم غيرك فمن نهض في الباطل او قعد عن الحق حين لم ينفع الندم والسلام وكتب الشروط فى كتاب آخر يمنيه بالوفاء وترك الغدر وهي هذه الأول ان لا يسميه الحسن (علیه السلام) امير المؤمين ولا يقيم عنده شهادة وان لا يتعرض معاوية لاحد من شيعة علي بسيء ويوصل الى كل ذي حق حقه وان يفرق في اولاد من قتل مع امير المؤمنين (علیه السلام) يوم الجمل ويوم صفين الف الف درهم والشرط الاخران لا يسب امير المؤمنين على المنابر وفي قنوت الصلوات و أجابه معاوية الى ذلك كله وعاها عليه وحلف له بالوفاء وكتب كتاب الصلح

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي معاوية بن ابيسفيان

ص: 38

صالحه على ان يسلم اليه ولاية امر المسلمين على ان يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة خلفاء الصالحين بشرط كذا وكذا وشهد عليه فلان وفلان وكفى بالله شهيدا والسلام فلما استتم الصلح بينهما سار معاوية حتى نزل بالنخيلة وكان ذلك اليوم يوم الجمعة فصلى بالناس ثم خطبهم وقال في خطبته ايها الناس اني والله ما قاتلتكم لتصلوا او لا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا انكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد اعطاني الله ذلك وانتم له كارهون الأواني منيت الحسن (علیه السلام) واعطيته اشياء وجميعها تحت قدمي لا افى بشيء منها ثم صار حتى دخل الكوفة فاقام بها ايام فلما استتمت البيعة له من اهلها صعد المنبر فخطب الناس و بعد الخطبة اخذ يسب عليا والحسن (علیه السلام) و كان الحسن والحسين (علیه السلام) حاضرين في المجلس فقام الحسين «علیه السلام» ليرد عليه فاخذ الحسن «علیه السلام» بيده وأجلسه ثم قام «علیه السلام» وقال ايها الذاكر عليا انا الحسن وإبي علي وانت معاوية وابوك صخر وامي فاطمة وامك هند وجدي رسول الله «علیه السلام» وجدك حرب وجدتي خديجه وجدتك فتيلة فلمن الله اخملنا ذكراً والأمنا حسباً وشرفا واقدمنا كفرا ونفاقا فقال طوائف من اهل المسجد آمين آمين ولم يزل معاوية يسعى في ايذاء الحسن «علیه السلام» واظهار ما في قلبه من الطغائن والاحقاد حتى دس سماً قتالا الى جمدة واشار عليها بقتل الحسن «علیه السلام» في البحار عن ابي بكر الحضرمي قال ان جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سمت الحسن «علیه السلام» بن علي وسمت مولاة له فاما مولاته فقالت السم واما الحسن «علیه السلام» فاستمسك السم في بطنه ثم انتفظ به فمات، عن سالم بن ابي الجعد قال حدثني رجل منا قال اتيت الحسن بن علي (علیه السلام) فقلت يا ابن رسول الله اذلات رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا لبني اميه وما بقى معك رجل قال ومم ذلك قال قلت بتسليمك الامر لهذا الطاغيه قال والله ما سلمت الامر اليه الا اني لم اجد انصاراً ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى بحكم الله بیني وبینه ولكني عرفت اهل الكوفة وبلوتهم ولا یصلح لي

ص: 39

ما كان فاسداً أنهم لا وفاء لهم وذمة في قول ولا فعل انهم مختلفون ويقولون اما ان قلو بهم معنا وان سيوفهم المشهورة علينا قال وهو يكلمني اذا انتجع الدم فدعا بعشت فحمل من بين يديه ملكان مما خرج من جوفه من الدم فقلت له ما هذا يابن رسول الله اني لاراك وجعا قال اجل دس الى هذا الطاغية من سقاني سماً فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعاً كما ترى قلت له افلا تتداوي قال قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا اجد لها دواء ولقد رقى الى انه كتب الى ملاك الروم يسأله ان يوجه اليه من السم القتال شربة فكتب اليه ملك الروم انه لا يصلح لنا في ديننا ان نعين على قتال من لا يقاتلنا فكتب اليه ان هذا ابن الرجل الذي خرج بارض تهامة قد خرج يطلب ملك ابيه وانا اريد ان ادم عليه من يسقيه ذلك فاريح العباد والبلاد منه و وجه اليه بهدايا والطاف فوجه اليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس بها فسقيتها واشترط عليه في ذلك شروطاً روى ان معاوية دفع السم الى الحسن (علیه السلام) جعدة بنت الاشعث وقال اسقيه فاذا مات هو زوجتك ابني بزيد فلما سقته السم ومات (علیه السلام) جائت الملعونة الى معاوية فقالت زوجني من يزيد فقال اذهبي فان امراة لا تصلح للحسن (علیه السلام) لا تصلح لا بني يزبد الخ اقول وجدت في كتاب قلمي في وفات ابي محمد الحسن (علیه السلام) عن ابي مخنف كلمات فاحببت ايرادها بعد ما غلب على ظني صحتها وساق الكلام في عزم الحسن (علیه السلام) على الخروج الى معاوية من الكوفة قال ابو الحسن البكري فجردوا السيوف في الجامع و نادوا يا ابن رسول الله (علیه السلام) ارحل بنا نصادم عسكره و نقتل رجاله حتى نرده الى الشام ذليلا حقيراً الى ان قال وقد اجتمع الناس اثنان وتسمون الفاوامر (علیه السلام) باخراج الرايات التي كانت لابيه علي بن ابيطالب (علیه السلام) ثم عقد راية جده رسول الله لا ولاد المهاجرين والانصار ورايات ابيه الهاشمين و كان قد اختص من الالويه العقاب وذات الرياض فاما العقاب فنشره رسول الله (علیه السلام) يوم فتح مكة المشرفة وكان فيه رقعة من خمار فاطمة الزهراء (علیها السلام) وذات الرياض اهداها

ص: 40

النجاشي سلطان الحبشة ولم ير فى الدنيا مثله فعقده على رمح طويل وله ست عذبات مختلفات الالوان وأوقفه بين يديه ودفع العقاب الى ابراهيم بن مالك الأشتر وضم اليه المهاجرين والأنصار وكانوا يومئذ اربعين الف فارس ما فيهم من خالطه الشيب أبداً عليهم الدروع السابورية وبايديهم السيوف الهندية والرماح الخطية يقدمهم ابراهيم ابن مالك الأشتر النخعي وعليه درع ابيه مالك الأشتر الذي قتل فيه وهو درع داودي ظاهر فوق الدروع وعليه ديباج رومي وتقلد بسيف ابيه وهو سيف عجيب حسن وعلى رأسه عمامة حسناء وأسبل لها ذوابتين فاخذ الراية من يد الامام، قال: وسار مقدم الجيش ثم عقد ذات الرياض ودعا بأخيه محمد بن الحنفية وضم اليه اربعين الف فارس من بني هاشم وغيرهم من الذين لم يأخذهم في دبن جدهم لومة لائم عيلهم الدروع الداودية قد ارخوا شعورهم الى اكتافهم وأمرهم بالمسير وعلى رأسه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله و له نور شعشعاني كالقمر فلما هزه خفقت عذباته وأنشأ محمد بن الحنفية يقول:

يا عين جودي بالدموع السواكب *** على احمد نجل الكرام الأطايب

ومن بعده فابكي لفاطمة التقى *** وابكي أبانا هازماً للكتائب

فانا ليوث من سلالة هاشم *** ابونا علي خير ماش وراكب

قال وسار محمد بن الحنفية ثم عقد (علیه السلام) اللواء المنشور تم نشره ففاحت منه رائحة طيبة ودفعه إلى سليمان بن صرد الخزاعي بيده وسار قال: ولم يزل جيش العراق يجد السير ليلا ونهاراً حتى التقى بجيش الشام وهو كالغمامة السوداء وساق الكلام في محاربة عسكره مع عسكر زياد و لحوق عسكر الحسن (علیه السلام) بعسكر زياد وبقى الحسن عليه السلام فريداً ولم يبق معه إلا قليل من أهل العراق ولم ير حيلة إلا الرجوع لأنه لم يبق معه محارب الى ان قال فرجع الحسن (علیه السلام) يطلب الكوفة وسار هو واخوته

ص: 41

حتى اشرف على المدائن فقال (علیه السلام) الجابر بن عبد الله الأنصاري ما هذه المواضع؟ فقال له: هذه مدائن كسرى وقد كان ابوك نزل بها لما رجع من قتال الشراة قال: فنزل (علیه السلام) عن فرسه وساق الكلام ان قال، قال (علیه السلام): يا جابر أني أرى مسجداً عالياً من ذلك الجانب فقال له: هذا مسجد بناه ابوك امير المؤمنين (علیه السلام) لما نزل بالايوان وفيه قبر مولا كم سلمان الفارسي قال ابو مخنف: وقد تبع أالمحسن عليه السلام رجل من عسكر زياد يقال له الجراح بن سنان في اربعة آلاف فارس وخمسمئة راجل حتى إذا كان وقت السحر هجم اللمين بهم على الحسن (علیه السلام) فلما اشرف عليهم هبت ريح سوداء مظلمة مدلهمة يطير في وجوهم الغبار فلم يكن احد يرى صاحبه فحمل الجراح وعسكره على الحسن (علیه السلام) وكانوا ساداة عسكر زياد (لع) فقتلوا منهم اناسا كثيرة ولم يبق منهم إلا أحد عشر رجلا وقتل من اخوته (علیه السلام) ثلاثة وهم يحيى وأبو الكرام وأبو الطيب وأدرك الجراح الحسن (علیه السلام) وأخذ بلجام بغلته الى ان قال وصاح الحسن (علیه السلام) قتلني عدو الله وعدو رسوله الجراح فعمد الجراح الى عمامة الحسن (علیه السلام) فاقتلعها من رأسه وعلقها على رأس رمحمه وصاح يا قوم لقد قتلت الحسن انصرفوا الى امير كم زياد واطلبوا منه الجائزة السنية فرجع عدو الله وسكنت الريح وعاد الجراح حتى وقف بين يدي زياد وأخبره بذلك وعلى رمحه عمامة الحسن (علیه السلام) قال ابو الحسن البكرى فبينما هو في افتخاره واعجابه بنفسه إذ إنتثرت عمامة الحسن من يده وخرجت منها نار فوقعت في لحيته فديت النار الى جسده وجواده فاحترقا معاً وصارا رماداً ووقعت العمامة الى الأرض فلم يقربها أحد من أصحاب زياد قال فارجموها الى الحسن (علیه السلام) ثم حمل الحسن (علیه السلام) على سريره وادخل المدائن وإذا فيها قصر مبني بالرخام الأبيض و كان فيه المختار بن ابي عبيدة الثقفي و كان يومئذ صبياً مع البقباق بن عبد الله فاطلع اصحاب القصر على اصحاب الحسن فقالوا لهم من أنتم؟ فقالوا:

ص: 42

نحن أصحاب الحسن افتحوا لنا الباب ثم قال الحسن (علیه السلام) أنا الحسن ومعي اخوتى و أنا مجروح و لوب وزياد يريد قتلي وهو في طلبي وقد قتلوا أصحابي فادخلونا قصركم هذه الليلة وفي غداة غد نرتحل عنكم فقال المختار: حباً وكرامة ثم نزل على عمه البقباق وقال له: يا عم قد أتتك الجائزة الكبرى والمسرة العظمى فقال له عمه: بماذا؟ قال المختار: جاءنا الحسن (علیه السلام) وهو واقف بباب القصر ومعه اخوته وشيعته وشيعة أبيه وقد سألوني الضيافة هذه الليلة وكان عامل البلد سعد بن مسعود عامل أمير المؤمنين (علیه السلام) وكان الحسن (علیه السلام) قد أمره على حاله فقال له عمه: وما تفعل بالحسن واخوته وأصحابه؟ فقال المختار: نفتح لهم الباب فاذا دخلوا نقبض عليهم وندخلهم على زياد ونأخذ منه الجائزة السنية فقال له عمه: قبح الله وجهك يا لكع الرجال ووثب اليه عمه بسوط كان في يده وجعل يضرب به المختار على وجهه حتى خضبه بدمائه وقال: إياك أن تفعل ذلك فبأي وجه تلقي جدهم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأباهم علياً غداً ثم نزل وفتح لهم الباب فدخلوا وأضافهم وأحسن اليهم الضيافة ثم دعا بطبيب نصراني فعالج الحسن (علیه السلام) وأستخرج سهما كان في عضده قال جابر بن عبدالله الأنصاري فقام الحسن (علیه السلام) وأعطى النصراني بدرة دراهم وبدرة دنانير فلما نظر النصراني الى ذلك المال ضحك حتى استلقى على قفاه فقال له الحسن (علیه السلام) يا أخا النصارا تضحك اليوم ونحن في ضيق ومطلوبون على طريق الحرب؟ فقال النصراني: أتدري يا مولاي أنا من متى أتوقع قدومكم؟ فقال الحسن: الله أعلم، قال إعلم منذ وقع فتح سعد بن عبد الله بن ابي وقاص لجزائر ففتحها وقد وقع في يدي كتاب بالسريانية من كتب تلامذة المسيح عيسى بن مريم لولده وهو يقول له: سيقدم عليك لام صبيح الوجه من أولاد الأوصياء أبوه وصي : خير الأنبياء وامه سيدة النساء فاقرئه مني السلام وإن مت فاستوص أولادك بذلك قانه الحسن وأخوه الحسين (علیه السلام) سيدا شباب أهل الجنة فهذا جرى يا مولاي فجعلت

ص: 43

اراقب الأيام والساعات وأنتظرك فلما كان وقت أو انك قلت ان كان الكتاب صحيحاً فالساعة يشرف الامام علي القصر فما استم كلامي وإذا قد أتاني المختار وهو يقول: ان عمي يقول لك: قد نزل بنا أبناء رسول الله الاكبر منهم فيه جراحات فسر اليه لتداويه، فقلت: يا نفس ما بعد ذلك من شيء فاقبلت اليك اداريك واني قد أسلمت وصدقت بجدك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأبيك أمير المؤمنين ولي الله وهذا المال الذي دفعته الي مقبول منك وعندي لك الف دينار وهي مع هذا المال هدية مني اليك بحق جدك المصطفى وأبيك علي المرتضى وامك فاطمة الزهراء وأخيك الحسين لا تردها علي واقبلها مني فان جدك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كان يحب الهدية ويكره الصدقة فقال له الحسن (علیه السلام): قد قبلتها منك وقد اخبرني جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بذلك وأنت هو المعروف ببطرس الاكبر فقال: نعم يا مولاي، ثم قال الحسن (علیه السلام): قد رزقك الله تعالى عشرين ولداً ذكراً، فقال: نعم يا مولاي، ثم قال بطرس: ما اسم ابي؟ فقال له الحسن (علیه السلام): اسمه شمعون بن اسباط، فقال: صدقت يا سيدي وابن سيدي، فقال له الحسن (علیه السلام): لولا أني على طريق لأخبرتك مولدك وشانك وعجائبك وما جرى عليك، فمضى بطرس وأحضر المال على بغل وفرس فقبضه الحسن (علیه السلام) وأسلم على بده وودعه وودع المختار وعمه البقباق فقال لهم الحسن (علیه السلام): اني عازم على المسير الى الكوفة أقول وساق الكلام في مسيره الى الكوفة وان الحسين «علیه السلام» دخلها قبل الحسن «علیه السلام» واستنصرهم فلم ينصره أحد وجاء الحسن «علیه السلام» وأخذوا عيالهم الى القادسية فكتب كتاباً الى المدينة الى عايشة على يد صفوان وسار صفوان وأدركه أصحاب زياد الى ان أوصل الكتاب الى عايشه وأتى بالجواب ان اقدما الى المدينة فسار «علیه السلام» بأهل بيته الى المدينة وذكر حربا عظيما بين أصحاب زياد وأصحابه الى ان دخل المدينة قال ابو مخنف وسار الحسن «علیه السلام» واخوته وعشيرته وشيعته وحرمه

ص: 44

الى المدينة الى حرم جده رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ونزل بها وجلس في بيته كاظما غيظه متصبراً منتظراً لأمر ربه لازما بيته الى ان صار لمعاوية في خلافته عشر سنين وكان معاوية في زمان خلافته يقتل شيعة علي بن ابي طالب «علیه السلام» ويستأصل شأفتهم وكل حق لهم وقد اعتجب بنفسه بعد ان دخل الحسن «علیه السلام» الى المدينة وأجهر اللعين بسب علي والحسن والحسين على المنابر والأذان والأسواق والمواسم وذكر امير المؤمنين عليه السلام وأولاده والارسال الى الحسن والحسين بالوعيد والتهديد والتوعيد وأظهر الفساد والبغي والعناد لأهل البيت وتجبر وطافى وتمرد وغره ما ملك من الدنيا وأعجبه زخرفها لكنه خشى ان تخرج الدولة من يده ان مات و تنقلب دولته الى الحسن «علیه السلام» فجعل يفكر في هلاك الحسن «علیه السلام» فصار لا يهنأ بطعام ولا يلتذ بشراب ولا برقاد لأجل حياة الحسن «علیه السلام» وبقائه وخشى إذا مات أن تخرج الدولة من يد ولده يزيد الى أولاد الرسول فتصير الدولة لبني هاشم الى آخر الدهر وترتفع الدولة من بني امية فعند ذلك جمع خواصه وأصحاب دولته ومن كان يرجع اليه في الامور المعضلات والأشياء المشكلات يشاورهم في هلاك الحسن «علیه السلام» بماذا يكون فاشار بعضهم بقتله جهر آنی حرم جده رسول الله و بعضهم قال: اظهر له الاحسان واللطف وكاتبه وادفع اليه الهدايا واطلبه الى الشام واقتله وقال بعضهم اقتله في المدينة سراً فلم يلتفت معاوية الى كلامهم وقال لهم: يا ويلكم ان قتلته كما تقولون لا آمن على نفسي من بني هاشم وشيعتهم ان يقتلوني كما قتلت الحسن «علیه السلام» بل ويقتلون أهلي لأهله ويزول ملكي فقال بعضهم: اقتله بالسم سراً بحيث لا يعلم به أحد من قتله ويضيع دمه هدراً فقال معاوية: هذا هو الرأي ونعم ما أشرت به على فهان عليه ما يجده ثم قال: ولمن هذا الأمر؟ قال الأشعث بن قيس الكندي «لع» وكان حاضراً أنا يا مولاي لهذا الأمر ففرح معاوية فرحا شديداً بذلك و أنعم على الأشعث انعاماً كثيرة في

ص: 45

الحال وأعطاه مالا جزيلا وكان معاوية ملياً من المال فقال للاشعت كيف تفعل وتعمل ذلك؟ قال: ان ابنتي جميدة زوجة الحسن (علیه السلام) وهي اخص نسائه عنده وإذا رغبتها في المسال تفعل ما أردت من سم الحسن، فقال: نعم ما ذكرت والصواب ما اشرت به ثم ان معاوية احضر مئة الف دينار وسلمها الى الأشعث وقال له انفذها الى ابنتك جعيدة وقل لها إذا قتات الحسن (علیه السلام) اعطيتك مئة الف دينار اخرى وازوجك بابني يزيد فقال الأشعث: الرأي عندي ان تنفذ اليها أحداً غيري يدفع اليها مما قاتلا مع المال والعطايا لأنه إذا مضيت أنا الى المدينة وعلم الحسن (علیه السلام) بمكاني استوحش من ذلك وأخاف أن يفوتك ما تريد ويتحذر الحسن (علیه السلام) من ذلك قال الراوي: فاستدعى معاوية من ساعته رجلا ممن يثق به وعنده كتمان سره فارسل معه مالا جزيلا وخلعة سنية تسوى مئة الف درهم الى جعيدة ووعدها بمال جزيل غير الذي ارسله اليها وذكر لها ان فعلت ذلك يزوجها بابنه يزيد وأمره ان يوصلها المسال سرا لكي لا يشعر به أحد، قال الراوي فتجهز الرسول للخروج وسار يجد السير ليلا ونهاراً حتى دخل المدينة ونزل في الدور وأرسل الى جعيدة بعض النساء سراً فجاءت اليه وأخبرها بالقصة من أولها الى آخرها وضمن لها بمال جزيل إذا قتلت الحسن وأن يزوجها بولده يزيد بعد ذلك فاطم أنت لذلك وكانت اللعينة على رأي أبيها الأشعث وكان السبب في تزويج الحسن (علیه السلام) بها ان اباها كان قد نفاه امير المؤمنين (علیه السلام) من الكوفة فلما قبض الى الأشعث الى الحسن (علیه السلام) وبايعه وحلف له بالايمان المغلظة انه لا يخالفه ولا يفعل ما كان يكرهه امير المؤمنين وانه من شيعته ومواليه يوالي من يواليه ويعادي من يعاديه فقبله الحسن (علیه السلام) وكان الملمون له ابنة حسنة فائقة بالحسن والجمال موصوفة بالجمال والكمان يقال لها جعيدة فسئله الحسن (علیه السلام) ان يتزوجها لكي يتوصل الى قبوله وتنفرش محبته في قلبه فاجابه الأشعث الى ذلك فتزوجها الحسن (علیه السلام) فلما

ص: 46

استقر الأمر لمعاوية مضى اليه الأشعث ورجع الى ما كان عليه من الجحود والطغيان وأظهر العداوة والبغضاء للحسن (علیه السلام) و أهل بيته وأشار على معاوية بما ذكرناه من قتل الحسن (علیه السلام) ولما علمت جعيدة بقصة ابيها مع معاوية وانه هو الذي أشار عليه بقتل الحسن (علیه السلام) فرحت بذلك فرحاً شديداً وقالت للنساء اللاتي اتين اليها كفيتم شر ما تحذرون ثم أمرت بعض جواريها بقبض المال والخلع والهدايا سراً ثم ان الملعونة اخذت في خدمة الحسن (علیه السلام) وتوصلت الى قتله بكل ما يمكن زماناً طويلا حتى علمت وتيقنت ميل الحسن (علیه السلام) اليها فعمدت الى السم الناقع القاتل المرسول اليها فجعلته في أطيب الطعام وقدمته اليه وصارت تمازحه وكان (علیه السلام) لا يأكل لقمة إلا وهي تروحه وتمازحه وتشاغله بالحديث والكلام اللين العذب الرطب حتى أمعن في أكله و بلغت الملعونة مرادها من قتله ثم رفعت باقى الطعام من بين يديه ودفنة. في حفيرة لئلا يأكل منه أحد غيره قال الراوي فمرض الحسن (علیه السلام) وكان كل يوم يزيد وجسمه ينقص وكانت تظهر له المحبة وتعمل له الأدوية وتريه الشفقه وتتوجع له وتبكي في وجهه وتخدمه في مرضه فبقى على ذلك اربعين يوماً قال ابو مخنف بعد ان قبض الحسن (علیه السلام) رحلت جميدة الى ابيها الأشعث بالشام وسألت معاوية بان يزوجها بابنه يزيد فسألها معاوية عن صفات الحسن (علیه السلام) وإذا هي عكس صفات يزيد فقال لها إذا كنت قتلت الحسن (علیه السلام) وهو جامع لهذه الصفات الحسنة فكيف لا تقتلين يزيد وهو بعكس صفات الحسن «علیه السلام» ثم انه أمر بقتلها في الحال فقتلت وخلد الله بروحها في النار وساق الكلام الى ان قال أوصى الى اخيه الحسين «علیه السلام» بما أوصى اليه ابوه وجده من أسرار الولاية والعلوم الربانية ونصبه علما وخليفة للناس وأمر اخوته وأولاده وأهل بيته وشيعته ومواليه وأحبائه بمتابعة اخيه الحسين «علیه السلام» ثم قال اوصيك يا أخي بأهلي وولدي خيراً واتبع ما أوصى به جدك وأبوك وأمك علیهم افضل الصلوات والسلام ثم ان الحسين «علیه السلام»

ص: 47

بكى بكاء شديداً حتى غشى عليه فلما افاق قال له الحسن «علیه السلام» يا اخاه لا تحزن علي قان مصابك اعظم من مصيبتي ورزئك اعظم من رزئي فانك تقتل يا أبا عبد الله الحسين بشط الفرات بأرض كربلا عطشاناً لطيفاً وحيداً فريداً مذبوحاً يعلو صدرك اشقى الامة ويحمحم فرسك و يقول في تحمحمه الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها وتسبى حريمك ويؤتم الحفالك ويسيرون حريمك على الأفتاب بغير وطاء ولافراش ويحمل رأسك يا اخي على رأس الفا بعد ان تقتل ويقتل انصارك فياليتني كنت عندك اذب عنك كما يذب عنك انصارك بقتل الأعداء ولكن هذا الأمر يكون وأنت وحيد لا ناصر لك منا ولكن لكل اجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب فعليك يا اخى بالصبر على البلاء حتى تلحق بنا وساق الحديث الى ان قال فبكى الحسين عليه السلام بكاءاً شديداً وقال يا اخي يعز علي فراقك ثم انه بكى باعلى صوته و انتحب با كياً فمنعه الحسن «علیه السلام» من البكاء بعد ما كثرت الرنة عليه والصياح من اخوته وأخواته ونسائه وأولاده وجميع أهل بيته وشيعته ثم قال الحسن «علیه السلام» لاخيه الحسين عليه السلام احضر لي يا أخي أولادي وأهلي فاحضرهم عنده فادار عينيه فيهم وقال ايها الحاضرون اسمعوا وانصتوا ما اقول لكم الآن هذا الحسين اخي إمام بعدي فلا امام غيره الا فليباغ الحاضر الغائب والوالد الولد والحر والعبد والذكر والانثى وهو خليفتي عليكم لا احد يخالفه منكم فمن خالفه كفر وادخله الله النار وبئس القرار ونحن ريحانتا رسول الله وسيدا شباب اهل الجنة فلعن الله من يتقدم أو يقدم علينا احداً فيعذبه الله عذاباً الیماً واني ناص عليه كما نص رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» على أمير المؤمنين، كما نص ابي علي وهو الخليفة بعدي من الله ومن رسوله ثم التفت الى الحسين «علیه السلام» والى اخوته وحرمه واولاده وقال لهم حفظكم الله استودعكم الله الله خليفتي عليكم و کفی به خليفة وأني منصرف عنكم ولاحق بجدي وابي وامي واعمامي ثم قال عليكم

ص: 48

السلام يا ملائكة ربي ورحمة الله وبركاته ثم انه وجه وجه الى القبلة وغمض عينيه ومد يديه ورجليه بنفسه مستلقياً مصرحا بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله وان الخليفة من بعده بلا فصل علي بن ابي طالب ثم انه قضى تحيه ولقى ربه ففاضت نفسه المقدسة فلما فاضت اخذها الحسين «علیه السلام» ومسح بها وجهه وصاح علیه معولا و نادی وا اخاه وا خيبتاه وا حسناه وا قلة ناصراه من لي عون بعدك يا اخي فضج الناس كلهم بالبكاء والنحيب وارتجت المدينة بأسرها وضجت عليه ضجة واحدة وعلا نحيب أولاده ونسائه واخوته وإخوانه وكان فقده كفقد جده رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» يوم مات فصاحت ام كلثوم و اطمت خدها ونشرت شعرها ونادت وا حسناه والمحمداه وا علياه وا فاطمتاه فراقك يا اخي اتكلني وانحلني وتركني عليك حزينة لا تنطفي حر زفرتي بالامس علي فقد جدى وابي وامي واليوم عليك يا اخي وصاحت زينب وا اخاه وا حسناه واسنداه وا لهفاه وا قلة ناصراه يا اخي من الوذبه بعدك وحزني عليك لا ينقطع طول عمري ثم انها بكت على اخيها وهي تلهم خديه وتتمرغ عليه وتبكي عليه طويلا وساق الكلام في ان العباس رثاه باكياً حزيناً يحثو التراب على وجهه ويصيح الى ان قال وكان ابن الحنفية بالبادية فلما سمع بموت اخية اقبل الى المدينة وقال للحسين «علیه السلام» السلام عليك يا اخاه احسن الله لك العزاء لقد عظمت رزيتك وجلت مصيبتك بفقد اخيك الحسن «علیه السلام» فوا اسفاه على بهجة القلب وثمرة الفؤاد واحسرتاه بعدك لا تنقطع ابداً وقد صيرتنا عرضة للاحزان ثم خنقته العبرة فلم يملك نفسه دون ان سقط الى الأرض مغشياً عليه. انتهى من ابي مخنف في ما جرى على السيد الممتحن ابى محمد الحسن عليه السلام.

ص: 49

المجلس الحادي عشر

في البحار عن الصادق «علیه السلام» قال ان الاشعث بن قيس لعنه الله شرك فى دم امير المؤمنين عليه السلام وابنته جعدة سيمت الحسن (علیه السلام) وابنه محمداً شرك في دم الحسين (علیه السلام) وفي رواية ان جعدة كانت بنت محمد بن الاشعث بذل لها معاوية عشرة آلاف دينار و قطاعات كثيرة من شعب سور او سواد الكوفة وحمل اليها سماً فجعلته فى طعام ووضعته بين يديه فلما ا كله جرى ال في بدنه فيئس من نفسه وقال انا لله وانا اليه راجعون والحمد لله على لقاء محمد سيد المرسلين وابي سيد الوصيين وامي سيدة نساء العالمين وعمي جعفر الطيار في الجنة وحمزة سيد الشهداء صلى الله عليهم فاستمسك السم في بطنه حتى قطع كبده قطعة قطعة قال الدميري في حياة الحيوان فمكث شهرين يرفع من تحته في اليوم كذا وكذا مرة طشت من دم وكان يقول (علیه السلام) سقيت السم مراراً ما اصابني فيها ما اصابني في هذه المرة لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت اقلبها بعود معي.

في البحار لما حضرت الحسن بن علي بن ابي طالب (علیه السلام) الوفاة بكى فقيل يا ابن رسول الله اتبكي ومكانك من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) مكانك الذي انت به وقد قال رسول الله فيك ما قال وقد حججت عشرين حجة ماشياً وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات حتى النمل والنعل فقال (علیه السلام) ابكي لخصلتين هول المطلع وفراق الاحبه.

اقول وفي بعض الاخبار انه (علیه السلام) سقى السم ست مرات وفى السادسة اشتد على الحسن (علیه السلام) المرض والوجع ووقع في فراشه و بقى مريضاً اربعين صباحاً حتى قطعت احشائه و امعائه في البحار عن جنادة بن ابي امية قال دخلت على الحسن بن علي عليه السلام في مرضه الذي توفى فيه وبين يديه طشت يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي سقاه معاوية بن ابي سفيان فقلت يا مولاي لم لا تعالج نفسك؟ فقال يا عبدالله بماذا اعالج الموت؟ قلت انا لله وانا اليه راجعون ثم التفت (علیه السلام)

ص: 50

فقال والله لقد عهد الينا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ان هذا الأمر يملكه اثني عشر اماماً من ولد علي وفاطمة صلوات الله عليها وعليهم ما منا إلا مسموم أو مقتول ثم رفعت الطشت و بكي فقلت له عظني يا ابن رسول الله قال نعم استعد لسفرك وحصل زادك قبل حلول اجلك واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي انت فيه واعلم انك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلا كنت فيه خازناً لغيرك واعلم ان الدنيا في حلالها حساب وفى حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب فانزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك فان كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيه وان كان حراماً لم يكن فيه وزر فاخذت كما اخذت من الميتة وان كان العتاب فان العتاب يسير واعمل لدنياك كانك تعيش ابداً واعمل لآخرتك كانك تمرت غداً وإذا اردت عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله الى عز طاعة الله عز وجل وإذا نازعتك الى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك وإذا خدمته صانك وإذا اردت منه معونة اعانك وان قلت صدق قولك وان صلت شد صولتك وان مددت يدك بفضل مدها وان بدت منك ثلمة سدها وان رأى منك حسنة مصدها وان سألته اعطاك وان سكت عنه ابتداك و ان نزلت بك احدى الملمات واساك من لا تأتيك منه البواثق ولا تختلف عليك منه الطرائق ولا يخذلك عند الحقائق وان تنازعتها مقتسما آنرك قال ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشيت عليه ودخل الحسين (علیه السلام) والأسود بن ابي الأسود معه فانكب عليه حتى قبل رأسه وبين عينيه ثم قعد عنده فتسارا جميعاً فقال ابو الاسود انا لله وانا اليه راجعون ان الحسن (علیه السلام) قد نعيت اليه نفسه وقد أوصى الى الحسين (علیه السلام) قال المجلسي عطر الله مرقده روى في بعض تأليفات اصحابنا ان الحسن (علیه السلام) لما دنت وفاته ونفدت ايامه وجرى السم في بدنه تغير لونه واخضر جسده فقال له الحسين (علیه السلام) يا أخي مالى ارى لونك ما ثلالى

ص: 51

الخضرة فبكى الحسن (علیه السلام) وقال يا اخي لقد صح حديث جدي في وفيك ثم اعتنق الحسين (علیه السلام) طويلا وبكيا كثيراً فسئل عن ذلك فقال اخبرني جدي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال لما دخلت ليلة المعراج في روضات الجنان ومررت على منازل اهل الايمان رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة إلا ان احدهما من الزبرجد الاخضر والآخر من الياقوت الاحمر فقلت يا جبرئيل لمن هذان القصران؟ فقال احدهما للحسن والآخر للحسين فقلت يا جبرئيل فلم لم يكونا على لون واحد؟ فسكت ولم يرد جوابي فقلت لم لا تتكلم؟ فقال حياء منك فقلت له سألتك بالله الا ما اخبرتني فقال اما خضرة قصر الحسن (علیه السلام) فانه يموت بالسم ويخضر لونه عند موتة واما حمرة قصر الحسين (علیه السلام) فانه يقتل ويذبح ويحمر بالدم فعند ذلك بكيا وضح الحاضرون بالبكاء والنحيب.

اقول ان الحسين (علیه السلام) رأى خضرة لون الحسن (علیه السلام) عند مماته وهل رأى الحسن (علیه السلام) حمرة وجه الحسين (علیه السلام)؟ نعم راى ليلة الحادى عشر من المحرم فرآه مر ملا بدمه.. الخ).

ذا قاذف كبداً له قطعاً وذا *** في كربلاء مقطع الاعضاء

المجلس الثاني عشر

اشارة

في البحار دخل الحسن (علیه السلام) يوماً على رسول الله (علیه السلام) فلما رآه بكى ثم قال الي الي يا بني فما زال يدنيه حتى اجلسه على فخذه الايمن وسأل عن بكائه فقال اما الحسن (علیه السلام) فانه ابني وولدي ومني وقرة عيني وضياء قلبي وثمرة فؤادي وهو سيد شباب اهل الجنة وحجة الله على الامة امره امري وقوله قولي فمن تبعه فانه مني ومن عصاه فليس مني واني لما نظرت اليه ذكرت ما يجرى عليه من الذل بعدي فلا

ص: 52

يزال الامر به حتى يقتل با ظلماً وعدو اناً فعند ذلك تبكي الملائكه والسبع الشداد لموته ويبكيه كل شيء حتى الطير في جو السماء والحيتان في جوف الماء فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ومن زاره في البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم تزل فيه الاقدام اللهم ارزقنا زيارته، نعم قبره الشريف في البقيع دفن مع جدته فاطمة بنت اسد على حسب ما اوصى، وفى رواية دفن (علیه السلام) وامه سيدة النساء في قبر واحد.

اقول ما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله منعت من الميراث يدفن فلان وفلان مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ويمنع الحسن (علیه السلام) الذي هو فلذة كبده من الدفن عنده وكان الحسن (علیه السلام) يعلم ان القوم يمنعون من ان يدفن عند جد، ولذا اوصى الى الحسين (علیه السلام) ان يدفنه عند جدته فاطمة لما أوصاه بوصاياه في البحار دخل عليه الحسين «علیه السلام» في مرضه وقال يا اخي كيف تجد نفسك؟ قال انا في آخر يوم من ايام الدنيا وأول يوم من ايام الآخرة على كره مني لفراقك وفراق اخوتي ثم قال استغفر الله على محبة مني للقاء رسول الله وامير المؤمنين وفاطمة وجعفر وحمزة ثم اوصى اليه وسلم اليه الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء التي كان امير المؤمنين سلمها اليه ثم قال يا اخي إذا مت فغسلني وحنطني وكفنى واحملني الى قبر جدي حتى تلحدني الى جانبه فان منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وابيك امير المؤمنين وامك فاطمة الزهراء ان لا تخاصم احداً واردد جنازتي من فورك الى البقيع حتى تدفنى مع امي فقال الحسين «علیه السلام» يا اخي اريد ان اعلم حالك عند الموت؟ فقال الحسن (علیه السلام) سمعت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول لا يفارق العقل منا اهل البيت ما دامت الروح فينا فضع يدك في يدي حتى اذا عاينت ملك الموت اغمز يدك فوضع يده في يده فلما كان بعد ساعة غمز يده غمزا خفيفاً فقرب الحسين (علیه السلام) اذنه من فيه

ص: 53

فقال الحسن (علیه السلام) اخي هذا ملك الموت يقول لى ابشر فان الله عنك راض وجدك شافع ثم سكن انينه وعرق جبينه ومال وجهه الى الخضرة ومد يديه ورجليه وغمض عينيه وفارقت روحه الطبيبة، حمله الحسين «علیه السلام» وغسله و حنطه وكفنه و حمل جنازته على السرير وتزاحمت الرجال والنساء خلف الجنازة وكان كيوم مات فيه رسول الله وتزوج الحسن (علیه السلام) ثلاثمئة امرأة وهذه النساء خرجن كلها خلف الجنازة بالصياح والنياح.

اقول ولما حملوا راس الحسين «علیه السلام» على الرمح خرجت خلفه اربع وثمانون من اخواته ونسائه و بناته ولكن ان دمعت منهم عين قرع رأسه بكعب الرمح ولما حملوا جنازة الحسن (علیه السلام) ركب مروان بن الحكم طريد رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» بغلة واتي عائشة وقال يا ام المؤمنين ان الحسين يريد ان يدفن اخاه مع رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وانه ان دفن معه ليذهبن فخر ابيك وصاحبه عمر الى يوم القيامة، قالت فما اصنع يا مروان قال الحقي به وامنعيه من ان يدفن معه، قالت وكيف الحقه؟ قال اركي بغلتي هذه فنزل عن بغلته وركبتها وكانت تحرض بني اميه على منعه فلما قربت من قبر رسول الله «ص» وكان قد وصلت جنازة الحسن «ع» فرمت بنفسها عن البغلة وقالت والله لا يدفن الحسن «ع» هاهنا ابدا او تجز هذه و اومت بيدها الى شعرها، فقام ابن عباس وقال ياحميراء ليس يومنا منك بواحد يوم على الجمل ويوم على البغلة اما كفاك ان يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغلة يوم على هذا ويوم على هذا بارزة عن حجاب رسول الله تريدين اطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره المشركون انا لله وانا اليه راجعون.

ايا بنت ابي بكر *** لا كان ولا كنت

لك التسع من الثمن *** ففي الكل تصرفت

ص: 54

تجملت تبغلت وان عشت تفيلت

فقالت له اليك عنى اف لك و لنومك وصاحت بالقوم يا ويلكم انتم وقوف وبنوهاشم هكذا يخاص ون معي امنعوهم عنى فلما سمعت بنو امية ذلك وضع كل منهم سهما في كبد قوسه ورموا جنازة الحسن «علیه السلام» بالسهام فعند ذلك صرخت بنو هاشم وجردوا سيوفهم وهموا على ان يحار بوهم ويجادلوهم فقال الحسين (علیه السلام) الله الله لا تضيعوا وصية اخي فانه اقسم على ان لا اخاصم فيه احدا وان ادفنه في البقيع مع امه اعدلوا به الى البقيع فعدلوا به ودفنوه في البقيع مع جدته فاطمة بنت اسد وفي خبر دفن (علیه السلام) وامه سيدة النساء في قبر واحد.

اقول دفن الحسن (علیه السلام) مع امه ودفن الحسين (علیه السلام) ايضاً مع امه لان في الخبر دفن راس الحسين «علیه السلام» بالمدينة مع الزهراء ساعد الله قلب الحسين لما وضع الجنازة علي الارض سل من الاكفان سبعين نبلا فلما واراه في الحد، وأهمال عليه التراب اخذ العمامة من على راسه والقى بنفسه على القبر ووضع راسه على القبر وانشأ يقول:

اادهن رأسي ام تطيب محاسنی *** وراسك معفور وانت سليب

بكائي طويل والدموع غزيرة *** وانت بعيد والمزار قريب

فلا زلت ابكي ما تغنت حمامة *** عليك وما هبت صبا وجنوب

غريب واطراف البيوت تحوطه *** الا كل من تحت التراب غريب

فليس حريباً من اصيب بماله *** و لكن من وارى اخاه حريب

وله ايضا في رثائه (علیه السلام) وفي رثائه للفضل بن عباس

ان لم امت اسفاً عليك فقد *** اصبحت مشتاقا الى الموت

اصبح اليوم ابن هندا منا *** ظاهر النخوة اذ مات الحسن

ص: 55

رحمة الله عليه انما *** طالما اشجی این هندوارن

استراح اليوم منه بعده *** اذثوى رهنا لاحداث الزمن

فارتع اليوم ابن هند آمناً *** انما يقمص بالمير السمن

اسليمان بن قتبه في رثائه (علیه السلام)

یا كذب الله من نعى حسناً *** ليس لتكذيب نميه حسن

كنت خليلي وكنت خالصتي *** لكل حي من اهله سكن

اجول في الدار لا اراك وفى *** الدار اناس جوارهم غبن

بذلتهم منك ليت انهم *** اضحوا وبيني وبينهم عدن

خاتمة الكتاب

فى تاريخ ولادته ومدة عمره و تاريخ شهادته وفضل زيارته وعدد اولاده وازواجه عليه السلام عن الصادق (علیه السلام) بينما الحسن (علیه السلام) يوماً في حجر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اذ رفع راسه فقال يا جداه ما لمن زارك بعد موتك؟ قال يا بنى من اتاني زائرا بعد موتي فله الجنة ومن اتاك زائرا بعد موتك فله الجنة ومن اتي اباك زائرا بعد موته فله الجنة وقال «صلی الله علیه وآله وسلم» من زار الحسن «علیه السلام» فى البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم نزل فيه الاقدام.

اقول يعز على رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» لو نظرت عيناه الى الحسن «علیه السلام» الذي هو فلذة كبده حين رموا جنازته بالسهام حتى سل منها سبعون نبلا يا موالي فلو عاينكم المصطفى وسهام الامة معرفة في وسيوفهم مولعة اورماحهم مشرعة في نحور في دمائكم وانتم بين صريع في المحراب فد فلق السيف هامته وشهيد فوق الجنازة قد

ص: 56

شبكت بالسهام أكفانه وقتيل بالعراء قد رفع فوق القناة رأسه ومكبل في السجن قد رضت بالحديد أعضائه ومسموم قد قطعت بجرع السم أمعائه. الخ (قضى نحبه وله (علیه السلام) من العمر خمس وأربعون سنة وقيل سبع وأربعون سنة ولد في النصف من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث من الهجرة وقبض (علیه السلام) في آخر صفر أو الثامن والعشرين من صفر أو سابع عشر أو في يوم السابع من شهر صفر المظفر وكان بينه وبين اخيه الحسين (علیه السلام) مدة الحمل وكان حمل ابي جدته د الله ستة اشهر وقبره الشريف فى البقيع دفن من فاطمة بنت أسد وفي خبر دفن وامه فاطمة في قبر واحد).

وله زوجات كثيرة حتى قبل نزوج ثلثمثة امرأة في البحار ان الحسن بن علي عليه السلام طلق خمسين امرأة فقام علي (علیه السلام) بالكوفة فقال يا معشر أهل الكوفة لا تنكحوا الحسن (علیه السلام) فانه رجل مطلاق فقام اليه رجل فقال بلى والله لنكحنه انه ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وابن فاطمة فان اعجبه امسك وان كره طلق، في المناقب خطب الحسن بن علي (علیه السلام) الى عبد الرحمن بن الحارث بنته فاطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه وقال والله ما على وجه الأرض من يمشي عليها اعز علي منك ولكنك تعلم ان ابنتي بضعة مني وأنت مطلاق فاخاف ان تطلقها و ان فعلت خشيت ان يتغير قلبي عليك لأنك بضعة من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فان شرطت ان لا تطلقها زوجتك فسكت الحسن (علیه السلام) وقام وخرج فسمع منه يقول ما أراد عبد الرحمن إلا ان يجعل ابنته طوقا في عنقي وخطب (علیه السلام) الى منظور بن ريان ابنته خولة فقال والله اني لا نكحنك واني لاعلم انك غلق طلق ملق غيرانك اكرم العرب بيتا واكرمهم نفساً فولدت منه الحسن ابن الحسن المثني.

في البحار وكان الحسن بن الحسن حضر مع عمه الحسين (علیه السلام) يوم الطف وقاتل في نصرة عمه حتى وقع جريحاً وبه رمق من الحياة فلما قتل الحسين (علیه السلام) واسر الباقون

ص: 57

من اهله جاء اسماء بن خارجة فانتزعه من بين القتلى وقال والله لا يوصل الى ابن خولة ابداً فقال عمر بن سعد دعوا لابي حسان ابن اخته فجاء به الى الكوفة وهو جريح فداواه ورجع الى المدينة وروى ان الحسن بن الحسن خطب الى عمه الحسين (علیه السلام) احدى ابنتيه فقال له الحسين (علیه السلام) اختر يا بني احبها اليك فاستحي الحسن (علیه السلام) ولم يحر جوابا فقال له الحسين (علیه السلام) قاني قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي اكثرها شبهاً بفاطمة امي بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فزوجها منه وكانت تشبه بالحور العين الحسنها وجمالها وقبض الحسن بن الحسن (علیه السلام) وله خمس وثلاثون سنة فلما مات الحسن بن الحسن حزنت فاطمة بنت الحسين (علیه السلام) عليه حزناً شديداً بحيث ضربت على قبره فسطاطاً وكانت تقوم الليل وتصوم النهار الى رأس السنة فلما كانت رأس السنة قالت لمواليها إذا اظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط فلما قوضوها سمعت قائلا يقول هل وجدوا ما فقدوا فاجا به آخر يئسوا فانقلبوا وأولاده (علیه السلام) خمسة عشر ولداً ذكراً وانتى زيد بن الحسن عليه السلام واختاه ام الحسن وام الحسين امهم ام بشر بنت أبي مسعود بن عقبة ابن عمر و بن ثعلبة الخزرجية والحسن بن الحسن المثنى امه خولة بنت منظور الفزارية وعمرو بن الحسن واخواه القاسم وعبد الله امهم ام ولد وعبد الرحمن بن الحسن امه ام ولد والحسين بن الحسن (علیهما السلام) الملقب بالأنرم وأخوه طلحة بن الحسن (علیه السلام) واختهما فاطمة بنت الحسن (علیه السلام) امهم ام إسحق بنت طلحة بن عبد الله التميمي وام عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقية بنات الحسن لامهات شتى قيل له من الأولاد ستة عشر وزيد فيهم ابو بكر بن الحسن (علیه السلام) وقيل قتل مع عمه الحسين (علیه السلام) ويحتمل ان اسمه أحمد بن الحسن (علیه السلام).

في البحار ماتت بنت من الحسن بن علي (علیه السلام) فكتب قوم من اصحابه كتابا اليه يعزونه عن ابنته فكتب (علیه السلام) اليهم أما بعد فقد بلغني كتابكم العزوتي فلانة

ص: 58

فعند الله احتسبها تسليما لقضائه وصبراً على بلائه فان او جعتنا المصائب ونجمتنا النوائب بالأحبة المألوفة التي كانت بنا حفية والاخوان المحبين الذين كان يمر بهم الناظرون وتقربهم العيون اضحوا قد اخترمتهم الأيام ونزل بهم الحمام فخلفوا الخلوف وأودت بهم الحتوف فهم صرعى في عساكر الموتى متجاورون في غير محلة التجاور ولا صلات بينهم ولا تزاور ولا يتلاقون عن قرب جوارهم اجسامهم نائية من أهلها خالية من اربابها قد اجشعها اخوانها فلم ار مثل دارها دارا ولا مثل قرارها قرارا في بيوت موحشة وطلول مضجعة قد صارت في تلك الديار الموحشة وخرجت من الديار المؤنسة ففارقتها من غير قلى فاستودعتها للبلى وكانت امة مملوكة سلكت سبيلا ملوكة صار اليها الاولون وسيصير اليها الآخرون والسلام.

تنبیه

حوارى الحسن بن علي عليه السلام اثنان سفيان بن ابي ليلى الهمداني وحذيفة بن اسيد الغفاري. انتهى هذا آخر ما أوردنا في أحوال الامام الهمام وفلذة كبد سيد الأنام عليه الصلاة والسلام يعني السبط الاكبر والنور الازهر راج الامة ومصباح الأئمة الحسن بن علي ع

ص: 59

بسم الله الرحمن الرحیم

ولما فرغنا من ذكر ما يتعلق بسيدنا السبط الاكبر الحسن بن علي اخذنا وشرعنا بذكر ما يتعلق بالامام الهمام وقرة باصرة سيد الانام سبط الرحمة وكاشف الغمة مهجة الزهراء وثمرة فؤاد علي المرتضى الذي حمله ميكائيل و ناغاه في المهد جبرائيل الامام القتيل الذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة الشافع في يوم الجزاء سيدنا ومولانا سيد الشهداء عليه سلام الله المالك الأعلى الذي بولائه ربيت وبكاسه الاوفى من صغري شربت ورويت ولفد أحسن وأجاد وقيل لا بن حمادة:

شربت من ماء الولا شربة *** فأورثتني النسك قبل الفطام

ولاح نجم السعد في طالعي *** اذ صرت مولى لا ناس كرام

لآل یس الذي حبهم *** ينجوا به المؤمن يوم الخصام

فمثل مولاي الحسين الذي *** بالطاف مدفون عليه السلام

ابن علي بن ابي طالب *** سبط رسول الله خير الانام

من شرف الله به مكة *** وزمزما والبيت بيت الحرام

من ظهر الاسلام طفلاَ به *** وطهر الكفر بحد الحسام

هذا ابن من قد كان من ربه *** كتاب قوسين بغير احتشام

هذا ابن من اثر في قوته *** وبات بالاهل ثلاث صيام

هذا ابن من ساد بني هاشم *** اذ ظلالته في الفلاة الغمام

هذا شهيد الطف هذا الذي *** حبي له يمحو جميع الاثام

ص: 60

هذا الامام ابن الامام الذي *** منه لنا في كل عصر امام

هذا الذي زائره كالذي *** حج الى الكعبة في كل عام

قال في المناقب عند ذكر الامام الثالث «علیه السلام» اسمه الحسين وفي التورات بشير و في الانجيل طالب، وكنيته أبو عبد الله، والخاص ابو علي، والقابه الشهيد السعيد والسبط الثاني والامام الثالث، والمبارك، والتابع لمرضات الله، المتحقق بصفات الله، والدليل على ذات الله، أفضل ثقات الله المشغول ليلا ونهاراً بطاعة الله الشاوي بنفسه لله، الناصر لأولياء الله المنتقم من اعداء الله، الامام المظلوم الاسير المحروم الشهيد المرحوم القتيل المزحوم الامام الشهيد الولي الرشيد الوصي السديد الطريد الفريد البطل الشديد، الطيب الوفي الامام الرضى ذو النسب العلي المنفق الملكي ابو عبد الله الحسين ابن علي منبع الأئمة شافع الامة سيد شباب أهل الجنة وعبرة كل مؤمن ومؤمنة صاحب المحنة الكبرى والواقعة العظمى، وعبرة المؤمنين فى دار البلوى ومن كان بالامامة أحق وأولى، المقتول بكر بلا ثاني السيد الحصور يحيى الشهيد ابن زكريا الحسين بن علي المرتضى زين المجتهدين وسراج المتوكلين مفخر أئمة المهتدين وبضعة كبد سيد المرسلين نور العترة الفاطمية وسراج الانساب العلوية وشرف غرس الاحساب المرتضوية، المقتول بايدي شر البرية سبط الاسباط وطالب الثار يوم الصراط، اكرم العمر وأجل الاسر واثمر الشجر وازهر البدر معظم مكرم موقر منظف مطهر، اكبر الخلائق في زمانه في النفس، واعزهم فى الجنس از كاهم في العرف وأوفاهم في العرف الطيب العرق وأجمل الخلق واحسن الخلق قطعة النور ولقلب النبي سرور المنزه عن الامك والزور، وعلى تحمل المحن والاذى صبور مع القلب المشروح حسور مجتبى الملك الغالب الحسين ابن علي بن ابي طالب «ع» قال: ابو الفضل الهمداني من ابوه الرسول وأمه البتول وشاهده التورات والانجيل وناصره التأويل والتنزيل المبشر به جبرئيل وميكائيل

ص: 61

غذته كف الحق وربى في حجر الاسلام ورضع من ثدي الايمان.

ثم شرعنا في كيفية ولادته وظهور نوره «علیه السلام» اعلم ان ما يتعلق باحوال سيدنا الحسين «علیه السلام» يشتمل على فصول وكل فصل يشتمل على مجالس بل وكل مجلس يشتمل على مجالس كما لا يخفى على البصير.

الفصل الاول في ولادته ومعالي اموره وفيه ستة مجالس:

المجلس في ولادته

ولقد أحسن واجاد السيد عباس بن علي بن نور الدين المالكي الموسوي الحسني في كتاب نزهة الجليس ذكره في القمقام:

مولده في عام اربع مضت *** في شهر شعبان بخمس انقضت *** يوم الخميس سيدي قد ولدا

قيل بل السابع كان المولدا *** يكنى بعبد الله وهو السبط *** لم يك مثله كريم قط

نسبه من اشرف الانساب *** حسبه من اكرم الاحساب *** نص عليه بالامامة النبي

فياله من فضل مجد عجب *** خير الورى في العلم والزهادة *** والفضل والحلم وفي العبادة

کرمه وجوده قد بلغا *** مالم يحط به مقال البلغا *** فاق الورى في الجود و السماحة

والمجد والكمال والفصاحة *** اولاده ست وقيل عشر *** وقيل تسع فانقدوه وادروا

وقتله بكربلا اشتهرا *** مضى شهيداً وبها قد قبرا *** امر يزيد وعبيد الله

ابن زياد الخبيث اللاهي *** قاتله سنان وابن سعد *** تقوضوا بنجمهم عن سعد

احدى وستین به حل البلا *** بقتله مع شهداء كربلا *** في عاشر المحرم المنحوس

في يوم سبت ماخلا من بوس *** اويوم الاثنين وقيل الجمعة ***حل البلا به بتلك البقعة

ص: 62

وعمره سبع وخمسون سنة *** وبعده مضى وحل مدفنه *** وما جرى في قتله من عجب

من البراهين ففكر واعجب *** وعند نبش قبره كم ظهرا *** من معجز له عجيب بهرا

وراسه اذا صار يتلو الكهفا *** من فوق رمح اسفا ولهماً

في الناسخ عن المقداد بن الاسود الكندى قال: رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ان الحسين عليه السلام في بواطن المؤمنين معرفة مكتومة سل عنه أمه قال: المقداد فقلت لفاطمة ما منزلة الحسين «علیه السلام» قالت: أنه لما ولدت الحسن امرني ابي ان لا ألبس ثوباً أجد فيه اللذة حتى افطمه فاتاني ابي زائراً فنظر الى الحسن وهو يمص النوى فقال «علیه السلام»: فطمته قلت نعم قال: اذا أحب على الاشتمال فلا تمنعيه فاني أرى في مقدم وجهك ضوءاً نوراً وذلك انك ستلدين حجة لهذا الخلق قالت: فلما تم شهر من حملي وجدت في سخنة فقلت لأبي ذلك فدعا بكوز من ماء فتكلم عليه وتقل، وقال اشربي فشربت فطرد الله عني ما كنت أجد وصرت في الاربعين من ألايام فوجدت دبيباً في ظهري كدبيب النمل فى بين الجلدة والثوب فلم أزل على ذلك حتى تم الشهر الثاني فوجدت الاضطراب والحركة فوالله لقد تحرك و أنا بعيدة عن المطعم والمشرب فمصمني الله كاني كاسا شربت لبنا حتى تمت الثلاثة وانا أجد الزيادة في الخير فى منزلي فلما صرت في الاربعة انس الله به وحشتي ولزمت المسجد لا ابرح منه الحاجة تظهر لي فكنت في الزيادة والخفة في الظاهر والباطن حتى تمت الخمسة فلما صارت الستة كنت لا احتاج في الليل الظلماء الى المصباح وجعلت أسمع إذا خلوت بنفسي في مصلاي التسيح والتقديس في باطني فلما مضى فوق ذلك تسع ازددت قوة فذكرت ذلك لام سلمة فشد الله بها أزري فلما زادت العشرة غلبتني عيني واتاني آت في منامي وعليه ثياب بيض فجلس عند رأسي ونفخ في وجهي وفي قفاي فقمت وانا خائفة قاسبغت الوضوء واديت اربعاً ثم غلبتني عيني واناني آت في مناي فاقعدني ورقاني وعوذني فاصبحت وكان يوم ام سلمة

ص: 63

فدخلت في ثوب حمامة ثم اتيت ام سلمة فنظر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الى وجهي فرأيت اثر السرور في وجه فذهب عني ما كنت أجد وحكيت ذلك للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال ابشري اما الاول فخليلي مزرائيل الموكل بارحام النساء واما الثاني فخليلي ميكائيل الموكل بارحام أهل بيتي فنفخ فيك قلت نعم فيكى ثم ضمني اليه وقال: واما الثالث فذاك حبيبي جبرئيل يخدمه الله ولدك فنزل تمام الستة يعنى ولد «علیه السلام» بعد تمام ستة أشهر ولم يولد مولود لستة أشهر فبقى إلا الحسين «علیه السلام» ويحيى بن زكريا «علیه السلام» ويحي كان شبيهاً بالحسين في ما روى ومن أجل ذلك كان الحسين «علیه السلام» يذكر كثيراً يحي وشهادته، وقال: لعبد الله بن عمر حين خروجه من مكة ومن هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن الخ، في المنتحب قال: لما أراد الله ان يهب لفاطمة الزهراء الحسين عليهما السلام فلما وقعت في طلقها أوحى الله عز وجل الى لعيا وهي حوراء من الجنة وأهل الجنان إذا ارادوا أن ينظروا الى شيء حسن نظروا الى لعيا ولها سبعون الف وصيفة وسبعون الف قصر وسبعون الف مقصورة وسبعون الف غرفة مكللة بانواع الجواهر والمرجان، وقصر لعيا أعلا من تلك القصور و من كل قصر في الجنة اذا أشرفت على الجنة نظرت جميع ما فيها واضاءت الجنة من ضوء خديها وجبينها فارحى الله اليها ان اهبطي الى دار الدنيا الى بنت حبيبي محمد فانسي لها فهبطت لميا على فاطمة وقالت لها مرحباً بك يا بنت محمد كيف حالك قالت لها بخير ولحق فاطمة الحياء من لعيا لم تدرما تفرش لها فبينما هي متفكرة اذ هبطت حوراء من الجنة ومعها در نوك من درانيك الجنة فبسطته في منزل فاطمة فجلست عليه لعيا ثم ان فاطمة ولدت الحسين «ع» في وقت الفجر فقبلته لعيا وقطعت سرته ونشفته بمنديل الجنة وقبلت بين عينيه وتقلت في فيه وقالت له بارك الله فيك من مولود وبارك في والديك وهنت الملائكة جبرئيل وهنا جبرئيل محمداً «علیه السلام» سبعة ايام بلياليها فلما كان في اليوم السابع قال: جبرئيل يا محمد اتينا بابنك

ص: 64

هذا حتى نراه قال: فدخل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) على فاطمة فاخذ الحسين «علیه السلام» وهو ملفوف بقطعة صوف فاتى به الى جبرئيل فحله وقبل بين عينيه وتفل في فيه وقال: بارك الله فيك من مولود وبارك الله في والديك يا صريع كربلا ونظر الى الحسين «علیه السلام» وبكى وبكى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) و بكت الملائكة وقال: له جبرئيل اقرأ فاطمة ابنتك السلام وقل لها تسميه الحسين فقد سماه الله جل اسمه وانما سمي الحسين لانه لم منه يكن في زمانه أحسن منه وجهاً فقال رسول الله يا جبرئيل تهنينى وتبكي قال نعم يا محمد اجرك الله في مولودك هذا فانه يقتل فقال يا حبيبي جبرئيل ومن يقتله قال شر أمة من امتك رجون شفاعتك لا انا لهم الله ذلك فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): خابت أمة قتلت ابن بنت نبيها قال جبرئيل: خابت ثم خابت من رحمة الله ثم خاضت في عذاب الله ودخل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) علي فاطمة فاقرأها من الله السلام وقال لها بنية سميه الحسين فقد سماه الله الحسين فقالت من مولاي السلام واليه يعود السلام والسلام على جبرئيل وهناها النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» و بكى فقالت يا اباه تهنيني وتبكي قال نعم يا بنية اجرك الله في مولودك هذا فانه يقتل فشهقت شهقة واخذت في البكاء وساعدتها لعيا ووصائفها، وقالت يا ابتا من يقتل ولدى وقرة عيني وثمرة فؤادي قال: شر أمة من أمتي يرجون شفاعتي لا انا لهم الله ذلك قالت: فاطمة عليها السلام خابت أمة قتلت ابن بنت نبيها قالت لعيا خابت ثم خابت من رحمة الله وخاضت في عذابه يا اباه اقرأ جبرئيل عني السلام وقل له في أي موضع يقتل قال: في موضع يقال له كربلا فاذا نادى الحسين لم يجبه أحد منهم فعلى القاعد من نصرته لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلا انه لن يقتل حتى يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ثم مماهم باسمائهم الى اخرهم وهو الذي يخرج في آخر الزمان مع عيسى بن مريم فهؤلاء مصابيح الرحمن وعروة الاسلام محبهم يدخل الجنة ومبغضهم بدخل النار قال: وعرج جبرئيل وعرجت الملائكة وعرجت لعيا فلقيهم الملك صلصائيل في السماء الرابعة وله

ص: 65

سبعون الف جناح قد نشرها من المشرق الى المغرب وهو شاخص نحو العرش لانه ذكر في نفسه فقال ترى الله يعلم ما في قرار هذا البحر وما يسير في ظلمة الليل وضوء النهار فعلم الله تعالى ما في نفسه فاوحى الله اليه ان اقم مكانك لا تركع ولا تسجد عقوبة لك لما فكرت فقال صلصائيل يا حبيبي جبرئيل اقامت القيامة على أهل الارض قال لا ولكن هبطنا الى الارض فينا محمداً بولده الحسين قال يا حبيبي جبرئيل فاهبط الى الارض فقل له يا محمد اشفع الى ربك في الرضا عني فانك صاحب الشفاعة قال: فقام النبي ودعا بالحسين «علیه السلام» فرفعه بكلتا يديه الى السماء وقال اللهم بحق مولودي هذا عليك إلا رضيت على الملك فاذا النداء من قبل العرش يا محمد فعلت وقدرك كبير عظيم. قال ابن عباس: والذي بعث محمداً بالحق نبياً ان صلصائيل يفتخر على الملائكة انه عتيق الحسين «علیه السلام» أقول ذكر المجلسي قدس سره في البحار قصة صلصائيل وفيه دع يسير اختلاف مع ما ذكرناه انفا المنتخب قال في البحار عن الصادق «ع» كان ملك يقال له صلصائيل بعثه الله في امر قابطا فسلبه ريشه وذق جناحيه واسكنه في جزيرة من جزائر البحر الى ليلة ولد الحسين «علیه السلام» فنزلت الملائكة واستأذنت الله في تهنية جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وتهنية أمير المؤمنين وفاطمة إذن الله لهم فنزلوا أفواجاً من العرش ومن سماء فسماء، فمروا بصلصائيل وهو ماقى بالجزيرة فلما نظروا اليه وقفوا فقال لهم يا ملائكة الله الرحمن الى اين تريدون وفيم هبطتم فقالت له الملائكة يا صلصائيل قد ولد في هذه الليلة اكرم مولود ولد في الدنيا بعد جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وابيه علي (علیه السلام) وامه فاطمة (علیها السلام) واخيه الحسن «علیه السلام» وهو الحسين «علیه السلام» وقد استاذنا الله في تهنية حبيبه محمد لولده فاذن لنا فقال صلصائيل يا ملائكة الله اني اسألكم بالله ربنا وربكم ومجييبه محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) وبهذا المولود ان تحملوني معكم الى حبيب الله وتسألونه واسئله ان يسئل بحق هذا المولود الذي وهبه الله له ان يغفر لي خطيئني ويجبر كسر جناحي ويردني

ص: 66

الى مقامي مع الملائكة المقربين محملوه وجاؤا به الى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فهنوه بابنه الحسين وقصوا عليه قصة الملك وسئلوه مسألة الله والاقسام عليه بحق الحسين «علیه السلام» ان يغفر له خطيئته ويجبر كسر جناحه ويرده الى مقامه مع الملائكة المقربين فقام رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فدخل على فاطمة فقال لها ناوليني اني الحسين (علیه السلام) فاخرجته اليه مقموطاً يناغي جده رسول الله فخرج به الى الملائكة فحمله على بطن كفه فهللوا وكبروا وحمدوا الله واثنوا عليه فتوجه به الى القبلة نحو السماء فقال اللهم اني اسئلك بحق ابني الحسين ان تغفر لصلصائيل خطيئته وتجبر كسر جناحه وترده الى مقامه الملائكة المقربين فتقبل الله تعالى من النبي ما اقسم به عليه وغفر لصلصائيل خطيئته وجبر كسر جناحه ورده الى مقامه مع الملائكة المقربين.

ونحن أيضاً نقول اللهم بحق سيدنا الحسين (علیه السلام) ان تغفر لنا خطياتنا وتجبر انكسار قلوبنا في مصائب الحسين «علیه السلام» بظهور الحجة عجل الله فرجه واجعلنا من (علیه السلام) الطالبين بشاره معه:

يا مدرك الثار كم يطوي الزمان على *** امكان ادراكه الاعوام والحججا

لا نوم حتى تعيد الشم عزمتكم *** قاعاً بها لا ترى امتاً ولا عوجاً

في البحار وقال ابن عباس: سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول ان الله تبارك وتعالى ملكا يقال له دردائيل كان له ستة عشر الف جناح ما بين الجناح الى الجناح كما بين السماء والارض فجعل يوماً يقول في نفسه افوق ربنا جل جلاله شيء فعلم الله تبارك وتعالى ما قال فزاده اجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون الف جناح ثم أوحى الله عز و جل اليه ان طر فطار مقدار خمسماة عام فلم ينل رأسه الى قائمة من قوائم العرش فلما علم الله عز وجل اتما به أوحى اليه ايها الملك عد الى مكانك فانا عظيم فوق كل عظيم وليس فوقي شيء ولا أوصف بمكان فسلبه الله جناحه وأخرجه من مقامه من صفوف الملائكة

ص: 67

فلما ولد الحسين (علیه السلام) وكان مولده عشية الخميس ليلة الجمعة الثالث من شعبان أو الخامس أوحى الله إلى مالك خازن النيران ان أحمد النيران على أهلها الكرامة مولود ولد لمحمد صلى الله عليه واله وأوحى الى رضوان خازن الجان ان زخرف الجنان وطيبها لكرامة مولود ولد لمحمد (صلی الله علیه وآله وسلم) في دار الدنيا وأوحى الى حور العين ان تزين وتزاورن الكرامة مولود ولد لمحمد (صلی الله علیه وآله وسلم) في دار الدنيا وأوحى الله الى الملائكة ان قوموا صفوفاً بالتسبيح والتحميد و التمجيد والتكبير الكرامة مولود ولد لمحمد (صلی الله علیه وآله وسلم) في دار الدنيا وأوحى الله عز و جل الى جبرئيل ان اهبط الى نبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) في الف قبيل وفي القبيل الف الف ملك على خيول بلق مسرجة ملجمة عليها قباب الدر والياقرت معهم ملائكة يقال لهم الروحانيون بايديهم حراب نور أن هنتوا محمداً بمولوده واخبره يا جبرئيل اني قد سميته الحسين (علیه السلام) وعزه وقل له يا محمد يقتله شرار من أمتك على الدواب فويل للقاتل وويل للسائق وويل للقائد قاتل الحسين انا منه بریء وهو مني برىء لانه لا يأتي احد يوم القيامة إلا وقاتل الحسين اعظم جرماً منه قاتل يدخل النار يوم القيامه مع الذين يزعمون ان مع الله الها آخر والنار اشوق الى قاتل الحسين (علیه السلام) ممن اطاع الله إلى الجنة قال فبينما جبرئيل يهبط من السماء الى الارض اذمر بدردائيل فقال له دردائيل یا جبرئيل ما هذه الليلة فى السماء هل قامت القيامة على أهلها قال لا ولكن ولد لمحمد صلى الله عليه واله مولود في دار الدنيا وقد بعثني الله عز وجل اليه لاهنته بمولوده فقال الملك له يا جبرئيل بالذي خلقك ان هبطت الى محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) فاقراه منى السلام وقل له يحق هذا المولود عليك إلا ما سئلت الله ربك ان يرضى عني ويرد علي اجنحتي ومقامي من صفوف الملائكة فهبط جبرئيل على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وهناه كما امره الله عز وجل وعزاه فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) تقتله امتي قال نعم فقال النبي ما هؤلاء بامتي انا برىء منهم والله بريء منهم قال: جبرئيل وانا برى منهم يا محمد فدخل النبي على فاطمة وهناها وعزاها

ص: 68

فبكت فاطمة وقالت ليتني لم الده تسمع بانه يقتل تقول ليتني لم الده فما حالها ليلة الحادي عشر من المحرم لما نظرت اليه فرأته بتلك الحالة الخ قالت يا ابتاه قاتل الحسين في النار وقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) انا أشهد بذلك يا فاطمة ولكنه لا يقتل حتى يكون منه إمام تكون منه الأئمة الهادية بعده ثم قال: الأئمة بعدي الهادي علي، المهدي الحسن، الناصر الحسين، المنصور علي بن الحسين، الشافع محمد بن علي، النفاع جعفر بن محمد، محمد، الامين موسى بن جعفر، الرضا علي بن موسى، الفعال محمد بن علي، المؤتمن علي بن محمد، العلام الحسن بن علي، ومن يصلى خلفه عيسى بن مريم فسكنت فاطمة من البكاء ثم اخبر جبرئيل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بقصة الملك وما أصيب به قال ابن عباس فاخذ النبي الحسين وهو ملفوف فى خرق من صوف فاشار به الى السماء تم قال: اللهم بحق هذا المولود عليك لا بل بحقك عليه وعلى جديه محمد وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب ان كان الحسين بن علي «علیه السلام» عندك قدراً فارض عن دردائيل ورد عليه اجنحته ومقامه فى صفوف الملائكة فاستجاب الله دعائه وغفر لملك والملك لا يعرف في الجنة إلا بان يقال هذا مولى الحسين بن علي بن رسول الله، ولقد احسن واجاد من قال:

بنفسي من اولاه بار به سودداً *** ابي ان يرى في نيله الخلق مطمعاً

به استشفعت اهل السماوات فاغتدى *** بهم شافعاً فيما ارادوا مشفعاً

وكم نال دردائيل بعد انتسابه *** اليه فخاراً لن يزال مرفعاً

ليهك يا بن المصطفى نيل رتبة *** كبت دونها الامال مثنى ومربعا

و كان دردائيل يفتخر على الملائكة بانه عتيق الحسين (علیه السلام) وصلصائيل ايضاً «ع» يفتخر بانه عتيق الحسين (علیه السلام) وكذا فطرس وستأتي قصته ولعيا ايضاً تفتخر على الحور العين بانها قابلة الزهراء في ميلاد الحسين «علیه السلام».

أقول وان سنان بن انس (لع) افتخر في مجلس عبيد الله بانه قاتل الحسين وقال:

ص: 69

املا ركانى فضة أو ذهباً *** اني فتات السيد المحجبا

قتلت خير الناس اماً واباً *** وخيرهم اذ ينسبون النسبا

المجلس الثاني في بعض ما يتعلق بولادته

ولد «علیه السلام» عام الخندق سنة الرابع من الهجرة يوم الخميس أو الثلاثاء لثلاث أو لخمس خلون من شعبان وولد (علیه السلام) لستة أشهر ولم يولد مولود استة أشهر وعاش الا الحسين «علیه السلام» ويحيى بن زكريا وقيل عيسى بن مريم وزعم بعض أهل التحقيق من ابي علي بن سينا وغيره ان أقل مدة الحمل بحسب نص القرآن وبحسب التجارب الطبية ستة أشهر لانه لما كان مجموع مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً كما في قوله تعالي: «وحمله وفصاله ثلاثون شهراً» وقال عز شأنه: «والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين» فاذا اسقطت الحولين الكاملين وهي اربع وعشرون شهراً من الثلاثين قي أقل مدة الحمل ستة اشهر، واما التجارب فقد قال: جالينوس اني كنت شديد التفحص عن مقادير ازمنة الحمل فرأيت امرأة ولدت في المائة والاربع والثمانين ليله ولما حملت فاطمة بالحسين «علیه السلام» قال لها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) إن الله عز وجل قد وهب لك غلاماً اسمه الحسين «علیه السلام» تقتله امتي قالت لا حاجة لي فيه فقال «علیه السلام» ان الله عز وجل قد وعدني فيه عدة قال ما وعدك قال: وعدني ان يجعل الامامة من بعده في ولده فقالت رضيت وحملت به کرهاً و ظهرت منه ايام حمله كرامات منها كانت فاطمة تسمع من بطنها ذكراً وتسبيحاً وتقديساً منها انه ظهر نور الحسين على خد فاطمة وجبينها بحيث ان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) دخل عليها فرأى ذلك فقال يا فاطمة أني ارى في مقدم وجهك ضوءاً و نوراً وستلدين حجة لهذا الخلق قالت فاطمة (علیها السلام) لما حملت بابني كنت لا احتاج في الليلة الظلماء الى المصباح وليس هذا بمجب لان نور الحسين «علیه السلام» ما كان كسائر الانوار مثل نور

ص: 70

الشمس والقمر والمصباح حتى يمنع من اشراقه مانع بل يشرق ويسطع ولو كان من وراء سبعين حجاباً يضيء كالمصباح وهو في بطن امه ويضيء ويشرق الارض والسماء وهو تحت الاجانة فى بيت شمر بن ذي الجوشن (لع).

واسمه الشريف الحسين و الحسين مصغر حسن كما ان شير مصغر شير وهذا التصغير لاجل التعظيم كما لا يخفى على البصير ولم يسم احد بهذا الاسم قبله والقابه كثيرة كما مضى في أول الكتاب عن المناقب ولكن اعلاها رتبة ما لقبه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في قوله عنه، وعن أخيه انهما سيدا شباب أهل الجنة فيكون السيد اشرفها وكذلك السبط فانه صح عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) انه قال حسين سبط من الاسباط ولقد احسن واجاد من قال في ولادته ومعالي اموره (علیه السلام) و يعجبني ان اذكرها.

فدت شهر شعباننا الاشهر *** فمن بينها يمنها الاشهر *** طوى الهم عنا وزال العنا

وبشر الهنا بيننا ينشر *** لثالثه فى رقاب الانام *** اياد اعمرك لا تنكر

فصيح الولآء بميلاد سبط *** هادي الانام به مسفر *** وباب النجاة الامام الذي

ذنوب العباد به تغفر *** وغصن الامامة فيه سمى *** جنى هدايتها يثمر

وروض النبوة من نوره *** سنی و من نوره مزهر *** لتهن بميلاده شيعة

لهم طلاب في حبه عنصر *** غذاه النبي بابهامه *** وما زال عن ربها يصدر

به الله رد على فطرس *** مقاماً به في السما يذكر *** ا كان من النصف مثل الحسين

شفيع الخلائق اذ تحشر *** ومن هو ريحان قلب النبي *** ثلثاً على الترب لا يقبر

بميلاده بشر المصطفى *** وفى قتله حرب تستبشر *** وما زال يوله ان بكى

وكان بتسكينه يامر *** فكيف اذا ما راه لقى *** وفي الترب خديه قد عفروا

تعادى عليه جموع ابن هند *** باسيافهم جهرة پنحر *** وكف لها الوكف في المرملين

برفد يجل فلا يحصر *** غدت في النواويس مقطوعة *** لها مع خاتمه خنصر

ص: 71

قالت صفية بنت عبد المطلب لما سقط الحسين «علیه السلام» من بطن امه كنت قد وليته قال (صلی الله علیه وآله وسلم) يا عمة هلمي الي بابني فقات يا رسول الله انا لم ننظفه بعد فقال ياعمة انت تنظفينه ان الله تبارك وتعالى قد نظفه وطهره فدفعته اليه وهو فى خرقة بيضاء فاذن في اذنه اليمنى واقام فى اليسرى ووضع لسانه في فيه واقبل الحسين «علیه السلام» يمصه قالت فما كنت احسب رسول الله يغذوه إلا لبناً أو علا الشيخ عبد الحسين الاعسم:

بابي الذي غذاه احمد جده *** بلسانه فزكى الغذى والمغتذى

ما انفك يرشف ثغره مستنشقاً *** طيب الجان بطيب مرشفه الشذي

لا غرو ان شفعت بشاشته بمن *** بسوى انتشاق شذاه لم يتلذذ

الام فاطم والاب الكرار لا *** اب في الانام كذا و لا ام كذي

و من خصائص الحسين (علیه السلام) انه لم يرتضع من فاطمة ولا من انثى كان النبي يأتيه ويضع ابهامه في فيه وجعل الحسين (علیه السلام) يمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث ويقول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ايها يا حسين ايها يا حسين ابي الله إلا ما يريد هي فيك وفي ولدك يعنى الامامة. نظم:

لله مرتضع لم يرتضع ابداً *** من ثدي اني ومن طه مراضعه

يعطيه ابهامه انا فاونة *** لسانه فاستوت منه طبايعه

سر به خصه باریه از جمعت *** و اودعت فيه عن امر ودائعه

غرس سقاه رسول الله نبعته *** وطاب من بعد طيب الاصل فارعه

فنبت لحم الحسين (علیه السلام) من لحم رسول الله وعظمه من عظم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ودمه من دم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وشهد بذلك المخالف والمؤلف قال: معاوية في وصيته ليزيد (لع). واما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحمه ودمه، سود الله وجوههم ما صنعوا بلحم رسول الله ودمه:

ص: 72

ومن ارتبى طفلا يحجر محمد *** حتى اغتذى وحى الاله رضيعاً

يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا *** منه ترض الصافنات ضلوعاً

قالت صفية: فقبل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بين عينيه ثم دفعه الي وهو يبكي ويقول لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بني يقولها ثلاثاً فقلت فداك ابي وامي ومن يقتله قال: يقتله فئة باغية من أمية في البحار لما ولد الحسين «علیه السلام» اوحى الله تعالى الى جبرئيل ان أهبط الى حبيبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) الى آخر الخبر المذكور ونزل جبرئيل ومر بفطرس وهو ملك كان يطوف بالعرش فابطأ في شيء من امر الله فغضب الله عليه وقص جناحه ورمي به في جزيرة من جزائر البحر وكان معذباً منذ سبعمائة عام في تلك الجزيرة وخيره الله بين عذابه في الدنيا والآخرة فاختار عذاب الدنيا فكان معلقاً باشفار عينيه ويخرج من تحته ربح نتن ولا يمر به حيوان فلما احس بنزول جبرئيل والملائكة سألهم عن ذلك فقال جبرئيل بعثت لمحمد «ص» لاهنيه بمولود ولد له فقال يا جبرئيل احملني معك فحمله ووضعه بين يديه فيصبص فطرس باصبعه اليه فاخبر جبرئيل بحاله فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): تمسح جناحك بالحسين وعد الى مكانك فتمسح فطرس بالحسين «ع» وارتفع وقال: يا رسول الله اما ان امتك ستقتله وله على مكافاة لا يزوره زائر إلا ابلغته عنه ولا يسلم عليه مسلم إلا ابافته سلامه ولا يصلى مصل إلا ابلغته صلاته ثم ارتفع الى موضعه وهو يقول من مثلي وانا عتاقة الحسين بن علي وفاطمة وجده أحمد العاشر، وفي رواية مسح جناحه بمهد الحسين كما في دعاء يوم الولادة وعاذ فطرس برده ونحن عائدون بقبره نظم:

لمهدك ايات ظهرين لفطرس *** وآية عيسى ان تكلم في المهد

فان ساد في ام فانت ابن فاطم *** و ان ساد في مهد فانت ابوالمهدي

عن اثبات الوصية فلما نهض فطرس قال له النبي (ص) فان الله قد شفعني فيك فالزم ارض کربلاء فاخبرني بكل من يأتي الحسين زائراً الى يوم القيامة وذلك الملاك

ص: 73

يسمى عتيق الحسين عليه السلام:

ففطرس سمي عتيق الحسين *** فرد الجناحين بعد الهصور

اني لزيارته قاصداً *** فاضحي صحيحاً لفضل المزور

اقام بحضرته دائماً *** بمر السنين وكر الشهور

و في المناقب ان الله هنا النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بحمل الحسين (علیه السلام) وولادته وعزاه بقتله في اللهوف ولم يبق ملك في السماوات إلا ونزل على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) كل يقرئه السلام وبعزيه في الحسين (علیه السلام) ويخبره بثواب ما يعطى و يعرض عليه تربته والنبي يقول اللهم اخذل من خذله واقتل من قتله ولا تمتعه بما طلبه وكأن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) دعا على ذلك اللعين الذي طلب ايالة الرى بقتل الحسين (علیه السلام) فاستجاب الله لأن اللعين ما استمتع به رجع خائباً، في الكبريت الأحمر عن كتاب خزائن الأنوار عن مرآة الجنان روي ان فاطمة عليها السلام اقبلت الى ابيها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) باكية في المسجد وهي تقول يا ابة وضعت الحسين (علیه السلام) في مهده واخذت في طحن الحب ساعة فافتقدته ولم اجده في مهده فهبط الأمين جبرئيل وقال: يا رسول الله ابلغ فاطمة السلام وقل لها فلتقر عيناها فان الحسين (علیه السلام) لم يصبه شيء وهو من المقربين فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وابن الحسين قال جبرئيل: لما هبطت وهبط معي جماعة من الملائكة لنهنيك في ولادة الحسين (علیه السلام) وعرجوا الى السماء افتخروا على ساير الملائكة بانهم قد زاروا الحسين فقالت الملائكة يا ربنا ائذن لنا في زيارة الحسين «علیه السلام» فامر الله تعالى اياى ان ارفع الحسين (علیه السلام) الى السماء لتزوره الملائكة والان رددته وهو في مهده، فى مدينة المعاجز لما ولد الحسين عليه السلام هبط ملك من ملائكة الفردوس ونزل الى البحر الأعظم ونادى في اقطار السماوات والارض يا عباد الله البسوا ثياب الاحزان واظهروا التفجع والاشجان فان فرخ محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) مذبوح مظلوم مقهور.

ص: 74

أقول لم يسمع بان ينعى احد قبل موته، وفي يوم ولادته وهذا مخصوص بالحسين (علیه السلام) نماه ناع يوم ولادته ونعاه ناع يوم شهادته حين ان الشمر (لع) فرق بين رأسه وجسده قال المرحوم السيد حيدر:

نعى الروح جبريل بان ذوي الغدر *** اراقوا دم الموفين لله بالنذر

نعى و انقلاب الكون في ضمن نعيه *** بان ذوي الحجر استباحوا ذوي الحجر

نعى فندى من في الوجود بدهشة *** هي الحشر لا بل دونها دهشة الحشر

نعى من بقلب لدهر من جرح جسمه *** جراحات حرق لا يعالجن بالسبر

نعی ان روح الكون بالطف اقلعت *** يد الموت منه وهي دامية الظفر

نعى من دعى بالدين حي على الهدى *** أناساً دعوا بالشرك حي على الكفر

نعی ساجداً صلى الى الله روحه *** قضى رأسه المرفوع من سجدة الشكر

نعى من اعار الله بالطف هامه *** ومن قلبه فيها اقام على جمر

نعی ذات قدس يعلم الله انها *** منزهة الأفعال في السر والجهر

نعى ان اسيافاً نحرن ابن فاطم *** نحون بحجر الله كل اولى الأمر

نعی ظامياً ابكى السماء بعندم *** وحق لها تبكي با نجمها الزهر

المجلس الثالث في حب النبي له ولاخيه الحسن

يا حبذا دوحة في الخلد نابتة *** ما مثلها نبتت فى الخلد من شجر

المصطفى اصلها والفرع فاطمة *** ثم اللقاح علي سيد البشر

والهاشميان سبطاه لها ثمر *** والشيعة الورق الملتف بالثمر

انى بحبهم ارجو النجاة غداً *** والفوز في زمرة من افضل الرمز

هذا مقال رسول الله جاء به *** اهل الرواية في العالي من الخبر

ص: 75

في المنتخب ان النبي صلى الله عليه واله خرج من المدينة غازياً واخذ معه علياً و بقى الحسن والحسين (علیهما السلام) عند امهما لانهما صغيران فخرج الحسين (علیه السلام) ذات يوم من دار امه يمشي فى شوارع المدينة وكان عمره يومئذ ثلاث سنين فوقع بين مخيل و بساتين حول المدينة فجعل يسير في جوانبها ويتفرج في مضاربها فمر عليه يهودي يقال له صالح بن وهب فاخذه الى بيته واخفاه من امه حتى بلغ النهار الى وقت العصر والحسين (علیه السلام) لم يتبين له اثر فنار قلب فاطمة (علیها السلام) بالهم والحزن على ولدها الحسين فصارت تخرج من باب بيتها الى باب المسجد سبعين مرة فلم تر احداً تبعثه في طلب الحسين (علیه السلام) ثم اقبلت الى ولدها الحسن (علیه السلام) وقالت يا مهجة قلبي وقرة عيني قم فاطلب اخاك فان قلبي يحترق من فراقه فقام الحسن (علیه السلام) وخرج من المدينة وانى الى دور حولها نخل كثير وجعل ينادي يا حسين بن علي يا قرة عين النبي اين انت يا اخي قال فبينما الحسن (علیه السلام) ينادي اذبدت له غزالة في تلك الساعة فالهم الله الحسن ان يسال الغزالة فقال لها يا ظبية هل رأيت أخي حسينا فانطق الله الغزلة ببركات رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وقالت يا حسن يا نور عين المصطفى وسرور قلب المرتضى ويا مهجة فؤاد الزهراء اعلم ان اخاك اخذه صالح اليهودي واخفاه في بيته فصار الحسن «علیه السلام» حتى اتى الى دار اليهودي فناداه فخرج صالح فقال له الحسن يا صالح اخرج الى الحسين من دارك وسلمه الي وإلا اقول لامي تدعو عليك في أوقات السحر وتسأل ربها حتى لا يبقى على وجه الارض يهودي، ثم أقول لابي يضرب بحسامه لجمعكم حتى يلحقكم بدار البوار، وأقول لجدي يسأل الله سبحانه ان لا يدع يهودياً إلا وقد فارق روحه فتحير صالح اليهودي من كلام الحسن «علیه السلام» وقال له يا صبي من امك فقال اي الزهراء بنت محمد المصطفى قلادة الصفوة ودرة صدف العصمة وثمرة جمال العلم والحكمة وهي نقطة دائرة المناقب والمفاخر ولمعة من انوار المحامد والمآثر خمرت طينة وجودها من تفاح الجنة وكتب الله في صحيفتها

ص: 76

عتق عصاة الامة وهي ام السادات النجباء سيدة النسآء البتول العذراء فاطمة الزهراء فقال اليهودي اما امك فقد عرفتها فمن ابوك فقال الحسن «علیه السلام» ان ابي اسد الله الغالب علي بن ابي طالب الضارب بالسيفين والطاعن بالرمحين والمصلي مع النبي في القبلتين والمفدى نفسه لسيد الثقلين ابو الحسن والحسين «ع» فقال صالح يا صبي قد عرفت ابنك فمن جدك فقال: جدي درة من صدف الجليل وثمرة من شجرة ابراهيم الخليل الكوكب الدري والنور المضيء من مصباح التبجيل المعلق في عرش رب الجليل سيد الكونين ورسول الثقلين ونظام الدارين وفخر العالمين ومقتدى الحرمين وإمام المشرقين والمغر بين جد السبطين انا الحسن واخي الحسين فلما فرغ الحسن «علیه السلام» من تعداد مناقبه انجلى صدع الكفر عن قلب صالح وهمات عيناه بالدموع وجعل كالمتحير ينظر متعجباً من حسن منطقه وصغر سنه وجودة فهمه ثم قال له يا ثمرة فؤاد المصطفى ويا نور عين المرتضى و يا سرور صدر الزهراء يا حسن اخبرني من قبل ان اسلم اليك اخاك الحسين (علیه السلام) عن احكام دين الاسلام حتى اذعن لك وانقاد الى الاسلام ثم ان الحسن (علیه السلام) عرض عليه احكام الاسلام وعرفه الحلال والحرام فاسلم صالح واحسن الاسلام في يد الامام ابن الامام وسلم اليه اخاه الحسين ثم نثر على رأسيهما طبقاً من الذهب والفضة وتصدق به على الفقراء والمساكين ببركة الحسن والحسين (علیهما السلام) ثم ان الحسن أخذ بيد الحسين أخيه واتيا الى امهما فلما رأتهما أطمئن قلبها وزاد سرورها بولديها قال فلما كان اليوم الثاني اقبل صالح ومعه سبعون رجلا من رهطه و اقار به وقد دخلوا جميعهم في الاسلام على يد الامام ابن الامام اخي الامام عليهم أفضل الصلاة والسلام ثم تقدم صالح الى باب الزهراء رافعاً صوته بالثناء السادة الامناء وجعل يمرغ وجهه وشيبته على عتبة دار فاطمة وهو يقول يا بنت محمد المصطفى عملت سوءاً وظلمت نفسي واذيت ولدك وانا على فعلي نادم قاصفحي عن ذنبي فارسلت اليه فاطمة تقول

ص: 77

يا صالح اما انا فقد عفوت عنك من حقي ونصبي وصفحت عما سؤتني به لكنهما ابناي وابنا علي المرتضى فاعتذر اليه مما اذيت ابنه ثم ان صالحاً انتظر علياً حتى اتى من سفره وعرض عليه حاله واعترف عنده بما جرى له وبكى بين يديه واعتذر مما اساء اليه فقال له يا صالح اما انا فقد عفوت عنك وصفحت عن ذنبك لكن هؤلاء ابناي وريحانتا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فامض اليه واعتذر مما اسأت بولدي قال فاني صالح الى رسول الله باكياً حزيناً وقال ياسيد المرسلين أنت قد ارسلت رحمة للعالمين واني قد اسأت واخطأت واني قد سرقت ولدك الحسين (علیه السلام) وادخلته داري واخفيته عن اخيه وامه وقد اسئتهما في ذلك وانا الان قد فارقت الكفر ودخلت فى دين الاسلام فقال له النبي صلى الله عليه واله، اما انا فقد ضيت عنك وصفحت عن جرمك لكن يجب عليك ان تعتذر إلى الله وتسغفره مما اسأت بقرة عين الرسول ومهجة فؤاد البتول حتى يعفو الله عنك سبحانه قال فلم نزل صالح يستغفر ربه ويتوسل اليه ويتضرع بين يديه في اسحار الليل واوقات الصلاة حتى نزل جبرئيل الى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) باحسن التبجيل وهو يقول: يا محمد قد صفح الله عن جرم صالح حيث دخل في دين الاسلام على يد الامام ابن الامام اخي الامام عليهم افضل الصلاة والسلام، اخواني فانظروا الى هذا صالح اليهودي مع انه ليس على شريعة الاسلام ما اخذ الحسين «علیه السلام» واخفاه في بيته واجلسه على فراشه اسرع هو في خدمته وتمر على رأسه طبقاً من الذهب والفضة واسلم على يد الامام وبكى على عمله بكاء تقشعر منه الاجسام فكيف لم يصنع معه صالح بن هب المزني في طف كربلاء كما صنع معه صالح اليهودي مع انه يدعي الاسلام وقد صنع به ما صنع وذلك لما اتخن الحسين (علیه السلام) بالجراح مامنه صالح بن وهب الخ في البحار مثل النبي صلى الله عليه واله اي أهل بيتك احب اليك؟ قال: الحسن والحسين من احبهما احببته ومن احببته احبه الله ومن احبه الله ادخله الله الجنة ومن ابغضهما ابغضته ومن ابغضته

ص: 78

ابغضه الله خلده النار، ايها الناس من احبني واحب هذين وابنهما وامهما كان معي في درجتي في الجنة يوم القيامة ولنعمما قال القائل:

اخذ النبي ید الحسين وصنوه *** يوماً وقال وصحبه في مجمع

من ودني يا قوم اوهذين او ابوهما فالخلد مسكنه معي

عن اسامة بن زيد قال اتيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ذات يوم في بعض الحاجة فخرج الي وهو مشتمل على شيء ما ادري ما هو فلما فرغت من حاجتي قلت ما هذا الذي انت مشتمل عليه فكشف فاذا هو الحسن والحسين «علیه السلام» على وركيه فقال هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم اني احبها قاحبها واحب من يحبهما الا فمن احبهما كان معي وفيه عن معاوية بن وهب عن الصادق «علیه السلام» قال قال: رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ان حب علي قذف في قلوب المؤمنين لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وان حب الحسن (علیه السلام) والحسين قذف في قلوب المؤمنين والمنافقين والكافرين فلاترى لهم ذاماً، وفيه عن جابر بن عبد الله الانصاري قال خرج علينا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اخذاً بيد الحسن و الحسين (علیهما السلام) فقال ان ابني هذين ربيتهما صغير بن ودعوت لهما كبيرين وسئلت الله لهما ان يجعهلهما مطهر بن زكيين فاجابني الى ذلك وسئلت ان يقيهما وشيعتهما من النار فاعطاني ذلك وسئلت الله أن يجمع الامة على محبتهما فقال يا محمد اني قضيت قضاء وقدرت قدراً وان طائفة من امتك ستفى لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس وسيخفرون ذمتك في ولدك واني اوجبت على نفسي من فعل ذلك ان لا احله محل كرامتي ولا اسكنه جنتي ولا انظر اليه بعين رحمتي الى يوم القيامة، وفيه قال جابر رايت الحسن والحسين (علیهما السلام) على ظهر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وهما يقولان حل حل و النبي بجثو لهما و يقول نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان انما. وفي رواية ابن مسعود حمل الحسن على اضلاعه اليمنى والحسين على اضلاعه اليسرى ثم مشى وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) نعم المطى مطيكما

ص: 79

ونعم الراكبان انتما وابو كما خير منكما. وروى انه ترك لهما ذوابتين في وسط الرأس مزودتين قال: ابن مسعود رأيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يوماً وهو اخذ بكتفي الحسن (علیه السلام) بكلتا يديه وقدماه على قدم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ويقول له ترق عين بقه فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم قال له افتح فاك ثم قبله وقال اللهم احبه فاني احبه ثم وضعه فاخذ الحسين (علیه السلام) كذلك ويقول له حزقة حزقة ترق عين بقه فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ففعل به ما فعل بالحسين «علیه السلام» و كان (صلی الله علیه وآله وسلم) يتصابا لهما ويقول: من كان له صبى فليتصاب له كما ان الزهراء عليها السلام نتصابا لهما وتتلاعب بهما.

و تقول الحسين: (انت شبيه بابي است شبيهاً بعلي)

وللحسن تقول: اشبه ابك يا حسن واخلع عن الحق الرسن

واعبد الهاً ذا منن ولا توال ذا الأحن

كانت ام الفضل تلاعب الحسين «علیه السلام» وتقول: يا بن رسول الله

يا بن كثير الجاه فرد بلا اشباه اعاذه الهى من اسم الدواهي

وفيه عن سلمان الفارسي قال دخلت يوماً على فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فسلمت عليها فقالت یا ابا عبد الله هذان الحسن والحسين جائمان يبكيان فخذ بايديهما فاخرج بهما الى جدهما قال فاخذت بايديهما وحملتهما حتى اتيت بهما الى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال: ما لكما با حسنى قالا نشتهي طعاماً يا رسول الله فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) اللهم اطعمهما ثلاثاً قال سلمان فنظرت فاذا سفر جلة في يد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) شبيهة بقلة من قلال هجر اشد بياضاً من الثلج واحلى من العسل والين من لزبد ففركها با بهامه فصيرها نصفين ثم دفع الى الحسن نصفها والى الحسين نصفها فجعلت انظر الى النصفين في ايديهما وانا اشتهيهما قال: يا سلمان لملك تشتهيها قلت نعم قال يا سلمان هذا طعام من الجنة لا يأكله احمد

ص: 80

حتى ينجو من الحساب هذا يوم اشبعهما ويوم اخر سقاها ورواهما كما في الخبر عطش المسلمون عطشاً شديداً فجاءت فاطمة بالحسن والحسين «علیهما السلام» الى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، وقالت يا ابتاه انهما صغيران لا يتحملان العطش فدعا النبي الحسن فاعطاه لسانه قصه حتى ارتوى ثم دعا الحسين «علیه السلام» فاعطاه لسانه فمصه حتى ارتوي.

أقول: ومن المعلوم ان الكبير لا يتحمل العطش فكيف بالصغير ولا سيما اذا كان رضيعاً وفقد اللبن والماء كليهما اسفى على ذلك الرضيع وقد مضى عليه ثلاثة ايام الح عن ابي عبد الله الصادق «علیه السلام» عن أبيه عن جده قال: مرض النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الموضة التي عوفى منها فعادته سيدة النساء فاطمة «علیها السلام» ومعها الحسن والحسين عليهما السلام قد اخذت الحسن «علیه السلام» بيدها اليمنى واخذت الحسين «علیه السلام» بيدها اليسرى وهما يمشيان وفاطمة بينهما حتي دخلوا منزل عائشة فقعد الحسن على جانب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الايمن والحسين على جانب رسول الله الأيسر فاقبلا يغمزان ما يليها من بدن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فما افاق النبي من نومه فقالت فاطمة للحسن والحسين (علیهما السلام) حيبي ان جدكما قد غفى و نام فانصرفا من ساعتكما هذه ودعاه حتى يفيق وترجعان اليه فقالا لسنا ببارحين في وقتنا هذا فاضطجع الحسن على عضد النبي الايمن والحسين على عضده الأيسر فضفيا ثم انتبها قبل ان ينتبه النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وكانت فاطمة (علیها السلام) لما ناما انصرفت الى منزلها فقالا لعائشة ما فعلت امنا قالت لما تمتما رجعت الى منزلها فخرجا في ليلة ظلماء مدلهمة ذات رعد و برق وقد ارخت السماء عزاليها فسطع لهما نور فلم يزالا يمشيان في ذلك النور والحسن «علیه السلام» قابض بيده اليمنى على يد الحسين اليسرى وهما يتماشيان ويتحدثان حتى اتيا حديقة بني النجار فلما بلغا الحديقة حارا فبقيا لا يعلمان اين ياخذان فقال: الحسن الحسين انا قد حرنا وبقينا على حالتنا هذه وما ندري اين نسلك فلا عليك ان تنام في وقتنا هذا حتى نصبح، فقال له الحسين (علیه السلام) دونك يا اخي فافعل ما ترى

ص: 81

فاضطجعا جميعاً واعتنق كل واحد منهما صاحبه و ناما فانتبه النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) عن نومته التي نامها فطلبهما في منزل فاطمة فلم يكونا وافتقدها فقام قائماً على رجليه وهو يقول الهي وسيدي ومولاي هذان شبلاي خرجا من المخمصة والمجاعة اللهم انت وكيلي عليهما فسطع نور النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فلم يزل بمضي في ذلك النور حتى اني حديقة بني النجار فاذا بهما نائمان قد اعتنق كل واحد منهما صاحبه وقد تقشعت السماء فوقهما كطبق فهي تمطر اشد، طرة ما راه الناس قط وقد منع الله المطر منهما في البقعة التي فيها هما نائمان لا يمطر عليهما قطرة وقد اكتنفتهما حية لها شعرات كاجام القصب وجناحان جناح قد غطت به الحسن وجناح قد غطت به الحسين فلما ان بصر بها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) تنحنح فانسابت الحية وهي تقول اللهم اني اشهدك واشهد ملائكتك ان هذين شبلا نبيك قد قد حفظتهما عليه ودفعتهما اليه سالمين صحيحين فقال لها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ايتها الحية ممن انت قالت انا رسول الجن اليك قال اى الجن قالت جن النصيبين نسينا اية من كتاب الله تعالى فبعثوني اليك لتعلمنا ما نسينا من كتاب الله فلما بلغت هذا الموضع سمعت منادياً ينادي ايتها الحية هذان شبلا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فاحفظيهما من العاهات والافات ومن طوارق الليل والنهار فقد حفظتها وسلمتهما اليك سالمين صحيحين واخذت الحية الاية وانصرفت فاخذ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الحسن فوضعه على عاتقه الأيمن ووضع الحسين على عاتقه الايسر وخرج علي (علیه السلام) فلحق برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال له بعض اصحابه بابي انت وامي ادفع الي احد شبليك اخفف عنك فقال: امض فقد سمع الله كلامك وعرف مقامك وتلقاه اخر فقال بابي انت وامي ادفع الي احد شبليك اخفف عنك فقال امض فقد سمع الله كلامك وعرف مقامك فتلقاه علي (علیه السلام) وقال: بابي انت وامي يا رسول ادفع الي احد شبليك وشبلي حتى اخفف عنك فالتفت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الى الحسن فقال: يا حسن تمضي الى كتف ابيك فقال له والله يا جداه ان كتفك لأحب الي من كتف

ص: 82

ابي ثم التفت الى الحسين وقال: ياحسين هل تمضي الى كتف ابيك فقال والله يا جداه انى لأقول كما قال اخي الحسن ان كتفك لأحب الي من كتف ابي فاقبل بهما الى منزل فاطمة وقد ادخرت لهما تميرات فوضعتها بين ايديهما فاكلا وشبعا وفرحا فقال: لهما النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قوماً الان فاصطرعا فقاما ليصطرعا وقد خرجت فاطمة في بعض حاجاتها فلما دخلت سمعت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو يقول ايهاً يا حسن شد على الحسين فاصرعه فقالت يا ابة واعجباه اتشجع الكبير على الصغير فقال: لها يا بنية اما ترضين ان أقول انا يا حسن شد على الحسين فاصرعه وهذا حبيبي جبرئيل يقول يا حسين شد على الحسن فاصرعه كأن الزهراء قد تكدر خاطرها وانكسر قلبها لما سمع أباها يقول للحسن ايهاً يا حسن شد على الحسين فاصرعه ولا ترضى بذلك لشدة حبها للحسين ليت شعري ما حالها لو نظرت عيناها اليه حين سقط من على ظهر جواده الى الارض طريحاً جريحاً مثير الاحزان. نقل عن تاريخ البلاذري حدث محمد بن يزيد المبرد النحوي في اسناد ذكره قال انصرف النبي الى منزل فاطمة فرأها قائمة خلف بابها فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) ما بال حبيبتي هاهنا قالت ابناك خرجا غدوة وقد غاب على خبرها فمضى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقفو اثارهما حتى صار الى كهف جبل فوجدهما نائمين وحية مطوقة عند رؤسهما فاخذ حجراً واهوى اليها فقالت الحية السلام عليك يا رسول الله والله ما نمت عند رؤسهما إلا حراسة لهما فدعا لها بخير ثم حمل الحسن على كتفه الأيمن والحسين على كتفه الايسر فنزل جبرئيل واخذ الحسين وحمله فكانا بعد ذلك يفتخران فيقول الحسن حملني خير أهل الارض ويقول الحسين حملني خير أهل السماء. في البحار عن سلمان الفارسي قال: اهدى الى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قطف من العنب فى غير اوانه فقال لي يا سلمان اتيتني بولدى الحسن والحسين ليأكلا معي من هذا العنب قال سلمان فذهبت الطرق عليهما منزل لهما فلم أرهما فجئت فخبرت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بذلك فقام في طلبهما فلم يجدهما فاضطرب

ص: 83

النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ووثب قائما وهو يقول وا ولداه واقرة عيناه من يرشدني على ولدي فله صلى الله الجنة فنزل جبرئيل من السماء وقال يا محمد علام هذا الانزعاج فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) على ولدي الحسن والحسين فاني خائف عليهما من كيد اليهود فقال جبرئيل يا محمد بل خف عليهما من كيد المنافقين فان كيدهم أشد من كيد اليهود، اعلم يا محمد ان ابنيك الحسن والحسين نائمان في حديقة بني الدحداح فسار النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من وقته وساعته الى الحديقة وانا معه حتى دخلنا الحديقة واذا هما نائمان قد اعتنق احدهما الآخر وثعبان في فيه طاقة ريحان يروح بها وجهيهما فلما رأى الثعبان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) القى ما كان في فيه فقال السلام عليك يا رسول الله است انا ثعبان ولكني ملك من ملائكه الكروبين غفلت من ذكر ربي طرفة عين فغضب علي ربي ومسخني ثعباناً كما ترى وطردني من السماء الى الارض ولي منذ سنين كثيرة اقصد كريماً على الله فاسئله ان يشفع لي عند ربي عسى ان يرحمني ويعيدني ملكا كما كنت اولا انه على كل شيء قدير قال: فجاء النبي صلى الله عليه واله الى ولديه يقبلهما حتى استيقظا فجلسا على ركبتي النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال: لهما النبي انظرا يا ولدي هذا ملك من ملائكه الله النكرويبين قد غفل عن ذكر ربه طرفة عين فجعله الله هكذا وانا مستشفع بكما الى الله تعالى فاشفعا له فوتب الحسن والحمين عليهما السلام فاسبغا الوضوء وصليا زكعتين وقالا اللهم بحق جدنا الجليل الحبيب محمد المصطفى وبابينا علي المرتضى و بامنا فاطمة الزهراء إلا ما رددته الى حالته الاولى فما استم دعاؤهما فاذا بجبرئيل قد نزل من السماء في رهط من الملائكة وبشعر ذلك المك برضى الرب عنه وبرده الى سيرته الاولى ثم وقعوا به الى السماء وهم يسبحون الله تعالى وجع جبرئيل الى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو متبسم، وقال يارسول الله ان ذلك الملك يفتخر على ملائكة السبع السماوات ويقول لهم من مثلي وانا في شفاعة السيدين السبطين الحسن والحسين هذا الملك يفتخر بانه عتيق الحسن والسمعين وفي شفاعتهما وملائكة

ص: 84

اخرى ايضاً يفتخرون بانهم عتقاء الحسين فقط وفي شفاعته وهم فطرس ودردائيل وصلصائيل كلهم تقاء الحسين. أقول ان عتقاء الحسين اكثر من ان تحصى من الجن والانس والملك ويظهر ذلك في القيامة فترى طائفة يعتقون من النار ويدخلون الجنة لأنهم من الباكين على الحسين واخرى لانهم من المقيمين لعزائه واخرى يعتقون من النار لانهم من زوار قبره الشريف - اذا شئت النجاة فزر حسيناً الخ.

المجلس الرابع في حب النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) له خاصة

في البحار رأى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الحسين يوماً يلعب مع الصبيان في السكة فاستقبل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) امام القوم فبسط أحدى يديه فطفق الصبي يفر مرة من هيهنا ومرة هيهنا ورسول الله صلى الله عليه واله يضاحكه ثم اخذه فجعل احدى يديه تحت ذقنه والاخرى على فأص رأسه واقعه وقبله، وقال: انا من حسين وحسين مني، احب الله من احب حسيناً، حسين سبط من الاسباط قال سلمان الفارسي كان الحسين (علیه السلام) على فخذ رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو يقبله ويقول انت السيد ابن السيد ابو السادة انت الامام ابن الامام ابو الأمة أنت الحجة ابن الحجة ابو الحجج تسعة من صلبك تاسعهم قايمهم كان (صلی الله علیه وآله وسلم) يصلي يوماً في وقته والحسين صغير بالقرب منه وكان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) اذا سجد جاء الحسين فركب ظهره ثم حرك رجليه وقال حل حل واذا اراد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ان يرفع رأسه أخذه ووضعه الى جانبه فاذا سجد عاد على ظهره وقال حل حل فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من صلاته فقال يهودي يا محمد انكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) اما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان قال فاني أؤمن بالله ورسوله فاسلم لما رأى من كرمه مع عظم قدره في القمقام. وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) من احب ان ينظر الى احب أهل الارض الى أهل السماء فلينظر الى الحسين «علیه السلام» انما الحسين

ص: 85

باب من ابواب الجنة من عائده حرم الله عليه ريح الجنة فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب اثوابه وأوطأ صدره الخ. في البحار عن أبي ليلى عن أبيه قال كنا عند رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فجاء الحسين بن علي (علیه السلام) يحبو حتى صعد على صدره فبال قال فابتدرناه لتأخذه فقال «صلی الله علیه وآله وسلم» ابني ابني لا ترزموا ابني يعني لا تقطعوا عليه بوله عن ابي هريرة قال: ابصرت عيناي هاتان و سمعت اذناي هاتان ان رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» أخذ بكني الحسين «علیه السلام» وقدماه على قدم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو يقول ترق عين بقة فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ثم قال رسول الله: افتح فاك ثم قبله ثم قال اللهم احبه فاني احبه، وفيه عن ابي ابن كعب قال دخل على النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» الحسين عليه السلام فقال له مرحباً بك يا ابا عبد الله يا زين السماوات والارضين فقال له ابي وكيف يكون يا رسول الله زبن السماوات والارضين احد غيرك فقال «صلی الله علیه وآله وسلم» يا ابي والذي بعثني بالحق نبياً ان الحسين بن علي (علیه السلام) في السماء اكبر منه في الارضين وانه لمكتوب من يمين العرش الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة أو مصباح هاد وسفينة نجاة ثم أخذ بيده وقال: ايها الناس هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضلوه كما فضله الله فوالذي نفسي بيده انه لفى الجنة ومحببة في الجنة ومحبي محبيه في الجنة كان (صلی الله علیه وآله وسلم) يخطب على المنبر اذ خرج الحسين (علیه السلام) فوطى، في ثوبه وسقط فبكى فنزل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فضمه اليه وقال قاتل الله الشيطان ان الولد لفتنة، والذي نفسي بيده ما دريت اني نزلت عن منبري ولقد مر على باب بيت فاطمة فسمع بكاء الحسين فوقف وقال بنية سكتيه الم تعلمي ان بكائه يؤذيني وما زال يولمه ان بكى الخ، الابيات مضى في ولادته

أقول: لم يستطع ان يسمع بكاء الحسين من غاية شفقته عليه ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم حين وقف عليه فرأه مقطع الرأس ومبضعا بالسيوف والنبال والرماح وقد قطع الجمال يديه نظم:

ص: 86

احسين هل وافاك جدك زائراً *** ورأك مقطوع الوتين معفراً

ام هل درى بك حيدر في كربلا *** ترباً صريعاً ظامياً ام ما درى

في البحار عن ابن عباس قال كنت عند النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وعلى فخذه الايسر ابنه ابراهيم وعلى فخذه الايمن الحسين بن علي وهو تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين فلما سرى عنه قال (صلی الله علیه وآله وسلم) اتاني جبرئيل من ربي فقال يا محمد ان ربك يقرء عليك السلام ويقول است اجمعهما لك فاند احدهما بصاحبه فنظر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الى ابراهيم وبكى ونظر الى الحسين «علیه السلام» وبكى وقال ان ابرهيم امه امة ومتى مات لم يحزن عليه غيري وام الحسين فاطمة وابوه علي ابن عمي لحمي ودمي ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت انا عليه وانا اوثر حزني على حزنهما يا جبرئيل يقبض ابراهيم فديته للحسين «علیه السلام» قال فقبض بعد ثلاث فكان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) اذا رأى الحسين «ع» مقبلا ضمه الى صدره ويرشف ثناياه ويقول فديت من فديته بابني ابراهيم ولم يزل يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول انها سيدا شباب أهل الجنة. فى البحار ان اعرابيا اتى الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال يا رسول الله لقد صدت خشفة غزالة واتيت بها اليك هدية لولديك الحسن والحسين «علیه السلام» فقبلها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ودعا له بالخير فاذا الحسن واقف عند جده فرغب اليها فاعطاها اياه فما مضى إلا ساعة واذا بالحسين «علیه السلام» قد اقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فقال يا اخي من اين لك هذه الخشفة فقال الحسن «علیه السلام» اعطانيها جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فسار الحسين «علیه السلام» مسرعا الى جده وقال: يا جداه أعطيت أخي خشفة غزالة يلعب بها ولم تعطني مثلها وجعل يكرر القول على جده وهو ساكت لكنه يسلي خاطره و يلاطفه بشيء من الكلام حتى افضى من امر الحسين «علیه السلام» الى ان هم ان يبكي فبينما هو كذلك اذا بصباح قد ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فاذا ظبية ومعها خشفتها ومن خلفها ذئبة

ص: 87

تسوقها إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وتضربها باحدى اطرافها حتى أنت بها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم نطقت الغزالة بلسان فصيح وقالت يا رسول الله قد كانت لي خشفتان احداهما صادها الصياد واتى بها اليك وبقيت لي هذه الاخرى وانا بها مسرورة واني كنت الان ارضعها فسمعت قائلا يقول اسرعي اسرعي با غزالة بخشفتك الى النبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) واوصليها سريعاً لأن الحسين (علیه السلام) واقف بين يدي جده وقد هم ان يبكي والملائكة باجمعهم قد رفعوا رؤسهم من صوامع العبادة ولو بكى الحسين (علیه السلام) لبكت الملائكة المقربون لبكائه وسمعت ايضاً قائلا يقول اسرعي اسرعي يا غزلة قبل جریان دموع الحسين على خديه فان لم تفعلي سلطات عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفتك فاتيت بخشفتي اليك يارسول الله وهذه الذئبة تسوقني وقطعت مسافة بعيدة ولكن طويت لي الارض حتى اتيتك سريعاً وانا احمد الله وبي على ان جئتك قبل جربان دموع الحسين على خده فارتفع التكبير والتهليل من الاصحاب ودعا النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) للغزالة بالخير والبركة واخذ الحسين عليه السلام الخشفة واتى بها الى امه الزهراء فسر بذلك سروراً عظيماً نعم اذا بكى الحسين بكت الملائكة رحمة له فما حال الملائكة نظروا الى الحسين وهو مخضب بدمه طريح جريح بلا غسل ولا كفن في تظلم الزهراء عن كتاب منتخب كان النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) جالساً ذات يوم وعنده علي بن ابى طالب عليه السلام اذ دخل الحسين (علیه السلام) فاخذه النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» وجعله في حجره وقبل بين عينيه وقبل شفتيه و كان للحسين «علیه السلام» ست سنين فقال على (علیه السلام) يا رسول الله اتحب ولدي الحسين قال: (صلی الله علیه وآله وسلم) كيف لا احبه وهو عضو من اعضائي فقال يا رسول الله ابنا أحب اليك انا ام الحسين فقال الحسين يا ابة من كان اعلى شرفاً كان احب الي رسول الله واقرب اليه منزلة قال: (علیه السلام) اتفاخرني يا حسين قال نعم ان شئت يا ابتاه فقال عليه السلام انا أمير المؤمنين انا لسان الصادقين انا وزير المصطفى حتى عد من مناقبه نيفا وسبعين منقبة ثم سكت فقال يوم

ص: 88

النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) للحسين (علیه السلام) اسمعت يا ابا عبد الله وهو عشر ما قاله من فضائله ومن الف الف فضيلة وهو فوق ذلك واعلى فقال الحسين (علیه السلام) الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وعلى جميع المخلوقين ثم قال اما ما ذكرت يا امير المؤمنين فانت فيه صادق امين فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) اذكر انت فضائلك يا ولدي فقال (علیه السلام) انا الحسين بن علي بن ابي طالب واي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وجدى محمد المصطفى سيد بني آدم اجمعين لا ريب فيه يا ابة امي افضل من امك عند الله وعند الناس اجمعين و جدي خير من جدك وافضل عند الله وعند الناس اجمعين وابي خير من ابيك عند الله وعند الناس اجمعين وانا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقاني اسرافيل يا ابة أنت عند الله افضل مني وانا افخر منك بالاباء والامهات والاجداد ثم انه اعتنق اباه يقبله وعلي (علیه السلام) ايضاً يقبله ويقول زادك الله شرفا و تعظيماً وفخراً وعلماً وحلماً، ولعن الله قاتليك يا ابا عبد الله ثم رجع الحسين «علیه السلام» الى جده، هذا يوم ذكر الحسين (علیه السلام) نسبه لأبيه ويوم عاشوراء ذكر نسبه لأهل الكوفة حين وقف واتكى على قائم سيفه ونادى انشدكم الخ:

المجلس الخامس في مناقبه عليه السلام

اشارة

تعاليت عن مدح فابلغ خاطب *** بمدحك بين الناس اقصر قاصر

اذا طاف قوم في المشاعر والصفا *** فقبرك ركني طائفا ومشاعرى

وان ذخر الأقوام نسك عبادة *** فحبك ادفى عدني وذخاري

وقال الآخر :

اليك اشاراتي وانت مراد *** واياك اعني عند ذكر سعاد

وانت تثير الوجد بين اضالعی *** اذا قال حاد أو ترنم شاد

وحبك التي النار بين جوانحي *** بقدح وداد لا بقدح زناد

ص: 89

قال: في نفس المهموم اعلم ان مناقب مولانا الحسين (علیه السلام) واضحة الظهور وسنا شرفه ومجده مشرق النور فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الامور وكيف لا يكون كذلك وقد اكتنفه الشرف من جميع اكنافه وظهرت مخايل السؤدد على شمائله واعطافه وكاد الجمال يقطر من نواحيه واطرافه وهذا قول لا اخاف ان يقول مسلم بخلافه الجد محمد المصطفى والأب علي المرتضى والجدة خديجة الكبرى والأم فاطمة الزهراء والاخ الحسن ذو الشرف والفخار والعم جعفر الطيار والعمه ام هاني بنت المنتجبين الابرار والاولاد الأئمة الاطهار والبيت من هاشم صفوة الأخيار عليهم صلوات الله الملك الغفار نظم:

لقد ظهرت فلا تخفى على احد *** إلا على اكمه لا يبصر القمرا

فهو كما وصفه الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في زيارة الناحية المقدسة وفي الذمم رضي الشيم ظاهر الكرم متهجداً في الظلم قويم الطرائق كريم الخلائق عظيم السوابق شريف النسب منيف الحسب رفيع الرتب كثير المناقب محمود الضرائب جزيل المواهب منيب جواد حلیم رشید علیم شدید امام شهید اواه منيب حبيب مهيب والله در القائل:

فيا نسباً كالشمس ابيض مشرق *** ويا شرقاً من هامة المجد ارفع

ابوهم سماء المجد والام شمسه *** نجوم لها برج الجلالة مطلع

فمن مثلهم ان عد فى الناس مفخر *** اعد نظراً يا صاح ان كنت تسمع

كان روحي له الفداء جيد البدن حسن القامة جميل الوجه صبيح المنظر نور جماله يغشى الابصار وله مهابة عظيمة ويشرق منه النور بلحية مدورة قد خالطها الشيب ادعج العينين ازج الحاجبين واضح الجبين اقتى الأنف. في المنتخب ان الحسين (علیه السلام) كان اذا جلس في المكان المظلم يهتدي اليه الناس ببياض جبينه ونحره كأن الذهب يجري في تراقيه واذا تكلم رأى النور يخرج من بين ثناياه ولم يكن يمر في طريق فتبعه

ص: 90

أحد إلا عرف انه سلكه لطيب رائحته وان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كثيراً ما يقبل الحسين ينجره وجبهته وقول رباب في رثاء الحسين «علیه السلام»:

ان الذي كان نوراً يستضاء به *** بكربلاء صريع غير مدفون

اشارة الى ضوء جبينه وخده ونحره وله مهابة عظيمة وبها به كل احد، روی شیخنا الأجل الفمي حفظه الله في سفينة البحار عن ابي حازم الاعرج قال: كان الحسن «علیه السلام» يعظم الحسين «علیه السلام» حتى كانه هو اسن منه قال: ابن عباس وقد سألته عن ذلك سمعت الحسن (علیه السلام) وهو يقول اني لأهابه كبيبة أمير المؤمنين (علیه السلام) ولقد كان يجلس معنا بلا خلاف حتى اذا جاء الحسين (علیه السلام) غيرها أقول ومع تلك الجلالة والمهابة انظر الى خشوعه وخضوعه وشفقته ورأفته. في البحار قال: مر الحسين بن علي «علیه السلام» بمساكين قد بسطوا كساءاًلهم والقوا عليه كسراً فقالوا هلم يابن رسول الله فتنى وركه فاكل معهم ثم تلى ان الله لا يحب المستكبرين ثم قال: لهم قد اجبتكم فاجيبوني قالوا نعم يابن رسول الله فقاموا معه حتى اتوا منزله فقال للجارية اخرجي ما كنت تدخرين. وفيه ايضاً: مر بمساكين وهم يأكلون كسراً لهم على كساء فسلم عليهم فدعوه الى طعامهم فجلس معهم وقال لو لا انه صدقة لأكات معكم ثم قال: قوموا الى منزلي فاطعمهم وكساهم وامر لهم بدراهم ومن تواضعه وشفقته على الفقراء قال في البحار لما قتل عليه السلام وجديوم الطف على كتفه اثر فسألوا زين العابدين «علیه السلام» عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره، وفيه قال روحي له الفداء يعني مولانا الحسين «علیه السلام» صح عندي قول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) افضل الأعمال بعد الصلاة ادخال السرور في قلب المؤمن بما لا اثم فيه فاني رأيت غلاماً يؤاكل كلباً فقلت له في ذلك فقال يا بن رسول الله اني مغموم اطلب السرور بسروره لأن صاحبي يهودي اريد ان افارقه فاتى الحسين «علیه السلام» الى صاحبه بمأتي دينار ثمناً له فقال اليهودي الغلام فداء لخطاك وهذا البستان له ورددت

ص: 91

عليك المال فقال (علیه السلام) وانا قد وهبت لك المال قال قبلت المال ووهبته للغلام فقال: الحسين (علیه السلام) اعتقت الغلام ووهبت له جميعاً فقالت امرأة اليهودي قد اسلمت ووهبت زوجي مهري فقال اليهودي وانا ايضاً اسلمت واعطيتها هذه الدار.

وأما حلمه وعفوه وكظم غيظه

جنى غلام له جناية توجب العقاب عليه قام به ان يضرب فقال یا مولای والكاظمين الغيظ قال «علیه السلام»: خلوا عنه فقال يا مولاي والعافين عن الناس قال (علیه السلام) قد عفوت عنك قال: يا مولاي والله يحب المحسنين قال «علیه السلام» أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت اعطيك، وفي نفئة المصدور الشيخ المعظم عن عصام بن المصطلق قال دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي (علیه السلام) فاعجبني سمته وروائه واثار من الحسد ما كان يخفيه صدري لأبيه من البغض فقلت له انت ابن ابى تراب فقال نعم فبالغت في شتمه وشتم أبيه فنظر الي نظرة عاطف رؤف ثم قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم ان الذين أتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذاهم مبصرون واخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ثم قال لي خفض عليك استغفر الله في ذلك انك لو استعنتنا لأعناك ولو استرفدتنا لرفدناك ولو استر شدتنا لأرشدناك قال عصام فتوسم منى الندم على ما فرط منى فقال (علیه السلام) لا تتريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين امن أهل الشام انت قلت نعم فقال شنشنة اعرفها من اخزم حيانا الله واياك انبسط الينا في حوائجك وما يعرض لك تجدني عند أفضل ظنك انشاء الله قال عصام فضاقت علي الارض بما رحبت و وددت لو ساخت بي ثم سلات منه لواذاً وما على الارض احب الي منه ومن أبيه.

ص: 92

بيان سمته وروائه يعني خلقه ومنظره وحركاته وسكناته، خفض يعنى خفف ؤسهل عليك، فرط بمعنى التجاوز عن الحد لا تثريب عليكم اي لا تأنيب عليكم ولا عتب شنشنة اعرفها من اخزم هذا عجز بيت صدره ان بني ضرجوني بالدم والشعر لجدابى حاتم وكان له ابن يقال له اخزم قيل كان عاقا لأبيه ويؤذي اباه بكل ما استطاع فمات وترك بنين فتوانبوا على جدهم ابي اخزم قادموه فقال:

ان بني ضرجوني بالدم *** شنشنة اعرفها من اخزم

يعني ان هؤلاء اشبهوا اباهم في العقوق والشنشنة الطبيعة والعادة واراد «علیه السلام» من ذكر هذا المثل يعني ان هذا الشتم والسب شنشنة يعني طبيعة وعادة اعرفها من اهل ا الشام لأن معاوية من فيهم هذه السنة القبيحة فكانو يعلنون بسب أمير المؤمنين على المنابر سود الله وجهه يسب علياً وياسر الناس بسبه والحال انه لا يقبل عمل امرىء إلا يجب علي وأولاده «علیهم السلام» نظم:

ولا عمل ينجي غداً غير حبهم *** اذا قام يوم البعث الخلق مجمع

ولو ان عبداً جاء في الله عابداً *** بغير ولا ال العبا ليس ينفع

فيا عترة المختار با راية الهدى *** اليكم غداً في موقفي اتطلع

خذوا بيدي يا ال بيت محمد *** فمن غيركم يوم القيامة يشفع

نعم فوض الله اليهم امر الشفاعة لأنهم أفضل الخلق واشرفهم واكرمهم وهم خير خلق الله فطوبى لمن تمسك بهم وتوسل بهم واستشفع بهم وناهيك فيما قلنا هذا الخبر في المنتخب افتخر اسرافيل على جبرئيل فقال اني من حملة العرش وصاحب الصور والنفخة وانا أقرب الملائكة الى حضرة الجلال فقال جبرئيل انا خير منك امين الله علي وحيه وصاحب الكسوف والخسوف والزلازل والرسائل فاختصما الى الله تعالى فاوحي اليهما ان اسكتا فوعزتي وجلالي لقد خلقت من هو خير منكما انظرا الى ساق العرش فنظرا

ص: 93

واذا على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله علي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله فقال جبرئيل بحقهم عليك إلا ما جعلتني خادما لهم فقال الله تعالى لك الهم ذلك فافتخر جبرئيل على الملائكة اجمع لما صار خادماً لهم فقال من مثلي وانا خادم آل محمد فانكسرت الملائكة ان يفاخروه و كان جبرئيل يخدمهم في البيت تارة يطحن الحب واخرى يكنس البيت واخرى يناغي الحسين «علیه السلام» نزل يوماً الى الارض فوجد الزهراء (علیها السلام) نائمة والحسين (علیهما السلام) يبكي في مهده على جاري عادة الاطفال مع امهاتهم فجلس جبرئيل عند الحسين (علیه السلام) وجعل يناغيه ويسكته من البكاء ويسليه ويقول:

ان في الجنة نهراً من ابن *** لعلي وحسين وحسن

كل من كان محباً لهم *** يدخل الجنة من غير حزن

ولم يزل كذلك حتى استيقظت فاطمة من منامها فسمعت انساناً يناغي الحسين عليه السلام فالتفتت اليه فلم تر أحداً فاخبرت اباها بذلك فاعلمها ابوها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) انا خادم ان جبرئيل كان يناغي الحسين (علیه السلام)، وفي خبر كان يفتخر ويقول من مثلي و الحسين (علیه السلام). أقول ما حال جبرئيل الذي هو يناغي الحسين (علیه السلام) وبهز مهده و يفتخر بانه خادم الحسين (علیه السلام) حين رأه على رمضاء كربلاء طريحاً جريحاً بلا رأس الخ في المنتخب كان ابو هريرة ينفض التراب عن اقدام الحسين (علیه السلام) ويمسح بها وجهه فقال له الحسين (علیه السلام) لم تفعل هذا يا أبا هريرة فقال دعنى يا بن رسول فوالله لو يعلم الناس مثل ما اعلم من فضلك لحلوك على احداقهم فضلا عن اعناقهم يا بن رسول الله في هاني اذني سمعت من جدك رسول الله يقول على منبره ان هذا ولدي الحسين (علیه السلام) سيد شباب أهل الجنة من الخلق اجمعين وانه سيموت مذبوحاً ظلماً وعدواناً و ظمأناً لعن الله من قتله، وفيه ان الحسين (علیه السلام) مر على عبد الله بن عمرو بن العاص فقال عبد الله من احب ان ينظر الى أحب أهل الارض الى أهل السماء فلينظر الى هذا المجتاز واني

ص: 94

ما كلمته قط منذ وقعة صفين فقال له الحسين (علیه السلام) يا عبد الله اذا كنت تعلم اني احب أهل الارض الى أهل السماء فلم تقاتلني وتقاتل ابي وأخى يوم حرب صفين فوالله ان ابي خير منى عند الله ورسوله قال فاستعذر اليه عبد الله وقال ياحسين ان جدك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) امر الناس بالطاعة الاباء وقد اطعت ابي في حرب صفين فقال (علیه السلام) خالفت الله تعالى واطعت اباك وحاربت ابى وقد قال: رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) انما الطاعة للاباء بالمعروف لا بالمنكر وانه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فسكت عبد الله بن عمرو ولم يرد جواباً لعلمه انه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين نظم:

هم القوم اثار النبوة فيهم *** تلوح وانوار الاملمة تاسع

مهابط وحي الله خزان علمه *** وعندهم مر المهيمن مودع

اذا جلسوا للحكم فالكل ابكم *** فان نطق وا فالدهر اذن ومسمع

وان بارز وا فالدهر يخفق قلبه *** لسطوتهم والاسد بالغاب تجزع

وان ذكر المعروف والجود في الورى *** فبحر نداهم زاخر يتدفع

زاد الله في شرفهم وجعلنا من المتمسكين بهم وحشرنا في زمرتهم ولن أحيت ان تكون معهم في الدنيا والآخرة فعليك بهذا الخبر والعمل به قال الرضا (علیه السلام) يا بن شبيب ان سرك ان تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولايتنا فلو ان رجلا تولى حجراً الحشره الله تعالى معه يوم القيامة، ومن مناقب مولانا الحسين (علیه السلام): زهده وعبادته وتقواه وخوفه من الله كما وصفه الحجة عجل الله تعالى فرجه في زيارة الناحية كنت للرسول صلى الله عليه واله ولداً القرآن سنداً وللامة عضداً وفي الطاعة مجتهداً حافظاً للعهد والميثاق ناكباً عن سبل الفساق باذلا للمجهود طويل الركوع والسجود زاهداً في الدنيا زهد الراحل عنها ناظراً اليها بعين المستوحشين منها قال: ابن عبد البر فى الاستيعاب وكان الحسين (علیه السلام) فاضلا

ص: 95

ديناً كثير الصوم والصلاة والحج، وفي اسد الغابة في معرفة الصحابة كان الحسين «علیه السلام» فاضلا كثير الصوم والصلاة والحج والصدقة وافعال الخير كلها ، وفي خبر حج الحسين عليه السلام خمسا وعشرين حجة ماشياً، وقال ابن شهر اشوب في المناقب عن انس بن مالك قال: كنت ملازماً للحسين (علیه السلام) فاتى ليلة من الليالي الى قبر خديجة (علیها السلام) فبكى بكاء شديداً ثم قال اذهب عني يا انس فاستخفيت عنه فقام الى الصلاة فصلى ركعات ثم اخذ يناجي ربه وهو يتضرع ويبكي و يقول:

يارب يارب انت مولاه *** فارحم عبيداً انت ملجأه *** ياذا المعالي عليك معتمدى

طوبى لمن كنت انت مولاه *** طوبى لمن كان خائفاً ارقاً *** يشكو الى ذي الجلال بلواه

وما به علة ولا سقم *** اكثر من حبه لمولاه *** اذا اشتكى بثه وغصته

اجابه الله ثم لباه *** اذا خلى بالظلام مبتهلا *** اكرمه الله ثم ادناه

فلما انتهى كلامه فاذا انا اسمع صوتاً بين الارض والسماء يقول:

لبيك عبدي وانت في كنفي *** وكلما قلت قد علمناه *** صوتك تشتاقه ملائكتي

فحسبك الصوت قد سمعناه *** دعاك عندي يجول في حجب *** فحسبك الستر قد رفعناه

لوهبت الريح في جوانبه *** خر صريعاً لما تغشاه *** سلتی بلارعبة ولا رهب(*)

(*) (ل د) سلمانشاه بلا خوف ولا وجل *** ولا حساب انى انا الله

في سفينة البحار ولقد كان الحسين بن علي (علیه السلام) رجلا زهد في الدنيا في صغر سنه و بدو امره و استقبال شبابه يأكل مع أمير المؤمنين من قوته وينافسه في ضيقه وصبره ويصلي قريباً من صلاته وانما جعلها الله تعالى قدوه للامة ثم فرق بين ارادتهما ليستن الناس بهما فلو اجمعا على شيء واحد ما وسع الناس ان يأتوا بغيره وفيه بالاسناد الى مسروق قال دخلت يوم عرفة على الحسين بن علي (علیه السلام) واقداح السويق بين يديه و بين يدي اصحابه والمصاحف في جحورهم وهم ينتظرون الافطار فسئلته عن مسألة

ص: 96

فاجابني وخرجت فدخلت على الحسن بن علي «علیه السلام» والناس يدخلون الى موائد موضوعة عليها طعام عتيد فيأكلون ويحملون فرأني وقد تغيرت فقال يا مسروق لم لا تأكل فقلت يا سيدي انا صائم وانا اذكر شيئاً فقال اذكر ما بدا لك فقلت اعوذ بالله ان تكونوا مختلفين، دخلت على الحسين «علیه السلام» فرأيته ينتظر الافطار ودخلت عليك دع وانت على هذه الصنعة والحال فضمني الى صدره وقال يا بن الاشرس اما علمت ان الله تعالى ندبنا لسياسة الامة ولو اجتمعنا على شيء واحد ما وحكم غيره اني افطرت لفطركم وصام اخي لصوامكم وكان الحسين «علیه السلام» اعبد أهل زمانه ولقد حج خمساً وعشرين حجة ماشياً وكان يصلي في الليل الف ركعة ويخاف من ربه غاية الخوف حتى قيل له ما اعظم خوفك من ربك قال «علیه السلام» لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا وقيل لعلي بن الحسين «علیه السلام» ما أقل ولد ابيك قال العجب كيف ولدت له وكان يصلي في اليوم والليلة الف ركمة فمتى يتفرغ للنساء ويحي اكثر لياليه من أولها الى اخرها واخر ليلة احياها ليلة العاشر من المحرم استمهل من الاعداء للصلاة والدعاء وتلاوة القرآن.

واما جوده وكرمه

فهو كما قال الشاعر:

هو البحر من أي النواحي اتيته *** فلجته المعروف والجود ساحله

ولو لم يكن في كفه غير نفسه *** لجاد بها فليتق الله سائله

كيف وقد ورثه عن جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو اسخى الأولين والآخرين فقد روى انه انت فاطمة «علیها السلام» بابنيها الحسن والحسين «علیهما السلام» الى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في شكواه التي توفى فيها فقالت يا رسول الله هذان ابنك فورتهما شيئا فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) اما

ص: 97

الحسن فان له هيتي وسؤددي، واما الحسين فان له جودي وشجاعتي.

أقول ان الحسين (علیه السلام) افعاله شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بانه متصف بمحاسن الشيم وقد اشتهر النقل عنه انه كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقير ويسعف السائل ويكسوا العارى ويشبع الجائع ويعطى الغارم ويشفق على اليتيم و يعين ذا الحاجة نظم:

عذب الموارد بحره *** بروي الخلائق من سجاله

بحر الطل على البحور *** يمدهن ندى شماله

سقت العباد يمینه *** وسقى البلاد ندى شماله

يحكي السحاب يمينه *** والودق يخرج من خلاله

الارض ميراث له *** والناس طراً في عياله

في البحار دخل الحسين (علیه السلام) على اسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول: واغماه فقال له الحسين (علیه السلام) وما غمك يا اخي قال دينى وهو ستون الف درهم فقال الحسين (علیه السلام) هو علي قال انى اخشى ان اموت فقال الحسين (علیه السلام) لن تموت حتى اقضيها عنك قال فقضيها قبل موته وكان (علیه السلام) يقول شر خصال الملوك الجبن من الاعداء والقسوة على الضعفاء والبخل على الاعطاء فيه وفد اعرابي المدينة فسئل عن أكرم الناس بها فدل على الحسين (علیه السلام) فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بازائه وانشأ:

ان يخب الان من رجاك ومن *** حرك من دون بابك الحلقة

انت جواد وانت معتمد *** ابوك قد كان قاتل الفسقة

لولا الذي كان من اوائلكم *** كانت علينا الجحيم منطبقة

قال فسلم الحسين (علیه السلام) وقال يا قنبر هل بقى ن مال الحجاز شيء قال نعم اربعة الاف دينار فقال هاتها قد جائها من هو أحق بها منا ثم نزع ردائه و لف الدنانير

ص: 98

فيها واخرج يده من شق الباب حياءاً من الاعرابي وانشأ:

خذها فاني اليك معتذر *** واعلم بأني عليك ذو شفقة *** لو كان في سيرنا الغداة عصاً

امست سمانا عليك مندفقة *** لكن ريب الزمان ذو غير *** والكف مني قليلة النفقة

قال: فاخذها الاعراني و كى فقال (علیه السلام) له لملك استقللت ما اعطيناك قال لا ولكن كيف يأكل التراب جودك أي كيف تموت وتبيت تحت التراب فتمحى ويذهب جودك، قيل ان عبد الرحمن السلمى علم ولد الحسين (علیه السلام) سورة الحمد فلما قرأها علي أبيه اعطاه الف دينار والف حلة وحشافاه درآ فقيل له في ذلك فقال (علیه السلام) واين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه و انشد عليه السلام:

اذا جادت الدنيا عليك فجد بها *** على الناس طراً انها تنقلب

فلا الجود يغنيها اذا هي اقبلت *** ولا البخل يبقيها اذا هي تذهب

فى الكبريت الاحمر كان نصراني له حذافة في الطب فسمع بان الحسين (علیه السلام) سيد الكرماء فاحب ان يختبر احواله فاتي اليه يوماً شاب قد مات ابوه وامه شاكية وجعه فاشار الطبيب بإحضار كبد لفرس ابيض وارسله الي الحسين (علیه السلام) فامر (علیه السلام) بذبح فرس ابيض واخراج كبده فلما جاء به الى الطبيب قال اخطأت في لون الفرس احضر كبد الفرص الاسود فرجع الغلام باكيا إلى الحسين (علیه السلام) فحكى فامر بذبح فرص اسود حتى ذبح سبعة أفراس لأجل ذلك اليتيم فاسلم النصراني لما شاهد هذا الكرم من الحسين عليه السلام ثم دعا الحسين (علیه السلام) للافراس فاحياها الله بقدرته، ومن جوده وكرمه انه اعطى سائلا الف درهم فجعل السائل ينقدها فقال الخازن بعتنا شيئاً قال نعم ماه وجهي فقال الحسين (علیه السلام) صدق اعطه الفاً والفاً والفاً الاول لسؤالك الثاني لماء وجهك الالف الثالث لأنك اتيتنا نعم من اتاه سائلا لا يرده عن بابه خائباً وقل ان وصله مال إلا وفرقه في الفقراء والضعفاء واهل الحاجة والايتام والارامل يا للعجب ان الاكف التي

ص: 99

تنفق على الفقراء والمساكين وتعيش بها الارامل واليتامى وتعتذر منهم كما انفق على الاعرابي باربعة الاف دينار واخرج يده من شق الباب حياءاً من الاعرابي وقال خذها الخ مثل هذه الاكف تقطع باسياف الجور نظم:

لهفي على تلك الانامل قطعت *** ولو انها اتصلت لكانت ابحرا

واعجب الاعاجيب ان تلك الاكف التي يقبلها جبرئيل وميكائيل ويقبلها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وعلي والزهراء قطعها الجمال:

تلك الاكف التي جبريل قبلها *** طوراً وميكال كف الوغد تقطعها

و من كرمه ما روى في نفثة المصدور جاء رجل من الانصار الى الحسين (علیه السلام) يريد ان يسأله حاجة فقال (علیه السلام) يا اخا الانصار من وجهك عن بذلة المسئلة وارفع حاجتك في رقعة وائت بها سأسرك انشاء الله فكتب اليه يا ابا عبد الله ان افلان على خمسماة دينار وقد الحربي فكلمه ينظرني الى ميسرة فلما قرأ الحسين (علیه السلام) الرقعة دخل الى منزله فاخرج صرة فيها الف دينار وقال: له اما خمسماة فاقض بها دينك و اما خمسماة فاستعن بها على دهرك ولا ترفع حاجتك إلا الى احد ثلاث ذي دين أو مروة أو حسب.

أقول: لقد اقتدى بابيه في ان امر السائل بان يكتب حاجته فانه روى ان رجلا أتي علي بن ابي طالب (علیه السلام) فقال له يا أمير المؤمنين ان لي اليك حاجة فقال عليه السلام اكتب حاجتك في الأرض فاني ارى الضر فيك بينا فكتب في الارض اني فقير محتاج فقال (علیه السلام) يا قنبر اكسه حلتين فانشأ الرجل:

كسوتي حللا تبلى محاسنها *** فسوف اكسوك من حسن النشا حللا

ان نلت حسن ثنائي نلت مكرمة *** ولست تبغى بما قد نلته بدلا

ان الثناء ليحي ذكر صاحبه *** كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لا تزهد الدهر في عرف بدأت به *** فكل عبد سيجزى بالذي فعلا

ص: 100

فقال (علیه السلام): اعطوه مائة دينار فقيل له يا أمير المؤمنين لقد اغنيته فقال اني سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول انزلوا الناس منازلهم ثم قال (علیه السلام) محبت او قال لأعجب من اقوام يشترون المماليك باموالهم ولا يشترون الاحرار بمعروفهم و من جوده و کرمه ما روی في نفس المهموم من ان اعرابياً سلم على الحسين (علیه السلام) وسئله حاجة وقال سمعت جدك رسول الله (علیه السلام) يقول اذا سئلتهم حاجة فاسئلوها عن احد اربعة اما عربياً شريفاً أو مولى كريماً أو حامل القرآن أن صاحب وجه صبيح فاما العرب فشرفت بجدك واما الكرم فدأ بكم وسيرتكم واما القرآن في بيوتكم نزل واما الوجه الصبيح فقد سمعت جدك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول اذا اردتم ان تنظروا الي فانظروا الى الحسن والحسين (علیهما السلام) فقال الحسين «علیه السلام» ما حاجتك اكتبها على الارض فكتبها على الارض فقال الحسين «علیه السلام» سمعت ابي علياً يقول قيمة كل امرىء ما يحسنه وسمعت جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث خصال فان اجبتى عن واحدة فلك ثلث ما عندي وان اجبتني عن اثنين فلك ثنثا ما عندي وأن اجبتني عن ثلاث فلك كل ما عندي ، وقد حملت الي صرة مختومة فان اجبت فانت اولى بها فقال سل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال «علیه السلام» اي الاعمال أفضل قال الاعرابي الايمان بالله معه قال «علیه السلام» فما النجاة من المهلكة قال الثقة بالله قال «ع» فما يزين الرجل قال علم حلم قال (علیه السلام) فان اخطاه ذلك قال مال معه مروة قال «ع» فان اخطأه ذلك قال فقر معه صبر قال «علیه السلام» فان اخطأه ذلك قال فصاعقة تنزل عليه وتحرقه فضحك الحسين عليه السلام ورمى اليه بالصرة وفي رواية رمى اليه بصرة فيها الف دينار واعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مأتا درهم وقال يا اعرابی اعط الذهب غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك فاخذ الاعرابى وقال الله اعلم حيث يجعل رسا لنه يجعل في أهل بيتهم البحور الزاخرة والسحب الهامرة بجارون الغيوث سماحة وبنادون الليوث حماسة نظم:

ص: 101

وكف لها الوكف في المرملين *** برفد يجل فلا يحصر

غدت في النواويس مقطوعة *** لها مع خانها خنصر

وقال المرحوم الشيخ كاظم (رحمه الله):

انته بالسلب حتى ابتزخاتمه *** ومثلت فيه حتى خراصبعه الخ

أقول قد اقتصرنا في جوده وكرمه بما ذكرنا، واما شجاعته التي ورثها عن جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو اشجع أهل الارض كما يظهر من كلام علي (علیه السلام) وانا من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كالصنو من الصنو والذراع من العضد وايضاً موروثة فيه عن أبيه أمير المؤمنين (علیه السلام) وعلي بعد رسول الله (ص) اشجع البرية وان كان اولاد ابي طالب ذكوراً و انانا جميعاً شجعانا كما قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لله در ابي طالب لو ولد الناس كلهم كانوا شجعاناً ولكن اشجعهم أمير المؤمنين (علیه السلام) والحسين (علیه السلام) قد ورث الشجاعة من جده وأبيه وروى انه كان بينه وبين الوليد بن عتبة منازعة في ضيعة فتناول الحسين (علیه السلام) عمامة الموليد عن رأسه وشدها في عنقه وهو يومئذ وال على المدينة فقال مروان (لع) بالله ما رأيت كاليوم جرئة رجل على اميره فقال الوليد والله ما قلت هذا غضباً لي ولكن حدتني على حلمى عنه وانما كانت الضيعة له فقال الحسين الضيعة لك يا وليد وقام في البخار ان مروان بن الحكم قال يوماً للحسين (علیه السلام) لو لا تحركم بفاطمة بم كنتم تفتحرون علينا فوثب (علیه السلام) غضبانا وكان (علیه السلام) شديد القبضة فقبض على حلقه فعصره ولوى عمامته على عنقه حتى غشى عليه ثم تركه وشجاعته ظهرت لأهل الكوفة في يوم عاشوراء بحيث ذكر هم شجاعة أبيه أمير المؤمنين (علیه السلام) في الغزوات والحروب بل محى شجاعة أبيه لأنه ما اتفق لأمير المؤمنين مثل ما اتفق لولده الغريب ابى عبد الله (علیه السلام) كان أمير المؤمنين (علیه السلام) يقاتل في الغزوات والحروب وبين يديه اولاده واصحابه من الشجعان والفرسان والابطال سبعون الغاً والحسين (علیهم السلام)

ص: 102

يقاتل في مقابل سبعين الف مقاتل وهو غريب وحيد و بين يديه اثنان وسبعون من الصحابه ضحايا على وجه الارض وسبعة عشر من أهل بيته كلهم صرعى:

و نصب عينيه من ابنائه جثت *** كأنها هضب سالت على هضب

مخرجين على الرمضاء جلبهم *** فيض المناخر من ابرادها القشب

واعظم الكل وقداً حال صبيته *** ما بين ظام مطوى الحشا سغب

المجلس السادس في علمه ومعجزاته واستجابة دعائه

فى البحار عن حذيفة قال سمعت الحسين (علیه السلام) يقول والله ليجتمعن على قتلى طغاة بني أمية ويقدمهم عمر بن سعد وذلك في صغر سنه في حياة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فقلت علمي له انباك بهذا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال لا فقال فاتيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فاخبرته فقال: علمي علمه وعلمه علمي لأننا نعلم بالكائن قبل كينونيته في مدينة المعاجز عن الاصبغ بن نباته قال سألت الحسين (علیه السلام) فقلت سيدى اسئلك عن شيء انا به موقن وانه من سر الله وانت المسرور انت ذلك السر قال «علیه السلام» قم فاذا انا وهو بالكوفة فنظرت فاذا المسجد من قبل ان يرتد الي بصري فتبسم في وجهي وقال يا اصغ ان سليمان بن داود اعطي الريح غدوها شهر ورواحها شهر وانا قد اعطيت اكثر ما اعطى سليمان فقلت صدقت والله يا بن رسول الله فقال نحن الذين عندنا على الكتاب وبيان ما فيه وليس لأحد من خلقه ما عندنا لأنا أهل سر الله فتبسم في وجهي ثم قال نحن ال الله وورثة رسوله فقلت الحمد لله على ذلك ثم قال ادخل فدخلت فاذا انا برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) محتبياً في المحراب بردائه فنظرت فاذا انا بامير المؤمنين قابض بيد، على تلابيب الاعسر فرأيت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يعض على الانامل وهو يقول بئس الخلف خلفتني انت

ص: 103

واصحابك لعنة الله و لعنتي عليك وفيه من معجزاته واخباره بالغيب عن الصادق «علیه السلام» قال: قال الحسين «علیه السلام» لغلمانه لا تخرجوا يوم كذا وكذا قد سماه واخرجوا يوم الخميس فان خالفتموني قطع عليكم الطريق وقتلتم وذهب ما معكم و كان قد ارسلهم الى ضيعة له فخالفوه واخذوا طريق الحرة فاستقبلهم لصوص فقتلوهم كلهم ثم دخل الى الوالي بالمدينة من ساعته فقال الوالي يا ابا عبد الله قد بلغني قتل غلمانك ومواليك واجرك الله فيهم فقال «علیه السلام» اما انى ادلك على من قتلهم فاشدد يدك بهم قال اتعرفهم يا بن رسول الله قال نعم كما اعرفك وهذا منهم قال الرجل كيف عرفتني يا بن رسول الله انا منهم قال ان صدقتك تصدق قال نعم والله لأفعلن قال «علیه السلام» اخرجت معك فلاناً وفلاناً وسماهم باسمائهم كلهم فيهم الاربعة من موالي الاسود من حبشان أهل المدينة قال الوالي ورب القبر والمنبر لتصدقنى او لأنترن لحمك بالسياط قال والله ما كذب الحسين «علیه السلام» كأنه كان معنا قال فجمعهم الوالي جميعاً فاقروا اجمعين فامر بهم فضربت اعناقهم وفيه ايضاً من معجزاته واخباره بالغيب جاء رجل من موالي ابي عبد الله الحسين «علیه السلام» يشاوره في امرأة يتزوجها فقال «علیه السلام» لا احب لك ان تتزوج بها فانها مشومة وكان محباً لها و كان كثير المال فخالف الحسين «علیه السلام» وتزوجها فلم يلبث معها إلا يسيراً حتى اذهب الله ماله وركبه دين ومات والده واخ له وكان احب الناس اليه فقال له الحسين «علیه السلام» اما لقد اشرت عليك ولو كنت اطمتني ما اصابك ما اصابك فحل سبيلها فقال «علیه السلام» عليك بفلانة فتزوجها فما خرجت سنة حتى اخلف الله عليه ماله وحسن حاله وولدت له غلاما رأى منها ما فقد في تلك السنة وفيه عن الصادق عليه السلام قال ان امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فاخرجت ذراعها فبادر الرجل بيده حتى وضع يده على ذراعها فاثبت الله بده فى ذراعها حتى قطع الطواف وارسل الى الأمير واجتمع الناس فارسل الى الفقهاء فجعلوا يقولون اقطع

ص: 104

يد الرجل فهو الذي جنى الجناية فقال ها هنا احد من ولد محمد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالوا الحسين بن علي (علیه السلام) قدم الليلة فارسل اليه فدعاه فقال انظر ما ليفاذان فاستقبل الحسين (علیه السلام) القبلة ورفع يده فمكث طويلا يدعو ثم جاء اليها حتى خلص يده من يدها فقال الأمير الا نعاقبه بما صنع قال لا. أقول ياليت ما دعى الحسين (علیه السلام) وما خلصه حتى قطعت يد الرجل لأنه قيل ان الرجل هو الجمال الذي قطع يدي ابي عبد الله (علیه السلام) ليلة الحادي عشر من المحرم الخ، وفيه قال صار جماعة من الناس بعد الحسن الى الحسين عليهما السلام وقالوا يا بن رسول الله ما عندك من عجائب ابيك التي كان يريناها فقال (علیه السلام) هل تعرفون ابي قلنا كلنا نعرفه فرفع ستراً كان على باب بيت ثم قال انظروا في البيت فنظرنا فاذا أمير المؤمنين (علیه السلام) فقلنا نشهد انك خليفة الله حقا وانك ولده وفيه خرج الحسن والحسين (علیهما السلام) حتى اتيا نخل العجوة للخلاء فهربا الى مكان وولى كل واحد منهما بظهره الى صاحبه فرمى بيتهما بجدار بستر احدهما الاخر فلما قضيا حاجتهما ذهب الجدار وارتفع من موضعه وصار في الموضع عين ماء واجانتان فتوضئا وقضيا ما ارادا ثم انطلقا فصارا في بعض الطريق عرض لهما رجل فض غليظ فقال لهما ما خفتما عدو كما من اين جئتها فقالا اننا جئنا من الخلاء فهم بهما فسمع صوتاً يا شيطان تريد ان تناوي ابني محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) وقد علمت بالأمس ما فعلت و ناويت امهما واحدثت في دين الله وسلكت في غير الطريق واغلظ له الحسين (علیه السلام) ايضاً فاهوى بيده ليضرب وجه الحسين (علیه السلام) فايبسها الله من منكبه فاهوى باليسرى ففعل الله بها مثل ذلك فقال سئلتكما بحق ابيكما وجد كما لما دعوتما الله ان يطلقني فقال الحسين «علیه السلام» اللهم اطلقه واجعل له في هذا عبرة واجعل ذلك عليه حجه فاطلق بديه فانطلق قدامهما حتى اتي علياً واقبل عليه بالخصومة فقال اين دسستهما وكان هذا بعد يوم السقيفة بقليل فقال علي عليه السلام ما خرجا إلا الخلاء ومن معجزاته عليه السلام

ص: 105

قال ابو الفرج في كتاب الاذكياء ان رجلا ادعى على الحسين ابن علي «علیه السلام» مالا و قدمه الى القاضي فقال الحسين «علیه السلام» ليحلف على ما ادعى ويأخذه فقال الرجل والله الذي لا إله إلا هو فقال (علیه السلام) قل والله والله والله ان هذا الذي تدعيه لك قبلى ففعل الرجل وقام فاختلفت رجلاه وسقط ميتا فقيل للحسين «علیه السلام» في ذلك فقال كرهت ان يمجد الله فيحلم عنه، ومن معجزاته كما في الكبريت الأحمر خرج الحسين (علیه السلام) من المدينة قاصداً زيارة بيت الله الحرام ومعه جمع كثير وجم غفير فمرض من الركب رجل فقال الحسين اشتهى رماناً فقال «علیه السلام» هذا بستان فيه انواع الفواكه فامض اليه وتناول ما شئت ولم يعهد احد قبل ذلك هناك اشجاراً واثماراً ومياهاً فلما شاهد الركب البستان دخلوا و تناولوا كلما اشتهوا ولما خرجوا غاب البستان عن نظرهم واذا هم بظبية فاشار الحسين (علیه السلام) اليها فاقبلت ثم امرهم ان يذبحها احد منهم ولا يكسر لها عظماً الى ان اكلوا لحمها فدعا عليه السلام بدعاء فعادت كما كانت فقال (علیه السلام) ايكم يشتهي ان يشرب من حليبها فليحلبها الى ان شرب كلهم من حليبها وكفى الركب كلهم ببركة الحسين (علیه السلام) ودعائه ثم قال «علیه السلام» لها، لك خشفات تنتظرك فانصر في وارضعيهن فانصرفت في مدينة المعاجز عن الصادق «علیه السلام» ان مريضاً شديد الحمى عاده الحسين «ع» فلما دخل من باب الدار طار الحمى عن الرجل فقال له رضيت بما اوتيتم حقا والحمى تهرب عنكم فقال له الحسين (علیه السلام) والله ما خلق الله شيئاً إلا وقد امره بالطاعة لنا قال فاذا الحسين (علیه السلام) نادى ايتها الحمى فاذا نسمع الصوت ولا نرى الشخص يقول: لبيك قال (علیه السلام) أليس أمير المؤمنين امرك ان لا تقربي إلا عدواً أو مذنباً لتكوني كفارة لذنوبه فمال بال هذا فكان المريض عبد الله بن شداد الليثي وفيه ايضاً عن الصادق (علیه السلام) اختصم رجلان في زمن الحسين (علیه السلام) في امرأة وولدها فقال احدهما هذان لي وقال الاخر هذان لي فقال (علیه السلام) لهما اجلسا فجلسا و كان الغلام رضيعاً فقل

ص: 106

الحسين للمرأة يا هذه اصدقي قبل ان يهتك الله سترك فقالت هذا زوجي والولد له ولا اعرف هذا فقال (علیه السلام) یا غلام ما تقول هذه انطق باذن الله تعالى فقال له ما انا لهذا ولا لهذا وما ابي إلا راع لآل فلان فامر (علیه السلام) برجمها قال الصادق (علیه السلام) فلم يسمع احد نطق ذلك الغلام بعدها، وفيه عن يحيى بن ام الطويل قال كنا عند الحسين (علیه السلام) اذ دخل شاب عليه يبكي فقال (علیه السلام) ما يبكيك قال ان والدتي توفت في هذه الساعة ولم توص وكانت لها اموال وند امرتني ان لا احدث في امرها شيئاً حتى اعلمك خبرها فقال الحسين (علیه السلام) قوموا حتى نصير الى هذه الحرة فقمنا معه حتى انتهينا الى باب البيت الذي فيه المرأة مسجاة ودعا الله ليحبيبها حتى توصى بما تحب من وصيتها فاحياها الله فاذا المرأة قد جلست وهي تتشهد ثم نظرت الى الحسين (علیه السلام) وقالت ادخل البيت يا مولاي ومرني بامرك فدخل (علیه السلام) و جلس عندها ثم قال اوصي برحمك الله فقالت يا بن رسول الله ان لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا وقد جعلت ثلثه اليك لتضعه حيث شئت من مواليك واوليائك والثلثان لابني هذا ان علمت انه من مواليك واوليائك وان كان مخالفاً فخذه اليك فلا حق للمخالفين في اموال المؤمنين ثم سئلته ان يصلي عليها وان يتولى امرها ثم صارت المرأة ميتة كما كانت ومن معجزاته واستجابة دعواته في البحار جاء أهل الكوفة الى علي (علیه السلام) فشكوا امساك المطر وقالوا أستسق لما فقال للحسين (علیه السلام) قم واستسق لهم فقام (علیه السلام) وحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي واله وقال اللهم معطى الخبرات ومنزل البركات ارسل السماء علمينا مدراراً واسقنا غيثاً مغزاراً واسعاً غدقاً مجللا سحاً سفوحاً نجاحاً تنفس به الضعيف من عبادك وتحي به الميت من بلادك امين رب العالمين فما فرغ من دعائه حتى غاث الله غيثاً عظيماً واقبل اعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال: تركت الاودية والا كام يموج بعضها في بعض هذا مرة سقاهم ومرة اخرى في صفين يوم هزم ابا الاعور

ص: 107

السلمي عن الماء وفتح الفرات ومرة أخرى في القادسية يوم اقبل حر بن يزيد الرباحي ال فى الف فارس سفاهم عن اخر هم ورواهم مع خيولهم ودوا بهم وهم لعنهم الله منعوه من الماء الذي هو نحلة الله لفاطمة (علیها السلام). ومن معجزاته قال الراوي شهدت الحسين بن علي (علیه السلام) وقد اشتهى ابنه علي الاكبر عنباً في غير اوانه فضرب بيده الى سارية لا المسجد فاخرج له عنباً وموزاً فقال وما عند الله لا وليائه اكثر. وفي مدينة المعاجز لما منع الحسين «علیه السلام» واصحابه الماء نادى فيهم من كان ظمأن فليجي. فاتاه رحل بعد رجل ويجعل ابهامه في راحة احدهم فلم يزل يشرب الرجل بعد الرجل حتى ارتووافقال بعضهم لبعض والله لقد شربت شراباً ما شر به احد من العالمين في دار الدنيا وفيه أيضاً فلما قاتلوا الحسين (علیه السلام) وكان في اليوم الثالث عند المغرب اقعد الحسين (علیه السلام) رجلا رجلا منهم يسميهم باسمائهم واسماء ابائهم فيجيب الرجل بعد الرجل فيقعدون حوله ثم يدعو بالمائدة فيطعمهم ويأكل معهم من طعام الجنة ويسقيهم من شرابها اقول ومعجزات سيدنا الحسين «علیه السلام» بالطف كثيرة ولا يقدر احد ان يستقصيها ويحصيها وكذا معاجز رأسه الشريف في طريق الكوفة وفي الكوفة وفي طريق الشام وفي الشام و في مجلس يزيد وابن مرجانة فليراجع محله.

الفصل الثانى

اشارة

فيما يتعلق به عليه السلام من شرافة مدفنه وشرافة تربته وشرافة ماء الفرات وثواب سقي الماء وثواب زيارته «علیه السلام» وثواب البكاء عليه وثواب اللعن علي قاتليه وفضل الشهداء معه وفيه احد عشر مجلساً:

المجلس الاول في شرافة ارض كربلا

قال علي بن الحسين زين العابدين «علیه السلام» ان الله اتخذ ارض كربلا حرماً آمناً

ص: 108

مباركاً قبل ان يخلق ارض الكعبة ويتخذها حرماً باربعة وعشرين الف عام وان الملائكة زارت كربلا بالف عام من قبل ان يسكنه الحسين «علیه السلام» وما من نبي إلا وقد زار كربلاء ووقف عليها وقال انك لبقعة كثيرة الخير فيك يدفن القمر الأزهر وفى خبر ان الله تعالى فضل الأرضين والمياه بعضها على بعض فمنها ما تفاخرت ومنها ما تواضعت فما من ماء ولا ارض إلا عوقبت لتركه التواضع وان كربلا وماء الفرات تواضعنا وخضعتا الله فهما أول ارض أول ما قد قدسها الله تبارك وتعالى وبارك عليهما فقال لها تکلمی یا ارض كربلا بما فضلك الله فقد تفاخرت الارضون والمياه بعضها على بعض قالت انا ارض الله المقدسة المباركة التي جعل الله الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ولا فخر على من دوني بل شكراً لله فلما خضعت و تواضعت اكرمها الله وزادها شرقا بالحسين (علیه السلام) وأصحابه في الخصايص قال: زين العابدين (علیه السلام) وان مكة لقد تفاخرت بكرامة الله تعالى لها وقالت من مثلي وقد بنى بيت الله على ظهري والناس يأتونني في كل سنة من كل فج عميق فاوحى الله اليها ان كفي وقري واستقري ما فضل ما فضلت به فيما اعطيت كربلا إلا بمنزلة الابرة التي غمست في البحر فحمات من ماء البحر ولو لا تربة كربلا ما فضلتك ولو لا من تضمنه ارض كربلا ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت فقري واستقري وكوني دنية متواضعة ذليلة غير مستنكفة ولا مستكبرة لأرض كربلا وإلا خطت بك وهويت بك في نار جهنم، وفيه ايضا قال زين العابدين (علیه السلام) وان الله اذا زلزل الارض وسيرها رفع ارض كربلا كما هي بترتها نورانية صافية فيجعلها في أفضل روضة من رياض الجنة، وافضل مسكن في الجنة لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون وانها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض يغشى نورها ابصار أهل الجنة جميعا وهي تنادي في الجنة انا ارض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت جسد سيد

ص: 109

الشهداء وسيد شباب أهل الجنة. أقول يا ارض كربلا ما ضرك لو تضمنت رأسه الشريف مع الجسد حتى لا يطاف به من بلد الى بلد:

الجسم من منه بكربلاء مخرج *** والرأس منه على القناة بدار الخ

فيا كربلا قولي باى وسيلة *** توسلت حتى اختارك السبط مضجعاً

ظفرت باعلى ذروة الفخر بعدان *** تضمنت خير الخلق مرواً ومسمعاً

به تدرك المرضى بتربتك الشفا *** ويغدو مجابا تحت قيتك الدعا

ويرفعك الباري بما تحتوينه *** لأعلى مقام في الجان وارفعا

ويقول الأخر:

فيا كربلا طلت السما وربما *** تناول عفواً حظ ذي السعى قاعد

لأنت وان كنت الوضيعة نلت من *** جوارهم ما لم تنله الفراقد

سررت بهم مذآنسوك وسائني *** محاريب منهم أوحشت ومساجد

ليهنك ان امسى تربك لطيبة *** تعطر منهم في الجنان الخرائد

و في انوار الهداية لما افتخرت الكعبه وقالت من مثلي قال الله تعالى لا تفتخرى ياكعبة فاني خلقت البيت المعمور وجعلتة اشرف منك مائة الف مرة وخلقت العرش وجعلتة اشرف منك ومن البيت المعمور مائة الف مرة و خلقت ارضاً طيبة قبل خلفك وقبل خلق جميع الارضين باربع وعشرين الف سنة و جعلت شرافتها وعظمتها اكثر منك ومن بيت المعمور ومن العرش بمائة الف مرة ولو لم يكن الحرمتها ما خلقتك ولا خلقت السماوات والأرضين فقالت يارب وما تلك الأرض فقال هذه ارض جعلت تربتها شفاء من كل داء فقالت يا رب فاوضح لي قال ارض امرت ملائكة العرش ان تزورها كل يوم و بصعد بتربتها الى العرش للبركة فقالت يارب فاوضح لي أي ارض هي قال الله تعالى هي ارض قد حلفت ان لا اعذب من دفن فيها ولا احاسبه يوم القيامة فقالت يا رب

ص: 110

اوضح لي أي ارض هذه قال تعالى هي ارض آليت على نفسي قبل خلق الله السمارات والارضين باربعين الف عام ان هذه الارض الطيبة ومن عليها اصعدها يوم القيامة واضعها فوق العرش فقالت يا رب فاوضح لي قال هي ارض من سجد عليها وعلى تربتها مرة واحدة فكأنما سجدني الف عام وحج بيتي الف عام وصلى وصام الف عام ثم قالت يارب اوضح لي فقال الله تعالى هي ارض يقتل فيها سبط النبي المختار وسيد شباب أهل الجنة ابو عبد الله الحسين (علیه السلام) ويدفن فيها مع عترته الطاهرة واصحابه البررة فبكت مكة (الكعبة خ د) بكاء شديداً ولقد احسن واجاد من قال:

سل کربلا كم حوت منهم هلال دحی *** كانها فلك الانجم الزهر

سل كربلا كم من حشى لمحمد *** نهبت بها وكم استجدت من يد

اقمار تم نلها خسف الردى *** فاغتالها بصروفه زمن الردى

نعم كم من اقمار انخسفت في ارض كربلا وكم من بدور فيه اغالتها ايدي الردى احد الاقمار المنخسفه في كربلا قمر بني هاشم والأخر الذي كان وجهه كفلفة القمر ووجهه يتلألأ نوراً كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله هو القاسم ابن الامام ابي محمد الحسن «علیه السلام» ولا انساه حين اقبل الى عمه باكياً وهو يقول ياعماه هل من رخصة الخ قال المرحوم الدر بندي في الاسرار وان اعجب ما سمعت ما وقع في زمن بعض السلاطين الصفوية في بلدة اصفهان وذلك انه جاء الى ذلك السلطان من عند ملك الافرنج سفير من اركان دولته وافخاذ ملته فكان يريد ان يبين علماء الاسلام في ذلك الزمان دليلا على نبوة نبينا (صلی الله علیه وآله وسلم) ويكون هذا الدليل بحيث يلزم ويفحم به الخصم ويقطع معاذيره ويزيل شبهاته وكان يقول قال عجزتم عن استنهاض ذلك وانحصر امركم في الاحتجاج بالتواتر فاقروا بانكم لستم على شيء من الحق وكان ذلك السفير ممن له حذافة في صناعة الرياضة من علم الهيئة والحساب والنجوم والاسطرلاب ونحو ذلك وكان كثيراً يدعي انه يخبر

ص: 111

من احوال الجلاس عنده أي عما فعلوا في بيوتهم وعما يجري عليهم من الحوادث والبلايا ونحو ذلك قام السلطان ذات يوم باحضار العلماء الاعلام في بلدة اصفهان فلما حضروا في مجلس السلطان قال واحد منهم ويقال انه كان العارف المحدث الكاشاني أي صاحب الوافي والصافي ايها السفير المسيحي ما أقل عقل سلطانكم واعضاد ملتكم حيث انفذوا في مثل هذا الامر العظيم مثلك فان صاحب هذا الشأن لا بد ان يكون اكبر رجال ملته واعلمهم بالعنون فلما سمع السفير النصر أني المسيحي هذا الكلام الغليظ منه ارتعدت فرائصه وكاد ان يهلك من شدة الغيظ وغلبة الغضب فقال ايها العالم الاسلامي اربع على ضلعك ولا تجاوز قدرك فوحق المسيح وامه لو كنت عرفت مقدار ما احطت به من العلوم والكمالات لكنت مذعناً بان النساء ما قمن من مثلي وانا الأحق الاولى بهذا الامر وحدي فعند الامتحان يعرف مقادير كمالات الرجال فامتحن تصدق قولي فعند ذلك ادخل الفاضل الكاشاني احدى يديه الى جيبه ثم اخرجها مقبوضة فقال ما في يدي هذه فلما تفكر المسيحي مقدار نصف ساعة اصفر وجه وتغير لونه فقال الكاشاني ما اظهر جهلك وابطل دعواك قال السفير وحق المسيح وامه اني عالم بما في يدك ولكن تفكري وسكوني من جهة أخرى فقال الكاشاني كيف ذا قال المسيحي اما ما في يدك فهي تربة من تراب الجنة ولكن اتفكر في وجه وصوله اليك فقال الكاشاني لملك غلطت فى الحساب أو ان قواعدك غير تامة قال السفير لا وحق المسيح وامه فقال الكاشاني كيف يتصور ذلك قال السفير ان عجزي ليس إلا في تصور ذلك فقال الكاشاني ابها السفير ان ما في يدي تربة كربلا وان نبيا (صلی الله علیه وآله وسلم) قال كربلا قطعة من الجنة فهل لكم من عدم الايمان به مع انك قاطع بان قواعد علمك وحسابك مما لا يتخلف عن الصدق والواقع فقال السفير صدقت أيها العالم الاسلامي فاسلم السفير بين يديه فهذا من بركات تربة سيد الشهداء يا لها من تربة ما اجل شأنها واعظم بركتها قال المرحوم

ص: 112

شيخنا التستري ان السجود على تربة كربلا يخرق الحجب السبع، ومعنى هذا الحديث إما خرق السماوات الصعود أو المراد بالحجب المعاصي السبع التي تمنع قبول الاعمال على ما في رواية معاذ بن جبل وان السجود عليها ينور الارضين، وفيه ايضاً إذا جعل مع الميت في القبر كان له امانا في القبر طوبى لك ايتها التربة ثم طوبى لك نظم:

اتربة وادي الطف يهنيك جسم من *** ترعرع في حجري علي وفاطم

اتربة وادي الطف يهنيك فتية *** لأنت لهم غاب الاسود الضراغم

لأنت مماء زينت بكواكب *** علي وعباس وعون وقاسم

المجلس الثانى فى شرافة ماء الفرات

من قال ابو جعفر الباقر (علیه السلام) في تفسير هذه الآية واويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين، الربوة الكوفة والقرار المسجد والمعين الفرات وهو أحد انهار الجنة وسيد المياه وان ملكا يهبط في كل ليلة ومعه ثلاثه مثاقيل مسك من مسك الجنة ويطرحها في الفرات و يصب فيه ميزابان من ميازيب الجنة وما من نهر في شرق الارض ولا غربها اعظم بركة منه وما اظن احداً يجنك بماء الفرات إلا احبنا أهل البيت ودخل عليه رجل أهل الكوفة فقال «علیهم السلام» اتغتسل من فراتكم في كل يوم مرة قال لا قال ففي كل شهر مرة قال لا قال ففي كل سنة مرة قال لا فقال له ابو جعفر (علیه السلام) انك لمحروم من الخير ولما قدم الصادق «ع» الكوفة فى زمن ابي العباس جاء على دابته في ثياب سفره حتى وقف على جسر الكوفة ثم قال لغلامه استنى فاخذ كوز ملاح فغرف له به وسقاه فشرب (علیه السلام) والماء يسيل من شدقيه على لحيته وثيابه ثم استزاده فزاده محمد الله ثم قال نهر ماء ما اعظم بركته اما انه يسقط فيه كل يوم سبع قطرات لوكنت عنده لاحبيت ان اتيه طرفي النهار اما لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا أخبيتهم على

ص: 113

حافتيه اما لو لا ما يدخله من الخاطئين ما اغتمس فيه ذو عامة إلا ابرئه الله من عاهته وفي خبر ان جبرئيل حفر الفرات واجراه قال الصادق (علیه السلام) ان جبرئيل كرى برجله خمسة انهار في الدنيا، الفرات، والدجلة، ونيل مصر، ونهروان، ونهر بلخ ولا يخفى ان اجراء الانهار لأجل انتفاع المسلمين صدقة جارية ومن اجرى نهراً أو حفر بئراً فله اجر عظيم قال رسول (صلی الله علیه وآله وسلم) من حفر بئر ماء وذللها للمسلمين كان له كأجر من توضاً منها وصلى وله بعدد كل شعرة من شعر انسان أو بهيمة او طائر عتق الف رقبة، ودخل يوم القيامة في شفاعته عدد نجوم حوض القدس قيل يا رسول الله وما حوض القدس قال ثلاث مرات حوضي حوضي حوضي ويقرب منه في الاجر سقى العطاش وهذا أيضاً من الصدقات في مكارم الاخلاق قال أمير المؤمنين «علیه السلام» أول ما يبدأ به في الآخرة صدقة الماء عن الصادق (علیه السلام) أفضل الصدقات ابراد كبد حراء كان برير ابن خضير الهمداني من اكابر أصحاب الحسين (علیهم السلام) اراد ان يبرد اكباد اطفال صغار من بنات رسول الله وبذل جهده في ذلك وما حصل مقصوده في مكارم الاخلاق وقال (علیه السلام) من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن اعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع ما يوجد فيه الماء كان كمن احيا نفساً ومن احيا نفساً فكانما احيا الناس جميعاً في البحار وفي مناقب خوارزمي عن ابي علقمة مولى بني هاشم قال الراوي صلى بنا رسول الله الصبح ثم التفت الينا وقال معاشر اصحابي رأيت البارحة عمي حمزة وابن عمي جعفر وبين ايديهما طبق من نبق فاكلا ساعة ثم تحول النبق عنباً فا كلا ساعة ثم تحول العنب رطباً فاكلا ساعة فدنوت منهما وقلت بابي انتها وامي أي الاعمال وجدتما افضل قالا فديناك بالآباء والامهات وجدنا أفضل الاعمال الصلاة عليك وسقى الماء و خب علي بن ابي طالب (علیه السلام) ومن المعلوم لا يختص هذا بسقي الانسان بل ستي الحيوان كذلك كما في الخبر قال علي (علیه السلام) بينا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يتوضأ اذ لاذت به

ص: 114

هرة فعرف رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه عطشان فادنى منه الاناء حتى شرب منه الهرة وتوضاً بفضله ثم قال (صلی الله علیه وآله وسلم) ان الله تعالى يحب ابراد كبد حراء ومن سقى كبداً حراءاً من بهيمة أو غيرها اظله الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله جاء اعرابى الى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال علمني دعاء ادخل به الجنة فقال أطعم الطعام وافش السلام فقال لا اطيق ذلك قال (صلی الله علیه وآله وسلم): هل لك ابل؟ قال نعم قال فانظر بعيراً فأسق عليه أهل بيت لا يشربون الماء إلا غبا أي يوم فيوم يعني لا يتمكنون من شرب الماء في كل يوم لعدم وجود الماء أو البعدهم عن الماء فلعله لا ينفق بعيرك ولا ينخرق سقاك حتى تجب لك الجنة قال علي بن الحسين عليه السلام (علیه السلام) من سقى مؤمناً من ظماء سقاه الله من الرحيق المحتوم وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم، الثالث منهم رجل على فضل ماء بالفلات يمنعه عن ابن السبيل أمن الله أهل الكوفة فما من اشد عذابهم اذهم منعوا الحسين يوم عاشوراء ماء الفرات الذي تشربه الخنازير والكلاب واليهود والمجوس والنصارى ومنعوا عن الرضيع:

ايقتل ظمأناً حسين بكربلا *** وفي كل عضو من انامله بحر الخ

المجلس الثالث في شرافة تربة كربلاء

في البحار قال روي شيخنا الطوسي في الامالي عن محمد بن مسلم قال سمعت ابا جعفر وجعفر بن محمد (علیهما السلام) يقولان ان الله تعالى قد عوض الحسين من قتله أن جعل الامامة في ذريته واجابة الدعاء عند قبره والشفاء في تربته ولا تعد ايام زائره جائياً وراجعاً من عمره وفي زيارته السلام عليك يا من الأمة من ذريته واستجابة الدعاء تحت قبته يا من شرفه الله بشهادته ولقد احسن واجاد من قال:

مولي بتربته الشفاء وتحت قبته *** الدعا من كل داع يسمع

ص: 115

فيه الامام ابو الأئمة والذي هو للنبوة والامامة مجمع

وقال الآخر:

له تربة فيها الشفاء وقبة *** يجاب بها الداعى اذا مسه الضر

وذرية درية منه تسعة *** أعة حق لا ثمان ولا عشر

وقال الآخر:

سما قدرها السبع السماوات اذ غدت *** لصفوة جبار السماوات مضجعاً

الأبيات قد مضت قال ابو هاشم الجعفري دخلت على ابى الحسن الهادي وهو محموم علیل فقال يا ابا هاشم ابعث رجلا من موالينا الى الحائر يدعو الله لي فخرجت من عنده فاستقبلني علي بن بلال فاعلمته ما قال الامام (علیه السلام) لي وسئلته ان يكون هو الرجل الذي يخرج فقال السمع والطاعة ولكنني أقول أنه أفضل من الحائر اذا كان بمنزلة من في الحائر ودعاؤه لنفسه أفضل من دعائى له بالحائر فاعلمته (علیه السلام) ما قال فقال لي قل له كان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) افضل من البيت والحجر وكان يعرف بالبيت ويستلم الحجر وان الله تبارك وتعالي بقاعاً يحب ان يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحائر منها وجعل الله الشفاء في تربته كماورد في الاخبار وفي دعاء يوم الولادة المعوض من قتله ان الأمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في اوبته والاوصياء من عترته الى اخره.

وقال الصادق «ع» في طين قبر الحسين (علیه السلام) الشفاء من كل داء وهو الدواء الأكبر فيه شفاء وان اخذ على رأس ميل فمن اصابته علة فتداوى بطين قبر الحسين (علیه السلام) شفاه الله من تلك العملة الا ان تكون علة السام فى الخصائص ان اكل كل طين حرام وفى الروايه عن الصادق (علیه السلام) انه كلحم الخنزير ومن اكل فمات لم يصل عليه الا اكل طين قبر الحسين (علیه السلام) للشفاء وقال (علیه السلام) حنكوا اولادكم بتربة الحسين (علیه السلام) فانه امان وقال من ادار سبحة الطين من التربه فقال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر مع

ص: 116

كل حبه كتب الله بها ستة آلاف حسنة ومحى عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة واثبت له من الشفاعة مثلها وقال (علیه السلام) السبحة التي هي من طين قبر الحسين تصبح بيد الرجل من غير ان يسبح و ان الحور العين اذا أبصرن بواحد من الاملاك تهبط الى الارض لأمر ما، يستهدين منه التسبيح والتربة من طين قبر الحسين (علیه السلام) قال رجل من الشيعة الصادق (علیه السلام) يا بن رسول الله تناولت من التربة فما انتفعت بها فقال (علیه السلام) اما ان لها دعاء فمن تناولها ولم يدع لم يكد ينتفع بها قال ما اقول قال (علیه السلام) تقبلها وتضع على عينيك ولا تناول منها اكثر من الحصة فان من تناول منها اكثر من ذلك فكأنما اكل من لحومنا ودماءنا فاذاتنا وات فقل الدعاء المذكور اللهم اني اسألك بحق الملك الذي قبضها واسألك بحق النبي الذي خزنها واسألك بحق الوصي (الولي خ د) الذي حل فيها ان تصلي على محمد وال محمد وان تجعله شفاء من كل داء وامانا من كل خوف وحفظاً من كل سوء. وتقرأ انا انزلناه في ليلة القدر وكانت الأئمة يستشفون بتربة الحسين عليه السلام ويأمرون شيعتهم بذلك ويحنكون اطفالهم بالتربة والماء الفرات ولقد ظهرت من تلك التربة الشريفة عجائب بالنسبة الى بعض المخالفين منها في البحار قال روى شيخنا الطوسى (رحمه الله) في الامالي قال الراوى كنت اصلي في جامع المدينة والى جاني رجلان على احدهما ثياب السفر فقال احدهما لصاحبه يافلان اما علمت ان طين قبر الحسين (علیه السلام) شفاء من كل داء وذلك انه كان بي وجع الجوف فتعالجت بكل دواء فلم اجد فيه عافية وخفت على نفسي وايست منها و كانت عندنا امرأة من اهل الكوفة عجوز كبيرة واسمها سلمة فدخلت علي وانا في شدة الوجع والألم من تلك الملة فقالت لي يا سالم ما ارى علتك إلا كل يوم زائدة فقلت لها نعم فقالت فهل لك ان اعالجك فتبرأ باذن الله تعالى فقلت لها ما أنا الى شيء احوج مني الى هذا فسقتني ماءاً في قدح فسكنت عني العلة وبرئت حتى كان لم يكن معي علة قط فلما كان بعد اشهر دخلت العجوز فقلت لها بالله عليك

ص: 117

يا سلمة بماذا داويتني فقالت بواحدة مما في هذه السبحة فقلت وما هذه السبحة فقالت انها من طين قبر الحسين (علیه السلام) فقلت لها يا رافضية داويتني بطين قبر الحسين فخرجت من عندي مغضبة ورجعت والله علتي كأشد ما كانت وانا اقامي منها الجهد وقد والله خشيت على نفسي وحكاية اخرى وهي ايضاً من الكرامات المشاهدة من التربة الشريفة قال في البحار روى شيخنا الطوسي (رحمه الله) عن موسى بن عبد العزيز قال لقيني يوحنا ابن سراقيون النصراني الطبيب فاستوقفني وقال لي بحق نبيك ودينك من هذا الذي يزور قبره قوم منكم بناحية قصر ابن هبيرة من هو من اصحاب نبيكم قلت هو ابن بنت نبينا فما دعاك الى المسئلة لي عنه فقال عندي حديث طريف قلت حدثني به فقال وجه الي خادم الرشيد شابور الكبير في الليل فصرت اليه فقال تعال معي فمضى وانا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي فوجدناه زائل العقل متكئا على وسادة واذا بين يديه مشت فيها حشو جوفه فاقبل شابور على خادم موسى وسئله عن سبب تغير حاله وقال له ويحك ما خبره فقال له اخبرك انه كان من ساعته جالساً وحوله ندمائه وهو من اصبح الناس جسما واطيبهم نفساً اذ جرى ذكر الحسين بن علي «علیه السلام» فقال موسى ان الرافضة ليغلون فيه حتى انهم يجعلون تربته دواء يتداوون به فقال لهم رجل من بني هاشم كان حاضراً قد كانت بي علة غليظة فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي كاتبي ان أخذ من هذه التربة فاخذتها فنفعني الله بها وزال عني ما كنت اجده فسئله موسى هل بقى عندك منها شيء قال نعم فوجه فجيء منها بقطعة فناء لها اياه فاخذها موسى وادخلها في دبره استهزاء بمن تداوى بها واحتقاراً وتصغيراً بالحسين عليه السلام فما هو إلا ان استدخلها دبره حتى صاح النار النار الطشت العاشت فجثناء بالطشت فاخرج فيها ما ترى فانصرف الندماء فصار المجلس مأتما فاقبل علي شابور وقال انظر هل لك فيه حيلة فدعوت بشمعة فنظرت فاذا كبده و طحاله ورثته و فؤاده خرجت

ص: 118

منه في الطشت فقلت ما لأحد في هذا صنع إلا ان يكون لعيسى بن مريم الذي كان يحيي الموتى فقال شابور صدقت و لكن كن هيهنا في الدار حتى يتبين ما يكون من امره قبت عندهم وهو بتلك الحالة ما رفع رأسه حتى هلك في وقت السحر قال الراوي كان يوحنا يزور قبر الحسين «ع» وهو على دينه ثم اسلم بعد هذا وحسن اسلامه نعم من أتاكم فقد نجى ومن لم يأتكم فقد هلك كان الرجل نصرانياً ولما اتي الى الحسين وعظم شأنه وعرف مقامه وقدره من الله عليه بالهداية وبصره من العماية اسلم ودخل الجنة طوبى له ونظائره كثيرة ممن عظموا الحسين (علیه السلام) فبصرهم الله بالهداية منهم الراهب النصراني في طريق الشام الى آخر المصيبة.

المجلس الرابع في فضل زيارته

في البحار عن حنان بن سدير عن أبيه قال قال: ابو عبد الله «ع» يا سدير تزور قبر الحسين (علیه السلام) في كل يوم قلت لا قال ما اجفاكم فتزوره في كل شهر قلت لا قال افتزوره في كل سنة قلت قد يكون ذلك قال (علیه السلام) يا سدير ما اجفاكم بالحسين عليه السلام اما علمت ان الله الف الف لمك شعث غير يبكون فيزورون لا يفترون وعليك يا سدير ان تزور قبر الحسين (علیه السلام) في الجمعة خمس مرات وفي كل يوم مرة قلت جعلت فداك بيننا وبينه فراسخ كثيرة قال لي اصعد فوق سطحك ثم تلتفت يمنة ويسرة ثم ترفع رأسك الى السماء ثم تنحو نحو القبر وتقول السلام عليك يا ابا عبد الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته يكتب لك بكل زيارة حجة وعمرة وفيه ايضاً عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) قال لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين (علیه السلام) من الفضل لماتوا شوقاً اليه وتقطعت انفسهم عليه حسرات قلت وما فيه قال من اتاه تشوقاً كتب الله له الف حجة متقبلة والف عمرة مبرورة واجر الف شهيد من شهداء بدر واجر الف صائم

ص: 119

وثواب الف صدقة مقبولة وثواب الف نسمة اريد بها وجه الله ولم يزل محفوظاً سنته من كل افة اهونها الشيطان و وكل به ملك كريم يحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه فان مات سنته حضرته الملائكة وهم ملائكة الرحمة يحضرون غسله واكفائه والاستغفار ويشيعونه الى قبره بالاستغفار له ويفسح له في قبره مد بصره ويؤمنه الله من ضغطة القبر ومن منكر ونكير ان يروعاه ويفتح له باب الى الجنة و يعطى كتابه بيمينه ويعطى يوم القيامة نوراً يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب وينادي مناد هذا من زوار قبر الحسين بن علي (علیه السلام) زاره شوفاً اليه فلا يبقى احد في القيامة إلا تمني يؤمئذ انه كان من زوار الحسين بن علي (علیه السلام)، وفيه عن كامل الزيارة عن عبد الله بن مسكان قال شهدت ابا عبد الله الصادق (علیه السلام) وقد اتاه قوم من أهل خراسان فسئلوه عن اتيان قبر الحسين بن علي (علیه السلام) وما فيه من الفضل قال (علیه السلام) حدثني ابي عن جدى انه كان يقول من زاره يريد وجه الله اخرجه الله من ذنوبه كمولود ولدته امه وشيعه الملائكة في مسيره فرفرفت على رأسه قد صفوا باجنحتهم عليه حتى يرجع الي أهله وسألت الملائكة المغفرة له من ربه وغشيته الرحمة من اعنان السماء ونادته الملائكة طبت وطاب من زرت وحفظ في أهله وفي رواية شيعه جبرائيل وميكائيل واسرافيل حتى يرد الى منزله أقول اذا كانت الملائكة ترفرف على رأس زائر الحسين (علیه السلام) فلا شك انها كانت ترفرف على رأس الحسين (علیه السلام) من كربلا الى الكوفة ومن الكوفة الى الشام لكن يتراؤن بصورة الطيور كما اخبرت زوجة الخولى فاما الراهب فشاهدهم عياناً انظر الى الرأس الشريف والملائكة ينزلون كتائب كتائب الخ وفي كامل الزيارة قال ان الحسين صاحب كربلا قتل مظلوماً مكروباً عطشناناً لهفاناً قالى الله عز وجل على نفسه ان لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم و لا عطشان ولا من به عاهة ثم دعا عنده وتقرب بالحسين بن علي (علیه السلام) الى الله

ص: 120

عز وجل إلا نفس الله كربته واعطاه مسئلته وغفر ذنبه ومد في عمره وبسط في رزقه فاعتبروا يا اولي الابصار، وفيه عن ابن حازم قال سمعناه: (علیه السلام) يقول من اتى عليه حول لم يأت قبر الحسين (علیه السلام) انقص الله من عمره حولا ولو قلت ان احدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة الكنت صادقاً وذلك انكم تتركون زيارته فينقص الله من اعمار کم و ارز افكم فتنافسوا في زيارته ولا تدعوا ذلك فان الحسين بن علي (علیه السلام) شاهد عند الله وعند رسوله وعند علي وعند فاطمة والحسن عليهم السلام ، وفيه عن عبد الملك الخثعمي عن ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال لي يا عبد الملك لا تدع زيارة الحسين ابن علي (علیه السلام) ومر اصحابك بذلك يمد الله في عمرك ويزيد الله في رزقك ويحييك الله سعيداً ولا تموت إلا سعيدا ويكتبك سعيداً. نوادر علي بن اسباط عن غير واحد من أصحابه قال لما بلغ أهل البلدان شهادة ابي عبد الله (علیه السلام) قصدته مائة الف امرأة كانت لا تلد فولدن كلهن وكانت العرب تقول للمرأة لا تلد ابداً إلا ان تحضر قبر رجل كريم عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال من اراد ان يكون في كرامة الله يوم القيامة وفي شفاعة محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) فليكن للحسين زائراً ينال من الله أفضل الكرامة وحسن الثواب ولا يسئله عن ذنب عمله في حياة الدنيا ولو كانت ذنوبه عدد رمل عالج و جبال تهامه وزبد البحر ان الحسين بن علي (علیه السلام) قتل مظلوماً مضطهداً نفسه وعطشاناً هو وأهل بيته واصحابه نعم قضوا كلهم عطاشاً ولكن ما اضر بهم العطش مثل ما اضر بالحسين عليه السلام اذ حال المعاش بينه و بين السماء كالدخان وفي الخبر ذكره في جامع الاخبار ان الله تعالى يخلق من عرق زوار الحسين عليه السلام من كل عرفة سبعين الف ملك يسبحون الله ويهللونه ويستغفرون لزوار الحسين (علیه السلام) الى ان تقوم الساعة روى في المنتخب عن عاصم عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال ياعاصم من زار الحسين و هو مغموم اذهب الله غيمه ومن زاره وهو فقير اذهب الله الفقر منه ومن كانت به عامة فدعى ان يذهبها

ص: 121

استجيبت دعوته وفرج همه وغمه فلا تدع زيارته فكأنك كلما أتيته كتب الله لك بكل خطوة تخطوها عشر حسنات ومحى عنك عشر سيئات وكتب لك ثواب شهيد في سبيل الله أهريق دمه فاياك ان تفوتك زيارته وقال الصادق (علیه السلام) قال الحسين (علیه السلام) من زارني بعد موتي زرته يوم القيامة ولو لم يكن إلا في النار لأخرجته ، وعن بعض الاسانيد ان الحسين (علیه السلام) علق دخول زائره فى النار بكلمة لو، مشعراً بانه محال ان يدخل زائري في النار ثم ان فرض المحال ليس بحال لو دخل زائري في النار لأخرجته صلوات الله عليك يا ابا عبدالله ارواح العالمين لك الفدا ما اشد واعظم شفقتك ورحمتك على شيمتك وعلى زوار قبرك عن الصادق (علیه السلام) كان الحسين (علیه السلام) ذات يوم في حجر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو يلاعبه ويضاحكه فقالت عايشة يارسول الله ما أشد اعجابك بهذا الصبي فقال لها وكيف لا احبه ولا اعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني اما ان امتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي قالت يا رسول الله حجة حججك من يكتبها الله لزائر الحسين (علیه السلام) قال نعم وحجتين من حججي قالت يا رسول الله و حجتين من حججك قال نعم واربعة فلم تزل تراده ويزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله باعمارها ثم قال يا عائشة من اراد الله به الخير قذف في قلبه محبة الحسين وحب زيارة الحسين ومن زار الحسين عارفاً بحقه كتبه الله في اعلا عليين الملائكة المقربين قال ابو عبد الله (علیه السلام) من اتى قبر الحسين عارفاً بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عن موسى بن القاسم قال ورد ابو عبد الله (علیه السلام) في أول ولاية أبي جعفر فنزل النجف فقال يا موسى اذهب الى الطريق الأعظم فقف على الطريق فانظر فانه سيجيئك رجل من ناحية القادسية فاذا دنى منك فقل له هيهنا رجل من ولد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يدعوك فيجي. معك قال فذهبت حتى قمت على الطريق والوقت حر شديد فلم ازل قائماً حتى كدت اعمي وانصرف وادعه اذ نظرت الى

ص: 122

شيء مقبل شبه رجل على بعير قال فلم ازل انظر اليه حتى دني مني فقلت له ياهذا هيهنا رجل من ولد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يدعوك وقد وصفك لي قال اذهب بنا اليه فجئت به حتى اناخ بعيره ناحية قريباً من الخيمة قال فدعى به فدخل الأعرابي اليه ودنوت انا فصرت بباب الخيمة اسمع الكلام ولا اراهما فقال أبو عبد الله (علیه السلام) من این قدمت قال من اقصى اليمين قال افانت من موضع كذا وكذا قال نعم من وضع كذا وكذا قال فلماذا جئتها هنا قال جنت زائراً الحسين فقال ابو عبد الله (علیه السلام) فجئت من غير حاجة ليس إلا الزيارة قال جئت من غير حاجة ليس إلا الزيارة إلا ان اصلي عنده و ازوره واسلم عليه وأرجع الى أهلي قال ابو عبد الله (علیه السلام) وما ترون من زيارته قال نرى في زيارته البركة في انفسنا واهالينا واولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا فقال «علیه السلام» افلا ازيدك من فضله فضلا يا اخا اليمن قال زدني يا بن رسول الله قال ان زيارة ابي عبد الله تعدل حجة مقبولة متقبلة زاكية مع رسول الله فتعجب من ذلك فقال (علیه السلام) أي والله حجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فتعجب من ذلك فلم يزل ابو عبد الله (علیه السلام) يزيد حتى قال ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عن ابي سعيد المدائني قال دخلت على ابي عبد الله (علیه السلام) فقلت له جعلت فداك اتى قبر الحسين (علیه السلام) قال نعم يا ابا سعيد ايت قبر بن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اطيب الطيبين واطهر الطاهرين وابر الأبرار فاذا زرته كتب الله لك به خمسا وعشرين حجة وفي رواية قال واثنين وعشرين عمرة وفي رواية قال كتب الله لك ثمانين حجة مبرورة وكتب الله لك عتق خمس وعشرين رقبة وقال (علیه السلام) زيارة الحسين (علیه السلام) واجبة على الرجال والنساء عن كامل الزيارة عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال سمعته يقول ان الله فى كل يوم وليلة مائة الف لحظة الى الارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويغفر لزائري قبر الحسين بن علي «علیه السلام» خاصة ولأهل

ص: 123

بيتهم ولمن يشفع له يوم القيامة كائناً من كان قلت وان كان رجلا قد استوجب النار قال (علیه السلام) وان كان مالم يكن ناصبياً ثواب الاعمال عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال ان زائر الحسين (علیه السلام) يجعل ذنوبه جسراً على باب داره ثم يعبرها كما يخلف احدكم الجسر وراء ظهره اذا عبر فاذا جعل ذنوبه جسراً وعبرو خلف الجسر فيلقي الله عز وجل بلا ذنب كيوم ولدته امه كما قال الرضا «علیه السلام» لريان بن شبيب يا بن شبيب ان سرك ان تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك فزر الحسين «علیه السلام» واذا أردت ان تغسل الذنوب عن جسدك فعليك بالبكاء على الحسين (علیه السلام) كما قال «علیه السلام» با من شبيب ان بكيت على الحسين «علیه السلام» حتى تسيل دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب اذنبته صغيراً كان أو كبيراً قليلا كان أو كثير اوسيأتي الخبر بتمامه انشاء الله في ثواب البكاء عليه الخ.

المجلس الخامس ايضا في زيارته «ع»

في البحار قال ابو جعفر «علیه السلام» الغاضرية هي البقعة التي كلم الله فيها موسى بن عمران وناجى نوحاً فيها وهي اكرم ارض الله عليه ولو لا ذلك ما استودع الله فيها أوليائه وأنبيائه فزوروا قبورنا بالغاضرية مروا شيعتنا بزيارة الحسين بن علي «علیه السلام» فان زيارته تدفع الهدم و الحرق والغرق واكل السبع وزيارته مفترضة على من اقر للحسين بالامامة من الله عز وجل حتى لو ان احدكم حج دهره ثم لم يزر الحسين بن علي «علیه السلام» لكان تاركاً حقاً من حقوق رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لأن حق الحسين «علیه السلام» فريضة من الله واجبة على كل مسلم قال الصادق (علیه السلام) لمعاوية بن وهب يا معاوية لا تدع قبر الحسين وزيارته لخوف فان من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى ان قبره كان عنده اما تحب ان يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام اما تحب ان تكون ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى من ذنوبه

ص: 124

ويغفر له ذنوب سبعين سنة، اما تحب ان تكون ممن يخرج من الدنيا وليس عليه ذنب يتبع به، اما تحب ان تكون غداً ممن يصافحه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) من مرة ان يكون على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوار قبر الحسين «علیه السلام» من خرج من منزله يريد زيارة الحسين «علیه السلام» ان كان ماشياً كتب له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة حتى اذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين حتى اذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين حتى اذا اراد الانصراف اتاه ملك فقال ان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقرئك السلام ويقول لك استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى وقال الباقر (علیه السلام) لبعض مواليه وقد سئله عن زيارة الحسين «علیه السلام» فقال «علیه السلام» من نزور ومن تريد به فقال ازور الحسين عليه واريد به الله تبارك و تعالى فقال «علیه السلام» من زار الحسين وصلى خلفه صلاة واحدة بريد بها الله عز وجل لفى الله يوم يلقاه وعليه من النور ما تغشى منه الابصار ولا يقام به دون الحوض وأمير المؤمنين (علیه السلام) قائم على الحوض يصافحه اولا ثم يسقيه من الماء ثم يأمر به الى منزله من الجنه ومعه ملك من قبل أمير المؤمنين «علیه السلام» يأمر الصراط ان يذل رع له و يأسر النار ان لا يصيبه من لفحها شيء حتى يجوزها والملك معه الى ان يدخل الجنة وان ما بين قبر الحسين «علیه السلام» الى السماء مختلف الملائكة وموضع قبره منذ دفن روضة من رياض الجنة ومنه معراج يعرج فيه باعمال زواره الى السماء فليس ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسئلون الله ان يأذن لهم في زيارة قبر الحسين «علیه السلام» فنوج ينزل وفوج يصعد.

في الخصائص عن الصادق «علیه السلام» ان الله ملائكة موكلين بقبر الحسين «علیه السلام» فاذاهم الرجل بزيارته أعطاهم الله ذنوبه فاذا خطا محوها ثم إذا خطا ضاعفوا له حسناته فلم نزل تضاعف حتى توجب له الجنة وإذا أغتسل حين هم بزيارته ناداه محمد صلى الله عليه واله يا وافد الله ابشر بمرافقتي في الجنة وناداه علي «علیه السلام» انا ضامن لقضاء

ص: 125

حوائجك واكتنفته الملائكة عن يمينه وشماله حتى ينصرف وفيه ان زائره لا يضع قدمه على شيء إلا دعا له وان في زيارته ثواب الف صدقة مقبولة وثواب الف صائم وعتق الف نسمة اريد بها وجه الله واجر الف شهيد من شهداء بدر، وفيه من زاره كان كمن حمل الف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة و كان كمن تشحط بدمه في سبيل الله وله بكل قدم يرفعها وكل قدم يضعها عتق رقبة من ولد اسماعيل ومائة غزوة مع نبي مرسل الى اعدا عدوله، وفيه اذا أخذ الزائر في جهازه تباشر به أهل السماء وإذا أنفق فى جهازه يعطيه الله بكل در هم انفقه مثل احد من الحسنات ويخلف عليه أضعاف ما انفق ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه ويحسب له بالدرهم الف والف والف حتى عد عشرة ثم قال الامام «علیه السلام» ورضا الله ودعاه محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) خير له واذا خرج من منزله شيعه سمّاءة ملك في جهاته السنة اذا مشى ما يقع قدماه على شيء إلا دعا له وإذا رفع خطواته فاذا خطا كان له بكل خطوة خطاها الف حسنة فاذا كان في سفينة فاذا اكفئت بهم نودوا الا طبتم وطاب لكم الجنة واذا رفعت دابته يدها كان له بكل يد رفعتها الف حسنة واذا أصابته الشمس اكات ذنوبه كما تأكل النار الحطاب وإذا عرق من الحر أو التعب يخلق من كل عرقة سبعون الف ملك يسبحون له ويستغفرون لزوار الحسين «علیه السلام» الى ان تقوم الساعة واذا أغتسلوا من الفرات الزيارة تساقطت ذنوبهم و ناداهم محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) يا وافدي الله ابشروا بمرافقتي في الجنة وناداهم أمير المؤمنين «علیه السلام» انا ضامن لقضاء حوائجكم ورفع البلاء عنكم في الدنيا والآخرة واذا دني من كربلا استقبله اصناف من الملائكة واذا زار القبر نظر اليه الحسين «علیه السلام» ثم دعا له و يسئل اباه ان يستغفر له ثم تدعو له الملائكة ويدعو له جميع الانبياء فاذا أنصرف شيعه اصناف الملائكة منهم جبرائيل منهم اسرافيل منهم ميكائيل وقالوا له ياولي الله مغفور لك انت من حزب الله وحزب رسوله وحزب أهل بيته والله لا ترى النار بعينك ابداً ولا

ص: 126

تراك ولا تطعمك ابداً ثم ناداه مناد طوبى لك طبت وطاب لك الجنة فاذا مات بعد ذلك بسنة أو سنتين أو أكثر أو اقل، فاول من يزوره الحسين (علیه السلام) فانه قال من زارتي زرته بعد موته وفيه النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قد ضمن ان يزور من زار الحسين «علیه السلام» يوم القيامة وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) ضمنت له على الله الجنة وحق علي ان ازور من زاره فاخذ بعضده فانجيه من أهوال يوم القيامة وشدائدها حتى اصبره في الجنة، وفيه عن الصادق عليه السلام زائر الحسين «علیه السلام» مشفع يوم القيامة لمائة رجل كلهم قد وجبت لهم النار ويقال لهم خذوا بيد من أحببتم فادخلوه الجنة، وفيه قال المرحوم الشيخ جعفر التستري اعلم ان كل عمل ينقطع وان بقى ثوابه وزيارة الحسين «علیه السلام» بحسب الوقوع ايضاً متصل الى يوم القيامة لا تنقطع عن الزائر بيان ذلك انه روى صفوان عن ابي عبد الله عليه السلام ان الرجل اذا خرج من منزله يريد قبر الحسين (علیه السلام) شيعه سبعمائة ملك من فوق رأسه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله ومن خلفه حتى يبلغوا به مأمنه فاذا زار الحسين (علیه السلام) ناداه مناد قد غفر لك فاستأنف العمل ثم يرجعون معه مشيعين له الى منزله فاذا صاروا الى منزله قالوا استودعك الله فلا يزالون يزورونه الى يوم مماته ثم يزورون قبر الحسين (علیه السلام) في كل يوم وثواب ذلك للرجل، وفيه ان الله قد حلف ان لا يخيب زائره وان الله اذا نظر الى زائر قبر الحسين (علیه السلام) وراه ساهر الليل تعب النهار نظر اليه نظرة توجب له الفردوس الأعلى، وقال المرحوم شيخنا التستري ومن غرائب فضائل الزيارة انها افضل من زيارة الامام اذا كان حيا وزرته في حياته عن ابن ابي يعفور قال قلت لأبي عبدالله (علیه السلام) لما زرته دعاني الشوق اليك ان تجشمت اليك على مشقة فقال لي لا تشك ربك فهلا اتيت من كان اعظم حقاً عليك مني فكان قوله فهلا اتيت من كان اعظم حقا عليك مني اشد علي من قوله لا تشك ربك قلت و من اعظم حقاً علي منك قال الحسين بن علي (علیه السلام) ان اتيت الحسين (علیه السلام) فدعوت

ص: 127

الله عنده فشكوت اليه حوائجك (وفيه) ان الباقر (علیه السلام) كان يزور من قدم من زيارة الحسين (علیه السلام) فروى عن حمران قال زرت قبر الحسين (علیه السلام) فلما قدمت جائني ابو جعفر (علیه السلام) ومعه عمرو بن علي بن عبد الله بن علي (علیهم السلام) فقال ابو جعفر (علیه السلام) ابشر يا حمران فمن زار قبور شهداء آل محمد صلى الله عليه وآله يريد بذلك وجه الله خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه عن ابي بكار قال زرت كربلا واخذت من عند الرأس طينا احمر فدخلت على الرضا (علیه السلام) فعرضتها عليه فاخذها في كفه ثم شمها ثم بكى حتى جرت دموعه ثم قال هذه تربة جدي وفي الخصائص ان هذه التربة قد حملها كل ملك واهداها الى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وان كل ملك اتى الى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يوم ولادة الحسين (علیه السلام) التهنئة كان معه شيء من تربة كربلا وقد اخذ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بنفسه ودفعه الى ام سلمة واخذ الحسين (علیه السلام) و دفعه الى ام سلمة يوم خروجه من المدينة وفي الروايات الصحيحة لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين (علیه السلام) من الفضل لماتوا شوقا وتقطعت انفسهم عليها مرات ولو علموا فضلها لأتوه حبواً من اقصى البلاد وان كل شيء يتمسح بزائره ويرجو في النظر الي زائره الخير لنظره الى قبره وفيه عن الصادق (علیه السلام) قال اذا كان يوم القيمة نادى مناد این زوار الحسين بن علي (علیه السلام) فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا الله فيقول لهم ماذا اردتم بزيارة قبر الحسين (علیه السلام) فيقولون يارب حبا لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ولعلي و لفاطمة (علیهما السلام) ورحمة له بما ارتكب منه فيقال لهم هذا (صلی الله علیه وآله وسلم) محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم فالحقوا بهم فانتم معهم في درجتهم الحقوا بلواء رسول الله فيكونون في ظله وهو فى يد علي (علیه السلام) فيكونون امام اللواء رعن يمينه وعن يساره ومن خلفه و يباهى الله بهم حملة عرشه وملائكته المقربين و يقول الا ترون زوار قبر الحسين (علیه السلام) اتوه شوقاً وفيه من زار الحسين (علیه السلام) يوم عاشورا وليلته يحشر ملطخاً بدم الحسين (علیه السلام) في زمرة الشهداء الذين قتلوا معه «اقول»

ص: 128

لا ينبغي ترك زيارته مع هذه الاخبار التي ذكرنا منها عشراً من اعشارها ولا سيما في الايام المخصوصة التي زيارته في تلك الايام شعار للاسلام وغاية سرور و و انبساط لجده سيد الانام ولأمه الصديقه والأئمة عليهم السلام منها يوم عرفة ففي فضل زيارته في ذلك اليوم وردت اخبار كثيرة منها ما روى بشير الدهان عن الصادق «علیه السلام» وذلك حين سأله وقال سيدي ربما فاتتني الوقوف بعرفات قاعرف عند قبر الحسين «علیه السلام» فقال له احسنت يا بشير ايما مؤمن اتى قبر الحسين «علیه السلام» عارفاً بحقه في غير (عيد خ د) يوم عرفه كتب له عشرون حجة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات وعشرون غزوة مع نبي مرسل او امام عادل فقلت له وكيف لي مثل الموقف قال فنظر اليّ شبه المغضب ثم قال يا بشير ان المؤمن اذا اتى قبر الحسين «ع» يوم عرفة عارفا بحقه فاغتسل في الفرات ثم توجه اليه كتب الله عز وجل له بكل خطوة حجة بمناسكها ولا اعلمه إلا ان قال وعمرة وان الله تبارك وتعالى يبدء بالنظر الى زوار قبر الحسين «علیه السلام» عشية عرفة قبل نظره الى اهل الموقف قيل له وكيف ذاك قال لأن في أولئك اولاد زنا وليس في هؤلاء اولاد زنا قال في الخصائص ولأن الحسين «علیه السلام» عظم بيت ربه وتأدب لجلال معبوده حيث رضى بما يجري على نفسه الشريفة ولم يرض بان يكون بقرب الكعبة فيسقط احترامه فى الانظار ولأجل تعظيم بيت ربه عظم الله حرمه الشريف و ينظر الى زواره في يوم عرفه قبل ان ينظر الى زوار بيته واهل عرفات ولذا لما قال له محمد بن الحنفية يا اخي فان اطعت رأبي فأقم بمكة فقال الحسين «علیه السلام» اني قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية فأكون الذي تستباح به حرمة هذا البيت مع ان الحسين «علیه السلام» اعظم واشرف وافضل من البيت ولولا الحسين «علیه السلام» لما خلق الله البيت وهذا مقام لسنا بصدده خوفاً من الاطالة ومن نظر فى خصائص الحسينية يظهر اء بالبداهة ولنختم بهذا الكلام ان الله قد وعد البيت الحرام ان يحجه في كل سنة ست ماء الف

ص: 129

فان نقصوا أنهم الله بالملائكة واما حرم الحسين «علیه السلام» فقد قال علي بن الحسين «علیه السلام» تحفة في كل يوم وليلة من كل سماء ماة الف ملك وهم يصلون عليه ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لزواره ويكتبون اسمائهم قال اسحق بن عمار قلت لأبي عبد الله الصادق «علیه السلام» اني كنت عند قبر الحسين «علیه السلام» ليلة العرفة وكنت اصلي وثم نحو من خمسين الفاً من الناس جميلة وجوههم طيبة ارواحهم واقبلوا يصلون بالليل اجمع فلما طلع الفجر سجدت ثم رفعت رأسي فلم ار منهم أحداً فقال لي ابو عبد الله (علیه السلام) انه مر بالحسين بن علي خمسون ألف ملك وهو يقتل فمرجوا الى السماء فاوحى الله اليهم مردتم بابن بنت حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه فاهبطوا الى الارض فاسكنوا عند قبره شعثاً غبراً الى ان تقوم الساعة وهؤلاء الملائكة ينتظرون قيام الحجة عجل الله فرجه ويكونون من انصاره يا بن الحسن (ماذا يهيجك ان صبرت لوقعة الطف الفظيعة الخ) قال أمير المؤمنين (علیه السلام) بابي وامي الحسين المقتول بظهر الكوفة والله كاني انظر الى الوحش مادة اعناقها على قبره من انواع الوحش يبكونه ويرثونه ليلا حتى الصباح فاذا كان كذلك قاياكم والجفاء يعني لا تجفوا عليه بترك زيارته وقال الصادق (علیه السلام) زوروا الحسين (علیه السلام) ولا تجفوه فانه سيد شباب اهل الجنة وشبيه بيحيى بن زكريا وعليهما بكت السماء والارض قال الراوي قلت جعلت فداك ما تقول فيمن ترك زيارته وهو يقدر على ذلك قال (علیه السلام) انه قد عق رسول الله وعقنا اهل البيت واستخف بامر هو له وقال (علیه السلام) ولا تزهدوا في اتيانه فان الخير في اتيانه اكثر من ان يحصى لو يعلم الناس ما في زيارته من الخير لأقتتلوا على زيارته بالسيوف ولباعوا اموالهم في اتيانه و من زاره كان الله له من وراء حوائجه وكفى ما اهمه من امر دنياه وانه ليجلب الرزق على العبد ويخلف عليه ما انفق ويغفر له من ذنوب خمسين سنة ويرجع | وما عليه وزر ولا خطيئة فان هلك في سفره نزات الملائكة فغسلته ولما دفن فتح له

ص: 130

الى الجنة باب يدخل عليه روحها حتى ينشر وان سلم فتح الباب الذي ينزل منه رزقه فجعل له بكل در هم انفقه عشرة آلاف درهم وذخر له ذلك وان فاطمة اذا نظرت اليهم ومعها الف نبي والف صديق والف شهيد والف الف من الكروبيين يسعدونها على البكاء وانها لتشرق شهقة فلا يبقى في السموات ملك الا بكى رحمة لصوتها وما تسكن حتى يأتيها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فيقول بابنية قد ابكيت أهل السموات وشغلتهم عن التقديس والتسبيح فكفى حتى يقدسوا فان الله بالغ امره وانها لتنظر الى من حضر من زوار الحسين فتسئل الله لهم من كل خير ومما يظهر من الاخبار ان فاطمة منذ قتل الحسين لم تزل تبكي ليلها ونهارها على الحسين (علیه السلام) ولا تسكن وكل يوم تنظر الى قميص ولدها الحسين فتصرخ آخ في البحار عن قدامة بن زائدة عن ابيه قال قال علي بن الحسين (علیه السلام) بلغني يا زائدة انك تزور قبر ابي عبدالله «ع» احياناً فقلت ان ذلك لكما بلغك فقال لي فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل احداً على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الامة من حقنا فقلت والله ما اريد بذلك إلا الله ورسوله ولا أحفل بسخط من سخط ولا يكبر في صدري مكروه ينالتي بسبيه فقال والله ان ذلك لكذلك فقلت والله ان ذلك لكذلك يقولها ثلاثا واقولها ثلاثاً فقال ابشر ثم ابشر تم ابشر فلا خبرنك بخير كان عندي في النخب المحزون ان لما اصابنا بالطف ما اصابنا وقتل ابي وقتل من كان معه من ولده واخوته وسائر اهله وحملت حرمه ونساؤه على الافتاب براد بنا الكوفة فجعلت انظر اليهم صرعى ولم يواروا فيعظم ذلك في صدري و يشتد لما ارى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج وتبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي (علیها السلام) الكبرى فقالت ما لى اراك تجود بنفسك يا بقية جدي وابي واخوتي فقلت وكيف لا اجزع واهلع وقدارى سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي واهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء مسلبين لا يكفنون ولا يوارون لا يعرج

ص: 131

عليهم احد ولا يقربهم بشر كانهم اهل بيت من الديلم والخزر فقالت لا يجزعنك ما ترى فوالله ان ذلك لعهد من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الى جدك وابيك وعمك ولقد اخذ الله ميثاق اناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض وهم معروفون في اهل السموات انهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة فيدفنونها وينصبون لهذا الطف علماً لقبر ابيك سيد الشهداء لا يدرس اثره ولا يعفو رسيمه على كرور الليالي والايام وليجتهدن ائمة الكفر واشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد اثره إلا ظهوراً وامره إلا علواً فقلت وما هذا العهد وما هذا الخبر فقالت عمتي حدثتني ام ايمن ان رسول الله زار فاطمة في يوم من الايام فعملت له حريرة واتي علي (علیه السلام) بطبق فيه تمر ثم قالت ام ايمن فاتيتهم بعس فيه لبن وزبد فاكل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) و علي (علیه السلام) وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام من تلك الحريرة وشرب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وشربوا من ذلك اللبن ثم اكل واكلوا من ذلك التمر والزبد ثم غسل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يده وعلي (علیه السلام) يصب عليه الماء فلما فرغ من غسل يديه ومسح وجهه ثم نظر الى علي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) نظراً عرفنا منه السرور في وجهه ثم رمق بطرفه نحو السماء مليا ثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه يدعو ثم خر ساجداً وهو ينشج فاطال النشوج وعلا نحيبه وجرت دموعه ثم رفع رأسه والطرق الى الارض ودموعه تقطر كانها صوب المطر فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين (علیهم السلام) وخزنت معهم لما رأينا من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهبناه ان نسأله حتى اذا طال ذلك قال له علي (صلی الله علیه وآله وسلم) وقالت له فاطمة ما ببكيك يارسول الله لا ابكى الله عينيك فقد اقرح قلوبنا ما نرى من حالك فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) ياحبيبي سررت بكم سروراً ما سررت مثله قط واني لأنظر اليكم واحمد الله على نعمته عليّ منكم اذ هبط عليّ جبرئيل فقال يا محمد ان الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك باخيك وابنتك وسبطيك

ص: 132

فاكمل لك النعمة وهنالك العطية بان جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم يحبون كما تعطى ويعطون كما تعطى حتى ترضى وفوق الرضا على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ومكاره تصيبهم بايدي اناس ينتحلون ملتك ويزعمون انهم من امتك برأء من الله ومنك خبطاً خبطا وقتلا قتلا شتى مصارعهم نائية قبورهم خيرة من الله لهم ولك فيهم فاحمد الله جل وعز على خيرته وأرض بقضائه فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم ثم قال جبرئيل يا محمد ان أخاك مضطهد بعدك مغلوب على امتك متعوب من اعدائك ثم مقتول بعدك يقتله اشر الخلق والخليقة واشقى البرية نظير عاقر الناقة ببلد تكون اليه هجرته وهو مغرص شيعته وشيعة ولده وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم و ان سبطك هذا واومى بيده الى الحسين مقتول في عصابة من ذريتك واهل بيتك واخيار من امتك بضفة الفرات بارض تدعى كر بلا من اجلها يكثر الكرب والبلا على اعدائك واعداء ذريتك في اليوم الذي ينقضي كربه ولا يفنى حسرته وهي اطهر بقاع الأرض واعظمها حرمة وانها لمن بطحاء الجنة فاذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك واهله واحاطت كتائب بهم اهل الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من اقطارها ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها وماجت السموات باهلها غضباً لك يا محمد ولذريتك واستعظاما لما ينتهك من حرمتك واشر ما يكافى به ذريتك وعترتك ولا يبقى شيء من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة اهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك فيوحى الله إلى السموات والارض والجبال والبحار ومن فيهن اني انا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع وانا اقدر فيه على الانتصار والانتقام وعزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفي وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم أهله عذابا لا اعذبه أحداً من العالمين فعند ذلك يضح كل شيء في السموات

ص: 133

والارضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك فاذا برزت تلك العصابة الى مضاجعها تولى الله عز وجل قبض ارواحها بيده وهبط الى الارض ملائكة من السماء السابعة معهم انية من الياقوت والزمرد ومملؤة من ماء الحياة وحلل من حلل الجنة وطيب من طيب الجنة فغسلوا جثتهم بذلك الماء والبسوها الحلل وحنطوها بذلك الطيب وصلى الملائكة صفاً صفاً عليهم ثم يبعث الله قوماً من امتك لا يعرفهم الكفار ولم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية فيوارون اجسامهم ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق وسبباً للمؤمنين الى الفوز وتحفه ملائكة من كل مماء مأة الف ملك في كل يوم وليلة ويصلون عليه ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لزواره ويكتبون اسماء من يأتيه زائرا من امتك متقربا الى الله واليك بذلك واسماء ابائهم وعشائرهم وبلدانهم ويوسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الانبياء فاذا كان يوم القيمة سطع في وجوههم من اثر ذلك الميسم نور تغشى منه الابصار يدل عليهم ويعرفون به وكأني بك يامحمد يني وبين ميكائيل وعلي امامنا ومعنا من الملائكة ما لا يحصى عدده ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد اوقبر اخيك او قبر سبطيك لا يريد به غير الله جل وعز وسيجد اناس قد حقت عليهم من الله اللعنه والسخط ان يعفو رسم ذلك القبر و يمحو اثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم الى ذلك سبيلا ثم قال رسول الله فهذا ابكاني واحزنني قالت زينب (علیها السلام) فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله ابى (علیه السلام) ورأيت اثر الموت عليه قلت ياابة حدثتني ام ايمن بكذا وكذا وقد احبت ان اسمعه منك فقال يا بنية الحديث كما حدثتك ام ايمن وكاني بك وبنساء اهلك لسبايا بهذا البلد اذلاء خاشعين تخافون ان يتخطفكم الناس فصبراً صبراً فو الذي فلق الحبة وبرء النسمة

ص: 134

ما الله على ظهر الارض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم ولقد قال لنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حين اخبرنا بهذا الخبر ان ابليس في ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الارض كلها في شياطينه وعفاريته فيقول يا معشر الشياطين قد ادركنا من ذرية ادم الطلبة وبلغنا في هلاكهم الغاية واورثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم واغرائهم بهم واوليائهم حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم ولا ينجو منهم ناج ولقد صدق عليهم ابليس ظنه وهو كذوب انه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح ولا يضر مع محبتكم وموالا تكم ذنب غير الكبائر قال زائدة ثم قال علي بن الحسين (علیه السلام) بعد ان حدثني بهذا الحديث خذه اليك اما لو ضربت في طلبه اباط الابل حولا لكان قليلا عن معاوية بن وهب قال دخلت على الصادق (علیه السلام) في يوم عاشوراء فرأيته ساجداً في محرابه فجلست من ورائه حتى فرغ فاطال في سجوده وبكائه فسمعته ينادي ربه وهو ساجد ويقول اللهم يا من خصنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الانبياء وختم بنا الامم السالفة وخصنا بالوصية واعطانا علم ما مضى وما بقى وجعل افئدة من الناس تهوى الينا اغفر لي اللهم ولأخواني ولزوار قبر ابي عبد الله الحسين الذين انفقوا اموالهم في حبه واشخصوا ا بدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عند الله فى صلتنا وسروراً اي خلوه على نبيك (صلی الله علیه وآله وسلم) واجابة منهم لأمرنا وغيظاً ادخلوه على عدونا وارادوا بذلك رضوانك اللهم فكافئهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلفهم فى اهاليهم واولادهم الذين خلفوا احسن الخلف واكفهم شر كل جبار عنيد وكل شيطان مريد وكل ضعيف من خلقك وشديد وشر شياطين الانس والجن واعطهم افضل ما املوه منك في غربتهم عن أوطانهم وما اثرونا به على ابنائهم واهاليهم وقراباتهم اللهم ان اعدنا عابوا عليهم خروجهم ينههم ذلك من النهوض والشخوص الينا خلافا منهم على من خالفنا اللهم ارحم تلك

ص: 135

الوجوه التي غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر ابى عبدالله الحسين وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي حزنت لا جلنا واحترقت بالحزن علينا وارحم تلك الصرخة التي كانت لاجلنا اللهم اني استودعك الانفس وتلك الابدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش الاكبر وتدخلهم الجنة وسهل عليهم الحساب انك انت الكريم الوهاب قال فما زال (علیه السلام) يدعو لاهل الايمان ولزوار قبر الحسين وهو ساجد في محرابه فلما رفع رأسه اتيت اليه وسلمت عليه وتأملت في وجهه واذا هو كاسف اللون متغير الحال ظاهر الحزن ودموعه تنحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب فقلت ياسيدي مم بكاتك لا ابكى الله لك عيناً وما الذي حل بك فقال لي او في غفلة هذا عن اليوم اما علمت ان جدي الحسين (علیه السلام) قتل في هذا اليوم فبكيت لبكائه وحزنت لحزنه فقلت له سيدي فما الذي افعل في هذا اليوم فقال لي يا بن وهب زر الحسين من بعيد اقصى ومن قريب ادنى وجدد الحزن عليه واكثر البكاء والشجو له فقلت ياسيدي لو ان الدعاء الذي جمعته منك كان لمن لا يعرف الله تعالى لظننت ان النار لا تطعم منه شيئاً والله لقد تمنيت اني كنت زرته قبل ان احج فقال لي فما الذي يمنعك من زيارته يا بن وهب ولم تدع ذلك فقلت جعلت فداك لم ادر ان الاجر يبلغ هذا كله حتى سمعت دعائك لزواره فقال لي يا بن وهب ان الذي بدعو لزوار الحسين (علیه السلام) فى السماء اكثر ممن يدعو لهم في الارض فاياك ان تدع زيارته لخوف من احد فمن تركها لخوف رأى الحسرة والندم حتى انه يتمنى ان قبره نبذه يا بن وهب اما تحب ان يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله وامير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام اما تحب ان تكون غداً ممن رأى و ليس عليه ذنب يتبع به اما تحب ان تكون غداً ممن يصافحه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يوم القيمة قلت ياسيدي فما قولك في صومه من غير تبييت فقال (علیه السلام) لا تجعله صوم

ص: 136

يوم كامل و ليكن افطارك بعد العصر بساعة على شربة من الماء فانه في ذلك الوقت انجلت الهيجاء عن آل الرسول وانكشفت الغمة عنهم ومنهم ثلاثون قتيلا من مواليهم ومن اهل البيت يعز على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) مصرعهم ولو كان حيا لكان هو المعزى لهم قال وبكى حتى اخضلت لحيته بالدموع ولم يزل حزينا كثيباً طول يومه ذلك وانا ابكي معه لبكائه واحزن لحزنه نعم كان الصادق (علیه السلام) اذا هل هلال عاشوراء اشتد حزنه وعظم بكأنه على مصاب جده الحسين (علیه السلام) و الناس يأتون اليه من كل جانب ومكان يعزونه بالحسين (علیه السلام) ويبكون وينوحون معه على مصاب الحسين (علیه السلام) اقول تعزية المصاب من اعظم المثوبات اذا دخل شهر المحرم كان الناس يدخلون على الصادق (علیه السلام) ويعزونه وهل عزى احد امامنا السجاد او هجموا عليه وجذبوا النطع من تحته يقول الرائي:

قلبوه عن نطع مسجى فوقه *** و بكت له املاك شداد

عن كامل الزيارة مسنداً عن ابي حمزة قال خرجت في آخر زمان بني مروان الي قبر الحسين بن علي (علیه السلام) مستخفياً من اهل الشام الى ان انتهيت الى كربلا فاختفيت في ناحية القرية حتى اذا ذهب من الليل نصف اقبلت نحو القبر فلما دنوت منه اقبل نحوي رجل وقال لي انصرف مأجوراً فانك لا تصل اليه فرجعت فزعاً حتى اذا كاد ان يطلع الفجر اقبلت نحوه حتى اذا دنوت منه خرج الى الرجل فقال لي ياهذا انك لا تصل اليه فقلت له عافاك الله ولم لا اصل اليه وقد اقبلت من الكوفة اريد زيارته فلا تحل بيني وبينه عافاك الله فاني اخاف ان اصبح فيقتلوني اهل الشام ان ادركوني هاهنا قال فقال لي اصبر قليلا فان موسى بن عمران سئل الله ان يأذن له في زيارة الحسين (علیه السلام) فاذن له فهبط من السماء في سبعين الف ملك فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ثم يعرجون الى السماء قال فقلت فمن انت عافاك الله قال انا من

ص: 137

الملائكة الذين أمروا بحراسة قبر الحسين (علیه السلام) والاستغفار لزواره فانصرفت وقد كاد ان يطير عقلي لما سمعت منه قال فلما طلع الفجر اقبلت نحوه فلم يحل بين القبر و بيني احد فدنوت منه وسلمت عليه ودعوت الله على قتلته وصليت الصبح و و اقبلت مسرع مسرعاً مخافة اهل الشام ويظهر من هذا الخبر انهم أي الاعداء من شدة عداوتهم وكثرة بغضهم كانوا يترصدون الزوار ويؤذون من يقصده ومع ذلك ان الشيعة لم يمنعهم ذلك ويأتونه على كل حال طلباً لمرضات الله وصلة لرسول الله وتحصيلا لما وعد الله من الثواب والنيل بشفاعته في يوم الحساب والله در من قال:

بزوار الحسين خلطات نفسي *** ليشفع لي غداً يوم المعاد

وصرت بركبهم الطوى الفيافي *** لأحسب منهم عند العداد

فان عدت فقد سعدت وإلا *** فقد ادت حقوقاً الموداد

وان ذا لم يعد لها ثواب *** فقد فازت بتكثير السواد

وفى الاسرار ذكر هذه القصة فاحببت ايراده لأنه يناسب المقام قال حدث الشيخ الجليل الشيخ جواد النجفي عن ابيه الفاضل الورع التقي الشيخ حسين انه كان في زماننا رجل نصراني ذو مال كثير بحيث لا يحاذيها احد فحمل امواله مع علمانه في السفينة وركب معهم واراد المجيء من بصرة الى بغداد فينما تسير السفينة في الشط اذ خرج جمع من اللصوص من جانب البر واخذوا السفينة ونهبوا ما فيها وقتلوا جمعاً من اهل السفينة ونجى الله تعالى ذلك التاجر النصراني من القتل إلا انه كان بما اصيب به مسلوب الفؤاد ومنزوع العقل و واقعاً على وجهه في ناحية من البر فلما جن الليل مر به احد من اهل الحي الساكنين في قريب من ذلك الموضع فحركه من ذلك المكان ورفعه معه الى الحي وانزله في مضيف شيخ اهل القبيلة فلما اطلعوا على حاله وما جرى عليه ترحموا عليه وكان الشيخ يكرمه ويعزبه ويصبره بالنظر الى ما تقتضيه الغيره والحمية

ص: 138

وعلى حسب قول النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) اكرموا الضيف ولو كان كافراً وكان النصراني نفسه ويعزيها بالا يتلاف والاستيناس بذلك الشيخ وجماعة الحي ثم انه لما قرب وقت زيارة الغدير عزم الشيخ مع رجال الحي ونسائهم ان يزوروا امير المؤمنين (علیه السلام) على نمط المشاة والحفاة كما هو عادتهم فلما اطلع النصراني على مسافرة القوم اقبل الى الشيخ وقال خذني معك فاني كنت مستأنساً بكم والآن اخاف الوحشة والوحدة فقال الشيخ ان الطريق بعيد ونحن مشاة حفاة ونتحمل التعب لأجل ما نرجو من المثوبات والدرجات في الاخرة وانت رجل نصراني غير معتقد بما نحن عليه فلما الى النصراني رضى الشيخ بما يريد ثم صاروا إلى النجف الاشرف ومنعوا النصراني من الدخول الى الصحن الشريف وانزلوه في دار ثم بعد الزيارة الغديرية اخذ جماعة منهم طريق الحي ورجعوا واخذ الشيخ وجماعة منهم طريق كربلا فقال النصراني للشيخ انا لا افارقك واكون معك حيث ما كنت فمضى معهم حتى وصلوا الى كربلا وبقوا هناك الى ان دخل شهر المحرم و كان النصراني معهم ولكن يمنعونه من الدخول في الصحن الشريف حتى كانت ليلة التاسع من المحرم اوليلة العاشر اراد الشيخ وجماعة ان يبيتوا في الصحن الشريف فقالوا للنصراني كن انت معنا واجلس عند المسرجة الكبرى المسماة بالفارسية بجهل چراغ لتحرص ما معنا من العصي والجريبات وجملة أخرى قاننا في هذه الليلة لا ننام بل نكون مع الذين هم مشغولون بالعزاء فجلس النصراني وجعل ينظر كأن القيامة قد قامت من كثرة البكاء والضجيج والنوح ودق الصدور وذكرهم بلسان واحد واحسيناه واقتيلاه بطف كربلا وكأن النهار قد اشرق من كثرة الشموع والمشاعل فدهش النصراني وتحير حتى كان قريباً من الصبح فتفرق الناس واخذوا على طريق منازلهم وما بقى في الصحن الشريف إلا قليل من الناس فرأى النصراني اذا برجل عظيم الشأن جليل القدر قد خرج من الحرم الشريف فملأ الصحن الشريف من

ص: 139

نور وجهه فجاء حتى وقف في اخر الايران وحضر عنده شخصان قائمان في غابة الخضوع والخشوع فقال (علیه السلام) لهما أئنيا بدفاتر كما فاتيا بما عندهما من الطرس والدفتر فلما نظر اليه قال (علیه السلام) لم تستوفيا في الكتابة فرد الدفتر اليهما فارتعدت فرائصهما فقالا وحقك كان و حق من فضلكم اهل البيت انا كتبنا من كان في الحرم والرواق والصحن ومن في حرم العباس حتى الرضيع والاطفال كتبناهم فتناول الدفتر ونظر فيه وقال (علیه السلام) ما احصيم جميعاً فنظر احد الرجلين الى الاخر وقال نعم ما كتبنا هذا النصراني فقال الاخركيف تكتبه وهو نصراني فصاح (علیه السلام) عليها لم لم تكتباه قالا لكونه كافراً فقال عليه السلام سبحان الله اما حل بساحتنا فلما سمع النصراني بذلك صاح واغمى عليه فلما أفاق من خشيته اذا بالشيخ والجماعة جالسون فقال لقنوني كلمة الاسلام فلقنوه واسلم وحكى لهم القصة (اقول) فاذا كان رعاية سيد الشهداء وترحمه لنصراني على هذا النيج بمحض دخوله في الصحن الشريف يكتب اسمه فكيف لا يراعي ولا يترحم لمن يكون من محبيه وشيعته ومن يبذل ماله في اقامة العزاء له ويخدم الباكي عليه ويتعب نفسه فى ذلك او يخرج من منزله زائراً قبره الشريف ويتحمل الشدائد في طريقه الى ان يصل اليه ولا يريد بذلك إلا الله ورجاء لما وعد الله وصلة لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) والطاعة لأمر مولاه ا بيعبد الله عليه السلام حيث قال بلسان الحال

فياشيعتي لا تتركوا قصد ترتي *** فاتيانها من افضل القربات

و مهما شربتم بارد الماء فاذكروا *** وفائي عطشانا بشط فرات

وصبوا عليّ الدمع في كل موضع *** فاني قتيل الدمع والعبرات

قال لولده السجاد عليه السلام اذا رجعت الى المدينة ابلغ شيعتي عني السلام الخ في البحار عن سليمان الاعمش انه قال كنت نازلا بالكوفة وكان لي جاركنت احضر عنده الليالي واجلس عنده واحدثه ويحدثني فاتيت اليه ليلة الجمعة فقلت له

ص: 140

ياهذا ما تقول في زيارة قبر الحسين (علیه السلام) فقال لي هي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ذي ضلالة في النار قال سليمان فقمت من عنده وقد امتلأت غيظاً عليه فقلت في نفسي اذا كان وقت السحر اتيه واحدثه شيئاً من فضائل الحسين (علیه السلام) وزيارته فان اصر على العناد قتلته قال سلمان فلما كان وقت السحر اتيته وقرعت عليه الباب ودعوته باسمه واذا بزوجته تقول لي انه قصد كر بلا لزيارة الحسين (علیه السلام) في أول الليل قال سليمان فسرت في اثره الى زيارة الحسين (علیه السلام) فلما وصلت الى الغاضرية اذا بالشيخ ساجد الله تبارك وتعالى وهو يدعو ويبكي عند قبر الحسين (علیه السلام) و يسئل الله التوبة والمغفرة ثم رفع رأسه بعد زمان طويل فرأني قريباً منه فقلت ياشيخ بالامس كنت تقول زيارة الحسين (علیه السلام) بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ذي ضلالة في النار واليوم اتيت تزوره فقال يا سليمان لا تلمني فاني ما كنت اثبت لأهل هذا البيت الامامة حتى كانت ليلتي تلك فرأيت رؤيا ها التني وروعتني فقلت له ما رأيت ايها الشيخ قال رأيت رجلا جليل القدر لا بالطويل الشاهق ولا بالقصير اللاصق لا اقدر على وصفه من عظم جلاله وجماله و بهائه وكماله وهو مع اقوام يحفون به حفيفاً ويزفونه زفيقاً و بين يديه فارس وعلى رأسه تاج وللتاج اربعة اركان وفي كل ركن جوهرة تضيء من مسيرة ثلاثة ايام فقلت لبعض خدامه من هذا فقال هذا هو محمد المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم) قلت ومن الاخر فقال علي المرتضى ثم مددت نظري فاذا انا بناقة من نور عليها هودج من نور وفيه امرأتان والنافة تطير بين السماء والارض فقلت لمن هذه الناقة فقال لخديجة الكبرى و فاطمة الزهراء فقلت ومن هذا الغلام فقال هذا الحسن بن علي (علیه السلام) فقلت والى ابن يريدون باجمعهم فقال لزيارة المقتول ظلماً شهيد كر بلا الحسين بن علي المرتضى ثم اني قصدت نحو الهيدج الذي فيه فاطمة الزهراء (علیها السلام) واذا انا برقاع مكتبوبة تتساقط من السماء فسئلت ما هذه الرقاع فقال هذه رقاع فيها امان من النار لزوار الحسين (علیه السلام)

ص: 141

فى ليلة الجمعة فطلبت منه رقعة فقال لي انك تقول زيارته بدعة فلا تنالها حتى نزور الحسين وتعتقد فضله وشرفه فانتبهت من نومي فزعاً مرعوبا وقصدت من وقتي وساعتي زيارة سيدي ومولاي الحسين (علیه السلام) وانا تائب الى الله تعالى فوالله يا سليمان لا افارق قبر الحسين (علیه السلام) حتى تفارق روحي جسدي (اقول) هذا حال كل من زاره لو علم فضل زيارته يعني من زار الحسين (علیه السلام) عارفاً به و بفضل زيارته فبالقطع واليقين لا يرضى بان يفارقه حتى تفارق روحه جسده اسألكم بالله اذا كان زائره لا يرضى بان يفارقه فكيف بالحوراء زينب (علیها السلام) فما كان حالها حين فارقته كرهاً وفي البحار قال معاوية ابن وهب كنت جالساً عند جعفر بن محمد (علیه السلام) اذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له ابو عبد الله وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا شيخ ادن مني فدني منه وقبل يديه وبكى فقال له ابو عبد الله (علیه السلام) وما يبكيك ياشيخ قال له يا بن رسول الله انا مقيم على رجاء منكم منذ نحو ماة سنة اقول هذه السنة وهذا الشهر وهذا اليوم ولا اراه فيكم فتلومني ان ابكي قال فبكى ابو عبدالله (علیه السلام) ثم قال ياشيخ ان اخرت منيتك كنت معنا وان عجلت كنت يوم القيامة مع ثقل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال الشيخ ما ابالي ما فاتني بعد هذا يابن رسول الله فقال له ابو عبد الله (علیه السلام) ياشيخ ان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله المنزل وعترتي واهل بيتى نجيء وانت معنا يوم القيامة قال (علیه السلام) ياشيخ ما احسبك من اهل الكوفة قال لا قال (علیه السلام) فمن ابن قال من سوادها جعلت فداك قال (علیه السلام) اين انت من قبر جدي المظلوم الحسين قال اني لقريب منه قال كيف اتيانك له قال قال انى لأتيه واكثر قال ياشيخ ذاك دم يطلب الله تعالى به ما اصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين (علیه السلام) ولقد قتل في سبعة عشر من اهل بيته نصروا الله وصبروا في جنب الله فجزاهم الله احسن جزاء الصابرين انه اذا كان يوم القيامة اقبل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

ص: 142

ومعه الحسين (علیه السلام) ويده على رأسه يقطر دماً فيقول يارب سل امتي فيم قتلوا ابني اقول يقبل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يوم القيامة ومعه الحسين (علیه السلام) وتقبل فاطمة ومعها قميص الحسين (علیه السلام) مضمخاً بدمه وتقول يارب هذا قميص ولدي وقد علمت ماصنع به الخ

المجلس السادس في فضل البكاء عليه

مثل موسى بن عمران الهي بم فضلت امة محمد صلى الله عليه وآله على سائر الامم قال بعشر خصال قال وما تلك الخصال التي يعملونها حتى آمر بني اسرائيل يعملونها قال الله تعالى الصلوة والزكوة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء قال موسى يارب وما العاشوراء قال البكاء والتباكي على سبط محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى ياموسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى او تباكى وتعزى على ولد المصطفى إلا وكانت له الجنة خالداً فيها وما من رجل انفق ما له في محبة ابن بنت المصطفى طعاماً وغير ذلك درهما او ديناراً إلا وباركت له في دار الدنيا الدرهم بسبعين درهما وكان معافاً في الجنة وغفرت له ذنوبه وعزتي وجلالي ما من رجل او امرئه سال دمع عينيه فى يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة إلا وكتبت له اجر ماة الف شهيد وفي البحار عن ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال ان الحسين بن علي (علیه السلام) فى يمين العرش ينظر الى معسكره ومن حل من الشهداء معه وينظر الى زواره وهو اعرف بهم وباسمائهم واسماء ابائهم و بدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عز وجل من احدكم بولد، وانه ليرى من يبكيه ويستغفر له ويسئل آبائه ان يستغفروا له ويقول لو يعلم الباكى على ما اعد الله له لكان فرحه اكثر من جزعه وفيه قال الصادق (علیه السلام) ما من عبد يحشر يوم القيامة إلا وعيناه باكيتان إلا الباكين على جدي الحسين (علیه السلام)

ص: 143

فانه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور على وجهه والخلق في الفزع وهم امنون و الناس يعرضون وهم حداث الحسين (علیه السلام) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب فيقال للباكين على الحسين (علیه السلام) ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلس الحسين (علیه السلام) وحديثه على الدخول في الجنة حتى ان الحور الترسل الى الباكين على الحسين بانا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين فهم لا يرفعون رؤسهم اليهم ولا يعتنون بما يقال لهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة وان اعدائهم من بين مسحوب ناصيته الى النار ومن قائل يقول مالنا من شافعين ولا صديق حميم وانهم ليرون منزلة المؤمنين الباكين على الحسين (علیه السلام) ولا يقدرون ان يدنوا منهم ولا يصلوا اليهم وان الملائكة لنأتي اليهم ثانياً بالرسالة من ازواجهم من الحور العين ومن خزانهم فيبلغون رسالاتهم ويخبر و نهم ما أعد لهم من الكرامات فيقولون نأتيكم انشاء الله فيرجعون الى ازواجهم ويخبرونهم بمقالاتهم وقربهم من الحسين (علیه السلام) وما هم فيه من الكرامات فيزدادون اليهم شوقاً ثم يؤتون بالمراكب والرحال على النجائب فيستوون عليها وهم في الثناء على الله والصلوة على محمد وآله ويقولون الحمد لله الذي كفانا الفزع الاكبر واهوال القيامة ونجانا مما كنا نخاف فيسيرون الى ان ينتهوا الى منازلهم ثم اعلم ان للحسين (علیه السلام) مواقف فى يوم القيامة احدها تحت ظل العرش وحوله جمع من شيعته ومحبيه والباكين عليه من المؤمنين مستأنسين بحديثه وموقف له عند الحيض ومعه جده النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وابود الوصي (علیه السلام) وامه فاطمة (علیها السلام) واخوه الحسن (علیه السلام) وهو يروى شيعته والباكين عليه وله مواقف اخر يوجب اضطراب الجميع في المحشر حتى الاعادي خصوصاً شيعته ومحبيه وجده وأبيه لا سما امه الزهراء اذا نظرت الى موقفه حين تقول فاطمة رب ارني ولدي الحسين (علیه السلام) فيأتي النداء من قبل الله يا فاطمة انظري الى قلب المحشر فتنظر فاذا الحسين قائم ليس عليه رأس و اوداجه تشخب دماً فتصيح

ص: 144

فاطمة واولداه واحسيناه ثم تقول يا عدل يا حكيم احكم بيني و بين قاتل ولدي الحسين (علیه السلام) فيغضب الله تعالى لغضب فاطمة فيأمر ناراً يقال لها هبهب التقطي قتلة الحسين (علیه السلام) الخ ذكر الصدوق «ره» في الامالي والمجلسي في البحار عن الربان بن شبيب قال دخلت على الرضا (علیه السلام) في اول يوم من المحرم فقال لي اصائم انت يا بن شبيب قلت لا يابن رسول الله فقال يا بن شبيب أن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه عز وجل يا وقال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء فاستجاب الله دعائه وامر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم في محرابه يصلي بازكريا ان الله يبشرك بيحي فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله استجاب له كما استجاب لزكريا ثم قال يا بن شبيب ان المحرم هو الشهر الذى كان اهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نسائه وانتهبوا ثقله فلا غفر الله لهم ذلك ابداً يا بن شبيب ان كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن ابي طالب «علیه السلام» فانه ذبح كما يذبح الكبش وقتل معه من اهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الارض شبيهون و لقد بكت السموات والارضون لقتله لقد نزل الى الارض من الملائكة اربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غير الى ان يقوم القائم فيكونون من انصاره وشعارهم بالثارات الحسين يابن شبيب لقد حدثني ابي عن أبيه عن جده انه لما قتل جدي الحسين (علیه السلام) امطرت السماء دماً وترابا احمر يا بن شبيب ان بكيت على الحسين (علیه السلام) حتى تسيل دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب اذنبته صغيراً كان او كبيراً قليلا او كثيراً يا بن شبيب ان سرك ان تاقى الله عز وجل ولا ذنب عليك فزر الحسين (علیه السلام) يابن شبيب ان سرك ان تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فالعن قتلة الحسين يابن شبيب ان سرك ان يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين (علیه السلام) فقل متى ذكرته ياليتني

ص: 145

كنت معهم فافوز فوزاً عظيما يا بن شبيب ان سرك ان تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا وعليك بولا يتنا فلو ان رجلا أولى حجراً لحشره الله تعالى معه يوم القيامة وقال الرضا (علیه السلام) فى خبر آخر ان المحرم شهر كان اهل الجاهلية يحرمون فيه القتال فاستحلت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا وسبى فيه ذرارينا ونساؤنا واضرمت النيران في مضار بنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم ترع لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حرمة في امرنا ان يوم الحسين (علیه السلام) اقرح جفوننا و اسبل دموعنا واذل عزيز نابارض كرب وبلا واورثنا الكرب والبلا الى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين (علیه السلام) فليبك الباكون وليندب النادبون فان البكاء عليه تحط الذنوب العظام ثم قال كان ابي اذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكأبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة ايام فاذا كان اليوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وجزعه وبكائه و بقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (علیه السلام) اقول ولم ير يوم اعظم واشد من هذا اليوم ويدل على ذلك قول علي (علیه السلام) و الحسن (علیه السلام) الحسين (علیه السلام) لا يوم كيومك يا ابا عبدالله. نظم

لا مثل يومكم بمرصة كربلا *** في سالفات الدهر يوم شجون

يوم ابي الضيم صابر محنة *** غضب الاله لوقعها في الدين

في البحار عن الكامل عن مسمع قال قال لي ابو عبد الله الصادق (علیه السلام) يامسمع انت من أهل العراق اما تأتي قبر الحسين «ع» قلت لا انا رجل مشهور من اهل البصرة وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة واعدائنا كثيرة من اهل القبائل من النصاب وغيرهم ولست امنهم ان يرفعوا حالى عند ولد سليمان فيميلون علي قال لي «علیه السلام» افما تذكر ما صنع به قلت بلى قال فتجزع قلت اي والله واستعبر لذلك حتى يرى اهلى الله اثر ذلك عليّ فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي قال «ع» رحم دمعتك اما انك من الذين يعدون من اهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا

ص: 146

ويحزنون لحزننا ويخافون الخوفنا ويأمنون اذا امنا اما انك سترى عند موتك حضور ابائي لك ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة ما تقر به عينك قبل الموت فملك الموت ارق عليك واشد رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها قال ثم استعبر واستعبرت معه فقال الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة وخصنا اهل البيت بالكرامة يا مسمع ان الارض والسماء لتبكيان منذ قتل أمير المؤمنين «ع» رحمة لنا وما بكى لنا من الملائكة اكثر ومارفات دموع الملائكة منذ قتلنا وما بكى احد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل ان تخرج الدمعة من عينه فاذا سالت دموعه على خده فلو ان قطرة من دموعه سقطات في جهنم لأطفئت حرها حتى لا يوجد لها حر وان الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض وان الكوثر ليفرح محبنا اذا ورد عليه حتى انه ليذيقه من ضروب الطعام مالا يشتهي ان يصدر عنه يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ابد أولم يشق بعدها ابداً وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل احلى من العسل والين من الزبد واصفى من الدمع وازكى من العنبر يخرج من تسنيم ويمر بانهار الجنان يجري على رضراض الدر والياقوت فيه من القدحان اكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة الف عام قدحانه من الذهب والفضة والوان الجواهر يفوح في وجه الشارب منه كل فاتحة حتى يقول الشارب منه ليتني تركت هيهنا لا ابغي بهذا بدلا ولا عنه حولا اما انك يامسمع ممن تروى منه وما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر الى الكوثر قال وان الشارب منه ليعطى من اللذة والطعم والشهوة له اكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا وان على الكوثر امير المؤمنين (علیه السلام) وفي يده عصاً من عوسج يحطم بها اعدائنا اقول وهل شرب احد من الكوثر في دار الدنيا نعم شبيه رسول الله على الاكبر (ع) حين سقط على الارض حضره رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومعه شربة من الكوثر وناولها اياه

ص: 147

وشربها وصاح يا ابتاه عليك مني السلام هذا جدي قد سقاني بكأسه الخ في البحار قال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قوم من امتي ينتحلون انهم من اهل ملتي يقتلون افاضل ذريتي والطائب ارومتي ويبدلون شريعتي وسنتي ويقتلون ولدي الحسن و كما قتل اسلاف اليهود زكريا ويحي الا وان الله يلعنهم كما لعنهم ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف اوليائه إلى نار جهنم الا ولعن الله ألا قتلة الحسين (علیه السلام) ومحبيهم وناصر يهم والساكتين عن لعنهم من غير تقية يسكتهم وصلى الله على الباكين على الحسين (علیه السلام) رحمة وشفقة واللاعنين لأعدائهم والممثلين عليهم غيظاً وحنقاً الا وان الراضين بقتل الحسين (علیه السلام) شركاء قتله الا وان قتلته واعوانهم واشياءهم والمقتدين بهم برآه من دين الله ان الله ليأمر ملائكته المقربين ان يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين (علیه السلام) الى الخزان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فتزيد فى عذوبتها وطيبها الف ضعفها وان الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين ويلقونها في الهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها فتزيد في شدة حرارتها وعظيم عذابها الف ضعفها يشدد بها على المنقولين اليها من اعداء آل محمد عذابهم اقول فالو بل ثم الويل للفرحين الضاحكين بقتل الحسين «علیه السلام» وهم آل زیاد و آل مروان و آل امية لعنهم الله وقد اتخذوا يوم عاشوراء يوم بركة وتقربوا بذلك الى يزيد فوضعوا له الاخبار واخذوا عليه الجوائز من الاموال وعدلوا من الجزع والبكاء الى السرور والفرح والتبرك والاستعداد كما ورد في زيارته اللهم ان هذا يوم تبركت به بنو امية وابن اكاة الاكباد الامين بن اللعين على لسان نبيك ونحن نتقرب الى الله تعالى والى رسوله «صلی الله علیه وآله وسلم» بالبرائة من هؤلاء الكفرة وبالبكاء والجزع على الحسين «علیه السلام» وباقامة العزاء له وكيف لا نبكي عليه وقد قال «علیه السلام» انا قتيل العبرة وصريع الدمعة وكأن العبرة والدمعة اعدت له ولذا قال الصادق «علیه السلام»

ص: 148

كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين. نظم

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة *** لكما عيني

لأجلك باكية

تبتل منكم كربلا بدم ولا *** تبتل مني بالدموع الجاریة

قال المرحوم الحاج شيخ جعفر (رحمه الله) في الخصائص اعلم ان الرقة والجزع والبكاء على مصائب اهل البيت «علیه السلام» مختلف ومنقسم على اقسام الاول منها بكاء القلب وهي عبارة عن الهم والغم على ما جرى عليهم من الاعداء وهو اول المراتب وثمرته له وثوابه من الله ان يعطي بكل نفس ثواب تسبيح الله كما قال الصادق «علیه السلام» نفس الهدوم لظلمنا تسبيح وهمه لنا عبادة وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله والقسم الثاني منها وجع القاب وهو يحصل من تراكم الهموم والغموم فاذا كثر همه وغمه مصائب اهل البيت يتألم من ذلك حتى يوجع قلبه فاذا عرض عليه ذلك كان له من الاجر ما قال الصادق «علیه السلام» لمسمع وان الموجع قلبه لنا الخ والقسم الثالث دوران الدمع في الحدقة بلا خروج منها وهذه مرتبة فوق مرتبة وجع القلب وله من الاجر ايضاً فوق ذلك كما قال جعفر بن محمد لمسمع يا مسمع وما بكى احد رحمة لنا الخ والقسم الرابع من البكاء خروج الدمعة من العين ولو بقدر جناح بعوضة وهذا هو الذي قال الصادق (علیه السلام) من ذكرنا او ذكرنا عنده فخرج من عينيه دمع مثل جناح البعوضة غفر ولو كانت مثل زبد البحر وفي خبر آخر قال «علیه السلام» من ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عز وجل ولم يرض له دون الجنة والقسم الخامس خروج الدمعة مع التقاطر ولها خواص ومنافع منها قال الصادق لمسمع فلو ان قطرة من دموعه الخ السادس سيلان الدمعة على الوجه والصدر واللحية وهذا هو بكاء الأئمة (علیه السلام) ولها من الاجر فوق ان تحصى منها ما قال الرضا (علیه السلام) لريان بن شبيب ان بكيت على الحسين حتى تسيل الخ منها ما قال زين العابدين (علیه السلام)

ص: 149

ايما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى تسيل على خده لأذى مسناً من عدونا فى الدنيا بوئه الله مبوء صدق في الجنة وايما مؤمن مسه اذى فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما ارذي فينا صرف الله عن وجهه الاذى وامنه يوم القيامة من سخط النار ايما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (علیه السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوثه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها احقابا وبقيت مرتبة اخرى وهي أعلى من تلك المراتب وافضلها وهنيئاً لمن عمل بها وهي البكاء مع تقاطر الديمة وسيلانها على الخد واللحية مع الصراخ والنحيب و الشهقة وكفى له من الاجر والثواب دعاء الصادق (علیه السلام) له بقوله اللهم ارحم تلك الصرخة التي كانت لأجلنا وه-ذه بكاء الزهراء (علیها السلام) فى كل يوم كما ورد في الخبر انها تنظر الى قميص ولدها الحسين (علیه السلام) وتشهق شهقة حتى يسكتها ابوها انتهى كلامه قدس سره ولم يزل هذا القميص مع الزهراء ولا ينفك عنها الى ان ترد المحشر وهي اخذة بذلك القميص المتلطخ بالدم وقد تعلقت بقسائم العرش وتقول رب احكم بيني و بين قاتل ولدي الحسين (علیه السلام) نظم

كاني ببنت المصطفى قد تعلقت *** يداها بساق العرش والدمع اذرت

وفى حجرها ثوب الحسين مضرجاً *** وعنها جميع العالمين بحسرة

تقول يا عدل اقض بيني و بين من *** تعدى على ابني بين قهر وقسوة

اجالوا عليه بالصوارم والقنا *** وكم جال فيهم من سنان وشفرة

الآخر:

لا بد ان ترد القيامة فاطم *** وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعانه خصمائه *** والصور في يوم القيامة ينفخ

في البحار قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يمثل لفاطمة في يوم القيامة رأس الحسين (علیه السلام) متشحطاً بدمه فتصيح واولداه واثمرة فؤاداه فتصدق الملائكة لصيحة فاطمة وينادي

ص: 150

اهل القيامة قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة فيقول الله ذلك افعل به وبشيعته واحبائه و اتباعه اليخ فى الخصال عن أمير المؤمنين «علیه السلام» ان الله اطلع على الارض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصرونا و يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون اموالهم وانفسهم فينا أولئك منا والينا وقال الصادق «علیه السلام» رحم الله شيعتنا انهم اوذوا فينا ولم نؤذ فيهم شيعتنا منا قد خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولا يتنا رضوا بنا ائمة ورضينا بهم شيعة يصيبهم مصابنا ويبكيهم اوصا بنا ويحزنهم حزننا ويسرهم سرورنا ونحن ايضاً تتألم لألمهم ونطلع على احوالهم فهم معنا لا يفارقوننا ولا نفارقهم لأن مرجع العبد الى سيده ومموله على مولاه فهم يهجرون من عادانا ويمدحون من والانا ويباعدون من اذانا اللهم احى شيعتنا في دولتنا وابقهم في ملكنا وملكتنا اللهم ان شيعتنا منا ومضافون الينا فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحي الله ان يعذبه وقال الصادق «علیه السلام» رحم الله شيعتنا لقد شاركونا فى المصيبة بطول الحزن والحسرة على مصاب الحسين «علیه السلام» قال المرحوم شيخنا التستري اعلم ان مجرد الحضور والجلوس في هذه المجالس التي انعقدت لأجل التذكر والتذكار لمناقب اهل البيت والبكاء والتباكي على مصائبهم له اجر عظيم وفوائد جليلة في الدنيا والأخرة منها ما قال الرضا «علیه السلام» من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ومن ذكر بمصابنا فبكى وابكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون و من جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب منها انها محبوبة الله ولرسوله ولأوصيائه كما يظهر من كلام الصادق عليه السلام لفضيل يا فضيل تجلسون وتحدثون (وتتحدثون خ ل) قال نعم جعلت فداك قال ان تلك المجالس لا حبها فاحيوا أمرنا يا فضيل فرحم الله من احيي امرنا يا فضيل من ذكرنا أو ذكر ناعنده فخرج من عينه مثل جناح بعوضة (الذباب خل) غفر الله له ذنوبه ولو كانت اكثر من زبد البحر فاذا كانت هذه المجالس محبوبة للصادق «علیه السلام» فيقينا محبوبة لباقي الأئمة ومحبوبة عند الرسول وعند الله منها انها

ص: 151

منظورة الحسين «علیه السلام» لأنه في يمين العرش وانه ليرى من يبكيه ويسئل ابائه ان يستغفروا له ويقول لو يعلم الباكي على ما اعد الله له لكان فرحه اكثر من جزعه منها انه ما دام جالساً فى المجلس جليس مع الملائكة لأن المجلس محل شهود الملائكة ومحل هبوطهم فيه ويوافقون الباكي فى البكاء والنحيب ويدعون الله له ويطلبون منه الرحمة له ولابائه كما قال الصادق (علیه السلام) لجعفر بن عفان حين دخل عليه فقربه وادناه ثم قال يا جعفر قال لبيك جعلني الله فداك قال بلغني انك تقول الشعر في الحسين (علیه السلام) وتجيد قال نعم جعلني الله فداك قال قل فانشدته (علیه السلام) فبكي ومن حوله حتى صارت على وجهه ولحيته ثم قال يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربون هيهنا يسمعون قولك في الحسين (علیه السلام) ولقد بكوا كما بكينا واكثر ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر فى ساعته الجنة باسرها وغفر الله لك فقال يا جعفر الا ازيدك قال نعم ياسيدي قال (علیه السلام) ما من احد قال في الحسين (علیه السلام) شعراً فبكى وابكى به الا اوجب الله له الجنة وغفر له والصادق (علیه السلام) مجالس لأقامة عزاء الحسين (علیه السلام) والبكاء عليه وذلك كلما دخل عليه احد من الراثين على الحسين (علیه السلام) فيأمره بالرثاء فيرثي قال ابوهرون المكفوف دخلت على ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) فقال لي انشدني في الحسين (علیه السلام) فانشدته:

امرر على حدث الحسين *** فقل لأعظمه الزكية

قال فلما بكى امسكت انا قال مر فمررت

يا أعظما لا زات من *** وطفاء ساكية روية

و اذا مررت بقبره فاطل به *** وقف المطية

قابك المطهر للمطهر *** والمطهرة التقية

كبكاء معولة انت يوما لواحدها *** المنية

ص: 152

قال زدني فانشدته:

يا مريم قومي واندبي مولاك *** و على الحسين فاسعدي ببكاك

قال فبكى وتهامج النساء فلما ان سكتن قال يا ابا هرون من انشد في الحسين (علیه السلام) قابكى عشرة فله الجنة ثم جعل ينتقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد فقال من انشد فى الحسين وابكى واحداً فله الجنة ثم قال من ذكره فبكى فله الجنة وفي الخبر ما ذكر الحسين ابن علي (علیه السلام) عند امامنا الصادق (علیه السلام) في يوم قط فرني ابو عبدالله (علیه السلام) متبسما في ذلك اليوم الى الليل و كان يقول (علیه السلام) الحسين عبرة كل مؤمن ومؤمنة كما ان عليا (علیه السلام) كلما رأى الحسين «ع» يبكي ويقول ياعبرة كل مؤمن والحسين انا يا ابتاه يقول نعم يا بني وما قال الحسين «علیه السلام» هو احرق لقلوب الشيعة قال انا قتيل العبرة ما ذكرت عند . عند مؤمن ولا مؤمنة الا بكيا واعتما لمصابي (اقول) سيدي اباعبدالله ان الوحوش والطيور اختمت مصيبتك فكيف بالمؤمنين جاء طائر ابيض في يوم عاشوراء فوقع في دم الحسين «ع» الخ في الاسرار قال روى ثقة الاسلام الكليني في كتاب الروضة من الكافي ان الكميت الشاعر دخل على الصادق «علیه السلام» فقال يا كميت انشدني في جدي الحسين فلما انشد كميت ابياتا في مصيبة الحسين عليه السلام بكى الامام بكاء شديداً وبكث النسوة واهل حريمه وصحن في حجراتهن فبينما الامام في البكاء والنحيب اذ خرجت جارية من خلف الستر من الباب الذي كان في سمت حجرات الحرم وفي يدها طفل صغير رضيع فوضعته في حجر الامام فاشتد حينئذ بكاء الامام «ع» غاية الاشتداد وعلا صوته الشريف وعلت اصوات النساء الطاهرات والحرم من خلف الاستار من الحجرات وهذا معلوم بان مقصود النسوة الطاهرات من انفاذ ذلك الطفل من ذرية رسول الله «ص» الى حضرة الامام ما كان إلا تشبيها بعلي الاصغر الرضيع ليشتد بذلك الرقة في الباكين والباكيات ويكثر البكاء والنحيب كأن هذه المصيبة قد

ص: 153

اثرت في قلوبهم غاية التأثير (انتهى) ولا مامنا وسيدنا الرضا «علیه السلام» مجالس في اقامة العزاء لجده الحسين «علیه السلام» قال دعبل بن علي الخزاعي دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا «علیه السلام» في مثل هذه الايام يعني العاشوراء فرأيته جالساً جلسة الحزين الكثيب واصحابه من حوله كذلك فلما رآني مقبلا قال لي مرحباً بك يادعبل مرحباً بناصرنا بيده و لسانه ثم انه وسع لي في مجلسه واجلسني الى جنبه ثم قال لي يادمبل احب ان تنشدني في الحسين شعراً فان هذه الايام ايام حزن كانت علينا اهل البيت وايام سرور كانت على اعدائنا خصوصاً بني امية يادعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما اصابنا من اعدائنا حشره الله تعالى معنا في زمرتنا يا دعبل من بكى على مصاب جدي الحسين «ع» غفر الله له ذنوبه البتة ثم انه نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه واجلس اهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جده الحسين «علیه السلام» ثم التفت الي وقال يادعبل ارث الحسين «علیه السلام» فانت ناصرنا وما دحنا فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت ما دمت حيا قال دعبل فاستعبرت وسالت عبرتي وانشأت:

افاطم لو خلت الحسين مجدلا *** وقد مات عطشاناً بشط فرات

اذاً للطمت الخد فاطم عنده *** واجريت دمع العين في الوجنات

افاطم قوي يا ابنة الخير واندبي *** نجوم سموات بارض فلاة

قبور بكوفان واخرى بطيبة *** واخرى بفخ نالها صلوات

قبور بجنب النهر في ارض كربلا *** معرسهم فيها بشط فرات

توفوا عطاشى بالعراء فليتني *** توفيت فيهم قبل حين وفاني

والرضا (علیه السلام) يبكي وتبكي النساء قال دعبل فلما وصلت الى هذين البيتين علت اصوات النساء بالبكاء والنحيب وصحن وامحمداه وهي هذه

بنات زياد في القصور مصونة *** وآل رسول الله منتهكات

ص: 154

بنات زياد في الحصون منيعة *** وآل رسول الله فى الفلوات

كأنه اقتبس من كلام الحوراء زينب (علیها السلام) حين خاطبت يزيد (لع) في خطبتها امن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرارك واماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن و ابديت وجوههن الخ.

المجلس السابع فى بعض الحكايات المشجية

في الاسرار قال الدربندي (رحمه الله) اعلم ان اقامة التعزية لا تختص بالطائفة الامامية بل ان ذلك ما يفعله جموع كثيرة وطوائف وفيرة من منكري النبوات والنبوة الخاصة او الولاية من طائفة الهنود والجوكين وجمع من النصارى والمجوس وغيرهم وذلك لما شاهدوا وجربوا مراراً من قضاء حوائجهم الدنيوية وحل المعقودات والمعضلات والدواهي من امورهم ووصولهم الى المراتب والمناصب العلية الدنيوية عند فعل ذلك كما ان رجلا عظيم الشأن يلقب بافتخار الدولة مسكنه في بلد من بلاد الهند تسمى بلكنهو ومنصبه مستوفي الممالك وكان فى الاصل مشركا من طائفة الهند ولكن كان في ايام كفره يبذل في كل سنة في شهر المحرم أموالا كثيرة في اقامة تعزية سيد الشهداء روحي له الفداء وقد بذل لذلك في سنة من السنين ضعف ما كان يبذل ويصرف في كل سنة ثم ابتلى بمرض شديد حتى كاد ان يهلك ففي مثل حال النزع والاحتضار وحالة لاغماء اذ برى. وصح وقام وتشرف بالاسلام وقال لما سألوه عن السبب ان سيد الشهداء (علیهم السلام) تمثل وقال له قم قد عافاك الله ببركة اقامتك تعزبتي فسعى هذا الرجل في تعلم احكام الاسلام ومعرفة الحلال والحرام ثم ارتحل من الهند الى كربلا يجمع من اهاليه من الذين تشرفوا بسببه الى الاسلام بما عنده من نفايس الاموال فجعلها هدية الى الحضرة الحسينية فعلقها في القبة المنورة وصار من اعبد اهل زمانه من مجاوري اهل العتبات

ص: 155

المطهرة وازهدهم وهذا مما لا شك فيه ان اقامة عزاء الحسين (علیه السلام) و بذل المال في ذلك له تأثيرات وفوائد جليلة جميلة وان لم يكن من الشيعة بل وان لم يكن مسلماً كما روي عن رجل من اهل آذربايجان وقد سافر الى بعض بلاد الهند فرأى يوما ان جموعاً كثيرة من الهنود يسارعون الى ميدان عظيم قال فسألت بعض الناس عن سبب ذلك فقيل لي ان طائفة الهنود من المشركين عندهم نعش ميت يريدون ان يلقوه في النار ويحرقوه فان ذلك هو ديدنهم قال فركضت نحو الميدان فرأيت انهم قد جمعوا وقوداً و هيأوا احط ايا كثيرة فوضعوا الميت في وسطها وكان الميت امرأة بكراً ثم اضرموا النيران في الوقود والاحطاب فصارت قطعة كبيرة من الميدان كالجحيم فاحرقت النار جسد المرأة وصيرته رماداً إلا الصدر منها فانه لم تؤثر فيه النار اصلا فتعجب الحاضرون فسعى المؤبدان يعني عالمهم في احراقه بالفاء الاحطاب والوقود الكثيرة مرة ثانية واضرام النار فيها وقراءة جملة من الكلمات لم تؤثر ايضاً فيه النار فاغتاظ المؤبدان وقال انها صاحبة جريمة كبيرة وخطيئة عظيمة قد انت بها في حال حياتها فتغيرت الوان اقربائها و اصفرت وجوههم ونظر بعضهم الى بعض فقال جمع منهم لامرأة كانت اخت الميتة إنك عالمة بافعالها وسرائرها اية جريرة وجريمة صدرت منها فحلفت انها لا تعلم منها إلا خيراً وانها كانت زاهدة ناسكة على طريقة المذهب إلا اني حضرت معها في يوم من ايام شهر المحرم فى مجلس المسلمين وكان مجلس تعزية الحسين (ع) وذكر مصائبه وكان القاريء يقرأ ويدق الحاضرون من المسلمين على صدورهم فغلبت الرقة علينا ففعلت انا واختي ما فعله المسلمون من دق الصدر فقال المؤيدان هذه هي الجريمة التي صارت سبباً لعدم احراق النار صدرها (وفيه) ايضاً ان رجلا من سكان بعض بلاد الهند كان من محبي اهل البيت (علیهم السلام) وكان ذا مال كثير وكان دأبه في كل عام من من المحرم ان يقيم مجلس العزاء ويبذل لذلك اموالا كثيرة ويبسط الموائد ويطعم

ص: 156

الفقراء والمساكين في الليل والنهار فاذا انقضت العشرة من شهر المحرم كان يعطي الفرش المفروشة للفقراء والمساكين وهذا دأبه الي ان سعى به للمعاندون الى والي ذلك البلد وكان معانداً لأهل البيت بان هذا الرجل رافضي ودأبه في كل سنة اقامة للعزاء على مقتول كربلا قام الوالي باحضاره مكترفاً عنده وسبه وشتمه ثم أمر بضربه ونهب امواله و سلب ثيابه وسلب عبيده وخدامه ونسائه واهله ففعلوا ما امر الوالي فلم يبق المرجل شيء وبقى فقيراً مهيناً فمضت عليه ايام تلك السنة فلما اقبل شهر المحرم بدت زفرات قلبه حيث لم يبق له شيء لاقامة العزاء وكانت عنده زوجة صالحة فقالت له ما هذه الزفرات والحنين والبكاء فحكى لها ما في قلبه وقال ما حرقة قلبي وبكائي إلا على فوت اقامة عزاء سيد الشهداء مني فقالت لا تحزن واستبشر بان لنا ولداً فخذه واذهب به الى بعض بلاد الهند من النواحي البعيدة وقل ان هذا عبدي فبعه فأت بثمنه حتى أصرفه في عشرة المحرم فجزاها خيراً فاستبشر الرجل وسر ودعا بولده وقص له القصة فقال ابنه افدي نفسي ابن محمد المصطفى (علیه السلام) وابن على المرتضى وابن فاطمة الزهراء فاخذ ذلك الرجل بيد ولده وسار به الى بلد بعيد من دياره وانى به الى السوق فرأى فتى جليلا عظيما مهيباً جميلا وقد اضاء نور وجهه وجبهته الآفاق فقال له ذلك الفتى ما تريد بهذا الغلام فقال ابيعه فقال بكم تبيعه فقال بكذا فاعطاه من غير مماكسة فلما اخذ الرجل الثمن ركض واسرع الى بلده مسروراً ودخل منزله وحكى لزوجته ما جرى فبينما هما يتحدثان ويستبشران فاذا بالولد قد اتاهما فقالا له هل فورت من المشتري قال لا فقالا له ما شأنك فقال ياابة انك لما اخذت الثمن وسرت وغبت عن نظري خنقتني العبرة فقال لي ذلك الفتى لماذا تبكي يا علام قلت لفراق سيدي فانه كان يبر بي ويحسن الي غاية الاحسان فقال لي ما انت بعبد له بل انت ولده فقلت له من انت ياسيدي قال انا الذي فعل ابوك ما فعل لأجل اقامته لعزائي انا

ص: 157

الغريب المشرد انا الذي قتلوني عطشانا لا تحزن وانا اردك الى ابويك فاذا حضرت عندهما فقل لهما ان المال الذي فات منكم سيرده الوالي اليكم ويزيدكم من البر والاحسان والرفد والعطاء فردني وغاب عني فبينما هم يتحدثون اذ طرق طارق الباب قائلا المرجل الصالح اجب الامير والي البلد الآن فلما حضر عند الوالي عظمه وجلله وقال معتذراً اجعلني في حل قاني قد آذيتك فاعطاه جميع ما اخذ منه وزاد له بره واحسانه وقال ايها الرجل الصالح ابذل جهدك وجدك في اقامة العزاء للامام (علیه السلام) فاني اوصلك في كل عام عشرف آلاف درهم واني قد استبصرت وتشيعت مع اهلي واقربائي وكل من يأوي الي فانه قد اناني الامام المظلوم (علیه السلام) وقال لي اتؤذي من يقيم عزائي و تأخذ امواله وعبيده فرد كل ذلك اليه والتمس منه ان يعفو منك وإلا امرت الارض ان تنخسف بك وباموالك فسجل في طلب الرجل قبل ان ينزل عليك البلاء فها انا استغفرت الله وتبت اليه واهتديت بهداية الامام الى صراط مستقيم مستقيم والحمد لله رب العالمين (وفيه) ايضاً قال حدثني السيد الاجل العالم الفاضل السيد محمد علي المولوي الدكني الهندي ان اهل قرية من قرى حيدرآباد دكن من بلاد هند اذا دخل شهر المحرم يحفرون حفيرة مستديرة يقرب من مأة ذراع مكسراً ثم يقطعون شجرة عظيمة من اصلها فيقطعونها قطعات ويطرحونها في تلك الحفيرة فيلقون فيها النار في الليل السابع من المحرم فتحرق فتصير ناراً ملتهبة تموج موجا في ليلة العاشر فيخرج اهل تلك القرية من منازلهم في قريب من نصف الليل فيغتسلون بالماء الذي في جنب دكة مسماة ببيت العاشور وهم ما بين شيخ وكهل وشاب واطفال مميزين ويشد كل واحد منهم منزر يستر عورته وبين ايديهم ترفع الرايات والاعلام فيمشون حفاة صائحين نائحين ذاكر بن شاه حسین شاه حسين الى ان يصلوا قريباً من الحفرة وفي اطرافها رجال في اياديهم المراوح يروحون النيران ليصير وجهها صافية خالية من الرماد فشدة حرارة

ص: 158

النار في ذلك الوقت بحيث لو ان طائراً يطير من مساحة عشر بن ذراعا ليشوى وليحترق فلو ان ذرة منها اذا وصلت الى عضو من الاعضاء تحرقه في آن واحد الى ان تصل الى العظم فاذا وصلوا الى الحفيرة يقدمهم كبيرهم وشيخهم وبيده رمح فيدخل هو اولا في النار ثم يتبعه القوم فيطون النيران باقدامهم ويمشون فيها كأنهم يمشون على وجه الارض راسبون فيها الى نصف قد الانسان او الى الركبة وهم يدقون على صدورهم صائحين نائحين حسين حسين من غير ان تؤثر فيهم النار وهكذا يفعلون من نصف الليل الى ان تغرب الشمس من يوم عاشوراء وتصير النار كلها رماداً وقال السيد رأيت مثل ذلك عند مسافرتي الى عتبات المشاهد المقدسة في مروري ليلة العاشور الى قرية من قرى بلدة بمي والعجب ان جمعاً من اصحابنا تبعوهم ومشوا فوق النار تبعاً لهم حفاة عراة فسألتهم بعد الانقضاء عن كيفية حرارة النار واحراقها فخلفوا كأنهم كانوا مشون على الطين والوحل البارد (اقول) فاذا كانت نار الدنيا تصير برداً وسلاما على المشركين ببركة الحسين (علیه السلام) لانهم يقيمون بمراسم العزاء للحسين (علیه السلام) فبالقطع واليقين ان نار جهنم تصير برداً وسلاما على شيعته والباكين عليه كيف وهم يلتزمون باقامة العزاء له والبكاء عليه جيلا بعد جيل وفي كل شهر وفي كل يوم ثم ومن هنا يظهر كيف صارت نار الحرب على اصحاب الحسين (علیه السلام) برداً وسلاما كما اخبر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بذلك ويأتي الخبر في محله ثم اعلم ان المرحوم الدربندي ذكر قصة لا تخلو عن لطف فاحببت ان اذكرها قال حدثني العالم المفتي الاروسي قال كنت مع جمع من عظماء العامة والمتنصبين المتعصبين جالسين في مكان يكثر فيه عبور المسلمين من المسافرين والغرباء من الزوار فمر بنا رجل من العجم وكان فقيرا مفلساً وضيعاً عامياً فخاض طائفة من الجالسين فى طعنه وايذائه والاستهزاء به فقالوا مالكم ايها الاعجام ايها الحمقاء تفعلون في كل سنة من المحرم فعل المجانين والاطفال تضر بون على صدوركم

ص: 159

وتحثون التراب على رؤوسكم وترفعون اصواتكم بوا حسيناه واحسيناه ونحو ذلك فقال الرجل هذا مما يجب فعله علينا لأنا ان تركنا ذلك وبقينا على هذا الترك مدة مديدة لكنتم تقولون ان يزيد (لع) لم يقتل حسيناً ريحانة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وقرة عينه ولم يسب بنات رسول الله وعترته بل ان قضية يوم الطف ليس لها اصل فقالوا ولم ذا قال لأنا جربناكم وشاهدنا امثال ذلك منكم مرارا قالوا فكيف ذا قال ان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قد جعل علياً ابن عمه ووصيه امير المؤمنين (علیه السلام) اماماً وخليفة بامر مؤكد من الله وكان ذلك بعد حجة الوداع فى مكان يسمى بغدير خم في محضر سبعين الف رجل من الحاج في تلك السنة وقد وصل ذلك اليكم بطرق متعددة متكاثرة خارجة عن الحد والاحصاء مذكورة في كتبكم فلما رأيتمونا انا لا نفعل خوفا ونقية منكم يوم الغدير الذي هو من أعظم الأعياد واكبرها واشر فها عند الله ولا نقيم بمراسم العيد ما يفعله المسلمون في سائر الاعياد سلكتم جادة الاعتساف وخالفتم امر الله تعالى ورسوله وانكرتم الغدير ووصاية علي (صلی الله علیه وآله وسلم) من أصلها ونحن نجدد في كل سنة اقامة التعزبة وذكر المصائب لسيد الشهداء والنوح والجزع والبكاء عليه واللعن على قاتليه وتسميتهم باسمائهم لثلا تطمعوا في انكار هذا الامر البديهي الضروري الواصل شأنه الى هذا المقام قال فلما سمعوا مقالته هذه ارتعدت فرائصهم وتغيرت الوانهم واصفرت وجوههم وطأطأوا برؤسهم الى الارض فارتطموا في الوحل ثم قال والله ان هذا الجواب من ذلك الرجل ليس إلا من الطاف الله تعالى والهامه بحسب المقام لأنه كان رجلا من اعوام الناس غير مطلع على اصطلاحات العلماء وكيفية معارضاتهم ومباحث تهم (انتهى) وقال قدس سره ومن الآثار العجيبة التي هي باقية الى زماننا هذا ان في قرية من قرى قزوین تسمی بزراباد شجرة كبيرة العمر عظيمة القطر وهي من قسم الشجر الذي تسمى بالفارسية چنار فان غصناً من وسطها ينشق في يوم عاشوراء بحيث يظهر منها صوت

ص: 160

هائل فتسيل منه الدماء الكثيرة وتجتمع الخلق الكثير عند تلك الشجرة في ذلك الوقت ويأخذون تلك الدماء السائلة بالكراسيف ونحوها ومما نقله قدس سره حكاية رجل من اهل الاحساء وهي بلدة من بلاد البحرين كان رجلا صالحاً من خيار الشيعة ومواظباً على استماع المرائي والبكاء في مجالس العزاء ولاسيما في عشر عاشوراء فنام ليلة التاسع من المحرم بعد ما بكى كثيرا على الحسين (علیه السلام) فرأى في منامه ما ملخصه انه دخل بستاناً فيه أشجار كثيرة وطيور على الاشجار لها تغريد وحنين واذا ببكاء يقرح القلوب قال فمشيت واذا انا بغدير ماء وعليه امرأة جليلة وفي يدها ثوب مضرج بالدم وفي ذلك الثوب تمزيق كثير وهي تغسل الثوب وتطيل النظر اليها وتبكي بكاء عالياً وتصرخ صراخا عظيما وتفوح و رائحة المسك من ذلك الثوب و رجل جليل القدر عظيم الشأن بين يديها وعليه جراحات كثيرة وهي تقول له ياولدي اما ذكرت لهم محل جدك وابيك فلعلهم ما عرفوك قال يا اماه قلت لهم انا جدي محمد المصطفى وابي علي المرتضى وامي فاطمة الزهراء واخي الحسن المجتبى وجدني خديجة الكبرى فلم يسمعوا كلامي ولم يرعوا مقامي وحالوا بيننا وبين الماء واباحوا للكلاب والخنازير ثم قتلوني عطشاناً وداسوا ظهري بحوافر خيولهم وسلبوا بناتي واركبوهن على الجمال سبايا بلا غطاء ولا وطاء قال فدنوت منها وسلمت عليها فردت عليّ السلام وقلت لها سألتك بالله من تكونين ومن هذا الرجل فقالت انا ام هذا المظلوم انا بنت محمد المصطفى انا فاطمة الزهراء وهذا ولدي الحسين الذي قتلته الامة الشقية بعدنا واذا بنساء قد اقبلن من بين الاشجار كأنهن الاقمار ومنهن ممزوقة القميص ومنهن مكشوفة الرأس فقلت لها ياسيدتي من هؤلاء فقالت زينب وام كاثوم وسكينة ورقية ورباب فبكيت وقلت سيدتي ان ابي كان رائيا لكم خصوصاً لولدك الحسين (علیه السلام) فما حاله فقالت قصره محاذ لقصورنا فقلت سيدتي وما جزاء من يبكي لكم او ينفق ماله في عزائكم وفي عزاء الحسين

ص: 161

او يسهر حزناً عليه أو يسعى بحاجة من يقيم عزاءه او يسقى فيه ماء ويلعن عدوكم قالت لهم الجنة وكل ذلك اعانة لنا فابشر وهم بجوار نا فوحق ابي و بعلى وولدي وشهادته لا ادخل الجنة ومنهم طفل لم يدخلها فبشرهم وبلغهم عني ذلك (اقول) ويناسب ان اذكر في هذا المقام رؤياً ذكرها السيد الاجل السيد نصر الله الحائري في ديوانه قال حكى لى بعض من يوثق به من اهل البحرين ان بعض الاخيار رأى فاطمة الزهراء في منامه مع لمة من النساء وهن ينحن على الحسين المظلوم ببيت من الشعر وهو هكذا

واحسيناه ذبيحا من قفا *** واحسيناه غسيلا بالدماء

فذيله صاحب الديوان بقوله

واغريباً قطنه شيبته اذ غدی کافوره عفر الثرى واسليباً نسجت اكفاته من ثرى الطف دبور وصبا واطعيناً ماله نعش سوى الر مح في كف سنان ذى الخنا وا وحيد الم يغمض طرفه کف ذى رفق به في كربلا واصريعاً أوطأوا خيلهم ای صدر منه للعلم حوى واذبيحاً يتلظى عطشاً وابوه صاحب الحوض غدا واقتيلا احرقوا خيمته وهي الدين الحنيفي وعا آه لا انساه فردا ماله من معين غير دمع واسى

وذكرت ايضاً رؤيا اخرى قال المرحوم النورى نور الله مضجعه في مستدرك الوسائل رأيت في بعض الدواوين ان رجلا من الصلحاء رأى فاطمة الزهراء في منامه قامرته ان يأمر احداً من الشعراء ينظم قصيدة في رثاء الحسين (علیه السلام) ويكون اولها (من غير جرم الحسين يقتل) فامتثل امرها السيد الاجل السيد نصر الله الحسيني و نظم من غير جرم الحسين يقتل وبالدماء جسمه يغسل وينسج الاكفان من عفر الثرى له جنوب وصبا وشمأل وقطنه شيبته ونعشه رمح له الرجس السنان يحمل و يوطئون صدره بخيلهم والعلم فيه والكتاب المنزل ويشتكي حر الظما والسيف من

ص: 162

اوداجه بروی دماً و ينهل افديه فرداً ما له من ناصر سوى امى وعبرة تسلسل قد حرموا الماء عليه قسوة وهو لخنزير الفلا يحلل واركبوا ندوته عارية على مطايا ليس فيها ذلل ونسوة الطاغي يزيد في حمى امن عليهن السجوف تسيل

وارضعوا تدى المنايا طفله *** و مهده صخوره والجندل

القصيدة طويلة ولكن اقتصرنا على ما ذكرنا في البحار ان ذرة النائحة رأت فاطمة (علیها السلام) فيما يرى النائم انها وقفت على قبر الحسين (علیه السلام) تبكي وامرتها ان تنشد ايها العينان فيضا واستهلالا تغيضا وابكيا بالطف ميتا ترك الصدر رضيضاً

لم امرضه قتيلا *** لا ولا كان مريضاً

قال سبط ابن الجوزى في التذكرة ان ابن هبارية الشاعر اجتاز بكر بلا فجلس يبكي على الحسين عليه السلام واهله وقال بديهاً

احسين والمبعوث جدك بالهدى *** قسما يكون الحق عنه مسائلي

لو كنت شاهد كربلا لبذات في *** تنفيس كربك جهد بذل الباذل

وسقيت حد السيف من اعدائكم *** عللا وحد السميري الذابل

لكنني اخرت عنك لشقوتي *** فيلا بلي بين الغرى وبابل

هبني حرمت النصر من اعدائكم *** فاقل من حزن ودمع سائل

ثم نام في مكانه فرأى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في المنام فقال له يافلان جزاك الله عني خيراً ابشر فان الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين (علیه السلام) (عن المنتخب) ان امرأة ذات فحش كانت معهودة بالمدينة ولها جار وكان مواظباً على مأتم الحسين (علیه السلام) وكان عنده ذات يوم رجال ينشدون ويبكون على الحسين (علیه السلام) فامر لهم باصطناع الطعام فدخلت المرأة الفاحشة تريد ناراً واذا بالنار قد انطفت من غفلتهم عنها فعالجتها تلك الفاحشة بالنفخ ساعة طويلة حتى اتسخت يداها وذرفت عيناها فلما توقدت اخذت منها

ص: 163

ومضت لقضاء مأربها فلما صار الظهر وكان الوقت صائفاً يعني حاراً فرقدت واذا هي ترى طيفاً كأن القيامة قد قامت واذا بزبانية جهنم يسحبونها بسلاسل من نار وهم يقولون غضب الله تعالى عليك وامرنا ان نلفيك في قعر جهنم وهي تستغيث فلا تغاث وتستجير فلا تجار قالت والله لقد صرت على شفير جهنم واذا برجل أقبل يصيح بهم خلوها قالوا يا ابن رسول الله وما سببه قال (علیه السلام) انها دخلت على قوم يعملون عزائي وقد او قدت لهم ناراً يعملون بها طعاماً فقالوا كرامة لك يا ابن الشافع والساقي قالت أوقدت فقات من انت الذى من الله تعالى عليّ بك قال انا الحسين بن علي قالت المرأة فانتبهت وانا مذعورة مذهولة ومضيت الى المجلس قبل ان يتفرقوا فحكيت لهم وتعجبوا وقام البكاء والعويل وتبت على ايدبهم من فعل القبيح (في الاسرار) قال المرحوم الدربندي يحكى ان سلطان الاعظم والخاقان الافخم فتحعلي شاه قد رآه في المنام واحد من الثقات على حالة حسنة مبجلة مكرمة وعليه ثياب السلطنة وتاجها فقال له بماذا نلت بهذه المرتبة قال قال لي والله ما تجاوز الله عن سيئاني وما تلت هذه المرتبة الكبيرة و تلك المنزلة العظيمة إلا بعمل واحد فى قضية وبيانها اني قد غلبني العطش فى ايام حياتي في ليلة صائفة وكنت انا فى النوم فانتبهت من شدة العطش وصحت صيحة عظيمة و ناديت الجوارى والنساء تعالين و آتوني بالماء فلم تقم واحدة منهن من المنام والقدحان المملوءة بالمياه الباردة بسبب وضعها بين الثلج كانت قريبة مني فاوجعني العطش تم ناديتهن مرة ثانية فلم تقم ايضاً واحدة منهن من نومها فعزمت على تعذيبهن وعقوبتهن فاذاً تذكرت عطش سيد الشهداء والحالة التي كان عليها في حال الشهادة صحت وصرخت وبكيت بكاء الشكلى وانا فى تلك الحالة اذ اتت جارية بقدح من الماء فما اخذت القدح ولا شربت الماء بل كنت باكياً ونائحاً وصائحاً و صارخا حتى غلبتني الغشية فهذه الموهبة العظمى والمرتبة العليا التي انا عليها انما هي بسبب عملي ذلك (وفى البحار) قال المجلسي (قدس سره)

ص: 164

رأيت في بعض مؤلفات اصحابنا انه حكى عن السيد علي الحسيني قال كنت مجاوراً في مشهد مولاى علي بن موسى الرضا (علیه السلام) مع جماعة من المؤمنين فلما كان اليوم العاشر من شهر عاشوراء ابتدأ رجل من اصحابنا يقرأ مقتل الحسين (علیه السلام) فوردت رواية عن الباقر (علیه السلام) انه قال من ذرفت عيناه على مصاب الحسين (علیه السلام) غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وكان في المجلس معنا جاهل مركب يدعي العلم ولا يعرفه فقال ليس هذا بصحيح والعقل لا يعتقده وكثر البحث فينا وافترقنا من ذلك المجلس وهو مصر على العناد في تكذيب الحديث فنام ذلك الرجل تلك الليلة في داره فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت و حشر الناس في صعيد صفصف لا ترى فيها عوجا امنا وقد نصب الموازين وامتد الصراط ووضع الحساب ونشرت الكتب واسمرت النيران وزخرفت الجنان واشتد الحر عليه فاذا هو قد عطش عطشاً شديداً وبقى يطلب الماء فلا يجده فالتفت يمينا وشمالا واذا هو بحوض عظيم الطول والعرض قال فقلت في نفسي هذا هو الكوثر فاذا فيه ماء ابرد من الثلج واحلى من العسل واذا عند الحوض رجلان وامرأة انوارهم تشرق على الخلائق وهم مع ذلك لبسوا السواد وهم باكون محزونون فقلت من هؤلاء فقيل هذا محمد المصطفى وهذا الامام علي المرتضى وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء فقلت مالي اراهم لابسين السواد وباكين ومحزونين فقيل لي أليس هذا يوم عاشوراء يوم مقتل الحسين (علیه السلام) فهم محزونون لأجل ذلك قال فدنوت الى سيدة النساء فاطمة وقلت لها يا بنت رسول الله اني عطشان فنظرت اليّ شزراً وقالت أنت الذى تنكر فضل البكاء على مصاب ولدى الحسين ومهجة قلبي وقرة عيني الشهيد المفتول ظلماً وعدوانا لعن الله قاتليه وظالميه ومانعيه من شرب الماء قال الرجل فانتبهت من نومي فزعاً مرعوبا واستغفرت الله كثيراً وندمت على ماكان مني واتيت الى اصحابي الذين كنت معهم وخبرت برؤياي وتبت الى الله عز وجل (اقول) ان فاطمة لا ترضى ان تسقى الماء رجلا انكر واستبعد فضل البكاء على ولدها

ص: 165

الحسين (علیه السلام) فما تصنع فاطمة بمن منع الماء عن ولدها حتى قتل وذبح عطشاناً والماء حوله تشر به الكلاب والخنازير الخ.

المجلس الثامن فى بكاء السموات والارضين

عن ابراهيم النخعي قال خرج امير المؤمنين (علیه السلام) و جلس في المسجد وهو يتلو هذه الآية فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين وجاء الحسين (علیه السلام) حتى قام بين يديه فوضع علي (علیه السلام) يده على رأس الحسين (علیه السلام) وقال يابني ان الله تبارك وتعالى عير اقواماً في القرآن فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين وابم الله لتقتلنك هذه الامة ثم تبكيك السماء والارض (اقول) ولقد بكتا لقتل الحسين (علیه السلام) زماناً طويلا في رواية بكتا اربعين صباحا وفي رواية ستة اشهر وفي رواية سنة كاملة وفي رواية اخرى سنة وتسعة اشهر وفي كيفية بكائهما اختلاف في الاخبار واما بكاء السماء ففي رواية مكثت سنة وتسعة اشهر مثل العلقة مثل الدم بحيث ان الشمس تطلع في حمرة وتغيب في حمرة او بحيث لا ترى الشمس فيها ولا زالت الحمرة ترى بعد ذلك مع الشفق ولم يكن قبل قتله وفي رواية امطرت ترابا احمر وفي رواية امطرت رماداً وفي خبر امطرت دما قال علي بن الحسين (علیه السلام) لثبيت يانيت ان السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي (علیه السلام) قلت سيدي اي شيء بكاؤها قال (علیه السلام) كانت اذا استقبلت بالثوب وقع علي الثوب شبه اثر البراغيث من الدم وفي رواية مطرت دماً بحيث احمرت منه البيوت و الحيطان كانما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر الى غروب الشمس وبقى اثره في الثياب مثل الدم مدة حتى تقطعت وقال الرضا (علیه السلام) لقد اخبرني ابي عن ابيه عن جده أنه لما قتل جدي الحسين (علیه السلام) امطرت السماء دماً و ترابا احمر.

بكت السماء دماً ولم تبرد *** به كبد ولو أن النجوم عيون

ص: 166

والارض بكت بالسواد وبالحرة والدم كما روى عن رجل من اهل بيت المقدس قال والله عرفنا اهل بيت المقدس ونواحيها عشية قتل الحسين بن علي (علیه السلام) فيها قال الراوى قلت وكيف ذلك قال ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً إلا ورأينا تحته دماً يغلي واحمرت الحيطان كالعلق وامطرنا ثلاثة ايام دما عبيطاً وجبابنا وجرارنا صارت مملوة دماً وذهبت الابل الى الوادى لتشرب فاذا هو دم ومحمعنا منادياً ينادى في جوف الليل يقول

اترجو امة قتلت حسينا *** شفاعة جده يوم الحساب

معاذ الله لا نلتم يقينا *** شفاعة احمد وابي تراب

قنلتم خير من ركب المطايا *** وخير الشيب طراً والشباب

واسودت السماء يوم قتله اسودادا عظيما واشتبكت النجوم وانكسفت الشمس ثلاثا حتى رئيت النجوم نهارا ثم تجلت عنها فليت ان الشمس لم تطلع وتركت الدنيا مظلمة لأن بنات رسول الله بقين مكثفات الوجوه ليس عليهن قناع ولا خمار وقد احاطت بين الاعداء كأني بزينب (علیها السلام) تنادى بلسان الحال لما نظرت الى الصباح

وان بدى الصبح دعت من اسى *** يا صبح لا اهلا ولا مرحبا

ابدیت با صبح لنا اوجها *** يا لها جلال الله قد حجبا

فی البحار عن ابن ابي عمير قال سمعت الحسين بن أبي فاخته قال كنت انا وجماعة من الشيعة عند ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) فقلت له جعلت فداك اني احضر مجالس هؤلاء القوم فاذكركم في نفسي فاي شيء اقول فقال ياحسين اذا حضرت مجالس هؤلاء القوم فقل اللهم ارنا الرخاء والسرور فانك تأتي على ما تريد قال قلت جعلت فداك اني اذكر الحسين بن علي (علیه السلام) فاي شيء اقول قال اذا ذكرته فقل صلى الله عليك يا ابا عبدالله تكررها ثلاثاً ثم اقبل علينا وقال ان ابا عبدالله لما قتل بكت

ص: 167

عليه السموات السبع والارضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار وما يرى وما لا يرى إلا ثلاثة اشياء فانها لم تبك عليه فقلت وما هي فقال (علیه السلام) البصرة ودمشق وآل الحكم بن أبي العاص وفي دعاء يوم الولادة بكة- السماء ومن فيها و الارض ومن عليها ولما يطأ لا بتيها قال في الخصائص بكاه جميع الموجودات وليس المراد من الموجودات الموجودات في عالمنا هذا بل بكاه جميع الموجودات من جميع العوالم وليس العالم منحصرا في عالمنا هذا بل على رواية ان الله خلق الف الف عالم والف الف آدم وانم آخر العوالم والآدميين فكل موجود وجد في هذه العوالم ما يرى وما لا يرى بكي على الحسين (علیه السلام) وليس المراد بكاؤهم بعد شهادته فقط بل بكى عليه كل شيء قبل قتله وقبل خلقته كما في الدعاء بكاه حتى الاسلحة والآلات التي قتل (علیه السلام) بها في ذلك اليوم كما قال الرائي:

والسيف يفري نحره باكياً *** والرمح ينعى قائما وانثنى

بكاه حتى اهل الكوفة وقتلته (لع) اما سمعت بكاء اللعين عمر بن سعد في يوم عاشوراء وبكاء ذلك اللعين الذي جعل يسلب بنات رسول الله و بكاه دار الامارة لما جىء برأس الحسين (علیه السلام) الى دار ابن زیاد سالت حيطانها دما (في البحار) عن ابي بصير جی قال سمعت ابا جعفر (علیه السلام) يقول يا ابا بصير لقد بكت الانس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي (علیه السلام) حتى ذرفت دموعها ومن الطيور التي بكت عليه وتبكيه الآن هذه البومة التي تصبح في الليالي كما قال الصادق (علیه السلام) هل رآها احد منكم بالنهار قيل لا يا ابن رسول الله لا تكاد تظهر بالنهار ولا تظهر إلا بالليل قال (علیه السلام) اما انها كانت على عهد جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) تأوي المنازل والقصور والدور وكانت اذا اكل الناس الطعام تطير فتقع امامهم فيرمى البها بالطعام وتسقى ثم ترجع الى مكانها ولما قتل الحسين بن علي (علیه السلام) خرجت من العمران الى الخراب وقالت

ص: 168

بئست الامة انتم قتلم ابن بنت نبيكم ولا آمنكم على نفسي وآلت على نفسها ان لا تأوي إلا الى الخراب فلا نزال نهارها صائمة حزينة فاذا جنها الليل افطرت على ما رزقت ثم لم نزل ترنم على الحسين حتى تصبح ومما بكت عليه من الطيور الطائر الابيض في يوم عاشوراء حين تقي الحسين صريعاً ودمه على الارض مسفوحاً واذا بطائر ابيض قد اني وتمسح بدم الحسين (علیه السلام) وجاء والدم يتقاطر من اجنحته فرأى طيوراً تحت الظلال على الغصون والاشجار وكل منهم يذكر الحب والعلف والماء فقال لهم ذلك الطير المتلاطخ بالدم يا ويلكم تشتغلون بالملامي وذكر الدنيا والمناهي والحسين في ارض كر بلا في هذا الحر ملقى على الرمضاء ظام مذبوح ودمه مسفوح فعادت الطيور كل منهم قاصداً كربلا فرأوا سيدنا الحسين ملقى فى الارض جثة بلا رأس ولا غسل ولا كفن قد سفت عليه السوافي و بدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها زواره وحوش القفار ونديته جن السهول والا وعار قد اضاء التراب من انواره وازهر الجو من ازهاره فلما رأته الطيور تصانحن وأعلن بالبكاء والثبور وتواقعن على دمه يتمرغن فيه وعاد كل واحد منهم الى ناحية يعلم اهلها عن قتل ابي عبد الله فمن القضاء والقدر ان طيراً من هذه الطيور قصد مدينة الرسول وجاء يرفرف والدم يتقاطر من اجنحته ودار حول قبر سيدنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يعنن بالنداء ألا قتل الحسين بكر بلا ألا ذبح الحسين بكر بلا فاجتمعت الطيور عليه وهم يبكون عليه وايضاً جاء غراب فوقع في دمه ثم تمرغ وطار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين (علیه السلام) وهي الصغرى وجعلت تبكي على فراق ابيها واخوتها وعماتها واعمامها رفعت رأسها فرأت الغراب متلطخاً بالدم فيكت بكاء شديداً وانشأت تقول:

نعب الغراب فقلت من تنعاه ويحك من غراب *** قال الامام فقلت من قال الموفق للصواب

ان الحسين بكربلا بين الأسنة والضراب *** فابكي الحسين بعيرة ترجى الاله مع الثواب

ص: 169

قلت الحسين فقال لي حقاً لقد سكن التراب *** ئثم استقل به الجناح فلم يطق رد الجواب

قال محمد بن علي (علیه السلام) فنعته لأهل المدينة فقالوا قد جاءتنا بسحر بني عبدالمطلب فما كان باسرع ممن ان جاءهم الخبر بقتل الحسين بن علي (علیه السلام) ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

المجلس التاسع فى بكاء الملائكة على الحسين(علیه السلام)

فى البحار عن الصادق (علیه السلام) قال ان الله تعالى وكل بقبر الحسين (علیه السلام) اربعة آلاف ملك شعث غير يبكونه من طلوع الفجر الى زوال الشمس فاذا زالت الشمس هبط اربعة آلاف ملك وصعد اربعة آلاف فلم يزل يبكونه حتى يطلع الفجر و هذا العدد من الملائكة ينزلون ويصعدون في كل يوم وليلة (وفي خبر زائدة) الذي ذكرناه في فضل زيارته وتحفه ملائكة من كل مماء مائة الف ملك في كل يوم وليلة (الخبر) واربعة آلاف ملك اخرى مقيمون بالحائر فهم لا يبرحون من مكانهم ورئيسهم ملك يقال له منصور وهم نزلوا يريدون القتال مع الحسين (علیه السلام) فوجدوه قد قتل قامرهم الله بالبقاء حول قبره الشريف فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلا شيعوه ولا يمرض زائره إلا وهم عادوه ولا يموت إلا صلوا على جنازته واستغفروا له بعد موته وينتظرون قيام الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وهم يبكون ليلهم ونهارهم ولا يفترون عن البكاء حتى ان ملائكة الليل والنهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين في الحائر فتصافحهم وتكلمهم وهم لا يجيبون من شدة البكاء فينتظر و نهم حتى تزول الشمس وحتى ينور الصبح ثم يكلمونهم ويسألونهم عن اشياء من السماء واما ما بين هذين الوقتين فانهم لا ينطقون ولا يفترون عن البكاء والدعاء ولا يشغلون بشيء سواه قال الصادق (علیه السلام) فاذ از رتم الحسين (علیه السلام) فالزموا الصمت إلا من خير فانما تشغلون الملائكة اذا نطقتم (في البحار)

ص: 170

عن صفوان الجمال قال سألت ابا عبد الله (علیه السلام) في طريق المدينة ونحن نريد مكة فقلت يا ابن رسول الله مالى اراك كثيباً حزيناً منكسراً فقال (علیه السلام) لو تسمع ما اسمع لشغلك عن مسألتي فقلت وما الذي تسمع قال (علیه السلام) ابتهال الملائكة الى الله عز وجل على قنلة امير المؤمنين (علیه السلام) وقتلة الحسين (علیه السلام) وبكائهم ونوح الجن وبكاء الملائكة الذين حوله وشدة جزعهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم (اقول) ويحتمل ان الملائكة اشتغات بالبكاء من يوم نودي فيهم وبلغهم خبر قتل الحسين (علیه السلام) وشهادته وذلك كما في البحار ان ملكا من الملائكة وهو من ملائكة الفردوس اشتاق لرؤية النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) واستأذن ربه بالنزول الى الارض لزيارته وكان ذلك الملاك لم ينزل الى الارض ابداً منذ خلقه الله فلما اراد النزول أوحى الله اليه ايها الملك اخبر محمداً ان رجلا من امته اسمه يزيد يقتل فرخه الطاهر ابن الطاهرة نظيرة البتول مريم بنت عمران فقال الملك إلهي كنت مسروراً برؤية نبيك وبزيارته فكيف اخبره بهذا الخبر الفظيع وانتي لأستحي منه ان الجمعه بقتل ولده فليتني لم انزل الى الارض فنودي من فوق رأسه ان افعل ما امرت به فدخل الملك على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) و نشر اجنحته بين يديه وقال يارسول الله اعلم اني قد استأذنت ربي في النزول الى الارض شوقا الى زيارتك ورؤيتك فليت ربي كان حطم اجنحتي ولم آتك بهذا الخبر ولكني لا بد لي من انفاذ امر ربي عز وجل يا محمد اعلم ان رجلا من امتك اسمه يزيد زاده الله لعناً في الدنيا وعذاباً في الآخرة يقتل فرخك الطاهر ابن الطاهرة وان شئت اريتك من التربة التي يقتل فيها فتناول تراباً احمر واعطاها اياه وروي ان ذلك كان من ملائكة الفردوس وكان موكلا على البحار فلما ودع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) نزل على البحر ونشر اجنحته عليها ثم صاح صيحة عظيمة وقال يا اهل البحار والبرار البسوا اثواب الحزن فان فرخ الرسول مذبوح ثم صعد الى السماء وفي اجنحته تربته فلم يلق ملكا إلا واراه من تربته

ص: 171

واخبره بشهادة الحسين ولا اعلم اي الصيحتين احرق على قلوب الشيعة صيحة هذا الملك ام صيحة جبرئيل يوم عاشوراء حين قتل الحسين (علیه السلام) نادي بين السماء والارض ألا قتل الامام ابن الامام ابو الأئمة (الخ) واشتغلت الملائكة بالبكاء من ذلك قال اليوم الذي نادى فيهم ملك البحر واخبر بشهادة الحسين (علیه السلام) وزيدت بكاء الملائكة وبكاء السموات والارضين من دوم قتل فيه امير المؤمنين (علیه السلام) كما في حديث الصادق (علیه السلام) یا مسمع ان الارض والسماء لتبكيان منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا وما كى لنا من الملائكة اكثر وما رقات دموع الملائكة مسذ قتلنا وكأن الملائكة لم تزل تنظر الى صورة علي في السماء الخامسة وبرون اثر الضريبة عليه ويبكون ويلعنون قاتله «في البحار» عن النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» قال فلما اسرى بي الى السماء فبلغت السماء الخامسة نظرت الى صورة علي «علیه السلام» فقلت حبيبي جبرئيل ما هذه الصورة فقال جبرئيل يا محمد اشتاقت الملائكة ان ينظروا الى صورة علي فقالوا ياربنا ان بني آدم في دنياهم يتمتعون غدوة وعشية بالنظر الى علي بن ابي طالب حبيب حبيبك محمد «صلی الله علیه وآله وسلم» وخليفته ووصيه وامينه فمتعنا بصورته بقدر ما تمتع اهل الدنيا به فصور لهم صورته من نور قدسه عز وجل فعلي بين ايديهم ليلا ونهاراً يزورونه وينظرون اليه غدوة وعشية قال الاعمش مممت جعفر بن محمد «علیه السلام» يقول فلما ضربه ابن ملجم «لع» على رأسه داع صارت تلك الضربة في صورته التي في السماء فالملائكة ينظرون اليه غدوة وعشية ويلعنون قاتله ابن ملجم «لع» فلما قتل الحسين بن علي هبطت الملائكة وحملته حتى أوقفته مع صورة علي «علیه السلام» في السماء الخامسة فكلما هبطت الملائكة من السموات من ع - لا وصعدت ملائكة سماء الدنيا وما فوقها الى السماء الخامسة لزبارة صورة علي والنظر اليه نظروا الى الحسين «علیه السلام» متشحطاً بدمه لعنوا يزيد وابن زياد وقاتل الحسين بن علي «علیه السلام» الى يوم القيامة قال الاعمش قال لي الصادق «علیه السلام» يا اعمش

ص: 172

هذا من مكنون العلم لا تخرجه إلا الى اهله (اقول) فكلما تنظر الملائكة الى صورة علي يرون على رأسه اثر ضربة ابن ملجم (لع) ولكنهم اذا نظروا الى الحسين (علیه السلام) يرونه جثة بلا رأس ومقطعاً بالسيوف والرماح والنبال والاحجار وأوداجه تشخب دما وصدره مرضوض بحوافر الخيول وقال امامنا السجاد (علیه السلام) في خطبته في جامع دمشق انا ابن من بكت عليه ملائكة السماء انا ابن من ناحت عليه الجن في الارض والطير في الهواء ومن بكاء الجن و نوحهم على الحسين (علیه السلام) قد ذكر المؤرخون في المقاتل بابا ونحن نذكر بعضاً منها (في البحار) قال الراوي كان الجصاصون يسمعون في السحر نوح الجن على الحسين بن علي (بالجبانة) وهم يقولون

مسح الرسول جبينه *** فله بريق في الخدود

ابواه من عليا قريش *** جده خير الجدود

وفيه عن كامل الزيارة وقال داود الرقي حدثتني جدتي ان الجن لما قتل الحسين ابن علي بكت عليه بهذه الابيات

ياعين جودي بالعبر *** وابكي فقد حق الخبر

ابكي ابن فاطمة الذي *** ورد الفرات فما صدر

الجن تبكي شجوها *** لما اتي منه الخبر

قتل الحسين ورهطه *** تعساً لذلك من خبر

فلا بكينك حرقة *** عند العشاء وبالسحر

ولا بكينك ما جرى *** نهر وما اخضر الشجر

(في المناقب) قال دعبل الخزاعي حدثني ابي عن جده عن امه سعدى بنت مالك الخزاعية انها سمعت نوح الجن على الحسين (علیه السلام)

یا ابن الشهيد و يا شهيداً *** ابو عمه خير البرية جعفر الطيار

ص: 173

عجباً لمصقول اصابك حده *** في الوجه منك وقد علاك غبار

وذكر ابن الجوزي في كتاب النور في فضايل الايام والشهور وسمعوا من نوح الجن على الحسين بن علي على هذه الابيات

نساء الجن يبكين شجيات *** ويسعدن بنوح للنساء الهاشميات

و يندبن حسيناً عظمت تلك الرزيات *** و يلطمن خدوداً كالدنانير نقيات

و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات

(في البحار) عن ام سلمة زوجة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قالت ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) إلا الليلة يعني ليلة الحادي عشر ولا اراني إلا وقد اصبت بابني قيل لها كيف ذاك قالت جاءت منهم جنية تقول

ألا ياعين فاحتفلي بجهد *** فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا *** بمقدار الى انجاز وعد

(في البحار) عن كامل الزيارة قال خمسة من اهل الكوفة ارادوا نصر الحسين (علیه السلام) فمرسوا بقرية يقال لها شاهى اذا أقبل عليهم رجلان شيخ وشاب فسلما عليهم فقال الشيخ انا رجل من الجن وهذا ابن اخي اراد نصر هذا الرجل المظلوم يعني الحسين وانا رأيت رأياً في ذلك فقالت الفتية الانسيون وما هذا الرأي الذي رأيت قال رأيت ان الطير فاتيكم بخير القوم فتذهبون على بصيرة فقالوا نعم ما رأيت فغاب الشيخ يومه وليلته فلما كان من الغد اذا هم بصوت يسمعونه ولا يرون شخصه وهو يقول

والله ما جئتكم حتى بصرت به *** بالطف منصفر الخدين منحوراً

وحوله فتية تدمى نحورهم *** مثل المصابيح يغشون الدجي نوراً

وقد حثثت قلوصي كي اصادفهم *** من قبل ان تتلاقى الخرد الحورا

فعافني قدر والله بالغه *** و كان امر قضاه الله مقدورا

ص: 174

كان الحسين سراجا يستضاء به *** الله يعلم اني لم اقل زورا

صلى الاله على جسم تضمنه *** قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مجاوراً لرسول الله في غرف *** و الوصي والطيار مسرورا

فقالت الفتية من انت يرحمك الله قال انا صاحبكم بالامس فقد اصبت الحسين قتيلا فاجابه بعض الفتية

اذهب فلا زال قبر انت ساكنه *** الى القيامة يسقى الغيث ممطورا

وقد سلكت سبيلا انت سالكه *** وقد شربت بكأس كان مغزورا

وفتية فرغوا الله انفسهم *** وفارقوا المال والاحباب والدورا

بيض الله وجوه تلك الفتية لقد فارقوا الاموال والاحباب والدور والقصور في نصرة ابن بنت نبيهم وبذلوا مهجهم دون سيدهم ومولاهم الحسين عليه السلام

نصروا ابن بنت نبيهم طوبي لهم *** نالوا بنصرته مراتب سامية

قد جاوروه ههنا بقبورهم و قصورهم يوم الجزا متحاذية كلهم قد جاوروا الحسين بقبورهم و لكن أقربهم جواراً شبیه رسول الله «ص» علي الاكبر قال الراوي وسمع من نوح الجن

لامن الابيات بالطف على كره بنينة *** تلك ابيات حسين يتجا و بن الرنينة

هذا ما سمعت من بكاء السموات والارضين والملائكة والجن و أما بكاء سائر الموجودات فهو كما قال ابو عبد الله «ع» لزرارة بازرارة ان السماء بكت على الحسين «ع» اربعين صباحا بالدم وان الارض بكت اربعين صباحا بالسواد وان الشمس بكت اربعين صباحا بالكسوف والحمرة وان الجبال تقطعت وانتثرت وان البحار تفجرت وان الملائكة بكت اربعين صباحا على الحسين (علیه السلام) وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى انانا رأس عبيد الله بن زياد (لع) وما زلنا في عبرة

ص: 175

بعده و كان جدي اذا ذكره بكى حتى تمتلىء عيناه ولحيته وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه وان الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي البكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة ولقد خرجت نفسه (علیه السلام) فزفرت جهنم زفرة كادت الارض تنشق لزفرتها ولقد خرجت نفس عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية (لع) فشهقت جهنم شهقة لولا ان الله حبسها بخزانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها ولو يؤذن لها مابقي شيء إلا ابتلعته ولكنها مأمورة مصفودة ولقد عتت على الخزان غير مرة حتى اتاها جبرئيل فضر بها بجناحه فسكنت وانها لتبكيه وتند به وانها لتتلظى على قائله ولولا ولو لا من على الارض من حجج الله لنفضت الارض واكفأت ما عليها وما تكثر الزلازل إلا عند اقتراب الساعة وما عين احب الى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة واسعدها عليه ووصل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وادى حقنا (في البحار) عن ابي بصير قال كنت عند ابي عبدالله الصادق (علیه السلام) واحدثه فدخل عليه ابنه فقال له مرحبا وضمه وقبله وقال حقر الله من حقركم وانتقم ممن وتركم وخذل الله من خذلكم وأمن الله من قتلكم و كان الله لكم وليا وحافظاً وناصراً فقد طال بكاء النساء وبكاء الانبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ثم بكى وقال يا ابا بصير اذا نظرت الى ولد الحسين (علیه السلام) اتاني ما لا املكه بما انى الى ابيهم يا ابا بصير ان فاطمة لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا ان الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة ان يخرج منها عنق او يشرد دخانها فيحرق اهل الارض فيكبحونها ما دامت باكية ويزجرونها ويوثقون من ابوابها مخافة على اه لى الارض فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة وان البحار تكاد ان تنفتق فيدخل بعضها على بعض وما منها قطرة إلا بها ملك موكل واذا سمع الموكل صوتها ضرب امواجها باجنحته وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا ومن فيها ومن على الارض فلا تزال

ص: 176

الملائكة مشفقين يبكون لبكائها ويدعون الله ويتفرعون اليه ويتفرع اهل العرش و من حوله وترتفع اصوات من الملائكة بالنقديس الله سبحانه مخافة على اهل الارض ولو أن صوتاً من اصواتهم يصل الى الارض لصعق اهل الارض وتقلعت الجبال وزلزلت الارض باهلها قلت جعلت فداك ان هذا الامر عظيم قال «علیه السلام» غيره اعظم منه ما لم تسمعه ثم قال يا أبا بصير اما تحب ان تكون في من يسعد فاطمة فبكيت حين قالها فيما قدرت على المنطق وما قدرت على كلامي من البكاء ثم قام الى المصلى يدعو وخرجت من عنده على تلك الحال فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم واصبحت صائماً وجلاً حتى انيته ورأيته قد سكن سكنت وحمدت الله حيث لم ينزل بي عقوبة فعلى هذا الخبر ان البكاء على الحسين «علیه السلام» على ما فيه من الاجر والثواب هو اسعاد الفاطمة الزهراء كما سيجيء في واقعة يوم عاشوراء لانها لم تزل تبكي عليه كل يوم تنظر الى قميص ولدها الحسين «علیه السلام» فتصرخ وهذا القميص يحتمل ان يكون هو القميص الذي سلبه اسحق بن حوية فلبسه فصار ابرص.

المجلس العاشر فى اخبار الله تعالى ورسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) و جبرئيل وغيرهم بشهادته

اشارة

عن سعد بن عبد الله قال قلت لصاحب الامر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) اخبرني يا ابن رسول الله من تفسير (كهيعص) قال (علیه السلام) هذه الحروف من اخبار لغيب اطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد «صلی الله علیه وآله وسلم» وذلك ان زكريا سأل ربه ان يعلمه اسماء الخمسة فاهبط عليه جبرئيل وعلمه اياه فكان زكريا اذا ذكر محمداً وعلياً وفاطمة والحسن مر ودفع عنه غمومه وفرج عنه همومه لكنه إذا ذكر الحسين «علیه السلام» خنقته العرة ووقعت

ص: 177

عليه الكدورة فقال ذات يوم الهي ما بالي اذا ذكرت اربعة منهم تسليت باسمائهم من همومي واذا ذكرت الحسين «علیه السلام» تدمع عيني وبكسر خاطري فان أه الله تبارك وتعالى عن قصته ووقعته فقال (كهيعص) والكاف اسم كربلا والهاء هلاك العترة والياء يزيد وهو ظالم الحسين (علیه السلام) والعين عطشه والصاد صبره (نظم)

يا قتيلا صبره الممدوح من رب العباد *** حيث قال الله فيه كاف ها ياعين صاد

كربلا الكاف وقد حل بها كل البلا *** قتلت فيه بيوم الطف سادات الملا

ويزيد يائها المعهود والعين تلا *** عطش السبط وقد اضرم ناراً للفؤاد

فلما سمع ذكريا لم يفارق مسجده ثلاثة ايام ومنع الناس من الدخول عليه واقبل على البكاء والنحيب وكان يقول الهي انفجع خير جميع خلقك بولده الهي اتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه الهي أتلبس علياً ثياب هذه المصيبة الهي اتحل كربة هذه الفجيعة بساحة محمد وعلي ثم كان يقول الهي ارزقني ولداً تقر به عيني علي الكبر فاذا رزقتنيه قافتني محبه ثم انفجعني بموته كما تفجع محمداً حبيبك بولد فاستجاب الله دعاءه وكان يوم استجابة دعائه يوم اول المحرم وامر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في محرابه ان الله يبشرك بيحي (انتهى) ذكر المؤرخون أن زكريا لما بشر بيحيي فمن غاية سروره و بهجته و انبساطه جمل يقول رب انى يكون لي غلام وكانت امرأني عاقراً وقد بلغت من الكبر عتيا فقال الله تعالى هو عليّ هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً فحملت حنانة زوجته بيحي فولد يحيى لستة اشهر ولما ولد رفعوه الى السماء وكان في السماء الى ان تم مدة الرضاع ثم نزلوا به ففي اي بيت كان يضيء من وجهه وكان طفلا و باغ ما بلغ من النبوة والحكم والكتاب وقيل له من العمر ثلاث سنين أوحى الله اليه يايحي خذ الكتاب بقوة وقال تعالى (وآتيناه الحكم صبيا) يعني احكام النبوة التي تتعلق بالعباد (وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً) ومن شفقة الله تعالى عليه انه اذا قال بارب فيقول الله

ص: 178

لبيك ياحي وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً وسلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حياً ومن الطاف الله تعالى عليه ان نجاه من الخطرات في ثلاثة احوال وهي اشد الاحوال على الانسان وهي الساعة التي يولد والساعة التي بموت و الساعة التي يحشر الى القيامة (انتهى) ولقد اشبه يحيى الحسين بن علي (علیه السلام) وكان الحسين شبيهاً بيحي من جهات شتى اولا في مدة الحمل كان حمل يحيى ستة اشهر وحمل الحسين (علیه السلام) اضاً ستة اشهر ثم ان يحيى بشر به زكريا قبل ولادته والحسين (علیهما السلام) ايضاً بشر به قبل ولادته النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» إلا ان البشارة بيحي او جبت فرحاً وسروراً والبشارة بالحسين «علیه السلام» او جبت حزناً وكرباً بحيث ان امه فاطمة «علیها السلام» حملته كرهاً ووضعته كرها فولدته باكية وتقول ليتني لم الدم يحيى لم يسم به يعني باسمه قبله و الحسين ايضاً لم يسم باسمه قبله احد يحيى معاه الله بنفسه فقال تعالى انا نبشرك بغلام امير، بحي والحسين ايضاً سماه الله بنفسه نزل جبرئيل و قال يا محمد ان ربك يقرئك السلام و يقول اني سميت هذا المولود حسين بحي لم يرضع من ثدي امه غالباً و ارضع من السماء و الحسين (علیه السلام) لم يرضع من فاطمة بل ارضع من لسان النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» فيأتيه ويضع ابهامه أو لسانه في فيه وكان يمص حتى يرتوي و يتغدى ليومين أو ثلاثاً حتى نبت لحمه من لحم رسول الله وعظمه من عظم رسول الله يحيى رفعوا به الى السماء بعد الولادة والحسين ايضاً عرج به الى السماء ليزوره الملائكة يوم السابع من ولادته ويوم شهادته يحيى كان يتكلم في بطن امه والحسين كذلك قبل كان يقول يا اماه انا العطشان با اماه انا العريان يا اماه انا السحقان يحيى لم ير فرحا طول عمره والحسين كذلك يحيى قتل مظلوماً والحسين قتل مظلوما قاتل يحيى ولد زنا وقاتل الحسين كذلك يحيى بكت عليه ملائكة السموات والحسين بكت عليه السموات والارضون وجميع الموجودات بحي بقي دمه يغلي فكلما وضعوا عليه التراب ازداد غلياناً حتى صار تلا عظيما فما سكن حتى سلط الله على بني اسرائيل بخت نصر وقتل سبعين الفاً من بني اسرائيل ولكن الحسين (علیه السلام) دمه يغلى حتى (علیه السلام)

ص: 179

يظهر ولده المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) و ان كان قد قتل به سبعون الفاً و سبعون الفاً وسبعون الفا ولكنه ما سكن حتى يطلب المهدي بثأره (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف فى القتل انه كان منصوراً) والله در القائل:

انت الولي لمن بظلم قتلوا *** وعلى العدى سلطانك المنصور

ولو انك استأصلت كل قبيلة *** قتلا فلا سرة ولا تبذير

يحيى لما قتل وضع رأسه في الطشت بين يدي عدوه ق بكلمة وهي ان قال اتق الله ايها الملك فانها لا تجوز لك ان تباشر ابنتك يعني یملك والحسين (علیه السلام) لما قتل سمعوا رأسه الشريف يقرأ القرآن على الرمح ولقد وضع في الطشت بين يدي يزيد وقرأ الآية الشريفة واللعين جعل يضرب ثناياه بقضيب من خيزران ولكن هل تقاص مصيبة يحيى بالحسين (علیه السلام) يحيى قتل وحده وما قتل له اخ كقمر بني هاشم وابن كعلي الاكبر وما ذبح له في حجره رضيع كعبد الله الرضيع يحيى ما قتل عطشاناً والحسين ينادي ياقوم اسقوني شربة من الماء يحيى ما قطع اصبعه وكفه وما مثل به والحسين قطع اصبعه بجدل بن سليم وقطع كفيه الجمال يحيى ما رضت الخيل صدره والحسين نادى ابن سعد ياقوم من ينتدب الحسين (الخ) يحيى ما سبيت حرم له والحسين سبيت حرمه ونساؤه واخواته وبناته كزينب و ام كلثوم وسكينة ورباب من كر لا الى الكوفة ومن الكوفة الى الشام.

فان تكن آل اسرائيل قد حملت *** كريم يحيى على طشت من الذهب

فآل سفيان يوم الطف قد حملوا *** رأس ابن فاطمة فوق القنا السلب

وهل حملن ليحيى فى السلبا حرم *** كزينب ويتاماها على القتب

ولأن مصيبة يحيى شبيهة بمصيبة الحسين (علیه السلام) كان الحسين (علیه السلام) يذكر يحيى ومصيبته في طريقه من حين خروجه من مكة الى كربلا اول ما ذكر حين اقبل اليه

ص: 180

عبدالله بن عمرو تكلم معه بما تكلم واجابه بما اجابه وسيأتي ان شاء الله فليراجع الى محله وممن اخبره الله بشهادته من الانبياء موسى بن عمران كما في الخبر سأل الكليم ربه ان يغفر لعبده الاسرائيلي قال الهي ان فلاناً عبدك الاسرائيلي اذنب ذنباً عظيما ويسألك العفو قال الله تعالى اغفر لمن استغفرني إلا قاتل الحسين قال يارب ومن الحسين قال الذي ذكره عليك بجانب الطور قال ومن يقتله قال يقتله امة جده الباغية الطاغية في ارض كربلا وينفر فرسه ويصهل ويقول في صهيله الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها فيبقى ملقى على الرمال بغير غسل ولا كفن وينهب رحله وتسبى نساؤه في البلدان ويقتل ناصروه وتشهر رؤوسهم مع رأسه على اطراف الرماح باموسى صغيرهم يميته العطش و كبير هم جلده منكمش يستغيثون في لا ناصر ويستجيرون فلا مجير فبكى موسى على نبينا وآله وعليه السلام.

واخبر جبرئیل (علیه السلام) بشهادته (علیه السلام)

(في البحار) روى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات انه نظر آدم (علیه السلام) الى ساق العرش فرأى اسماء النبي والأئمة (علیهم السلام) فلقنه جبرئيل وقال يا آدم قل يا حميد بحق محمد و يا عالي بحق علي ويافاطر بحق فاطمة و يا محسن بحق الحسن و ياقديم الاحسان بحق الحسين ومنك الاحسان فلما ذكر الحسين (علیه السلام) سالت دموعه وانخشع قلبه وقال يا اخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي قال جبرئيل ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب فقال يا اخي وما هي قال يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين ولو تراه يا آدم وهو يقول واعطشاه واقلة ناصراه حتى يحول العطش بينه و بين السماء كالدخان فلم يجبه احد إلا بالسيوف وشرب الحتوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه وينهب رحله اعداؤه وتشهر رؤوسهم

ص: 181

هو وانصاره في البلدان ومعهم النسوان كذلك سبق في علم الواحد المنان فبكى آدم و جبرئيل بكاء الشكلى (ومن اخبار جبرئيل بشهادته هذا الخبر في البحار) ان الحسن والحسين (علیهما السلام) دخلا يوم عيد الى حجرة جدهما رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالا يا جداه اليوم يوم العيد وقد تزين اولاد العرب بالوان اللباس ولبسوا جديد الثياب وليس لنا ثوب جديد وقد توجهنا لذلك اليك فتأمل النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» حالهما وبكى ولم يكن في البيت ثياب تليق بهما ولا رأى ان يمنعهما فيكسر خاطرها فدعا ربه وقال الهي اجبر قلبهما وقلب امهما فنزل جبرئيل ومعه حلتان بيضاوان من حلل الجنة فسر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) لهما وقال ياسيدي شباب اهل الجنة خذا اثوابا خاطها خياط القدرة على قدر ما طواكما فلما رأيا الخلع بيضاً ولا ياجداه كيف هذا وجميع صبيان العرب لابسين الوان الثياب فاطرق النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» ساعة متفكراً في امرهما فقال جبرئيل يا محمد طب نفساً وقر عيناً ان صابغ صبغة الله عز وجل يقضي لهما هذا الامر و يفرح قلوبهما باي لون شاءا قائمر يا محمد باحضار العاشت والا بريق فاحضرا فقال جبرئيل يا محمد طب نفساً أنا اصب الماء على هذه الخلع وانت تفركها بيدك فتصبغ لهما باي لون شاءا فوضع النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» حلة الحسن (علیه السلام) في الطشت فاخذ جبرئيل يصب الماء ثم اقبل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) على الحسن وقال له ياقرة عيني باي لون تريد حلتك فقال اريدها خضراء فتركها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بيده في ذلك الماء فاخذت بقدرة الله لونا أخضر كالزبرجد فاخرجها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) واعطاها الحسن (علیه السلام) فلبسها ثم وضع حلة الحسين (علیه السلام) في الطشت واخذ جبرئيل يصب الماء فالتفت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الى الحسين (علیه السلام) و كان له من العمر خمس سنين وقال له ياقرة عيني اي لون تريد حلتك فقال الحسين (علیه السلام) ياجداه اريدها حمراء ففركها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بيده في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الاحمر فلبسها الحسين (علیه السلام) فسر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بذلك وتوجه الحسن والحسين (علیهما السلام) الى امهما فرحين مسرورين

ص: 182

فبكى جبرئيل لما شاهد تلك الحال فقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يا اخي جبرئيل في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي وتحزن فبالله عليك إلا ما اخبرتني فقال جبرئيل اعلم يارسول الله ان اختيار ابنيك على اختلاف اللون فلابد للحسن (علیه السلام) ان يسقوه السم ويخضر لون جسده من عظم السم ولا بد للحسين «علیه السلام» ان يقتلوه وبذبحوه وبخضب بدنه من دمه فبكى النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» وزاد حزنه لذلك.

وممن أخبر بشهادة الحسين رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

ولقد اخبر «صلی الله علیه وآله وسلم» بشهادة ولده مراراً عديدة ونحن نذكر بعضاً منها عن ابي عبد الله «علیه السلام» قال كان النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» في بيت ام سلمة فقال لها لا يدخل عليّ احد فجاء الحسين «علیه السلام» وهو طفل فمنعته فوثب حتى دخل الدار على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فدخلت ام سلمة على اثره فاذا الحسين (علیه السلام) على صدره واذا النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» يبكي واذا في يده شيء يقبله فقال النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» يا ام سلمة ان هذا جبرئيل يخبرني ان هذا مقتول وهذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك فاذا صارت دماً فقد قتل حبيبي فقالت ام سلمة يارسول الله صلى الله ان يدفع ذلك عنه قال قد فعلت فاوحى الله تعالى اليّ ان له درجة لا ينالها احد من المخلوقين وان له شيعة يشفعون فيشفعون وان المهدي «عجل الله تعالی فرجه الشریف» من ولده فطوبى لمن كان من الحسين (علیه السلام) وشيعته هم والله الفائزون يوم القيامة ومن اخباره «صلی الله علیه وآله وسلم» ما روي عن علي بن ابي طالب «علیه السلام» قال زارنا رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ذات يوم فقدمنا اليه طعاما أهدت الينا ام ايمن صحفة من تمر وقعباً من لبن وزيد فقدمنا اليه فاكل منه فلما فرغ قمت فكبت على يديه ماء فلما غسل بده مسح وجهه ولحيته بلة يديه ثم قام الى مسجد في جانب البيت فخر ساجداً فيكى فاطال البكاء ثم رفع رأسه فما اجترأ منا اهل البيت احد ان يسأله عن شيء فقام الحسين (علیه السلام) بدرج حتى

ص: 183

صعد على فخذي رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» فاخذ برأسه الى صدره ووضع ذقنه على رأس رسول الله ثم قال يا لابة ما يبكيك فقال «صلی الله علیه وآله وسلم» يابني اني نظرت اليكم فسررت بكم سروراً لم اسر بكم قبله مثله فهبط اليّ جبرئيل فاخبرني انكم قتلى وان مصارعكم شتى فحمدت الله على ذلك وسألته الحكم الخيرة فقال له ياابة فمن بزور قبورنا ويتعاهدها على تشتتها قال طوائف من امتي يريدون بذلك بري وصلتي اتعاهدهم في الموقف وآخذ باعضادهم فانجيهم من اهواله وشدائده ومن اخباره «صلی الله علیه وآله وسلم» بشهادته عليه السلام ما روي «في البحار» بالسند المتصل إلى شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي باسناده عن زينب بنت حجش زوجة النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» قالت كان رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ذات يوم عندي نائماً فجاء الحسين (علیه السلام) فجعلت اعلاه مخافة ان يوقظ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فغفلت عنه فدخل واتبعته فوجدته وقد قعد على بطن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فوضع زيبته في سرة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فجعل يبول عليه فاردت ان آخذه عنه فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) دعي ابني زينب حتى يفرغ من بوله فلما فرغ توضأ النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وقام يصلي فلما سجد ارتحله الحسين (علیه السلام) فلبث النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) حتى نزل فلما قام دعا الحسين «علیه السلام» فحمله حتى فرغ من صلاته فبسط النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» يده وجعل يقول ارني ارني يا جبرئيل قلت يارسول الله لقد رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك صنعته قط قال نعم جاءني جبرئيل فمزاني في ابني الحسين واخبرني ان امتي تقتله واناني بتربة حمراء (ومن اخباره بشهادته) ما روى عن ابي جعفر «علیه السلام» قال كان رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ادا دخل الحسين «ع» اجتذبه اليه ثم يقول لأمير المؤمنين (علیه السلام) امسكه فيمسكه فيقبله ويبكي فيقول ياابة لم تبكي فقال يابني اقبل مواضع السيوف منك وابكي قال ياابة وانا اقتل قال اي والله وابوك واخوك قال يا ابة فمصارعنا شتى قال نعم يا بني قال فمن يزورنا من امتك قال لا يزورني ولا يزور اباك واخاك وانت إلا الصديقون من امتي ومن اخباره بشهادته عن عبدالله بن

ص: 184

عباس انه لما اشتد برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) مرضه الذي مات فيه وقد ضم الحسين (علیه السلام) الى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول مالي وليزيد لا بارك الله فيه اللهم العن يزيد ثم غشي عليه طويلا وافاق وجعل يقبل الحسين (علیه السلام) وعيناه تذرفان و يقول اما ان لي و لقاتلك مقاماً بين يدي الله عز وجل وعنه أيضاً قال كنت عند رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) جالساً إذ أقبل الحسن (علیه السلام) فلما رآه بكى وقال اليّ اليّ فاجلسه على فخذه اليمنى ثم اقبل الحسين (علیه السلام) فلما رآه بكى وقال مثل ذلك فاجلسه على فخذه اليسرى ثم اقبلت فاطمة فرآها فبكى وقال مثل ذلك فاجلسها بين يديه ثم اقبل علي (علیه السلام) فرآه فيكي وقال مثل ذلك فاجلسه إلى جانبه الايمن فقال له اصحابه يارسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت اما فيهم من تسر برؤيته فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ما على وجه الارض نسمة أحب الي منهم وأنما بكيت لما يحل بهم من بعدي وذكر بعض مصائبهم الى ان قال وذكرت ما يصنع بهذا ولدي الحسين (علیه السلام) كاني به وقد استجار بحري وقبري فلا يجار ويرتحل الى ارض مقتله ومصرعه ارض كرب وبلا تنصره عصابة من المسلمين اولئك سادات شهداء امتي الى يوم القيامة فكأني انظر اليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسة صريعا ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً ثم انتحب (صلی الله علیه وآله وسلم) باكياً وبكى وابكى من حوله وارتفعت اصواتهم بالضجيج ثم قام وهو يقول اللهم اني اشكو اليك ما باقى اهل بيتي بعدي.

«واخبر ايضا امير المؤمنين «علیه السلام» بشهادته كما في اللهوف عبد الله بن يحيى قال رحلنا مع امير المؤمنين «علیه السلام» الى صفين فلما حاذى نينوى نادى صبراً ابا عبدالله فسئل عن ذلك فقال (علیه السلام) دخلت على رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» يوما فرأيته وعيناه تفيضان فقلت بابي انت وامي یا رسول الله ما لعينيك تفيضان أأغضبك احمد قال لا بل كان عندي جبرئيل فاخبرني ان الحسين يقتل بشاطىء الفرات وقال لي هل لك ان اشمك

ص: 185

من تربته قلت نعم فمد يده واخذ قبضته من تراب فاعطانيها فلما نظرت الى التربة لم املك عيني ان فاضتا وسألت عن اسم الارض قال كربلا فلما انت على الحسين سنتان خرج النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» الى سفر له فبينما يسير اذ وقف في طريقه وقال انا لله وانا اليه راجعون و دمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال هذا جبرئيل يخبرني عن ارض بشط الفرات يقال لها كربلا وفي نسخة عن هذه الارض يقتل فيها ولدي الحسين وكأني انظر اليه والى مصرعه ومدفنه بها وكأني أنظر إلى السبايا على اقتاب المطايا وقد اهدي رأس ولدي الحسين الي يزيد «لع» فوالله ما ينظر احد الى رأس الحسين ويفرح إلا وخالف قلبه ولسانه وعذبه الله عذابا التيماً لعن الله ابن مرجانة اذ كان ينظر الى رأس الحسين و يظهر الفرح والسرور ويتبسم ويقول ياحسين لقد كنت حسن المضحك (الخ) ثم رجع النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» من سفره مغموماً مهموما كثيباً حزيناً فصعد المنبر واصعد معه الحسن والحسين «علیهما السلام» و خطب الناس ووعظهم فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى رع على رأس الحسن وبده اليسرى على رأس الحسين وقال اللهم ان محمداً عبدك ورسولك وهذان اطائب عترتي وخيار ارومتي وافضل ذريتي ومن اخلفهما في امتي وقد اخبرني جبرئيل ان ولدي هذا مقتول بالسم والآخر شهيد مضرج بالدم اللهم فبارك له في قتله و اجعله من سادات الشهداء اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله واصله حر نارك واحشره في اسفل درك الجحيم قال فضج الناس بالبكاء والعويل فقال لهم النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» ايها الناس ا تبكونه ولا تنصرونه اللهم فكن أنت له وليا وناصراً ثم قال ایها الناس (يا قوم خل) اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وارومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ألا اني لا اسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي ان اسألكم عنه اسألكم عن المودة في القربى فاحذروا ان تلقونى غداً على الحوض وقد آذينم عترتي وقتلتم اهل بيتى وظلمتوهم سود الله وجوه قوم بلغتهم وصية رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» في العترة

ص: 186

وصنعوا بالعترة ما صنعوا من القتل والنهب والضرب والشتم والصلب و بلغوا من ذلك حتى قال زين العابدين في خطبته بالمدينة والله لو ان رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا (الخ) ثم قال (صلی الله علیه وآله وسلم) ألا انه سترد علي في يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الامة الاولى راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة فتقف علي فاقول لهم من انتم فينسون ذكري ويقولون نحن اهل التوحيد من العرب فاقول لهم انا احمد نبي العرب والعجم فيقولون نحن من امتك فاقول كيف خلفتموني من بعدي فى اهل بيتي وعترتي وكتاب ربي فيقولون اما الكتاب فضيعناه واما العترة فحرصنا ان نبيدهم عن جديد الارض فلما اسمع ذلك منهم أعرض عنهم بوجهي فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم ثم ترد عليّ راية اخرى اشد سواداً من الاولى فاقول لهم كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين كتاب الله وعترتي فيقولون اما الاكبر فخالفناه واما الاصغر فمزقناه كل ممزق فاقول اليكم عني فيصدرون عطاشاً مسودة وجوههم ثم ترد علي راية تلمع وجوههم نوراً فاقول لهم من انتم فيقولون نحن اهل كلمة التوحيد والتقوى من امة محمد المصطفى ونحن بقية اهل الحق حملنا كتاب الله وحللنا حلاله وحرمنا حرامه واحببنا ذرية نبينا محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) و نصر ناهم من كل ما نصرنا به انفسنا وقاتلنا معهم من ناو أهم فاقول لهم ابشر وافانا نبيكم محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم ثم اسقيهم من حوضي فيصدرون مروين مستبشر بن ثم يدخلون الجنة خالدين فيها ابد الا بذين (وممن) اخبر بشهادة الحسين (علیه السلام) مولانا ابو محمد الحسن الزكي (علیه السلام) كما فى مثير الاحزان روي ان الحسين (علیه السلام) دخل على اخيه الحسن (علیه السلام) فلما نظر اليه بكى فقال ما يبكيك يا ابا عبد الله فقال ابكي لما يصنع بك فقال له الحسن (علیه السلام) ان الذي يؤتى الي سم فاقتل به ولكن لا يوم كيومك بزدلف اليك ثلاثون الف رجل يدعون انهم من امة جدنا فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسي

ص: 187

ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك فعندها تحل بني امية اللعنة وتمطر السماء دماً ويبكي عليك كل شيء حتى الوحش في الفلوات والحسمتان في البحار الا لعنة الله على القوم الظالمين

المجلس الحاد يعشر في فضل الشهداء معه «علیهم السلام»

قال الله تعالى (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً) ولا يخفى ان افضل اهل الجنان هم الشهداء لا نهم بذلو امهجهم في سبيل الله وهي اعز الاشياء فجزاؤهم من الله خير الجزاء وقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فوق كل بر بر حتى يقتل في سبيل الله فليس فوقه بر وما من قطرة احب الى الله عز وجل من قطرة دم في سبيل الله وللشهيد سبع خصال وسبع كرامات من الله اول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب والثانية يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين وتمسحان الغبار عن وجهه وتقولان له مرحباً بك وهو يقول مثل ذلك لهما والثالثة يكسى من كسوة الجنة والرابعة تبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة ايهم يأخذه معه والخامسة برى منزله في الجنة والسادسة يقال لروحه اسرح في الجنة حيث شئت والسابعة ان ينظر في الله تعالى وانه لراحة لكل نبي وشهيد وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) الشهداء على نمارق النور بباب الجنة في قبة خضراء يخرج اليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية وهو قوله عز وجل (ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) وما من احد يفارق الدنيا يجب ان يرجع الى الدنيا ساعة من النهار وان له الدنيا وما فيها إلا الشهيد فانه يحب ان يرد الى الدنيا فيقاتل في سبيل الله تعالى فيقتل مرة اخرى ثم اعلم ان افضل الشهداء مقاماً واعلاهم مكانا اصحاب الحسين (علیهم السلام) كما قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حين اخبر بشهادته واما الحسين فتنصره عصابة من المسلمين أولئك من سادات شهداء امتي يوم القيامة وفي خبر آخر في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون الي القتل وفي خبر ميثم

ص: 188

اعلمي ياجبلة ان الحسين سيد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء فضلا ودرجة وخبر آخر عن امير المؤمنين (علیه السلام) قال وخير الخلق وسيدهم بعد الحسن اخوه ابني الحسين المظلوم بعد اخيه المفتول فى ارض كربلا وهي ارض كرب و بلاء ألا وان اصحابه من سادات الشهداء يوم القيامة وفى خبر ورد علي (علیه السلام) بكر بلا قال هنا والله مناخ ركاب ومصارع عشاق ومدفن شهداء لا يسبقهم بالفضل من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم ولأنهم أفضل الشهداء خصهم الله بكرامات من بين جميع الشهداء منها ما قال الحسين (علیه السلام) لأصحابه ان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال لي يابني انك ستساق الى العراق وهي ارض قد التقى بها النبيون واوصياء النبيين وهي ارض تدعى عموراء وانك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من اصحابك لا يجدون ألم مس الحديد وتلا رسول الله «ص» يانار كوني برداً وسلاما على ابراهيم يكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاما منها ما قال الصادق (علیه السلام) انهم كشف لهم الغطاء ورأوا منازلهم في الجنة قبل ابراز هم كما في زيارة الناحية اشهد لقد كشف الله لكم الغطاء ومهد لكم الوطاء واجزل لكم العطاء وكنتم عن الحق غير بطاء وانتم لنا فرطاء ونحن لكم خلطاء في دار البقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومن اجل ذلك كان الرجل منهم يقدم على القتال ايبادر الى منزله وحوره و قصوره من الجنة ومن كراماتهم عند الله ما ورد في خير ام ايمن فاذا برزت تلك العصابة الى مضاجعها تولى الله قبض ارواحها بيده (الخ) فليراجع هناك منها ما قال كعب الاخبار ان فى كتابنا ان رجلا من ولد محمد «ص» رسول الله يقتل ومعه أصحابه ولا يجف عرق دواب اصحابه حتى يدخلوا الجنة فيما نقوا حور العين فمر بنا الحسن (علیه السلام) فقلنا هو هذا قال لا فمر بنا الحسين (علیه السلام) فقلنا هو هذا قال نعم وقال كعب الاخبار بعد ذكره فتن الدنيا واعظمها فتنة واشدها مصيبة لا تنسي الى ابد الآبدين مصيبة الحسين (علیه السلام) وهي الفساد الذي ذكره الله

ص: 189

تعالى في كتابه المجيد حيث قال ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس فتح الفساد بقتلها بيل ابن آدم وختم بقتل الحسين (علیه السلام) وانه يسمى في السماء الحسين المذبوح وفي الارض ابا عبدالله المقتول (وفي البحار) الفرخ الازهر المظلوم وانه يوم قتله تنكسف الشمس بالنهار ومن الليل ينخسف القمر وتدوم الظلمة على الناس ثلاثة ايام وتمطر السماء دماً ورماداً وتدكدك الارض والجبال وتغطيط البحار ولولا بقية من ذريته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثاره اصب الله عليهم ناراً من السماء واحرقت الارض ومن فيها انتهى واما كراماتهم في الجنة فهي لا تعد ولا تحصى و من اجل هذه المقامات ما من شهيد إلا ويتمنى ويجب لو ان الحسين بن علي حي ويقتل معه ويدخل الجنة معه ولكنه محال لأن اصحاب الحسين (علیهم السلام) معلوم من قبل ذلك كما قال ابن عباس لما عوتب على تركه الحسين (علیه السلام) فقال ان اصحاب الحسين (علیهم السلام) قال لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا نعرفهم باسمائهم واسماء آبائهم من قبل شهودهم ابن الحنفية وان اصحابه لمكتوبون باسمائهم واسماء آبائهم يقول الرائي في مدح اصحاب الحسين (علیهم السلام)

اسود الوغى غاباتهم اجم القنا *** لهم في متون الصافنات مقيل

ليوث لهم بيض الصفاح مخالب *** غيوث لهم ضب الدماء مسيل

فيا طوبى لهم ثم ياطوبي لهم وفي شرح السيد الجليل السيد نعمة الله الجزائري على تهذيب شيخنا الطوسي قدس سرهما في شرح المكاسب قال الصادق (علیه السلام) اني اعد نفسي مع من قتل فى الطف وذلك لقوة عزمه على طلب الشهادة لو كان حاضراً فى تلك الواقعة وانت ايها السامع اذا احببت ان تشاركهم في مقامهم وما أعد لهم الكرامات والاجر والثواب فقل متى ذكرتهم ياليتني كنت معهم فافوز فوزاً عظيما كما في خير ريان بن شبيب كما انه اذا احببت ان تسكن الغرف المبنية في الجنة مع

ص: 190

النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فالمن قتلة الحسين (علیه السلام) وكيف لا تلعن من لعنه اهل السموات والارضين قال «في البحار» أول من لمن قاتل الحسين ابراهيم الخليل وامر ولده بذلك واخذ عليهم العهد والميثاق ثم لعنه موسى بن عمران و امر امته بذلك ثم لمنه داود وامر بني اسرائيل بذلك ثم امنه عيسى وقال يا بني اسرائيل العنوا قاتل الحسين (علیه السلام) وان أدركتم ايامه فلا تجلسوا عنه فان الشهيد معه كالشهيد مع الانبياء مقبل غير مدير وكأني أنظر الى بقعته وما من نبي إلا وقد زار كربلا ووقف عليها وقال انك لبقعة كثيرة الخير فيك يدفن القمر الازهر وفي خبر لعن قاتل الحسين (علیه السلام) جميع اهل السموات والارضين من الجن والانس والوحش والطير ومن الطيور التي تلعن قاتل الحسين (علیه السلام) الحمام الراعبية قال جعفر بن محمد (علیه السلام) لبعض اصحابه اتخذوا الحمام الراعبية في منازلكم فانها تلعن قتلة الحسين (علیه السلام) وقال (علیه السلام) قاتل الحسين (علیه السلام) ولد زنا كما ان قاتل يحيى بن زكريا ايضاً ولد زنا (في البحار) عن الرضا (علیه السلام) عن آبائه قال قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قاتل الحسين بن علي (علیه السلام) في تابوت من نار عليه نصف عذاب اهل الدنيا وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتى يقع في قعر جهنم وله ريح يتعوذ اهل النار الى ربهم من شدة نتنه وهو فيها خالد ذائق العذاب الاليم مع جميع من شابع على قتله كلما نضجت جلودهم بدل الله عز وجل عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الاليم لا يفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنم فالويل لهم من عذاب النار وفيه ايضاً ان موسى بن عمران سأل ربه عز وجل وقال يارب ان اخي هارون مات فاغفر له فاء حى الله عز وجل اليه ياموسى لو سألتني في الاولين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي (علیه السلام) فاني انتقم له من قاتله وفيه ايضا قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ان في النار منزلة لم يكن يستحقها احد من الناس الا بقتل الحسين بن علي ويحيى بن زكريا وفي خبر موسى (علیه السلام) سأل ربه وقال يارب وما لقاتليه من العذاب قال يستغيث

ص: 191

منه اهل النار في النار لا تنالهم رحمتي وا شفاعتي جده ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الارض قال موسى برئت اليك اللهم منهم وممن رضی بفعالهم فقال سبحانه ياموسی كتبت رحمة لتابعيه من عبادي واعلم انه من بكى عليه أو انكي او تباكى حرمت جسده اع على النار (في البحار) لما جمع ابن زياد (لع) قومه لحرب الحسين كانوا سبعين الف فارس فقال ابن زیاد ايها الناس من منكم يتولى قتل الحسين وله ولاية الري أو ولاية أي بلد شاء فلم يجبه احد منهم فاستدعي بعمر بن سعد (لع) وقال له ياعمر اريد ان تتولى حرب الحسين بنفسك فقال له اعفني من ذلك فقال ابن زياد قد اعفيتك ياعمر قاردد علينا عهدنا الذي كتبنا اليك بولاية الري فقال عمر امهاتي الليلة فقال له قد امهلتك فانصرف عمر بن سعد الى منزله وجعل يستشير قومه واخوانه ومن يثق به من اصحابه فلم يشر احد بذلك وكان عند عمر بن سعد رجل من اهل الخير يقال له كامل وكان صديقاً لأبيه سعد من قبل فقال ياعمر مالي اراك بهيئة وحركة فما الذي انت عازم عليه و كان كامل كاسمه ذا رأي وعقل ودين كامل فقال له ابن سعد (لع) اني قد وليت امر هذا الجيش في حرب الحسين (علیه السلام) وانما قتله عندى واهل بيته كاكلة اكل أو كشربة ماء واذا قتلته خرجت الى ملك الري فقال له كامل اف لك يا عمر بن سعد تريد ان تقتل الحسين ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اف لك ولدينك يا عمر اسفهت الحق وضلات الهدى أما تعلم الى حرب من تخرج ولمن تقاتل انا لله وانا اليه راجعون والله لو اعطيت الدنيا وما فيها على قتل رجل واحد من امة محمد لما فعلت فكيف تريد أن تقتل الحسين ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وما الذى تقول غداً لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرة عينه وثمرة فؤاده و ابن سيدة نساء العالمين وابن سيد الوصيين وهو سيد شباب اهل الجنة من الخلق اجمعين وانه في زماننا هذا منزلة جده في زمانه وطاعته فرض علينا كطاعته وانه باب الجنة والنار فاختر لنفسك ما انت

ص: 192

تختار واني اشهد بالله ان حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلا قليلا فقال له عمر بن سعد (لع) افبالموت تخوفني واني اذا فرغت من قتله اكون اميراً على سبعين الف فارس واتولى ملك الري فقال له كامل اني احدئك بحديث صحيح ارجولك فيه النجاة ان وفقت لقبوله اعلم اني سافرت مع ابيك سعد الى الشام فانقطعت بي مطيتي عن اصحابى وتهت وعطشت فلاح لي دير راهب فملت اليه ونزلت عن فرسي واتيت الى باب الدير لأشرب ماء فاشرف عليّ راهب من ذلك الدير وقال ما تريد فقلت له اني عطشان فقال لي انت من امة هذا النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) الذين يقتل بعضهم بعضاً على حب الدنيا مكالبة ويتنافسون فيها على حطامها فقلت له انا من الامة المرحومة امة محمد «صلی الله علیه وآله وسلم» فقال انكم اشر امة فالويل لكم يوم القيامة وقد عدوتم على عترة نبيكم وتسبون نساءه وتنهبون امواله فقلت له ياراهب نحن نفعل ذلك قال نعم وانكم اذا فعلتم ذلك عجبت السموات والارضون والبحار والجبال والبراري والقفار والوحوش والاطيار باللعنة على قائله ثم لا يلبث قاتله في الدنيا إلا يسيراً ثم يظهر رجل يطلب بثاره فلا يدع احداً شرك في دمه إلا قتله وعجل الله بروحه الى النار ثم قال الراهب انى لارى لك قرابة من قاتل هذا الابن الطيب والله اني لو ادركت ايامه لوقيته بنفسي من حر السيوف فقلت يا راهب اني اعيذ نفسي ان اكون ممن يقاتل ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال ان لم تكن انت فرجل قريب منك وان قاتله عليه نصف عذاب اهل النار وان عذا به اشد من عذاب فرعون وهامان ثم رد الباب في وجهي ودخل يعبد الله تعالى وابى ان يسقيني قال كامل فركبت فرسي ولحقت باصحابي فقال لي ابوك سعد ما ابطاك عنا يا كامل فحدثته بما سمعته من الراهب فقال لي صدقت ثم ان سعداً اخبرني انه نزل بدير هذا الراهب مرة من قبلي فاخبره انه هو الرجل الذي يقتل ابن بنت رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» فخاف ابوك سعد من ذلك

ص: 193

وخشي أن تكون انت قاتله فا بعدك عنه واقصاك فاحذر ياعمر ان تخرج عليه فيكون عليك نصف عذاب اهل النار قال فباغ الخير ابن زياد فاستدعى بكامل وقطع لسانه فعاش يوما أو بعض يوم ومات رحمه الله وما ارتدع وما امتنع عمر بما سمع عما عزم عليه حتى خرج الى حرب الحسين عليه السلام الى آخره.

الفصل الثالث

اشارة

فيما جرى بينه وبين معاوية وموت معاوية ووصيته ليزيد اللعين وكتاب يزيد الى الوليد بأخذ البيعة من الحسين (علیه السلام) وسبب خروجه (علیه السلام) من المدينة وفيه ثلاثة مجالس (المجلس الاول) فيما جرى بينه وبين معاوية و (المجلس الثاني) في مرض معاوية و وصيته وهلاكته و كتاب يزيد الى عماله وكتابه الى والي المدينة في امر البيعة (والمجلس الثالث) في شعب بني امية وشعبة مروان وشقاوة مروان وابيه الحكم بن ابي العاص وما قد جرى بين مروان والحسين (علیه السلام).

المجلس الاول

(في البحار) قيل لمعاوية ان الناس قد رموا ابصارهم الى الحسين «علیه السلام» فلو قد امرته ان يصعد المنبر فيخطب فان فيه حصراً وفي لسانه كلالة فقال لهم معاوية قد ظننا ذلك بالحسن فلم يزل حتى عظم في اعين الناس وفضحنا فيلم يزالوا به حتى قال للحسين یا ابا عبد الله لو صعدت المنير فخطبت الناس فصعد الحسين (علیه السلام) المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم صلى على النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» فسمع رجلا يقول من هذا الذي يخطب فقال الحسين «علیه السلام» نحن حزب الله الغالبون و عترة رسول الله الاقربون واهل بيته الطيبون واحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ثاني كتاب الله تبارك وتعالى الذي فيه تفصيل كل شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والممول علينا في تفسيره

ص: 194

ولا يبطئنا تأويله بل تقبع حقايقه قاطيعونا فان طاعتنا مفروضة اذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة قال الله عز وجل اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول وقال ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا واحذركم الاصفاء الى هتوف الشيطان بكم فانه لكم عدو مبين فتكونوا كاوليائه الذين لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال اني بريء منكم فتلقون السيوف ضرباً و الرماح ورداً وللعمد حطما والسهام غرضاً ثم لا يقبل من نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيراً قال معاوية حسبك يا ابا عبدالله فقد ابلغت (وفيه) ايضاً دخل الحسين «علیه السلام» على معاوية وعنده اعرابي بسأله حاجة فامسك وتشاغل بالحسين «علیه السلام» فقال الاعرابي لبعض من حضر هذا الذي دخل قالوا الحسين بن علي «علیه السلام» فقال الاعرابي للحسين عليه السلام اسألك يا ابن بنت رسول الله لما كلمته في حاجتي فكلمه الحسين «علیه السلام» في ذلك فقضى حاجته فقال الاعرابي:

انيت العيشي(1) فلم يجد لي *** الى ان هذه ابن الرسول

هو ابن المصطافى كرماً وجوداً *** ومن بطن المطهرة البتول

وان لهاشم فضلا علينا *** كما فضل الربيع على الفصول

فقال معاوية يا اعرابي اعطيك وتمدحه فقال الاعرابي يامعاوية اعطيتني من حقه وقضيت حاجتي بقوله «وفيه» عن المناقب قال عمرو بن العاص الحسين «علیه السلام» ما بال اولادنا اكثر من اولادكم فقال «علیهم السلام»

بغات الطير اكثرها فراخاً *** وام الصقر مقلات نزور

فقال ما بال الشيب الى شوار بنا اسرع منه الى شواربكم فقال «علیه السلام» ان

ص: 195


1- العبشمى مخفف عبد شمس (منه)

نساء كم نساء بخرة فإذا دنا احدكم من امرأته نهكته في وجه فشاب منه شاربه فقال ما بال لحاكم اوفر من لحانا فقال (علیه السلام) والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً فقال معاوية بحقي عليك إلا سكتت فانه ابن علي بن ابي طالب (علیه السلام) فقال (علیه السلام)

ان عادت العقرب عدنا لها *** وكانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب واستيقنت *** ان لا لها دنياً ولا آخرة

وفيه عن (المناقب) خطب مولانا ابو محمد الحسن المجتبى عائشة بنت عثمان فقال مروان ازوجها عبدالله بن الزبير ثم ان معاوية كتب الى مروان وهو عامله على عبدالله الحجاز بأمره ان يخطب ام كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد (لع) فاتى وهو عبدالله بن جعفر قاخبره بذلك فقال عبد الله ان امرها ليس إلا الى سيدنا الحسين (علیه السلام) خالها فاخبر الحسين (علیه السلام) بذلك فقال استخير الله تعالى لذلك اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اقبل مروان حتى جلس الى الحسين (علیه السلام) وعنده من الجلة فقال مروان ان امير المؤمنين امرني بذلك وان اجمل مهرها حكم ابيها بالغاً ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيين مع قضاء دينه واعلم ان من يغبطكم بيزيد اكثر ممن يغبط يزيد بكم والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفو من لا كفو له وبوجه يستسقى الغمام فرد خيراً يا ابا عبدالله فقال الحسين (علیه السلام) الحمد لله الذي اختارنا لنفسه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقه الى آخر كلامه ثم قال يامروان قد قلت فسمعنا أما قولك مهرها حكم ابيها بالغاً ما بلغ فلعمري ثنتا لو اردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في بناته ونسائه واهل بيته وهو عشرة اوقية يكون اربعمائة وثمانين درهما وأما قولك مع قضاء دين ابيها فمتى كن نساؤنا تقضين عنا دبوننا وأما صلح ما بين هذين الحيين فانا قوم عاديناكم في الله ولم نكن

ص: 196

نصالحكم للدنيا فلقد اعي النسب فكيف السبب وأما قولك العجب كيف يستمهر يزيد فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن ابي يزيد ومن جد يزيد وأما قولك ان يزيد كفو من لا كفو له فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته في الكفاءة شيئاً وأما قولك بوجهه يستسقى الغمام فانما كان ذلك بوجه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأما قولك من يغبطنا به اكثر ممن يغبطه بنا فانما يغبطنا به اهل الجهل ويغبطه بنا اهل العقل ثم قال بعد كلام فاشهدوا جميعا اني قد زوجت ام كلثوم بنت عبدالله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على اربعماة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة أو قال ارضى بالعقيق وان غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار ففيها لهما غنى ان شاء الله قال فتغير وجه مروان وقال غدراً يابني هاشم تأبون إلا العداوة فذكره الحسين (علیه السلام) خطبة الحسن «علیه السلام» عائشة بنت عثمان وفعله ثم قال واين موضع الغدر يا مر و ان فقال مروان (لع)

اردنا صهركم لنجد وداً *** قد اخلقه به حدث الزمان

ولما جئتكم فجهتموني *** ويحتم في الضمير من الشنان

فاجابه ذكوان مولى بني هاشم:

اماط الله عنهم كل رجس *** وطهرهم بذلك في المثاني

فما لهم سواهم من نظير *** ولا كفو هناك ولا مداني

انجعل كل جبار عنيد *** الى الاخيار من اهل الجنان

ومن الحكايات التي وقعت في زمان معاوية بين الحسين وبين معاوية هذه الحكاية ذكرها السيد الجزائري في انوار النعمانية ان يزيد لعنه الله قال لأبيه معاوية ابن ابي سفيان ياابة قد هيأت لي وراثة الملك وما قصرت في حقي غير انه تكون لعبد الله بن الزبير امرأة يقال لها فاطمة من اجمل النساء وقد عشقتها اريد ان تزوجها مني فدعا معاوية بعبد الله بن الزبير وقال اريد ان اراعي قرابتك من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

ص: 197

واز وجك ابنتي واجعل لك ولاية المصر فانخدع به عبدالله بن الزبير وفرح و بعد يوم دعاه واخبره بانها لا ترضى إلا ان تطلق زوجتك خوفاً من الغيرة بجمالها فطلقها عبد الله حرصاً على دنياه فبعد يوم دعاه معاوية واخبره بان ابنتي تأبى وتقول انه لم يف لصاحبته وهي صاحبة جمال وكيف يصنع بي اذا ازال الملك والمال فاغتم عبدالله غماً شديداً فتسلاه معاوية وقال لا تغتم فاني سارسل اليها نساء يرضينها فلما انقضت عدة فاطمة ارسل معاوية اليها ابا موسى الاشعري ليخطبها ليزيد فمر ابو موسى بقم بن العباس ابن عبد المطلب فقال قتم أني راغب اليها ثم مر بالحسين (علیه السلام) فاظهر روحي له الفداء الرغبة فيها فلما دخل ابو موسى عليها قال لها فلان وفلان وفلان قد رغبوا فيك وانا ايضاً كذلك فقالت أما انت فشيخ كبير وانا شابة وهؤلاء اريد منك المصلحة فقال ابو موسى ان تريدي الولاية والتنعم الدنيوي فيزيد وان تريدي العقل والجمال وقرابة الرسول فقم بن العباس وهو ابن عم رسول الله وان تريدي العلم والكمال والهيبة والجمال وقربة الرسول والزهد والتقوى ونبوة خاتم الانبياء والمواصلة للصديقة الكبرى فهو الحسين (علیه السلام) فان لحمه من لحم رسول الله وقد رأيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يقبله ويقول حسين سيد شباب اهل الجنة فقالت اخترت الحسين (علیه السلام) ولا اختار عليه غيره فزوجت من الحسين (علیه السلام) وان الحسين (علیه السلام) لما تزوجها طلقها وزوجها من زوجها عبدالله بن الزبير ففرحا كلاهما فرحا شديداً فسمع معاوية وغضب على ابي موسى وغضب يزيد عليه وعلى الحسين (علیهما السلام) غضباً شديداً وكمن منه الحقد في صدره و كان يتربص (علیه السلام) به الدوائر حتى هلك معاوية وجلس يزيد على سرير الملك كتب الى الوليد بن عتبة ما كتب وسيأتي آنها انشاء الله تعالى (ألا لعنة الله على القوم الظالمين).

ص: 198

المجلس الثاني

في الناسخ ان معاوية عاش ثمانين سنة ولم تصرمت ايامه وردت عليه كتب من اهل المدينة فوجد فيها رقعة مكتوب فيها:

اذا الرجال ولدت اولادها *** و اضطربت من كبر اعضادها

وجعلت استقامها تعتادها *** فهي زرع قد دنا حصادها

فقال هذه الرقعة تهددني بالموت وتنعى اليّ نفسي فيما مضت إلا ايام قلائل حتى ابتدأ به المرض والوجع قال المسعودي ان معاوية دخل الحمام في بده علة كانت وفاته فيها فرأى نحول جسمه فيكي لفنائه وما قد اشرف عليه من الدثور الواقع بالخليقة وقال متمثلا:

ارى الليالي اسرعت في نقضي *** اخذن بعضي وتركن بعضي

حنين طولي وحنين عرضي *** افعدتني من بعد طول نهضي

فلما اشتدت علته وايس من برثه انشأ يقول:

فياليتني لم اعن في الملك ساعة *** ولم اك في الملذات اعشى النواظر

و كنت كذى طمر بن عاش ببلغة *** من الدهر حتى زار اهل المقابر

وفى (كامل التواريخ) خطب معاوية قبل موته وقال اني كزرع مستحصد وقد طالت عليكم امرتي حتى مللتكم ومللتموني وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي ولن يأتيكم بعدي إلا من انا خير منه كما ان من قبلي كان خيراً مني وقد قيل من احب لقاء الله احب الله لقاءه اللهم اني قد احببت لقاءك فاحب لفائي وبارك لي فيه فلم يمض غير قليل حتى ابتدأ به مرضه فلما مرض المرضة التي مات فيها كان يبكي فقال له مروان اتجزع من المرض قال لا بل ابكي و اجزع على نفسي مما ارتكبت وهو قتل حجر بن

ص: 199

عدي واصحابه وغصب علي حقه ومحاربتي معه وتوليتي یزيد على امة محمد وكانت ابنته رملة تمرضه فقال لها بنية تقلبين حولا قلباً جمع المال من شب الى دب فليته لا يدخل النار ولما بلغ الناس ان معاوية قد اشتد مرضه جاءه الناس عائداً فقال ايتوني باثوابي فقام وتزين واكتحل ولبس اثوابه وغسل وجهه وتطيب ثم جلس واذن الناس وفيهم عبدالله بن عباس أو رجل آخر من بني هاشم فلما دخلوا عليه انشأ معاوية

بتجلدي للشامتين اريهم *** اني لريب الدهر لا اتضعضع

فانشأ العلوي:

واذا المنية انشبت اظفارها *** الفيت كل تميمة لا تنفع

فلما خرجوا جوا من عنده مات وهلك وارتفعت اصوات النساء واهل الدار عليه دعا في مرضه بابنه يزيد وقال يابني اني قد كفيتك الشد والترحال ووطأت لك الامور. وذللت لك الاعداء واخضعت لك رقاب العرب وجمعت ما لم يجمعه احد فانظر اهل الحجاز فانهم اصلك واكرم من قدم عليك منهم وتعاهد من غاب وانظر اهل العراق فان سألوك ان تعزل عنهم كل يوم عاملا فافعل فان عزل عامل ايسر من أن يشهر عليك مائة الف سيف وانظر اهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك فان رابك من عدوك شيء فانتصر بهم فاذا اصبتهم فاردد اهل الشام الى بلادهم فانهم ان اقاموا الى غير بلادهم تغيرت اخلافهم و لست اخاف عليك ان ينازعك في الامر إلا أربعة نفر من قريش الحسين بن علي (علیه السلام) وعبدالله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن ابي بكر فأما ابن عمر فانه رجل قد وقدته العبادة فاذا لم يبق احد غيره بايمك وأما الحسين بن علي (علیه السلام) فهو رجل خفيف ولن يتركه اهل العراق حتى يخرجوه فان خرج وظفرت به فاصفح عنه فان له رحماً ماسة وحقاً عظيما وقرابة من محمد «صلی الله علیه وآله وسلم» وأما ابن ابي بكر فان رأى اصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله ليس له همة إلا في النساء

ص: 200

واللهو وأما الذي يجتم عليك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فان أمكنته الفرصة وثب فذاك ابن الزبير فان هو فعلها بك فظفرت به فقطعه ارباً ارباً و احقن دماء قومك ما استطعت هكذا فى هذه الرواية وفي بعض الروايات ان عبد الرحمن بن ابي بكر كان قد مات قبل معاويه وفي الامالي الصدوق (رحمه الله) مسنداً عن زين العابدين (علیه السلام) لما حضرت الوفاة معاوية بن ابي سفيان دعا ابنه يزيد فاجلسه بين يديه فقال يابني اني قد ذلت لك الرقاب الصعاب ووطأت لك البلاد وجعات الملك وما فيه لك طعمة واني اخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبدالله بن الزبير والحسين بن علي ابن ابي طالب فأما عبد الله بن عمر فهو معك فلزمه ولا تدعه وأما عبدالله بن الزبير ان ظفرت به فقطعه ارباً ارباً فانه يجثو عليك اربافانه كما يجثو الأسد لفريسته ويواربك مواربة الثعلب للكلب وأما الحسين (علیه السلام) فقد عرفت حظه من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو من لحمه ودمه وقد علمت لا محالة ان اهل العراق سيخرجونه اليهم ثم يخذلونه ويضيعونه فان ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ولا تؤاخذه بفعله ومع ذلك فان لنا به خلطة ورحماً واياك ان تناله بسوء أو یرى منك مكروهاً هذه وصية معاوية ليزيد وقيل ان يزيد كان غائباً في مرض ابيه وان معاوية احضر الضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة المري فامرهما ان يؤديا عنه هذه الرسالة الى يزيد ابنه وهو الصحيح ثم ساق الكلام الى ان قال و كان في مرضه ربما اختلط في بعض الاوقات فقال مرة كم بيننا وبين الغوطة فصاحت بنته واحزناه فافاق فقال ان تنفري فقد رأيتى منفراً فلما مات خرج الضحك بن قيس حتى صعد المنبر واكفان معاوية على يديه محمد الله واثنى عليه ثم قال ان معاوية كان عود العرب وحد العرب وجد العرب قطع الله به الفتنة ومملكه على العباد وفتح به البلاد ألا انه قدمات وهذه اكفانه ونحن مدرجوه فيها ومد خلوه قبره و مخلوه بينه وبين عمله ثم ومدخلوه

ص: 201

هو الهرج الى يوم القيامة فمن كان يريد ان يشهده فعند الاولى وصلى عليه الضحاك وكان يزيد بجوار بن فكتبوا اليه بحثونه على المجيء ليدركه وقيل ان معاوية كتب في مرضه كتابا يأمره بالقدوم عاجلا كتب يابني قد قرب مني ما بعد والموت مفرق بين الأحبة فاذا قرأت كتابي فسر الي عاجلا فاني ميت لا محالة فلما وصل الكتاب اليه وقرأه انشأ يقول:

جاء البريد بقرطاس يحث به *** فاو جس القلب من قرطاسه فزعا

قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم *** قال الخليفة امسى مثبتاً وجما

فمادت الارض أو كادت تعيد بنا *** كأن ثهلان من أركانه انقلما

فاقبل يزيد مسرعاً واذا به قد دفن فاتي قبره وصلى عليه ثم دخل القبة الخضراء التي كانت دار السلطنة واغلق عليه الباب منذ ثلاثة ايام لم يأذن لأحد من الناس الدخول عليه ثم خرج بعد ثلاث واجتمع الناس حوله من الرؤساء والخطباء والامناء وهم لا يدرون ايعزونه أم يهنونه فبادر عبد الله بن همام السلولي و قال آجرك الله يا امير المؤمنين على الرزية وصبرك على المصيبة وبارك لك في العطية ومنحك محبة الرعية مضى معاوية لسبيله غفر الله له واورده موارد السرور ووفقك اصالح السياسة اصبت باعظم المصائب ومنحت افضل الرغائب فاحتسب عند الله اعظم الرزية واشكره على افضل العطية واحدث الخلفك حمداً والله يمتعنا بك ويحفظك ويحفظ لك وعليك وانشأ يقول:

اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة *** واشكر حباء الذي بالملك حاباكا

وفي معاوية الباقي لنا خلف *** أما نعيت فلا نسمع بمنعاكا

فوافقوه على ذلك ثم اقبل حتى دخل المسجد لتجديد البيعة وصعد على المنبر قافيل ضحاك بن قيس الفهري ووقف عن يمين المنبر كي يساعده في الكلام ان عجز فالتفت اليه يزيد وقال جنت تعلم بني عبد شمس الكلام ثم وقف وقال الحمد لله الذي

ص: 202

ما شاء صنع ومن شاء اعطى ومن شاء منع ومن شاء خفض ومن شاء رفع ان معاوية ابن ابي سفيان كان حبلا من حبال الله مده ما شاء ان يمده ثم قطعه حين شاه ان يقطعه فكان دون من قبله وخيراً ممن يأتي بعده ولا ازكيه وقد صار الى ربه فان يعف عنه فبرحمته وان يعذبه فبذنبه وقد وليت بعده الامر و است اعتذر من جهل (الى آخر ما قال) ثم نزل وجلس على سرير الملك وكتب الى عماله في البلاد بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله امير المؤمنين الى فلان أما بعد فان معاوية كان عبداً من عباد الله اكرمه الله بالولاية واستخلفه ومكن له فعاش بقدر ومات بأجل فرحمه الله فقد عاش حميداً رضياً ومات براً تقياً ويجب ان تأخذ اهل عملك الاصاغر منهم والأكابر البر منهم والفاجر تجديداً لبيمتنا والانقياد لأمرنا والتسارع الى طاعتنا اخذاً شديداً بلا رخصة ولا تأخير والسلام وكتب بمثل هذا الى الوليد والي المدينة وكتب اليه في صحيفة كأنها اذن قارة أما بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة اخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا وكتب اليه يا ابا محمد انفذ اليهم كتابي فمن لم يبايعك فانفذ اليّ برأسه مع جواب كتابي هذا والسلام فلما وصل الكتاب الى الوليد وجه في طلب هؤلاء وكانوا مجتمعين عند تربة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال عبد الله بن الزبير للحسين (علیه السلام) يا ابا عبدالله ما نظن انه يريد بنا فقال (علیه السلام) اظن ان طاغيتهم قد هلك وبعث الينا ليأخذ البيعة علينا ليزيد (لع) قبل ان يفشي الخبر في الناس فقال ابن الزبير والله ما ابايع يزيد ابدا وقال عبد الله بن عمر انا لا اجيب الوالي يعني الوليد ادخل الدار و اغلق الباب على نفسى فقال الحسين (علیه السلام) انا لا بد لي من الدخول على الوليد والاطلاع على ما هو عليه فبينما هم في ذلك الكلام اذا أقبل رسول الوليد ثانياً وهو عمر و بن عثمان ابن عفان وقال اجيبوا فقد طال الانتظار من الامير فصاح الحسين (علیه السلام) ويلك ارجع فانا مجيبه في لقائه وان لم يجبه احد فقاموا من مكانهم وتفرقوا وأقبل (علیه السلام) حتى دخل

ص: 203

على الوليد وجلس وجرى بينه وبين الوليد في ذكر البيعة ما جرى ثم خرج الحسين (علیه السلام) من عند الوليد وكتب الوليد الى بزبد كتابا فيه الى عبدالله بزيد امير المؤمنين من الوليد بن عتبة بن ابي سفيان أما بعد فان الحسين (علیه السلام) ليس يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك في امره والسلام فكتب يزيد (لع) في جوابه ا بعد فاذا اتاك كتابي هذا فعجل عليّ بجوابه و بين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي (علیه السلام) والسلام فلما وصل الكتاب الى الوليد جعل يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لا والله لا يراني الله اقتل ابن بنت رسول الله ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها وكان الوليد يتحرز من قتل الحسين (علیه السلام) غاية التحرز ولذا لما خرج الحسين (علیه السلام) من المدينه قال الحمد لله الذي خرج ولم يبتلني بدمه هذا ما كان من امر الوليد وأما ما كان من امر الحسين (علیه السلام) فلما علم ما اشار به يزيد (لع) في قتله عزم على الخروج من المدينة فودع قبر جده وخرج يقول الرائي:

حيث المصائب جمة لم أدر ما *** منها اقص عليك اذ كامتني

المصيبة التوديع يوم خروجه *** اذ قال ياجداه عندك ضمني

لا حاجة لي في البقا فاجابه *** خير الورى بتفجع وتحزن

احسين ياريحانتي صبرا فذى *** دار بها كتب البلا للمؤمن

أم قصة التوديع إذ نادى ألا *** هل من يقدم لي الجواد فتنثني

ام المصائب زينب تدعوه يا *** سؤلي ويا بقية من فني

انسان عيني ياسويدة مهجتي *** وبياض عيني قرة للأعين

انت الذي اخرجتني من منزلي *** ولدى الشدائد والبلا انزلتني

قالت اخي ان كنت تقتل جهرة *** قبل القتال الى المدينة ردني

فاجابها هيهات لو ترك القطا *** لغفا ونام بليلة في الموطن

ص: 204

المجلس الثالث

قال الله تعالي فى كتابه الكريم (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال الناس لعلهم يتذكرون ومثل كلية خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض مالها من قرار) لا يخفى ان الشجرة الطيبة هي محمد وآل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) والشجرة الخبيثة هي امية وآل امية وفي آية أخرى عبر عن هذه الشجرة بالمامونة قال عز من قائل (والشجرة الملعونة فى القرآن) وهؤلاء امنهم الله يتشعبون الى ثلاث شعب شعبة من عثمان وشعبة من الي سفيان وشعبة من مروان و هم ابوسفیان صخر بن حرب بن امية وعثمان بن عفان بن ابي العاص بن امية ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية ومروان لعنه الله من بين هؤلاء الثلاثة كان اكفرهم واشقاهم واخبثهم وكان كثير العداوة بالنسبة الى القرية الطاهرة المطهرة وشديد البغض بالنسبة الى امير المؤمنين (علیه السلام) حتى في الخبر كان اللعين والياً على المدينة في زمان معاوية فصعد المنبر وخطب الناس وقال في امير المؤمنين (علیه السلام) ما قال فبلغ ذلك الحسين (علیه السلام) وقيل له ان مروان قد وقع في علي (علیه السلام) فقال (علیه السلام) فما كان في المسجد احد قالوا نعم كان اخوك الحسن (علیه السلام) لكنه سكت وما قال له شيئاً فقام الحسين (علیه السلام) مغضباً حتى دخل على مروان وقال له يا ابن الزرقاء ويا ابن آكلة الفصل انت الواقع في علي (علیه السلام) قال له مروان انك صبي لا عقل لك فقال له الحسين (علیه السلام) ألا أخبرك بما فيك وفي اصحابك وفي علي وشيعته فان الله تعالى يقول (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً) فذلك لعلي وشيعته فانما يسرناه باسابك لتبشر به المتنين و المتقين هم علي وشيعته فبشر بذلك لهم النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)

ص: 205

دخل عليه زين العابدين (علیه السلام) فقال مروان ما اسمك قال علي قال وما اسم اخيك قال علي فقال علي وعلي ما يريد ابوك ان يدع احداً من اولاده إلا سماء علياً قال زين العابدين (علیه السلام) فرجعت الى ابي واخبرته بذلك فقال وبل على ابن الزرقاء دباغة الادم لو ولد لي مائة لأحيت ان لا اسمي احداً منهم إلا علياً قال مروان يوماً الحسين (علیه السلام) لولا فيحكم بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا فوثب الحسين (علیه السلام) غضباناً وكان (علیه السلام) شديد القبضة فقبض على حلقه فعصره ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه ثم تركه واقبل على جماعة من قريش وقال انشدكم الله إلا ما صدقتموني ان صدقت اتعلمون في الارض حبيبيين كانا احب الى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) منى ومن اخي أو على ظهر الارض ابن بنت نبي غيري وغير اخي قالوا لا قال واني لا اعلم ان في الارض ملعون ابن مامون غير هذا وابيه طريد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ولا اعلم والله ما بين جابرس وجابلق احدهما بباب المشرق والآخر بباب المغرب رجلين ممن ينتحل الاسلام اعدى الله ولرسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) ولأهل بيته منك ومن ابيك اذا كان وعلامة قولي فيك انك اذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك أو قال عن عاتقك قال فوالله ما قام مروان من مجلسه حتى غضب وسقط رداؤه عن منكبه اغتاظ اللعين من الحسين (علیه السلام) ومكن منه الحقد في صدره وكان ينتظر يوما لاظهار ما في صدره من الاحقاد حتى هلك معاوية وذلك في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد الى الوليد بن عتبة بن ابي سفيان وكان والياً على المدينة من قبل ابيه ان يأخذ الحسين (علیه السلام) بالبيعة له ولا يرخص له في التأخر عن ذلك وفي اللهوف كتب ان ابي عليك فاضرب عنقه و ابعث الي برأسه فاحضر الوليد مروان واستشاره في امر الحسين (علیه السلام) فقال انه لا يقبل ولو كنت مكانك فاضرب عنقه فقال الوليد ليتني لم اك شيئاً مذكوراً وعن الارشاد فانفذ الوليد الى الحسين «علیه السلام» في الليل فاستدعاه فعرف الحسين «علیه السلام»

ص: 206

الذي اراد فدعا جماعة من واليه وامر هم بحمل السلاح فقال لهم ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت و است آمن من ان يكلفني فيه امراً لا اجيبه اليه وهو غير مأمون عليّ فكونوا معى فاذا دخلت عليه فاجلسوا على الباب فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا ليمنعوه مني فصار الحسين «علیه السلام» الى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى اليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين (علیه السلام) ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما امره فيه من اخذ البيعة منه فقال له الحسين (علیه السلام) اني لا اراك تقنع ببيعتي ليزيد سراً حتى ابايعه جهراً فيعرف ذلك الناس فقال الوليد له اجل فقال الحسين (علیه السلام) فتصبح وترى رأيك في ذلك فقال له الوليد انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس فقال له مروان والله لئن فارقك الحسين (علیه السلام) الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها ابداً حتى تكثر القتلى بينكم امبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب عند ذلك الحسين (علیه السلام) فقال يا ابن الزرقاء انت تقتلني أم هو كذبت والله وانمت (في اللهوف) ثم اقبل (علیه السلام) الى الوليد وقال ايها الامير انت تعلم بانا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله و بنا ختم الله ويزيد رجل فاق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور وان مثلي لا يبايع مثله لكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون اينا احق بالخلافة والبيعة (وعن المناقب) فقام مروان وجرد سيفه وقال مر سيافك ان يضرب عنقه قبل ان يخرج من الدار ودمه فى عنقي وارتفعت الصيحة فهجم تسعة عشر رجلا من اهل بيته وقد انتضوا خناجرهم فخرج الحسين (علیه السلام) معهم بيض الله وجوههم وبارك الله لهم في مودتهم ونصرتهم لسيدهم وفيهم قال المرحوم السيد جعفر الحلي:

هم فتية قد ارخصوا لفدائه *** ارواح قدس سومين خطير

هم فتية خطبوا العلى بسيوفهم *** ولها النفوس الغليات مهور

ص: 207

فرحوا وقد نعيت نفوسهم لهم *** وكأن لهم نامي النفوس بشير

ركضوا بار جلهم إلى شرك الردى *** وسعوا وكل سعيه مشكور

(اقول) هذا يوم بمجرد ما سمعوا صوت الحسين (علیه السلام) هجموا وطافوا به وسيوفهم مسلولة ويوم آخر وقف الحسين (علیه السلام) بينهم فكلما ندبهم ودعاهم واستغاث بهم و ناداهم فلم يجيبوه حتى قال (علیه السلام) يا ابطال الصفا ويا فرسان الهيجاء مالي اناديكم فلا تجيبون وادعوكم فلا تسمعون (الخ) و لما اخرج الحسين (علیه السلام) من عند الوالي التفت مروان الى الوالي وقال والله عصيتني لا يمكنك الحسين (علیه السلام) مثلها من نفسه ابداً فقال له الوليد يا مروان انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ودنياي والله ما احب ان لي ما طلعت عليه ما شمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها واني قتلت حسيناً سبحان الله اقتل حسيناً ان قال لا ابايع والله اني لأظن ان امرءاً يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند الله القيامة فقال مروان فاذا كان هذا رأيك فقد اصبت بما صنعت يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه فلما كان من الغد خرج الحسين (علیه السلام) من منزله يستمع الاخبار فلقيه مروان وقال يا ابا عبد الله اني لك ناصح اطمني ترشد فقال (علیه السلام) وما ذك قل حتى اسمع قال أني آمرك ببيعة بزيد بن معاوية فانه خير لك في دينك ودنياك فقال الحسين «علیه السلام» انا لله وانا اليه راجعون وعلى الاسلام السلام اذ قد بليت الامة براع مثل يزيد

فياذلة الاسلام من بعد عزه *** اذا كان والي المسلمين بزيد

وقال الآخر:

مثل ابن فاطمة ببيت مشرداً *** ويزيد في لذاته متنعم

یرقى منابر احمد متأمرا *** في المسلمين و ليس بنكر مسلم

و كان مروان لعنه الله مغضباً على الحسين (علیه السلام) و بقي ذلك الغيظ في قلبه حتى

ص: 208

قتل الحسين (علیه السلام) وجيء برأسه الى يزيد وكان مروان (لع) بالشام جالساً الى جنب يزيد «لع» جعل اللعين يهز اعطافه فرحا بقتل الحسين «علیه السلام» ثم مد يده الى الطشت واخذ رأس الحسين «علیه السلام» بيده وانشأ يقول:

يا حبذا بردك في اليدين *** ولونك الاحمر في الخدين

يلمع في الطشت من اللجين *** كأنما حف بوردتين

شفيت نفسي من دم الحسين *** اخذت ناري وقضيت ديني

كيف رأيت الضرب ياحسين

و لكن ذكر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة في ذكر حكم بن ابي العاص وابنه مروان يقول وأما ابنه مروان فاخبت عقيدة واعظم الحاداً وكفراً وهو الذي خطاب يوم وصل اليه رأس الحسين «علیه السلام» الى المدينة وهو يومئذ اميرها وقد حمل الرأس على يديه وقال يا حبذا (الخ) ثم رمى بالرأس نحو قبر رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وقال يا محمد يوم بيوم بدر وبعد ذلك اخذ ينكت وجهه بقضيب «وعن تاريخ البلاذري» انه لما وافى رأس الحسين (علیه السلام) المدينة سمعت الواعية من كل جانب وناحية وخرجت ام لقمان بنت عقيل حاسرة ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها ومعها اخواتها ام هاني واسماء ورملة وزينب بنات عقيل تبكي قتلاها وهي تقول:

ماذا تقولون اذ قال النبي لكم *** ماذا فعلتم وانتم آخر الامم

بعترتي وباهلي بعد مفتقدي *** منهم اسارى ومنهم ضر جوا بدم

ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم *** ان تخلفوني بسوء في ذوي رحم

دخلت صارخة على ام سلمة تصرخ وقالت قتل الحسين قالت ام سلمة فعلوها ملأ الله قبورهم نارا (ألا لعنة الله على القوم الظالمين).

ص: 209

الفصل الرابع

اشارة

فى خروجه عليه السلام من المدينة ووداعه «علیه السلام» مع جده ومع الهاشمیین والهاشميات وهذا الفصل يشتمل على اربعة مجالس.

المجلس الاول

خرج الحسين من المدينة خائفاً *** كخروج موسى خائفاً يتكنم

فلما علم الحسين «علیه السلام» ما اشار به يزيد في قتله ان لم يبايع عزم على الخروج من المدينة (قال في البحار) فلما كان الليل اقبل الى قبر رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وقف باكياً وقال السلام عليك يارسول الله انا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسيطك الذي خلفتني في امتك فاشهد عليهم يا نبي الله انهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواي اليك حتى القاك (قال ابو مخنف) وقف باكيا وقال بابي انت وامي يارسول الله اني خارج من جوارك كرها وفرقوا بيني وبينك حيث اني لم ابايع ليزيد شارب الخمور وراكب الفجور وفاعل الشرور فان انا فعلت كفرت و ان ابيت قتلت وها انا خارج من جوارك على أكراء مني فعليك السلام ياسيدي ورجع الى منزله حتى الصبح فلما كانت الليلة الثانية خرج الى القبر ايضا وصلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول اللهم هذا قبر نبيك محمد «صلی الله علیه وآله وسلم» و انا ابن بنت نبيك وقد حضر ني من من الامر ما قد علمت اللهم اني احب المعروف وانكر المنكر وانا اسألك ياذا الجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه الا اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى ثم جعل يبكي عند القبر حتى اذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فاغفى فاذا هو برسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين بديه حتى

ص: 210

ضم الحسين الى صدره وقبل بين عينيه وقال حبيبي ياحسين كأني اراك من قريب مر ملا بدمائك مذبوحا بارض كرب و بلاء بين عصابة من امتي وانت مع ذلك عطشان لا تسقى وظمان لا تروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة لا انا لهم الله شفاعتي حبيبي ياحسين ان اباك وامك واخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون اليك وان لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة فجعل الحسين «علیه السلام» في منامه ينظر الى جده و يقول ياجداه لا حاجة لي في الرجوع الى الدنيا فخذني اليك وادخلني معك في قبرك يقول الشاعر الدمستاني:

ضمني عندك ياجداه في هذا الضريح *** علني ياجد من بلوى زماني استريح

ضاق بي با جد من رحب الفضا كل فسيح *** فمسی طود الا مى بندك بين الدكتين

جد صفو العيش من بعدك بالا كدار شيب *** و اشاب الهم رأسي قبل ابان المشيب

فعلا من داخل القبر بكاء وتحيب *** ونداء بافتجاع ياحبيبي ياحسين

انت يا ريحانة القلب حقيق بالبلا *** انما الدنيا اعدت لبلاء النبلا

لكن الماضي قليل بالذي قد اقبلا *** فاتخذ درعين من حزم وعزم سابغين

ستذوق الموت ظلما ظاميا في كربلا *** وستبقى في ثراها ثاوياً منجدلا

وكأني بلثيم الأصل شمر قد علا *** صدرك الطاهر بالسيف يحز الودجين

وكأني بالايامى من بناتي تستغيث *** لغباً تستعطف القوم وقد عز المغيث

قد بری اجسامهن الضرب والسير الحثيث *** بينها السجاد في الاصفاد مغلول اليدين

فقال له رسول الله لا بد لك من الرجوع الى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم فانك واباك وعمك وعم ابيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة فانتبه الحسين «علیه السلام» من نومه فزعاً مرعوبا ورجع الى منزله وجمع اهل بيته فقص عليهم رؤياه فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق

ص: 211

ولا مغرب قوم اشد غما من اهل بيت رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» ولا اكثر باك ولا باكية منهم وانا لا اعلم ان هذا اليوم امر على اهل بيت رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وبنات الزهراء حين محمموا من الحسين «علیه السلام» خبر شهادته ام يوم عاشوراء حين محمموا صهيل الجواد وهو يصهل، يقول في صهيله الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها برزن من الخدور ناشرات الشعور على الخدود «الخ» و تهيأ الحسين «علیه السلام» للخروج من المدينة ومضى في جوف الليل الى قبر امه فودعها.

وفى (مهيج الاحزان) وقف وقال السلام عليك يا اماه حسينك جاء لوداعك وهذه آخر زيارته اياك فاذا النداء من القبر وعليك السلام با مظلوم الام وياشهيد الام و يا غريب الام فاستعبر باكياً حتى لا يطيق على الكلام و كانت فاطمة (علیها السلام) تعلم غربة ولدها ولكن ما رأت بعينها حتى كانت ليلة الحادي عشر أوليلة الثاني عشر من المحرم قرأت بعينها وهو في غاية الغربة لأنه طريح جريح بلا غسل ولا كفن وقد قطع الشعر رأسه الشريف والجمال يديه (الخ) ثم مضى الى قبر اخيه الحسن (علیه السلام) ففعل مثل ذلك ورجع الى منزله وقت الصبح فاقبل اليه اخوه محمد ابن الحنفية وقال اخي انت احب الخاق اليّ واعزهم عليّ ولست والله ادخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك وليس احد احق بها منك لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير اهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي لأن الله قد شرفك عليّ وجعلك من سادات اهل الجنة يااخي تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الامصار ما استطعت ثم ابعث رسلك الى الناس ثم ادعهم الى نفسك فان بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب مروتك ولا فضلك اني اخاف عليك ان تدخل مصراً من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك واخري عليك فيقتتلون فتكون لأول الأسنة غرضا فاذا خير هذه الامة كلها

ص: 212

نفساً وابا واماً أضيعها دماً واذلها اهلا فقال له الحسين (علیه السلام) فاين اذهب يا اخي قال انزل مكة فان اطمأنت بك الدار بها فذاك وان تكن الاخرى خرجت الى بلاد اليمين قانهم انصارك وانصار جدك وابيك وانهم ارأف الناس وارقهم قلوباً واوسع الناس بلاداً فان اطمأنت بك الدار بها فذاك وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال وجزت من بلد الى بلد حتى تنظر ما يؤول اليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين فقال الحسين (علیه السلام) يا اخي لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى ولكى الحسين (علیه السلام) معه ساعة ثم قال يا اخي جزاك الله خيراً فقد نصحت واشرت بالصواب وانا عازم على الخروج الى مكة وقد تهيأت لذلك انا واخوتي وبنو اخي وشيعتي وامرهم امري ورأيهم رأبي وأما انت يااخي فلا بأس عليك ان تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم ولا تخفي عني شيئاً من امورهم ثم دعا الحسين (علیه السلام) بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اوصى به الحسين بن علي بن ابيطالب الى اخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق وان الجنة والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من فى القبور واني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي وشيعة ابي علي بن ابيطالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني و بين القوم بالحق وهو خير الحاكمين وهذه وصيتي لك يا اخي وما توفيقي إلا بالله عليه توكات واليه انيب ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه الى اخيه محمد ثم ودعه وخرج فى جوف الليل في غاية الخوف كخروج موسی خائفاً يترقب ولذا كان يتلو (علیه السلام) (فخرج منها خائفاً يترقب وقال رب نجني من القوم الظالمين) (اقول) ولكن شتان بينه وبين موسي لأن موسي وان

ص: 213

خرج خانفاً هارباً ماشياً و جلا ولكن لما ورد ماء مدين تبدل خوفه لمناً و زال عنه همه وغمه وخوفه وأما الحسين «علیه السلام» خرج من المدينة خائفاً ودخل مكة خائفاً ومكث في مكة خائفاً حزبناً كثيباً الى ان خرج من مكة كذلك خائفاً وفي طريقه كذلك ونزل بكر بلا كذلك الى ان قتل «علیه السلام» وموسى رجع الى وطنه بعد عشر سنين مكرماً منصورا ورسولا مؤيدا والحسين «علیه السلام» ما رجع الى المدينة بل قتل هو ومن معه إلا ولده السجاد رجع مع عماته وعيالات ابيه الخ.

المجلس الثاني من الفصل الرابع

(في البحار) عن كامل الزيارة لما هم الحسين (علیه السلام) بالشخوص من المدينة اقبلت نساء بني عبد المطلب فاجته من النياحة حتى مشى فيهن الحسين (علیه السلام) فقال انشدكن الله ان تبدين هذا الامر معصية الله ولرسوله قالت له نساء بني عبد المطلب فلمن نستبقي هذه النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وعلي وفاطمة (علیهما السلام) ورقية وزينب و ام كلثوم فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت فيا حبيب الابرار من اهل القبور ثم ان نساء بني هاشم اقبلن الى ام هاني عمة الحسين (علیه السلام) وقلن لها يا ام هاني انت جالسة والحسين (علیه السلام) مع عياله عازم على الخروج فاقبلت ام هاني فلما رآها الحسين (علیه السلام) قال أما هذه عمتي ام هائي قيل نعم فقال ياعمة ما الذي جاء بك وانت على هذه الحالة فقالت وكيف لا آتي وقد بلغني ان كفيل الارامل ذاهب عني ثم انها انتحبت باكية وتمثلت بابيات ابيها ابيطالب (علیه السلام)

وابيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للارامل

تطوف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة وفواضل

ثم قالت سيدي وانا متطيرة عليك من هذا المسير لهاتف سمعت البارحة يقول:

ص: 214

وان فتيل الطف من آل هاشم *** اذل رقابا من قريش فذلت

حبيب رسول الله لم يك فاحشاً *** ابانت مصيبته الانوف وحلت

فقال لها الحسين (علیه السلام) ياعمة لا تقولي من قريش ولكن قولي «اذل رقاب المسلمين فذات» ثم قال ياعمة كل الذي مقدر فهو كائن لا محلة وقال «علیه السلام»

و ما هم بقوم يغلبون ابن غالب *** ولكن بعلم الغيب قد قدر الأمر

فخرجت ام هاني من عنده باكية وهي تقول:

وما ام هاني وحدها ساء حالها *** خروج حسين عن مدينة جده

و لكنما القبر الشريف ومن به *** ومنبره يبكون من اجل فقده

«اقول» ليت شعري ما حال ام هاني وبنات عبد المطلب يوم ورد الناعي بقتل الحسين «علیه السلام» قال الراوي ولما ورد نعي الحسين المدينة فلم اسمع والله واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين وخرجت اسماء وفي رواية ام لقمان نت عقيل بن ابيطالب في جماعة من نساء بني هاشم وهي حاسرة تلوي بثوبها حتى انتهت الى قبر رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» فلاذت به وشهقت عنده ثم التفتت الى المهاجرين والانصار وهي تقول «ماذا تقولون» الابيات مضت «وفى العوالم» انه «علیه السلام» لما عزم على الخروج من المدينة اننه ام سلمة فقالت يا بني لا تحزنى بخروجك الى العراق فاني سمعت جدك «ص» يقول يقتل ولدي الحسين «علیه السلام» بارض العراق في أرض يقال لها كر بلا فقال لها يا اماه وانا والله اعلم ذلك واني مفتول لا محالة وليس لي من هذا بد واني والله لأعرف اليوم الذي اقتل فيه واعرف من يقتلني واعرف البقعة التي ادفن فيها واني اعرف من يقتل من اهل بيتي وقرابتي وشيعتي وان اردت يا اماه اريك حفرتي ومضجعي ثم اشار الى جهة كربلا فانخفضت الارض حتى اراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده وعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديداً وسلمت امر

ص: 215

الى الله تعالى فقال لها يا اماه قد شاء الله عز وجل ان يراني مقتولا مذبوحا ظلماً وعدوانا وقد شاء ان يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين واطفالي مذبوحين مأسوربن مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً فقالت ام سلمة عندي تربة دفعها اليّ جدك فجعلتها في قارورة فمد «علیه السلام» يده الى جهة كربلا فاخذ تربة فجعلها في قارورة فاعطاها اياها وقال اجعليها مع قارورة جدي فاذا فاضتا دماً فاعلمي يا اماه اني قد قتلت فودعها ومضى «علیه السلام» قالت ام سلمة انا فى كل يوم كنت اتجسس القارورتين الى يوم العاشر من المحرم فرأيت رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» في منامي مقبلا وعلى رأسه ولحيته تراب كثير فجعلت انفضه بكمي واقول نفسي لنفسك الفداء متى اهملت نفسك هكذا يا رسول الله من اين لك هذا التراب قال هذه الساعة فرغت من دفن ولدي الحسين أو قال «صلی الله علیه وآله وسلم» ولا زلت الليلة احفر القبور للحسين وآل الحسين «علیهم السلام» فانتبهت مرعوبة لم املك على نفسي فدخلت البيت الذي فيه القارورتان فنظرت فاذا بتربة الحسين «ع» صارت دماً عبيط فصحت واحسيناه واولداه وامهجة قلباه حتى علائحيي فلطخت به وجهي فاقبلت اليّ نساء المدينة الهاشميات وغير من وقلن ما الخبر فحكيت لهن بالقصة فعلا الصراخ وقام النياح وصار كأنه حين مات رسول الله «ص» وسمين الى قبره بين مشقوقة الجيب ومكشوفة الرأس فصحن بارسول الله قتل الحسين (علیه السلام) قالت ام سلمة فوالله الذي لا اله إلا هو لقد احسسنا كأن القبر يموج بصاحبه حتى تحركت الارض من تحتنا فخشينا انها تسيخ بنا فانحرفنا بين مشقوقة الجيب ومنشورة الشعر وباكية العين الى آخره.

المجلس الثالث

روى السيد البحراني في مدينة المعاجز عن جابر بن عبدالله الانصاري قال

ص: 216

لما عزم الحسين بن علي (علیه السلام) على الخروج الى العراق اتيته فقلت له انت ولد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) واحد سبطيه لا ارى إلا انك تصالح كما صالح اخوك الحسن (علیه السلام) فانه كان موفقاً رشيداً فقال لي ياجابر قد فعل ذلك اخي بأمر الله تعالى ورسوله وانا ايضا افعل بأمر الله ورسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) اتريد ان استشهد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وعلياً (علیه السلام) واخي الحسن (علیه السلام) بذلك الآن ثم نظر الى السماء فاذا السماء قد انفتح بابها و اذار سول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وعلي وحمزة وجعفر (علیهم السلام) وهم نازلون منها حتى استقروا على الارض فوثبت فزعاً مرعوبا فقال لي رسول الله (ص) ياجابر الم اقل لك في اسر الحسن (علیه السلام) قبل الحسين لا تكون مؤمناً حتى تكون لأمتك مسلماً ولا تكون معترضاً اتريد ان ترى مقعد معاوية ومقعد الحسين ابني ومقعد يزيد قاتله قلت بلى يارسول الله فضرب برجله الارض فانشقت وظهر بحر فانفلق ثم ظهرت ارض فانشقت هكذا حتى انشقت سبع ارضين وانفلقت سبعة ابحر ورأيت من تحت ذلك كله النار قد قرن في سلسلة الوليد بن مغيرة وابو جهل ومعاوية ويزيد وقرن بهم مردة الشياطين فهم اشد اهل النار عذابا ثم قال ارفع رأسك فرفعت فاذا ابواب السماء مفتحة واذا الجنة باعلاها ثم صمدرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) معه الى السماء وصعدوا جميعاً فلما صار (صلی الله علیه وآله وسلم) في الهواء صاح بالحسين يابني الحق بي فلحق به الحسين (علیه السلام) وصعد وا حتى رأيتهم دخلوا الجنة من اعلاها ثم نظر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الى من هناك وقبض على يد الحسين (علیه السلام) وقال ياجابر هذا ولدي معي هيهنا فسلم له امره ولا نشك فتكون مؤمناً قابل جابر فعميت عيناي ان لم اكن رأيت ما قلت من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) (اقول) ولما علم جابر ان الحسين (علیه السلام) لا يرفع قدماً ولا يضع قدماً ولا يعمل عملا ولا يقول قولا إلا باسر الله وأمر رسوله (صلی الله علیه وآله وسلم) سلم له واحسن فعله فودعه وخرج الحسين (علیه السلام) وبقي جابر في المدينة ينتظر خبره ويترقب اثره حتى ورد الناعي بقتل الحسين (علیه السلام) وهو عبد الملك بن أبي الحارث

ص: 217

السلمي ومعه كتاب من عبيد الله (لع) الى عمرو بن سعيد بن العاص امير المدينة يبشره بقتل الحسين (علیه السلام) فلما علم جابر بقتل الامام حن وانّ وبكى وتحسر وخرج من المدينة زائراً قبر الحسين (علیه السلام) وهو اول من زار الحسين (علیه السلام) ومعه جماعة من بني هاشم فلما ورد كربلادنا من الفرات الى آخر ما سيأتي انشاء الله (اقول) قد وجدت في بعض الكتب انه لما اراد الحسين (علیه السلام) الشخوص من المدينة اجتمع عنده اولاده وزوجاته واخواته واخوته وبنو عمومته و اولاد اخيه الحسن (علیه السلام) وبناته ومواليه والجواري والخدم وكثير من اقربائه من بني هاشم ذكوراً واناثاً ورجالا و نساء وهم من حيث المجموع مع الطفل الرضيع علي الاصغر مئنان واثنان وعشرون ونذكر في اخر الكتاب اسماءهم وتفصيل حالاتهم انشاء الله وهم الذين خرجوا مع الحسين بن علي (علیه السلام) من المدينة الى مكة ثم الى العراق فلما تهيأ للمسير من المدينة الى مكة ثم الى العراق امر (علیه السلام) باحضار مئتين وخمسين من الخيل المركوب وفى خير مئتين وخمسين نافة فلما احضرت عنده امر بحمل سبعين ناقة المخيم واربعين ناقة لحمل القدور والاواني وادوات الارزاق وما يتعلق بها وثلاثين ناقة لحمل الراوية للماء واثني عشر الحمل الدراهم والدنانير والحلى والحلل والبدرات والزعفران والمطريات والورس والاثواب والبرود اليمانية والتركاء وما يتعلق بهذه الاشياء وامر (علیه السلام) بخمسين شقة من الهوادج على ظهور المطايا للعيال والاطفال والذراري والخدم والجواري و العبيد وبقية المطايا لحمل الاثقال والادوات اللازمة فى الطريق فلما احضرت هذه الاشياء عنده ودع قبر جده وامه واخيه وجدته فاطمة بنت اسد وساير اقربائه وخرج لثلاث ليال بقين من شهر رجب فلما تهيأ (علیه السلام) المركوب من المدينة الى مكة امر باحضار فرس رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يدعى المرتجز فركبه وهو الفرس الذي شهد به خزيمة ابن ثابت ذي الشهادتين و كان صاحبه رجلا من بني مرة اشتراه (صلی الله علیه وآله وسلم) بالمدينة

ص: 218

بعشرة اواق واول عزوة غزا به (صلی الله علیه وآله وسلم) غزوة احد و كان من جياد خيل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) على ما رواه ابن قتيبة في المعارف ثم انتقل بعده الى علي بن ابي طالب (علیه السلام) وهو ركبه يوم صفين على ما رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ثم انتقل بعده الى ابنه الحسين (علیه السلام) فركيه يوم الطف ووعظ القوم فلم يتعظوا ثم قتلوه عطشاناً ظماناً وقال السمعاني في كتاب الفضائل اشتراه (صلی الله علیه وآله وسلم) باربعين الف درهم ثم امر (علیه السلام) باحضار سيف رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فتقلد به و كان اسمه البتار وقيل الرسوب وقيل العضب وقيل الحتف وكان مكتوبا عليه هذا البيت:

في الجبن عار وفي الاقدام مكرمة *** والمره بالجبن لا ينجو من القدر

وهو الذي اعطاه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) علياً يوم احد على ما ذكره السمعاني في كتاب الفضائل وكان بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) مع علي (علیه السلام) فى حروبه الثلاثة ثم انتقل بعده الى ابنه الحسن (علیه السلام) ثم الى الحسين وكان يحارب معه يوم الطف مع اعداء الدين الى ان قتل (علیه السلام) ثم امر (علیه السلام) با حضار درع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فلبسه و كان أسمه السعدية وقيل فضة وقيل ذات الفضول وقيل ذات الوشاح فاعطاه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) علياً و كان يلبسه ويجاهد بين يدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في غزواته وبعد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لبسه علي (علیه السلام) في حروبه الثلاثة ثم بعده انتقل الى ابنه الحسن (علیه السلام) ثم الى ابنه الحسين (علیه السلام) وكان لا بسه يوم الطف لما وعظ القوم وقال انشدكم الله هل تعلمون ان هذا درع رسول الله انا لابسه قالوا اللهم نعم ثم امر باحضار عمامة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وكان اسمها السحاب وكانت من الخز الدكناء الذي تعمم بها (صلی الله علیه وآله وسلم) يوم بدر و حنين ثم بعده تعمم بها علي بن ابي طالب (علیه السلام) يوم صفين على ما رواه نصر ابن مزاحم في كتاب صفين ثم انتقلت الى ابنه الحسين (علیه السلام) وتعمم بها وكانت على رأسه يوم الطف لما وعظ القوم ثم امر (علیه السلام) باحضار حربة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وكانت

ص: 219

حربة صغيرة تشبه المكاز يقال لها العنزة بفتح العين المهملة والنون والزاي كانت تحمل بين يديه يوم العيد وتركز بين يديه ويصلي اليها في اسفاره وفي كتاب اسد الغابة لعز الدين الجزري وكانت تحمل معه في العيد تجعل بين يديه يصلي اليها ثم بعده انتقلت الى علي «ع» وكانت معه يوم صفين تحارب معه كما ذكره نصر بن مزاحم في كتابه ثم بعده انتقلت الى ابنه الحسين (علیه السلام) وكانت معه يوم الطف ويحارب بها مع القوم ثم يرجع الى مركزه ويتكأ عليها وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولم بزل يقاتل حتى قتل (علیه السلام) ثم امر (علیه السلام) قيس بن عبادة على ما رواه الطوسي في كتاب السقيفة بان يرحل عقيبه مع مأتي رجل من قومه حتى لو اناه العدو كان هو واهل بيته من القدام وقيس بن سعد من الخلف فيكون لهم البزة وعلى العدو الملاكة قال المرحوم الدربندي في الاسرار حدثني بعض الثقاة من تلامذتني من العرب قال قد ظفرت بهذه الرواية فى مجموعة كانت تنسب إلى الفاضل الاديب المقري فنقلتها عنه وهي ان روى عبد الله بن سنان الكوفى عن ابيه عن جده انه قال خرجت بكتاب من اهل الكوفة الى الحسين «علیه السلام» وهو يؤمئذ بالمدينة فاتيته فقرأه فعرف معناه فقال انظرني الى ثلاثة ايام فبقيت في المدينة ثم تبعته الى ان صار عزمه بالتوجه الى العراق فقلت في نفسي امضي وانظر الى ملك الحجاز كيف يركب وكيف جلالته وشأنه فاتيت الى باب داره فرأيت الخيل مسرجة والرجال واقفين والحسين «علیه السلام» جالس على كرسي و بنو هاشم حافون به وهو بينهم كأنه البدر ليلة تمامه وكماله ورأيت نحواً من اربعين محملا وقد زينت المحامل ملابس الحرير والديباج قال فعند ذلك امر الحسين «علیه السلام» بني هاشم بان يركبوا محارمهن على المحامل فبينما انا انظر واذا بشاب قد خرج من دار الحسين «علیه السلام» وهو طويل القامة وعلى خده علامة ووجهه كالقمر الطالع وهو يقول تنحو يابني هاشم واذا بأمرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجران اذيالهما على الارض

ص: 220

حياء من الناس وقد حفت بهما امائهما فتقدم ذلك الشاب الى محمل من المحامل وبجثى على ركبتيه واخذ بعضديهما واركبهما المحمل فسألت بعض الناس عنهما فقيل اما احداهما فزينب والاخرى ام كلثوم بنتا امير المؤمنين فقلت ومن هذا الشاب فقيل لي هو قمر بني هاشم العباس بن امير المؤمنين ثم رأيت بنتين صغيرتين كان الله تعالى لم يخلق مثلهما فجعل واحدة مع زينب والاخرى مع ام كلثوم فسألت عنهما فقيل لي هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين «علیه السلام» ثم خرج غلام آخر كأنه البدر الطالع ومعه امرأة وقد حفت بها امائها فاركبها ذاك الغلام المحمل فسألت عنها وعن الغلام فقيل لي اما الغلام فهو علي الاكبر ابن الحسين «علیه السلام» والامرأة امه ليلى زوجة الحسين «علیه السلام» ثم خرج غلام ووجهه كفلقة القمر ومعه امرأة فسألت عنها فقيل لي اما الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى والامرأة امه ثم خرج شاب آخر وهو يقول بنحوا عني يابني هاشم تنحوا عن حرم ابي عبدالله فتنحى عنه بنو هاشم واذا قد خرجت امرأة من الدار وعليها آثار الملوك وهي تمشي على سكينة ووقار وقد حفت بها اماؤها فسألت عنها فقيل لي اما الشاب فهو زين العابدين ابن الامام واما الامرأة فهي امه شاه زنان بنت الملك كسرى زوجة الامام فاتى بها واركبها على المحمل ثم اركبوا بقية الحرم والاطفال على المحامل فلما تكاملوا نادى الامام «علیه السلام» اين اخي اين كبش كتيبتي اين قمر بني هاشم فاجابه العباس لبيك لبيك ياسيدي فقال له الامام (علیه السلام) قدم لي يا اخي جوادي ا فاتي العباس بالجواد اليه وقد حفت به بنو هاشم فاخذ العباس بركاب الفرس حتى ركب الامام ثم ركب بنو هاشم وركب العباس وحمل الراية امام الامام قال فصاح أهل المدينة صيحة واحدة وعلت اصوات بني هاشم بالبكاء والنحيب وقالوا الوداع الوداع الفراق الفراق فقال العباس هذا والله يوم الفراق والملتقى يوم القيامة ثم صاروا قاصدين كر بلا مع عياله وجميع اولاده ذكوراً واناثا إلا ابنته فاطمة الصغرى فانها كانت مريضة

ص: 221

قال الدربندي في الاسرار وكان الحسين (علیه السلام) بنت تسمى بفاطمة وكانت حين خروجه من المدينة مريضة فجعلها عند ام سلمة وكانت كل يوم تجيء خلف الباب علها تجد من كان له اطلاع بحال والدها ولما طال زمان الفراق ولم يصل الخبر من والدها اشتغلت بالبكاء وتراكمت عليها الاحزان و كتبت كتابا لوالدها وبينت فيه حالها فلما فرغت من كتابتها واشتغات بالنوح والبكاء لفرقة والدها وغيره واذا اعرابي مجمع بكائها فتأثر من بكائها فبكى ساعة ثم علم ان الباكية بنت الامام وبكاؤها لفراقه (علیه السلام) فنادى بصوت عال السلام عليكم يا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة انا رجل من البادية اريد الرواح الى كربلا فهل لكم حاجة فلما سمعت فاطمة جاءت خلف الباب وردت جواب سلامه وقالت يا اعرابي انا بنت الحسين انه لما عزم الى كربلا كنت مريضة فسلمني الى جدتي ام سلمة زوجة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فالأن لم تبق لي طاقة من هجرانه وكتبت كتابا واريد من بوصله اليه فاخذه الاعرابي منها ففي يوم عاشوراء وقت المحاربة بلغ الى كربلا وسلمه الى الحسين (علیه السلام) فلما فتحه واطلع على مضمونه بكى بكاء شديداً ثم جاء عند اهل البيت وقرأه عليهم وبكين بكاء شديداً ولم يظهر حال الاعرابي انه كان ملكا ام بشراً وصار شهيداً ام لا (اقول) وهل اتي احد اليه الجواب من الحسين (علیه السلام) نعم جاء غراب وهو ملطخ بالدم الخ.

المجلس الرابع

في (البحار) خرج الحسين (علیه السلام) من المدينة على ما هو المشهور ليلة الاحد الثامن والعشرين من رجب ودخل مكة في يوم الجمعة الثالث من شعبان ولما خرج من المدينة خرج خائفاً مرعوباً ومع ذلك لزم الطريق الاعظم فقال له اهل بيته لو تنكبت الطريق الاعظم كما صنع ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب فقال (علیه السلام) لا والله لا افارقه

ص: 222

حتى يقضي الله ما هو قاض ثم قال تخافون ان يدرككم الطلب وانا اخاف الله ان انكب الطريق حذراً من الموت فى بعض الكتب نقلا عن الوسائل ثم ان الحسين (علیه السلام) ركب الجادة فقال له ابن عمه مسلم بن عقيل يا ابن رسول الله لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادة كما فعل عبد الله بن الزبير كان عندي هو الرأي انا نخاف ان يلحقنا الطلب فقال له الحسين (علیه السلام) لا والله يابن العم لا افارقه أو قال لا فارقت هذا الطريق ابداً أو انظر ابيات مكة أو يقضى الله في ذلك ما يحب وانشأ يقول (علیه السلام)

يانكبات الدمر دولي *** واقصري ان شئت او اطيلي

رميتني رمية لا مقبل *** بكل خطب فادح جليل

اول ما رزيت بالرسول *** و بعد بالطاهرة البتول

والوالد البر بنا الوصول *** وبالشقيق الحسن النبيل

والبيت ذي التأويل والتنزيل *** مالك عني اليوم من عدول

وحسبي الرحمن من منيل

قالت سكينة حين خرجنا من المدينة وما اهل بيت اشد غماً ولا خوفا من اهل بيت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) سبحان الله خرجن بنات رسول الله المدينة خائفات من ومعهن حماتهن ورجالهن ليت شعري فما حالهن يوم سير وهن من كربلا الى الكوفة ومن الكوفة الى الشام وليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمى وكأني بزينب الكبرى تنادي بلسان الحال:

لا والد لي ولا عم الوذ به *** ولا اخ لي بقى ارجوه ذو رحم

اخي ذبيح ورحلي قد ابيح وبي *** ضاق الفسيح واطفالي بغير حمى

ولما خرج (علیه السلام) من المدينة الى مكة لقيه عبد الله بن مطيع العدوى فقال له جعلت فداك ابن تريد قال (علیه السلام) اما الأن فمكة واما بعد فاني استخير الله قال خار

ص: 223

الله لك وجعلنا فداك فاذا اتيت مكة فاياك ان تقرب الكوفة فانها بلدة مشومة بها قتل ابوك وخذل اخوك واغتيل بطعنة كادت نفسه فيها الزم الحرم فانك سيد العرب لا يعدل بك اهل الحجاز احداً فيتداعى اليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي فوالله لأن هلكت لنسترقن بعدك ولما دخل مكة دخلها وهو يقرأ ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل) ثم نزل بها واقبل اهلها يختلفون اليه ومن كان بها من المعتمرين واهل الافاق وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة فهو قائم يصلي عندها ويطوف ويأتي الحسين (علیه السلام) فيمن يأتيه بين كل يومين مرة و هو اثقل خلق الله على ابن الزبير قد غمه مكانه بمكة قد عرف ان اهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين بالبلد وان الحسين (علیه السلام) اطوع في الناس منه واجل وما كانوا يعدلونه بالحسين (علیه السلام) فلم يكن شيء يؤتاه احب اليه من شخوص الحسين عن مكة ولذا ان الحسين (علیه السلام) لما عزم على الخروج من مكة الى العراق فرح ابن الزبير وسر بذلك سروراً عظيما واقبل الى الحسين (علیه السلام) وسأله عما اراد فقال (علیه السلام) قد عزمت على اتيان الكوفة فقال وفقك الله اما لو ان لي مثل انصارك ما عدات عنها ثم خاف ان يتهمه فقال ولو اقمت بمكانك فدعوتنا واهل الحجاز الى بيعتك اجبناك فازرناك وساعدناك و نصحنا لك وبايعناك وكنا اليك مراعا وكنت احق بذلك من پابن يزيد وابي يزيد (لع) ثم قال قد حضر الحج فتدعه و تأتي العراق فقال (علیه السلام) يا بن الزبير لأن ادفن بشاطىء الفرات احب اليّ من ان ادفن بفناء الكعبة إن ابي حدثني ان بها كبشاً يستحل حرمتها فما احب ان اَكون ذلك الكبش فخرج من عنده فمر عبد الله ابن عباس بابن الزبير فقال له قرت عينك يابن الزبير هذا الحسين يخرج الى العراق ويخليك والحجاز

یالك من قبرة بمعمر *** خلالك الجو فبيضي واصفري

ص: 224

و نقري ما شئت ان تنقري *** قد رفع الفخ فماذا تحذري

لا بد من صيدك يوماً فاصبري *** هذا الحسين سائر فابشري

الى العراق راحل فاستبشري

(اقول) ان ابن الزبير قرت عينه بخروج الحسين (علیه السلام) من مكة وشخوصه عن بيت الله الحرام والحال انه لم يبق بمكة إلا من حزن لمسيره بل ولقد دمعت عيون البيت لفقد ومفارقته كما قال الشاعر:

لقد دمعت عيون البيت حزناً *** لفقد متى قلوب العارفينا

و طاقت طائفوه طواف ثكلى *** وقد لبسوا السواد ملهفينا

وكانت تلبياتهم رثاء *** لسبط كان خير الناسكينا

قد اعتمروا بنوح في مقام *** حزين يفطر الحجر المتينا

فقدنا اليوم ريحاناً وروحاً *** و مرجاناً وزيتوناً وتينا

فقدنا ههنا قصراً مشيداً *** وبيت العز والبلد الأمينا

فقدنا ههنا كيف الايامى *** وسور المحتمين وطور سيناً

وكيف لا تدمع عيون البيت وهو يرى ان الحسين (علیه السلام) خارج منها في ليلة يتوجه اليه الناس من كل ناحية وهي ليلة عرفة وهو روحي له الفداء من كثرة اشتياقه اليه قد حج اليه خمساً وعشرين حجة ماشياً و به تشرف البيت والكعبة والركن والمقام والمشعر والمروة والصفا وزمنهم والحليم ولكن اسفي عليه حيث لم يتمكن في هذه السنة من الوقوف واتمام الحج مخافة ان يقبض عليه او يقتل غيلة يقول الرائي:

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها *** و به تشرفت الحطيم وزمزم

لم يدر اين يريح بدن ركابه *** فكأنما المأوى عليه محرم

ص: 225

الفصل الخامس

اشارة

في وقايع مدة اقامته بمكة المشرفة وكتب اهل الكوفة وارسال الكتب اليه وخروج مسلم بن عقيل (علیه السلام) الى الكوفة وشهادته وشهادة هاني بن عروة وخروجه (علیه السلام) من مكة ومكالماته مع اخيه محمد بن الحنفية (رحمه الله) وابن عباس وابن عمر وهذا الفصل يشتمل على سبعة مجالس:

المجلس الاول

في (الارشاد) وبلغ اهل الكوفة هلاك معاوية بن ابي سفيان فار جفوا بيزيد وعرفوا خير الحسين (علیه السلام) وامتناعه من بيعته وما كان من أمر ابن الزبير في ذلك وخروجهما الى مكة فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله واثنوا عليه فقال سليمان ان معاوية قد هلك وان حسيناً قد نقض على القوم بيعته وخرج الى مكة وانتم شيعته وشيعة ابيه فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا اليه وان خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل انفسنا دونه قال فاكتبوا اليه فكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم الى الحسين بن علي (علیه السلام) من سليمان بن صرد والمسيب بن تجبة ورفاءة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من اهل الكوفة سلام عليك فانا نحمد اليك الله الذي لا اله إلا هو (اما بعد) فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة وابتزها امرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها و استبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها و اغنيائها فبعداً له كما بعدت ثمود ثم انه ليس علينا امام فاقبل علينا لعل الله ان يجمعنا بك على الحق وان النعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة

ص: 226

ولا تخرج معه الى عيد ولو قد بلغنا انك قد اقبلت الينا اخرجناه حتى نلحقه بالشام ان شاء الله ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وال وامروهما بالنجا فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة لعشر مضين من شهر امروها رمضان ثم لبث اهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وانفذ واقيس بن مصهر الصيداوي وعبد الله بن شداد وعمارة بن عبد الله السلولي الى الحسين ومعهم نحو من وعبدالله مأة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا اليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الخفي وكتبوا اليه بسم الله الرحمن الرحيم الى الحسين بن علي من شيعته اما بعد في هلا فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم في غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل ثم كتب شبث بن ربعي وحجار بن ابحر (ابجرخ ل) و يزيد بن الحارث وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمر و التميمي أما بعد فقد اخضر الجناب واينعت الثمار واعشوشبت الارض واورقت الاشجار فاذا شئت فاقبل علينا فائما تقدم على جند لك مجندة والسلام وتلاقت الرسل كلها عنده وهو لا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده منها في نوب متفرقة اثنا عشر الف كتاب وحمل معه من تلك الكتب خرجين مملوءين لأن يربهم اذا سألوه عن قدومه كما اراهم حين ما لا قی الحز قريباً من القادسية ووقف روحي له الفدا يوم عاشوراء وخطب فيهم ثم نادى باقوم ألم تكتبوا الي في القدوم اليكم يا شبث بن ربعي ويا حجار بن ابحر (الجرخ ل) و يا قيس بن الاشست و يا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا اليّ ان قد اينعت الثمار واخضر الجناب وانما تقدم على جند لك مجندة فاقبل روي في (نفس المهموم) فقالوا له لم نفعل فقال سبحان الله بلى والله لقد فعلتم ثم قال ايها الناس اذا كرهتموني فدعوني انصرف الى مأمني من الارض فقال له القيس بن الاشعث ما ندري ما تقول ولكن انزل على حكم ابني عمك فانهم ان يروك

ص: 227

إلا ما تحب الى آخر المطلب ولقد احسن واجاد القائل:

قد بايعوا السبط طوعاً منهم ورضى *** و سيروا صحفاً بالنصر تبتدر

اقدم فانا جميعاً شيعة تبع *** وكلنا ناصر والكل منتظر

اقبل و عجل قد اخضر الجناب وقد *** زهت بنضرتها الازهار والثمر

انت الامام الذي نرجو بطاعته *** خلد الجنان اذا النيران تستعر

لا رأي الناس إلا فيك فأت ولا *** تخش اختلافا ففيك الامر منحصر

واثموه اذا لم يأتهم فاتي *** قوماً لبيعتهم بالنكث قد خفروا

فعاد نصرهم خذلا وخذلهم *** قتلا له بسيوف للمدى ادخروا

يا ويلهم من رسول الله كم ذبحوا *** ولداً له وكريمات له اسروا

في (التبر المذاب) كثرت عليه الكتب وتواترت عليه الرسل وكتبوا اليه انك ان لم تصل الينا فانت اتم لوجود الانصار على الحق وتمكنك من القيام فانك اصله وعموده واهله ومعدنه وفي (القمقام) انا قد حبسنا انفسنا عليك واسنا نحضر الصلاة مع الولاة وسنة فاقدم علينا فنحن في مائة الف فقد فشا فينا الجور وعمل فينا بغير كتاب الله نبيه ونرجو ان يجمعنا الله بك على الحق وينفى عنا بك الظلم فانت احق بهذا الامر من يزيد وابيه الذي غصب الامة فيئها وشرب الخمور ولعب بالقردة والطنابير و تلاعب بالدين قال سيد بن طاووس فعندها قام الحسين (علیه السلام) فصلى ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ثم طلب مسلم بن عقيل واطلعه على الحال وامره بالمسير وكتب معه جواب كتبهم بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى الملأ من المسلمين والمؤمنين اما بعد فان هانيًا وسعيداً قدما عليّ بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت الذي اقتصصم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق وانا باعث اليكم اخي

ص: 228

وابن عمي وثقتي و المفضل عندي من اهل بيتي مسلم بن عقيل فان كتب الي بانه قد اجتمع رأي ملاكم وذوي الحجي والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في صحفكم فاني اقدم اليكم وشيكا ان شاء الله فلعمري ما الامام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله والسلام ودعا الحسين (علیه السلام) مسلم بن عقيل وامره بتقوى الله وكتمان امره واللطف فان رأى الناس مجتمعين مستوثقين عجل اليه بذلك وسرحه مع قيس بن مصهر الصيداوي وجماعة من اهل الكوفة في الناسخ ان مسلماً ودع الحسين (علیه السلام) وقبل يديه ورجليه وبكى وقال جعلت فداك ارى هذا آخر اللقاء والملتقى يوم القيامة فيكى الحسين (علیه السلام) وضمه الى صدره و تعطف عليه وخرج مسلم (علیه السلام) وهو يبكي في طريقه فسئل ما هذا البكاء فقال لحرقة قلي لأن الدهر فرق بيني وبين الحسين وابعد بيني وبينه فخرجوا في النصف من شهر رمضان ودخلوا الكوفة في الخامس من شوال وبايعه من الكوفة على رواية ثلاثون العا وكتب الى الحسين (علیه السلام) ان لك ههنا مائة الف سيف فعجل ولا تتأخر وذلك قبل ان يقتل مسلم بن عقيل (علیه السلام) بسبعة وعشرين يوما قال ابو مخنف ثم انقطع خير الحسين «علیه السلام» فقلق لذلك قلقاً شديداً وجمع اهل بينه ومواليه واعلهم بما عن او جس في قلبه واسرهم بالرحيل الى المدينة فشدوا الجمال وخرجوا بين يديه سائرين الى المدينة ثم انه اتى قبر جده رسول الله واعتقه وبكى بكاء شديداً فحملته عينه فضفا و نام ورأى في منامه رسول الله وهو يقول ياولدي الوحا الوحا العجل العجل فقد قدمت امك وابوك واخوك الحسن وجدتك خديجة الكبرى وكلهم مشتاقون اليك فبادر الينا فانتبه الحسين «علیه السلام» باكياً حزيناً شوقاً إلى رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وجاء الى اخيه محمد بن الحنفية و هو عليل فحدثه بما رأى وبكى فقال له يا اخي ماذا تريد ان تصنع قال «علیه السلام» اريد الرحيل الى العراق فاني على قلق من اجل ابن عمي مسلم بن

ص: 229

عقيل فقال له محمد الحنفية سألتك بحق جدك محمد «صلی الله علیه وآله وسلم» ان لا تفارق حرم جلك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فان لك فيه اعواناً كثيرة فقال الحسين (علیه السلام) لا بد من العراق فقال محمد بن الحنفية اني والله ليحزنني فراقك وما اقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض الشديد فوالله يا اخي ما اقدر ان اقبض على قائم سيف ولا كعب ولاكم رمح فوالله لا فرحت بعدك ابداً ثم بكى شديداً حتى غشي عليه فلما افاق من غشيته قال يا اخي استودعك الله من شهيد مظلوم وودعه الحسين (علیه السلام) وسار من المدينة

(اقول) ما اشبه وداعه مع اخيه محمد وهو عليل بوداعه مع ولده العليل زين العابدين عليه السلام يوم عاشوراء اقبل ليودعه فلما رأى العليل اباه الى آخره.

المجلس الثاني في شؤونات مسلم ومقاماته

عين جودي مسلم بن عقيل *** لرسول الحسين سبط الرسول

لشهيد بين الاعادي وحيد *** وقتيل لنصر خير قتيل

ابك من قد بكاه احمد شجواً *** قبل میلاده بعهد طويل

و بكاه الحسين والآل لما *** جاء هم نمیه بدمع همول

تركوه لدى الهياج وحيداً *** لعدو مطالب بذحول

ثم ساقوه بينهم يتهادى *** للعين الرذيل وابن الرذيل

طاوياً ظاميا جريحاً عليلا *** طالباً منهم رواء الغليل

قال علي [علیه السلام] الرسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] انك لتحب عقيلا قال اي والله اني لاحبه حبين حبًا له وحباً الحب ابي طالب له وان ولده لمفتول في محبة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون ثم بكى رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] حتى جرت دموعه علي صدره وقال الى الله اشكو ما تلقى عترتي من بعدي و في (القمقام) قال: سول الله [صلی الله علیه وآله وسلم]

ص: 230

لعقيل اني احبك حبين حبا لفرابتك وحباً لما كنت اعلم من حب عمى اياك

[اقول] ان عقيل بن ابي طالب كان اسن من اخيه جعفر بعشر سنين وخرج الى معاوية واقام عنده حتى قال معاوية هذا ابو يزيد لو لم يعلم بأبي خير له من اخيه لما ترك اخاه واقام عندنا فقال عقيل اخي خير لي في آخرتي وديني وانت خير لى في دنياي وقد اثرت دنياي على دبني واسأل الله حسن الخاتمة وتوفي بالشام فی خلافة معاوية على رواية وعقيل هذا كان من شجعان العرب ومن فصحائهم وبلغائهم احضر هم جوابا واذر بهم لساناً دخل يوماً على معاوية فقال له معاوية هل من حاجة لك يا عقيل فاقضيها لك قال نعم جارية عرضت عليّ وابي اصحابها ان يبيعوها إلا باربعين الف درهم وانا احب ان اشتريها فاحب معاوية ان يمازحه فقال ياعقيل وما تصنع بجارية قيمتها اربعون العا وانت اعمى تجهّزي بجارية قيمتها خمسون درهما قال ارجو ان اطأها فتلد لي غلاماً فارسًا شجاعا اذا اغضبته يضرب عنقك بالسيف فضحك معاوية وقال مازحناك يا ابا يزيد فامر فابقيعت له الجارية انتي ولد منها مسلم واسمها علية فلما انت على مسلم ثمانية عشر سنة ومات ابوه عقيل قال يوما المعادية يا امير ان لي ارضاً بمكان كذا من المدينة واني اعطيت بها مائة الف وقد احببت ان ابيعها اياك فادفع الي ثمنها فامر معاوية بقبض الارض ودفع الثمن اليه فبلغ ذلك الحسين [علیه السلام] فكتب الى معاوية اما بعد فانك انتررت غلاماً من بني هاشم فابتعت منه ارضاً لا يملكه فاقبض من الغلام ما دفعته اليه واردد الينا ارضنا فبعث معاوية الى مسلم فاخبره بذلك وقرأ كتاب الحسين [علیه السلام] وقال اردد علينا مالنا وخذ ارضك فانك بعتنا ما لا تملكه فغضب مسلم وقال مه دون ان اضرب رأسك بالسيف فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه وقال يا بني هذا والله كلام قاله لي ابوك حين ابتعت له امك ثم كتب الى الحسين [علیه السلام] أني قد رددت لكم الارض وسوخت مسلما ما اخذه قال [في الاسرار]

ص: 231

ولا يخفى ان لمسلم (علیه السلام) مقامات كريمة ومناقب سنية لا يسعها الطوامير والطروس و كيف لا والعرق صحيح والمنشأ كريم والشأن عظيم والعمل جسم والعلم كثير والانسان خطيب والصدر رحيب فاخلاقه وفق اعراقه وحديثه يشهد لقديه فهو من دوحة امتد عرقها وبسق فرعها وطلاب عودها واعتدل عمودها كيف وقد رباه عمه امير المؤمنين وكبر في حجر سيد الوصيين بابي وامي من شجاع هو في غارب السنام من الدرجة القصوى في الشهادة والفوز بالسعادة فهنيئاً له هذا الشرف والسيادة فقول الامام [علیه السلام] في شأنه يكشف عن كونه في اعلى ذروة الشرف من المكارم والفواضل والنجدة والفضائل حيث يقول اني باعث اليكم الخ فقول رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] كقول الحسين [علیه السلام] في شأن مسلم يفيد اصولا ايمانية وضوابط ايقانية فمنها ان درجته دون درجة اهل العصمة وفوق درجات غيرهم من اصحاب المقامات الجلية والدرجات العلية ومنها ان البكاء عليه من لوازم الايمان وخواص الايقان ومنها انه قد بكى عليه جميع اهل السموات والملائكة المقربين ومنها أن شأنه من بين شؤون حواري سيد الشهداء كشأن ابي الفضل العباس وعلي الاكبر والقاسم من جهة التأييد والتسديد كما انه لا يبلغ في شجاعته احد ممن في زمنه من الذرية الهاشمية إلا ابو الفضل وعلي الأكبر والقاسم بن الحسن (والفضل ما شهدت به الاعداء) وشهد بشجاعته الصديق والعدو وسيأتي في محله ما قيل في شجاعته دخل الكوفة ونزل في دار المختار بن ابي عبيدة واقبلت الشيعة تختلف اليه فكلما اجتمع عليه منهم جماعة وقرأ عليهم كتاب الحسين (علیه السلام) وهم خذلهم الله يبكون وبايعه منهم ثمانية عشر الفا فكتب مسلم الى الحسين [علیه السلام] ويأسره بالقدوم الى الكوفة ويخبره ببيعته ثمانية عشر العا ولكنه بعد ما عرفهم حق المعرفة ولم يعلم ان أهل الكوفة لا وفاء لهم وهم الذين غدروا ومكروا بامير المؤمنين [علیه السلام] والحسن [علیه السلام] وفعلوا بهما ما فعلوا حتى انعكس الامر فما مضى إلا ايام قلائل حتى دخل عبيد الله بن

ص: 232

الكوفة وجلس على سرير الامارة وامر باحضار اشراف اهل الكوفة وحذرهم من القتل والقتال وخوفهم بجنود اهل الشام و قال ايها الناس الحقوا باها ليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا انفسكم للقتل فان هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد اقبلت وقد اعطى الله الامير عهداً لأن تمتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم هذه ان يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام وان يأخذ البرىء منكم بالسقيم والشاهد منكم بالغائب حتى لا يبقى له بقية من اهل المعصية إلا اذاقها وبال ما جنت الله ايديها وتكلم الاشراف بنحو من ذلك فلما سمع الناس مقالته أخذوا لعنهم الله يتفرقون وكانت المرأة تأتي ابنها واخاها فتقول انصرف ان الناس يكفونك ويجيء الرجل الى ابنه او اخيه ويقول غداً يأتيك اهل الشام فما تصنع بالحرب انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى امسى مسلم بن عقيل وصلي المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأى انه قد امسى وليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجهاً الى ابواب كنندة فلم يبلغ الابواب إلا ومعه عشرة ثم خرج من الباب فاذا ليس معه انسان فالتفت فاذا هو غريب وحيد وليس معه من يدله على الطريق ولا من يدله على منزله ولا احد يواسيه بنفسه فمضى في أزقة الكوفة لا يدري اين يذهب حتى اتي الى باب دار امرأة يقال لها طوعة ام ولد كانت الاشعث بن قيس فاعتقها وتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس وامه قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام فقال لها يا امة الله اسقيني ماء فسقته وجلس ودخلت طوعة ثم خرجت فرأته جالساً على الباب قالت يا عبد الله ألم تشرب الماء قال بلى قالت فاذهب الى اهلك فسكت ثم اعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله واذهب الى اهلك فانه لا يصلح لك الجلوس على باب داري ولا احله لك فقام مسلم وقال يا امة الله مالي في هذا المصر

ص: 233

اهل ولا دار ولا عشيرة فهل لك في اجر ومعروف لعلي مكافتك بعد هذا اليوم قالت ياعبدالله من انت وما ذاك قال انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني واخر جوني قالت انت مسلم قال نعم قالت ادخل فدخل الى بيت في دارها وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ولم يكن باسرع من ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول والخروج في ذلك البيت فسألها عن السبب قابت ان تخبره فلما اصر عليها اخذت عليه الايمان المغلظة مخلف لها فاخبرته الخبر فسكت اللعين فما اصبح حتى اوصل الخبر الى ابن زیاد و بات مسلم بن عقيل ليلته في دار تلك المجوز ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد وتارة يناجي ربه واخرى يتضرع وتارة يتلو القرآن هذا من شأن الزمان بات ليلة وهو في غاية الرفعة والشوكة والاقتدار وبين يديه ثمانون العاما بين خيل وركاب وهم كالمبيد بين يدي المولى الجليل وهو سيدهم واميرهم وبات ليلة اخرى وقد استجار بامرأة عجوزة وبات عندها حزيناً كثيباً وبات ليلة اخرى وهو جثة بلا رأس والحبل في رجليه.

بكتك دماً يا ابن عم الحسين *** مدامع شيعتك السافحة

ولا برحت ها طلات الغمام *** تحيیك غادية رائحة

لأنك لم ترو من شربة *** ثناياك فيها غدت طائحة

اتقضي ولم تبكك الباكيات *** امالك في المصر من نائحة

رموك من القصر اذ أو ثقوك *** فهل سلمت فيك من جارحة

وبالجبل في السوق جراً سحبت *** الست اميرهم البارحة

قضيت ولم تدركم في زرود *** عليك العشية من صائحة

ص: 234

المجلس الثالث فى مقاتلة مسلم (علیه السلام)

فيا ناصر الدين القويم بسيفه *** ومردي جمع الناكثين النواصب

فلله يوم اذ عليك تجمعوا *** فارديت منها جانبا بعد جانب

تفر كمعزاة تهيم من الردى *** لما شاهدت منك اللقا في المواكب

فاطعمت عقبانا لحوم امية *** بثثن بها ايدي المنون السوالب

عظيم بان تضحى اسير امية *** وانت عظيم من قرون الطائب

رمتك من القصر المشوم بحقدها *** اذا قدرمت حقداً لوي بن غالب

فكم هشموا منك الترائب والقرى *** وكم هشموا للمصطفى من ترائب

و داروا بك الاسواق سحباوانما *** ارادوا به ادراك وتر لطالب

ولما ان طلع الفجر جاءت طوعة الى مسلم بماء ليتوضأ قالت يامولاي ما رأيتك رقدت في هذه الليلة فقال لها اعلمي اني رقدت رقدة فرأيت في منامي عمي امير المؤمنين (علیه السلام) وهو يقول لي الوحا الوحا العجل العجل وما اظن إلا انه آخر ايامي من الدنيا فتوضأ وصلى صلاة الفجر وكان مشغولا بدعائه اذ ممع وقع حوافر الخيل واصوات الرجال عرف انه قد انى فعجل في دعائه ثم لبس لامته وقال يانفس اخرجي الى الموت الذي ليس له محيص فقالت العجوز سيدي اراك تتأهب للموت قال نعم لا بد لي من الموت وانت قد اديت ما عليك من البر والاحسان واخذت نصيبك من شفاعة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) سيد الانس والجان فاقتحموا عليه الدار وهم تثمأة رجل فخاف مسلم ان يحرقوا عليه الدار فخرج منه وشد عليهم حتى اخرجهم من الدار ثم عادوا اليه فحمل عليهم وهو يقاتلهم قتالا شديداً وبقول:

هو الموت فاصنع و يك ما انت صانع *** فانت بكأس الموت لا شك جارع

ص: 235

فصبراً لأمر الله جل جلاله *** فحكم قضاء الله في الخلق ذائع

حتى قتل منهم واحداً واربعين رجلا وقال ابو مخنف مائة وثمانين فارساً وكان من قوله ان يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت فارسل ابن الاشعث الى ابن زياد ادركني بالخيل والرجال فقد قتل مسلم مقتلة عظيمة فانفذ ابن زياد يقول ثكلتك امك و عدموك قومك رجل واحد يقتل هذه المقتلة العظيمة فكيف لو ارسلتك الى من هو اشد بأساً واصعب مراساً يعني الحسين بن علي فكتب اليه عساك تظن انك ارسلتني الى بقال من بقافيل اهل الكوفة او الى جرمقاني من جرامقة الحيرة وانما وجهتني الى بطل همام و شجاع ضرغام وسيف حسام في كف بطل همام من آل خير الانام فارسل اليه بالعساكر وقال اعطه الأمان فانك لا تقدر عليه إلا به فبينما هو يقاتل اذ اختلف بينه وبين بكر ابن حمران ضربات فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا واسرع السيف في السفلى وفصلات له ثنيتاه وضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه باخرى على حبل العاتق وحمل على القوم فلما رأوا ذلك اشرفوا عليه من اعلى السطوح واخذوا برمونه بالحجارة ويلهبون النار في الطنان القصب ثم يرمونها عليه وفى (العقد الفريد) فجعل الناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقال محمد بن الاشعث لك الامان يا مسلم لا تقتل نفسك فقال واي امان للغدرة الفجرة واقبل يقاتلهم وهو يرتجز ويقول:

اقسمت لا اقتل إلا حرا *** وان رأيت الموت كلما مرا

كل امرى يوما ملاق شرا *** اخاف ان اخدع او اغرا

و كان روحي له الفداء قد اتخن بالحجارة وعجز عن القتال واسند ظهره الى جنب تلك الدار (في مناقب ابن شهر اشوب) فضربوه بالسهام والاحجار حتى اعي واستند حائطا فقال مالكم ترمونني بالاحجار كما ترمي الكفار وانا من اهل بيت الانبياء

ص: 236

الابرار ألا ترعون رسول الله في عترته فقال ابن الاشعث لا تقتل نفسك وانت في ذمتي قال. اوسر وبي طاقة لا والله لا يكون ذلك ابداً وحمل عليه فهرب عنه فقال مسلم اللهم ان العطش قد بلغ مني قال السيد في اللهوف فعند ذلك طمنه رجل من خلفه فخر الى الارض فتكثروا عليه واخذوه اسيراً وقال المسعودي في (مروج الذهب) فاعطوه الامان فامكنهم من نفسه وحملوه على بغلة وسلبه ابن الاشعث سيفه وسلاحه واتوا به ابن زياد (لع) وفي (المنتخب) ثم انهم احتالوا عليه وحفروا له حفيرة عميقة واخفوا رأسها بالدخل والتراب ثم انطردوا من بين يديه فوقع فيها واحاطوا به فضر به ابن الاشعث على محاسن وجهه فاوثقوه اسيراً وحملوه على بغلة واجتمعوا حوله ونزعوا سيفه فعند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه وعلم ان القوم قاتلوه فقال انا لله وانا اليه راجعون وبكى في رثائه انشد الراثي:

ان يغدروا بك عن عمد فقد غدروا *** بالمرتضى وابنه سراً واعلانا

لاقاك جمعهم في الدار منفرداً *** كما تلاقى بغاث الطير عقبانا

فعدت تنثر بالهندى هامهم *** والرميح ينظمهم مثنى ووحدانا

حتى غدوت اسيراً في اكفهم *** و كان من نوب الايام ما كانا

كأنما نفسك اختارت لها عطشا *** لما درت ان سيقضي السبط عطشانا

فلم تطلق أن تسيغ الماء عن ظمأ *** من ضربة ساقها بكر بن حمرانا

یا مسلم بن عقيل لا اغب ثرى *** ضريحك المزن مطالا وهتانا

نصرت سبط رسول الله مجتهداً *** وذقت فى نصره للضر الوانا

ورام تقريعك الرجس الدعي بما *** قد كان لفقه زوراً وبهتانا

القمته بجواب قاطع حجراً *** و الاجهول به اوضحت برهانا

بذات نفسك في مرضاة خالفها *** حتى قضيت بسيف البغي ظمانا

ص: 237

فلما اخذ اسيراً وحمل على بغلة جعل يبكى فقال له عبيد الله بن العباس ان من يطلب مثل الذي طلبت اذا نزل به مثل ما نزل بك لم يبك قال والله اني ما لنفسي بكيت ولكني ابكي لأهلي المقبلين اليّ ابكي للحسين وآل الحسين ثم التفت الى ابن الاشعث وقال هل تستطيع ان تبعث من عندك رجلا يبلغ حسينا عن لساني فاني لا اراه إلا وقد خرج اليوم مقبلا او خارج غداً ويقول له ابن عمك مسلم بن عقيل بعثني اليك وهو اسير في ايدي القوم لا يرى انه يمسي حتى يقتل ويقول لك ارجع فداك ابي واي ولا يغررك اهل الكوفة فانهم اصحاب ابيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت والقتل ولما جاؤا بمسلم (علیه السلام) الى باب قصر الامارة رأى جرة فيها ماء بارد فقال اسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو الباهلي اتراها ما ابردها والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم فقال له ابن عقيل من انت قال انا من عرف الحق اذ تركته ونصح لأميره اذ غششته وسمع واطاع اذ عصيته انا مسلم بن عمرو فقال له ابن عقيل لامك الشكل ما اشتاك وافظك واقسى قلبك واغلظلك انت يا ابن الباهلية اولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني قال فدعى عمارة بن عقبة بماء بارد وفي رواية ارشاد و بعث عمرو بن حريث غلاما له فجاءه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماءاً بارداً وقال له اشرب فاخذ ليشرب فامتلا القدح دماً فلم يقدر أن يشرب ففعل ذلك ثلاثاً فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه فى القدح فقال (علیه السلام) لو كان لي من الرزق المقسوم الشربته ثم ادخل على ابن زياد وقد اجتمع الناس حول دار الامارة فمنهم من يقول بان مسلما مقتول لا محالة ومنهم من يقول بانه يساق الى الشام ومنهم من يقول بانه يحبس حتى يأتي الخبر من يزيد في امره فبينما هم كذلك اذا بجثته الشريفة قد القى من اعلى القصر بلا رأس ثم اتبع برأسه الشريف لبعض الفضلاء في رثائه:

ص: 238

قصر الامارة لا بنيت وليتما *** نسفتك غاشية فعدت مهيلا

فبمسلم اذ خر منك لوجهه *** خر الحسين عن الجواد قتيلا

و لعند ما سحبوه في اسواقهم *** سحبوا علي بن الحسين عليلا

المجلس الرابع في وروده على ابن زياد

جلی طلائعها واطلع جلها *** بالمشرفي على الحتوف معلما

لا يرعوى لأمانهم لكن غدا *** بلسان مشحوذ الغرار مكلما

يطفو و يرسف مفرداً في جمعهم *** مستنجداً بأما وعضبا مخذما

يرمي الكمى الى الهواء كأنه *** كرة بحلقها الى جو السما

ويكركرة عمه الكرار لا يلفی *** وان كثر الاعادي مححما

حفروا له وسط المفازة ريبة *** لما رأوا ليثا هزبراً ضيغما

فكبی ها الليث المقيل و قد قضت *** ايدي القضاء عليه ان يستسلما

نفسي الفداء له وقد حفوا به *** فهناك مدمعه با دمعه همی

ما كان إلا للحسين بكائه *** خوفا بان يؤتى حسين مثل ما

وسقوه ماء كلما ادنوه من *** فمه امتلا ذاك الاناء من الدما

حتى اذا سقطت ثناياه به *** نحاه عنه قائلا لن يقسما

ودنوا الى نادي الدعي فلم *** يهدي السلام محقراً ومذمما

وغدى يؤنبه ويشتم عمه *** متشمتا بغيا فلن يتكلما

وادار بالجلاس لحظا ما رأى *** إلا دعيا او بغيا مجرما

ورقوا به لشهادة فيها رقى *** اعلا مراق في الجنان واعظما

وتسنموا اعلى الطما ريه ولن *** ينفك في فنن العلا متسنما

ص: 239

یرقى مراقيه ويذكر ربه *** فمهللا ومسبحا ومعظما

ورماه بكر من طمار شاهق *** شلت يدا بكر ايعلم من رمى

وهوت الى وجه الترى جثمانه *** والروح حلق صاعدا نحو السما

(في اللهوف) فلما ادخل على عبيد الله بن زياد لم يسلم عليه فقال له الحرسي سلم على الأمير فقال له اسكت ويحك والله ما هو لي بامير فقال ابن زياد لا عليك سلمت ام لم تسلم فانك مقتول فقال له مسلم ان قتلتني فاقد قتل من هو شر منك من هو خير مني وبعد فانك لا تدع سوء القتلة وقبيح المثلة وخبث السريرة واؤم الغلبة لأحد أولى بها منك فقال ابن زياد يا عاق ياشاق خرجت على امامك وشتقت عصا المسلمين والقحت الفتنة فقال مسلم كذبت يا ابن زياد ائما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد واما الفتنة فانما القحها انت وابوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف وانا ارجو ان يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته فقال له ابن زياد منتك نفسك امر احال الله دونه وجعله لأهله فقال له من ومن اهله يا بن مرجانة فقال اهله يزيد بن معاوية فقال مسلم الحمد لله رضينا بالله حكما بيننا و فقال ابن زياد اتظن ان لك في الامر شيئا فقال مسلم (علیه السلام) والله ما هو الظن و لكنه اليقين فقال ابن زباد اخبرني يا مسلم لماذا جئت اتيت هذا البلد وامرهم ملتم فشتتت امر هم بينهم وفرقت كلمتهم فقال مسلم ما لهذا اتيت ولكنكم اظهرتم المنكر ودفعتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضى منهم وحملتموهم على غير ما امركم الله به وعملتم فيهم باعمال كسرى وقيصر فاتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف و ننهى عن المنكر وندعوهم الى حكم الكتاب والسنة وكنا اهل ذلك فجعل ابن زیاد بشتمه ويشتم عليا و الحسن والحسين (علیهم السلام) فقال له مسلم وانت وابوك احق بالشتمة فاقض ما انت قاض با عدو الله وفي بعض المقاتل فقال له ابن زياد العمري لتقتلن فقال كذلك قال نعم قال دعني اوص الى بعض قومي قال أفعل فقال لعمر بن

ص: 240

سعد ان بيني و بينك قرابة ولي اليك حاجة وهي سر فلم يمكنه عمر بن سعد من ذكرها فقال له ابن زياد لا تمتنع من حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث ينظر اليهما ابن لا زياد فقال ان علي بالكوفه ديناً استدنته وانفقته وهي سبعماة درهم فاقضها عني على مالي بالمدينة وانظر جثتي واستوهبها فوارها وابعث الى الحسين (علیه السلام) من يرده فقال عمر لا بن زياد انه قال كذا وكذا فقال ابن زياد لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن اما مالك فهو لك تصنع به ما شئت واما الحسين (علیه السلام) فان لم يردنا لم نرده و ان ارادنا لم نكف عنه واما جئته فانا لن تشفعك فيها وفي رواية قال واما جثته فانا اذا قتلناه لا نبالي ما صنع بها (العقد الفريد) فقال له دعني حتى اوصي فقال له اوص فنظر في وجه الناس فقال لعمر بن سعد ما ارى قرشياً هنا غيرك فادن مني حتى اكلمك فدنا منه فقال له هل لك ان تكون سيد قريش ما كانت قريش ان حسيناً ومن معه و هم تسعون انساناً ما بين رجل وامرأة في الطريق فارددهم واكتب لهم ما اصابني فقال عمر لابن زیاد اندري ما قال لي قال اكتم على ابن عمك قال هو اعظم من ذلك قال وما هو فحكى له فقال ابن زياد اما والله ان دلالت عليه لا يقاتله احد غيرك انتهى وقال المسعودي فلما انقضى كلامه ومسلم يغلظ له في الجواب امر به فاصعد الى اعلى القصر ثم دعي الاحمري الذي ضربه مسلم فقال كن انت الذي تضرب عنقه لتأخذ بثارك وهو يسبح الله تعالي ويستغفره ويصلي على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فضرب عنقه ونزل مذعوراً فقال له ابن زباد ما شأنك فقال ايها الأمير رأيت ساعة قتلته رجلا اسود الوجه سيء الوجه حذائي عاضاً على اصبعه او قال على شفته ففزعت منه فزعاً لم افزعه قط فقال ابن زياد لعنه الله لملك دهشت وقال الازدي قال له ابن زياد ما كان يقول وانهم تصعدون به قال كان يسبح الله ويستغفره فقلت له ادن مني الحمد لله الذي امكنني منك واقادني منك فضربته ضربة لم تعن شيئاً فقال اما ترى

ص: 241

في خدش تخدشنيه وفاء من دمك ايها العبد فقال ابن زياد وفخراً عند الموت قال ثم ضربته الثانية فقتلته وقال المسعودي فضرب بكير الاحمري عنق مسلم فاهوى رأسه الى الارض ثم اتبعوا رأسه جسده ثم امر ابن زياد بجثة مسلم فصلبت وحمل رأسه الى دمشق وهذا اول قتيل من بني هاشم صليت جثته واول رأس حمل الى دمشق وفي (المناقب) فنصب يزيد الرأسين اي رأس مسلم وهاني في درب من دمشق.

الفصل الخامس شهادة هاني ره

فان كنت ماتدرين ما الموت فانظري *** الى هاني في السوق وابن عقيل

الى بطل قد هشم السيف وجهه *** و آخر يهوى من طمار قتيل

اصابهما با فرخ البغي فاصبحا *** احاديث من يسري بكل سبيل

ترى جسداً قد غير الموت لونه *** و نضح دم قد سال كل مسیل

فتى كان احبي من فتاة حبيبة *** واقطع من ذي شفرتين صقيل

ايركب اسماء الهماليج آمنا *** وقد طلبته مذحج بذحول

تطوف حفا فيه مراد وكلهم *** على رغبة من سائل و مسول

اذا انتم لم تثأروا بقتيلكم *** فكونوا بغايا ارضيت بقليل

(في نفس المهموم) عن حبيب السير قال كان هاني بن عروة من اشراف الكوفة اعيان الشيعة و كان شيخ بني مراد ويركب فى اربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل وروى انه ادرك النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وتشرف بصحبته وكان ممن شهد حرب الجمل مع امير المؤمنين وعاش تسما وثمانين سنة قال ولا شك انه من السعداء والصلحاء ويحشر في زمرة الشهداء وقد ترحم عليه الحسين (علیه السلام) لما اخبر بشهادة مسلم وهاني استرجع وقال رحمة الله عليهما مراراً وقوله (علیه السلام) لما اخرج كتابا الى الناس فقرأ

ص: 242

عليهم بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فقد اتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني ابن عروة وعبد الله بن يقطر ثم دعائه عليه السلام لهم بقوله اللهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريماً واجمع بيننا و بينهم في مستقر رحمتك انك على كل شيء قدير وكفى في شرقه وفضله وعلى مقامه انه اجار مسلماً رحمة الله عليه في داره وقام بامره وبذل النصرة له وجمع له الرجال والسلاح حوله وامتنع من تسليمه لا بن زياد واختار القتل على التسليم حتى امين و ضرب و حبس وعذب وقتل صبراً وهذه جملة كافية في حسن حاله وجميل عاقبته ودخوله في انصار الحسين (علیه السلام) وشيعته المستشهدين في سبيله وقوله (رحمه الله) لا بن زياد لو كانت رجلي على طفل من اطفال آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) ما رفعتها حتى تقطع يدل على ان ما فعله قد كان عن بصيرة وبينة لا عن مجرد الحمية والعصبية وحفظ الدمام ورعاية حق الضيف وقد ذكر العلماء لهاني في سياق اعمال الكوفة زيارة یزاربها الى الآن صريحة في انه من الشهداء والسعداء والزيارة في صباح الزائر ومزار محمد بن المشهدي ومزار المفيد والشهيد (قده) وشهادته على ما روى انه غدر عبيد الله لهاني حتى احضره في مجلسه وكثر الكلام بينهما حتى قال ابن زياد (لع) والله لا تفارقنى ابداً حتى تأتيني بمسلم بن عقيل فقال لا والله لا اجيئك به ابداً اجيئك يضيفي حتى تقتله قال والله لتأتيني به قال لا والله لا اتيك به ان في ذلك علي الجزى والعار انا ادفع جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله وانا صحيح الساعدين كثير الأعوان والله لو لم اكن إلا واحداً ليس لي ناصر لم ادفعه حتى اموت دونه فقال اللعين والله لتأتيني به أو لأضر بن عنقك فقال هاني اذا والله تكثر البارقة حول دارك فقال ابن زياد والهفاه عليك ابالبارقة تخوفني ثم قال ابن زياد ادنوه مني فادني منه فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب انفه وجيينه و خده حتى انكسر انفه واسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خده وجبينه على لحيته فانكسر القضيب فضرب هاني بيده الى قائم سيف

ص: 243

شرطي فجاذبه ذلك الرجل فصاح ابن زياد خذوه فجروه حتى القوه في بيت من بيوت الدار واغلقوا عليه بابه وبلغ عمرو بن الحجاج ان هانياً قد قتل وكانت رويحة بنت عمر و هذا تحت هاني فاقبل عمرو في مذحج ووجوهها كافة حتى احاط بالقصر و نادى انا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة وقد بلغنا ان صاحبنا هانيا قد قتل فعلم عبيد الله باجتماعهم وكلاء هم فامر شريحاً القاضي ان يدخل على هاني فيشاهده ويخبر قومه بسلامته من القتل ففعل ذلك واخبرهم بقوله وانصرفوا فبقي هاني في الحبس الى ان قتل مسلم (علیه السلام) فامر ابن زياد بهاني قال اخرجوه الى السوق فاضربوا عنقه فاخرج هاني حتى انتهى به مكاناً من السوق يباع فيه الغنم وهو مكتوف فجعل يقول وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم وابن مذحج فلما رأى احدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال اما من عصى اما من سكين او حجر او عظم يحاجز به رجل عن نفسه فوثبوا اليه فشدوه وثاقاً ثم قيل له امدد عنقك فقال ما انا بها سخي ولا انا اعينكم على نفسي فضر به مولى لعبيد الله تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئاً فقال الى الله المعاد اللهم الى رحمتك ورضوانك ثم ضربه اخرى فقتله ثم انفذ رأسه بمصاحبة رأس مسلم الى الشام فنصب يزيد الرأسين في درب من دمشق ثم انهم اخذوا مسلماً وهانياً يسحبونهما في الاسواق فبلغ خبرهما الى بني مذحج فركبوا خيولهم وقاتلوا القوم واخذوا مسلما وهانيا فغسلوهما ودفنوهما وفي بعض مؤلفات اصحابنا عن قبسات الشيخ درويش علي البغدادي لما قتل مسلم وجرى عليه ما جرى ربعوا برجله حبلا وجروه في اسواق الكوفة قال الشعبي فمر به رجل اعرابي من اهل واقصة يقال له حنظلة بن مرة الهمداني وكان من شيعة علي ابن ابي طالب وهو راكب على مطية فقال ويلكم يا اهل الكوفة ما فعل هذا الرجل الذي تفعلون به هذا الفعال فقالوا هذا خارجي خرج على الأمير يزيد بن معاوية

ص: 244

فقال ياقوم بالله عليكم ما يقال له وما اسمه قالوا هذا مسلم بن عقيل ابن عم الحسين (علیه السلام) فقال ويلكم اذا علم انه ابن عم الحسين فلم قتلتموه وسحبتموه على وجهه ثم نزل عن مطيته ورد يده الى سيفه وسله من غمده وحمل عليهم وجعل يقاتل وهو يقول لا خير في الحياة بعدك ياسيدي ولم يزل يقاتل حتى قتل اربعة عشر رجلا فتكاثروا عليه حتى قتل وعجل الله بروحه الى الجنة وربطوا برجله حبلا وسحبوه على وجهه حتى رمي على كناسة الكوفة بجانب مسلم بن عقيل فقال الشعبي فبقيت تلك الجنة الطاهرة على وجه الارض من غير غسل ولا كفن ولما دجى الليل ونامت كل عين شدت زوجة ميثم التمار على نفسها وخرجت الى الكناس وحمات مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وحنظلة بن مرة الى دارها ولما انتصف الليل ونامت كل عين حملتهم الى جنب المسجد الاعظم ودفنتهم بدمائهم ولم يعلم بها احد الا زوجة هاني بن عروة لأنها كانت في جوارها رحمة الله عليهم ورضوانه.

المجلس السادس

في الناسخ ولما بلغ يزيد بن معاوية دخول الحسين (علیه السلام) الى مكة كتب الى ابن عباس اما بعد فان ابن عمك حسيناً وعدو الله ابن الزبير التويا ببيعتي و. ولحقا ممكة من صدين للفتنة معرضين انفسها للهلكة فاما ابن الزبير فانه الفناء وقتيل السيف غدا و اما الحسين فقد احببت الاعذار اليكم اهل البيت مما كان منه وقد بلغني ان رجالا من شيعته من اهل العراق يكاتبونه و يكاتبهم ويمنونه الخلافة ويمنيهم الامرة وقد تعلمون ما بيني وبينكم من الوصلة وعظيم الحرمة ونتائج الارحام وقد قطع ذلك الحسين وبته (بت اي قطع) وانت زعيم اهل بيتك وسيد اهل بلادك فالقه فاردده عن السعي في الفرقة ورد هذه الامة عن الفتنة فان قبل منك واناب اليك فله الاجر

ص: 245

و له عندي الامان والكرامة الواسعة واجرى عليه ما كان ابي يجربه على اخيه فان طلب الزيادة فاضمن له ما اراك الله انفذ ضمانك واقوم له بذلك وله على الایمان المغلظة والمواثيق المؤكدة بما تطمئن به نفسه ويعتمد في كل الامور عليه عجل بجواب کتابی وبكل حاجة لك الي وقبلي والسلام وكتب ابن عباس في جوابه اما بعد فقد ورد كتابك تذكر فيه الحاق الحسين وابن الزبير بمكة فاما ابن الزبير فرجل منقطع عنا برأيه وهواه يكا تمنا مع ذلك اضغاناً يسرها في صدره يورى عليناوري الزنادلا فك الله اسيرها قاراً في امره ما انت تراه واما الحسين (علیه السلام) فانه لما نزل مكة وترك حرم جده ومنازل آبائه سألته عن مقدمه فاخبرني ان عمالك بالمدينة اساؤا اليه وعجلوا عليه بالكلام الفاحش فاقبل الى حرم الله مستجيراً به وسألقاه فيما اشرت اليه ولن ادع النصيحة فيما يجمع الله به الكلمة ويطفىء به النائرة ويخمد به الفتنة ويحقن به دماه الامة فاتق الله في السر والعلانية ولا تبين ليلة وانت تريد لمسلم غائلة ولا ترصده یمظلمة ولا تحفر له مهواة فكم من حافر لغيره حفراً وقع فيه وكم من مؤمل املا لم يؤت امله وخذ محظك من تلاوة القرآن ونشر السنة وعليك بالصيام والقيام لا تشغلك عنهما ملاهي الدنيا واباطيلها فان كل ما اشتغلت به عن الله يضر ويفنى وكل ما اشتغلت به من اسباب الآخرة ينفع ويبقى والسلام انتهى وفي بعض الكتب جاء عبدالله ابن عباس الى الحسين (علیه السلام) وتكلم معه بما تكلم الى ان اشار عليه بالدخول في طاعة يزيد وصلح بني امية فقال الحسين عليه السلام هيهات هيهات يا ابن عباس ان القوم لن يتركوني وانهم يطلبوتي اين كنت حتى ابايعهم كرهاً ويقتلوني والله انهم ليعتدون علي كما اعتدت اليهود في يوم السبت واني ماض في امر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حيث امرني وانا لله وانا اليه راجعون فقال يا ابن العم بلغني انك تريد العراق وانهم اهل غدر وانما يدعونك للحرب فلا تعجل فاقم بمكة فقال (علیه السلام) لأن اقتل والله بمكان

ص: 246

كذا احب الي من ان استحل بمكة وهذه كتب اهل الكوفة ورسلهم وقد وجب علي اجابتهم وقام لهم العذر علي عند الله سبحانه فبكى عبدالله حتى بات لحيته وقال واحسيناه والسفاه على حسين في كتاب مهج الاحزان والناسخ ان ابن عباس الح على الحسين في منعه من المسير الى الكوفة فتفأل بالقرآن لا سكانه فخرج الفال قوله تعالى كل نفس ذائقة الموت وأنما توفون اجوركم فقال (علیه السلام) انا لله وانا اليه راجعون صدق الله ورسوله ثم قال با ابن عباس فلا تلح علي بعد هذا فانه لامرد لفضاء الله عز وجل انتهى وفي (مدينة المعاجز) قال الحسين (علیه السلام) يا ابن عياس ما تقول في قوم اخرجوا ابن بنت نبيهم من وطنهم وداره و قراره وحرم جده وتركوه خائماً مرعوبا لا يستقر في قرار ولا يأوي الى جوار يريدون بذلك قتله وسفك دمه لم يشرك بالله شيئاً ولم يرتكب منكراً ولا اثماً قال له ابن عباس جعلت فداك يا حسين ان كان لابد من المسير الى الكوفة فلا تسر باهلك ونسائك فوالله اني لخائف ان تقتل كما قتل عثمان ونسائه وولده ينظرون اليه فقال يا ابن العم أني رأيت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في منامي وقد امرني بامر لا اقدر على خلافه وانه امرني باخذهم معي وانهن ودائع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ولا آمن عليهن احداً وهن ايضاً لا يفارقني فسمع ابن عباس بكاء من ورائه وقائله تقول يا بن عباس اتشير على شيخنا وسيدنا ان يخلفنا مهنا ويمضي وحده وهل ابقى الزمان لنا غيره لا والله بل نحيي معه ونموت معه فيكى ابن عباس بكاء شديداً وجعل يقول يعز والله علي فراقك يا بن العم فمضى الحسين الى العراق وبقى ابن عباس في الحجاز ينتظر الخبر حتى صار يوم عاشوراء فى (البحار) فنام ابن عباس ورأى في منامه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وفى بده قارورة مملوة دماً وهو اشعث أغبر فقال فداك ابي وامي يارسول الله مالي اراك متغير اللون وما هذه القارورة والدم فقال هذا دم ولدي الحسين (علیه السلام) لقد قتلوه في هذا اليوم الخ وفي (البحار) لما اراد ان يتوجه الى العراق

ص: 247

جاءه عبدالله بن عباس وعبد الله بن الزبير فاشارا عليه بالامساك فقال ان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قد امرني بامر وانا ماض فيه فخرج ابن عباس وهو يقول واحسيناه وفي (تذكرة السبط) فلما رآه ابن عباس مصراً على المسير قبل ما بين عينيه وبكى وقال استودعك الله من فتيل وفى (البحار) ثم جاء عبدالله بن عمر واشار عليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال فقال (علیه السلام) یا ابا عبد الرحمن اما علمت ان من هوان الدنيا على الله تعالى ان رأس يحيى بن زكريا اهدى الى بغي من بغايا بني اسرائيل اما تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبياً ثم يجلسون في اسواقهم يبيعون ويشترون كان لم يصنعوا شيئاً فلم يعجل الله عليهم بل اخذهم اخذ عزيز ذي انتقام اتق الله يا ابا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي قال يا ابا عبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان يقبله رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) مراراً فكشف (علیه السلام) عن سرته فقبل المحل ثلاث مرات وبكى وقال اودعتك الله يا حسين وانا ادري تقتل بهذا السفر أي موضع قبل ابن عمر وبكى قبل موضعا كان يقبله رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) مراراً وكذا علي وفاطمة والحسن عليهم السلام وقبل موضعا اتاه يوم عاشوراء سهم محدد مسموم له ثلاث شعب الخ.

المجلس السابع

في (البحار) عن ابن عباس قال رأيت الحسين (علیه السلام) قبل ان يتوجه الى العراق على باب الكعبة وكف جبرئيل فى كفه وجبرئيل يقول هلموا الى بيعة الله في في (تذكرة السبط) دخل ابو بكر بن الحارث بن هشام على الحسين (علیه السلام) فقال يا ابن العم ان الرحم بظائر ني عليك ولا ادري كيف انا في النصيحة فقال انا يا ابابكر ما انت ممن يستغش فقال ابو بكر كان ابوك اشد بأسا والناس له ارجى ومنه اسمع وعليه اجمع فسار الى حرب معاوية والناس مجتمعون عليه إلا اهل الشام وهو اعز منه فخذلوه

ص: 248

وتثاقلوا عنه حرصا على الدنيا وظنا بها فجرعوه الغيظ وخالفوه حتى صار الى ما صار اليه من كرامة الله ورضوانه تم صنعوا باخيك بعد ابيك ما صنعوا وقد شهدت ذلك كله ورأيته ثم انت تريد ان تسير الى الذين عدوا على ابيك واخيك تقاتل بهم اهل الشام واهل العراق ومن هو اعد منك واقوى والناس منه اخوف وله ارجى فلو بلغهم مسيرك اليهم لاستطغوا الناس بالاموال وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك ان ينصرك ويخذلك من انت احب اليه ممن ينصره فاذكر الله في نفسك فقال الحسين جزاك الله خيراً يا ابن عم فقدا جهدت رأيك ومهما يقض الله يكن فقال عند الله نحتسبك يا ابا عبدالله في (اللهوف) عن ابي محمد الواقدي وزرارة بن صالح قالا لقينا الحسين ابن علي قبل خروجه الى العراق بثلاثة ايام فاخبرناه ضعف القوم بالكوفة وان قلوبهم معه وسيوفهم عليه فاوماً بيده الى السماء وفتحت السماء ونزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم إلا الله فقال لو لا تقارب الاشياء وهبوط الاجر لقاتلتهم بهؤلاء ولكن اعلم علما يقينا ان هناك مصرعى ومصرع اصحابي فلا ينجو منهم إلا ولدي علي وفيه لما سار ابو عبدالله (علیه السلام) من مكة ليدخل المدينة لقيته افواج من مكة ليدخل المدينة لقيته افواج من الملائكة المسومين والمردفين في ايديهم الحراب على نجب من تجب الجنة فسدوا عليه وقالوا ياحجة الله على خلقه بعد جده وابيه واخيه ان الله عز وجل امد جدك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بنا في مواطن كثيرة وان الله امدك بنا فقال لهم الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها وهي كربلا فاذا وردتها فائتوني فقالوا يا حجة الله ان الله أمرنا ان نسمع لك ونطيع فهل تخشى من يلقاك فنكون معك فقال لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة او اصل الى بقعتي واتته افواج من مؤمني الجن فقالوا له يا مولانا نحن شيعتك وانصارك فمرنا بما تشاء فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وانت بمكانك لكفيناك ذلك فجزاهم خيراً وقال لهم اما قرأنم كتاب الله المنزل على جدي في قوله (قل لو كنتم في يوتكم لبرز الذين كتب

ص: 249

عليهم القتل الى مضاجعهم) فاذا اقمت بمكاني فماذا يمتحن هذا الخلق المتعوس وبماذا يختبرون ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى يوم دحى الارض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا تقبل اعمالهم وصلاتهم ويجاب دعاؤهم وتسكن اليها شيعتنا فتكون لهم امانا في الدنيا والآخرة ولكن تحضرون يوم السبت وهو يوم عاشوراء الذي في آخره اقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من اهلي و نسبي واخواني واهل بيتي وبسار رأسي الى يزيد بن معاوية فقالت الجن نحن والله ياحبيب الله وابن حبيبه لولا ان امرك طاعة وانه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع اعدائك قبل ان يصلوا اليك وقال (علیه السلام) لهم ونحن والله اقدر عليهم منكم ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بيئة فمحصل هذه الاخبار انه (علیه السلام) كان قادراً على الهلاك عدوه ومع ذلك اختار ان يموت شهيداً حتى يكون فى ذلك سبياً لنجاة امة جده كما ورد في (اللهوف) عن مولانا الصادق (علیه السلام) انه قال سمعت ابي (علیه السلام) يقول التقى الحسين وعمر بن سعد (لع) وقامت الحروب انزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين (علیه السلام) ثم خير بين النصر على اعدائه وبين لقاء الله فاختار لقاء الله ثم صاح اما من مغيث يغيثنا لوجه الله اما من ذاب يذب عن حرم رسول الله الى آخر المصيبة (في اللهوف) لما عزم على الخروج الى العراق قام خطيباً فقال الحمد الله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما اولمني الى اسلامي اشتياق يعقوب الى يوسف وخير لي مصرع انا لاقيه كاني باوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملان مني اكراشاً جوفاً واجربة سفيا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضمانا اهل البيت نصبر على بلائه ويوفيها اجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم تقربهم عينه وينجز بهم وعده من كان فينا باذلا مهجته وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا

ص: 250

فاني راحل مصبحا ان شاء الله وخطب (علیه السلام) بعدها هذه الخطبة ان الحلم زينة والوفاء مروة والصلة نعمة والاستكبار صلف والعجلة سفه والسفه ضعف والغلو ورطة ومجالسة اهل الدناءة شر ومجالسة اهل الفسق ريبة وفي (المنتخب) ان محمد بن الحنفية لما بلغه الخبر ان اخاه الحسين (علیه السلام) خارج من مكة بريد العراق كان بين يديه مشت فيه ماء وهو يتوضأ فجعل يبكي بكاء شديداً حتى سمع وكف دموعه في الطشت مثل المطر ثم أنه صلى المغرب وصار الى اخيه الحسين فقال يا اخي ان اهل الكوفة قد عرفت غدرهم ومكرهم بابيك واخيك من قبل وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضى فان اطعت رأبي فاقم بمكة وكن اعز من في الحرم المشرف فقال (علیه السلام) يا اخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فاكون الذي تستباح به حرمة هذا البيت فقال ابن الحنفية فان خفت ذلك فسر الى اليمن أو بعض نواحي البر فانك أمنع الناس به ولا يقدر عليك فقال الحسين (علیه السلام) والله يا اخي لو كنت في جحر هامة من هوام الارض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني ثم قال يا اخي سأنظر فيما قلت فلما كان السحر ارتحل الحسين (علیه السلام) فبلغ ذلك ابن الحنفية فاتاه واخذ بزمام ناقته وقد ركبها وقال له يا اخى ألم تمدنى النظر فيما سألتك قال بلى قال فما الذي حملك على الخروج عاجلا فقال «علیه السلام» قد اتاني رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» بعد ما فارقتك وقال ياحسين اخرج الى العراق فان الله قد شاء ان يراك قتيلا مخضبا بدمائك فقال محمد انا لله وانا اليه راجعون فاذا علمت انك مقتول فما معنى حملك هؤلاء النساء معك فقال «علیه السلام» لقد قال لي جدي ان الله عز وجل قد شاء ان يراهن سبايا مهتكات ويساقون في اسر الذل وهن ايضا لا يفارقننى ما دمت حيا.

اخي ان الله شاه بان یری *** جسمى يفيض دم الوريد خضيبا

و یرى النساء على الجمال حواسرا *** اسري وزين العابدين سليبا

ص: 251

فاكفف فقد خط القضاء بأنني *** امسي بعرصة كربلاء غريبا

فبكى محمد بكاء شديداً وجعل يقول اودعتك الله يا حسين في دعة الله ياحسين «اقول» فمضى الحسين لشأنه وبقى محمد ينتظر خبره ويترقب اثره ولم يزل هكذا حتى رأى ان المدينة قد ضجت باهلها وهو يومئذ مريض فاقبل على خادم له وقال مالي ارى المدينة قد ضجت باهلها قال كأن اخاك الحسين قد رجع من العراق قال ويلك ليس الامر كما ذكرت علي بفرسي فقام ليركب فسقط ومرة ثانية فكبا ومرة ثالثة فوقع فقال انا لله وانا اليه راجعون فيها مصيبة كمصيبة آل يعقوب فركب وخرج من المدينة فرأى الناس بين صارخ وصارخة وباك وباكية فصاح والله لقد قتل اخي الحسين عليه السلام وخر مغشياً عليه الى آخر المصيبة.

المجلس الثامن في كتابه (علیه السلام) الى اهل البصرة

قال السيد فى (اللهوف) و كان الحسين (علیه السلام) قد كتب الى جماعة من اشراف البصرة كتابا مع مولى اسمه سلیمان و یکنی ابا رزين يدعوهم فيه الى نصرته ولزوم طاعته منهم يزيد بن مسعود النهشلي والمنذر بن الجارود العبدي فجمع يزيد بن مسعود بني تميم و بي حنظلة وبني سعد فلما حضر وا قال كيف ترون حسبي منكم وموضعي فيكم فقالوا بخ بخ انت والله فقرة الظهر ورأس الفخر حلات في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا قال فاني قد جمعتكم لامر اريد ان اشاور كم فيه واستعين بكم عليه فقالوا انا والله تمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي فقل نسمع فقال ان معاوية مات فاهون به والله هالكا ومفقوداً ألا وانه قد انكسر باب الجور والاثم وتضعضعت اركان الظلم وقد كان احدث بيعة عقد بها امرأظن انه قد احكمه وهيهات والذي اراد اجتهد و الله ففشل وشاور تخذل وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة

ص: 252

على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطأ قدميه فاقسم بالله قسما مبروراً لجهاده على الدين افضل من جهاد المشركين وهذا الحسين بن علي بن ابي طالب ابن رسول الله ذو الشرف الاصيل والرأي الاثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو اولى هذا الامر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته يعطف على الصغير ويحنو على الكبير فاكرم به راعي رعية وامام قوم وجبت الله به الحجة وبلغت به الموعظة ولا تعشوا من نور الحق ولا تسكموا في وهدة الباطل فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل واغسلوها بخر و حكم الى ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ونصرته والله لا يقصر احد عن نصرته إلا اورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته وها انا قد لبست الحرب لامتها وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمث ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب فتكلمت بنو حنظلة فقالوا يا ابا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا اصبت وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ننصرك باسيافنا ونقيك با بداننا اذا شئت فافعل فتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا يا ابا خالد ان ابغض الاشياء الينا خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر بن قيس امرنا بترك القتال محمدنا أمرنا وبقى عزنا فينا فأمهلنا تراجع المشورة وتأتيك برأينا وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا يا ابا خالد نحن بنو ابيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نقطن ان ظعنت والامر اليك فادعنا نجبك ومرنا نطعك والامر لك اذا شئت فقال والله يابني سعد لان فعلتموها لا برفع الله السيف عنكم ابداً ولا زال سيفكم فيكم ثم كتب الى الحسين (علیه السلام) بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فقد وصل الي كتابك وفهمت ما ندبتني اليه ودعوتني له من الاخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك وان الله لا يخل الارض قط من عامل عليها بخير ودليل على سبيل نجاة وانتم حجة الله على خلقه ووديعته في

ص: 253

ارضه تفرعتم من زيتونة احمدية هو اصلها وانم فرعها فاقدم سعدت باسعد طائر فقد ذلت لك اعناق بني تميم وتركتهم اشد تتابعا في طاعتك من الابل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكظلها وقد ذلت لك بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع فلما قرأ الحسين (علیه السلام) الكتاب قال مالك آمنك الله يوم الخوف الاكبر واعزك وارواك يوم العطش الاكبر فلما تجهز المشار اليه للخروج الى الحسين (علیه السلام) بلغه قبل ان يسير فجزع من انقطاعه عنه فازمع يزيد بن نبيط او ثبيت البصري الخروج الى الحسين [علیه السلام] وهو من عبد القيس وكان له بنون عشرة فقال ايكم يخرج معي فانتدب معه ابنان له عبدالله وعبيد الله فقال لاصحابه اني قد از معت على الخروج وانا خارج فقالوا له انا تخاف عليك من اصحاب ابن زياد فقال أني والله لو قد استويت على راحلتي واخذت الطريق لهان على طلب من طبلني ثم خرج فقوى في الطريق حتى انتهى الى الحسين «علیه السلام» فدخل في رحله بالا بطح وبلغ الحسين (علیه السلام) مجيئه فجعل يطلبه وجاء الرجل الي رحل الحسين (علیه السلام) فقيل له قد خرج الى منزلك فاقبل في اثره ولما لم يجده الحسين (علیه السلام) جلس فى رحله ينتظره وجاء البصري فوجده في رحله جالسا فقال بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا السلام عليك يا ابن رسول الله فلم وجلس اليه واخبره بالذي جاء له فدعا له بخير ثم اقبل معه حتى اتى كربلا فقاتل معه فقتل معه وابناه وفي ابصار العين قال ان ابنيه قتلا في الحملة الاولى قبله وقتل هو بعدها مبارزة وفي رثائه ورثاء ولديه يقول ولده عامر بن يزيد:

يا فرو قومي واندبي خير البرية في القبور وابكي الشهيد بعبرة من فيض دمع درور وارثي الحسين مع التفجع والتأوه والزفير قتل الحرام من الأئمة في الحرام من الشهور وابكي يزيد مجدلا وابنيه في حر الهجير متزملين دماؤهم تجري على لبب النحور بالهف نفسي لم تفز معهم بجنات وحور

ص: 254

وكان عامر يتأسف ويتحسر لما قد فاته من نصرة الحسين نعم الاسف كل الاسف لمن لم يفز معه بالشهادة ولم ينل معه بالسعادة فالويل كل الويل لمن حضر يومه وشهد وقعته ورأى سواده وسمع واعيته ولم ينصره وهم اهل الكوفة نظروا باعينهم الى ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو واقف بينهم غريبا وحيداً بلا ناصر ولا معين وهو ينادي الاهل من مغيث يغيثنا لوجه الله هل من ذاب الخ.

الفصل السادس

اشارة

في خروجه عليه السلام من مكة المشرفة الى نزوله بكربلا وسنذكر في هذا الفصل منازله ومسيره ويشتمل هذا الفصل على ستة مجالس وكل مجلس ايضا يشتمل على مجالس كما لا يخفى.

المجلس الاول في يوم خروجه من مكة

في (البحار) لما اراد الحسين (علیه السلام) التوجه الى العراق طاف بالبيت سبعا وسعى بين الصفا والمروة وحل من احرامه وجعلها عمرة مفردة لانه لم يتمكن من اتمام الحج مخافة ان يقبض عليه وينفذ الى يزيد لان يزيد لعنه الله انفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم وولاه امر الموسم وامره على الحاج كله وكان لعنه الله قد اوصاه بقبض الحسين «ع» سراً وان لم يتمكن منه يقتله غيلة ودس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني امية وامرهم بقتل الحسين (علیه السلام) على كل حال اتفق وفي بعض النسخ ولو كان متعلقاً باستار الكعبة فلما علم «علیه السلام» بذلك احل من احرامه وجعلها عمرة مفردة وخرج مخافة ان يقبض عليه او ان يقتل في «نفس المهموم» روى انه لما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد بن العاص بمكة في جند كثيف قد امره يزيد ان يناجز الحسين «علیه السلام» القتال ان هو ناجزه او يقتل الحسين «علیه السلام» ان قدر

ص: 255

عليه فخرج الحسين «علیه السلام» يوم التروية مبادراً باهله وولده ومن انضم اليه من شيعته و هم اثنان وثمانون رجلا فاعطى كل واحد منهم عشرة دنانير وجملا يحمل عليه زاده ورحله ولما بلغ عمرو بن سعيد ان حسيناً قد خرج فقال اطلبوه اركبوا كل بمير بين السماء والأرض فاطلبوه قال فعجب الناس من قوله هذا فطلبوه فلم يدركوه وفي رواية اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص ومعه جماعة ارسله عمرو بن سعيد بن العاص اليه فقالوا له انصرف این تذهب فابى عليهم ومضى فتدافع الفريقان وتضار بوا بالسياط وامتنع الحسين (علیه السلام) واصحابه منهم امتناعاً قوياً ومضى على وجهه فبادروه وقالوا ياحسين الا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الامة فقال (علیه السلام) لي عملي واحكم عملكم انم بريئون مما اعمل وانا برى مما تعملون وعن «نفس المهموم» واتصل الخبر بالوليد ابن عتبة امير المدينة بان الحسين «علیه السلام» توجه الى العراق فكتب الى ابن زیاد اما بعد فان الحسين «علیه السلام» قد توجه الى العراق وهو ابن فاطمة وفاطمة بنت رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» فاحذر يا ابن زياد ان تأتي اليه بسوء فتهيج على نفسك وقومك امراً في هذه الدنيا لا يصده شيء ولا تنساه الخاصة والعامة ابدا ما دامت الدنيا قال فلم يلتفت ابن زياد الى كتاب الوليد ففعل ما فعل حتى جلس في قصر الامارة و بين يديه رأس الحسين (علیه السلام) وهو ينظر اليه ويتبسم الخ وادرك الحسين «علیه السلام» كتاب عبدالله بن جعفر بن ابيطالب مع ابنيه عون ومحمد وفيه اما بعد فاني اسألك بالله لما انصرفت حين تقرأ كتابي هذا فاني مشفق عليك من هذا الوجه ان يكون فيه هلاكك واستيصال اهل بيتك فان هلكت اليوم مافي نور الارض فانك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجل بالسير فاني فى اثر كتابي والسلام قال الطبري وقام عبد الله بن جعفر واتي الى عمرو بن سعيد بن العاص وهو عامل يزيد بن معاوية على مكة فكلمه وقال اكتب الى الحسين كتاباً تجعل له فيه الامان وتمنيه فيه البر والصلة والاحسان وتوثق له في كتابك وتسأله الرجوع

ص: 256

لعله يطمئن الى ذلك فيرجع فقال عمرو بن سعيد اكتب ما شئت واثتني به حتى اختمه وابعثه به مع اخي يحيى بن سعيد فانه احرى ان تطمئن نفسه اليه ويعلم انه الجد منك ففعل وكان كتاب عمرو بن سعيد الى الحسين بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو ابن سعيد الى الحسين بن علي اما بعد فاني اسأل الله ان يصرفك عما يوبقك وان يهديك لما يرشدك بلغني انك قد توجهت الى العراق واني اعيذك بالله من الشقاق فاني اخاف عليك فيه الهلاك وقد بعثت اليك عبدالله بن جعفر ويحيى بن سعيد فاقبل اليّ معهما فان لك عندي الامان والصلة والبر وحسن الجوار لك الله علي بذلك شهيد وكفيل ومراع ووكيل والسلام عليك قال فلحقه يحيى بن سعيد وعبد الله بن جعفر واقرأه الكتاب فكتب الحسين «علیه السلام» في جوابه اما بعد فانه لم يشاق الله ورسوله من دعا الى الله عز وجل وعمل صالحاً وقال انتي من المسلمين وقد دعوت الى الامان والبر والصلة فخير الامان امان الله ولن يؤمن الله في الآخرة من لم يخفه في الدنيا فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا امانه يوم القيامة فان كنت نويت بالكتاب صلتي وبري فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة وانصرف يحيى بن سعيد وعبدالله بن جعفر وقالا اقرأناه الكتاب وجهدنا به وكان مما اعتذر به الينا ان قال أني رأيت رؤياً فيها رسول الله وامرت فيها بامر انا ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما حدثت احداً بها وما انا محدث بها حتى القى الله ربي فلما يئس منه عبد الله بن جعفر امر ابنيه عوناً و محمداً لزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع مع يحيى بن سعيد الى مكة وما زال ابنا عبد الله بن جعفر مع الحسين (علیه السلام) حتى صار يوم عاشوراء وانتهى الامر في القتال الى الهاشميين فبرزا برز اولا عون بن عبد الله بن جعفر وامه زينب الكبرى على قول عبدالله وهو يرتجز ويقول:

ان تنكروني فانا ابن جعفر *** شهید صدق في الجنان ازهر

ص: 257

يطير فيها بجناح اخضر *** كفى بهذا شرفاً في المحشر

فقتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلا فقتله عبدالله بن قطية الطائي ثم برز محمد ابن عبدالله بن جعفر وهو ينشد:

اشكو الى الله من العدوان *** فعال قوم في الردى عميان

قد بدلوا معالم القرآن *** ومحكم التنزيل والتبيان

واظهروا الكفر مع الطغيان

فقتل عشرة إنفس فقتله عامر بن نهشل النميمي واياه عنى سليمان بن قتة بقوله

وسمي النبي غودر فيهم *** قد علوه بصارم مصقول

فاذا ما بكيت عينى فجودي *** بدموع تسيل كل مسيل

واندبى ان بكيت عوناً اخاه *** ليس فيما ينوبهم یخذول

فلعمري لقد أصيبت ذوى القربي *** فبكى على المصاب الطويل

ولما بلغ عبدالله بن جنفر مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزو نه فقال الحمد لله عز علي بمصرع الحسين ان لا يكن است حسيناً يداي فقد آسان ولداي الى آخره فليراجع في محله

وسار الحسين (علیه السلام) حتى مر بالتنعيم وهو ما بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وقيل اربعة فراسخ فلقى بها عيراً قد اقبلت من اليمن بعث بها بحير بن ريسان (وفى بعض النسخ ريان) من اليمين الى يزيد بن معاوية وكان عامله على اليمين وعلى العير الورس والحلل فاخذه الحسين (علیه السلام) لان حكم امور المسلمين اليه وقال لاصحاب الابل من احب منكم ان بعضي معنا الى العراق اوفيناه كراه وأحسنا صحبته ومن احب ان يفارقنا من مكاننا اعطيناه نصيبه من الكرى بقدر ما قطع من الطريق فمضى قوم معه و امتنع آخرون ثم سار حتى انتهى إلى الصفاح لفيه الفرزدق الشاعر قال حججت

ص: 258

بامي في سنة ستين فيينا انا اسوق بعيرها حتى دخلت الحرم اذ لقيت الحسين (علیه السلام) خارجا من مكة معه أسيافه وتراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل الحسين بن علي في الناسخ ان اسم فرزدق همام بن غالب ما ورد على الامام كان الامام (علیه السلام) يتلو القرآن انتهى قال فاتيته فسلمت عليه فقلت له اعطاك الله سؤلك واملك فيما تحب بابي انت وامي يا ابن رسول الله ما اعجلك عن الحج فقال (علیه السلام) لو لم اعجل لاخذت ثم قال لي من انت قلت رجل من العرب فلا والله ما فتشنى عن اكثر من ذلك ثم قال لي اخبرني عن الناس خلفك ففات الخبير سألت قلوب الناس معك واسيافهم عليك والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء فقال صدقت الله الامر من قبل ومن بعد وكل يوم ربنا هو في شأن ان نزل القضاء بما تحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على اداء الشكر وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته فقلت له اجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر وسألته عن اشياء من نذر ومناسك فاخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام عليك ثم افترقنا (في القمقام) قال الفرزدق لما فرغت من مناسك الحج مضيت الى عسفان فما مضت إلا ايام قلائل حتى اقبلت علي قافلة من الكوفة فتبعتها وناديت بهم ألا أخبروني عن الحسين ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالوا قتل الحسين ويظهر من كلام السيد في اللهوف انه بعد ما فرغ من مناسك الحج لحق بالحسين (علیه السلام) في منزل زبالة بعد ان اناه خبر مسلم بن عقيل اوورد عليه من الكوفة وهذا ينافي ما ذكرنا انفاً انتهى قال السيداتاه فرزدق فسلم عليه وقال يا ابن رسول الله كيف تركن الى اهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته فاستعبر الحسين (علیه السلام) باكياً ثم قال رحم الله مسلماً فلقد صار الى روح الله وريحانه وجنته ورضوانه اما انه قد قضى ما عليه وبقى ما علينا يعني لكل اجل كتاب له يوم قد كتب الله عليه فيه القتل ولنا ايضا يوم قادرك مسلم يومه

ص: 259

و بقى يومنا و كان روحي له الفداء ينتظر ذلك اليوم حتى صار يوم عاشوراء وهو يعلم انه يوم قد كتب عليه فيه القتل ومن ذلك ان كل من برز من اصحابه اقبل ليسلم عليه ويودعه فيجيبه الحسين (علیه السلام) ويقول وعليك السلام ونحن خلفك ويتلو فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ثم بعد ذلك كان ينتظر حتى انخن بالجراح بقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب فسقط وقال بسم الله وبالله وفي سبيل الله الخ.

المجلس الثاني من مسيره

في (البحار) ثم سار (علیه السلام) حتى بلغ ذات عرق فلقى بشر بن غالب وارداً من العراق فسأله عن اهلها فقال خلفت القلوب معك وانسيوف مع بني امية فقال (علیه السلام) صدق اخو بني اسد ان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (وفيه) عن الرياشي عن جعفر ابن سلمان قال حججت فتركت اصحابي وانطلقت اتعسف الطريق وحدي فبينما انا اسير اذ وقعت طرفي الى اخبية وفساطيط فانطلقت نحوها حتى اتيت ادناها فقلت لمن هذه الابنية فقالوا الحسين (علیه السلام) فقلت ابن علي بن ابي طالب وابن فاطمة قالوا نعم قلت في ايها هو قالوا في ذلك الفسطاط قانطلقت نحوه فاذا الحسين عليه السلام متكى. على باب الفسطاط يقرأ كتبا بين يديه فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت يا ابن رسول الله بابي انت وامي ما انزلك في هذه الارض القفراء التي ليس فيها ريف ولا منعة قال ان هؤلاء الخافوني وهذه كتب اهل الكوة وهم قاتلي فاذا فعلوا ذلك ولم يدعو الله محرماً إلا انتهكوه بعث الله اليهم من يقتلهم حتى يكونوا اذل من قوم الامة وفي بعض النسخ من فرم الامة وهو من الفرام الخرقة التي تجعل المرأة في قبلها حين حاضت ثم سار (علیه السلام) حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال قد رأيت هاتف يقول انتم تسرعون والمنايا تسرع بكم الى الجنة وفي رواية ابي مخنف وسار

ص: 260

الحسين (علیه السلام) وهومت عيناه بالنوم ساعة وانتبه وهو يقول انا لله وانا اليه راجعون فاقبل عليه ولده علي الاكبر وقال له يا ابت لم استرجعت لا اراك الله سوء فقال (علیه السلام) ياولدي خفقت خفقة فرأيت فارسا وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير بهم والله در القائل:

افدي الذين غدت تسري ركائبهم *** والموت خلفهم يسري على الاثر

ما ابرقت في الوغى يوماً سيوفهم *** الا وفاض سحاب الهام بالمطر

ثاروا ولولا قضاء الله يمسكهم *** لم يتركوا لبني سفيان من اثر

يقول الآخر:

رهط حجازيون بين رحالهم *** تسري المنايا انجدوا او اتهموا

يقول الدمستاني:

بينما السبط باهايه مجداً بالمسير *** واذا الهاتف ينعاهم ويدعو ويشير

ان قدام مطاياهم مناياهم تسير *** ساعة اذ وقف المهر الذي تحت الحسين

فقال له ابنه علي (علیه السلام) ياابة افلسنا على الحق فقال بلى يابني والذي اليه مرجع العباد فقال ياابة اذاً لا نبالي بالموت فقال له الحسين (علیه السلام) جزاك الله يا بني خير ما جزى ولداً عن والده (اقول) ما احلى هذا الكلام وما الطفه ولقد سر الحسين (علیه السلام) بهذا الكلام سروراً عظيما واحلى والطف من هذا الكلام كلام القاسم بن الحسن ليلة العاشر من المحرم اعمه الحسين (علیه السلام) لما قال له ولدي كيف الموت عندك قال ياعم فيك احلى من العسل الخ قال ابو مختلف ولما نزل الثعلبية اقبل رجل نصراني وامه واسلما على يديه انتهى والله كان وهب بن عبد الله بن حباب الكلي فبات (علیه السلام) بالموضع فلما اصبح اذا برجل من اهل الكوفة يكنى أبا هرة الازدي قد اتاه فسلم عليه ثم قال يا ابن رسول الله ما الذي اخرجك عن حرم الله وحرم جلك محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال (علیه السلام) ويحك

ص: 261

يا ابا هرة ان بني امیة اخذوا مالي فصبرت وشتموا عرضي فصبرت وطلبوا دمي فهربت وايم الله لتقتلني الفئة الباغية وليالبستهم الله ذلا شاملا وسيفاً قاطعاً وليسلطن عليهم من يذلهم حتى يكونوا اذل من قوم سبأ اذ مملكتهم امرأة منهم فحكمت في اموالهم ودمائهم (اقول) والحمد لله الذي اذلهم واخزاهم وسلط عليهم سيفاً قاطعاً وهو سيف المحتار وافناهم عن آخرهم لكن القلوب حرى والعيون عبرى حتى يظهر ولده الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ويحيبهم مرة ثانية ويضع سيفه فيهم يا ابن الحسن فالسيف ان به شفاء قلوب شيعتك با الوجيعة ولما بلغ عبيد الله بن زياد اقبال الحسين من مكة الى الكوفة بعث الحصين بن غير صاحب شرطة حتى نزل القادسية ونظم الخيل ما بين القادسية الى خفان وما بين المقادسية الى القطقطانية وقال للناس هذا الحسين يريد العراق ولما بلغ الحسين (علیه السلام) الحاجر من بطن الرمة بعث قيس من مصر الصيداوي ويقال انه بعث اخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر(1) الى اهل الكوفة ولم يكن له علم بخبرسلم بن عقيل (علیه السلام) وكتب معه اليهم بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن على الى اخوانه المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فاني احمد اليكم الله الذي لا اله إلا هو اما بعد فان كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم واجتماع ملاكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله عز وجل ان يحسن الصنع وان بثيبكم على ذلك اعظم الاجر وقد شخصت اليكم من مكة يوم الثلاثاء ثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فاذا قدم عليكم رسولي فانكثوا في

ص: 262


1- قال عز الدين الجزري في اسد الغابة والعسقلاني في الاصابة كان عبدالله يقطر لدة الحسين (علیه السلام) المدة الذي ولد مع الانسان في زمن واحد لان يقطر كان ولد. خادما عند رسول الله (ص) وكانت زوجته ميمونة في بيت امير المؤمنين (علیه السلام) فولدت عبد الله قبل ولادة الحسين (علیه السلام) بثلاثة ايام وكانت حاضنته للحسين «ع» ولم يكن رضع عندها ولكنه يسمى رضيعا له بحضانة امه له عليه السلام. (منه)

امركم وجدوا فاني قادم عليكم في ايامي هذه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكان مسلم كتب اليه قبل ان يقتل بسبع وعشرين يوماً اما بعد فان الرائد لا يكذب اهله وقد بايعني من اهل الكوفة ثمانية عشر الفاً فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي وكتب اليه اهل الكوفة ان لك ههنا مأة الف سيف فمجل فلا تتأخر فاقبل قيس بن مصهر الصيداوي الى الكوفة بكتاب الحسين (علیه السلام) حتى انتهى الى القادسية اخذه (علیه السلام) الحصين بن عمير فبعث به الى عبيد الله بن زياد فقال له عبيد الله اصعد فسب الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وقال السيد في اللهوف فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبد الله بن زياد ليفتشه فاخرج قيس الكتاب ومزقه فحمله الحصين بن نمير الى عبيد الله بن زياد فلما مثل بين يديه قال له من انت قال انا رجل من شيعة امير المؤمنين علي بن ابي طالب وابنه (علیه السلام) قال فلماذا مزقت الكتاب قال لئلا تعلم ما فيه قال وممن الكتاب والى من قال من الحسين (علیه السلام) الى جماعة من اهل الكوفة لا اعرف اسماءهم فغضب ابن زياد وقال والله لا تفارقني حتى تخبرني باسماء هؤلاء القوم او تصعد المنبر فتلعن الحسين بن علي واباه واخاه والا قطعتك ارباً اربا فقال القيس اما القوم في اخبرك باسمائهم واما لمن الحسين وابيه واخيه فافعل فصعد المنبر محمد الله واثنى عليه وصلى على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) واكثر من الترحم على علي (علیه السلام) والحسن (علیه السلام) والحسين (علیه السلام) ثم امن عبيد الله بن زياد واياه ولا من عتاة بني امية عن آخرهم ثم قال ايها الناس انا رسول الحسين اليكم وقد خلفته بموضع كذا فاجيبوه فاخبر ابن زياد بذلك فامر بالقائه من اعالي القصر فالقى من هناك فمات روي انه وقع على الارض مكتوفا فتكسرت عظامه و بقى به رمق فاتاه رجل يقال له عبد الملك اللخمي لعنه الله فذبحه فقيل له في ذلك وعيب عليه فقال اردت ان اريحه [أقول] واعظم من القائه من اعلى القصر انه التي وهو مكتوف ولو كانت یداه

ص: 263

مطلقتين لكان اهون لان الانسان بيده يدفع من جده ولقد قامت القيامة على قمر بني هاشم حين سقط على الارض ويداه مقطوعتان وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ فكلما يتقلب يمينا وشمالا تنكسر السهام في اضلاعه الخ ثم اقبل الحسين من الحاجر يسير نحو العراق فانتهى الى ماء من مياه العرب فاذا عليه عبدالله بن مطيع العدوي وهو نازل به فلما رأى الحسين [علیه السلام] قام اليه فقال بابي انت وامي يا ابن رسول الله ما اقدمك واحتمله وانزله فقال الحسين [علیه السلام] كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب الي اهل العراق يدعونني الى انفسهم فقال له عبد الله بن مطيع اذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام ان تنهتك انشدك الله في حرمة قريش انشدك الله في حرمة العرب فوالله لئن طلبت ما فى ايدي بني امية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يها بوا بعدك احداً ابداً والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني امية فابى الحسين [علیه السلام] إلا ان يمضي وكان عبيد الله بن زياد [لع] امر فاخذ ما بين واقصة الى طريق الشام الى طريق البصرة فلا يدعون احداً يلج ولا احداً يخرج واقبل الحسين [علیه السلام] لا يشعر بشيء حتى لقى الاعراب فسألهم فقالوا لا والله ما ندري غير انا لا نستطيع ان نلج ولا ان تخرج فسار تلقاء وجهه حتى نزل الخزيمية اقام بها يوما وليلة فلما أصبح اقبلت اليه اخته زينب [علیها السلام] فقالت يا اخي الا اخبرك بشيء سمعت البارحة فقال الحسين «علیه السلام» وما ذاك قالت خرجت لقضاء الحاجة في بعض الليل فسمعت هاتفا يهتف وهو يقول:

الا ياعين فاحتفلي بجهد *** فمن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا *** مقدار الى انجاز وعد

فقال الحسين «علیه السلام» كل الذي قضى فهو كائن في [القمقام] ذكر ان الحسين «علیه السلام» سار حتى نزل على ماء فوق زرود فانضم اليه هناك زهير بن القين «ره»

ص: 264

وقد ذكرنا قصة الحوقه بالحسين (علیه السلام) في باب شهادته مشروحا فليراجع هناك في (البحار) روى عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشعل الاسديان قالا لما قضينا حجنا لم تكن لنا هم-ة الا اللحاق بالحسين (علیه السلام) في الطريق لننظر ما يكون من امره فاقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود فلما دنونا منه اذا نحن برجل من اهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين «علیه السلام» فوقف «علیه السلام» كأنه يريده ثم تركة ومضى ومضينا نحوه فقال احدنا لصاحبه اذهب بنا الى هذا لنسأله فان عنده خبر الكوفة فمضينا حتى انتهينا اليه فقلنا السلام عليك فقال وعليكما السلام قلنا ممن الرجل قال اسدي فانا ونحن اسديان فمن انت قال انا بكر بن شعبة الاسدي فانتسبنا له قلنا له اخبرنا عن الناس وراءك قال نعم لم اخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأتيهما بجران بارجلهما في السوق فاقبلنا حتى لحقنا بالحسين «علیه السلام» فساير ناه حتى نزل الثعلبية

وفي خبر نزل الزبالة ممسياً فجئناه حتى نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له يرحمك الله ان عندنا خبراً ان شئت حدثناك علانية وأن شئت حدثناك سراً فنظر الينا والى اصحابه ثم قال ما دون هؤلاء سر فقلنا له ارأيت الراكب الذي استقبلته عشية امس قال نعم وقد اردت مسألته فقلنا قد والله استبرأنا لك خبره وكفينك مسألته وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل وانه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ورآها يجران بارجلها فى السوق فقال (علیه السلام) انا لله وانا اليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مراراً فقلنا له ننشدك الله في نفسك واهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف ان يكونوا عليك فنظر الى بني عقيل فقال (علیه السلام) ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا والله ما ترجع حتى نصيب ثارنا او نذوق ما ذاق فاقبل علينا الحسين (علیه السلام) وقال لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنه

ص: 265

قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال رحمكم الله فقال له اصحابه انك والله ما انت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس اليك اسرع فسكت وفى بعض كتب المقاتل كانت لمسلم بنت عمرها احدى عشر سنة واسمها حميدة وامها ام كلثوم بنت على (علیه السلام) وقيل اسمها عاتكة وامها رقية بنت علي وعمرها سبع سنين وهي التي سحقت يوم الطف بعد شهادة الحسين (علیه السلام) لما هجم القوم على المحيم وكانت مع الحسين (علیه السلام) فلما قام الحسين (علیه السلام) من مجلسه جاء الى الخيمة فعزز البنت وقربها من مجلسه فحست البنت بالشر فان الحسين (علیه السلام) قد مسح على رأسها وناصيتها كما يفعل بالا يقام فقالت ياعم ما رأيتك قبل هذا اليوم تفعل بي مثل ذلك اظن انه قد استشهد والدي فلم يتمالك الحسين (علیه السلام) من البكاء وقال يا ابنتي انا ابوك وبناتي اخواتك فصاحت و نادت بالويل فسمع اولاد مسلم بن عقيل ذلك الكلام وتنفسوا الصعداء وبكوا بكاء شديداً ورموا بعمأمهم الى الارض ونادوا وا مسلماه وا ابن عقيلاه ما اشبه هذا اليوم وصيحة ابنة مسلم وبكائها وبكاء اولاد مسلم وصرختهم وضجتهم بيوم عاشوراء وبكاء سكينة وبنات رسول الله حين اقبل اليهم جواد ابي عبدالله (علیه السلام) نظرت سكينة الى الفرس فرأت الجواد عاريا والسرج خالياً من راكبه فهتكت خمارها ونادت والله قتل ابي الحسين (علیه السلام) فسمعن النساء برزن من الخدور - الخ - قال وتأمل الحسين هذا الحال وأن أهل الكوفة هم الذين اعانوا على قتل امير المؤمنين ونهب الحسن (علیه السلام) وضربه بالخنجر على فخذه فبكى بكاء شديداً حتى اخضات لحيته الشريفة بالدموع الخ.

المجلس الثالث من مسيره

(اقول) قد اختلفوا في المنزل الذي اخبر الحسين (علیه السلام) بشهادة مسلم (علیه السلام) ونحن نشير اليه في «نفس المهموم» عن ابي حنيفة الدنيوري ولما رحل الحسين «علیه السلام»

ص: 266

من زرود تلقاه رجل من بني اسد فسأله عن الخبر فقال لم اخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ورأيت الصبيان يجرون بارجلها فقال «علیه السلام» وانا الله وانا اليه راجعون عند الله تحتسب انفسنا وقال السيد في «اللهوف» ثم سار الحسين «علیه السلام» حتى بلغ زبالة فاتاه فيها خبر مسلم بن عقيل فعرف بذلك جماعة ممن تبعه فتفرق عنه اهل الاطماع والارتياب ويقي معه اهله وخيار الاصحاب وارتج الموضع بالبكاء والعويل لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع كل مسيل ثم ان الحسين «علیه السلام» سار قاصداً لما دعاء الله اليه فلقيه الفرزدق الى آخر ما ذكرنا انفاً قبل ثم انشأ:

فان تكن الدنيا تعد نفيسة *** فدار ثواب الله اعلى وانبل

وان تكن الابدان الموت انشئت *** فقتل ،امرى بالسيف فى الله افضل

وان تكن الارزاق قسما مقدراً *** فقلة حرص المرء في السعى اجمل

وان تكن الاسوال للترك جمعها *** فما بال متروك به المرء يبخل

في حبيب السير لما بلغ زبالة ورد عليه قاصد من الكوفة بمكتوب من عمر ابن سعد ابن ابي وقاص يخبره بشهادة مسلم وابن عروة وقد سأله مسلم ان يكتب الى الحسين «علیه السلام» بشهادته فكتب وفيه واقعة قيس بن مصهر وقال المفيد «ره» فسار الحسين [علیه السلام] حتى انتهى الى زبالة فاتاه خبر عبد الله بن يقطر فاستعبر باكياً وقال اللهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريماً واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك انك على كل شيء قدير فاخرج الناس وفي بعض النسخ فاخرج الى الناس كتابا فقرأ او فقرأه عليهم بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فانه قد اتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبدالله بن يقطر وقد خذلتنا شيعتنا فمن احب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام فتفرق عنه الناس واخذوا يميناً وشمالا حتى بقي في اصحابه الذين جاؤا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا اليه وانما فعل ذلك لانه (علیه السلام) علم ان الاعراب الذين

ص: 267

اتبعوه انما اتبعوه وهم يظنون انه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة اهلها فكره ان يسيروا معه الا وهم يعلمون على ما يقدمون ذكر الطريحي في المنتخب قال (علیه السلام) فمن كان منكم يصبر على حر السيوف وطعن الاسنة فليتم معنا وإلا فلينصرف عنا قال فجعل القوم يتفرقون يمينا وشمالا حتى في معه من اهل بيته ثمانية عشر رجلا ومن مواليه نيف وسبعون رجلا وهم كما وصفهم الشاعر بقوله:

وليس لديه ناصر غير نيف *** وسبعين ليثا ما هناك مزيد

سطت وانا بيب الرماح كأنها *** اجام وهم تحت الرماح اسود

ترى لهم عند القراع تباشراً *** كأن لهم يوم الكريهة عيد

و ما بر حوا عن نصرة الدين والهدى *** الى ان تفانى جمعهم وابيدوا

صبروا على حر السيوف وطعن الرماح حتى تقطعت بالسيوف جسومهم وشبكت بالسهام ابدانهم وسقطوا على الارض مطرحين مجرحين وقف بينهم ابو الأئمة الحسين [علیه السلام] و نادى يا مسلم بن عقيل وياهاني بن عروة الخ في (البحار) ثم سار الحسين «علیه السلام» قاصداً الكوفة قال الطرماح بن حكم لقيت حسينا وقد امترت لاهلى ميرة فقلت اذكرك الله في نفسك فلا يغرنك اهل الكوفة والله ان دخلتها لنقتلن واني اخاف ان لا تصل اليها فان كنت مجمعاً على الحرب فانزل اجاء فانه جبل منيع والله ما نالنا فيه ذل قط وعشيرتي جميعاً يرون نصرتك ما قمت فيهم فان هاجك هيج فانا زعيم لك بعشرين الف فارس يضربون بين يديك باسيا فهم فوالله لا يوصل اليك ابداً وفيهم عين تطرف فقال «علیه السلام» له جزاك الله وقومك خيراً ان بيني وبين القوم مواعيد اكره ان اخلفها وقولا اسنا نقدر معه على الانصراف ولا ندري على ما تنصرف بنا وبهم الامور في عاقبة فان يدفع الله فقديما ما انعم الله علينا وكفى وان يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة ان شاء الله تعالى ومضى لوجهه قال فودعته وقلت له دفع الله عنك شر الانس والجن

ص: 268

اني قد استمرت لاهلي ميرة من الكوفة ومعي نفقة لهم فاتيهم فاضع ذلك فيهم ثم اقبل اليك أن شاء الله فإن ألحقك فوالله لا كونن من انصارك قال «علیه السلام» فان كنت فاعلا فعجل رحمك الله قال فعلمت انه مستوحش الى الرجال حتى يسألني التعجيل قال فلما بلغت اهلي وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت فاخذ اهلي يقولون انك تصنع مرتك شيئاً ما كنت تصنعه قبل اليوم فاخبرتهم بما اريد واقبلت حتى اذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدرفنعاه اليّ واخبرني بقتله ورجعت مغموماً ثم سار (علیه السلام) حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمر و بن لوذان فسأله اين تريد فقال له الحسين (علیه السلام) الكوفة فقال الشيخ انشدك الله لما انصرفت فوالله ما تقدم إلا على الاسنة وحد السيوفي وأن هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال فقدمت عليهم كان ذلك رأياً فاما على هذه الحالة التي تذكر فاني لا ارى لك ان تفعل فقال (علیه السلام) له ياعبدالله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على امره ثم قال والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي قاذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من بذلهم حتى يكونوا اذل فرق الامم عن الصادق (علیه السلام) انه لما صعد الحسين بن علي على عقبة البطن قال لاصحابه ما اراني إلا مقتولا قالوا وما ذاك يا با عبدالله قال (علیه السلام) رؤيا رأيتها في المنام قالوا وما هي فال رأيت كأن كلابا تنهشني واشدها علي كاب ابقع (اقول) ولقد رأى هذه الرؤيا مرة اخرى وهي ليلة العاشر من المحرم في وقت السحر وعبرها لهم وقال اظن ان الذي يتولى قتلي من بين هؤلاء رجل ابرص وظهر تعبير ما رأى في منامه حين فتح عينيه ونظر واذا بالشمر جالس على صدره الخ ثم صار من بطن العقبة حتى نزل شراف فلما كان في السحر امر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا ثم سار حتى انتصف النهار فبينما هو يسير اذ كبر رجل من اصحابه فقال له الحسين (علیه السلام) الله اكبر لم كبرت قال رأيت النخل

ص: 269

فقال عبدالله بن سليمان والمنذر بن المشمعل والله ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط فقال الحسين (علیه السلام) فما ترونه قالوا نرى والله هوادي الخيل نرى اسنة الرماح وآذان الخيول فقال الحسين عليه السلام وانا والله أرى ذلك ثم قال (علیه السلام) ما لنا ملجأ نلجأ اليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد فقلنا بلى هذا ذو حسم الى جنبك تميل اليه عن يسارك فان سبقت اليه فهو كما تريد فاخذ اليه ذات اليسار وملنا معه فما كان باسرع من ان طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها وعدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا الينا كان اسنتهم اليعاسيب وكأن راياتهم اجنحة الطير فاستبقنا الى ذي حسم او ذي جشم فسبقناهم اليه وامر الحسين (علیه السلام) با بنتيه فضربت وجاء التقيم زهاء الف فارس مع الحر بن يزيد الرياحي التميمي حتى وقف هو و خيله مقابل الحسين (علیه السلام) في حر الظهيرة والحسين (علیه السلام) و اصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم فقال الحسين «علیه السلام» لفتيانه اسقوا القوم وارو وهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفاً ففعلوا واقبلوا يملأ وا القصاع و الطاس من الماء ثم بدنونها من الفرس فاذا عب فيها ثلاثاً او اربعا او خمسا عزات عنه وسقوا آخر حتى سقوها كلها فقال على بن طعان المحاربي كنت مع الحر يومئذ وجئت في آخر من جاء من اصحابه فلما رأى الحسين «علیه السلام» ما بي و بفرسي من العطش قال انخ الراوية والراوية عندي السقاء ثم قال يا ابن اخي انخ الجمل فانخته فقال «علیه السلام» اشرب فجعلت كلما اشرب سال الماء من السقاء فقال الحسين «علیه السلام» اخنث السقاء اي اعطفه فلم ادر كيف افعل فقام فخنثه فشربت حتى ارتويت وسقيت فرسي بابي هو وامي ما اشفقه عليهم سقاهم في وادي غير ذي زرع لا ماء فيه ولا نبات وهم منعوه من الماء وهو بجنب الفرات سفاهم من غير ان يطلبوا منه الماء وهو كلما طلب منهم جرعة من الماء لنفسه ولعياله ولا طفاله فما اجابوه امر «علیه السلام» اصحابه بان برشفوا خيولهم ويسقوهم عن آخرهم وهم لعنهم الله ما سقوا طفله الرضيع وقد رأوه على يديه قد اشرف على الملاك الخ.

ص: 270

المجلس الرابع

قال السيد في «اللهوف» وصار الحسين «علیه السلام» حتى صار على مرحلتين من من الكوفة فاذا بالحر بن يزيد الرياحي فى الف فارس فجاء حتى وقف مقابل الحسين (علیه السلام) في جو الظهيرة فقال (علیه السلام) اسقوهم وارووهم و كان مجيء الحر من القادسية وبينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وامره ان ينزل بالقادسية ويقدم الحر بن يزيد في الف فارس يستقبل بهم الحسين (علیه السلام) فجاء الحر واصحابه حتى وصلوا الى الحسين (علیه السلام) بذي حسم اوذي حسم اوذي جشم فلم يزل الحر مواقفاً للحسين (علیه السلام) حتى حضرت صلاة الظهر فقال الحسين (علیه السلام) للحر لنا انت ام علينا فقال بل عليك يا اباعبدالله فقال (علیه السلام) لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفي (البحار) فامر الحسين (علیه السلام) الحجاج بن مسروق ان يؤذن فلما حضرت الاقامة خرج الحسين (علیه السلام) في ازار ورداء ونعلين فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس اني لم انكم حتى انتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ان اقدم علينا فانه ليس علينا امام لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما اطمئن اليه من عهودكم ومواثيقكم وان لم تفعلوا وكنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم الى المكان الذي جئت منه اليكم فسكتوا عنه ولم يتكلموا كلمة فقال للمؤذن اقم الصلاة فاقام الصلاة فقال (علیه السلام) الحر اتريد ان تصلي باصحابك فقال الحر لا بل تصلي انت ونصلي نحن بصلاتك فصلى بهم الحسين (علیه السلام) ثم دخل فاجتمع عليه اصحابه وانصرف الحر الى مكانه الذي كان فيه فادخل خيمة قد ضربت له فاجتمع اليه خمسمائة من اصحابه وعاد الباقون الى صفهم الذي كانوا فيه ثم احذ كل رجل منهم بعنان فرسه وجلس بظله فلما كان وقت العصر أمر الحسين «علیه السلام» ان يتهيأوا للرحيل ففعلوا

ص: 271

ثم امر مناديه فنادى بالعصر واقام فاستقدم الحسين «علیه السلام» وقام فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف اليهم بوجهه فحمد الله واثنى عليه وقال اما بعد ايها الناس فانكم ان تتقوا الله وتعرفوا الحق لاهله يكن الله ارضى عنكم ونحن اهل بيت محمد اولى بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائر بن فيكم بالجور والعدوان فان ايتم الا الكراهة لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما انتي به كتبكم وقدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم فقال الحر انا والله ما ادري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فقال [علیه السلام] لبعض اصحابه باعقبة بن ميممان اخرج الخرجين الذي فيهما كتبهم الي فاخرج خرجين مملوه بن صحفاً فترت بين يديه فقال لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك ولعمري ان الرجل ليس بكذوب والكذب ينا في المروة والحر كان ذا مروة وحمية وعصبية ولا يبعد انه ما كتب اليه وما كان مطلعاً من هذه الكتب ولكن ما جواب هؤلاء الذين كتبوا اليه والتمسوا منه القدوم فلما قدم عليهم احاطوا با منهم من يضربه بالسيف ومنهم من يطعنه بالرمح ومنهم من يضر به بالخشب والعصا حتى قتلوه قتلة نهى رسول الله ان يقتل بها احد وهو يتململ بينهم ويقول أأقتل عطشانا وجدي محمد المصطفى أأموت ظمأنا وابي علي المرتضى الخ يقول المرحوم السيد محمد القزويني الحلي:

اذا ما جنت ارض الطف عجل *** لمثوى الحر وبحك بالرواح

وزر مثواه من قرب وانشد *** لنعم الحر حر بني رباح

وقال ايضا:

زر الحر الشهيد ولا تؤخر *** زيارته على الشهداء قدم

ولا تسمع مقالة اعمي اشر *** للحر من بعد وسلم

كأنه اعترض السيد على قول الاعسم حيث قال:

ص: 272

ألا يازائراً بالطف قبراً *** به ربحت لزائره التجارة

اشر للحر من بعد وزره *** فان الحر تكفيه الاشارة

وكان الاعسم ينزل قدره ومقامه عن الشهداء نظراً بما صنع بالحسين [علیه السلام] فى أول الأمر وما فعل من التضييق عليه ومنعه عن الرجوع وان كان كذلك لكن ما قصر ولا قعد عن نصرة الحسين «علیه السلام» في آخر امره وبذل جهده غاية الجهد واما تضييقه عليه فعلى حسب مأموريته ولانه ما كان يخطر بباله ان القوم يصنعون به ما صنعوا ويقاتلونه ويظهر حسن ذانه و جميل خلوصه وطيب سريرته من الحسين [علیه السلام] حين ما لاقاه ولا يخفى على البصير لانه لما رأى الكتب التي نثرت بين يديه قال يا ابا عبدالله لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك ولا نعرف من كتب اليك ولا من ارسل وأنما أمرنا اذا لقيناك ان لا تفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد [لع] فقال الحسين [علیه السلام] الموت ادنى اليك من ذلك ثم قال لاصحابه قوموا واركبوا فركبوا وانتظر وا حتى ركبت نساؤهم فقال لاصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر ثكلتك امك ما تريد فقال له الحر اما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحاله التي انت عليها ما تركت ذكر امه بالشكل كائنا من كان ولكن والله مالي الى ذكر امك سبيل الا باحسن ما نقدر عليه فقال الحسين «علیه السلام» فما تريد قال اريد ان انطلق بك الى الامير عبيد الله بن زياد فقال [علیه السلام] اذاً والله لا اتبعك فقال اذاً والله لا ادعك فتراد القول ثلاث برات فلما كثر الكلام بينهما قال له المحمر بابا عبد الله اني لم اؤم بقالك ايما اسرت ان لا افارقك حتى اقدرك الكوفة فاذا ايت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردك الى المدينة يكون بيني و يدك نصعاً حتى اكتب الى الامير عبيد الله ابن زیاد فلعل الله ان يرزقني العافية من ان ابتلي بشيء من امرك فخذ ههنا فتياسر

ص: 273

عن طريق العذيب والقادسية وسار الحسين (علیه السلام) وسار الحر واصحابه يسايره وهو بقول اذكرك الله فى نفسك فاني اشهد لئن قاتلت لتفتلن فقال له الحسين (علیه السلام) افبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان نقتلوني وسأقول كما قال اخو الاوس لا بن عمه وهو يريد نصر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) تخوفه ابن عمه وقال اين تذهب فانك مقتول فقال:

سأمضى وما بالموت عار على الفتى *** اذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماً

وواسى الرجال الصالحين بنفسه *** و فارق مثبوراً وودع مجرما

فان عشت لم اندم وان مت لم الم *** كفى بك ذلا ان تعيش وترغما

ثم اقبل الحسين (علیه السلام) على اصحابه وقال هل فيكم احد يعرف الطريق على غير الجادة فقال الطرماح بن عدي وقيل الطرماح بن حكم نعم يا ابن رسول الله انا اخبر الطريق فقال الحسين (علیه السلام) سر بين ايدينا فسار الطرماح واتبعه الحسين (علیه السلام) واصحابه وجعل الطرماح يرتجز ويقول:

ياناقتي لا تذعري من زجري *** وامضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر *** آل رسول الله آل الفخر

السادة البيض الوجوه الزهر *** الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر *** حتى تحلي بكريم الفخر

الماجد الجد رحيب الصدر *** اصابه الله عره لخير امر

عمره الله بقاء الدهر *** يا مالك النفع معاً والضر

ايد حسيناً سيدي بالنصر *** على الطغاة من بقايا الكفر

على الامينين سايلي صخر *** يزيد لا زال حليف الخمر

و ابن زیاد هر بن عمر بن العهر

فلما سمع الحمر ذلك عنه وكان يسير باصحابه ناحية والحسين في ناحية

ص: 274

(اقول) هذا آخر منزل سارت الفواطم فيه بالعز والجلال يحدو بنوقهن الطرماح الى ان نزلوا بكر بلا فكلما رفعت الفواطم رؤسها رأت الحسين (علیه السلام) والعباس وعليا الاكبر والقاسم وهن في الهوداج والمحامل المستورة بالحرير والديباج ولكن حر قلبي لمن لاول منزل سارت الفواطم فيه من كربلا يحدو بنوقهن زجر وشمر ومن على کن افتاب الجمال بغير وطاء ولا ستر فكلما رفعت رؤسها رأت رؤس حماتها على روس الرماح ورأت جسومهم على الغبراء بغير غسل ولا كفن الخ وصار الحسين يتساير عن طريق العذيب والقادسية وسار الحر واصحابه فيسايره حتى وصل الى البيضة وهي بالكسر ما بين واقصة الى عذيب الهجانات في (القمقام) عن الطبري خطاب الحسين (علیه السلام) اصحابه واصحاب الحر بالبيضة فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس ان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قال من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يدخله مدخله الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفى واحلوا حرام الله وحرموا حلاله وانا استى من غير وقد اتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني ولا تخذلوني مان تمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فانا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم واهلي مع اهليكم فلكم في اسوة وان لم تفعلوا و نقضم عهدكم وخلعتم بيعتي من اعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بابي واخي وابن عمي مسلم والمغرور من اغتر بكم فحظكم اخطأتم و نصيبكم ضيعتنم و من نكث فانما ينكث على نفسه وسينغيني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وسار (علیه السلام) وساروا حتى انتهوا الى عذيب الهجانات فاذا هو باربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة على رواحلهم قدی يجنبون فرسا لمافع بن هلال يقال له الكامل ومعهم دليلهم طرماح بن عدى وهم عمرو

ص: 275

ابن خالد ومولاه سعد ونافع بن هلال ومجمع بن عبد الله العائدي وفي بعض المقاتل ان الطرماح لما رمى ببصره إلى الحسين (علیه السلام) انشأ يرتجز ويقول ياناقتي الخ فلما انتهوا الى الحسين (علیه السلام) اقبل اليهم الحر وقال ان هؤلاء النفر من اهل الكوفة وانا حابسهم اور ادهم فقال الحسين (علیه السلام) لا منعنهم مما امنع منه نفسي انما هؤلاء انصاري وهم بمنزلة من جاء معي فان تممت على ما كان بينى وبينك والا ناجزتك فكف الحر عنهم فقال لهم الحسين (علیه السلام) اخبروني وخبر الناس خلفكم فقال له مجمع بن عبد الله العائدي وهو احدهم اما اشراف الناس فقد اعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم فهم الب واحد عليك واما سائر الناس بعدهم فان ولو الهم تهوى اليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك وسألهم عن رسوله قيس بن مصهر الصيداوي فقالوا نعم اخذه الحصين بن نمير فبعث به الى ابن زياد فامره ابن زياد ان يلعنك ويلعن اباك فصلى عليك وعلى ابيك و امن ابن زیاد و اباه ودعا الى نصرتك واخبرهم بقدومك فامر ابن زیاد به فالقى من طمار القصر فترقرقت عينا حسين بالدموع ولم يملك دمعه ثم قرأ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا واجمع بيننا و بينهم في مستقر رحمتك وغائب مذخور ثوابك ثم دنى طرماح بن عدي وقال والله ما ارى معك كثير احد ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين اراهم ملازميك لمكان كفى بهم ولقد رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي جميعاً في صعيد واحد اكثر منه قط فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون الى الحسين فانشدك الله ان قدرت على ان لا تقدم اليهم شبراً فافعل فإن اردت ان تنزل بلداً يمنعك الله به حتى ترى رأيك ويستبين لك ما انت صانع فسر حتى انزلك جبلنا اجاء فهو والله جبل امتنعنا به من ملوك غسان وحمير والنعمان بن المنذر ومن الاحمر والابيض الى آخر ما قل واجابه

ص: 276

الحسين (علیه السلام) بما قد ذكرنا ولا نعيده وسار (علیه السلام) حتى بلغ (علیه السلام) قصر بني مقاتل فنزل بها عن عمرو بن قيس المشرقي قال دخلت على الحسين «علیه السلام» انا وابن عم لي وهو في قصر بني مقاتل فسلمنا عليه فقال له ابن عمي يا ابا عبدالله هذا الذي ارى خضاب او شعرك فقار [علیه السلام] خضاب والشيب الينا بني هاشم يعجل و كان [علیه السلام] يخضب بالسواد حتى خضب يوم عاشوراء بحمرة حين جاءه سهم محدد مسموم فوقع على قلبه و كان السواد قد ذهب وظهر بياض شعره حتى قال عبيد الله بن زياد حين وضع الرأس الشريف بين يديه وجعل ينظر اليه ويقول ياحسين ما اسرع الشيب اليك الخ قال ثم اقبل علينا وقال اجتما لنصرتي فقلت اني رجل كثير العيال وفي يدي بضائع للناس وما ادري ما يكون حالي واكره ان اضيع امانتي «اقول» سود الله وجهه اما ضيع امانته بخذلانه لا بن رسول الله اما كان الحسين وديعة رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وقال له ابن عمي مثل ذلك قال لنا فانطلقا فلا تسمعا لي واعية ولا تريا لي سواداً فانه من يسمع واعيتنا او رأى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا كان حتما على الله عز وجل أن يكبه على منخريه في النار سود الله وجوه قوم محموا اغائته وواعيته ورأوا سواده ولم يغيثوه ولما قتل اصحابه واهل بيته ولم يبق له ناصر ووقف و نادى اما من مغيث يغيثنا اما من مجير يجيرنا.

المجلس الخامس

روى الصدوق «ره» في الامالي عن الصادق «علیه السلام» ان الحسين «علیه السلام» لما نزل القطقطانية نظر الى فسطاط مضروب وقال المفيد في الارشاد ان الحسين «علیه السلام» لما انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به فاذا بفسطاط مضروب فقال «علیه السلام» لمن هذا الفسطاط فقيل لعبيد الله بن الحر الجمني وحكى في القمقام ان عبيدالله المذكور كان عثمانيا

ص: 277

وكمان يعد من الشجعان ومن فرسان العرب وكان في وقعة صفين في جيش معاوية بن ابي سفيان لما كان فى قلبه محبة عثمان ولما قتل امير المؤمنين «علیه السلام» انتقل الى الكوفة وكان بها الى ان حضرت مقدمات قتل الحسين [علیه السلام] فخرج تعمداً لثلا يحضر في قتله والحاصل فقال الحسين [علیه السلام] ادعوه الي وفي «القمقام» ارسل اليه الحجاج بن مسروق ليدعوه فلما اتاه الرسول قال له هذا الحسين ابن علي يدعوك فقال عبيدالله انا لله وانا اليه راجعون والله ما خرجت من الكوفة الاكراهية ان يدخلها الحسين -ع- وانا فيها والله ما اريد ان اراه ولا يراني فاتاه الرسول فاخبره فقام اليه الحسين -ع- في جماعة من اصحابه واخوانه واهل بيته حتى دخل عليه وسلم وجلس وفي خبر لما دخل عليه اوسع له عن صدر مجلسه واستقبله اجلالا له وجاء به حتى اجلسه وقبل يديه ورجليه ثم دعاه الحسين (علیه السلام) الى الخروج معه فاعاد عليه ابن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه اليه ثم قال له الحسين (علیه السلام) ايها الرجل انت خاطيء مذنب وان الله عز وجل اخذك بما انت صانع ان لم تتب الى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه فتنصر ني فيكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالى فقال يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت اول مقتول بين يديك ولكن هذا فرسي خذه اليك فوالله ما ركبته قط وانا اروم شيئاً الا بلغته و لا أرادني احد الا نجوت عليه فدونك فخذه فاعرض عنه الحسين (علیه السلام) بوجهه ثم قال لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضداً ولكن فر فلا لنا ولا علينا فانه من صحم واعيتنا اهل البيت ثم لم يجبنا اكبه الله على وجهه في ثم نار جهنم فقال عبد الله ولن يكون هذا ثم قام الحسين (علیه السلام) من عنده حتى دخل رحله ثم تداخله الندم بعد ذلك على قعوده عن نصرة الحسين (علیه السلام) حتى كادت نفسه تفيض وكان يضرب يده على الاخرى ويقول ما فعلت بنفسي وانشأ يقول:

فيالك حسرة ما دمت حياً *** تردد بين صدري والتراقي

ص: 278

حسين يطلب نصر مثلي *** على اهل الضلالة والشقاق

غداة يقول لي بالقصر قولا *** انتركنا وتزيع بالفراق

ولو اني اواسيه بنفسي *** لذات كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطافي نفسي فداه *** تولى ثم ودع بانطلاق

فلو فلق التلهف قلب حي *** لهم اليوم قلبي بانفلاق

فقد فاز الاولى نصر واحسيناً *** و خاب الآخرون او لو النفاق

وله ابيات اخر حين نزل بكر بلا وكأنه كان أول من زار الحسين وذلك ان عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين (علیه السلام) اخذ يتفقد الاشراف من اهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحرثم جاءه بعد ايام حتى دخل عليه فقال اين كنت يا ابن الحر قال كنت مريضاً قال مريض القلب أو مريض البدن قال اما قلبي فلم يمرض واما بدني فقد من الله علي بالعافية فقال له ابن زياد كذبت ولكنك كنت مع عدونا قال لو كنت مع عدوك لرأى مكاني وما كان مثل مكاني يخفي قال وغفل منه ابن زياد غفلة فخرج ابن الحر فقعد على فرسه فقال ابن زیاد این ابن الحر قالوا خرج قال علي به فاحضرت الشرطة واتوه فقالوا له اجب الامير فدفع فرسه فقال ابلغوه اني لا اتيه والله طائعاً ابداً ثم خرج الى المدائن حتى نزل بها مع اصحابه وفى طريقه نزل بكر بلا فنظر إلى مصارع القوم فاستغفر لهم هو واصحابه وانشأ ابياتا يقول:

امير غادر و ابن غادرة *** الاكنت قاتلت الحسين بن فاطمة

و نفسي على خذلانه و اعتزاله *** وبيعة هذا الناكث العهد لأئمة

فيا ندمي ألا اكون نصرته *** ألا كل نفس لا تسدد نادمة

وأني لاني لم اكن من حماته *** لذو حسرة ان لا تفارق لازمة

سقى الله ارواح الذين تبادروا *** الى نصرة سحاً من الغيث دائمة

ص: 279

وقفت على اجدائهم ومحالهم *** فكاد الحشى ينقض والعين ساجمة

لعمري لقد كانوا مصالين في الوغى *** سراعا الى الهيجاء حماة خضارمة

تأسوا على نصر بن بنت نبيهم *** باسيافهم اساد غيل ضراغمة

في رسالة شرح الثار في احوال المختار لأبن نما ذكر ان عبيد الله بن الحر سار مع المختار في طلب قتلة الحسين (علیه السلام) وانفذه المختار مع إبراهيم بن الاشتر الى الحرب وابراهيم كان كارهاً لخروج أبن الحر معه وقال المختار اخاف ان يغدر بي وقت الحاجة فقال له المختار احسن اليه واملأ عينيه بالمال فخرج ابراهيم ومعه عبيد الله بن الحر حتى نزل تكريت وامر ابراهيم بجباية خراجها ففرقها وبعث الى عبيد الله الحر بخمسة آلاف فغضب عبيد الله بن الحر وقال انت اخذت لنفسك عشرة آلاف بن درهم وما كان الحر دون مالك فحلف إبراهيم اني ما اخذت زيادة عليك ثم حمل اليه ما أخذه لنفسه فلم يرض فخرج على المختار و نقض عهده واغار على الكوفة فذهب القرى وقتل العمال واخذ الاموال ومضى الى البصرة الى مصعب بن الزبير وارسل المختار الى داره فنهبها وهدمها ثم ان عبيد الله بقي متأسفا على ما فاته كيف لم يكن من اصحاب الحسين «ع» في نصرته ولا من اشباع المختار وجماعته في طلب ثاره وفي «القمقام» وابصار العين قال يزيد بن مرة حدثني عبيد الله من الحر قال دخل علي الحسين (علیه السلام) في قصر بني مقاتل وعليه جبة خز وكساء وقلنسوة ومعه صاحباه الحجاج بن مسروق ويزيد بن معقل ولحيته كأنها جناح غراب فما رأيت أحداً قط احسن ولا املا للعين منه ولا رفقت على احد قط كرفتي عليه حين رأيته بمشي وصبيانه حوله فلما خرج قمت مشيعاً له وحوله صبيانه ومعه صاحباه واعدت النظر الى لحيته فقلت اسواد ما ارى ام خضاب فقال (علیه السلام) يا ابن الحر عجل عليّ المشيب فعرفت ما انه خضاب فودعته ومما يظهر من الاخبار ان الحسين (علیه السلام) كان يخضب بالحناء والكتم

ص: 280

في (البحار) عن ابي بكر الحضرمي قال سألت ابا عبد الله الصادق (علیه السلام) عن الخضاب عبدالله بالوسمة فقال لا بأس قد قتل الحسين (علیه السلام) وهو مختضب بالوسيمة وانا (اقول) قد قتل (علیه السلام) وهو ايضا مختضب بدمه ولقد خضب يوم عاشوراء لحيته الشريفة مراراً عديدة مرة من دم جبهته واخرى من دم قلبه ومرة من جرح رأسه الشريف والاخرى من دم نحره حين رماه سنان بن انس (لع) بسهم فوقع السهم في نحره فسقط وجلس قاعداً فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعا وكلما امتلا تا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول هكذا حتى التقى الله مخضباً بدمي مغصوباً علي حقي

بنفسي خضيب الشيب من دم نحره *** غداة عليه الماضيات ركود

المجلس السلاس

في (البحار) بينما الحسين (علیه السلام) يسير متنكباً عن الطريق ويسير معه الحر واصحابه على ناحية اذ أقبل رجل راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكباً قوسه مقبلا من ناحية الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى اليهم سلم على الحر واصحابه ولم يسلم على الحسين واصحابه ودفع الى الحر كتابا من عبد الله بن زياد فاذا فيه اما بعد في مجع بالحسين حين بلغك كتابي هذا ويقدم عليك رسولي ولا تنزله إلا بالمراء في غير خضر وعلى غير ماء وقد امرت رسولي ان لا يفارقك منى يأتيني بانفاذك امري و السلام فنظر الي رسول ابن زياد يزيد بن زياد بن المهاجر وكان في عسكر الحر اولا ثم بعد ذلك لحق بالحسين (علیه السلام) قال ثكلتك امك ماذا جئت فيه قال وما جئت فيه اطعت امامي ووفيت ببيعتي فقال له يزيد بل عصيت ربك واطاعت امامك في ملاك نفسك وكسبت العار والنار وبئس الامام امامك ما الله عز وجل (وجعلنا منهم أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون) فامامك منهم فعرض له الحر واخذهم بالنزول في

ص: 281

ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية وقال السيد في (اللهوف) فتياسر الحسين (علیه السلام) عن الطريق حتى وصل الى عذيب الهجانات فورد كتاب عبيدالله بن زياد (لع) الى الحر يلومه في أمر الحسين (علیه السلام) ويأمره بالتضييق عليه فعرض له الحر واصحابه ومنعوه من السير فقال له الحسين (علیه السلام) ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق فقال له الحر بلى ولكن كتاب الامير عبيد الله قد وصل يأمرني بالتضييق وقد جعل علي عينا يطالبني بذلك انتهى وفي (البحار) قال له الحسين (علیه السلام) ويحك دعنا ننزل هذه او ه-ذه يعني نينوى والغاضرية او هذه يعني شفيئة وفي (القمقام) شفية بفتح اوله وكسر ثانيه منسوب الى الشفاء قال يحتمل ان مراده کربلا باعتبار ان تربته وترابه شفاء لكل داء وفيه نظر قال لا والله لا استطيع ذلك هذا رجل قد بعث الي عينا فقال زهير ابن القين اني والله لا ارى ان يكون بعد الذي ترون إلا اشد مما ترون يا ابن رسول الله ان قتال هؤلاء القوم الساعة اهون من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسين (علیه السلام) ما كنت لا بدأهم بالقتال ثم نزل وفي «اللهوف» فقام الحسين «علیه السلام» خطيباً في اصحابه فحمد الله واثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ثم قال انه قد نزل بنا من الامر ما قد ترون وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وادير معروفها واستمرت جذاء ولم تبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كللرعى الوبيل الا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فاني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما فقام زهير بن القين وقال قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلد بن لا ثرنا النهوض معك على الاقامة قال الراوي ووام هلال بن نافع البجلي فقال والله ما كرهنا لقاء ربنا وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك قال وقام برير بن خضير فقال والله يا ابن رسول الله

ص: 282

لقد من الله بك علينا ان نقاتل بين يديك وتقطع فيك اعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة وفي (البحار) ان نافع بن هلال الجملى تكلم بهذه الكلمات فقال يا ابن رسول الله انت تعلم ان جدك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لم يقدر ان يشرب الناس محبته ولا ان يرجعوا الى امره ما احب وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر يلقونه باحلى من العسل ويخلفونه بامر من الحنظل حتى قبضه الله اليه وان اباك عليا صلى الله عليه قد كان في مثل ذلك فقوم قد اجمعوا على نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين حتى اتاه اجله فمضى الى رحمة الله ورضوانه وانت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة ومن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضر إلا نفسه والله معن عنه فسر بنا راشداً معافى ان شئت مشرقاً وان شئت مغربا فوالله ما اشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك وفي (اللهوف) ثم ان الحسين (علیه السلام) قام وركب وسار وكلما اراد المسير يمنعونه تارة و يساير و نه اخرى حتى بلغ كربلا وفي (المناقب) قال زهير يا ابا عبدالله سر بنا حتى تنزل بكر بلا فانها على شاطىء الفرات فنكون هنالك فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم قال فدمعت عينا الحسين ثم قال اللهم اني اعوذ بك من الكرب والبلاء فبمجرد اسمع اسم كربلاء كأنه (علیه السلام) تذکر مصائب كربلا وكر بها والمها وبكى فضيق الحر على الحسين (علیه السلام) ومنعه من السير بحيث كلما اخذ الحسين (علیه السلام) يتياسر باصحابه يريد ان يفرقهم فيأتيه الحر واصحابه فردهم فجعل اذا ردهم نحو الكوفة رداً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتى انتهوا الى نينوى وفي (القمقام) نزلوا بكر بلا قال المرحوم الميرور الحاج الشيخ جعفر التستري المصيبة العظمى والفادحة الكبرى ان الحسين (علیه السلام) مر بالنجف الاشرف وليس بينه وبينها إلا ثلاثة اميال ولم يتمكن من ان يزور اباه امير المؤمنين (علیه السلام) لان القوم قد ضيقوا عليه الطريق ولكن زاره

ص: 283

امير المؤمنين (علیه السلام) في ليله الحادي عشر أو الثاني عشر حين ان الجمال قطع كفيه جاء مع جده رسول الله وامه فاطمة واخيه الحسن ومعهم جبرئيل وميكائيل عليهم السلام

احسين هل وافاك جدك زائراً *** و راك مقطوع الوتين معفرا

ام هل درى بك حيدر في كربلا *** تر با صريعا ظاميا ام ما درى

الفصل السابع

اشارة

فى نزوله عليه السلام بكر بلاء واسامي كربلاء وما جرى عليه في كربلاء وشقاوة يزيد وابن سعد وعبيد الله بن زياد عليهم لعائن الله وما وقع الى يوم التاسع وهذا الفصل يشتمل على تسعة مجالس.

المجلس الاول في نزوله «علیه السلام» بكربلا

يقول الرائي:

الى ان اتي ارض الطفوف باهله *** فلم ينبعث مهر ولم يجر منسم

فقال فما هذى البقاع التي بها *** وقفن الخيول السابقات فاعلموا

فقالوا تسمى نينوى قال اوضحوا *** فقالوا تسمى كربلا قال خيموا

قال شيخنا الطريحي في المجمع كربلا موضع معروف وبها قبر الحسين بن علي (علیه السلام) روى انه اشترى النواحي التي فيها قبره من اهل نينوى والغاضرية بستين الف درهم و تصدق بها عليهم وشرط عليهم ان يرشدوا الى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة ايام وقال الصادق «علیه السلام» كربلاء حرم الحسين «علیه السلام» وفيه البركة وحلال لولده ومواليه وحرام على غيرهم وفي خبر آخر قال الصادق «علیه السلام» حرم الحسين «علیه السلام» الذي اشتراه اربعة اميال في اربعة اميال فهو حلال لولده ومواليه وحرام على غيرهم ممن خالفهم وفيه البركة قال في الكبريت الاحمر وقد اختلف في اشتقاقه اما مشتق من كربلة بالتاء بمعنى

ص: 284

الرخوة والفتور في القدم كما يقال فلان يمشي مكر بلا كأنه يمشي في العين فمعناه النزول في الماء والوحل او مشتق من كربلاء وهي نبت ذات ورد احمر كأنه كثيراً تنبت فيها فسميت بذلك أو كربلا مخفف من كرب و بلاء لانها من اول يوم خلقت كانت محلا الالتزلزل والبلاء والهول والاضطراب للانبياء والاولياء بل الجملة من المؤمنين والصلحاء كما في الخبر عن مسيب بن نجية الفزاري قال جت استقبل سلمان الفارسي حين اقبل من المدينة الى المدائن فلما وصل الى كربلاء تغير حاله وبكى وقال هذه مصارع اخواني هذا موضع رحالهم و هذا مناخ ركابهم وهدا مهراق دمائهم يقتل بها خير الاولين و يقتل بها خير الآخرين وفي بعض النسخ ابن خير الاولين وابن خير الآخرين ولكن لم يظهر لاحد منهم من الهول والاضطراب مثل ما حصل للاطهار من آل الرسول المختار لما نزلوا بها تراكمت عليهم الهموم والغموم واشتد عليهم الحزن غاية الاشتداد بل وان الحسين «علیه السلام» بمجرد ما سمع باسم كربلاء تغير حاله واستعاذ بالله من كرباتها وآفاتها قال السيد في (اللهوف) فلما وصلها قال الحسين «علیه السلام» ما اسم هذه الارض فقيل كربلاء فقال اللهم اني اعوذ بك من الكرب والبلاء ثم قال هذا موضع كرب و بلا انزلوا ههنا محط رحالنا ومسفك دمائنا ومحل قبورنا بهذا حدثني جدي رسول الله (علیه السلام) فنزلوا جميعا ونزل الحر واصحابه ناحية وكان ذلك في اليوم الثاني من المحرم وقال في روضة الشهداء فلما سمع الحسين (علیه السلام) باسم كربلاء نزل عن الفرس فلما وطأ الارض با قدامه الشريفة تغير لون التراب وصار كلون الزعفران وسطع منه غبار علا وجهه ولحيته بحيث اغير رأسه ووجهه ولحيته الشريفة فنظرت ام كلثوم اليه قالت واعجباه من هذه البيداء ما اشد واعظم هولها ارى منها هولا عظيما فسلاها الحسين (علیه السلام) انتهى ما وفي (مهيج الاحزان) حكى بعض الثقات ما معناه انه لما نزلوا بكربلاء اقبات ام كلثوم الى الحسين (علیه السلام) وقالت يا اخي ان هذا الوادي لمهول ولقد دخلني هول عظیم فقال

ص: 285

الحسين (علیه السلام) اخية اعلي انه نزلنا مع ابي هذه الارض في مسيره الى صفين فوضع ابي رأسه في حجر اخي الحسن (علیه السلام) ورقد ساعة وانا عند رأسه فانتبه ابي قلقا باكيا فسأله اخي عن ذلك فقال كأني رأيت في منامي ان هذا الوادي بحر من الدم والحسين (علیه السلام) قد غرق فيه وهو يستغيث فلا يغاث ثم اقبل علي وقال يا ابا عبدالله كيف تكون اذا وقعت ههنا الواقعة قلت اصبر ولابد لي من الصبر بابي وامي ما اصبره حتى عجبت من صبره ملائكة السماء ولقد صبر على ام المصائب وافظمها واكظلها وافدحها وهو ذبح ولده في حجره وعلى صدره روى الدربندي في الاسرار عن اخبار الدول وآثار الاول ان الحسين (علیه السلام) بقي زمانا كلما انتهى اليه رجل منهم انصرف عنه ولم يتول قتله فحمل صبيا صغيراً من اولاده اسمه عبدالله وقبله فاخذه رجل من بني اسد فذبحه فتلقى الحسين (علیه السلام) دمه في يده والقاه نحو السماء وقال يارب ان تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعله لنا خيراً وانتقم من الظالمين الخ (اقول) قد سمعت في وجه تسمية كربلاء بكربلاء وجوها منها انها مخفف من كرب و بلاء لانها من اول يوم خلقت كانت محلا للمزلزل والبلاء والهول والاضطراب للانبياء والأولياء وناهيك في هذا ورود الانبياء بها وما من نبي إلا وقد زار كربلاء وما منهم إلا وقد تصدم واصابته بلية موافقة مع الحسين (علیه السلام) اولهم ابونا آدم (علیه السلام) كما في (البحار) كان يطوف في طلب حواء فمر بكربلاء فمثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين (علیه السلام) حتى سال الدم من رجليه فقال الهي ما اصابني سوء بمثل ما اصابني في هذه الارض فقال الله تعالى يقتل في هذه الارض ولدك الحسين (علیه السلام) فسال دمك موافقة لدمه ومر ابراهيم (علیه السلام) وهو راكب على فرسه فعثر به فسقط ابراهيم فشج رأسه وسال دمه فقال الهي اي شيء حدث مني فنزل جبرئيل وقال ما حدث منك شيء ولكن يقتل في هذه الارض سبط خاتم الانبياء فسال ديك موافقه لدمه ومر موسى بن عمران بها

ص: 286

انخرق نعله ودخل الحسك في رجليه وسال دمه فقال الهي اذنبت ذنبا فأوحى الله اليه ياموسى ان فيها يقتل الحسين ويسفك دمه فسال دمك موافقة لدمه و اسماعيل (علیه السلام) كانت اغنامه ترعى بشاطىء الفرات فاخبره الراعي انها لا تشرب من هذا الماء منذ ايام فسأل ربه ذلك فأوحى الله اليه سل غنمك فسألها لم لا تشربين من هذا الماء قالت بلسان فصيح قد بلغنا ان ولدك الحسين (علیه السلام) سبط محمد «صلی الله علیه وآله وسلم» يقتل هنا عطشانا فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزناً عليه كان نوح في السفينة فلما وصلت سفينته الى كربلا و محل طوفان سفينة آل محمد اذ هبت ريح و تلاطم الماء واضطربت السفينة فخاف نوح الغرق وقال الهي طفت الدنيا باسرها وما اصابني فزع مثل هذه الارض فنزل جبرئيل بقضية الحسين (علیه السلام) وقال يقتل في هذه سبط خاتم الانبياء فبكى نوح واهل السفينة ولعنوا قاتله ومضوا ومر عيسى بن مريم بكر بلاء ومعه الحواريون فرأوا اسداً كاسراً قد اخذ الطريق فتقدم عيسى (علیه السلام) الى الاسد فقال لم جلست على طريقنا لا تدعنا نمر فيه قال اني لا ادعكم تمرون حتى تلعنوا يزيد قال الحسين سبط محمد النبي قاتل الامي وابن علي الولي (علیه السلام) فبكى عيسى والحواريون وامنوا قاتله وقال بابني اسرائيل العنوا قاتل الحسين (علیه السلام) و ان ادركتم ايامه فلا تجلسوا عنه فان الشهيد معه كالشهيد الانبياء مقبل غير مدبر وقس على هذا سائر انبياء الله الى ان نزل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قالت ام سلمة غاب عنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فرجع اشعث أغبر ويده مضمومة فقلت مالي اراك يارسول الله متغيراً قال (صلی الله علیه وآله وسلم) اسري بي الى كربلاء فرأيت مصرع الحسين (علیه السلام) واهل بيته فلم ازل القط دمائهم فها هي في يدي فقال خذيها واحتفظي بها قالت ام سلمة فاخذتها ورأيتها شبه تراب احمر فاحتفظتها في قارورة الى ان صار يوم عاشوراء الخ و نزل بها امير المؤمنين (علیه السلام) مراراً عديدة منها عن هرثمة ابن ابي مسلم قال غزو نا مع علي بن ابي طالب (علیه السلام) بصفين فلما انصرفنا نزل كربلاء فصلى بها

ص: 287

الغداة ثم رفع اليه من تربتها فشمها ثم قال واهاً لك ايتها التربة ليحشرن منك اقوام يدخلون الجنة بغير حساب فزجع هرثمة الى زوجته وكانت شيعة اعلي (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال ألا أحدثك عن وليك ابي الحسن (علیه السلام) نزل بكر بلا فصلى ثم رفع اليه من تربتها فقال واهاً لك ايتها التربة ليحشرن منك اقوام يدخلون الجنة بغير حساب فقالت ايها الرجل فان امير المؤمنين (علیه السلام) لم يقل إلا حقاً فلما قدم الحسين (علیه السلام) قال هرثمة كنت في البعث الذي بعثهم عبيد الله بن زياد فلما رأيت المنزل والشجر ذكرت الحديث على بعيري ثم صرت الى الحسين (علیه السلام) فسلمت عليه فاخبرته بما سمعت من ابيه في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين [ع] فقال معنا انت ام علينا فقلت لا معك ولا عليك خلفت صبية بالكوفة أخاف عليهم من عبيد الله بن زياد قال «علیه السلام» فامض حيث لا ترى لنا مقتلا ولا تسمع لنا صوتاً فوالذي نفس حسين بيده لا يسمع اليوم واعيتنا احد فلا يميننا إلا اكبه الله لوجهه في نار جهنم قوله [علیه السلام] مخاطبا لهذه التربة ليحشرن منك ا اقوام يدخلون الجنة بغير حساب معلوم هو الحسين «علیه السلام» ومن معه من اصحابه واهل بيته بل ومن دفن بها من شيعته ومحبيه وما قالها إلا بعد ان شم تربتها فاشتم منها رائحة الجنة لان كربلاء هي قطعة من الجنة والحسين «علیه السلام» لما نزل بها شم من تربتها وذلك في اليوم الثاني من المحرم حين سأل عن اسم الارض فقالوا كربلاء وفي بعض كتب التواريخ اخذ من تربتها وشيمها وقال ههنا والله تخضب لحيتي بدمي ههنا والله تقطع اوداجي ويعزى جدي وابي وامي من ملائكة السماء هذه والله هي الارض التي اخبر بها جبرئيل رسول «صلی الله علیه وآله وسلم» باني اقتل فيها كأني به وهو واقف بين اصحابه ينظر يمينا وشمالا ويقول بلسان الحال

و بهذه تفتت الأكباد من *** حر الظما وحرارة الرمضاء

و بهذه اعدو لطفلي حاملا *** في الكف اطلب جرعة من ماء

ص: 288

و بهذه العباس يقتل ظاميا *** والماء يشربه بنو الطلقاء

و بهذه والله تسلبني العدى *** وتجول خيلهم على اعضائي

وبهذه الاطمال تذبح والنساء *** تعلو على قتب بغير وطاء

فنزلوا ومنه على ما روى المسعودي من اصحابه واهل بيته خمسمائة فارس ونحو مائة راجل لكن تفرقوا عنه لما علموا بنزول البلاء لانهم هم الذين وصفهم الحسين «علیه السلام» بقوله الناس عبيد الدنيا والدين لحق على السنتهم وفي بعض الكتب والدين لغو (بالغين المعجمة والواو) يحوطونه ما درت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون في (المناقب) عن كامل الزيارة عن الباقر (علیه السلام) كتب الحسين [ع] الى اخيه محمد بن الحنفية من كربلاء بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم اما بعد فكأن الدنيا لم تكن وكأن الآخرة لم تزل «اقول» واني لاظن ان خبر قتل الحسين بلغ محمد بن الحنفية قبل ان يصل اليه الكتاب لان في يوم عاشوراء رأت ام سلمة في منامها ما رأت ورأى ابن عباس في منامه ما رأى الخ.

المجلس الثاني

ايضا في نزوله بكر بلاء ومن اسامي كربلاء نينوى في «القمقام» نينوى بكسر اوله وهي قرية يونس بن متى [علیه السلام] بالموصل و بسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى منها كربلا انتي قتل بها الحسين «علیه السلام» [اقول] ومن هذه العبارة يظهر ان نينوى كانت قريتين احداهما بالموصل وهي التي بعث عليها يونس والاخرى من اعمال الكوفة وهي التي نزل بها الامام و من كلام بعض المؤرخين نينوى محل بعث یونس (علیه السلام) بلدة بالعراق يستظهر انها هي التى نزلها الامام (علیه السلام) وكانت قبل ذلك بلدة عظيمة بعث عليها يونس و يؤيده من ان يونس (علیه السلام) دفن بالكوفة قريباً من المسجد الاعظم

ص: 289

على ساحل الفرات وقال شيخنا الطوسي نينوى قرية الى جنب حائر الحسين ويظهر ان كربلاء قطعة من نينوى و كلام الحسين (علیه السلام) دعنا نزل هذه ا و هذه يعني نينوى والغاضرية ومن اسامي كربلاء غاضرية وفي بعض النسخ قاصرية وفي بعض آخر عامرية قال في مروج الذهب ودفن اهل العامرية وهم قوم من بني عامر من بني اسد الحسين [علیه السلام] واصحابه بعد قتلهم بيوم والاصح انها غاضرية (بالغين والضاد المعجمة) فى «القمقام» غاضرية منسوبة الى غاضرة من بني اسد وهي قربة من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء في «المناقب» ودفن جثثهم بالطف اهل الغاضرية من بني اسد بعدما قتلوه بيوم وكانوا يجدون لاكثر هم قبوراً ويرون طيوراً بيضاء قال الباقر [علیه السلام] الغاضرية هي البقعة التي كلم الله فيها موسى بن عمران و ناجى نوحاً فيها وهي اكرم ارض الله عليه ولولا ذلك ما استودع الله فيها اولياءه وانبياءه فزوروا قبور نابالغاضرية ومن قوله [علیه السلام] ولولا ذلك ما استودع الله فيها انبيائه واوليائه يظهر ان بها دفن انبياء واولياء قبل ان يدفن الحسين [علیه السلام] ويؤيده ما قال امير المؤمنين «علیه السلام» لما مر بكربلاء قال الراوي فطاف علي «علیه السلام» على بغلته في تلك البقعة وهو مع ذلك خارج رجليه من الركاب وقال لقد قتل فيها مأتا نبي وأنا سبط كلهم شهداء ثم قال هنا والله مناخ وكتاب ومصارع عشاق ومدفن شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم ثم نزل وجعل يبكي مر بها علي [علیه السلام] مراراً ولم يكن يمر بها إلا ويبكي ويبكي لبكائه كل من كان حاضراً قال الاصبغ بن نباتة اتينا مع علي «علیه السلام» موضع قبر الحسين «علیه السلام» فقال ههنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم وههنا مماق دمائهم فتية من آل محمد [صلی الله علیه وآله وسلم] يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والارض وقال طوبى لك من تربة تم اق عليك دماء الاحبة وكأن هذه التربة كانت تنتظر هؤلاء الاحبة الى ان نزلوا بها فاخذت بقوائم فرس سيدهم ومولاهم الحسين (علیه السلام) كما في

ص: 290

الخبر قال ابو مخنف وساروا جميعاً الى ان اتوا ارض كربلاء وذلك يوم الاربعاء فوقف فرص الحسين (علیه السلام) من تحته فنزل عنها وركب آخر فلم تنبعث من تحته خطوة واحدة حتى ركب سبعة افراس فقال ياقوم ما يقال لهذه الارض قالوا ارض الغاضرية قال فهل لها اسم آخر قالوا تسمى نينوى قال هل لها اسم غير هذا قالوا تسمى بشاطى؟ الفرات قال (علیه السلام) هل لها اسم غير هذا قالوا تسمى كربلاء فعند ذلك تنفس الصعداء وقال أرض كرب و بلاء قفوا ولا ترحلوا فههنا والله مناخ ركابنا وههنا والله مسفك دمائنا وههنا والله هتك حريمنا وهنا والله قتل رجالنا وههنا والله ذبح اطفالنا وههنا والله نزار قبورنا و بهذه التربة وعدني جدى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ولا خلف لقوله

حطوا الرحال بها يا قوم وانصرفوا *** عني في لي عنها قط ترحال

فيها براق دمي فيها ترى حرمي *** حسرى عليهن ثوب الذل سريال

ثم نزل (علیه السلام) وامر الفتية والاحبة بان يضربوا فسطاطهم ويبنوا خيمهم وخيم الطاهرات من الهاشميات والفاطميات التي قال الشاعر فيها:

هي خيمة جبريل يخدم اهلها *** والروح والاملاك خادم قنبر

هي خيمة خضعت لها خيم المالو *** ك كتبع وكقيصر

هي خيمة لو كان احمد حاضراً *** لبكى لها مثل السحاب الممطر

هي خيمة يبكي وقوع عمودها *** جزعاً عمود الدين فاتح خيبر

وقال المرحوم السيد حيدر

كانت بحيث عليها قومها ضربت *** سرادقاً ارضه من عزهم حرم

يكاد من هيئة ان لا يطوف به *** حتى الملائك لولا انهم خدم

ما اعظم شأنه واشرف قدره واعلى مكانه واشيد بنيانه حرم سجافه هيبة الله وسرادقه جلال الله ورواقه عظمة الله و استاره حجاب الله وخدامه ملائكة الله وهو

ص: 291

حرم النبي وحرم النبي حرم الله تعالى فبقيت تلك الخيام على حالها الى عشية يوم التاسع فغير الحسين (علیه السلام) مكانها ثم بقيت الى عشية يوم العاشر فوقف عليها عمر بن سعد لعنه الله وقال علي بالنار حتى احرق بيوت الظالمين. نظم:

حرم لاحمد قد هتكن ستورها *** فهتكن من حرم الاله ستور

ابرزن من حرم النبي وانه *** حرم ستور الاله بواضح التبيين

من كل محصنة هناك برغمها *** اضحت بلا خدر ولا تحصين

من اسامي كربلاء عموراء كما قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لولده الحسين (علیه السلام) يابني انك ستساق الى العراق وهي ارض قد التقى بها النبيون واوصياء البيين وهي ارض تدعى عموراه وانك تستشهد فيها ويستشهد معك جماعة من اصحابك لا يذوقون ألم مس الحديد وتلا (صلی الله علیه وآله وسلم) يانار كوني برداً وسلاما على ابراهيم يكون الحرب علي-ك وعليهم برداً وسلاما والسبب في تسميته بعموراء لانها معمورة من قديم الايام بعبور الانبياء والملائكة ومرورهم، زيارتهم اياها كما اشرنا ووجه آخر كانت معمورة، بسبب التخييل والاشجار والماء لان فيها اشجاراً كثيرة وانهاراً جارية ويظهر ذلك من رواية عبدالله بن عباس ومرور علي بكربلاء في (البحار) قال ابن عباس كنت مع علي (علیه السلام) فى خروجه الى صفين فلما نزل نينوى وهو بشاطىء الفرات نادى باعلى صوته يا ابن عباس اتعرف هذا الموضع قلت لا اعرفه يا امير المؤمنين فقال (علیه السلام) لو عرفته كمرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي قال فبكى طويلا حتى اخضات لحيته وسالت على صدره و بكينا معا وهو يقول آه آه مالي ولا لابي سفيان مالي ولا لحرب حزب الشيطان واولياء الكفر صبراً يا ابا عبدالله فلقد لقي ابوك مثل الذى تلقى منهم ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلى ما شاء الله ان يصلي ثم ذكر نحو كلامه الاول إلا انه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ثم انتبه فقال يا ابن عباس فقلت ها اناذا

ص: 292

فقال الا احدثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي فقلت نامت عيناك ورأيت خيراً يا امير المؤمنين قال (علیه السلام) رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم اعلام بيض قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع وقد خطوا حول هذه الارض خطة ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت باغصانها الارض والارض تضطرب بدم عبيط و كأني بالحسين سخلي وفرخي ومضنتي ومخي قد غرق فيه يستغيث ولا يغاث وكأن الرجال البيض قد نزلوا من السماء وينادونه ويقولون صبراً آل الرسول فانكم تقتلون على ايدي شرار الناس وهذه الجنة يا ابا عبد الله اليك شتافة ثم يعزونني ويقولون يا ابا الحسن ابشر فقد اقر الله به عيك يوم يقوم الناس لرب العالمين ثم انتبهت هكذا والذي نفس علي بيده لقد حدثني الصادق الصدق أبو القاسم (صلی الله علیه وآله وسلم) اني سأراها في خروجي الى اهل البغي علينا وهذه ارض كربلاء يدفن فيها الحسين (علیه السلام) وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمة وانها افي السموات معروفة تذكر ارض كرب و بلاء كما تذكر بقمة الحرمين و بقعة بيت المقدس نعم كانت ارض كربلا معروفة و عند الملائكة معروفة وعند الجن والانس معروفة وعند الوحش والطير معروفة وكل يعلم بانها مصرع الحسين ومصرع اهل بيته واصحابه ومن اجل ذلك لما وصل الحسين (علیه السلام) بها وقف فرسه فلم ينبعث خطوة كأن الفرس يعرف الارض ويعلم ان الحسين قد بلغ الى محله ومنزله ومصرعه ومدفنه الخ رجعنا الى تتمة الخبر ثم قال (علیه السلام) يا ابن عباس اطلب في حولها بمر الظباء فوالله ما كذبت ولا كذبت وهي مصفرة لونها لون الزعفران قال ابن عباس فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته يا امير المؤمنين قد اصبتها على الصفة التي وصفتها فقال علي (علیه السلام) صدق الله ورسوله ثم قام يهرول اليها فحملها وشمها وقال هي هي بعينها اتعلم يا ابن عباس ما هذه الابصار هذه الابصار قد شمها عيسى بن مريم وذلك انه من بكر بلاء ومعه الحوار بون فرأى ههنا الظباء مجتمعة وهي تبكي فجلس عيسى وجلس

ص: 293

الحواريون معه فيكي وبكى الحواريون وهم لا يدرون لمجلس ولم بكى فقالوا يا روح الله وكلمته ما يبكيك قال اتعلمون اي ارض هذه قالوا لا قال هذه ارض يقتل فيها فخ الرسول احمد رفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة امي وياحد فيها طينته الطيب من المسك لانها طينة الفرخ المستشهد وهكذا يكون طينة الانبياء و اولاد الانبياء فهذه الظباء تكلمني وتقول انها ترعى في هذه الارض شوقاً إلى تربة الفرخ المبارك وزعمت انها آمنة في هذه الارض ثم ضرب بيده الى البعرات فشمها وقال طيب هذه الابصار لطيب حشيشها اللهم قابقها ابداً حتى يشمها ابوه فيكون له عزاء وسلوة قال فبقيت الى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها وهذه ارض كرب و بلاء ثم نادى باعلى صوته يارب عيسى بن مريم لا تبارك في قتلته والمعين عليه والخاذل له ثم بكى بكاء طويلا وبكينا حتى سقط لوجهه وغشى عليه طويلا ثم افاق فاخذ البحر قصره في ردائه وامرني ان اصرها كذلك ثم قال يا ابن عباس اذا رأيتها تتفجر دما عبيطاً ويسيل منها دم عبيط فاعلم ان ابا عبدالله قد قتل بها ودفن قال ابن عباس والله لقد كنت احفظها اشد من حفظي لبعض ما افترض الله عز وجل علي وانا لا احلها من طرف كمي فبينما انا نائم في البيت اذ انتبهت فاذا هي تسيل دماً عبيطاً و كان كمي قد امتلأ دماً عبيطاً فجلست وانا باك وقلت قد قتل والله الحسين (علیه السلام) والله ما كذب علي (علیه السلام) قط في حديث حدثني ولا اخبرني بشيء انه يكون إلا كان كذلك لان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كان يخبره باشياء لا يخبر بها غيره ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها اثر عين ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة فرأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط فجلست وانا باك فقلت قد قتل والله الحسين وسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول:

اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول نزل الروح الامين بكاء وعويل

ص: 294

ثم بكى باعلى صوته وبكيت فاثبت عندي تلك الساعة وكان شهر المحرم واليوم يوم عاشوراء لعشر مضين منه فلما ورد علينا خبر قتله اذا هو ذلك اليوم بعينه فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ولا ندري من هو فكنا نرى انه الخضر في (البحار) ان ابن عباس رأى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في منامه وهو اشعث أغبر في يده قارورة فيها دم عبيط قال يارسول الله ما هذا الدم قال دم الحسين (علیه السلام) لم ازل التقطه منذ اليوم.

المجلس الثالث ايضا فى وروده «علیه السلام» بكربلاء

قال ابو عبدالله (علیه السلام) اما قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن ولا مؤمنة الا بكيا واغتما لمصابي في الخصائص قال اعلم انه قد تحقق ان الحسين (علیه السلام) هو وجميع ما يتعلق به من اول خلقته الى زماننا هذا والى انقراض عالمنا مورث للبكاء والحزن وسبب للتأسف والتحسر اول شيء مما نجده مورثاً للبكاء والحزن اسمه المبارك بالنسبة الى من تذكره والى من ميممه والى من تنطق به کما قال آدم (علیه السلام) مالي اذا ذكرت سمعه الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي واعظم من ذلك اتفق لآدم (علیه السلام) من الحسين وصار سبب حزنه و تأسفه وهو رؤية نور الحسين (علیه السلام) حين جعل الله تعالى انوار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (علیهم السلام) في صاع يده اليمنى ليرى آدم (علیه السلام) تلك الانوار في كل حين وجعل نور الحسين (علیه السلام) في ابهام آدم و كلما اراد آدم ان ينظر الى نور الحسين (علیه السلام) نظر الى ابهامه وكل نظر الى ابهامه غلب عليه الحزن وبقي هذا التأثير الى الآن ان كل من غلب عليه الضحك ونظر الى ظهر ابهامه علب عليه الحزن و الثاني انتساب الشيء اليه بورث البكاء والحزن كما في حكاية المسامير الخمسة التي اتى بها جبرئيل الى نوح يمر بها جوانب السفينة كل مسمار باسم احد من الخمسة الطيبة

ص: 295

الطاهرة وكلما يقبض نوح على مسمار من المسامير يشرق في بده ويتلألأ ولكنه لما اخذ المسمار المنتسب الى الحسين (علیه السلام) اشرق وظهر منه الدم وتلطخت يده بالدم فسأل عن ذلك فاجاب جبرئيل بان هذا المسمار منتسب الى الحسين (علیه السلام) وقص عليه القصة والثالث النظر الى الحسين (علیه السلام) يورث البكاء والحزن وقد تحقق ذلك بالنسبة الى جده وابيه ولقد بكى جده اول ما رآه عند ولادته وكان يبكي في كل حال من الاحوال التي يظهر منه بالنسبة الى الحسين (علیه السلام) وكان ابوه يبكي حين يراه ويقول يا عبرة كل مؤمن ومؤمنة الرابع النظر الى قبره ومصرعه بورث البكاء كما قال الصادق - ع - غريب بارض الغربة يبكيه من زاره ويحزن له من لم يزره ويحترق له من لم يشهده ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجليه في ارض فلاة ولا حميم قربه ولا قريب قربه الخامس دخول شهر شهادته اعني المحرم فانه مورث الكربة واختناق العبرة في قلوب من والاه السادس ورود ارض مدفنه فانه باعث على الحزن والبكاء وقد تحقق ذلك بالنسبة الى كل نبي ووصي ورد كربلاء وكل منهم اذا ورد اصابته بلية ومصيبة فسأل ربه عن ذلك فيوحى اليه ان هذا كربلاء والحسين (علیه السلام) يقتل فيها السابع سماع اسم مدفنه وهي كربلاء يورث البكاء والحزن وقد تحقق كلاهما بالنسبه اليه يعني الحسين (علیه السلام) والى اهل بيته لما وردوا كربلاء وممموا باسم كربلاء وذلك في اليوم الثاني من المحرم قريباً من الضحى يعني ورودهم في وقت الضحى كما يقول الرائي:

نزلوا باكتاف الطفوف ضحى *** والى الجنان عشية رحلوا

رحلوا وكل يشتكي عطشاً *** ابن الضلوع بها له شعل

رحلوا باكباد وافئدة *** ذبل تناهيها الفنا الذبل

رحلوا باوصال يفصلها *** ضرب ببيض الهند متصل

و حلوا وكل السهام غدى *** غرضاً به الاعداء تنتصل

ص: 296

يقول الشاعر يوم الثاني وقت الضحى نزلوا بارض كربلا ورحلوا عشية العاشر الى الفردوس الاعلى

فنودرت في الثرى صرعى جسومهم *** وفي نفوسهم الله قد عرجا

(اقول) قد وقع الافتراق بينهم فمنهم من رحل الى الجنة وهو كما قال الشاعر عشية العاشر سيدهم ومولاهم الحسين (علیه السلام) ومنهم من رحل الى الكوفة والشام وذلك في اليوم الحادي عشر وقت الزوال وهم النساء المسبيات والايتام الضايعات بلا معين ولا كفيل وليس مهن من رجالهن وحماتهن احد الا امامنا السجاد وهو عليل مريض

فتلك على الرمضاء صرعى رجالهم *** و نسوتهم هاتيك اسرى على المجف

قال السيد في (اللهوف) لما نزلوا بكربلا جلس الحسين (علیه السلام) يصلح سيفه ويقول

يادهر اف لك من خليل *** كم لك بالاشراق والاصيل

من طالب وصاحب قتيل *** والدهر لا يقنع بالبديل

وكل حي سالك سبيل *** ما اقرب الوعد من الرحيل

وانما الامر الى الجليل

قال الراوي فسمعت زينب بنت فاطمة عليها السلام ذلك فقالت يا اخي هذا كلام من ايقن بالقتل فقال (علیه السلام) نعم يا اختاه فقالت زينب والكلاه ينعى الحسين الي نفسه قال وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب وجعلت ام كلثوم تنادي و امحمداه و اعلياه وا اماه وا اخاه واحسيناه واضيعناه بعدك يا ابا عبدالله قال فعزاها الحسين وقال لها يا احتاه تعزى بعزاء الله فان كان السموات يفنون واهل الارض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون ثم قال يا اختاه يا ام كاثوم وانت يازينب وانت يافاطمة وانت يارباب انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن علي حيباً ولا تخمشن علي وجهاً ولا تقلن هجراً قال وروي من طريق آخر ان زينب لما سمعت مضمون الابيات وكانت

ص: 297

في موضع آخر منفردة مع النساء والبنات خرجت حاسرة تجر ثوبها حتى وقفت عليه وقالت والكلاه ليت الموت اعدمتني الحياة اليوم ماتت امي فاطمة وابي علي واخي الحسن ياخليفة الماضين وعمال الباقين فنظر اليها الحسين (علیه السلام) فقال يا اختاه لا يذهبن محلك الشيطان فقالت بابي وامي استقتل نفسي لك الفدا

قالت انقتل نصب عيني جهرة *** ما الرأي. في وما لدي خفير

قاجابها قل الفدا كثر العدى *** قصر المدى وسبيلنا محصور

فردت عليه غصة وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال يا اختاه لو ترك القطا ليلا لنام فقالت يا ويلتاه افتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي وأشد على نفسي ثم اهوت الى جيبها فشقته وخرت مغشيا عليها فقام (علیه السلام) فصب عليها الماء حتى افاقت ثم عزاها صلوات الله عليه بجهده وذكرها المصيبته بموت أبيه وجده صلوات الله عليهم اجمعين (اقول) ان الحسين (علیه السلام) اوصى اليهن مراراً وقال يا اختاه يا ام كلثوم وانت يازينب وانت يا فاطمة وانت يار باب انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن علي جيباً ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجراً فبالقطع واليقين ما صدرت هذه الامور من هؤلاء المخاطبات بخطاب الامام وهن ام كلثوم وزينب وفاطمة ورباب وان قيل ان زينب شقت جيبها فنقول نعم لكن ما شقت جيبها في شهادته حتى يقال انها خالفت عن الوصية بل في مصيبة خاصة غير الشهادة ولا يبعد انها كانت اعظم من شهادة ويحق ان تشق لها الجيوب وتلطم عليها الخدود بل ويحق ان تخرج الارواح من ابدان احبته فكيف تستقر زينب بان يرى بزبد (لع) اخذ قضيب الخيزران ينكث به ثنايا الحسين (علیه السلام) وما كانت العقيلة منهبة عن شق الجيب فى ذلك الوقت ولذا قامت من مجلسها واهوت الى جيبها فشقته و نادت باحسيناه يا حبيب قلب رسول الله الخ.

ص: 298

المجلس الرابع في شقارة يزيد وعبيد الله وعمر بن سعد

قال الصادق (علیه السلام) قاتل الحسين (علیه السلام) ولد زنا كما ان قاتل يحيى بن زكريا ايضا ولد زنا نعم اذا نظرنا الى السير والتواريخ وجدنا ان كل من تولى قتل الحسين (علیه السلام) اما معلوم بانه ولد زنا او مجهول الحسب و مخدوش النسب اولهم يزيد بن معاوية (لع) وقد كانت امه سمية بنت بجدل الكلي امكنت عبيد ابيها من نفسها فحملت بيزيد واما عبيد الله بن زياد فاولا نأخذ الكلام بذكر ابيه زياد لعنه الله فنقول ان زياداً ليس له اب معروف و كانت عائشة تسميه زياد بن ابيه وكانت امه محمية معروفة ومشهورة بالزنا وادعى معاوية بان ابا سفیان زنا بام زیاد فاولدها زياداً وأنه اخوه وقد صرح ابو سفيان بانه هو الذي وضعه في رحم امه وذلك كما ورد في الاستيعاب عن ابن عباس ان عمر بعث زياداً الى اصلاح فساد واقع باليمين فلما رجع من وجهه خطب عند عمر خطبة لم يسمع مثلها وابو سفيان حاضر وعلي (علیه السلام) وعمرو بن العاص (لع) جالسان فقال عمرو بن العاص الله ابو هذا الغلام لو كان قرشياً لساق العرب بعصاه فقال ابو سفيان انه لقرشي واني لاعرف الذي وضعه في رحم امه فقال علي (علیه السلام) ومن هو قال انا فقال مهلا يا ابا سفیان قانشا ابو سفیان:

اما والله لولا خوف شخص *** يراني ياعلي من الاعادي

لا ظهر امره صخر بن حرب *** ولم يخف المقالة في زياد

وقد طالت مجاملتي ثقيفاً *** وتركي فيهم ثمر الفؤاد

عني بقوله خوف شخص عمر بن الخطاب وافد اجاد القائل بقوله مخاطباً لمعاوية ابن ابي سفيان:

ص: 299

الا ابلغ معاوية بن حرب *** لقد ضاقت بما يأتي اليدان

اتغضب ان يقال ابوك عف *** و ترضى ان يقال ابوك زان

فاشهد ان رحمك من زیاد *** كرحم الفيل من ولد الاتان

واشهد انها حملت زياداً *** و صخر من محمية غير دان

وقال الآخر:

زیاد لست ادري من ابوه *** ولكن الحمار ابو زياد هذا ما قيل في نسب زياد و اما ابنه عبيد الله وان كان ينسب الى زياد ولكن ليس بمعلوم لان امه مرجانة هي جارية مشهورة ومعروفة بالزنا وكلام الحسين (علیه السلام) الا وأن الدعي ابن الدعي صريح بأنه ايضا ولد زنا والي هذا اشار النسابة الكلبي:

فان يكن الزمان اتى علينا *** بقتل الترك والموت الوحي

فقد قتل الدعي وعبد كلب *** بارض الطف اولاد النبي

اراد بالدعي عبيد الله وبعيد كلب يزيد بن معاوية ضاعف الله عليهما العذاب اسمع الى ما كتب اللعين الى الحسين (علیه السلام) بعد ما نزل بكربلا وكتب الحر الى ابن زياد لعنه الله يخبره بنزول الحسين (علیه السلام) كتب كتابا يقول فيه اما بعد ياحسين فقد بلغني نزولك بكر بلا وقد كتب الي امير المؤمنين بزيد ان لا اتوسد الوثير (وفي بعض النسخ وسيد) ولا أشبع من الخمير او الحقك باللطيف الخبير او ترجع الى حكمي وحكم يزيد بن معاوية وفي (القمقام) عن نور الدين المالكي في (فصول المهمة) اما بعد فان يزيد بن معاوية كتب الي ان لا تغمض جفتك من المنام ولا تشبع بطنك من الطعام او يرجع الحسين الى حكمي او تقتله والاول هو الاصح فلما ورد الكتاب الى الحسين (علیه السلام) وقرأه رماه من يده ثم قال لا افلح قوم اشتروا مرضات المحلوق بسخط الخالق فقال الرسول جواب الكتاب يا ابا عبد الله فقال (علیه السلام) ماله عندي جواب

ص: 300

لانه قد حقت عليه كلمة العذاب فرجع الرسول اليه واخبره بذلك فغضب عدو الله من ذلك غضباً شديداً والتفت الى عمر بن سعد وامره بقتال الحسين (علیه السلام) وفي رواية ندب أصحابه الى قتال الحسين (علیه السلام) ونادى معاشر العرب من يأتيني برأس الحسين فله الجائزة العظمى وله عندي ولاية الري عشر سنين فقام اليه عمر بن سعد (لع) وقال انا ايها الامير فقال امض وضيق عليه المسالك وامنعه من شرب الماء وائتني برأسه فقال مما وطاعة ثم عقد له راية على اربعة آلاف أو ستة آلاف فارس وامره بالمسير الى الحسين (علیه السلام) في (اللهوف) قال الراوي وندب عبيد الله بن زياد اصحابه الى قتال الحسين (علیه السلام) فاتبعوه واستخف قومه فاطاعوه واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه ودعاه الى ولاية الحرب فلباء وخرج اقتال الحسين (علیه السلام) في اربعة آلاف فارس انتهى قال المفيد (رحمه الله) فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن ابي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس يمني بعد ورود الحسين (علیه السلام) بيوم وهو الثالث من المحرم (اقول) ارتجت الارض واضطربت البيداء تحت حوافر خيولهم اذا فما حال المخدرات والهاشميات من بنات رسول الله ويظهر من الاخبار والآثار ان اول راية سارت الى حرب الحسين (علیه السلام) راية عمر بن سعد (لع) وآخر راية سارت الى حربه راية شمر بن ذي الجوشن لان اللعين نزل بكر بلا اليوم التاسع ومعه كتاب من ابن زياد فيه ما فيه وسيأتي في محله انتهى وقد عثرت على رواية في نفس ما المهموم في سبب تامير عمر بن سعد وهو هذه قال وكان سبب مسيره اليه ان عبيد الله ابن زياد كان قد بعث عمر بن سعد على اربعة آلاف الى دستي وهي تقارب التسمين قرية بين همدان وقزوين و كانت الديلم قد خرجوا اليها وغلبوا عليها وكتب ابن زياد له عهدة على الري فكر بالناس في حمام اعين فلما كان من امر الحسين ما كان دعا ابن زياد عمر بن سعد وقال له سر الى الحسين فاذا فرغنا بيننا وبينه سرت الى عملك

ص: 301

فاستعفاه فقال نعم على ان ترد عهدنا فلما قال له ذلك قال امهلني اليوم حتى انظر فاميله فاستشار نصحائه فكلهم نهاه واناء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته فقال انشدك الله يا خالي ان لا تسير الى الحسين (علیه السلام) فتأثم وتقطع رحمك فوالله لان تخرج من دنياك ومالك وسلطان الارض لو كان ذلك لك خير من ان تلقى الله بدم الحسين (علیه السلام) فقال افعل وبات ليلته مفكراً فى امره فسمع وهو يقول وينشد

فوالله ما ادري واني لحائر *** افكر في امري على خطرين

أأترك ملك الري والري منيتي *** ام ارجع مأثوما بقتل حسين

حسين ابن عمي والحوادث جمة *** لعمري ولي في الري قرة عين

الا انما الدنيا بخير معجل *** فما عاقل باع الوجود بدين

وان الله العرش يغفر زلتي *** ولو كنت فيها اظلم الثقلين

يقولون ان الله خالق جنة *** و نار وتعذيب وغل بدين

فان صدقوا فما يقولون انني *** اتوب الى الرحمن من سنتين

وان كذبوا فزنا بدنيا عظيمة *** وملك عقيم دائم الحجلين

قال ابو مخنف فاجابه هاتف

الا ايها النغل الذي خاب سعيه *** وراح من الدنيا ببخسة عين

ستصلى جحيما ليس يعاني حميمها *** وسميك من دون الرجال بشين

اذا انت قاتلت الحسين بن فاطم *** وانت تراه اشرف الثقلين

فلا تحسبن الري يا اخسر الورى *** تفوز به من بعد قتل حسين

نعم والله ما فاز بمأموله وما تهنأ بدنياه كما قال الحسين (علیه السلام) يوم عاشوراء لما فرغ من خطبته واحتجاجه يا ابن سعد تقتلني وتزعم بان الدعي ابن الدعي يوليك الري والجرجان فوالله لا تتهنأ بعدي ابداً عهداً معهوداً فاصنع ما أنت صانع فانك لا تفرح

ص: 302

بعدي بدنيا ولا آخرة وكأني برأسك على قصبة قد نصبت بالكوفة تتراماها الصبيان بالحجارة فصرف عمر بوجهه هذه مرة صرف عمر بوجهه عن الحسين (علیه السلام) ومرة اخرى صرف اللعين وجهه عن زينب حين خرجت ونادت ياعمر ايقتل ابو عبدالله وانت تنظر اليه فسبحان الله ما اقسى قلبه واصاب وجهه صنع ما لا اقدر على بيانه في (نفس المهموم) قال محمد بن طلحة الشافعي وعلي بن عيسى الاربلي الامامي قال عمر بن سعد لاصحابه ما سقط الحسين (علیه السلام) يخور فى دمه انزلوا وحزوا رأسه فنزل اليه نصر بن خرشة الضبابي ثم جعل يضرب بسيفه في مذيج الحسين (علیه السلام) فغضب عليه عمر بن سعد وقال لرجل عن يمينه ويحك انزل الى الحسين فارحه فنزل اليه خولى يزيد الاصبحي فاحتز رأسه الخ في (البحار) عن الاصبغ بن نباته قال بينما امير المؤمنين (علیه السلام) يخطب الناس ويقول سلوني قبل ان تفقدوني فوالله لا تسألونني عن شيء مضى ولا عن شيء يكون إلا نبأتكم به فقام اليه سعد بن ابي وقاص وقال يا أمير المؤمنين اخبرني كم في رأسي واحبتي من شعرة فقال «علیه السلام» اما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) انك ستسألني عنها وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفى اصلها شيطان جالس وان في بيتك سخلا يقتل الحسين «علیه السلام» ابني وسخله اللعين عمر بن سعد «لع» ففي ذلك الوقت كان صغيراً ويدرج بين يديه و مرة اخرى ايضا اخبر بذلك امير المؤمنين «علیه السلام» كما في التبر المذاب قال محمد بن سير بن لقد ظهرت كرامات علي «علیه السلام» في عمر بن سعد «لع» فانه لقيه يوما وهر شاب فقال له يا عمر كيف بك اذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار ولقد اشتهر هذا الخبر بين اصحاب امير المؤمنين (علیه السلام) بحيث اذا رأوا عمر بن سعد (لع) يذكرون ما قال امير المؤمنين (علیه السلام) قال الراوى فلقد رأيت عمر بن سعداوان بلوغه فكلما دخل المسجد يعني مسجد الكوفة ونظر اليه اصحاب علي (علیه السلام) جعلوا يشيرون

ص: 303

اليه ويقولون هذا قاتل الحسين (علیه السلام) حتى سمع اللعين اقبل الى الحسين (علیه السلام) وقال يا ابا عبدالله ان السفهاء من الناس يزعمون اني اقتلك فقال له الحسين (علیه السلام) انهم ليسوا سفراء ولكنهم حلماء عقلاء اما انه تقر عيني ان لا تأكل من بر العراق إلا يسيراً سمع اللعين وسكت وكان ينكر ذلك اشد الانكار حتى ظهر ما اخبر به امير المؤمنين (علیه السلام) والحسين (علیه السلام) ورأى الله ين بعينه ووجد أنه مع ان الحسين (علیه السلام) حين ما لا قاه وخلابه ذكره ووعظه واساه معه بما له لكي يرتدع ويرجع عما كان عليه فلم يرتدع ولم يرجع وذلك حين ارسل الحسين (علیه السلام) اليه انني اريد ان اكملك فالمني الليلة بين عسكري وعسكرك فخرج اليه ابن سعد في عشر من والحسين (علیه السلام) في مثل ذلك فلها التقيا أمر الحسين (علیه السلام) اصحابه فتتحوا عنه ويقي معه اخوه العباس وابنه علي الاكبر وامر عمر بن سعد اصحابه فتحوا عنه وقى معه ابنه حفص و غلام له فقال له الحسين (علیه السلام) و بلاك يا ابن سعد اما تتقي الله الذي اليه معادك اتقاتلني وانا ابن من علمت يعني اتعرفني انا ابن رسول الله وابن فاطمة الزهراء وابن علي المرتضى وتقتلني اقول سيدي

ان يقتلوك فلا عن فقد معرفة *** الشمس معروفة بالعين والاثر

قد كنت فى شرق الدنيا ومغربها *** كالحمد لم تغن عنها سائر السور

نعم والله عرفوه حق المعرفة وقتلوه نزل اليه سنان بن انس النخمي فضرب نعم بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول والله اني لا حتزر أسك واعلم انك ابن رسول الله و خير الناس اماً وابا ثم احتز رأسه الشريف وفي ذلك يقول الشاعر:

فاي رزية عدلت حسيناً *** غداة تبيره كما سنان

قال (علیه السلام) يا ابن سعد ذر هؤلاء القوم وكن معي فانه افرب لك الى الله فقال عمر بن سعد (لع) اخاف ان تهدم داري فقال الحسين (علیه السلام) انا ابنيها لك فقال

ص: 304

اخاف ان تؤخذ ضيعتي فقال الحسين (علیه السلام) انا اخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز وفي خبر فقال انا اعطيك من مالي بالبغيبغة وهي عين عظيمة بالحجاز وكان معاوية اعطاه في ثمنها الف الف دينار فلم يبعه اياها فقال لعنه الله لي عيال واخاف عليهم فسكت الحسين (علیه السلام) ولم يجب الى شيء فانصرف عنه وهو يقول مالك ذبحك الله على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فوالله اني لارجو ان لا تأكل من بر العراق إلا يسيراً فقال اللعين مستهزئاً وفي الشعير كفاية سود الله وجهه يقول «لع» اخاف على عيالي وما خاف على عيالات رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) و بنات الزهراء وما رق قلبه على بنات الوحي اذ هجم عليهن واخذ ما عليهن من اخمرة واسورة ثم سار بهن كما يسارسي الروم

و مخدرات من عقايل احمد *** هجمت عليها الخيل في ابياتها

المجلس الخامس شقاوة عمر بن سعد «لع»

عن كامل ابن الاثير ان ابن زياد قال لعمر بن سعد بعد عوده من كربلا من قتل الحسين [علیه السلام] ياعمر ائتني بالكتاب الذي كتبته اليك في قتل الحسين «علیه السلام» قال عضيت لامرك وضاع الكتاب قال لتجيثني به قال ضاع قال لتجيثني به قال تركته والله يقرأ على عجائز قريش بالمدينة اعتذاراً اليهن اما والله لقد نصحتك في الحسين «علیه السلام» نصيحة لو نصحتها ابي سعد بن ابي وقاص لكنت قد أديت حقه فقال عثمان بن زياد اخو ابن زباد صدق والله لوددت انه ليس من بني زياد رجل إلا وفى انفه خزامة الى يوم القيامة وان الحسين لم يقتل فما انكر ذلك عبيد الله بن زياد ثم قام عمر بن سعد من عند ابن زياد بريد منزله وهو يقول في طريقه ما رجع احد مثل ما رجعت اطاعت الفاسق ابن زياد الظالم ابن الفاجر وعصيت الحاكم العدل وقطعت القرابة الشريفة قال حميد بن مسلم كان عمر بن سعد لي صديقاً فاتيته عند منصرفه من قتال الحسين [علیه السلام]

ص: 305

فسألته عن حاله فقال لا تسأل عن حالي فانه ما رجع غائب الى منزله بشر مما رجعت به قطعت القرابة القريبة وارتكبت الامر العظيم وله قرابة مع الحسين «علیه السلام» لان ابا وقاص وهو مالك بن أهيب بن عبد مناف وعبد مناف جد النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» ولذا قال الحسين [علیه السلام] قطع الله رحمك كما قطعت رحمي في [القمقام] لما هلك يزيد - لع - وعزل ابنه معاوية نفسه عن الخلافة كان ابن زياد بالبصرة فكتب الى اهل الكوفة ان يبايعوه فلم يرضوا به وعزم جماعة على تأمير عمر بن سعد - لع - فبلغ الخبر الى همدان وربيعة وكهلان و نخع فخرجت نساؤهم صارخات باكيات ناديات على الحسين واجتمعن في جامع الكوفة وهن يقلن اما كفى عمر بن سعد قتله ابن امير المؤمنين وابن الزهراء يريد ان يتأسر علينا فارتدعت الجماعة والحاصل ان الناس مجروه وتركوه وكان كلما مر على ملأ من الناس أعرضوا عنه وكلما دخل المسجد خرج الناس منه وكل من رآه قد سبه ويقولون هذا قاتل الحسين فلزم بيته الى ان قتل سود الله وجهه في تأليف بعض معاصرينا من كتاب التسلي عن الصادق (علیه السلام) قال لا تذهب الايام حتى يمسخ عدونا مسخاً ظاهراً حتى ان الرجل منهم لمسخ قرداً او خنزيراً ومن ورائهم عذاب غليظ ومن ورائهم جهنم وساءت مصيرا قال (علیه السلام) والله لقد اتى بعمر بن سعد بعد ما قتل وانه الى صورة قردة في عنقه سلسلة يعرف اهل الدار وهم لا يعرفونه ضاعف الله في عذابه اشترى رضى المخلوق بسخط الخالق طلباً للامارة وحباً للرياسة واختار لنفسه خزي الدنيا ونكال الآخرة ولقد غلبت عليه الشقاوة بحيث ان الحسين (علیه السلام) دعاه وطلب منه جرعة من الماء فما رق قلبه ولم يرض بان يسقيه وذلك حين بقي وحيداً فريداً دعاه وقال له ياعمر اخيرك في ثلاث خصال وسيأتي في محله ثم اعلم ان في نسب سعد بن ابي وقاص كلاماً وان كان ينسب الى ابي وقاص ولكن قبل ان رجلا من بني عذرة كان خادماً لامه فزنا بها قارلدها سعداً ويؤيده قول معاوية له حين قال له سعد

ص: 306

ابن ابي وقاص انا احق منك بالخلافة فضرط معاوية ضرطة وقال بأبي ذلك عليك بنو عذرة يعني لست انت بابن ابي وقاص انت من تلك العشيرة وهم لا يليقون الخلافة ولست انت من قريش والى هذا اشار الحميري بقوله:

قدما تداعوا زنيما ثم سادهم *** لولا خمول بني سعد لما سادوا

لو كان طيب المولد وزكي النسب لما اولد كلبا زنديقاً فاسقاً يكون اول من يتولى قتل الحسين وهو عمر بن سعد (لع) والحال انه استشار قومه ومن بثق به من اصدقائه ولم يشر احد بذلك روى الطبري عن عمار بن عبيد الله قال دخلت على عمر بن سعد وقد امر بالمسير الى الحسين (علیه السلام) فقال لي ان الامير امرني بالمسير الى الحسين (علیه السلام) فابيت ذلك عليه فقلت له اصاب الله بك رشدك اجل فلا تفعل ولا تسر قال فخرجت من عنده فاناني آت وقال هذا عمر بن سعد يندب الناس الى الحسين (ع) قال فاتيته فاذا هو جالس فلما رآني اعرض عن بوجهه فعرفت انه قد عزم على المسير اليه فخرجت من عنده انتهى دخلوا عليه المهاجرون والانصار وقالوا له تخرج الى حرب الحسين وابوك سادس الاسلام فقال است افعل وجعل يفكر حتى قبل ورضي بذلك وخرج في اربعة آلاف أو ستة آلاف و نزل بكر بلا في جيش عظيم لامر جسيم وضيق على الحسين (علیه السلام) بجميع ما يمكنه حتى نال منه العطش ومن اهل بيته في (البحار) جاء بریر بن خضير الهمداني الى الحسين (علیه السلام) فقال يا ابن رسول الله اتأذن لي ان آتي هذا الفاسق عمر بن سعد فاكلمه في امر الماء واعظه لعله يرجع عن غيه فقال الحسين (علیه السلام) افعل ما احببت فاقبل حتى دخل على عمر بن سعد فجلس معه ولم يسلم عليه فغضب عمر ابن سعد فقال له يا اخا همدان ما الذي منعك من السلام علي الست مسلماً اعرف الله ورسوله فقال له بربر لو كنت مسلماً ما خرجت على عترة نبيك محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) تريد قتلهم وسبيهم و بعد فهذا ماء الفرات يلوح بصفائه يشرب منه كلاب السواد

ص: 307

وخنازيرها وهذا الحسين بن فاطمة ونساؤه وعياله واطفاله يموتون عطشاً قد حلت بينهم وبين ماء الفرات ان يشربوا منه وتزعم انك تعرف الله ورسوله فاطرق عمر برأسه الى الارض ثم قال يابرير لا علم علماً يقينا ان كل من قاتلهم وغصب حقهم مخلد في النار لا محالة ولكن يا برير اتشير علي ان اترك ولاية الري فتصير لغيري والله ما اجد نفسي تجيبني الى ذلك ابداً فرجع برير الى الحسين (علیه السلام) فقال له ان عمر بن سعد قد رضي ان يقتلك بولاية الري فقال الحسين (علیه السلام) لا يأكل من برها إلا قليلا ويذبح على فراشه ولم يزل اللعين يمنعهم من الماء حتى عشية العاشر أمر لهم بالماء وذلك على ما في الايقاد للسيد المرحوم الشاه عبد العظيمي نقلا عن مقتل ابن العربي ان زينب (علیها السلام) ذهبت في جمع العيال والاطفال فلما جمعتهم ونظرت اليهم اذا بطفلين من الحسين (علیه السلام) قد فقدا وسيأتي في محله

اذا ما سقى الله البلاد فلا سقى *** معاهد كوفان بنوء المرازم

انت كتبهم في طيهن كتائب *** وما وقمت إلا بسم الاراقم

ولما نزل عمر بن سعد (لع) نينوى بعث الى الحسين (علیه السلام) عروة بن قيس الاحمسي فقال له ائته فاسأله ما الذي جاء بك وما الذي تريد وكان عروة بن قيس ممن كتب الى الحسين «علیه السلام» فاستحيا منه ان يأتيه فمرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه وكلهم ابي ذلك وكرهه فقام اليه كثير بن عبدالله الشعبي وكان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء فقال انا اذهب اليه ووالله لان شئت لافتكن به فقال عمر «لع» ما اريد ان تفتك به ولكن ائته فاسأله ما الذي جاء بك فاقبل كثير اليه فلما رآه ابو ثمامة الصائدى قال أصلحك الله يا ابا عبد الله قد جاءك شر خلق الله والجرأه على دم وافتكه وقام اليه وقال له ضع سيفك قال لا ولا كرامة انما انا رسول فان سمسم مني ابلغتكم ما ارسات به اليكم وان اينم انصرف عنكم قال فاني آخذ بقائم سيفك ثم

ص: 308

تكلم بحاجتك قال لا والله لا تمسه فقال له اخبرني ما جئت به وانا ابلغه عنك ولا ادعك تدنو منه فانك فاجر فابي فتسابا وانصرف الى عمر بن سعد (علیه السلام) واخبره فدعى عمر قرة بن قيس الخنظلي فقال له ويحك ياقرة الق حسينا فاسأله ما جاء به وماذا يريد فاتاه قرة فلما رآه الحسين (علیه السلام) مقبلا قال العرفون هذا فقال حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة بن تميم وهو ابن اختنا وقد كنت اعرفه بحسن الرأى وما كنت اراه يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين (علیه السلام) وابلغه رسالة عمر بن سعد فقال له الحسين «علیه السلام» كتب الى اهل مصركم هذا ان اقدم واما اذا كرهتموني فاني انصرف عنكم ثم قال له حبيب بن مظاهر ويحك باقرة ابن ترجع الى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذى به ايدك الله بالكرامة فقال له قرة ارجع الى صاحبنا بجواب رسالته فاری رأبي قال فانصرف الى عمر بن سعد فاخبره الخبر فقال عمر ارجو ان يعافيني الله من حربه وقتاله وقال ابو مخنف لما رجع كثير أنفذ عمر بن سعد [علیه السلام] برجل من خزيمة وقال له ارض الى الحسين [علیه السلام] وقل له ما الذي اتي بك الينا واقدمك علينا فاقبل حتى وقف بازاء الامام «علیه السلام» فنادى انا رسول فقال الحسين «علیه السلام» اتعرفونه فقالوا هذا رجل فيه الخير إلا انه شهد هذا المشهد وهذا الموضع الفظيع فقال [علیه السلام] اسألوه ما يريد فقال اريد الدخول على الحسين [علیه السلام] فقال له زهير الق سلاحك وادخل فقال وكرامة ثم التى سلاحه ودخل على الحسين [علیه السلام] فقبل يديه ورجليه وقال له يا مولاى ما الذى جاء بك الينا واقدمك علينا فقال [علیه السلام] كتبكم فقال الذين كاتبوك فهم اليوم من خواص ابن زياد فقال «علیه السلام» ارجع الى صاحبك واخبره بذلك فقال يا مولاي من الذى يختار النار على الجنة فوالله ما افارقك حتى التى حمامي بين يديك فقال له الحسين [علیه السلام] واصلك الله كما واصلتنا بنفسك ثم اقام عند الحسين «علیه السلام» حتى قتل انتهى كتب عمر بن سعد «لع» الى عبيد الله بن زياد

ص: 309

بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فاني حيث نراث بالحسين «علیه السلام» بعثت اليه برسولي فسألته عما اقدمه وماذا يطلب فقال كتب الى اهل هذه البلاد واتتني رسلهم يسألوني القدوم ففعلت فاما اذا كرهتموني وبدا لهم غير ما انتني به رسلهم فانا منصرف عنهم قال حسان بن قايد العبسي كنت عند عبيد الله حين اتاه هذا الكتاب فلما قرأه قال الآن اذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص حشى الله قبره ناراً كيف النجاة من كان خروجه لاجل الشهادة وانما قال ذلك اتماما للحجة وإلا ما خرج من المدينة ولا من مكة ولا سار الى العراق ولا نزل بكر بلا إلا لاجل الشهادة ولان يقتل بها على ما عاهد عليه كما قالت الحوراء زينب (علیها السلام) لما قال عبيد الله (لع) كيف رأيت صنع الله باخيك والعصاة المردة من اهل بيتك قالت ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم قد كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك و ينهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن الفلج يا ابن مرجانة فغضب اللعين وكأنه هم بها الخ.

المجلس السادس

افديه من خائف ضاق الفضاء به *** وهو الامان لمن فوق البرى جمعاً

مشرداً لا يرى حرزاً يلوذ به *** إلا حساماً كلون الملح قد نصما

مستقتلا ان يحمل الضيم ساحته *** و مسرعا نحو داعي العز حين دعا

كتب ابن زياداً (لع) الى عمر بن سعد اما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فاعرض على الحسين ان يبايع ليزيد هو واصحابه فاذا هو فعل رأينا رأينا والسلام فلما ورد الكتاب على عمر بن سعد قال قد خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية فلم يعرض ابن سعد على الحسين (علیه السلام) ما ارسل به ابن زیاد لانه علم ان الحسين (علیه السلام) لا يبايع بزيد ابداً ثم ان ابن زياد جمع الناس في جامع الكوفة ثم خرج

ص: 310

فصعد المنبر ثم قال ايها الناس انكم بلوتم آل ابي سفيان فوجدتموهم كما تحبون وهذا امير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسناً الى الرعية يعطي العطاء في حقه قد امنت السبل على عهده وكذلك كان ابوه معاوية في عصره وهذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد ويغتيهم بالاموال ويكرمهم وقد زادكم فى ارزافكم مأة مأة واسرني ان اوفرها عليكم واخرجكم الى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له واطيعوا ثم نزل عن المنبر ووفر الناس العطاء وامرهم ان يخرجوا الى حرب الحسين (علیه السلام) و يكونوا عوناً لا بن سعد على حربه فلا يزال يرسل بالمساكر حتى اجتمعت عند عمر بن سعد الى ست ليال خلون من المحرم عشرون الف فارس فاول من خرج على ما في بعض الكتب بعد ابن سعد من الكوفة شمر بن ذي الجوشن في اربعة آلاف وعلى ما هو المشهور نزل اللعين يوم التاسع وقيل انه اقبل ثم رجع الى الكوفة ثم نزل يوم التاسع والعلم عند الله ثم عروة بن قيس في اربعة آلاف ثم سنان بن انس في اربعة آلاف ثم حصين بن نمير في اربعة آلاف ثم يزيد بن ركاب الكلي في الفين ثم فلان المازني في ثلاثة آلاف ثم خولى الاصبحي في ثلاثة آلاف وقد وقع الاختلاف بين اهل التواريخ في تعداد العساكر في الناسخ قال ابن جوزي كانت العساكر ستة آلاف وقال السيد في (اللهوف) والاعثم الكوفي والمجلسي عن محمد بن ابي طالب عشرين الفا وقال اليافعي فى كتاب مرآة الجنان ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤل اثنين وعشرين الفا و قال ابن شهر اشوب جهز ابن زیاد (لع) خمسا وثلاثين الفا وفي شرح الشافية خمسين الفا وقال ابو مخنف ثمانين الفا كلهم من اهل الكوفة ليس فيهم شاي ولا حجازي ولا بصري وقالوا واكثروا الى مأة الف وماني الف وثمان مأة الف قال صاحب الناسخ والمحتار عندي احدى وخمسون الفا او ثلاث وخمسون الفا انتهى كلام الناسخ قيل لو ان احداً صمد على ربوة من الارض وكلما نظر مد بصره رأى

ص: 311

الخيل والرجال والسيوف والرماح ولقد شبهت العساكر في كثرتها بالسيل المقبل والليل المظلم والجراد المنتشر والرمال المنتشر ووكوف القطر كما قال الحسين عليه السلام في رجزه

وابن سعد قد رماني عنوة *** بجنود كوكوف الهاطلين

لا لشيء كان مني قبل ذا *** غير فخري بضياء الفرقدين

لم يخافوا الله في سفك دمي *** لعبيد الله نسل الكافرين

وقال الدمستاني:

فاظلتهم جنود كالجراد المنتشر *** مع شمر وابن سعد كل كذاب اشر

فاصعالي الجمعان نار الحرب في يوم عسر *** واستدارت في رحى الهيجاء انصار الحسين

ولقد ضاقت اقطار ارض كربلا من كثرة الخيل والرجال وافاق السماء من كثرة الرايات تتبع بعضها بعضا وقيل أنه من اليوم الثالث الى اليوم السادس كان سوق الحدادين بالكوفة قائماً على ساق لهم وهج ورهج ووجبة وجلبة فكل من تلقاه اما يشتري سيفاً اور محما او سهما او سنانا ويحددها عند الحداد وينقعها بالسم لاراقة دم ريحانة الرسول ومهجة فؤاد البتول وكانت السهام كلها مسمومة وبعضها له شعبة واحدة وبعضها له شعبتان و بعضها ذو ثلاث شعب سرد الله وجهك يا حرملة اما كان يكفي الرضيع ذو شعبة واحدة حتى رميته بسهم ذي ثلاث شعب فذبحه من الوريد الى الوريد والسهم الذي وقع على قلب الحسين (علیه السلام) له ثلاث شعب ومزق احشاءه و خرق قلبه الشريف وخرج من قفاه الخ ثم ان ابن زياد لقد اجهد في قتل الحسين (علیه السلام) وبذل غاية جهده امد وسعيه ولما فرق الاموال بين اهل الكوفة وبعثهم الى حرب الحسين (علیه السلام) كالسيل من الخيل والرجال أمر المنادي ان ينادي بالكوفة الا برئت الذمة ممن وجد في الكوفة لم يخرج لحرب الحسين وقيل له ان الناس يكرهون قتال الحسين (علیه السلام) فيرجعون عن حر به سراً و ينهزمون قال ان ظفرتم باحد منهم ائتوني به فرأى رجل غريب من اهل

ص: 312

الشام قد رجع من الحرب فاحضر عند ابن زياد فسأله فقال اني رجل غريب من اهل الشام جئت لدين لي في ذمة رجل من اهل العراق فقال ابن زياد اقتلوه ففي قتله تأديب لمن لم يخرج بعد فقتل ثم ارسل الى شبث بن ربعي ان اقبل الينا فانا نريد ان نتوجه بك الى حرب الحسين (علیه السلام) فتمارض شبث بن ربعي واراد ان يعفيه ابن زياد فارسل اليه اما بعد فان رسولي اخبرني بتمارضك واخاف ان تكون من الذين اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن ان كنت في طاعتنا فاقبل الينا مسرعاً فاقبل اليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر في وجهه فلايرى عليه اثر العلة فلما دخل رحب به وقرب مجلسه وقال احب ان تشخص الى قتال هذا الرجل عوناً لا بن سعد عليه فقال افعل ايها الامير فارسله في الف فارس وفي خبر اربعة آلاف ياللعجب بين ان يتمارض لكي لا يحضر قتل الحسين (علیه السلام) وبين ان حضر وصنع ما صنع ورجع الى الكوفة وبنى مسجداً فرحا لقتل الحسين (علیه السلام) قال الباقر جددت اربع مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين (علیه السلام) مسجد الاشعث ومسجد جرير بن عبد الله البجلي ومسجد شبث بن ربعي ومسجد مماك قال علي (علیه السلام) ان بالكوفة مساجد مباركة ومساجد ملعونة وهذه الملعونة واما المباركة فمعلوم والحاصل وكتب الى ابن سعد اني لم اجعل لك عذراً في كثرة الخيل والرجال فانظار لا اصبح ولا امسي إلا و خبرك عندي بكرة وعشية روى الطبري ان شمر بن ذي الجوشن قال لابن زياد والله لقد بلغني ان حسينا وعمر بن سعد بجا ان بين المسكرين فيتحدثان عامة الليل فكتب اما بعد يا بن سعد قد بلغني انك تخرج في كل ليلة وتبسط بساطاً وتدعو الحسين وتتحدثه حتى يمضي من الليل شطره فاذا قرأت كتابي فأمره ان ينزل على حكمي فان اطع وإلا امنعه من شرب الماء في (القمقام) ان ابن زياد كان مغتاظاً على عمر بن سعد من امهاله الحسين (علیه السلام) وعدم مناجزته في القتال فبعت جويرية بن بدر التميمي

ص: 313

الى الطف وكان من الامراء قال له اذا وجدت ابن سعد متوانياً في القتال فاخبرني حتى اؤمر غيره قال الطبري قال الحصين حدثني سعد بن عبيدة قال انا لمستنقعون في الماء مع عمر بن سعد (لع) في يوم شديد الحر اذ اناه رجل فساره وقال له قد بعث اليك ابن زياد جويرية من بدر التميمي وامره ان لم تقاتل القوم ان يضرب عنقك قال فوتب عمر بن سعد الى فرسه فركيه ثم دعا سلاحه فلبسه وانه على فرسه ونهض بالناس فال الصدوق (رحمه الله) واقبل عبيد الله بن زياد بمسكره حتى عسكر بالنخيلة يترصد الاخبار (افول) كأن العين ما رحل عنها حتى عشية العاشر من المحرم حين بلغه الخبر بان الحسين (علیه السلام) قد قتل وسبي اهله فرجع الى الكوفة مسروراً جعل يهز اعطافه فرحا بقتل الحسين (علیه السلام) حتى جيء برأس الحسين (علیه السلام) فوضع بين يديه وجعل اللعين ينظر اليه وبتبسم و يقول الخ.

المجلس السابع فى عطشهم

هي كربلاء فقف على عرصاتها *** ودع الجنون تسح في عبراتها

صلها باي قرى تعاجات الاولى *** نزلوا ضيوفاً عند قفر فلاتها

ما بالها لم تروهم من مائها *** حتى تروت من دمار قباتها

بابي وغير ابي اميراً ظاميا *** منعته حرب من ورود فراتها

حتى قضى عطشاً قتيل اراذل *** تستحقر الشفتان ذم صفاتها

في (البحار) عن داود الرقي قال كنت عند ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) اذا استسقى الماء فلما شر به رأيته قد استعبر واغر و رقت عيناه بالدموع فقال ياداود لمن الله قاتل الحسين (علیه السلام) فما من عبد شرب الماء وذكر الحسين (علیه السلام) ولمن قاتله إلا وكتب الله له مائة الف حسنة وحط عنه ماءة الف سيئة ورفع له ماذالف درجة وكأنهما اعتق ماءة الف نسمة وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد وحق على كل مسلم ان

ص: 314

يذكر الحسين (علیه السلام) اذا شرب الماء ولا سيما نحن معاشر الشيعة لانه قال (علیه السلام)

شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني *** او سمعتم بغريب او شهيد فاندبوني

وكذا الامن على قاتليه وما نعيه من الماء في الناسخ منع الحسين (علیه السلام) عن في يوم الثلاثاء السابع من المحرم ورد كتاب ابن زياد (لع) الى عمر بن سعد (لع) اما بعد فحل بين الحسين واصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمأة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين واصحابه وبين الماء ومنعوهم ان يستقوا منه قطرة ونادى عبد الله بن الحصين الازدي باعلى صوته ياحسين الا تنظر الي الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً فقال الحسين (علیه السلام) اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له ابداً قال حميد بن مسلم والله لعدته بعد ذلك في مرضه فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويصيح العطش يفعل ذلك مراراً ويتلظى عطشاً ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما يروى فما زال ذلك دأبه حتى هلك وفي رواية تبر المذاب نادى عمرو بن الحجاج ياحسين هذا الماء يلغ فيه الكلاب وخنازير السواد والذئاب وما تذوق منه والله قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم وفي رواية (نفس المهموم) لما نزلوا على الشريعة صاح ذرعة بن ابان بن دارم فرحا حولوا بينه وبين الماء ثم رمى الحسين (علیه السلام) بسهم فاثبته في حنكه فقال (علیه السلام) اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له ابداً وكان (علیه السلام) قد اتى بشربة فحال الدم بينه وبين الشرب فاخرج السهم وجعل يتلقى الدم فيرمي به الى السماء.

ويل الفرات اباد الله غامره *** ورد وارده بالرغم ظمأنا

لم يطف حر غليل السبط بارده *** حتى قضى في سبيل الله عطشانا

فعز ان تتلظي بينهم عطشا *** والماء يصدر عنه الوحش ريانا

ص: 315

فلما اضر العطش بالحسين (علیه السلام) واصحابه اخذ فاسا واقبل الى وراء خيمة النساء تخطا في الارض تسع عشر خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب فشرب الحسين (علیه السلام) واصحابه وملأوا استقيتهم باجمعها ثم غارت العين فلم ير لها اثر فبلغ ذلك عبيد الله (لع) كتب الى ابن سعد بلغني ان الحسين (علیه السلام) يحفر الابار ويصيب الماء فاذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الابار ما استطعت وضيق عليهم ولا تدعهم يذوقوا الماء وافعل هم كما فعلوا بالزكي عثمان (اقول) ولا يخفى انه ما كان حفر البتر كما اعتقد ابن مرجانة وغيره من المخالفين بل هو اعجاز منه (علیه السلام) كما انه ايضا سقى اصحابه مرة اخرى قال الشيخ يوسف البحراني في الكشكول لما منع الحسين (علیه السلام) واصحابه من الماء نادى فيهم من كان ظمأن فليجي، فاتاه رجل بعد رجل من اصحابه وهو يجعل ابهامه في راحة احدهم فلم بزل يشرب الرجل بعد الرجل حتى ارتووا فقال بعضهم لبعض والله لقد شربت شرا با ما شر به احد في دار الدنيا بابى وامي من كان ابهامه مجرى لجميع المياه وهو يتلظى عطشا

عذيري من ظلم تلظى وعنده *** من البارد السلسال اصفى رحيقه

نعم لما علم ان رضاء الله في ذلك وهو ان يقتل عطشانا بقي يجود بنفسه وجراحاته تشخب دما وهو يطلب منهم جرعة من الماء في كتاب الاتحاف للشبراوي الشافعي منعوه من الماء في يوم شديد الحر وصاروا يتراؤن اليه الماء بكيزان من البلور مملوة ماء بارداً فيقول (علیه السلام) اقسم عليكم بجدي إلا ما سقيتموني شربة ابرد بها كبدى فلم يجيبوه قال المرحوم شيخنا التستري في الخصائص ولقد أثر العطش في أربعة عضو اعضائه الشريفة الكبد والشفة واللسان والعين الشفة ذابلة من الاوام والكبد مفتت من من حر الظماء والسان مجروح من كثرة اللوك في الفم والعين من شدة العطش مظلمة في (البحار) وهو باخر رمق من الحياة بلوك بلسانه من العطش و يطلب الماء فجاء شمر

ص: 316

ابن ذي الجوشن (لع) فرفسه برجله وقال يا ابن ابي تراب الست تزعم ان اباك على حوض النبي يسقي من احبه فاصبر حتى تأخذ الماء من يده ويناسب في هذا المقام ان اذكر ابياتا من قصيدة المرحوم السيد حيدر رحمه الله

لا صبر يا آل فهر فابن فاطمة *** يمسي و وكان امان الناس منزعجا

مقلقلا ضاقت الارض الفضاء به *** حتى على لفح نيران الظما درجا

لقد قضى بفؤاد حر غلته *** لو قلب الصخر يوما فوقه نضجا

الله اکبر آل الله مشربهم *** بين الورى بذعاف الموت قد مزجا

مروعون وهم امن المروع غداً *** وسع الفضاء عليهم ضيقاً حرجا

قد ضرج السيف منهم كل ذي نسك *** بغير ذكر اله العرش ما لهجا

فغودرت في الثرى صرعى حسومهم *** وفي نفوسهم لله قد قد عرجا

في شرح الفاضل العلامة الجليل السيد نعمة الله الجزائري على تهذيب شيخ الطائفة ابي جعفر الطوسي طاب ثراهما في باب زيارة الحسين (علیه السلام) ما هذه عبارته وما نقل من انهم سدوا الماء عليه حتى اضطر الى حفر الآبار فالظاهر انه عبارة عن منعهم له و لعسكره عن المشرعة وإلا فالفرات يبعد سدها في تلك الايام القليلة او سد النهر المسمى بالعلقمي الذى كان يجري من الفرات وبما قلناه وقع التصريح ايضا في كثير من الكتب التي صنفت في بيان تلك الواقعة كما روي ان علي بن الحسين (علیه السلام) لما رجع من الشام مع حريمه مر بكر بلا فوجد ماء ذلك النهر جاريا فقال له منعت مالك عن ابي عبد الله (علیه السلام) وتجري فغار مائه وعميت معالمه الى يومنا هذا ولا يجري مائه حتى بظهر المهدي ويخرج الحسين (علیه السلام) لينتقم من قاتله وممن اسس الظلم على ابيه قال المرحوم الحاج شيخ جعفر (قدس سره) اعلم ان للحسين (علیه السلام) في الماء حقوقاً اربعة (الاول) حقه في الماء من حيث الاشتراك مع جميع الناس فان الناس كلهم شركاء في الماء ولذا جاز

ص: 317

الشرب من الانهار المملوكة وان لم يأذن صاحبها (والثاني) حقه في الماء من حيث الاشتراك مع جميع ذوات الارواح فان لكل ذات روح في الماء حقاً ولذا يلزم التيمم للصلاة مع خوف الهلاك على الحيوانات المملوكة من المعاش والثالث من حيث ثبوب حق السقي لهم على اهل الكوفة فانه قد سقاهم ثلاث مرات مرة في الكوفة في زمان لي (علیه السلام) وتارة في صفين واخرى في القادسية حين الملاقات مع . الحر بن يزيد الرياحي (و لراع) له حق في الفرات بخصوصه فانه نحلة الله لفاطمة (علیها السلام) ومهر الزهراء ولم يراعوا لعنهم الله هذه الحقوق ومنعوه منه ومن أصحابه وعياله واطفاله وذلك بثلاثة ايام قبل قتله كتب عبيد الله بن زياد (لع) كتابا اضرم النار فى قلوب معشر المحبين حشى الله قبره ناراً كتب يا ابن سعد أني قد حلات الماء على الكلاب والخنازير وحرمته على الحسين واصحابه فلما وصل الكتاب عقد راية في اربعة آلاف وامر عليهم شبث بن ربعي وامره ان ينزل على المشرعة وضيقوا على الحسين واصحابه فلما اشتد العطش بالحسبن واهل بيته دعا باخيه العباس فضم اليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلا وبعث معه عشرين قربة فاقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات فقال عمرو بن الحجاج من انتم فقال رجل من اصحاب الحسين (علیهم السلام) يقال له هلال بن نافع البجلي وقد قرر في محله نافع بن هلال الجملي انا ابن عم لك جئت لا شرب من هذا الماء فقال عمرو اشرب هنيت فقال هلال ويحك كيف تأمرني ان اشرب و الحسين بن علي (علیه السلام) ومن ومعه يموتون عطشاً فقال عمر و صدقت ولكن أمرنا بامر لا بد ان ننتهي اليه فصاح هلال باصحابه فدخلوا الفرات وصاح عمرو بالناس واقتتلوا فتالا شديداً فكان قوم يقاتلون وقوم يملؤن العرب حتى ملؤها ولم يقتل من اصحاب الحدين احد ثم جع القوم إلى معسكر هم فشرب الحسين (علیه السلام) و من كان معه ولذلك سمي العباس سقاً وصار لقباً له ويفتخر بهذا اللقب وقال في رجزه ابي انا العباس اغدوا بالسقا ولكن

ص: 318

اسفي على هذا السقاء حيث قضى نحبه وهو عطشان ولنعم ما قال القائل في رثائه

حقيق بالبكاء عليه حزنا *** ابو الفضل الذي واسا اخاه

و جاد له على ظمأ بماه *** وكان رضا اخيه مبتغاه

بابي وامي تمكن من شرب الماء ولم يشرب مواساة منه لاخيه الحسين (علیه السلام) اعترف غرفة من الماء بيده الى آخر ما سيأتي.

المجلس الثامن ايضا فى عطش اهل البيت «علیهم السلام»

بنفسي شفاها ذابلات من الظمأ *** ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة

بنفسي عيونا غايرات سواهراً *** الى الماء منها نظرة بعد نظرة

في بعض كتب المقاتل منها اسرار الشهادة للدر بندي (رحمه الله) روى عن سكينة بنت الحسين (علیها السلام) قالت عز ماؤنا ليلة التاسع من المحرم فجفت الاواني وببست الشفاه حتى صرنا نتوقع الجرعة من الماء فلم تجدها فقلت في نفسي امضي الى عمتي زينب لعلها ادخرت لنا شيئا من الماء فمضيت الى خيمتها فرأيتها جالسة وفي حجرها اخي عبد الله الرضيع وهو يلوك بلسانه من شدة العطش وهي تارة تقوم وتارة تقعد فخنقتني المبرة فلزمت السكوت خوفا من ان تفيق بي عمتي فيزداد حزنها فعند ذلك التفتت عمتي وقالت سكينة قلت لبيك قالت ما يبكيك قلت حال اخي الرضيع ابكاني ثم قلت عمتاه قومي لنمضي الى خيم عمومتي وبني عمومتي لعلهم ادخروا شيئا من الماء قالت ما اظن ذلك فمضينا واخترقنا الخيم باجمعها فلم نجد عندهم شيئا من الماء فرجعت عمتي الى خيمتها فتبعتها من نحو عشر بن صبيا وصبية وهم يطلبون منها الماء وينادون العطش المعاش فكثر الضجيج منهم فيمر عليهم برير بن خضير الهمداني ومعه ثلاثة نفر من اصحابه فسمع الضجة فقال ما هذا البكاء فقيل له يا برير هؤلاء الطفال الحسين يبكون

ص: 319

من شدة العطش والظمأ فالتفت برير الى اصحابه وقال لهم اصحابي بمتن بنات رسول الله عطشا وفي ايدينا قوائم اسيافنا اذاً تكلتنا امهاتنا فوالله لا يكون ذلك ابداً فقال له رجل من اصحابه الرأي ان يأخذ كل واحد منا فتاة من هذه الفتيات ونهجم بهن على الماء ونسقيهم الماء فقال بربر انك تعلم ان الحرسة مصرين على قتالنا فاذا هجمنا بهم على الماء فربما اصاب احداً منهم سهم او رمح فنكون نحن السبب لذلك ولكن الرأي ان نأخذ القربة وتملأها فاذا قاتلونا قاتلناهم فاذا قتلنا صرنا فداء للحسين (علیه السلام) ولبنات رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقالوا له هذا هو الرأي ثم اخذوا القربة ومضوا الى الفرات فهجموا على الماء فنادى احد من القوم من انتم فقال برير انا برير وهؤلاء اصحابي اتينا لنشرب الماء فقال لهم اشربوا الماء هنيئاً مريئاً ولكن بشرط ان لا يحمل احمد منكم قطرة من الماء للحسين فقال لهم برير وبلكم نشرب الماء هنيئاً والحسين وبنات رسول الله يموتون عطشاً لا كان ذلك ابداً ثم التفت الى اصحابه وقال يا اصحابي لا يشرب احد . الماء اذكروا ما ورائكم فقال له رجل من اصحابه والله ما نذوق الماء حتى تبل اكباد صبية صغار من بنات رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم ان بربراً ملأ القربة وخرج من المشرعة هو واصحابه فاحتوشه القوم من كل جانب ومكان فحمل عليهم البرير واصحابه وجعلوا يدافعونهم وكثر الازدحام عليهم فقال برير لاصحابه ان الرأي ان يأخذ احد منا القربة ويذهب بها ونحن نقاتل فحملها رجل من القوم وسار بها يريد الخيام اذ اتاه سهم فوقع في حبل القربة وخاطها في عنقه فسال الدم على صدره فمد يده واخرج السهم من عنقه والدم بجري وهو يقول الحمد لله الذي جعل رقبتي فداء للقربة وفداء لاطفال الحسين (علیهم السلام) فوقف برير يقاتل وينادي يا آل ابي سفيان اتقوا الله ولا تثيروا الفتنة ودعوا سيوف همدان في اغمادها فسمعه الحسين (علیه السلام) وقال معاشر الكرام كأني اسمع صوت بربر يعظ القوم و ينتدب بال همدان فحمل من اصحاب

ص: 320

الحسين (علیه السلام) اثنا عشر رجلا وكشفوا القوم عن برير ورجعوا جميعا الى الخيام وجاؤا بالقربة ووضعوها بين اطناب الخيم ونادوا يابنات رسول الله دونكم الماء فاقبلن يهرعن اليها فاجتمعن يدرن حولي القربة فمنهم من يضع خده على القربة من شدة العطش ومنهم من رمى بنفسه عليها فاذا انحل الوكاء واريق مائها ولم يبق منها قطرة واحدة ولم تذق واحدة منهن شيئا فصحن باجمعهن واويلاه واثبوراه وخرجن من الخيمة وصحن يا بربر اريق الماء فلما سمع برير جعل يلطم على رأسه ويقول والهفتاه على اكباد بنات رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

بنفسي نساء السبط يبكين حوله *** ظمايا حيارى حاصرات وثكلا

عطاشا على شاطيء الفرات فمالهم *** سبيل الى قرب المياه ورود

نعم ينظر الاطفال والعيال إلى الماء ويرون أهل الكوفة يشربون ومع دوابهم وخيولهم يتمرغون في الماء وهم يتحسرون ويتأوهون لاجل قطرة منها ويجلسون حلقا حلقا وذكرهم العطش والماء وابو الأئمة الحسين (علیه السلام) يقف امامهم ويعظهم ويطلب منهم جرعة من الماء ويخبرهم بحال اطفاله وعياله وانهم قد اشرفوا على الهلاك وهم لا يجيبونه. نظم

بابي الامام المستظام بكربلا *** يدعو وليس لما يقول مجيب

بابي الوحيد وماله من راحم *** يشكو الظما والماء منه قريب

بابي الحبيب الى النبي محمد *** ومحمد عند الاله حبیب

ياكربلاء افيك يقتل جهرة *** سبط المطهر ان ذا لعجيب

ما انت إلا كربة وبلية *** كل الانام بهولها مكروب

قال المرحوم الحاج شیخ جعفر (قدس سره) ولان الحسين (علیه السلام) منع من الفرات اعطاء الله من المياه أربعة أنواع (الأولى) ماء الدموع جعلها الله له فانه

ص: 321

صریع الدمعة وقتيل العبرة ولذا ورد في الخبر كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين (علیه السلام) (والثانية) ماء الحيوان وهي في الجنان مخصوص بالحسين (علیه السلام) يمزج بماء دموع شيعته ان الله ليأمر ملائكته المقربين أن يتلقوا الدموع المصبوبة لقتل الحسين (علیه السلام) فيدفعونها الى الخزان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فتزيد فى عذوبتها وطيبها الف ضعفها (والثالثة) كل ماء بارد یشر به احبته فان للحسين -ع- فيه حق الذكر لانه قال

شيعتي مهما شربتم عذب ماء فاذكروني *** او سمعتم بغريب او شهيد قاندبوني

وقال الصادق (علیه السلام) اني ما شربت ماء بارداً إلا وذكرت الحسين «علیه السلام» [الرابعة] الكوثر جمله الله له ولعطشه ولعطش شهدائه ارواهم عنه في الطف حين وقوعهم على الارض [اقول] بل وشربوا منه قبل وقوعهم وسقوطهم بل وقبل برازهم كما في الناسخ عن الرضا «علیه السلام» قال هبط على الحسين «علیه السلام» ملك وقد شكي اليه اصحابه العطش فقال أن الله يقرئك السلام ويقول لك هل من حاجة فقال الحسين [علیه السلام] ان الله هو السلام ومنه السلام وقد شکي اصحابي ما هو اعلم به مني من العطش فاوحى الله تعالى الى الملك قل للحسين «علیه السلام» خط لهم باصبعك خلف ظهرك فخط الحسين «علیه السلام» باصبعه السبابة فجرى نهر ابيض من اللبن واحلى من العسل فشرب منه واصحابه فقال الملك يا ابن رسول الله اتأذن لي ان اشرب فانه لكم خاصة وهو الرحيق المختوم الذي ختامه مسك فقال الحسين (علیه السلام) ان كنت تشتهي ان تشرب منه فدونك وايضاً روى السيد هاشم البحراني (قدس سره) في مدينة المعاجز ونقله صاحب الناسخ انه سئل علي بن موسى الرضا (علیه السلام) ان الحسين «علیه السلام» قتل عطشاناً قال مه من اين ذلك وقد بعث الله اربعة املاك من عظماء الملائكة اليه وهبطوا اليه وقالوا له الله ورسوله يقرآن عليك السلام ويقولان اختر ان تسأل ما تختار الدنيا باسره او مافيها

ص: 322

فنمكنك من كل عدو لك أو الرفع الينا فقال الحسين (علیه السلام) وعلى رسول الله السلام بل الرفع اليه ودفعوا اليه شربة من ماء فشر بها فقالوا اما انك لا تظمأ بعدها ابداً وايضاً في الدمعة والمعدن وفي كتاب اليد والمنبر للسبزواري عن مفتاح البكاء البرغاني مؤلف المعدن ان الحسين (علیه السلام) في كربلا لما ابتلى بالعطش جاء رجل من السياحين ومعه أناء من الخشب وقد ملأ من الماء الى الحسين (علیه السلام) واعطاه اياه فاخذه من يده وصب الماء على الارض وقال ايها السياح انا لا نفقد الماء انظر فلما نظر السياح رأى انهاراً جارية فملأ الحسين [علیه السلام] اناء السياح بالحصى واعطاه اياه فاذا الحصى انقلبت الى الجواهر الفريدة ولا يخفى ان هذه الاخبار لا تنافي من ان الحسين «علیه السلام» واصحابه كانوا عطاشاً ظماء او اضر العطش بهم حتى اسودت الدنيا باعينهم لانهم كانوا كذلك ولكن لما قربت اجالهم ومناياهم واشرفوا على الشهادة وظهر صبرهم ووفائهم واقدامهم على ما عاهدوا عليه الله في عالم الذر وقيامهم بالعهود والمواثيق التي او كدوها وعلم الله ذلك منهم فجزاهم احسن الجزاء واجزل لهم العطاء وسقاهم ربهم شرابا طهوراً وابدلهم بالدنيا جنة وسروراً فياطوبى لهم ثم يا طوبى لهم وإلا فمن البديهيات الأولية التي لا ينكرها احد بانهم عطشوا عطشا شديداً حتى كادت ان تخرج ارواحهم من ابدانهم واخبر الله تعالى لموسى «علیه السلام» صغيرهم يميته العطاش وكبيرهم جلده منكمش وقال جبرئيل لادم «علیه السلام» في عطش الامام يا آدم ولدك هذا يقتل عطشانا غريبا وحيداً فريداً بلا ناصر ولا معين ولو تراه يا آدم وهو يقول واعطشاه واقلة ناصراه حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان فلم يجبه احد إلا بالسيوف وشرب الحتوف فيذبح ذبح الشاة من القفا وينهب رحله اعداؤه ويشهر رأسه ورؤس اصحابه في البلدان ومعهم النسوان كذلك سبق في علم المنان [اقول] تذكرت في هذا المقام لهذا التخميس فاحببت ایراده

ص: 323

يا من اذا ذكرت لديه كربلا *** لعلم الخدود ودمعه قد اهملا

مهما تمر على القرات فقل ألا *** بعداً لشطك يافرات فمر لا

تحلو فانك لا هني ولا مري

ایذاد نسل الطاهرين ابا وجد *** عن ورد ماء قد ابيح لمن ورد

لو كنت ياماء الفرات من الشهد *** ايسوغ لي منك الورود وعنك قد

صدر الامام سليل ساقي الكوثر

البيتان لعبد الباقي والتخميس لبعض الادباء ذكر ان عبدالنا في الافندي العمري الفارو قي سار من بغداد الى الكوفة وكان راكبا في سفينة على الفرات في ليلة مقمرة مع جماعة من اقرانه نظر الى ماء الفرات يلمع والحيتان فيه تلمع فانشأ بيتين:

بعداً لشطك يافرات فمر لا *** تحلو فانك لا هني ولا مري

ايسوغ لي منك الورودوعنك قد *** صدر الامام سليل ساقي الكوثر

هذا خطاب عبد الباقي الى الفرات وللفرات انهار عديدة ولقد خاطب امامنا السجاد «علیه السلام» احد انهار الفرات وهو النهر العلقمي بخطاب خجل النهر وغاب من ساعته وذلك كما في الكبريت الاحمر لشيخنا الاجل المتبحر الحاج شيخ محمد باقر القانيني عن الصادق (علیه السلام) هو ان علي بن الحسين (علیه السلام) لما رجع من الشام مع حريمه من كربلا فوجد ماء ذلك النهر جاريا فقال له منعت مالك عن ابي عبد الله وتجري فطار ماؤه وعميت معالمه الى يومنا هذا ولا يجري ماؤه حتى يظهر المهدي (علیه السلام) ويخرج الحسين «علیه السلام» لينتقم من قاتله وممن اسس الظلم على ابيه وفيه لخبر آخر وهو ان نهر العلقمي كان جاريا الى الكوفة وبه كانت معمورة وقد اخرب ذلك المهر الوزير السعيد مؤيد الدين ابو طالب محمد بن علي بن محمد العلقمي وهو وزير المعتصم العباسي وهو الذي كتب ابن ابي الحديد النهج باسمه والحاصل اخر به لانه بلغه ان الصادق (علیه السلام)

ص: 324

قال مخاطبا لذلك النهر منعوا جدي عنك وبعدك تجري فامر الوزير بخرابه فاخرب وفي بعض الكتب كان خراب ذلك سببا لخراب الكوفة ولعمري يعز علينا معشر الشيعة بان نراه جاريا وقد بلغنا ان سيدنا الحسين (علیه السلام) قضى نحبه بجنب الفرات وهو يتلظى عطشا ويطلب جرعة منه فلا يعطاه

ايقتل ظمانا حسين بكربلا *** وفي كل عضو من انامله بحر

ووالده الساقي على الحوض في غد *** وفاطمة ماء البحار لها مهر

قال في الاسرار اشتد به العطش کادت روحه ان تطلع من شدة العطش حمل على القوم فقلب اولهم على آخر هم فانكشفوا من بين يديه يدق بعضهم بعضاً قال اسحق بن حويه كنت موكلا مع اربعة آلاف على الشريعة فلما حمل [علیه السلام] علينا انهزمنا من بين يدي الحسين [علیه السلام] فدخل الماء وكنت انظر اليه من بعيد فرأيته عرض الماء اولا على الفرس ذكرت علي بن ابي طالب ونزول الآية في شأنه ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة فقلت في نفسي لعمري هو ابن امير المؤمنين فمد يده واخذ غرفة من الماء فرماه حصين بن غير بسهم في حنكه فنزع السهم وتلقى الدم بكفيه ورمى به الى السماء وقال لا ارواك الله ثم قال رب اليك اشكو من قوم اراقوا دمي ومنعوني شرب الماء ثم اراد ان يشرب ثانيا ويملأ ركوة معه نادى لعنه الله وحق بيعة يزيد لو شرب الحسين من الماء لا فناكم عن آخر كم قال اسحق قلت لابد ان نحتال معه بحيلة حتى لا يشرب ناديت يا حسين تتلذذ بشرب الماء وقد هتك حريمك ونادى خولى بن يزيد ياحسين الحق الخيم فقد احرقت بالنار وانت حي فنفض الماء من يده ورجع الى الخيم فوجدها سالمة فعلم انها مكيدة قال اسحق فصفقنا بايدينا وضحكنا فتبادرت النساء والاطفال وظنوا ان الحسين «علیه السلام» جاءهم بالماء فلما رأينه مخضباً بالدم صحن واطمن الخدود وكانت له طفلة صغيرة قالت له قبل ان

ص: 325

يمضي الى الماء والى المشرعة ياابة العطش قال لها اصبري حتى انيك بالماء فلما رجع قالت الطفلة ياابة لعلك اتيتني بالماء فيكى وانشأ يقول «شيعتى مهما شربتم عذب ماء فاذكروني» الخ ثم طلب خرقة وادخلها في جرح حنكه وودع العيال ثانيا ومضى الى القوم وكلما اراد ان يدخل الماء منعوه وحالوا بينه وبين الفرات.

المجلس التاسع فيماجرى بينه وبين عمر بن سعد

طمعت ان تسومه القوم ضيما *** وابى الله والحسام الصنيع

كيف يلوى على الدنية جيداً *** لسوى الله ما لواه الخضوع

ولديه جاش ارد من الدموع *** لظمى القنا وهن شروع

وبه يرجع الحفاظ لصدر *** ضاقت الارض وهي فيه تضيع

فابى ان يعيش إلا عزيزاً *** او تجلى الكفاح وهو صريع

قال الطبرى انه بعث الحسين «علیه السلام» الى عمر بن سعد (لع) عمرو بن قرظة الانصارى ان القنى الليلة بين عسكرى وعسكرك قال فخرج عمر بن سعد [لع] في نحو من عشرين فارسا واقبل الحسين [علیه السلام] في مثل ذلك فلما التقوا امر الحسين (علیه السلام) اصحابه ان يتنحوا عنه وامر ابن سعد اصحابه بمثل ذلك قال فانكشفا عنهما بحيث لا يسمع اصواتهما ولا كلامهما فتكلما فاطالا حتى ذهب من الليل هزيع «أى طائفة» ثم انصرف كل واحد منهما الى عسكره باصحابه وتحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه ان حسينا قال لعمر بن سعد اخرج معي الى يزيد بن معوية وندع العسكرين في المعدن عن التبر المذاب كان عمر بن سعد بكره قتال الحسين (علیه السلام) فبعث اليه يطلب الاجتماع فلما اجتمعا قال له عمر ما الذي جاء بك يا ابا عبد الله فقال (علیه السلام) كتب اليّ اهل مصركم هذا ان اقدم فقدمت فالآن اذا كرهتموني فانا انصرف عنكم فقال يا اباعبدالله

ص: 326

اما عرفت ما فعوا بكم فقال (علیه السلام) من خادعنا في الله انخدعنا له فقال عمر قد وقعت الآن كما ترى فماذا ترى فقال دعوني اذهب الى المدينة او مكة او اذهب الى بعض الثغور اقيم به كبعض اهلها فقال عمر اكتب الى ابن زياد بذلك انشاء الله ثم افترقا وأما ما ذكره شيخنا المفيد (رحمه الله) فهو ان الحسين (علیه السلام) انفذ الى عمر بن سعد (لع) اني اريد ان القاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر بن سعد الى مكانه وكتب الى عبيد الله بن زياد اما بعد فان الله قد اطفأ النائرة وجمع الكلمة واصلح امر الامسة هذا حسين قد اعطاني عهداً ان يرجع الى المكان الذي منه اني او ان تسيروه الى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم او ان يأتي امير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى رأيه فيما بينه وبينه وفي هذا لك رضاً والامة فيه صلاح وفي رواية ابي الفرج فوجه اليه رسولا يعلمه ذلك ويقول لو سألك هذا بعض الديلم ولم تقبل ظلمته فمن المعلوم ان ما كتبه عمر بن سعد فمن عنده طلباً للاصلاح والا لم يتفوه الحسين بان يأتي يزيد ويضع يده في يده كما روى الطبري وغيره عن عقبة بن سمعان انه قال صحبت حسيناً فخرجت معه من المدينة الى مكة ومن مكة الى العراق ولم افارقه حتى قتل (علیه السلام) وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في العسكر الى يوم مقتله إلا وقد سمعتها لا والله ما اعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من ان يضع يده في يد يزيد بن معاوية ولا ان يسيروه الى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني فلا ذهب في هذه الارض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس ولما وصل كتاب عمر بن سعد (لع) الى عبيد الله بن زياد (لع) وقرأه قال هذا كتاب ناصح مشفق على قومه فقام اليه شمر بن ذي الجوشن فقال اتقبل هذا منه وقد نزل بارضك والى جنبك والله لان رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن اولى بالفوة ولتكونن اولى بالضعف فلا تعطه هذه المنزلة فانها من

ص: 327

الوهن ولكن لينزل على حكمك هو واصحابه فان عاقبت فانت اولى بالعقوبة وان عفوت كان ذلك لك فقال له ابن زياد (لع) نعم ما رأيت الرأي رأيك اخرج بهذا الكتاب الى ابن سعد فليعرض على الحسين (علیه السلام) واصحابه النزول على حکمی فان فعلوا فليبعث بهم اليّ سلماً وان هم ابو فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له واطع وان ابي ان يقاتلهم فانت امير الجيش فاضرب عنقه وابعث الي برأسه فاخذ شمر الكتاب وخرج من الكوفة وقال الصدوق (رحمه الله) فوجه اليه شمر بن ذي الجوش في اربعة آلاف فارس وكتب الى عمر بن سعد اذا اتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه وحل بين الماء وبينه كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار وفعل اللعين ذلك لانه ما امهل الحسين (علیه السلام) واخذ بكظمه وضيق عليه الامر واحاطوا به حتى جعلوه في مثل الحلقة واصبح بينهم كالاسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً كما قال القاسم في رجزه هذا حسين كالاسير المرتهن سألهم ان يتركوه حتى يرجع الى المدينة ما فعلوا سألهم الرواح إلى بلاد الله العريضة فلم يرضوا سألهم التوجه الى الروم او الهند ويخلى لهم الحجاز والعراق فلم يرضوا منه إلا بان ينزل على حكم يزيد وابن مرجانة او يقتلوه عطشاً ولذا قال (علیه السلام) لا بنته سكينة لما قالت ابناه ردنا الى حرم جدنا رسول الله قال (علیه السلام) هيهات لو ترك القطا لغفا ونام الخ

ابت الحمية ان يفارق اهلها *** وابي العزيز بان يعيش ذليلا

كتب ابن زياد الى عمر بن سعد يا ابن سعد اني لم ابعثك الى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لنكونن له عندي شفيعاً انظر فان نزل الحسين واصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم الي سلماً وان ابوا فازحف اليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فانهم لذلك مستحقون يا ابن سعد فان قتلت حسيناً فاوطىء الخيل صدره وظهره فانه عاق شاق عات ظلوم ولست ارى ان هذا يضره بعد الموت

ص: 328

شيئاً ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به فان انت مضيت لامرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع وان ابيت فاعتزل علمنا وجندنا وخل بين شمر ذي الجوشن و بين المسكر فانا قد امرناه بامرنا والسلام وفي رواية ابي الفرج فوجه اليه ابن زياد طمعت يا ابن سعد في الراحة وركنت الى دعة ناجز الرجل وقاتله ولا ترض منه إلا ان ينزل على حكمي فاقبل شمر بكتاب عبيد الله الى عمر بن سعد فلما قدم عليه وقرأه قال له لا اهلا ولا سهلا يا ابرص مالك ويلك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي والله اني لاظنك انك نهيته ان يقبل ما كتبت به اليه وافسدت علينا امراً قد كنارجونا ان يصلح والله لقد ثنيته عما كان في عزمه واذعرته ولكنك شيطان فعلت ما فعلت لا يستسلم والله حسين ان نفس ابيه لبين جنبيه فقال له شمر اخبرني ما انت صانع تمضي لامر أميرك وتقاتل عدوه وإلا فخل بيني و بين الجند والعسكر فقال لا ولا كرامة لك ولكني انا اتولى ذلك فدونك فكن انت على الرجالة وفى (القمقام) ارسل عمر بن سعد بالكتاب الى الحسين فقال الحسين لا والله لا وضعت يدى في يد ابن مرجانة وفى (نفس المهموم) عن الدينوري فقال الحسين (علیه السلام) للرسول لا اجيب ابن زياد الى ذلك ابداً فهل هو إلا الموت فمرحباً به (نظم)

بابي ابي الضيم لا يعطى العدى *** حذر المنية منه فضل قياد

بابي فريداً اسلمته يد الردى *** في دار غربته لجمع اعادي

قال ابن ابي الحديد سيد اهل الاباء الذي علم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف اختياراً له على الدنية ابو عبد الله الحسين بن علي بن ابي طالب عرض عليه الامان واصحابه فانف من الذل ثم ذكر ابن ابي الحديد قوله (علیه السلام) في خطبته ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين الخ وامثال هذه العبارة قد وردت في كلماته كثيراً ومن ذلك قوله (علیه السلام) لا والله لا اعطي بيدي اعطاء الذليل ولا اقر لكم

ص: 329

اقرار العبيد ومنها قوله (علیه السلام) والله لا اجيبهم الى شيء مما بدعوننني اليه حتى القى الله وانا مخضب بدمي و في ارجوزته قال عليه السلام

الموت خير من ركوب العار *** والعار اولى من دخول النار

ولقد ذكرت في هذا المقام ابيات السيد الجليل السيد حيدر الحلي رحمه الله

لقد مات لكن ميتة هاشمية *** لهم عرفت تحت الفنا المتقصد

كريم ابي شم الدنية انفه *** فاشیمه شوك الوشيج المسدد

وقال قفي يانفس وقفة وارد *** حياض الردى لا وقفة المتردد

رأى ان ظهر الذل اخشن مركباً *** من الموت حيث الموت منه بمرصد

فاثر ان يسعى على جمرة الوغى *** برجل ولا يعطى المقادة عن ید

قضى ابن علي والحفاظ كلاهما *** فلست ترى ما عشت نهضة سيد

ولا هاشمياً هاشماً انف واتر *** لدى يوم روع بالحسام المهند

لقد وضعت اوزارها حرب هاشم *** وقالت قيام القائم الطهر موعدي

ابا صالح سمعاً وانت بمسمع *** عتاب مثير لا عتاب مفند

فداؤك روحي ليس الصبر موضع *** فتغضى ولا من مسكت للتجلد

ماذا يهيجك ان صبرت لوقعة الطف الفظيعة الخ

الفصل الثامن

اشارة

في وقايع يوم التاسع وليلة العاشر من المحرم ويشتمل هذا الفصل على اربعة مجالس

المجلس الاول في وقايع يوم التاسع

لست انسى الحسين اذا حدقت فيه *** جنود تقودها امراها

اقبلت نحو حربه مثل مجرى *** السيل عن بعضها يغص فضاها

ص: 330

قال الصادق (علیه السلام) تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين (علیه السلام) واصحابه رضى الله عنهم بكر بلا واجتمع عليه خيل اهل الشام واناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين (علیه السلام) واصحابه وايقنوا انه لا يأتي الحسين ناصر ولا يمده اهل العراق ثم بكى (علیه السلام) وقال بابي المستضعف الغريب نعم في هذا اليوم اجتمعت عدتهم وكثر جمعهم وتوافرت كثرتهم ونزل شمر بن ذي الجوشن على ما روى الصدوق في اربعة آلاف ومعه كتاب من عبيد الله (لع) في (القمقام) قال سعد بن عبيدة كنا في حر شديد في ذلك اليوم وقد دخلنا الماء مع عمر بن سعد (لع) فجاء اليه رجل واسر اليه ان ابن زياد بعث الشمر اليك ليرى ان كنت متوقفاً في القتال يضرب عنقك فتعجل اللعين الى حرب الحسين فركب من ساعته و نادى في اهل الكوفة ونادى ياخيل الله اركبي وبالجنة ابشري فركب ثم رجف نحوهم بعد العصر واقتربوا نحو خيم الحسين (علیه السلام) والحسين جالس امام بيته محتبياً بسيفه اذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت اخته زينب الصيحة فدنت من اخيها فقالت يا اخي اما تسمع هذه الاصوات قد اقتربت فرفع الحسين (علیه السلام) رأسه فقال اخية اني رأيت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الساعة في المنام فقال لي انك تروح الينا وفي (اللهوف) اني رأيت الساعة جدي محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم) وابي علياً وامي فاطمة واخي الحسن وهم يقولون ياحسين انك رائح الينا عن قريب وفي بعض الروايات غداً فلطمت اخته وجهها وصاحت واويلاه وبكت فقال لها الحسين (علیه السلام) ليس لك الويل يااخية لا تشمتي القوم بنا اسكتي رحمك الله فقال له العباس بن علي (علیه السلام) يا اخي قد اتاك القوم قال فنهض ثم قال يا عباس اركب انت بنفسي يا اخي حتى تلقاهم وتقول لهم مالكم وما بدا وتسألهم عما جاء بهم فاتاهم العباس في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فقال لهم العباس ما بدا لكم وما تريدون قالوا قد جاء امر الامير

ص: 331

ان نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه او نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى ارجع الي ابي عبد الله (علیه السلام) فاعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا وقالوا القه واعلمه ثم القنا بما يقول لك فانصرف العباس راجعاً يركض الى الحسين (علیه السلام) يخبره الخبر ووقف اصحابه يخاطبون القوم فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين كلم القوم ان شئت و ان شئت كلمتهم فقال له زهير انت بدأت بهذا فكن انت تكلمهم فقال لهم حبيب بن مظاهر اما والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه وعترته واهل بيته وعباد اهل هذا المصر المتهجدين بالاسحار الذاكر بن الله كثيراً فقال له عروة بن قيس انك لتزكي نفسك ما استطعت فقال له زهير ياعروة ان الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عروة فاني لك من الناصحين انشدك الله ياعروة ان تكون ممن يمين الضلال على قتل النفوس الزكية قال يازهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت انما كنت عثمانياً قال افلست تستدل بموقفى هذا أني منهم اما والله ما كتبت اليه كتابا قط ولكن الطريق جمع بيني و بينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت ان انصره وان اكون في حزبه وان اجعل نفسي دون نفسه حفظاً لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله بيض الله وجهك يازهير لقد حفظت ما ضيعوا واديت ووفيت فجزاك الله وشكر الله مساعيك سود الله وجوه قوم لم يحفظوا ولم يراعوا الله ولا رسوله في عترة نبيهم

وكأنني يوم الحساب باحمد *** بالرسل يقدم حاسراً عن معصم

فيقول ویلكم هتكتم عترتي *** وتركتم الاسياف تقطر من دمي

تدرون اي دم ارقتم في الثرى *** ام اي حسرى سقتم في المغنم

امن العدالة صونكم فتيانكم *** وعقابلي تسبون سبي الدبلم

هذا جزائي منكم فلطالما *** ضيعتموا عهدي ببنت وابنم

ص: 332

فبالله هذا جزاء رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في بنته وابنائه بان عصر وا ابنته ما بين الحائط والباب حتى كسروا ضلعها وفي كربلاء داسوا الحسين (علیه السلام) بحوافر خيولهم حتى كسروا اضلاعه

وبكسر ذاك الضلع رضت اضلع *** في طيها سر الاله مصون

وقف عمر بن سعد (لع) ونادى ياقوم من ينتدب للحسين (علیه السلام) فيوطيء الخيل صدره وظهره الى آخر المصيبة.

ثم نعود الى تتمة المطلب الذي شرعنا فيه بتقديم مقدمة نظم يناسب هذا المقام

سمة العبيد من الخشوع عليهم *** لله ان ضمتهم الاسحار

واذا ترجلت الضحى شهدت لهم *** بيض القواضب انهم احرار

واذا اختبى بهم الظلام رأيت في *** المحراب سجع نوائح الاسحار

لا يستبين كلامهم فكأنهم قد *** خولطوا من خشية الجبار

تخفي عبارة ذكرهم عبراتهم *** عنهم فاست تری سوی استغفار

قیل لعلي بن الحسين (علیه السلام) ما اقل ولد ابيك قال العجب كيف ولدت له وكان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة فمتى يتفرغ للنساء وكان (علیه السلام) في العبودية والتواضع لله كما وصفه الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) بقوله كان للقرآن سنداً وللامة عضداً وفي الطاعة مجتهدا حافظاً للعهد والميثاق ناكباً عن سبل الفساق بإذلا للمجهود طويل الركوع والسجود زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ناظرا اليها بعين المستوحشين منها صواما بالنهار قواماً بالليل الخ ويخاف من ربه غاية الخوف حتى قيل له (علیه السلام) ما اعظم خوفك من ربك قال (علیه السلام) لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا ويحيى اكثر لياليه وآخر ليلة احياها ليلة العاشر من المحرم لانه لما زحف القوم اليه عشية التاسع من المحرم واقبل العباس بن علي (علیه السلام) الى الحسين (علیه السلام) فاخبره بما قاله القوم فقال (علیه السلام) ارجع اليهم

ص: 333

فان استطعت تؤخرهم الى غد وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم اني قد كنت احب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار فمضى العباس الى القوم وسألهم ذلك فتوقف عمر بن سعد وفي (المنتخب) قال عمر بن سعد للشمر ما تقول فقال اما انا فلو كنت الامير لم انظره فقال عمرو بن الحجاج الزيدي ویلكم والله لو انهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لا جبناهم فكيف وهم آل محمد (علیهم السلام) فقال له قيس بن الاشعت لا تجبهم الى ما سألوك فلعمري ليصبحنك بالقتال غدرة فقال والله لو اعلم ان يفعلوا ما أخرتهم العشية فرجع العباس من عندهم ومعه رسول من عمر بن سعد فقام حيث يسمع الصوت فقال انا قد اجلناكم الى غد فان استسلمتم سرحنا بكم الى ابن زياد وان ابيتم فلسنا بتاركيكم فانصرف وفي (امالي الصدوق) امر ابن سعد مناديه ينادي انا قد اجلنا حسيناً واصحابه يومهم وليلتهم فشق ذلك على الحسين واصحابه فدعا باصحابه و امرهم ان يقرب بعضهم بيوتهم من بعض وان يدخلوا الاطاب بعضها فى بعض وان يكونوا بين البيوت فيستقبلوا القوم بوجه واحد ومن جهة واحدة والبيوت من ورائهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم عنه عدوهم وامرهم بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق وامر فخشيت حطباً وارسل علياً ابنه فى ثلاثين فارساً وعشرين راجلا ليستقوا الماء وهم على رجل شديد ثم قال لاصحابه قوموا واشربوا من هذا الماء يكن آخر زادكم وتوضؤا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون اكفانكم ومما يستظهر من هذا الخبر انه (علیه السلام) فعل جميع ذلك توضأ واغتسل وغسل اثوابه لتكون أكفانه ولكن ما ابقوا عليه ثيابا لما قتلوه اقبلوا على سلبه الخ وسيأني في محله.

المجلس الثاني في وقايع ليلة عاشوراء

في المجلد العشرين من البحار عن علي (علیه السلام) ان استطعت ان تحافظ على ليلة

ص: 334

الفطر وليلة النحر واول ليلة من المحرم وليلة عاشوراء واول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان فافعل واكثر فيهن من الدعاء والصلاة وتلاوة القرآن وكان سيدنا الحسين (علیه السلام) هذا شأنه خصوصاً في ليلة العاشر من المحرم الذي كان يعلم هي آخر ليلة من عمره في كتاب (دستور المذكرين) عن النبي (صلی الله علیه وۀه وسلم) من احيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله عبادة جميع الملائكة واجر العامل فيها يعدل سبعين سنة وقال (قدس سره) في (الخصائص) من زار الحسين (علیه السلام) ليلة عاشوراء وبات عنده حتى الصباح لقى الله ملطخاً بدمه و كان كمن قتل معه (وفيه) من سقى الماء ليلة عاشوراء عند قبره كان كمن سقى عسكر الحسين (علیه السلام) قال ابن طاوس في (الاقبال) اعلم ان هذه الليلة احياها مولانا الحسين (علیه السلام) واصحابه بالصلاة والدعوات وقد احاط بهم زنادقة الاسلام ليستبيحوا منهم النفوس المعظمات وينتهكوا منهم الحرمات ويسبوا نسائهم المصونات فينبغي لمن ادرك هذه الليلة ان يكون مواسياً لبقايا أهل اية التطهير فيما كانوا عليه في الخبر ان الحسين (علیه السلام) في تلك الليلة قام الليل كله يصلي ويستغفر ويدعو ويتضرع وقام اصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون فباتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد وكذلك كانت سجيته في كثرة صلاته وكمال صفاته قال السيد فعبر عليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلا ويحتمل ان يكون في العبارة فقط وهي هذه ولحقوا واتصلوا بالحسين وقتلوا معه اوهذه واستهزؤا بالحسين (علیه السلام) وانصرفوا كما رواه الطبري عن ابي مخنف عن الضحاك ابن عبدالله المشرقي قال فلما أمسى الحسين (علیه السلام) وأصحابه قاموا الليل كله يصلون و يستغفرون ويدعون ويتضرعون قال فمر بنا خيل لهم تحرسنا وان حسيناً (علیه السلام) ليقرأ ولا يحسبن الذين كفروا وانما نملي لهم خير لا نفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب

ص: 335

فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم فقال له بریر بن خضير يا فاسق انت يجعلك الله في الطيبين فوالله انا لنحن الطيبون ولكنكم لا نتم الخبيثون الخ وفي كتاب (عقد الفريد) بعد ان ذكر قول الحسين (علیه السلام) لعمر بن سعد اختر مني احدى ثلاث خصال قال وكان مع عمر بن سعد ثلاثون رجلا من اهل الكوفة فقالوا يعرض عليكم ابن بنت رسول الله ثلاث خصال فلا تقبلون منها شيئاً فتحولوا مع الحسين (علیه السلام) فقاتلوا فقتلوا وقال في (ابصار العين) فجعل يتسلل الى الحسين (علیه السلام) من اصحاب عمر بن سعد في ظلام الليل الواحد والاثنان حتى بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ممن هداهم الله الى السعادة ووفقهم للشهادة ولما كان وقت السحر خفق الحسين (علیه السلام) برأسه خفقة ثم استيقظ فقال اتعلمون ما رأيت في منامي الساعة فقالوا وما الذي رأيت يا ابن رسول الله فقال (علیه السلام) رأيت كان كلابا قد شدت علي لتنهشني وفيها كلب ابقع رأيته اشدها علي واظن ان الذي يتولى قتلي من بين هؤلاء القوم رجل ابرص ثم اني رأيت بعد ذلك جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومعه جماعة من اصحابه وهو يقول لي يابني انت شهيد آل محمد وقد استبشر بك اهل السموات واهل الصفيح الأعلى فليكن افطارك عندي الليلة عجل ولا تؤخر نعم كان (علیه السلام) صائماً حتى أفطر من يد جده «ص» يقول المرحوم السيد حيدر [ره]

ما حال صائمة الجوانح افطرت بدم *** وهل يروي الدماء ظمائها

ثم قال رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] ولدي فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء فهذا ما رأيت وقد انف الامر واقترب الرحيل من هذه الدنيا لا شك في ذلك [اقول] ولم يزل الملك يترقب وينتظر ان يأخذ ذلك الدم الطيب في القارورة حين بقي الحسين «علیه السلام» مكبوبا على الارض ملطخاً بدمه ثلاث ساعات من النهار الخ وسيأتي في محله فجمع الحسين [علیه السلام] اصحابه عند قرب المساء قال علي بن

ص: 336

الحسين زين العابدين (علیه السلام) فدنوت منه لا سمع ما يقول لهم وانا اذ ذاك مريض فسمعت ابي يقول لاصحابه اثنى على الله احسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم اني احمدك على ان اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا اسماعاً وابصاراً و افئدة فاجعلنا من الشاكرين اما بعد فاني لا اعلم اصحابا اوفي ولا خيراً من اصحابي ولا اهل بيث ابر ولا اوصل ولا افضل من اهل بيتي فجزاكم الله جميعاً عني خيراً فلقد بررتم وعاونتم الا واني لا اظن يوماً لنا من هؤلاء الاعداء إلا غداً الا واني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل من بيعتي ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيتكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء فانهم لا يريدون غيري فقال له اخوته وابناؤه وابناء عبد الله بن جعفر ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا ارانا الله ذلك ابداً بدأهم بذلك القول العباس بن علي (علیه السلام) ثم تابعوه ثم نظر الى بني عقيل فقال حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا فقد اذنت لكم فعند ذلك تكلم اخوته وجميع اهل بيته وقالوا يا ابن رسول الله فما يقول الناس لنا وماذا نقول لهم نقول انا تركنا شيخنا وكبيرنا وابن بنت نبينا لم ترم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف لا والله يا ابن رسول الله لا نفارقك ابداً ولكن نقيك بانفسنا حتى نقتل بين يديك و نرد موردك فقبح الله العيش بعدك ثم قام مسلم بن عوسجة وقال نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد احاط بك هذا العدو لا والله لا يراني الله ابداً وانا افعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي واضار بهم بسبفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن لي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك او اموت معك وقام سعد بن عبد الله الجنفي فقال لا والله يا ابن رسول الله لا نخليك ابداً حتى يعلم الله انا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) ولو علمت اني اقتل فيك ثم احيي ثم اخرج حياً ثم اذرى

ص: 337

ويفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى التى حمامي دونك وكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم انال الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً ثم قام زهير بن القين وقال والله يا ابن رسول الله لوددت اني قتلت ثم نشرت الف مرة وان الله قد دفع القتل عنك و عن هؤلاء الفتية من اخوانك وولدك واهل بيتك وتكلم جماعة من اصحابه بنحو ذلك وقالوا انفسنا لك الفداء نقيك بايدينا ووجوهنا فاذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي قد اسر ابنك بثغر الري فقال عند الله احتسبه ونفسي ما كنت احب ان يوسر ابني وانا حي او انا ابقى بعده فسمع الحسين (علیه السلام) قوله فقال رحمك الله انت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال اكلتني السباع حياً ان فارقتك في (القمقام) عن مقاتل الطالبين فقال هيهات ان افارقك ثم اسأل الركبان عن خبرك لا يكون والله هذا ابداً قال ابنك هذه الاثواب والبرود يستعين بها في فداء اخيه فاعطاه خمسة اثواب قيمتها الف دينار سيدي فدتك شيعتك ايها الجواد الكريم ابن الكريم تعطى خمسة اثواب في فكاك اسير من شيعتك وقد أسروا اهلك وهيالك كاسارى الروم يقول الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وسبي اهلك كالعبيد الخ «اقول» بابي وامي عزيزاً هو سلطان الدنيا والاخرة وسلطان الحجاز وهذا لبسه اذ قيمة خمسة اثواب منه الف دينار وتكة سراويله قيمتها لا تحصى وآل الامر به ان قال يا اختاه ايتینى بثوب عتيق لا يرغب فيه احد.

المجلس الثالث

في كتاب ايقاد القلوب للسيد السند السيد المرحوم السيد محمد علي الشاه عبدالعظيمي روى عن كتاب نور العين قال قالت سكينة بنت الحسين (علیه السلام) كنت جالسة ذات ليلة مقمرة بوسط الخيمة واذا انا اسمع خلفها بكاء وعويلا فخشيت ان تفقه بي النساء

ص: 338

فخرجت ونفسي لم تحدثني بخير وانا اعثر باذيالي واذا بابي جا اس واصحابه حوله و هو يبكي فسمعت من كلامه يقول باقوم اعلموا انكم خرجتم معي اعلمكم اني اقدم على قوم بايعونى بالسنتهم وقلوبهم وقد انعكس الامر لانه استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر الله والآن ليس لهم قصد سوى قتلي وقتل من يجاهد بين يدي وسبي حريمى بعد سلبهم واخشى انكم ما تعلمون او تعلمون وتستحيون والخدع عندنا اهل البيت محرمة فمن كره منكم ذلك فلينصرف فان الليل ستير والسبيل غير خطير والوقت ليس بهجير ومن واسانا بنفسه كان معنا غداً فى الجنان نجيا من غضب الرحمن وقد قال جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ولدي الحسين (علیه السلام) يقتل بطف كربلا غريباً وحيداً عطشاناً فريداً فمن نصره فقد نصرني ونصر ولده الحجة (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ولو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة فوالله ما اتم كلامه إلا وتفرق القوم من نحو عشرة وعشرين فلم يلبث إلا نيف وسبعون رجلا فنظرت الى ابي منكاً رأسه فخنقتني العبرة فخشيت ان يسمعني ابي لكن رفعت بطرفي الى السماء فقلت الهي انهم خذلونا فاخذلهم ولا تجعل لهم دعاء مسموعاً ولا تجعل لهم سكناً في الارض وسلط عليهم الفقر ولا ترزقهم شفاعة جدنا يوم القيامة قالت فرجعت الى الفسطاط ودموعي تجري على خدي فرأتني عمتي ام كلثوم فقامت وهي طائرة العينين وقالت ما دهاك يابنتاه فاخبرتها الخبر فصاحت واجداه واعلياه واحسناه واحسيناه واقلة ناصراه اين الخلاص من الاعداء تركت جوار جدك وسلكت بنا بعد المدى فعلا منا الوجيب واكثرنا حولها النحيب فسمع ابى ذلك فاتي الينا يتعثر باذياله ودموعه تجري على خديه على ما ناله وقال ما هذا البكاء قالت عمتي يا اخي ردنا الى حرم جدنا رسول الله قال ليس لي الى ذلك من سبيل اما رأيت ممانعة الحر لنا بالامس قالت اجل ذكر هم محل جدك ومحل ابيك وامك واخيك قال ذكرتهم و وعظتهم فلم يتعظوا ولم يسمعوا قولي ولم يرعوا كلامي فما لهم غير قتلي من سبيل ولا بد

ص: 339

ان تروني على الارض جديلا ولكن اوصيكم بتقوى الله رب البرية والصبر على البلية وكظم نزول الرزية وبهذا وعد جدكم ولا خلف لوعده ودعتكم الهي الفرد الصمد الذى لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ثم انهم تباكوا ساعة طويلة والامام يقول وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون (اقول) ان الحسين (علیه السلام) اخبرهم بقوله (علیه السلام) لا بد ان تروني على الارض جديلا بالمصيبة لقد رأوا اعظم من ذلك وهي مصيبة نظروا واذا بالشمر جالس على صدره الشريف الى آخر المصيبة ومن وقائع ليلة عاشوراء كما في بعض الكتب عن فخر المخدرات زينب (علیها السلام) قالت لما كانت ليلة عاشوراء (اوليلة العاشر خ ل) من المحرم خرجت من خيمتي لا تفقد اخي الحسين (علیه السلام) وانصاره وقد افرد له خيمة فوجدته جالساً وحده يناجي ربه ويتلو القرآن فقلت في نفسي افي مثل هذه الليلة يترك اخي وحده والله لامضين الى اخوتي وبني عمومتي واعاتبهم بذلك فاتيت الى خيمة العباس فسمعت منها همهمة ودمدمة فوقفت على ظهرها فنظرت فيها فوجدت بني عمومتي واخوتي واولاد اخوتي مجتمعين كالحاقة وبينهم العباس بن امير المؤمنين (علیه السلام) وهو جاث على ركبتيه كالاسد على فريسته فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلا من الحسين (علیه السلام) مشتملة بالحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم قال في آخر خطبته يا اخوتي وبني اخوتي وبني عمومتي اذا كان الصباح فما تقولون فقالوا الامر اليك يرجع ونحن لا نتعدى لك قولك فقال العباس ان هؤلاء اعني الاصحاب قوم غرباء والحمل الثقيل لا يقوم إلا بأهله فاذا كان الصباح فاول من يبرز الى القتال انتم نحن نقدمهم الموت لئلا يقول الناس قدموا اصحابهم فلما قتلوا عالجوا الموت باسيافهم ساعة بعد ساعة فقامت بنو هاشم وسلوا سيوفهم في وجه اخي العباس وقالوا نحن على ما انت عليه قالت زينب (علیها السلام) فلما رأيت كثرة اجتماعهم وشدة عزمهم واظهار شيمتهم سكن قلبي وفرحت ولكن خنقتني العبرة فاردت ان ارجع الى اخي

ص: 340

الحسين (علیه السلام) واخبره بذلك فسمعت من خيمة حبيب بن مظاهر همهمة ودمدمة فمضيت اليها ووقفت بظهرها ونظرت فيها فوجدت الاصحاب على نحو بني هاشم مجتمعين كالحلقة وبينهم حبيب بن مظاهر وهو يقول يا اصحابي لم جئتم الى هذا المكان اوضحوا كلامكم رحمكم الله فقالوا اتينا لننصر غريب فاطمة فقال لهم لم طلقتم حلا ئلكم فقالوا لذلك قال حبيب فاذا كان في الصباح فما انتم قائلون فقالوا الرأي رأيك ولا نتعدى قولا لك قل فإذا صار الصباح فاول من يبرز الى القتال انتم نحن نقدمهم للقتال ولا نرى هاشمياً مضرجا بدمه وفينا عرق يضرب لئلا يقول الناس قدموا ساداتهم للقتال ومخلوا عليهم بانفسهم مهزوا سيوفهم على وجهه وقالوا نحن على ما انت عليه قالت زينب ففرحت من ثباتهم ولكن خنقتني العبرة فانصرفت عنهم وانا باکیة واذا باخي الحسين قد عارضني فسكنت نفسي و تبسمت في وجهه فقال اخية فقلت لبيك يا اخي فقال «ع» يا اختاه منذرحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة اخبر بني ما سبب تبسمك فقلت له يا اخي رأيت من فعل بني هاشم والاصحاب كذا وكذا فقال لي بااختاه اعلمي ان هؤلاء اصحابي من عالم الذر و بهم وعدني جدي رسول الله (علیه السلام) هل تحببن ان تنظري الى ثبات اقدامهم فقلت نعم فقال (علیه السلام) عليك بظهر الخيمة قالت زينب فوقفت على ظهر الخيمة فنادى اخي الحسين (علیه السلام) ابن اخواني وبنواعمامي فقامت بنو هاشم و تسابق منهم العباس وقال لبيك لبيك ما تقول فقال الحسين (علیه السلام) اريد ان اجدد لكم عهداً فانى اولاد الحسين واولاد الحسن واولاد علي واولاد جعفر واولاد عقيل فامرهم بالجلوس فجلسوا ثم نادى ابن حبيب بن مظاهر ابن زهیر این هلال ابن الاصحاب فاقبلوا وتسابق منهم حبيب بن مظاهر وقال لبيك يا ابا عبدالله فاتوا اليه وسيوفهم بايد بهم فاسرهم بالجلوس فجلسوا فخطب فيهم خطبة بليغة ثم قال يا اصحابي اعلموا ان هؤلاء القوم ليس لهم فصد سوى فتلي وقتل من هو معي وانا اخاف عليكم

ص: 341

من القتل فانتم في حل من بيتي ومن احب منكم الانصراف فلينصرف في سواد هذا الليل فعند ذلك قامت بنو هاشم وتكلموا بما تكلموا وقام الاصحاب واخذوا يتكلمون بمثل كلامهم فلما رأى الحسين (علیه السلام) حسن اقدامهم و ثبات اقدامهم قال (علیه السلام) ان كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم وانظروا الى منازلكم في الجنة فكشف لهم الغطاء ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم فيها والحور العين ينادين العجل العجل فانا مشتاقات اليكم فقاموا باجمعهم وسلوا سيوفهم وقالوا يا ابا عبدالله ائذن لنا ان تفسير على القوم ونقاتلهم حتى يفعل الله بنا وبهم ما يشاء فقال (علیه السلام) اجلسوا رحمكم الله وجزاكم الله خيراً ثم قال إلا ومن كان في رحله امرأة فلينصرف بها الى بني اسد فقام علي ابن مظاهر وقال ولماذا ياسيدي فقال (علیه السلام) ان نسائي تسبى بعد قتلي واخاف على نسائكم من السبي فمضى علي بن مظاهر الى خيمته فقامت زوجته اجلالا له فاستقبلته وتبسمت في وجه فقال لها دعيني والتبسم فقالت يا ابن مظاهر اني سمعت غريب فاطمة خطب فيكم وسمعت في آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول قال ياهذه ان الحسين (علیه السلام) قال لنا الا ومن كان في رحله امرأة فليذهب بها الى بني عمها لاني غداً اقتل و نسائي نسبى فقالت وما انت صانع قال قومي حتى الحقك ببني عمك بني اسد فقامت ونطحت رأسها في عمود الخيمة وقالت والله ما انصفني يا ابن مظاهر ايسرك ان تسبی بنات رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وانا آمنة من السي ايسرك ان تسلب زينب ازارها من رأسها وانا استتر بازاري ايسرك ان تذهب من بنات الزهراء افراطها وانا اتزين بقرطي ايسرك ان يبيض وجهك عند رسول الله ويسود وجهي عند فاطمة الزهراء والله انتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء فرجع علي بن مظاهر الى الحسين (علیه السلام) وهو يبكي فقال له الحسين (علیه السلام) ما يبكيك فقال سيدي ابت الاسدية إلا مواساتكم فبكى الحسين (علیه السلام) وقال جزيتم منا خيراً « قولها» ونحن نواسي النساء بل ومنهن من واست الرجال في القتل والقتال كما في حكاية زوجة وهب ووالدته وسيجيء في محله ان شاء الله تعالى.

ص: 342

المجلس الرابع

فى مدينة المعاجز مرسلا عن ابي حمزة الثمالي قال سمعت علي بن الحسين زين العابدين «علیه السلام» يقول لما كان اليوم الذي استشهد فيه الحسين «علیه السلام» جمع واصحابه في ليلة ذلك اليوم فقال لهم يا اهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جمالكم وانجوا بانفسكم فليس المطلوب غيري ولو قتلوني ما فكروا فيكم فنجوا رحمكم الله وانتم في حل وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني فقال اخوته واهله وانصاره بلسان واحد والله ياسيدنا يا اباعبدالله لا خذلناك ابداً والله لا قال الناس تركوا امامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتى قتل و نبلو بيننا وبين الله عذراً ولا نخليك أو نقتل دونك فقال لهم ياقوم اني غداً اقتل وتقتلون كلكم معي ولا يبقى منكم واحد فقالوا الحمد لله الذي اكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك اولا ترضى ان نكون معك في درجتك يا ابن رسول الله فقال جزاكم الله خيراً ودعا لهم بالخير فاصبح وقتل وقتلوا معه اجمعون فقال له القاسم ابن الحسن وانا فيمن يقتل فاشفق عليه فقال له يابني كيف الموت عندك قال ياعم فيك احلى من العسل فقال اي والله فداك عمك انك لاحد من يقتل من الرجال معي بعد ان تبلو ببلاء عظيم ويقتل ابني عبدالله فقال ياعم ويصلون الى النساء حتى يقتل عبد الله وهو رضيع فقال فداك عمك يقتل عبد الله اذا جفت روحي عطشاً وصرت الى خيمنا فطلبت ماء ولبناً فلا اجد قط فاقول ناولوني ابني لاشرب من فيه فيأتوني به فيضعونه على يدي فاحمله لادنيه من في فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يناغي فيفيض دمه في كفي فارفعه الى السماء فاقول اللهم صبراً را شابا فيك (اقول) في هذه العبارة تصحيف وتحريف ومن ذكر بهذه الكيفية فقد اشتبه كما لا يخفى على البصير وينبغي ان يقرأ هكذا يقتل ابني عبد الله اذا جفت روحه عطشاً وصرت الى خيمنا فطلبت له

ص: 343

ماء ولبناً فلا اجد قط فاقول ناولوني ابني لاشربه من في الى آخر كلامه فتعجلني الاسنة منهم والنار تسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم فاكر عليهم في امر اوقات في الدنيا فيكون ما يريد الله فبكى وبكينا وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله في الخيم (اقول) وهذه الرواية تؤيد ما ذكره المفيد (رحمه الله) من ان شهادة عبدالله الرضيع وقعت باب الخيمة

ومنعطفاً أهوى لتقبيل طفله *** فقبل منه قبله السهم منحرا

في الدمعة لما نزل الحسين (علیه السلام) بكر بلا كان اخص اصحابه واكثرهم ملازمة له هلال بن نافع سيما في مظان الاغتيال لانه كان حازماً بصيرا بالسياسة فخرج الحسين (علیه السلام) ذات ليلة الى خارج الخيم حتى ابعد فتقلد هلال سيفه واسرع في مشيه حتى لحقه فرآه يختبر الثنايا والعقبات والاكمات المشرفة على المنزل ثم التفت الى خلفه فرآه فقال «علیه السلام» من الرجل هلال قال قلت نعم جعلني الله فداك از عجني خروجك ليلا الى جهة معسكر هذا الطاغي فقال «علیه السلام» ياهلال خرجت اتفقد هذه التلاع مخافة ان تكون مكناً لهجوم الخيل على مخيمنا يوم تحملون ويحملون ثم رجع «علیه السلام» وهو قابض على يساري وهو يقول هي هي والله وعد لا خلف فيه ثم قال ياهلال الا تسلك ما بين هذين الجبلين من وقتك هذا و تنجو بنفسك فوقعت على قدميه وقلت اذا ثكلت هلالا امه سيدي ان سيفي بالف وفرسي مثله فوالله الذي من علي بك لا افارقك حتى بكلا عن فرى وجري ثم فارقني ودخل خيمة اخته فوقفت الى جنبها رجاء ان يسرع في خروجه منها فاستقبلته زينب ووضعت له متكا وجلس جعل يحدثها سرا فما لبثت أن اختنقت بعبرتها وقالت وا اخاه اشاهد مصرعك وابتلي برعاية هذه المذاعير من النساء والقوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم ذلك خطب جسيم يعز علي مصرع هؤلاء الفتية الصفوة واقمار بني هاشم ثم قالت اخي هل استعلمت من اصحابك نياتهم فاني اخشى

ص: 344

ان يسلموك عند الوثبة واصطكاك الاسنة فبكى «علیه السلام» وقال اما والله لقد لهزتهم وبلوتهم وليس فيهم إلا الاشوس الاقعس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل بلبن امه قال الراوي فلما سمع هلال ذلك بكى رقة وجعل طريقه على منزل حبيب بن مظاهر فرآه جالساً وبیده سيف مصلت فسلم عليه وجلس بباب الخيمة ثم قال له ما اخرجك يا هلال فحكى له ما كان فقال حبيب اي والله لولا انتظار امره لعاجلتهم وعالجتهم هذه الليلة بسبفي ثم قال هلال ياحبيب فارقت الحسين (علیه السلام) عند اخته وهي في حال وجع ورعب واظن ان النساء افقن وشاركنها في الحسرة والزفرة فهل لك ان تجمع اصحابك وتواجههن بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن فاقد شاهدت منها ما لاقرار لي مع بقائه فقال لي طوع ارادتك فبرز حبيب ناحية وهلال الى جانبه وانتدب أصحابه فتطالعوا من منازلهم فلما اجتمعوا قال لبني هاشم ارجعوا الى منازلكم لا سهرت عيونكم ثم خطب اصحابه وقال يا اصحاب الحمية وليوث الكريهة هذا هلال يخبرني الساعة بكيت وكيت وقد خلف اخت سيدكم وبقايا عياله يتشاكين ويتباكين اخبروني عما انتم عليه فجردوا صوارمهم ورموا عمائمهم وقالوا ياحبيب والله الذي من علينا بهذا الموقف لئن زحف القوم لنحصدن رؤوسهم ولنلحقنهم باشياخهم اذلاء صاغرين ولنحفظن وصية رسول الله فى ابنائه وبناته فقال هلموا معي فقام يخبط الارض وهم يعدون خلفه حتى وقف بين اطناب الخيم ونادى يا اهلنا وياساداتنا و يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم آلوا ان لا يغمدوها إلا في رقاب من يبعي السوء فيكم وهذه أسنة على انكم اقسموا ان لا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم فقل الحسين (علیه السلام) اخرجن عليهم يا آل الله فخرجن وهن يندبن ويقلن حاموا ايها الطيبون من الفاطميات ما عذركم اذا لقينا جدنا رسول الله وشكونا اليه ما نزل بنا وقال اليس حبيب واصحاب حبيب كانوا حاضرين يسمعون وينظرون فوالله الذي لا إله إلا

ص: 345

هو لقد ضجوا ضجة ماجت منها الارض واجتمعت لها خيولهم وكان لها جولة واختلاف صهيل حتى كأن كلا ينادي صاحبه

رجال تواصوا حيث طابت اصولهم *** وانفسهم بالصبر حتى قضوا صبرا

حماة حموا خدراً ابي الله هتكه *** فعظمه شأناً وشرفه قدرا

فاصبح نهباً للمغاوير بعدهم *** ومنه بنات المصطفى ابرزت حسرى

يقنعها بالسرط شمر وان شكت *** يؤنبها زجر ويوسعها زجرا

الى آخر ما يقتضيه المقام.

الفصل التاسع

اشارة

في وقايع صبيحة يوم عاشوراء ثم الى شهادة الاصحاب والاحباب وشهادة بني هاشم وهذا الفصل يشتمل على اثنين وعشرين مجلساً.

المجلس الاول في وقايع صبيحة عاشوراء

فلما أصبح الصباح من يوم عاشوراء نودي الحسين (علیه السلام) واصحابه من بطنان العرش يا خيل الله اركي فقام الحسين (علیه السلام) ونادى اصحابه وامرهم بالصلاة في بعض الكتب فتيمموا بدلا عن الوضوء واذن الحسين (علیه السلام) واقام بنفسه وصلى باصحابه صلاة الصبح فلما فرغ رفع يديه الى السماء وقد اخذ المصحف بيده اليمنى قائلا اللهم انت ثقتي في كل كرب وانت رجائي في كل شدة وانت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو وانزلته بك وشكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك ففزجته عني وكشفته فانت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة ثم نظر الى اصحابه وقال ان الله قد اذن في قتلكم وقتلي وكلكم تقتلون في هذا اليوم إلا ولدي

ص: 346

علي بن الحسين فاتقوا الله ياقوم واصبروا قال المفيد (رحمه الله) واصبح عمر بن سعد (لع) في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت وخرج بالناس وجعل على ميمنة العسكر عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلى المیسرة شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس الاحمسي و على الرجالة شبث بن ربعي واعطى الراية دريداً مولاه ودعا الحسين (علیه السلام) بفرس رسول الله المرتجز فركبه وعبى اصحابه للقتال وكان معه اثنان وثلاثون فارساً واربعون راجلا هذا هو المشهور فجعل زهير بن القين في ميمنة اصحابه وحبيب بن مظاهر في ميسرة اصحابه واعطى رايته العباس اخاه وجعلوا البيوت والخيم فى ظهورهم وامر بحطب وقصب كان من وراء البيوت ان يترك في خندق عملوه في ساعة من الليل وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم ويقبلوا القوم بوجه واحد (اقول) فكان الحسين (علیه السلام) كان عالماً بما هو قصد القوم وبما استشاره عمر بن سعد ليلة العاشر مع رؤساء العسكر وهو انه اتفقت آراؤهم على ان بهجموا دفعة واحدة على الحسين (علیه السلام) واصحابه وعلى المخيم فيقتلون الرجال ويسبون النساء في ساعة واحدة ولذا قال المفيد فلما أصبح القوم اقبلوا يجولون حول بيوت الحسين (علیه السلام) فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي القى فيه ولم يكن لهم طريق إلا من وجه واحد فغضبوا باجمعهم فنادى شمر بن ذي الجوشن باعلى صوته ياحسين اتعجلت بالنار قبل يوم القيامة فقال (علیه السلام) من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن فقالوا نعم قال (علیه السلام) يا ابن راعية المعزى انت اولى بها صلياً ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين (علیه السلام) من ذلك فقال دعني سيدي ان ارميه فان الفاسق من اعداء الله ومن عظماء الجبارين وقد امكن الله منه فقال (علیه السلام) لا ترمه فاني اكره ان ابدأهم بالقتال بابي وامي ما اشفقه عليهم بحيث لم يرض بان يرمى اليهم سهم واحد سود الله وجوه هؤلاء الكفرة فكيف رضوا بان يجعلوا ذلك الجسد الطيب غرضاً للسهام والسيوف والرماح

ص: 347

والاحجار حتى قیل اصيب وبه الف وتسعمائة جراح وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ وكلها كانت فى مقدمه فوقف ليستريح ساعة الخ ثم اخذ (علیه السلام) بالاحتجاج قبل المقاتلة بل وامر (علیه السلام) اصحابه بان يحتجوا عليهم ويعظوهم كما قال محمد بن ابي طالب وركب اصحاب عمر بن سعد (لع) فقرب الى الحسين (علیه السلام) فرسه فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من اصحابه و بين يديه بریر بن خضير الهمداني فقال له الحسين (علیه السلام) کلم القوم فتقدم برير وقال ياقوم اتقوا الله فان ثقل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) قد اصبح بين اظهر كم هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون ان تصنعوه بهم فقالوا نريد ان تمكن منهم الامير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه فيهم فقال برير افلا تقبلون منهم ان يرجعوا الى المكان الذي جاؤا منه ويلكم يا اهل الكوفة انسيتم كتبكم وعهودكم التي اعطيتموها واشهد تم الله عليها ويلكم ادعوتم اهل بيت نبيكم وزعمتم انكم تقتلون انفسكم دونهم حتى اذا اتوكم اسلمتموهم الى ابن زياد (لع) وحلأتموهم عن ماء الفرأت بئس ما خلفتم نبيكم في عترته مالكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم انتم فقال له نفر منهم ما ندري ما تقول فقال برير الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم اني ابرأ اليك من فعال هؤلاء القوم اللهم الق باسهم بينهم حتى يلقوك وانت عليهم غضبان فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع بربر الى ورائه فقام يزيد بن الحسين الهمداني وقال يا ابن رسول الله اتأذن لي ان اخرج اليهم واكلمهم فاذن له فخرج وقال يا معشر الناس ان الله عز وجل بعث محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم) بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله باذنه وسراجاً منيراً وهذا ماء الفرات تلغ فيه خنازير السواد وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه فقالوا له بايزيد قد اكثرت الكلام فاكفف فوالله ليعطش الحسين (علیه السلام) كما عطش من كان قبله يعني عثمان فلما سمع الحسين (علیه السلام) هذا الكلام التفت الى اصحابه وقال (علیه السلام) اصحابي ان القوم قد استحوذ عليهم الشيطان

ص: 348

ألا ان حزب الشيطان هم الخاسرون وانشد (علیه السلام)

تعديتم یاشر قوم يبغيكم *** وخالفتموا فينا النبي محمدا

أما كان خير الخلق اوصاكم بنا *** أما كان جدي خيرة الله احمدا

أما كانت الزهراء امي ووالدي *** علي اخا خير الانام المسددا

سيدي عرفوك بهذا الحسب والنسب وبخلوا عليك بجرعة من الماء الذي يشربها الكلاب والخنازير وقد كنت بينهم تتلظى عطشاً وهم ينظرون كما قال هلال بن نافع كنت واقفاً مع اصحاب عمر بن سعد اذ صرخ صارخ ابشر ايها الامير فهذا شمر قد قتل الحسين (علیه السلام) قال فخرجت من بين الصفين الخ سيأتي في محله

كم قام فيهم خطيباً منذراً وتلا *** آيا فهما اغنت الآيات والنذر

فقد تكرر من مولانا الحسين (علیه السلام) الخطب والمواعظ لاقامة الحجة عليهم ودفع الشبهة عنهم فلم ينفعهم ذلك منها فلما دنا منه القوم دعا براحلته فركبها ودعا بمصحف فوضعه امامه ثم نادى باعلى صوته يااهل العراق وكلهم يسمعون فقال ايها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى اعظكم بما يحق لكم علي وحتى اعذر اليكم فان اعطيتموني النصف كنتم بذلك اسعد وان لم تعطوني النصف من انفسكم فاجمعوا رايكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم افضوا الي ولا تنظرون ان ولیي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ثم حمد الله واثنى عليه وذكر الله بما هو اهله وصلى على النبي وآله وعلى ملائكته وعلى انبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده ابلغ منه في المنطق

له من علي في الحروب شجاعة *** ومن احمد عند الخطابة قيل

ثم قال اما بعد يا اهل الكوفة فانسبوني فانظروا من انا ثم راجعوا انفسكم فعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي الست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه واول مؤمن مصدق الرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بما جاء به من عند ربه اولیس

ص: 349

حمزة سيد الشهداء عم ابي او ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي اولم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولا خي هذان سيدا شباب اهل الجنة فان صدقتموني بما اقول وهو الحق والله ما تعمدت كذبا منذ علمت ان الله يمقت عليه اهله وان كذبتموني فان فيكم من ان سألتموه عن ذلك اخبركم اسألوا جابر بن عبدالله الانصاري واباسعيد الخدري وسهل بن السعد الساعدى وزيد بن ارقم وانس بن مالك یخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لي ولاحي اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ياقوم فان كنتم في شك من ذلك افتشكون اني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ويحكم اتطالبوني بقتيل منكم قتلته او مال استملكته او بقصاص من جرح فاخذوا لا يكلمونه قال ابو الفرج ثم انه (علیه السلام) لما رأى القوم مصرين على قتله اخذ المصحف ونشره على رأسه ونادى يا اهل الكوفة بيني وبينكم كتاب الله وجدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ياقوم بم تستحلون دمي الست ابن بنت نبيكم فناداه شمر الساعة ترد الحامية والهاوية فقال الحسين (علیه السلام) الله اكبر لقد اخبرني جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال رأيت في منامي كان كلباً ولغ في دماء اهل بيتي وما اخالك إلا اياه

ولا عجب للاسد ان ظفرت بها *** كلاب الاعادي من فصيح واعجم

وهذا اللعين يشبه الكلاب لانه ابقع ابرص ولذا لما نزل على الحسين (علیه السلام) ليحتز رأسه المقدس قال (علیه السلام) ويحك اكشف لى الخ سيأتي في محله في (اللهوف) قال الرادي وندب عبيد الله بن زياد اصحابه الى قتال الحسين (علیه السلام) فاتبعوه واستخف قومه فاطاعوه واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه ودعاه الى ولاية الحرب فلباه وخرج لقتال الحسين (علیه السلام) في اربعة آلاف فارس واتبعه ابن زياد بالعساكر حتى تكملت عنده الى ست ليال خلون من المحرم عشرون الف فارس فضيقوا على الحسين (علیه السلام)

ص: 350

حتى نال منه العطش ومن اصحابه فقام (علیه السلام) واتكأ على قائم سيفه ونادى باعلى صوته فقال انشدكم الله هل تعرفونني قالوا نعم انت ابن رسول الله وسبطه قال انشدكم الله هل تعلمون ان جدي رسول الله قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان ابي علي بن ابي طالب قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان امي فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد اول نساء هذه الامة اسلاماً قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان حمزة سيد الشهداء عم ابي قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان جعفر الطيار في الجنة عمي قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان هذا سيف رسول الله انا متقلدة قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول الله انا لابسها قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان علياً كان أول القوم اسلاما واعلمهم علماً واعظمهم حلماً وانه ولي كل مؤمن ومؤمنة قالوا اللهم نعم قال فيم تستحلون دمي وابي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد في يد ابى يوم القيامة قالوا قد علمنا ذلك كا. ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاناً فلما خطب هذه الخطبة وسمعت بناته واحته زينب كلامه بكين وند بن ولطمن خدودهن وارتفعت اصواتهن فوجه اليهن اخاه العباس وعليا ابنه وقال لهما سكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن نعم والله كثر بكاؤهن وطال نياحهن كما قال الصادق (علیه السلام) وان الفاطميات لقد شققن الجيوب ولطمن الحدود على الحسين بن علي (علیه السلام) ولبسن السواد والمسوح وكن لا يشتكين من حر ولا برد و كان علي بن الحسين (علیه السلام) يعمل لهم الطعام المأتم وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت ولا امتشطت حتى اتاهم رأس عبيد الله بن زياد ولا رئي في دار هاشمي دخان الى خمس حجج الخ المصيبة (أقول) قوله (علیه السلام) املي ابنه وللعباس سكتاهن فلعمري ليكثرن

ص: 351

بكاؤهن والسر في انه ارسلهما دون سائر بني هاشم هو ان العيال علقة تامة بهما فاذا نظرن اليهما تسلين بهما واستأنس بهما لان احدهما يحكى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خلقاً وخلقاً ومنطقاً والآخر یحكي امير المؤمنين (علیه السلام) احدهما يشبه النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) والآخر يشبه الوصي ليت شعري ما حال العيال في الساعة التي اقبل الحسين (علیه السلام) بجثة ولده علي الاكبر الى المخيم والساعة التي علمن بان العباس سقط من على ظهر جواده الى الارض بجنب العلقمي الخ قال السيد في (اللهوف) وركب اصحاب عمر بن سعد (لع) فبعث الحسين (علیه السلام) بریر بن خضير الهمداني فوعظهم وذكرهم فلم ينتفعوا فركب الحسين (علیه السلام) ناقته وقيل فرسه فاستنصتهم فانصتوا وفي (البحار) فاستنصتهم فابوا ان بنصتوا حتى قال لهم ويلكم ما عليكم ان لا تنصتوا لي فتسمعوا قولي وانما ادعوكم الى سبيل الرشاد فمن اطاعتي كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين وكلكم عاص لامري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم ويلكم ألا تنصفون ألا تنصتون ألا تسمعون فتلاوم اصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا انصتوا له فانصتوا فحمد الله واثنى عليه وذكره بما هو اهله وصلى على محمد وآله وعلى الملائكة والانبياء والرسل وابلغ في المقال ثم قال تباً (علیه السلام) لكم ايتها الجماعة وترحا حين استصر ختمونا والهين فاصر خناكم موجعين سلاتم علينا سيفاً لنا في إيمانكم وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدونا وعدوكم فاصبحتم الباً لاعدائكم على اوليائكم بغير عدل افشوه فيكم ولا امل اصبح لكم فيهم فهلا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم والجاش طامن والرأي لما يستصحف ولكن اسرعتم اليها كطيرة الدبا وتداعيتم اليها كتهافت الفراش فسحقاً لكم يا عبيد الامة وشذاذ الاحزاب و نبذة الكتاب ومحر في الكلم وعصبة الآثام ونفثة الشيطان ومطفىء السنن اهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون اجل والله غدر فيكم قديم وشجت اليه اصولكم و تآرزت عليه فروعكم فكنتم احبث ثمر شجاً

ص: 352

للناظر واكلة للغاصب إلا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يابى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وجدود طهرت وانوف حمية ونفوس أبية من ان تؤثر طاعة اللثام على مصارع الكرام الاواني زاحف بهذه الاسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر ثم قال (علیه السلام):

فان نهزم فرزامون قدماً *** وان نغلب فغير مغلبينا

وما ان طبنا جبن ولكن *** منايانا ودولة آخرينا

اذا ما الموت رفع عن اناس *** كلاكله اناخ باحرينا

فافنى ذلكم سرواة قومي *** کما افنى القرون الأولينا

فلو خلد الملوك اذا خلدنا *** ولو بقى الكرام اذا بقينا

فقل للشامتين بنا افيقوا *** سيلقى الشامتون كما لقينا

ثم ايم الله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده الي ابي عن جدي فاجمعوا امركم وشركائكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف فيسومهم كاساً مصبرة فانهم كذبونا وخذلونا وانت ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير فاستجاب الله دعائه فما مضت إلا ايام قلائل حتى سلط عليهم غلام ثقيف وهو المختار بن ابي عبيدة الثقفي وسقاهم كأساً مصبرة ووضع السيف فيهم وعاقبهم باشد العقوبة وافناهم عن آخرهم وكان يقول ما من ديننا ان نترك قتلة الحسين (علیه السلام) احياء بئس ناصر آل محمد انا اذا في الدنيا انا استعين بالله عليهم فسموهم لي ثم اتبعوهم حتى تقتلوهم فاني لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى اطهر الارض منهم وجعل يتتبعهم ويقتلهم فدل على جماعة منهم

ص: 353

قد خرجوا الى القادسية فامر باحضار هم فلما رآهم قال يا اعداء الله ورسوله این الحسين ابن علي (علیه السلام) ادوا الى الحسين قتلتم من امرتم بالصلاة عليهم فقالوا رحمك الله بعثا كارهين فامنن علينا واستبقنا فقال لهم هلا مننتم على الحسين بن بنت نبيكم فاستقيتموه جرعة من الماء فامر بقتلهم منهم مالك بن اليسر صاحب البرنس الذي اخذه حين رمى الحسين به فامر بقطع يديه ورجليه وتركه يضطرب حتى مات وهذا اللعين اقبل يوم عاشورا وشتم الحسين (علیه السلام) وضربه بالسيف على رأسه حتى امتلأ البرنس دماً فالقى (علیه السلام) البرنس من رأسه فاخذه الامين وذهب به الخ.

المجلس الثاني

قال الازدي فحدثني علي بن حنظلة بن اسعد الشامي عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين (علیه السلام) حين قتل (علیه السلام) يقال له كثير بن عبدالله الشعبي قال لما زحفنا قبل الحسين (علیه السلام) خرج الينا زهير بن القين على فرس له ذنوب وهو شاك فى السلاح فقال يا اهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار ان حقاً على المسلم نصيحة اخيه المسلم ونحن حتى الآن اخوة على دين واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف وانتم للنصيحة منا اهل فاذا وقع السيف انقطعت العصمة و كنا نحن امة وانتم امة ان الله قد ابتلانا واياكم بذرية نبيه محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) لينظر ما نحن وانتم عاملون انا ندعوكم الى نصرهم وخذلان الطاغية ابن الطاغية عبيد الله بن زياد (لع) فانكم لا تدركون (تذكرون - خ ل) منهما إلا سوء يسملان اعينكم ويقطعان ايديكم وارجلكم ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل وبقتلان امائكم وقرائكم امثال حجر بن عدي وأصحابه وهاني بن عروة واشباهه قال فسبوه واثنوا على ابن زياد وقالوا والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه او نبعث به وباصحابه الى الامير عبيد الله بن زياد سلماً فقال

ص: 354

لهم يا عباد الله ان ولد فاطمة احق بالود والنصر من ابن سمية فان لم تنصر وهم فاعيدكم بالله ان تقتلوهم خلوا بين هذا الرجل و بين يزيد بن معاوية فلعمري ان يزيد ليرضى عن طاعتكم بدون قتل الحسين (علیه السلام) فرماه شمر بسهم و قال اسکت اسکت (اسكن خ ل) الله نامتك ابرمتنا بكثرة كلامك فقال له زهير يا ابن البوال على عقبيه ما اياك اخاطب انما انت بهيمة والله ما اظنك تحكم من كتاب الله آيتين فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم فقال له شمر ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة قال افبالموت تخوفني فوالله للموت احب الي من الخلد معكم قال ثم اقبل على الناس رافعاً صوته فقال عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي واشباهه فوالله لا تنال شفاعة محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) قوما اهر قوا دماء ذريته واهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم قال فناداه رجل فقال له ان ابا عبدالله يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح القومه وابلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وابلغت لو نفع النصح والابلاغ في (البحار) دعا الحسين (علیه السلام) براحلته فركبها حتى وقف بازاء القوم فجعل ينظر الى صفوفهم كأنهم السيل ونظر الى ابن سعد (لع) واقفاً في صناديد الكوفة فقال الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة باهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها واراكم قد اجتمعتم على امر قد اسخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم واحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد انتم اقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد ثم انكم زحفتم الى ذريته وعترته تريدون قتلهم معاشر الناس عرفتم شرائع الاسلام وقرأتم القرآن وعلمتم بان محمداً رسول الملك الديان ووتبتم على قتل ولده ظلماً وعدواناً معاشر الناس اما ترون الى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيتان تشربه اليهود والنصارى والكلاب والخنازير وآل رسول الله يموتون عطشاً لقد استحوذ

ص: 355

عليكم الشيطان فانساكم ذكر الله العظيم فتباً لكم ولما تريدون وانا لله وانا اليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعداً للقوم الظالمين فقال عمر ويلكم كلموه فانه ابن ابيه والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر فكلموه فتقدم شمر (لع) وقال ياحسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم فقال (علیه السلام) اقول اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فانه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ولعله قد بلغكم قول نبيكم الحسن والحسين (علیهما السلام) سیدا شباب اهل الجنة ثم انه اناخ راحلته وامر عقبة بن سمعان فعقلها ثم دعا بفرس رسول الله المرتجز فركبه فعند ذلك تقدم عمر بن سعد (لع) وقال يادريد ادن رايتك ثم اخذ سهما ووضعه في كبد قوسه وقال اشهدوا لي عند الامير فانا اول من رمی به الى الحسين (علیه السلام) فاقبلت السهام من القوم كأنها شآبيب المطر فقال الحسين (علیه السلام) لاصحابه قوموا رحمكم الله فإن هذه السهام رسل القوم اليكم فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل جماعة من اصحاب الحسين (علیه السلام) في رواية فلما انجلت الغبرة اذا بخمسين من اصحابه كلهم صرعى فعند ذلك ضرب الحسين (علیه السلام) بيده على لحيته الشريفة الكريمة وقال اشتد غضب الله على اليهود اذ جعلوا له ولداً واشتد غضبه على النصارى اذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتد غضبه على المجوس اذ عبدوا الشمس والقمر واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم اما والله لا اجيبهم الى شيء مما يريدن حتى القي الله وانا مخضب بدمي نعم والله ما اجامهم الى ما ارادوا منه وهو الدخول في طاعة یزید وابن زياد ولا مكنهم من نفسه حتى لقى الله وهو مخضب بدمه تارة من دم جبهته واخرى من دم نحره واخرى من دم قلبه واخرى من دماء رأسه واخرى من دماء جثته.

بنفسي خضيب الشيب من دم نحره *** غداة عليه الماضيات ركود

ص: 356

فلما نظر الى مصارع اصحابه نادى هل من مغيث يغيثنا لوجه الله وهل من ذاب يذب عن حرم رسول الله هذا حاله حين فقد خمسين من اصحابه فما حاله حين فقدهم باجمعهم مع سبعة عشر رجلا من اهل بيته الخ فبعد ما قتل جماعة من اصحابه في الحملة الاولى جعلوا يبرزون واحداً بعد واحد ويظهر من بعض المقاتل اول من قتل من اصحاب الحسين (علیه السلام) في المبارزة الحر بن يزيد الرياحي ثم برز من بعده برير ابن خضير الهمداني ثم برز من بعده وهب بن عبد الله الكلبي وكل من اراد الخروج ودع الحسين (علیه السلام) ويقول السلام عليك يا اباعبدالله السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه وعليك السلام ونحن خلفك ويقرأ (علیه السلام) ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ولا يبرز منهم رجل ولا يقتل حتى يقتل خلقاً كثيراً من اهل الكوفة فضيقوا المجال على الاعداء مع فلتهم فصاح عمرو بن الحجاج (لع) ياحمقى اتدرون من تقاتلون تقاتلون فرسان اهل المصر وتقاتلون قوماً مستميتن ولا يبرز اليهم منكم أحد إلا قتلوه على قلتهم والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم فما دعاكم الى مبارزتهم فالرأي ان لا يخرج احد منكم اليهم فقال عمر بن سعد الرأي رأيك فارسل في العسكر ان قفوا مكانكم ولا يبرز احد منكم اليهم لا يكم لو خرجتم اليهم وحداناً لا توا عليكم مبارزة فوقفوا في مكانهم وجعلوا يرجفون ويستهزئون ويشمتون بالحسين (علیه السلام) واصحابه منهم من نادى وهو ابن ابي جويرية (لع) وقيل ابن حوزة صفوة بيده و نادى ياحسين و يا اصحاب الحسين ابشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا روى ابو مخنف الازدي عن عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي عن اخيه مسروق بن وائل قال كنت في أوائل الخيل ممن سار الى الحسين (علیه السلام) فقلت اكون في اوائلها لعلي اصيب رأس الحسين (علیه السلام) فاصيب به منزلة عند ابن زياد قال فلما انتهينا الى الحسين (علیه السلام) تقدم رجل من القوم يقال له ابن حوزة وقال فیکم الحسين (علیه السلام)

ص: 357

قال فسكت الحسين فقال لها ثانية فسكت حتى اذا كانت الثالثة قال قولوا له نعم هذا حسين فما حاجتك قال يا حسين ابشر بالنار قال (علیه السلام) كذبت بل اقدم على رب غفور وشفيع مطاع فمن انت قال ابن حوزة قال فرفع الحسين (علیه السلام) يديه حتى رأينا بياض ابطيه من فوق الثياب ثم قال اللهم خره الى النار قال فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم اليه الفرس وبينه و بينه نهر قال فعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى جانبه الآخر متعلقاً بالركاب قال فرجع مسروق وترك الخيل من ورائه قال فسألته فقال لقد رأيت من اهل هذا البيت شيئاً لا اقاتلهم ابداً ونادى الآخر وهو تميم بن حصين ياحسين ویا اصحاب الحسين اما ترون الى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لاذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جرعاً فعظم ذلك على الحسين واحترق قلبه من هذه الحركات القبيحة رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم انا اهل بيت نبيك وذريته وقرابته فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا انك سميع قريب فعند ذلك خرج محمد بن الاشعث وقال يا حسين بن فاطمة واي قرابة بينك و بين محمد واية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك فقرأ الحسين (علیه السلام) ان الله اصطفی آدم ونوحا وآل ابراهیم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله ان محمداً لمن آل ابراهيم وان العترة الهادية لمن آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم قال (علیه السلام) من الرجل قيل له محمد الاشعث فقال (علیه السلام) اللهم اذل محمد بن الاشعث في هذا اليوم ذلا لا تعزه بعد هذا اليوم ابداً فاستجاب الله دعائه خرج اللعين لقضاء الحاجة فلسعته عقرب فسقط وهو يستغيث ويتقلب على حدثه مكشوف العورة حتى هلك وفي (البحار) قال وجاء رجل وقال ابن الحسين فقال (علیه السلام) ها اناذا قال ابشر بالنار تردها الساعة قال «علیه السلام» بل ابشر برب رحيم وشفيع مطاع من انت قال انا محمد بن الاشعث قال (علیه السلام) اللهم ان كان عبدك كاذبا فخذه الى النار واجعله اليوم

ص: 358

آية لاصحابه فما هو إلا ان اثنى عنان فرسه فرمی به و ثبتت رجله في الركاب فضربه حتى فى قطعه ووقعت مذاكيره في الارض فوالله لقد تعجبوا من سرعة اجابة دعائه (علیه السلام) ولقد انكسر قلب الحسين «علیه السلام» من هذه الحركات الميشومة ومما سمع من هؤلاء الفسقة الفجرة الكفرة وكأن الله لما اطلع على انكسار قلبه فمن غاية رأفته وشفقته عليه اراد ان يجبر انكسار قلبه ويسلي خاطره ارسل اليه الاعوان والانصار لنصره من كل جانب (اولا) انزل الله النصر من السماء حتى رفرف على رأس الحسين «علیه السلام» ثم خير بين النصر على اعدائه وبين لفاء الله فاختار لقاء الله يعني حبيبي لا يجزعك ما ترى فان شئت النصرة فهذه عساكرنا المنصورة وان شئت لقاء ربك فاصبر قليلا ثم بعد ذلك ارسل اليه طائفة من مؤمني الجن وسيأتي في محله ثم نزول الصحيفة من السماء في كفه «علیه السلام» وقد ذكر في محله فليراجع هناك ونحن نأخذ بذكر مقاتلته ومحاربته «علیه السلام» واصحابه حوله وهو روحي له الفداء كالهزبر الثالب وكأبيه علي بن ابي طالب واصحابه كالاسود الضواري كما قال الشاعر:

كأني به في ثلة من رجاله *** كما حف بالليث الاسود الاوابد

يخوض بهم بحر الوغى فكأنه *** لواردهم عذب المجاجة بارد

اشتد الحرب بالحسين «علیه السلام» واصحابه وهم يقاتلون اشد القتال ولم يزل يقتل من اصحاب الحسين «علیه السلام» الواحد والاثنان فيتبين ذلك لقلتهم ويقتل من اصحاب عمر بن سعد العشرة والعشرون فلا يتبين ذلك لكثرتهم ومع قلتهم ضيقوا المجال على الاعداء قال ابن ابي الحديد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد «لع» ويحك اقتلتم ذرية رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» فقال عضضت بالجندل او شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة ايديها في مقابض سيوفها كالاسود الضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالا وتلقى انفسها على الموت لا تقبل الامان ولا ترغب في المال ولا

ص: 359

يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية والاستيلاء على الملك فلو كففنا عنها رويداً لاتت على نفوس العسكر بحذافيرها فما كنا فاعلين لا ام لك فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسماءة من الرماة فاقتتلوا حتى دنوا من الحسين (علیه السلام) واصحابه فلما دنوا منهم وضعوا السهام في كبد القوس ورشقوا الحسين (علیه السلام) واصحابه بالنبل حتى عقروا خيول الاصحاب و بقوا راجلين وقاتلوهم اشد القتال حتى انتصف النهار ومع ذلك لم يقدروا ان يأتوا الحسين «علیه السلام» واصحابه إلا من وجه واحد الاجتماع ابنيتهم وتقارب الخيم الطاهرات بعضها من بعض وهم ارادوا ان يحيطوا بهم من كل جانب فارسل عمر بن سعد جمعاً من الرجال ليقوضوا الخيم عن ايمانهم وشمائلهم ليحيطوا بالحسين «علیه السلام» واصحابه فقوضوا بعضاً من الخيم فاخذ الثلاثة والاربعة من اصحاب الحسين «علیه السلام» يتخللون من خلل الخيام وفرجها ويشدون على الاعداء فنادى ابن سعد ويلكم احرقوا الخيم واضرموها بالنار ففعلوا ذلك واحرقوا طرفاً من الخيم وافزعوا العيال والاطفال فصاحوا باجمعهم صيحة واحدة ولم يزالوا كذلك وكان من شأنهم ما كان حتى دخل الظهر فجاء ابو تمامة الصيداوي وقال يا اباعبدالله انفسنا لنفسك الفداء هؤلاء افتربوا منك لا والله لا تقتل حتى اقتل دونك واحب ان القى الله عز وجل وقد صليت هذه الصلاة فرفع الحسين «علیه السلام» رأسه الى السماء وقال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكر بن نعم هذا اول وقتها ثم قال «علیه السلام» سلوا هذا القوم ان يكفوا عنا حتى نصلى قال ابو مخنف قال ابو تمامة اننا لمقتولون لا محالة وقد حضرت الصلاة فصل بنا فاني اظنها آخر صلاة نصليها نلقى الله تعالى على اداء فريضة من فرائضه في هذا الموضع العظيم فقال له اذن يرحمك الله في (الاسرار) اذن الحسين «علیه السلام» بنفسه ثم قال ويلك يا ابن سعد انسيت شرائع الاسلام اقصر عن الحرب حتى نصلي وتصلي باصحابك ونعود الى ما نحن اليه من الحرب فاستحي

ص: 360

ابن سعد ان يجيبه فناداه الحصين بن نمير صل ياحسين ما بدا لك فان الله لا يقبل صلاتك فاجابه حبيب بن مظاهر ثكلتك امك لا تقبل صلاة ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وتقبل منك ياختار او ياخمار وكان من شأنهما ما كان فقال الحسين (علیه السلام) لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله تقدما امامي حتى اصلي الظهر فتقدما امامه في نحو من نصف اصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف وسعيد تقدم امام الحسين (علیه السلام) فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما اخذ الحسين (علیه السلام) يميناً وشمالا قام بين يديه فما زال يرمى اليه حتى سقط على الارض وهو يقول اللهم العنهم لمن عاد وثمود اللهم ابلغ نبيك عني السلام وابلغه ما لقيت من الم الجراح فاني اردت بذلك نصرة ذرية نبيك ثم مات فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح وقيل صلي الحسين (علیه السلام) وأصحابه فرادى بالايماء كما ورد في زيارته اشهدانك قد اقمت الصلاة ولقد اقام الصلاة في موقف تذهل منه العقول وتذرف منه الدموع وذلك لما زالت الشمس يوم عاشوراء صلى الظهر باي نحو تمكن ولكن لم يتمكن من صلاة العصر فصلاها صلاة لم يصلها احد قبله ولا بعده وضوؤها من دم جبهته وركوعها حين انحنى على قربوس سرجه واخذ السهم وسجودها حين سقط على الارض لكن لم يتمكن من وضع الجبهة على التراب لانه اصيب بحجر فوضع خده الايمن وتشهده حين جلس على ركبتيه واخذ السهم من نحره فلما فرغ من صلاته حرض اصحابه على القتال وقال يا اصحابي ان هذه الجنة قد فتحت ابوابها واتصلت انهارها واينعت ثمارها وزينت قصورها وتألفت ولدانها وحورها وهذا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) والشهداء الذين قتلوا معه وابي وامي يتوقعون قدومكم ويتباشرون بكم وهم مشتاقون اليكم فحاموا عن دين الله وذبوا عن حرم رسول الله ثم انه (علیه السلام) صاح باهله ونسائه فخرجن مهتكات الجيوب وصحن يامعشر المسلمين وباعصبة المؤمنين الله الله حاموا عن دين الله وذبوا عن حرم رسول الله وعن

ص: 361

امامكم وابن بنت نبيكم فقد امتحنكم الله بنا فاتم جيراننا في جوار جدنا والكرام علينا واهل مودتنا فدافعوا بارك الله فيكم عنا فصاح الحسين (علیه السلام) ياامة القرآن هذه الجنة فاطلبوها وهذه النار فاهربوا منها فاجابوا بالتلبية وضجوا بالبكاء والنحيب وقالوا انفسنا دون انفسكم ودماؤنا دون دمائكم وارواحنا لكم الفداء وقد وهبنا فيكم السيوف ابداننا وللطير لحومنا ولا يصل اليكم بمكروه وفينا الحياة نعم هكذا كانوا بيض الله وجوههم وشكر الله سعيهم ما قصروا وما ضعفوا ولا استكانوا حاموا عن حرم الرسول وذبوا عن بنات الطاهرة البتول ولله دره

ولم انس فتياناً تداعوا لنصره *** والذب عنه عانقوا البيض والسمرا

حماة حموا خدراً ابى الله هتكه *** فعظمه شأناً وشرفه قدرا

فاصبح نهباً للمغاوير بعدهم *** ومنه بنات المصطفى ابرزت حسرى

عن (معاني الاخبار) مسنداً عن ابي جعفر الثاني عن آبائه قال قال علي بن الحسين (علیه السلام) لما اشتد الامر بالحسين (علیه السلام) نظر من كان معه فاذا هو بخلافهم لانهم كلما اشتد الامر تغيرت الوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم وكان الحسين (علیه السلام) و بعض من معه من خصائصه تشرق الوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم فقال بعضهم لبعض انظروالا يبالي بالموت فقال لهم الحسين «علیه السلام» صبراً بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة فايكم يكره ان ينتقل من سجن الى قصر وما هو لاعدائكم إلا كمن ينتقل من قصر الى سجن وعذاب ان ابي حدثني عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ان الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء الى جنانهم وجسر هؤلاء الى جحيمهم ما كذبت ولا كذبت ولما علموا بان ليس بينهم وبين الجنة إلا الموت كانوا يتسابقون الى القتل وكانوا فرحين مستبشرين وبعضهم بهازل بعضاً ويظهر السرور والانبساط ويضحك

ص: 362

ويتبسم كما قال ابو مخنف حدثني عمرو بن مرة الجملى عن ابي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري قال كنت مع مولاي فلما حضر الناس واقبلوا الى الحسين (علیه السلام) امر (علیه السلام) بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة او صحفة قال ثم دخل الحسين (علیه السلام) ذلك الفسطاط ليطلى بالنورة قال ومولاي عبد الرحمن ابن عبد ربه وبریر بن خضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبهما فازدحما ايهما يطلي على اثره فجعل برير یهازل عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن دعنا ما هذه بساعة باطل فقال له بریر والله لقد علم قومي اني ما احببت الباطل شابا ولا كهلا ولكن والله اني لمستبشر بما نحن لاقون والله ما بيننا وبين الحور العين إلا ان يميل هؤلاء علينا باسيافهم بيض الله وجوههم وهم كما وصفهم بعض اهل البصائر

ترى لهم عند القراع تباشراً *** كأن لهم عند الكريهة عيد

وما برحوا عن نصرة الدين والهدى *** إلى أن تفانى جمعهم وابيدوا

ولما قتلوا وسقطوا على الارض وقف بينهم ابو الأئمة ونادى يا ابطال الصفا الخ المصيبة.

المجلس الثالث

اول من قتل من اصحاب الحسين (علیه السلام) في المبارزة الحر بن يزيد بن ناجية ابن قعنب بن عتاب بن هرمي بن رياح وينتهي نسب شيخنا المحدث الاجل الشيخ حر العاملي صاحب الوسائل الى الحر بن يزيد صرح بذلك اخوه الشيخ في الدر المسلوك وكان الحر شريفاً في قومه ورئيساً في الكوفة ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين (علیه السلام) فخرج في الف فارس ولما خرج من القصر نودي من خلفه ابشر ياحر بالجنة فالتفت فلم یر احداً فقال في نفسه والله ما هذه بشارة وانا اسير الى حرب الحسين (علیه السلام)

ص: 363

وما كان تحدثه نفسه بالجنة فلما صار مع الحسين (علیه السلام) قص عليه الخبر فقال له الحسين (علیه السلام) لقد اصبت اجراً وخيراً في روضة الشهداء ورياض الشهادة ومهيج الاحزان قال الحسين سيدي رأيت الليلة ابي في منامي فقال لي ابن كنت في هذه الايام قلت خرجت لاخذ الطريق على الحسين (علیه السلام) فصاح عليّ وقال واويلاه ما انت وا من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ان كنت تريد ان تعذب وتخلد في النار فاخرج الى حربه وان احببت ان يكون جده شفيعك في القيامة وتحشر معه في الجنة فانصره وجاهد معه ولما رأى ان القوم قد صمموا على قتال الحسين (علیه السلام) وسمع صيحة الحسين (علیه السلام) يقول اما من مغيث يغيثنا لوجه الله اما من ذاب يذب عن حرم رسول الله اقبل الحر الى عمر بن سعد وقال أي عمر امقاتل انت هذا الرجل قال اي والله قتالا ايسره ان تطير الرؤوس وتطيح الايدي قال افما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال اما لو كان الامر لي لفعلت ولكن اميرك قد ابى فاقبل الحر حتى وقف موقفاً من الناس ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال ياقرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد ان تسقيه قال قرة فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال فكره ان اراه حين يصنع ذلك فقال له لم اسقه وانا منطلق فاسقيه فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه الى الحسين (علیه السلام) فاخذ يدنو من الحسين (علیه السلام) قليلا قليلا فقال له المهاجر بن اوس ما تريد ان تصنع يا ابن يزيد اتريد ان تحمل فلم تجبه واخذه مثل الافكل فقال له المهاجر ان امرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من اشجع اهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي ارى منك فقال له الحراني والله اخير نفسى بين الجنة والنار فوالله لا اختار على الجنة شيئاً ولو قطعت واحرقت ثم ضرب فرسه قاصداً الى الحسين (علیه السلام) ويده على رأسه وهو يقول اللهم اليك انبت فتب علي فقد ارعبت قلوب اوليائك واولاد بنت نبيك فلما دنا من

ص: 364

الحسين (علیه السلام) قلب ترسه وفي رواية نزل عن فرسه وجعل يقبل الارض بين يديه فقال الحسين (علیه السلام) من تكون انت ارفع رأسك قال جعلني الله فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان وما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة والله لو علمت انهم ينتهون بك الى ما ركبت منك الذي ركبت وانا تائب الى الله مما صنعت فترى لي في ذلك توبة فقال (علیه السلام) نعم يتوب الله عليك وفي (نفس المهموم) عن تذكرة السبط قال له الحسين (علیه السلام) اهلا وسهلا انت والله الحر في الدنيا والآخرة فانزل قال انا لك فارسا خير مني راجلا اقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول ما يصير آخر امري فقال الحسين عليه السلام قاصنع رحمك الله ما بدا لك فاستقدم امام الحسين (علیه السلام) فقال يا اهل الكوفة لامكم الهبل والعبر ادعوتم هذا العبد الصالح حتى اذا اتا كم اسلمتموه وزعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه امسكتم بنفسه واخذتم بكظمه واحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه الى بلاد الله العريضة فصار كالاسير في ايديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً وحلأتموه ونساءه وصبيته عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ به خنازير السواد وكلابه وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمداً (صلی الله علیه وآله وسلم) في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ الاكبر فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فاقبل حتى وقف امام الحسين (علیه السلام) وقد امتلأ غيظاً وحنقاً ويتلهف عطشاً وكان الحر مع الحسين (علیه السلام) الى ان وقعت الحملة التي قتل فيها جماعة وقيل خمسون من اصحاب الحسين (علیه السلام) وصاح الحسين (علیه السلام) اما من مغيث يغيثني اتى الحر الى الحسين (علیه السلام) وقال يا ابن رسول الله كنت اول خارج عليك فائذن لى لاكون اول قتيل بين يديك واول من يصافح جدك غداً والمعنى أول قتيل من المبارزين لأنه أول من برزفاذن له فيرز وجعل ينشد:

ص: 365

اني انا الحر مأوى الضيف *** اضرب في اعناقكم بالسيف

عن خير من حل بارض الخيف *** اضربكم ولا ارى من حيف

وفي يده سيف تلوح منه المنية في شفرته فكأن ابن المعتز وصفه بقوله:

ولي صارم فيه المنايا كوامن *** فلا ينتضى إلا لسفك دماء

وقتل نيفاً واربعين رجلا وكان يزيد بن سفيان من بني الحرث بن تميم يقول اما والله لو رأيت الحر حين خرج الى الحسين (علیه السلام) لا تبعته السنان فبينما الحر يقاتل وان فرسه لمضروب على اذنيه وحاجبيه وان دماءه لتسيل قال الحصين بن تميم ليزيد ابن سفيان هذا الحر الذي كنت تتمنى قال نعم وخرج اليه وقال ياحر هل في المبارزة قال نعم ادن مني فدنا منه فضر به الحر ضربة وقتله ثم تحرز منه اهل الكوفة وما برز احد اليه فرجع الحر الى الحسين (علیه السلام) ووقف مع الاصحاب حتى دعا عمر بن سعد الحصين بن تميم وبعث معه خمسماءة من الرماة فاقبلوا حتى دنوا من الحسين (علیه السلام) واصحابه فرشقوهم بالنبل فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم وصاروا راجلين قال ايوب بن مشرح الحيواني انا والله عقرت بالحر فرسه حشأته سهما فما لبث ان ارعد الفرس و اضطرب وكبا فوثب عنه الحر كأنه ليث والسيف في يده وهو يقول:

ان تعقروا بي فا انا ابن الحر *** اشجع من ذي ابد هزبر

ولست بالجبان عند الكر *** لكني الوقاف عند الفر

قال فما رأيت احداً يفرى فريه ثم اخذ يقاتل هو وزهير بن القين قتالا شديداً وانشأ الحر يقول:

آليت لا اقتل حتى اقتلا *** ولن اصاب اليوم إلا مقبلا

اضر بهم بالسيف ضربا مفصلا *** لا ناكلا عنهم ولا معللا

احمى الحسين الماجد المؤملا

ص: 366

فكان اذا شد احدهما واستلحم شد الآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة ثم شدت جماعة على الحر فقتلوه فاشترك في قتله ايوب بن مشرح ورجل آخر من فرسان اهل الكوفة فلما صرع وقف عليه الحسين (علیه السلام) ودمه يشخب قال السيد في (اللهوف) فاحتمله اصحاب الحسين حتى وضعوه بين يدي الحسين و به رمق فجعل الحسين (علیه السلام) يمسح الدم والتراب عن وجهه وهو يقول بخ بخ ياحر انت كما سمتك امك وانت الحر في الدنيا والآخرة ان شاء الله (تعالى) وقيل رثاه علي بن الحسين (علیه السلام)

لنعم الحر حر بني رياح *** صبور عند مختلف الرماح

لنعم الحر اذ نادى حسين *** فجاد بنفسه عند الصياح

فياربي اضفه في الجنان *** وزوجه مع الحور الملاح

وفى رواية انه كان يقاتل اشد القتال فصاح عمر بن سعد ياويلكم ارشقوه بالنبل فجعلوا يرشقونه بالنبل حتى صار درعه كالقنفذ واخذوه اسيراً واحتزوا رأسه ورموا به بين يدي الحسين (علیه السلام) فاخذ الحسين (علیه السلام) ومسح الدم عن وجهه و ثناياه الى آخر ما ذكر وفى بعض كتب المقاتل جاؤوا برأس الحر يحمله شمر بن ذي الجوشن حين ورودهم في دمشق الشام و في اذنه رقعة مكتوبة وهي قصيدة انشأها الحر حين توجه الى نصر الحسين (علیه السلام) فيها يذكر بني امية ويزيد وعبيد الله ويذمهم وانما علقت في اذنه لبقرأها يزيد واصحابه ويزداد غيظاً وحنقاً عليهم في الناسخ ذكر صاحب روضة الاحباب انه لما ارتجز الحر سمع ارجوزته اخوه مصعب وكان في عسكر ابن سعد فحمل على الحر وزعم العسكر انه حمل على اخيه فلما وصل اليه رحب به وقال يا اخي لقد ارشدتني وهديتني واني جئت تائباً فاتي به الحر الى الحسين (علیه السلام) وتاب واستتاب وصار في صفوف اصحاب الحسين ثم رجع الحر وارتجز وطلب المبارز فثقل ذلك على ابن سعد (لع) فدعا بصفوان بن حنظلة وكان مشهوراً بالشجاعة والشهامة ما بين

ص: 367

الاقران وقال له ابرز الى الحر وانصحه أولا لعله يرجع الينا فان ابي فاقتله فبرز صفوان شاكياً سلاحه فلما دنا من الحر اخذ فى نصحه وقال عدلت عن امام زمانك يزيد الى الحسين (علیه السلام) فقال يا صفوان كنت رجلا عاقلا واني لا عجب من كلامك اتشير علي ان اترك الحسين (علیه السلام) واكون مع يزيد شارب الخمر ابن الزنا فغضب صفوان وحمل على الحر وطعنه بالرمح فاتقاه الحر وطعنه في صدره طعنة خرجت من وراه ظهره وكان لصفوان اخوة ثلاث فحملوا على الحر في طلب الثار فاستلب الحر واحداً منهم من منطقته وارداه من على ظهر جواده الى الارض فهشم اضلاعه وعظامه ثم حمل على الآخر بالسيف وسقى الارض من دمه وحمل على الثالث فانهزم ولحقه الحر فاستلبه يرحمه والحقه باخوته ثم وقف في مكانه وطلب المبارز (دلائل العصمة) للشيعي السبزواري انه قتل منهم الفاً ومائة ونيفاً وخمسين فارساً وراجلا فكمنوا له واخذوه اسيراً فجاؤا به الى ابن سعد فقال له ابن سعد قتلت الابطال واوقعت المسبة والمعرة على المسلمين فقال الحر تكلتك امك وعدموك قومك تقتل ابن رسول الله وتشهد بالاسلام فاستشاط غضباً فحمل على ابن سعد فخلىء عنه فقتل خمسة رجال ثم احاطوا به واحتوشوه وحزوا رأسه ورموه الى الحسين «علیه السلام» ورأيت في بعض الكتب القدمة بالاسانيد المعتبرة ان الحر لما جاء الى الحسين «علیه السلام» كان ولده بكير معه وقال كن على اثري فاتى الى الحسين «علیه السلام» واعتذر وقال هل من توبة قال نعم يتوب الله عليك ففرح وقال الحسين «علیه السلام» من هذا الغلام قال سيدي هذا ولدي وهو يريد ان ينصرك فقال جزاكم الله عني خيراً ثم قال «علیه السلام» له انزل ياحر قال انا لك فارساً خير مني راجلا ثم قال لولده ابرز الى القوم بارك الله فيك فاني في اثرك فدنا بكير من الحسين «علیه السلام» وقبل يديه ورجليه وودعه وبرز بين الصفين فقال له الحز انصر يابني الذي طهرنا من القوم الظالمين ثم حمل على القوم ولم يزل يقاتل حتى قتل سبعين

ص: 368

مبارزاً ورجع الى ابيه وقال هل شربة من الماء اتقوى بها على اعداء الله واعداه رسوله فقال اصبر يابني قليلا وارجع فقاتل فرجع بكير ولم يزل يقاتل حتى قتل خلقاً كثيراً ثم استشهد وقتل رضوان الله عليه فلما نظر الحر اليه قتيلا قال الحمد لله الذي من عليك بالشهادة بين يدي ابن بنت رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] وقيل ان السر في بعد قبره عن الشهداء فرسخاً هو انه لما نادى ابن سعد [لع] بنداء رض الجسد الشريف اجتمعوا بنو رياح وقالوا ان جسد شيخنا في القتلى ولان عصى الامير ساعة واحدة فلقد اطاعه طول عمره فقال [لع] احملوا جسد شيخكم فحملوا بنو رياح عشيرة الحر جسده ودفنوه هناك وما احلى العشيرة اسفي على من فنيت عشيرته ولم يبق له من يمنع جسده عن الرض حين انتدب عشرة من اولاد زناً وداسوا بحوافر خيولهم صدر الحسين [علیه السلام] نقل ان شاه اسمعیل [ره] نبش قبر الحر بن يزيد الرياحي ليأخذ العصابة التي شدها الحسين (علیه السلام) على رأسه ليتبرك به ويستفتح بها في الغزوات والحروب فلما حل العصابة اذا بجراحة رأسه تشخب دما وكلما شدوها بغيرها ما سكن حتى شق من تلك العصابة شيئاً وعصب بها رأس الحر ومن هذه القصة يظهر ان رأس الحر باق على بدنه وما قطعوه عن جثته وعلى رواية قطع رأسه عند الحرب ورموا به الى عسكر الحسين (علیه السلام) فاخذه الحسين عليه السلام وجعل يمسح الدم عن وجهه الخ.

المجلس الرابع في شهادة حبيب (رحمه الله)

في الخبر ان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كان يوماً مع جماعة من اصحابه في بعض الطريق واذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق فجلس النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) عند صي منهم وجعل يقبل بين عينيه ويلاطفه ثم اقعده في حجره وكان يكثر تقبيله فسئل عن علة ذلك فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) أني رأيت هذا الصبي بوما يلعب مع الحسين ورأيته يرفع التراب

ص: 369

من تحت قدميه ويمسح به وجهه وعينيه فانا احبه لحبه لولدي الحسين (علیه السلام) ولقد اخبرني جبرئيل انه يكون من انصاره في وقعة كربلا وذكر بعض الثقات ان ذلك الطفل كان حبيب بن مظاهر الذي فدى الحسين بنفسه ومهجته وهذا في غابة البعد لما سيأتي وفي كتاب (ابصار العين) حبيب بن مظهر كمحمد كان صحابياً رای النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ونزل الكوفة وصحب علياً في حروبه كلها و كان من خاصته وحملة علومه ولما ورد مسلم بن عقيل الى الكوفة ونزل دار المختار واخذت الشيعة تختلف اليه جعل حبيب ومسلم بن عوسجة بأخذان البيعة للحسين (علیه السلام) في الكوفة حتى اذا دخل عبيد الله ابن زياد الكوفة وخذل اهلها عن مسلم (علیه السلام) وفر انصاره حبسها واخفاهما عشائرهما فلما ورد الحسين (علیه السلام) كربلا خرج حبيب ومسلم اليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا اليه (أقول) عثرت على رواية ذكرها الدربندي في (الاسرار) في كيفية لحوقه بالحسين (علیه السلام) يناسب ان اذكرها في هذا المقام روي ان حبيب بن مظاهر (رحمه الله) كان ذات يوم واقفاً في سوق الكوفة عند عطار يشتري صبغاً لكريمته فمر عليه مسلم بن عوسجة فالتفت اليه حبيب وقال يا اخي يامسلم اني ارى اهل الكوفة يجمعون الخيل والاسلحة فبكى مسلم وقال يا اخي ان اهل الكوفة صمموا على قتال ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فبكى حبيب ورمى الصبغ من يده وقال والله لا تصبغ هذه إلا من دم منحري دون الحسين (علیه السلام) فينما الحسين يسير من مكة الى الكوفة كتب كتابا الى حبيب نسخته هذه من الحسين بن علي بن ابي طالب الى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر اما بعد يا حبيب فانت تعلم قرابتنا من رسول الله وانت اعرف بنا من غيرك وانت ذو شيمة وغيرة فلا تبخل علينا بنفسك يجازيك جدي رسول الله يوم القيامة ثم ارسله الى حبيب وكان حبیب جالساً مع زوجته و بين ايديهما طعام يأكلان اذ غصت زوجته في الطعام فقالت الله اكبر يا حبيب الساعة يرد علينا كتاب كريم من رجل

ص: 370

كريم فبينما هم في الكلام واذا بطارق يطرق الباب فخرج اليه حبيب وقال من الطارق قال انا رسول الحسين «علیه السلام» اليك فقال حبيب الله اكبر صدقت الحرة بما قالت ثم ناوله الكتاب ففضه وقرأه فسألته زوجته عن الخبر فاخبر فبكت وقالت بالله عليك يا حبيب لا تقصر عن نصرة ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فقال اجل حتى اقتل بين يديه وتصبغ شيبتي من دم نحري وكان حبيب يريد ان يكتم امره على عشيرته وبني عمه لئلا يعلم به احد خوفا من ابن زياد فبينما حبيب ينظر في اموره وحوائجه واللحوق بالحسين (علیه السلام) إذ أقبل بنو عمه اليه وقالوا يا حبيب بلغنا انك تريد ان تخرج لنصرة الحسين ونحن لا نخليك ما لنا والدخول بين السلاطين فاخفى حبيب ذلك وانكر عليهم فرجعوا عنه وسمعت زوجته فقالت ياحبيب كأنك كاره للخروج لنصرة الحسين (علیه السلام) فاراد ان يختبر حالها فقال نعم فبكت وقالت يا حبيب انسيت كلام جده في حقه واخيه الحسن (علیه السلام) حيث يقول ولداي هذان سيدا شباب اهل الجنة وهما امامان قاما او قعدا وهذا رسوله وكتابه اتى اليك ويستعين بك وانت لم تجبه فقال حبيب اخاف على اطفالي من اليتم واخشى ان ترملي بعدي فقالت ولنا التأسي بالهاشميات والبنيات والايتام من آل رسول الله والله تعالى كفيلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل فلما عرف حبيب منها حقيقة الامر دعا لها وجزاها خيراً واخبرها بما هو في نفسه وانه عازم على المسير والرواح فقالت لي اليك حاجة فقال وما هي قالت بالله عليك ياحبيب اذا قدمت على الحسين (علیه السلام) قبل يديه ورجليه نيابة عني واقرأه عني السلام فقال حباً وكرامة ثم اقبل حبيب على جواده وشده شداً وثيقاً وقال لعبده خذ فرسي وامض به ولا يعلم بك احد وانتظرني في المكان الفلاني فاخذه العبد ومضى به وبقى ينتظر قدوم سيده ثم ان حبيب ودع زوجته واولاده وخرج مختفياً كأنه ماض الي ضيعة له خوفاً من اهل الكوفة فاستبطأه الغلام واقبل على الفرس وكان قدامه علف

ص: 371

يأكل منه فجعل الغلام يخاطبه ويقول له يا جواد ان لم يأت صاحبك لاعلون ظهرك وامضي بك الى نصرة الحسين (علیه السلام) فلما سمع الجواد خطاب الغلام له جعل يبكي ودموعه تجري على خديه وامتنع عن الاكل فبينما هو كذلك فاذا بحبيب قد اقبل فسمع خطاب الغلام فصفق باحدى يديه على الاخرى وقال بابي انت وامي يا ابن رسول الله العبيد يتمنون نصرتك فكيف بالاحرار ثم قال لعبده يا غلام انت حر لوجه الله فبكى الغلام وقال سيدي والله لا تركتك حتى امضي معك وانصر الحسين ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) واقتل بين يديه فجزاه خيراً فارا وكان الحسين (علیه السلام) نزل في طريقه بارض وقد عقد اثني عشر راية وقد قسم رايانه بين اصحابه و بقيت راية فقال له بعض اصحابه من علي بحملها فقال (علیه السلام) يأتي اليها صاحبها وقالوا يا ابن رسول الله دعنا نرتحل من هذه الأرض فقال لهم صبراً حتى يأني الينا من يحمل هذه الراية الاخرى فبينما الحسين (علیه السلام) واصحابه في الكلام واذا هم بغيرة ثاثرة فالتفت الامام (علیه السلام) وقال لهم ان صاحب هذه الراية قد اقبل فلما صار حبيب قريباً من الامام المظلوم ترجل عن جواده وجعل يقبل الأرض بين يديه وهو يبكي فسلم على الامام واصحابه فردوا عليه السلام فسمعت زينب بنت امير المؤمنين (علیه السلام) فقالت من هذا الرجل الذي قد اقبل فقيل لها حبيب بن مظاهر فقالت اقرأوه عني السلام فلما بلغوه سلامها لطم حبيب على وجهه وحثا التراب على رأسه وقال من انا ومن اكون حتى تسلم على بنت امير المؤمنين (علیه السلام) في (البحار) ولما وصل حبيب الم. الحسين ورأى قلة انصاره وكثرة محاربيه قال الحسين ان ههنا حياً من بني اسد بالقرب منا فلو اذنت لي لسرت اليهم ودعوتهم الى نصرتك لعمل الله ان يهدبهم ويدفع بهم عنك فاذن له الحسين (علیه السلام) فخرج حبيب اليهم في جوف الليل مستنكراً حتى انى اليهم فعرفوه انه من بني اسد فقالوا ما حاجتك فقال اني قد اتيتكم بخير ما اتى به وافد الى قوم اتيتكم

ص: 372

ادعوكم الى نصرة ابن بنت نبيكم فانه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من الف رجل لن يخذلوه ولن يسلموه ابداً وهذا عمر بن سعد (لع) قد احاط به وقد اطافت به اعداؤه ليقتلوه فاتيتكم لنمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله فيه فوالله لئن نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والآخرة وانتم قومي وعشيرتي وقد اتيتكم بهذه النصيحة فاطيعوني اليوم في نصرته فاني اقسم بالله لا يقتل احد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) صابراً محتسباً إلا كان رفيقاً لمحمد (صلی الله علیه وآله وسلم) في علبين فوثب اليه رجل من بني اسد وقال شكر الله سميك يا ابا القاسم فوالله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المره الاحب فالاحب انا اول من يجيب هذه الدعوة ثم جعل يرتجز ويقول:

قد علم القوم اذا توا كاوا *** واحجم الفرسان او تثاقلوا

اني شجاع بطل مقاتل *** كأنني ليث عرين باسل

ثم تبادر وجال الحي حتى التم منهم تسمون رجلا فاقبلوا يريدون الحسين (علیه السلام) وخرج رجل من الحي حتى صار الى عمر بن سعد فاخبره بالحال فدعا عمر بن سعد رجلا من اصحابه يقال له الازرق فضم اليه اربعمأة قارس ووجهه نحو حي بني اسد فبينما أولئك القوم قد اقبلوا يريدون عسكر الحسين (علیه السلام) في جوف الليل اذ استقبلهم خيل ابن سعد (لع) على شاطىء الفرات وبينهم وبين عسكر الحسين (علیه السلام) الیسير فناوش القوم بعضهم بعضاً واقتتلوا قتالا شديداً وصاح حبيب بن مظاهر بالازرق ويلك مالك ومالنا انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك فابى الازرق ان يرجع وعلمت بنو اسد انه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين الى حيهم ثم انهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد ان يبيتهم ورجع حبيب بن مظاهر الى الحسين (علیه السلام) فخبره بذلك فقال (علیه السلام) لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ورجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطيء الفرات فحالوا بين الحسين وبين اصحابه وبين الماء واضر العطش

ص: 373

بالحسين (علیه السلام) واصحابه وكان حبيب صاحب لواء الحسين ومن خواص اصحابه ولا يفارقه في كربلا ليلا ولا نهاراً وقد عثرت على رؤیاً ذكره المرحوم ثفة الاسلام النوري في دار السلام فاحببت ابراده قال حدثني العالم الجليل الحاج الشيخ جعفر التستري ما ملخصه اني سألت الله ليفتح عليّ ابواب العلم وينور قلبي بنور العلم والحكمة فرأيت ليلة في منامي كأني نزلت بكر بلا والحسين (علیه السلام) نازل بها مع اصحابه واهل بيته فدخلت خيمة واذا بالحسين (علیه السلام) جالس و بين يديه حبيب بن مظاهر فسلمت عليه فقر بني وادناني و لطف بي ثم قال لحبيب بن مظاهر ان فلاناً واشار الي ضيفنا اما الماء فلا يوجد عندنا منه شيء وأنما يوجد عندنا دقيق وسمن واصنع له منهما طعاما واحضره لديه فمضى حبيب فما لبث ان جاء به ومعه ملعقة فاكلت منه لقيمات او ملاعق وانتبهت فببركة ذلك فتح الله عليّ ابواب العلم ونور قلبي بالحكمة وقتل حبيب يوم عاشوراء عند الظهر حين استأذن الحسين (علیه السلام) اهل الكوفة لصلاة الظهر وطلب منهم المهلة لاداء الصلاة قال له الحصين بن نمير صل انها لا تقبل منك فقال له حبيب انها لا تقبل زعمت الصلاة من آل رسول الله وتقبل منك ياخمار فحمل الحصين عليهم فخرج اليه حبيب وضرب حبيب وجه فرس الحصين بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه فحمله اصحابه واستنقذوه وجعل حبيب يحمل فيهم ليختطفه منهم وهو يقول:

اقسم لو كنا لكم اعدادا *** او شطركم وليتم الاكتادا *** ياشر قوم حسبا وادا

ثم قاتل القوم ويضر بهم بسيفه وهو يقول:

انا حبيب وابي مظهر *** فارس هيجاء وحرب تسعر

انتم اعد عدة واكثر *** ونحن اوفى منكم واصبر

وانتم عند الوفاء اغدر *** ونحن اعلى حجة واظهر

حقاً واتقي منكم واعذر

ص: 374

وقال ابو مخنف سلم حبيب على الحسين (علیه السلام) وودعه وقال والله يامولاي اني لارجو ان اتمم صلاتي في الجنة واقرأ اباك وجدك واخاك عنك السلام انتهى ثم برز ولم يزل يقاتل حتى قتل اثنين وستين فارساً فحمل عليه رجل من بني تميم يقال له بديل بن صريم من بني عقفان فضربه بالسيف على رأسه وحمل عليه آخر من بنى تميم وطعنه برمحه فوقع وذهب ليقوم فضر به الحصين بن نمير على رأسه بالسيف فسقط فنزل اليه التميمي فاحتز رأسه فقال الحصين انا شريكك في قتله فقال التميمي والله ما قتله غيري فقال الحصين اعطنيه اعلقه في عنق فرسي كیما يرى الناس ويعلموا اني شريكك في قتله ثم خذه انت فامض به الى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك اياه فابى عليه فاصلح قومهما فيما بينهما على ذلك فدفع اليه رأس حبیب فعلقه بعنق فرسه فجال به في العسكر ثم دفعه بعد ذلك اليه فاخذه التميمي فعلقه في لبان فرسه ثم اقبل به الى ابن زياد وجال به فى الكوفة وظهر ما اخبر به ميثم التمار (رحمه الله) وذلك عن فضل بن الزبير قال مر ميثم التمار على فرس له فاستقبله حبيب عند مجلس بني اسد فتحادثا حتى اختلف اعناق فرسيهما ثم قال حبيب لكأني بشيخ اصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صلب في حب اهل بيت نبيه فتبقر بطنه على الخشبة فقال ميثم واني لاعرف رجلا احمر له ضفيرتان يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة ثم افترقا فقال اهل المجلس ما رأينا اكذب من هذين قال فلم يفترقا اهل المجلس حتى اقبل رشيد الهجري فطلبهما فقالوا افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا فقال رشيد رحم الله ميثما نسى ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم ثم ادبر فقال القوم هذا والله اكذبهم قال فما ذهبت الايام والليسالي حتى قتل میثم ورأيناه مصلوبا على باب عمرو بن حريث وجيء برأس حبيب قد قتل مع الحسين (علیه السلام) ورأينا كل ما قالوا ولما جاء التميمي برأس حبيب الى قصر الامارة

ص: 375

بصر به القاسم بن حبيب وهو يومئذ قد راهق فاقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه واذا خرج خرج معه فارتاب به التميمي فقال مالك يا بني تتبعني قال لا شيء قال على يابني فاخبرني قال ان هذا رأس ابى افتعطنيه حتى ادفنه قال يا بني لا يرضى الامير ان يدفن وانا اريد ان يثيبني الامير على قتله ثوابا حسناً فقال القاسم لكن لا يثيبك على ذلك إلا اسوأ الثواب ام والله لقد قتلت خيراً منك وبكى ثم فارقه ومكث القاسم حتى اذا ادرك لم تكن له همة إلا اتباع اثر قاتل ابيه ليجد منه غرة فيقتله بابيه فلما كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميراء دخل عسكر مصعب فاذا قاتل ابيه في فسطاطه فاقبل يختلف في طالبه والتماس غرته فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضر به بالسيف حتى برد وقتل ولما قتل حبيب بان الانكسار في وجه الحسين وقال (علیه السلام) لله درك ياحبيب لقد كنت فاضلا تختم القرآن في ليلة واحدة قال ابو مخنف ما قتل حبيب هد ذلك الحسين (علیه السلام) وقال عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي وفي ذلك يقول الاديب الفاضل الشيخ محمد السماوي

ان يهد الحسين قتل حبيب *** فلقد هد قتله كل ركن

بطل قد لقى جبال الاعادي *** من حديد فردها كالعهن

لا يبالي بالجمع حيث توخى *** فهو ينصب كانصباب المزن

إخذ الثار قبل ان يقتلوه *** سلفاً من منية دون من

قتلوا منه منه الحسين حبیباً *** جامعاً في فعاله كل حسن

(اقول) لما قتل حبيب بان الانكسار في وجه الحسين (علیه السلام) سره واضح لان اطمینان قلب السلطان وقلوب العسكر بحامل اللواء فاذا سقط اللواء يتزلزل قلب السلطان والمسكر و كان زهير حامل لواء المهيمنة وحبيب حامل لواء الميسرة والعباس حامل لواء القلب ولهذا لما قتل حبيب بان الانكسار في وجه الحسين وكذلك لما قتل العباس (علیه السلام)

ص: 376

المجلس الخامس

في شهادة مسلم بن عوسجة وهو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة الاسدى وكان رجلا شريفاً سريا عابداً متنسكا فارساً شجاعاً له ذكر في المغازي والفتوح الاسلامية وكان صحابياً ممن رأى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو ممن كاتب الحسين (علیه السلام) من الكوفة وممن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل الى الكوفة وكان (رحمه الله) وكيل مسلم في قبض الاموال وبيع وشراء الاسلحة واخذ البيعة ثم انه بعد ان قبض على مسلم وهاني وقتلا اختفى مدة ثم فر باهله الى الحسين «علیه السلام» فوافاه بكر بلا وفداه بنفسه وهو القائل للحسين «علیه السلام» ليلة العاشر نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد احاط بك هذا العدو لا والله لا يراني الله ابداً وانا افعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي واضاربهم بسبفى ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن لي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم افارقك او اموت معك ولقد بالغ في قتال الاعداء وصبر على اهوال البلاء حتى سقط الى الارض وذلك ان عمرو بن الحجاج نادى في اصحابه بحيث يسمع الحسين «علیه السلام» يا اهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف امام الحق فقال الحسين «علیه السلام» يا ابن الحجاج اعليّ تحرض الناس انحن مرقنا من الدين وانتم ثبتم عليه والله لتعلمن اينا المارق عن الدين ومن هو اولى بصلي النار فغضب اللعين فحمل من نحو الفرات في ميمنة اصحاب الحسين «علیه السلام» فيمن كان معه وقاتلهم الحسين «علیه السلام» واصحابه وكان فيهم زهير بن القين ومسلم بن عوسجة وكان مسلم يقاتل فتالا شديداً ويحمل فيهم وسيفه مصلت بيمينه ويقول:

أن تسألوا عني فاني ذو لبد *** من فرع قوم من ذرى بني اسد

ص: 377

فمن بغانا حائد عن الرشد *** و کافر بدین جبار صمد

ولم يزل يضرب فيهم فاضطربوا ساعة ثم انصرف عمرو بن الحجاج واصحابه وانقطعت الغبرة فاذا هم بمسلم بن عوسجة قد سقط الى الارض وصرع فمشى اليه الحسين «علیه السلام» ومعه حبيب وكان به رمق من الحياة فقال الحسين «علیه السلام» رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ثم دنا منه حبيب بن مظاهر وقال يعز والله علي مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة فقال له بصوت ضعيف بشرك الله بخير فقال له حبيب يا مسلم لولا اعلم اني في الاثر لاحببت ان توصي الي بكل ما اهمك فقال مسلم اني اوصيك بهذا واشار الى الحسين «علیه السلام» فقاتل دونه حتى تموت فقال حبيب لا نعمنك عيناً فما كان باسرع من ان فاض بين ايديهم وكان المتولي في قتله مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الرحمن بن ابي خشكارة البجلي فاشتركا في قتله ولقد ذكرت في هذا المقام وصية سعد بن الربيع قومه بنصر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وهو يناسب ما اوصى به مسلم وذلك لما سكن القتال يوم احد قال رسول (صلی الله علیه وآله وسلم) من له علم بسعد بن الربيع فقال رجل انا اطلبه فاشار رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الى موضع فقال اطلبه هناك فاني لقد رأيته في ذلك الموضع قد شرعت حوله اثني عشر رمحاً قال فاتيت ذلك الموضع فاذا هو صريع بين القتلى فقلت ياسعد فلم يجبني فقلت ياسعد ان رسول الله قد سأل عنك فرفع رأسه فانتعش كما ينتعش الفرخ ثم قال ان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لحي قلت اني والله انه لحي وقد اخبرني انه رأى حولك اثني عشر رمحاً فقال الحمد لله صدق رسول الله قد طعنت اثنتي عشرة طعنة كلها قد اجافتي ابلغ قومي الانصار السلام وقل والله ما لكم عند الله عذر ان تشوك رسول الله شوكة وفيكم عين تطرف ثم تنفس فخرج منه مثل دم الجزور وكان قد احتقن في جوفه وقضى نحبه ثم جئت الى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فاخبرته فقال رحم الله سعداً نصرنا حياً واوصى بنا ميتاً ما اشبهت

ص: 378

وصية سعد في نصر رسول الله بوصية مسلم بن عوسجة لحبيب بن مظاهر في نصرة الحسين (علیه السلام) ولقد اجاد الشاعر:

نصروه احياء وعند وفاتهم *** يوصي بنصرته الشفيق شفيقاً

اومى ابن عوسجة حبيباً قال *** قاتل دونه حتى الحمام تذوقا

ولما قتل مسلم بن عوسجة نادى اصحاب ابن سعد مستبشرين قتلنا مسلم بن عوسجة فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله ثكلتكم امهاتكم تقتلون انفسكم بايديكم وتبذلون انفسكم لغيركم اتفرحون ان يقتل مسلم بن عوسجة اما والذي اسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمين كريم لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل ان تلتم خيول المسلمين افيقتل منكم مثله وتفرحون (اقول) هذا اللعين يلوم اهل الكوفة حين استبشروا بقتل مسلم بن عوسجة وهو الذي بنى مسجداً فرحاً بقتل الحسين (علیه السلام) احد المساجد الاربعة الملعونة مسجد شبث بن ربعي التي بنيت فرحا بقتل الحسين (علیه السلام) ولما قتل مسلم بن عوسجة صاحت جارية له واسيداه يا ابن عوسجتاه وزينب لما قتل الحسين (علیه السلام) صاحت وا اخاه واسید اهل بيتاه خرجت حافية حاسرة واضعة يدبها على رأسها وتنادي ليت السماء اطبقت على الارض وفي مسلم قيل:

اوصى حبيباً ان يجود له *** بالنفس من مقت ومن حب

اعزز علينا يا ابن عوسجة *** من ان تفارق ساعة الحرب

عانقت بيضهم ومحرهم *** ورجعت بعد معانق الترب

ابكي عليك وما يفيد بكاء *** عيني وقد اكل الاسى قلبي

في شهادة غلام صغير من الاصحاب قد ذكر الفاضل الكامل الشيخ عباس القمي في كتابه الحي (بنفس المهموم) قال دام فضله قد حكي من (روضة الاحباب) ومثله

ص: 379

في (روضة الشهداء) ان هذا الفتى ابن مسلم بن عوسحة الاسدي في (البحار) خرج شاب قتل ابوه في المعركة وكانت امه معه فقالت له امه اخرج يابني وقاتل بين يدي ابن رسول الله فخرج فقال الحسين (علیه السلام) هذا شاب قتل ابوه و لعل امه تكره خروجه فقال الشاب امي امرتني بذلك في (الناسخ) قال الحسين - ع - يافتى قتل ابوك ولو قتلت فالى من تلتجىء امك في هذا القفر فاراد ان يرجع فجاءته امه وقالت يابني تختار سلامة نفسك على نصرة ابن بنت رسول الله فلا ارضى عنك ابداً فبرز الشاب وقاتل قتال الابطال وامه تنادي خلفه ابشر يابني ستسقى من يد ساقي حوض الكوثر فلم يزل الى ان قتل ثلاثين فارساً ثم قتل انتهى فبرز وهو يقول:

اميري حسين ونعم الامير *** سرور فؤادي البشير النذير

علي وفاطمة والداه *** فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضحى *** له غرة مثل بدر منير

(اقول) يالها من طلعة غراء وغرة نوراء ما صنعوا بها حين وقف ليستريح ساعة وقد ضعف عن القتال الخ وقاتل حتى قتل وحز رأسه ورمي به الي عسكر الحسين (علیه السلام) فاخذت امه رأسه وقالت احسنت يابني ياسرور قلبي وياقرة عيني ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته واخذت عمود الخيمة وحملت عليهم وهي تقول:

انا عجوز سيدي ضعيفة *** خاوية بالية نحيفة

اضربكم بضربة عنيفة *** دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجلين فقتلتهما فامر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها.

المجلس السادس

في شهادة زهير بن القين وهو زهير بن القين بن قيس الأنماري كان زهير

ص: 380

رجلا شريفاً في قومه نازلا بالكوفة وكان شجاعا له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة وكان اولا عثمانياً فحج سنة ستين في اهله ثم عاد فوافق الحسين في الطريق فهداه الله وانتقل علوياً حدث جماعة من بني فزارة وبجيلة قالوا كنا مع زهير بن القين لما اقبلنا من مكة فكنا نساير الحسين (علیه السلام) حتى لحقناه فكان اذا اراد النزول اعتزلناه فنزلنا ناحية فلما كان في بعض الايام نزل فى مكان لم نجد بداً من ان ننازله فيه فبينا نحن نتغدى من طعام انا اذ أقبل رسول الحسين (علیه السلام) حتى سلم ثم قال يازهير ابن القين ان ابا عبدالله الحسين (علیه السلام) بعثني اليك لتأتيه فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأن على رؤوسنا الطير فقالت له زوجته وهي دلهم (دبلم خ ل) بنت عمرو سبحان الله ايبعث اليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فلو اتيته فسمعت من كلامه فمضى اليه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشراً قد اشرق وجهه فامر بفسطاطه وثقله ومتاعه فحول الى الحسين (علیه السلام) وقال لامرأته انت طالق فاني لا احب ان يصيبك بسبي إلا خيراً وقد عزمت على صحبة الحسين (علیه السلام) لافديه بنفسي واقيه بروحي ثم اعطاها مالها وسلمها الى بعض بني عمها ليوصلها الى اهلها فقامت اليه وبكت وودعته وقالت كان الله عوناً ومعيناً خار الله لك اسألك ان تذكرني في القيمة عند جد الحسين (علیه السلام) ومن هذه الرواية يظهر انها فارقت زهيراً وانصرفت الى اهلها ومن رواية اخرى يظهر انها ما فارقته بل وكانت معه وفى تاريخ اعشم الكوفي ما فارقت زهيراً وقالت اتحب ان تكون مع ابن المرتضى ولا احب ان اكون مع بنت المصطفى وفي (تذكرة السبط) وكان زهير بن القين (رحمه الله) قد قتل مع الحسين (علیه السلام) وقالت امر أنه لغلام له اذهب فكفن مولاك فذهب فرأى الحسين (علیه السلام) مجرداً فقال اكفن مولاي وادع الحسين لا والله فكفته ثم كفن مولاه في كفن آخر ثم قال زهير لاصحابه من احب منكم ان يتبعني وإلا فانه آخر العهد مني اني سأحدثكم حديثاً

ص: 381

عزونا بلنجر ففتح الله علينا واصبنا غنائم فقال لنا سلمان هو سلمان بن ربيعة الباهلي وقيل سلمان الفارسي لانه كان في الجيش افرحتم بما فتح الله عليكم واصبنم من المغانم فقلنا نعم فقال اذا ادركتم سيد شباب اهل الجنة فكونوا اشد فرحا بقتالكم معه بما اصبتم من المغانم فاما انا فاني استودعكم الله قال ثم والله ما زال في اول القوم حتى قتل وهو القائل للحسين (علیه السلام) حين خطب الحسين (علیه السلام) في اصحابه قريباً من ارض كربلا قام زهير بن القين وقال قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الاقامة فدعا له الحسين (علیه السلام) وقال (رض) ايضاً ليلة العاشر من المحرم والله لوددت اني قتلت ثم نشرت الف مرة وان الله تعالى قد دفع القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من اخوانك و ولدك واهل بيتك وله حملات في يوم عاشوراء منها حين ان شمر بن ذي الجوشن حمل وطعن فسطاط الحسين (علیه السلام) برمحه ونادى علىّ بالنار حتى احرق هذا البيت على اهله فصاحت النساء وخرجن من الفسطاط فصاح به الحسين «علیه السلام» يا ابن ذي الجوشن انت تدعو بالنار لتحرق بني على اهلي احرقك الله بالنار قال حميد بن مسلم قلت اشمر سبحان الله ان هذا لا يصلح لك تريد ان تجمع على نفسك خصلتين تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء ان في قتلك الرجال لما يرضى به اميرك فجاءه شبث بن وبعي وقال له يا ابن ذي الجوشن ما رأيت مقالا اسوأ من قولك ولا موقفاً اقبح من موقفك امرعباً للنساء صرت فكأن اللعين استحي فذهب لينصرف وكان زهير بن بن القبن في رجال من اصحابه عشرة فشد على شمر بن ذي الجوشن واصحابه فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها فهي عوا ابا عزرة الضبابي فقتلوه وكان من اصحاب شمر وذوي قرباه فاقتتلوا حتى قتل اكثرهم وسلم زهير و كان زهير في ميمنة اصحاب الحسين (علیه السلام) وحبيب على الميسرة ولما صلى الحسين (علیه السلام) باصحابه صلاة الظهر قدم زهيراً وسعيد بن

ص: 382

عبدالله الحنفي امامه حتى صلى بهم ولما فرغ الحسين (علیه السلام) من الصلاة تقدم زهير وجعل يقاتل قتالا لم ير مثله واخذ يحمل على القوم ويقول:

انا زهير وانا ابن القين *** اذودكم بالسيف عن حسين

ان حسيناً احد السبطين *** من عترة البر التقي الزين

ثم رجع فوقف امام الحسين (علیه السلام) واخذ يضرب على منكب الحسين (علیه السلام) ويقول:

فدتك نفسي هادياً مهديا *** اليوم التى جدك النبيا

وحسناً والمرتضى علياً *** وذا الجناحين الشهيد الحيا

فكأنه ودعه وعاد يقاتل حتى قتل مائة وعشرين رجلا فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه ولما صرع وقف عليه الحسين (علیه السلام) وقال لا يبعدك الله يا زهير ولعن الله قاتلك لمن الذين مسخوا قردة وخنازير.

المجلس السابع

في شهادة نافع بن هلال وهو نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد الجملى ويجري على بعض الالسن هلال بن نافع وهو غلط كما يجري على السنتهم البجلي وهو أيضاً غلط الجملي منسوب الى جمل بطن من مذحج وهو سيد شجاع وكان سريا قارئاً كاتباً من حملة الحديث ومن اصحاب امير المؤمنين (علیه السلام) وحضر معه حروبه الثلاثة في العراق وخرج الى الحسين «علیه السلام» فلقيه في الطريق وكان ذلك قبل قتل مسلم بن عقيل «علیه السلام» وكان اوصى ان يتبع بفرسه المسمى بالكامل فاتبع وهو القائل للحسين «علیه السلام» والله ما اشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك وهو الذي بعثه الحسين «علیه السلام» في كربلا مع

ص: 383

اخيه العباس في ثلاثين فارساً وعشرين راجلا وبعث معهم عشرين قربة ليستقوا ماء وجاؤوا ليلا الى آخر ما في القصة في «الناسخ» ان نافعاً كان شابا حسنا بديع الجمال رشيق القامة وكانت له مخطوبة لم يضاجعها ولما رأت ان نافعاً برز تعلقت باذياله وبكت بكاء شديداً وقالت الى ابن تمضي وعلى من اعتمد بعدك فسمع الحسين «علیه السلام» ذلك قال له يا نافع ان اهلك لا يطيب لها فراقك فلو رأيت ان تختار سرورها على البراز فقال يا ابن رسول الله لو لم انصرك اليوم فيماذا اجيب غداً رسول الله وبرز وهو يقول:

ان تنكروني فانا ابن الجملي *** ديني على دين حسين وعلي

ان اقتل اليوم فهذا املي *** فذاك رأیي والاقي عملي

فقال له مزاحم بن حريث انا على دين عثمان فقال له نافع انت على دين الشيطان ثم شد عليه بسيفه فاراد ان يولي ولكن السيف وصل اليه فوقع مزاحم قتيلا وكان نافع قد كتب اسمه على افواق نبله فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول:

ارمي بها معلمة افواقها *** مسمومة تجري بها اخفاقها

ليملأن ارضها رشافها *** والنفس لا ينفعها اشفاقها

فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ثم ضرب يده على سيفه فاستله فقتل اثني عشر رجلا من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح اذا تواثبوا عليه واطافوا به يضار بونه بالاحجار والنصال حتى كسروا عضديه فاخذوه اسيراً فامسكه شمر ومعه اصحابه يسوقونه الى عمر بن سعد فقال له عمر ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك قال ان ربي يعلم ما اردت فقال له رجل وقد رأى الدماء تسيل على لحيته اما ترى ما بك قال والله لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت وما الوم نفسي على الجهد ولو بقيت لي عضد وساعد ما اسرتموني فقال شمر لابن سعد «لع» اقتله

ص: 384

اصلحك الله قال انت جئت به فان شئت فاقتله قال فانتضى شمر بسيفه فقال له نافع اما والله لو كنت من المسلمين لعظم عليك ان تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على ايدي شرار خلقه ثم قتله وفيه يقول الفاضل الاديب الشيخ محمد السماوي زید فضله:

ألا وب رام يكتب السهم نافعاً *** ويعني به نفعاً لآل محمد

فلو ناضلوه ما اطافوا بغابه *** ولكن رموه بالحجار المحدد

فاضحي خضيب الشيب من دم رأسه *** كسير یدينقاد للاسر عن ید

وما وجدوه واهناً بعد اسره *** ولكن بسيما ذي براثن ملبد

فان قتلوه بعد ما ارتث صابراً *** فلا فخر في قتل الهزبر المخضد

ولو بقيت منه يدلم يقد لهم *** ولم يقتلوه لو نضا لمهند

يعني لو كانت يداه سالمتين ما اخذوه اسيراً وما قتل بهذه السرعة ولو تمكن من اخذ السيف لما قدروا عليه بان يأخذوه اسيراً هذا القول فيمن كسرت عضده فكيف بمن قطعت يداه وبقي بين الاعداء بلا يمين ولا شمال وهو قمر بني هاشم العباس بن علي «علیه السلام» الخ.

المجلس الثامن

في شهادة وهب «رض» وهو وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي وكان نصرانياً ومعه امه وزوجته فاسلم هو وامه على يدي الحسين «علیه السلام» فاتبعوه الى كربلا فاقبلت امه وقالت يا بني قم فانصر ابن بنت رسول الله فقال افعل يا اماه ولا اقصر فبرز وهو يقول:

ان تنكروني فانا ابن الكلبي *** سوف تروني وترون ضربي

ص: 385

وحملتي وصولتي في الحرب *** ادرك ثاري بعد ثار صحبي

وادفع الكرب امام الكرب *** ليس جهادي في الوغى باللعب

فلم يزل يقاتل حتى قتل جماعة منهم فرجع الى امه وامرأته فوقف عليها وقال يا اماه ارضيت عني فقالت ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين (علیه السلام) فقالت امرأته بالله لا تفجعني في نفسك فقالت امه يا بني لا تقبل قولها وارجع وقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) تنل شفاعة جده يوم القيامة فرجع فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارساً وعشرين راجلا ثم قطعت یداه واخذت امرأته عموداً واقبلت نحوه وهي تقول فداك ابي وامي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فاقبل كي يردها إلى النساء فاخذت بجانب ثوبه فقالت لن اعود او اموت معك فقال الحسين (علیه السلام) جزيتم من ببتي خيراً ارجعي الى النساء رحمك الله فانصرفت وجعل يقاتل حتى اخذ أسيراً فاتي به الى عمر بن سعد (لع) فقال ما اشد صولتك ثم امر بضرب عنقه فضرب ورمي برأسه الى عسكر الحسين (علیه السلام) فاخذت امه الرأس فقبلته ووضعته في حجرها وجعلت تمسح الدم عن وجهه وتقول الحمد لله الذي بيض وجهي بشهادتك ياولدي بين يدي ابي عبد الله الحسين (علیه السلام) ثم قالت يا امة السوء اشهد ان اليهود في بيعها والنصارى في كنائسها خير منكم ثم رمت برأس ولدها نحو القوم فاصابت به الذي قتل ولدها فقتلته ثم شدت بعمود الفسطاط فقتلت رجلين فقال لها الحسين (علیه السلام) ارجعي يا ام وهب انت وابنك مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

ارجعي للنساء يرحمك الله *** واندبينا القتيل بعد القتيل

كتب القتل والقتال علينا *** وعلى المحصنات جر الذيول

فان الجهاد مرفوع عن النساء فرجعت وهي تقول الهي لا تقطع رجائي فقال لها الحسين (علیه السلام) لا يقطع الله رجائك ياام وهب وفيها قال الشاعر:

ص: 386

طوبى لها بذلت للقتل انفسها *** وعندها انذاك القتل يحبيبها

تسابقت للقنا في ذات سيدها *** واستبدلت بجوار عند باريها

فذهبت امرأته تمسح الدم والتراب عن وجهه وتقول هنيئاً لك الجنة وفي خبر تكحل من الدم في عينيها فبصر بها شمر فامر غلامه يسمى رستم فضر بها بعمود فشدخها وقتلها وهي اول امرأة قتلت في عسكر الحسين (علیه السلام) بيض الله وجهها وحشرها مع الزهراء قتلت في نصرة الحسين (علیه السلام) وامرأة اخرى قتلت ايضاً في نصرة الحسين (علیه السلام) لكن بالكوفة وهي امرأة شمر بن ذي الجوشن وسيأتي تفصيله ان شاء الله وساق صاحب (الناسخ) في شهادة وهب بن عبد الله الى ان قال قالت له زوجته بالله لا تفجعني في نفسك فقالت امه يابني لا تقبل قولها ولا تدع نصرة الحسين (علیه السلام) لانه لا تنال شفاعة جده إلا برضاه ورضاي ولما كان منذ عرس وهب الى يوم الطف سبعة عشر يوماً كان يصعب على امرأته فراقه فقالت ياوهب اني اعلم انك اذا قتلت فى نصرة ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلام) دخلت الجنة وضاجعت الحور وتنساني فيجب ان آخذ منك عهداً بمحضر الحسين (علیه السلام) في ذلك فاقبل وهب وامرأته الى الحسين (علیه السلام) فقالت يا ابن رسول الله لي حاجتان (الاولى) انه اذا مضى عني ذهب فابقى بلا محامي وكفيل فسلمني الى اهل بيتك (والثانية) اذا قتل وهب فيضاجع الحور فتكون شاهداً على ان لا ينساني فلما سمع الحسين (علیه السلام) كلامها بكى بكاء شديداً ثم اجاب سؤلها واطاب خاطرها ثم برز وهب وقاتل حتى قطع رجل يمينه فاخذ السيف بشماله ايضاً رجل من كندة فاخذت امرأته عمود الخيمة وحملت على القوم وهي تقول ياوهب فداك ابي وامي قاتل دون الطيبين حزم رسول الله (صلی الله علیه وۀه وسلم) قال لها كنت تنهينني عن نصرة الحسين (علیه السلام) والآن تحرضينني قالت يا وهب لقد عفت الحياة وتركت الدنيا منذ سمعت نداء الحسين (علیه السلام) وهو ينادي واغربتاه واقلة ناصراه واجداه اما من

ص: 387

ذاب يذب عنا اما من مجير يجيرنا قال وهب ارجعي فان الجهاد مرفوع عن النساء قالت لن اعود او اموت معك ولما كان وهب قد قطعت يداه فاخذ باسنانه جانب ثوبها ليرجعها فانفلتت منه فنادى وهب واستغاث بالحسين (علیه السلام) فقال الحسين (علیه السلام) جزيتم من اهل بيتي خيراً ارجعي الى النساء بارك الله فيك فانه ليس عليكن قتال قالت سيدي دعني فان القتل اهون من الاسر في ایدي بني امية فقال (علیه السلام) ان حالك كحال اهل بيتي وردها بلين الكلام وقيل ان وهب كان عمره خمساً وعشرين سنة واسم امه قمر واسم زوجته هانية وكان له سبعة عشر يوما مذ عرص وله عشرة ايام مذ دخل في دين الاسلام على يدي الحسين (علیه السلام) قال ابو مخنف قتل وهب خمسين رجلا فوقعت به سبعون ضربة وطعنة ونبلة وجعلوه وجواده كالفنفذ من كثرة النبل والسهام ثم استشهد الا لعنة الله على القوم الظالمين.

المجلس التاسع

في شهادة عابس بن ابي شبيب الشاكري وهو عابس بن ابي شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك وبنو شاكر بطن من همدان كان عابس من رجال الشيعة رئيساً خطيباً ناسكا متهجداً وكانت بنوشاكر من المخلصين بولاء امير المؤمنين وفيهم يقول-ع- يوم صفين لو تمت عدتهم الفاً لعبد الله حق عبادته وكان من شجعان العرب وحماتهم ولما قدم مسلم بن عقيل الى الكوفة فاجتمع عليه الشيعة في دار المختار فقرأ عليهم كتاب الحسين (علیه السلام) فجعلوا يبكون قام عابس بن ابي شبيب فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فاني لا اخبرك عن الناس ولا اعلم ما في انفسهم وما اغرك منهم ولكن والله اخبرك بما انا موطن نفسي عليه والله لا جيبنكم اذا دعوتم ولا قاتلن معكم عدوكم ولاضر بن بسيفي دونكم حتى القى الله لا اريد بذلك إلا ما عندالله وقال حبيب يرحمك الله تعالى

ص: 388

قد قضيت ما عليك وانا والله لعلى مثل ما انت عليه وقال الطبري أن مسلماً لما بايعه الناس كتب الى الحسين (علیه السلام) كتابا يقول فيه اما بعد فان الرائد لا يكذب اهله وقد بايعني من اهل الكوفة ثمانية عشر الفاً فحيهلا بالاقبال حين يأتيك كتابي فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأى ولا هوى وارسل الكتاب مع عابس وصحبه شوذب مولاه وكان مع الحسين (علیه السلام) الى ان نزل معه بكر بلا مع شوذب انتهى ولما التحم القتال في يوم عاشوراء وقتل بعض اصحاب الحسين (علیه السلام) جاء عابس ومعه شوذب وهو مولى شاكر فقال له ياشوذب ما في نفسك ان تصنع قال ما اصنع اقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حتى اقتل فقال ذلك الظن بك اما الآن فقدم بين يدي ابي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من اصحابه وحتى احتسبك انا فانه لو كان معي الساعة احد انا اولى به مني بك لسرني ان يتقدم بين يدى حتى احتسبه في هذا اليوم فانه لا عمل بعد اليوم وأنما هو الحساب فتقدم عابس الى الحسين (علیه السلام) فسلم عليه وقال يا ابا عبدالله اما والله ما امسى على ظهر الارض قريب ولا بعيد اعز عليّ ولا احب اليّ منك ولو قدرت على ان ادفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز علي من نفسي ودي لفعلته السلام عليك يا ابا عبد الله اشهد اني على هداك وهدى ابيك ثم مشى بالسيف مصلتاً نحو القوم وبه ضربة على جبينه فطلب البراز قال ربيع بن تميم الهمداني لما رأيت عابساً مقبلا عرفته وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب وكان اشجع الناس فصحت ايها الناس هذا اسد الاسود هذا ابن ابي شبيب لا يخرجن اليه احد منكم فاخذ عابس ينادي ألا رجل ألا رجل فلم يتقدم اليه احد فنادى عمر بن سعد ويلكم ارضخوه بالحجارة فرمي بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره خلفة ثم شد على الناس والله در من قال:

يلقى الرماح الشاجرات بنحره *** ويقيم هامته مقام المغفر

ص: 389

ما ان يريد اذا الرماح شجر نه *** درعا سوى سربال طيب العنصر

قال فوالله لقد رأيته يطرد اكثر من مائتين من الناس قال ربيع كان بيني وبين عابس صداقة قلت ياعا بس اما تتحاذر تخوض بحر الحرب مكشوف الرأس فقال عابس ما اصاب المحب في طريق حبيبه سهل وكان مولاه شوذب من خلفه لا يدع احداً ان يطعن سيده و كان عابس لا يضرب احداً بالسيف إلا وقد صرعه حتى انخنوه بالجراح ضربا بالسيف وطعناً بالرمح ورضخاً ورمياً بالسهام والنبال ثم انهم تعطفوا عليه من حواليه فقتلوه واجتزوا رأسه فرأيت رأسه في ايدي رجال ذوي عدة هذا يقول انا قتلته وهذا يقول انا قتلته فاتوا عمر بن سعد (لع) فقال لا تختصموا هذا لم يقتله انسان واحد كلكم قتلته ففرقهم بهذا القول (ترجمة حال شوذب) في كتاب ابصار العين كان شوذب من رجال الشيعة ووجوهها و كان حافظاً للحديث وكان وجهاً فيهم في كتاب (نفس المهموم) وشوذب كان مولاهم اي نزيلهم او حليفهم لا انه كان غلاما لما بس او معتقه او عبده كما في الاذهان بل قال شيخنا الاجل المحدث النوري صاحب المستدرك ولعل كان مقامه اعلى من مقام عابس لما قالوا في حقه وكان متقدما في الشيعة وصحب عابساً من الكوفة الى مكة ثم مع الحسين (علیه السلام) الى كربلا وقتل قبل عابس عليه الرحمة.

المجلس العاشر

خليلي ماذا في ثرى الطف فانظرا *** اجونة طيب تبعث المسك ام جون

ومن ذا الذي يدعو الحسين لاجله *** اذلك جون ام قرابته عون

لئن كان عبداً قبلها فلقد زكى *** النجار وطاب الربح وازدهر اللون

وهو جون بن حوى والظاهر ان حوى اسم ابيه الذي كان مولى ابي ذر الغفاري

ص: 390

وكنيته أبو مالك وهو عبد اسود وكان منضما الى اهل البيت بعد أبي ذر فكان مع الحسن (علیه السلام) ثم مع الحسين (علیه السلام) وصحبه في سفره من المدينة الى مكة ثم الى العراق فلما نشب القتال وقف امام الحسين (علیه السلام) يستأذنه في القتال فقال له الحسين (علیه السلام) ياجون انت في اذن منى قانما تبعتنا طلباً للعافية فلا تبتل بطريقنا فوقع جون على قدم ابي عبد الله يقبلهما ويقول يا ابن رسول الله انا في الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة اخذلكم والله ان ريحي لنتن وان حسبي للثيم وان لوني لاسود فتنفس عليّ في الجنة فتطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي لا والله لا افارقكم حتى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم فاذن له الحسين (علیه السلام) فبرز وهو يقول:

كيف ترى الكفار ضرب الاسود *** بالمشرفي والقنا المسدد

يذب عن آل النبي احمد *** ارجو به الجنة يوم المورد

ثم قاتل (رض) فقتل خمساً وعشر بن رجلا ثم قتل وقال ابو مخنف ولم يزل يقاتل حتى قتل سبعين رجلا فوقعت في محاجر عينيه ضربة وكبا به جواده الى الارض فوقع على أم رأسه فاحاطوا به من كل جانب ومكان فقتلوه فوقف عليه الحسين (علیه السلام) وقال اللهم بيض وجهه وطيب ريحه واحشره مع الابرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد وروي عن الباقر (علیه السلام) عن علي بن الحسين (علیه السلام) ان الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى فوجدوا جوناً بعد عشرة ايام تفوح منه رائحة المسك وبرز غلام آخر تركي في كتاب ابصار العين اسمه اسلم بن عمر ومولى الحسين (علیه السلام) قال وكان ابوه تركياً وكان ولده اسلم كاتباً وكان قارئاً للقرآن خرج الى القتال فجعل يقاتل ويرتجز ويقول:

البحر من طعني وضربي يصطلي *** والجو من نبلي وسهمي يمتلي

اذا حسامي في يميني ينجلي *** ينشق قلب الحاسد المبخل

ص: 391

فقتل جماعة قيل كانوا سبعين ثم سقط صريعاً فجاء الحسين (علیه السلام) و به رمق يؤمي اليه الحسين (علیه السلام) فبكى الحسين (علیه السلام) واعتنقه ووضع خده على خده ففتح عينيه وتبسم وقال من مثلي وابن رسول الله واضع خده على خدي ثم فاضت نفسه وفي كتاب «مهج الاحزان» لما استأذن الحسين «علیه السلام» في البراز قال (علیه السلام) قد وهبتك لولدي علي بن الحسين زين العابدين [علیه السلام] فجاء الغلام حتى دخل على الامام والامام مغشى عليه فجلس وهو يمسح خديه باقدام الامام فافاق ونظر اليه وسأله ما الذي تريد وما حاجتك قال سيدي استأذنت ایاك فوهبني اياك وانا اسألك ان تأذن لي في البراز الى قتال هؤلاء القوم فقال [علیه السلام] وانا اعتقتك فانت حر لوجه الله فخرج مسروراً وبرز قال علي بن الحسين [علیه السلام] ارفعوا طرف الخيمة لانظر كيف يقاتل فقاتل حتى قتل إلى آخر ما ذكرنا بيض الله وجهه.

المجلس الحادي عشر

ثم برز عمرو بن خالد الازدي الصيداوي وقال للحسين [علیه السلام] يا اباعبدالله جعلت فداك قد هممت ان الحق باصحابك وكرهت ان اتخلف فاراك وحيداً من اهلك قتيلا فقال له الحسين «علیه السلام» تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة فتقدم فقاتل وهو برتجز ويقول:

اليك يانفس الى الرحمن *** فا بشري بالروح والريحان

اليوم تجزين على الاحسان *** قد كان منك غابر الزمان

ما خط في اللوح لدى الديان *** لا تجزعي فكل حي فان

والصبر احظى لك بالامان *** يا معشر الازد بني قحطان

ولم يزل يقاتل حتى قتل ثم برز ابنه خالد [رض] وهو يقول:

ص: 392

صبراً على الموت بني قحطان *** كيما تكونوا في رضى الرحمن

ذي المجد والعزة والبرهان *** وذي العلى والطول والاحسان

يا ابتا قد صرت في الجنان *** في قصر در حسن البنيان

ثم تقدم فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله وجاء حنظلة بن اسعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين (علیه السلام) بقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره واخذ ينادي ياقوم اني اخاف عليكم مثل يوم الاحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما يريد الله ظلماً للعباد ياقوم اني اخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ياقوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم [ربكم خ ل] الله بعذاب وقد خاب من افترى فقال له الحسين (علیه السلام) يا ابن سعد رحمك الله انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم اليه من الحق و نهضوا اليك ليستبيحوك (يشتمونك خ ل) واصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا اخوانك الصالحين قال صدقت جعلت فداك فلا نروح الى الآخرة ونلحق باخواننا فقال (علیه السلام) بلى رح الى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها والى ملك لا يبلى فقال السلام عليك يا ابا عبد الله صلى الله عليك وعلى اهل بيتك وعرف بيننا وبينك في الجنة فقال (علیه السلام) آمين آمين فاستقدم وقاتل قتال الابطال وصبر على احتمال الاهوال حتى قتل وبرز سعد بن حنظلة التميمي وكان من اعيان عسكر الحسين [علیه السلام] وهو يقول:

صبراً على الاسياف والاسنه *** صبراً عليها لدخول الجنه

وحور عين ناعمات هنه *** لمن يريد الفوز لا بالظنه

يا نفس للراحة فاجهدنه *** وفي طلاب الخير فارغبنه

ثم حمل وقاتل قتالا شديداً ثم قتل رضوان الله عليه وتقدم سويد بن عمرو بن ابي المطاع وكان شريفاً كثير الصلاة فقاتل قتال الاسد الباسل وبالغ في الصبر على

ص: 393

الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد انخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حرك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين [علیه السلام] فتحامل واخرج من خفه سكينا وجعل يقاتلهم بها حتى قتل فخرج عمرو بن قرظة الانصاري فاستأذن الحسين [علیه السلام] فاذن له فقاتل قتال المشتاقين الى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعا كثيراً من حزب ابن زیاد وجمع بين سداد وجهاد وكان لا يأتي الحسين [علیه السلام] سهم إلا اتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل الى الحسين [علیه السلام] سوء حتى انحن بالجراح فالتفت الى الحسين [علیه السلام] وقال يا ابن رسول الله اوفيت فقال [علیه السلام] نعم انت امامي في الجنة فاقرأ رسول الله عني السلام واعلمه أني في الاثر فقاتل حتى قتل «تنبيه» ان السلام الذي بلغه علي الاكبر عن جده لابيه دو جواب للسلام الذي ارسله الحسين «علیه السلام» مع عمرو بن قرظة حيث قال له اقرأ رسول الله عني السلام وأعلمه اني في الاثر فجاء الجواب على لسان علي الاكبر العجل العجل فان لك كأسا مذخورة وذلك لان الوافد قد يتحف باحب الاشياء وكان في تلك الساعة احب الاشياء الى الحسين «علیه السلام» الماء خصوصا من يد جده «صلی الله علیه وآله وسلم» وروي ان اخا علي بن قرظة الانصارى كان في جيش عمر بن سعد فنادى يا حسين يا كذاب ابن الكذاب اضللت اخي وغررته حتى قتلته قال «علیه السلام» ان الله لم يضل اخاك ولكن هدى اخاك واضلك قال قتلني الله ان لم اقتلك او اموت دونك فحمل عليه فاعترضه نافع بن هلال فطعنه وصرعه فحمله اصحابه فاستنقذوه فدووي بعد فبری و برز جابر بن عروة الغفارى وكان شيخا كبيراً وقد شهد مع رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» بدرا وحنينا فجعل يشد وسط بعمامة ثم شد حاجبيه بعصابة حتى رفعهما عن عينيه والحسين «علیه السلام» ينظر اليه ويقول شكر الله سعيك ياشيخ فبرز وهو يقول:

قد علمت حقا بنو غفار *** وخندف ثم بنو نزار

ص: 394

بنصرنا لاحمد المختار *** يا قوم حاموا عن بني الاطهار

الطيبين السادة الاخيار *** صلى عليهم خالق الابرار

ولم يزل يقاتل حتى قتل ثمانين رجلا فقتل رحمه الله وفي «البحار» ثم جاءه عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان فقالا یا اباعبدالله السلام عليك احببنا ان نقتل بين يديك وندفع عنك فقال «علیه السلام» مرحبا بكما ادنوا مني فدنوا منه وهما يبكيان فقال يا ابني اخي ما يبكيكما فوالله انى لارجو ان تكونا بعد ساعة قريرى العين فقالا جعلنا الله فداك والله ما على انفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك قد احيط بك ولا نقدر على ان ننفعك فقال جزا كما الله يا ابني اخي وجد كما من ذلك ومواساتكما اياى بانفسكما احسن جزاء المتقين ثم استقدما وقالا السلام عليك يا ابن رسول الله فقال وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته فقاتلا حتى قتلا وممن قتل مع الحسين (علیه السلام) بریر بن خضير الهمداني المشرقي قال في ابصار العين وبنو مشرق بعان من همدان كان بریر شيخاً تابعياً ناسكا قارئاً للقرآن من شيوخ القراء ومن اصحاب امير المؤمنين (علیه السلام) وكان من اشراف اهل الكوفة من الهمدانيين وهو خال ابي اسحق الهمداني السبيعي قال اهل السير انه لما بلغه خبر الحسين (علیه السلام) سار من الكوفة الى مكة ليجتمع بالحسين (علیه السلام) فجاء معه حتى استشهد انتهى ما في الابصار وهو القائل للحسين (علیه السلام) لقد من الله بك علينا ان نقاتل بين يديك وتقطع فيك اعضاؤنا ويكون جدك شفيعنا يوم القيامة قال ابو مخنف امر الحسين (علیه السلام) في اليوم التاسع او ليلة العاشر من المحرم بفسطاط فضرب ثم امر بمسك فميث في جفنة عظيمة فاطلى بالنورة وعبد الرحمن بن عبد ربه وبریر على باب الفسطاط تختلف مناكبها فازدحما ايها يطللي على اثر الحسين (علیه السلام) فجعل بریر بهازل عبد الرحمن ويضاحكه فقال عبد الرحمن دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل فقال برير لقد علم قومي اني ما احببت الباطل شابا ولا كهلا ولكني والله لمستبشر بما

ص: 395

نحن لاقون والله ان بيننا وبين الحور العين إلا ان نحمل على هؤلاء فيميلون علينا باسيافهم ولوددت ان مالوا بها الساعة «في البحار» وبرز بریر بن خضير بعد الحر وكان من عباد الله الصالحين وهو يقول:

انا بریر وابي خضير *** يعرف فينا الخير اهل الخير

اضربكم ولا ارى من ضير *** كذاك فعل الخير من برير

وجعل يحمل على القوم وهو يقول اقتربوا مني ياقتلة أمير المؤمنين اقتربوا مني ياقتلة اولاد البدريين اقتربوا مني ياقتلة اولاد رسول رب العالمين وذريته الباقين وكان برير اقرأ اهل زمانه فقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا وقال ابو مخنف خرج يزيد بن معقل فقال يابرير بن خضير كيف ترى صنع الله بك قال صنع بى والله خيراً وصنع بك شراً فقال كذبت وقبل اليوم ما كنت كذابا اتذكر وانا اماشيك في سكة بني ذودان (لوذان نسخة) وانت تقول ان عثمان كان كذا وكذا وان معاوية ضال مضل وان علي ابن ابي طالب امام الحق والهدى قال برير اشهد ان هذا رأيي وقولي فقال يزيد اشهد انك من الضالين قال بريز فهل لك ان اباهلك لندع الله ان يلعن الكاذب وان يقتل المحق المبطل ثم اخرج لا بارزك قال فخرجا فرفعا ايديها بالمباهلة الى الله يدعوانه يلمن الكاذب وان يقتل المحق المبطل ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بريراً أضربة خفيفة لم تضره شيئاً وضرب برير يزيد ضربة قدت المغفرة وبلغت الدماغ فخر كأنما هوى من حالق وان سيف برير لثابت في رأسه فكأني انظر اليه ينضنضه من رأسه حتى اخرجه فحمل على بزير رضي بن منقذ العبدى فاعتنق بريراً فاعتركا ساعة ثم ان بريراً صرعه وقعد على صدره فجعل رضي يصبح باصحابه اين اهل المصاع والدفاع فذهب كعب بن جابر بن عمرو الازدي ليحمل عليه قال الراوي فقلت له هذا برير بن الخضير القاري الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد

ص: 396

فلم يلتفت لمذلي اياه وحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره فلما وجد برير مس الرمح برك على رضي فعض انفه حتى قطعه وانفذ كعب «لع» الرمح في ظهر برير حتى غاب السنان في ظهره ثم اقبل يضربه بسيفه حتى برد فكأني انظر الى رضي قام ينفض عنه التراب ويده على انفه وهو يقول أنعمت علي یااخا الازد نعمة لا انساه ابداً فلما رجع كعب قالت له اخته النوار بنت جابر اعنت على ابن فاطمة وقتلت سيد القراء لقد اتيت عظيما من الامر والله لا اكلمك من رأسي كلمة ابداً في (البحار) فحمل رجل من اصحاب ابن زياد فقتل بريراً وكان يقاتل لقاتله بحير بن اوس الظبي فجال في ميدان الحرب وجاءه ابن عم له وقال ويحك يابحير قتلت بریر بن خضير فبأي وجه تلقى ربك غداً قال فندم الشقي وانشأ يقول:

فلو شاء ربي ما شهدت فتالهم *** ولا جعل النعماء عند ابن جابر

لقد كان ذا عاراً علي وسبة *** يعير بها الابناء عند المعاشر

فياليت اني كنت في الرحم حيضة *** ويوم حسين كنت ضمن المقابر

فياسوأتا ماذا اقول لخالقي *** وما حجتي يوم الحساب القماطر

انتهى وبرز الحجاج بن مسروق الجعفى مؤذن الحسين (علیه السلام) وهو يقول:

اقدم حسيناً هادياً مهدياً *** فاليوم نلقى جدك النبيا

ثم اباك ذا الندى عليا *** ذاك الذي نعرفه وصيا

فقتل خمساً وعشرين رجلا ثم قتل رضوان الله عليه (اقول) لقد اقتصرنا في كتابنا هذا في الاصحاب بذكر هؤلاء الذين سميناهم وذكرنا احوالهم لان مبنى الكتاب على الاختصار ومن احب ان يستقصيهم فعليه بالمقاتل المبسوطة فليطلب من المطولات كالبحار والناسخ وغيرهما من المقاتل ثم اعلم أنه ذكر المؤرخون جماعة حضروا الطف في نصرة الحسين (علیه السلام) ولم يقتلوا بل افلتوا منهم غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه

ص: 397

الانصاري لما رأى القوم قد صرعوا افلت وتركهم ومنهم المرقع بن ثمامة الاسدي قال الطبري كان قد نثر نبله وجثا على ركبتيه فقاتل فجاءه نفر من قومه فقالوا له انت آمن اخرج الينا فخرج اليهم فلما قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد واخبره بخبره نفاه الى الزارة وفي كتاب اخبار الطوال لابي حنيفة الدينوري ان ابن زياد سيره الى الربزة فلم يزل بها حتى هلك يزيد وهرب عبيد الله الى الشام فانصرف المرقع الى الكوفة (ومنهم) عقبة بن سمعان قال الجزري فاخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان و كان مولى المرباب ابنة امرىء القيس وهي زوجة الحسين (علیه السلام) ولها منه سكينة وعبد الله الرضيع فقال عقبة انا عبد مملوك فخلى سبيله ومنهم الضحاك بن عبد الله المشرقي ذكر في (نفس المهموم) شيخنا المعاصر دام فضله قال لوط بن يحيى الازدى حدثنا عبدالله بن عاصم الفائشي بطن من همدان عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال قدمت ومالك بن النضر الارحي (الارحي خ ل) على الحسين (علیه السلام) فسلمنا عليه ثم جلسنا اليه فرد علينا السلام ورحب بنا وسألنا عما جئنا له فقلنا له جئنا لنسلم عليك وندعو الله لك بالعافية ونحدث بك عهداً ونخبرك خبر الناس وانا تحدثك انهم قد جمعوا على حزبك فر رأيك فقال الحسين (علیه السلام) حسبي الله ونعم الوكيل قال فتذممنا وسلمنا عليه ودعونا الله له قال فما يمنعكما من نصرتي فقال مالك بن النضر علىّ دين ولي عيال فقلت له ان علىّ ديناً وان لي لعيالا ولكني قاتلت عنك ودافعت عنك ما كان لك نافعاً وعنك دافعاً وما اجد لك مقاتلا وان لم اجد مقاتلا فاجعلني في حل من الانصراف قال (علیه السلام) فانت في حل قال فاقمت معه الى ان قال لما رأيت اصحاب الحسين (علیه السلام) قد اصيبوا وقد خلص اليه والى اهل بيته ولم يبق معه غير سويد بن ابي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضر مي قلت له يا ابن رسول الله قد علمت ما كان بيني وبينك لقد قلت لك اقاتل عنك ما رأيت مقاتلا فاذا لم ار مقاتلا فاني في حل من الانصراف فقال صدقت

ص: 398

وكيف لك بالنجاة ان قدرت على ذلك فانت في حل قال فاتيت فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل اصحابنا تعقر اقبلت بها حتى ادخلتها فسطاطاً لاصحابنا بين البيوت واقبلت اقاتل معهم راجلا فقتلت يومئذ بين يدى الحسين (علیه السلام) رجلين وقطعت يداً لاخر وقال لي الحسين (علیه السلام) يومئذ مراراً لا تشلل لا يقطع الله يديك جزاك الله خيراً عن اهل بيت نبيك (صلی الله علیه وآله وسلم) فلما اذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ثم استويت على متنها ثم ضربتها حتى اذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم فافرجوا لي واتبعني منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت الى شفية قرية قريبة من شاطيء الفرات فلما لحقوني عطفت عليهم فعرفني كثير بن عبدالله الشعبي وايوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبدالله الصائدى فقالوا هذا الضحاك بن عبدالله المشرقي هذا ابن عمنا ننشدكم الله لما كففتم عنه فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم بنى والله لنجيبن اخواننا واهل دعوتنا الى ما احبوه من الكف عن صاحبهم قال فلما تابع التميميون اصحابى كف الآخرون قال فنجانى الله لقد صدق ابن عباس (رحمه الله) حيث عنف على تركه الحسين (علیه السلام) فقال ان اصحاب الحسين (علیه السلام) لم ينقصوا رجلا ولم يزيدوا رجلا نعرفهم باسمائهم من قبل شهودهم وقال محمد بن الحنفية وان اصحابه عندنا المكتوبون باسمائهم و اسماء ابائهم بأبي هم وامى فياليتنى كنت معهم فافوز فوزاً عظيماً ثم اعلم قيل ان المقتولين من اصحاب الحسين «علیه السلام» في الحملة الاولى خمسون رجلا احدهم زاهر ابن عمر و موالي عمرو بن الاحمق الخزاعي وينبغي ان نذكر شيئاً من احواله اقول ان ممن كان مع علي «علیه السلام» من اصحاب النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» من مهاجرى العرب و التابعين الذين اوجب لهم رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» الجنة وسماهم بذلك عمرو بن حمق الخزاعي دعاه امير المؤمنين «علیه السلام» يوماً واخبره بما يبتلى به وبما يجزى عليه من بعد شهادته فلما قتل امير المؤمنين «علیه السلام» جرى بين عمرو بن الحمق و بين زياد ما جرى لأن عمرو بن الحمق

ص: 399

كان من اصحاب حجر بن عدى وهو يعينه حتى اخذ حجر بن عدى وذهبوا به الى معاوية في طلب عمرو بن الحمق فهرب عمرو الى الموصل ومعه رجل من اصحاب علي «علیه السلام» يقال له زاهر فلما نزلا بالوادى دخل عمرو فى غار فنهشته حية في جوف الليل فاصبح منتفخاً فقال يا زاهر تتح عنى فان حبيبي رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» قد اخبرني انه سيشترك في دمى الجن والانس ولا بد لي من ان اقتل فبينما هما كذلك اذ رأيا نواصى الخيل في طلبه فقال عمرو يا زاهر تغيب فاذا قتلت فانهم سوف يأخذون رأسى فاذا انصرفوا فاخرج الى جسدى فواره قال زاهر لا بل انتر نبلي تم ارميهم به فاذا فنيت قتلت معك قال لا بل تفعل ما سألتك به ينفعك الله به فاختفى زاهر واتى القوم فقتلوا عمراً واحتزوا رأسه فحملوه الى الشام على رمح وكان رأسه اول رأس حمل في الاسلام و نصب الناس فلما انصرفوا خرج زاهر فوارى جسده ثم بقى زاهر حتى قتل مع الحسين [علیه السلام] فحج زاهر سنة ستين فالتقى مع الحسين «علیه السلام» بمكة فصحبه وكان ملازماً له حتى حضر معه كربلا وقتل في الحملة الاولى مع من قتل من اصحاب الحسين «علیه السلام» وفي زيارة الناحية وايضاً في الزيارة الرجبية فى مصباح الزائر السلام على زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي ومن احفاده ابو جعفر الزاهري محمد بن سنان من اصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام طوبى له فظهر ان زاهراً كان من اصحاب امير المؤمنين (علیه السلام) وخصص بمتابعة عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول الله وحوارى امير للمؤمنين (علیه السلام) العبد الصالح الذى أبلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه ووفق بمواراته ودفنه ثم ساقته السعادة الى ان رزق في نصرة الحسين (علیه السلام) الشهادة انتهى.

اقول وممن يعد من اصحاب الحسين (علیه السلام) الهفهاف بن المهند الراسبي البصري الذي قتل يوم الطف بعد شهادة الحسين (علیه السلام) على ما رواه حميد بن احمد فى كتاب الحدائق الوردية قال كان الهفاف قارساً شجاعاً بصرياً من الشيعة ومن المخلصين في

ص: 400

الولاء له ذكر فى المغازى والحروب وكان من اصحاب امير المؤمنين (علیه السلام) وحضر معه مشاهده كلها ولما عقد الالوية امير المؤمنين (علیه السلام) يوم صفين ضم تميم البصرة الى الاحنف بن قيس وامر على حنظلة البصرة اعين بن ضبيعة وعلى از دالبصرة الهفهاف بن المهند الراسبي الازدي وعلى ذهل البصرة خالد بن معمر وكان ملازما لعلي (علیه السلام) الى ان قتل علي (علیه السلام) فانضم بعده الى ابنه الحسن (علیه السلام) ثم الى الحسين (علیه السلام) فلما سمع بخروج الحسين (علیه السلام) من مكة الى العراق خرج من البصرة الى كربلا فسار حتى انتهى الى المعسكر بعد صلاة العصر من يوم عاشوراء فدخل على عسكر عمر ابن سعد فسأل القوم ما الخبر ابن الحسين بن علي (علیه السلام) فقالوا له مه من انت فقال الهفهاف الراسبي البصري جئت لنصرة الحسين (علیه السلام) حين سمعت خروجه من مكة الى العراق وبلغني نزوله بكر بلا وهو غريب وحيد فقالوا له وقد قتلنا الحسين (علیه السلام) واصحابه وانصاره وكل من لحق به وانضم اليه ولم يبق غير النساء والاطفال وابنه العليل علي بن الحسين (علیه السلام) اما ترى هجوم القوم على المخيم وسلبهم بنات رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فلما سمع الهفهاف بقتل الحسين (علیه السلام) وهجوم القوم على بنات رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» انتضى سيفه وهو يرتجز ويقول:

يا ايها الجند المجند *** انا الهفهاف بن المهند *** احمي عيالات محمد

ثم شد فيهم كليث العرين يضر بهم بسيفه فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال حتى قتل من القوم جماعة كثيرة سوى من جرح وقد كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى اذا شد فيها الذئب وهو في ذلك يرتجز بالشعر المقدم وقد اتخن بالجراح فصاح عمر بن سعد بقومه الويل لكم احملوا علي من كل جانب ثم قال علي بن الحسين «علیه السلام» في ذلك اليوم فما رأى الناس شجاعا بعد اهل البيت كهذا الرجل فتداعوا عليه فاقبل خمسة عشر نفراًفا حتوشوه

ص: 401

حتى قتلوه في حومة الحرب بعد ما عقروا فرسه رضوان الله عليه «توضيح» الراسبي نسبة الى راسب بطن من الازد انتهى.

المجلس الثاني عشر في شهادة أولاد عقيل

ثم اعلم قد اختلفوا في عدد القتلى من الهاشميين «رض» قيل وقد قتل من اولاد علي «علیه السلام» مع الحسين «علیه السلام» سبعة وقيل اكثر ومن اولاد عبدالله بن جعفر الطيار اثنان ومن أولاد عقيل خمسة وقيل سبعة وقيل تسعة «قال سليمان بن قتة»

عين بكى بعبرة وعويل *** واندبي ان ندبت آل الرسول

سبعة منهم لصلب علي *** قد ابيدوا وسبعة لعقيل

لعن الله حيث حل زباداً *** وابنه والعجوز ذات بعول

قال محمد بن ابي طالب اول من برز من اهل بيت الحسين «علیه السلام» عبد الله بن مسلم بن عقيل «علیه السلام» وكان فارساً شجاعا كما ان اباه مسلم بن عقيل كان اشجع اولاد عقيل وقال الحجة - عج - في زيارة الناحية السلام على القتيل بن القتيل عبدالله بن مسلم ابن عقيل و لعن الله قاتله (الخ) وامه رقية بنت امير المؤمنين «علیه السلام» وكانت امه معه فلما استأذن الحسين «علیه السلام» في القتال قال «علیه السلام» انت في حل من بيعتي حسبك قتل ابيك مسلم وفي - الناسخ - قال - ع - خذ بيد امك واخرج من هذه المعركة فقال است والله ممن يؤثر دنياه على آخرته فكأن الحسين - ع - كره ان يقتل هذا الشاب وامه تنظر اليه فاذن له فبرز وهو يرتجز ويقول:

اليوم القى مسلما وهو ابي *** وفتية بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عرفوا بالكذب *** لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات اهل الحسب

ص: 402

فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلا في ثلاث حملات ثم رماه لعين يقال له عمرو ابن صبيح او زید بن رقاد الحياني بسهم فوضع عبدالله يده على جبهته يتقيه فاصاب السهم كفه ونفذ الى جبهته فسمرها به فلم يستطع تحريكها ثم رماه اللعين بسهم آخر على قلبه ففلق قلبه وقتله قال ابو مخنف فرماه اللعين بسهم فوقع في لبته فخر صريعاً ينادى وا ابتاه وا انقطاع ظهراه فلما نظر الحسين - ع - اليه وقد صرع قال اللهم اقتل قاتل آل عقيل ثم قال انا لله وانا اليه راجعون وفي كامل التواريخ اخذ المختار قاتل هذا الشاب وهو زيد بن رقاد الحياني فحكى اللعين قصة قتل الشاب فبكى المختار وقال اقتلوا هذا اللعين وقال لهم ابن كامل لا تطعنوه و لا تضربوه بالسيف ولكن ارموه بالنبل والحجارة ففعلوا ذلك به فسقط فاحرقوه حياً [اقول] وما حكى الزنديق في قتل هذا الشاب اشجى واحرق على قلب المحب مما ذكرنا قال اللعين لقد رميته بسهم وكفه على جبهته فسمرها به وقال حين رميته اللهم انهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا ورمیته بسهم آخر فقتلته فجئته وهو ميت فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه ولم ازل انضنض الآخر عن جبهته حتى اخذته وبقى النصل ولما قتل عبد الله بن مسلم حمل بنو هاشم حملة واحدة فصاح بهم الحسين (علیه السلام) صبراً على الموت يابني عمومتي وقال او مخنف والمدايني وابو الفرج كانت شهادة هذا الشاب بعد قتل علي بن الحسين (علیه السلام) والله اعلم (ومنهم) عبدالرحمن بن عقيل وفى (المناقب) انه برز وهو يرتجز ويقول:

أبي عقيل فاعرفوا مكاني *** من هاشم وهاشم اخواني

كهول صدق سادة الاقران *** هذا حسين شامخ البنيان

وسيد الشيب مع الشبان

فقتل سبعة عشر رجلا فقتله عثمان بن خالد الجهنى وعن تاريخ الطبري اخذ المختار رجلين اشتركا في دم عبد الرحمن بن ابي عقيل وفى سلبه كانا في الجبانة فضرب

ص: 403

عنقهما ثم أحرقهما بالنار عليهما لعائن الله ومنهم جعفر بن عقيل (رض) وامه ام الثغر بنت عامر من بني كلاب ويقال امه الخوصاء بنت عمرو بن عامر المكلابي فبرز قائلا:

انا الغلام الابطحي الطالبي *** من معشر في هاشم من غالب

ونحن حقاً سادة الذوائب *** هذا حسين اطيب الاطائب

فقتل خمسة عشر فارساً قتله بشر بن سوط لعنه الله من آل همدان ثم برز عبدالله الاكبر ابن عقيل امه ام ولد قتله كما نقل عن المدائني عثمان بن خالد بن اشيم الجهني ورجل من همدان وممن قتل من اولاد عقيل كما في (ابصار العين) محمد بن ابي سعيد بن عقيل بن ابي طالب وهو غلام صغير لم يراهق وله من العمر سبع سنين وقاتله لقيط بن اياس الجهني وفي رواية هاني بن ثبيت الحضرمي قال في (ابصار العين) قال أهل السير نقلا عن حميد بن مسلم الازدي انه قال لما صرع الحسين (علیه السلام) خرج غلام من الخيمة مذعور يلتفت يميناً وشمالا فشد عليه فارس فضربه فسألت عن الغلام فقيل محمد بن ابي سعيد وعن الفارس فقيل لقيط بن اياس الجهني وقال هشام الكلي حدث هاني بن ثبيت الحضر مي قال كنت ممن شهد قتل الحسين (علیه السلام) فوالله اني لواقف عاشر عشرة ليس منا رجل إلا على فرس له وقد جالت الخيل وتضعضعت اركان العسكر وسقط الحسين (علیه السلام) وصرع وهجم القوم وتصایحت النساء اذ خرج غلام من آل الحسين (علیه السلام) الى باب الخيمة وهو ممسك بعمود من تلك الأبنية عليه قميص وازار فكأني انظر الى درتين في اذنيه يتذبذبان وهو مذعور يلتفت يميناً وشمالا إذ أقبل رجل یركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف فصارت شهربانو تنظر اليه ولا تتكلم كالمدهوشة وفي رواية امه واقفة تنظر اليه قال هشام الكلبي ان هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام وكنى عن

ص: 404

نفسه خوفا واستحياء وقال صاحب (الناسخ) والذي يظهر لي انه عبدالله بن الحسين عليه السلام والله اعلم

فلم تر عيني كالصغار مصابهم *** يقلب اكباد الكبار على الجمر

وقد اكتفينا في ذكر القتلى من اولاد عقيل بهؤلاء فمن اراد الاكثر فليطلب من الكتب المبسوطة واما اولاد عبدالله بن جعفر الطيار فقد مضى ذكر شهادتها في خروج الحسين (علیه السلام) من مكة في المجلس الثاني من الفصل السادس فليراجع الى هناك ثم نأخذ في ذكر شهادة اولاد امير المؤمنين (علیه السلام) واولاد الحسين عليه السلام بقدر ما يليق بهذا المختصر.

المجلس الثالث عشر في شهادة علي بن الحسين (علیه السلام)

(اقول) ان علي بن الحسين (علیه السلام) المقتول بالطف يلقب بالاكبر لأنه الاكبر على قول او لان للحسين (علیه السلام) اولاداً ستة ثلاثة اسماؤهم علي وثلاثة اسماؤهم عبدالله وجعفر ومحمد كما ذكره اهل النسب فهو اكبر من علي الثالث وقال المفيد (رحمه الله) ان الحسين (علیه السلام) من اولاد الذكور اربعة علي بن الحسين الاكبر كنيته ابو محمد وامه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد وعلي بن الحسين الاصغر قتل مع ابيه با لطف وامه ليلى بنت ابي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية وجعفر بن الحسين (علیه السلام) وكانت وفاته في حياة الحسين (علیه السلام) ولا بقية له وامه قضاعية وعبد الله بن الحسين [ع] قتل مع ابيه صغيراً جائه سهم وهو في حجر ابيه فذبحه وامه رباب بنت امرىء القيس انتهى [أقول] والظاهر ان المذبوح في حجر ابيه هو ايضاً مسمى بعلي وهذا من كثرة حبه لا بيه امير المؤمنين «علیه السلام» سمى اولاده علياً كما قال زين العابدين «علیه السلام» ليزيد حين قال واعجباً لا بيك سمى علياً وعلياً فقال [علیه السلام] ان ابى احب اباه امير المؤمنين [علیه السلام]

ص: 405

فسمي باسمه مراراً ونحن نأخذ الكلام بذكر علي الشهيد كنيته او الحسن وعمره على ما قال المفيد تسعة عشر سنة وامه ليلى بنت ابي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي وكان عروة أحد السادة الاربعة في الاسلام وقد اخذ علي بن الحسين (علیه السلام) الشرافة والسيادة من الطرفين في (نفس المهموم) قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) اربعة سادة في الاسلام بشر بن هلال العبدي وعدي بن هلال المبدي وعدي بن حاتم وسراقة بن مالك المدلجي وعروة بن مسعود الثقفي و كان عروة أحد رجلين عظيمين في قوله تعالى حكاية عن كفار قريش وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجلين من الفريتين عظيم وهذا هو الذي ارسلته قريش النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) يوم الحديبية فعقد معه الصلح وهو كافر ثم اسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفى من الطائف واستأذن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في الرجوع لاهله فرجع ودعا قومه الى الاسلام فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذن للصلاة فمات فقال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لما بلغه ذلك مثل عروة مثل صاحب بس دعا قومه الى الله فقتلوه وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) ورأيت عيسى بن مريم فاذا اقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود (انتهى) وليلى ام علي امها ميمونة بنت ابي سفيان بن حرب بن امية المكناة بام شيبة وكان معاوية خال ليلى ام علي الاكبر ولهذا ناداه رجل من اهل الكوفة حين برز علي الاكبر للقتال ان لك رحماً بامير المؤمنين يزيد فان شئت امناك فقال له ويلك لقرابة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) احق ان ترعى و كان معاوية كثيراً يمدح علي بن الحسين (علیه السلام) حتى قال يوما لاصحابه من احق الناس بالخلافة قالوا انت قال لا بل احق الناس بالخلافة علي بن الحسين بن علي (علیه السلام) جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني امية وزهو ثقيف يعني المنظر الحسن وقال ابن ادريس في السرائر قد صرح غير واحد بان هذه الابيات قيل في مديح علي بن الحسين عليه السلام

لم تر عين نظرت مثله *** من محتف يمشي ومن ناعا

ص: 406

اعني ابن ليلى ذا السدى والندى *** اعني ابن بنت الحسب الفاضل

لا یؤثر الدنيا على دينه *** ولا يبيع الحق بالباطل

يغلى بني اللحم حتى اذا *** انضج لم يغل على الآكل

كان اذا شبت له ناره *** يوقدها بالشرف الكامل

کیما براهما بائس مرمل *** او فرد حي ليس بالاهل

هذا الشاعر يمدح علي بن الحسين (علیه السلام) في الجود والسخاء ويقول لم ير احد في العالم بعد الحسين (علیه السلام) في الجود والكرم واطعام المساكين واكرام الضيف واعطاء السائلين بمثل علي الاكبر (علیه السلام) و كان مولعاً وحريصاً في ذلك بحيث يشتري الاطعمة و الاغذية اللذيذة و اللحوم الطبيبة بالقيم الغالية ويأمر بطبخها ونضجها ويطعم البائس والمسكين والضيوف والواردين وهو عليهم في غاية الشفقة واللطف والمرحمة وكان من عادات العرب الذين يحبون الضيف ويبالغون في اكرام الضيف ان يشعلوا ناراً فوق البيوت في الصيف والشتا في الليالي المظلمة حتى اذا جاءهم ضيف من بعيد في الليل المظلم فبتلك النار يهتدي الطريق الى المضيف ولا يتعسف ولا يضل الطريق ويسمونها نار القرى وكان علي الاكبر من غاية حبه للضيف واكرامه لهم اذا اشعل النار فوق بيته أشعلها كثيراً وفي غاية الاشتعال لكي یراها البائس والمسكين والمرمل واليتيم وينزل في داره على طعامه كيف وهو رب الجود والسخاء والفضل والندى ورضيع الحسب والنسب وكان في الدين واليقين بمكان مكين بحيث لا يؤثر دنياه على دينه ولا يبيع الحق بالباطل (أقول) ومن كانت هذه سجيته في الكرم واطعام الضيوف آل امره الى ان وقف على ابيه (علیه السلام) وقال ياابة العطش قد قتلني الخ وكان علي الاكبر (علیه السلام) شابا حسن الصورة صبيح المنظر على وجه لا نظير له وهو في الشجاعة مشهور وكذا في سائر صفات الكمال من الجلالة والعظمة والسخاء وحسن الاخلاق

ص: 407

وغير ذلك ركبته قرشية وشمائله مضرية قامته هاشمية غنية لذوي الاعتبار و بغية لذوى الابصار ويكفي في فضله عليه السلام شهادة ابيه في حقه انه اشبه الناس برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) خلقاً وخلقا ومنطقاً وكان الحسين (علیه السلام) اعرف الناس بجده واعرفهم بولده وكان من جمال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ان عائشة لما سمعت بجمال يوسف الصديق سألت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) انت احسن وجهاً ام يوسف الصديق فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) اخي يوسف اصبح مني وانا املح منه واما فصاحة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) كانت بحيت كان فصحاء قريش يتخيلون ان القرآن كلام رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) لما في كلامه من مشابهة القرآن في الجودة والفصاحة والحسن واما خلقه فصريح الآية انك لعلي خلق عظيم وكانت اخلاقه الحسنة معروفة عند قريش كلهم وعلي الاكبر (علیه السلام) اشبه رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع ذلك بشهادة الامام في حقه ولنعم ما قيل:

جمع الصفات الغر وهي تراثه *** من كل غطريف وشهم اصيد

في بأس حمزة في شجاعة حيدر *** وابا الحسين وفي مهابة احمد

وتراه في خلق وطيب خلائق *** وبليغ نطق كالنبي محمد

وكان اهل المدينة اذا اشتاقوا الى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) نظروا الى علي الاكبر (علیه السلام) و كان الحسين (علیه السلام) يحبه حباً شديداً بحيث اذا رآه فرح به وسر سروراً عظيما واذا سأله حاجة لا يرده ابداً ولو على سبيل الاعجاز قال كثير بن شاذان رأيت الحسين (علیه السلام) وقد اشتهى ابنه علي الاكبر في صغر سنه عنباً فى غير اوانه فضرب الحسين (علیه السلام) بيده الى سارية المسجد واخرج له عنباً وموزاً واطعمه وقال وما عند الله لاوليائه اكثر (اقول) افمن كان حبه لولده بهذه المثابة بحيث لا يرده عن حاجة حتى يقضيها له ولو على سبيل الاعجاز فما حاله حين رجع هذا الولد من المعركة وطلب منه جرعة من الماء وهو لا يتمكن من ان يعطيه ويسقيه ثم اعلم قد اختلفوا في سنه الشريف فقال

ص: 408

ابن شهر اشوب ومحمد بن ابیطالب انه ابن ثماني عشرة سنة وقال المفيد (رحمه الله) ان له يومئذ تسع عشرة سنة وقيل انه ابن خمس وعشر بن سنة فيكون هو الأكبر وقال محمد بن ادريس وولد علي بن الحسين هذا في اول امارة عثمان وروي عن جده علي ابن ابي طالب (علیه السلام) واختلفوا ايضاً في أنه هو اول شهيد من اهل بيت الحسين (علیه السلام) او عبدالله بن مسلم وذهب الى كل واحد منهما طائفة والظاهر انه اول قتيل من الهاشميين ولما قتل اصحاب الحسين (علیه السلام) ولم يبق معه إلا اهل بيته خاصة وهم ولد علي (علیه السلام) وولد الحسين (علیه السلام) وولد جعفر وولد عقيل اجتمعوا يودع بعضهم بعضاً وعزموا على الحرب فتقدم علي بن الحسين (علیه السلام) و كان من اصبح الناس وجهاً واحسنهم خلقاً وخلقاً فاستاذن اباه في القتال فاذن له و فى الدمعة علما توجه الى الحرب اجتمعت النساء في حوله كالحلقة وقلن له ارحم غربتنا ولا تستعجل الى القتال فانه ليس لنا طاقة فراقك قال فلم يزل يجهد ويبالغ في طلب الاذن من ابيه حتى اذن له ثم تودع من ابيه والحرم و توجه نحو الميدان انتهى ولما برز علي بن الحسين (علیه السلام) نظر اليه الحسين (علیه السلام) نظر آیس منه وارخی عینیه وبکی ورفع سبابته او شيبته الشريفة نحو السماء وقال اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك كنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا الى وجهه اللهم امنعهم بركات الارض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقاً واجعلهم طرائق قدداً ولا ترض الولاة عنهم ابداً فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يفا تلو ننا ثم صاح بعمر بن سعد مالك قطع الله رحمك ولا بارك الله لك في امرك وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحتفظ قراتي من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم رفع صوته وتلا (علیه السلام) ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ثم حمل علي بن الحسين عليهما السلام على القوم وهو يقول:

ص: 409

أنا علي بن الحسين بن علي *** نحن وبيت الله اولى بالني

أطعنكم بالرمح حتى ينثني *** اضر بكم بالسيف احمي عن ابي

ضرب غلام هاشمی علوی *** والله لا يحكم فينا ابن الدعي

وشد على الناس مراراً وقتل منهم جمعاً كثيراً حتى ضج الناس من كثرة من قتل وروي أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا ثم رجع الى ابيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال ياابة العطش قد قتلني وثقل الحديد اجهدني فهل الى شربة من الماء سبيل أتقوى بها على الاعداء يقول الراثي:

وقد غار عيناه لفرط ظمائه *** وفي القلب وقد والشفاه ذبول

فقال ابي روحي تطير من الظما *** وجسمي من ثقل الحديد نحيل

فبكى الحسين «ع» فقال واغوثاه يابني يعز على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعليّ ان تدعوهم فلا يجيبوك وتستغيث بهم فلا يغيثوك يابني قاتل قليلا فما اسرع ما تلقى جدك محمداً «ص» فيسقيك بكأسه الاوفى شربة لا تظمأ بعدها ابداً يابني هات لسانك فاخذ بلسانه فمصه ودفع اليه خاتمه وقال امسكه في فيك وارجع الى قتال عدوك فاني ارجو انك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الاوفى شربة لا تظمأ بعدها ابداً ولدي عد بارك الله فيك فرجع الى القتال وهو يقول:

الحرب قد بانت لها الحقايق *** وظهرت من بعدها مصادق

والله رب العرش لا نفارق *** جموعكم او تغمد البوارق

فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المأتين و كان اهل الكوفة يتقون قتله فبصر به مرة ابن منقذ بن النعمان الليثي فقال علي آثام العرب ان مر بي وهو يفعل مثل ما كان يفعل ان لم اثكل اباه فمر يشد على الناس بسيفه فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فانصرع و احتواه الناس وعلى رواية ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي على مفرق رأسه ضربة

ص: 410

صرعته وضربه الناس باسيافهم ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس الى معسكر الاعداء فقطعوه بسيوفهم اربا اربا فلما بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته يا ابتاه هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الاوفى شربة لا أظمأ بعدها ابداً وهو يقول العجل العجل فان لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة وقال ابو الفرج وجعل بكر كرة بعد كرة حتى رمي بسهم في حلقه فخرقه واقبل يتقلب في دمه (اقول) فعلى هذا قتل مذبوحا ويؤيده ما في زيارته المروية عن الصادق (علیه السلام) بابي انت وامي من مذبوح ومقتول من غير جرم وبابي وامي دمك المرتقى الى حبيب الله وبابي انت وامي من مقدم بين يدي ابيك يحتسبك ويبكي عليك محترقا عليك قلبه يرفع دمك بكفه الى عنان السماء لا ترجع منه قطرة ولا تسكن عليك من ابيك زفرة صلى الله عليك وعلى عترتك واهل بيتك وآبائك وابنائك الخ وفي خبر ثم نادى يا ابتاه عليك مني السلام هذا جدي رسول الله يقرئك السلام ويقول عجل القدوم علينا وشهق شهقة فارق الدنيا في (البحار) صاح الحسين (علیه السلام) وقال قتل الله قوما قتلوك وقال السيد فجاء الحسين (علیه السلام) حتى وقف عليه ووضع خده على خده وفى (روضة الصفا) رفع الحسين (علیه السلام) صوته بالبكاء ولم يسمع احد الى ذلك الزمان صوته بالبكاء وقال قتل الله قوما قتلوك ما اجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول وانهملت عيناه بالدموع ثم قال على الدنيا بعدك العفا قال ابو مخنف لما قتل علي بن الحسين (علیه السلام) صرخن النساء بالبكاء والنحيب فصاح بهن الحسين «علیه السلام» ان اسكتن فان البكاء امامكن وجعل يتنفس الصعداء قال ثم دعا ببردة رسول الله فلبسها وافرغ على نفسه درعه الفاضل وتعمم بعمامة السحاب وتقلد بسيفه ذي الفقار واستوى على ظهر جواده وحمل على القوم وفرقهم عنه واخذ رأسه ووضعه في حجره وجعل یمسح الدم والتراب عن وجهه ويقول يابني لعن الله قاتلك ما اجرأهم على الله ورسوله وهملت عيناه بالدموع حزناً لمصابه ثم ان الحسين «علیه السلام»

ص: 411

وضع ولده في حجره وقال ياولدى اما انت فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وسرت الى روح وريحان وجنة ورضوان وبقي ابوك لهمها وغمها فما اسرع لحوقه بك في [البحار] قال حميد بن مسلم فكأني انظر الى امرأة خرجت مسرعة تنادي بالوبل والثبور وتقول ياحبيباه ياثمرة فؤاداه يانور عيناه يا اخياه وابن اخياه وفي رواية ابي مخنف تنادي واولداه واقتيلاه واقلة ناصراه واغريباه وامهجة قلباه ليتني كنت قبل هذا اليوم عميا ليتني وسدت الثرى وجاءت وانكبت عليه فجاء الحسين «علیه السلام» فاخذ بيدها وعن معدن البكاء وستر وجهها بعبائه والقى عباءته عليها فردها الى الفسطاط واقبل «علیه السلام» بفتيانه وقال احملوا اخاكم فحملوه من مصرعه فجاؤا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كان يقاتلون امامه وفي بعض الكتب ثم اقبل الحسين «علیه السلام» حتى دنا من خيم النساء فخرجت سكينة وقالت ياابة ما لي اراك تنعى نفسك وتدير طرفك ابن اخي علي فبكى الحسين «علیه السلام» وقال بنية قتلوه اللثام فصاحت وا اخاه واعلياء وارادت ان تخرج من الخباء فاخذها الحسين «علیه السلام» وقال يابنتاه اتقي الله واستعملي الصبر قالت ابتاه كيف تصبر من قتل اخوها وشرد ابوها فقال الحسين «علیه السلام» انا الله وانا اليه راجعون قال في [البحار] وخرج غلام من تلك الابنية الخ [اقول] قد ذكرنا شهادة هذا الطفل في بني عقيل وحققنا وبينا انه من اولاد عقيل واسمه محمد بن ابي سعيد بن عقيل وقتل بعد ما صرع الحسين [علیه السلام] كما مضى والذي يظهر من كلام صاحب الناسخ ان هذا الطفل الذي قتل بعد شهادة علي بن الحسين [علیه السلام] غير ذاك الغلام وهذا طفل آخر للحسين [علیه السلام] قال صاحب الناسخ لقد بالغت في الفحص عنه حتى ظهر لي انه عبد الله بن الحسين [علیه السلام] خرج من الخيمة بعد شهادة علي الاكبر خائفاً وجلا مرعوبا مذعوراً بحيث ترتعد فرائصه وبتغير لونه ويطلب المهرب وينظر يميناً وشمالا وفي اذنيه قرطان من اللؤلؤ يتذبذبان فحمل عليه هاني بن بعيث [ثبيت نسخة]

ص: 412

فقتله (انتهى) ما في الناسخ وذكرت ابياتاً للسيد ابراهيم الطباطبائي في علي الاكبر لا باس ان اذكرها

لم انس اذ ولى الجواد مبادراً *** ينحو العداة به لذاك العسكر

فاستقبلوه وقطعوا جثمانه *** ارباً فاربا بالسيوف البتر

يلق السيوف مطلق وجه ازهر *** كالبدر يشرق في العجاج الاكدر

تركت سيوف امية جثمانه *** متوزعا بين القنا المتكسر

تعدو الجياد عليه وهي ضوابح *** عقراً لهاتيك الجياد الضمر

ومما قيل فيه للسيد السند السيد صالح

نادى عليك سلام الله يا ابتا *** فجاء يعدو فالفاه على رفق

نادى عليه على الدنيا العفا وغدا *** مكفكفاً دمعه الممزوج بالعلق

جاورت ربك يهنيك الجوار وقد *** خلفت جاري دمعي من جوى الحرق

قد استرحت من الدنيا وكربتهاه *** وبين اهل الشقا فرداً ابوك بقي

من بعدك اسود وجه لارض في نظري *** يا نيراً فيه تجلى ظلمة الافق

المجلس الرابع عشر

(اقول) في هذا المجلس نذكر مطالب نفيسة فيما يتعلق بعلي الاكبر مما استخرجته من بعض القاتل ومما استفدته من الاساتيذ قدس الله ارواحهم (منها) قوله قطع الله رحمك ان عمر بن سعد كان ابن خالة ليلى ام علي الاكبر وليلى بنت خالته لانه كانت لابي سفيان (بع) بنات تزوج با حداها رسول الله وهي ام حبيب واسمها رملة وتزوج باحداها سعد بن ابي وقاص فاولدها عمراً وباحداها ابو مرة فاولدها ليلي ام علي وهي ميمونة بنت ابي سفيان وايضاً كان عمر بن سعد (لع) من بني

ص: 413

زهرة وآمنة ام النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من بني زهرة وزهرة وقصي كانا اخوين وقصي احد اجداد النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وسعد بن ابي وقاص ابن عم لآمنة ام النبي وقيل يحتمل ان المراد قطع الله نسلك كما قطعت نسلى من هذا الشاب و (منها) احتمله الفرس الى معسكر الاعداء لفظ احتمل له معنى غير الحمل وهو من باب الافتعال اشارة بان علياً لا يمكنه الاستقرار على ظهر الفرس من كثرة ضرب السيوف والجراحات لكن الفرس احتمله وتكلف فى حمله حتى لا يسقط وكان الدم قد جرى من قرنه على وجه الفرس واخذت عينيها فمالت به الى معسكر الاعداء ففعلوا به ما فعلوا حتى لم يتمكن الفرس من احتماله فسقط (ومنها) ما عن المرحوم الحاج الشيخ جعفر (قده) ان السلام اما سلام تحية او سلام توديع ففي سلام التوديع يقدمون الخبر ویقولون عليك مني السلام وقول علي (علیه السلام) يا ابة عليك مني السلام يعني اودعك هذا آخر اللقاء والملتقى وم القيامة «انتهى» منها ويفهم من عبارة الزیارة بابي وامي دمك المرتقى به الى حبيب الله الى قوله يرفع دمك بكفه الى عنان السماء ان الحسين (علیه السلام) رمى بدم علي الاكبر الى السماء قال المرحوم الدربندي ان قوله «علیه السلام» یرفع دمك يحتمل احتمالين (الاول) ان يكون ذلك بعد رجعة علي الاكبر من الميدان بعد ان قتل مائة وعشرين رجلا من وجوه القوم جاء مشتكياً من العطش «والثاني» ان يكون بعد سقوطه عن ظهر جواده فعلى كلا التقديرين لا يتصور الا ان يجري الدماء من الجراحات من مواضع الضربات والطعنات جريان المياه من الميازيب «وقال ايضاً قده» ان علياً الاكبر هو الذي قد زق العلم زقا فكيف طلب من ابيه جرعة من الماء مع انه كان عالماً بفقد الماء «اقول» فمراد على الاكبر ان يسقيه الماء من طريق المعجزة وخارق العادة كما رأى منه اكثر من ان تحصى من قصة العنب وغيره فاشار الامام «علیه السلام» بقوله يعز عليّ ان تطلب جرعة من الماء ولا اسقيك يعني ليس هذا المقام مقام المعجزة بل الجري علي

ص: 414

نهج العادة في باب المجاهدات وشدة العطش ونحو ذلك لأن الله شاء ان يرانا مقتولين مجدلين ونحن نلوي السنتنا من شدة العطش والظمأ واخذ لسانه في فيه يعني ولدي انظر كيف اضر العطش بابيك بحيث لم يبق رطوبة في فمه وقال بعض العلماء الظاهر ان طلب الحسين «علیه السلام» لسان ابنه كان لاجل ان يكتسب عليّ من ابيه قوة ويجذبها بلسانه وإلا فان علياً لو كان يقدر على قتل واحد آخر والصبر على العطش ما كان يرجع عن الحرب ولا كان يشكو الى ابيه العطش فعاد الى الميدان بقوة كاملة ينادي بها

والله رب العرش لا نفارق *** جموعكم او تغمد البوارق

يعني نقتلكم جميعاً فهذا من قوة الامامة التي افيضت عليه و (منها) قال «قده» ان جمعاً من أهل الكوفة من عسكر عمر بن سعد [لع] قد عاتبوا عمر بن سعد بمعاتبات شتى حين امرهم بقتال على بن الحسين (علیه السلام) وقالوا انت تأمرنا بقتال من يشبه رسول الله وان جمعاً منهم بكوا على عظيم مصيبة سيد الشهداء (علیه السلام) و (منها) انه (علیه السلام) وضع خده على خده جرت العادة ان المحتضر اذا سكن انينه وارادوا ان يستكشفوا عن حاله هل بقي فيه رمق من الحياة ام لا فيأتون اليه مرآة ويواجهوها فمه وانفه فاذا فيه رمق من الحياة يؤثر فى المرآة والا فلا والحسين (علیه السلام) اراد ان يستكشف عن حال ولده وضع خده ووجهه الذي مراة لجمال الحق وكماله على خد ولده فوجده قد قضى نحبه فنادى على الدنيا بعدك المفاو «منها» قال بعض ارباب المقاتل ان زينب «علیها السلام» اقبلت الى علي الاكبر و وقعت عليه قبل مجيء الحسين «علیه السلام» وانما سبقت اخاها لانها علمت بان علياً قد قتل ولو رآه الحسين [علیه السلام] مقتولا لفارقت روحه جسده فاشغلته بامر الناموس حتى تهون عليه المصيبة لان امر الناموس اصعب الامور على الغيور فاذا رأى الانسان اخته او حرمه بين الاعداء فينسى غير ذلك و «منها» ان قول سكينة

ص: 415

لا بيها ابن اخي علي معناه لما نظرت الى ابيها مشرفاً على الموت مما دهاه قالت این اخي الذي كان شبيهاً برسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» وكنت تنظر الى وجهه في الهم والغم فينجلي همك ويزول غمك فاين هو الآن حتى تنظر اليه فقال «علیه السلام» قتلوه اللثام و «منها» قال المرحوم الشيخ جعفر التستري [قده] ان الحسين [علیه السلام] في مصيبة ولده قد احتضر واشرف على الموت ثلاث مرات (الاولى) لما برز علي الاكبر واستأذن اباه فاذن له والبسه الدرع والسلاح واركبه على العقاب قال - ره - فلما تجلى وجه طلعته وجه طلعته من افق العقاب واستولت يده وقدمه على العنان والركاب خرجن النساء واحدقن به فاخذت عماته واخواته بعنانه وركابه ومنعنه من العزيمة فعند ذلك تغير حال الحسين «علیه السلام» بحيث اشرف على الموت وصاح بنسائه وعياله دعنه فانه ممسوس في الله ومقتول في سبيل الله ثم اخذ بيده واخرجه من بينهن فنظر اليه نظر آيس منه الخ [والثانية] التي احتضر الحسين «علیه السلام» حين ان علياً رجع من المعركة وقد اصابته جراحات كثيرة والدم يجري من حلق درعه وقد اشتد به الحر والعطش وقف وقال ياابة العطش الخ فضمه الحسين [علیه السلام] الى صدره وبكى واشرف على الموت من شدة الهم والحزن من حيث انه لا يتمكن من سقيه والاحتضار - الثالثة - حين ان علياً سقط ونادى ياابة عليك مني السلام قالت سكينة لما سمع ابي صوت ولده نظرت اليه فرأيته قد اشرف على الموت وعيناه تدوران كالمحتضر وجعل ينظر الى اطراف الخيمة وكادت روحه ان تطلع من جده وصاح من وسط الخيمة ولدي قتل الله قوماً قتلوك الخ قال - ره - لما صاح الحسين - ع - صاحت زينب ياحبيب قلباه واثمرة فؤاده ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء فصاحت النساء باجمعهن فقال الحسين - ع - اسكتن فان البكاء امامكن - منها - في الناسخ ان الحسين - ع - اقبل الى ولده وشق الصفوف حتى اذا وصل اليه وجعل يكرر من قول ولدي علي ويصيح

ص: 416

حتى اذا وصل اليه نزل واخذ رأسه ووضعه في حجره ووضع خده على خده ففتح علي [علیه السلام] عينيه في وجهه و كان به رمق من الحياة قال ياابة ارى ابواب السماء قد انفتحت والحور العين بايديهن كؤوس الماء قد نزلن من السماء وهن يدعونني الى الجنة وانا رائح معهن الى الجنة واوصيك بهذه النسوة لا يخمشن علي وجهاً و[منها] عن الفوادح من مؤلفات الشيخ حسين البحراني لما برز علي بن الحسين - ع - وطلب المبارز فلم يبرز اليه احدفدعا ابن سعد طارق بن كثير وقال له تأخذ ما تأخذ من ابن زياد فاخرج الى هذا الغلام وجئني برأسه فقال انت تأخذ ملك الري وانا اخرج اليه فان تضمن لي الى الامير امارة الموصل اخرج اليه فضمن واعطاه خاتمه ميثاقاً له فخرج وقاتل قتالا شديداً الى ان ضرب علي بن الحسين - ع - عليه ضربة منكرة فقتله فخرج اخوه وضرب علي - ع - على عينيه وقتله فلم يخرج اليه احد الى ان نادى عمر الا رجل يخرج اليه فبادر اليه بكر بن غانم فلما خرج اليه اللعين تغير وجه الحسين - ع - فقالت امه ليلى ياسيدي ولعل قد اصابه شيء قال لا ولكن قد خرج اليه من اخاف عليه فادعي له فاني قد سمعت من جدي رسول الله - ع - ان دعاء الام يستجاب في حق الولد فكشفت رأسها ودعت له و لعنت بكراً الى ان جرى بينهما ما جرى و تعار كا معركة شديدة الي ان التفت علي بن الحسين - ع - تحت ابطه وقد انخرق درعه فضربه علي ضربة فقطعه نصفين انتهى وفي خبر دعت ليلى بهذا الدعاء ياراد يوسف على يعقوب من بعد الفراق وجاعله في الدهر مسروراً وياراد اسماعيل الى هاجر الهي بطش ابي عبدالله الهي بغربة ابي عبدالله امنن علي برد ابني الخ - ومنها - قال المرحوم المغفور له حجة الاسلام الحاج ملا محمد الاشرفي - قده - لما قتل علي الاكبر خرجت ليلى حافية حاسرة مكشوفة الرأس تنادي واولداه ويؤبده ما ورد في بعض الكتب المعتبرة فقاتل علي بن الحسين - ع - حتى قتل و كانت

ص: 417

امه واقفة بباب الفسطاط تنظر اليه الخ - ومنها - انه حكي عن بعض الكتب قال الراوي كنت اطوف في سكك المدينة وانا على ناقة لي حتى اتيت دور بني هاشم فسمعت من دار رنة شجية وبكاء وحنيناً فعرفت انها امرأة وهي تبكي وتنوح وترثى كالمرأة الشكلي بحيث ان الناقة لما سمعت لم تبق لها طاقة فبركت فنزلت ووقفت انتظر احداً أسأله عن الدار و عن الباكية فعند ذلك اقبلت جارية فتقدمت اليها وسألتها لمن هذه الدار قالت لقد قتل صاحبها وهو الحسين (علیه السلام) فقلت من هذه الباكية قالت هي ليلى أم علي الاكبر لم تزل تبكي ابنها ليلا ونهاراً.

المجلس الخامس عشر

(اقول) في هذا المجلس اذكر بعضاً من المقدمات المرققة للقلوب لتحصل الرقة وتزيد في البكاء على علي الاكبر سلام الله عليه (منها) في الخبر بكى يعقوب على يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن واحد ودب ظهره واقبل يرثيه ليله ونهاره ويقول حبيبي يوسف الذي كنت اوثره على جميع اولادي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت ارجوه من بين اولادي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت اوسده بيميني وادثره بشمالي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت أو نس به وحدتي فاختلس مني حبيبي ليت شعري في اي الجبال طرحوك ام في البحار اغرقوك حبيبي ليتني كنت معك فيصيبني الذي اصابك هذا حال يعقوب في فقد ولد واحد وهو يعلم أنه حي فكيف من نظر الى ولده وهو مقطع بالسيوف والرمال والنبال.

هذي المصائب لا ما كان في قدم *** لآل يعقوب من حزن ومن كرب

اني يضاهي ابن طه او يماثله *** في الحزن يعقوب في بدء وفي عقب

ان حدبت ظهره الاحزان اوذهبت *** عيناه في دمعه والرأس ان يشب

ص: 418

فان يوسف في الاحياء كان سوى *** ان الفراق دهى احشاه بالوصب

هذا ويحضره من ولده فئة *** وانه لنبي كان وابن نبي

فكيف حال ابن بنت الوحي حين رأى *** شبيه احمد في خلق وفي خطب

مقطعاً جسمه بالبيض منفلقاً *** بضربة رأسه ملقى على الكتب

هناك نادى على الدنيا العفا فغدا *** يكعكف الدمع اذ ينهل كالسحب

الآخر يقول:

يعقوب قد اوتي له بقميص يوسف *** بالدما من كيد اخوته افترى

اسفى على من جاء يوسفه رأى *** من فيض منحره عبيطاً قد جرى

و (منها) قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الولد ريحانة وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسين (علیه السلام) ولا شك ان الوا، ولا سيما اذا كان صالحاً ريحانة للوالدين وقرة عين للابوين ومهجة قلبهما وثمرة فؤادهما كما ان الله تعالى عبر عن الاولاد بالثمرات في قوله ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات يعني الاولاد ولذا ورد في الاخبار ان لكل شيء ثمرة وثمرة الفؤاد الولد وفي موضع آخر عبر رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» عنهم بالاكباد في قوله «صلی الله علیه وآله وسلم» اولادنا اكبادنا فان عاشوا فتنونا وان ماتوا حزنونا ولانهم بمنزلة الكبد من الوالدين فاذا مات احدهم ترى الكبد ينصدع ويتألم ويوجع وهذه الحالة ظاهرة حتى فى الحيوانات كما في الخبر جاء اعر أبيان الى رسول الله «صلی الله علیه وآله وسلم» يختصمان في نافة كل منهما يقول الناقة لي فقال أحدهما يارسول الله فامر بنحر الناقة فان في كبدها صدعين فامر النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» فنحروها واخرجوا كبدها فاذا فيه صدعان فقال النبي «صلی الله علیه وآله وسلم» من اين علمت ان في كبدها صدعين قال يارسول الله اني نحرت ولدين لها امامها فرأيتها قد صاحت صيحة عظيمة عند كل واحد منهما فعلت ان كبدها قد انصدع لأن فقد الولد يصدع كبد الوالد

ص: 419

والوالدة اذاً ساعد الله قلب الحسين «علیه السلام» اذ قطعوا ولده علي الاكبر بالسيوف اربا اربا ونحروا في حجره ولده الرضيع بسهم مسموم ويؤيد ما قلنا ان شيخاً من العلماء رآى الحسين (علیه السلام) في منامه مضطجعاً على مرقده الشريف وجراحاته تشخب دماً فقال سيدي ما هذه الجراحات قال هذه الجراحات من ضرب سيوف بني امية وطعن رماحهم فانتبه العالم من نومه فزعاً مرعوبا قال فلما صار اليوم الثاني رأيت الحسين (علیه السلام) في منامي ولكن تلك الجراحات لم اجد لها اثراً فقلت سيدي ما صارت جراحاتك فقال (علیه السلام) ان زواري اخذوا بالبكاء عليّ فبرئت تلك الجراحات لكن بقي جراحتان في قلبي لما تندمل وهما لا من ضرب السيوف ولا من طعن الرماح بل وظهر احدهما حين سقط ولدي علي الاكبر عن ظهر جواده و نادی رافعاً صوته ابتاه عليك منى السلام والآخر حين سقط العباس ولم يزل الحسين (علیه السلام) قلبه مجروح وعينه مقروح في هاتين المصيبتين كما ذكر في زيارة علي بن الحسين (علیه السلام) التي قد ذكرناها الى قوله ولا تسكن عليك من ابيك زفرة (اقول) فاذا كان هذا حال الحسين (علیه السلام) في مصيبة ولده مع صبره وعصمته وماله من مرتبة الامامة فكيف بمن ارضعته وفي حجرها ربته وليلها من اجله اسهرته وهي امه ليلى والحال ان شفقة الوالدة على الولد لا توصف لا ترضى ان تسمع منه انيناً ولا ترى فيه مكروهاً روى شيخنا المفيد (رحمه الله) في الارشاد ان امرأتين تنازعتا على عهد عمر في طفل ادعته كل واحدة منهما انه ولدها بغير بينة فالتبس الحكم في ذلك على عمر وفزع فيه الى امير المؤمنين (علیه السلام) فاستدعى المرأتين ووعظهما و خوفهمافا قامتا على التنازع والاختلاف فقال (علیه السلام) ايتوني بمنشار فقالت المرأتان ما تصنع فقال اقده نصفين لكل واحدة منكما نصفه فسكتت احداهما وقالت الاخرى الله الله يا ابا الحسن ان كان لا بد من ذلك فقد سمحت به له فقال (علیه السلام) الله اكبر هذا ابنك دونها ولو كان ابنها لوقت واشفقت فاعترفت المرأة الاخرى ان الحق مع صاحبتها

ص: 420

والولد لها فسر عمر ودعالامير المؤمنين (علیه السلام) بما فرج عنه في القضاء هذا حال ام الولد حين سمعت بالمنشار وان ولدها يقد نصفين اضطربت وانقلبت بمحض السماع فما حال ليلى حين نظرت الى علي الاكبر مشقوق الرأس ومقطعاً بالسيوف والرماح الخ و (منها) عن ابن عباس قال لما كنا في حرب صفين دعا علي ابنه محمد بن الحنفية فقال له يا بني شد على العسكر فحمل محمد على ميمنة اصحاب معاوية حتى كشفهم ثم رجع الى ابيه مجروحا فقال يا ابتاه العطش فسقاه جرعة من الماء وصب الباقي بين درعه وجلده قال ابن عباس فوالله لقد رأيت علق الدماء من حلق دوعه فامهله ساعة ثم قال يابني شد على الميسرة فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم ثم رجع وبه جراحات كثيرة وهو يقول الماء الماء يا أباه فسقاه جرعة من الماء وصب باقيه بين درعه وجلده ثم قال يا بني شد على القلب فحمل عليهم وقتل منهم فرساناً ثم رجع الى ابيه يبكي وقد اثقله الجراح فقام اليه ابوه وقبل ما بين عينيه وقال له فداك ابوك فقد سررتني والله بجهادك هذا بين يدي فما يبكيك افرحا ام جزعا فقال ياابة كيف لا ابكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله وها انا مجروح كما ترى وكلما رجعت اليك لتمهلني ساعة عن الحرب فما أمهلتني وهذان اخواي الحسن والحسين (علیهما السلام) ما تأمرهما بشيء من الحرب فقام اليه امير المؤمنين (علیه السلام) وقبل وجهه وقال له يابني انت ابني وهذان ابنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) افلا اصونهما عن القتل فقال بلى يا ابتاه جعلني الله فداك وفداهما من كل سوء لما رجع محمد الى ابيه واستسقى الماء سقاه امير المؤمنين (علیه السلام) ولكن لما رجع علي الاكبر الى ابيه وقال ياابة العطش قد قتلني ما سقاه الحسين (علیه السلام) بل بكي وقال الخ و (منها) انه كانت لامامنا الصادق (علیه السلام) اخت اسمها حكيمة ولها ابنان محمد وابراهيم ومات محمد فى حبس المنصور (لع) وبقي ابراهيم وكانت به مشغوفة وعينها به قريرة فمرض ابراهيم مرضاً شديداً حتى اشرف على الموت فجاءت حكيمة الى

ص: 421

الصادق (علیه السلام) حزينة باكية وقالت سيدي ابني ابني فقال الصادق (علیه السلام) لها امضي واغتسلي وتوضأي وصلى ركعتين واكشفي عن رأسك وانشري شعرك وادعى له بالشفاء فان الله سيستجيب دعائك نعم ان دعاء الوالدة في حق الولد مستجاب جاءت ليلى الى الحسين (علیه السلام) وقالت سيدي ابني ابني فقال الحسين (علیه السلام) امضي الى الخيمة وادعي الخ في كتاب من لا يحضره الفقيه عن ابن ابي ايلى الصادق (علیه السلام) اي شيء احلى مما خلق الله عز وجل فقال (علیه السلام) الولد الشاب فقال فاي شيء امر مما خلق الله فقال فقده فقال اشهد انكم حجة الله على خلقه

المجلس السادس عشر في شهادة علي الاصغر

ومن اولاد الحسين (علیهم السلام) الذين قتلوا معه بالطف عبدالله الرضيع والمعروف علي الاصغر وامه رباب بنت امرىء القيس و كان امرؤ القيس زوج بناته من علي والحسن والحسين (علیهما السلام) وكانت رباب عند الحسين (علیه السلام) فولدت له سكينة وعلياً الاصغر وقتل على الاصغر في حجر ابيه وله من العمر ستة اشهر ورثاه الشاعر:

ان انس لا انس ابن فاطم مذ غدا *** والطفل من حر الظما يتلوع

فاتی به نحو اللئام مناديا *** يا قوم هل قلب لهذا يخشع

هل راحم يسقيه من ماء لكي *** يبتل منه فؤاده المتوجع

قالوا له مهلا سنسقيه الردى *** بيد الحتوف وعلقما لا يجرع

فرماه حرملة بسهم في الحشى *** فغدت دماء حشاشه تتدفع

فرمى بكفيه دماء وريده *** نحو السماء مناديا يا مفزع

انت العليم بفعلهم فاحكم بهم *** مهما تشاء فاليك ربي المرجع

وقد اختلفوا في كيفية شهادته ونحن نشير اليها بعون الله تعالي قال في (المنتخب)

ص: 422

روى انه لما قتل العباس (علیه السلام) تدافعت الرجال على اصحاب الحسين (علیه السلام) فلما نظر الى ذلك نادى ياقوم اما من مجير يجيرنا اما من مغيث يغيثنا اما من طالب حق فينصرنا اما من خائف فيذب عنا اما من احد فيأتينا بشربة من ماء لهذا الطفل فانه لا يطيق الظمأ فقام اليه واده على الأكبر وكان له من العمر سبعة عشر سنة فقال انا آتيك بالماء ياسيدي فقال (علیه السلام) امض بارك الله فيك قال فاخذ الركوة بيده ثم اقتحم الشريعة وملأ الركوة واقبل بها نحو ابيه فقال با ابت الماء لمن طلبت اسق اخي وان بقي شيء فصبه علي فاني والله عطشان فبكى الحسين (علیه السلام) واخذ ولده الطفل واجلسه على فخذه واخذ الركوة وقربها الى فيه فلما هم الطفل ان يشرب اتاه سهم مسموم فوقع في حلق الطفل فذبحه قبل أن يشرب من الماء شيئاً فبكى الحسين (علیه السلام) ورمى الركوة من يده و نظر بطرفه الى السماء وقال اللهم انت الشاهد على قوم قتلوا الشبه الخلق بنبيك وحبيبك ورسولك (صلی الله علیه وآله وسلم) انتهى ما في المنتخب وقال في (نفس المهموم) قال عقبة ابن بشير الاسدي قال لي ابو جعفر الباقر (علیه السلام) ان لنا فيكم يابني اسد دماً قال قلت فما ذنبي انا في ذلك رحمك الله يا ابا جعفر وما ذلك الدم قال (علیه السلام) اتى الحسين (علیه السلام) بصي له فهو في حجره اذرماه احدكم يابني اسد بسهم فذبحه (اقول) وهذا توافق ما رواه السيد والمفيد في شهادة الرضيع من ان الحسين «علیه السلام» تقدم الى باب الخيمة وقال لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى اودعه ثم جلس امام الفسطاط فاتي بابنه عبدالله ابن الحسين «علیه السلام» وهو طفل فاجلسه في حجره واومأ ليقبله جعل يقبله وهو يقول ويل لهؤلاء القوم اذا كان جدك محمد المصطفي خصمهم فرماه حرملة بن كاهل الاسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه يقول المرحوم السيد حيدر (قده)

له الله مفطوراً من الصبر قلبه *** ولو كان من صم الصفا لتفطرا

ومنعطفاً اهوى لتقبيل طفله *** فقبل منه قبله السهم منحرا

ص: 423

فقال لزينب خذيه ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلأ تا رمى بالدم نحو السماء ثم قال هون عليّ ما نزل بي انه بعين الله قال الباقر «علیه السلام» فلم يسقط من ذلك الدم قطرة الى الارض وفي رواية ثم ملأ كفيه وصبه في الارض وقال رب ان تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير منه وانتقم لما من هؤلاء القوم الظالمين فرمله وحفر له بسيفه وصلى عليه ودفنه وقيل ثم حمله ووضعه مع الفتلى من اهل بيته وقال ابو مخف بعد ذكر شهادة علي الاكبر ثم اقبل الحسين (علیه السلام) الى ام كلثوم وقال لها يا اختاه اوصيك بولدي الصغير خيراً فانه طفل صغير وله من العمر ستة اشهر فقالت له يا اخي ان هذا الطفل له ثلاثة ايام ما شرب الماء فاطلب له شربة من الماء فاخذ الطفل وتوجه نحو القوم وقال ياقوم قد قتلتم اخي واولادي وانصاري وما بقى غير هذا الطفل وهو يتلظى عطشاً من غير ذنب اتاه اليكم فاسقوه شربة من الماء وفي «نفس الهموم» قال ياقوم ان لم ترحموني فارحموا هذا الطفل وفي (الناسخ) قال ياقوم لا لقد جف اللبن «اللبان خ ل» في ثدي امه فبينما هو يخاطبهم اذ اناه سهم مشوم من ظالم غشوم وهو حرملة بن كاهل الاسدي فذبح الطفل من الوريد الى الوريد او من الاذن الى الاذن فجعل الحسين «علیه السلام» يتلقى الدم حتى امتلأت كفه ورمی به الى السماء وعن ابي مخنف جعل يقول اللهم اني اشهدك على هؤلاء القوم فانهم نذروا ان لا يتركوا احداً من ذرية نبيك وفي تظلم الزهراء وضع كفيه تحت نحر الصبي ثم قال يا نفس اصبري واحتسبي فيما اصابك الهي ترى ما حل بنا في العاجل فاجعل ذلك ذخيرة لنا في الآجل وقال شيخنا الأجل في نفس المهموم جعل الحسين [علیه السلام] يبكي ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا فنودي من الهواء ياحسين دعه فان له مرضعاً في الجنة ثم قال ورماه حصين بن تميم بسهم فوقع في شفتيه فجعل الدم يسيل من شفتيه وهو يبكي ويقول اللهم اني اشكو اليك ما يفعل بي وباخوتي

ص: 424

و ولدي واهلي الخ وقال ابو مخنف ثم رجع بالطفل مذبوحا وذمه يجري على صدره فالقاه في الخيمة وبكى عليه وانشأ يقول:

يارب لا تتركني وحيدا *** فقد ترى الكفار والجحودا

قد صبرونا بينهم عبيدا *** يرضون في فعالهم يزيدا

اما أخي فقد قضى شهيدا *** معفراً بدمه فريدا

في وسط قاع مفرداً بعيدا *** وانت بالمرصاد يا مجيدا

وفي خبر استقبلته سكينة وقالت ياابة لعلك سقيت اخي الماء فبكى الحسين (علیه السلام) وقال بنية هاك اخاك مذبوحا بسهم الاعداء ولنعم ما قال الدمستاني في رثاء هذا الطفل

اخت ايتيني بطفلي اره قبل الفراق *** فاتت بالطفل لا يهدأ والدمع مراق

يتلظى ظماً والقلب منه في احتراق *** غائر العينين طاوي البطن ذاوي الشفتين

فبكى لما رآه يتلظى بالاوام *** بدموع ها طلات تخجل السحب السجام

فاتى القوم وفي كفيه ذياك الغلام *** وهما من عطش قلبساهما كالجمرتين

فدعا الاقوام يالله الخطب الفظيع *** نبئوني أأنا المذنب ام هذا الرضيع

لاحظوه فعليه شبه الهادي الشفيع *** لا يكن شافعكم خصما لكم في النشأتين

عجلوا نحوي بماء اسقه هذا الغلام *** فحشاه من ظمأ في احتراق واضطرام

فاكتفى القوم عن القول بتكليم السهام *** واذا بالطفل قد خر ذبيح الودجين(1)

فالتقى مما همى من منحر الطفل دماً *** ورماه صاعداً يشكو الى رب السما

وينادي يا حكيم انت خير الحكماء *** فجع القوم بهذا الطفل قلب الوالدين

(تنبيه) نذكر بعض ما يتعلق بالرضيع حتى يزيد فى الرقة والبكاء في هذه الفاجعة الموجعة: (منها) قال المرحوم الدربندي في الاسرار اعلم ان هذا النور النير

ص: 425


1- صريعاً لليدين. (نسخة بدل)

والقمر المنير اعني علياً الاصغر اخذ ميراثاً من جده امير المؤمنين (علیه السلام) وهو قطع القماط لما سمع اغاثة ابيه قطع القماط والقى نفسه وبكى وضج مشيراً بذلك الى إجابة دعوة ابيه وتلبية لاحرام الشهادة في حضنه وفوق يديه ونقل عن ثقة من الثفات ان الفاضل المحدث الحاج ملا رضا الاسترابادي (رحمه الله) نقل في كتابه ما حاصله ان ارتفعت العجة والضجة بين النسوان في الخيمة ورفعن الصوت بالبكاء ورجع الامام (علیه السلام) الى الخيام وسأل عن سبب تلك الحالة فاخبرته زينب (علیها السلام) بما صنع الطفل بعد استغائته بما واستنصاره من انه قطع القماط والقى بنفسه وقال المرحوم الدربندي ان قطع الاصغر القماط والقى نفسه من المهد مما استظهرته بالمكاشفات انتهى رؤى ثقة الاسلام الكليني في كتاب الروضة من الكافي ان الكميت الشاعر دخل على الصادق (علیه السلام) فقال (علیه السلام) يا كميت انشدني في جدي الحسين (علیه السلام) فما انشد كميت ابياتاً في مصيبة الحسين(علیه السلام) بكی الامام (علیه السلام) بكاء شديداً وبكت النسوة واهل حريمه وصحن في حجراتهن فبينما الامام (علیه السلام) في البكاء والنحيب اذ خرجت جارية من خلف الستر من حجرات الحرم وفي يدها طفل صغير رضيع فوضعته في حجر الامام فاشتد حينئذ بكاء الامام في غاية الاشتداد وعلا صوته الشريف وعلت اصوات النساء الطاهرات خلف الاستار من الحجرات ومعلوم ان النساء الطاهرات ما كان مقصودهن من انفاذهن ذلك الرضيع الى حضرة الامام (علیه السلام) إلا تشبيهاً برضيع الحسين (علیه السلام) ليشتد بذلك الرقة في الباكين والباكيات فسبحان الله ما اقسى قلب حرملة بن كاهل الاسدى (لع) حيث ما رق على ذلك الرضيع في (الانوار المحمدية) تأليف يوسف بن اسماعيل النبهاني كان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يوم عاشوراء يدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة (علیها السلام) فيتفل في افواههم و يقول للامهات لا ترضعنهم الى الليل فكان ريقه (صلی الله علیه وآله وسلم) يجزيهم رواه البيهقي (اقول) وليس هذا منه (صلی الله علیه وآله وسلم) إلا لعلمه بان رضيع الحسين (علیه السلام) يتلظى في يوم

ص: 426

عاشوراء من العطش ويلوك بلسانه من شدة العطش فيحسن التأسي به (قائدة) سئل بقراط الحكيم اى شيء امر من الموت في مذاق الانسان الكريم قال امر من الموت في مذاق الانسان الكريم ان يطلب حاجة من اللثيم فما حال الحسين الكريم ابن الكريم حين رفع رضيعه على يديه وطلب له جرعة من الماء من اللؤماء اهل الكوفة (فائدة اخرى) في الحديث القدسي فلولا مشايخ ركع واطفال رضع وبهائم رتع وشبان خشع لجعلت السماء فوقكم حديداً والارض تحتكم رصاصاً والتراب رماداً ولا انزلت عليكم من السماء قطرة ولا انبتت لكم من الارض نباتاً و لصببت عليكم العذاب صباً فببركة هؤلاء النفر يرحم الله المذنبين والعاصين من عباده لان هؤلاء مورد للترحم في كل حال بواسطة ضعفهم وعدم قدرتهم في الشدائد ولا سيما الرضيع ولذا اذا تخاصمت طائفتان فاذا غلبت وظفرت احداهما على الاخرى وصارت الاخرى مقهورة ومغلوبة قدمت اطفالهم وصغارهم امامهم وهذه كناية واشارة الى انه ان لم ترحمونا فارحموا صغارنا لعن الله أهل الكوفة لان الحسين (علیه السلام) اخذ رضيعه واقبل به اليهم وقال ان لم ترحموني فارحموا هذا العامل الخ (قائدة) قال الصادق (علیه السلام) لاحدى ارواجه وهي ام اسحق ترضع احد ابنيها محمداً او اسحاق فقال (علیه السلام) يا ام اسحق لا ترضعيه من ثدي واحد وارضعيه من كلیها يكون احدهما طعاما والآخر شرابا من هذا يظهر ان الرضيع يحتاج الى الماء كما انه يحتاج الى الطعام وممن قتل من اولاد الحسين (علیهم السلام) كما حكى عن الحدائق الوردية أنه ولد بالطف في يوم عاشوراء الحسين (علیه السلام) ابن في وقت صلاة الظهر عند المحاربة فاتي به الى الحسين «علیه السلام» وهو قاعد بباب الخيمة فاخذه في حجره دع و اذن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى و لباه بريقه وقبله وسماه اذ رماه عبدالله بن عقبة الغنوي بسهم في نحره فذبح في حجر الحسين «علیه السلام» وجعل «علیه السلام» يأخذ دمه ويرمي به الى السماء قال الباقر «علیه السلام» لو وقعت منه على الأرض قطرة لنزل العذاب

ص: 427

والى هذه المصيبة اشار السيد في قصيدته:

ومنعطفاً اهوى لتقبيل طفله *** فقبل منه قبله السهم منحرا

لقد ولدا في ساعة هو والردى *** ومن قبله في نحره السهم كبرا

قيل كانت امه ام اسحق بنت طلحة بن عبيد الله كانت اولا تحت الحسن «علیه السلام» فلما توفى الحسن [علیه السلام] تزوجها الحسين «علیه السلام» فولدت له فاطمة قيل هذا الولد كان منها وممن قتل من اولاد الحسين «علیه السلام» ابن صغير قتل حين ان الحسين «علیه السلام» بقى على الارض طريحاً جريحاً قال المرحوم الدربندي في الاسرار نقلا عن اخبار الدول وآثار الاول أنه قد بقى سيد الشهداء «صلی الله علیه وآله وسلم» زماناً على رمضاء كربلاء كلما انتهى اليه رجل منهم انصرف عنه وان يتول قتله فحمل صبياً صغيراً من اولاده اسمه عبد الله وقبله واخذه رجل من بني اسد فذبحه فتلقى الحسين «علیه السلام» دمه في يده والقاه نحو السماء وقال يارب ان تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعله لنا خيراً وانتقم من الظالمين و ممن قتل من اولاده ذلك الغلام الذي قتل عند باب الخيمة بعد شهادة علي الاكبر (علیه السلام) كما ذكره صاحب الناسخ ونحن عنه نقلنا انتهى.

المجلس السابع عشر في ذكر شهادة اولاد علي (علیهم السلام)

قال في «البحار» فاول من خرج منهم ابو بكر بن علي [علیه السلام] قيل لم يعرف اسمه وقيل اسمه عبيد الله وامه ليلى بنت مسعود بن خالد وقال شيخنا المفيد [ره] اسمه محمد الاصغر وكنيته أبو بكر وهو مع عبيد الله بن علي من أم واحدة وهما قتلا بيوم الطف والله العالم فتقدم ابو بكر بن علي «علیه السلام» وهو يرتجز ويقول:

شيخي علي ذو الفخار الاطول *** من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا حسين بن النبي المرسل *** عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من اخ مبجل

ص: 428

فلم يزل يقاتل حتى قتله زجر بن بدر النخعي وقيل عبد الله بن عقبة بن الغنوي وقيل قتله رجل من همدان وقال ذكر المدائني انه وجد في ساقية مقتولا لا يدرى من قتله قالوا ثم برز من بعده اخوه عمر بن علي وهو يقول:

خلوا عداة الله خلوا عن عمر *** خلوا عن الليث الحصور المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفر *** وليس فيها كالجبان المنجحر

يازحر يازحرتدان من عمر *** لملك اليوم تبوء من سقر

شر مكان في حريق وسعر *** لا نك الجاحد ياشر البشر

ثم حمل على زحر قاتل اخيه فقتله واستقبل القوم وجعل يضرب بسيفه ضربا منكراً ثم دخل حومة الحرب فلم بزل يقاتل حتى قتل هذا ما في «البحار» ولكن قد اشتهر بين ارباب المقاتل ان عمر لم يشهد مع اخيه الحسين «علیه السلام» بالطف ولم يسر معه الى الكوفة وفي [القمقام] عن عمدة الطالب في نسب آل ابي طالب ما ملخصه وتخلف عمر من اخيه الحسين [علیه السلام] ولم يسر معه الى الكوفة ولا يصح رواية من روى ان عمر حضر كربلا بل كان بالمدينة وبلغه خبر قتل الحسين «علیه السلام» وبقي الى خلافة مروان بن الحكم و وقعت المخاصمة بينه وبين الحسن الامام المجتبى في صدقات امير المؤمنين -ع- ومن اولاد امير المؤمنين الذين قتلوا بيوم الطف على ما رواه الناسخ عون بن علي وامه اسماء بنت عميس ذكره صاحب الناسخ قال ان اسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن ابي طالب وانت بعبد الله ثم صارت تحت ابي بكر فاتت بمحمد بن ابي بكر ثم ثم صارت تحت امير المؤمنين (علیه السلام) فاتت بعون فهؤلاء الثلاثة من آباء ثلاثة وام واحدة وهم عبد الله بن جعفر الطيار ومحمد بن ابي بكر وعون بن امير المؤمنين (علیه السلام) وقال صاحب الناسخ وما رأيت في كتب المقاتل ذكر شهادة عون بيوم الطف إلا في كتاب (روضة الاخبار) وبحر اللثالي تأليف العامة وانا اقتفي أثرهما في ذكره بالجملة كان

ص: 429

عون صبيحاً مليحاً شجاعا استأذن اخاه الحسين (علیه السلام) فقال كيف تقاتل هذا الجمع الكثير والجم الغفير فقال من كان بإذلا فيك مهجته لم يبال بالكثرة والقلة فبكى الحسين (علیه السلام) واذن له فحمل عون على القوم وقتل مقتلة عظيمة فاحتوشه الفان من القوم ففرقهم يميناً وشمالا وتخلل الصفوف مقبلا الى الحسين (علیه السلام) في رأسه ووجهه جراحات فقبله الحسين (علیه السلام) فقال له احسنت لقد اصبت بجراحات كثيرة فاصبر هنيئة قال عون سيدي اردت ان احظى منك واتزود من رؤيتك مرة اخرى ولا ينبغي ان اعرض دونك وقد اجهدني العطش ائذن لي حتى ارجع وافديك بروحي قاذن له ورجع وامر الحسين (علیه السلام) بان يركبوه جواداً غير الذي كان تحته فركب وحمل على القوم فاعترضه صالح بن سيار وكان صالح قد شرب خمراً في عهد أمير المؤمنين (علیه السلام) فاجرى عليه عون الحد بامر امير المؤمنين (علیه السلام) وقد كمن حقداً لمون في قلبه فانتهز الفرصة فرآه جريحاً ظلمآناً وحمل على عون وشتمه فاجابه عون وحمل عليه وطعنه برمحه. و اورده جهنم فاقبل اليه اخوه بدر بن سيار فالحقه عون باخيه فحمل خالد بن طلحة بالسيف على عون وقد كمن اللعين منه فضربه بالسيف فخر عون صريعاً قائلا بسم الله و بالله و في سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وقضى نحبه و الحسين عليه السلام لما سقط من ظهر جواده قال بسم الله الخ

المجلس الثامن عشر في ذكر أولاد ام البنين

في كتاب عمدة الطالب ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام) قال لاخيه عقيل وكان نسابة عالما بانساب العرب واخبارهم انظر الى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لاتزوجها فتلد لي غلاما فارساً فقال له تزوج ام البنين الكلابية فانه ليس في العرب اشجع من آبائها فتزوجها أمير المؤمنين (علیه السلام) واسمها فاطمة بنت حزام بن خالد

ص: 430

بن ربيعة وكانت عالة ومن ذلك قال فى (كنز المصائب) ان العباس اخذ علماً جماً في اوائل عمره عن ابيه وامه واخواته انتهى فتزوجها امير المؤمنين (علیه السلام) فولدت له العباس وجعفراً وعبدالله وعثمان وكانوا من شجعان العرب وكلهم قتلوا في نصرة الحسين (علیه السلام) قدمهم العباس بين يديه فلمار آى العباس بن علي كثرة القتلى فى اهله قال لاخوته من امه وابيه وهم عبد الله وجعفر وعثمان يابني امي تقدموا حتى اراكم قد نصحتم الله ولرسوله فانه لا ولد لكم تقدموا بنفسي انتم فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه فتقدموا جميعاً فصاروا امام الحسين «علیه السلام» يتقون بوجوههم ونحورهم فتقدم عبد الله بن علي رحمة الله عليه وكان يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وقاتل قتالا شديداً وهو يرتجز ويقول:

انا ابن ذي النجدة والافضال *** ذاك علي الخير ذو الفعال

سیف رسول الله ذو النكال *** فى كل يوم ظاهر الاحوال

وقتل ابطالا ونكس فرساناً فاختلف هو وهاني بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هاني وتقدم بعده جعفر بن علي قائلا:

اني انا جعفر ذو المعالي *** ابن علي الخير ذي النوال

ذاك الوصي ذو السنا والوالي *** حسبي بعمي جعفر والخال

احمي حسيناً ذا الندى المفضال

فقاتل وقتل جمعاً كثيراً فشد عليه هاني بن ثبيت فقتله وفي خبر قتله خولى بن يزيد الاصبحي بعد ما رماه بسهم فاصاب شقيقته او عينه [اقول] شرك اخاه العباس في ذلك لان العباس قيل جاءه سهم واصاب عينه وبرز عثمان بن علي وهو ابن احدى وعشرين سنة قائلا:

اني انا عثمان ذو المفاخر *** شيخي علي ذو الفعال الطاهر

ص: 431

هذا حسين سيد الاخایر *** وسید الصغار والاكابر

فقاتل قتالا شديداً قال ابو الفرج ان خولى بن يزيد [لع] رماه بسهم على جبينه فسقط عن فرسه وشد عليه رجل من بني دارم فقتله واخذ رأسه وقال ابو حنيفة الدينوري ان يزيد الاصبحي رمى عثمان بن علي (علیه السلام) بسهم فقتله ثم خرج اليه فاحتز رأسه وانى به عمر بن سعد فقال له اثبني فقال عمر عليك باميرك يعني عبيد الله بن زياد فسأله ان يثيبك وبقى العباس بن علي (علیه السلام) قائماً امام الحسين (علیه السلام) يقاتل دونه ويميل معه حيث مال حتى قتل رحمة الله عليه وكانت ام البنين بعد وقعة الطف تخرج الى البقيع وتندب بنيها اشجى ندبة واحرقها فيجتمع اليها الناس ويسمعون منها ويبكون رقة لها حتى كان مروان يجيء فيمن يجيء ويسمع ويبكي لبكائها وهي ترني بنيها وتقول:

لا تدعوني ويك ام البنين *** تذكرينى بليوث العرين

كانت بنون لي ادعى بهم *** واليوم اصبحت ولا من بنين

اربعة مثل نسور الربى *** قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان اشلائهم *** وكلهم امسى صريعاً طعين

یاليت شعري اكما اخبروا *** بان عباساً قطيع اليمين

ولها ايضاً:

انبثت ان ابني اصيب *** برأسه مقطوع ید

ويل على شبلي امال *** برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في *** يديك لما دنا منك احد

في (الناسخ) ان اولاد ام البنين اربعة وكانهم ملقبون بالاكبر لانهم اولاد امير المؤمنين (علیه السلام) بعد الحسنين (علیه السلام) وابن الحنفية وهؤلاء الاربعة عبد الله

ص: 432

الاكبر وعثمان الاكبر وجعفر الاكبر والعباس الاكبر وكلهم قتلوا في نصرة الحسين (علیه السلام) والله در من قال بعثتهم النفوس الأبية علي مصادمة خيول اهل الغواية وحركتهم الحمية الهاشمية على اقتناص ارواح اهل الضلالة فكانوا كما وصفهم اهل البصائر بانهم إمراء العساكر وخطباء المنابر:

نفوس أبت الاتراث ابيهم *** فهم بين موتور لذاك وواتر

لقدالفت ارواحهم حومة الوغى *** كما انست اقدامهم بالمنابر

واكبرهم العباس ثم عبد الله وهو ابن خمس وعشر بن سنة ثم جعفر ابن ثلاث و عشرين سنة ثم عثمان وهو ابن احدى وعشرين سنة وكتب ابن زياد (لع) لهم کتاب امان لان عبد الله بن ابي المحمل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب كانت ام البنين عمته قال لا بن زياد اصلح الله الامير ان بني اختنا مع الحسين فان رأيت ان تكتب لهم اماناً فعلت قال نعم و نعمت عين فامر كاتبه فكتب لهم اماناً فبعث به عبد الله بن ابي المحمل مع مولى له يقال له كرمان فلما قدم عليهم دعاهم فقال هذا امان بعث به خالكم فقال له الفتية اقرأ خالنا السلام وقل له ان لا حاجة لنا في امانكم امان الله خير من امان ابن سمية والمشهور ان شمر بن ذي الجوشن (لع) اخذ لهم اماناً من ابن زياد لانه كان من بني كلاب وام البنين كانت كلابية لما قبض من ابن زياد الكتاب اخذ ايضاً اماناً لهم وتوجه الى كربلا فلما ورد ما جاء حتى وقف على اصحاب الحسين (علیه السلام) فقال اين بنو اختي او اختنا عبد الله وجعفر والعباس وعثمان فقال الحسين (علیه السلام) اجيبوه وان كان فاسقاً فانه بعض اخوانكم فقالوا له ما شأنك وما تريد فقال يابني اختي انتم آمنون فلا تقتلوا انفسكم مع اخيكم الحسين والزموا طاعة امير المؤمنين يزيد فقالت له الفتية لعنك الله ولعن امانك اتؤمننا وابن رسول الله لا امان له وفي رواية فناداه العباس بن علي تبت يداك ولعن ما جئتنا به

ص: 433

من امانك يا عدو الله ما تأمرنا ان نترك اخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وابناء اللعناء قال فرجع الشمر (لع) مغضباً الى معسكره وفي (الاسرار) روى الدربندي لقبل زهير بن القيق (رحمه الله) الى عبد الله بن جعفر بن عقيل وقال له يا اخي ناو اني الراية فقال عبد الله اترى في قصوراً في حملها فقال لا ولكن لي حاجة اليها فاخذ الراية واقبل وفى يده واية حتى وقف امام العباس وقال ياابن امير المؤمنين اريد ان احدثك بحديث وعيته فقال العباس حدث فقد حلا وقت الحديث حدث ولا خرج عليك فانما تروي لنا متواتر الاسناد فقال له اعلم يا ابا الفضل ان اباك امير المؤمنين لما الواد لن يتزوج بامك ام البنين بعث الى أخيه عقيل وكان عارفاً بانساب العرب فقال يلاخي اريد منك ان تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة لكي اصيب منها ولداً يكون شجاعا عضداً ينصر ولدي الحسين (علیه السلام) ليواسيه بنفسه في ملف كو بلا وقد ادخرك ابوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن حلائل اخيك وعن اخوانك قال فارتعد العباس وتعملى في ركابيه حتى قطعهها وقال يازهير اتشجعني في مثل هذا اليوم والله لاريتك شيئاً ما رأيته قط ثم لا يخفى ان المرحوم الدربندي ذكر قصة ابي الفضل مع زهير في يوم عاشورا، وساق الحديث الى ان قال وكض العباس بفرسه حتى توسط الميدان وقف ونادى يا عمر بن سعد الى آخر ما في شهادته بيض الله وجهه ما قصر اشهد لقد نصحت الله ولرسوله ولاخيك فنعم الاخ المواسي لاخيه ولقد آثر وابلى وفدى اخاه الحسين بنفسه حتى قطعت يداه وسقط على الارض وقف عليه الحسين (علیه السلام) وقال جزاك الله عني يا اخي يا ابا الفضل خيراً وقال الصادق (علیه السلام) كان عمنا العباس بن علي (علیه السلام) نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع ابي عبدالله وابلى بلاء حسناً ومضى شهيداً وهم العباس في بني حنيفة وقتل (علیه السلام) وله اربع وثلاثون سنة وامه وام اخونه عبدالله وجعفر وعثمان ام البنين بنت حزام بن ربيعة وزوجته

ص: 434

لبابة بنت عبيد الله بن العباس انت بولدين فضل وعبيد الله وعقبه من عبيد الله وفي كتاب (نور العين) لابي لسحق الاسفرائيني من السامة كان للعباس بالطف زوجة وولد وفي (المناقب) في ذكر المستشهدين من بني هاشم مع الحسين (علیه السلام) يوم الطف قلل وقتل مع الحسين (علیه السلام) محمد بن العباس وروى الصدوق عن ابي حمزة عن علي ابن الحسين (علیه السلام) قال رحم الله عمي العباس فلقد آثر والى وفدى اخاه بنفسه حتى قطعت يداه فابدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل الجعفر بن ابي طالب وان العباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة وفي شهادة العباس قال المفيد (رحمه الله) وحملت الجماعة على الحسين بن علي (علیه السلام) فغلبوه على عسكره واشتد به العماش فركب المسناة يربد الفرات و بين پديه اخوه العباس فاعترضه خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء فقال الحسين (علیه السلام) اللهم اظمئه فغضب الدارمي ورماه بسهم قائبته في حنكه فانتزع الحسين (علیه السلام) السهم وبسط يديه تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم فرمى به ثم قال اللهم اني اشكو اليك ما يفعل بابن بنت نبيك وفي (نفس المهموم) قال وروى الحسن بن الطبرسي ان الحسين (علیه السلام) رماه رجل ملعون بسهم فاثبت في جبهته ونزع العباس قدس الله روحه ذلك السهم عن جبهة الحسين [علیه السلام] انتهى ثم ان الحسين [علیه السلام] رجع الى مكانه وقد اشتد به العطش واحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رضي الله عنه وكان المتولي لفتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي بعد ان الخنوه بالجراح فلم يستطع حراكا وقال المفيد «ره» ولما رجع الحسين «علیه السلام» من المسناة الى فسطاطه تقدم اليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من اصحابه فاحاط به فاصرع منهم رجل يقال له مالك بن اليسر أو النسر الكندي فشتم الحسين «علیه السلام» وضربه على رأسه

ص: 435

بالسيف وكان عليه قلنسوة وفى خير البرنس فقطعها حتى وصل السيف الى رأسه فادماه فامتلأت القلنسوة دماً فقال «علیه السلام» لا اكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك الله مع الظالمين ثم القى القلنسوة وقد اعي [علیه السلام] ودعا بخرفة فشد بها رأسه واستدعى قلنسوة اخرى فلبسها واعتم عليها وجاء الكندي واخذ البرنس او القلنسوة وكان من جز واقبل به على امرأته واقبل يغسل البرنس من الدم فقالت له امرأته اسلب ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله تدخل بيتي أخرجه عني فذكر اصحابه ان اللعين لم يزل فقيراً بشر حتى مات لعنه الله واخزاه.

المجلس التاسع عشر

هو العباس ليث بنى نزار *** ومن قد كان اللاجى عصاما

هزير اغلب تخذ اشتباك *** الرماح بحومة الهيجا اجاما

فمدت فوقه العقبان ظلا *** ليقربها جسومهم طعاما

ابي عند مس الضيم يمضي *** بعزم يقطع العصب الحساما

كان العباس بن امير المؤمنين [علیه السلام] رجلا جميلا وسيما يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الارض وكان جسوراً على الطعن والضرب فى ميدان الكفاح والحرب ومن المعلوم أن أهل بيت الحسين «علیه السلام» الذين قتلوا معه كان جميعهم في اعلى درجة الشجاعة وارفع مرتبة الشهامة إلا ان العباس بن علي «علیه السلام» كان له من قداحها المعلى ورتبته ارفع و اعلى منه يقتبس انوارها و يقتطف ثمرها و نورها وناهيك بمن كان ضلعاً من اضلاع اشجع البرية ودوحة من الروضة العلوية وغصناً من اغصان الشجرة المباركة الزيتونية النورانية ابوه امير المؤمنين «علیه السلام» سيد البرية واخوه الحسين سيد اهل الاباء والحمية

ص: 436

لك نفس من معدن اللطف صيغت *** جعل الله كل نفس فداها

ولا يقاس بشجاعته إلا شجاعة ابيه واخيه وقد ادخره ابوه لينصر ولده الحسين [علیه السلام] بنفسه ويواسيه وسماه امير المؤمنين «ع» بالعباس لعلمه بشجاعته وسطوته وصولته وعبوسته في قتال الاعداء وفي مقابلة الخصماء قیل عباس كشداد الاسد الضاري كانت الاعداء ترجف ابدانهم وترتعد مفاصلهم وتعبس وجوههم خوفاً اذا برز اليهم العباس عليه السلام

عبست وجوه القوم خوف الموت *** والعباس فيهم ضاحك متبسم

قال الطريحي ان العباس كان مع ابيه امير المؤمنين «علیه السلام» في الحروب والغزوات ويحارب شجعان العرب ويجادلهم كالاسد الضاري حتى يجدلهم صريعاً وفي يوم صفين كان العباس عوناً وعضداً لاخيه الحسين حين ان الحسين فتح الفرات واخذ الماء من اصحاب معاوية وهزم ابا الاعور عن الماء ولنعم ما قيل:

بطل تورث من ابيه شجاعة *** فيه انوف بنى الضلالة ترغم

ياقي السلاح بشدة من بأسه *** فالبيض تثلم والرماح تحطم

وقال في (ابصار العين) حضر بعض الحروب مع ابيه فلم يأذن له ابوه بالنزال (اقول) اما حباً له او صوناً له من اصابة عيون الاعداء وقال الفاضل المتبحر العالم الحاج الشيخ محمد باقر البر جندي القائني في كتابه المسمى بالكبريت الاحمر ان العباس -ع- كان في صفين يقاتل اهل الشام مع ابيه امير المؤمنين (علیه السلام) وقال قد روى بعض من اثق به بان يوما من ايام صفين خرج شاب من عسكر امير المؤمنين (علیه السلام) وعليه لثام وقد ظهرت منه آثار الشجاعة والهيبة والسطوة بحيث ان اهل الشام قد تقاعدوا عن حربه وجلسوا ينظرون وغلب عليهم الخوف والخشية فما برز اليه فدعا معاوية برجل من اصحابه يقال له ابن شعثاء وكان يعد بعشرة آلاف فارس وقال له معاوية اخرج الى

ص: 437

هذا الشاب و بارزه فقال يا امير ان الناس يعدونني بعشرة آلاف فارس فكيف تامرني بمبارزة هذا الصبي فقال ماوية فما نصنع قال يا امير ان لي سبعة بنين ابعث اليه واحداً منهم ليقتله فقال له افعل فبعث اليه احد اولاده فقتله الشاب وبعث اليه باخر فقتله الشاب حتى بعث جميع اولاده فقتلهم الشاب فعند ذلك خرج ابن شعثاء وهو يقول ايها الشاب قتلت جميع اولادي والله لا تكان اباك وامك ثم حمل اللعين وحمل عليه الشاب فدارت بينهما ضربات فضر به الشاب ضربة قده نصفين والحقه باولاده فعجب الحاضرون من شجاعته فضه ذلك صاح امير المؤمنين ودعاه وقال له المرجع يابني فاني أخاف ان تصيبك عيون الاعداء فرجع وتقدم اليه امير المؤمنين وارخى اللثام عنه وقبل ما بين عينيه فنظروا اليه واذا هو قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين (علیه السلام) ويكفي في شجاعته ان الاعداء اذا سمعوا باسم العباس ارتعدت فرائصهم ووجات قلوبهم و اقشعرت جلودهم ومن ذلك ان عبد الله بن زياد بعث اليه كتاب امان وناهيك في شجاعته ان الحسين (علیه السلام) ما اجازه للقتال في يوم عاشوراء بل ارسله ليأتي بالماء وقيد يديه ورجليه باتيان الماء وحمل القربة ومع ذلك لما ركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد الفرات وقد احاط به اربعة آلاف وفي رواية ستة آلاف وفي (الاسرار) عشرة آلاف محارب فحمل عليهم العباس وقتل منهم شجعاناً ونكس منهم فرساناً وتفرقوا عنه هاربين كما يتفرق عن الذئب الغنم وصعد قوم على التلال والاكمات واخذوا يرمونه بالسهام حتى قال اسحق بن جئوة (لع) فئورنا عليه النبال كالجراد الطائر فصير نا جلده كالفنفذومع ذلك كان كالجيل الاصم لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف فغاص العباس في اوساطهم وقتل منهم ثمانين فارساً وقيل ثمانمأة فارس وقيل اكثر من ذلك وهو بينهم يرتجز ويقول:

لا ارهب الموت اذا الموت رقي *** حتى اواري في المصاليت لقا

ص: 438

نفسي لغس المصطفی الطهر وقى *** اني انا العباس الغدو بالسقا

ولا اخاف الشر يوم الملتقى

فتفرقوا عنه هار بين فكشفهم عن المشرعة و نزل فهجموا عليه فخرج اليهم وفوقهم ثم عاد الى المشرعة فحملوا عليه ثانياً فكر عليهم العباس على ما في بعض الكتب منها الكبريت الاحمر الى ست مرات وفى السادسة انصرفوا ولم يرجعوا فنزل وملأ القربة واراد ان يخرج نادى عمرو بن الحجاج (لع) دونكم العباس فقد حصل بايديكم فكثرت عليه الرجال فلما رآى العباس وقد تسارعوا اليه حط القربه وخرج من المشرعة واستقبل القوم يضر بهم بسيفه وكأنه النار في الاحطاب وهو يقتلهم ويحصدهم حصد السنبل يقول الرائي:

وقع العذاب على جيوش امية *** من باسل هو في الوقايع معلم

ما راعهم إلا تقحم ضيغم *** غير ان يعجم لفظه ويدمدم

عبست وجوه القوم خوف الموت *** والعباس فيهم ضاحك متبسم

قلب اليمين على الشمال وغاص في *** الاوساط يحصد في الرؤوس ويحملم

وجعل روحي له الفداء یرتجز ويقول:

اقاتل القوم، بقلب مهتد *** اذب عن سبط النبي احمد

اضريكم بالصارم المهند *** حتى تحيدوا عن قتال سيدي

اني انا العباس ذو التودد *** نجل علي المرتضى المؤبد

فقتل من ساداتهم وابطالهم مائة ثم عاد الى القربة فاحتملها على عاتقه وخرج يويد المخيم فركب عمر بن سعد (لع) وزحفت في اثره الاعلام ووصلت الخيل والرجال إلى العباس وقد ادركته الخيل والرماح كاجام القصب وجعل العباس ینادي یا اعداء الله لان قتلنا فلقد قتلنا منكم اضعافا وصار يضرب فيهم يميناً وشمالا، ويجدل

ص: 439

الفرسان وينكس الابطال وقتل منهم خلقاً كثيراً و القربة على ظهره فلما نظر ابن سعد (لع) ذلك نادى ويلكم ارشقوا القربة بالنبل فوالله ان شرب الحسين الماء افناكم عن آخركم اما هو الفارس بن الفارس البطل المداعس فحملوا عليه حملة منكرة وروى انه قتل منهم مائة وثمانين فارساً (اقول) واعمر الله لو لم يكن ما جرى على اللوح ان يستشهد العباس في ذلك اليوم حتى ينكسر لفقده ظهر الحسين (علیه السلام) وينال بالشهادة لافتي العباس جميع اهل الكوفة بشماله دون يمينه وقد قتل بشماله مائة وثمانين فارساً ممن يعد بالف أو الفين

قسما بصارمه الصقيل وانني *** في غير صاعقة السما لا اقسم

لولا القضا لمحا الوجود بسيفه *** والله يقضي ما يشاء ویحكم

حسمت يديه المرهفات وانه *** ويمينه من حدهن لا حسم

ولم يزل روحي له الفداء يقاتل حتى قطعت یداء فانكب على السيف بفيه واخذ الراية بساعديه وضمه الى صدره وحمل عليهم ويقول هكذا احامي عن حرم رسول الله ولم يزل یحامي حتى ضربوه بعمود من حديد ففلق هامته فسقط مخ رأسه على كتفيه وانصرع عفيراً

الله اكبر اي بدر خر عن *** افق الهداية فاستشاط ظلامها

فمن المعزي السبط سبط محمد *** بفتى له الاشراف طأطأ هامها

واخ كريم لم يخنه بمشهد *** حيث السراة كبت بها اقدامها

وفي خبر جامه سهم واصاب صدره الشريف وانصرع عفيراً على الارض یخور في دمه ونادى والاخاه واحسيناه و اابتاه واعلياه و نادی یا اباعبدالله عليك مني السلام فلما سمع الامام (علیه السلام) نداءه قال والخاه واعباساه وامهجة قلباه فاتاه كالصقر اذا انحدر على فريسته ففرقهم يميناً وشمالا بعد ان قتل سبعين رجلا منهم ونزل اليه

ص: 440

قال ابو مخنف وحمله على ظهر جواده واقبل به الى الخيمة وطرحه فيها وبكى بكاء شديداً حتى بكى جميع من كان حاضراً وقال (علیه السلام) جزاك الله من اخ خيراً لقد جاهدت في الله حق جهاده (انتهى) و صرخت زینب وقالت واأخاه واعباساه واقلة ناصراه واضيعناه من بعدك فقال الحسين عليه السلام اي والله من بعده واضيعناه وا انقطاع ظهراه فجعل النساء يبكين ويندبن عليه وبكى الحسين عليه السلام وانشأ يقول:

اخي يانور عيني يا شقيقي *** فلي قد كنت كالركن الوثيق

ايا ابن ابي نصحت اخاك حتى *** سقاك الله كأساً من رحيق

ايا قمراً منيراً كنت عوني *** على كل النوائب في المضيق

فبعدك لا تطيب لنا حياة *** سنجمع في الغداة على الحقيق

ألا لله شكواني وصبري *** وما القاه من ظمأ وضيق

وعن المنتخب صاح الحسين وا اخاه واعباساه وامهجة قلباه واقرة عيناه واقلة ناصراه يعز والله علىّ فراقك ثم بكى بكاء شديداً فحمله على ظهر جواده واقبل به الى الخيمة وهو يبكي حتى اغمي عليه قال في منتخب التواريخ حدث الشيخ الجليل الحاج ملا علي التبريزي قال سمعت من بعض افاضل علماء العرب ان الازري لما قال:

(يوم ابو الفضل استجار به الهدى) ومعناه ان يوم عاشوراء يوم استجار الحسين (علیه السلام) باخيه العباس توقف في ذلك وتخيل أن هذا المصراع من البيت لعله غير مقبول عند الحسين (علیه السلام) ولذا توقف في مصراعه الآخر وما اتم البيت فنام ورأى الحسين (علیه السلام) في منامه وقال (علیه السلام) له و لنعم ما قلت و لقد احسنت واجدت نعم لقد استجرت بالعباس يوم عاشوراء وتممه وقل بعده (والشمس من كدر العجاج لثامها) يعني استجرت به حين ان الارض والسماء اغبرت من كثرة العجاج والغبار حتى كأن الشمس تلثمت وتنقيت بالعجاج:

ص: 441

المجلس العشرون

اشارة

لاشوس عباس يريهم وجهه *** والوفد ينظر باسماً محتاجها

باب الحوائج ما دعته مروعة *** في حاجة إلا ويقضي حاجها

بابي ابا الفضل الذي من فضله *** السامي تعلمت الورى منهاجها

زج الثرى من عزمه فوق السما *** حتى علت في تربه ابراجها

قطعت يداه وطالما من كفه *** ديم السما قد امطرت تجاجها

قال الصادق (علیه السلام) كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع ابي عبدالله (علیه السلام) وابلى بلاء حسناً ومفى شهيداً (اقول) قوله (علیه السلام) صلب الايمان يعني قويا في دينه ومستحكما في ايمانه وكفى في ايمانه ما قال علي بن الحسين (علیه السلام) في زيارته اشهد انك مضيت على بصيرة من امرك يعني من دينك لانه لم يجاهد الاعداء لاجل العصبية لاخيه بل كان يعرف ان دين الله قائم بالحسين (علیه السلام) وهو عمود الدين مجاهد عن دين الله وعن شريعة المصطفى وحامي عن ابن رسول الله وعن بنات الزهراء كما قال:

اني احامي ابداً عن ديني *** وعن امام صادق اليقين

وكان (علیه السلام) فاضلا عالماً عابداً زاهداً فقيهاً تقياً بل واولاده واحفاده كانوا جميعاً علماء فضلاء ابرار اتقياء وكلهم كانوا ذوي شأن عظيم ومقام كريم من الجلالة والعظمة والعلم والحلم والزهد والسخاوة والشجاعة والخطابة والشعر والسجاعة والناس يستفيدون من علومهم وكمالاتهم وعطاياهم نعم هؤلاء الاشبال من ذلك الاسد وهذه الانمار من تلك الشجرة ومن احفاده حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنين (علیه السلام) كنيته أبو يعلى ثقة جليل القدر نبيل

ص: 442

الشأن وقبره الشريف على خمسة فراسخ من الحملة في قرية يقال لها خمرة قريباً من المزيدية یزار ويطلب منه الحوائج والكرامات المشاهدة من قبره اكثر من ان تحصى واوفر من أن تستقصى و كان العباس (علیه السلام) في العبادة وكثرة الصلاة والسجود بمرتبة عظيمة قال الصدوق فى ثواب الاعمال كان يبصر بين عينيه اثر السجود و خبر ورود الرؤوس بالكوفة ورأس العباس مشهور وسيأتي ان شاء الله لكن واي عبادة از کی وافضل من نصرة ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وحماية بنات الزهراء وسقى ذراري رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) قيل ان اصحاب الحسين (علیه السلام) باتوا ليلة العاشر من المحرم ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد لكن خصص العباس من بينهم بحفظ بنات رسول الله واهل بيته كان راكباً جواده متقلداً سيفه اخذاً رمحه يطوف حول الخيم لانه آخر ليلة اراد ان يوفي ما كان عليه ويرفع الوحشة من قلوب الهاشميات حتى يجدن طيب الكرى وقد احاطت بين الاعداء وكانت عيون الفاطميات به قريرة وعيون الاعداء منه باكية ساهرة لانهم خائفون مرعوبون من ابي الفضل وما تنام اعينهم خوفا من بأسه وسطوته ونكال وقمته وانقلب الامر ليلة الحادي عشر قرت عيون العسكر وبكت وسهرت عيون الفاطميات لنعم ما قيل:

اليوم نامت اعين بك لم تنم *** وتسهدت أخرى فعز منامها

وفي تأدبه عليه السلام انه ما كان يجلس بين يدي الحسين (علیه السلام) إلا باذنه كان كالعبد الذليل بين يدي المولى الجليل وكان ممتثلا لاوامره ونواهيه مطبعاً له وكان له كما كان ابوه علي (علیه السلام) لرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومن تأدبه لم يكن يخاطب الحسين (علیه السلام) إلا ويقول ياسيدي يا ابا عبدالله يا ابن رسول الله وما كان يخاطبه بالاخوة قيل في مدة عمره إلا مرة واحدة خاطب الحسين (علیه السلام) بالاخوة وهو الساعة التي ضربوه بعمود الخ وكان روحي له الفداء يلقب في زمان حياته بقمر بني هاشم ويكني ابا الفضل

ص: 443

ولقب في الطف بالسقاء ومن ألقابه الطيار لان الله وهب له جناحين بطير بهما في الجنة ومن القابه باب الحوائج و كان لواء الحسين (علیه السلام) معه وكان اميراً وزيراً سفيراً وربما كان بالطف ركز لواءه امام الحسين (علیه السلام) وحامى عن الاصحاب والاحباب او استقى ماء وحامى عن أربعة من الاصحاب وهم عمرو بن خالد ومولاه سعد ومجمع بن عبدالله وجنادة بن الحارث فشدوا مقاتلين فاحاط القوم بهم فندب الحسين (علیه السلام) اخاه العباس لهم فحمل العباس وحده وضرب فيهم بسيفه حتى فرق القوم عنهم وخلصهم واتى بهم ولكنهم كثيرة فابوا من كانوا عازمين على الشهادة وقد أصابتهم جراحات کثیرة فابوا من الرجوع وقالوا يا ابا الفضل اين تذهب بنا ونحن نطلب الشهادة خل بيننا وبين القوم فعاودوا الى القتال وحملوا والعباس يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد فجاء العباس الى اخيه الحسين (علیه السلام) واخبرهم بخبر هم وهو روحي له الفداء راية اخيه الحسين (علیه السلام) و كبش كتيبته وجعل نفسه الكريمة وقاية لاخيه الحسين (علیه السلام) حيث كان بين يديه فى (المنتخب) ولما قتل عسكر الحسين (علیه السلام) وقتل بنو عمه واخوته بكى العباس وأن واشتاق الى لقاء ربه وحن وحمل الرابة وجاء نحو اخيه الحسين (علیه السلام) وقال يا أخاه هل من رخصة فبكى الحسين (علیه السلام) حتى ابتلت لحيته بالدموع وقال اخي انت العلامة من عسكري وانت مجمع عددنا فاذا غدوت بؤول جمعنا الى الشتات وعمارتنا تنبعث الى الخراب فقال العباس فداك روح اخيك ياسيدي لقد ضاق صدري من حياة الدنيا واريد أخذ الثار من هؤلاء المنافقين فقال الحسين (علیه السلام) غدوت الى الجهاد فاطلب لهؤلاء الاطفال قليلا من الماء فلما اجاز الحسين (علیه السلام) اخاه العباس للبراز برز كالجبل العظيم وقلبه كالطود الجسيم لانه كان هماما وبطلا ضرغاما وكان جسوراً على الطعن والضرب في ميدان الكفاح والحرب فلما توسط الميدان وقف ونادى ياعمر بن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول لكم انكم قتلتم اصحابه واخوته وبني

ص: 444

عمه وبقي فريداً مع اولاده وعياله وهم عطاش قد احرق الظمأ قلوبهم فاسقوهم شربة من الماء لان اولاده واطفاله وعياله قد وصلوا الى الهلاك وهو مع ذلك يقول لکم دعوني اخرج الى طرف الروم او الهند واخلي لكم الحجاز والعراق والشرط لكم اني غداً في القيامة لا اخاصمكم عند الله حتى يفعل الله بكم ما يريد فلما اوصل العباس اليهم الكلام عن اخيه فمنهم من سكت ولم يرد جوابا ومنهم من جلس يبكي فخرج الشمر وشبث بن ربعي (لع) فجاءا نحو العباس وقالا يا ابن ابي تراب قل لاخيك لو كان كل وجه الارض ماء وهو تحت ايدينا ما اسقيناكم منه قطرة إلا ان تدخلوا في بيعة يزيد فتبسم العباس ومضى الى اخيه الحسين (علیه السلام) وعرض عليه ما قالوا فطأطأ الحسين (علیه السلام) برأسه الى الارض وبكى حتى بل ازياقه فسمع الحسين (علیه السلام) الاطفال وهم ينادون العطش العطش فلما سمع العباس ذلك رمق بطرفه الى السماء وقال الهي وسيدي اريد ان أعتد بعدتي واملاً لهؤلاء الاطفال قربة من الماء فركب فرسه واخذ رمحه والقربة وكان عمر بن سعد (لع) قد جعل اربعة آلاف خارجي موكلين على الماء لا يدعون احداً من اصحاب الحسين يشربون منه فلما رأوا العباس قاصداً الى الفرات احاطوا به من كل جانب ومكان فقال لهم العباس ياقوم انتم كفرة ام مسلمون هل يجوز في مذهبكم او في دينكم ان تمنعوا الحسين (علیه السلام) وعياله شرب الماء والكلاب والخنازير يشربون منه والحسين (علیه السلام) مع اطفاله واهل بيته يموتون عطشاً اما تذكرون عطش القيامة فلما سمعوا كلام العباس (علیه السلام) وقف خمسمأة رجل ورموه بالنبل والسهام فحمل عليهم العباس هذا ما اورده الطريحي في شهادة العباس الى آخر ما ذكر واما ما ذكر المجلسي (قده) في شهادة العباس هو هذا قال في (البحار) عن بعض تأليفات الاصحاب ان العباس لما رآى وحدته اني اخاه وقال يا اخي هل من رخصة فبكى الحسين (علیه السلام) بكاء شديداً ثم قال يا اخي انت صاحب لوائي واذا مضيت تفرق عسكري

ص: 445

فقال العباس (علیه السلام) قد ضاق صدري وسئمت من الحياة واريد ان اطلب ثاري من هؤلاء المنافقين فقال الحسين (علیه السلام) فاطلب لهؤلاء الاطفال قليلا من الماء فذهب العباس ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم فرجع الى اخيه فاخبره فسمع الاطفال ينادون العطش العطش فركب فرسه و اخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات فاحاط به اربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم على ما روى ثمانين رجلا وجعل يقول (لا أرهب الموت اذا الموت رقى) الخ. حتى اذا دخل الماء فلما اراد ان يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين (علیه السلام) واهل بيته فرمى الماء وفي (المنتخب) قال والله لا اشربه واخي الحسين (علیه السلام) وعياله واطفاله عطاش لا كان ذلك ابداً انتهى وعن ابي مخنف وهو يقول:

يا نفس من بعد الحسين هوني *** وبعده لا كنت ان تكوني

هذا الحسين شارب المنون *** وتشربين بارد المعين

هيهات ما هذا فعال ديني *** ولا فعال صادق اليقين

انتهى وملأ القربة وحملها على كتفه الايمن وتوجه نحو الخيمة فقطعوا عليه الطريق و احاطوا به من كل جانب فحاربهم وفي التظلم فاخذوه بالنبال من كل جانب حتى صار درعه كالقنفذ من كثرة السهام مكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فقطعها فاخذ السيف بشماله وحمل القربة على كتفه الايسر وهو يرتجز ويقول:

والله ان قطعتموا يميني *** اني احامي ابداً عن ديني

وعن امام صادق اليقين *** نجل النبي الطاهر الامين

فقاتل حتى ضعف فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي او نوفل الازرق فضربه بالسيف على شماله فقطع يده من الزند فحمل القربة باستانه وهو يقول:

ص: 446

يا نفس لا تخشي من الكفار *** وابشري برحمة الجبار

مع النبي السيد المختار *** قد قطعوا ببغيهم يساري

فاصلهم يارب حر النار

وجاءه سهم واصاب القربة واريق ماؤها ثم جاءه سهم آخر فاصاب صدره فانقلب عن فرسه وفي خبر فضر به ملعون بعمود من حديد ففلق هامته فقتله ولما انقلب عن فرسه صاح الى اخيه الحسين (علیه السلام) ادركني فلما اتاه رآه صريعاً فيكي وحمله الى الخيمة ثم قالوا ولما قتل العباس قال الحسين (علیه السلام) الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي انتهى وفى (ابصار العين) فخر صريعاً الى الارض فنادى باعلي صوته ادركني يا اخي فانقض اليه ابو عبد الله كالصقر فرآه مقطوع اليمين واليسار مرضوخ الجبين مشكوك العين بسهم مرتثاً بالجراحة فوقف عليه منحنياً وجلس عند رأسه يبكي حتى فاضت نفسه ثم حمل القوم يضرب فيهم يميناً وشمالا فيفرق من بين يديه كما تفر المعزى اذا شد فيها الذئب وهو يقول اين تفرون وقد قتلتم اخي ابن تفرون وقد فتم عضدي ثم عاد الى موقفه منفرداً انتهى (اقول) ولنعم ما قيل:

بذلت ايا عباس نفساً نفيسة *** لنصر حسين عز بالجد عن مثل

ابيت التذاذ الماء قبل التذاذه *** فحسن فعال المرء فرع عن الاصل

قانت اخو السبطين في يوم مفخر *** وفي يوم بذل المال انت ابوالفضل

الاخر يقول

لا تنس العباس حسن مقامه *** بالطف عند الغارة الشعواء

وامی اخاه بها وجاد بنفسه *** في سقي اطفال له ونساء

رد الالوف على الالوف معارضاً *** حد السيوف بجبهة عراب

ص: 447

وفى (القمقام) للمرحوم فرهاد ميرزا لما قتل العباس واقبل اليه الحسين (علیه السلام) قال الآن انكسر ظهري وانقطع رجائي وقال ابن شهر اشوب لما قتل العباس «علیه السلام» يكى الحسين عليه السلام بكاء شديدا وانشأ يقول:

تعديتم ياشر قوم ببغيكم *** وخالفتم دين النبي محمد

اما كان خير الرسل اوصاكم بنا *** اما نحن من نسل النبي المسدد

اما كانت الزهراء امي دونكم *** اما انا من خير البرية احمد

لعنتم واخزيتم بما قد جنيتم *** فسوف تلاقوا حر نار توقد

وقال في (الناسخ) ان الحسين (علیه السلام) رثاه بهذه الابيات:

احق الناس ان يبكى عليه *** فتى ابكى الحسين بكربلاء

اخوه وابن والده علي *** ابو الفضل المضرج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء *** وجاد له على عطش بماء

في البحار وفي القمقام والناسخ وغيرهما قال القاسم بن الاصبغ المجاشعي لما اتي بالرؤوس الى الكوفة اذا بفارس من احسن الناس وجهاً وقد علق فى عنق فرسه رأساً وهو غلام امرد ووجهه كأنه القمر ليلة تمامه وبين عينيه اثر السجود فاذا طأطأ الفرس برأسه لحق الرأس بالارض فقلت له رأس من هذا فقال رأس العباس بن علي بن ابي طالب قلت ومن انت قال حرملة بن كاهل الاسدي قال فلبثت اياماً واذا بحرملة وهو اشد سواداً من الفار فقلت له لقد رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب انضر وجهاً منك واليوم اراك في اقبح وجه واسوده فبكى وقال منذ حملت الرأس الى اليوم ما تمر على ليلة إلا واثنان يأتيان ویأخذان بعضدي وينتهيان بي الي النار فيدفعاني فيها وانا احترق ثم مات على اقبح هيئة لا رحمه الله التخميس المرحوم المبرور العالم الجليل الشيخ جعفر الهر (قده)

ص: 448

عباس ياحامي الضعينة والحرم *** بحماك قد نامت سكينة بالحرم

صرخت و نامت يوم قد سقط العلم *** اليوم نامت اعين بك لم تنم

وتسهدت أخرى فمز منامها

وقيل فيه:

لمن الهوا اعطي ومن هو جامع *** شملي وفي ضنك الزحام يقيني

عباس كبش كتيبتي وكنانتي *** وسري قومي بل اعز حصوني

عباس تسمع ما تقول سكينة *** عماه يوم الامر من يحميني

قال المرحوم الدر بندي في الاسرار ان الحسين (علیه السلام) انتحى عليه ليحتمله ففتح العباس عينيه فرآی اخاه الحسين (علیه السلام) يريد ان يحمله فقال له الى ابن تريدبي يا اخي فقال الى الخيمة فقال اخي بحق جدك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) عليك ان لا تحملني دعني في مكاني هذا فقال (علیه السلام) لماذا قال اني مستح من ابنتك سكينة وقد وعدتها بالماء ولم آتها به والثاني انا كبش كتيبتك ومجمع عددك فاذا رآني اصحابك وانا مقتول فلربما يقل عزمهم ويذل صبرهم فقال الحسين (علیه السلام) حزبت عن اخيك خيراً حيث نصرتني حياً وميتاً (اقول) وهذا يؤيد ما قال ابو مخنف ان العباس اول مقتول بيوم الطف قبل الاصحاب وقبل شهادة بني هاشم و يظهر من كلام ابي مخنف ان العباس قتل في اليوم التاسع فليراجع هناك والحاصل قال في (الاسرار) فرضعه في مكانه ورجع الى الخيمة وهو يكفكف دموعه بكه فلما رأوه مقبلا انت اليه سكينة ولزمت عنان جواده وقالت يا ابتاه هل لك علم بعمي العباس أراه ابطأ وقد وعدني بالماء وليس له عادة ان يخلف وعده فهل شرب ماء بعمي او بل غليله ونسى ما وراءه ام هو مجاهد الاعداء فعندها بكى الحسين (علیه السلام) وقال يا ذناه ان عمك العباس قتل وبلغت روحه الجنان فلما سمعت زينب الخ مضى في المجلس السابق وفي بعض الكتب اخذ الحسين (علیه السلام) رأسه ووضعه في حجره وجمل يمسح

ص: 449

الدم عن عينيه فرآه وهو يبكي فقال الحسين (علیه السلام) ما يبكيك يا اباالفضل قال اخي بانور عيني وكيف لا ابكي ومثلك الان جئتني واخذت رأسي عن التراب فبعد ساعة من يرفع رأسك عن التراب ومن يمسح التراب عن وجهك وكان الحسين (علیه السلام) جالساً اذ شهق العباس شهقة وفارقت روحه الطيبة وصاح الحسين (علیه السلام) والاخاه واعباساه (تنبيه) قد اختلف ارباب المقاتل في وقت شهادة العباس ويظهر من القمقام انه آخر من قتل ولم يقتل بعده احد الا سيدنا الحسين ويظهر من كلام صاحب الناسخ ان علي بن الحسين الاكبر آخر من قتل من بني هاشم وقتل العباس قبله وهذا كلامه لما قتل العباس لم يبق للحسين (علیه السلام) احد إلا ولده علي الاكبر فبرز ويظهر من كلام ابي مخنف ان العباس اول من قتل كما ذكرنا ويظهر من كلام المجلسي (رحمه الله) ان العباس قتل قبل علي بن الحسين الاكبر وقتل قبل القاسم ويظهر من كلام المفيد وابن طاووس ان العباس آخر من قتل ولم يبق بعده احد إلا سيدنا الحسين «علیه السلام» والله اعلم بحقائق الامور.

المجلس الحادي والعشرون

نذكر بعض ما ظفرت به في كتب المقاتل مما يتعلق بالعباس عليه السلام ونذكر شيئاً من المقدمات الموجعة والمرققة للقلوب (منها) فى معدن الجواهر الكراجكي قال قال الحسن بن علي (علیه السلام) مصائب الحزن اربع موت الوالد وموت الولد وموت الاخ وموت الامرأة فموت الوالد قاصم الظهر وموت الولد صدع الفؤاد وموت الاخ قص الجناح وموت الامرأة حزن ساعة وفي بعض الكلمات من لا اخ له لا ظهر له و«منها» لما قدم لقمان من سفر له أتي غلامه في بعض الطريق فقال له ياغلام ما فعل ابي قال مات قال لقمان ملكت امري قال ما فعلت زوجتي قال ماتت قال لقمان جدد فراشي

ص: 450

قال ما فعلت اختي قال ماتت قال لقمان سترت عورتي قال ما فعل اخي قال مات قال لقمان الآن انكسر ظهري فاذاً لا يلام الحسين عليه السلام حين وقف على العباس وقال الآن انكسر ظهري. نظم قيل فيه عن لسان الحسين (علیه السلام)

سأبكيك حتى يرتوي عاطش الثری *** بصيب دمع ليس ينفك جاريا

وان كان لا يجدي البكاء ولم يعن *** على الاسى من ذلك العهد ضاميا

فقدت اخا براً وليثاً غضنفراً *** ورمحا ردينياً وعضباً يمانيا

و«منها» قال ابن خلكان في وفيات الاعيان توفي السيد الرضي «ره» بكرة يوم الاحد سادس محرم وقيل سادس صفر سنة ست واربعماة ببغداد وكانت ولادته سنة تسع وخمسين وثلاثمأة ببغداد ولما توفى مضى اخوه المرتضى الى مشهد موسى بن جعفر (علیه السلام) لانه لم يستطع ان ينظر الى تابوته ودفنه اذاً ساعد الله قلب الحسين (علیه السلام) يوم نظر الى جسد اخيه العباس فرآه مقطوع اليمين والشمال الخ (اقول) ويعجبني كلام علي (علیه السلام) في الديوان المنسوب الى امير المؤمنين (علیه السلام) يقول «علیه السلام»

السيف والخنجر ريحاننا *** اف على النرجس والياس(1)

شرابنا من دم اعدائنا *** وكأسنا جمجمة الراس

وكأن شبوله تعلموا منه هذا المقال سيما قرة عينه ابي الفضل عليه السلام كان يستقبل السيوف والسهام والرماح بوجهه ونحره وصدره كأن كل سهم طاقة ريحان من الحبيب الى المحبوب نظم:

باقي الرماح بنحره فكأنما *** في ظنه عود من الريحان

ويرى السيوف وصوت وقع حديدها *** عرساً تجليها عليه غواني

ولا يخفى ان الشهداء اذا اصابهم سهم كانوا يتمكنون من دفعه بايديهم او يخرجونه

ص: 451


1- الآس. (نسخة)

من ابدانهم بها فما حال من قطعت يمينه وشماله والرماة كانوا اربعة آلاف والسيد حيدر اشار بقوله:

وهل يملك الموتور قائم سيفه *** ليدفع عنه الضيم وهو بلا كف

وكل فارس اذا اراد الترجل يتلقى باحدى يديه قبة السرج وباحدى يديه الشكيمة و يترجل فما حال من يداه مقطوعتان وكل شهيد اذا سقط على الارض استقبل الارض بيديه فيهون عليه السقوط فما حال من كان جسيما و بدنه كالقنفذ من كثرة السهام والنبال فوا اسفاه عليك ياقمر بني هاشم فما حالك حين هويت الى الارض والسهام نابتة في اضالعك وصدرك وبدنك وفي بعض الكتب لما نادى با اخاه ادرك اخاك ساق الریح صوت العباس الى مسامع الحسين (علیه السلام) انتهى في (الاسرار) نقلا عن بعض كتب المقاتل انه اذا كان يوم القيامة واشتد الأمر على الناس بعث رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) امير المؤمنين الى فاطمة لتحضر مقام الشفاعة فيقول امير المؤمنين (علیه السلام) يافاطمة ما عندك من اسباب الشفاعة وما ادخرت لاجل هذا اليوم الذي فيه الفزع الاكبر فتقول فاطمة يا امير المؤمنين كفانا لاجل هذا المقام اليدان المقطوعتان من ابني العباس وفيه ايضاً قال المرحوم الدربندي اخبرني جمع من الثفاة فى هذا الزمان ان واحداً من مؤمني هذا العصر وهو الآن موجود كان يزور الحسين (علیه السلام) في كل يوم وما كان يزور العباس إلا في الاسبوع مرة وقد رآى في الطيف الصديقة الطاهرة (علیه السلام) وسلم عليها فاعرضت عنه فقال بابي انت وامي لاي تقصير تعرضين منى قالت لاعراضك من زيارتك ابني قال انا ازور ابنك في كل يوم قالت تزور ابني الحسين (علیه السلام) ولا تزور ابني العباس إلا قليلا قال المرحوم ثم انظر الى اسمه الشريف عند المخالف والمؤالف فانه قد جعل قريباً من اسماء الأئمة والحجج ولا تمضي ساعة إلا وقد وقع الحلف باسمه الشريف بل الرعب منه أكثر من غيره بحيث لا يحلفون باسمه كذبا خوقا من الابتلاء

ص: 452

وقد شاهدوا ذلك وقصة التوسل به في قضاء الحوائج بحيث لا يمضي اسبوع إلا وقد علا احدهم على المنارة العباسية وينادي باعلى الصوت رفع الله رايه العباس و بيض الله وجهه فانه قد قضيت حوائجنا بتوسلنا اليه وجعل انفسنا دخيل بابه وكيفية النذورات له وكثرتها معلوم وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد باقر البرجندي القائني في الكبريت الاحمر أني رأيت فى المنام كأن قائلا يقول من توسل بالعباس بهذه العبارة قضيت حاجته عبد الله اباالفضل دخيلك قال عرضت لي حوائج عظيمة بعد هذا الطيف وتوسلت به بهذه الكلمة قضيت من حيث لم احتسب وسمعت من بعض الاساتيذ كان رجل من ساكني كربلا وهو من اهل الخير والصلاح وله ولد صالح قد مرض فجاء به الى الروضة المقدسة وتوسل بالعباس واستشفع به الى الله في شفاء ابنه فلما اصبح اقبل اليه رجل من اخلائه وقال له رأيت رؤيا اريد ان اقصها عليك وهي هذه كأن العباس سأل الله وطلب منه شفاء ابنك فاقبل اليه ملك من قبل رسول الله يقول له يا اباالفضل لا تشفع في شفاء هذا الشاب فانه قد بلغ الكتاب احاد. قد انقطعت مدته وتصرمت ايامه فقال العباس (علیه السلام) للملك ابلغ رسول الله عني السلام وقل استشفع بك الى الله واطلب منه شفاءه فمضى الملك ثم عاد وفال مثل كلامه الاول الى ثلاث مرات واجاب العباس بمثل جوابه الاول ففي الرابع لما جاء الملك واعاد الكلام قام العباس متغير اللون أقبل على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وسلم عليه وقال يارسول الله او ليس ان الله قد مماني بباب الحوائج والناس علموا ذلك ويستشفعون ويتوسلون بي الي الله وان لم يكن كذلك فليسلب هذا الاسم مني فتبسم النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وقال ارجع اقر الله عينك فانت باب الحوائج واشفع لمن شئت وهذا الشاب المريض قد شفاه الله ببركتك فانتبهت هكذا نعم والله

باب الحوائج ما دعته مروعة *** في حاجة إلا ويقضي حاجها

ص: 453

ومما يزيد في الرقة والبكاء على العباس ان الجراحات التي كانت في جسد العباس (علیه السلام) لا تعدو ولا تحصى واكثر من جراحات سائر الشهداء لان الانسان يحفظ جسده وبدنه عن جميع الافات باليدين والعين ينظر بعينه ويدفع بيده واهل الكوفة - لع - احاطوا بالعباس وقطعوا يديه اولا ورموا عينه بسهم فوقف العباس بينهم مقطوع اليدين ومشكوك العين لا يرى شيئاً ولا يتمكن من دفع شيء وهم «لع» صنعوا به ما صنعوا وقيل ان الحسين لم يحمله الى المحيم لانه لم يتمكن من حمله من كثرة الجراح وما كان قابلا للحمل والنقل في بعض الكتب ان العضاب بن الاسود الكندي (لع) رماه بسهم على عينه الشريفة وفي كتاب عدة الشهور لما كانت ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان واشرف علي (علیه السلام) على الموت اخذ العباس وضمه الى صدره الشريف وقال ولدي وستقر عيني بك في يوم القيامة ولدي اذا كان يوم عاشوراء ودخلت المشرعة اياك ان تشرب الماء واخوك الحسين عطشان ومن معجزات ابي الفضل الذي ذكره المرحوم الدر بندي في الاسرار قال ومن ذلك ما اخبرني السيد الاجل السيد احمد من نجل السيد الافخم العلامة السيد نصر الله المدرس الحاري باني كنت مع جمع من الخدام قاعدين في الصحن الشريف للحضرة العباسية فبينما نحن كذلك فاذا برجل قد خرج من الحرم الشريف راكضاً عجلا واضعاً احدى يديه على اصل خنصرة يده الاخرى حتى انه خرج من الصحن الشريف فنمنا مسرعين نحوه فلقيناه بعد ان خرج من الصحن فرفع يده من أصل الخنصرة فاذا خنصرته مقطوعة من أصلها يسيل الدم منها سيلان الماء من الميزاب فرجعنا مسرعين الى الحرم الشريف فوجدنا خنصرته بين شبكات الضريح معلقة عليها ولم تقطر قطرة دم منها كأنها عضو من اعضاء غير الحي ثم ان هذا الرجل قد مات بعد ليلة من ذلك اليوم وكان ذلك لاجل تقصير منه من مخالفة عهد أو نذر أو الاهانة ونحو ذلك.

ص: 454

المجلس الثاني والعشرون

في شهادة اولاد الحسن (علیه السلام)

قال ابو مخنف وبرز من بعده اخوه احمد بن الحسن ويظهر من كلامه ان احمد بن الحسن قتل بعد القاسم وليس بمعلوم بل ويظهر من سائر كتب المقاتل انه قتل قبل القاسم وله من العمر ستة عشر سنة و كان صبيح المنظر حسن الوجه و كان جسوراً على الطعن والضرب في ميدان الكفاح والحرب فبرز وهو يعون:

اني انا نجل الامام ابن علي *** اضربكم بالسيف حتى يفلل

نحن وبيت الله اولى بالنبي *** اطعنكم بالرمح وسط الفسطل

فقلب الميمنة على الميسرة والميسرة على الميمنة حتى قتل ثمانين فارساً ورجع الى الحسين (علیه السلام) وقد غارت عيناه من شدة العطش فنادى ياعماه هل من شربة ابرد بها كبدي واتقوى بها على اعداء الله ورسوله فقال له الحسين (علیه السلام) يا ابن اخي اصبر قليلا حتى تلقى جدك رسول الله فيسقيك شربة من الماء لا تظمأ بعدها ابداً فرجع الغلام الى القوم فحمل عليهم وانشأ يقول:

اصبر قليلا فالمنى بعد العطش *** فان روحي في الجهاد تنكش

لا ارهب الموت اذا الموت وحش *** ولم اكن عند اللقاء ذارعش

قال ثم حمل على القوم فقتل منهم خمسين فارساً وهو يرتجز ويقول:

اليكم من بني المختار ضربا *** يشيب لهوله رأس الرضيع

پديد معاشر الكفار جمعاً *** بكل مهند عضب قطيع

ثم حمل على القوم فقتل منهم ستين فارساً ثم قتل (رحمه الله) ومن اولاد الحسن الذين قتلوا معه في الطف أبو بكر بن الحسن وهو اخو القاسم لابيه وامه وامها أم

ص: 455

وقال في «نفس المهموم» وذكر ابو الفرج ايضاً ان ابا بكر قتل قبل اخيه القاسم ولكن الطبري والجزري والشيخ المفيد وغير هؤلاء ذكروه بعد القاسم والله العالم وفيه ان عبدالله بن عقبة الغنوي قتله وقال فى «الناسخ» ان ابا بكر بن الحسن اسمه عبدالله الاكبر برز وهو يرتجز ويقول:

ان تنكروني فانا ابن حيدره *** ضرغام اجام وليث قسوره

على الاعادي مثل ريح صرصره *** اكيلكم بالسيف كيل السندره

وحمل على القوم وقتل منهم اربعة عشر فارساً وكمن منه لعين يقال له هاني بن ثبيت الحضرمي وقتله فاسود وجهه قال ابو الفرج كان ابو جعفر [علیه السلام] يذكر ان حرملة بن كاهل الاسدي قتله قال في «الناسخ» ان ابا بكر بن الحسن (علیه السلام) كان اكبر سناً من القاسم وفيه ان الحسن (علیه السلام) عشر بن ولداً وذكر اساميهم بهذا التفصيل زيد وحسن وحسين الاثرم وعلي الاكبر وعلي الاصغر وجعفر وعبد الله الاكبر وعبد الله الاصغر والقاسم وعبدالرحمن واحمد واسمعيل ويعقوب وقال قال ابن الجوزي ان اسمعيل ويعقوب كانا من جعدة بنت الاشعث وهو متفرد في هذا القول وليس بمعلوم لان جعدة ليس لها ولد من الحسن وعقيل ومحمد الاكبر ومحمد الاصغر وحمزة وابو بكر وعمر وطلحة وكان منهم مع الحسين سبعة الحسن المثنى وعبد الله الاكبر وعبدالله الاصغر والقاسم وعمر بن الحسن وابو بكر بن الحسن وفي خبر كان زيد ابن الحسن مع الحسين والله اعلم قال وقتل منهم مع الحسين خمسة ونجا منهم اثنان عمر كان مع الاسراء والحسن المثنى فى (البحار) وكان الحسن بن الحسن حضر مع عمه الحسين [علیه السلام] يوم العلف وله من العمر اثنتان وعشرون سنة وقاتل في نصرة عمه الحسين [علیه السلام] قتالا شديدا وقتن سبعة عشر رجلا واصابة ثمانية عشر جراحة فوقع جريحاً وبه ر.ق من الحياة فلما قتل الحسين [علیه السلام] واسر الباقون من

ص: 456

اهله جاء اسماء بن خارجة فانتزعه من بين الاسارى وقال لا يوصل الى ابن خولة ابداً فقال عمر بن سعد دعوا لابي حسان ابن اخته فجاء به الى الكوفة وهو جريح فداواه وبقي عنده ثمانية اشهر أو سنة على ما رواه ابن قتيبة ورجع الى المدينة وكان عمر بن الحسن مع الاسارى فقال له يزيد (لع) اتصارع ابني هذا يعني خالداً فقال له ما في قوة للصراع ولكن اعطني سكيناً واعطاء سكيناً فاما ان يقتلني فالحق بجدي رسول الله وابي علي بن ابي طالب واما ان اقتله فالحقه بجده ابي سفيان وابيه معاوية فتأمل يزيد وقال شنشنة اعرفها من اخزم (هل تلد الحية إلا الحية) وممن قتل منهم القاسم بن الحسن (علیه السلام) (اقول) لما كنت اراجع كتب المقاتل في اللين هذا المقتل (منها) كتاب المنتخب للطريحي (قده) وهو العالم الفاضل والمحدث الورع الزاهد العابد الفقيه الشيخ فخر الدين بن محمد بن علي بن احمد بن طريح النجفي الرماحي صاحب كتاب مجمع البحرين والمنتخب في المقتل والفخرية فى الفقه وشرح النافع والمشتركات وغير ذلك وكان اعبد اهل زمانه واورعهم توفي بالرماحية سنة الف وخمس وثمانين تغمده الله برحمته فرأيته قد ذكر شهادة القاسم بهذه الكيفية فاحبت ایراده لانه قد غلب على ظني صحته ثم اعلم ان المرحوم السيد هاشم البحراني (قدس سره) ايضاً ذكر هذه القصة بعينها في مدينة المعاجز في باب معجزات الحسن (علیه السلام) قال لما آل امر الحسين (علیه السلام) الى الفتان بكر بلا وقتل جميع اصحابه ووقعت النوبة على اولاد اخيه جاء القاسم بن الحسن (علیه السلام) وقال ياعم الاجازة لا مضى الى هؤلاء الكفرة فقال له الحسين (علیه السلام) يا ان الاخ انت من اخي علامة واريد ان تبقى لي لاتسلى بك ولم يعطه الاجازة البراز فجلس مهموما مغموما باكي العين حزين القلب واجاز الحسين (علیه السلام) اخوته البراز ولم يجزه فجلس القاسم متألماً ووضع رأسه على رجليه وذكر ان اياه قد ربط له عوذة في كتفه الايمن وقال له اذا اصابك ألم وهم فعليك بحل العوذة وقرائنها وافهم معناها واعمل

ص: 457

بكل ما تراه مكتوبا فيها فقال القاسم لنفسه مضى سنون علي ولم يصبني من مثل هذا الالم فحل العوذة وفضها ونظر الى كتابتها واذا فيها ياولدي قاسم اوصيك أنك اذا رأيت عمك الحسين (علیه السلام) في كربلا وقد احاطت به الاعداء فلا تترك البراز والجهاد لاعداء الله وأعداء رسول الله ولا تبخل عليه بروحك وكلما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك في البراز لتحظى بالسعادة الابدية فقام القاسم من ساعته واني الحسين(علیه السلام) وعرض ما كتب الحسن (علیه السلام) على عمه الحسين (علیه السلام) فلما قرأ الحسين العوذة بكى بکاه شدیداً و نادى بالويل والثبور وتنفس الصعداء وقال يا ابن الاخ هذه الوصية لك من ابيك وعندي وصية أخرى منه لك ولا بد من انفاذها فمسك الحسين (علیه السلام) على يد القاسم وادخله الخيمة وطلب عوناً وعباساً وقال لام القاسم او ليس القاسم نياب جدد قالت لا فقال لاخته زينب ايتيني بالصندوق فأتته به ووضع بين يديه ففتحه واخرج منه قباء الحسن (علیه السلام) و البسه القاسم ولف على رأسه عمامة الحسن ومسك بيد ابنته التي كانت مسماة للقاسم فعقد له عليها وافرد له خيمة وأخذ بيد البنت ووضعها بيد القاسم وخرج عنها فعاد القاسم ينظر الى ابنة عمه ويبكي الى ان سمع الاعداء يقولون هل من مبارز فرمى بيد زوجته واراد الخروج من الخيمة فجذبت ذيله وما نعته عن الخروج وهي تقول له ما يخطر ببالك وما الذي تريد أن تفعله قال لها اريد ملاقاة الاعداء فانهم یطلبون البراز واني أريد ملاقاتهم فلزمته ابنة عمه فقال لها خلي ذبلي فان عرسنا أخرناه الى الآخرة فصاحت و ناحت وانت من قلب حزين ودموعها جارية على خديها وهي تقول ياقاسم انت تقول عرسنا اخرناه الى الآخرة وفي القيامة باي شيء اعرفك وفي اي مكان اراك فمسك القاسم بده وضر بها على ردنه وقطعها وقال يا بنت العم اعرفيني بهذه الردن المقطوعة قال فانفجع اهل البيت بالبكاء لفعل القاسم وبكوا بكاء شديداً ونادوا بالويل والثبور قال من روى فلما رآى الحسين (علیه السلام) ان

ص: 458

القاسم يريد البراز قال له ياولدي انمشي برجلك الى الموت قال وكيف لا ياعم وانت الاعداء بقيت وحيداً فريداً لم تجد محامياً ولا صديقاً روحي لروحك الفداء ونفسي لنفسك الوقاء ثم ان الحسين (علیه السلام) شق ازياق القاسم وقطع عمامته نصفين ثم ادلاها على وجهه كأنه اراد ان يصون القاسم من اصابة عيون الاعداء مع صيانته عن حرارة الشمس ثم البسه ثيابه بصورة الكفن وشد سيفه بوسط القاسم واركيه على فرسه وارسله الى المعركة ثم ان القاسم قدم الى عمر بن سعد وقال ياعمر اما تخاف الله اما تراقب الله يا اعمى القلب اما تراعي رسول الله فقال عمر بن سعد (لع) اما كفاكم التبختر والتجبر اما تطيعون يزيد فقال القاسم لا جزاك الله خيراً تدعي الاسلام وآل رسول الله عطاشى ظماء قد اسودت الدنيا باعينهم فوقف هنيئة فما رآى احداً يقدم اليه فرجع الى الخيمة فسمع صوت ابنة عمه تبكي فقال لها ها انا جئتك فنهضت قائمة على قدميها وقالت مرحباً بالعزيز الحمد لله الذي اراني وجهك قبل الموت فنزل القاسم الى الخيمة وقال يا بنت العم مالي اصطبار ان اجلس معك والكفار يطلبون البراز فودعها وخرج وركب جواده وحماه في حومة الميدان ثم طلب المبارز فجاء اليه رجل يعد بالف فارس فقتله القاسم وكان له اربعة اولاد مقتولين على يد القاسم فضرب القاسم فرسه بسوط وعاد يقتل الفرسان الى ان ضعفت قوته فهم بالرجوع الى الخيمة واذا بالازرق الشامي قد قطع عليه الطريق وعارضه فضر به القاسم على ام رأسه فقتله وسار القاسم الى الحسين (علیه السلام) وقال يا عماه العطش العطش أدركني بشربة من الماء فصبره الحسين (علیه السلام) واعطاه خاتمه وقال حطه في فمك ومصه قال القاسم فلما وضعته في فمي كأنه عين ماء فارتويت وانقلبت الى الميدان ثم جعل همته على حامل اللواء واراد قتله فاحاطوا به بالنبل فوقع القاسم على الارض فضر به شيبة بن سعد الشامي بالرمح على ظهره فاخرجه من صدره فوقع القاسم يخور في دمه و نادى ياعم ادركني فجاءه

ص: 459

الحسين (علیه السلام) وقتل قاتله وحمل القاسم الى الخيمة فوضعه فيها ففتح القاسم عينيه فرآى الحسين (علیه السلام) قد احتضنه وهو يبكي ويقول ياولدي لمن الله قاتلك يعز والله على عمك ان تدعوه وانت مقتول يا بني قتلوك الكفار كأنهم ما عرفوك ولا عرفوا من جمك وابوك ثم ان الحسين (علیه السلام) بكى بكاء شديداً وجعلت ابنة عمه تبكي وجميع من كان منهم لطموا الخدود وشققوا الجيوب ونادوا بالول والثبور وعظائم الامور انتهى هذا ما في المنتخب واما ما ذكر في البحار ثم خرج القاسم بن الحسن وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم فلما نظر الحسين (علیه السلام) اليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ثم استأذن الحسين (علیه السلام) في المبارزة فابى الحسين (علیه السلام) ان يأذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى اذن له فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول:

ان تنكروني فانا ابن الحسن *** سبط النبي المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالاسير المرتهن *** دين اناس لاسقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة القمر فقاتل قتالا شديداً حتى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلا وقال ابو مخنف حتى قتل سبعين فارساً وفى (المناقب) جعل يقاتل ويقول:

اني انا القاسم من نسل علي *** نحن وبيت الله اولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن او ابن الدعي

انتهى وفي (البحار) فالحميد بن مسلم كنت في عسكر ابن سعد فكنت انظر الى هذا الغلام عليه ازار وقميص ونعلان وقد انقطع شسع احدهما ما انسى انه كان اليسرى فقال لي عمر بن سعد الازدي والله لاشدن عليه فقلت سبحان الله وما تريد بذلك والله لو ضربني ما بسطت اليه يدي يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه قال والله لا فعلن فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام لوجهه وقال ابو مخنف وكمن له ملعون فضر به على ام رأسه ففجر هامته وخر صريعاً ونادي

ص: 460

يا عماه ادركني في ( البحار ) فجاء الحسين (علیه السلام) كالصقر المنقض فتخلل الصفوف وشد شدة الليث المغضب فضرب عمر قاتله بالسيف فاتقاه بيده فاطنها من لدن المرفق فصاح صيحة سمعها اهل العسكر ثم تنحى عنه وحملت خيل اهل الكوفة ليستنفذوا عمر من الحسين (علیه السلام) فاستقبلته الخيل بصدورها وجرحته بحوافرها ووطئته حتى مات فانجلت الغبرة فاذا بالحسين (علیه السلام) قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه فقال الحسين (علیه السلام) يعز والله على عمك ان تدعوه ف- لا يجيبك او يجيبك فلا يعينك او يعينك فلا يغني فلا عنك بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم في يوم القيامة جدك وابوك هذا يوم والله كثر واتره وقل ناصره ثم احتمله على صدره قال حميد بن مسلم فكأني انظر الى رجلي الغلام يخطان في الارض فقد وضع صدره على صدره فقلت في نفسى ما يصنع به فجاء به حتى القاه بين القتلى من اهل بيته مع ولده علي الاكبر ثم قال اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً ولا تغفر لهم ابداً صبراً يا بني عمومتي صبراً يا اهل بيتي لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم ابداً وفي جلاء العيون ان القاسم رضت اعضاؤه تحت حوافر الخيول في شرح القصيدة عن مقتل الخوارزمي انشأ الحسين عليه السلام بعد شهادة القاسم (علیه السلام)

غریبون عن أوطانهم وديارهم *** تنوح عليهم في البراري وحوشها

وكيف لا تبكي العيون لمعشر *** سيوف الاعادي في البراري تنوشها

بدور تواری نورها فتغيرت *** محاسنها ترب الفلاة نعوشها

وفي القاسم يقول الاديب الفاضل الشيخ محمد السماري:

اتراه حين قام يصلح نعله *** بين العدى كيلا یروه بمحتفي

غلبت عليه شامة حسنية *** ام كان بالاعداء ليس بمحتفي

(بيان) محتفي الاول بمعنى المشي بلا نعال والثاني بمعنى الاعتناء يقال احتفى به

ص: 461

قال في ( نفس المهموم ) ان المرتضى علم الهدى (رحمه الله) زار القاسم بهذه الكلمات السلام على القاسم بن الحسن بن علي ورحمة الله وبركاته السلام عليك يا ابن حبيب الله السلام عليك يا ابن ريحانة رسول الله السلام عليك من حبيب لم يقض من الدنيا وطراً ولم يشف من اعداء الله صدراً حتى عاجله الاجل وفاته الامل فهنيئاً لك يا حبيب حبيب رسول الله ما اسعد جدك وافخر مجدك واحسن منقلبك وفي (الناسخ) لما جاء به الى الخيمة ووضعه مع القتلى من اهل بيته قال اللهم انك تعلم انهم دعونا لينصرونا فخذلونا واعانوا علينا اعدائنا اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً ولا تغفر لهم ابداً اللهم ان كنت حبست عنا النصر في دار الدنيا فاجعل ذلك ذخراً لنا في الآخرة وانتقم لنا من القوم الظالمين . لبعض الادباء في رثاء القاسم (علیه السلام)

قسم الاله الرزء بين اعاظم *** لارزء اعظم من مصاب القاسم

حسني خلق من نجاد محمد *** مضري عرق من سلالة هاشم

غصن نضير من اصول مفاخر *** ثمر جني من فروع مكارم

قتال ابطال مبيد كتائب *** فتاك اساد هزبر ملاحم

هزم الكماة بقوة علوية *** وابادهم طراً ببطش هاشم

لله يوم خر فيه على الثرى *** مكسورة الاضلاع تحت مناسم

نادى حسيناً عمه متشكياً *** بعد الوصال وقرب هجر دائم

فاتاه وهو اذا يجود بنفسه *** ويفيض منه الجرح فيض غمائم

ويلوك كالحوت التريب لسانه *** لو كا ويفحص كالقطا بقوادم

قال في (الاسرار) في القاسم (علیه السلام) هو غصن من اغصان شجرة النبوة وثمرة من ثمرات الامامة والخلافة وان فتيان بني هاشم قد ارتضعوا من ثدي الفتوة ولبان الشجاعة واغلمة بني عبد المطلب كبروا في ظل النباهة والشهامة ولله در من قال:

ص: 462

وضجيع طفلهم وان ثوى *** منهم فتى فمع المهند يقبر

فكأنهم يرجون لقيا ربهم *** بالبيض تشفع عنده وتكفر

قال الآخر:

فوليدهم في المهد يألف سيفه *** فكأنه والسيف قد ولدا معاً

وقال السيد السند الحبر المعتمد المرحوم الحاج سيد جواد (رحمه الله) استاذ جميع القراء في كربلا المشرفة:

كأن الحرب وبتهم صغارا *** وهم شكروا مساعيها كبارا

في الدمعة أصيب القاسم و به خمسة وثلاثون سهما قال المرحوم ملا محمد صالح الحلي

تلك الوجوه المشرقات كأنها *** الاقمار تسبح في غدير دماء

الى ان قال:

خضوا وما شابوا وكان خضابهم *** بدم من الأوداج لا الحناه

كأن هذا الاديب اقتبس هذا المعنى من لسان علي (علیه السلام) حيث قال يوم صفين ألا وان خضاب الرجال الدماء وخضاب النساء الحناء يقول الكواز هذا الشاعر الاديب اللبيب الامر كما ذكرت يا امير المؤمنين وكما وصفت يهنيك حال اولادك يوم الطف حيث خضبوا من دماء نحورهم و مراده القاسم بن الحسن (علیه السلام) وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم وله من العمر ثلاثة عشر سنة توفي الحسن (علیه السلام) وله سنتان ورباه الحسين (علیه السلام) في حجره ومن اولاد الحسن الذين قتلوا في نصرة الحسين عبد الله بن الحسن وله من العمر احدى عشر سنة وفى شهادته قال المفيد ( ره ) ورجع عنه الشمر ومن كان معه الى مواضعهم فمكثوا هنيئة ثم عادوا اليه واحاطوا به فخرج اليهم عبدالله بن الحسن (اقول) ان المفيد (قده) ذكر شهادة عبد الله بن الحسن بعد ما رجع الحسين (علیه السلام) الى فسطاطه وتقدم اليه شمر بن ذى الجوشن في جماعة من اصحابه واحاطوا بالحسين (علیه السلام)

ص: 463

فاسرع مالك بن اليسر الكندي الى الحسين (علیه السلام) وصنع ما صنع الى آخر القصة قال (رحمه الله) فخرج اليهم عبد الله بن الحسن بن علي (علیه السلام) وهو غلام لم يراهق من عند النساء فشد حتى وقف الى جنب عمه الحسين (علیه السلام) فلحقته زينب بنت علي (علیها السلام) لتحبسه فقال لها الحسين (علیه السلام) احبسيه يا اختي فابى وامتنع عليها امتناعا شديدا وقال والله لا افارق عمي واهوى ابحر بن كعب الى الحسين بالسيف فقال له الغلام ويلك يا ابن الخبيثة اتقتل عمي فضر به ابحر بالسيف فاتقاه الغلام بيده واطنها الى الجلد فاذا يده معلقة ونادى الغلام يا عماه يا ابتاه فاخذه الحسين (علیه السلام) فضمه اليه وقال يا ابن اخي صبرا على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بابائك الصالحين ثم رفع الحسين (علیه السلام) يديه وقال اللهم فان متعتهم الى حين ففرقهم فرقاً واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم ابد أفانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا انتهى قال السيد في [اللهوف] فرماه حرملة بن كامل بسهم فذبحه في حجر عمه الحسين -ع- وفي خبر قال الحسين [علیه السلام] اللهم امسك عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الارض وخرجت زينب بنت علي [علیها السلام] وهي تنادي وا ابن اخاه وانور عيناه ليت الموت اعدمني الحياة وفى بعض الكتب لما قطعت يده التفت الصبي الى الخيمة ونادى يا اماه قد قطعوا يدي فخرجت امه وهي تنادي واولداه وافرة عيناه هذا آخر ما اوردنا من شهادة بني هاشم واهل بيت الحسين عليهم السلام الذين قتلوا معه بيض الله وجوههم وشكر مساعيهم ولنعم ما قيل فيهم:

وتطلعت بدجى القتام اهلة *** لكن ظهور الخيل من هالاتها

تجري الطلاقة في بهاء وجوههم *** ان قطبت فرقا وجوه كماتها

نزلت بقارعة المنون بموقف *** يستوقف الافلاك من حركاتها

غرست به شجر الرماح وانما *** قطفت نفوس العز من ثمراتها

ص: 464

حتى اذا نفذ القضاء واقبلت *** زمر العدى تستن في عدواتها

نشرت ذوائب عزها وتخايلت *** تطوي على حر الظلما مهجاتها

وتفيأت ظلل القنا وكأنها *** شجر الاراك تفيأت عذباتها

وتعانقت هي والسيوف وبعد ذا *** ملکت عناق الحور في جناتها

وبها هنا نختم ما يتعلق بشهادة بني هاشم والاصحاب والاحباب ثم اخذنا

وشرعنا في ذكر الفاجعة الكبرى والمصيبة العظمى اعني شهادة سيد

الخافقين ابي عبدالله الحسين عليه السلام وما وقع بعد شهادته الى ان

صارت الفواطم سبايا وفى ايدي الاعادي اسارى وما جرى

عليهن الى رجوعهن الى المدينة ومطالب اخرى ولا بأس

ان نسمى هذا الجزء بالجزء الثاني من الكتاب وان

كان مبنى الكتاب على كتاب واحد وجزء

واحد كما يظهر من سياق الفصول والله

العالم بما نقول.

ص: 465

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.